Translate ***

الجمعة، 1 يونيو 2018

( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)


ماذا تعني لفظة حدود في الآية( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )
وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه
(حدود الله) مصطلح إسلامي خالص، ورد ذكره في القرآن الكريم في أكثر من موضع، وورد أيضاً في العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، وهو في المحصلة يفيد أحد أمرين:
1.إما المحارم التي حرمها الله على عباده، كقوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون} (الأعراف:33)؛
2.وإما الأحكام الشرعية التي شرعها الله لعباده، كقوله سبحانه: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} (البقرة:43).
وقد وردت في القرآن الكريم آيتان كريمتان ذُكِرَ فيهما مصطلح {حدود الله}، 


وجاء التعبير في كل موضع مغايراً بعض الشيء للموضع الآخر.
أما الآية الأولى فهي قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها} (البقرة:187).
فجاء الموقف من {حدود الله}، بحسب هذه الآية معبَّراً عنه بالفعل {تقربوها}.
وأما الآية الثانية فهي قوله سبحانه: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها} (البقرة:229).
وقد جاء الموقف من {حدود الله}، بحسب هذه الآية معبَّراً عنه بالفعل {تعتدوها}. فهل ثمة فرق بين التعبيرين، أم هما شيء واحد؟ هذا ما نسعى للوقوف عليه في أثناء هذه السطور.
لا شك أن النهي عن القربان والتعدي على {حدود الله} هو في المحصلة طلب للمكلف بألا يفعل ما هو خلاف مقصود الشرع فيما أمر به أو نهى عنه.
فالفعلان يشتركان في معنى واحد هو حظر مخالفة ما جاء به الشرع.
بيد أنهما يختلفان في أمر غير خاف على المتأمل وهو أن النهي عن القربان أبلغ من النهي عن التعدي؛ لأن النهي عن القربان يفيد أن ثمة حاجزاً وفاصلاً بين المكلف وبين الفعل المنهي عنه. أما النهي عن التعدي، فلا يفيد هذا المعنى، بل غاية ما يفيده النهي عن فعل شيء معين، بغض النظر عن المسافة التي تفصل بين المكلف والفعل المنهي عنه. وهذا يتضح أكثر بعد تحليل اللفظين المذكورين في الآيتين الكريمتين.
تضمنت الآية الأولى نهياً عن مباشرة النساء في أثناء الصيام، وفي أثناء الاعتكاف في المساجد، وغلَّظ سبحانه الوعيد بالنهي عن مقاربة ذلك، وشدد بالابتعاد عنه، وحذَّر من مقدماته ودواعيه؛ لئلا يقع المكلف في الحرام من حيث لا يشعر، فاقتضى ذلك المبالغة في النهي عن اقتراف تلك المنهيات، وعبَّر عن ذلك بقوله: {فلا تقربوها}؛ إذ ما كان منهياً عن فعله كان النهي عن قربانه أبلغ.
وقد تحدثت الآية الثانية عن أحكام الطلاق، وجواز قيام المرأة بافتداء نفسها بمهرها، ومخالعة زوجها، وذكر أحكام العدة، والإيلاء، والحيض، وجاء النهي عن مجاوزة الحدِّ برفض ذلك أو مخالفته، وعبَّر سبحانه على ذلك بقوله: {فلا تعتدوها}،
فالآية هنا جاءت بياناً لأحكام معينة ومحددة، فكان من المناسب النهي عن التلبس في تلك المنهيات بلفظ (التعدي)، الذي هو مجاوزة الحد الذي حده الله فيها.
وقد عبَّر بعض أهل العلم عن الفرق بين اللفظين فقال: "الحدود في الأولى هي عبارة عن نفس المحرمات في الصيام والاعتكاف من الأكل والشرب والوطء والمباشرة، فناسب {فلا تقربوها}. والحدود في الآية الثانية أوامرُ في أحكام الحل والحرمة في نكاح المشركات، وأحكام الطلاق والعدة والإيلاء، وحصر الطلاق في الثلاث والخلع، فناسب {فلا تعتدوها}، أي: لا تتعدوا أحكام الله تعالى إلى غيرها مما لم يشرعه لكم، فَقِفُوا عندها؛ ولذلك قال بعده: {وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون} (البقرة:230)".
وعلى وَفْق الآية الأولى جاء قوله صلى الله عليه وسلم: (الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهة؛ فمن ترك ما شُبِّه عليه من الإثم، كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه) متفق عليه.
وعلى غرار الآية الثانية جاء قوله تعالى: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده} (النساء:14)، فقد جاءت هذه الآية بعد آيات سبقتها تبين أحكام المواريث، وتعدد الزوجات، وأموال اليتامى، فناسب أن يذكر عقيب هذا كله التعدي، الذي هو مجاوزة ما شرعه الله من هذه الأحكام إلى ما لم يشرعه.
وقد جاء قوله عز من قائل: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها} (النساء:13)، عقيب قوله سبحانه: {وصية من الله} (النساء:12).
والمتحصل، أن قول سبحانه: {فلا تقربوها}، نهي عن مقاربة ما حرام وممنوع، وأن قوله تعالى: {فلا تعتدوها}، نهي عن التعدي لما هو حلال ومشروع.
على أن المتأمل في كلا اللفظين {فلا تقربوها}، و{فلا تعتدوها}، يجد أن كل لفظ جاء بما يناسب السياق الذي ورد فيه؛ ليدل على معنى يناسب ذلك السياق.
ولا يضر أن نقول بعد الذي تقدم: إن عدداً من المفسرين لم يتعرضوا لذكر الفرق بين اللفظين في الآيتين الكريمتين، ما يُفهم من مسلكهم هذا أنهما بمعنى واحد. وليس في ذلك حرج لمن أراد الوقوف عند ظاهر اللفظين، أما من أراد الوقوف على ما وراء هذا الظاهر، ففيما ذكرناه ما يفي بالمقصود فيما نحسب.
وجاء في لسان العرب
[ حدد ]
حدد : الحد : الفصل بين الشيئين لئلا يختلط أحدهما بالآخر أو لئلا يتعدى أحدهما على الآخر ، وجمعه حدود . وفصل ما بين كل شيئين : حد بينهما . ومنتهى كل شيء : حده ؛ ومنه : أحد حدود الأرضين وحدود الحرم ؛ وفي الحديث في صفة القرآن : ( لكل حرف حد ولكل حد مطلع ) قيل : أراد لكل منتهى نهاية . ومنتهى كل شيء : حده . وفلان حديد فلان إذا كان داره إلى جانب داره أو أرضه إلى جنب أرضه . وداري حديدة دارك ومحادتها إذا كان حدها كحدها . وحددت الدار أحدها حدا والتحديد مثله ؛ وحد الشيء من غيره يحده حدا وحدده : ميزه . وحد كل شيء : منتهاه لأنه يرده ويمنعه عن التمادي ، والجمع كالجمع . وحد السارق وغيره : ما يمنعه عن المعاودة ويمنع أيضا غيره عن إتيان الجنايات ، وجمعه حدود . وحددت الرجل : أقمت عليه الحد . والمحادة : المخالفة ومنع ما يجب عليك ، وكذلك التحاد ؛ وفي حديث عبد الله بن سلام : إن قوما حادونا لما صدقنا الله ورسوله ؛ المحادة : المعاداة والمخالفة والمنازعة ، وهو مفاعلة من الحد كأن كل واحد منهما يجاوز حده إلى الآخر . وحدود الله تعالى : الأشياء التي بين تحريمها وتحليلها ، وأمر أن لا يتعدى شيء منها فيتجاوز إلى غير ما أمر فيها أو نهى عنه منها ، ومنع من مخالفتها ، واحدها حد ؛ وحد القاذف ونحوه يحده حدا : أقام عليه ذلك . الأزهري : والحد حد الزاني وحد القاذف ونحوه مما يقام على من أتى الزنا أو القذف أو تعاطى السرقة . قال الأزهري : فحدود الله ، عز وجل ، ضربان : ضرب منها حدود حدها للناس في مطاعمهم ومشاربهم ومناكحهم وغيرها مما أحل وحرم ، وأمر بالانتهاء عما نهى عنه منها ونهى عن تعديها ، والضرب الثاني عقوبات جعلت لمن ركب ما نهى عنه كحد السارق وهو قطع يمينه في ربع دينار فصاعدا ، وكحد الزاني البكر وهو جلد مائة وتغريب عام ، وكحد المحصن إذا زنى وهو الرجم ، وكحد القاذف وهو ثمانون جلدة ، سميت حدودا لأنها تحد أي تمنع من إتيان ما جعلت عقوبات فيها ، وسميت الأولى حدودا لأنها نهايات نهى الله عن تعديها ؛ قال ابن الأثير : وفي الحديث ذكر الحد والحدود في غير موضع وهي محارم الله وعقوباته التي قرنها بالذنوب ، وأصل الحد المنع والفصل بين الشيئين ، فكأن حدود الشرع فصلت بين الحلال والحرام فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرمة ، ومنه قوله تعالى : تلك حدود الله فلا تقربوها ومنه ما لا يتعدى كالمواريث المعينة وتزويج الأربع ، ومنه قوله تعالى : تلك حدود الله فلا تعتدوها ومنها الحديث : ( إني أصبت حدا فأقمه علي ) أي أصبت ذنبا أوجب علي حدا أي عقوبة . وفي حديث أبي العالية : إن اللمم ما بين الحدين حد الدنيا وحد الآخرة ؛ يريد بحد الدنيا ما تجب فيه الحدود المكتوبة كالسرقة والزنا والقذف ، ويريد بحد الآخرة ما أوعد الله تعالى عليه العذاب كالقتل وعقوق الوالدين وأكل الربا ، فأراد أن اللمم من الذنوب ما كان بين هذين مما [ ص: 56 ] لم يوجب عليه حدا في الدنيا ولا تعذيبا في الآخرة . وما لي عن هذا الأمر حدد أي بد . والحديد : هذا الجوهر المعروف لأنه منيع ، القطعة منه حديدة ، والجمع حدائد ، وحدائدات جمع الجمع ؛ قال الأحمر في نعت الخيل :
وهن يعلكن حدائداتها
ويقال : ضربه بحديدة في يده . والحداد : معالج الحديد ؛ وقوله :
إني وإياكم ، حتى نبيء به منكم ثمانية ، في ثوب حداد
أي نغزوكم في ثياب الحديد أي في الدروع ؛ فإما أن يكون جعل الحداد هنا صانع الحديد لأن الزراد حداد ، وإما أن يكون كنى بالحداد عن الجوهر الذي هو الحديد من حيث كان صانعا له . والاستحداد : الاحتلاق بالحديد . وحد السكين وغيرها : معروف ، وجمعه حدود . وحد السيف والسكين وكل كليل يحدها حدا وأحدها إحدادا وحددها : شحذها ومسحها بحجر أو مبرد ، وحدده فهو محدد مثله ؛ قال اللحياني : الكلام أحدها ، بالألف ، وقد حدت تحد حدة واحتدت . وسكين حديدة وحداد وحديد ، بغير هاء ، من سكاكين حديدات وحدائد وحداد ؛ وقوله :
يا لك من تمر ومن شيشاء ينشب في المسعل واللهاء
أنشب من مآشر حداء
فإنه أراد حداد فأبدل الحرف الثاني وبينهما الألف حاجزة ، ولم يكن ذلك واجبا ، وإنما غير استحسانا فساغ ذلك فيه ؛ وإنها لبينة الحد . وحد نابه يحد حدة وناب حديد وحديدة كما تقدم في السكين ولم يسمع فيها حداد . وحد السيف يحد حدة واحتد ، فهو حاد حديد وأحددته ، وسيوف حداد وألسنة حداد ، وحكى أبو عمرو : سيف حداد ، بالضم والتشديد مثل أمر كبار . وتحديد الشفرة وإحدادها واستحدادها بمعنى . ورجل حديد . وحداد من قوم أحداء وأحدة وحداد : يكون في اللسن والفهم والغضب ، والفعل من ذلك كله حد يحد حدة ، وإنه لبين الحد أيضا كالسكين . وحد عليه يحد حددا ، واحتد فهو محتد واستحد : غضب . وحاددته أي عاصيته . وحاده : غاضبه مثل شاقه ، وكأن اشتقاقه من الحد الذي هو الحيز والناحية كأنه صار في الحد الذي فيه عدوه ، كما أن قولهم شاقه صار في الشق الذي فيه عدوه . وفي التهذيب : استحد الرجل واحتد حدة ، فهو حديد ؛ قال الأزهري : والمسموع في حدة الرجل وطيشه احتد ؛ قال : ولم أسمع فيه استحد إنما يقال استحد واستعان إذا حلق عانته . قال الجوهري : والحدة ما يعتري الإنسان من النزق والغضب ؛ تقول : حددت على الرجل أحد حدة وحدا ؛ عن الكسائي : يقال في فلان حدة ؛ وفي الحديث : ( الحدة تعتري خيار أمتي ) الحدة كالنشاط والسرعة في الأمور والمضاء فيها مأخوذ من حد السيف ، والمراد بالحدة هاهنا المضاء في الدين والصلابة والمقصد إلى الخير ؛ ومنه حديث عمر : كنت أداري من أبي بكر بعض الحد ؛ الحد والحدة سواء من الغضب ، وبعضهم يرويه بالجيم ، من الجد ضد الهزل ، ويجوز أن يكون بالفتح من الحظ . والاستحداد : حلق شعر العانة . وفي حديث خبيب : أنه استعار موسى استحد بها لأنه كان أسيرا عندهم وأرادوا قتله فاستحد لئلا يظهر شعر عانته عند قتله . وفي الحديث الذي جاء في عشر من السنة : الاستحداد من العشر ، وهو حلق العانة بالحديد ؛ ومنه الحديث حين قدم من سفر فأراد الناس أن يطرقوا النساء ليلا فقال : ( أمهلوا كي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة ) أي تحلق عانتها قال أبو عبيد : وهو استفعال من الحديدة يعني الاستحلاق بها ، استعمله على طريق الكناية والتورية . الأصمعي : استحد الرجل إذا أحد شفرته بحديدة وغيرها . ورائحة حادة : ذكية ، على المثل . وناقة حديدة الجرة : توجد لجرتها ريح حادة ، وذلك مما يحمد . وحد كل شيء : طرف شباته كحد السكين والسيف والسنان والسهم ؛ وقيل : الحد من كل ذلك ما رق من شفرته ، والجمع حدود . وحد الخمر والشراب : صلابتها ؛ قال الأعشى :
وكأس كعين الديك باكرت حدها بفتيان صدق ، والنواقيس تضرب
وحد الرجل : بأسه ونفاذه في نجدته ؛ يقال : إنه لذو حد ؛ وقال العجاج :
أم كيف حد مطر القطيم
وحد بصره إليه يحده وأحده ؛ الأولى عن اللحياني : كلاهما حدقه إليه ورماه به . ورجل حديد الناظر ، على المثل : لا يتهم بريبة فيكون عليه غضاضة فيها ، فيكون كما قال تعالى : ينظرون من طرف خفي وكما قال جرير :
فغض الطرف إنك من نمير
قال ابن سيده : هذا قول الفارسي . وحدد الزرع : تأخر خروجه لتأخر المطر ثم خرج ولم يشعب . والحد : المنع . وحد الرجل عن الأمر يحده حدا : منعه وحبسه ؛ تقول : حددت فلانا عن الشر أي منعته ؛ ومنه قول النابغة :
إلا سليمان إذ قال الإله له : قم في البرية فاحددهاعن الفند
والحداد : البواب والسجان لأنهما يمنعان من فيه أن يخرج ؛ قال الشاعر :
يقول لي الحداد ، وهو يقودني إلى السجن : لا تفزع فما بك من باس !
قال ابن سيده : كذا الرواية بغير همز " باس " على أن بعده :
ويترك عذري وهو أضحى من الشمس
وكان الحكم على هذا أن يهمز بأسا لكنه خفف تخفيفا في قوة التحقيق حتى كأنه قال فما بك من بأس ، ولو قلبه قلبا حتى يكون كرجل ماش لم يجز مع قوله وهو أضحى من الشمس ؛ لأنه كان يكون أحد البيتين بردف ، وهو ألف باس ، والثاني بغير ردف ، وهذا غير معروف ويقال للسجان : حداد لأنه يمنع من الخروج أو لأنه [ ص: 57 ] يعالج الحديد من القيود . وفي حديث أبي جهل لما قال في خزنة النار وهم تسعة عشر ما قال ، قال له الصحابة : تقيس الملائكة بالحدادين ؛ يعني السجانين لأنهم يمنعون المحبسين من الخروج ، ويجوز أن يكون أراد به صناع الحديد لأنهم من أوسخ الصناع ثوبا وبدنا ؛ وأما قول الأعشى يصف الخمر والخمار :
فقمنا ، ولما يصح ديكنا إلى جونة عند حدادها
فإنه سمى الخمار حدادا ، وذلك لمنعه إياها وحفظه لها وإمساكه لها حتى يبذل له ثمنها الذي يرضيها . والجونة : الخابية . وهذا أمر حدد أي منيع حرام لا يحل ارتكابه . وحد الإنسان : منع من الظفر . وكل محروم : محدود . ودون ما سألت عنه حدد أي منع . ولا حدد عنه أي لا منع ولا دفع ؛ قال زيد بن عمرو بن نفيل :
لا تعبدن إلها غير خالقكم وإن دعيتم فقولوا : دونه حدد
أي منع . وأما قوله تعالى : فبصرك اليوم حديد قال : أي لسان الميزان . ويقال : فبصرك اليوم حديد أي فرأيك اليوم نافذ . وقال شمر : يقال للمرأة الحدادة . وحد الله عنا شر فلان حدا : كفه وصرفه ؛ قال :
حداد دون شرها حداد
حداد في معنى حده ؛ وقول معقل بن خويلد الهذلي :
عصيم وعبد الله والمرء جابر وحدي حداد شر أجنحة الرخم
أراد : اصرفي عنا شر أجنحة الرخم ، يصفه بالضعف ، واستدفاع شر أجنحة الرخم على ما هي عليه من الضعف ؛ وقيل : معناه أبطئي شيئا يهزأ منه وسماه بالجملة . والحد : الصرف عن الشيء من الخير والشر . والمحدود : الممنوع من الخير وغيره . وكل مصروف عن خير أو شر : محدود . وما لك عن ذلك حدد ومحتد أي مصرف ومعدل . أبو زيد : يقال ما لي منه بد ولا محتد ولا ملتد أي ما لي منه بد . وما أجد منه محتدا ولا ملتدا أي بدا . الليث : والحد الرجل المحدود عن الخير . ورجل محدود عن الخير : مصروف ؛ قال الأزهري : المحدود المحروم ؛ قال : لم أسمع فيه رجل حد لغير الليث وهو مثل قولهم : رجل جد إذا كان مجدودا . ويدعى على الرجل فيقال : اللهم احدده أي لا توفقه لإصابة . وفي الأزهري : تقول للرامي اللهم احدده أي لا توفقه للإصابة . وأمر حدد : ممتنع باطل ، وكذلك دعوة حدد . وأمر حدد : لا يحل أن يرتكب . أبو عمرو : الحدة العصبة . وقال أبو زيد : تحدد بهم أي تحرش بهم . ودعوة حدد أي باطلة . والحداد : ثياب المآتم السود . والحاد والمحد من النساء : التي تترك الزينة والطيب ؛ وقال ابن دريد : هي المرأة التي تترك الزينة والطيب بعد زوجها للعدة . حدت تحد وتحد حدا وحدادا ، وهو تسلبها على زوجها ، وأحدت ، وأبى الأصمعي إلا أحدت تحد ، وهي محد ، ولم يعرف حدت ؛ والحداد : تركها ذلك . وفي الحديث : ( لا تحد المرأة فوق ثلاث ولا تحد إلا على زوج ) . وفي الحديث : ( لا يحل لأحد أن يحد على ميت أكثر من ثلاثة أيام إلا المرأة على زوجها فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا ) . قال أبو عبيد : وإحداد المرأة على زوجها ترك الزينة ؛ وقيل : هو إذا حزنت عليه ولبست ثياب الحزن وتركت الزينة والخضاب ؛ قال أبو عبيد : ونرى أنه مأخوذ من المنع لأنها قد منعت من ذلك ، ومنه قيل للبواب : حداد لأنه يمنع الناس من الدخول . قال الأصمعي : حد الرجل يحد حدا إذا جعل بينه وبين صاحبه حدا وحده يحده إذا ضربه الحد ، وحده يحده إذا صرفه عن أمر أراده . ومعنى حد يحد : أنه أخذته عجلة وطيش . وروي عنه ، عليه السلام ، أنه قال : ( خيار أمتي أحداؤها ) وهو جمع حديد كشديد وأشداء . ويقال : حدد فلان بلدا أي قصد حدوده ؛ قال القطامي :
محددين لبرق صاب من خلل وبالقرية رادوه برداد
أي قاصدين . ويقال : حددا أن يكون كذا كقوله معاذ الله ؛ قال الكميت :
حددا أن يكون سيبك فينا وتحا أو مجبنا ممصورا
أي حراما كما تقول : معاذ الله قد حدد الله ذلك عنا . والحداد : البحر ، وقيل : نهر بعينه ، قال إياس بن الأرت :
ولو يكون على الحداد يملكه لم يسق ذا غلة من مائه الجاري
وأبو الحديد : رجل من الحرورية قتل امرأة من الإجماعيين كانت الخوارج قد سبتها فغالوا بها لحسنها ، فلما رأى أبو الحديد مغالاتهم بها خاف أن يتفاقم الأمر بينهم فوثب عليها فقتلها ؛ ففي ذلك يقول بعض الحرورية يذكرها :
أهاب المسلمون بها وقالوا على فرط الهوى : هل من مزيد ؟
فزاد أبو الحديد بنصل سيف صقيل الحد ، فعل فتى رشيد
وأم الحديد : امرأة كهدل الراجز ؛ وإياها عنى بقوله :
قد طردت أم الحديد كهدلا وابتدر الباب فكان الأولا
شل السعالي الأبلق المحجلا يا رب لا ترجع إليها طفيلا
وابعث له يا رب عنا شغلا وسواس جن أو سلالا مدخلا
وجربا قشرا وجوعا أطحلا
طفيل : صغير ، صغره وجعله كالطفل في صورته وضعفه ، وأراد طفيلا ، فلم يستقم له الشعر فعدل إلى بناء حثيل ، وهو يريد ما ذكرنا من التصغير ، والأطحل : الذي يأخذه منه الطحل ، وهو وجع الطحال .
[ ص: 58 ] وحد : موضع ، حكاه ابن الأعرابي ؛ وأنشد :
فلو أنها كانت لقاحي كثيرة لقد نهلت من ماء حد وعلت
وحدان : حي من الأزد ؛ وقال ابن دريد : الحدان حي من الأزد فأدخل عليه اللام ؛ الأزهري : حدان قبيلة في اليمن . وبنو حدان ، بالضم : من بني سعد . وبنو حداد : بطن من طيئ . والحداء : قبيلة ؛ قال الحارث بن حلزة :
ليس منا المضربون ، ولا قي س ولا جندل ، ولا الحداء
وقيل : الحداء هنا اسم رجل ، ويحتمل الحداء أن يكون فعالا من حدأ ، فإذا كان ذلك فبابه غير هذا . ورجل حدحد : قصير غليظ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق