Translate ***

الجمعة، 1 يونيو 2018

4. باقي كتاب ابطال القياس والرأي


5. من الاحكام - ابن حزم ج 7
الجزء السابع
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الباب الثامن والثلاثون في:

إبطال القياس في أحكام الدين
حدثنا ابن نبات، نا أحمد بن عون الله، نا قاسم بن أصبغ، نا محمد بن عبد السلام الخشني، نا محمد بن بشار، نا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة، عن النزال بن سبرة: أن رجلا وامرأته أتيا ابن مسعود في تحريم فقال: إن الله تعالى بين فمن أتى الامر من قبل وجهه فقد بين له، ومن خالف فوالله ما نطيق خلافه، وربما قال: خلافكم.
قال أبو محمد: فهذا ابن مسعود يجعل كل ما ليس في النص خلافا لله تعالى، ويخبر أن البيان قد تم، وهذا إبطال القياس.
أخبرنا المهلب التميمي، نا بن مناس، نا محمد بن مسرور القيرواني، أنا يونس بن عبد الاعلى، نا عبد الله بن وهب قال: سمعت سفيان بن عيينة يحدث عن المجالد بن سعيد عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود أنه قال: ليس عام إلا والذي بعده شر منه لا أقول عام أمطر من عام، ولا عام أخصب من عام، ولا أمير خير من أمير، ولكن ذهاب خياركم وعلمائكم ثم يحدث قوم يقيسون الامور برأيهم فينهدم الاسلام وينثلم.
وكتب إلي النمري أحمد بن فتح الرسان، نا أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي، ثنا عبيدالله بن محمد بن عبد العزيز العمري، نا الزبير بن بكار، حدثني سعيد بن داود ابن أبي زببر عن مالك بن أنس، عن داود بن الحصين، عن طاوس، عن عبد الله بن عمر قال: العلم ثلاثة أشياء: كتاب ناطق وسنة ماضية، ولا أدري.
حدثنا أحمد بن عمر، حدثنا أبو ذر عبد بن أحمد الهروي، حدثنا أحمد بن عبدان بن محمد الحافظ النيسابوري بالاهواز، نا محمد بن سهل بن عبد الله المقرئ نزيل فسا، ثنا محمد بن إسماعيل البخاري مؤلف الصحيح قال: قال لي صدقة، عن الفضل ابن موسى، عن ابن عقبة، عن الضحاك، عن جابر بن زيد قال: لقيني ابن عمر قال: يا جابر إنك من فقهاء البصرة، وستستفتى، فلا تفتين إلا بكتاب ناطق أو سنة ماضية.
قال أبو محمد: وهذا نص المنع من القياس والرأي والتقليد.
حدثنا عبد الرحمن بن سلمة الكتاني، نا أحمد بن خليل، نا خالد ابن سعد ، نا طاهر بن عبد العزيز، نا أبو القاسم مسعدة العطار بمكة - وكان طاهر وأحمد بن خالد يحسنان الثناء عليه - قال: أنا الخزامي - يعني إبراهيم بن المنذر، حدثنا طاهر بن عصام - كان طاهرا وكان ثقة - عن مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر أنه قال: العلم ثلاثة: كتاب الله الناطق، وسنة ماضية، ولا أدري.
حدثنا محمد بن سعيد، نا أحمد بن عبد البصير، نا قاسم بن أصبغ، نا محمد بن عبد السلام الخشني، نا المثنى، نا عبد الرحمن بن مهدي، نا سفيان الثوري، عن سليمان الشيباني - هو أبو إسحاق - سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن نبيذ الجر الاخضر، قلت: فالابيض ؟ قال: لا أدري.
قال أبو محمد: فلو جاز القياس عند ابن أبي أوفى لقال: ما الفرق بين الاخضر والابيض كما يقول هؤلاء: الفرق بين الزيت والسمن ؟ وبين الفأر الميت والسنور الميت، وبين الارز والبر، وسائر ما قاسوا فيه لكنه وقف عند النص، وهذا الذي لا يجوز غيره.
حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد، نا إبراهيم بن أحمد، نا الفريري، حدثنا البخاري، حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع، أنا شعيب - هو ابن حمرة - عن الزهري، قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه كان عند معاوية في وفد من قريش، فقام فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنه بلغني أن رجالا منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله تعالى، ولا تؤثر عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فأولئك جهالكم، وذكر باقي الكلام والخبر.
حدثنا عبد الله بن ربيع بن محمد بن عثمان، نا أحمد بن خالد، نا علي بن عبد العزيز، نا الحجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة، أنا أيوب السختياني، عن أبي قلابة، عن زيد بن عميرة، عن معاذ بن جبل قال: تكون فتن يكثر فيها الملل، ويفتح فيها القرآن حتى يقرؤه الرجل والمرأة، والصغير والكبير، والمؤمن والمنافق، فيقرؤه الرجل فلا يتبع، فيقول: والله لاقرأنه علانية، فيقرؤه علانية فلا يتبع فيتخذ مسجدا، ويبتدع كلاما ليس من كتاب الله ولا من سنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) فإياكم وإياه، فإنها بدعة ضلالة، قالها ثلاث مرات.

فهؤلاء عمر وابن عمر، وابن مسعود وأبو هريرة، ومعاذ بن جبل، وسمرة بن جندب، وابن عباس والبراء بن عازب، وعبد الله بن أبي أوفى ومعاوية، كلهم يبطل القياس، وما ليس موجودا في القرآن، ولا في السنة عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وهذه صفة الرأي والقياس والتعليل، وقد قدمنا أنه لا يصح خلاف هذا عن أحد من الصحابة بوجه من الوجوه، وبالله تعالى التوفيق.
وأما التابعون ومن بعدهم، فحدثنا يونس بن عبد الله القاضي، نا يحيى بن مالك ابن عائذ، نا هشام بن محمد بن قرة المعروف بابن أبي حنيفة، نا أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي، نا ابن غليب، حدثني عمران بن أبي عمران، ثنا يحيى بن سليمان الطائفي، حدثني داود بن أبي هند قال: سمعت محمد ين سيرين يقول: القياس شؤم، وأول من قاس إبليس فهلك، وإنما عبدت الشمس والقمر بالقياس.
حدثنا المهلب، نا ابن مناس، نا محمد بن مسرور القيرواني، نا يونس بن عبد الاعلى، نا ابن وهب قال: أخبرني مسلمة بن علي أن شريحا الكندي، هو القاضي، قال: إن السنة سبقت قياسكم.
كتب إلى النمري قال: قال أبو ذر الهروي: نا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الاصبهاني بالري، نا عبد الرحمن بن أبي حاتم، نا محمد بن إسماعيل الاحمسي، نا وهب ابن إسماعيل، عن داود الاودي قال: قال لي الشعبي: احفظ عني ثلاثا لهما شأن: إذا سئلت عن مسألة فأجبت فيها فلا تتبع مسألتك: أرأيت فإن الله تعالى قال في كتابه: * (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) * حتى فرغ من الآية.
والثانية: إذا سئلت عن مسألة فلا تقس شيئا بشئ، فربما حرمت حلالا أو حللت حراما.
والثالثة: إذا سئلت عما لا تعلم فقل لا أعلم، وأنا شريكك.
كتب إلى يوسف بن عبد الله: نا خلف بن قاسم، نا ابن شعبان، نا محمد بن محمد، نا أبو همام، نا الاشجعي، عن جابر، عن الشعبي، عن مسروق قال: لا أقيس شيئا بشئ.
قلت: لم ؟ قال: أخاف أن تزل رجلي.
كتب إلى النمري: نا عبد الرحمن بن يحيى بن محمد العطار، نا علي بن محمد بن مسرور، حدثنا أحمد، نا سحنون، نا ابن وهب، أخبرني يحيى بن أيوب، عن عيسى بن أبي عيسى، عن الشعبي أنه سمعه يقول: إياكم والمقايسة، فوالذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة لتحلن الحرام، ولتحرمن الحلال، ولكن ما بلغكم عن أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فاحفظوه.
حدثنا يونس بن عبد الله القاضي، نا يحيى بن مالك بن عائذ، نا أبو عبد الله ابن أبى حنيفة، نا أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، نا يوسف بن يزيد القراطيسي، ثنا سعيد بن منصور، نا جرير بن عبد الحميد، عن المغيرة بن مقسم، عن الشعبي قال: السنة لم توضع بالمقاييس.
وحدثنا أيضا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي، نا محمد بن أحمد بن يحيى، نا ابن مفرج، نا إبراهيم بن أحمد بن فراس العبقسي، نا محمد بن علي بن زيد الصائغ، ثنا سعيد بن منصور، نا جرير - هو عبد الحميد - عن المغيرة، عن الشعبي قال: السنة لم توضع بالمقاييس.
حدثنا يونس بن عبد الله القاضي، نا أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن العنان - ثقة - ثنا أحمد بن خالد، نا أحمد بن عبد السلام الخشني محمد بن بشار، ثنا يحيى بن سعيد القطان نا صالح بن مسلم قال: قال لي عامر الشعبي يوما وهو آخذ بيدي: إنما هلكتم حين تركتم الآثار، وأخذتم بالمقاييس، لقد بغض إلي هذا المسجد - فلهو أبغض إلي من كناسة داري، هؤلاء الصفافقة.
كتب إلي النمري: نا محمد بن خليفة - شيخ فاضل جدا واسع الرواية - ثنا محمد بن الحسين الآجري، ثنا أحمد بن سهل الاشناني، نا الحسين بن علي بن الاسود، نا يحيى بن آدم، نا المبارك، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء ابن أبي رباح، في قول الله تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) * قال: كتاب الله تعالى وإلى سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
كتب إلي النمري: أخبرنا عبد الوارث بن سفيان، نا قاسم بن أصبغ، ثنا ابن وضاح، ثنا موسى بن معاوية، ثنا وكيع، ثنا جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران في قول الله تعالى: * (فردوه إلى الله والرسول) * قال: إلى الله، إلى كتاب الله تعالى، وإلى الرسول ما دام حيا، فإذا قبض قال: سنته.

حدثنا يونس بن عبد الله بن مغيث، نا محمد بن الحسن الزبيدي، نا أحمد – هو ابن سعيد بن حزم الصدفي - نا أحمد - هو ابن خالد - نا مروان - هو ابن عبد الملك الفحار - نا العباس بن الفرج الرياشي، عن الاصمعي: أنه قيل له: إن الخليل بن أحمد يبطل القياس، فقال الاصمعي: أخذ هذا عن إياس بن معاوية.
حدثني أبو العباس العذري، نا الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فراس، أنا عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، نا علي بن عبد العزيز، نا أبو الوليد القرضي، نا محمد بن عبد الله بن بكار القرشي، نا سليمان بن جعفر، نا محمد بن يحيى الربعي، عن ابن شبرمة، أن جعفر بن محمد بن علي بن الحسن قال لابي حنيفة: اتق الله ولا تقس، فإنا نقف غدا نحن ومن خالفنا بين يدي الله تعالى، فنقول، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال الله تبارك وتعالى، وتقول أنت وأصحابك: سمعنا ورأينا، فيفعل الله بنا وبكم ما يشاء.
حدثنا محمد بن سعيد بن نبات، نا أحمد بن عبد البصير، نا قاسم بن أصبغ، ثنا ابن عبد السلام الخشني، نا محمد بن المثنى، نا عبد الرحمن بن مهدي، نا سفيان الثوري، عن هارون بن إبراهيم البربري قال: سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير قال: قال أبي: الله لا يدع شيئا أن يبينه أن يكون نسبه، فما قال الله عزوجل فهو كما قال الله وما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فهو كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وما لم يقل الله ورسوله فبعفو الله ورحمته فلا تبحثوا عنه.
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس، نا علي بن الحسن بن فهر، ثنا محمد بن علي، نا محمد ابن عبد الله الحفاظ إجازة، نا أبو العباس محمد بن يعقوب، نا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، أنا وهب سمعت مالك بن أنس يقول: ألزم ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في حجة الوداع: أمران تركتهما فيكم لن تضلوا ما تمسكتم بهما: كتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم).
حدثنا أحمد بن عمر، نا علي بن الحسن بن فهر، أنا الحسن بن علي بن شعبان، وأبو حفص عمر بن محمد بن عراك نا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي، نا علي بن عبد العزيز: نا الزبير بن بكار قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: سألت مالك بن أنس عن رجل أحرم من المدينة، أو من وراء الميقات ؟ فقال مالك: هذا رجل

مخالف لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وسلم) أخشى عليه الفتنة في الدنيا، والعذاب الاليم في الآخرة، أما سمعت قوله تعالى: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) * ثم ذكر حديث المواقيت.
حدثنا عبد الرحمن بن سلمة، نا أحمد بن خليل، نا خالد بن سعد، نا أحمد بن خالد، نا يحيى بن عمر، نا الحارث بن مسكين، أنا ابن وهب قال: قال لي مالك: كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) - إمام المرسلين وسيد المرسلين - يسأل عن الشئ فلا يجيب حتى يأتيه الوحي من السماء.
قال أبو محمد: فإذا كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لا يجيب إلا بالوحي وإلا لم يجب، فمن الجرأة العظيمة إجابة من أجاب في الدين برأي أو قياس، أو استحسان أو احتياط أو تقليد، إلا بالوحي وحده، وبالله تعالى التوفيق.
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس، نا أحمد بن عيسى غندر، نا خلف القاسم، نا أبو الميمون عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن راشد البجلي، حدثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمر، نا يزيد بن عبد ربه قال: سمعت وكيع بن الجراح يقول ليحيى بن صالح الوحاظي: يا أبا زكريا احذر الرأي فإني سمعت أبا حنيفة يقول: البول في المسجد أحسن من بعض قياسهم.
حدثنا القاضي حمام بن أحمد، نا عبد الله بن علي الباجي اللخمي، حدثنا أحمد بن خالد، حدثنا عبيد بن محمد الكشوري، ثنا محمد بن يوسف الحذافي، حدثنا عبد الرزاق قال: قال لي حماد بن أبي حنيفة قال: أخبرني أبي: من لم يدع القياس في مجلس القضاء لم يفقه.
قال أبو محمد: فهذا أبو حنيفة يقول: إنه لا يفقه من لم يترك القياس في موضع الحاجة إلى تصريف الفقه، وهو مجلس القضاء، فتبا لكل شئ لا يفقه المرء إلا بتركه، وقد ذكرنا أيضا قول مالك آنفا في إبطال القياس، فإن وجد لهذين الرجلين بعد هذا القول منهما قياس، فهو اختلاف من قولهما، وواجب عرض القولين على القرآن والسنة، فلايهما شهد النص أخذ به، والنص شاهد لقول من أبطل القياس على ما قدمنا، لا سيما وهذان الرجلان لم يعرفا قط القياس الذي ينصره أصحاب القياس، ومن استخراج العلل، ولكن قياسهما كان بمعنى الرأي الذي لم يقطعا على صحته، وكذا صدر الطحاوي في اختلاف العلماء بأن أبا حنيفة قال: علمنا هذا رأي، فمن أتانا بخير منه أخذناه، أو نحو هذا القول.
والمتحققون بالقياس لا يقرون بهذا ولا يرضوه، ولا يقولون به، وهكذا جميع أهل عصرها، وبالله تعالى التوفيق.
ولا معنى لفشو القول بالقياس وغلبته على أكثر الناس، فهذا برهان بطلانه وفساده، وقد أنذر رسول الله (ص) بغلبة الباطل وظهوره، وخفاء الحق ودثوره.
كما حدثنا عبد الله بن يوسف، ثنا أحمد بن فتح، ثنا عبد الوهاب بن عيسى، حدثنا أحمد بن محمد الفقيه الاشقر، ثنا أحمد بن علي، ثنا مسلم بن الحجاج، ثنا محمد بن عياد، وابن أبي عمر جميعا، عن مروان الفزاري، عن يزيد - يعني بن كيسان - عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء.
وقال مسلم: ثنا محمد بن رافع، والفضل بن سهيل الاعرج قال: ثنا شبابة بن سوار، ثنا عاصم - هو ابن محمد العمري - عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:
إن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، وهو يأزر بين المسجدين تأرز الحية إلى حجرها.
حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، ثنا ابن أبي دليم، ووهب بن مسرة، حدثنا ابن وضاح، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا حفص عن غياث، عن الاعمش، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الاحوص، عن عبد الله بن مسعود، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): إن الاسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء، قيل: ومن الغرباء ؟ قال: نزاع القبائل.
قال أبو محمد: وأما الاجماع فقد بيناه على ترك القياس من وجوه كثيرة، وهي إجماع الامة كلها على وجوب الاخذ بالقرآن، وبما صح عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبما أجمعت الامة كلها على وجوبه أو تحريمه من الشرائع، وأجمعت على أنه ليس لاحد أن يحدث شريعة من غير نص أو إجماع، وأجمعت على تصديق قول الله تعالى: * (ما فرطنا في الكتاب من شئ) * وعلى قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم) *

وهذا إجماع على ترك القياس، وأن لا حجة لاحد إليه حتى نقص من نقص بالغفلة المركبة في البشرية في التفصيل، والخطأ لم يعصم منه أحد بعد النبيين صلى الله عليهم وسلم، فإنما يوجد القياس ممن وجد منه على سبيل الخطأ والغفلة عن الواجب عليه، هي زلات علماء، كمن قال بالتقليد وما أشبه ذلك.
وأيضا فقد قلنا وبينا أنه لم يصح قط عن أحد من الصحابة القول بالقياس، يعني باسمه وباليقين، فإنه يتكلم قط أحد منهم بلا شك ولا من التابعين بلا شك باستخراج علة يكون القياس عليها، ولا بأن القياس لا يصح إلا على جامعة بين الحكمين، فهذا أمر مجمع عليه، ولا شك فيه البتة، إلا عند من أراد أن يطمس عين الشمس، وهذا أمر إنما ظهر في القرن الرابع فقط مع ظهور التقليد، وإنما ظهر القياس في التابعين على سبيل الرأي والاحتياط والظن، لا على إيجاب حكم به، ولا أنه حق مقطوع به، ولا كانوا يبيحون كتابه عنهم.
وأيضا فقد وجدنا مسائل كثيرة جدا اتفقوا هم فيها، ونحن وجميع المسلمين على خلاف جميع وجوه القياس، وعلى ترك القياس كله فيها، ومسائل كثيرة جاء النص بخلاف القياس كله فيها، ولم نجد قط مسألة جاء النص بالامر بالقياس فيها، ولا مسألة اتفق الناس على الحكم فيها قياسا، فلو كان القياس حقا لما جاز الاجماع على تركه في شئ من المسائل، ولا جاء النص بخلافه البتة، فالاجماع لا يجوز على ترك الحق، ولا يأتي النص بخلاف الحق، وهذا إجماع صحيح على ترك القياس، وسنبين طرفا من المسائل التي ذكرنا.
ولعل قياس الورع يعارض هذا القول بأن يقول: قد جاء الاجماع على ترك بعض النصوص.
فليعلم الناس أن من قال ذلك كاذب آفك، وما جاء قط نص صحيح بخلاف نص صحيح السند متصل، وهو الحق عندنا لا ما عداه، وما جاء قط نص صحيح بخلاف الاجماع، فإن قال سوفسطائي: فقد جاء نص بخلاف نص قلنا، نعم، ينسخ له وهو نص على كل حال، ولم نذكر لكم قياسا خلاف قياسا، وإنما قلنا بأنه قد وجد إجماع على ترك جميع وجوه القياس، وورود نص مخالف لجميع وجوه القياس، وهكذا هي جميع الشرائع، ككون الظهر أربعا والصبح ركعتين، والمغرب ثلاثا، وكصوم رمضان دون شعبان، وكالحدث من أسفل، فيغسل له الانواع، وكأنواع الزكاة وسائر الشرائع كلها، وليس أحد من القائلين بالقياس إلا وقد تركه في أكثر مسائله وسنبين من هذا إن شاء الله تعالى في آخر هذا الباب طرفا يدل على المراد.
وأما من براهين العقول فإنه يقال لهم: أخبرونا، أو شئ هو القياس الذي تحكمون به في دين الله تعالى ؟.
فإن قالوا: لا ندري، أو تلجلجوا، فلم يأتوا فيه بحد حاصر: أقروا بأنهم قائلون بما لا يدرون، ومن قال بما لا يدري فهو قائل بالباطل وعاص لله عزوجل إذ يقول: * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * مع الرضا لنفسه بهذه الصفة الخسيسة التي لا تكون إلا في النوكي، وإن قالوا: حكم جامع بين شيئين بعلة يستخرجه، أو قالوا بكثرة التشابه، كانوا قائلين بما لا دليل على صحته، وبما لم يقل به قط صاحب ولا تابع، وإن قالوا: بما يقع في النفس كانوا شارعين بالظن، وفي هذا ما فيه.
وقد أقروا كلهم، بلا خلاف منهم، أنه جائز أن توجد الشريعة كلها أولها عن آخرها نصا، وأقروا كلهم، بلا خلاف من أحد منهم، أنه لا يجوز أن توجد الشريعة كلها قياسا البتة، ومن البراهين الضرورية عند كل ذي حس وعقل أن ما لزم الكل لزم البعض، فالشرائع كلها لا يمكن البتة، ولا يجوز أن توجد قياسا من أحد فبعضها لا يجوز أن يوجد قياسا، وليس هذا قياسا، ولكنه برهان ضروري كقول القائل: إن كان الناس كلهم أحياء ناطقين فكل واحد منهم حي ناطق، ولا يموه مموه فيقول: بعض الناس أعور وليس كلهم أعور، فليس هذا مما ألزمناهم في صفة لكن كل الناس ممكن أن يوجدوا عورا وليس ذلك بممتنع في البقية.
وأما أخذ الشرائع كلها قياسا فممتنع في البتة إذ لا بد عندهم من نص يقاس عليه، ولا هذا أيضا من قول القائل: لا يجوز أن يكذب الناس كلهم، وجائز أن يكذب بعضهم، بل كل أحد على حدته، فالكذب عليه ممكن، وليس كل شريعة على حدتها جائز أن توجد قياسا، وهذا بيان يوضح كل ما أرادوا أن يموهوا به في هذا المكان، وبرهان آخر وهو أنه يقال لاصحاب القياس: إذا قلتم لما حرم الله تعالى القطع في أقل من ثلاثة دراهم أو عشرة دراهم حرم أن يكون الصداق أقل من ثلاثة دراهم.
ولما وجبت الكفارة على الوطئ عمدا في نهار رمضان، وجبت على الاكل عمدا في نهار رمضان، ولما حرم حلق الشعر في الرأس بغير ضرورة في الاحرام، حرم حلق العانة في الاحرام كما حرم مد بر بمدي بر نقدا، حرم مد شعير بمد سلت نقدا، وقال آخرون منكم: لا، ولكن حرم رطل حديد برطل حديد نقدا.
وقال آخرون: لا، ولكن حرم أصل كرنب بأصل كرنب نقدا، ولما أبيح اتخاذ كلب الصيد والغنم بعد تحريمه أبيح ثمنه بعد تحريمه.
ولما أبيح الثلث في الوصية للموصي أبيح بيع الثمر قبل صلاحه إذا كان أقل من ثلث كراء الدار وسائر ما أوجبتموه قياسا، وحرمتموه قياسا، وأبحتموه من هذا الموجب لهذا كله ؟ ومن هو المحرم لهذا كله ؟ إذ لا بد لكل فعل من فاعل، ولكل تحريم من محرم، ولكل إيجاب من موجب، ولكل إباحة من مبيح.
فإن قالوا: الله تعالى ورسوله أباحا ذلك وحرماه وأوجباه كذبوا على الله تعالى وعلى رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وجاهروا بالفرية عليهما، وهم لا يقدمون على أن ينسبوا ما حكموا فيه بقياسهم إلى الله تعالى ورسوله (صلى الله عليه وسلم) مع أنه إن أقدم منهم قليل الدين على ذلك أكذبه سائرهم، لانه إنما سألناهم عن مسائل يخالف فيها بعضهم بعضا، ووقع حينئذ بأسهم بينهم، وكفونا مؤنتهم، فلم يبق بالضرورة إلا أن يحيلوا في التحريم والايجاب والاباحة على أنفسهم، أو على أحد دون الله تعالى، ودون رسوله (صلى الله عليه وسلم)، وهذا كما تراه بلا مؤنة ولا تكلف تأويل، إقرار بإحداث دين وشريعة لم يأت بها الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولا أذن بها الله تعالى.
فإن سألونا عن مثل هذا فيما أوجبناه أو حرمناه أو أبحناه بخبر الواحد العدل المسند ؟ فلسنا نقنع بأن نقول لهم: إن هذا السؤال لازم لكم كلزومه لنا لاننا لا نتكثر بهم، ولا نبالي وافقونا في ذلك، أو خالفونا لكن نقول وبالله تعالى التوفيق: إن الله تعالى حرم وأوجب وأباح كل ما صح به الخبر عن رسول الله
(صلى الله عليه وسلم) لا شك في ذلك كما نقول فيما أمر الله تعالى به من قبول شهادة العدول في الاحكام وبالله تعالى التوفيق.

ويقال لهم أيضا: أخبرونا أكل قياس قاسه قائس من أصحاب القياس حق وصواب ؟ أم من القياس خطأ وصواب ؟ ولا بد من أحد الوجهين، فإن قالوا: كل قياس في الارض فهو صواب، تركوا مذهبهم وأوجبوا المحال، وكون الشئ حراما حلالا فرضا مباحا على إنسان واحد في وقت واحد، وإن قالوا: من القياس خطأ ومنه صواب، قلنا لهم: بأي شئ تعرفون الحق من الباطل في القياس ؟ فإن تلجلجوا وقالوا: لا نأتي بذلك إلا في كل مسألة.
قلنا: هذا لو إذ عما لزمكم مما لا سبيل لكم إلى وجوده، كمن قاس أن يقبل امرأتان حيث تجوز عنده شهادة النساء مفردات على قبول رجلين، حيث يقبل الرجال، وكمن قاس وجود أربع في ذلك على تعويش امرأتين بدل رجل، حيث يقبل النساء مع الرجال، وقلما تخلو لهم مسألة من مثل هذا.
فإذا بطل وجود برهان يصحح الصحيح من القياس ويبطل الباطل منه فقد صح أن ما لا سبيل إلى الفرق بين باطله وبين ما يدعي قوم أنه منه حق، فهو باطل كله.
فإن قالوا لنا: فكل الاخبار عندكم حق أو فيها باطل وحق.
قلنا: بل كل ما اتصل برواية الثقات إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) حق لا يحل تركه إلا بيقين نسخ أو بيقين تخصيص.
ولا نسخ في القياس أصلا.
فصل قال أبو محمد: ونحن نرتب إن شاء الله تعالى ولا حول ولا قوة إلا به، طريقة لا يتعدى بها على أحد من أهل الحق إفساد كل قياس يعارض به أحد من أصحاب القياس، أو يحتج منهم، وذلك أنه إذا احتج محتج ممن يقول بالقياس بأن هذه المسألة تشبه مسألة كذا، فواجب أن نحكم لها بمثل حكمها، فليطلب من يعارضه من أصحابنا صفة في المسألة التي شبهها خصمه بالمسألة الاخرى، مما يشبه فيه مسألة ثالثة، ثم يلزمه أن يحكم لها أيضا بمثل ذلك الحكم، وهذا أمر موجود في جميع مسائلهم أولها عن آخرها، وهذا وجه يفسد مسائلهم في القياس، وسنذكر من هذا طرفا كافيا في الباب الذي بعد هذا إن شاء الله تعالى، ونذكر ههنا مسألة واحدة تدل على المراد إن شاء الله تعالى، وبالله تعالى التوفيق.

قالوا: لا يكون صداق إلا ما تقطع فيه اليد، لانه عضو يستباح كعضو يستباح فيقال لهم: وهلا قسمتموه على استباحة الظهر في جرعة خمر لا تساوي فلسا ؟ فهو أيضا عضو يستباح، فما الذي جعل قياس الفرج على اليد أولى من قياسه على الظهر ؟ وهو إلى الظهر أقرب منه إلى اليد، وليس يقطع الفرج كما لا يقطع الظهر ؟.
وأما تعليلهم في الربا، فكل طائفة منهم قد كفتنا الاخرى إذ كل واحد منهم يبطل علة صاحبه التي قاس عليها، وهكذا في كل ما قاسوا فيه وبالله تعالى التوفيق.
وقال بعضهم: إنما نقيس في النصين المتعارضين فننظر أشبههما بما اتفق عليه في النصوص فنأخذ به.
قال أبو محمد: وهذا أمر قد تقدم إفسادنا له في باب الكلام في الاخبار وأحكمناه وبالله تعالى التوفيق.
ولكننا نذكر ههنا من بعض قولهم ما لا غنى بهذا المكان عنه: وهو أنا نقول، هذا عمل فاسد، ولا مدخل للقياس ههنا، لان كل حديثين تعارضا، أو آيتين تعارضتا، أو كل حديث عارض آية، فليس أحد هذين النصين أولى بالطاعة من الآخر، ولا الذي يردون إليه حكم هذين النصين أولى بالطاعة له من كل واحد من هذين، وكل من عند الله تعالى، ولا يقوي النص إجماع الناس عليه، ولا يضعفه، اختلاف الناس فيه فقد أجمع على بعض الاخبار واختلف في آيات كثيرة.
والنص إذا صح فالاخذ به واجب ولا يضره من خالفه، فسقط ما أرادوا في ذلك من رد النصين المتعارضين إلى نص ثالث، ووجب استعمال كل ذلك ما دام يمكن، فإن لم يمكن أخذ بالزائد لانه شرع متيقن رافع لما قبله، ولم نتيقن أنه رفعه غيره.
مع أنهم لم يفعلوا ما ذكروا بل جاء: لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا وجاء: لعن السارق يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الجمل فتقطع يده فلم يردوهما إلى الآية المتفق على ورودها من الله تعالى وهي: * (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله) * بل غلبوا: لا قطع إلا في ربع دينار وهو نص مختلف في الاخذ به، على الآية وعلى الحديث الآخر، ثم تناقضوا في حديث: لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، فتركوه وأخذوا بظاهر الآية، وهذا خلاف ما فعلوا في آية القطع وكلا الحديثين صحيح وكلاهما مختلف فيه مع صحته، فإن عللوا أحدهما بأنه اختلف فيه الرواة فالآخر كذلك ولا فرق وأما حديث الحنفيين فيما تقطع فيه اليد فساقط جدا.
وقد قال بعضهم: إذا سألناهم عن معارضة قياسهم بقياس آخر، وتعليلهم بتعليل آخر، فما الذي جعل أحد القياسين أولى من الآخر ؟ أو أحد التعليلين أولى من الآخر ؟ ولا سبيل إلى وجود قياس لهم أو تعليل لهم تتعذر معارضتهما بقياس آخر أو تعليل آخر كما وصفنا فقال هذا القائل: العمل حينئذ في هذا كالعمل في الحديثين المتعارضين.
قال أبو محمد: فقلنا هذا باطل لان النصين أو الحديثين المتعارضين لا بد من جمعهما واستعمالهما معا، لان كليهما حق وواجب الطاعة إذا صحا من طريق السند،
ولا يمكن هذا في القياسين المتعارضين، ولا في التعليلين المتعارضين بوجه من الوجوه، فإن تعذر هذا في الحديثين أو الآيتين أو الآية والحديث فالواجب الاخذ بالناسخ أو بالزائد إن لم يأت تاريخ يبين الناسخ منهما، لان الوارد بالزيادة شريعة من الله تعالى، لا يحل تركها، وليس يمكن هذا في القياسين المتعارضين، ولا في التعليلين المتعارضين بوجه من الوجوه، لانه ليس فيهما نسخ أصلا.
ولا يوجد في القياسين زيادة من أحدهما على الآخر في أكثر الامر، لان التعارض فيهما إنما هو يتعلق أحد القياسين بصفة، ويتعلق آخر إلا بأخرى، فبطل تمويه هذا القائل، وبقي الالزام يحسبه لا مخلص منه البتة.
وبالله تعالى التوفيق.
وقد زاد بعض مقدميهم، ممن لم يتق الله عزوجل، ولا أبالي الفضيحة في كلامه، فقال: إن القياس أقوى من خبر الواحد ورأيت هذا لابي الفرج المالكي، والمعروف بالابهري واحتجا في ذلك بأن الخبر الواحد يدخله السهو وتعمد الكذب، وأما القياس فلا يدخله إلا خوف الخطأ في التشبيه فقط قالا: فما يدخله عيب واحد أولى مما يدخله عيبان.
قال أبو محمد: وما يعلم في البدع أشنع من هذا القول ثم هو مع شناعته بارد سخيف متناقض.

ويقال لهذا الجاهل المقدم: أخبرنا عنك أتقيس على خبر الواحد أم لا ؟ فإن قال: لا، كذب وأفصح، وأريناهم خزيهم في قياسهم صداق النكاح على القطع في عشرة دراهم وهو خبر واهي ساقط، والآخرون منهم قاسوا على خبر في ذلك، وإن كان صحيح السند فهو خبر واحد، وأريناهم قولهم في تقويم الملتفات بالقيمة لا بالمثل على الخبر في عتق الشقص، ومدة الخيار في البيع على حديث المصراة، والاستطهار في المستحاضة على حديث المصراة، وهذا أكثر قياساتهم.
وإن قال: أقيس على خبر الواحد فضح نفسه وأبان عن جهله، وقلة ورعه في إقراره بأنه يقيس على ما هو أضعف من القياس وفي هذا غاية الجنون والتناقض، وهم يقولون إن الاصل أقوى من الفرع، والمقيس عندهم فرع، والمقيس عليه أصل، هذا ما لا يختلفون فيه، فإذا كان خبر الواحد هو المقيس عليه عندهم فهو الاصل، والقياس هو الفرع، فعلى قول هذين المذكورين إذا كان القياس أقوى من خبر الواحد فالفرع أقوى من الاصل وقد قالوا: إن الاصل أقوى من الفرع، وهذا تناقض فاحش وبناء وهدم ونعوذ بالله من الخذلان.
وأيضا فإنهم يتركون في أكثر أقوالهم ظاهر القرآن بخبر الواحد، ثم يتركون خبر الواحد للقياس، فقد حصل من كلامهم وعملهم أنهم غلبوا القياس على الحديث، وغلبوا الحديث على القرآن فقد صار القياس على هذا أقوى من القرآن ولا قياس البتة إلا على قرآن أو حديث وهذا كله تخليط، وسخنة عين وغباوة جهل وإقدام واستحلال لما لا يحل ولا يخفى على ذي بصر، وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا: فهم كثيرا ما يقولون، فيما يرد عليهم من أقوال موقوفة على بعض الصحابة مما يوافق مما قلدوا فيه مالكا وأبا حنيفة، مثل هذا لا يقال بالقياس فيغلبونه على ما يوجبه القياس عندهم كقولهم فيمن باع شيئا إلى أجل، ثم ابتاعه بأقل إلى أقل من ذلك الاجل، وفي البناء في الصلاة على الرعاف والحدث، وفي مواضع كثيرة جمة، وهذا ترك منهم للقياس وتغليب للظن أنه خبر واحد على القياس، لانهم لا يقطعون على أن هذه الاقوال توقيف، وإنما يظنون ذلك ظنا، فقد صار الظن أنه خبر واحد عندهم أقوى من القياس الذي هو عندهم أقوى من يقين أنه خبر واحد، فقد صار الظن أقوى من اليقين وفي هذا عجب عجيب ونعوذ بالله من الخذلان.
وأما الحقيقة فإن الظن باطل.
بنص حكم النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه أكذب الحديث، وبنص قول الله تعالى: * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) * فالظن بنص القرآن ليس حقا، فإذ ليس حقا فهو باطل، فإذا كان الظن الذي هو الباطل أقوى من القياس، فالقياس بحكمهم أبطل من كل باطل.
وبالله تعالى التوفيق.
وجملة القول: أن قولهم: إن خبر الواحد يدخله السهو والغلط، والكذب، إنما هو من اعتراضات من لا يقول بخبر الواحد من المعتزلة.
والخوارج وقد مضى الكلام في إيجاب خبر الواحد العدل، وقد وجب قبوله بالبرهان، فاعتراض المعترض بأنه قد يدخله السهو، وتعمد الكذب اعتراض بالظن، وبعض الظن إثم والظن أكذب الحديث.
وقولهم: إن القياس يدخله خوف خطأ التشبيه إقرار منهم بأنهم لا يثقون بجملته، وهذا هو الحكم بالظن، وهو محرم بنص القرآن ويسألون عن إنسان مشهور بالباطل، معروف بادعائه قد كثر ذلك منه وفشا فتقدم إلى قاضي يخاصم عنده ؟.
فإن الامة كلها مجمعة عن ألا يقاس أمره الآن على ما عهد منه، فإذا خرم أن يقاس حكم المرء اليوم على حكمه بنفس أمس، فهو أبعد من أن تقاس على غيره وهذا هدم من القياس للقياس، وتفاسد منه بعضه لبعض، وما كان هكذا فهو فاسد كله، وبالله تعالى التوفيق.
وقال قائل منهم: هل يجوز أن يتعبدنا الله تعالى بالقياس ؟.
قال أبو محمد: فالجواب إن كان جائزا قبل نزول قول الله تعالى: * (وما جعل عليكم في الدين من حرج) * وقوله تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وكان يكون ذلك لو كان حمل إصر كما حمله على الذين من قبلنا، وتحميلا لما لا طاقة لنا به، وكما قال تعالى: * (ولو شآء الله لاعنتكم) * وأما بعد نزول الآيتين اللتين ذكرنا، وبعد أن أمننا الله تعالى من أن يكلفنا الحكم بالتكهن وبالظنون، وبعد أن نهانا عن أن نقول عليه تعالى ما لم نعلم، فلا يجوز البتة أن يتعبدنا بالقياس، لان وعد الله تعالى حق لا يخلف البتة، وقوله الحق.
وبالله تعالى التوفيق.

فصل في ذكر طرق يسير من تناقض أصحاب القياس في القياس، يدل على فساد مذهبهم في ذلك إن شاء الله تعالى قال أبو محمد علي بن أحمد رضي الله عنه: أكثرهم لم يقس الماء الوارد على النجاسة على الماء الذي ترد عليه النجاسة، وفرقوا بينهما بغير دليل.
وبعضهم لم يقس وجوب إراقة ما ولغ فيه الكلب على وجوب غسل الاناء من ولوغ الكلب فيما ولغ فيه، ولم يقيسوا الماء في ذلك على غير الماء.
وأكثرهم فرق بين الماء الذي تقع فيه النجاسة، وبين المائعات التي تقع فيها النجاسات، فيجدوا مقدارا إذا بلغه الماء لم ينجس، ولم يجدوا في سائر المائعات شيئا البتة وإن كثرا.
وبعضهم قاس سائر المائعات في ذلك على الماء في حد المقدار وهو أبو ثور.
وبعضهم فرق بين حكم الماء في البئر، وبين الماء في غير البئر، ولم يقس أحدهما على الآخر اتباعا، زعم، لقول بعض العلماء في ذلك.
وهو قد عصى قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وجماعة من الفقهاء، في المصراة والمسح على العمامة، وفي أزيد من ألف قضية، نعم وحكم القرآن، وفرق أيضا بين أحكام الجيف الواقعة في التيار، وبين أحكامها وأحكام سائر النجاسات ولم يقس بعضها على بعض.
وبعضهم قاس الخنزير على الكلب في حكم الغسل مما ولغ فيه كلاهما في الواحد أو السبع، وبعضهم لم يقس أحدهما على الآخر، وبعضهم قاس الماء بحكم الوالغ فيه مما يحرم أكله أو يحل أو يكره، وبعضهم لم يقس ذلك، وبعضهم قاس ما لا دم له من الميتات على ماله دم.
فرأى كل ذلك ينجس ما مات فيه، وبعضهم لم ير ذلك وبعضهم قاس العقارب والخنافس والدود المتولد في القول على الذباب، ولم يقسها على الوزغ وشحمة الارض والعظماء وصغار الفيران.
وبعضهم قاس عذر ما يؤكل لحمه من الدواب وأبوالها على لحومها، ولم يقسها على دمائها، ولم يقسها على لحومها.
وبعضهم قاس ذنب الكلب ورجله على لسانه، وبعضهم لم يقس ذلك.
وأكثرهم قاس إباحة المسح على الجبائر على المسح على الخفين، ولم يقيسوا إباحة مسح العمامة على الرأس، وعلى المسح على الخفين، وبعضهم قاس ذلك، وكلهم فيما نعلم لم يقس نزع الخفين بعد المسح على حلق الشعر وقطع الاظفار بعد المسح والغسل وبعضهم لم يقس إباحة الصلاة الفريضة بتيمم النافلة على إباحة الصلاة النافلة بتيمم الفريضة، وبعضهم قاس ذلك، وتناقض الاولون فقاسوا جواز صلاة المتوضئين خلف المتيمم على جواز صلاة المتيممين خلف المتوضئ، على أن الخلاف في تسوية كلا الامرين مشهور.
ومن طرائف قياس بعضهم إيجابه أن تستطهر الحائض بثلاث قياسا على انتظار ثمود صيحة العذاب ثلاثا، على المصراة، أفلا يراجع بصيرته من يقيس هذا القياس السخيف.
فيمنع به خمس عشرة صلاة فريضة، ويوجب به إفطار ثلاثة أيام من رمضان، من أن يقيس مسح العمامة على مسح الخفين.
وبعضهم قاس بول ما يأكل لحمه بعضه على بعض، وبعضهم قاس البول المذكور على ما يتولد منه، فإن تولد من ماء نجس فهو نجس، وإن تولد من ماء طاهر فهو طاهر، وكذلك فعل بنحوه، ولم يقس اللحم المتولد فيه على ما تولد منه، بل رأى ذلك حلالا أكله وإن تولد من ميتة ولحم خنزير وعذرة.
وبعضهم لم يقس نبيذ التين على نبيذ التمر في جواز الوضوء به عند عدم الماء في السفر، وبعضهم قاس الحظر عليه في الاباحة، وهو الحسن بن حي، وقد روى أيضا قياس نبيذ التين على نبيذ التمر عن أبي حنيفة.
ومنع أكثرهم من الكلام في الاذان، قياسا على الصلاة، ولم يقيسوه عليها إذ أجازوه بلا وضوء، وأجاز بعضهم تنكيس الوضوء، ولم يجز تنكيس الاذان ولا تنكيس الطواف، ولم يقس أحدهما على الآخرين، وقاس ذلك كله، بعضهم في المنع في الكل، أو في الاباحة في الكل.
وفرق بعضهم بين صلاة الفريضة والنافلة، فأجاز أن يؤم النافلة من لا يجوز أن يؤم في الفريضة، ثم لم يجز أن تؤم المرأة النساء في شئ منهما، وبعضهم قاس كل ذلك بعضه على بعض.
وبعضهم لم يقس جواز صلاة النفل خلف من يصلي الفرض على جواز صلاة من يصلي الفرض خلف المتنفل، وبعضهم قاس كل ذلك بعضه على بعض، وكلهم، فيما أعلم، لم يقس المنع من إتمام المسافر خلف المقيم على المنع من قصر المقيم على المسافر.
وأطرف من هذا أن بعضهم لم يقس إتمام أهل مكة بمنى على إتمام أهل منى بمكة وهذا عجيب ما شئت ولم يقيسوا جواز الحج على العبد إذا حضره على جواز الجمعة عنه إذا حضرها.
وبعضهم لم يقس جواز صلاة الفرض خلف الفاسق من الامراء على جواز صلاة الجمعة خلفه، وبعضهم قاس كل ذلك وجعله سواء.
وبعضهم لم يقس حكم ابتداء التكبير للقائم من الركعتين على حكم ابتداء التكبير في الركوع والسجود والرفع من السجود، وبعضهم ساوى بين ذلك كله وقاس بعضه على بعض.
وبعضهم لم يقس إيجاب البناء على المحدث على إيجاب البناء على الراعف، وبعضهم ساوى بينهما.
وبعضهم لم يقس وجوب البناء قبل تمام السجدتين على وجوب البناء بعد تمام السجدتين، وبعضهم قاس كلا الامرين على السواء.
وبعضهم لم يقس وقوع الجبهة والرجلين على نجاسة الصلاة على وقوع اليدين والركبتين على نجاسة في الصلاة، وبعضهم قاس كل ذلك بعضه على بعض، وهؤلاء الذين قاسوا بعض ذلك على بعض تناقضوا، فلم يقيسوا جواز وقوع الرجلين والركبتين على غير الارض، أو ما تنبت على جواز وقوع الجبهة واليدين على ذلك، وفرقوا بين الامرين.
وبعضهم لم يقس الثبات على يقين الحدث لمن شك في الوضوء على الثبات على يقين الوضوء لمن شك في الحدث، وبعضهم ساوى بين الامرين.
وبعضهم لم يقس كثير السهو على قليله، فرأى من قليله السجود فقط، ومن كثيره الاعادة ومنهم من رأى من السلام ساهيا السجود فقط ورأى من الكلام ساهيا الاعادة، ورأى بعضهم على من تكلم في صلاته ساهيا أنها قد بطلت، فإن أحدث بغلبة لم تبطل صلاته، فإن أكل ساهيا وهو صائم لم يبطل صيامه وقلب غيره منهم الامر، فرأى إن تكلم ساهيا في صلاته لم تبطل، فإن أحدث بغلبة بطلت، وإن أكل ناسيا وهو صائم بطل صومه، وفرقوا بين من نسي صلاة يوم وليلة وبين من نسي أكثر ولم يقيسوا أحدهما على الآخر، وبعضهم قاس كل ذلك على السواء.
وقاس بعضهم الجمع بين الذهب والفضة في الزكاة، على الجمع بين المعز والضأن في الزكاة، ولم يقسه على التفريق بين التمر والزبيب في الزكاة، وبعضهم قاسه على التفريق المذكور لا على الجمع، وأعجب من ذلك أن من ذكرنا رأى إخراج ذهب عن فضة، وفضة عن ذهب، ولم ير إخراج عنز عن ضانية، ولا ضانية عن عنز، ولا برا عن شعير، ولا شعيرا عن بر، ولم يقس بعض ذلك على بعض أو بعضهم أجاز كل ذلك بالقيمة قياسا.
وفرق بعضهم بين غلة ما ابتيع للتجارة وبين الربح المتولد في ذلك، فرأى في الغلة الاستئناف، ورأى في الربح ضمه إلى أصل الحول في رأس المال، ولم يقس أحدهما على الآخر، وقاس غيره منهم بعض ذلك ببعض في الاستئناف أو في الضم، وأوجبوا ديون الناس من رأس المال، ولم يوجبوا ديون الله تعالى إلا من الثلث، ولم يقيسوا أحدهما على الآخر، وساوى بعضهم بين الامرين.
ولم يقس بعضهم الحلي، وإن كان لكراء أو لباس، على العوامل المعلوفة من الابل والبقر والغنم، فبعضهم أوجب الزكاة في الحلي وأسقطها عن العوامل، وبعضهم أوجب الزكاة في العوامل، وأسقطها عن الحلي، وبعضهم قاس أحدهما على الآخر في إسقاط الزكاة عن كل ذلك، والعجب أن الذي أسقط الزكاة عن الحلي الكراء لم يقس عليه الحلي المبتاع للتجارة ورأى فيه الزكاة.
وبعضهم فرق بين عبيد العبيد فلم يرهم كسادتهم، ولا كسادات ساداتهم في وجوب زكاة الفطر المأخوذة، ورأى على عبيد أهل الذمة أن يؤخذ منهم ما يؤخذ من سادات ساداتهم إذا اتجروا إلى غير أفقهم.
وبعضهم رأى الزكاة في زيت الفجلة، ولم يرها في الترمس، ولم يقس أحدهما على الآخر، وبعضهم الزكاة في جب الآس، ولم يرها في البلوط ولم يقس أحدهما على الآخر.
وبعضهم لم يقس الدين على الرهن في الكفن، فرأى الكفن فيه أولى من الدين، ولم يره أولى من الرهن إذا كان رهنا، وبعضهم ساوى بين الامرين.
وبعضهم لم يقس المدبر على المحتكر، وبعضهم قاسه عليه.
وبعضهم لم يقس الخليطين في الثمار والزرع والعين، على الخليطين في المواشي، وبعضهم ساوى بين كل ذلك قياسا.
وفرق بعضهم بين من أعطى آخر مالا ليأكل ربحه والاصل لصاحب المال، وأعطاه غنما ليأكل نسلها ورسلها والاصل لصاحب المال، فرأى في الغنم الزكاة، ولم ير في ربحه زكاة، وهو مال تجارة، لا على التاجر ولا على الذي له الأصل، ولم يقس أحدهما بالآخر، وقاس غيره أحدهما على الآخر.
ولم يقس بعضهم فائدة العين على فائدة الماشية، فرأى في فائدة الماشية الزكاة إذا كان عنده نصاب منها، ولم ير في فائدة العين الزكاة وإن كان عنده نصاب منه، وقاس غيره منهم بعض على بعض في إيجاب الزكاة في الكل، وفي إسقاطها عن الكل.
ولم يقس بعضهم فائدة الكسب على فائدة الولادة في إيجاب الزكاة في كل ذلك، وقاس كل ذلك بعضهم، فرأى في الكل الزكاة ولم يقس بعضهم فائدة المعدل على سائر الفوائد، وقاسه بعضهم عليها.
وقال بعضهم: لا يجزئ في زكاة الغنم إلا الجذع من الضأن فصاعدا.
والثني فصاعدا من الماعز قياسا على ما يجيز منها الاضحية، وأجازوا في البقر والابل الجذع ودون الجذع، ولم يقيسوا ذلك على ما يجوز منهما في الاضحية، ولا قاسوا حكم الغنم في ذلك على الابل والبقر، ولا حكم الابل والبقر على حكم الغنم.
وقال بعضهم من بادل ذهبا بفضة زكى الآخر بحول الاول، ولم يقس ذلك على من بادل بقرا بإبل، وقاسه على ما بادل غنما بماعز.
وقال بعضهم: تؤخذ الزكاة من الزيتون قياسا على التمر والعنب، ولم يقسه عليهما في الخرص في الزكاة.
وقال بعضهم: يخرج الارز والذرة في زكاة الفطر قياسا على الشعير والبر، ولم يجز أن يخرج فيها الزيتون قياسا على التمر والزبيب، ولم يجز أن يخرج فيها الدقيق قياسا على البر، وقد قاسه على البر في تحريم بيع بعضه ببعض متفاضلا، وأجاز بيعه بالبر متماثلا.
وأسقط بعضهم زكاة التجارة على الماشية المشتراة للتجارة لزكاة الاصل، ولم يقس على ذلك سقوط زكاة التجارة عن الدقيق المشترى للتجارة من أجل زكاة الفطر فيهم.
وأوجب بعضهم الزكاة في العسل وفي الحبوب وفي الثمار إذا كانت في أرض غير خراجية وأسقط الزكاة عن كل ذلك في الارض الخراجية، ولم يسقط الزكاة عن الماشية وإن رعت في أرض خراجية، فلم يقس رعي النحل على رعي الماشية، ولا رعي الماشية على رعي النحل.
وأسقط بعضهم الزكاة في العين والماشية عن الصغير والمجنون، قياسا على سقوط الصلاة عنهما ولم يسقط الزكاة عن ثمارهما وزرعهما قياسا على سقوط الصلاة عنهما.
وقال آخرون منهم في هذا: إن حق الزكاة ثابت مع الزرع والثمر.
قال أبو محمد: وهذا كذب، لان قائل هذا لا يرى فيما دون خمسة أوسق صدقة فلم ير الزكاة ثابتة مع هذه الثمرة، ولم يقيسوا وجوب الزكاة في ذلك عليهما على وجوب زكاة الفطر عليهما، وقياس زكاة على زكاة، أولى من قياس زكاة على صلاة، ولا قاسوا وجوب الزكاة، وهي حق المال، على وجوب سائر الحقوق في الاموال على الصغار والمجانين، من النفقات والاروش وقياس مال على مال، أولى من قياس زكاة على صلاة ولم يقس سقوط الصلاة عن الفقراء على سقوط الزكاة عنهم.
وفرق بعضهم بين حكم من رأى هلال شوال وحده، وبين حكم من رأى هلال رمضان وحده، ولم يقس أحدهما على الآخر، وبعضهم قاس كل واحد منهما على الآخر، ولم يقس بعضهم حكم الحائض تطهر، والكافر يسلم، والمسافر يقدم في نهار رمضان على حكم من بلغه بعد الفجر إن هلال رمضان رؤى البارحة، فأوجبوا على هذا ألا يأكل باقي النهار، ولم يوجبوا ذلك على الآخرين، ثم قاسوا بعضهم على بعض في وجوب القضاء عليهم، حاشا الكافر يسلم، فلم يقيسوه عليهم في وجوب القضاء.
وقاسه بعضهم عليهم، فأوجبوا عليه القضاء.
وأطرف من هذا قياس بعضهم من غلبته ذبابة فدخلت حلقه، على الاكل عمدا في إيجاب القضاء فقط عليه، ولم يقس على ذلك من أخرج بلسانه من بين أسنانه الجريدة - ولعلها من مقدار الذبابة - فيبلعها عمدا في نهار رمضان.
فقالوا: صومه تام ولا قضاء عليه.
وقاس بعضهم: المجنون على الحائض في إيجاب قضاء رمضان عليهما، ولم يقيسوه عليها في وجوب الحدود عليها.
وقاس بعضهم من لمس عمدا فأمنى على المجامع عمدا في القضاء والكفارة، ولم يقس من استعط عمدا فوجد طعم ذلك في حلقه على الاكل عمدا لم يوجب فيه كفارة.
وقاس بعضهم المغمى عليه في رمضان على المريض في إيجاب القضاء عليه، ولم يقسه عليه في إيجاب قضاء ما ترك من الصلوات عليه وقاسه بعضهم في إيجاب الصلوات.
وأوجب بعضهم على من أكره امرأته على الجماع في نهار رمضان أن يكفر عنها فيصوم عنها ولم يقس على ذلك إيجاب الصوم على من مات وعليه صوم.
وقاس بعضهم الاكل عمدا في نهار رمضان على الواطئ عمدا في نهار رمضان وأوجب عليهما الكفارة، ولم يقيسوه على المتقيئ عمدا في نهار رمضان في إسقاط الكفارة عنه، وقياس الاكل على القئ أولى من قياسه على الوطئ، وقاسه بعضهم على المتقيئ فيما ذكرنا.
وفرقوا بين الواطئ والآكل بأن قالوا: الوطء يوجب أحكام لا يوجبها الاكل، فالوطء يوجب الغسل والحد والصداق، ولا يوجب شيئا من ذلك الاكل ولا الشرب، والاكل يوجب الغرامة، ولا يوجبها الوطئ، والاكل من مال الصديق مباح، ولا يجوز وطئ ملكه، فقاسوا ترك الكفارة في الاكل على هذه الفروق.

وقال بعضهم: إنما القياس على التشابه، لا على عدم التشابه.
قال أبو محمد: وكل هذا تحكم كما ترى، ولا دليل.
ولم يقس بعضهم من أفطر عمدا في قضاء رمضان - وهو فرض - في وجوب الكفارة عليه على إفطاره عمدا في رمضان، وكلاهما فرض، وقد أوجب ذلك عليهما بعض السلف.
وأوجب الكفارة على المظاهر من زوجته، وعلى المرأة الموطوءة في رمضان طائعة، وقد سمع النبي (ص) أمرها فلم يوجب عليها شيئا، ولم يقيسوا المرأة المظاهرة من زوجها في إيجاب الكفارة عليها على المظاهر، ولا على المرأة الموطوءة، وقد أوجب الكفارة على المرأة المظاهرة من زوجها جمهور من السلف ومن بعدهم، وقاسوا الاكل عمدا في رمضان، في إيجاب الكفارة عليه، على الواطئ في رمضان عمدا.
ولم يقيسوا على ذلك مفسد صلاته عمدا، والصلاة أعظم حرمة من الصوم.
ومن طرائف بعضهم إيجابه قياس من أفطر ناسيا في رمضان على من أفطر عمدا، في إيجاب القضاء عليهما، ولم يقسه عليه في إيجاب الكفارة عليهما، نعم، ولم يقس الاكل ناسيا على المتقيئ ناسيا أو مغلوبا، فأسقط على هذا ولم يسقطه عن الآخر.
وفرق بعضهم بين أحكام النيات ولم يقس بعضها على بعض فأجاز بعضهم الطهارات بلا نية، ولم يجز الصلاة إلا بالنية، وبعضهم لم يجز الطهارات إلا بنية وأجاز الصوم في الواجبات بلا نية محدثة لكل يوم منه، وبعضهم أوجب النية في كل ذلك، ولم يوجبها في أعمال الحج.
وأما تناقضهم في أعمال الحج فأكثر من أن يجمع في سفر وذلك فيما أوجبوا فيه الفدية، وما أسقطوها فيه، ولم يقيسوا بعض ذلك على بعض.
وأيضا فإن بعضهم قال: من طرح القراد عن نفسه لم يطعم، فإن طرحه عن بعيره أطعم، ولم يقس أحدهما على الآخر.
ولم يقس بعضهم إباحة قتل الفأرة وإن لم تؤذه، على نهيه عن قتل الغراب والحدأة إن لم تؤذياه.

ورأى بعضهم الجزاء على قاتل السنور ولم يره على قاتل الفهد، ولم يقس أحدهما على الآخر، ورأى قتل الفهد قياسا على قتل السبع، ولم ير قتل الصقر البري قياسا على الغراب والحدأة، بل رأى في الصقر البري الجزاء.
ولم يقس بعضهم استظلال المحرم في المحمل على استظلاله في الخباء في الارض، ورأى على المستظل في المحمل الفدية، وكذلك في السفينة، ولم يقس على ذلك من مشى في ظل المحمل، فلم ير عليه الفدية.
ولم يقس بعضهم على دهن باطن يديه وباطن قدميه بسمن أو زيت، فلم ير عليه فدية، على من دهن بذلك ظاهرهما، فرأى عليه الفدية.
ولم يقس بعضهم تحريمه ما ذبح المحرم من الصيد على ما ذبحه السارق أو الغاصب فأباحه، وقاس بعضهم بعض ذلك على بعض فأباح الكل.
ولم يقس بعضم من دل من الحرمين حلالا على صيد أو أعطاه سيفا يقتله به فلم يوجب عليه الفدية: على محرم آكل من صيد صيد من أجله فأوجب عليه الجزاء، وقاس بعضهم عليه فأوجب الجزاء في كل ذلك.
ولم يقس بعضهم حكمه بأن جناية العبد في رقبته على قوله، أن أقتله الصيد ليس في رقبته.
وقاس بعضهم بيض الصيد على جنين المرأة، ولم يقسه بعضهم عليه، ولم يقس بعضهم تحريمه على المحرم ذبح صيد صاده حلال على إباحته ذبح الصيد في الحرام إذا دخل من الحل.
وقاس بعضهم قاتل الاسد على قاتل الذئب، فلم ير فيه جزاء، ولم يقس قاتل النسر والعقاب على قاتل الحدأة والغراب، فرأى أن في النسر والعقاب الجزاء، ولم يقس بعضهم قاتل الاسد والخنزير على قاتل الذئب، فرأى في الاسد والخنزير الجزاء.
وقاس بعضهم: إن أصاب القارن صيدا فجزاء واحد، ولم يقسه على القارن يفسد حجه، فرأى عليه هديين، وقاس بعضهم بعض ذلك على بعض فبعض أوجب في كل ذلك هديين، وبعض أوجب في كل ذلك هديا واحدا.
وأطرف من هذا أن بعضهم قال: على العبد الفار إذا دخل مكة أن يحرم وليس ذلك على الاعجمي المسلم، ولا على الجارية المصونة للبيع، وله مثل ذلك في الفرق بين الشريعة والدنية في النكاح بغير الولي وهذا أشنع مما أنكروه من ترك القياس، لان هذا فرق بين الناس فأين هذا مما استعملوه من التسوية بين الزاني والقتل في جلد مائة وتغريب عام ؟ وبين الصداق والقطع في السرقة ؟
وبين المستحاضة والمصراة ؟ وهل في التخليط أكثر من هذا ؟.
وفرقوا - أو أكثرهم - بين صوم المرء عن غيره وحجه عنه، فلم يروا ذلك ولم يقيسوه على الصدقة عنه والعتق عنه واحتجوا في ذلك ب * (أن ليس للانسان إلا ما سعى) * وهذا إن منعت من الصيام منعت من الصدقة ولا فرق ثم لم يقيسوا وصيته بالحج على وصيته بالصوم.
ولم يقس بعضهم من وقف بعرفة قبل غروب الشمس، ثم دفع منها ولم يعد إليها تلك الليلة فقالوا: بطل حجه على من يقف بمزدلفة حتى طلعت الشمس من يوم النحر.
ولم يقس بعضهم من لم يدفع عن عرفة مع الامام، في إباحة الجمع له بمزدلفة، على من لم يدرك الصلاة بعرفة مع الامام، في إباحتهم له الجمع بين الصلاتين بعرفة، وقاس بعضهم قصر أهل منى بعرفة، وأهل عرفة بمنى، على قصر أهل مكة بمنى وعرفة، ولم يقيسوا على ذلك في سائر البلاد وقاس بعضهم كل ذلك في سائر البلاد.
وقاس بعضهم الهدي على الاضحية فيما يجزي منها، ولم يقسه عليها في الذبح والنحر قبل الامام، فأي ذلك يجزئ قبل الامام في الهدي ولا يجزئه في الاضحية، وقاس غيره منهم بعض ذلك على بعض في الاباحة.
ولم يقس بعضهم الاعمى في وجوب الحج عليه على المقعد في سقوط الحج عنه وقاسه بعضهم عليه.
وقال بعضهم سكان ذي الحليفة وهم على نحو مائتي ميل وخمسين ميلا من مكة، على سكان يلملم، وهو على نحو ثلاثين ميلا من مكة إنها لا هدي عليهما إن تمتعا، ولم يقسم على ما بينهم وبين مكة كالذي بينهم وبينها، ولم يقس أهل يلملم على أهل ذي الحليفة في قصر الصلاة والافطار في الصوم، وساوى غيرهم منهم بين كل ذلك في إيجاب الهدي عليهم كلهم التمتع ولم يسو بينهم في قصر الصلاة، ولم يقس بعضهم لابس المخيط في الاحرام يوما من غير ضرورة على لابسه أقل من يوم لغير ضرورة.
ولم يقس بعضهم قوله في تحريم قتل المحرم للسبع الذي لا يؤذيه، وإيجاب الجزاء في ذلك، على قوله في إباحة قتله للذئب ومن لم يؤذه ولم يجعل في ذلك جزاء وهم مع ذلك - قليلا منهم - يقيسون قاتل الصيد خطأ على قاتله عمدا، وعلى قاتل حيوان وغيره خطأ، فأوجبوا الجزاء في ذلك ولم يقيسوا - إلا قليلا منهم - قاتل النفس عمدا على قاتلها خطأ، فلم يروا في قاتلها عمدا كفارة.
وقاس بعضهم سقوط الجزاء على قاتل السبع العادي عليه على سقوط الضمان عنه في البعير العادي فيقتله، ولم يقس بعضهم ذلك فرأى الضمان على قاتل البعير العادي عليه، ولم ير الجزاء على قاتل السبع العادي عليه، وقد قاسوا بعض ذلك على بعض في إيجاب الجزاء في قتل الخطأ.
ولم يقس بعضهم الحلال بقتل الصيد في الحرام - في حكم الجزاء - على المحرم بقتل الصيد في الحل، فرأى الصيام على المحرم، ولم يجزه للحلال إلا بالمثل والاطعام فقط وساوى الامرين.
ولم يقيسوا قاتل الصيد في حرم المدينة - في إيجاب الجزاء عليه - على قاتله في حرم مكة، وقد أوجب ذلك بعض السلف والخلف.
ولم يقس بعضهم من اشترى أحد أربعة أثواب بغير عينه على أن يأخذ أيها شاء بدينار بالخيار ثلاثا، فلم يجز هذا العقد، على إجازته إذا اشترى أحد ثلاثة أثواب بغير عينه على أن يأخذ أيها شاء بدينار بالخيار ثلاثا، وسوى بعضهم بين كل ذلك من المنع أو الجواز.
ولم يقس بعضهم قوله في تحريم بيع لبن النساء محلوبا في قدح على إباحته بيع سائر الالبان محلوبة في قدح.
ولم يقس بعضهم تحريم البيع قبل تمام القبض قبل التفرق في الذهب بعينه بالذهب بغير عينه، وفي الفضة بالفضة كذلك، على إباحة تمام البيع قبل تمام القبض قبل التفرق في البر بالبر كذلك، والشعير بالشعير كذلك، والتمر بالتمر كذلك، والملح بالملح كذلك، فأبطل البيع في الذهب بالذهب، والفضة بالفضة على كل حال، وأجازه في هذه الاربعة إذا قبض الذي بغير عينه ولم يقبض الذي بعينه، وقاس بعضهم كل ذلك في المنع من جوازه.
ولم يقس بعضهم قوله في المنع من جواز بيع شحم البطن باللحم متفاضلا على إباحته جواز بيع شحم الظهر باللحم متفاضلا، وسوى بعضهم بين كل ذلك.
ولم يقس بعضهم قوله: إن الالية يجوز أن تباع باللحم متفاضلا على منعه من بيع سائر الاعضاء باللحم متفاضلا، وسوى بعضهم بين كل ذلك.
وقاس بعضهم جواز بيع الرطب بالتمر، على جواز بيع التمر الحديث بالتمر القديم.
وقاس بعضهم جواز بيع الدقيق بالبر متماثلا على المنع من انتباذ الرطب والتمر، وقال: هما صنفان.
وقاس بعضهم منعه من بيع الدقيق بالبر البتة على النهي عن بيع الرطب بالتمر وقال هما صنف واحد مجهول تماثله.
ولم يقس بعضهم رجوع من أعتق مملوكا اشتراه، ثم اطلع على عيب بأرش العيب على منعه من ابتاع طعاما فأكله ثم اطلع على عيب كان به من الرجوع بأرش العيب.
ولم يقس بعضهم من باع مال غيره بغير إذن على من اشترى له شيئا بغير إذنه، وساوى بعضهم بين كلا الامرين.
ولم يقس بعضهم بيع من طرأ عليه الخرس على بيع من ولد أخرس فأجازه ههنا وأبطله هنالك.
ولم يقس بعضهم بيع السكران على طلاقة، فأجاز طلاقه وأبطل بيعه وقاسه بعضهم فأبطل كل ذلك، وقد أجاز كل ذلك بعضهم.
ولم يقس بعضهم جواز السلم في الشحم على جوازه في اللحم، وقاس ذلك بعضهم فأجاز كل ذلك.
ولم يقس بعضهم جواز السلم في السمك المالح على قوله في المنع من السلم في السمك الطري، وقاس بعضهم بعض ذلك على بعض في المنع من الكل أو جواز الكل.

ولم يقس بعضهم على جواز سلم الذهب والفضة في سائر الموزونات، جواز سلم الموزونات بعضها على بعض، وقاس ذلك بعضهم فأجازه فيما عدا ما يؤكل.
ولم يقس بعضهم جواز السلم في قوله بتأخير النقد لرأس المال اليوم واليومين بشرط وبغير شرط، على منعه من ذلك في الايام الكثيرة بشرط وبغير شرط، وقاس غيره بعض ذلك على بعض في المنع من الكل.
ولم يقس بعضهم جواز السلم في القمح والفاكهة والكناش واللبن، على أن يأخذ منه كل يوم مقدارا معلوما، واشترطا تأخير نقد الثمن إلى الاجل البعيد على سائر قوله في المنع من تأخير النقد في السلم، ومن منعه الدين بالدين.
ولم يقس بعضهم قوله في إباحة دقيق البر بالبر متماثلا، والمنع منه متفاضلا، على قوله: إن من سلم في قمح موصوف فحل الاجل فجائز عنده أن يأخذ مكان القمح شعيرا أو سلتا مثل كيل قمحه، ولا يأخذ دقيق قمح ولا علسا مثل مكيلة قمحه، وكل ذلك عنده صنف واحد.
ولم يقس بيع البر بالشعير والتمر والملح جزافا، على بيع الذهب والفضة جزافا، وأطرف من ذلك أنه لم يقس جواز بيع المصوغ من الذهب والفضة جزافا على قوله في المنع من بيع المسكوك منهما جزافا..ولم يقس بعضهم من سلم في طعام إلى أجل مسمى، فأتاه به الذي هو عليه قبل الاجل، فقال: لا يجيز على قبوله قبل أجله، على قوله فيمن أقرض آخر طعاما إلى أجل فأتاه به قبل الاجل، قال: يجيز على قبضه، وقاس غيره منهم أحدهما على الآخر: أن يجيز على القبض قبل الاجل.
ولم يقس بعضهم تعين الدنانير والدراهم في المغصوب والبيوع على تعين سائر العروض، وقاس غيره منهم بعض ذلك على بعض في تعيين كل ذلك.
ولم يقس بعضهم قوله فيمن ابتاع طعاما فعاب عليه فأباح الاقامة فيه من جميعه ولم يبح من بعضه، على قوله فيه إذا لم يعب عليه فأجاز الاقالة من كله ومن بعضه.
ولم يقس بعضهم قوله في بطلان الصرف التفرق قبل تمام القبض، من قوله في جواز الاقالة مع التفرق قبل القبض التفرق اليسير، ولا قاس إباحة ذلك في الاقالة بالتفرق اليسير على التفرق الكثير.
ولم يقس بعضهم منعه من التفاضل في الدقيق بالبر على إباحة التفاضل في السويق بالبر، وكلاهما بر مطحون، لم يسق الدقيق السويق، ولا السويق الدقيق، وأطرف من هذا أنه لم يقس جواز بيع البلح الصغار بالتمر عنده متفاضلا على المنع البلح الكبار بالتمر.
ولم يقس بعضهم ما يبس من الزفيرف وعيون البقر والخوخ والكمثرى، في حكم جواز بعضه ببعض من جنس واحد متفاضلا، على منعه من بيع الزبيب والبر والتين والبلوط بعضه ببعض من جنس واحد متفاضلا، ثم قاس الاصناف
الاول على الاصناف الاخر في المنع من بيع كل ذلك قبل أن يقبض، وقاس غيره منهم كل ذلك بعضه ببعض، حتى السقمونيا والهليلج.
وقاس بعضهم المأكول على المأكول في الربا، ولم يقس المعادن بالمعادن في الربا، فأباحوا رطل حديد برطلي حديد، والحديد بالنحاس والذهب والفضة والرصاص والقصدير والزئبق معدنيات كلها.
ولم يقس بعضهم قوله: إن القطنية كلها جنس واحد في الزكاة، على أنها أصناف متفرقة في البيوع.
ولم يقس بعضهم قوله في المنع من بيع الزبد باللبن، أو الجبن باللبن، أو السمن باللبن جملة، ولا الزيت بالزيتون جملة، على قوله في جواز بيع البر بالدقيق من البر متماثلا، ولا على قوله في جواز بيع السويق في البر بالبر متفاضلا.
ولم يقس بعضهم قوله: إن سمن البقر وسمن الغنم صنف وقولهم إن لحم الخروف من الضأن ولحم الحمار الوحشي صنف واحد، وكذلك لحم الارنب على قوله: إن زيت الزيتون وزيت الجلجلان وزيت الفجل أصناف متفرقة، يجوز بعضها ببعض متفاضلا يدا بيد، ولا يجوز ذلك في نبيذ التمر بنبيذ الزبيب ولا يجوز ذلك في لحم الجمل بلحم الارنب، ولا في لحم حمار الوحش بلحم الخروف، ولا فرق بين تعليله بأن كل ذلك ذو أربع وبين تعليل غيره أن كل ذلك من الطير ومن غيره لحم، ومن تعليل غيره بالتأنس في الطير وذي الاربع، والتوحش أيضا فيهما، لان الله تعالى جزى الصيد بالانعام.
ولم يقس بعضهم قوله في المنع من بيع العنب بالعصير البتة على قوله في إجازة بيع العنب بخل العنب متفاضلا، وقد يخرج الخل من العنب دون توسط كونه عصيرا.
ولم يقس بعضهم قوله: لا يباع اللبن بالسمن أصلا، لانهما صنف واحد
مجهول نماثله، ولا الشاة اللبون باللبن أصلا، على إجازته مع الشاة اللبون بالسمن، ولا اللبن بالقمح إلى أجل على إجازته الشاة اللبون بالقمح إلى أجل.
ولم يقيسوا قولهم في المنع من بيع القمح بالقمح بالتحري دون كيل ولا وزن على جواز ذلك عندهم في اللحم باللحم من صنفه، نعم ولم يجيزوا الذهب بالفضة بالتحري وأجازوه في القمح بالتمر بالتحري.
ولم يقس بعضهم جواز القمح بالقمح عنده وزنا على منعه من سحالة الذهب بالذهب كيلا.
وأطرف من هذا أن بعضهم لم يقس منعه من اللحم المشوي باللحم النئ جملة على قول في إباحة اللحم المطبوخ باللحم النئ متماثلا ومتفاضلا، وكلاهما يدخله ملح وصنعة وأغرب حكم من ذكرنا بأن اللحم والشحم صنف واحد، وأن لحم النعامة والكركي ولحم الزرزور صنف واحد وأن لحم النعامة المطبوخ ولحمها النئ صنفان يجوز فيهما التفاضل.
ولم يقس بعضهم جواز دجاجة بدجاجتين على قوله في لحم دجاجة بلحم دجاجتين.

ولم يقس بعضها منعه من ابتياع شاة واستثناء جلدها في الحضر على قوله في إباحة ذلك في السفر.
وأغرب من هذا أن بعضهم لم يقس قوله في إباحة ابتياع شاة واستثناء أرطال خفيفة منها، أو استثناء رأسها، على قوله في التحريم أن يستثني منها أرطالا كثيرة أو أن يستثنى جنينها ولعله ليس فيه نصف رطل أو أن يستثنى يدها أو رجلها أو فخذها، ولم يقس بعضهم منه من ابتياع لحم هذه الشاة الحية على إباحته ابتياعها، واستثناء البائع جلده، والعجب أن هذا الذي منع هو الذي أباح بعينه ليس هو شيئا آخر، لانه في كلتا المسألتين إنما اشترى مسلوخها فقط ولا مزيد.
ولم يقس بعضهم قوله في جواز بيع صغار الحيتان جزافا على منعه من بيع كباره جزافا وقد يكون تكلف عد الكبار لكثرتها أصعب من عد الصغار لقلتها.
ولم يقس بعضهم قوله في المنع من ابتياع رطل لحم من هذه الشاة وإن شرع في ذبحها على قوله في إباحه ابتياع رطل من لبنها إذا شرع في حلبه.
ولم يقس بعضهم قوله في المنع من بيع لبن هذه الشاة شهرا على إباحة بيع لبنها كيلا، وعلى إباحة بيع لبن هذه الغنم شهرا ولم يقس بعضهم قوله في منع اقتسام الزرع والقمح بالتحري على قوله في إجازة قسمة اللحم بالتحري.
ولم يقس بعضهم بيع بطن بعد بطن جملة، شجر تحمل بطنين في السنة، على قوله في إجازة بيع المقاثي بطنا بعد بطن، والفصيل كذلك.
وقاس بعضهم جواز السلم في المعدود والمزروع وغير ذلك على جواز السلم في المكيل والموزون، ولم يقيسوا جواز السلم حالا على جوازه إلى أجل وقاس بعضهم كل ذلك بالجواز.
ولم يقس بعضهم جواز إنكاح اليتيمة بنت عشر سنين للفاقة على منعه في إباحة الفروج للضرورة.

وقاس بعضهم فاعل فعل قوم لوط على الزاني، ولم يقس واطئ البهيمة على الزاني، وكلاهما واطئ في مكان محرم.
ولم يقيسوا الغاصب على السارق ولا على المحارب، وكلاهما أخذ مالا بغير حق، والغاصب بالمحارب أشبه من اللوطى بالزانى لأن الدبر غير الفرج والغاصب والمحارب مستويان في الاخافة وأخذ المال، ولا سيما بعضهم يقول بقياس الشارب على القاذف، فقد بان تناقضهم.
فإن قالوا: إن الصحابة قاسوا الشارب على القاذف، فقد تقدم تكذيب هذه الدعوى لا سيما وقد كفانا بعضهم المؤنة في هذا، فنسوا أنفسهم وقالوا: الحدود لا تؤخذ قياسا، وقد علمنا أن كل ما جاز للصحابة فهو جائز لمن بعدهم، وما حدث دين جديد بعد موت النبي (صلى الله عليه وسلم) وأين الائتساء بالصحابة رضوان الله عليهم حتى يتركوا النصوص لقول بعضهم إذا وافق تقليدهم ؟ فيلزمهم أن يوجبوا حدا على شارب الدم وأكل الميتة ولحم الخنزير.
وقد قاس بعض الفقهاء هؤلاء على شارب الخمر، فرأى على كل واحد منهما ثمانين جلدة، وهو الاوزاعي، مع أن قياس شرب الدم على شرب الخمر، لو جاز القياس، أولى من قياس شرب الخمر على قذف محصنة.
ووجدنا بعضهم قد قاس من سرق أو شرب أو زنى ثم تاب واعترض على المحارب في سقوط الحد عنه.
حدثنا يحيى بن عبد الرحمن، حدثنا أحمد بن دحيم، حدثنا إبراهيم بن حماد، حدثنا إسماعيل بن إسحاق، ثنا نصر بن علي، ثنا محمد بن بكر - هو البرساني - عن ابن جريج، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: إذا سرق اللص ثم جاء تائبا فلا قطع عليه.
وبعضهم لم يقس هؤلاء على المحارب، وقاسهم على القاتل، والقاتل أبعد شبها من الحدود الواجبة من المحارب.
وقد قاس بعضهم القاتل إذا عفي عنه على الزاني غير المحصن، ولم يقس المرتد إذا راجع الاسلام، ولا المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه، أو إذا عفا الامام عن قتله، أو اقتصر على ما دون ذلك، وكل هذا تناقض.
وقد ساوى الله تعالى بين الخمر والميسر، والانصاب والازلام، فهلا قاسوا وأوجبوا على لاعب القمار والميسر، وعلى المستقسم بالازلام حدا كحد الخمر ثانيا.
وبعضهم لم يقس قوله في جواز بيع جزء مشاع على قوله في المنع من جواز رهنه وهبته والصداق به.
وأكثرهم قاس البيع حين النداء للجمعة، على النكاح حينئذ والاجازة في جواز كل ذلك أو في إبطال كل ذلك.
قاس بعضهم دخول حمل الجارية من غير سيدها، وابن الشاة، وحمل الشجر في الرهن على كون الحوامل لكل ذلك في الرهن، ولم يقس سقوط ما قابل الحوامل إذا تلفت من الشئ المرتهن فيه على قوله: إنه لا يسقط من الحق شئ يتلف الولد والحمل واللبن.
وبعضهم لم يقس قوله في بيع القاضي دنانير الغرم في ديونه التي هي دراهم أو دراهمه في ديونه التي هي دنانير، على قوله في المنع من بيع ما هذا ما عدا ذلك في شئ من ديونه.
وبعضهم لم يقس قوله في المنع من بيع مال الحي، على قوله في إباحة بيع مال الميت في ديونهما.
وبعضهم لم يقس قوله في جواز النكاح بشهادة حرين فاسقين، على قوله في إبطال النكاح بشهادة عبدين عدلين.
وأكثرهم لم يقس الكافر الوثني يسلم فيعرض على امرأته الاسلام فتأبى، فيفسخ النكاح عنده، على قوله في امرأة الكافر تسلم فيستأني عنده بفسخ نكاحه ما لم تنقض عدتها، ولم يسلم هو، وبعضهم ساوى بين الامرين.
وبعضهم لم يقس قوله في كل كافر تزوج كافرة على خمر بعينها أو خنزير بعينه، ثم أسلما فلا شئ لها غير ذلك - على قوله: إن أصدقها خمرا بغير عينها، أو خنزيرا بغير عينه، ثم أسلما فقال: لها في الخمر قيمتها، ولها في الخنزير مهر مثلها.
وبعضهم لم يقس الحر يتزوج المرأة على خدمته لها شهرا - فقال: لها مهر مثلها - على العبد يتزوجها على ذلك، وقال: ليس لها إلا خدمته لها.
ولم يقس بعضهم إيجابه الطلاق على الذمي على قوله في إسقاط العدة عن الذمية يطلقها الذمي.

ولم يقس بعضهم قوله: إن أجل العبد في العنة ستة أشهر، وأجله في الايلاء شهران، وأجل الامة في المفقود سنتان، وطلاق العبد تطليقتان، وعدة الامة حيضتان، على قوله: إن للعبد أن يتزوج أربعا، وعلى قوله: إن صيامه في الظهار شهران، وفي الوطئ في نهار رمضان كذلك، وفي قتل الخطأ كذلك، وشهادة العبد والامة أربع شهادات في اللعان كالحر والحرة، وعدة المستحاضة الامة سنة كالحرة.
وقاس كل ذلك بعضهم فجعل حكم العبد كل ذلك على نصف حكم الحر.
وقال آخرون منهم: أجل العبد في الايلاء أربعة أشهر، ولا يتزوج إلا امرأتين، فأبو حنيفة يقول: عدة الامة حيضتان، ومن الوفاة نصف عدة الحرة، وبالشهور في الطلاق نصف عدة الحرة، وتحرم الامة على زوجها الحر أو العبد بتطليقتين إلا بعد زوج، ولا يتزوج العبد إلا امرأتين فقط، وأجل العبد يولي من زوجته الامة نصف أجل الحر، في إيلائه وأجل الحر في إيلائه من الامة نصف أجل إيلائه من الحرة.
قال أبو حنيفة: صيام العبد في ظهاره من زوجته الحرة والامة كصيام الحر في ظهاره من الزوجة الحرة والامة، ولا تحرم الحرة على زوجها العبد إلا بثلاث طلقات، وأجل العبد على زوجته الحرة أو الامة كأجل الحر في ذلك، وأجل العبد يولي من الزوجة الحرة كأجل الحر.
وقال مالك: عدة الامة حيضتان، ومن الوفاة نصف عدة الحرة، وتحرم الزوجة الحرة والامة على العبد بتطليقتين، وأجل العبد يولي من زوجته الحرة والامة نصف أجل الحر، في إيلائه وأجل العبد يعن عن زوجته الحرة والامة نصف أجل الحر.
وقال مالك: يتزوج العبد أربعا من الحرائر، والاماء وصيام العبد في ظهاره من زوجته الحرة والامة، كصيام الحر، وعدة الامة في الطلاق بالشهور ثلاثة أشهر كالحرة.
وقال الشافعي: عدة الامة حيضتان، وفي الوفاة وبالشهور في الطلاق نصف عدة الحرة، وتحرم الحرة والامة على العبد بتطليقتين، ولا يتزوج العبد إلا اثنتين، وأجل العبد يعن أيولي من الحرة أو الامة كأجل الحر في كل ذلك، وصيامه في الظهار كصيام الحر.
فاعجبوا لتناقض قياساتهم وهكذا في سائر الاحكام ولا فرق.
فاتفقوا في صوم الظهار على ألا يقيسوه على سائر أحكام العبد، ولا إجماع في ذلك، لان قتادة وغيره يقول: هو على نصف صيام الحر، ولم يتفقوا على نصف حكم العبد من حكم الحر إلا في عدة الوفاة، وعدة الحيض وطلاق العبد والامة، ولا إجماع في ذلك، لان ابن سيرين يرى عدة الامة كعدة الحرة في الوفاة وفي الاقراء، وصح عن ابن عباس أنه أمر عبده بمراجعة زوجته، وهي أمة بعد طلقتين، ولم يقس بعضهم قوله: من نظر إلى فرج امرأة طلقها طلاقا رجعيا في العدة بشهوة فهي رجعة، على قوله: فإن نظر إلى شئ من بدنها غير الفرج بشهوة فليست رجعة، ولا على قوله إنه إن لمسها في بدنها بشهوة فهي رجعة.
ولم يقس بعضهم قوله فيمن قال لامرأته: لست لي بامرأة ونوى الطلاق ولم يره طلاقا، على قوله لها: قومي ونوى الطلاق فهو طلاق.
ولم يقس بعضهم قوله فيمن قال لامرأته: اختاري، فقالت: أنا أختار نفسي، قال: فهي بذلك طالق: على قوله لها: طلقي نفسك فقالت: أنا أطلق نفسي، أو قالت: قد اخترت نفسي، فلم ير ذلك كله طلاقا، ولا على قوله: لو قال لها: لا ملك لي عليك، قال: هو طلاق.
ولا قاس بعضهم قوله لمن قال لامرأته: أنت طالق مثل الجبل، فجعلها واحدة رجعية على قوله: إن قال لها أنت طالق مثل عظيم الجبل فجعلها واحدة بائنة.
ولا قاس بعضهم قوله فيمن قال لامرأته: اختاري اختاري، اختاري فقالت: قد اخترت نفسي بالاولى أو قالت بالوسطى أو قالت بالآخرة فهي طلقة واحدة، على قوله فيمن قال لامرأته: اختاري اختاري اختاري، فقالت: قد اخترت نفسي بالواحدة، أو قالت واحدة، قال: فهي طالق ثلاثا.
ولا قاس بعضهم قوله في التخيير على قوله في التمليك.
ولا قاس بعضهم قوله فيمن قال لامرأته المدخول بها، أنت علي حرام مثل الخنزير والميتة والدم، فقال: هي ثلاث ولا بد، على قوله ذلك في غير المدخول بها وقال بعد ذلك: لم أنو إلا واحدة فإنه يحلف، وتكون واحدة ويراجعها إن أحبا، ولم يقس ذلك كله على قوله: قال لمدخول بها أو لغير مدخول بها: أنت بتة، أو أنت البتة، فقال: هي ثلاث على حال فيهما معا.
ولم يقس بعضهم قوله فيمن قال لامرأته المدخول بها وغير المدخول بها: قد خليت سبيلك، إنه ينوي ويحلف على ما نوى، على قوله لمن قال لامرأته: حبلك على غاربك، إنها في المدخول بها ثلاث ولا بد، وفي غير المدخول بها ينوي وتكون واحدة، ولا قاس أكثرهم في قوله في التحريم في الزوجة على قوله في التحريم في الامة وقد سوى بعضهم بين كل ذلك.
ولا قاس بعضهم قوله فيمن شك أطلق زوجته أم لم يطلق وهي تقول له: لم تطلق أنه تطلق عليه ولا بد.
على قوله فيمن قال لامرأته: إن كتمتني أمرا كذا فأنت طالق، أوقال لها: إن أبغضتني فأنت طالق، فأخبرته بخبر لا يدري أكتمه ما حلف عليه أم، وقالت له: لست أبغضك وهو لا يدري أصدقت أم كذبت أنه طلاق عليه.
ولا قاس بعضهم قوله في إباحة جميع كفارات الايمان قبل الحنث على قوله: إن كفارة يمين الايلاء لا تكون إلا بعد الحنث.
ولا قاس بعضهم جواز تسري العبد عبده على منعه من التفكير بالعتق فيما لا يجزي فيه إلا العتق لواجد الرقبة، وهو واجد رقابا يطؤهن.
ولا قاس بعضهم قوله فيمن قال لامرأته: كل امرأة أتزوجها عليك فهي كظهر أمي، قال: ليتزوج عليها واحدة أو اثنتين معا أو ثلاثا معا، وليس عليه في كل ذلك إلا كفارة واحدة على قوله لها: ومتى تزوجت عليك فالتي أتزوج عليك كظهر أمي، فرأى عليه لكل امرأة يتزوجها كفارة.
ولم يقس بعضهم سقوط اللعان على الاعمى والمحدودة لسقوط شهادتها على قوله: إن اللعان لا يسقط عن الفاسق المعلن لسقوط شهادته.
ولم يقس بعضهم قوله: من أعسر النفقة أجل شهرين أو نحوهما وإلا فرق بينهما، على قوله: فإن أعسر بالصداق أجل عامين أو نحوهما ثم فرق بينهما.
ولم يقس بعضهم عدة المستحاضة من الطلاق سنة، ميزت الدم أم لم تميز كانت لها أيام معهودة أو لم تكن، على قوله: عدتها من الوفاة أربعة أشهر وعشر.
ولم يقس بعضهم قوله: من قتل أمة أو عبدا قيمة كل واحد منهما مائة ألف درهم لم يغرم في العبد إلا عشرة آلاف درهم غير عشرة دراهم، وفي الامة خمسة آلاف درهم غير خمسة دراهم، فإن كانت القيمة أقل من عشرة آلاف في العبد وخمسة آلاف في الامة غرم القيمة كلها، على قوله: إن غصب عبدا أو أمة فماتا عنده غرم قيمتهما، ولو بلغت ألف درهم، ولم يقس هذا الهذيان على سائر أقواله: إن أحكام العبد على نصف أحكام الحر، في النكاح والطلاق وغير ذلك.
ولم يقس قوله: إنه يقص بين الحر والعبد والكافر والمؤمن في النفس على قوله: إن ما دون النفس يقص فيه بين المؤمن والكافر، ولا يقص فيه بين العبد والحر.
ولم يقس بعضهم قوله: يقتل عشرة بواحد على قوله: لا تقطع يدان بيد، ولا عينان بعين.
ولم يقس بعضهم قوله: لا يستقاد من أحد بحجارة ولا بطعنة رمح، على قوله: يقتل الزاني المحصن بالحجارة والمحارب بالطعن بالرمح.
ولم يقس بعضهم إباحته قتل المرأة في الزنى وفي القود على قوله في منع قتلها إذا ارتدت.
قال أبو محمد: فيما ذكرنا كفاية على أننا لم نكتب من تناقضهم في القياس، وتركهم في القياس، وتركهم له إلا جزءا يسيرا جدا من أجزاء عظيمة جدا، ولو تقصينا ذلك لقام منه ديوان أعظم من جميع ديواننا هذا كله.
وكل ما ذكرنا فإنهم إن احتجوا فيه بإجماع على تركه لم ينفكوا من أحد وجهين: إما أن يدعوه بغير علم فيكذبوا، وإما أن يصدقوا في ذلك، فإن كانوا قد صدقوا أقروا أن الاجماع جاء بترك القياس، ولو كان حقا ما جاء الاجماع بتركه، وإن ادعوا أنهم تركوا القياس حيث تركوه لنص وارد في ذلك، فاعلموا أن كل قياس خالفناهم فيه، فإن النص قد ورد بخلاف ذلك القياس، لا بد من ذلك، وإن قالوا بتركنا القياس حيث تركناه لدليل غير النص، قلنا لهم هذا ما لا نعرفه ولا ندريه، وأي دليل يكون أقوى من النص ؟ هذا عدم لا سبيل إلى وجوده أبدا.
وبالجملة فكل واحد منهم إنما استعمل القياس في يسير من مسائله جدا، وتركه في أكثرها، فإن كان القياس حقا فقد اخطؤوا بتركه وهم يعلمونه، وإن كان باطلا فقد اخطؤوا باستعماله، فهم في خطأ متيقن إلا في القليل من أقوالهم.
وقال بعضهم: لا نقيس على شاذ.
قال أبو محمد: وهذا تحكم فاسد، لانه ليس شئ في الشريعة شاذا، تعالى الله أن يلزمنا الشواذ، بل كل ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله (صلى الله عليه وسلم) فهو حق، والحق لا يكون شاذا، وإنما الشاذ الباطل.
وقال بعضهم: لا نقيس على فرع.
قال أبو محمد: وهذا كالاول، ولا فرع في الشريعة، وكل ما جاء نصا أو إجماعا فهو أصل، فأين ههنا فرع ؟ لو أنصف القوم أنفسهم ؟.
وقال بعضهم: الحدود والكفارات لا تؤخذ قياسا.
قال أبو محمد: وما الفرق بينهم وبين من قال بل العبادات وأحكام الفروج لا تؤخذ قياسا، وكل من فرق بين شئ من أحكام الله تعالى فهو مخطئ، بل الدين كله لا يحل أن يحكم في شئ منه بقياس، على أنهم قد تناقضوا وقاسوا في البابين، وأوجبوا حد اللوطي قياسا، وأوجبوا كفارات كثيرة قياسا، والقوم متناقضون تناقضا يشبه اللعب والهزل: أعوذ بالله مما امتحنوا به.
فإن قال قائل: وأنتم قد تركتم حديثا كثيرا.
قلنا لهم: وبالله تعالى التوفيق: كذبتم وأفكتم، ولا يوجد ذلك من أحد منا أبدا إلا أربعة أوجه لا خامس لها: إما لقيام البرهان على نسخه أو تخصيصه بنص آخر، وهذا لا يحل لاحد.
وإما أنه لم يبلغ إلى الذي لم يقل به منا، وهذا عذر ظاهر و * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *.
وإما أن بعضنا يرى ترك كل ما رواه المدلس إلا ما قال فيه حدثنا أو أنبأنا وهذا خطأ، وبعضنا يرى قبول جميع روايته إذا لم يدلس المنكرات إلى الثقات، إلا ما صح فيه تدليسه، وبهذا نقول وعلى كل ما ذكرنا البرهان، والبرهان لا يتعارض، والحق لا يعارضه حق آخر.
وإما أن بعضنا يرى ترك الحديثين المتعارضين، لانه لم يصح عنده الناسخ،

وإذ لم يصح عنده الناسخ منهما فهو منهي أن يقفو ما لا علم له به، وهذا خطأ، وبعضنا يرى ههنا الاخذ بالزائد، وبه نقول.
فليس منا أحد - ولله الحمد - ترك حديثا صحيحا بلغه بوجه من الوجوه لقول أحد دون رسول الله (ص)، ولا لرأي ولا لقياس ونعوذ بالله من ذلك.
وأما هم فإنهم يتركون نصوص القرآن لآرائهم وأهوائهم وتقليدهم، ويتركون الصحيح من الحديث عندهم كذلك، ويتركون القياس وهم يعرفونه ويعلمونه وهو ظاهر إليهم كذلك، فالقوم لم يتمسكوا إلا باتباع الهوى والتقليد فقط، ونعوذ بالله من الخذلان.
وقد انتهينا من إيضاح البراهين على إبطال الحكم بالقياس في دين الله تعالى إلى حيث أعاننا الله تعالى عليه، راجين الاجر الجزيل على ذلك، ولاح لكل من ينصف نفسه: أن القياس ضلال ومعصية وبدعة، لا يحل لاحد الحكم به في شئ من الدين كله، فليتق كل امرئ ربه.
ولا يحمله اللجاج على الاعراض عن الحق، ولا يقتحم به حب استدامة رياسة قليلة على تحمل ندامة طويلة، فعن قريب يقف في مواقف الحكم بين يدي عالم الخفيات، فليفكر من حكم في دين الله تعالى بغير ما عهد به إليه في كلامه وكلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلينا: ماذا تكون حجته إذا سئل عن ذلك ؟.
وليوقن أن من سئل يوم القيامة بماذا حكمت ؟.
فقال: بكلامك يا رب وكلام رسوله إلي، فقد برئ من التبعة من هذا الوجه جملة، ومن زاد على ذلك أو تعداه فلينظر في المخلص، وليعد المسألة في حكمه بتقليد الآباء ورأيه وقياسه جوابا و: * (فستذكرون مآ أقول لكم وأفوض أمري إلى الله) * وحسبي الله ونعم الوكيل.
-



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق