Translate ***

الجمعة، 4 مايو 2018

غزوة بدر الآخرة



غزوة بدر الآخرة     .
وهي بدر الموعد التي توعدوا إليها من أحد كما تقدم.
قال ابن إسحاق: ولما رجع رسول الله إلى المدينة من غزوة ذات الرقاع أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى الآخرة ورجبا، ثم خرج في شعبان إلى بدر لميعاد أبي سفيان ..قال ابن هشام: واستعمل على المدينة عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول. قال ابن إسحاق: فنزل رسول الله بدرا، وأقام عليه ثمانية ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة من ناحية الظهران، وبعض الناس يقول: قد بلغ عسفان. ثم بدا له في الرجوع فقال: يا معشر قريش إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب، ترعون فيه الشجر، وتشربون فيه اللبن، فإن عامكم هذا عام جدب، وإني راجع فارجعوا، فرجع الناس فسماهم أهل مكة جيش السويق، يقولون: إنما خرجتم تشربون السويق.
قال: وأتى مخشي بن عمرو الضمري، وقد كان وادع النبي في غزوة ودان على بني ضمرة، فقال: يا محمد أجئت للقاء قريش على هذا الماء؟
قال: «نعم يا أخا بني ضمرة، وإن شئت رددنا إليك ما كان بيننا وبينك، وجالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك». قال: لا والله يا محمد ما لنا بذلك من حاجة، ثم رجع رسول الله إلى المدينة ولم يلق كيدا. قال ابن إسحاق: وقد قال عبد الله بن رواحة يعني في انتظارهم أبا سفيان ورجوعه بقريش عامه ذلك، قال ابن هشام: وقد أنشدنيها أبو زيد لكعب بن مالك:
وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد * لميعاده صدقا وما كان وافيا
فأقسمُ لو لاقيتنا فلقِيتَنا * لأبت ذميما وافتقدت المواليا
تركنا به أوصال عتبة وابنه * وعمرا أبا جهل تركناه ثاويا
عصيتم رسول الله أف لدينكم * وأمركم السيء الذي كان غاويا
فإني وإن عنفتموني لقائل * فدى لرسول الله أهلي وماليا
أطعناه لم نعدله فينا بغيره * شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا
قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت في ذلك:
دعوا فلجات الشام قد حال دونها *جلاد كأفواه المخاض الأوارك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصاره حقا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا لها ليس الطريق هنالك
أقمنا على الرس النزوع ثمانيا * بأرعن جرار عريض المبارك
بكل كميت جَوزُه نصف خَلْقه * وقُبٍّ طوال مشرفات الحوارك
ترى العرفج العامي تذري أصوله * مناسم أخفاف المطي الرواتك
فإن تلق في تطوافنا والتماسنا * فرات بن حيان يكن رهن هالك
وإن تلق قيس بن امرئ القيس بعده * يزد في سواد لونه لون حالك
فأبلغ أبا سفيان عني رسالة * فإنك من غر الرجال الصعالك
قال: فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، وقد أسلم فيما بعد ذلك:
أحسان إنا يا ابن آكلة الفغا * وجدَّك نغتال الخروق كذلك
خرجنا وما تنجو اليعافير بيننا * ولو وألت منا بشد مدارك
إذا ما انبعثنا من مُناخ حسبته * مد من أهل الموسم المتعارك
أقمت على الرس النزوع تريدنا * وتتركنا في النخل عند المدارك
على الزرع تمشي خيلنا وركابنا * فما وطئت ألصقنه بالدكادك
أقمنا ثلاثا بين سَلع وفارع * بجُرد الجياد والمطي الرواتك
حسبتم جلاد القوم عند فنائكم * كمأخذكم بالعين أرطال آنك
فلاتبعث الخيل الجياد وقل لها * على نحو قول المعصم المتماسك
سعدتم بها وغيركم كان أهلها * فوارس من أبناء فهر بن مالك
فإنك لا في هجرة إن ذكرتها * ولا حرمات دينها أنت ناسك
قال ابن هشام: تركنا منها أبياتا لاختلاف قوافيها، وقد ذكر موسى بن عقبة، عن الزهري وابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير:
أن رسول الله استنفر الناس لموعد أبي سفيان، وانبعث المنافقون في الناس يثبطونهم، فسلم الله أولياءه، وخرج المسلمون صحبة رسول الله إلى بدر، وأخذوا معهم بضائع وقالوا: إن وجدنا أبا سفيان وإلا اشترينا من بضائع موسم بدر.
ثم ذكر نحو سياق ابن إسحاق في خروج أبي سفيان إلى مجنة ورجوعه، وفي مقاولة الضمري، وعرض النبي المنابذة فأبى ذلك.
قال الواقدي: خرج رسول الله إليها في ألف وخمسمائة من أصحابه، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة، وكان خرجوه إليها في مستهل ذي القعدة يعني سنة أربع، والصحيح قول ابن إسحاق: أن ذلك في شعبان من هذه السنة الرابعة، ووافق قول موسى بن عقبة أنها في شعبان، لكن قال في سنة ثلاث وهذا وهم.
فإن هذه تواعدوا إليها من أحد، وكان أحد في شوال سنة ثلاث كما تقدم، والله أعلم. قال الواقدي: فأقاموا ببدر مدة الموسم الذي كان يعقد فيها ثمانية أيام، فرجعوا وقد ربحوا من الدرهم درهمين، وقال غيره: فانقلبوا كما قال الله عز وجل: { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } [آل عمران: 174] .
--------------------------

السرايا في سنة 6 من الهجرة


. فصل في السرايا التي كانت في سنة ست من الهجرة
وتلخيص ذلك ما أورده الحافظ البيهقي، عن الواقدي:
في ربيع الأول منها أو الآخر بعث رسول الله عكاشة بن محصن في أربعين رجلا إلى الغمر، وفيهم ثابت بن أقرن وسباع بن وهب، فأغذا السير ونذر القوم بهم، فهربوا منه ونزل على مياههم، وبعث في آثارهم وأخذ منهم مائتي بعير فاستاقها إلى المدينة.
وفيها كان بعث أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة بأربعين رجلا أيضا، فساروا إليهم مشاة، حتى أتوها في عماية الصبح، فهربوا منه في رؤوس الجبال، فأسر منهم رجلا فقدم به على رسول الله ، وبعثه محمد بن مسلمة في عشرة نفر، وكمن القوم لهم حتى باتوا، فما شعروا إلا بالقوم فقتل أصحاب محمد بن مسلمة كلهم، وأفلت هو جريحا.
وفيها كان بعث زيد بن حارثة بالحموم، فأصاب امرأة من مزينة يقال لها حليمة، فدلتهم على محلة من محال بني سليم، فأصابوا منها نعما وشاءً وأسروا من المشركين، وكان فيهم زوج حليمة هذه، فوهبه رسول الله لزوجها وأطلقهما.
وفيها كان بعث زيد بن حارثة أيضا في جمادى الأولى إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلا، فهربت منه الأعراب فأصاب من نعمهم عشرين بعيرا، ثم رجع بعد أربع ليال.
وفيها خرج زيد بن حارثة في جمادى الأولى إلى العيص.
قال: وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع فاستجار بزينب بنت رسول الله فأجارته.
وقد ذكر ابن إسحاق قصته حين أخذت العير التي كانت معه، وقتل أصحابه وفر هو من بينهم حتى قدم المدينة، وكانت امرأته زينب بنت رسول الله قد هاجرت بعد بدر، فلما جاء المدينة استجار بها فأجارته بعد صلاة الصبح، فأجاره لها رسول الله ، وأمر الناس برد ما أخذوا من عيره فردوا كل شيء كانوا أخذوه منه حتى لم يفقد منه شيئا.
فلما رجع بها إلى مكة وأدى إلى أهلها ما كان لهم معه من الودائع أسلم، وخرج من مكة راجعا إلى المدينة، فرد عليه رسول الله زوجته بالنكاح الأول، ولم يحدث نكاحا ولا عقدا كما تقدم بيان ذلك.
وكان بين إسلامه وهجرتها ست سنين، وقد بينا أنه لا منافاة بين الروايتين، وأن إسلامه تأخر عن وقت تحريم المؤمنات على الكفار بسنتين، وكان إسلامه في سنة ثمان في سنة الفتح، لا كما تقدم في كلام الواقدي من أنه سنة ست، فالله أعلم.
وذكر الواقدي في هذه السنة أن دحية بن خليفة الكلبي أقبل من عند قيصر قد أجازه بأموال وخلع، فلما كان بحسمى لقيه ناس من جذام فقطعوا عليه الطريق فلم يتركوا معه شيئا، فبعث إليهم رسول الله زيد بن حارثة أيضا رضي الله عنه.
قال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر، عن يعقوب بن عتبة قال: خرج علي رضي الله عنه في مائة رجل إلى أن نزل إلى حي من بني أسد بن بكر، وذلك أنه بلغ رسول الله أن لهم جمعا يريدون أن يمدوا يهود خيبر، فسار إليهم بالليل وكمن بالنهار، وأصاب عينا لهم فأقر له أنه بعث إلى خيبر يعرض عليهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر.
قال الواقدي رحمه الله تعالى: وفي سنة ست في شعبان كانت سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل، وقال له رسول الله : «إن هم أطاعوا فتزوج بنت ملكهم» فأسلم القوم وتزوج عبد الرحمن بنت ملكهم تماضر بنت الأصبع الكلبية، وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.
قال الواقدي: في شوال سنة ست كانت سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله ، واستاقوا النعم، فبعث رسول الله في آثارهم كرز بن جابر في عشرين فارسا، فردوهم وكان من أمرهم ما أخرجه البخاري ومسلم: من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك:
أن رهطا من عكل وعرينة - وفي رواية: من عكل أو عرينة - أتوا رسول الله فقالوا: يا رسول الله أنا أناس أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، فاستوخمنا المدينة، فأمر لهم رسول الله بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فيه، فيشربوا من ألبانها وأبوالها، فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة، قتلوا راعي رسول الله واستاقوا الذود، وكفرو بعد إسلامهم.
فبعث النبي في طلبهم فأمر بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمَّر أعينهم، وتركهم في الحَّرة حتى ماتوا وهم كذلك.
قال قتادة: فبلغنا أن رسول الله كان إذا خطب بعد ذلك حض على الصدقة، ونهى عن المثلة.
وهذا الحديث قد رواه جماعة عن قتادة.
ورواه جماعة عن أنس بن مالك.
وفي رواية مسلم: عن معاوية بن قرة، عن أنس: أن نفرا من عرينة أتوا رسول الله فأسلموا وبايعوه، وقد وقع في المدينة الموم - وهو البرسام - فقالوا: هذا الموم قد وقع يا رسول الله، لو أذنت لنا فرجعنا إلى الإبل.
قال: «نعم فاخرجوا فكونوا فيها» فخرجوا فقتلوا الراعيين، وذهبوا بالإبل، وعنده سار من الأنصار قريب عشرين، فأرسلهم إليهم وبعث معهم قائفا يقتص أثرهم، فأتى بهم فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمَّر أعينهم.
وفي صحيح البخاري: من طريق أيوب، عن أبي قلابة، عن أنس أنه قال: قدم رهط من عكل فأسلموا واجتووا المدينة، فأتوا رسول الله فذكروا ذلك له فقال: «الحقوا بالإبل واشربوا من أبوالها وألبانها».
فذهبوا وكانوا فيها ما شاء الله، فقتلوا الراعي واستاقوا الإبل، فجاء الصريخ إلى رسول الله ، فلم ترتفع الشمس حتى أتى بهم، فأمر بمسامير فأحميت فكواهم بها، وقطع أيديهم وأرجلهم، وألقاهم في الحرة يستسقون فلا يسقون حتى ماتوا ولم يحمهم.
وفي رواية عن أنس قال: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه من العطش.
قال أبو قلابة: فهؤلاء قتلوا، وسرقوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله .
وقد روى البيهقي: من طريق عثمان بن أبي شيبة، عن عبد الرحمن بن سليمان، عن محمد بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رسول الله لما بعث في آثارهم قال: «اللهم عمِ عليهم الطريق واجعلها عليهم أضيق من مسك جمل».
قال: فعمَّى الله عليهم السبيل فأدركوا، فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمَّل أعينهم.
وفي صحيح مسلم: إنما سملهم  لأنهم سملوا أعين الرعاء.