الوافي بالوفيات -الصفدي -.باب محمد 3*-
صفحة : 512
ومن شعره أورده ابن أنجب في كتاب لطائف المعاني:
نفسي الفداء لبـيض خـرد عـرب لعبن بي عند لثم الركن والحـجـر
ما استدل إذا ما تهت خـلـفـهـم إلا بريحهـم مـن طـيب الأثـر
غازلت من غزلي منـهـن واحـدة حسناء ليس لها أخت من البـشـر
إن أسفرت عن محياها أرتك سـنـا مثل الغزالة إشراقـا بـلا عـثـر
للشمس غرتها لـلـيل طـرتـهـا شمس وليل معا من أحسن الصور
فنحن في الليل من ضوء النهار بـه ونحن في الظهر في ليل من الشعر قال ابن النجار:اجتمعت به بدمشق في رحلتي إليها وكتبت عنه من شعره ونعم الشيخ هو،ذكر لي أنه دخل بغداد سنة إحدى وست مائة فأقام بها اثني عشر يوما ثم دخلها ثانيا حاجا من مكة مع الركب سنة ثمان وست مائة.وأورد له:
أنا حائر مـا بـين عـلـم وشـهـوة ليتصلا ما بين ضـدين مـن وصـل
ومن لم يكن يستنشق الريح لـم يكـن يرى الفضل للمسك الفتيق على الزبل أبو العشائر ابن التلولي محمد بن علي بن محمد ابن التلولي اللبان أبو العشائر من أهل قطفتا.
حفظ القرآن وقرأ بالروايات وتمهذب لابن حنبل وسمع الحديث من جماعة وقرأ الأدب على العشاب وصحب ابن العطار صاحب المخزن.
توفي في محبس ابن عباد ناظر واسط سنة إحدى عشرة وست مائة.
أبو منصور القزويني المقرئ محمد بن علي بن منصور بن عبد الملك ابن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الفراء القزويني أبو منصور ابن أبي الحسن.
قرأ القرآن بالروايات على أبي بكر محمد بن علي بن موسى الخياط وغيره،وسمع الحديث من أبيه ومن أبي طالب محمد بن غيلان وأبي إسحق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي وأبي محمد الحسن الجوهري وأبي الطيب طاهر الطبري وأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي وغيرهم،وروى عنه أبو القاسم إسماعيل بن أحمد بن عمر السمرقندي وأبو بكر المبارك بن كامل الخفاف،قال ابن النجار:وشيخنا يحيى بن بوش.وتوفي سنة ست عشرة وخمس مائة.
ابو الحسن الدقيقي محمد بن علي ابو الحسن الدقيقي أخذ عن علي ابن عيسى الرماني وغيره،مولده سنة أربع وثمانين وثلاث مائة وله من الكتب المرشد في النحو المسموع من كلام العرب في الغريب.
العمراني المكي محمد بن علي بن أحمد بن هرون العمراني المكي أبو علي الأديب.
توفي سنة نيف وعشرين وخمس مائة قاله أبو محمد محمود بن أرسلان في تاريخ خوارزم وقال:هو شيخ لطيف العبارة خفيف الحركة حاضر الجواب أخذ الأدب عن سليمان بن محمد الدادي.
قال:وسمعت ابنة حجة الإسلام ابا الحسين علي بن محمد يقول:هجا شبل الدولة ابو مقاتل عطية البكري والدي فقال:
رأيت الفتى المكي أسود حالكا طويلا نحيفا يابس الكف والبدن
فشبهته والثوب يغشاه أبـيضـا بمحراك تنور تلطخ باللـبـن فأجابه والدي:
أيا شبل لا تهج السواد فـإنـنـي رأيت سواد العين أكرم في البدن
ولا تهجوني بالنحول فـإنـنـي كباز وإن الدب يوصف بالسمن ابن الجبان اللغوي محمد بن علي بن عمر بن الجبان ابو منصور اللغوي من أهل الري.
سكن بأصبهان وكان إماما في اللغة وله مصنفات حسنة في الأدب وهو من أصحاب أبي علي يالفارسي النحوي،قدم بغداد سنة إحدى وتسعين وثلاث مائة وروى بها كتاب انتهاز الفرص في تبيين المقلوب من كلام العرب من تصنيفه قرأه عليه عبد الواحد بن علي بن برهان الأسدي ورواه عنه وقرئ عليه مسند الروياني وتكلموا فيه من قبل مذهبه كذا قاله ابن النجار قلت:لعله كان معتزليا.
قال ياقوت:له كتاب أبنية الأفعال وكتاب الشامل في اللغة كبير كتاب شرح الفصيح حسن.
وكان ينخرط في سلك ندماء الصاحب ابن عباد ثم استوحش من خدمته وتمادت به أحوال شتى حتى علق غلاما من الديلم يقال له البركاني واتفق للغلام أنه أحرم بالحج ولم يجد هو بدا من موافقته ومرافقته حتى بلغا الميقات فلما أخذ في التلبية قال:لبيك اللهم لبيك والبركاني ساقني إليك،وكان يواصل إنشاد هذين البيتين:
مليح الدل والـغـنـج لك سلطان على المهج
صفحة : 513
إن بيتا أنت ساكـنـه غير محتاج إلى سرج ثم ابتلي بفراقه فقال:
يا وحشتي لفراقـكـم أترى يدوم علي هـذا
الموت والأجل المـتـا ح وكل معضلة ولا ذا الدوري الواعظ محمد بن علي بن نصر بن البل الدوري ابو المظفر الواعظ.
ولد بالدور من نواحي دجيل ودخل بغداد في صباه واستوطنها وسمع الحديث الكثير وقرأ الفقه والأدب وسلك طريق الوعظ وحفظ المجالس وتكلم على رؤوس الناس،ولم يزل إلى أن علت سنه وتعصب له الناس وصار يتكلم في التعازي المتعلقة بدار الخلافة والأكابر وأذن له في الجلوس بباب التربة الجهنية عند قبر معروف كل سبت.
وكانت بينه وبين أبي الفرج ابن الجوزي منافرات ومناقرات.
ولم يزل كذلك إلى أن جرت لولده مخاصمة مع غلمان أم الناصر فمنع من الجلوس وأمر بلزوم بيته..ولم يزل كذلك حتى مات سنة إحدى عشرة وست مائة ومولده سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة.
وأورد له ابن النجار:
يتوب على يدي قوم عصـاة أخافتهم من الباري ذنـوب
وقلبي مظلم من طول ما قد جنى فأنا على يد من أتوب?
كأني شمعة مـا بـين قـوم تضيء لهم ويحرقها اللهيب
كأني مخيط يكسـو أنـاسـا وجسمي من ملابسهم سليب مهذب الدين ابن الخيمي محمد بن علي بن علي بن علي-ثلاثة-ابن المفضل بن القامغار-بالقاف وبعد الألف ميم بعدها غين معجمة بعدها ألف بعدها راء-الأديب الكامل مهذب الدين ابن الخيمي الحلي العراقي الشاعر شيخ معمر فاضل.
قال ابن النجار:كتبت عنه بالقاهرة وله مصنفات كثيرة سمع وروى وتوفي سنة اثنتين وأربعين وست مائة.
من شعره:
أأصنام هذا الجيل طـرا أكـلـكـم يعوق أما فـيكـم يغـوث ولا ود
لقد طال تردادي إليكم فـلـم أجـد سوى رب شأن في الغنى شأنه الرد
ودعوى كرام يستحيل قـبـولـهـا ويقبل إذ حد الحسـام لـهـا حـد ومنه:
جننت فعوذني بكـتـبـك أن لـي شياطين شوق لا تفارق مضجعـي
إذا استرقت أسرار وجدي تـمـردا بعثت عليها في الدجى شهب أدمعي ومنه:
قالت وقد رأت المشيب:تجاف عن مسي بشيبك فالمشيب أخو البرص
إنـي لأكـرهـه إذا عـاينـتـه يقظى وألقى دون رؤيته الغصص
وأظنه كفني وقطـن لـفـائفـي حملته غاسلتي وجاءت في قفص ومن تصانيفه:كتاب حرف في علم القرآن أمثال القرآن كتاب الكلاب استواء الحاكم والقاضي رد على الوزير المغربي المقايسة لزوم الخمس الملخص الديواني في الأدب والحساب المقصورة المطاول في الرد على المعري في مواضع سها فيها ستة اسطرلاب الشعر شرح التحيات الأربعين والأساميات الديوان المعمور في مدح الصاحب الجمع بين الأخوات والمحافظة عليهن وهن مسيئات صفات القبلة مجملة مفصلة رسالة من أهل الإخلاص والمودة إلى الناكثين من أهل الغدر والردة.
ولد في الثامن والعشرين من شوال سنة تسع وأربعين وخمس مائة بالحلة المزيدية وتوفي يوم الأربعاء العشرين من ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وست مائة بالقاهرة ودفن من الغد بالقرافة الصغرى.
قال ابن خلكان:وحضرت الصلاة عليه وكان إماما في اللغة وراوية للشعر والأدب وكان اجتماعنا بالقاهرة في مجالس عديدة وأنشدني كثيرا من شعره وشعر غيره انتهى.
قلت:ومن شعره الأبيات المشهورة وهو ما كتبه لولده وقد عصر:
عصروك أمثال اللصـو ص ومكنوا منك الإهانه
فإذا رجعت فخـنـهـم إن السلامة في الخيانـه
وافعل كفعل بني سـنـا ء الملك في مال الخزانه يقال أن هذه الأبيات لما شاعت أمسك بنو سناء الملك وصودروا بسبب هذه الأبيات.
وقال قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان رحمه الله تعالى:أنشدني مهذب الدين ابو طالب ابن الخيمي وأخبرني أنه كان بدمشق وقد رسم السلطان بحلق لحية شخص له وجاهة بين الناس فحلق بعضها وحصلت فيه شفاعة فعفي عنه في الباقي فعمل فيه ولم يصرح باسمه بل رمزه وستره وهو:
زرت ابن آدم لما قيل قد حلقوا جميع لحيته من بعد ما ضربا
صفحة : 514
فلم أر النصف محلوقا فعدت له مهنئا بالذي منها لـه وهـبـا
فقام ينشدني والدمع يخـنـقـه بيتين ما نظما مينا ولا كـذبـا
إذا أتتك لحلق الذقـن طـائفة فاخلع ثيابك منها ممعنا هربـا
وإن أتوك وقالوا أنها نـصـف فإن أطيب نصفيها الذي ذهبـا ابن الشيخ علي الحريري محمد بن علي هو ابن الشيخ علي الحريري رجل صالح دين خير،ومن محاسنه أنه كان ينكر على أصحاب والده ويأمرهم باتباع الشريعة ولما مات أبوه طلبوا منه الجلوس في المشيخة فشرط عليهم شروطا لم يقدر أصحابه على اشتراطها فتركهم وانعزل عنهم.
وتوفي بدمشق في سنة إحدى وخمسين وست مائة ودفن عند الشيخ رسلان عاش سبعا وأربعين سنة.
أبو الفتح الأنصاري المقرئ محمد بن علي بن موسى شمس الدين ابو الفتح الأنصاري لم يشتهر إلا بكنيته.
كان فاضلا عارفا بالقرآن تفرد بذلك في وقته وكان يقرئ بتربة أم الصالح بدمشق.
توفي سابع عشر صفر سنة سبع وخمسين وست مائة وانتفع الناس به.
نجيب الدين السمرقندي الطبيب محمد بن علي بن عمر السمرقندي نجيب الدين.
قال ابن أبي أصيبعة:طبيب فاضل بارع له كتب جليلة وتصانيف مشهورة،قتل مع جملة من الناس الذين قتلوا بهراة لما دخلها التتار وكان معاصرا لفخر الدين الرازي،ولنجيب الدين السمرقندي من الكتب كتاب أغذية المرضى قسمه على حسب ما يحتاج إليه في التغذية لكل واحد من سائر الأمراض كتاب الأسباب والعلامات جمع لنفسه ونقله من القانون لأبي علي ابن سينا ومن المعالجات البقراطية وكامل الصناعة كتاب الأقراباذين الكبير وكتاب الأقراباذين الصغير،انتهى كلامه ولم يذكر وفاته.
الحاكمي الخوارزمي محمد بن علي بن أحمد الحاكمي الخوارزمي ابو عبد الله.
مات في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين وخمس مائة،فقيه خطيب واعظ شاعر كاتب أديب أريب،صنف كتاب فتح منقشلاغ ومدح فيه الملك المظفر أتسز خوارزمشاه ووصف أخلاقه ومحاسنه.
ومن شعره:
أيحسب الناس أن المجد مـجـان وهل يملك بالمجـان مـرجـان
ما أعوز المجد مجانا بلا ثـمـن المجد علق وللأعلاق أثـمـان
المجد أبعد شـأوا أن يفـوز بـه بغير وكد وكد النفـس إنـسـان
بأين عدوك تسلم مـن غـوائلـه بالبعد لا تحرق الأشـياء نـيران
ولا يغرنـك إطـراق يريك بـه تناوما فضجيج الحقـد يقـظـان
ولا تفه بكلام لسـت تـأمـنـه فربما كان لـلـحـيطـان آذان
واجز الكريم إذا أسدى إلـيك يدا وإن الجزاء على الإحسان إحسان الصاحب فخر الدين ابن حنا محمد بن علي بن محمد بن سليم المصري الشافعي هو الوزير فخر الدين ابو عبد الله ابن الصاحب بهاء الدين ابن القاضي السديد ابن حنا.
سمع من أبي الحسن ابن المقير وحدث ودرس بمدرسة والده، وعمر رباطا كبيرا بالقرافة ووقف عليه ما لم يقم بالفقراء،وكان دينا فاضلا محبا للخير وهو والد الصاحب تاج الدين وقد مر ذكره،وشيعه خلق كثير،روى عنه الدمياطي،وكانت وفاته سنة ثمان وست مائة.
وله نظم من خط شمس الدين الجزري:ومن نظم الصاحب فخر الدين ما أنشدنا شيخنا شرف الدين الدمياطي قال:أنشدنا المذكور لنفسه:
من يسمع العذل في من وجهها قمر فذاك عندي ممـن لـبـه فـقـدا
لو شاهدت عذلي ما تحت برقعهـا من الجمال لماتوا كلهـم شـهـدا
روحي الفداء لمن عشاقها قتـلـت فكم أسير لها مـا يفـتـدى أبـدا
من علم الغصن لولا قدها مـيسـا وعلم الظبي لولا جـيدهـا غـيدا وأنشدنا له:
أنا مرسل للعاشقين جميعـهـم من مات منهم وافيا من أمتـي
فله الشهادة كلها ولي الـهـنـا إذ كان ممن قد غدا في زمرتي قلت:ولما مات رثاه البوصيري قيل أنه كتبها على قبره هي:
نم هنيئا محمـد بـن عـلـي لجميل قدمـت بـين يديكـا
كنت عونا لنا على الدهر حتى حسدتنا يد المنون عـلـيكـا
أنت أحسنت في الحياة إلينـا أحسن الله في الممات إليكـا
صفحة : 515
وقال أبو الحسين الجزار يعزي الصاحب بهاء الدين فيه لما مات:
بكت الصحابة عند فقد محمـد أسفا فكان أشدهم حزنا علـي
ولحسرة المتألمـين حـقـيقة في الرزء غير تجمل المتجمل ابن المصري تاج الدين محمد بن علي بن يوسف بن شاهنشاه تاج الدين ابن المصري.
كان فاضلا صنف تاريخا للقضاة وتوفي بمصر في المحرم سنة سبع وسبعين وست مائة ودفن بسفح المقطم.
وجيه الدين ابن سويد محمد بن علي بن أبي طالب بن سويد الرئيس وجيه الدين التكريتي التاجر.
كان نافذ الكلمة وافر الحرمة كثير الأموال والتجارات واسع الجاه،كان من خواص الملك الناصر يده مبسوطة في دولته،لما توجه في الجفل إلى مصر من التتار غرم ألف ألف درهم،ولما تملك الملك الظاهر قربه وأدناه وأوصى إليه وجعله ناظر أوقافه لا يتعرض أحد إلى متاجره،وكتبه عند الملوك حتى ملوك الفرنج نافذة وكل من ينسب إليه مرعي الجانب،ولما مات ولده التاج محمد سنة ست وخمسين مشى الملك الناصر في جنازته ثم ركب إلى الجبل.
وحج ولده نصير الدين عبد الله عام حج الملك الظاهر فحضر عنده يوم عرفة مسلما فحين وطئ البساط قال له السلطان وبالغ في إكرامه وسأله عن حوائجه فقال له:يكون معنا أمير يعينه السلطان،فقال:من اخترت أرسلته في خدمتك،فطلب منه جمال الدين ابن نهار فقال له:هذا المولى نصير الدين قد اختارك على جميع من معي فتخدمه مثلما تخدمني وتروح معه إلى الشام.
وكان وجيه الدين فيه بر ومكارم ورقة حاشية،ولد سنة تسع وست مائة وتوفي سنة سبعين وست مائة ودفن بتربته بقاسيون.
وسمع من المؤتمن ابن قميرة ولم يرو بل روى عنه الدمياطي.من شعره في مليح عروس كردي:
لما جلوا ذا الصبي كالبدر في هالو سبى المواشط وقالوا فيه ما قالوا
صبي وكردي وكرديه من أشكالوا لولا نبات عذارو لالتبس حـالـو وكان أقارب ذلك الصبي أمراء القميرية وكان ابن سويد قد أنشد البيتين للملك الناصر وكان إذا حضروا يقول له على سبيل البسط:يا وجيه لولا يوهمه أنه ينشد البيتين،فيضع الوجيه إصبعه على فمه يعني اسكت عني خوفا من الأكراد.
أمين الدين المحلي النحوي محمد بن علي بن موسى بن عبد الرحمن الشيخ أمين الدين ابو بكر الأنصاري المحلي النحوي أحد أئمة العربية بالقاهرة.
تصدر لإقراء النحو وانتفع به الناس له تصانيف حسنة منها أرجوزة في العروض وغير ذلك وله شعر حسن.
توفي في ذي القعدة سنة ثلاث وسبعين وست مائة عن ثلاث وسبعين سنة.ومن نظمه ما كتبه في مرضه لبعض الأكابر:
يا ذا الذي عم الورى نفعه ومن له الإحسان والفضل
العبد في منزله مـدنـفـا وقد جفاه الصحب والأهل
فروجه البقل ويا ويح من فروجه في المرض البقل ومن نظمه أيضا ما كتبه إلى مريض:
إن جـئت نـلـت بـبـابـك الـتـشــريفـــا وإن انـقـطـعـت فـأوثـر الـتـخـفـيفــا
ووحق حبي فيك قدما أننيعوفيتأكره أن أراك ضعيفا ومن نظمه ما أنشدنيه العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي قال:أنشدني الشيخ تقي الدين محمد بن عبد الخالق الصائغ المقرئ قال:أنشدني لنفسه أمين الدين المحلي:
عليك بأرباب الصدور فإن من يجالس أرباب الصدور تصدرا
وإياك أن ترضى صحابة ساقط فتنحط قدرا من علاك وتحقرا
فرفع ابو من ثم خفض مزمل يحقق قولي مغريا ومحـذرا ابن ميسر المصري محمد بن علي بن يوسف بن ميسر تاج الدين ابو عبد الله المصري المؤرخ.
صنف تاريخ القضاة وله تاريخ كبير ذيل به على تاريخ المسبحي.توفي سنة سبع وسبعين وست مائة.
المحدث جمال الدين ابن الصابوني محمد بن علي بن محمود بن أحمد الحافظ المحدث ابو حامد ابن الشيخ علم الدين ابن الصابوني المحمودي شيخ دار الحديث النورية.
ولد سنة اربع وست مائة وتوفي سنة ثمانين وست مائة،سمع من الحرستاني وابن ملاعب وابن البناء وأبي القاسم العطار وابن أبي لقمة،وعني بالحديث وكتب وقرأ وصار له فهم ومعرفة وسمع من ابن البن وابن صصرى وهذه الطبقة بدمشق.
صفحة : 516
وكان صحيح النقل مليح الخط حسن الأخلاق،صنف مجلدا سماه تكملة إكمال الإكمال ذيل به على إكمال ابن نقطة فأجاد وأفاد.
وهو من رفاق ابن الحاجب والسيف بن المجد وابن الدخميسي وابن الجوهري،وطال عمره وعلت روايته وروى الكثير بمصر ودمشق،روى عنه الدمياطي وابن العطار والدواداري والبرزالي والبرهان الذهبي وابن رافع جمال الدين وقاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى،وكان له إجازة من المؤيد الطوسي وابن طبرزد،وحصل له تغير قبل موته بسنة أو أكثر واعتراه غفلة وساء حفظه،وأجاز للشيخ شمس الدين مروياته،ودفن بسفح قاسيون.
شمس الدين المزي العابر محمد بن علي بن علوان الشيخ شمس الدين المزي مفسر الرؤيا كان ضريرا كثير التلاوة وكان إليه المنتهى في تعبير الرؤيا يضرب به المثل في وقته.
توفي سنة ثمانين وست مائة.
صدر الدين ابن القباقبي محمد بن علي الأنصاري الصدر شمس الدين ابن القباقبي.
كان من شيوخ الكتاب وهو والد مجد الدين يوسف أظنه كتب الدرج بصفد والله أعلم.توفي سنة اثنتين وثمانين وست مائة.
ابن شداد الحلبي الكاتب محمد بن علي بن إبراهيم بن علي بن شداد الصدر المنشئ عز الدين ابو عبد الله الأنصاري الحلبي الكاتب.
ولد سنة ثلاث عشرة وكان أديبا فاضلا وصنف تاريخا لحلب وسيره إلى الملك الظاهر وكان من خواص الناصر ذهب في الرسلية إلى هولاكو وإلى غيره وسكن الديار المصرية بعد أخذ حلب وكان ذا مكانة عند الظاهر والمنصور وله توصل ومداخلة وفيه مروءة ومسارعة لقضاء الحوائج وروى شيئا وسمع منه المصريون.
وتوفي سنة اربع وثمانين وست مائة.
صلاح الدين مدرس القيمرية محمد بن علي بن محمود صلاح الدين أبو عبد الله الشهرزوري الشافعي مدرس القيمرية بدمشق وناظرها الشرعي.
كان شابا نبيها حسن الشكل كريم الأخلاق لين الكلام،ولي تدريسها بعد والده القاضي شمس الدين علي.
توفي سنة إحدى وثمانين وست مائة ودفن إلى جانب والده بتربة الشيخ تقي الدين ابن الضلاح ولم يكمل له أربعون سنة.
رضي الدين الشاطبي اللغوي محمد بن علي بن يوسف بن محمد بن يوسف العلامة رضي الدين ابو عبد الله الأنصاري الشاطبي اللغوي.
ولد ببلنسية سنة إحدى وست مائة وروى عن ابن المقير وابن الجميزي،وكان عالي الإسناد في القرآن لأنه قرأ لورش على المعمر محمد بن أحمد بن مسعود الشاطبي الأزدي صاحب ابن هذيل.
وكان رضي الدين إمام عصره في اللغة تصدر بالقاهرة وأخذ الناس عنه،روى عنه الشيخ أثير الدين ابو حيان وسعد الدين الحارثي وجمال الدين المزي وابن منير والظاهري ابو عمرو.
توفي سنة اربع وثمانين وست مائة.وكان يجتمع بالصاحب زين الدين ابن الزبير ويجتمع بالصاحب المذكور جماعة الشعراء من عصره مثل أبي الحسين والوراق وابن النقيب وتلك الحلبة.
أخبرني الشيخ أثير الدين من لفظه قال:فكان الصاحب يرجحه عليهم ويرفعه فوقهم في المجلس ويقول:أنت عالم وهؤلاء شعراء انتهى.
ولما مات الشيخ رضي الدين رثاه السراج الوراق بقصيدة أولها:
سقى أرضا بها قبر الرضي حيا الوسمي يردف بالولي منها:
فقد ترك الغريب غريب دار وأذكره بفقد الأضـمـعـي
وأحكم محكم بلجـام حـزن لفقد الفارس البطل الكمـي
ولما اعتل قالوا اعتل أيضـا لشكواه صحاح الجوهـري
وجازى كل عين قد بكـتـه كتاب العين بالدمع الـروي
لشيخ السبع أبـين مـا رواه وصال كصولة السبع الجري
فحزن الشاطبية ليس يخفـى من العنوان عن فهم الغبـي
وفي علم الحديث له اجتهـاد به يتلو اجتهاد البـيهـقـي
وفي الأنساب لا يخفى علـيه دعاوي من صحيح أو دعي
لو أدرك عصره الكلبي ولى وهرول خوف ليث هبرزي وكان الشاطبي أزرق العينين فقال ناصر الدين ابن النقيب فيه:
يقولون قد حرف الشاطبي فقلت وتصحيفه أكـتـر
ومن لـم يقـيد رواياتـه بخط الشيوخ فما يذكـر
ومن أخذ العلم عن نفسـه فإن سواه بـه أخـبـر
وقالوا دعاويه لا تنقضـي وجد مساويه لا يحصـر
صفحة : 517
فقلت اصفعوا الأزرق المدعي ولو أنه خـلـف الأحـمـر ابن العابد الكاتب محمد بن علي بن العابد الكاتب قال الشيخ أثير الدين مشافهة:هذا من غرناطة وهو والد الكاتب أبي القاسم ابن العابد.
له يلغز في ساحر من إنشاد أثير الدين:
ما اسم لحسناء تسمت بـه مما بعينيها لقتل العـبـاد
ونصفه الثاني مرادي الذي أختاره منها ونعم المراد الرندي محمد بن علي الرندي بالراء المضمومة والنون.
أخبرني الشيخ أثير الدين من لفظه قال:قدم علينا القاهرة ومدح بها بعض قضاتها وتشفع عنده ببعض اصحابه وكان قد نظم فيه أشعارا وموشحات فردها عليه وكتب له بعد الشفاعة بأرطال من الخبز قليلة في ورقة فلم يقبلها وكان قد شكا إليه عائلة كبيرة فقال:إذا كان هذا رئيسهم،ففارق القاهرة ولا أدري أين ذهب.
وأنشدني أثير الدين للمذكور:
شكري لعليائكم كالروض للسحب وقد غذتها بدر غيث منسـكـب
إذ لحت في آل شكر بدر هالتها تمد بحر الندى بالعـلـم والأدب
ببيت عز شـهـير لا يلـم بـه خرم ولا وتد ينفك عن سـبـب
مديد سبق طـويل فـي دوائره وكامل وافرس يغني عن الخبب قلت:شعر منحط.
ابن الملاق الحنفي محمد بن علي بن محمد بن الملاق-بالتخفيف في اللام-القاضي بدر الدين الرقي الفقيه الحنفي.
سمع من بكبرس الخليفتي الأربعين الودعانية وسمع منه الدواداري وأجاز للدماشقة.
مولده سنة تسع عشرة توفي سنة سبع وتسعين وست مائة.
نائب الدواداري في الشد محمد بن علي الأمير شهاب الدين العقيلي نائب الدواداري في شد الشام.
قتل في أواخر سنة سبع وتسعين وست مائة وكان قد شاخ وأسن وسمر قاتله.
المسند شمس الدين ابن الواسطي محمد بن علي بن أحمد بن فضل المسند المبارك شمس الدين ابو عبد الله أخو الإمام القدوة تقي الدين ابن الواسطي.
ولد سنة خمس عشرة وست مائة تقريبا وحضر علي الشيخ الموفق وموسى بن عبد القادر وابن راجح،وسمع من ابن أبي لقمة والقزويني وابن البن وابن صصرى والبهاء وابن صباح والكاشغري وابن غسان والزبيدي وعمر بن شافع وطائفة،خرج له الشيخ شمس الدين عوالي في جزء ضخم وخرج له النابلسي مشيخة في جزئين،وسمع منه المزي والبرزالي وابن سيد الناس والمقاتلي وابن المهندس ونجم الدين القحفازي وشمس الدين ابن المهيني.وتوفي سنة سبع مائة.
الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد محمد بن علي بن وهب بن مطيع الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين ابن دقيق العيد القشيري المنفلوطي المصري المالكي الشافعي أحد الأعلام وقاضي القضاة.
ولد سنة خمس وعشرين بناحية ينبع وتوفي يوم الجمعة حادي عشر صفر سنة اثنتين وسبع مائة.
سمع من ابن المقير وابن الجميزي وابن رواج والسبط وعدة وسمع من ابن عبد الدائم والزين خالد بدمشق،وخرج لنفسه أربعين تساعية ولم يحدث عن ابن المقير وابن رواج لأنه داخله شك في كيفية التحمل عنهما.
وله التصانيف البديعة كالإلمام والإمام شرحه ولم يكمل ولو كمل لم يكن للإسلام مثله وكان يجيء في خمسة وعشرين مجلدا وله علوم الحديث والذي أملاه على ابن الثير في شرح عمدة الأحكام فاضل العصر الذي يعرفه وهو إملاء وشرح مقدمة المطرز في أصول الفقه وألف الأربعين في الرواية عن رب العالمين وشرح بعض مختصر ابن الحاجب وكان إماما متفننا محدثا مجودا فقيها مدققا أصوليا أديبا نحويا شاعرا ناثرا ذكيا غواصا على المعاني مجتهدا وافر العقل كثير السكينة بخيلا بالكلام تام الورع شديد التدين مديم السهر مكبا على المطالعة والجمع قل أن ترى العيون مثله،وكان سمحا جوادا عديم الدعاوي له اليد الطولى في الفروع والأصول وبصر بعلل المنقول والمعقول،قد قهره الوسواس في أمر المياه والنجاسات وله في ذلك حكايات ووقائع عجيبة،وكان كثير التسري والتمتع وله عدة أولاد ذكور بأسماء الصحابة العشرة.
تفقه بأبيه وبالشيخ عز الدين ابن عبد السلام وبطائفة واشتهر اسمه في حياته وحياة مشايخه وتخرج به أئمة.
صفحة : 518
وكان لا يسلك المراء في بحثه بل يتكلم بسكينة كلمات يسيرة فلا يراد ولا يراجع،وكان عارفا بمذهبي مالك والشافعي كان مالكيا أولا ثم صار شافعيا قال:وافق اجتهادي اجتهاد الشافعي إلا في مسألتين أحديهما أن الابن لا يزوج أمه والأخرى...،وحسبك بمن يتنزل ذهنه على ذهن الشافعي.
وكان لا ينام الليل إلا قليلا يقطعه بمطالعة وذكر وتهجد أوقاته كلها معمورة.
ولما طلع إلى السلطان حسام الدين لاجين قام له وخطا عن مرتبته،وعزل نفسه عن القضاء مرات ثم يسأل ويعاد إليه،وكان شفوقا على المشتغلين كثير البر لهم.
وقال قطب الدين:أتيته بجزء سمعه من ابن رواج والطبقة بخطه فقال:حتى أنظر،ثم عاد إليه فقال:هو خطي ولكن ما أحقق سماعي له ولا أذكره.
وحكى قطب الدين السنباطي قال:قال الشيخ تقي الدين لكاتب الشمال سنين لم يكتب علي شيئا،قلت:أخبرني ذلك الإمام العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن السبكي قال: حكى لي ذلك السنباطي فاجتمعت به وقلت له:قال فلان عن فلان عن مولانا كذا وكذا?فقال:أظن ذلك أو كذلك يكون المسلم،أو كما قال.
روى عنه الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس وقطب الدين ابن منير وقاضي القضاة علاء الدين القونوي وقاضي القضاة علم الدين الإخنائي وآخرون وحدث للشيخ شمس الدين إملاء.
وشعره في غاية الحسن في الانسجام والعذوبة وصحة المقاصد وغوص المعاني وجزالة الألفاظ ولطف التركيب.
أخبرني الشيخ الإمام شهاب الدين أبو الثناء محمود فقال:ما رأيت في أهل الأدب مثله،وناهيك بمن يقول شهاب الدين محمود في حقه هذا.
وقال لي الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس وكان به خصيصا:كان الشيخ تقي الدين ممتعا إذا فتح له باب انقضت تلك الليلة في تلك المادة حتى في شعر المتأخرين والعصريين انتهى.
قلت::
فهو الذي بجح الزمان بذكره وتزينت بحديثه الأخـبـار قال القاضي شهاب الدين محمود:قال لي الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد يوما قول أبي الطيب:
لو كان صادف رأس عازر سيفه في يوم معركة لأعيى عيسـى في هذا شيء غير إساءة الأدب.فأفكرت ساعة ثم قلت:نعم كون الموت ما يتفاوت إن كان بالسيف أو غيره فالإحياء من الموت سبيل واحدة.فقال:أحسنت يا فقيه،أو كما قال،وهذه المؤاخذة لا تصدر إلا من أديب كبير كالجاحظ أو غيره.
وأما ما كان يقع من الشيخ أثير الدين في حقه فله سبب أخبرني به الشيخ فتح الدين قال:كان الشيخ تقي الدين قد نزل عن تدريس مدرسة لولده-نسيت أنا المدرسة واسم ابنه-فلما حضر الشيخ أثير الدين درس قاضي القضاة تقي الدين ابن بنت الأعز قرأ آية يفسرها درس ذلك اليوم وهي قوله تعالى قد خسر الذين قتلوا أولادهم فبرز أبو حيان من الحلقة وقال:يا مولانا قاضي القضاة قدموا أولادهم قدموا أولادهم،يكرر ذلك،فقال قاضي القضاة:ما معنى هذا?قال:ابن دقيق العيد نزل لولده فلان عن تدريس المدرسة الفلانية،فنقل المجلس إلى الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد فقال:أما أبو حيان ففيه دعابة أهل الأندلس ومجونهم وأما أنت يا قاضي القضاة فيبدل القرآن في حضرتك وما تنكر هذا الأمر،فما كان إلا عن قليل حتى عزل ابن بنت الأعز من القضاء بابن دقيق العيد،فكان إذا خلا شيء من الوظائف التي تليق بالشيخ أثير الدين ابي حيان يقول الناس:هذه لأبي حيان يخرجها الشيخ تقي الدين لغيره،فهذا هو السبب الموجب لحط أبي حيان وشناعه عليه وأهل العصر لا يرجع إلى جرحهم بعضهم بعضا لمثل هذه الواقعة وأمثالها
إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا
صفحة : 519
وما خلص ابن بنت الأعز من ضرب العنق إلا ابن دقيق العيد لأن الوزير شمس الدين ابن السلعوس لما عمل على ابن بنت الأعز وعزله وسعى في عمل محاضر بكفره وأخذ خط الجماعة على المحاضر ولم يبق إلا خط ابن دقيق العيد أرسل إليه المحاضر مع نقباء وقال:يا مولانا الساعة تضع خطك على هذه المحاضر،فأخذها وشرع يتأملها واحدا بعد واحد والنقباء يتواتر ورودهم بالحث والطلب والإزعاج وأن الوزير في انتظار ذلك والسلطان قد حث في الطلب وهو لا ينزعج وكلما فرغ محضرا دفعه إلى الآخر فقال:ما أكتب فيها شيئا،قال الشيخ فتح الدين:فقلت له:يا سيدي لأجل السلطان والوزير،فقال:أنا ما أدخل في إراقة دم مسلم،قال:فقلت له:كنت تكتب خطك بذلك وبما يخلص فيه،فقال:يا فقيه ما عقلي عقلك هم ما يدخلون إلى السلطان ويقولون قد كتب فلان بما يخالف خطوط الباقين وإنما يقولون قد كتب الجماعة وهذا خط ابن دقيق العيد فأكون أنا السبب الأفوى في قتله،قال:فأبطل إبطاله وأطفأ من شواظ نارهم.
وما أراه إلا أنه ممن بعثه الله تعالى على رأس كل مائة ليجدد لهذه الأمة دينهم فإن الله بعث على رأس المائة الأولى عمر بن عبد العزيز وعلى رأس الثانية الشافعي وعلى رأس المائة الثالثة ابن سريج وعلى راس المائة الرابعة أبا حامد الإسفراييني وعلى رأس المائة الخامسة ابا حامد الغزالي وعلى رأس المائة السادسة الإمام فخر الدين الرازي وعلى رأس المائة السابعة الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد:وأخبرني فتح الدين أنه ما كان يعجبه قول من يقول قاضي القضاة الشافعي فإذا قلنا قاضي القضاة الشافعية قال: إنه هذا.
وكتب الشيخ تقي الدين إلى قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن الخليل الخويي شافعا ومتشوقا:يخدم المجلس لا زال حافظا لأحكام الجود،محفوظا بضمان الله في ضمن السعود،محروس العزم من دواعي الهوى والعز من دواعي الحسود،مقابل وجه الرأي بمرآة الحق مولي جناب الباطل جانب الصدود،ولا برح يمطر على العفاة سحائب كرمه،ويروي الرواة من بحار علوم بمد من قلمه،ويجلو ابكار الأفكار مقلدة بما نظم السحر من حلي كلمه،ويبرز خفيات المعاني منقادة بأيد ذهنه وأيدي حكمه،ويسمو إلى غايات المعالي حتى يقال اين سمو النجم من هممه،ويسبغ من جمال فضله وجميله ما يبصره الجاهل على عماه ويسمعه الحاسد على صممه،وينهى من ولائه ما يشهد به ضميره الكريم،ومن ثنائه ما هو أطيب من ودائع الروض في طي النسيم،ومن دعائه ما يقوم منه بوظيفة لا تهمل،وبشيعه برجاء يطمع معه بكرم الله أن يقبل ويقبل،ويجري منه على عادة إذا انقضى منها ماض تبعه الفعل في الحال والعزم في المستقبل،غير خاف أنه لكل أجل كتاب،ولكل مقصود أسباب،ولم يزل يهم بالكتابة والأيام تدافع،ويعزم على المخاطبة فتدفع في صدر عزمه الموانع،حتى طلع الوقت فجر حظه،واستناب منافثة قلمه عن مشافهة لفظه،وقال لخدمته هذه ردي موردا غير آسن،وتهنى محاسن لا تشبهها المحاسن،وتوطني المحلة المسعودة فكما يسعد الناس كذلك تسعد الأماكن.
وشاهدي من ذلك السيد صدرا بشره بالنجح ضامن،وشهابا ما زلنا نعد السيارة سبعا حتى عززت لنا منه بثامن،وكان السبب في ذلك أن القاضي نجم الدين بمحلة منف لما قدم القاهرة أقام بحيث تقيم،وحاضرنا محاضرة الرجل الكريم،ونافث منافثة لا لغو فيها ولا تأثيم،ولازم الدروس ملازمة لولا أنها محبوبة لقلنا ملازمة غريم،وتلك حقوق له مرعية،ومعرفة أنسابها مراضعة العلوم الشرعية،وقصد هذه الخدمة إلى المجلس فكان ذلك من واجب حقه،وذكر ثناء عليه فقلنا رأيت الحق لمستحقه،وسيدنا حرسه الله تعالى أهل لتقليد المنن،ومحل لأن يظن به كل حسن،والعلم بمروءته لا يقبل تشكيك المشكك،وابوته تقتضي أن يرتقي من بعروة وده يستمسك،والله تعالى يرفع شأنه،ويعلى برهانه،ويكتب له يوم إحسانه إحسانه،ويطوي على المعارف اليقينية جنانه،ويطلق بكل صالحة يده ولسانه،بمنه وكرمه إن شاء الله تعالى.
قلت:ما أعرف بعد القاضي افاضل من كتب الإنشاء مثل ا لقاضي محيي الدين ابن عبد الظاهر وما له مثل هذه المكاتبة علم ذلك من علمه أو جهله من جهله.
أنشدني من لفظه الشيخ فتح الدين محمد بن سيد الناس قال:أنشدني شيخنا تقي الدين ابن دقي قالعيد لنفسه:
الحمد لله كم أسعى بعزمي في نيل العلى وقضاء الله ينكسه
صفحة : 520
كأنني البدر أبغي الشرق والفلك ال أعلى يعارض مسعاه فيعكـسـه قلت:هو مثل قول الأرجاني:
سعيي إليكم في الحقـيقة والـذي تجدون عنكم فهو سعي الدهر بي
أنحوكم ويرد وجهي القهـقـرى دهري فسيري مثل سير الكوكب
فالقصد نحو المشرق الأقصى له والسير رأي العين نحو المغرب وأنشدني بالسند المذكور له أيضا:
أأحباب قلبي والذين بذكـرهـم وترداده طول الزمان تعلقـي
لئن غاب عن عيني بديع جمالكم وجار على الأبدان حكم التفرق
فما ضرنا بعد المسافة بينـنـا سرائرنا تسري إليكم فنلتقـي وبالسند المذكور له أيضا:
قالوا فلان عالم فـاضـل فأكرموه مثل ما يرتضي
فقلت لما لم يكن ذا تقـى تعارض المانع والمقتضي وبالسند المذكور إجازة له يمدح رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يا سائرا نحو الحجـاز مـشـمـرا اجهد فديتك في المسير وفي السرى
وإذا سهرت الليل في طلب العـلـى فحذار ثم حذار من خدع الـكـرى
فالقصد حيث النور يشرق ساطـعـا والطرف حيث ترى الثرى متعطرا
قف بالمنازل والمناهـل مـن لـدن وادي قباء إلى حمـى أم الـقـرى
وتوخ آثار النبـي فـضـع بـهـا متشرفا خديك في عفـر الـبـرى
وإذا رأيت مهابط الـوحـي الـتـي نشرت على الآفـاق نـورا أنـورا
فاعلم بأنك مـا رأيت شـبـيهـهـا مذ كنت في ماضي الزمان ولا ترى
فتردد المخـتـار بـين بـعـيدهـا وقريبها متـبـديا مـتـحـضـرا
واستودعت من سـره مـا كـاد أن يبدي لنا معنى الكمـال مـصـورا
سر فهمنا كنـهـه لـم يشـتـبـه فنشك فيه ولم نـهـم فـيفـسـرا
ولقد أقول إذا الكواكـب اشـرقـت وترفعت في منهتى شرف الـذرى
لا تفخرا زهـر فـإن مـحـمـدا أعلى علىص منها وأشرف جوهرا
نلنا به ما قـد رأينـا مـن عـلـى مع ما نؤمل في القـيامة أن نـرى
فسعـادة أزلـية سـبـقـت ومـا هو ثـابـت أزلا فـلـن يتـغـيرا
وسـيادة بـارى الأنـام بـهـا ولا سيما إذا قدموا عليه المـحـشـرا
ومواهب يأتي لها التـأمـيل مـس تقصى فيرجع عندها مستقـصـرا
ومهابة ملأ القـلـوب بـهـاؤهـا واستنزلت كبر الملوك مصـغـرا
ولربما كفت القتـال فـلـو غـدت لليث نال بها الـفـريسة مـخـدرا
وبديع لطف شمـائل مـن دونـهـا ماء الغمامة والنـسـيم إذا سـرى
مع سطوة للـه فـي يوم الـوغـى تعنو لشدة بأسهـا أسـد الـشـرى
لا ينكر المعـروف مـن أخـلاقـه وإذا استبيح حمى الإلـه تـنـكـرا
شوقي لقرب جنابـه وصـحـابـه شوق يجـل يسـيره أن يذكـــرا
أفنى كنوز الصبر مـن إشـرافـه وجرى على الأحشاء منه ما جـرى
أن لاح صبح كان وجدا مـقـلـقـا أو جن ليل كان همـا مـسـهـرا
أرجو وصال أحبتـي فـكـأنـمـا أرجو المحال وجوده المـتـعـذرا
وأسير نحو مقـامـهـم حـتـى إذا شارفت رؤيته رجعت القهـقـرى حذفت ممن أثنائها ومن آخرها ابياتا خوف الإطالة.وبالسند المذكور له إجازة:
تهيم نفسي طربـا كـلـمـا أستلمح البرق الـحـجـازيا
ويستخف الوجد عقلـي وقـد لبست أثواب الحـجـى زيا
يا هل أقضى حاجتي من منى وأنحر البزل الـمـهـاريا
وأرتوي من زمزم فهي لـي الذ من ريق الـمـهـى ريا وبالسند المذكور له أيضا:
تمنيت أن الشيب عاجل لمتـي وقرب مني صبـاي مـزاره
لآخذ من عصر الشباب نشاطه وآخذ من عصر المشيب وقاره وبالسند المذكور له أيضا:
عطيته إذا أعطى سـرور فإن سلب الذي أعطى أثابا
فأي النعمتين أعد فضـلا وأحمد عند عقباهـا إيابـا
صفحة : 521
أنعمته التي كانت سـرورا أم الأخرى التي جلت ثوابا وبالسند المذكور من أبيات:
لم يبق لي أمل سواك فإن يفت ودعت أيام الـحـياة وداعـا
لا أستلذ لغير وجهك منظـرا وسوى حديثك لا اريد سماعا وأنشدني الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن نباتة قال:أنشدني الشيخ تقي الدين لنفسه:
أتعبت نـفـسـك بـين ذلة كـادح طلب الحياة وبين حرص مـؤمـل
وأضعت نفسك لا خلاعة مـاجـن حصلت فيه ولا وقـار مـبـجـل
وتركت حظ النفس في الدنيا وفي ال أخرى ورحت عن الجميع بمعـزل وبالسند المذكور له أيضا:
لعمري لقد قاسيت بالفقـر شـدة وقعت بها في حـيرة وشـتـات
فإن بحت بالشكوى هتكت مروءتي وإن لم ابح بالصبر خفت مماتـي
فأعظم به من نـازل بـمـلـمة يزيل حـيائي أو يزيل حـياتـي وبالسند المذكور له أيضا دوبيت:
الجسم تذيبه حقوق الخـدمـه والنفس هلاكها علو الهمـه
والعمر بذاك ينقضي في تعب والراحة ماتت فعليها الرحمه ومن العجيب أن هذين البيتين الدوبيت حفظهما تاج الدين أحمد أخو الشيخ تقي الدين وكان فارضا وعاقدا بالحسينية فاتفق أنه قال في وقت الهاجرة بسمجد الجواري بالحسينية فرأى والدهما الشيخ مجد الدين رحمه الله تعالى وهو نائم فسلم عليه وسأله عن حاله فقال:يا سيدي بخير،فقال:كيف محمد أخوك?قال:بخير الساعة كنت عنده وأنشدني دوبيت،وأنشده للشيخ فقال:سلم عليه وقل له:
الروح إلى محلهـا قـد تـاقـت والنفس لها مع جسمها قد عاقت
والقلب معذب على جمـعـهـم والصبر قضى وحيلتي قد ضاقت فانتبه تاج الدين وقد حفظ الدوبيت المذكور.ونقلت من خط الشيخ تقي الدين ما أثبته لنفسه:
أفكر في حالي وقـرب مـنـيتـي وسيري حثيثا في مصيري إلى القبر
فينشئ لي فكري سحائب لـلأسـى تسح هموما دونها وابل الـقـطـر
إلى الله أشكو من وجودي فإنـنـي تعبت به مذ كنت في مبدأ العـمـر
تروح وتغدو للـمـنـايا فـجـائع تكدره والمـوت خـاتـمة الأمـر ونقلت منه له أيضا:
سحاب فكري لا يزال هاميا وليل همي لا أراه راحلا
قد أتعبتني همتي وفطنتـي فليتني كنت مهينا جاهـلا وأنشدني الشيخ فتح الدين إجازة قال:أنشدني لنفسه:
كم ليلة فيك وصلنا الـسـرى لا نعرف الغمض ولا نستريح
قد كلت العيس فجد الـهـوى واتسع الكرب فضاق الفسـيح
وكادت الأنفس مـمـا بـهـا تزهق والأرواح منها تطـيح
واختلف الأصحاب ماذا الـذي يزيل من شكـواهـم أو يزيح
فقيل تـعـريسـهـم سـاعة وقلت بل ذكراك وهو الصحيح قلت:ما أعرف لأحد من المتقدمين ولا من المتأخرين حسن هذا المخلص.
وأخبرني الشيخ فتح الدين أن الشيخ تقي الدين كان مغرى بالكيمياء معتقدا صحتها قال:لأنه أتفق له في مدينة قوص لما كانوا بها من صنعها بحضوره وحكى لي الواقعة بطوله ومن شعر الشيخ تقي الدين قدس الله روحه:
يا معرضا عني ولست بمعرض بل ناقضا عهدي ولست بناقض
أتعبتني فخلائق لـك لـم يفـد فيها،وقد جمحت،رياضة رائض
أرضيت أن تختار رفضي مذهبا فيشنع الأعداء أنك رافـضـي ومنه:
قد جرحـتـنـا يد أيامـنـا وليس غير الـلـه مـن آس
فلا ترج الخلق فـي حـاجة ليسوا بأهل لسـوى الـياس
ولا تزد شكوى إليهـم فـلا معنى لشكواك إلـى قـاس
وأن تخالط منهم مـعـشـرا هويت في الدين على الراس
يأكل بعض لحم بعـض ولا يحسب في الغيبة من بـأس
لا ورع في الدين يحمـيهـم عنها ولا حشـمة جـلاس
لا يعدم الآتي إلى بـابـهـم من ذلة الكلب سوى الخاسي
صفحة : 522
فاهرب من الناس إلى ربهم لا خير في الخلطة بالناس ومن شعره أيضا:
وقائلة:مات الكرام فـمـن لـنـا إذا عضنا الدهر الشديد بـنـابـه
فقلت لها:من كان غاية قـصـده سؤالا لمخلوق فلـيس بـنـابـه
لئن مات من يرجى فمعطيهم الذي يرجونه باق فلـوذي بـنـابـه ومنه:
ومستبعد قلب الـمـحـب وطـرفـه بسلطان حسن لا ينازع في الحـكـم
متين التقى عف الضمير عن الخـنـا رقيق حواشي الظرف والحسن والفهم
يناولـنـي مـسـواكـه فـأظـنـه تحيل في رشفي الرضاب بـلا إثـم ومنه:
إذا كنت في نجد وطيب نسيمهـا تذكرت أهلي باللوى فمحـجـر
وإن كنت فيهم ذبت شوقا ولـوعة إلى ساكني نجد وعيل تصبـري
وقد طال ما بين الفريقين قصتـي فمن لي بنجد بين أهلي ومعشري ومنه ما نظمه في بعض الوزراء:
مقبل مدبر بـعـيد قـريب محسن مذنب عدو حبـيب
عجب من عجائب البر والبح ر ونوع فرد وشكل غريب ومنه وقيل أنه نظمه في ابن الجوزي:
دققت في الفطنة حتى لـقـد أبديت ما يسحـر أو يسـبـي
وصرت في أعلى مقاماتـهـا حيث يراك الناس كالشـهـب
وسار ما سيرت من جوهر ال حكمة في الشرق وفي الغرب
ثم تنـازلـت إلـى حـيث لا ينـزل ذو فـهـم ولا لــب
تثبت ما تجحـده فـطـرة ال عقل ولا تشعر بالـخـطـب
أنـت دلالة عـلـى أنـــه يحال بين المرء والـقـلـب قال كمال الدين جعفر الأدفوي:حكى القاضي شهاب الدين ابن الكويك التاجر الكارمي رحمه الله قال:اجتمعت به مرة فرأيته في ضرورة فقلت:يا سيدنا ما تكتب ورقة لصاحب اليمن أكتبها وأنا أقضي فيها الشغل،فكتب ورقة لطيفة فيها:
تجادل أرباب الفـضـائل إذ رأوا بضاعتهم موكوسة الحظ في الثمن
وقالوا عرضناها فلم نلف طالـبـا ولا من له في مثلها نظر حسـن
ولم يبق إلا رفضها واطراحـهـا فقلت لهم لا تعجلوا السوق باليمن وأرسلها إليه فأرسل له مائتي دينار واستمر يرسلها إلى أن مات صاحب اليمن.
وقال كمال الدين ايضا:قال لي عبد اللطيف ابن القفصي:هجوته مرة فبلغه فلقيته في الكاملية فقال:بلغني أنك هجوتني أنشدني،فأنشدته بليقة أولها:
قاضي القضاة أعزل نفسه لما ظهر للناس نحـسـه إلى آخرها،فقال:هجوت جيدا.وقال: قال لي صاحبنا الفقيه الفاضل الأديب الثقة مجير الدين عمر اللمطي قال:كنت مرة بمصر وطلعت إلى القاهرة فقالوا لي:الشيخ طلبك مرات،فجئت إليه فقال:أين كنت?قلت:بمصر في حاجة،قال:طلبتك سمعت إنسانا ينشد خارج الكاملية:
بكيت قالوا عـاشـق سكت قالوا قد سـلا
صليت قالوا زوكـر ما أكثر فضول الناس وقال:حكى لي صاحبنا فتح الدين محمد بن كمال الدين أحمد بن عيسى القيوبي:قال:دخلت مرة عليه وفي يده ورقة ينظر فيها زمانا ثم ناولني ورقة وقال:اكتب من هذه نسخة،فأخذتها فوجدت فيها بليقة أولها:
كيف أقـدر أتـوب ورأس ايري مثقوب وقال:قال لي شيخنا تاج الدين محمد بن أحمد الدشناوي:سمعته ينشد هذه البليقة التي أولها:
جلد العميرة بالزجاج ولا الزواج ويقول:بالزجاج يا فقيه.وقال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي:حكى لي القاضي سراج الدين يونس بن عبد المجيد الأرمنتي قاضي قوص قال:جئت إليه مرة وأردت الدخول فمنعني الحاجب وجاء الجلال العسلوجي فأدخله وغيره فتألمت وأخذت ورقة وكتبت فيها:
قل للتـقـي الـذي رعـيتـه راضون عن علمه وعن عمله
انـظـر إلـى بـابــك... يلـوح مـن خـلــلـــه
باطنـه رحـمة وظـاهـره يأتي إليك العذاب من قبـلـه
صفحة : 523
ثم دخلت وجعلت الورقة في الدواة وظننت أنه ما رأى وقمت فقال:اجلس ما في هذه الورقة?قلت:يقرأها سيدنا،قال:اقرأها أنت،وكررت عليه وهو يرد علي فقرأتها فقال:ما حملك على هذا?فحكيت له فقال:وقف عليها أحد?فقلت:لا،قال:قطعها.قال:وأخبرني برهان الدين إبراهيم المصري الحنفي الطبيب وكان قد استوطن قوص سنين قال:كنت أباشر وقفا فأخذه مني شمس الدين محمد بن أخي الشيخ ولاه لآخر فعز علي ونظمت أبياتا في الشيخ فبلغته فأنا أمشي مرة خلفه وإذا به قد التفت إلي وقال:يا فقيه بلغني أنك هجوتني،فسكت فقال:أنشدني،وألح علي فأنشدته الأبيات وهي:
وليت فولى الزهد عنك بأسـره وبان لنا غير الذي كنت تظهـر
ركنت إلى الدنيا وعاشرت أهلها ولو كان عن جبر لقد كنت تعذر فسكت زمانا وقال:ما حملك على هذا?فقلت:أنا رجل فقير وأنا أباشر وقفا أخذه مني فلان،فقال:ما علمت هذا أنت على حالك،فباشرت الوقف مدة وخطر لي الحج فجئت إليه استأذنه فدخلت خلفه فالتفت إلي فقال:أمعك هجو آخر?فقلت:لا ولكنني قصدت الحج وجئت أستأذن سيدي،فقال:مع السلامة ما يغير عليك.وأنشدني إجازة الشيخ ناصر الدين شافع قال:من نظم الشيخ تقي الدين قوله:
تجـاوزت حـد الأكـثــرين إلـــى الـــعـــلـــى وسـافـرت واسـتـبـقـيتـهـم فـي الــمـــفـــاوز
وخـضـت بـحـاراص لــيس يعـــرف قـــدرهـــا وألـقـيت نـفـسـي فـي فـسـيح الـــمـــفـــاوز
ولججت في الأفكار ثم تراجع اختياري إلى استحسان دين العجائز قلت:ولقد وقفت له على جواب طويل كتبه في درج إلى الأمير سيف الدين منكوتمر نائب السلطنة لحسام الدين لاجين وكان عند استاذه الجزء الذي لا يتجزأ وقد كتب فيه بعد البسملة:ورد على العبد الفقير محمد بن علي مخاطبة الأمير الكبير سيف الدين ووقف عليها وعجب منها الأمرين،ثم أنه يذكر كل فصل ويجيبه عنه إلى أن قال في آخر ذلك:فكتب الأمير إلي كتابا يكتب إلى من ليس عنده من الدين شيء ولو كان الأمير عرف مني ارتكاب الكبائر الموبقات ما زاد على مافعل،وعلى الجملة فإن الله تعالى أمر نبيه بالمباهلة والملاعنة في الدين فقال لأهل الكتاب فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين فنتمثل أمر الله لرسوله ونقول:اللهم يا شديد البطش يا جبار يا قهار يا حكيم يا قوي يا عزيز يا قوي يا عزيز يا قوي يا عزيز قد نسبت إلى أكل الحرام من مال المدارس الغائبة وإلى أمور أنت عالم بسرها،فإن كان ذلك في علمك صحيحا فاجعل لعنتك ولعنة ملائكتك والناس أجمعين علي،وإن لم يكن صحيحا فاجعلها على من افترى علي بها،وإن كان الولد قد فعل ما قيل من أخذ البراطيل فاجعلها عليه،وإن لم يكن فاجعلها على من افترى عليه،فهذا إنصاف وامتثال لما أمر الله به ورسوله وربك بالمرصاد والشكوى إلى الله الحكم العدل.
قيل أنه لم يلبث بعد ذلك إلا أسبوعا أو قريبا منه حتى قتل السلطان أستاذه وقتل هو أيضا.
الوزير سعد الدين الساوجي محمد بن علي الوزير الكبير سعد الدين الساوجي العجمي.
قتله خربندا وقتل معه الوزير مبارك شاه والملك ناصر الدين يحيى بن إبراهيم صاحب سنجار وصاحب الديوان المانشتري كانت قتلتهم ببغداد،وممن قتل أيضا تاج الدين الآوي الشيعي كبير الأشراف وذبح ابناه قبله وكان جبارا ظالما فرافعوه،وأخذ للساوجي أموال عظيمة ويقال أنه غرم على الجامع الذي عمره ببغداد ألف ألف درهم،قيل أنه صلى ركعتين وودع أهله وثبت للقتل وخلع فرجية على قاتله فباس يده واستجعل منه في حل ثم طير رأسه سنة إحدى عشرة وسبع مائة محمد بن علي العلامة الغرناطي المالكي المقرئ بالمدينة. توفي سنة خمس عشرة وسبع مائة.
شمس الدين الدهان محمد بن علي بن عمر المازني الدهان الشيخ شمس الدين الدمشقي الشاعر.
كان يعمل صناعة الدهان ويعرف مقامات الحريري وينظم الشعر الرقيق ويدري الموسيقى فيعمل الشعر ويلحنه فيغني به المغنون وكان يلعب بالقانون.
توفي سنة إحدى وعشرين وسبع مائة.
أنشدني من لفظه المولى القاضي شهاب الدين كاتب السر ابن القاضي محيي الدين ابن فضل الله إلى الشمس المذكور يضمن بيت أبي تمام:
رأيتك أيها الدهان تبـغـي مزيدا في التودد بالمساعي
صفحة : 524
فلو صورت نفسك لم تزدها على ما فيك كرم الطبـاع وكان قد ربى مملوكا اشتراه وأحبه وهذبه ورخجه فمات فأسف عليه أسفا كثيرا ورثاه بشعر كثير غنى به ونقله المغنون وتداوله الناس،من ذلك أنشدني من لفظه جمال الدين الخطيب الصوفي يوسف لنفسه ما نظمه في موت مملوك الدهان:
لئن مات يا دهان مملوكـك الـذي بلغت به في الفسق ما كنت ترتجي
فمثله بالأصبـاغ وجـهـا وقـامة وخصرا وردفا ثم عاينه واصلـج وقال شمس الدين الدهان موشحة: يا بأبي غصن بانة حملا بدر دجى بالجمال قد كملا أهيف فريد حسن ما ماس أو سفرا إلا أغار القضيب والقمرا يبدي لنا بابتسامه دررا في شهد لذ طعمه وحلا كأن أنفاسه نسيم طلا قرقف مورد الخد فاتر المقل يفوق ظبي الكناس بالحمل وينثني كالقضيب في الميل من حمل ردف مثل الكثيب علا نيط بخصر كأضلعي نحلا مخطف ظبي من الترك يقنص الأسدا مقرطق قد أذابني كمدا حاز بديع الجمال فانفردا واها له لو أجار أو عدلا لمستهام بهجره نحلا مدنف غزال سرب جماله شرك ستر اصطباري عليه منهتك لكل قلب هواه منتهك علم قلبي الولع والغزلا طرف له بالفتور قد كحلا أوطف لله يوم به الزمان وفى إذ من بالوصل بعد طول جفا حتى إذا ما اطمأن وانعطفا أسفر عنه اللثام ثم جلا وردا بغير اللحاظ منه فلا يقطف فظلت من فرط شدة الترح إذ زارني والرقيب لم يلح ألثم أقدامه من الفرح وقلت إذ عن صدوده عدلا أهلا بمن زار بعد جفوة وقلا أسعف ومن شعر شمس الدين الدهان وهو مما غني به:
ما يج الورد في خـديك ريحـان إلا ووجهك في التحقيق بسـتـان
ولا تعطف منك العطف من صلف إلا وريقك خمر وهـو نـشـوان
لله فتنة ذاك الطرف منـك لـقـد سبى المحبين لحظ منـه فـتـان
لو لم يكن سلب العشاق نومـهـم ما راح من غير سهد وهو وسنان ومنه أيضا وهو مما غني به:
عند قلبي منك وجد لا يحـد وغرام هزله في القول جد
واشتياق ناره لا تنطـفـي وله بين شغاف القلب وقد
أيها البدر الذي تـيمـنـي منه وجه يخجل البدر وخد
وسباني جوهر من ثغـره فوقه من ريقه خمر وشهد ومنه أيضا وهو مما غني به:
دلائل الوجد لا تخفى على الفطـن والحب أقصاه ما أفضى إلى الفتن
كم ذا التستر والأشواق تعرب عن سر الهوى بلسان المدمع الهتـن
دع التكتم فالكتمـان نـار جـوى بين الجوانح تذكيها يد الـمـحـن
ونح فليس بعار أن تنـوح فـمـا في ساحة الحي إلا كل ذي شجن ومنه أيضا وهو مما غني به:
ألا حبذا الوادي وروض البنفسج وطيب شذا من عرفه المتأرج
وأغصان بان في نواحيه مـيد وكل قويم القد غير مـعـوج
وأنهار ماء في صـفـاء ورقة تسيل بها ما بين روض مدبـج
فإن جعدته خطرة من نسيمـه فيا حسن مرأى متنه المتموج قلت:شعر مقبول بل هو متوسط لا ينحط ولا يرتفع.
محيي الدين ابن المارستاني محمد بن علي بن عبد القوي بن عبد الباقي محيي الدين التنوخي المعري ثم الدمشقي بن المارستاني الحنفي نزيل بالقاهرة.
ولد سنة سبع وأربعين وسمع من عثمان بن علي وإبراهيم بن خليل وفرج الخادم وعبد الله بن الخشوعي وعدة،وخرج له الدمياطي مشيخة وسمعها منه قديما،وكان مديما للاشتغال ورعا زهدا مفسرا متواضعا من كبار الحنفية،أعاد بالمنصورية والناصرية والظاهرية والصالحية،حمل عنه الطلبة من سماعاته جزء الذهلي علي ابن خطيب القرافة سنة اثنتين وخمسين.
وتوفي سنة أربع وعشرين وسبع مائة.
ابن الموازيني محمد بن علي بن الحسين بن سالم الشيخ المقرئ الصالح الحاج بقية المسندين شمس الدين ابو جعفر السلمي المرداسي الدمشقي ابن الموازيني.
صفحة : 525
ولد سنة خمس عشرة تقريباص وسماعه سنة اثنتين وست مائة وبعدها غذ كان عند الملقن،سمع أبا القاسم ابن صصرى والبهاء عبد الرحمن وتفرد بالرواية عنهما،وسمع من إسماعيل بن ظفر وأبي سليمان بن الحافظ والشيخ ضياء،وورث من أبيه ثروة وعقارا وجاور مدة وأنفق في البر والقرب ثم أعطى ملكه لابنته وبقى لنفسه كل يوم درهمين،ولبس العسلي وتزهد وحدث بالحرم،وانحطم بالهرم وثقل سمعه وضعف بصره،وحدث عنه ابن الخباز وباقي الطلبة.
وتوفي سنة ثمان وسبع مائة.
الشمس كمال الدين الزملكاني محمد بن علي بن عبد الواحد الشيخ الإمام العلامة المفتي قاضي القضاة ذو الفنون جمال الإسلام كمال الدين أبو المعالي ابن الزملكاني الأنصاري السماكي الدمشقي،كبير الشافعية في عصرة والفضلاء في دهره،كأنما عناه الغزي بقوله:
لم يبرح الفقه روضا فاق فيك لـه سحابة ورده منهـا وعـبـهـره
ذو الدرس سهل المعاني في جزالته يكاد يحفـظـه مـن لا يكـرره
أما الجدال فـمـيدان فـوارسـه تقر أنك دون النـاس عـنـتـره ولد في شوال سنة سبع وستين وسمع من أبي الغنائم ابن علان والفخر علي وابن الواسطي وابن القواس ويوسف بن المجاور وعدة،وطلب الحديث في وقت وقرأ الحديث وكان فصيحا متسرعا.
قال الشيخ شمس الدين:له خبرة بالمتون وكان بصيرا بالمذهب وأصوله قوي العربية قد أتقنها ذكاء ودربها ذكيا صحيح الذهن صائب الفكر فقيه النفس،تفقه على الشيخ تاج الدين وأفتى وله نيف وعشرون سنة وكان يضرب بذكائه المثل،وقرأ العربية فيما أظن على الشيخ بدر الدين ابن مالك وقرأ على قاضي القضاة شهاب الدين الخويي وشمس الدين الأيكي وصفي الدين الهندي أول قدومه البلاد أما لما عاد الشيخ صفي الدين وأقام بدمشق لم يقرأ عليه وقرأ على قاضي القضاة بهاء الدين ابن الزكي.
حكى لي الشيخ نجم الدين الصفدي رحمه الله تعالى قال:قلت له:فرطت في المنطق،فقال:كان بدمشق أيام طلبي له شخص يعرف بالأفشنجي وكت قد تميزت ودرست-أو قال:وأفتيت- فكنت أتردد إليه على كره مني والعلم في نفسه صعب وعبارة الأفشنجي فيها عجمة فإذا أردت منه زيادة بيان أو قلت له:ما ظهر،قال:جاء،وأدار وجهه عني فأنفت من تلك الحالة وبطلت الاشتغال،أو كما قال.قلت:أغناه ذهنه الثاقب وفكره الصائب على أنه كان يعرف منه ما يحتاج إليه في أصول الفقه من معرفة التصور والتصديق ودلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام والضرب من الشكل المنتج والكاذب ومواد البرهان والمقدم والتالي وقياس الخلف وغير ذلك مما يدخل في الأصولين معرفة جيدة يتسلط بها على باقي الفن،أما أنه كان يطلب منه أن يشغل في مختلطات كشف الأسرار للخونجي فلا،وحفظ التنبيه فيما أظن والمنتخب في أصول الفقه والمحصل في أصول الدين وغير ذلك.
وأما الخط وحسن وضعه:
فلا تسأل عن الروض النضير ولا عن طلعة القمر المنـير فإنه كتب على الشيخ نجم الدين ابن البصيص أحسن منه ومن بدر الدين حسن ابن المحدث وخطه وهو أحسن.،وقيل لي أنه كان يكتب الكوفي طبقة.
وكان شكله حسنا ومنظره رائعا وتجمله في بزته وهيئته غاية وشيبته منورة بنور الإسلام يكاد الورد يلقط من وجنتيه وعقيدته صحيحة متمكنة أشعرية وفضائله عديدة وفواضله ربوعها مشيدة،فإنه كان كريم النفس عالي الهمة حشمته وافرة وعبارته حلوة فصيحة ممتعة من رآه أحبه قريب من القلب خفيف على النفس.
صنف أشياء منها ورساله في الرد عليه في مسألة الزيارة ورسالة سماها رابع أربعة نظما ونثرا وشرح قطعة جيدة من المنهاج.
وتخرج به الأصحاب وانتفع به الطلبة ودرس بالشامية البرانية والظاهرية والرواحية وولي نظر ديوان الأفرم ونظر الخزانة ووكالة بيت المال وكتب في ديوان الإنشاء مدة ووقع في الدست فيما أظن وله الإنشاء الجيد ونثره خير من نظمه وله التواقيع المليحة والإنشاءات الجيدة.
صفحة : 526
ونقل إلى قضاء القضاة بحلب ومدارسها فأقام بها مدة أكثر من سنتين واشتغلوا عليه بها وما رأى الناس بعد دروسه في دمشق مثلها،ثم إن السلطان طلبه من حلب ليوليه قضاء دمشق لما نقل قاضي القضاة جلال الدين القزويني إلى قضاء الديار المصرية ففرح الناس بذلك،فمرض في الطريق وأدركه الأجل في بلبيس في سادس عشر شهر رمضان سنة سبع وعشرين وسبع مائة،فحمله ولده تقي الدين عبد الرحمن إلى القاهرة ودفنه بالقرافة عند الشافعي وله ستون سنة،قيل أنه سم في الطريق وعند الله تجتمع الخصوم.
وحكى لي القاضي شهاب الدين ابن فضل الله عن ولده تقي الدين أن والده الشيخ كمال الدين قال له:يا ولدي والله أنا ميت وما أتولى لا مصر ولا دمشق وما بقى بعد حلب ولاية أخرى لأنه في الوقت الفلاني حضر إلى الجامع فلان الصالح فترددت إليه وخدمته وطلبت منه التسليك فأمرني بالصوم مدة ثم أمرني بصيام ثلاثة أيام-أظنه قال-افطر فيها على الماء واللبان الذكر وكان آخر ليلة من الثلاث ليلة النصف من شعبان فقال لي:الليلة تجيء إلى الجامع تتفرج أو تخلو بنفسك،فقلت:أخلو بنفسي،فقال:جيد ولا تزال تصلي إلى أن أجيء إليك،قال:فخلوت بنفسي أصلي كما وقفني ساعة جيدة فلما كنت في الصلاة إذا به قد أقبل فلم أبطل الصلاة ثم أنني خيل لي قبة عظيمة بين السماء والأرض وظاهرها معارج ومراقي والناس يصعدون فيها من الأرض إلى السماء فصعدت معهم فكنت أرى على كل مرقاة مكتوبا نظرالخزانة وعلى أخرى وأخرى وأخرى وكالة بيت المال التوقيع المدرسة الفلانية قضاء حلب فلما وصلت إلى هذه المرقاة استفقت من تلك الحالة ورجعت إلى حسي وبت ليلتي،فلما اجتمعت بالشيخ قال:كيف كانت ليلتك?جئت إليك وما قصرت لأنك ما اشتغلت بي والقبة التي رايتها هي الدنيا والمراقي هي المراتب والوظائف والأرزاق وهذا الذي رأيتها كله تناله والله يا عبد الرحمن،وكل شيء رأيته قد نلته وكان آخر الكل قضاء حلب وقد قرب الأجل،أو كما قال.
وكان الشيخ كمال الدين رحمه الله تعالى كثير التخيل شديد الاحتراز يتوهم أشياء بعيدة ويبني عليها وتعب بذلك وعودي وحسد وعمل عليه ولطف الله به.
ولقد رأيته في الظاهرية وفي يده القائمة من الحساب وهو يساوق المباشرين على المصروف فيسبقهم إلى الجمع وعقد الجملة ويبقى ساعة ينتظرهم إلى أن يفرغوا فيقول:كم جاء معكم?فيقولون:كذا وكذا،فيقول:لا? فيعيدون الجمع إلى أن يصح.وعلى الجملة فكان غريب المجموع.
خرج له الشيخ صلاح الدين ابن العلائي عوالي وأربعين وقرأها الشيخ شمس الدين عليه.ومن نظمه قصيدة نظمها يذكر فيها الكعبة المعظمة ويمدح النبي صلى الله عليه وسلم أولها:
أهـــواك يا ربة الأســــتـــــــار أهـــــــواك وإن تـبـاعـد عـن مــغـــنـــاي مـــغـــنـــاك
وأعـمـل الــعـــيس والأشـــواق تـــرشـــدنـــي عسـى يشـاهـد مـعــنـــاكـــي مـــعـــنـــاك
تهـوى بـهـا الـبـيد لا تـخـشـى الـــضـــلال وقـــد هدت بـبـرق الـثـنـايا الــغـــر مـــضـــنـــاك
تشـوقـهـا نـســمـــات الـــصـــبـــح ســـارية تســـوقـــهـــا نـــحـــو رؤياكـــي بـــرياك
يا ربة الـحـرم الــعـــالـــي الأمـــين لـــمـــن وافـــاه مـــن أين هـــذا الأمـــن لـــــــولاك
أن شبهوا الخال بالمسك الذكي فهذا الخال من دونه المحكي والحاكي
أفدي بأسود قلبي نور أسوده من لـي بـتـقـبـيلـه مـــن بـــعـــد يمـــنـــاك
إنـي قـصـدتــك لا ألـــوي عـــلـــى بـــشـــر ترمـي الـنـوى بـي سـراعـا نــحـــو مـــرمـــاك
وقـد حـطـطـت رحـالـي فـي حـمــاك عـــســـى تحـــط أثـــقـــال أوزاري بـــلـــقـــــــياك
كمـا حـطـطـت بـبـاب الـمـصـطـفــى أمـــلـــي وقـلـت لـلـنـفـس بـالـمـــأمـــول بـــشـــراك
محـمـد خـير خــلـــق الـــلـــه كـــلـــهـــم وفـاتـح الــخـــير مـــاحـــي كـــل إشـــراك
سمـا بـأخـمـصـه فـوق الــســـمـــاء فـــكـــم أوطـا أسـافـلـــهـــا مـــن عـــلـــو أفـــلاك
ونــال مـــرتـــبة مـــا نـــالـــهـــا أحـــد من أنـــبـــياء ذوي فـــضــــل وأمـــــــلاك
يا صـاحـب الـجـاه عـنـد الــلـــه خـــالـــقـــه ما رد جـــاهـــــك إلا كـــــــل أفـــــــاك
أنـت الـوجـيه عـلـــى رغـــم الـــعـــدى أبـــدا أنـت الـشــفـــيع لـــفـــتـــاك ونـــســـاك
يا فـــرقة الـــزيغ لا لـــقـــيت صـــالـــــحة ولا شـفـى الـلـه يومـــا قـــلـــب مـــرضـــاك
صفحة : 527
ولا حظيت بجاه المصـطـفـى أبـدا ومن أعـانـك فـي الـدنـيا ووالاك
يا أفضل الرسل يا مـولـى الأنـام ويا خير الخـلائق مـن إنـس وأمـلاك
ها قد قصدتك اشكو بعض ما صنعـت بي الذنوب وهذا ملجـأ الـشـاكـي
قد قيدتني ذنوب عـن بـلـوغ مـدى قصدي إلى الفوز منها من غير إمساك
عليك من ربك الله الـصـلاة كـمـا منا عليك السلام الطـيب الـزاكـي تمت ولم أقف له على نظم هو خير من هذه القصيدة لمقصدها الصالح وقد أشبع فيها حركة الكاف في خطاب المؤنث حتى نشأت ياء في موضعين وهو جائز.
وعمل على هذه القصيدة فيما أظن أو على قصيدة ميمية مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم أو عليهما كراريس وسماها عجالة الراكب.
ومن شعر كمال الدين الزملكاني:
يا سائق الظعن قف بي هذه الكثـب عساي أقضي بها ما للهوى يجـب
وارفق قليلا لكي تروي الثرى سحب من ناظري بمزن منه تنـسـكـب
فثم حي حياتـي فـي خـيامـهـم فالموت أن بعدوا والعيش أن قربوا
لي فيهم قمر القـلـب مـنـزلـه لكن طرفي له بالبـعـد يرتـقـب
لدن القوام رشيق الـقـد ذو هـيف تغار من لينه الأغصان والقضـب
حلو المقبل معسـول مـراشـفـه يجول فيها رضاب طعمه الضرب
لا غروان راح نشوانا ففي فـمـه خمر ودر ثنـاياه لـهـا حـبـب
زلائم لامني في البعد عـنـه وفـي قلبي من الشوق نيران لها لـهـب
فقلت أن صروف الدهر تصرفنـي عما أروم فما لي في النوى سبـب
ومذ رماني زماني بالـبـعـاد ولـم يرحم خضوعي ولما يبق لي نشـب ولما توجه إلى قضاء حلب نزل في مكان يعرف بالفردوس وكان معه شمس الدين الخياط الشاعر الدمشقي فأنشده لنفسه وأنشدني من لفظه غير مرة:
يا حاكم الحكام يا مـن بـه قد شرقت رتبته الفـاخـره
ومن سقى الشهباء مذ حلهـا بحار علم ونـدى زاخـره
نزلت في الفردوس فأبشر به دارك في الدنيا وفي الآخره ونظم فيه جمال الدين أبو بكر محمد بن محمد بن محمد بن نباتة لما توفي إلى رحمة الله تعالى قصيدة طنانة يرثيه بها أنشدنيها من لفظه أولها:
بلـغـا الـقــاصـــدين أن الـــلـــيالـــي قبـضـت جـمـلة الـعـلـى بـالـكـــمـــال
وقفا في مدارس العقل والنقل ونوحا معي على الأطلال
سائلاها عسى يجيب صداها أين ولـى مـجـــيب أهـــل الـــســـؤال
أين ولـى بـحـر الـعـــلـــوم وأبـــقـــى بين أجـفـانـــنـــا الـــدمـــوع لآلـــي
أين ذاك الـذهـن الـــذي قـــد ورثـــنـــا عنـه مـا فـي الـحـشـا مـن الاشـتــغـــال
أين تـلــك الأقـــلام يوم انـــتـــصـــار كعـوالــي الـــرمـــاح يوم الـــنـــزال
ينـقـل الـنـاس عــن حـــديث هـــداهـــا طرق الـعـلـم عـن مـتـون الـعـــوالـــي
وتـفـيد الـجـنـا مـن الـلـفــظ حـــلـــوا حين كـانـت نـوعـا مــن الـــعـــســـال قلت:هي من قصائده الغر وكلها نتقى وليس هذا موضع إثباتها.
كنت قد اختلفت أنا والمولى شرف الدين حسين ابن ريان الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في قول الحريري:
فلـم يزل يبـتـزه دهــره ما فيه من بطش وعود صليب فذهب هو في إعراب قوله ما فيه إلى أنه في موضع نصب على أنه مفعول ثان وذهبت أنا إلى أنه بدل اشتمال من الهاء التي في قوله يبتزه فكتب شرف الدين فتيا من صفد وجهزها إلى الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني رحمه الله تعالى ونقلتها من خطه وهي:ما تقول السادة علماء الدهر،وفضلاء هذا العصر،لا برحوا لطالب العلم الشريف قبله،وموطن السؤال ومحله،في رجلين تجادلا في مسأله نحوية،وهي في بيت من المقامات الحريرية:وهو:
فلـم يزل يبـتـزه دهــره ما فيه من بطش وعود صليب
صفحة : 528
ذهبا إلى معنى يبتزه يسلبه،وكل منهما وافق في هذا مذهب خصمه مذهبه،وموطن سؤالهما الغريب،إعراب قوله ما فيه من بطش وعود صليب ،لم يختلفا في نصبه،بل خلفهما فيما انتصب به،فذهب أحدهما إلى أنه بدل اشتمال،من الهاء المنصوبة في يبتزه وله على ذلك استدلال،وذهب الآخر إلى أنه مفعول ثان ليبتزه وجعل المفعول الهاء،واختلفا في ذلك وقاصديكم جاءا،وقد سألا الإجابة عن هذه المسألة،فقد اضطرا في ذلك إلى المسألة:فكتب الشيخ كمال الدين رحمه الله الجواب ونقلته من خطه وهو:الله يهدي إلى الحق كل من المختلفين المذكورين قد نهج نهج صواب،وأتى بحكمة وفصل خطاب،ولكل من القولين مساغ في النظر الصحيح،ولكن النظر إنما هو في الترجيح،وجعل ذلك مفعولا أقوى توجيها في الإعراب،وأدق بحثا عند ذوي الألباب،أما من جهة الصناعة العربية،فلأن المفعول متعلق بالفعل بذاته التي بوقوع الفعل عليه معنية،والبدل مبين بكون الأول معه مطرحا في النية، وهذا الفعل بهذا المعنى متعد إلى مفعولين،و ما فيه من بطش هو أحد ذينك الاثنين،لئلا يفوت متعلق الفعل المستقل،والبدل بيان يرجع إلى توكيد بتأسيس المعنى مخل،وأما من جهة المعنى فلأن المقام مقام تشك وأخذ بالقلوب،وتمكين هذا المعنى أقوى إذا ذكر ما سلب منه مع بيان أنه المسلوب.فذكر المسلوب منه مقصود كذكر ما سلب،وفي ذلك من تمكين المعنى ما لا يخفى على ذوي الأرب،ووراء هذا بسط لا تحتمله هذه العجالة والله تعالى أعلم،كتبه محمد بن علي.
قلت:لا أعلم أحدا يأتي بهذا الجواب غيره لمعرفته بدقائق النحو وبغوامض علمي المعنى والبيان ودربته بصناعة الإنشاء،وأما صورة الخط الذي نقلت منه هذه الفتيا فما كانت إلا قطعة روض تدبجت،أو هوامش عذار على طرس الخد تخرجت،رحمه الله تعالى وأكرم مثواه،وجعل الجنة منقلبه وعقباه.
ابن العديسة المحدث محمد بن علي بن العديسة الشيخ شهاب الدين قارئ الحديث.توفي سنة ست وثلاثين وسبع مائة.
وأظن مجير الدين الخياط فيه يقول:
في الدهر شيء عجيب مرآه يقذي اللواحـظ
ابن الرزيز خـطـيب وابن العديسة واعـظ علم الدين الدميري محمد بن علي بن عبد الرحمن هو علم الدين ابن بهاء الدين ابن الإمام محيي الدين عرف بابن الدميري.
مولده سنة خمس وسبعين وست مائة بدار الزعفران بزقاق القناديل بمصر.توفي... أجاز لي رحمه الله.
تاج الدين طوير الليل البارنباري الشافعي محمد بن علي الإمام الفاضل الفقيه النحوي الأصولي تاج الدين البارنباري الشافعي.
أخبرني من لفظه العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي قال:قرأ المذكور على الشيخ حسن الراشدي القراآت السبع بالفاضلية وقرأ المعقول على الشيخ شمس الدين الأصبهاني وحفظ التعجيز وكان يستحضره إلى آخر وقت ويعرفه جيدا وحفظ الجزولية واستمر على حفظ القرآن إلى أن مات سنة سبع عشرة وسبع مائة.
وكان جيد المناظرة متوقد الذهن في الفقه والأصولين والعربية والمنطق وكان عديم التكلف في ملبسه ولم يكن بيده غير فقاهات المدارس وكان يلقب بطوير الليل.
بدر الدين ابن غانم محمد بن علي بن محمد بن غانم الشيخ بدر الدين ابن الشيخ علاء الدين.
كان من جملة كتاب الإنشاء بدمشق وكان متشددا لا يكتب إلا شيئا يوافق الشرع وإن كان غير ذلك لم يكتبه،طلب الاعفاء من كتابة الإنشاء وسأل أن يكون نظير معلومه على الجامع الأموي للأشغال فأجيب إلى ذلك.
كان يدرس بالقليجية الشافعية وكان قليل الكلام ملازم الصمت منجمعا عن الناس منقبضا لا يتكلم فيما لا يعنيه مكبا على الاشتغال يكرر على محفوظاته الليل والنهار يحب الكتب ويجمعها خلف لما مات ألفي مجلدة،وكان معه عدة وظائف يباشرها بما يقارب الألف درهم في كل شهر.
توفي في شهر جمادى الأولى سنة أربعين وسبع مائة.
بهاء الدين ابن إمام الشمهد محمد بن علي بن سعيد المعروف بابن إمام المشهد.
مولده في ذي الحجة سنة ست وتسعين وست مائة،قرأ القرآن الكريم وأتقنه بالروايات السبع واشتغل بالعربية على الشيخ مجد الدين التونسي والشيخ نجم الدين القحفازي وقرأ الفقه على الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين وكتب الخط المليح الظريف.
صفحة : 529
وتوجه إلى حلب ثم إلى طرابلس وأقام بها مدة و...ثم عاد إلى دمشق وأقام بها مدة،ثم توجه إلى مصر وحضر بين يدي السلطان الملك الناصر على الأهرام وولاه تدريس المدرسة الأمينية بدمشق وحضر إليها على البريد.
وهو مجموع متناسب الحسن أخلاقه حسنة وشكالته تامة مليحة ووجاهته رائعة المنظر.
جمع كتاب الأحكام وجوده في ست مجلدات وتناولته منه وأجازني رواية ما له تسميعه بديوان الإنشاء بدمشق في المحرم سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة،وتلا بالسبع على الكفري وسمع بمصر والإسكندرية وحلب وأم بدار الحديث ثم بمسجد الكنيسة ودرس بالقوصية.
الشيخ محمد الغزي محمد بن علي بن محمد شمس الدين أبو عبد الله المصري مولدا الغزي منشأ.
سألته عن مولده فقال:في سنة خمس وثمانين وست مائة،اقام بغزة مدة وبدمشق مدة وبمصر وبصفد وحماة وحلب وخالط الناس وعاشر،فيه خفة روح وكيس وظرف وينظم الشعر الجيد ويكتب الخط المنسوب ويعرف النجامة والأسطرلاب والرمل.
أنشدني غير مرة بدمشق وصفد وبالقاهرة وحماة جملة كثيرة من شعره،ونادم الملك الأفضل صاحب حماة فيما أظن وقربه وأدناه وحنا عليه ورتب له الدراهم والخبز واللحم.
ومن شعره نقلته من خطه وأنشدنيه من لفظه:
بأبي غزال غزل هدب جفونـه يكسو الضنى صبا أذيب بصـده
يروي حديث السقم جسم محبـه عن جفنه عن خصره عن عهده وأنشدني ما نقلته من خطه له:
ما رأى الناس قبل قامة حبي وعذاريه حول محمر خـد
غصنا أنبت البنفـسـج والآ س سياجا على حديقة ورد وأنشدني له من لفظه ونقلته من خطه:
ونيل كم أنال منى وأمنـا وكم أهدى إلى سر مسره
تخال مراكبا تختـال فـيه نجوما سائرات في مجره وأنشدني من لفظه ومن خطه نقلت مواليا:
عاينت من ذنب هجرو بالوفا مغـفـور في النهر يسبح وحظو بالبها مـوفـور
شبهت من فوق جسمو شعرو المضفور ألف من المسك في صفحه من الكافور وأنشدني من لفظه ومن خطه نقلت:
باكر إلى رشف خمره تنعش المحرور مع من تحب وقلبك منشرح مسرور
أما ترى الليل شمر ذيلو المـجـرور والورد بالطل فتح جيبو الـمـزرور وأنشدني أيضا ومن خطه نقلت:
حبي الذي خالقو بالحسن قد مـدوا حتى سما وتجاوز في الصفه حدو
رمان نهدو عقد في غصن من قدو وما انطفا جلنارو الغض في خدو وأنشدني أيضا ومن خطه نقلت:
وهيفـاء وطـفـاء فـتـانة يلذ التهتك والـوجـد فـيهـا
إذا سكر الناس مـن خـمـرة فسكري ما زال من خمر فيها وأنشدني أيضا ومن خطه نقلت:
انظر إلى تخييل أخياطـهـا في كاسها يا أحسن النـاس
لو لم تكن شمسا لما أظهرت أشعة في أفـق الـكـاس وأنشدني أيضا ومن خطه نقلت:
أتـشـكـى مـع الـــبـــعـــاد إلـــيكـــم برقـيق الـعـتـاب فــرط اشـــتـــياقـــي
فكأني الورقاء من فرقة الإلف تلهث بالسجع في الأوراق شمس الدين السروجي محمد بن علي بن ايبك السروجي الشيخ الإمام شمس الدين.
سألته عن مولده فقال:في ذي الحجة سنة أربع عشرة وسبع مائة بالديار المصرية:عرض القرآن وهو ابن تسع سنين وارتحل إلى دمشق وحلب وغيرها من بلاد الشام مرات،وأخذ عن الشيخ فتح الدين والشيخ أثير الدين ومن عاصره من أشياخ العلم وصار من الحفاظ،أتقن المتون وأسماء الرجال وطبقات الناس والوقائع والحوادث وضبط الوفيات والمواليد ومال إلى الأدب وحفظ من الشعر القديم والمحدث جملة وكتب الأجزاء والطباق وحصل ما يرويه عن أهل عصره في البلاد التي ارتحل إليها،ولم أر بعد الشيخ فتح الدين رحمه الله تعالى من يقرأ أسرع منه ولا أفصح.
وسألته عن أشياء من تراجم الناس ووفياتهم وأعصارهم وتصانيفهم فوجدته حفظة مستحضرا لا يغيب عنه ما حصله،وهذا الذي رأيته منه في هذه السن القريبة كثير على من علت سنه من كبار العلماء ومع ذلك فله ذوق الأدباء وفهم الشعراء وخفة روح الظرفاء.
توفي رحمه الله تعالى بحلب ليلة ثامن من شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وسبع مائة ودفن ثاني يوم بكرة الجمعة.
صفحة : 530
وكان قد خرج لنفسه تسعين حديثاص متباينة الأسناد قال الشيخ شمس الدين:سمعناها منه ثم كملها مائة.
أمين الدين الأنفي محمد بن علي بن الحسن المحدث الفاضل أمين الدين الأنفي الدمشقي المالكي.
ولد سنة ثلاث عشرة وسبع مائة في شوال وحفظ القرآن والفقه وطلب الحديث وقرأ ونسخ كثيرا من الأجزاء والكتب،سمع البندنيجي والشمس نقيب السبع وبنت صصرى ونسخ جملة من تواليفي وقرأ علي أشياء من شعري ومن مصنفاتي وهو حسن الشكل جميل الود حلو العبارة.
القاضي فخر الدين المصري الشافعي محمد بن علي بن عبد الكريم أبو الفضائل الشيخ الإمام الفاضل العلامة ذو الفنون أعجوبة الزمان القاضي فخر الدين أبو عبد الله المصري الشافعي الأشعري.
سألته عن مولده فقال:سنة إحدى وتسعين وست مائة بظاهر القاهرة في الحبانية،ووفاته بدمشق في داره بالعادلية الصغيرة بعد مرضة طويلة عوفي في أثنائها ثم انتكس توفي يوم الأحد سادس عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وسبع مائة وصلي عليه الظهر بالجامع الأموي ودفن في مقابر الباب الصغير وكانت جنازته حفلة.
خرج من الديار المصرية أول سنة اثنتين وسبع مائة وأقام بدمشق وقرأ القرآن على جماعة منهم الشيخ موسى العجمي وقرأ العربية والفقه أولا على الشيخ كمال الدين ابن قاضي شهبة ثم قرأ الفقه على الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين وقرأ بقية العلوم على الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني وهو أكثرهم إفادة له وكان معجبا به وبذهنه الوقاد وحفظه المنقاد يشير إليه في المحافل والدروس وينوه بقدره ويثني عليه،وقرأ على الشيخ صدر الدين وبحث على الشيخ مجد الدين التونسي وعلى الشيخ نجم الدين القحفازي كتاب المقرب في النحو وحفظ الجزولية وبحث منها جانبا على الشيخ نجم الدين الصفدي وقرأ الجست على النعمان والمنطق على جماعة أشهرهم الشيخ رضي الدين المنطقي وعلى الشيخ علاء الدين القونوي بمصر وحفظ التنبيه والمنتخب في أصول الفقه وحفظ مختصر ابن الحاجب في مدة تسعة عشر يوماص وهذا أمر عجيب إلى الغاية فإن ألفاظ المختصر غلقة عقدة ما يرتسم معناها في الذهن ليساعد على الحفظ،وحفظ المحصل في أصول الدين وهو قريب من ألفاظ المختصر وحفظ المنتقى في الأحكام وشرع في حفظ أشياء لم تكمل مثل مطلع النيرين والمنهاج للشيخ محيي الدين وتصريف ابن الحاجب وكان يحفظ من المنتقى في أيام عديدة كراسة في كل يوم والكراسة قطع البلدي تضمن خمس مائة سطر.
وفي سنة خمس عشرة وسبع مائة ولي تدريس العادلية الصغيرة وفيها أذن له بالإفتاء وكان له من العمر ثلاث وعشرون سنة.
ولما توفي شيخه الشيخ برهان الدين ابن الشيخ تاج الدين جلس بعده بالجامع الأموي في حلقة الأشغال في المذهب وتأدب مع شيخه فأخلى مكانه وجلس دونه وعلق دروساص من التفسير والحديث والفقه مفيدة،وأقدم من سمع عليه الحديث هدية بنت عسكر وأحمد ابن مشرف.
وحج إلى سنة ثلاث وأربعين وسبع مائة سبع مرات جاور في الأولى بمكة بعض سنة عشرين وجاور في الثانية سنة أربعين بمكة والمدينة.ولما حضر من الحجاز كتبت له توقيعا بإعادة تدريس الدولعية ونظرها إليه وهذه نسخته:
صفحة : 531
رسم بالأمر العالي لا زال يرتفع به العلم الشريف إلى فخره،ويعيده إلى خير حبر تقتبس الفوائد من نوره وتغترف من بحره،ويجمل الزمان بولائه من هو علم عصره وفخر مصره،أن يعاد المجلس العالي الفخري إلى كذا وكذا وضعا للشيء في محله،ورفعا للوبل على طله،ودفعا لسيف النظر إلى يد هي مألف هزه وسله،ومنعا لشعب مكة أن ينزل غير أهله،إذ هو لأصحاب الشافعي رضي الله عنه حجة،ولبحر مذهبه الزاخر لجة،ولأهل فضله الذين يقطعون مفاوزه بالسرى صبح وبالمسير محجة،طالما ناظر الأقران فعدلهم،وجادل الخصوم في حومة البحث فجد لهم وجد لهم،كم قطع الشبهات بحجج لا يعرفها،وأتى بوجه ما رأى الرؤياني أحلى منه في أحلام الطيف،ودخل باب علم فتحه القفال لطالب نهاية المطلب التبري،وارتوى من معين ورد عين حياته الخضري وتمسك بفروع صح سبكها فقال ابن الحداد هذا هو الذهب المصري،وأوضح المغالط بما نسف به جبال النسفي،وروى أقوال اصحاب المذهب بحافظة يتمناها الحافظ السلفي،كم جاور بين زمزم والمقام،وألقى عصا سفره لما رحل عنها الحجيج وأقام،وكم طاب له القرار بطيبه،وعطر بالأذخر والجليل ردنه وجيبه،وكم استروح بظل نخلها والسمرات،وتملى بمشاهدة الحجرة الشريفة وغيره يسفح على قرب تربها العبرات،وكم كتب له بالوصال وصول،وبث شكواه فلم يكن بينه وبين الرسول رسول،لا جرم أنه عاد وقد زاد وقارا،وآب بعدما غاب ليلا فتوضح شيبه نهارا،فليباشر ما فوض إليه جريا على ما عهد ما افادته،وألف من رياسته لهذه العصابة وسيادته،وعرف من زيادة يومه على أمسه فكان كنيل بلاده ولا يتعجب من زيادته،حتى يحيى بدرسه ما درس،ويثمر عود الفروع فهو الذي أنبته بهذه المدرسة وغرس،مجتهداص في نظر وقفها،معتمدا على تتبع ورقات حسابها وصفحها،عاملا بشروط الواقف فيما شرط،قابضا ما قبضه وباسطا ما بسط،وتقوى الله تعالى جنة يرتع فيها خاطره،ويسرح في رياضها الناضرة ناظره،ومثله لا ينبه عليها،ولا يومأ له بالإشارات إليها،فلا ينزع مالبسه من حلاها،ولا يسر في مهمة مهم إلا بسناها،والله يديم فوائده لأهل العلم الشريف،ويجدد له سعدا يشكر التالد منه والطريف،والخط الكريم أعلاه حجة بمقتضاه.
عماد الدين الدمياطي محمد بن علي بن حرمي الشيخ الفرضي الإمام المحدث عماد الدين ابو عبد الله الدمياطي نزيل بالقاهرة.
ولد سنة خمس وسبعين وست مائة وسمع من الدمياطي والأبرقوهي وبنت الأسعردي وطائفة وبدمشق من الموازيني وابن مشرف وسمع بقراءتي كثيرا على الشيخ أثير الدين من ذلك المقامات الحريرية،وهو حلو المحادثة كثير المحاسن له خصوصية زائدة عن الحد بقاضي القضاة عز الدين ابن جماعة ولي مشيخة الكاملية.
وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة في طاعون مصر في سابع جمادى الأولى سنة تسع وأربعين وسبع مائة.
ابن خروف الحنبلي محمد بن علي بن أبي القاسم المقرئ الكبير بقية السلف ابو عبد الله الموصلي الحنبلي ابن خروف ويعرف بابن الوراق.
مولده سنة أربعين وست مائة وتوفي رحمه الله تعالى بالموصل في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وسبع مائة.
ارتحل إلى بغداد في طلب العلم سنة اثنتين وستين فتلا بعدة كتب على الشيخ عبد الصمد وسمع من جماعة وقرأ كتبا كبارا وقرأ تفسير الكواشي على المصنف وجامع أبي عيسى ابن العجمي.
قال الشيخ شمس الدين:قدم علينا وسمعنا منه.
الحراني الحنبلي محمد بن عماد بن محمد بن الحسين بن عبد الله بن أبي يعلى ابو عبد الله الجزري الحراني الحنبلي التاجر.
سمع وروى عالم فقيه كثير المحفوظ حسن الإنصات صالح،طال عمره وسكن بالإسكندرية ورحل الناس إليه.
توفي سنة اثنتين وثلاثين وست مائة.
ابن عمار الأندلسي محمد بن عمار المهري بالراء-الأندلسي الشاعر المشهور هو ذو الوزارتين،كان هو وابن زيدون فرسي رهان في الأدب.
اشتمل عليه المعتمد ووزره ثم جعله نائباص على مرسية فعصى عليه بها فلم يزل يحتال عليه إلى أن وقع في يده فذبحه صبرا بيده سنة سبع وسبعين وأربع مائة ومولده سنة اثنتين وعشرين،ولما قتله المعتمد رثاه عبد الجليل بن وهبون المرسي بأبيات منها:
عجبا له أبكيه ملء مدامعي وأقول لا شلت يمين القاتل
صفحة : 532
قال صاحب القلائد الفتح بن خاقان:لقد رأيت عظمي ساقي ابن عمار وقد أخرجا بعد سنين من حفر يحفر بجانب القصر وأساودهما بهما ملتفة،ولباتهما مشتفة،ما فغرت أفواههما،ولا حل التواؤهما،فرمق الناس العبر،وصدق المكذب الخبر،يعني بالأساود القيود.
وسبب تغير المعتمد على ابن عمار أنه هجا الرميكية وهي اعتماد حظية المعتمد اختارها لنفسه واختار لها اللقب ليناسب لقبه،وقال ابن عمار من أبيات:
تخيرتها من بنات الهجان رميكية لا تساوي عقـالا
فجاءت بكل قصير الذراع لئيم النجارين عما وخالا وقيل أن هذا الهجو وضع على لسانه لإغراء المعتمد به.
ومن شعر ابن عمار القصيدة المشهورة الطنانة التي أولها:
أدر الزجاجة فالنسيم قـد انـبـرى والنجم قد صرف العنان عن السرى
والصبح قد أهدى لـنـا كـافـوره لما استرد الليل منـا الـعـنـبـرا ومن مدحها في المعتمد:
ملك إذا ازدحم الملوك بـمـورد ونحاه لا يردون حتـى يصـدرا
أندى على الأكباد من قطر الندى وألذ في الأجفان من سنة الكرى
قداح زند المجد لا ينـفـك مـن نار الوغى إلا إلى نار الـقـرى
يختار أن يهب الخريدة كاعـبـا والطرف أجرد والحسام مجوهرا
لا خلق أقرأ من شفار سـيوفـه إن أنت شبهت المواكب أسطـرا
ماض وصدر الرمح يكهم والظبى تنبو وأيدي الخيل تعثر بالـبـرى
أيقنت أنـي مـن ذراه بـجـنة لما سقاني من نداه الـكـوثـرا
وعلمت حقا أن ربعي مخصـب لما سألت به الغمام الممـطـرا
أثمرت رمحك من رؤوس كماتهم لما رأيت الغصن يعشق مثمـرا منها:
نمقتها وشيا بذكرك مـذهـبـا وفتقتها مسكا بحمدك أذفـرا
فلئن وجدت نسيم حمدي عاطرا فلقد وجدت نسيم برك أعطرا وقال أيضا يمدح المعتمد ويذكر فتح ابنه قرمونة:
نوال كما اخضر العذار وفـتـكة كما خجلت من دونه صفحة الخد
جنيت ثمار الصبر طيبة الجـنـى ولا شجر غير المثقفة الـمـلـد
وقلدت أجياد الشرى رائق الحلـى ولا درر غير المطهمة الـجـرد
بكل فتى عاري الأشاجـع لابـس إلى غمرات الموت محكمة السرد منها في ذكر ابنه:
ببدر ولكن من مطالعـه الـوغـى وليث ولكن من براثنه الـهـنـدي
ورب ظلام سار فيه إلـى الـعـدى ولا نجم إلا ما تطلع مـن غـمـد
أطل على قرمـونة مـتـبـلـجـا مع الصبح حتى قلت كانا على وعد
فأرملها بالـسـيف ثـم أرعـاهـا من النار أثواب الحداد على الفـقـد
فيا حسن ذاك السيف في راحة الهدى ويا برد تلك النار في كبد المـجـد
هنيئا ببكر في الفتوح افترعـتـهـا وما قبضت غير المنية في النـقـد وقال من قطعة:
وعاطلة من ليالي الـحـرو ب اطلعت رأيك فيها قمـر
فإن يجنك الفتح ذاك الأصيل فمن غرس تدبير ذاك السحر منها:
فعاقر سيفك حتى انحـنـى وعربد رمحك حتى انكسـر
وكم نبت في حربهم عن على وناب عن النهروان النهـر وقال في فارسين تطاعنا فسبق أحدهما الآخر:
روى ليضرب فابتدهت بطعنة أن الرماح بديهة الفرسـان ومن شعره:
علي وإلا ما بكاء الغمـائم وفي وإلا فيم نوح الحمائم منها يصف وطنه:
كساها الحيا برد الشباب فإنـهـا بلاد بها عق الشباب تمـائمـي
ذكرت بها عهد الصبى فكأنمـا قدحت بنار الشوق بين الحـيازم
ليالي لا ألوي علـى رشـد لائم عناني ولا أثنيه عن غي هـائم
أنال سهادي من عيون نواعـس وأجني عذابي من غصون نواعم
وليل لنا بالسد بين مـعـاطـف من النهر تنساب اسياب الأراقم
صفحة : 533
بحيث اتخذنا الروض جارا تزورنا هداباه في أيدي الرياح النواسـم
تبلغنـا أنـفـاسـه فـتـردهـا بأعطر أنفاسا وأذكى لـنـاسـم
تسير إلينا ثـم عـنـا كـأنـهـا حواسد تمشي بيننا بـالـنـمـائم
وبتنا ولا واش يحـس كـأنـنـا حللنا مكان السر من صدر كاتـم وقيل أن سبب اشتهار ابن حاج هو أن الوزير ابا بكر ابن عمار كان كثير الوفادة على ملوك الأندلس لا يستقر ببلد وكان كثير التطلب لما يصدر عن أرباب المهن من الأدب الحسن فبلغه خبر ابن حاج قبل اشتهاره فمر على حانوته وهو آخذ في صناعة صباغه والنيل على يده وقد غشاها فأخرج زنده ويده بيضاء من غير سوء وأراد أن يعلم سرعة خاطره فأشار إلى يده وقال:
كم بين زند وزند فقال ابن حاج:
ما بين وصل وصد فعجب من بادرته وجذب بصبغه وبالغ في الإحسان إليه.ودخل ابن عمار إلى سرقسطة فبلغه خبر يحيى القصاب السرقسطي فمر عليه وبين يديه لحم جزور فأشار ابن عمار إلى اللحم وقال:
لحم سباط الخرفان مهزول فقال:
يقول يا مشترين مه زولوا فأعجبه ذلك وأحسن إليه.
وينسب إلى ابن عمار وقيل لغيره:
غنى أبو الفضل فقلنـا لـه سبحان مخليك من الفضل
غناؤه حد على شـربـهـا فاشرب فأنت اليوم في حل ومن شعر ابن عمار رحمه الله تعالى:
سل الركب إن أعطاك حاجتك الركب من الكاعب الحسناء تمنعها كـعـب
أحبـك ودا مـن يخـافـك طـاعة وأعجب شيء خيفة معـهـا حـب ومنه:
إني لممن إن دعاك لنصرتي يوما بساطا حـجة وجـلاد
أذكيت دونك للعدى حدق القنا وخصمت عنك بألسن الأغماد ابن عمران
قاضي المدينة محمد بن عمران بن إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عيد الله التيمي ابو سليمان قاضي المدينة الذي حكم بين المنصور والجمالين من الطبقة الخامسة من أهل المدينة.
أمه أسماء بنت سلمة بن عمر بن أبي سلمة وأمها حفصة بنت عبد الله بن عمر بن الخطاب وأمها أسماء بنت بن زيد بن الخطاب.
قضى لبني أمية ثم للمنصور على المدينة كان مهيبا صليبا قليل الحديث اتفقوا على صدقه وثقته وديانته وورعه ونزاهته،كان له من الولد عبد الله وعبد العزيز،لما بلغ موته سنة أربع وخمسين بعد المائة ابا جعفر قال:اليوم استوت قريش.
الأنصاري الكوفي محمد بن عمران بن أبي ليلى الإمام الأنصاري الكوفي.
روى عنه البخاري في كتاب الأدب وابن أبي الدنيا وغيره،وروى عنه الترمذي.
توفي سنة ثمان وعشرين ومائتين.
الأصبهاني الشاعر محمد بن عمران الأصبهاني الشاعر.
هو القائل:
سأترك هذا الباب ما دام إذنـه على ما ارى حتى يلين قليلا
إذا لم أجد يوما إلى الإذن سلما وجدت إلى ترك المزار سبيلا أورده ابن المرزبان في معجم الشعراء.له.
أبو جعفر النحوي المؤدب محمد بن عمران بن زياد الضبي ابو جعفر النحوي الكوفي.
كان الغالب عليه الأخبار والأدب وكان ثقة فيما ينقل شيخا حلوا وكان قبل أن يؤدب المعتز يعلم الصبيان فلما اتصل بالمعتز جعله على القضاة والفقهاء فاجتمعوا إليه يوما فنعس ثم لما فتح عينيه قال:تهجوافضحكوا.
وحفظ عبد الله بن المعتز سورة النازعات وقال له:إذا سألك أمير المؤمنين في أي سورة أنت فقل له:في السورة التي تلي عبس،فسأله ابوه ذلك فقال:من علمك هذا?قال معلمي،فأمر لع بعشرة آلاف درهم.
توفي سنة خمس وخمسين ومائتين.
المرزبان الكاتب محمد بن عمران بن موسى بن عبيد ابو عبيد الله المرزبان الكاتب البغدادي العلامة.
حدث عن أبي القاسم البغوي وابن دريد ونفطويه وغيرهم وكان أخباريا راوية للآداب صنف في أخبار الشعراء وفي الغزل غير أن كتبه أكثرها لم تكن معه مما سمعه بل بالإجازة فيقول أخبرنا ولا يبين،وكان يضع المحبرة وقنينة النبيذ فلا يزال يكتب ويشرب،وكان معتزليا صنف في أخبار المعتزلة.
وتوفي سنة أربع وثمانين وثلاث مائة.وكان ثقة قال ابن الخطيب:وليس حاله عندنا الكذب وأكثر ما عيب عليه المذهب وروايته بالإجازة ولم يبينها.
صفحة : 534
وقال العتيقي:كان معتزليا ثقة.قال القفطي:نسبة تصانيفه تصانيف الجاحظ كان عضد الدولة مع عظمته يجتاز ببابه ويقف حتى يخرج إليه وكانت داره مجمع الفضلاء.
وله كتاب أخبار الشعراء المحدثين خاصة كبير إلى الغاية يكون في عشرة آلاف ورقة وأخبار النحاة ثلاثة آلاف ورقة وأخبار المتكلمين ألف ورقة وأخبار المتيمين ثلاثة آلاف ورقة وأخبار الغناء والأصوات ثلاثة آلاف ورقة كتاب المفيد وهو عدة فصول وكتاب الشعراء الجاهليين وكتاب معجم الشعراء وكتاب الموشح وصف فيه ما أنكره العلماء على بعض الشعراء من العيوب كتاب الشعر وهو جامع لفضائله كتاب أشعار النساء المقتبس في أخبار النحاة البصريين المرشد في أخبار المتكلمين أهل العدل والتوحيد كتاب أشعار الجن الرياض أخبار المتيمين كتاب الرائق أخبار المغنين كتاب الأزمنة كتاب الأنوار والثمار كتاب أخبار البرامكة كتاب المفضل في البيان والعربية والكتابة كتاب التهاني كتاب التسليم والزيارة كتاب التعازي كتاب المراثي كتاب المعلى في فضائل القرآن كتاب تلقيح العقول كتاب المشرف في حكم النبي صلى الله عليه وسلم وآدابه كتاب أخبار من تمثل بالأشعار كتاب الشبان والشيب كتاب المتوج في العدول وحسن السيرة كتاب المدبج في الولائم والدعوات والشراب كتاب الفرج القريب كتاب الهدايا كتاب المزخرف في الإخوان والأصحاب كتاب أخبار أبي مسلم الخراساني كتاب الدعاء كتاب الأوائل كتاب المستظرف في الحمقى كتاب أخبار الأولاد والزوجات والأهل كتاب أخبار الزهاد كتاب ذم الدنيا كتاب المنير في التوبة والعمل الصالح كتاب المواعظ وذكر الموت كتاب أخبار المحتضرين كتاب الحجاب كتاب الخاتم كتاب أخبار أبي حنيفة وأصحابه كتاب شعراء الشيعة أخبار شعبة بن الحجاج كتاب شعر حاتم وأخباره أخبار عبد الصمد بن المعذل أخبار ملوك كندة أخبار ابي تمام أخبار محمد بن حمزة العلوي كتاب أعيان الشعر في المديح والفخر والهجو أخبار الأجواد وله كتب غير ذلك بدأها ولم يتمها.
قال ابو حيان التوحيدي:حضرنا مع أبي عبيد الله المرزباني عزاء وجلس إلى جانبه رجل خراساني يرجع إلى مال كثير عليه قباء مبطن له رايحة منكرة فقام المرزباني من جنبه وجلس ناحية وقام بقيامه من ذلك الجانب خلق كثير فقيل له:أيها الشيخ ما حملك على ذلك?فذكر قصته وشرح حاله وأنشأ يقول:
هل لك في مالي وأهلي معا وجل ما يملك جـيرانـيه
تأخـذه نـافـلة جـمــلة أحسبك المحسن في شأنـيه
فاذهب إلى أبعد ما ينتـوى لا ردك اللـه ولا مـالـيه ابن عمر
ابن علي بن أبي طالب محمد بن عمر بن علي بن ابي طالب رضي الله عنه من سادات بني هاشم.
روى عنه الأربعة.توفي سنة أربعين ومائة أو ما دونها.
الواقدي محمد بن عمر بن واقد السلمي مولاهم المعروف بالواقدي الإمام أبو عبد الله المدني.
روى عن محمد بن عجلان وابن جريج وثور بن يزيد وأسامة ابن زيد ومعمر بن راشد وابن أبي ذئب وهشام بن الغاز وأبي بكر ابن أبي سبرة وسفيان الثوري ومالك وأبي معشر وخلائق وكتب ما لا يوصف كثرة.ولد سنة تسع وعشرين ومائة وهو مع عظمته في العلم ضعيف.
قال ابن حنبل:لم ندفع أمر الواقدي حتى روى عن معمر عن الزهري عن نبهان عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم:أفعمياوان أنتما،فجاء بشيء لا حيلة فيه وهذا لم يروه غير يونس.
ولي القضاء أربع سنين ببغداد للمأمون وكان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح والأحكام واختلاف الناس.توفي ببغداد لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة سبع ومائتين.
وروى عنه ابن ماجه وكان يقلب الأسانيد ويأتي بمتن واحد.وله ترجمة طويلة في تاريخ ابن عساكر وحاصل الأمر أنه مجمع على ضعفه وأجود الروايات عنه رواية ابن سعد في الطبقات.كان يقول:ما من أحد إلا وكتبه أكثر من حفظه وحفظي أكثر من كتبي.
صفحة : 535
ويقال أنه حمل كتبه على مائة وعشرين وقرا.ويقال أن المأمون قال له:لا بد أن تصلي غدا بالناس الجمعة،فقال:والله ما أحفظ سورة الجمعة،قال:أنا أحفظك،فجعل يلقنه السورة حتى يبلغ النصف منها فإذا حفظه ابتدأ بالنصف الثاني فإذا حفظ النصف الثاني نسي الأول فأتعب المأمون ونعس فقال لعلي بن صالح:حفظه أنت،قال علي:فلم يحفظ واستيقظ المأمون ولم يحفظ فقال المأمون:هذا رجل يحفظ التأويل ولا يحفظ التنزيل اذهب فصل بهم واقرأ أي سورة أردت.
قال الواقدي:صار إلي من السلطان ست مائة ألف درهم ما وجبت علي فيها زكاة،ومات وهو على القضاء وليس له كفن فبعث المأمون بأكفانه.
روى عنه بشر الحافي أنه سمعه يقول:ما يكتب للحمى:يؤخذ ثلاث ورقات زيتون تكتب يوم السبت وأنت طاهر على واحدة منهن جهنم غرثى وعلى الأخرى جهنم عطشى وعلى الأخرى جهنم مقرورة ثم تجعل في خرقة وتشد على عضد المحموم الأيسر،قال الواقدي المذكور:جربته فوجدته نافعا،قال ابن خلكان:نقل هذه الحكاية أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه الذي وضعه في أخبار بشر الحافي.
وله كتاب التاريخ والمغازي والمبعث كتاب أخبار مكة كتاب الطبقات كتاب فتوح الشام كتاب فتوح العراق كتاب الجمل كتاب مقتل الحسين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم الردة والدار حروب الأوس والخزرج أمراء الحبشة والفيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كتاب المناكح السقيفة وبيعة أبي بكر ذكر الأذان سيرة أبي بكر ووفاته الترغيب في علم المغازي وغلط الرجال تداعي قريش والأنصار في القطائع ووضع عمر الدواوين مولد الحسن والحسين ومقتله ضرب الدنانير تاريخ الفقهاء التاريخ الكبير الآداب غلط الحديث السنة والجماعة وذم الهوى وترك الخروج في الفتن اختلاف أهل المدينة والكوفة في أبواب الفقه.
قال المفضل بن غسان عن أبيه قال:صليت خلق الواقدي صلاة الجمعة فقرأ:إن هذا لفي الصحف الأولى صحف عيسى وموسى.
المقدمي البصري محمد بن عمر بن علي بن عطاء المقدمي البصري.
روى عنه الأربعة وقال أبو حاتم:صدوق.توفي سنة خمين ومائتين أو ما قبلها.
الحافظ الجعابي محمد بن عمر بن محمد بن سلم ابو بكر الجعابي-بالجيم والعين المهملة وبعد الألف باء موحدة-التميمي البغدادي الحافظ قاضي الموصل.
صحب ابن عقدة وسمع كثيرا وصنف الأبواب والشيوخ والتاريخ وتشيعه مشهور.
روى عنه الدارقطني وغيره وكان يفضل الحفاظ بأنه كان يسوق الألفاظ من المتون على ما هي عليه وأكثر الحفاظ يتسمحون في ذلك.
وكان إماما في المعرفة بعلل الحديث وثقات الرجال ومواليدهم ووفياتهم وما يطعن به على كل واحد منهم ولم يبق في زمانه من يتقدمه في الدنيا.
قال السلمي:سألت عنه الدارقطني فقال:خلط،وذكر مذهبه في التشيع.وكذا ذكر الحاكم عن الدارقطني وذكر عنه قال:قال لي الثقة من أصحابنا ممن كان يعاشر الجعابي:أنه كان نائما فكتب على رجله فكنت أراه ثلاثة أيام لم يمسه بالماء.ولما مات أوصى أن تحرق كتبه فأحرقت وفيها كتب الناس.
وتوفي سنة خمس وخمسين وثلاث مائة.وأورد له الخطيب من شعره قوله:
يا خليلي جنباني الـرحـيقـا إنني لست للرحيق مطيقـا
غير أني وجدت للكأس نـارا تلهب الجسم والمزاج الرقيقا وقوله:
وإذا جدت للـصـديق بـوعـد فصل الوعد بالفعال الجـمـيل
ليس في وعد ذي السماحة مطل إنما المطل في وعود البخـيل ابن دوست اللغوي محمد بن عمر بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف ابو بكر اللغوي النحوي من أولاد المحدثين.
كان أحد النحاة الأدباء يحفظ اللغة ويتقن العربية،قرأ عليه الخطيب ابو زكرياء التبريزي الأدب،وكان مشهورا بالصلاح والديانة والعفة،سمع الحديث من أبي علي الحسن بن شاذان وأبي القاسم علي السمسار،وروى عنه ابو علي أحمد بن محمد البرداني.
توفي سنة اثنتين وخمسين وأربع مائة.
ومن شعره:
إذا شئت أن تبلو مودة صاحـب بواطنه مطوية عن ظواهـره
فقس ما بعينيه إلى ما بقلـبـه تجد خطرات من خفي سرائره
فكل خليل ماذق في مناظـره إليك دليل مخبر عن ضمـائره ابن اميرك الحازمي محمد بن عمر بن محمد ابن اميرك أبو بكر الأنصاري الحازمي من أهل هراة.
صفحة : 536
كان فقيها فاضلا مناظرا أديبا بارعا متدينا،سمع بهراة أبا الفتح نصر بن أحمد الحنفي وعبد الرزاق الماليني وأبا الفضل محمد بن إسماعيل الفضيلي وأبا الفتح المختار بن عبد الحميد البوشنجي وجماعة،وبنيسابور أبا عبد الله محمدا الفراوي وإسماعيل بن أحمد القارئ وغيرهما،وبسرخس أبا المعالي خلف بن الحسن الحداد وأبا النصر محمد بن الشرهمرد وغيرهما،وببلخ محمد بن محمد بن عبد الله البسطامي.
وقدم بغداد حاجا وسمع بها من جماعة ثم قدمها وحج وعاد وحدث.سمع منه أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع وعمر بن أحمد بن بكرون ونصر الله بن سلامة الهيتي.
توفي سنة أربع وستين وخمس مائة.
ابن القوطية اللغوي محمد بن عمر بن عبد العزيز ابو بكر ابن القوطية هي جدة أبي جده وهي سارة بنت المنذر من بنات الملوك القوطية الذين بإقليم الأندلس من ذرية قوم بن حام-بالقاف والطاء المهملة-القرطبي النحوي.
سمع بقرطبة من طاهر بن عبد العزيز وأبي الوليد الأعرج ومحمد بن عبد الوهاب بن مغيث وغيرهم وسمع بإشبيلية من محمد بن عبد الله الزبيدي وسعيد بن جابر وغيرهما.
وكان علامة زمانه في اللغة والعربية حافظا للحديث والفقه والأخبار لا يلحق شأوه ولا يشق غباره،وكان مضطلعا بأخبار الأندلس مليا برواية سير أمرائها وأحوال فقهائها وأدبائها وشعرائها يملي ذلك عن ظهر قلب وكانت كتب اللغة أكثر ما تملى عليه،ولم يكن بالضابط لرواية الحديث ولا الفقه ولا كانت له أصول يرجع إليها وكان الذي يسمع عليه من ذلك إنما يحمل على المعنى لا على اللفظ وكثيرا ما يقرأ عليه من ذلك للتصحيح لا للرواية.
وصنف كتبا مفيدة منها كتاب تصاريف الأفعال وهو الذي فتح الباب فجاء من بعده ابن طريف وابن القطاع وأفعال الحمار هي أجود ما في هذا الباب،وصنف تاريخا للأندلس وله المقصور والممدود جمع فيه فأوعى حتى أعجز من يأتي بعده وفاق فيه على من تقدمه.
وكان ابو علي القالي يعظمه كثيرا،وكان ناسكا عابدا تزهد أخيراص عن نظم الشعر.قال أبو يحيى بن هذيل التميمي:توجهت إلى ضيعتي يوما بسفح جبل قرطبة فصادفت ابن القوطية صادرا عنها وكانت له هناك ضيعة فقلت له:
من أين أقبلت يا من لا شبيه له ومن هو الشمس والدنيا له فلك فقال:
من منزل يعجب النساك خلوته وفيه ستر عن الفتاك إن فتكوا وتوفي سنة سبع وستين وثلاث مائة.
ومن شعر ابن القوطية:
ضحك الثرى وبدا لك استبشاره واخضر شاربه وطر عـذاره
ورنت حدائقه وآزر نـبـتـه وتعطرت أنـواره وثـمـاره
واهتز ذابل كل مـاء قـرارة لما أتى متـطـلـعـا آذاره
وتعممت صلع الربا بنباتـهـا وترنمت من عجمة أطـياره كاك الحنفي المقرئ محمد بن عمر بن عبد العزيز بن طاهر أبو بكر المقرئ الحنفي المعروف بكاك، بكافين بينهما ألف، من أهل بخارا.
نزل ببغداد مدة وسمع بها الحديث من جماعة وجاور بمكة سنين وكان إماما لأصحاب أبي حنيفة بالمسجد الحرام،وكان شيخا أديبا فاضلا متدينا صالحا مكثرا من الحديث.
سمع ببخارا أبا الحسن علي بن محمد بن جذام وأبا نصر أحمد الريغذموني وبنسف ابا بكر محمدا البلدي وبسمرقند أبا لقاسم عليا الصيرفي الكشاني وبنيسابور أبا نصر الوراق وأبا علي نصر الله الخشنامي وغيرهما وبهمذان أبا منصور العجلي وببغداد أبا علي محمد بن نبهان وأبا الغنائم النرسي وغيرهما،وحدث ببغداد وكتب عنه أبو البركات ابن السقطي وروى عنه أبو القاسم محمود بن ماشاذه.
توفي في طريق الحجاز سنة خمس وعشرين وخمس مائة.
الفقيه ابن مازة الحنفي محمد بن عمر بن عبد العزيز بن مازة أبو جعفر الفقيه الحنفي من أهل بخارا رئيسها وابن رئيسها.
كان من فحول فقهائها المشهورين بالفضل والنبل وله التقدم عند الملوك والسلاطين،قدم بغداد وحدث عن والده،روى عنه أبو البركات محمد بن علي الأنصاري قاضي سيوط من أهل مصر في مشيخته.
مولده سنة إحدى عشرة وخمس مائة وقتل سنة ستين وخمس مائة.
الحافظ ابو منصور الدينوري محمد بن عمر بن محمد أبو منصور الدينوري الحافظ.
صفحة : 537
حدث ببغداد عن أبي الحسن محمد بن زنجويه القزويني المقرئ ومحمد بن عبد الله بن بزرج وروى عنه عبد الرزاق الأصبهاني أخو أبي نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ في معجم شيوخه.
رئيس الطالبيين محمد بن عمر بن يحيى بن الحسين بن أحمد بن يحيى بن الحسين بن الشهيد زيد بن علي الزيدي العلوي ابو الحسن الكوفي نزيل بغداد.
كان رئيس الطالبيين مع كثرة الضياع والمال،قبض عليه عضد الدولة وسجنه وأخذ أمواله وبقي إلى أن أطلقه شرف الدولة ولده،يقال أنه لما صادره أخذ منه ألف ألف دينار عينا.توفي سنة تسعين وثلاث مائة.
سمع أبا العباس ابن عقدة وطبقته وروى عنه أبو العلاء الواسطي وشيوخ الخطيب.رفع ابو الحسن علي بن طاهر عامل سقي الفرات إلى شرف الدولة أن الشريف زرع في سنة ثمان وسبعين وثلاث مائة ثمان مائة ألف جريب وأنه يستغل ضياعه الفي ألف دينار وبلغ الشريف ذلك فدخل على شرف الدولة وقال:يا مولانا والله ما خاطبت بمولانا ملكا سواك ولا قبلت الأرض لملك سواك لأنك أخرجتني من محبسي وحفظت روحي ورددت علي ضياعي وقد أحببت أن أجعل لك النصف مما أملك وأطتبه باسم ولدك وجميع ما بلغك عني صحيح،فقال له شرف الدولة:لو كان ارتفاع ملكك أضعافه كان قليلا وقد وفر الله مالك عليك وأغنى ولدي عنك فكن على حالك،وهرب ابن طاهر إلى مصر فلم يعد حتى مات الشريف.
ولما بنى داره بالكوفة كان فيها حائط عال فسقط من الحائط بناء وقام سالما فعجب الناس وعاد بالبناء ليصلح الحائط فقال له الشريف:قد بلغ أهلك سقوطك وهم لا يصدقون بسلامتك وكأني بالنوائح وقد أتين إلى بابي فاذهب إليهم ليطمئنوا ويصدقوا أنك في عافية وارجع إلى عملك،فخرج البناء إلى أهله مسرعا فلما بلغ عتبة الباب عثر فوقع ميتا.
خال الشرفي النحوي محمد بن عمر بن عبد الوارث أبو عبد الله القيسي القرطبي النحوي ويعرف بخال الشرفي.
توفي سنة تسع وأربع مائة.
الحافظ ابن الفخار المغربي محمد بن عمر بن يوسف أبو عبد الله ابن الفخار القطربي المالكي الحافظ عالم الأندلس في زمانه.
كان إماما زاهدا من أهل العلم والورع ذكياص عارفاص بمذهب الأئمة وأقوال العلماء،يحفظ المدونة جيدا والنوادر لابن أبي زيد،كان يقال أنه مجاب الدعوة،وفر عن قرطبة لما نذرت البرابر دمه.
وتوفي سنة تسع عشرة وأربع مائة.
أبو الفضل الأرموي الشافعي محمد بن عمر بن يوسف بن محمد القاضي ابو الفضل الأرموي الفقيه الشافعي من أهل ارمية.
قال ابن السمعاني:هو فقيه إمام متدين ثقة صالح الكلام في المسائل كثير التلاوة،حدث عنه السلفي وابن عساكر وابن السمعاني وعبد الخالق بن أسد وابن طبرزد وتاج الدين الكندي وجماعة كثيرة،كان أسند من بقى ببغداد وآخر من حدث عنه بالسماع الفتح بن عبد السلام.توفي سنة سبع وأربعين وخمس مائة.
أبو جعفر الجرجاني محمد بن عمر أبو جعفر الجرجاني أحد رواة الأخبار وأيام الناس.
ذكره أبو عبيد الله المرزباني في كتاب المقتبس في من كان ببغداد من الأدباء.
من شعره:
إني لأعرض عن أشياء تؤلمني حتى يظن رجال أن بي حمقا
أخشى جواب سفيه لا حياء له فسل يظن رجال أنه صدقـا المقرئ الكاتب البغدادي محمد بن عمر المقرئ الكاتب من أهل الجانب الشرقي ببغداد.
قال ابن النجار:رأيت له كتابا سماه تفضيل أخلاق الكلاب على من أحوج إلى العتاب من أهل الزيغ والارتياب،روى فيه عن جماعة سردهم ابن النجار منهم أبو القاسم عبد الله البغوي..
أبو جعفر الحربي محمد بن عمر بن سعيد أبو جعفر الحربي.
ذكره محمد بن داود بن الجراح في كتاب الورقة في أخبار الشعراء وقال:بغدادي راوية صالح.
من شعره:
أنيتك كشتاقا وجئت مسلـمـا عليك وإني باحتجابك عالـم
فأخبرني البـواب أنـك نـائم وأنت إذا استيقظت أيضا فنائم توفي سنة أربعين ومائتين.
الأشتيخني النحوي محمد بن عمر بن محمد بن العباس بن علي الأديب ابو الفضل القرشي المخزومي الخالدي الإشتيخني السغدي السمرقندي.
كان أديبا نحويا بارعا صالحا خيرا سريع الدمعة،كتب بنفسه أمالي أئمة سمرقند.توفي سنة ستين وخمس مائة أو ما دونها.
صفحة : 538
الحافظ ابو موسى المديني محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الحافظ الكبير ابو موسى بن أبي بكر ابن أبي عيسى المديني الأصبهاني صاحب التصانيف وبقية الأعلام.
كان واسع الدائرة في معرفة الحديث وعلله وأبوابه ورجاله وفنونه لم يكن في وقته أعلم منه ولا أحفظ منه ولا أعلى سندا وروى عنه جماعة من الحفاظ.
له من التصانيف الكتاب المشهور في تتمة معرفة الصحابة الذي ذيل به على أبي نعيم يدل على تبحره والطوالات مجلدان وتتمة الغريبين والوظائف واللطائف وعوالي التابعين وعرض من حفظه كتاب علوم الحديث للحاكم على إسماعيل الحافظ.
وتوفي سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.والمديني بكسر الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف نسبة إلى مدينة أصبهان.
أبو نصر الأصبهاني محمد بن عمر بن محمد الرئيس أبو نصر الأصبهاني كاتب الوزير نظام الملك.
قال الباخرزي:ورد علينا نيسابور وكان وروده كورود الورد بعد انحسار برد البرد.وأورد له من شعره:
طويت رداء ودي لا كطي يراد به البقاء على النقاء
وما ظني بأعدائي إذا مـا يكون كذاك حال الأصدقاء ومنه:
شرق وغرب واغترب تلق الذي تهوى وتعزز أي وجه تشخص
وأرى المهانة في اللزوم فخلـه إن المتاع بأرضه يسترخـص ومنه:
بليت بمملـوك إذا مـا بـعـثـتـه لأمر أعيرت رجله مشية النـمـل
بليد كأن الـلـه خـالـقـنـا عـنـا به المثل المضروب في سورة النحل ومنه:
الناس أعـداء إذا جـربـتـهـم لمقلهم وأصادق الـمـتـمـول
كالريح قد تطفي السراج لضعفه وتزيد في ضوء الحريق المشعل الإمام حسام الدين ابن أخت صلاح الدين محمد بن عمر بن لاجين ابن أخت السلطان صلاح الدين الأمير حسام الدين.
توفي في الليلة التي توفي فيها صاحب حماة تقي الدين المظفر في سنة سبع وثمانين وخمس مائة وحزن السلطان عليهما ودفن حسام الدين في التربة الحسامية المنسوبة إليه من بناء والدته ست الشام وهي في الشامية الكبرى بظاهر دمشق.وقيل اسمه عمر بن لاجين.
الإمام فخر الدين الرازي محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي الإمام العلامة فريد دهره ونسيج وحده فخر الدين أبو عبد الله القرشي التيمي البكري الطبرستاني الأصل الرازي المولد ابن خطيب الري الشافعي الأشعري.
علامة العلماء والبحـر الـذي لا ينتهي ولكل بحر سـاحـل
ما دار في الحنك اللسان وقلبت قلما بأحسن من ثناه أنـامـل ولد سنة أربع وأربعين وخمس مائة واشتغل على والده الإمام ضياء الدين وكان من تلامذة محيي السنة أبي محمد البغوي،وكان إذا ركب يمشي حوله نحو ثلاث مائة تلميذ فقهاء وغيرهم،وكان خوارزم شاه يأتي إليه.
وكان شديد الحرص جدا في العلوم الشرعية والحكمة اجتمع له خمسة أشياء ما جمعها الله لغيره فيما علمته من أمثاله وهي سعة العبارة في القدرة على الكلام وصحة الذهن والاطلاع الذي ما عليه مزيد والحافظة المستوعبة والذاكرة التي تعينه على ما يريده في تقرير الأدلة والبراهين،وكان فيه قوة جدلية ونظره دقيق،وكان عارفا بالأدب له شعر بالعربي ليس في الطبقة العليا ولا السفلى وشعر بالفارسي لعله يكون فيه مجيدا.
وكان عبل البدن ربع اقامة كبير اللحية في صورته فخامة.كانوا يقصدونه من أطراف البلاد على اختلاف مقاصدهم في العلوم وتفننهم فكان كل منهم يجد عنده النهاية فيما يرومه منه.
قرأ الحكمة على المجد الجبلي والجيلي من كبار الحكماء وقرأ بعد والده على الكمال السمناني وقيل على الطبسي صاحب الحائز في علم الروحاني والله أعلم.
وله تصانيف ورزق الإمام فخر الدين السعادة العظمى في تصانيفه وانتشرت في الآفاق وأقبل الناس على الاشتغال بها ورفضوا كتب الأقدمين وكان في الوعظ باللسانين مرتبة عليا وكان يلحقه الوجد حال وعظه ويحضر مجلسه أرباب المقالات والمذاهب ويسألونه ورجع بسببه خلق كثير من الكرامية وغيرهم إلى مذهب السنة وكان يلقب بهراة شيخ الإسلام.يقال أنه حفظ الشامل في أصول الدين لإمام الحرمين.
صفحة : 539
قصد خوارزم وقد تمهر فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى العقيدة فأخرج من البلد،وقصد ما وراء النهر فجرى له أيضا ما جرى بخوارزم،فعاد إلى الري وكان بها طبيب حاذق له ثروة وله بنتان فزوجهما بابني فخر الدين ومات الطبيب فاستولى على جميع نعمته ومن ثم كانت له النعمة،ولما وصل السلطان شهاب الدين الغوري صاحب غزنة بالغ في إكرامه وحصلت له أموال عظيمة منه،وعاد إلى خراسان واتصل بالسلطان خوارزم شاه محمد بن تكش وحظي عنده وأظنه توجه رسولا منه إلى الهند.
وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه وأتى فيها بما لم يسبق إليه لأنه يذكر المسألة ويفتح باب تقسيمها وقسمة فروع ذلك التقسيم ويستدل بأدلة السبر والتقسيم فلا يشذ منه عن تلك المسألة فرع لها بها علاقة فانضبطت له القواعد وانحصرت له المسائل،وكان ينال من الكرامية وينالون منه.
نقلت من خط الفاضل علاء الدين الوداعي من تذكرته أن الإمام فخر الدين الرازي رحمه الله كان يعظ الناس على عادة مشايخ العجم وأن الحنابلة كانوا يكتبون له قصصا تتضمن شتمه ولعنه وغير ذلك من القبيح،فاتفق أنهم رفعوا إليه يوما قصة يقولون فيها أن ابنه يفسق ويزني وأن امرأته كذلك فلما قرأها قال:هذه القصة تتضمن أن ابني يفسق ويزني وذلك مظنة الشباب فإنه شعبة من الجنون ونرجو الله تعالى إصلاحه والتوبة،وأما امرأتي فهذا شأن النساء إلا من عصمه الله تعالى وأنا شيخ ما في للنساء مستمتع هذا كلها يمكن وقوعه،وأما أنا فوالله لا قلت أن البارئ سبحانه وتعالى جسم ولا شبهته بخلقه ولا حيزته انتهى.
ذكرت هنا ما يحكى من أنه رفع لبعض الوعاظ ممن يحسده ورقة فيها:إن زوجتك تزني هي وبناتك وأولادك يفسقون ويفعلون ويصنعون،وأشياء من هذه المادة فقرأها في نفسه وقال:يا جماعة هذه الورقة فيها سب أهل البيت وذمهم العنوا من كتبهافقال الناس كلهم:لعنه الله.
ولما توفي الإمام فخر الدين بهراة في دار السلطنة يوم عيد الفطر سنة ست وست مائة كان قد أملى رسالة على تلميذه ومصاحبه إبراهيم بن أبي بكر بن علي الأصبهاني تدل على حسن عقيدته وظنه بكرم الله تعالى ومقصده بتصانيفه والرسالة مشهورة ولولا خوف الإطالة لذكرتها ولكن منها: وأقول:ديني متابعة سيد المرسلين،وقائد الأولين والآخرين إلى حظائر قدس رب العالمين،وكتابي هو القرآن العظيم وتعويلي في طلب الدين عليهما،اللهم يا سامع الأصوات.ويا مجيب الدعوات ويا مقيل العثرات،ويا راحم العبرات،ويا قيام المحدثات والممكنات،أنا كنت حسن الظن بك،عظيم الرجاء في رحمتك،وأنت قلت أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا ،وأنت قلت أمن يجيب المضطر إذا دعاه وأنت، قلت وغذا سالك عبادي عني فإني قريب: فهب أني جئت بشيء فأنت الغني الكريم،وأنا المحتاج اللئيم،وأعلم أنه ليس لي أحد سواك،ولا أحد كريم سواك،ولا أحد محسن سواك،وأنا معترف بالزلة والقصور،والعيب والفتور،فلا تخيب رجائي،ولا ترد دعائي،واجعلني آمنا من عذابك قبل الموت،وعند الموت،وبعد الموت،وسهل علي سكرات الموت،وخفض عني نزول الموت،ولا تضيق علي سبب الآلام والسقام فإنك أرحم الراحمين.
ثم قال في آخرها: واحملوني إلى الجبل المصاقب لقرية مزداخان وادفنوني هناك وإذا وضعتموني في اللحد فاقرؤوا علي ما تقدرون عليه من آيات القرآن العظيم ثم ردوا علي التراب بالمساحي وبعد إتمام ذلك قولوا مبتهلين إلى الله مستقبلين القبلة على هيئة المساكين المحتاجين:يا كريم،يا كريم،يا عالما بحال هذا الفقير المحتاج،احسن إليه،واعطف عليه،فأنت أكرم الأكرمين،وأنت أرحم الراحمين،وأنت الفعال به وبغيره ما تشاء،فافعل به ما أنت أهله،فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة انتهى.
قلت:ومن وقف على هذه الألفاظ علم ما كان عليه هذا الإمام من صحة الاعتقاد ويقين الدين واتباع الشريعة المطهرة.
صلوة وتسلـيم وروح وراحة عليه وممدود من الظل سجسج
صفحة : 540
وأكثر شناع عليه لخصومه أنه أكثر من إيراد الشبه والأدلة للخصوم ولم يجب عنها بطائل.حضرت أنا والشيخ فتح الدين ابن سيد الناس رحمه الله عند الشيخ أثير الدين أبي حيان فجاء ذكر الإمام فخر الدين فذكر ابن سيد الناس أن ابن جبير ذكر عنه في رحلته قال:ثم دخلت الري فوجدت ابن خطيبها قد التفت عن السنة وشغلهم بكتب ابن سينا وأرسطو،فقال لي الشيخ أثير الدين وأظنه تقي الدين ابن دقيق العيد-يقول:فخر الدين وإن كان قد أكثر من إيراد شبه الفلاسفة وملأ بها كتبه فإنه قد زلزل قواعدهم.قلت: الأمر كما قال لأنه إذا ذكر للفلاسفة أو غيرهم من خصومه شبهة ثم أخذ في نقضها فإما أن يهدمها ويمحوها ويمحقها وإما أن يزلزل أركانها،من ذلك أنه أتى إلى شبهة الفلاسفة في أن وجود الله تعالى عين ذاته ولهم في ذلك شبه وحجج قوية مبنية على أصولهم التي قرؤها فقال:هذا كله ما نعرفه ولكن نحن نعلم قطعا أن الله تعالى موجود ونشك في ذاته ما هي فلو كان وجوده عين ذاته لما كنا نعلم وجوده من وجه ونجهله من وجه إذ الشيء لا يكون في نفسه معلوما مجهولا.
هذا أمر قطعي فانظر إلى هذه الحجة ما أقواها وأوضحها وأجلاها كيف تهدم ما بنوه وتدكدك ما شيدوه وعلوه،وما رأيت أحدا يقول إذا عابه غير ذلك ولم يأت بشيء من عنده حتى يقول كان ينبغي أن نجيب عن كذا وكذا فيكون قد استدرك ما أهمله وأغفله والأعمال بالنيات.
ولما مات الإمام فخر الدين خلف ثمانين ألف دينار سوى الدواب والعقار وغير ذلك،وخلف ولدين الأكبر منهما تجند في حياة أبيه وخدم خوارزم شاه والآخر اشتغل ولم نعلم له ترجمة وأظنه الذي صنف له الأربعين في أصول الدين لكنه قال:لأكبر أولادي محمد ،والله أعلم.
وكان الإمام في أيامه له صورة كبيرة وجلالة وافرة وعظمة زائدة.
ذكر ابن مسدي في معجمه عن ابن عنين رحمه الله يقول سمعت أبا المحاسن محمد بن نصر الله ابن عنين رحمه الله يقول:كنت بخراسان في مجلس الفخر الرازي إذ أقبلت حمامة يتبعها جارح فسقطت في حجر الرازي وعاذت به وهو على منبره فقمت وأنشدت بديها:
يا ابن الكرام المطعمين إذا شتـوا في كل مسغبة وثلج خـاشـف
والعاصمين إذا النفوس تطـايرت بين الصوارم والوشيج الراعـف
من نبأ الورقاء أن مـحـلـكـم حرم وأنك ملجـأ لـلـخـائف
وافت إليك وقد تدانى حتـفـهـا فحبوتها ببقائها المـسـتـأنـف
ولو أنها تحبى بمال لانـثـنـت من راحتيك بنائل متضـاعـف
جاءت سليمان الزمان حـمـامة والموت يلمع من جناحي خاطف فخلع عليه جبة كانت عليه،قال:فكان هذا سببا لإقبال السعود علي وتسني الآمال لدي انتهى.
واقترح الإمام عليه قصيدة في كل كلمة منها سين فنظمها ابن عنين وأولها:
مرسى السيادة سنة سيفـية محروسة مسعودة التأسيس واقترح عليه قصدة أخرى في كل كلمة منها حاء فنظمها أيضا وأولها:
حيى محل الحاجبية بالحمى والسفح سيح مدلح سحاح والقصيدتان مثبتتان في ديوانه.ومدحه بقصيدة سيرها إليه من نيسابور منها:
من دوحة فـخـرية عـمــرية طابت مغارس مجدها المتـأثـل
مكية الأنسـاب زاك أصـلـهـا وفروعها فوق السماك الأعـزل
بحرا تصدر للعلـوم ومـن رأى بحرا تصدر قبله في مـحـفـل
ومشمرا به بدع تمادى عمـرهـا قهرا وكاد ظلامها لا ينـجـلـي
فعلا به الإسلام أرفـع هـضـبة ورسا سواه في الحضيض الأسفل
غلط امرؤ بأبي عـلـي قـاسـه هيهات قصر عن مداه أبو علـي
لو أن رسطاليس يسمـع لـفـظة من لفظه لعرته هـزة أفـكـل
ولحار بطليموس لـو لاقـاه مـن برهانه في كل شكل مـشـكـل
فلو أنهم جمعوا لـديه تـيقـنـوا أن الفضيلة لـم تـكـن لـلأول وقال ابن عنين:حصلت بلاد العجم من جهة فخر الدين وبجاهه نحوا من ثلاثين ألف دينار،ذكر ذلك ابن أبي أصيبعة في تاريخه.
صفحة : 541
وحكى لي بعض الأفاضل أن بعض الملوك-أنسيته-سأله أن يضع له شيئا في الأصول يقرأه فقال له:بشرط أنك تحضر إلى درسي وتقرأه علي،فقال:نعم وأزيدك على هذا،فوضع له المحصل قال الحاكي والعهدة عليه في ذلك:أن السلطان كان يجيء ويقف ويأخذ مداسه يعني مداس الإمام ويحمله في كمه ويسمع الدرس في الكتاب،قلت:إذا كان السلطان كذلك كيف لا يرغب أهل العلم ويزادون نشاطا ويجتهدون في طلب الغايات.وقال لي يوما الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس:ما أعجب إلا من فخر الدين كونه وضع تفسيرا أنت من أين والتفسير من أين كما أعجب من تقي الدين ابن تيمية كونه يرد على فخر الدين وابن سينا،فقلت له:ما القياس صحيحا ولا المسألتان متقابلتين لأن الإمام إذا عمل تفسيرا يحسن أن يقول قال فلان كذا وقال فلان كذا فينقل أقوال المفسرين ولكن إذا أخذ الآية وذكر أدلة الشافعية منها وأدلة الحنفية منها وبحث بين الفريقين من هو الذي يجري معه في ذلك الميدان وإن كان الشيخ تقي الدين أقعد بعلم الرواية.
وقلت يوماص للشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة أبي الحسن علي السبكي:قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية وقد ذكر تفسير الإمام:فيه كل شيء إلا التفسير،فقال قاضي القضاة:ما الأمر كذا إنما فيه مع التفسير كل شيء انتهى.
ومن تصانيف الإمام رحمه الله تعالى:التفسير الذي له وهو في ستة وعشرين مجلدا ذكر تفسير الفاتحة منه في مجلدة وهو على تجزئة الفاتحة في أكثر من ثلاثين مجلدا وأكمل التفسير على المنبر إملاء تفسير سورة البقرة على الوجه العقلي لا النقلي أسرار التنزيل وأخبار التأويل نهاية العقول في أصول الدين يكون في أربع مجلدات المطالب العالية في الأصول أيضا في أربعة كبار كتاب الأربعين في مجلدة كبيرة المحصل مجلدة كتاب الخمسين صغير المعالم في أصول الدين والفقه الخلق والبعث مجلدة تأسيس التقديس مجلدة البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان المحصول في أصول الفقه في مجلدين المنتخب في أصول الفقه مجلدة النهاية البهائية في المباحث القياسية أجوبة المسائل النجارية الطريقة العلائية في الخلاف أربع مجلدات شرح أسماء الله الحسنى إبطال القياس الملل والنحل المباحث العمادية في المطالب المعادية تحصيل الحق عيون المسائل إرشاد النظار إلى لطائف الأسرار فضائل الصحابة القضاء والقدر ذم الدنيا نفثة المصدور إحكام الأحكام الرياض المؤنقة عصمة الأنبياء تعجيز الفلاسفة بالفارسي الأخلاق اللطائف الغياثية الرسالة الكمالية في الحقائق الإلهية بالفارسي عربها تاج الدين الأرموي رسالة الجوهر الفرد الآيات البينات في المنطق ترجيح مذهب الشافعي وأخباره شرح أبيات الشافعي الأربعة التي أولها:وما شئت كان وإن لم أشأ أظنه كتاب القضاء والقدر الزبدة نهاية الإيجاز اختصار دلائل الإعجاز المحرر في النحو قطعة من شرح الوجيز شرح المفصل لم يتمه شرح ديوان المتنبي شرح سقط الزند لباب الإشارات شرح الإشارات الإشارات له أيضا شرح نهج البلاغة ولم يتم الحكمة المشرقية تكون في ثلاثة المختص تكون في مجلدين شرح كليات القانون الطب الكبير ولم يتم عيون الحكمة مصادرات إقليدس التشريح ولم يتم النبض الاختيارات السماوية السر المكتوم في علم الطلاسم والنجوم منتخب درج تنكلوشا وقيل أنه شرحها رسالة في النبوات رسالة في النفس مباحث الوجود مباحث الحدود رسالة في التنبيه على الأسرار المودعة في بعض سور القرآن.
وكان الشيخ ركن الدين ابن القوبع يقول أنه شرح الشفاء وإن كان هذا صحيحا فأقل ما يكون في خمس وعشرين مجلدة.رأيت بعضهم قد كتب على كتاب المحصل الذي للإمام فخر الدين بيتين وهما:
محصل في أصول الدين حاصله من بعد تحصيله أصل بـلا دين
بحر الضلالات والشك المبين وما فيه فأكثره وحي الـشـياطـين فكتبت تحتهما من نظمي:
عميت عن فهم ما ضمت مسائله ونورها قد تجلى بالبـراهـين
فملت عجزا إلى التقليد وهو متى حققت لم تلق أمرا غير مظنون
والناس أعداء ما لم يعرفوه فـلا بدع إذا قلت ذا وحي الشياطـين وكتبت على كتاب له في أصول الدين:
علم الأصول بفخر الدين منتصر به نصول بإعجاب وإعـجـاز
صفحة : 542
أضحت به السنة الغراء واضـحة قد استقامت لمختار ومـجـتـاز
له مباحث كم قد أحرقت شبـهـا بشهبها فمن الرازي على الرازي وكتبت على كتاب الطب الكبير الذي له:
قد كنت يا ابن خطيب الري معجزة بذهنك المشرق الخالي من الكدر
دخلت في كل علم لـلأنـام وقـد حررته بدقيق الفكر والـنـظـر
إذا انتصرت لرأي أو لـمـسـألة ترجحت لأولي الألباب والفـكـر
وكل علمس لك الفصل المبين بـه فأنت حقا جمال الكتب والـسـير قال أبو علي الحسين الواسطي:سمعت فخر الدين بهراة ينشد على المنبر عقيب كلام عاتب أهل البلد فيه:
المرء ما دام حياص يستهان به ويعظم الرزء فيه حين يفتقـد ومن شعر الإمام فخر الدين ما أنشده ابن أبي أصيبعة قال:أنشدني بديع الزمان البندهي قال:أنشدني الإمام فخر الدين لنفسه:
فلو قنعت نفسي بميسور بـلـغة لما سبقت في المكرمات رجالها
ولو كانت الدنيا مناسـبة لـهـا لما استحقرت نقصانها وكمالها
ولا أرمق الدنيا بعـين كـرامة ولا أتوقى سوءها واختلالـهـا
وذاك لأني عارف بـفـنـائهـا ومستيقن ترحالها وانحلالـهـا
أروم أمورا يصغر الدهر عندها وتستعظم الأفلاك طرا وصالها ومنه:
أرواحنا ليس ندري أين مذهبها وفي التراب توارى هذه الجثث
كون يرى وفساد جاء يتبـعـه والله يعلم ما في خلقه عـبـث ومنه:
نهاية إقدام العـقـول عـقـال وأكثر سعي العالمين ضـلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانـا ردى ووبـال
ولم نستفد من بحثنا طول دهرنا سوى أن جمعنا فيه قلت وقالوا
وكم قد رأينا من رجـال ودولة فبادوا جميعا مسرعين وزالـوا
وكم من جبال قد علت شرفاتها وعال فزالت والجبال جـبـال وله قصيدة نونية طويلة سماها الهادية للتقليد المؤدية إلى التوحيد أولها:
يا طالب التوحيد والإيمـان أبشر بكل كرامة وأمـان
واعلم بأن أجل أبواب الهدى تقرير دين الله بالبرهـان ورجمه الكرامية يوما على المنبر وزرقوا عليه من سقاه السم والله أعلم فمات من ذلك.قال ياقوت:وجدت على ظهر كتاب من تصانيف فخر الدين الرازي ما صورته:قال الأديب الأخسيكتي:
إن بالمشـرق فـينـا جبل العلم ابن سـينـا
فدع المغـرب يذكـر ذرةص من طور سينا فقال السراج:
اعلما علمـا يقـينـا أن رب العالمـينـا
لو قضى في عالميهم خدمة للعالـمـينـا
خدم الرازي فخـرا خدمة العبد ابن سينا وقيل أيضا:
قد تركنا قد نسـينـا حكمة الشيخ ابن سينا
حين شاهدنا عـيانـا حكمة الرازي فينـا
نحن قد بعنا حصـاة واشترينا طور سينـا وقيل أيضا:
نحن بالجهل ابتلـينـا نحن بالحمق رمينـا
نحن قضينا زمـانـا في تصانيف ابن سينا
ثم صرنا آمـنـينـا عن مقال الطاعنينـا
حين طالعنا كـلامـا يشبه الدر الثمـينـا
صاغه ارازي فينـا كاملا فخما مبـينـا
رب فاجعله بـحـال يشبه الروح الآمنينا الجمال الكاتب المصري محمد بن عمر المصري الكاتب المجود المنعوت بالجمال.
كان بارع الخط حسن التوقيف انتفع به جماعة كثيرة وله شعر.وتوفي سنة ثلاث عشرة وست مائة.
صدر الدين شيخ الشيوخ ابن حمويه محمد بن عمر بن علي بن محمد بن حمويه صدر الدين ابو الحسن شيخ الشيوخ ابن شيخ الشيوخ عماد الدين أبي الفتح الجويني البحيراباذي الصوفي.
ولي تدريس الشافعي ومشهد الحسين وسيره الكامل رسولا إلى الخليفة وكانت داره مجمع الفضلاء.توفي سنة سبع عشرة وست مائة.
صفحة : 543
المنصور صاحب حماة محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب السلطان الملك المنصور ابن الملك المظفر تقي الدين ابن الأمير نور الدولة صاحب حماة وابن صاحبها.
سمع الحديث بالإسكندرية من السلفي وكان شجاعا يحب العلماء وجمع تاريخا على السنين في عدة مجلدات فيه فوائد.
قال شهاب الدين القوصي:قرأت عليه قطعة من كتابه مضمار الحقائق وسر الخلائق وهو كبير نفيس يدل على فضله ولم يسبق إلى مثله وله كتاب طبقات الشعراء يكون في عشرة وجمع من الكتب ما لا مزيد له،وكان في خدمته ما يناهز مائتي متعمم من الفقهاء والأدباء والنحاة والمشتغلين بالحكمة والمنجمين والكتاب.
وأقامت دولته ثلاثين سنة وتوفي سنة سبع عشرة وست مائة.
ومن شعره:
زاغ ولو شـاء زار مهفهف ذو احورار
مرنح يسـقـينـي من مقلتيه العقـار ومنه:
ادعني باسمها فإني مجـيب وادر أني مما تحب قريب
حكم الحب أن أذل لـديهـا نخوة الملك والغرام عجيب ومنه:
أربــــي راح وريحـــــــا ن ومـحــبـــوب وشـــادي
والذي ساق لي الملك له دفع الأعادي ومن شعر المنصور صاحب حماة:
سحا الدموع فإن القوم قد بانوا وأقفر الصبر لما أقفر البـان
وأسعداني بدمع بعد بـينـهـم فالشأن لما نأوا عني له شـأن
لا تبعثوا في نسيم الريح نشركم فإنني من نسيم الريح غـيران
سقاهم الغيث من قبلي كاظمة سحا وروى ثراهم أينما كانوا ابن اللهيب المالكي محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن جعفر الإمام شرف الدين ابو عبد الله الأزدي الغساني المصري المالكي المعروف بابن اللهيب.
أخذ المذهب عن الإمام ظافر بن الحسين الأزدي وغيره وناظر وسمع وتصدر بالجامع العتيق وكان بصيرا بالمذهب،ولي الوكالة السلطانية ونظر دمياط ودرس بالصالحبية باقاهرة وكان من الأذكياء الموصوفين وله شعر وفضائل وهو من بيت فيه جماعة فضلاء.
توفي سنة سبع وعشرين وست مائة.
ابن مغايظ محمد بن عمر بن يوسف الإمام أبو عبد الله الأنصاري القرطبي المالكي المعروف بابن مغايظ بالغين المعجمة والظاء المعجمة.
انتقل به أبوه إلى فاس فنشأ بها وحج وسمع بمكة والإسكندرية،وكان إماما صالحا مجودا للقراآت عارفا بوجوهها بصيرا بمذهب مالك حاذقا بفنون العربية وله يد طولى في التفسير وتخرج به جماعة وجلس بعد موت الشاطبي في مكانه للإقراء ونوظر عليه في كتاب سيبويه وجاور بالمدينة وعرف بالفضل والصلاح وأم بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم.وقال ابن الطيلسان:توفي بمصر ودفن بقرافتها سنة إحدى وثلاثيت وست مائة.
الفخر ابن المالكي الشافعي محمد بن عمر بن عبد الكريم الإمام فخر الدين الحميري الدمشقي الشافعي المعروف بالفخر ابن المالكي.
ولد ظنا سنة ثمانين وخمس مائة وسمع من الخشوعي والقاسم ابن عساكر وحنبل وابن طبرزذ،وأكثر عن المتأخرين كأبي محمد ابن البن وزين الأمناء،وكتب الأجزاء والطباق وخطه مليح دقيق معلق،وكان له بيت بالمنارة الشرقية وخزانة كتب تجاه محراب الصحابة وكان قد ولي إمامة الكلاسة بعد الشيخ تاج الدين في السنه.وتوفي سنة ثلاث وأربعين وست مائة.
محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد ابو عبد الله القسطلاني التوريزي المولد المكي الدار والوفاة المالكي أمام حطيم المالكية بمكة.
مولده سنة ثمان وتسعين وخمسمائة سمع من أبي حفص عمر بن محمد السهروردي وغيره وحدث بمكة وكان شيخا عالما صالحا وله نظم.ودفن لما توفي بالمعلى سنة ثلاث وستين وست مائة.
ابن الشيخ شهاب الدين السهروردي محمد بن عمر بن محمد بن عبد الله ابو جعفر التيمي البكري السهروردي المولد البغدادي الدار الصوفي.
ولد سنة سبع وثمانين وخمس مائة سمع من أبي الفرج ابن الجوزي وغيره وكان والده شهاب الدين شيخ وقته في الطريقة وتربية المريدين.وتوفي ابو جعفر في عاشر جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين وست مائة.
ابن الزقزوق محمد بن عمر بن محمد بن علي زين الدين الأنصاري المصري الصوفي الأديب المعروف بابن الزقزوق.
صفحة : 544
مولده سنة سبع وثمانين وخمس مائة وتوفي سنة سبعين وست مائة.ومن نظمه ما رواه الدمياطي في معجمه نقلته من خط الجزري المؤرخ:
مر فقلنا من فتون بـه لله هذا من فتى نـابـه
فقال بعض القوم لما رنا للبعض يا قوم فتنا بـه وقوله في مليح يرمي:
وساهم في فؤادي بدر تـم فحاز فؤاد عاشقه بسهمـه
وناضل من كنانته فأصمى بسهم جفونه من قبل سهمه خطيب كفربطنا محمد بن عمر بن عبد الملك الخطيب جمال الدين أبو البركات الدينوري الصوفي الشافعي خطيب كفربطنا.
ولد سنة ثلاث عشرة وست مائة بالدينور وقدم مع والده وسكن سفح قاسيون ونسخ الأجزاء وروى وكان له أصحاب يعتقدون فيه وروى عنه البرزالي وابن الخباز وابن العطار.توفي سنة ست وثمانين وست مائة.
الشريف الداعي المقرئ محمد بن عمر بن أبي القاسم الشريف أبو عبد الله الداعي الرشيدي الهاشمي المقرئ شيخ القراء بالعراق ومسند الآفاق كان أحد من عني بهذا الشأن.
قرأ العربية على أبي بكر ابن الباقلاني وأبي يعقوب المبارك بن المبارك الحداد وعمر دهرا وجلس للإقراء ببغداد،وقرأ عليه القراآت الموفق عبد الله بن مظفر بن علان البعقوبي وأجاز لابن خروف بخط شديد الاضطراب،وروى عنه إذنا برهان الدين الجعبري شيخ الحرم ببلد الخليل عليه السلام.
وتوفي سنة خمس وستين وست مائة.
ابن شرف الدين ابن الفارض محمد بن عمر بن علي بن مرشد كمال الدين ابو حامد ابن الشيخ شرف الدين ابن الفارض.
سمع من أبيه ومن ابن رواج وأجاز له المؤيد الطوسي وابو روح وجماعة وكتب عنه المصريون والبرزالي.وتوفي سنة تسع وثمانين وست مائة.
الصاحب جمال الدين ابن العديم محمد بن عمر بن أحمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن أبي جرادة الصاحب العالم البارع جمال الدين ابو غانم ابن الصاحب كمال الدين ابن العديم العقبلي الحلبي الحنفي الكاتب.
حضر على الحافظ أبي عبد الله البرزالي وسمع من أبي رواحة وابن قميرة وابن خليل وجماعة بحلب،ورحل به والده قبل الخمسين مع الدمياطي إلى بغداد وأسمعه من شيوخها وطلع من أذكياء العلم وتأدب وشارك في الفضائل وبرع في كتابة المنسوب،وسكن حماة وحدث بها،ومشى السلطان الملك المظفر ومن دونه في جنازته وهو والد القاضي نجم الدين عمر ودفن بتربته بعقبة نقيرين سنة خمس وتسعين وست مائة.
ابن العقادة الحنفي محمد بن عمر بن حافظ بن خليفة بن حفاظ أبو عبد الله ابن أبي الخطاب السعدي الحموي الحنفي المعروف بابن العقادة.
درس بمدرسة طمان بحلب وتوفي سنة اثنتين وأربعين وست مائة.قال الصاحب كمال الدين ابن العديم:كتب إلي يعتذر من انقطاعه عني من أبيات:
عندي مريضق قد تمادى ضعفه متضاعفا وتورمت أقـدامـه
طال القيام به فيا عجبا لـمـن ورمت قوائمه وطال قـيامـه
غصن ذوي غض الشباب كأنما مر النسيم به فمـال قـوامـه
فلأجل ذلك ما انقطعت وقد بدا عذري وأمري في يديك زمامه ووالده الإمام المشهور توفي بحماة سنة عشر وست مائة.ونظم مختصر القذوري أرجوزة في مجلدة.
الشيخ صدر الدين محمد بن عمر بن مكي بن عبد الصمد الشيخ الإمام العالم العلامة ذو الفنون البارع ابن المرحل ويعرف في الشام بابن وكيل بيت المال المصري الأصل العثماني الشافعي أحد الأعلام وفريد أعاجيب الزمان في الذكاء والحافظة والذاكرة.
كم مقفل ضل فيه العقل فانفرجت أرجاؤه لحجاه عـن مـعـانـيه
يفتي فيروى غليل الدين من حصر أدناه نقلاص وقد شطت مراميه
ومؤنق قد سقاه غيث فطـنـتـه مزنا أيادي رياح الفكر تـمـريه ولد في شوال سنة خمس وستين بدمياط وتوفي بالقاهرة ودفن عند الشافعي سنة ست عشرة وسبع مائة.
رثاه جماعة في الشام ومصر وحصل التأسف عليه،وقال الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية لما بلغته وفاته:أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين.أنشدني من لفظه لنفسه القاضي شمس الدين محمد بن داود ابن الحافظ ناظر جيش صفد:
ما مات صدر الدين لكنه لما عدا جوهرة فاخره
صفحة : 545
لم تعرف الدنيا له قـيمة فعجل السير إلى الآخره وهو مأخوذ من قول القائل:
قد كان صاحب هذا القبر جوهـرة غراء قد صاغها الباري من النطف
عزت فلم تعرف الأيام قيمـتـهـا فردها غيرة منه إلـى الـصـدف نشأ بدمشق وتفقه بوالده وبالشيخ شرف الدين المقدسي وأخذ الأصول عن صفي الدين الهندي وسمع من القاسم الإربلي والمسلم بن علان وجماعة،وكان له عدة محفوظات قيل أنه حفظ المفصل في مائة يوم ويوم والمقامات الحريرية في خمسين يوما وديوان المتنبي على ما قيل في جمعة واحدة.،وكان من أذكياء زمانه فصيحا مناظرا لم يكن أحد من الشافعية يقوم بمناظرة الشيخ تقي الدين ابن تيمية غيره،ناظره يوما في الكلاسة فاضطر الكلام الشيخ تقي الدين إلى أحد الحاضرين وقال له:هذا الذي أقوله ما هو الصواب?فأنشده صدر الدين:
إن انتصارك بالأجفان من عجـب وهل رأى الناس منصورا بمنكسر وجرت بينهما مناظرات عديدة في غير موضع.
وتخرج به الأصحاب والطلبة وكان بارعا في العقليات وأما الفقه وأصول الفقه فكانا قد بقيا له طباعاص لا يتكلفهما،أفتى ودرس وبعد صيته،ولي مشيخة دار الحديث الأشرفية سبع سنين وجرت له أمور وتنقلات وكان مع اشتغاله يتنزه ويعاشر ونادم الأفرم نائب دمشق ثم توجه إلى مصر وقام بها إلى أن عاد السلطان من الكرك في سنة تسع وسبع مائة،فجاء بعدما خلص من واقعة الجاشنكير-فإنه نسب إليه منها أشياء وعزم الصاحب فخر الدين ابن الخليلي على القبض عليه تقربا إلى خاطر السلطان وهو بالرمل فعفا عنه السلطان-وجاء إلى دمشق.
فعمل عليه زمان قراسنقر وتوجه إلى حلب وأقرأ بها ودرس وأقبل عليه الحلبيون إقبالا زائدا وعاشرهم وخالطهم،قال:وصلني من مكارمات الحلبيين في مدة عشر أشهر فوق الأربعين ألف درهم،وأقبل عليه نائبها أسندمر.
وكان محفوظا لم يقع بينه وبين أحد من الكبار إلا وعاد من أحب الناس فيه،وكان حسن الشكل تام الخلق حسن البزة حلو المجالسة طيب المفاكهة وعنده كرم مفرط كل ما يحصل له ينفقه على خلطائه وخلصائه بنفس متسعة ملوكية وكان يتردد إلى الصلحاء ويلتمس دعاءهم ويطلب بركتهم.
أخبرني من لفظه الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن العسجدي الشافعي قال:كنت معه وكانت ليلة عيد فوقف له فقير وقال:شيء لله،فالتفت إلي وقال:ايش معك?فقلت:مائتا درهم،فقال:ادفعها إلى هذا الفقير،فقلت له:يا سيدي الليلة العيد وما معنا نفقة غد،فقال:امض إلى القاضي كريم الدين الكبير وقل له:الشيخ يهنيك بهذا العيد،فلما رآني كريم الدين قال:كأن الشيخ يعوز نفقة في هذا العيد،ودفع إلي ألفي درهم للشيخ وثلاث مائة درهم لي،فلما حضرت إلى الشيخ وعرفته ذلك قال:صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسنة بعشرة مائتان بألفين.وحكى لي عند غير واحد ممن كان يختص به مكارم كثيرة ولطفا زائدا وحسن عشرة،وأما أوائل عشرته فما كان لها نظير لكنه ربما يحصل عنده ملل في آخر الحال حتى قال فيه القائل:
وداد ابن الوكيل له شبيه بلبادين جلق في المسالك
فأوله حلـي ثـم طـيب وآخره زجاج مع لوالك وشعره الجيد منه مليح إلى الغاية وربما يقع فيه اللحن الخفي وكان ينظم الشعر والمخمس والدوبيت والموشح والزجل وغير ذلك من أنواع النظم ويأتي فيه على اختلاف الأنواع بالمحاسن.
ومن تصانيفه ما جمعه في سفينة سماه الأشباه والنظائر في الفقه يقال أنه شيء غريب،وعمل مجلدة في السؤال الذي حضر من عند أسندمر نائب طرابلس في الفرق بين الملك والنبي والشهيد والولي والعالم.
ولما كان بحلب حضر الأمير سيف الدين أرغون الدوادار نائب السلطان أظنه متوجهاص إلى مهنا بن عيسى فاجتمع به هناك وقدم له ربعة عظيمة كان قد وهبها له أسندمر نائب حلب فقال:هذه ما تصلح إلا لمولانا السلطان،ووعده بطلبه إلى الديار المصرية ووفى له بوعده وطلب إلى مصر ولم يزل بها في وجاهة وحرمة إلى أن توفي رحمه الله.وجهزه السلطان رسولا إلى مهنا مع الأمير علاء الدين الطنبغا الحاجب فقال الشيخ:إنه حصل لي تلك السفرة ثلاثون ألف درهم.
ومن شعره قصيدة بائية أولها:
صفحة : 546
ليذهبوا في ملامـي أية ذهـبـوا في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب
لا تأسفن علـى مـال تـمـزقـه أيدي سقاة الطلا والخرد العـرب
فما كسوا راحتي من راحها حلـلا إلا وعروا فؤادي الهم واستلـبـوا
راح بها راحتي في راحتي حصلت فتم عجبي بها وازداد لي العجـب
أن ينبع الدر من حلـو مـذاقـتـه والتبر منسبك في الكأس منسكـب
وليست الكيميا في غيرها وجـدت وكل ما قيل في أبوابـهـا كـذب
قيراط خمر على القنطار من حزن يعيد ذلك أفـراحـا وينـقـلـب
عناصر أربع في الكأس قد جمعت وفوقها الفلك السيار والـشـهـب
ماء ونار هـواء أرضـهـا قـدح وطوفها فلك والأنجم الـحـبـب
ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب
شججت بالماء منها الرأس موضحة فحين أعقلها بالخمس لا عـجـب قلت:لو لم يقل الشيخ صدر الدين من الشعر إلا هذا البيت لكان قد أتى بشيء غريب نهاية في البديع لقد غاص فيه على المعنى ودق تخيله فيه
وما تركت بها الخمس التي وجبـت وإن رأوا تركها من بعض ما يجب
وإن أقطب وجهي حين تبسـم لـي فعند بسط الموالي يحـفـظ الأدب هذا البيت أيضا بديع المعنى دقيقه وقد اعتذر عن تقطيبه بأحسن عذر وأوضحه عما أشار إليه الشعراء في ذلك وقبحوا فعله مثل قول ابن أبي الحداد:
بالـراح رح فـهـي الـمــنـــى وعـلـى جـمـاع الـكـأس كـس
لا تلقها إلا ببشرك فالقطوب من الدنس
ما أنصف الصهباء من ضحـكـت إلـيه وقـد عـبـــس
وإذا سـكـرت فــغـــن لـــي ذهـب الـرقـاد فـمــا يحـــس وما أحسن قول ابن رشيق القيرواني:
أحب أخي وإن أعرضت عنه وقل على مسامعه كلامـي
ولي في وجهه تقطيب راض كما قطبت في وجه المـدام وتتمة أبيات صدر الدين:
عاطيتها من بنات الترك عاطـية لحاظها للأسود الغلب قد غلبـوا
هيفاء جارية لـلـراح سـاقـية من فوق ساقية تجري وتنسكـب
من وجهها وتثنيها وقـامـتـهـا تخشى الأهلة والقضبان والكتـب
يا قلب أردافها مهما مررت بهـا قف لي عليها وقل:لي هذه الكثب
وإن مررت بشعر فوق قامتـهـا بالله قل لي:كيف البان والعـذب
تريك وجنتها ما في زجاجتـهـا لكن مذاقته للريق تـنـتـسـب
تحكي الثنايا الذي أبدته من حبـب لقد حكيت ولكن فاتك الشـنـب في هذه الأبيات تضمين إعجاز أبيات من قصيدة ابن الخيمي الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى.
وقال أيضا:
سرى وستور الهم بالكأس تهتـك وساكن وجدي بالغنـاء يحـرك
فعاطيته كأسا فحيى بفضـلـهـا ومازج ذاك الفضل ريق ممسك
أرقت دم الراووق حلا لأنـنـي رأيت صليبا فوقه فهو مشـرك
وسالت دموع العين منه وكلـمـا بكى بالدما مما جرى منه أضحك
وزوجت بنت الكرم بابن غمـامة فصح على التعليق والشرط أملك وهذه القصيدة والتي قبلها حذفت منهما جملة لأن هذا خلاصة ما فيهما.وقال:
وعارض قد لام في عارض وطاعن يطعن في سـنـه
وقال لي:قد طلعت ذقـنـه فقلت:لا أفكر في ذقـنـه وقال وهو في غاية الحسن:
شب وجدي بشائب من سنا البدر أوجه
كلما شاب ينحنـي بيض الله وجهـه وقال:
ولما جلا فصل الربيع محاسـنـا وصفق ماء النهر إذ غرد القمري
أتاه النسيم الرطب رقص دوحـه فنقط وجه الماء بالذهب المصري وقال:
عيرتني بالسقم طرفك مشبـهـي وكذاك خصرك مثل جسمي ناحلا
وأراك تشمت إذ أتـيتـك سـائلا لا بد أن يأتـي عـذارك سـائلا وقال في مليح به يرقان:
صفحة : 547
رأيت في طرفه اصفرارا سبا فؤادي فقلت مهـلا
أيا مليك الأنام حـسـنـا العفو من سيفك المحلـى قلت:وهذا مثل قول الوداعي:
قال قوم:قـد شـانـه يرقـان قلت:أخطأتم وحاشـى وكـلا
إنما الخد واللـواحـظ مـنـه مصحف مذهب وسيف محلى وقال:
أقصى مناي أن أمر على الحمى ويلوح نور رياضـه فـيفـوح
حتى أري سحب الحمى كيف البكا وأعلم الورقـاء كـيف تـنـوح وقال أيضا:
بعيشك خل عاذلتي تلـمـنـي ومنها في ملامتهـا ومـنـي
فإن نجحت فلا نجحت طريقي وأدركت المنية لا التـمـنـي
وإن خابت فلا خابت طريقـي وإن كان الهوى ثانيه عـنـي
فيا غصن النقا ويحـل قـدرا قوامك أن أشبهه بـغـصـن
لحاظك بالمها فتكـت عـنـادا ولا تسأل عن الظبي الأغـن
وعطفك قد كسا الأغصان وجدا فمالت بالهوى لا بالتـثـنـي
ورقت روقها فبكت علـيهـا وفي الأفنان أبدت كـل فـن
وقد طارحتها شجنـا فـلـمـا بكيت صبابة أخذت تـغـنـي وقال أيضا:
يا ليلة فيها الأمان والمـنـى وكل ما أطـلـبـه تـهـيا
لا تقصري فالصبح قد شربته مدامة عنقودهـا الـثـريا وقال أيضا:
تلك المعاطف أم غصون الـبـان لعبت ذؤابتها على الـكـثـبـان
وتضرجت تلك الخدود فـوردهـا قد شق قلب شقائق النـعـمـان
ما يفعل الموت المبرح في الورى ما تفعل الأحداق فـي الأبـدان
أخليل قلبي وهو يوسف عصـره قلبي الكليم رميت في الـنـيران
قطعته مذ كان قـلـبـا طـائرا ودعوته فـأتـى بـغـير تـوان
يا نور عينـي لا أراك وهـكـذا إنسان عينـي لا يراه عـيانـي وقال أيضا:
أخفيت حبك عن جميع جوانحي فوشت عيوني والوشاة عـيون
ووددت أن جوانحي وجوارحي مقل تراك وما لهن جـفـون
ووددت دمع الخافقينا لمقلتـي حتى عزيز الدمع فيك يهـون
يا ليت قيسا في زمان صبابتي حتى أريه العشق كيف يكون وقال أيضا:
يا وجنة هي جنة قـد زخـرفـت وردا ومن آس العذار تحصـرت
عين بنور جمال وجهك متـعـت وسوى جمالك أبصرت لا أبصرت وقال في مليح يلقب بالحامض:
وبديع الجمال معتدل الـقـا مة كالغصن والقنا الأملـود
لقبوه بحامض وهـو حـلـو قول من لم يصل إلى العنقود وقال أيضا:
راح بها الأعمى يرى مع العمى وهاك برهانا على هذي المدح
الخمر للأقـداح قـلـب دائمـا والحدق انظرها تجد قلب القدح وقال أيضا:
قال لي من أحب والبدر يبـدو من خلال السحاب ثم يغيب:
ما حكى البدر?قلت:وجهك لما يختفي عندما يلوح الرقـيب وقال أيضا:
كأنما البرق خلال السمـا من فوق غيم ليس بالكابي
طراز تبر في قبـا أزرق من تحته فروة سنجـاب وقال أيضا:
يا غاية منيتي ويا مـعـشـوقـي من بعدك لم أمل إلى مخـلـوق
يا خير نديم كان لـي يؤنـسـنـي من بعدك قد صلبت على الراووق وقال أيضا:
في خدك خط مشرف الصدغ ستور والشاهد ناظر على الفـتـك يدور
يا عارضه بالشرع لا تـقـتـلـي الشاهد فاتـك وذا خـطـك زور وقال أيضا:
تعطف على مهجة ظامـيه وتقذفها عـبـرة هـامـيه
فقد طال سقمي فقل لي متى تجيء إلى عبدك العـافـيه
وأرخصت دمعي يوم النوى لأجل سوالفك الـغـالـيه
فصبرا على ما قضى لم أقل فيا ليتها كانت القـاضـيه
ونحن عبـيدك ذبـنـا أسـا فرفقا على رقة الحاشـيه
فقال بعيني أقـيك الـردى فقلت على عينك الـواقـيه
صفحة : 548
فشنف سمعي بهذا الحديث فما ذكرت قرطها ماريه
فيا عاذلي لو دعاك الهوى لقد كنت تسمع يا ساريه وقال أيضا:
من دمي أنت كنت في أوسع الحل ومني خذي ثواب الشهاده
واحمليني على الترائب مهلا واحـسـبـي أنــنـــي خـــييط الـــقـــلاده وقال أيضا:
تغنت في ذرى الأوراق ورق ففي الأفنان من طرب فنون
وكم بسمت ثغور الزهر عجبا وبالأكمام كم رقصت غصون وقال أيضا رحمه الله تعالى:
وبي من قسا قلبا ولان معاطفا إذا قلت أدناني يضاعف تبعيدي
أقر بـرق إذ أقـول أنـا لـه وكم قلها أيضا ولكن لتهـديدي قلت:من العجيب أن الباخرزي ذكر في الدمية ترجمة الفقيه أبي نصر عبد الوهاب المالكي أورد فيها قول الشيخ أبي عامر الجرجاني:
عذيري من شادن أغضبوه فجرد لي مرهفا باتـكـا
وقال أنا لك يا ابن الوكـيل وهل لي رجاء سوى ذالكا أيها الواقف أنعم النظر في ما أوردته وتعجب من هذا الاتفاق وكون صدر الدين ابن الوكيل أخذ هذا المعنى الذي له في البيتين الأولين من قول الجرجاني،والجرجاني أتى بالقول بالموجب في بيتيه خفيا لأنه قال غضب وجر المرهف وقال أنا ابن الوكيل وهذا بقرينة تجريد المرهف لفظ تهديد فقلبه الجرجاني وقال بموجبه ونقله إلى التمليك،فأتى به الشيخ صدر الدين واضحا جليا صريحا ظاهرا،ومحل التعجب قوله أنا لم يا ابن الوكيل كأن هذا المعنى قال أنا لك يا ابن الوكيل تنظمني فيجيء أحسن وأبين وتكون أنت أحق بي من الجرجاني،وهذا اتفاق عجيب إلى الغاية ما مر بي مثله والظاهر أن الشيخ صدر الدين لما وقف على هذا المعنى تنبه له وأخذه فكان له وهو به أحق وهذا المعنى قد ابتكره الجرجاني أبو عامر وترك فيه فضلة فجاء الشيخ صدر الدين رحمه الله تعالى وجوده ولم يبق لأحد بعده مطمح إلى زيادة ولا مطمع في إفادة وما بقي إلا اختصار ألفاظه فقط فقلت:
قال حبي أنا لـه ولكم قلت سرمدا
أنا للملك قلتـهـا وهو للغيظ هددا وقال الشيخ صدر الدين:
غازل وخذ من نرجس من لحظه منثور دمع كـلـهـن نـظـام
واحذر إذا بعث السلام إليك مـن نبت الـعـذار فـإنـه نـمـام وقال أيضا دوبيت:
كم قال معاطفي حكتها الأسل والبيض سرقن ما حوته المقل
الآن أوامري عليهم حكـمـت البيض تحد والقنا تعـتـقـل وقال أيضا:
عانقت وبالعناق يشفـى الـوجـد حتى شفي الصب ومات الصـد
من أخمصه لثما إلى وجـنـتـه حتى اشتكت القضب وضج الورد وقال:
بكف الثريا وهي جذما تقـاس لـي شقاق دجى مدت من الشرق للغرب
ولو ذرعوها بالذراع لما انقـضـت فما تنقضي يا ليل أو ينقضي نحبي وأنا شديد التعجب منه رحمه الله تعالى فإنه لم يكن عاجزا عن النظم الجيد وبعد هذا كان يأخذ أشياء من قصائد ومقاطيع ويدعيها،من ذلك أنه امتدح السلطان بقصيدة عندما فرغ القصر الأبلق من العمارة بقلعة الجبل وهي بمجموعها لابن التعاويذي أولها:
لولاك يا خير من يمشي على قدم خاب الرجاء وماتت سنة الكرم منها:
بنيت دارا قضى بالسعد طالعها قامت لهيبتها الدنيا على قـدم فغيره وقال:بنيت قصرا.وكان ينظم الشاهد شعرا على الفور إذا احتاج إليه وينشده تأييدا لما قاله وادعاه،من ذلك ما أخبرني به قاضي القضاة العلامة تقي الدين أبو الحسن السبكي عمن أخبره قال:ادعى يوما في الطائفة المنسوبة إلى ابن كرام أنهم الكرامية بتخفيف الراء فقال الحاضرون:المعروف فيهم تشديد الراء،فقال:لا التخفيف والدليل عليه قول الشاعر:
الفقه فقه أبي حنيفة وحده والدين دين محمد بن كرام
صفحة : 549
انتهى. قلت:وهذا في البديهة مخرع لا يتفق ذلك لأحد غيره من حسن هذا النظم وإبرازه في هذا القالب،هكذا شاعت هذه الواقعة عن الشيخ صدر الدين في الديار المصرية وكنا نعتقد صحتها دهرا حتى ظفرنا بالبيت المذكور وهو من جملة بيتين من شعر المتقدمين والأول منهما:
إن الذين لجهلهـم لا يقـتـدوا في الدين بابن كرام غير كرام وكان الظفر بهذين البيتين في سنة أربع وأربعين وسبع مائة.
وجمع موشحاته وسمى الكتاب طراز الدار وهذا في غاية الحسن لأنه أخذ اسم كتاب ابن سناء الملك وهو دار الطراز فقلبه وقال طراز الدار لأن طراز الدار أحسن ما فيها،وكان الأدب قد امتزج بلحمه ودمه.
حكى لي قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي السبكي الشافعي قال:دخلت عليه في مرضه الذي توفي فيه فقلت:كيف تجدك?أو كيف حالك?فأنشدني:
ورجعت لا أدري الطريق من البكا رجعت عداك المبغضون كمرجعي فكان ذلك آخر عهدي به.أخبرني القاضي شهاب الدين ابن فضل الله قال:وكان عارفا بالطب والأدوية علما لا علاجا،فاتفق أن شكا إليه الأفرم سوء هضم فركب له سفوفا وأحضره،فلما استعمل منه أفرط به الإسهال جدا فأمسكه مماليك الأفرم ليقتلوه،وأحضر امين الدين سليمان الحكيم لمعالجة الأفرم فعالجه باستفراغ بقية المواد التي اندفعت وأعطاه أمراق الفراريج ثم أعطاه الممسكات حتى صلح حاله،فلما صلحت حاله سأل الأفرم عن الشيخ صدر الدين فأخبره المماليك ما فعلوه به فأنكر ذلك عليهم ثم أحضره وقال له:يا صدر الدين جئت تروحني غلطا،وهو يضحك فقال له سليمان الحكيم:يا صدر الدين اشتغل بفقهك ودع الطب فغلط المفتي يستدرك وغلط الطبيب ما يستدرك،فقال له الأفرم:صدق لك لا تخاطر،ثم قال لمماليكه:مثل صدر الدين ما يتهم والله الذي جرى عليه منكم أصعب مما جرى علي وما أراد والله إلا الخير،فقبل يده وبعث إليه الأفرم لما انصرف جملة من الدراهم والقماش.
وأخبرني أيضا أن الشيخ تقي الدين ابن تيمية كان يقول عنه:ابن الوكيل ما كان يرضى لنفسه بأن يكون في شيء إلا غاية،ثم يعدد أنواعا من الخير والشر فيقول:في كذا كان غاية وفي كذا كان غاية..قال: ولما أنكر البكري استعارة البسط والقناديل من الجامع العمري بمصر لبعض كنائس القبط في يوم من أيام مهماتهم ونسبت هذه الفعلة إلى كريم الدين وفعل ما فعل ثم طلع إلى حضرة السلطان وكلمه في هذا وأغلظ في القول له وكاد يجوز ذلك على السلطان لو لم يحل بعض القضاة الحاضرين على البكري وقال:ما قصر الشيخ كالمستزري به والمستهزئ بنكيره،فحينئذ أغلظ السلطان في القول للبكري فخارت قواه وضعف ووهن فازداد تأليب بعض الحاضرين عليه فأمر السلطان بقطع لسانه،فأتى الخبر إلى الشيخ صدر الدين وهو في زاوية السعودي فطلع إلى القلعة على حمار فاره اكتراه قصدا للسرعة فرأى البكري وقد أخذ ليمضي فيه ما أمر به فلم يملك دموعه أن تساقطت وفاضت على خده وبلت لحيته فاستمهل الشرطة عليه ثم أنه صعد الإيوان والسلطان جالس به وتقدم إلى السلطان بغير استئذان وهو باك فقال له السلطان:خير يا صدر الدين،فزاد بكاؤه ونحيبه ولم يقدر على مجاوبة السلطان فلم يزل السلطان يرفق به ويقول له:خير ما بك،إلى أن قدر على الكلام فقال له:هذا البكري من العلماء الصلحاء وما أنكر إلا في موضع الإنكار ولكنه لم يحسن التلطف،فقال له السلطان:إي والله أنا أعرف هذا ما هذا إلا حطبة،ثم انفتح الكلام ولم يزل الشيخ صدر الدين يرفق السلطان ويلاطفه حتى قال له:خذه وروح،فأخذه وانصرف،هذا كله والقضاة حضور وأمراء الدولة ملء الإيوان ما فيهم من ساعده وملا أعانه إلا أمير واحد شذ عني اسمه.
وحدث عنه من كان يصحبه في خلواته أنه كان إذا فرغ مما هو فيه قام فتوضأ ومرغ وجهه على التراب وبكى حتى يبل ذقنه بالدموع ويستغفر الله ويسأله التوبة حتى قال بعضهم:لقد رأيته وقد قام من سجوده ولصق بجدار الدار كأنه اسطوانة ملصقة.
وللشيخ صدر الدين ابن الوكيل رحمه الله تعالى ديوان موشحات منها قوله يعارض السراج المحار: ما أخجل قده غصون البان بين الورق إلا سلب المها مع الغزلان حسن الحدق قاسوا غلطا من حاز حسن البشر بالبدر يلوح في دياجي الشعر لا كيد ولا كرامة للقمر
صفحة : 550
الحب جماله مدى الأزمان معناه بقي وازداد سنا وخص بالنقصان بدر الأفق الصحة والسقام في مقلته والجنة والجحيم في وجنته من شاهده يقول من دهشته هذا وأبيك فر من رضوان تحت الغسق للأرض يعيذه من الشيطان رب الفلق قد أنبته الله نباتا حسنا وازداد على المدى سناء وسنا من جاد له بروحه ما غبنا قد زين حسنه مع الإحسان حسن الخلق لو رمت لحسنه شبيها ثان لم يتفق في نرجس لحظه وزهر الثغر روض نضر قطافه بالنظر قد دبج خده بنبت الشعر فالورد حواه ناعم الريحان بالظل سقي والقد يميل ميلة الأغصان للمعتنق أحيى وأموت في هواه كمدا من مات جوى في حبه قد سعدا يا عاذل لا أترك وجدي أبدا لا تعذلني فكلما تلحاني زادت حرقي يستأهل من يهم بالسلوان ضرب العنق القد وطرفه قناة وحسام والحاجب واللحاظ قوس وسهام والثغر مع الرضاب كأس ومدام والدر منظم مع المرجان في فيه نقي قد رصع فوقه عقيق قان نظم النسق وأما الموشحة التي للسراج المحار فهي: مذ شمت سنا البروق من نعمان باتت حدقي تذكي بمسيل دمعها الهتان نار الحرق ما أومض بارق الحمى أو خفقا إلا وأجد لي الأسى والحرقا هذا سبب لمحنتي قد خلقا أمسي لوميضه بقلب عان بادي القلق لا أعلم في الظلام ما يغشاني غير الأرق أضنى جسدي فراق إلف نزحا أفنى جلدي ودمع عيني نزحا كم صحت وزند لوعتي قد قدحا لم تبد يد السقام من جثماني غير الرمق ما أصنع والسلو مني فان والوجد بقي أهوى قمرا حلو مذاق القبل لم يكحل طرفه بغير الكحل تركي اللحظات بابلي المقل زاهي الوجنات زائد الإحسان حلو الخلق عذب الرشفات ساحر الأجفان ساجي الحدق ما حط لثامه وأرخى شعره أو هز معاطفا رشاقا نضره إلا ويقول كل راء نظره هذا قمر بدا بلا نقصان تحت الغسق أو شمس ضحى في غصن فينان غض الورق ما أبدع معنى لاح في صورته أيناع عذاره على وجنته لما سقي الحياة من ريقته فاعجب لنبات خده الريحان من حيث سقي يضحي ويبيت وهو في النيران لم يحترق والمحار عارض بهذا قول أحمد بن حسن الموصلي وهو: مذ غردت الورق على الأغصان بين الورق أجرت دمعي وفي فؤادي العاني أذكت حرقي لما برزت في الدوح تشدو وتنوح أضحى دمعي بساحة السفح سفوح والفكر نديمي في غبوق وصبوح قد هيجت الذي به أضناني منه قلقي والقلب له من بعد صبري الفاني والوجد بقي ما لاح بريق رامة أو لمعا إلا وسحاب عبرتي قد همعا والجسم على المزمع هجري زمعا بالنازح والنازح عن أوطاني ضاقت طرقي ما أصنع قد حملت من أحزاني ما لم أطق قلبي لهوى ساكنه قد خفقا والوجد حبيس واصطباري طلقا والصامت من سري بدمعي نطقا في عشق منعم من الولدان أصبحت شقي من جفوته ولم يزر أجفاني غير الأرق فالورد مع الشقيق من خديه قد صانهما النرجس من عينيه والآس هو السياج من صدغيه واللفظ وريق الأغيد الروحاني عند الحذق حلوان على غصن من المران غض رشق الصاد من المقلة من حققه والنون من الحاجب من عرقه واللام من العارض من علقه قد سطره بالقلم الريحاني رب الفلق بالمسك على الكافور كالعنوان فوق الورق الملحة لمع الصلت بالإيضاح والغرة بالتبيان كالمصباح والمنطق نثر الدر بالإصلاح والثغر هو الصحاح كالعقيان كالعقد نقي والرد مع الخلاف للسلوان عنه خلقي ما أبدع وضع الخال في وجنته خط الشكل الرفيع من نقطته قد حير إقليدس في هيئته كالعنبر في نار الأسيل القاني للمنتشق فاعجب لعبير وهو في النيران لم يحترق وقلت أنا معارضا لذلك وزدته توشيح الحشوات: ما هز قضيب قده الريان للمعتنق إلا استترت معاطف الأغصان تحت الورق أفدي قمرا لم يبق عندي رمقا لما رمقا قد زاد صبابتي به والحرقا شوقا وشقا لو فوق سهم جفنه أو رشقا في يوم لقا أبطال وغى تميس في غدران نسج الخلق أبصرتهم في معرك الفرسان صرعى الحدق بدر منعته قسوة الأتراك رحمى الشاكي من ناظره حبائل الشراك والإشراك كم ضل بها قلبي من النساك والفتاك قاني الوجنات ينتمي للقان صعب الخلق إن قلت أموت في الهوى ناداني هذا يسقي كم جاء جبينه الدجا واقترضا صبحا فأضا كم جرد جفنه حساما ونضا والصب قضى كم أودع ريقه فؤادا مرضا من جمر غضا
صفحة : 551
فاعجب لرضابه شفا الظمآن يذكي حرقي والخد به الخال على النيران لم يحترق يا خجلة خد الورد في جنته من وجنته يا كسرة غصن البان في حضرته من خطرته يا حسرة بدر الأفق من غرته في طرته لا تعتقد الأقمار بالبهتان وسط الأفق أن تشبهه فليس في الإمكان ما لم تطق ما أسعد من أصابه بالحور سهم النظر ما أنعم من يصليه نار الفكر طول العمر أو قيده الحب بقيد الشعر عند السحر أو طوقه بذلك الثعبان فوق العنق أو بات بقفل صدغه الريحاني تحت الغلق ابن قوام محمد بن عمر بن أبي بكر بن قوام الشيخ الزاهد العالم القدوة البالسي.
روى للجماعة عن أصحاب ابن طبرزذ وكان يحب الحديث ويسمع أولاده،وفيه تواضع ومروءة وعليه سكينة وهيبة وفيه صدق وإخلاص وتمسك بالسنن وله قبول عظيم ومحبة في القلوب،عرض الدولة عليه راتبا على زاويته فامتنع ووقف عليها بعض التجار بعض قرية،وجمع سيرة لجده،وكان له حظ من تعبد وتجهد وكرم وانقطاع عن الناس،قل أن ترى العيون مثله.
توفي سنة ثمان عشرة وسبع مائة ودفن بزاويته بسفح قاسيون وله ثمان وثمانون سنة.
البانياسي محمد بن عمر بن أبي بكر البانياسي.
شاب ذكي متيقظ، قرأ القرآات وبرع فيها وقرأ الفقه والعربية وله شعر أفاد في القرآات. ومات صغيرا ولم تطلع له لحية ولا بلغ العشرين ووفاته سنة تسع وتسعين وست مائة ومن شعره .
ابن رشيد السبتي محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن إدريس بن سعيد بن مسعود بن حسن بن عمر بن محمد بن رشيد أبو عبد الله الفهري السبتي.
أخذ العربية عنابن أبي الربيع ونظرائه واحتفل في صغره بالأدبيات وبرع فيها وروى البخاري عن عبد العزيز الغافقي قراءة من لفظه.
وارتحل إلى فاس واشتغل بالمذهب ورجع إلى سبته وتصدر لإقراء الفقه خاصة وتأدب مع أشياخه أن يقرئ غيره،ثم ارتحل إلى تونس واشتغل بالأصلين على ابن زيتون،ثم رحل إلى الإسكندرية وحج سنة خمس وثمانين وجاور بمكة والمدينة ونزل مصر.
وله مصنفات كثيرة منها الرحلة الشرقية أربع مجلدات وفهرست مشايخه والمقدمة المعرفة في علو المسافة والصفة والصراط السوي في اتصال سماع جامع الترمذي وإفادة النصيح في مشهور رواة الصحيح وجزء فيه مسأله العنعنة والمحاكمة بين الإمامين وإيضاح المذاهب في تعيين من ينطلق عليه اسم الصاحب وجزء فيه حكم رؤية هلال شوال ورمضان وتلخيص كتاب القوانين في النحو وشرح جزء التجنيس لحلزم بن حازم الإشبيلي وحكم الاستعارة وغير ذلك من الخطب والقصائد النبوية والمقطعات البديعة.
وكان ارتحاله إلى سبته في حدود سنة ست وثمانين وتوفي سنة إحدى وعشرين وسبع مائة.
أخبرني العلامة أثير الدين أبو حيان من لفظه قال:قدم المذكور علينا بالقاهرة حاجا وسمع معنا الحديث وعني به وكان قد بحث سيبويه على الأستاذ أبي الحسين ابن أبي الربيع.،ولما توجه إلى الحج صحبة أبي عبد الله ابن الحكيم اتفق أن السلطان أبا عبد الله ابن السلطان أبي عبد الله بن الأحمر استوزر ابن الحكيم،فولى ابن رشيد الإمامة والخطبة بجامع غرناطة،ولما قتل الوزير أخرج أهل غرناطة ابن رشيد إلى العدوة فأحسن إليه العدوة ابو سعيد عثمان بن السلطان أبي يوسف يعقوب بن عبد الحق وبقي في إيالته إلى أن توفي ابن رشيد،وكان فاضلا سريا حسن الأخلاق،سألته أن يكتب لي من شعره وكان ممن ينظم بالعروض إذ لم يكن الوزن في طبعه فكتب لي بخطه:
يا من يفوق النجم موطنه كلفتني ما ليس أحسنـه
ولتغض عما فيه من خلل خلدت في عز تـزينـه وله أبيات كتبها على حذو نعل النبي صلى الله عليه وسلم بدار الحديث الأشرفية:
هنيئا لعيني إن رأت نعل أحـمـد فيا سعد جدي قد ظفرت بمقصدي
وقبلتها أشفي الغلـيل فـزادنـي فيا عجبا زاد الظما عند مـوردي
ولله ذاك اليوم عيدا ومـعـلـمـا بمطلعه أرخت مولـد أسـعـدي
عليه صلاة نشرها طـيب كـمـا يحب ويرضى ربنا لـمـحـمـد البدر المنبجي محمد بن عمر بن أحمد بن المثنى الشافعي الشاعر.
ولد بمنبج قبل الخمسين وسمع من ابن عبد الدائم بدمشق ومن النجيب بمصر وتخرج في الأدب بمجد الدين ابن الظهير الإربلي.وتوفي بمصر سنة ثلاث وعشرين وسبع مائة.
صفحة : 552
أنشدني العلامة أثير الدين أبو حيان إجازة قال:أنشدني المنبجي لنفسه:
ومهفهف ناديته ومحـاجـري تذري دموعا كالجمان مبـددا
يا من أراه على الملاح مؤمرا بالله قل لي هل أراك مجردا قال:وأنشدني أيضا:
وبدر دجى وافى إلـي بـوردة وما حان من ورد الربيع أوانه
فقال وقد أبديت منه تعـجـبـا: رويدك لا تعجب فعندي بيانـه
هو الورد من روض بخدي دنيته وورد خدودي كل وقت زمانـه قال:وأنشدني أيضا:
وكأن زهر اللوز صب عاشق قد هزه شوق إلى أحبـابـه
وأظنه من هول يوم فراقهـم وبعادهم قد شاب قبل شبابـه قال:وأنشدني أيضا:
ومن عجب سيف بجفنك ينـتـضـى فيفتك في العشـاق وهـو كـلـيل
وأعجب من ذا لحظ طرفك في الهوى يداوي من السـقـام وهـو عـلـيل القاضي أخوين الشافعي محمد بن عمر بن الفضل قاضي القضاة قطب الدين التبريزي الشافعي الملقب بأخوين.
ولد سنة ثمان وستين،ككان صاحب مشاركة وفنون وتؤدة ومروءة وحلم،أتقن علم المعاني والبيان ونسخ كتبا كثيرة ولم يكن من قضاة العدل.توفي ببغداد سنة ثلاثين وسبع مائة وكان قاضي بغداد.
نجم الدين وكيل بيت المال محمد بن عمر الشيخ نجم الدين ابن أبي الطيب وكيل بيت المال بدمشق.
كان قد تزوج بنت القاضي محيي الدين ابن فضل الله فحصل له لما توجه القاضي محيي الدين إلى كتابة السر بالديار المصرية كل خير وولي الوظائف لكبار مثل نظر الخزانة بقلعة دمشق ووكالة بيت المال وكان بيده نظر الرباع السلطانية وتدريس المدرسة الكروسية والمدرسة الصلاحية.
وسوف يأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة والده عمر بن أبي القاسم في حرف العين التنبيه على تسمية بيتهم ببني أبي الطيب.وأم نجم الدين هذا بنت شمس الدين ابن القاضي نجم الدين أبي بكر محمد ابن قاضي القضاة صدر الدين ابن سني الدولة وولي هو الوكالة بعد عزل ابن المجد عبد الله لما ولي قضاء القضاة بدمشق،وكان وليها بعد عزل القاضي علاء الدين ابن القلانسي لما غضب عليه الأمير سيف الدين تنكز وعزله عن وظائفه،وكان قد وليها بعد وفاة أخيه القاضي جمال الدين أحمد ابن القلانسي لما توفي عنها،وكان قد وليها بعد الشيخ كمال الدين ابن الشريشي،وكان قد وليها بعد الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني،ووليها بعد ابن الشريشي المذكور،ووليها بعد نجم الدين عمر والد نجم الدين المذكور.
وكان نجم الدين المذكور شافعي المذهب حسن الشكل تام الخلق له تودد وملقى وملق.
توفي في حمرة ظهرت بوجهه في يومين وكانت وفاته في رابع شعبان سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة.وكان حفظة لأخبار أهل عصره وتواريخهم ووقائعهم لا يدانيه أحد في ذلك واعترف له بذلك شهاب الدين ابن فضل الله.
شمس الدين ابن الرهاوي محمد بن عمر بن إلياس شمس الدين أبو العز الرهاوي ثم الدمشقي الكاتب.
سمع بمصر صحيح مسلم بفوت من ابن البرهان وسمع من النجيب وابن أبي اليسر وابن الأوحد وطائفة،ودار على الشيوخ وكتب الطباق وسمع الكتب.وتوفي رحمه الله سنة أربع وعشرين وسبع مائة.روى عنه الشيخ شمس الدين في المعجم.
ابن المشهدي محمد بن عمر بن سالم العدل الفاضل ناصر الدين المشهدي المصري.
سمع من غازي الحلاوي وخلق وعني بذلك وكتب الطباق وبرع في كتابة السجلات وحصل منها وأقام بدمشق مدة.قال الشيخ شمس الدين:وقد تكلموا في عدالته.
توفي رحمه الله تعالى كهلا سنة بضع وعشرين وسبع مائة.
ابن عمرو
ابن حزم الأنصاري محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري.
توفي سنة ثلاث وستين للهجرة وولد بنجران سنة عشر،وأبوه عامل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنية محمد أبو سليمان وقيل أبو عبد الملك،روى عنه جماعة من أهل المدينة ويروي هو عن أبيه وغيره من الصحابة.
قال:كنت أكنى أبا القاسم عند أخوالي بني ساعدة فنهوني فحولت كنيتي إلى أبي عبد الملك.وقتل يوم الحرة ومعه جماعة من أهل بيته،ويقال أنه كان أشد الناس على عثمان رضي الله عنه.
الليثي المدني ابن وقاص محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني أحد علماء الحديث.
صفحة : 553
أكثر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب وإبراهيم بن عبد الله بن حنين ومحمد بن إبراهيم التيمي وعمرو والده،قال أبو حاتم:صالح الحديث،وقال النسائي وغيره:ليس به بأس،روى له الأربعة والبخاري مقرونا.
توفي في سنة خمس وأربعين ومائة.
السويقي محمد بن عمرو البلخي السواق ويقال له السويقي.
روى عنه البخاري ومسلم وأبو زرعة الرازي وآخرون،وتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين.
ابن حنان محمد بن عمرو بن حنان الكلبي.روى عنه النسائي ووثقه الخطيب،وتوفي سنة سبع وخمسين ومائتين.
السوسي الزاهد محمد بن عمرو بن يونس أبو جعفر الثعلبي يعرف بالسوسي الزاهد.
حج سنة ثمان وخمسين ومائتين وعاد سنة تسع فدخل في الصلاة وتوفي وهو ساجد سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ مائة سنة،حدث عن أبي معوية الضرير وغيره،وروى عنه صالح بن علي الدمشقي وغيره،وكان ثقة.
ابن الموجه اللغوي محمد بن عمرو ابن الموجه الفزاري المروزي اللغوي الحافظ.توفي سنة تسعين ومائتين أو ما دونها.
ذو الشامة محمد بن عمرو بن الوليد بن عقبة بن أبي معيط ويعرف بذي الشامة ابن أبي قطيفة.
ولاه يزيد بن عبد الملك الكوفة،وهو القائل يرثي مسلمة بن عبد الملك:
ضاق صـدري فــمـــا يحـــن حـــراكـــا عي عـــن أن يجـــيئه مـــا دهـــاكــــا
كل ميت قد اضطلعت عليه الحزن ثم اغتفرت فيه الهلاكا
قبل ميت أو قبل قبر على الجا لوت لـم أسـتـطـع عـــلـــيه أتـــراكـــا
زائن للقبور فيها كما كنت تزين السلطـان والأمـلاكـا الحربي البغدادي محمد بن عمرو بن سعيد الحربي أبو جعفر البغدادي.
قال المرذباني:ضعيف الشعر كان يهاجي التمار والمسلمي وغيرهما وهو القائل في جرادة الكاتب:
أتيتك مشتاقا وجئت مسلـمـا عليك وإني باحتجابك عالـم
فأخبرني البـواب أنـك نـائم وأنت إذا استيقظت أيضا فنائم ومنهم من رواهما لإسماعيل بلبل والصحيح أنهما للحربي.توفي...
الزف المغني محمد بن عمرو مولى تميم يعرف بالزف بالزاي والفاء المشددة.
كان مغنيا ضاربا طيب المسموع صالح الصنعة مليح النادرة أسرع خلق الله أخذا للغناء وأصحه أداء له وأذكاه إذا سمع الصوت مرتين أو ثلاثا أداه حتى لا يكون بينه وبين من أخذه عنه فرقئ،وكان يتعصب على ابن جامع ويميل إلى إبراهيم الموصلي وابنه إسحاق وكانا يرفعانه على غيره ويجتلبان له الرفد والصلات من الخلفاء،وكانت فيه عربدة إذا سكر فعربد بحضرة الرشيد مرة فأمر بإخراجه ومنعه الوصول إليه وجفاه وتناساه.
ومات الزف في خلافة الرشيد أو في خلافة الأمين.الحافظ العقيلي محمد بن عمرو بن موسى بن حماد أبو جعفر العقيلي الحافظ.له مصنف جليل في الضعفاء وعداده في الحجازيين.توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.
أبو جعفر الرزاز محمد بن عمرو بن البختري بن مدرك البغدادي أبو جعفر الرزاز.
قال الخطيب:كان ثقة ثبتا.
توفي سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة.
الجماز محمد بن عمرو بن عطاء بن يسار الشاعر المعروف بالجماز البصري النديم.
له أخبار مع أبي نواس وغيره.توفي في حدود الخمسين والمائتين.مر مع رفيق له فرآهما الإمام فأقام الصلاة فقال له الجماز:اصبر أما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقي الجلب?ومن شعره لما تولى حيان بن بشر قضاء الشرقية ببغداد وولي سوار بن عبد الله العنبري قضاء الغربية في زمان يحيى بن أكثم وكلاهما كان أعور:
رأيت من الكبائر قاضيين هما أحدوثة في الخافقين الأبيات وقد مرت في ترجمة أبي العبر محمد بن أحمد وأوردها صاحب الأغاني له.
قال رجل للجماز:ولد لي البارحة ولد كأنه الدينار المنقوش،فقال له الجماز:لاعن أمه.
وصلى رجل صلاة خفيفة فقال له الجماز:لو رآك العجاج لسر بك،قال:ولم?قال:لأن صلاتك رجز.
وسمع محبوسا يقول:اللهم احفظني،فقال له:قل اللهم ضيعني،حتى تنفلت.
وأدخل يوما غلاما إلى منزله فلما خرج ادعى أنه هو الذي فعل بالجماز فبلغ ذلك الجماز فقال:حرم اللواط إلا بولي وشاهدي عدل.
صفحة : 554
وقيل له يوما:ما بقي من شهوتك للنساء?قال:القيادة عليهن.قال الجماز:قلت لرجل:قد زاد سعر الدقيق،فقال:لا أبالي أنا لا أشتري إلا الخبز.وطالب امرأته بالجماع فقالت:أنا حائض،وتحركت فضرطت فقال لها:قد حرمتنا خير حرك فاكفينا شر استك.
وقيل له:لأي شيء تقصر شعرك?فقال:الذي أجيء به أكثر مما تعطونني.وقال الجماز:حرم النبيذ على ثلاثة عشر نفسا:على من غنى الخطأ،واتكأ على اليمين،وأكثر أكل النقل،وكسر الزجاج،وسرق الريحان،وبل ما بين يديه،وطلب العشاء،وطلب البم،وحبس أول قدح،وأكثر الحديث،وامتخط في منديل الشراب،وبات في موضع لا يحتمل الميت،ولحن المغني.
وكان يأكل عند سعيد بن سالم على مائدة دون مائدته فإذا رفع من مائدة سعيد شيء وضع على المائدة التي عليها الجماز فالتفت الجماز فقال:يا عمرو هذه المائدة عصبة لتلك كما يقال وما بقي فللعصبة.
وشهى جعفر بن سليمان أصحابه فتشهى كل إنسان منهم شيئا من الطعام فقال للجماز:وأنت ما تشتهي?قال:أن يصح ما اشتهوا.
وأدخل يوما غلاما إلى المسجد فلما فرغ منه أقبل المؤذن فقام الجماز إلى المحراب وخرئ فيه فقال المؤذن:يا عدو الله فجرت بالغلام في المسجد لأنه ليس لك بيت ما حجتك إن خرئت في المحراب?قال:علمت أنه يشهد علي يوم القيامة فأحببت أن أجعله خصما لئلا تقبل شهادته علي.
ودفع إلى غسال قميصه ليغسله فضيعه ورد عليه قميصا صغيرا فقال:ليس هذا قميصي،قال:بل هو قميصك ولكنه توزي وفي كل غسلة يتقلص ويقصر،فقال له الجماز:أحب أن تعرفني في كم غسلة يصير القميص زرا.
وقال له الفتح بن خاقان:قد كلمت لك أمير المؤمنين حتى ولاك جزيرة القرود،فقال الجماز:ألست في السمع والطاعة أصلحك الله?فحصر الفتح وسكت.
وقال له بعض من حضر:إن أمير المؤمنين يريد أن يهب لك جارية،فقال:ليس مثلي من عز نفسه ولا كذب عند أمير المؤمنين إن أرادني على أن أقود عليها وإلا فما لها عندي شيء،فأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم فأخذها وانحدر فمات فرحا.
سلطان المغل محمد بن عنبرجي النوين بن...المغلي ابن النوين عنبرجي.
صبي من أبناء العشرين من أهل توريز،لما قتل القان أبو سعيد زعمت سرية أنها حبلى منه فولدت محمدا،فلما أقبل النوين الشيخ حسن وهزم جمع الملك موسى وقتل موسى عمد إلى هذا الصبي وأقامه في السلطنة وناب له هو وابن جوبان وزوجة جوبان ساطي بك وهي بنت القان خربندا وتماسك الأمر أشهرا،ثم أقبل من الروم ولدا تمرتاش وأهما إن أباهما حي معهما وجعلوه في خركاه فهرب الشيخ حسن إلى خراسان،ثم أهلك الصبي محمد هذا وماج الناس واشتد البلاء والظلم والنهب بآذربيجان وافتقر من الجور جماعة وذلك في سنة ثمان وثلاثين وسبع مائة.
ابن عوف
الحافظ الطائي محمد بن عوف الحمصي الحافظ أبو جعفر الطائي.
روى عنه أبو داود والنسائي وكان عليه اعتماد ابن جوصاء وأثنى عليه غير واحد.توفي سنة اثنتين وسبعين ومائتين.
قال أحمد بن حنبل:ما كان بالشام منذ أربعين سنة مثله.حدث عن هشام بن عمار وطبقته واتفقوا على فضله وصدقه وثقته.
المزني محمد بن عوف بن أحمد بن عبد الرحمن أبو الحسن المزني الدمشقي كان يكنى قديما بأبي بكر فلما منعت الدولة التكني بأبي بكر تكنى بأبي الحسن.قال الكناني:كان ثقة نبيلا.توفي سنة إحدى وثلاثين وأربع مائة.
نافلة القاضي عياض محمد بن عياض بن محمد بن عياض بن موسى بن عياض القاضي أبو عبد الله اليحصبي السبتي وهو نافلة القاضي عياض صاحب التصانيف.توفي سنة خمس وخمسين وست مائة.
ابن عيسى
المقرئ محمد بن عيسى بن رزين التيمي الرازي الأصبهاني المقرئ أحد الأعلام.
قرأ القرآن الكريم على نصير وخلاد بن خالد وجماعة وروى الحديث وكان رأسا في العربية،صنف في العدد والرسم وغير ذلك.
وتوفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
المقرئ محمد بن عيسى بن حبان أبو عبد الله المدائني المقرئ.قال الدارقطني:ضعيف،وقال البرقاني:لا بأس به.
توفي سنة أربع وسبعين ومائتين.
الترمذي الكبير محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي الحافظ أبو عيسى الترمذي الضرير مصنف الكتاب الجامع.
صفحة : 555
ولد سنة بضع ومائتين وسمع قتيبة بن سعيد وأبا مصعب الزهري وإبراهيم بن عبد الله الهروي وإسماعيل بن موسى السدي وصالح بن عبد الله الترمذي وعبد الله بن معوية وحميد بن مسعدة وسويد بن نصر المروزي وعلي بن حجر السعدى ومحمد بن حميد الرازي ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة ومحمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب وأبا كريب محمد بن العلاء ومحمد بن أبي معشر السندي ومحمود بن غيلان وهناد بن السري وخلقا كثيرا،وأخذ علم الحديث عن أبي عبد الله البخاري،وروى عنه حماد بن شاكر ومكحول بن الفضل وآخرون،وذكره ابن حبان في الثقات وقال:كان ممن جمع وصنف وحفظ وذاكر.
توفي ثالث عشر رجب بترمذ سنة تسع وسبعين ومائتين.
قرأت كتاب شمائل رسول الله صلى الله عليه وسلم للحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي رحمه الله تعالى على الحافظ العلامة جمال الدين يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي رحمه الله من أوله إلى آخره قال عند القراءة:أنا بجميع الكتاب المشايخ الثلاثة فخر الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد البخاري وكمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن يوسف المقدسيان بسفح جبل قاسيون ظاهر دمشق وكمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن هبة الله النصيبي بحلب قال المقدسيان أنا الشيخ العلامة تاج الدين الكندي وقال ابن النصيبي أنا الشريف افتخار الدين أبو هاشم بن عبد المطلب بن الفضل بن عبد المطلب الهاشمي قال أنا المشايخ الأربعة أبو شجاع عمر بن محمد بن عبد الله البسطامي وأبو الفتح عبد الرشيد بن النعمان بن عبد الرزاق الولوالجي وأبو حفص عمر بن علي بن أبي الحسين الكربيسي الأديب وأبو علي الحسن بن بشير بن عبد الله البلخي النقاش قالوا أنا أبو القاسم أحمد بن محمد بن عبد الله الزيادي الخليلي أنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن الحسن الخزاعي البخاري المعروف بابن المراغي قراءة عليه سنة ثمان وأربع مائة قال أنا أبو سعيد الهيثم بن كليب بن سريج بن معقل الشاشي الأديب قراءة عليه ببخارى سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة.
قال ثنا أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي.
الطرطوسي محمد بن عيسى الطرطوسي التميمي.قال ابن عدي:هو في عداد من يسرق الحديث.
توفي سنة ثمانين ومائتين.
القرشي محمد بن عيسى بن طلحة التيمي القرشي.روى عنه الزبير بن بكار قوله:
ولا تعجل على أحد بـظـلـم فإن الظلم مرتـعـه وخـيم
ولا تفحش وإن ملئت غـيظـا على أحد فإن الفحـش لـوم
ولا تقطع أخا لك عنـد ذنـب فإن الذنب يغفـره الـكـريم
ولكن داو عـودتـه بـرقـع كما قد يرقع الخلق الـقـديم
ولا تجزع لريب الدهر واصبر فإن الصبر في العقبى سلـيم
فما جزع بمغن عنـك شـيئا ولا ما فات ترجعه الهمـوم وقال:
لا تلم المرء على فعله وأنت منسوب إلى مثله
من ذم شيئا وأتى مثلـه فإنما أزرى على عقله الحنفي قاضي بغداد محمد بن عيسى الفقيه الحنفي ابو عبد الله ابن أبي موسى الضرير.
ولي قضاء بغداد زمن المتقي والمستكفي وكان ثقة مشهورا بالفقه والتصون لا مطعن عليه.
قتله اللصوص في شهر ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثلاث مائة.
الجلودي راوي مسلم محمد بن عيسى بن عمرويه أبو أحمد النيسابوري الجلودي الزاهد راوي صحيح مسلم.
سمع وروى وكان ينتحل مذهب سفيان الثوري وبوفاته ختم سماع كتاب مسلم فإن كل من حدث بعده عن إبراهيم بن سفيان فإنه غير ثقة قاله الحاكم.
توفي سنة ثمان وستين وثلاث مائة.
ابن يقطين الشيعي محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين.
قال ابن النجار:من فقهاء الشيعة.له كتاب الأمل والرجاء ذكره محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست.
القرطبي المؤدب المعمر محمد بن عيسى بن محمد أبو عبد الله الأموي القرطبي المؤدب المعمر.
هو ثقة آخر من قرأ على الأنطاكي،توفي سنة خمس وأربعين وأربع مائة.
المغامي الطليطلي محمد بن عيسى بن فرح أبو عبد الله التجيبي المغامي-بالغين المعجمة-الطليلطلي المقرئ صاحب أبي عمرو الداني.
توفي سنة خمس وثمانين وأربع مائة.
ابن اللبانة محمد بن عيسى بن محمد أبو بكر اللخمي الأندلسي الشاعر المعروف بابن اللبانة.
صفحة : 556
له كتاب مناقل الفتنة ونظم السلوك في وعظ الملوك وسقيط الدرر ولقيط الزهر في شعر ابن عباد.توفي بميورقة سنة سبع وخمس مائة.
قال قصيدة يمدح فيها المعتمد ابن عباد:
بكت عند توديعي فما علم الـركـب أذاك سقيط الطل أم لؤلـؤ رطـب
وتابعها سرب وإني لـمـخـطـئ نجوم الدياجي لا يقال لهـا سـرب
لئن وقفت شمس النهـار لـيوشـع لقد وقفت شمس الهوى لي والشهب منها في ذكر المركب:
هفا بين عصف الريح والموج مثل ما هفا بين أضلاعي يكوى به القلـب
كأني قذى في مقلة وهـو نـاظـر بها والمجاذيف التي حولهـا هـدب منها في المديح:
حوى قصبات السعي عفوا ولو سعى لها البرق خطفا جاء من دونها بكبو
ويرتاح عند الحمد حـتـى كـأنـه وحاشاه نشـوان يلـذ لـه شـرب
سألت أخاه البحر عنه فـقـال لـي شقيقي إلا أنه الـبـارد الـعـذب
لنا ديمتا مـاء ومـال فـديمـتـي تماسك أحيانا وديمـتـه سـكـب
إذا نشأت تـبـرية فـلـه الـنـدى وإن نشأت بحرية فله الـسـحـب قلت:قوله ويرتاح عند الحمد البيت أخذه أبو الحسين الجزار فقال:
ويهتز عند الجود أن جـاء طـالـب كما اهتز حاشى وصفه شارب الخمر وأحسن حشو وقع في هذا قول أبي الطيب:
ويحتقر الدنيا احتقار مجـرب يرى كل ما فيها وحاشاه فانيا ومن موشحات ابن اللبانة: شق النسيم كمامه عن زاهر يتبسم فلا تطع لملامه واشرب على الزير والبم حيى النسيم بمندل عن طيب زهر أنيق ونرجس الروض تخجل منه خدود الشقيق فانهض إلى الدن وأقبل منه سوار الرحيق وفض عنه ختامه عن مثل مسك مختم تكاد منه المدامه للشرب أن تتكلم حاكت على النهر درعا ريح الصبا في الأصائل وأسبل القطر دمعا على جيوب الخمائل فاسمع من العود سجعا تشق منه الغلائل ما رنمته حمامه من فوق غصن منعم ولا ادعته كرامه بنت الحسين بن مخدم أما علي فإني ممن سمعت بذكره والود يشهد عني بما أبوح بفخره وقد رأيت التمني يختال في ثوب بشره في حلة من أسامه بظاهر الحسن معلم متوج بالكرامه وبالسماح مختم حيى النسيم تلمسان بواكف القطر هطال وقد قضت كل إحسان بجودها يا ابن شملال وقصرت كل إنسان عما حواه من إجلال ندب يذل همامه ربيعة بن مكدم وما حواه أسامه في عصره المتقدم قد جاءك المتنبي يا سيف هذا الزمان يختال في ثوب عجب بما حوى من معان يشدو ارتجالا فيسبي كل الوجوه الحسان ابن قزمان الزجال محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان القرطبي المتفرد بإبداع الزجل.
توفي سنة أربع وخمسين وخمس مائة والأمير أبو عبد الله محمد بن سعد إذ ذاك محاصر قرطبة.
أورد له ابن الأبار في تحفة القادم:
يا رب يوم زارني فيه من اطلع من غرته كوكـبـا
ذو شفة لمياء معـسـولة ينشع من خديه ماء الصبى
قلت له هب لي بها قبـلة فقال لي مبتسما:مرحـبـا
فذقت شيئا لم أذق مثـلـه لله ما أحلى وما أعـذبـا
أسعدني اللـه بـإسـعـاده يا شقوتي يا شقوتي لو أبى ومن شعره:
كثير المال يبذله فيفـنـى وقد يبقى من الذكر القليل
ومن غرست يداه ثمار جود ففي ظل الثناء له مقـيل ومنه:
يمسك الفارس رمحا بيد وأنا أمسك فيها قصبه
فكلانا بطل في حربـه إن الأقلام رماح الكتبه ومنه:
وعهدي بالشباب وحسن قـدي حكى ألف ابن مقلة في الكتاب
وقد أصبحت منحنـيا كـأنـي أفتش في التراب على شبابـي وقال يعتذر ارتجالا:
يا أهل المجلس السامي سرادقه ما ملت لكنني مالت بي الراح
فإن أكن مطفئا مصباح بيتـكـم فكل من فيكم في البيت مصباح ومن أزجال ابن قزمان:
أفني زماني على اختياري ونقطع العمر باجتـهـاد
صفحة : 557
لم يخـل حـس الـطــرب بـــداري حتـى يمـيل راس لــلـــوســـاد
واحـد مـؤذن سـكـــن جـــواري شيخ مـلـيح أزهـد الــعـــبـــاد
إذا طـلـع فـي الـسـحـر يعـظـنـي يقـول حـيا عـلــى الـــفـــلاح
يبـدل الـعـود ســمـــاع أذنـــي حيا عـلـى الـعـشـق لـلـمـــلاح
نهــار أم لـــيل كـــان مـــودي لم نـخـل مـن شـرب أو مـجـــون
لمـا يكـون الـحـبـيب عـــنـــدي ليس نـعـرف الـنــوم أيش يكـــون
وأنـا هـو شـيخ الـخـلاعـه وحــدي نسـهـر إذا نـامـت الـــعـــيون
ولـيلة الـهـجـر تـفـتـقــدنـــي إذا طـلـع كـوكـب الـصــبـــاح
لا شـك بـين الـغـصـون تـجـدنــي نعـلـم الـقـمــري الـــنـــواح
لأي سـبـب قـلـي أنـت غـضـبـان ايش أخـبـروك عـنـي مـن قـبــيح
أكـثـر نـحـبـك مـن كـل إنـســان ونـكـتـم الـسـر مـا نـــبـــيح
إياك أن تـبـتـلـي بـهـــجـــران تذوق مــا ذقـــت يا مـــلـــيح
من الـجـفـا والـصـدود أجـرنـــي فقـال:مـن يعـشـق الـــمـــلاح
يكون أخا ذلة وحزن فقلت:زدني فلا براح محمد بن عيسى الشيخ أبو الحسن الكرجي.أورد له الثعالبي في التتمة:
كأن الهلال المستنير وقد بـدا ونجم الثريا واقف فوق هالته
مليك على أعلاه تاج مرصـع ويزهى على من دونه بجلالته هذا النصف الثاني من الثاني أتى به سدادا من عوز.
وأورد له في حمام مصور:
أعجب ببيت يريك بـاطـنـه جوارحا أرسلت على الوحش
تغدو لصيد الظباء مـسـرعة كأنها في غياضها تمـشـي
طيوره قد تقابلـت نـسـقـا كأنها وقع عـلـى الـعـش
فضاؤه طاب فسحة وهـوى مصقل الأرض مؤنق الفرش
وأنت في خلوة مـسـاعـدة تولع بالدلـك ثـم بـالـرش شعر كله جسم خال من روح المعنى ليس بطائل.
ابن بقا الأواني محمد بن عيسى بن علي بن الحسين ابن بقا أبو عيسى الأواني.
أديب كتب عنه عمر بن محمد العليمي شيئا من شعره بنيسابور سنة خمس وأربعين وخمس مائة.
ومن شعره:
ماذا على من في يديه وثاقـي لو جاد لي بالعتق والإطـلاق
وأدال أيام الوصال من النـوى وأقر ماء الجفن في الآمـاق
لله أيام الـوصـال فـإنـهـا كانت لنا من أطـيب الأرزاق
كم ليلة فيها شـربـت مـدامة من كف أحور طيب الأخلاق
لا يرعوي إلا إلى مشـمـولة حمراء تزهر في يمين الساقي
قام المؤذن للصلاة فخفـت أن اقضي لفرط صبابتي وفراقي
وحلفت أني لـو ولـيت ولاية لم أبق مأذنة على الإطـلاق اليماني محمد بن عيسى اليماني شاعر ورد بغداد وروى بها شيئا من شعره وشعر غيره،كتب عنه العماد الكاتب.
ومن شعره:
أقول لنفسي وقد أشفقتلكون الهموم إليها قواصد
إذا كنت تبغين كسب العلى فلا تـحـفـلـي بـلـقـاء الــشـــدائد وقال العماد:رأيته يدعي لنفسه علوما،ويدعو لنفسه أمرا عظيما،من علم المجسطي وهيئات الفلك،والمنطق الذي من شم سمه هلك،وكنت حينئذ مولعا بإقليدس وحل أشكاله،وحل ما يعرض من شكوكه وأشكاله،فوصلت إلى أن بلغت إليه،وحللت مقالات عليه،فلما رأيته نافر الطبع بالكلية،أكدت مفارقته بالألية.
وأورد له العماد:
إلى الله أن الدهر أنياب صرفه علي من الغيظ المبرح يصرف
وذنبي إليه أن نفسي إلى العلـى تتوق وعن طرق المذلة تعسف محمد بن عيسى الملقب برغوثا وإليه تنسب الفرقة البرغوثية وهم القائلون بخلق القرآن.
أبو علي الدامغاني الوزير محمد بن عيسى الدامغاني أبو علي.
ذكره الثعالبي في أهل بخارا فقال:تثنى به الخناصر وتضرب به المثال في حسن الخط والبلاغة وأدب الكتابة والوزارة كان في حداثة سنه يكتب لأبي منصور محمد بن عبد الرزاق ثم تمكن من خدمة السامانية خمسين سنة يتصرف ولا يتعطل حتى قيل فيه:
وقالوا العزل للعمال حـيض لحاه الله من حيض بغـيض
فإن يك هكذا فأبـو عـلـي من اللائي يئسن من المحيض
صفحة : 558
ولي ديوان الرسائل دفعات والوزارة مرات وكان يقول الشعر ويحب الأدب وأهله ويكرمهم.
وأنشدني بعض كتابه له:
وكاتب كتبه تذكرني القرآن حتى أظل في عجب
فاللفظ:قالوا قلوبنا غلف والـخـط:تـبـت يدا أبــي لـــهـــب وفيه يقول أبو القاسم اليماني:
إلى الشيخ الجليل أبي علي محمد بن عيسى الدامغاني
ولم أنسبه للتعريف جهـلا لرتبته إلى البلد الفلانـي
ولكن القوافي لا تحـابـي إذا ابتدرت بديعات المعاني القاضي شمس الدين ابن المجد محمد بن عيسى بن عبد المطلب العلامة المناظر القاضي شمس الدين ابن المجد البعلبكي الشافعي.ولد سنة ست وستين ببعلببك وتوفي سنة ثلاثين وسبع مائة.
تفقه وبرع بحلب وكان صاحب فنون،ولي قضاء بعلبك مدة،ثم ترك ذلك وسكن دمشق وأم بتربة أم الصالح ودرس بالقوصية،ثم نقل إلى قضاء طرابلس فمات بعد أشهر.
وسمع الكثير ورقأ على ابن مشرف والموازيني وأسمع ولده،وكان قد سمع سنن ابن ماجه من القاضي تاج الدين عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد ابن علوان وأجاز لي بخطه في سنة تسع وعشرين وسبع مائة.
جمال الدين الأرمنتي محمد بن عيسى بن جعفر الهاشمي الأرمنتي جمال الدين هو أخو شرف الدين يونس.
قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي:كان من الفقهاء الأخيار والقضاة الحكام،تولى الحكم بدشنا واتفق أن قاضي قوص شرف الدين ابن عتيق قال مرة:كل نائب لي عدل،فاتفق أن جمال الدين هذا اجتاز بسوق الوراقين فقال له بعض الشهود:اشهد معي في هذه الورقة،فشهد معه ولم يكن جلس قبل ذلك فبلغت ابن عتيق فنهره بحضرة الجماعة،فقال:سيدنا قال:كل نائب لي عدل،فقال:قلت ذلك تعظيما لكم ما أذنت في الجلوس،فقام من المجلس ومخط دما وتوفي ن وقته،قال:حكى لي ذلك جماعة.
وكانت وفاته سنة اثنتين وتسعين وست مائة.
الشيخ شمس الدين ابن كر محمد بن عيسى بن حسن بن كر يتصل بمروان الحمار هو الشيخ الإمام العلامة شمس الدين أبو عبد الله ابن حسام الدين أبي الروح ابن فتح الدين الحنبلي إمام أهل عصره في علم الموسيقى.
شغل جماعة من أكابر علم النغم وقرأوا عليه،وهو صوفي الخرقة له زاوية عند مشهد الحسين بالقاهرة.
اجتمعت به غير مرة وسألته عن مولده فقال:في رابع عشر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين بالقاهرة.
قرأ القرآن على الشيخ علي الشطنوفي وحفظ الأحكام لعبد الغني والعمدة في الفقه للشيخ موفق الدين والملحة للحريري وعرض ذلك على القاضي علاء الدين ابن التراكيشي الحنبلي،وسمع على أشياخ عصره مثل الدمياطي والأبرقوهي وغيرهما،وقرأ فن الموسيقى على القاضي علاء الدين ابن التراكيشي الحنبلي،ووضع كتابا في فن الموسيقى سماه غاية المطلوب في علم الأنغام والضروب سمعت مقدمته منه بمنزله الزاوية المذكورة في شوال سنة خمس وأربعين وسبع مائة وقال لي:ظهر لي جماعة من المتقدمين في هذا الفن مثل الفارابي وغيره وقد برهنت ذلك.
ابن غازي
الفقاعي محمد بن غازي الموصلي يعرف بالفقاعي شربدار الست ربيعة خاتون أخت العادل.له شعر ،توفي سنة تسع وعشرين وست مائة.
العزيز الظاهر غازي محمد بن غازي بن يوسف السلطان الملك العزيز غياث الدين ابن السلطان الملك الظاهر ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب.
ولي بعد والده وله أربع سنين أ نحوها وجعل اتابكه الطواشي طغريل وأقر العادل الكبير ذلك وأمضاه لأجل الصاحبة والدة العزيز لأنها هي بنت العادل وكانت هي الكل،وكان فيه عدل وشفقة وتودد وميل إلى الدين.
توفي شابا طريا وله نيف وعشرون سنة وخلف ولده الملك الناصر يوسف صغيرا فأقاموه بعده في الملك،وكانت وفاة العزيز سنة أربع وثلاثين وست مائة الكامل صاحب ميافارقين محمد بن غازي بن محمد بن أيوب بن شادي السلطان الملك الكامل ناصر الدين أبو المعالي ابن المظفر بن العادل صاحب ميافارقين.
تملك البلد بعد وفاة أبيه سنة خمس وأربعين وست مائة،كان ملكا جليلا دينا خيرا عالما مهيبا شجاعا محسنا إلى الرعية كثير التعبد والخشوع لم يكن في بيته من يضاهيه،استشهد بأيدي التتار بعد أخذ ميافارقين وقطع رأسه وطيف به في البلاد بالمغاني والطبول ثم علق بسور باب الفراديس سنة ثمان وخمسين وست مائة.
صفحة : 559
فقال بعض الشعراء في ذلك وقد دفنوا رأسه في مسجد الرأس داخل باب الفراديس:
أين غـاز غـــزا وجـــاهـــد قـــومـــا أثـخـنـوا فـي الـعـراق والـمـشــرقـــين
ظاهـرا غـالــبـــا ومـــات شـــهـــيدا بعـد صـبـر عــلـــيهـــم عـــامـــين
لم يشـنـه أن طـيف بــالـــرأس مـــنـــه فلـه أســـوة بـــرأس الـــحـــســـين
وافق السبط في الشهادة والحمل لقد حاز أجره مرتـين
ثم واروا في مشهد الرأس ذاك الـرأس فـاسـتـعـجـبـوا مـن الـحــالـــين
وارتجوا انه يجيء لدى البعث رفيق الحسين في الجنتين ابن غالب
التمتام البصري محمد بن غالب بن حرب أبو حفص الضبي البصري التمتام نزيل بغداد.
كان حافظا مكثرا ثقة،روى عنه جعفر بن البحتري وإسماعيل الصفار وخلق،قال الدارقطني:ثقة مأمون إلا انه كان يخطئ.
مات في شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين ومائتين.
المعداني الكاتب محمد بن غالب الأصبهاني الكاتب يكنى أبا عبد الله.
مترسل بليغ اتصل بعبيد الله بن سليمان وتقرب إلى ابنه القاسم بالنصب وله في ذلك أشعار وهو القائل:
ثمـن الـمـعـروف شـــكـــر ويد الإنـــعـــام ذخـــــر
وبقاء الذكر في الأحياء للأموات عمر وله في عبيد الله بن يحيى:
أبا حسن شكر الرجال هو الذخر إذا أنفد المال الحوادث والدهر
فسل بأمور الدهر مني ابن حنكة تعاقبه من دهره الحلو والمـر باشر بالحضرة ديوان الرسائل ثلاثين سنة إلى أيام المكتفي لأنه ورد على المعتز كتاب من ملك الروم عجز كتاب الحضرة عن جوابه فأجاب عنه فقدمه وترشح للوزارة فاحتال عليه القاسم بن عبيد الله حتى أخرجه إلى أصبهان وكتب إلى المسمعي بإهلاكه فأحضره مائدته واكل عنده كوامخ وسمكا مالحا ثم أدخله بيتا وأغلقه فمات عطشا،فقال يخاطب المسمعي:
أبا صالح أنت من صالـح بحيث السويداء والناظران
فلا تستهن بكفاة الرجـال فإن الرجال كنوز الزمان
ملكت فأسجح وزع بالزمام وخف ما يدور به الدائران
لأنك فـي زمـن دهـره كيوم ودولته سـاعـتـان الرصافي الشاعر محمد بن غالب أبو عبد الله الأندلسي الرصافي رصافة بلنسية نزيل مالقة.
كان يعيش بالرفو وكان شاعر زمانه شعره مدون ينافس فيه لم يتزوج وهو متعفف،روى عنه أبو علي ابن كسرى المالقي وأبو الحسين ابن جبير.
توفي سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة.
من شعره من جملة قصيدة:
لو جئت نار الهدى جانب الطـور قبست ما شئت من علم ومن نور
من كل زهراء لم ترفع ذوائبهـا ليلا لسار ولم تشبب لمـقـزور
نور طوى الله زند الكون منه على سقط إلى زمن المهدي مدخـور ومنه أيضا:
مرأى عليه اجتماع للنفوس كما تشبثت بلذيذ العيش أجـفـان
للعين والقلب في إقباله أمـل كأنه للشباب الغـض ريعـان ومنه وقد قتل إنسان يدعى يوسف:
يا وردة جادت بها يد متـحـفـي فهمى لها دمعي وهاج تأسـفـي
حمراء عاطرة النسـيم كـأنـهـا من خد مقتبل الشبـيبة مـتـرف
عرضت تذكرني دما من صاحـب شربت به الدنيا سلافة قـرقـف
فلثمتها شغفا وقلت لـعـبـرتـي هي ما تمج الأرض من دم يوسف ومنه قوله ممن البيات التي قالها في الحائك وأولها:
غزيل لم تزل في الغزل جـائلة بنانه جولان الفكر في الغـزل
جذلان تلعب بالمحواك أنمـلـه على السدى لعب الأيام بالـدول
ما عن تعب الأطراف مشتغـلا أقديه من تعب الأطراف مشتغل
جريا بكفيه أو فحصا بأرجـلـه تخبط الظبي في أشراك محتبل ومنه وهو بديع في نهر عليه ظل:
ومهدل الشطين تحسب أنـه متسيل من درة لصـفـائه
فاءت عليه مع العشية سرحة صدئت لفيئتها صحيفة مائه
فتراه أزرق في غلالة حمرة كالدارع استلقى لظل لـوائه وأورد ابن الأبار في هذا المعنى للخطيب أبي القاسم ابن معوية:
صفحة : 560
وبحر طافح الشطـين صـاف نأى عرضاه في عرض وطول
توافيه الجداول وهي حـسـرى فشكوا تيها شكوى الـعـلـيل
كأن الموج في عـيريه تـرس تذهب متنـه كـف الأصـيل
تفيء عـلـيه رائحة حـسـان فتـؤويه إلـى ظـل ظـلـيل
كأن مكان فيء الظـل مـنـه مكان اللمس من سيف صقـيل وأورد للخطيب المذكور من أبيات:
فجدوله في سرحة الماء منصل ولكنه في الجزع عطف سوار
وأمواجه أرداف غيد نـواعـم يلفعن بالآصال ربط نـضـار
إذا قابلته الشمس أذكاه نورهـا فبدل منه المـاء جـذوة نـار
يفيء عليه الدوح مضاعـفـا فيرجع منه بـدره لـسـرار
كأن مكان الظل صفحة وجـنة أظلت عليها خضرة لـعـذار
أو البكر حاذت بالسجنجل خدها وقد سترت من بعضه بخمار وأورد ابن الأبار لنفسه:
ونهر من ذابـت سـبـائك فـضة حكى بمجانيه انعطـاف الأراقـم
إذا الشفق استولى عليه احـمـراره تبدى خضيبا مثل دامي الصـوارم
وتحسبه سنـت عـلـيه مـفـاضة لأن هاب هبات الرياح النـواسـم
وتطلعه مـن دكـنة بـعـد زرقة ظلال لأدواح عـلـيه نـواعــم
كما انفجر الفجر المطل على الدجى ومن دونه في الأفق سحم الغمـائم وأورد لنفسه أيضا:
غربت به شمس الظهيرة لاتني إحراق صفحته لهيبا مشعـلا
حتى كساه الدوح من أفـنـائه بردا يمزق في الأصائل هلهلا
فكأنما لمع الظلال بمـتـنـه قطع الدماء جمدن حين تخللا وأورد لنفسه أيضا:
غارت على شطيه أبكار المنى عصر الشباب
فالظل يبدو فوقه كالـخـال فـي خـد الــكـــعـــاب
لا بـــل أدار عـــلـــيه خـــــو ف الـشـمـس مـنـه كـالـنـقـــاب
مثل المجرة جر فيها ذيله جون السـحـاب قلت:هذه المقاطيع وإن كانت في غاية الحسن فإنها لا تداني قول الرصافي فإنه تخيل لطيف إلى الغاية والتخيل الذي في المقطوع الأول للخطيب ثانيه في الحسن ونائبه.
نصير الدين كاتب الحكم محمد بن غالب بن محمد بن مري نصير الدين أبو عبد الله الأنصاري كاتب الحكم بدمشق.
كان مليح الشكل حسن الخط خبيرا بالشروط ووالده كمال الدين قاضي بعلبك في الأيام الأمجدية.
توفي نصير الدين بالديار المصرية وقد كان انجفل إليها من التتار سنة ثمان وخمسين وست مائة،ومولده سنة تسعين وخمس مائة.
ومن شعره:
حي الملاعب مـن سـلـع وواديه وحي سكانـه واحـلـل بـنـاديه
وأنشد فؤادي إذا عاينت جمـعـهـم بين الخيام فقـد خـلـفـتـه فـيه
واشرح هنالك أشواقي وصف شجني وقل سلـيم هـواكـم مـن يداويه
ومن لمهجة صب مـسـه وصـب من الغرام بكـم قـد عـز راقـيه
يا جيرة الحي قد جرتم ببـعـدكـم على فتى قربكم أقصـى أمـانـيه
قد كاد من بعدكم تقضى مـنـيتـه لولا تدارك طيف الـحـلـم يأتـيه
قد مـل عـواده مـنـه زيارتــه ومـلـه أهـلـه يأسـا وآســيه
أحن شوقا إلى الوادي ويطربـنـي نوح الحمام سحيرا فـي نـواحـيه
ربع يلذ لقلـبـي لـثـم تـربـتـه إذا حـل يومـا بـواديه بــواديه
فهل تـعـيد لـنـا أيام قـربـهـم وطيب عيشي تقضى في مغـانـيه الجياني محمد بن غالب بن شعبة الشيخ الإمام الصالح الزاهد البركة المحدث شمس الدين أبو عبد الله الجياني الأندلسي.
ولد بعد العشرين وست مائة وارتحل في طلب الحديث وسمع من الرضي ابن البرهان وابن عبد الدائم وطبقتهما،ثم جاور بمكة إلى أن توفي رحمه الله سنة اثنتين وسبع مائة.
ابن غسان
سيف الدولة الحمصي محمد بن غسان بن غافل بن نجاد بن ثامر الحنفي الأمير الأنصاري الخزرجي الحمصي سيف الدولة أبو عبد الله.ولد بحمص وقدم دمشق وهو صبي،وسمع وروى.
وتوفي سنة اثنتين وثلاثين وست مائة.
ابن فارس
صفحة : 561
رضي الدين المحلي محمد بن فارس بن حمزة المغربي الأصل المحلي أبو عبد الله.
خدم في الدواوين ولقبه رضي الدين وروى عنه الشهاب القوصي وله شعر.توفي سنة عشر وست مائة.
ومن شعره ملغزا في الشطرنج:
وما اسم ثلاثة أخـمـاسـه هي النصف منه ومن غيره
وباقيه أن رمت معكـوسـه قطعت رجاءك من خـيره المأمون وزير الآمر محمد بن فاتك هو الوزير المأمون أبو عبد الله ابن أبي شجاع البطائحي وزير الآمر العبيدي صاحب القاهرة.
استولى عليه لما وزره بعد الأفضل ابن أمير الجيوش وقبح سيرة الآمر وأساءها ولما كثر ذلك منه قبض عليه الآمر في شهر رمضان سنة تسع عشر وخمس مائة واستصفى جميع أمواله ثم قتله في شهر رجب سنة إحدى وعشرين وصلبه بظاهر القاهرة وقتل معه خمسة من اخوته أحدهم يقال له المؤتمن.
وكان جبارا متكبرا خارجا عن طوره وله في ذلك أخبار مشهورة،وكان أبوه من جواسيس أمير الجيوش بالعراق.
ربي يتيما وصار حمالا بالأسواق ودخل مع الحمالين إلى دار الأفضل مرة بعد مرة،فرآه الأفضل شابا حلوا فأعجبه فسأل عنه فقيل:ابن فلان،فاستخدمه فراشا وترقت حاله عنده،وفي آخر الأمر عمل على الأفضل وتولى مكانه.
وكان كريما شهما مقداما سفاكا للدماء،وفي آخر الأمر والى أخا الآمر ومالأه على قتله فلما أحس الآمر به قبض عليه وفعل به ما ذكر.
ابن فتح
زين الدين الدمياطي الكاتب محمد بن فتح بن خلف الفقيه زين الدين أبو عبد الله ابن أبي منصور الدمياطي الشافعي الكاتب.
سمعه والده وكتب على فخر الكتاب وفاق الأقران في حسن الخط حتى فضلوه على أستاذه،وكتب في ديوان الإنشاء مدة وترسل عن الكامل، وحدث بدمشق.
وتوفي سنة إحدى وعشرين وست مائة.
ابن عرق الموت محمد بن فتوح بن خلوف بن يخلف بن مصال الشيخ المعمر المسند أبو بكر الهمذاني الإسكندراني عرف بابن عرق الموت.
سمع من التاج محمد بن عبد الرحمن المسعودي وعبد الرحمن بن موقا،وأجاز له جماعة وخرج له المحدث أبو المظفر منصور بن سليم مشيخة وقد تفرد بالرواية عن غير واحد.
توفي سنة ستين وست مائة.
الإصبهاني الكاتب محمد بن فتح بن محمد بن أحمد الثقفي القزويني أبو عبد الله ابن أبي الهيجاء من أصبهان يعرف بالمؤيد.
كان رئيسا نبيلا فاضلا يعرف الأدب وينظم ويترسل وله معارف.قدم بغداد واستوطنها وتولى ديوان العرض للإمام المقتفي إلى حين وفاته سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
ومن شعره:
لسان الحال أنطق من لساني نعم وسكوته عين الـبـيان
ولكن ليس يعـرف ذاك إلا بصير بالحقائق والمعانـي
صفحة : 562
قال ابن النجار في ترجمة هذا:سألت صديقنا أبا العلاء علي بن الحسن بن محمد بن فتح بإصبهان عن عرش رب العزة فقال:سألت والدي أبا علي الحسن عن عرش رب العزة فقال:سألت والدي أبا عبد الله محمد بن فتح بمدينة السلام عن عرش رب العزة فقال:سألت أبا علي الحسن بن أحمد بن محمد بن حسن الموسياباذي عن عرش رب العزة فقال:سألت والدي أبا العباس احمد بن محمد عن عرش رب العزة قال:سألت أبا منصور عبد الله بن عيسى المالكي وأبا علي الحسن بن أحمد بن مموش الوراق عن عرش رب العزة فقال كل واحد مهما:سألت أبا الحسن علي بن الحسن الصيقلي القزويني بهمذان عن عرش رب العزة قال:سألت أبا الحسين محمد بن النضر الموصلي بها عن عرش رب العزة فقال:سألت عبد الله بن أبي سفيان الموصلي عن عرش رب العزة فقال:سألت يحيى بن أبي طالب عن عرش رب العزة فقال:سألت عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن عرش رب العزة فقال:سألت سعيد بن أبي عروبة عن عرش رب العزة فقال:سألت قتادة عن عرش رب العزة فقال:سألت أنس بن مالك عن عرش رب العزة فقال:سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عرش رب العزة فقال:سالت جبريل عن عرش رب العزة فقال:سألت ميكائيل عن عرش رب العزة فقال:سألت إسرافيل عن عرش رب العزة فقال:سألت الرفيع عن عرش رب العزة فقال:سألت اللوح عن عرش رب العزة فقال:سألت القلم عن عرش رب العزة فقال:إن للعرش ثلاث مائة ألف وستون ألف قائمة،كل قائمة من قوائمه كأطباق الدنيا ستون ألف مرة،تحت كل قائمة ستون ألف مدينة،في كل مدينة ستون ألف صحراء،في كل صحراء ستون ألف عالم من الثقلين الإنس والجن ستون ألف مرة لا يعلمون أن الله عز وجل خلق آدم ولا إبليس ألهمهم الله عز وجل أن يستغفروا لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم،انتهى قول ابن النجار.
قلت أنا:والله الذي لا إله إلا هو هذا الحديث كذب صراح وبهت غير مباح لا سامح الله من وضعه.
الشيخ شمس الدين ابن أبي الفتح محمد بن أبي الفتح ابن أبي الفضل ابن بركات الإمام العلامة المفتي المحدث المتقن النحوي البارع شمس الدين أبو عبد الله شيخ العربية البعلي الحنبلي.
ولد سنة خمس وأربعين وست مائة وسمع من الفقيه محمد اليونيني وابن عبد الدائم والعز حسن بن المهير وابن أبي اليسر ومن بعدهم،وعني بالرواية وحصل الأصول وجمع وخرج وأتقن الفقه وبرع في النحو وصنف شرحا كبيرا للجرجانية،وأخذ عن ابن مالك ولازمه،وحدث بمصر ودمشق وطرابلس وبعلبك،وتخرج به جماعة.
وكان إماما متعبدا من يومه متواضعا ريض الأخلاق وكان جيد الخبرة بألفاظ الحديث مشاركا في رجاله.
توفي بمصر بالمنصورية ودفن بمقبرة الحافظ عبد الغني سنة تسع وسبع مائة.
الطبيب محمد بن فتح طملون كان مولى لعمران بن أبي عمرو.
قال ابن أبي أصيبعة:برع في الطب براعة علا بها من كان في زمانه ولم يخدم بالطب وطلب فاستعفى من ذلك ولم يكن أحد من الأشراف في ذلك الوقت إلا وهو يحتاج إليه.
الحافظ الحميدي محمد بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن يصل-بالياء آخر الحروف والصاد المهملة-الحافظ أبو عبد الله الحميدي الأندلسي الميورقي.
سمع بالأندلس ومصر والشام والحجاز وبغداد واستوطنها وكان من كبار أصحاب ابن حزم الفقيه،وقال:ولدت قبل العشرين وأربع مائة.
سمع ابن حزم وأخذ أكثر كتبه وجماعة منهم ابن عبد البر،وروى عنه شيخه الخطيب في مصنفاته وابن ماكولا وجماعة آخرهم أبو الفتح ابن البطي.
وكان من كبار الحفاظ ثقة متدينا بصيرا بالحديث عارفا بفنونه حسن النغمة بالقراءة مليح النظم ظاهري المذهب له شعر في المواعظ.
توفي سابع عشر ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وأربع مائة ودفن بمقبرة باب ابرز بالقرب من الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ثم نقل إلى باب حرب ودفن عند بشر الحافي.
صفحة : 563
نقل ابن عساكر في تاريخه أن الحميدي أوصى إلى الأجل مظفر بن رئيس الرؤساء أن يدفن عند بشر الحافي فخالف وصيته فلما كان بعد مدة رأى في منامه الحميدي وهو يعاتبه على ذلك فنقله في صفر سنة إحدى وتسعين وكان كفنه جديدا وبدنه طريا يفوح منه رائحة المسك.ووقف كتبه،وله الجمع بين الصحيحين تاريخ الأندلس جمل تاريخ الإسلام الذهب المسبوك في وعظ الملوك كتاب ترسل مخاطبات الأصدقاء ما جاء من الآثار في حفظ الجار ذم النميمة كتاب الأماني الصادقة كتاب أدب الأصدقاء كتاب تحية المشتاق في ذكر صوفية العراق كتاب المؤتلف والمختلف كتاب وفيات الشيوخ ديوان شعوه.
ومن شعره:
لقاء الناس ليس يفيد شـيئا سوى الهذيان من قيل وقال
فأقلل من لقاء الـنـاس إلا لأخذ العلم أو لصلاح حال وقال:
كل من قال في الصحابة سوءا فاتهمه في نـفـسـه وأبـيه
وأحق الأنام بالعدل مـن لـم ينتقصهم بمنطق منـن فـيه
وإذا القلب كان بالود فـيهـم دل أن الهدى تكـامـل فـيه وقال:
من لم يكن للعلم عند فـنـائه أرج فإن بقاءه كـفـنـائه
بالعلم يحيى المرء طول حياته وإذا انقضى أحياه حسن ثنائه ابن الفرج
الأزرق محمد بن الفرج الأزرق قال الدار قطني:لا بأس به.
توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
ابن الطلاع المالكي محمد بن فرج أبو عبد الله مولى محمد بن يحيى المعروف بابن الطلاع القرطبي الفقيه المالكي مفتي الأندلس ومسندها في الحديث.
توفي سنة سبع وتسعين وأربع مائة.
أبو المعالي محمد بن أبي الفرج بن معالي بن بركة بن الحسين أبو المعالي الموصلي المقرئ الفقيه الشافعي.
صحب أبا بكر يحيى بن سعدون المقرئ النحوي وقرأ عليه القرآن بالروايات،وقدم بغداد وقرأ الأدب على أبي البركات ابن الأنباري وتفقه بالمدرسة النظامية وبرع في الفقه والخلاف والأصول وصار معيدا بها،سمع بالموصل من خطيبها شيئا يسيرا،وله في القراآت مصنفات،وخضب بالسواد مدة ثم تركه.
توفي سنة إحدى وعشرين وست مائة.
ومن شعره:
وقــد أوتـــيت أخـــلاقـــا تحـير ضـارب الـمـــثـــل
فأنت الكامل المتفرد الخالي من الخلل
لقد أصبحت للوفا د مـن حـاف ومـنـتــعـــل
مســـيح مـــروءة يحــــيي لدينـــا مـــيت الأمـــــل أبو تراب الشعراني اللغوي محمد بن الفرج بن الوليد الشعراني أبو تراب اللغوي.
ذكره أبو منصور الأزهري في مقدمة كتابه فقال:أبو تراب محمد بن الفرج صاحب كتاب الاعتقاب قدم هراة مستفيدا من شمر فكتب عنه شيئا كثيرا وأملى بهراة من كتاب الاعتقاب أجزاء ثم عاد إلى نيسابور وأملى بها باقي الكتاب.
قال:وقد نظرت في كتابه فاستحسنته ولم أر فيها تصحيفا.
قال ياقوت في معجم الأدباء:كنت رأيت نسخة بكتاب الأزهري ببغداد وقد ذكر الأزهري أبا تراب فيها وسماه محمد بن الفرج،فلما وردت إلى مرو وقفت على النسخة التي بخط الأزهري ولم أجد ذكر اسم أبي تراب في المقدمة إنما ذكر كنيته فقال:أبو تراب صاحب كتاب الاعتقاب ،ورأيته يقول في ضمن كتابه:قال إسحاق بن الفرج،وكان هناك نسخة أخرى بكتاب الأزهري لا توافق التي بخطه وفيها زيادات ونقصان وكنت أتأمل ذلك القول الذي عزاه في كتابه الذي بخطه إلى إسحاق ابن الفرج وهو مذكور في النسخة الأخرى لأبي تراب وكذا إذا وجدت في خطه شيئا قد عزاه إلى أبي تراب أراه في تلك النسخة قد عزاه إلى إسحاق بن الفرج،وطلبت نسخة بكتاب الاعتقاب لأصحح اسمه منها فوجدتها مترجمة لمحمد بن الفرج بن الوليد الشعراني وأنا في حيرة من هذا إلى أن يصح إن شاء الله تعالى.،انتهى كلام ياقوت.
الذكي النحوي محمد بن الفرج أبو عبد الله المالكي الكتاني المعروف بالذكي النحوي.
مات فيما ذكره ابن الجوزي سنة ست عشرة وخمس مائة وهو من صقلية.
كان عالما بالنحو واللغة وسائر فنون الأدب،ورد إلى بغداد وخرج إلى خراسان ومضى إلى غزنة ودخل الهند وخاصم هناك أئمة مخاصمات آلت إلى طعنهم فيه،ثم عاد إلى أصبهان ومات بها.
كان يقول:الغزالي ملحد،وإذا ذكره يقول:الغزالي المجوسي البقرطوسي.
كتب إليه الزمخشري محمود:
صفحة : 564
فديت الإمام المغربي الـذي لـه فضائل شتى ما تفرقن في خلق
له أدب جزل وعلـم مـرقـق وشعلة فهم دونها خطفة البرق
لقد رزقت منه المغاربة الهـوى مودة شيخ واحد الغرب والشرق فأجاب الذكي:
حثثت من أقصى المغربين ركائبـي لأبصر من في كفه شعلة الـحـق
فما زلت في عشواء أخبـط لا أرى يقينـا ولا دينـا يزين بـالـصـدق
إلى أن بدا علامة الدهر مـشـرقـا فلا غرو أن الشمس تطلع من شرق ولم يخرج من الغرب إلا وهو إمام لأنه قرأ على محمد بن يونس كتاب الجامع في مذهب مالك وعلى عبد الخالق السوري وغيرهما بالقيروان،وقرأ الأدب على الحيولي كتاب سيبويه والإيضاح للفارسي،غير أنه كان يتبع عثرات الشيوخ فدعا عليه السيوري فلم يفلح.
ابن الفضل
محمد بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم.
حبسه المنصور مع اخوته عند خروج أخيهم يعقوب بن الفضل مع إبراهيم بن عبد الله بن حسن.
وهو القائل:
فإن ترجع الأيام بـينـي وبـينـهـا بذي الأثل صيفا مثل صيفي ومربعي
أشد بأعناق الـهـوى بـعـد هـذه مرائر أن جاذبتهـا لـم تـقـطـع الخطيب السكوني محمد بن الفضل السكوني الخطيب.
قال يعتذر لحماد عجرد:
أبا عمرو اغفر لي هديت فإنني قد أذنبت ذنبا مخطئا غير حامد
فلا تجدا فيه علـي فـإنـنـي أرى نعمة إن كنت ليس بواجد
وهبه لما تفديك نفسي فإنـنـي أقر بإجرامي ولسـت بـعـائد
وعد منك بالفضل الذي أنت أهله فإنك ذو فضل طريف وتـالـد فأجابه حماد:
محمد يا ابن الفضل يا ذا المحامد ويا بهجة النادي وزين المشاهد
ولو كان ذو فضل يسمى لفضله بغير اسمه سميت أم الـقـلائد ابن غزوان الضبي محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم الكوفي.
روى عنه الجماعة،وثقه ابن معين وقال أحمد بن حنبل:حسن الحديث شيعي منحرف،قال الشيخ شمس الدين:إنما كان متواليا مبجلا للشيخين،قال يحيى الحماني:سمعت فضيلا أو حدثت عنه قال:ضربت أبي البارحة إلى الصباح أن يترحم على عثمان رضي الله عنه فأبى علي.
وتوفي سنة خمس وتسعين ومائة وقيل سنة سبع.
الحافظ عارم محمد بن الفضل أبو النعمان السدوسي البصري الحافظ لقبه عارم.
روى عنه البخاري وروى الجماعة عن رجل عنه،وروى عنه أحمد بن حنبل وغيره،قال ابو حاتم:اختلط عارم في آخر عمره.وتوفي سنة أربع وعشرين ومائتين.
البلخي الواعظ محمد بن الفضل بن العباس أبو عبد الله البلخي الزاهد الحبر الواعظ.
كان سيدا عارفا نزل سمرقند وتلك الديار ووعظ مرة فمات أربع أنفس.وتوفي سنة تسع عشرة وثلاث مائة.
وقال:ما خطوت أربعين سنة لغير الله وما نظرت أربعين سنة في شيء فاستحسنته حياء من الله وما أمليت على ملكي منذ ثلاثين سنة خطيئة ولو فعلت ذلك لاستحيين منهما.
الرواس المفسر محمد بن الفضل بن محمد بن جعفر بن صالح أبو بكر البلخي المفسر المعروف بالرواس.صنف التفسير الكبير.
توفي سنة ست عشرة وأربع مائة.
المسند الفراء المصري محمد بن الفضل بن نظيف أبو عبد الله المصري الفراء.مسند ديار مصر في زمانه وحديثه في الثقفيات.
توفي سنة اثنتين وثلاثين وأربع مائة.
الفراوي الشافعي محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أبي العباس أبو عبد الله الصاعدي الفراوي النيسابوري الفقيه أبوه من ثغر فراوة.
تفقه على إمام الحرمين وصار من جملة المذكورين من أصحابه،حدث بالصحيحين وغريب الخطابي وغير ذلك.قال أبو سعد السمعاني:سمعت عبد الرشيد بن علي الطبري يقول:الفراوي ألف راوي.
توفي سنة ثلاثين وخمس مائة.
أبو الفتوح الأشعري محمد بن الفضل بن محمد أبو الفتوح الأسفراييني.
صفحة : 565
ولد سنة أربع وسبعين وأربع مائة وقدم بغداد وتكلم بمذهب الأشعري وبالغ في التعصب فقامت الفتن في الأسواق وأفضى الحال إلى النهب والضرب واستحلال الأموال والدماء،ودخل النيسابوري على مسعود وقدح فيه فقال:تقلد دمه حتى أقتله،فقال:لا أتقلده،فوكل السلطان بابي الفتوح وحمل إلى أسفرايين فمات ببسطام في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة.
ووصل الخبر إلى بغداد بموته فقعدوا لعزائه فحضر الغزنوي فقال له بعض العامة:ما حضرت إلا شماتة به،فقام بعض الفقهاء وأنشد:
خلا لك يا عدو الجو فاصفر ونجس في صعودك كل عود
كذاك الثعلبان يجول كـبـرا ولكن عند فقـدان الأسـود ورثاه المعنى ابن الباطوح البغدادي:
أيها الركب ابلغوا بـلـغـتـم إن سقمي صدني عن سفري
وإذا جئتـم ثـنـيات الـلـوى فلجوا ربع الحمى في خطري
وصفوا شوقي إلى سـكـانـه واذكروا ما عندكم من خبري
وحنيني نـحـو أيام مـضـت بالحمى لم أقض منها وطري
فاتني فيهـا مـرادي وحـلا لتمني القرب فيها سـهـري
كنت أخشى فوتها قبل النـوى فرماني حذري فـي حـذري
آه واشوقي إلى مـن بـدلـوا صفو عيشي بعدهم بالـكـدر
كلما اشتقـت تـمـنـيتـهـم ضاع عمري بالمنى واعمري الجرجرائي الكاتب محمد بن الفضل الجرجرائي الكاتب.
كان يكتب للفضل بن مروان ثم وزر للمتوكل،وكان شيخا ظريفا حسن الأدب عالما بالغناء.توفي سنة خمسين ومائتين وقد نيف على الثمانين.وله مع إسحاق الموصلي أخبار،كتب إلى إسحاق المذكور:
خل أتى ذنبـا إلـي وإنـنـي لشريكه في الذنب إن لم أغفر
فمحا بإحسان إساءة فـعـلـه وأزال بالمعروف قبح المنكر وقال لبعض كتابه:
تعجل إذا مـا كـان أمـن وغـبـطة وأبط إذا ما استعرض الخوف والهرج
ولا تيأسا من فـرجة أن تـنـالـهـا لعل الذي ترجوه من حيث لا ترجـو البصرة الكاتب محمد بن الفضل الكاتب المعروف بالبصرة.
كان يعاشر أبا هفان ومحمد بن مكرم واليعقوبي وأبا علي البصير وأبا العيناء.
قال في سديف غلام ابن مكرم:
أحبك ما حييت ومـا حـييتـا برغمك إن كرهت وإن هويتا
وأصبر إن جفوت ولا أبالـي غضبت من المحبة أو رضيتا
وأسعى في الذي تهواه جهدي فكن لي،مت قبلك،كيف شيتا أبو عدنان العنبري محمد بن الفضل بن أحمد بن علي بن محمد بن يحيى بن أبان بن الحكم العنبري أبو عدنان الأصبهاني الكاتب الأديب.
قال يحيى بن منده:هو صاحب صلاة واجتهاد يرجع في معرفة اللغة والنحو إلى معرفة تامة ما رأيت رجلا أحسن صلاة منه حسن الوجه جميل الطريقة،مات سنة اثنتين وثمانين وأربع مائة فجأة،حدث عن أحمد بن موسى بن مردويه وأبي بكر بن أبي علي ومن بعدهما من الشيوخ.
الزنجاني الشاعر محمد بن الفضل أبو عبد الرحمن الزنجاني الشاعر.توفي سنة عشرين وست مائة تقريبا.
ومن شعره:
قسما بأيام الصفا ووصالـكـم والجمع في جمع وذاك الملتزم
ما اخترت بعدكم بـديلا لا ولا نادمت بعد فراقكم إلا الـنـدم وقال:
العين تشتـاق أن تـراكـم فاغتنموا الأجر في الوصال
منوا على عبدكم بـوصـل أو ابعثوا طارق الـخـيال
جودوا على فاقتي وفقـري كفيتم حـادث الـلـيالـي
نأيتم عـن سـواد عـينـي وأنتم فـي سـواد بـالـي
سركم في صميم قـلـبـي بضاعة القوم في الرحـال أبو الفضائل العلوي محمد بن الفضل بن يحيى بن عبد الله بن جعفر ابن زيد بن جعفر بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أبو الفضائل بن أبي القاسم العلوي الحسيني.
قال ابن النجار:شاب فاضل يقول الشعر الجيد،مدح الإمام الناصر بعدة قصائد وأنشدها بمجلس الوزارة، وكان كيسا لطيف الطبع متواضعا حسن الأخلاق.
ومن شعره:
صفحة : 566
يوم أعاد لنا الزمان المـذهـبـا فانقاد في رسن السرور وأصحبا
ومحا إساءات الليالـي شـافـع منه وكل عقاب دهـر إذ نـبـا
وأضاءت الدنيا الفضاء وأشرقت نورا وكانت قبل ذلك غيهـبـا
وشدت به الورق الحمائم هتـفـا بذرى الأراك ترنما وتطـربـا
وكأنه نشر الربـيع وشـت بـه في أخريات الليل أنفاس الصبـا قلت:شعر متوسط.توفي سنة خمس عشرة وست مائة.
أبو ذر الشافعي محمد بن الفضل بن عبد الله أبو ذر التميمي الفقيه الشافعي الجرجاني.
كان رئيس جرجان وكان جوادا ممدحا وداره مجمع الفضلاء والعلماء،رحل إلى البلاد وسمع خلقا كثيرا منهم الحسن بن علي بن خلف وغيره،روى عنه الدارقطني وأقرانه.
وتوفي سنة أربع وعشرين وثلاث مائة.
الدولعي الخطيب محمد بن أبي الفضل بن زيد بن ياسين الإمام جمال الدين أبو عبد الله التغلبي الأرقمي الدولعي.
ولد بالدولعية من قرى الموصل سنة خمس وخمسين ظنا وقدم دمشق وتفقه على عمه خطيب دمشق ضياء الدين وسمع،وولي الخطابة بعد عمه وطالت مدته،منعه المعظم من الفتوى مدة،ولم يحج حرصا على المنصب،وولي بعده أخوه وكان جاهلا،وكان جمال الدين شديدا على الرافضة.توفي سنة خمس وثلاثين وست مائة.
وفيه يقول شرف الدين ابن عنين:
طولت يا دولعي فقصر فأنت في غير ذا مقصر
خطابة كلها خـطـوب وبعضها للورى منفـر
تظل تهذي ولست تدري كأنك المغربي المفسـر وقال ابن عنين أيضا وقد أمر العادل بنزح الماء من الخندق لينهي أساس بعض أبرجة القلعة فأعجر العمال:
أرح من نزح ماء البرج قوما فقد أفضى إلى تعب وعـي
مر القاضي بوضع يديه فـيه فقد أضحى كرأس الدولعـي جمال الدين ابن الإمام محمد الفضل بن الحسن بن موهوب جمال الدين المعروف بابن الإمام.
كان فاضلا في الأدب له نظم ونثر وله ديوان خطب،خدم الملك المنصور صاحب حماة والملك المجاهد صاحب حمص وصحب أولاد شيخ الشيوخ بمصر.
مولده سنة تسع وستين وخمس مائة وتوفي في شهر رجب سنة سبع وخمسين وست مائة بحماة.
العقري النحوي محمد بن فضلون بن أبي بكر بن الحسن بن محمد شهاب الدين العدوي العقري-بالعين المهملة مفتوحة وسكون القاف،ولام بعدها واو ونون-النحوي اللغوي المتكلم الحكيم.
سمع الحديث والأدب على جماعة من أهل العلم.قال ياقوت في معجم ا البلدان:كنت مرة معه أعراض إعراب شيخنا أبي القباء لقصيدة الشنفري اللامية إلى أن بلغنا إلى قوله:
وأستف ترب الأرض كي لا يرى له علي من الطول امرء مـتـطـول فأنشدني لنفسه في معناه:
مما يؤجج كربـي أنـنـي رجـل سبقت فضلا ولم أحصل على السبق
يموت بي حسدا مما خصصـت بـه من لا يموت بداء الجهل والحمـق
إذا سغبت سففت الترب في سغبـي ولم أقل للئيم سـد لـي رمـقـي
وإن صديت وكان الصفو ممتنـعـا فالموت أنفع لي من مشرب رنـق
وكم غرائب مـال دونـهـا رمـق زهدت فيها ولم أقدر على الملـق
وقد ألين وأجفو في مـحـلـهـمـا فالحزن والسهل مخلوقان في خلقي قال ياقوت:فقلت له:قول الشنفري أبلغ لأن نزه نفسه عن ذي الطول وأنت نزهتها عن اللئيم،قال:صدقت لأن الشنفري كان يرى متطولا فينزه نفسه عنه وأنا لا أرى إلا اللئام فكيف أكذب،فخرج من اعتراضي إلى أحسن مخرج.
ابن فضل الله
بدر الدين ابن فضل الله محمد بن فضل الله القاضي بدر الدين الموقع أحد الأخوة.
توفي سنة ست وسبع مائة زهو عم القاضي بدر الدين محمد ابن القاضي محيي الدين يحيى كاتب السر بالشام وسيأتي ذكره في موضعه.
وزير بوسعيد بالمماليك القانية غياث الدين محمد بن فضل الله بن أبي الخير ابن علي الوزير الكبير غياث الدين خواجا ابن الوزير رشيد الدولة الهمذاني.
صفحة : 567
ولد هذا في الإسلام ولما نكب والده وقتل سلم واشتغل مدة وصحب أهل الخير،فلما توفي علي شاه الوزير طلب السلطان بوسعيد غياث الدين المذكور وفوض إليه الوزارة ومكنه ورد إليه الأمر وألقى إليه مقاليد الممالك وحصل له من الارتقاء والملك ما لم يبلغه وزير غيره في هذه الأزمان وكانت رتبته من نوع رتبة نظام الملك.
وكان من أجمل الناس في الصورة،وأمه تركية،وله عقل ودهاء وغور مع ديانة وحسن إسلام وكرم وسؤدد وخبرة بالأمور،كان خيرا من والده بكثير.
له آثار جميلة خرب كنائس بغداد ورد أمر المواريث إلى مذهب أبي حنيفة فورث ذوي الأرحام،وكان إليه تولية نواب الممالك وعزلهم لا يخالفه القان في شيء،وخدم السلطان الملك الناصر صاحب مصر كثيرا وراعى مصالحه وحقن دماء الإسلام وقرر الصلح ومشى الأمور على أجمل ما يكون.
ولما توفي السلطان بو سعيد نهض الوزير إلى شاب من بقايا النسل يقال له ارباكوون فسلطنه وأخذ له البيعة على الأمراء واستوسق له الأمر فخرج عليهما علي باشا خال بو سعيد وابن بيدو فانفل الجمع وقتل ارباكوون والوزير في رمضان سنة ست وثلاثين وسبع مائة.
ابن كاتب المرج محمد بن فضل الله ابن أبي نصر بن أبي الرضى السديد ابن كاتب المرج القوصي.
قال كمال الدين جعفر الأدفوي في تاريخ الصعيد أديب كامل،شاعر فاضل،كأنما خلق حلقه من نسمات السحر،وصور وجهه من محاسن القمر،مع فصاحة لسان وقلم،وحياء وكرم،وصدق لهجة،يسير بها على أوضح محجة،وكان والده قد أعطى في سعة العطاء ما يعز الآن وجوده فجازاه الله بما أسلف من خير إسلام أبنائه أجمعين،وهداهم إلى اتباع سيد المرسلين،وانتقلوا من شريعة عيسى إلى شريعة محمد المختار،وربك يخلق ما يشاء ويختار.
وله مشاركة في النحو والأصول والحكمة والطب وغيرها،قرأ النحو والأصول والأدب على نجم الدين الطوفي البغدادي الحنبلي بقوص ثم قرأ التقريب على مؤلفه العلامة أثير الدين أبي حيان،وتأدب على تاج الدين أبي الفتح محمد ابن الدشناوي ومجير الدين عمر ابن اللمطي وشرف الدين محمد النصيبي بقوص وغيرهم.
ونظم ونثر وجرى على مذهب أهل الآداب،في أنهم يستحلون محاسن الشباب،ويستحلون التشبيب في الشراب ووصف الحباب.
وتقلب في الولايات السلطانية وهو في كلها محمود وجلس بالوراقين بقوص وولي وكالة بيت المال بقوص.قال:وهو الآن مقيم بمدينة هو..
وأورد له من شعره:
إذا حملت طيب الشذا نسمة الصبا فذاك سلامي والنسيم فمن رسلي
وإن طلعت شمس النهار ذكرتكم بصالحة والشيء يذكر بالمثـل ومنه:
أقول لجنح الليل لا تحك شعر مـن هويت وهذا القول من جهتي نصح
فقد رام ضوء الصبح يحكي جبينـه مرارا فما حاكاه وانفضح الصبـح ومنه:
لمن أشتكي البرغوث يا قوم أنه أراق دمي ظلما وأرق أجفاني
وما زال بي كالليث في وثباتـه إلى أن رماني كالقتيل وعراني
إذا هو آذاني صبرت تجـلـدا ويخرج عقلي حين يدخل آذاني ومنه من قصيدة:
ورد الكأس فهي نـار إذا كـا ن ولا بد مـن ورود الـنـار
وتحدى الـذين لـمـم يردوهـا بضروب من معجزات الكبـار
فاجل في الليل من سناها شموسا وادر في النهار منها الدراري
وار الدر من يغـوص عـلـيه عائما من حبابها في النضـار
إنمـا لـذة الـمـدامة مـلـك لك فاشرب وما سواها عـوار ومنه:
برق بــدا مـــن دار عـــلـــوه أو قـلـب صـب صــار جـــذوه
فيها قلوب العاشقين تضرمت صدا وجفوه
إني اجتهدت فصرت في العشاق قدوة كل قدوة
لو أن قيسا مدركي لمـشـى عـلـى نـهـجـي وعـروه
لا عـيش مـن بـعـد الـصــبـــى يحـلـو سـوى بـجـنـون صـبــوه
بمـهـفـهـف يسـبـي الـعـقـــو ل كـان فـي جـفـنـيه قــهـــوه
أبدا قضيب القد منه يميل من لين ونشـوه
قد أسكرت رشفاته لكـنـهـا كـالـشـهـد حــلـــوه ومنه:
أما وطيب عشـيات وأسـحـار من بعدها أفلت شمسي وأقماري
بها أذكر دهري كي يجود بـهـا ولا يجود ولا يأتـي بـإعـذار
صفحة : 568
لو أن تلك من الأيام عـدن بـهـا أو الليالي ولم تحتج لـتـذكـار
لله ليلانها البيض القصار فـكـم سطوت منها على دهري ببتـار
أنكرت إفشاء سر كنت أكتـمـه فيها ولكنني أنكـرت إنـكـاري
يا للعجائب ليل ما هجـعـت بـه لنوره كيف تخفى فيه أسـراري
إن الضنى عن جميع الناس ميزني فكان على إخفائي وإظـهـاري
فلا تقولوا إذا استبطأتم خـبـري أما النسيم عـلـيه سـائر سـار
فلو يمر نسيم بـي لـسـار إلـى مغناكم بي كما يسري بإخبـاري ومنه موشح كتبه إلى كمال الدين جعفر الأدفوي: بي مربع قد خلا من أهله في السبسب عمران فإن يكن أمحلا فمدمعي كالسحب هتان سروا فؤاد الشميم وكل واد عاطر ولي فؤاد يهيم بالعشق وهو شاعر حكوا ظباء الصريم لو صيد منهم نافر حذرت أن لا يريم فرام ما أحاذر فإن سري في بهيم ليل فبدر سافر وإن يسر عجلا فالظبي عند الهرب عجلان أو حل وسط الفلا فقومه من عرب غزلان يقول خل انطلاق الدمع قصد السمعة فما لأهل النفاق ووجنة كالجنة فقلت دمع يراق هل رده في الحيلة كلفت ما لا يطاق في شرعة المحبة ولا وعدت العناق وقهوة الريق التي من حاسديها الطلا وحسن نظم الحبب خجلان لا لغو فيها ولا يحرسها من شنب رضوان ليست كراح يطاف بها حراما لإحلال تدق عند اختطاف عقول قوم كالجبال كم أمنت من يخاف إما بحق أو محال وهونت من تلاف عرض ودين بعد مال فدع كؤوس السلاف واستجل أوصاف الكمال فإنما يجتلى على الكرام النجب إحسان من عنده بالغلا يستعبد الحر الأبي أثمان أثنت عليه العدا وعددت مآثره مركز بذل الجدا ومن سواه الدائره بلا حروف الندا لبت لهاة الغامره اسلف كلا يدا حتى السحاب الهامره وقد ملا بالندى كل بقاع القاهره حتى رأينا الملا لفضله والأدب قد دانوا إذ هم رعايا العلا وجعفر بن تغلب سلطان منه يفاد الكلام فما يقول الناظم في العلم حبر أمام وفي السخاء حاتم فيا أبا الفضل دام لي ببقاك العالم فأنت عين الأنام يقظى وكل نائم بك الجدود الكرام تسر حتى آدم أنت لمن قد تلا على صميم النسب عنوان يا آخرا أولا كأنك في الكتب قرآن وغادة تنجلي فينجلي القلب الحزين بها يحلى الحلي ويسحر السحر المبين قلت لها والخلي لم يدر ما الداء الدفين بالله من ينطلي عليك أو تألفين ابن علي بعلي قالت نعم يا مسلمين لولا علي انطلا تركت أمي وأبي من شانو كفاية الله البلى يبيت سواي وذا الصبي في أحضانو ومن موشحاه أيضا: افتك بنا في السقم والهم كل فتك بخمرة كالعندم أو مرشف ابن تركي فلونها لون الدم والريح ريح المسك كم صبرت ذا ألم من كدر وضنك والعيش منه يصفو والطيش يستخف وللسرور زحف منه الهموم تهرب ولو أتت في ألف منه في الخرجة: يا مرحبا بالغائب إذ جاء في العذار يزري بكل كاعب تزور في الإزار فلم أكن بخائب عليه في انتظار ولم أقل كالعاتب أبطأت في مزاري إلا التفت لخلفو وقال يشير بكفو وحاجبو لردفو هذا الثقيل حقا اعتبوا على انقطاعو خلفي ناظر الجيش محمد بن فضل الله القاضي الكبير الرئيس فخر الدين ناظر الجيوش بالديار المصرية.كان متألها عمره لما كان نصرانيا ولما أسلم.
حكي لي الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس عن خاله القاضي شرف الدين ابن زنبور قال:هذا ابن أختي متعبد لأننا لما كنا نجتمع على الشراب في ذلك الدين يتركنا وينصرف ونفتقده إذا طالت غيبته فنجده واقفا يصلي ولما ألزموه بالإسلام امتنع وهم بقتل نفسه بالسيف وتغيب أياما ثم أسلم وحسن إسلامه إلى الغاية ولم يقرب نصرانيا ولا آواه ولا اجتمع به،وحج غير مرة وزار القدس غير مرة.
وقيل أنه في آخر أمره كان يتصدق كل شهر بثلاثة آلاف درهم،وبنى مساجد كثيرة في الديار المصرية،وعمر أحواضا كثيرة في الطرقات،وبنى بنابلس مدرسة وبنى بالرملة بيمارستانا وكثر من أعمال البر.
وأخبرني القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله أنه كان حنفي المذهب ،انتهى.وزار القدس غير مرة وفي بعض المرات أحرم من القدس وتوجه إلى الحجاز.
صفحة : 569
وكان إذا خدمه الإنسان مرة في عمره بقي صاحبه إلى آخر وقت وقضى أشغاله،وكانت فيه عصبية لأصحابه،وانتفع به خلق كثير في الدولة الناصرية من الأمراء والنواب والقضاة والفقهاء والأجناد وغيرهم من أهل الشام ومصر لوجاهته عند أستاذه وإقدامه عليه لم يكن لأحد من الترك ولا من المتعممين إقدامه عليه.
أما أنا فسمعت السلطان الملك الناصر يقول يوما في خانقاه سرياقوس لجندي واقف بين يديه يطلب إقطاعا:لا تطول والله لو أنك ابن قلاون ما أعطاك القاضي فخر الدين خبزا يعمل أكثر من ثلاثة آلاف درهم.
وحكى القاضي عماد الدين ابن القيسراني أنه قال له في يوم خدمة ونحن في دار العدل:يا فخر الدين تلك القضية طلعت فاشوش،فقال له:ما قلت لك أنها عجوز نحس?يريد بذلك بنت كوكاي امرأة السلطان لأنها ادعت أنها حبلى،وأخباره معه من هذه النسبة كثيرة،وكان أولا كاتب المماليك ثم انتقل إلى نظر الجيش ونال من الوجاهة ما لم ينله غيره.
وكان الأمير سيف الدين أرغون النائب على عظمته يكرهه وإذا قعد للحكم أعرض عنه وأدار كتفه إليه ولم يزل فخر الدين يعمل عليه إلى أن توجه أرغون إلى الحجاز.
فقيل أنه أتى بذكره يوما وقال له:يا خوند ما يقتل الملوك إلا نوابهم هذا بيدرا قتل أخاك الأشرف وحسام الدين لاجين المنصور قتل بسبب نائبه منكوتمر،فتخيل السلطان منه ولما جاء من الحجاز لم يره وجهزه إلى حلب نائبا.
وهو الذي حسن له أن لا يكون له وزير بعد الجمالي ولذلك بقيت جميع أمور المملكة متعلقة به في الجيوش والأموال وغيرها.
ولما غضب عليه وولى القاضي قطب الدين ابن شيخ السلامية صادره وأخذ منه أربع مائة ألف درهم فلما رضي عليه أمر بإعادتها إليه فقال له:يا خوند أنا خرجت عنها لك فابن بها لك جامعا،فبنى بها الجامع الذي في موردة الحلفاء.
وسمعت من قزمان شخص كان كاتبا يحدث أنه جاء مرة إلى القدس وكنت هناك فتوجه إلى قمامة وكنت من خلفه وهو لا يراني وهو يمشي فيها وينظر إلى تلك المعابد ويقول:ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.وعلى الجملة فكان للملك والزمان به جمال.
وكان في آخر أمره يباشر بلا معلوم وترك الجميع إلا كماجة تحضر له كل يوم من المخابز السلطانية ويقول:أتبرك بها.
ولما قيل للسلطان أنه مات لعنه وقال:له خمس عشرة سنة ما يدعني أعمل ما أريد.ومن بعده تسلط السلطان على الناس وصادر وعاقب وتجرأ على كل شيء.
وتوفي رحمه الله في سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة ووصى من ماله للسلطان بأربع مائة ألف درهم فأخذ منه أكثر من ألف ألف درهم.
المسند المحدث الأندلسي محمد بن فطيس بن واصل أبو عبد الله الغافقي الأندلسي الإلبيري محدث مسند بتلك الديار.قال ابن الفرضي كان ضابطا نبيلا صدوقا توفي سنة تسع عشرة وثلاث مائة.
محمد بن فليح بن سليمان قال العقيلي:لا يتابع على بعض حديثه.
قال الشيخ شمس الدين:كثير من الثقات قد تفردوا ويصح أن يقال فيهم لا يتابعون على بعض حديثهم،انتهى.وقد روى عنه البخاري والنسائي وابن ماجه.
توفي سنة سبع وتسعين ومائة.
المازيار صاحب طبرستان محمد بن قارن المازيار صاحب طبرستان.
كان مباينا لعبد الله بن طاهر وكان الأفشين يدس إليه ويشجعه ويحمله على خلاف المعتصم فخالف وصادر الناس وأذلهم بطبرستان وجعل السلاسل في أعناقهم وهدم المدن فهرب الناس منه إلى خراسان،وكتب المعتصم إلى عبد الله بن طاهر يأمره بقتاله،فبعث إليه عمه الحسن بن الحسين بن مصعب فحاربه وأحاط به وأخذه أسيرا وقتل أخاه شهريار وجاء به إلى عبد الله بن طاهر،فوعده إن هو أظهره على كتب الأفشين إليه أن يشفع له عند المعتصم فأقر له المازيار بالكتب فأخذها ابن طاهر وبعث بها وبالمازيار إلى المعتصم،فسأله عنها فلم يقر بها.فأمر بضربه حتى مات وصلبه إلى جانب بابك بعدما ضرب المازيار أربع مائة وخمسين سوطا وطلب الماء فلم يسق فمات من وقته عطشا.
وكان المأمون يعظمه ويكتب إليه:من عبد الله المأمون إلى أصبهبذ أصبهبذان وصاحب محمد بن قارن مولى أمير المؤمنين.
وفيه يقول أبو تمام الطائي من قصيدة:
ولقد شفيت القلب من برحائها أن صار بابك جار مـازيار
ثانيه في كبد السماء ولم يكن كاثنين ثان إذ هما في الغار
صفحة : 570
قلت:وقد غلط ابو تمام في هذا التركيب لأنه إنما يقال ثاني اثنين وثالث ثلاثة ورابع أربعة ولا يقال اثنين ثان ولا ثلاثة ثالث ولا أربعة رابع.
ابن القاسم
أبو العباس الدمشقي محمد بن القاسم الدمشقي أبو العباس.لما قدم أبو دلف بغداد في أيام المعتصم أنشده محمد بن القاسم:
تحدر ماء الجود من صلب آدم فأثبته الرحمن في صلب قاسم
أمير ترى صولاته في بدوره معادلة صولاته في الملاحـم وقال:
يا بياض المشيب سودت وجهي عند بيض الوجوه سود القرون
فلعمري لأحجبنـك جـهـدي عن عياني وعن عيان العيون
بخضاب فيه ابيضاض لوجهي وسواد لوجهك المـلـعـون أبو جعفر بن القاسم بن عبيد الله محمد بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب بن سعيد أبو جعفر الوزير.
كان معرقا في الوزارة فهو وأبوه وجده وأبو جده وزراء.وأبو جعفر هذا وزر للقاهر سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة مدة ثلاثة أشهر واثني عشر يوما.وكان سيء السيرة غير مرضي الأفعال.
وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة،وكانت ولايته وعزله وموته في سنة واحدة.
ومن شعره:
ألم تر أن ثقات الـرجـال إذا الدهر ساعده ساعـدوا
وإن خانه دهره أسلـمـوه ولم يبق منهم لـه واحـد
ولو علم الناس أن المريض يموت لمـا عـاده عـائد القلوسي محمد بن القاسم بن أحمد الأستاذ أبو الحسن النيسابوري الماوردي المعروف بالقلوسي مصنف كتاب المفتاح وغيره كان فقيها متكلما واعظا.
توفي سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة.
الشهرزوري القاضي قاضي الخافقين محمد بن القاسم بن مظفر بن علي أبو بكر الشهرزوري القاضي الموصلي.
ولد سنة أربع وخمسين وأربع مائة،ولي القضاء بعدة بلدان من الشام والجزيرة ونزل إلى بغداد فتوفي بها.
ومن شعره:
همتي دونها السهى والثريا قد علت جهدها فما تتدانى
فأنا متعب معنى إلـى أن تتفانى الأنام أو أتفـانـى توفي سنة ثمان وثلاثين وخمس مائة وكان تفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وسمع الحديث من أبي القاسم عبد العزيز بن الأنماطي وأبي نصر محمد بن محمد الزينبي وأبي الفضل عمر بن البقال وغيرهم.ورحل إلى خراسان وطوف البلاد ولقي أئمتها.
وسيأتي ذكر أخيه القاضي المرتضى عبد الله بن القاسم في مكانه.
الفقيه أبو عبد الله التكريتي محمد بن القاسم بن هبة الله أبو عبد الله الفقيه الشافعي من أهل تكريت.
تفقه بها في صباه على قاضيها يحيى بن القاسم،ثم قدم بغداد ودرس الفقه والخلاف على أبي القاسم بن فضلان،وسافر إلى الموصل وقرأ على فضلائها وبرع في المذهب والخلاف،وعاد إلى بغداد وصار معيدا بالنظامية واستنابه أقضى القضاة أحمد بن علي بن البخاري على الحكم بدار الخلافة مدة ولايته.
وكان فقيها فاضلا حافظا للمذهب سديد الفتاوي حافظا لكتاب الله إلا أنه كان شديد الحمق فاسد الفكرة قليل العقل سيء التصرف وكان يدعي النظم والنثر ويكتب منه ما يضحك منه.
وتوفي سنة أربع وعشرين وست مائة.
ابن بابجوك محمد بن أبي القاسم بن بابجوك ببائين موحدتين بينهما ألف بعدهما جيم وبعد الواو كاف-الأستاذ أبو الفضل الخوارزمي النحوي صاحب التصانيف يعرف بالآدمي لحفظه مقدمة في النحو للآدمي.
تتلمذ للزمخشري وجلس بعده في حلقته وشهر اسمه وبعد صيته من تصانيفه شرح السماء الحسنى وأسرار الأدب وافتخار العرب ومفتاح التنزيل والترغيب في العلم وكافي التراجم بلسان الأعاجم والأسمى في سرد الأسما وإذكار الصلاة والهداية في المعاني والبيان وإعجاز القرآن ومياه العرب وتفسير القرآن وغير ذلك.
توفي سنة إحدى وستين وخمس مائة.
ابن الشاطبي محمد بن القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد أبو عبد الله الشاطبي الأصل المصري المولد والدار المقرئ العدل.
مولده سنة ست أو سبع وسبعين وخمس مائة،وتوفي بالقاهرة سنة خمس وخمسين وست مائة ودفن بسفح المقطم.
سمع من أبيه وغيره وحدث،وأبوه هو الإمام الشاطبي المقرئ صاحب القصيدة المشهورة في القرآات.
صفحة : 571
أبو العيناء محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر اليمامي الهاشمي مولى المنصور البصري الأخباري أبو العيناء.مولده سنة إحدى وتسعين ومائة.وتوفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين،وكان قبل العمى أحول.
قال ياقوت:قرأت في تاريخ دمشق قرأت على زاهر بن طاهر عن أبي بكر البيهقي:حدثنا أبو عبد الله الحافظ:سمعت عبد العزيز بن عبد الملك الأموي يقول:سمعت إسماعيل بن محمد النحوي يقول:سمعت أبا العيناء يقول:أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك وأدخلناه على الشيوخ ببغداد فقبلوه إلا ابن شيبة العلوي قال:لا يشبه آخر هذا الحديث أوله،فأبى أن يقبله،وكان أبو العيناء يحدث بهذا بعدما كان.
وكان جد أبي العيناء الأكبر لقي علي بن أبي طالب فأساء المخاطبة بينه وبينه فدعا عليه علي بالعمى له ولولده من بعده فكل من عمي من ولد أبي العيناء فهو صحيح النسب فيهم.
وقال المبرد:إنما صار أبو العيناء أعمى بعد أن نيف على الأربعين وخرج من البصرة واعتلت عيناه فرمي فيهما بما رمي والدليل على ذلك قول أبي علي البصير فيه:
قد كنت خفت يد الزمـا ن عليك إذ ذهب البصر
لم أدر أنك بالـعـمـى تغنى ويفتقر البـشـر وقال أحمد بن أبي دؤاد:ما أشد ما أصابك من ذهاب بصرك?قال:أبدأ بالسلام وكنت أحب أن أكون أنا المبتدئ وأحدث من لا يقبل على حديثي ولو رأيته لم أقبل عليه،فقال له ابن أبي دؤاد:أما من بدأك بالسلام فقد كافأته بجميل نيتك له ومن أعرض عن حديثك فما أكسب نفسه من سوء الأدب أكثر مما نالك من سوء الاستمالة،فأنشد أبو العيناء:
أن يأخذ الله من عيني نورهمـا ففي لساني وسمعي منهما نور
قلب ذكي وعقل غير ذي دخـل وفي فمي صارم كالسيف مأثور قال المتوكل:أشتهي أن أنادم أبا العيناء إلا أنه ضرير،فقال أبو العيناء:أن أعفاني أمير المؤمنين من رؤية الأهلة ونقش الخواتيم فإني أصلح.
وخاصم يوما علويا فقال له العلوي:أتخاصمني وأنت تقول في صلاتك اللهم صل على محمد وعلى آل محمد فقال له:لكني أقول الطيبين الطاهرين فتخرج أنت منهم.
وصار يوما إلى باب صاعد بن مخلد فاستأذن عليه فقيل:هو مشغول بالصلاة،ثم استأذن بعد ساعة فقيل له كذلك فقال:لكل جديد لذة،وقد كان قبل الوزارة نصرانيا.
ومر بباب عبد الله بن منصور وكان مريضا وقد صلح فقال لغلامه:كيف خبر مولاك?فقال:كما تحب.فقال:ما لي لا أسمع الصراخ عليه.
ولقيه بعض أصحابه في السحر فجعل صاحبه يعجب من بكوره فقال أبو العيناء:أراك تشركني في الفعل وتفردني بالعجب.
وقال له المتوكل:أرأيت طالبيا ضريرا فيما تقدم وإنما سألتك عما سلف،فقال:نعم رأيت منهم واحدا ببغداد منذ ثلاثين سنة،فقال:نجده كان مؤاجرا ونجدك كنت قوادا عليه،فقال :يا أمير المؤمنين ما بلغ هذا من فراغي أدع موالي مع كثرتهم وأقود على الغرباء?فقال المتوكل:أردت أن أشتفي منهم فاشتفى لهم مني.
واجتمع أبو هفان وأبو العيناء على مائدة فقال أبو هفان:هذه أشد حرا من مكانك في لظى،فقال أبو العيناء بردها بشيء من شعرك.
وقال له المنتصر بن المتوكل:يا أبا العيناء ما أحسن الجواب?فقال:ما أسكت المبطل وحير المحق فقال:أحسنت والله.
ودخل على ابن منازة الكاتب وعنده ابن المرزبان فأراد العبث به ابن المرزبان فقال له ابن منازة:لا تفعلفلم يقبل فلما جلس قال له:يا أبا العيناء لم لبست جباعة?فقال:وما الجباعة?قال:التي ليست بجبة ولا دراعة،فقال أبو العيناء:ولم أنت صفد?ثم قال:وما الصفد?ثم قال:الذي ليس بصفعان ولا نديم،فوجم لذلك وضحك أهل المجلس.
وقال:عشقتني امرأة بالبصرة من غير أن تراني وإنما كانت تسمع كلامي وعذوبته فلما رأتني استقبحتني وقالت:قبحه اللههذا هو?فكتبت إليها:
ونبئتها لما رأتني تنـكـرت وقالت ذميم أحول ما له جسم
فإن تنكري مني احولالا فإني أديب أريب لاعيي ولا فـدم فوقعت في الرقعة:يا عاض بظر أمه ألديوان الرسائل أريدك أم لنفسي?وقال جحظة:أنشدنا أبو العيناء لنفسه:
حمدت إلهي غذ منيت بحـبـهـا على حول يغني عن النظر الشزر
نظرت إليها والرقيب يظـنـنـي نظرت إليه فاسترحت من العـذر
صفحة : 572
وقال محمد بن خلف بن المرزبان:قال لي أبو العيناء:أتعرف في شعراء المحدثين رشيدا الرياحي?قال:قلت:لا،قال:بلى هو القائل في:
لنـسـب لابـن قـاســـم مـــأثـــرات فهـو لـلـخـير صــاحـــب وقـــرين
أحـول الــعـــين والـــخـــلائق زين لا احـولال بـــهـــا ولا تـــلـــوين
ليس للمرء شائنا حول العين إذا كان فعله لا يشين فقلت له:وكنت قبل العمى أحول?من السقم إلى البلى?فقال:هذا أطرف خبر تعرج به الملائكة إلى السماء اليوم،وقال أيما اصلح من السقم إلى البلى?أو حال العجوز لا وأخذها الله من القيادة إلى الزناء? وقال الخطيب:مولد أبي العيناء بالأهواز ومنشأه بالبصرة وبها كتب الحديث وطلب الأدب وسمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي عاصم النبيل وأبي زيد الأنصاري وغيرهم،وكان من أحفظ الناس وأفصحهم لسانا وأسرعهم جوابا وأحضرهم نادرة،وانتقل من البصرة إلى بغداد وكتب عنه أهلها،ولم يسند من الحديث إلا القليل والغالب على رواياته الأخبار والحكايات.وقال الدارقطني:ليس بالقوي في الحديث.
الحافظ البياني القرطبي محمد بن قاسم بن محمد بن سيار الأموي مولاهم القرطبي البياني أو عبد الله الحافظ..
كان عالما بارعا في علم الوثائق.توفي سنة سبع وعشرين وثلاث مائة الإمام أبو بكر ابن الأنباري محمد بن القاسم بن محمد بن بشار أبو بكر ابن الأنباري النحوي اللغوي العلامة.
ولد سنة إحدى وسبعين.قال أبو علي القالي تلميذه:كان يحفظ فيما قيل ثلاث مائة ألف بيت شعر شاهد في القرآن.وكان يملي من حفظه وما أملى من دفتر.
وكان زاهدا متواضعا.حكى الدار قطني أنه حضره في مجلس يوم الجمعة فصحف اسما فأعظمت أن أحمل عنه وهما وهبته وعرفت مستمليه فلما حضرت الجمعة الثانية قال لمستمليه:عرف الجماعة أنا صحفنا الاسم الفلاني ونبهنا ذلك الشاب على الصواب.
وروي عنه أنه قال:احفظ ثلاثة عشر صندوقا.قال التميمي:حدث أنه كان يحفظ عشرين ومائة تفسير بأسانيدها.
كان يتردد إلى أولاد الراضي بالله فسألته جارية عن تعبير رؤيا فقال:أنا حاقن،ومضى فلما عاد من الغد عاد وقد صار عابرا مضى من يومه فدرس كتاب الكرماني.
كان إماما في نحو الكوفيين وأملى كتاب غريب الحديث في خمس وأربعين ألف ورقة وله شرح الكافي في ألف ورقة وكتاب الأضداد ما رأيت أكبر منه في بابه والجاهليات في سبع مائة ورقة والمذكر والمؤنث وخلق الإنسان وخلق الفرس والأماثل والمقصور والممدود والهاءات في ألف ورقة المشكل رسالة رد فيها على ابن قتيبة والوقف والابتداء وكان يملي هو في ناحية في المسجد وأبوه في ناحية أخرى الزاهر أدب الكاتب لم يتم الواضح في النحو ونقض مسائل ابن شنبوذ الرد على من خالف مصحف عثمان كتاب اللامات وكتاب الآلفات شرح شعر زهير شرح شعر النابغة الجعدي وشرح شعر الأعشى وكتاب الأمالي.
توفي ليلة النحر سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.
الأمير الثقفي محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم بن أبي عقيل الثقفي كان عاملا للحجاج على السند وفتحها،فلما وليها حبيب بن المهلب قدم على مقدمته عاملا من السكاسك ورجلا من عك فأخذا محمدا فحبساه،فقال:
أينسى بنو مروان سمعي وطاعتي وإني على منا فاتني لـصـبـور
فتحت لهم ما بين سابور بالقـنـا إلى الهند منهم زاحف ومـغـير
وما وطئت خيل السكاسك عسكري ولا كان من عك عـلـي أمـير
وما كنت للعبد المزوني تـابـعـا فيالك جدا بـالـكـرام عـثـور
ولو كنت أزمعت الفراق لقربـت إلى إنـاث لـلـوغـى وذكـور فبلغ سليمان بن عبد الملك شعره فأطلقه بعد أن حبس بواسط.
وفيه يقول زياد الأعجم:
قاد الجيوش لخمس عشرة حجة ولداته عن ذاك في أشـغـال
قعدت بهم أهواؤهم وسمت به همم الملوك وسورة الأبطـال ويقول آخر:
إن المنابر أصبحت مخـتـالة بمحمد بن القاسم بنت محمـد
قاد الجيوش لسبع عشرة حجة يا قرب سورة سودد من مولد وكان محمد بن القاسم من رجالات الدهر ضرب عنقه معوية بن يزيد بن المهلب وقيل أن صالح بن عبد الرحمن عذبه فمات.
صفحة : 573
ابن مموله النسابة محمد بن القاسم بن مموله-بتشديد الميم الثانية وبعد الواو لام وهاء-أبو الحسين من أهل البصرة واحد عصره علما بالنسب وأخبار العرب.أدرك دولة بني بويه وروى عنه أبو أحمد العسكري.
قال حمزة:وممن تفرد بعلم الأنساب والسير والأيام من أهل أصبهان رجلان لم يتقدمهما في الزمان أحد:أبو بكر وأبو الحسين ابن مموله النسابتان، فأما أبو بكر فلم يبرح بأصبهان وأما أبو الحسين فإنه صحب إبراهيم بن عبد الله المسمعي وكان يتنقل معه في البلدان التي يتولاها ثم أقام أخيرا بفارس وبها مات،وكان يصنف في كل سنة لإبراهيم المسمعي كتابا.
قال محمد بن إسحاق:له من الكتب كتاب الفرس وأخبارها وأنسابها كتاب الأنساب والأخبار كتاب المنافرات بين القبائل وأشراف العشائر وأقضية الحكام بينهم.
قال ياقوت:وله كتاب الفرع والشجر في أنساب العرب والعجم وهو كتاب جليل يكون نحو العشرين مجلدة.
ماني الموسوس محمد بن القاسم أبو الحسن المعروف بماني الموسوس من أهل مصر.
قدم بغداد أيام المتوكل وكان من أظرف الناس وألطفهم.توفي سنة خمس وأربعين ومائتين.
من شعره:
زعموا أن من تشاغل باللذات عمن يحبه يتـسـلـى
كذبوا والذي تقاد له البد ن ومـن عـاذ بـالـطــواف وصـــلـــى
إن نار الهوى أحر من الجمر على قلب عاشق يتقلى ومنه:
دعا طرفه طرفي فأقبل مسرعا وأثر في خديه فاقتص من قلبي
شكوت إليه ما لقيت من الهوى فقال على رسل فمت فما ذنبي ومنه:
ذنبي إليه خضوعي حين أبصره وطول شوقي إليه حين أذكره
وما جرحت بلحظ العين وجنته إلا ومن كبدي يقتص محجره
نفسي على بخله تفديه من قمر وإن رماني بذنب ليس يغفـره
وعاذل باصطبار القلب يأمرني فقلت من أين لي قلب فأهجره وقد أورد له صاحب الأغاني في كتابه أخبارا ظريفة منها ما رواه بسنده إلى ابن البراء قال:حدثني أبي قال:عزم محمد بن عبد الله بن طاهر على الصبوح وعنده الحسن بن محمد بن طالوت فقال له محمد:كنا نحتاج إلى أن يكون معنا ثالث نأنس به ونلتذ بمنادمته فمن ترى أن يكون?قال ابن طالوت:قد خطر ببالي رجل ليس علينا في منادمته ثقل قد خلا من إبرام المجالسين،وبرئ من ثقل المؤانسين،خفيف الوطأة إذا أدنيته،سريع الوثبة إذا أمرته،قال من هو?قال:ما ني الموسوس،فقال محمد:ما أسأت الاختيار،ثم تقدم إلى صاحب الشرطة بطلبه وإحضاره فما كان بأسرع من أن قبض عليه صاحب الكرخ فوافى به باب محمد،فلما مثل بين يديه وسلم رد عليه وقال:ما حان لك أن تزورنا مع شوقنا إليك?فقال له ماني:أعز الله الأمير،الشوق شديد،والود عتيد،والحجاب صعب،والبواب فظ ولو سهل لي الإذن لسهلت علي الزيارة،فقال له محمد:لقد لطفت في الاستئذان، وأمره بالجلوس فجلس،وكان قد أطعم قبل أن يدخل وأدخل الحمام وأخذ من شعره وألبس ثيابا نظافا،وأتي محمد بن عبد الله بجارية لإحدى بنات المهدي كان يحب السماع منها وكانت تكثر عنده وكان أول ما غنته:
ولست بناس إذ غدوا وتحـمـلـوا دموعي على الخدين من شدة الوجد
وقولي وقد زالت بعيني حمولـهـم بواكر تحدى لا يكن آخر العـهـد فقال ماني:أيأذن لي الأمير.قال في ماذا?قال:في استحسان ما أسمع،قال:نعم قال:أحسنت والله فإن رأيت أن تزيدي مع هذا الشعر هذين البيتين:
وقمت أناجي الدمع والدمع حـائر بمقلة موقوف على الضر والجهد
ولم يعدني هذا الأمـير بـعـدلـه على ظالم قد لج في الهجر والصد فقال محمد:ومن أي شيء استعديت يا ماني?فاستحيى وقال:لا من ظلم أيها الأمير ولكن الطرب حرك شوقنا وكان كامنا وأظهره،ثم غنت:
حجبوها عن الـرياح لأنـي قلت يا ريح بلغيها السلامـا
لو رضوا بالحجاب هان ولكن منعوها يوم الرياح الكلامـا قال:فطرب محمد ودعا برطل وشرب،فقال ماني:ما كان على قائل هذين البيتين لو أضاف غليهما هذين:
فتنفست ثم قلت لطـيفـي ويك لو زرت طيفها إلماما
حيها بالـسـلام سـرا وإلا منعوها لشقوتي أن تنامـا
صفحة : 574
فقال محمد:أحسنت يا ماني،ثم غنت:
يا خليلي ساعة لا تـريمـا وعلى ذي صبابة فأقيمـا
ما مررنا بقصر زينب إلا فضح الدمع سرنا المكتوما فقال ماني:لولا رقبة الأمير لأضفت إلى هذين البيتين بيتين لا يردان على سمع ذي لب فيصدران إلا على استحسان لهما،فقال محمد:الرغبة في حسن ما تأتي به جائلة على كل رهبة فهات ما عندك،فقال:
ظبية كالهلال لو تلحظ الصخر بطرف لغادرته هشيما
وإذا ما تبسمت خلت ما يبدو من الثغر لؤلؤا منظوما وفي الخبر طول وهذا يكفي منه.
الوزير أبو جعفر الكرخي محمد بن القاسم بن محمد بن الفضل أبو جعفر الكرخي.
ولي وزارة الراضي بالله سنة أربع وعشرين وثلاث مائة بعد عبد الرحمن بن عيسى بن الجراح فأقام ثلاثة أشهر ونصفا،فلما فسد أمر الراضي بالله استتر ووكل بداره وفتش منزله ومنزل أخيه جعفر وحمل ما وجد فيهما،ثم أنه ولي الوزارة ثانيا فكانت وزارته الثانية ثلاثة وخمسين يوما.وكان بطيء الكتابة والقراءة فيه كرم واحترام لقاصديه.
وتوفي سنة ثلاث وأربعين وثلاث مائة ومولده سنة ست وسبعين ومائتين.
ابن الزبيدية المقرئ محمد بن القاسم بن محمد بن عبد الله الزبيدي أبو العز المقرئ ويعرف بابن الزبيدية.
قال ابن النجار:كان شابا فهما قارئا مجودا قرأ بالروايات،وسمع الحديث الكثير من أبي بكر وأبي القاسم بن الحصين وزاهر بن طاهر الشحامي وأمثالهم،وكتب الكثير وتفقه لابن حنبل ثم انتقل لمذهب أبي حنيفة،وتأدب وقال الشعر.
ومات قبل أوان الرواية سنة ثلاثين وخمس مائة.
ومن شعره:
كل متني من الوقوف على الأطلال يوم النوى فما كلمتني
ودعتني آثار من كان فيها مسـتـهـامـا ولـلـضـنـى أودعــتـــنـــي
لم يكن ثم من يخبر بالأحباب إلا حمامة فـوق غـصـن
فبكتني وأبكأتني وقالت ها أنـا لـلـنـوى أغـنـــي فـــغـــنـــي
ثم راحــت وراحـــتـــي فـــوق صـــدري راحـتـي حـين ولـولــت ودعـــتـــنـــي وقال يمدح المسترشد حين رجع من قتال دبيس بن مزيد سنة سبع عشرة وخمس مائة أولها:
أهلاك الربع ومشهـده وجفاك الغمض ومورده منها:
رشأ كالبدر دقيق الخصر يضل القلب ويرشده
تسبي العشاق لواحظه ويفـــوق الـــورد تـــــــورده
عجـبـا مـن مـنـصـل نـــاظـــره في قـلـب الـعـاشــق يغـــمـــده
غنـج الأجـفـان كـغـصـن الــبـــا ن مـن الـلـحـظـات مـهـــنـــده
ممشوق القد مليح الخد كان الحسن يساعـده أبو البهار محمد بن القاسم هو أبو البهار-بالباء الموحدة وبعد الألف راء- الثقفي البصري.
قال ابن المرزبان:إسلامي كان يشرب على البهار ويعجب به حتى أنه قال فيه:
اسقياني على البهار فـإنـي لأرى كل ما اشتهيت البهارا ولقب أبا البهار.
الأمير بدر الدين الهكاري محمد بن أبي القاسم بن محمد الأمير بدر الدين أبو عبد الله الهكاري.
استشهد على الطور وأبلى ذلك اليوم بلاء حسنا وكانت له المواقف المشهورة في قتال الفرنج وكان من أكابر أمراء المعظم يصدر عن رأيه ويثق به لصلاحه وكان سمحا لطيفا دينا ورعا بارا بأهله والفقراء والمساكين كثير الصدقات،بنى بالقدس مدرسة للشافعية ووقف عليها الأوقاف،وبنى مسجدا قريبا من الخيلي عليه السلام عند يونس عليه السلام على قارعة الطريق.
وكان يتمنى الشهادة دائما ويقول:ما أحسن وقع سيوف الكفار على أنفي ووجهيودفن لما مات شهيدا في القدس سنة أربع عشرة وست مائة.
صناجة الدوح محمد بن القاسم بن عاصم المعروف بصناجة الدوح شاعر الحاكم صاحب مصر.
هو القائل لما زلزلت مصر:
بالحاكم العدل أضحى الدين معتليا نجل العلى وسليل السادة الصلحا
ما زلزلت مصر من كيد يراد بها وإنما رقصت من عدله فرحـا الشمس مجد الدين التونسي محمد بن الاسم العلامة ذو الفنون الشيخ مجد الدين أبو بكر المرسي ثم التونسي المقرئ النحوي الشافعي الأصولي نزيل دمشق.
صفحة : 575
ولد سنة ست وخمسين،قدم القاهرة مع أبيه فأخذ النحو والقراآت عن الشيخ حسن الراشدي وحضر حلقة الشيخ بهاء الدين ابن النحاس وسمع من الفخر علي والشهاب ابن مزهر،وتصدر بدمشق للقراآت وهو في غضون ذلك يتزيد من العلوم ويناظر في المحافل،وكان فيعه دين وسكينة ووقار وخير.
ولي الإقراء بتربة أم الصالح وبالتربة الأشرفية وتخرج به أئمة وتلا الشيخ شمس الدين عليه بالسبع.
وتوفي في ذي القعدة سنة ثمان عشرة وسبع مائة وتأسف الطلبة عليه.
وكان آية في الذكاء،حدثني غير واحد أثق به أنه لم ير مثله.وقيل أن الناس سألوا الشيخ شمس الدين الأيكي عن الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني وعن الشيخ صدر الدين ابن الوكيل أيهما أذكى فقال:ابن الزملكاني ولكن هنا مغربي أذكى منهما،يعني به الشيخ مجد الدين.
وكان نحوي عصره بدمشق وامتحن على يد الأمير سيف الدين كراي النائب بدمشق فقتله بباب القصر الأبلق بالعصي ضربا كثيرا لما ألقي المصحف وسب الأمير الخطيب جلال الدين فقال له الشيخ مجد الدين:اسكت اسكت وقوى نفسه ونفسه عليه فرماه وقتله.وكان في وقت قد انفعل للشهاب الباجربقي ودخل عليه أمره ثم أنه أناب وتاب وجاء إلى القاضي المالكي واعترف عنده وتاب وهو الذي كشف أمره.
بهاء الدين البرزالي محمد بن القاسم بن محمد بن يوسف بهاء الدين ابن الشيخ زكي الدين البرزالي الفقيه المقرئ.
حفظ التنبيه وتفنن وسمع الكثير من خلق كابن الفراء والغسولي وحدث وكتب الطباق.
ومات سنة ثلاث عشرة وسبع مائة وهو ابن ثمان عشرة سنة رحمه الله تعالى.
ابن قائد
محمد بن قائد الشيخ الزاهد من أهل اوانا.
كان صاحب كرامات وإشارات ومجاهدات ورياضات وكلام عما في الخواطر وبيان عما في الضمائر،أقعد زمانا فكان يحمل في محفة إلى الجامع.
قدم اوانا واعظ يعرف بالزرزور فجلس بالجامع وذكر الصحابة بسوء فلم ينكر عليه فحملوا الشيخ إليه فقال له:انزل يا كلب أنت ومن تعتز به وكان يدعي إلى سنان مقدم الإسماعيلية فثار العوام ورجم الزرزور وهر بمن القتل.
فيقال أن سنانا بعث إليه رجلين في زي الصوفية فأقاما عنده في الرباط تسعة أشهر لا يعرفهما فلما كان يوم الأربعاء قال لأصحابه:يحدث ههنا حادثة عظيمة،وكان عنده للناس ودائع فردها وقال لخادمه:يا عبد الحميد لك فيما يجري نصيب بعني إياه بالدولة-والدولة بستان إلى جانب الرباط-فقال:ما أبيعك نصيبي بالجنة،فلما كان يوم الجمعة وثب الصوفيان على الشيخ فقتلاه وقتلا خادمه عبد الحميد وهربا فلقيهما فلاح في يده مر فقتلهما.وكان ذلك سنة أربع وثمانين وخمس مائة.
ابن قرار صاحب آمد نور الدين محمد بن قرار سلان بن داود نور الدين صاحب آمد وحصن كيفا.
توفي سنة إحدى وثمانين وخمس مائة.وولي بعده ابنه قطب الدين سكمان ووزر له القوام بن سماقا.
ابن قرطاي
الإربلي الأمير محمد بن قرطاي الإربلي أبو العباس الأمير.
كان مليح الصورة مهيبا من أمراء إربل.فلما مات صاحب إربل قدم هذا إلى حلب فأكرمه العزيز وأقطعه خبزا.وله شعر حسن كأخيه.
توفي سنة أربع وثلاثين وست مائة.
ومن شعره:
أما واشتياقي عند خطرة ذكركم إلا قسم لو تعلمـون عـظـيم
لأنتم وإن عذبتموني بهجركـم على كل حال جـنة ونـعـيم
سلمتم من الوجد الذي بي عليكم ومن مهجة فيها أسى وكلـوم
فلا ذقتم ما ذقت منكم فلي بكم رسيس غرام مقعد ومـقـيم قلت:هو شعر جيد.ومولده سنة ست وست مائة.
ابن قلاوون
السلطان الأعظم الملك الناصر محمد بن قلاوون السلطان الأعظم الملك الناصر ناصر الدين أبو الفتح محمد بان السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي.
ولد الملك الناصر سنة أربع وثمانين ووالده المنصور على حصن المرقب محاصرا،وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشر ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبع مائة،ودفن ليلة الخميس بالمدرسة المنصورية بين القصرين،وأنزل على والده.
كان ملكا عظيما دانت له العباد وملوك الأطراف بالطاعة.
صفحة : 576
ولما قتل أخوه الملك الأشرف خليل على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته في عاشر المحرم سنة ثلاث وتسعين وست مائة وقتل من قتل من قاتليه وقع الاتفاق بعد قتلة بيدرا أن يكون السلطان الملك الناصر أخوه هو السلطان وزين الدين كتبغا هو النائب والأمير علم الدين الشجاعي هو الوزير وأستاذ الدار واستقر ذلك.
ووصل إلى دمشق الأمير سيف الدين ساطلمش والأمير سيف الدين بهادر التتري على البريد في رابع عشرين المحرم ومعهما كتاب من الأشرف مضمونه:أننا استنبنا أخانا الملك الناصر ناصر الدين محمدا وجعلناه ولي عهدنا حتى إذا توجهنا إلى لقاء العدو يكون لنا من يخلفنا،فحلف الناس على ذلك وخطب الخطيب ودعا للسلطان الملك الأشرف ثم دعا لولي عهده الملك الناصر أخيه وكان ذلك تدبيرا من الشجاعي.
وفي ثاني يوم ورد مرسوم من مصر بالحوطة على موجود بيدرا ولاجين وقراسنقر وطرنطاي الساقي وسنقرشاه وبهادر رأس نوبة.
وظهر الخبر بقتل السلطان الملك الأشرف واتفاق الكلمة على سلطنة الملك الناصر أخيه.
واستقل زين الدين كتبغا نائبا والشجاعي مدبر الدولة وقبض على جماعة من الأمراء الذين اتفقوا على قتلة الشرف وهم:الأمير سيف الدين نوغاي وسيف الدين الناق وعلاء الدين الطنبغا الجمدار وشمس الدين آقسنقر مملوك لاجين وحسام الدين طرنطاي الساقي ومحمد خواجا وسيف الدين اروس،وكان ذلك في خامس صفر،فأمر السلطان الملك الناصر بقطع أيديهم وتسميرهم أجمعين،وطيف بهم مع رأس بيدرا ثم ماتوا إلى العشرين من صفر فبلغ كتبغا أن الشجاعي قد عامل الناس في الباطن على قتله.
فلما كان خامس عشرين صفر ركب كتبغا في سوق الخيل وقتل بسوق الخيل أمير يقال له البندقداري لأن جاء إلى كتبغا وقال له:اين حسام الدين?أحضرهفقال ما هو عندي،فقال:بل هو عندك ومد يده إلى سيفه ليسله فضربه بلبان الأزرق مملوك كتبغا بالسيف وحل كتفه،ونزل مماليك كتبغا فأنزلوه وذبحوه في سوق الخيل.
ومال العسكر من الأمراء والمقدمين والتتار والأكراد إلى كتبغا ومال البرجية وبعض الخاصكية إلى الشجاعي لأنه أنفق فيهم في يوم ثمانين ألف دينار وقرر أن كل من أحضر راس أمير كان اقطاعه له.
وحاصر كتبغا القلعة وقطع الماء عنها فنزل البرجية ثاني يوم من القلعة على حمية وقاتلوا كتبغا وهزموه إلى بئر البيضاء،فركب الأمير بدر الدين البيسري وبدر الدين بكتاش أمير سلاح وبقية العسكر نصرة لكتبغا وردوهم وكسروهم إلى أن أدخلوهم القلعة وجدوا في حصارها فطلعت الست والدة السلطان الملك الناصر إلى أعلى السور وقالت:ايش المراد?فقالوا:ما لنا غرض غير إمساك الشجاعي،فاتفقت مع الأمير حسام الدين لاجين الأستاذ دار وأغلقوا باب القلة وبقي الشجاعي في داره محصورا،وتسرب الأمراء الذين معه واحدا بعد واحد ونزلوا إلى كتبغا فطلب الشجاعي الأمان فطلبوه إلى الست وإلى حسام الدين لاجين أستاذ الدار ليستشيروه فيما يفعلونه فلما توجه إليهم ضربه ألاقوش المنصوري بالسيف قطع يده ثم ضربه أخرى برا رأسه ونزلوا برأسه إلى كتبغا،وجرت أمور وأغلقت أبواب القاهرة خمسة أيام ثم طلع كتبغا إلى القلعة سابع عشرين صفر ودقت البشائر وفتحت الأبواب وجددت الأيمان والعهود للسلطان الملك الناصر وأمسك جماعة من البرجية كانوا مع الشجاعي.
وجاء الخبر إلى دمشق ثالث شهر ربيع الأول بقتل الشجاعي والحوطة على ما يتعلق به وخطب الخطيب يوم الجمعة حادي عشرين ربيع الأول للسلطان الملك الناصر استقلالا بالملك وترحم على أبيه المنصور وأخيه الأشرف.
وفي عشرين شهر رجب ورد البريد من مصر بالحلف للسلطان الملك الناصر وأن يقرن معه في الأيمان كتبغا،وخطب الخطيب بالدعاء للسلطان ولولي عهده الأمير زين الدين كتبغا.
وفي سلخ رجب ورد البريد بأن السلطان الملك الناصر ركب في أبهة الملك وشعار السلطنة ركب وشق القاهرة دخل من باب النصر وخرج من باب زويلة عائدا إلى القلعة وزين الدين كتبغا والأمراء يمشون في ركابه،وفرح الناس بذلك ودقت البشائر.
ولم يزل مستمرا في الملك إلى حادي عشر المحرم سنة أربع وتسعين فتسلطن زين الدين كتبغا وتسمى الملك العادل،وحلف له الأمراء بمصر والشام وزينت له البلاد ودقت البشائر.
صفحة : 577
وجعل أتابكه الأمير حسام الدين لاجين وتولى الوزارة الصاحب فخر الدين عمر بن الخليلي وصرف تاج الدين ابن حنى.
وحصل الغلاء الزائد المفرط في أيامه حتى بلغ الإردب بمصر إلى مائة وعشرين درهما والرطل اللحم بالدمشقي بسبعة دراهم والرطل اللبن بدرهمين والبيض ست بيضات بدرهم ورطل بثمانية دراهم ولم يكن الشام مرخصا وتوقفت الأمطار وفزع الناس.
وذلك في سنة خمس وتسعين وست مائة وتبع ذلك وباء عظيم وفناء كبير ثم أن الغلاء وقع بالشام وبلغت الغرارة مائة وثمانين درهما.
ثم قدم الملك العادل كتبغا إلى دمشق بالعساكر في ذي القعدة سنة خمس وتسعين،ولما عاد العادل إلى مصر من نوبة حمص وكان في سلخ المحرم سنة ست وتعسين فلما كان بوادي فحمة قتل حسام الدين لاجين الأمير سيف الدين بتخاص وبكتوت الأزرق العادليين وكانا عزيزان على العادل،فلما رأى العادل الهوشة خاف على نفسه فركب فرس النوبة وساق ومعه خمسة مماليك ووصل إلى دمشق العصر ونزل بالقلعة.
وساق حسام الدين لاجين بالخزائن وركب في دست الملك وبايعه الجيش ولم يختلف عليه اثنان،وتسمى بالمنصور وخطب له بالقدس وغزة وجاء الخبر إلى دمشق بأن صفد زينت وضربت البشائر بها وبالكرك ونابلس.
ووصل كجكن والأمراء من الرحبة فلم يدخلوا دمشق ونزلوا بالقرب من مسجد القدم،وأظهر كجكن سلطنة المنصور حسام الدين لاجين فتحقق العادل زوال ملكه وأذعن له بالطاعة واجتمع الأمراء وحلفوا للمنصور.
وفي مستهل ربيع الأول سنة ست وتسعين خطب للمنصور بدمشق واستناب بمصر الأمير شمس الدين قراسنقر ثم قبض عليه واستناب مملوكه منكوتمر وجعل الأمير سيف الدين قبجق نائبا بدمشق.
وجهز السلطان الناصر إلى الكرك وقال له المنصور:لو علمت أنهم يخلون الملك لك والله لتركته ولكنهم لا يخلونه لك وأنا مملوكك ومملوك والدك أحفظ لك الملك وأنت الآن تروح إلى الكرك إلى أن تترعرع وترتجل وتتخرج وتجرب الأمور وتعود إلى ملكك بشرط أنك تعطيني دمشق وأكون بها مثل صاحب حماة فيها،فقال له السلطان الملك الناصر:فاحلف لي أن تبقي علي نفسي وأنا أروح،وحلف كل منهما على ما أراده الآخر.
ولما توجه إلى الكرك أقام بها إلى أن قتل المنصور حسام الدين لاجين في شهر ربيع الآخر سنة ثمان وتعسين وست مائة على ما يذكر في ترجمته.
وحلف الأمراء للسلطان الملك الناصر وأحضروه من الكرك وملكوه وهذه سلطنته الثانية.
واستقر في النيابة بمصر الأمير سيف الدين سلار وفي الأتابكية حسام الدين لاجين استاد دار.وفي جمادى الأولى من السنة ركب السلطان الملك الناصر بالقاهرة في دست الملك والتقليد الحاكمي وعمره يومئذ خمس عشرة سنة،ورتب الأمير جمال الدين آقوش الأفرم نائبا بدمشق.
وفي عود السلطان إلى الملك ثانيا قال علاء الدين الوداعي ومن خطه نقلت:
الملك الناصر قد أقبلـت دولته مشرقة الشمـس
عاد إلى كرسيه مثل مـا عاد سليمان إلى الكرسي ولما حضر التتار إلى الشام خرج السلطان بالعساكر إلى الشام للقاء العدو في أوائل سنة تسع وتسعين وست مائة فدخل دمشق في ثامن شهر ربيع الأول بعدما طول الإقامة على غزة وأقام في قلعة دمشق تسعة أيام.
وعدى قازان والتتار الفرات وخرج السلطان لملتقى العدو وساق إلى حمص وركب بكرة الأربعاء سابع عشرين الشهر المذكور وساق إلى وادي الخزندار،فكانت الوقعة والتحم الحرب واستحر القتل ولاحت إمارات النصر للمسلمين وثبتوا إلى العصر وثبت السلطان والخاصكية ثباتا كليا فانكسرت ميمنة المسلمين وجاءهم ما لا قبل لهم به،لأن الجيش لم يتكامل يومئذ وكان الجيش بضعة وعشرين ألفا والتتار قريبا من مائة ألف فيما قيل،وشرعوا في الهزيمة واخذ الأمراء السلطان وتحيزوا به وحموا ظهورهم وساروا على درب بعلبك والبقاع،وبعض العسكر المكسور عبروا دمشق واستشهد بالمصاف جماعة من الأمراء.
وخطب بدمشق للملك مظفر الدين محمود قازان ورفع في ألقابه،وتولى الأمير سيف الدين قبجق النيابة عن التتار بدمشق.
وملك قازان دمشق خلا القلعة فإن ارجواش قام بحفظها وأبان عن حزم عظيم وعزم قويم.
صفحة : 578
وجبى التتار الأموال من دمشق وقاسى الناس منهم شدائد وأهوالا عظيمة،وكان إذا قرروا على الإنسان عشرة آلاف درهم ينوبه ترسيم المغل القان وقرر على كل سوق شيء من المال واستخرجوه بالضرب والإحراق،وكان ما حمله وجيه الدين ابن المنجا إلى خزانة قازان ثلاثة آلاف ألف وست مائة ألف درهم خلاف ما ناب الناس من البرطيل والترسيم.
ولم يزل قازان بالغوطة نازلا إلى ثاني عشر جمادى الأولى فرحل طالبا بلاده وتخلف بالقصر نائبه خطلوشاه في فرقة من الجيش،وفي رجب جمع قبجق العيان والقضاة إلى داره وحلفهم للدولة القازانية بالنصح وعدم المداجاة،ثم إن قبجق توجه هو والصاحب عز الدين ابن القلانسي إلى مصر في نصف رجب وقام بحفظ المدينة وأمر الناس ارجواش.
وفي يوم الجمعة سابع عشر شهر رجب أعيدت الخطبة للملك الناصر وكان مدة إسقاط ذلك مائة يوم.
وأما السلطان فإنه دخل بعد الكسرة إلى مصر وتلاحق به الجيش ونفق في العساكر واشتريت الخيل وآلات السلاح بالثمن الغالي.
وفي يوم عاشر شعبان قدم الأفرم نائب دمشق بعسكر دمشق وقدم أمير سلاح والميسرة المصرية ثم دخلت الميمنة ثم دخل القلب وفيهم سلار وتوجه سلار بالجيوش إلى القاهرة.
ثم كثرت الأراجيف بمجيء التتار وانجفل الناس إلى مصر وإلى الحصون،وبلغ كراء المحارة إلى مصر خمس مائة درهم.
ثم فترت أخبار التتار في شهر ربيع الأول سنة سبع مائة،ثم دخل التتار إلى حلب وشرع الناس في قراءة البخاري،وقال الوداعي في ذلك ومن خطه نقلت:
بعثنا على جيش العدو كتائبـا بخارية فيها النبـي مـقـدم
فردوا إلى الاردو بغيظ وخيبة واردوا وجيش المسلمين مسلم
فقوا لهم عودوا نعد ووراءكم إذا ما أتيتم أو أبيتم جـهـنـم ووصل السلطان إلى العريش ووصل غازان إلى حلب،ودخل جمادى الأولى والناس في أمر مريج ووصل بكتمر السلاحدار بألف فارس وعاد السلطان إلى مصر،وانجفل الناس غنيهم وفقيرهم ونودي بالرحيل إلى مصر في الأسواق وضج النساء والأطفال وغلقت أبواب دمشق واقتسم الناس قلعة دمشق بالشبر،ووقع على غيارة التتار يزك حمص فكسروهم وقتلوا منهم نحو مائة،وصحت الأخبار برجوع غازان من حلب فبلع الناس ريقهم،وهلك كثير من التتار بحلب من الثلج والغلاء وعز اللحم بدمشق فأبيع الرطل بتسعة دراهم ثم دخل الأفرم والأمراء من المرج بعد ما أقاموا به أربعة أشهر واستقر حال الناس بعد ذلك.
وفي شهر شعبان ألبس النصارى الأزرق واليهود الأصفر والسامرة الأحمر وسبب ذلك ان مغربيا كان جالسا بباب القلة عند الجاشنكير وسلار فحضر بعض الكتاب النصارى بعمامة بيضاء فقام له المغربي يتوهم أنه مسلم ثم ظهر له أنه نصراني فدخل إلى السلطان وفاوضه في تغيير زي أهل الذمة ليمتاز المسلمون عنهم،وفي ذلك يقول علاء الدين علي بن مظفر الكندي الوداعي ومن خطه نقلت:
لقد ألزم الكفار شاشات ذلة تزيدهم من لعنة الله تشويشا
فقلت لهم ما ألبسوكم عمائما ولكنهم قد ألزموكم براطيشا وقال أيضا:
غيروا زيهـــم بـــمـــا غـــيروه من صـفـات الـنـبـي رب الـمـكـارم
فعليهم كما ترون براطيش ولكنها تسمى عمائم وقال أيضا:
لقد البسوا أهل الكتـابـين ذلة ليظهر منهم كل من كان كامنا
قلت لهم ما ألبسوكم عمـائمـا ولكنهم قد ألبسوكم لـعـائنـا وفي ذلك يقول شمس الدين الطيبي وهو أحسن من الأول:
تعجبوا للنصارى واليهود مـعـا والسامريين لما عمموا الخرقـا
كأنما بالأصبـاغ مـنـسـهـلا نسر السماء فأضحى فوقهم ذرقا وفي جمادى الأولى سنة إحدى وسبع مائة توفي أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي ودفن عند الست نفيسة وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في الأحمدين،وتولى الخلافة أمير المؤمنين المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بولاية العهد إليه من والده الحاكم،وقرئ تقليده بعد عزاء والده وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف السين في مكانه.
وفي سنة اثنتين وسبع مائة فتحت جزيرة أرواد وهي بقرب انطرسوس وقتل بها عدة من الفرنج ودخلوا بالأسرى وهم ما يقارب الخمسين أسيرا إلى دمشق.
صفحة : 579
وفي شعبان من السنة عدت التتار الفرات وانجفل الناس وخرج السلطان بجيوشه مكن مصر.
وفي عاشر شعبان كان المصاف بين التتار والمسلمين بعرض ان المسلمون ألفا وخمس مائة وعليهم أسندمر واغرلوا العادلي وبهادرآص وكان التتار نحوا من أربعة آلاف فانكسروا وقتل منهم خلق كثير وأسر مقدمهم.
ثم دخل من المصريين خمس تقادم وعليهم الجاشنكير والحسام أستاذ الدار،ثم دخل بعدهم ثلاثة آلاف عليهم أمير سلاح ويعقوبا وأيبك الخازندار،ثم أتى عسكر حلب وحماه متقهقرا من التتار وتجمعت العساكر إلى الجسورة بدمشق.
واختبط الناس واختنق في أبواب دمشق غير واحد وهرب الناس وبلغت القلوب الحناجر،ووصل السلطان إلى الغور وغلقت أبواب دمشق وضج الخلق إلى الله ويئس الناس من الحياة ودخل شهر رمضان وتعلقت الآمال ببركاته.
ووصل التتار إلى المرج وساروا إلى جهة الكسوة وبعدوا عن دمشق بكرة السبت ثاني شهر رمضان،وصعد النساء والأطفال إلى السطوح وكشفوا الرؤوس وضجوا وجأروا إلى الله ووقع مطر عظيم.
ووقعت الظهر بطاقة بوصول السلطان واجتماع العساكر المحمدية بمرج الصفر ثم وقعت بعدها بطاقة تتضمن طلب الدعاء وحفظ أسوار البلد.
وبعد الظهر وقع المصاف والتحم الحرب فحمل التتار على الميمنة فكسروها وقتل مقدمها الحسام أستاذ الدار،وثبت السلطان ذلك اليوم ثباتا زائدا عن الحد،واستمر القتال من العصر إلى الليل ورد التتار من حملتهم على الميمنة بغلس وقد كل حدهم فتعلقوا بالجبل المانع وطلع الضوء يوم الأحد والمسلمون محدقون بالتتار فلم يكن ضحوة إلا وقد ركن التتار إلى الفرار وولوا الأدبار.ونزل النصر ودقت البشائر وزين البلد.
وكان التتار نحوا من خمسين ألفا عليهم خطلوشاه نائب غازان.ورجع قاوان من حلب في ضيق صدر من كسرة أصحابه يوم عرض وبهذه الكسرة سقطت قواه لأنه لم يعد إليه من أصحابه غير الثلث،وتخطفتهم أهل الحصون وساق سلار وقبجق وراء المنهزمين إلى القريتين ولم ينكسر التتار مثل هذه المرة.
وحكى لي جماعة من أهل دير يسير انهم كانوا يأتون إلينا عشرين عشرين وأكثر أو أقل ويطلبون منا أن نعدي بهم الفرات في الزواريق إلى ذلك البر فما نعدي بمركب إلا ونقتل كل من فيه حتى ان النساء كن يضربنهم بالفؤوس ونذبحهم في ذلك فما تركنا أحدا منهم يعيش،وهذه الواقعة إلى الآن في قلوبهم وكان قد جاء كتاب غازان يقول فيه:ما جئنا هذه المرة إلا للفرجة في الشام،فقال علاء الدين الوداعي ومن خطه نقلت:
قولوا لقازان بـأن جـيوشـه جاءوا ففرجناهم بـالـشـام
في سرحة المرج التي هاماتهم منثورها وشقائق الأجـسـام
ما كان أشأمها عليهـم فـرجة غمت،وأبركها على الإسـلام وقال لما انهزم:
أتى قازان عدوا في جـنـود على أخذ البلاد غدوا حراصا
فما كسبوا سوى قتل وأسـر وأعطوه بحصاته حصاصـا وأنشدني لنفسه الشيخ الإمام العلامة نجم الدين علي بن داود القحفازي النحوي في ذلك:
لما غدا غازان فخارا بـمـا قد نال بالأمس وأغراه البطر
جاء يرجي مثلـهـا ثـانـية فانقلب الدست عليه وانكسر وقد نظم الناس في هذه الواقعة،ومن أحسن ما وقفت عليه في ذلك قول شمس الدين الطيبي وهي تقارب المائة بيت ولكن هذا الذي وجدت منها وهو:
برق الصوارم للأبصار يختـطـف والنقع يحكي سحابا بالدمـا يكـف
أحلـى وأغـلـى قـيمة وسـنـا من ريق ثغر الغواني حين يرتشف
وفي قدود القنا معنى شغفـت بـه لا بالقدود التي قد زانها الـهـيف
ومن غدا بالخدود الحمر ذا كـلـف فإنني بحدود البيض لـي كـلـف
ولأمة الحرب في عيني أحسن مـن لام العذار الذي في الخد ينعطـف
كلاهـمـا زرد،هـذا يفــيد،وذا يردي،فشانهما في الفعل يختـلـف
والخيل في طلب الأوتار صـاهـلة ألذ لحنا مـن الأوتـار تـأتـلـف
ما مجلس الشرب والأرطـال دائرة كموقف الحرب والأبطال تزدلـف
والرزق من تحت ظلا لرمح مقترن بالعز والذل يأباه الفتى الصـلـف
صفحة : 580
لا عيش إلا لفتـيان إذا انـتـدبـوا ثاروا وإن نهضوا في غمة كشفـوا
بقي بهم ملة الإسلام نـاصـرهـا كما يقي الدرة المكنونة الـصـدف
قاموا لقوة دين اللـه مـا وهـنـوا لما أصابهم فـيه ولا ضـعـفـوا
وجاهدوا في سبيل الله فانتـصـروا من بعد ظلم ومما ساءهم أنـفـوا
لما أتتهم جموع الكفـر يقـدمـهـم رأس الضلال الذي في عقله حنف
جاءوا وكل مقام ظل مضـطـربـا منهم وكل مقـام بـات يرتـجـف
فشاهدوا علم الإسلام مـرتـفـعـا بالعدل فاستيقنوا ان ليس ينصـرف
لاقاهم الفيلق الجرار فانـكـسـروا خوف العوامل بالتأنيث فانصرفـوا
يا مرج صفر بيضت الوجوه كمـا فعلت من قبل الإسـلام يؤتـنـف
أزهر روضك أزهى عند نفحـتـه أم يانعات رؤس فيك تقـتـطـف
غدران أرضك قد أضحت لواردهـا ممزوجة بدماء المغل تـغـتـرف
زلت على كتف المصري أرجلهـم فليس يدرون أنى تؤكل الـكـتـف
آووا إلى جبل لو كان يعـصـهـم من موج فرج المنايا حين يختطف
دارت عليهم من الشجـعـان دائرة فما نجا سالم منهم وقـد زحـفـوا
ونكسوا منهم الأعلام فانـهـزمـوا ونكصوهم على الأعقاب فانقصفوا
ففي جماجمهم بيض الظبـى زبـر وفي كلاكلهم سمر القنا قـصـف
فروا من السيف ملعونين حيث سروا وقتلوا في البراري حيثما ثقـفـوا
فما استقام لهم في أعـوج نـهـج ولا أجارهم من مـانـع كـنـف
وملت الأرض قتلاهم بما قـذفـت منهم وضاق منها المهمه الـقـذف
والطير والوحش قد عافت لحومهـم ففي مزاج الضواري منهم قـرف
ردوا فكل طريق نحـو أرضـهـم تدل جاهلها الأشـلاء والـجـيف
وأدبروا فتولى قـطـع دابـرهـم والحمد لله قوم للـوغـى ألـفـوا
ساقوهم فسقوا شط الـفـرات دمـا وطمهم بعباب السيل فانـحـرفـوا
وأصبحوا بـعـد لا عـين ولا أثـر عن القلاع عليها منهـم شـعـف
يا برق بلغ إلى غازان قصـتـهـم وصف فقصتهم من فوق ما تصف
بشر بهلكهم ملك العـراق لـكـي يعطيك حلوانها حلوان والنـجـف
وإن يسل عنهم قل قد تـركـتـهـم كالنخل صرعى فلا تمر ولا سعف
ما أنت كفو عروس الشام تخطبهـا جهلا وأنت إليها الهـائم الـدنـف
قد مات قبلك آباء بـحـسـرتـهـا وكلهم مغرم مغرى بهـا كـلـف
إن الذي في جحيم النار مسـكـنـه لا تستباح له الجنـات والـغـرف
وإن تعودوا تعد أسـيافـنـا لـكـم ضربا إذا قابلتها رضت الحـجـف
ذوقوا وبال تعديكـم وبـغـيتـكـم في أمركم ولكأس الخزي فارتشفوا
فالحمد لله معطي النصر نـاصـره وكاشف الضر حيث الحال تنكشف وفي ذي الحجة من السنة المذكورة كانت الزلزلة العظيمة بمصر والشام وكان تأثيرها بالإسكندرية أعظم ذهب تحت الردم بها عدد كبير وطلع البحر إلى نصف البلد واخذ الجمال والرجال وغرقت المراكب وسقطت بمصر دور لا تحصى وهدمت جوامع ومآذن فانتدب الجاشنكير وسلار وغيرهما من الأمراء والكبار وأخذ كل واحد منهم جامعا وعمره وجدد له وقوفا.
وفي سنة ثلاث وسبع مائة توجه أمير سلاح وعسكر من دمشق وقبجق في عسكر حماه واسندمر في عسكر الساحل وقراسنقر في عسكر حلب ونازلوا تل حمدون وأخذوها ودخل بعض العسكر الدربند وانحازوا ونهبوا وأسروا خلقا ودقت البشائر.
وفي شوال من خدابنده هذه السنة توفي غازان ملك التتار وملك بعده أخوه محمد الملقب.
صفحة : 581
وفي سنة خمس وسبع مائة نازل الأفرم بعساكره من دمشق جبل الجرد وكسر الكسروانيين -وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى في ترجمته-لأنهم كانوا وافض روكانوا قد آذوا المسلمين وقتلوا المنهزمين من العساكر المصرية في نوبة قازان الأولى الكائنة في سنة تسع وتسعين وست مائة.
وفي سنة ثمان وسبع مائة ذهب السلطان في شهر رمضان إلى الحجاز وأقام بالكرك متبرما من سلار الجاشنكير وحجرهم عليه ومنعهم له من التصرف.
قيل أنه طلب يوما خروفا رميسا فمنع منه أو قيل له:حتى يجيء كريم الدين الكبير،لأنه كان كاتب الجاشنكير.
وأمر نائب الكرك بالتحول إلى مصر وعند دخوله القلعة انكسر به الجسر فوقع نحو خمسين مملوكا إلى الوادي ومات منهم أربعة وتهشم جماعة.
وأعرض السلطان عن أمر مصر فوثب لها بعد أيام الجاشنكير وتسلطن وخطب له وركب بخلعة الخلافة وذلك عندما جاءتهم كتب السلطان باجتماع الكلمة فإنه ترك لهم الملك.
وفي سنة تسع وسبع مائة في شهر رجب خرج السلطان من الكرك قاصدا دمشق وكان قد ساق إليه من مصر مائة وسبعون فارسا فيهم أمراء وأبطال،وجاء مملوك السلطان إلى الأفرم يخبره بان السلطان وصل إلى الخمان فتوجه إلى السلطان بيبرس المجنون وبيبرس العلائي ثم ذهب بهادر آص لكشف القضية فوجد السلطان قد رد إلى الكرك.
ثم بعد أيام ركب السلطان وقصد دمشق بعدما ذهب إليه قطلبك الكبير والحاج بهادر وقفز سائر المراء إلى السلطان،فقلق الأفرم ونزح بخواصه مع علاء الدين ابن صبح إلى شقيف ارنون فبادر بيبرس العلائي وآقجبا المشد وأمير علم في إصلاح الجتر والعصائب وأبهة الملك فدخل السلطان قبل الظهر إلى دمشق وفتح له باب سر القلعة ونزل النائب وقبل له الأرض فلوى عنان فرسه إلى جهة القصر الأبلق ونزل به،ثم عن الأفرم حضر إليه بعد أربعة أيام فأكرمه واستمر به في نيابة دمشق وبعد يومين وصل نائب حماة قبجق واسندمر نائب طرابلس وتلقاهما السلطان،وفي ثامن عشرين الشهر وصل قراسنقر نائب حلب.
ثم خرج لقصد مصر في تاسع رمضان ومعه الأمراء ونواب الشام والأكابر والقضاة،ووصل غزة وجاء الخبر بنزول الجاشنكير عن الملك وانه طلب مكانا يأوي إليه وهرب من مصر مغربا وهرب سلار مشرقا.
فلما كان بالريدانية ليلة العيد اتفق الأمراء عليه وهموا بقتله فجاء إليه بهاء الدين ارسلان دوادار سلار وقال:قم الآن اخرج من جانب الدهليز واطلع إلى القلعة،فرعاها له فلم يشعر الناس إلا بالسلطان وقد خرج راكبا فتلاحقوا به وركبوا في خدمته وصعد إلى القلعة،وكان الاتفاق قد حصل أن قراسنقر يكون نائبا بمصر وقطلوبك الكبير نائب دمشق.
فلما استقر الحال قبض السلطان في يوم واحد على اثنين وثلاثين أميرا من السماط ولم ينتطح فيها عنزان وأمر للافرم بصرخد ولقراسنقر بدمشق وجعل بكتمر الجوكندار الكبير نائبا بمصر وجعل قبجق نائب حلب والحاج بهادر نائب طرابلس وقطلوبك الكبير نائب صفد.
وفي سنة عشر وسبع مائة وصل في المحرم اسندمر نائبا على حماة وفيها صرف القاضي بدر الدين ابن جماعة عن القضاء وتولى القاضي جمال الدين الزرعي وصرف السروجي وتولى القاضي شمس الدين الحريري قضاء الحنفية طلب من دمشق.
وبعد أيام قلائل توفي الحاج بهادر نائب طرابلس ومات بحلب نائبها قبجق فرسم لاسندمر بحلب وطرابلس لأفرم وأمره السلطان بان لا يدخل دمشق على ما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وفي هذه الأيام أعطى السلطان حماة لعماد الدين إسماعيل بن الأفضل وجعله بها.
وفي سنة إحدى عشرة في أولها نقل قراسنقر من نيابة دمشق إلى نيابة حلب بعدما امسك اسندمر نائب حلب وتولى كراي المنصوري نيابة دمشق.
وفي شهر ربيع الآخر أيعد القاضي بدر الدين ابن جماعة إلى منصبه بالقاهرة وتقرر القاضي جمال الدين الزرعي قاضي العسكر ومدرس مدارس.
وفي جمادى الأولى أمسك كراي المنصوري نائب دمشق وقيد وجهز إلى الباب بعدما امسك الأمير سيف الدين بكتمر والجوكندار النائب بمصر وأمسك قطلوبك الكبير نائب صفد وحبس هو وكراي بالكرك ثم جاء الأمير جمال الدين آقوش الأشرفي نائب الكرك إلى دمشق نائبا.
صفحة : 582
وفي سنة اثنتي عشرة تسحب الأمير عز الدين الزردكاش وبلبان الدمشقي وأمير ثالث إلى الأفرم وساق الجميع إلى عند قراسنقر وتوجه الجميع إلى عند مهنا فأجارهم وعدوا الفرات طالبين خدابنده ملك التتار على ما سيأتي عن شاء الله تعالى في ترجمة الأفرم وغيره.
وفي ربيع الأول طلب نائب دمشق الأمير جمال الدين الأشرفي إلى مصر وفيها أمسك بيبرس العلائي نائب حمص وبيبرس المجنون وطوغان وبيبرس التاجي وكجلي والبرواني وحبسوا في الكرك وامسك بمصر جماعة.
وفي ربيع الآخر قدم الأمير سيف الدين تنكز إلى دمشق نائبا وسودي إلى حلب نائبا.
وفي أوائل رمضان قويت الأراجيف بمجيء التتار ونازل خدابنده الرحبة على ما تقدم في ترجمته وانجفل الناس ثم أنه رحل عنها.
وأما السلطان فإن عيد بمصر وخرج إلى الشام فوصل إليها في ثالث عشرين شوال وصلى بالجامع الأموي وعمل دار عدل وتوجه من دمشق إلى الحجاز.
وفي سنة ثلاث عشرة وصل السلطان من الحج إلى دمشق ثم توجه عائدا إلى مصر.
وفي سنة أربع عشرة وسبع مائة توفي سودي نائب حلب وحضر عوضه الأمير علاء الدين الطنبغا.
وفي سنة خمس عشرة وسبع مائة توجه الأمير سيف الدين تنكز بعساكر الشام وستة آلاف من مصر إلى غزو ملطية وفتحها وسبوا ونهبوا وألقوا النار في جوانبها وقتل جماعة من النصارى.
وفي سنة ست عشرة توفي خدابنده ملك التتار وملك بعده ولده بوسعيد على ما سيأتي ذكره عن شاء الله تعالى.
وفي سنة إحدى وعشرين وسبع مائة وقع الحريق بمصر واحترق دور كثيرة للأمراء وغيرهم ثم ظهر أن ذلك من كيد النصارى لنه وجد مع بعضهم آلة الإحراق من النفط وغيره فقتل منهم وأسلم عدة ورجم العامة والحرافيش كريم الدين الكبير فأنكر السلطان ذلك وقطع أيدي أربعة وقيد جماعة.
وفيها جرى الصلح بين السلطان وبين بوسعيد ملك التتار سعى في ذلك مجد الدين السلامي مع النوين جوبان والوزير علي شاه.
وفي سنة خمس وعشرين جهز السلطان من مصر نحو ألفي فارس نجدة لصاحب اليمن عليهم الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب والأمير سيف الدين طينال فدخلوا زبيد وألبسوا الملك المجاهد خلع السلطنة ثم عاد العسكر فبلغ السلطان أمور نقمها على الأميرين المذكورين فاعتقلهما.
وفي سنة ست وعشرين حج الأمير سيف الدين أرغون النائب ولما حضر أمسكه السلطان ثم جهزه إلى حلب نائبا على ما سيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته.
وفي سنة سبع وعشرين طلب الأمير شرق فالدين حسين بن حندر من دمشق إلى مصر ليقيم بها أميرا وطلب قاضي القضاة جلال الدين القزويني إلى مصر ليكون بها حاكما وفيها كان عرس ابنة السلطان على الأمير سيف الدين قوصون على ما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وفيها كانت الكائنة بالإسكندرية وتوجه الجمالي إليها وصادر الكارم والحاكة وغيرهم وضرب القاضي ووضع الزنجير في رقبته وكان ذلك أمرا فضيحا.
وفي سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة دخل ابن السلطان آنوك بن الخوندة طغاي على بنت الأمير سيف الدين بكتمر الساقي وكان عرسا عظيما حضره تنكز نائب الشام وسيأتي ذكر ذلك في ترجمة آنوك عن شاء الله تعالى.
وتوجه السلطان فيها إلى الحج واحتفل المراء بالحج وفي العود توفي الأمير سيف الدين بكتمر الساقي وولده أمير أحمد.
وفيها أمسك الصاحب شمس الدين ناظر دمشق وأخذ خطه في مصر بألفي درهم على ما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وفي سنة ثلاث وثلاثين عمر نائب الشام الأمير سيف الدين تنكز قلعة جعبر وصارت ثغرا للمسلمين.
وفي سنة خمس وثلاثين وسبع مائة حضر مهنا أمير العرب إلى السلطان وداس بساطه بعد عناء عظيم وتسويف كثير فأقبل عليه وأعطاه شيئا كثيرا وعاد إلى بلاده.
وبها أخرج السلطان من السجن ثلاثة عشر أميرا منهم بيبرس الحاجب وتمر الساقي.
وفي سنة ست وثلاثين توفي بو سعيد رحمه الله تعالى على ما سيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى.
وفي سنة أربعين وسبع مائة أمسك السلطان الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى في ثالث عشرين ذي الحجة على ماسيأتي في ترجمته إن شاء الله تعالى.
في سنة إحدى وأربعين توفي آنوك رحمه الله تعالى ولد السلطان.وفيها توفي السلطان الملك الناصر رحمه الله تعالى وعفا عنه بعد ولده بأشهر قليلة في التاريخ المذكور.
صفحة : 583
وقام في الملك بعده ولده الملك المنصور أبو بكر بوصية أبيه على ما سيأتي في ترجمته رحمه الله تعالى.
وكان السلطان الملك الناصر ملكا عظيما محظوظا مطاعا مهيبا ذا بطش ودهاء وحزم شديد وكيد مديد،فلما حاول أمرا فانجزم عليه فيه شيء يحاوله لأنه كان يأخذ نفسه فيه بالحزم البعيد والاحتياط،أمسك إلى أن مات مائة وخمسين أميرا،وكان يلبس الناس على علاتهم ويصبر الدهر الطويل على الإنسان وهو يكرهه،تحدث مع أرغون الدوادار في إمساك كريم الدين الكبير قبل القبض عليه بأربع سنين وهم بإمساكك تنكز لما ورد من الحجاز سنة ثلاث وثلاثين بعد بكتمر ثم أنه أمهله ثماني سنين بعد ذلك.
وكان ملوك البلاد الكبار يهادونه ويراسلونه وكانت ترد إليه رسل صاحب الهند وبلاد أزبك وملوك الحبشة وملوك الغرب والفرنج وبلاد الأشكري وصاح باليمن.
وأما بوسعيد ملك التتار فكانت الرسل لا تنقطع بينهما ويسمي كل منهما الآخر أخا وصارت الكلمتان واحدة والمملكتان واحدة ومراسيم السلطان تنفذ في بلاد بوسعيد ورسله يتوجهون بأطلابهم وطبلخاناتهم بأعلامهم المنشورة.
ولكما بعد الإنسان عن بلاده وجد مهابته أعظم ومكانته في القلوب أعظم.
وكان سمحا جوادا على من يقربه ويؤثره لا يبخل عليه بشيء كائنا ما كان.
سألت القاضي شرف الدين النشو قلت:أطلق يوما ألف ألف درهم?قال:نعم كثير وفي يوم واحد أنعم على الأمير سيف الدين بشتاك بألف ألف درهم في ثمن قرية يبنى التي بها قبر أبي هريرة على ساحل الرملة،وأنعم على موسى ابن مهنا بألف ألف درهم.
وقال لي:هذه ورقة فيها ما أبتاعه من الرقيق أيام مباشرتي وكان ذلك من شعبان سنة اثنتين وثلاثين إلى سنة سبع وثلاثين وسبع مائة فكان جملته أربع مائة ألف وسبعين ألف دينار مصرية،كذا قال.
وكان ينعم على الأمير سيف الدين تنكز كل سنة يتوجه إليه إلى مصر وهو بالباب بما يزيد على ألف ألف درهم،ولما تزوج سيف الدين قوصون بابنة السلطان وعمل عرسه حمل الأمراء إليه شيئا كثيرا،فلما تزوج الأمير سيف الدين طغاي تمر بابنة السلطان الأخرى قال السلطان:ما نعمل له عرسا لأن الأمراء يقولون:هذه مصادرة،ونظر إلى طغاي تمر فرآه قد تغير فقال للقاضي تاج الدين إسحاق:يا قاضي اعمل لي ورقة بمكارمة الأمراء لقوصون فعمل ورقة وأحضرها فقال:كم الجملة?قال له خمسين ألف دينار،فقال:أعطيها من الخزانة لطغاي تمر،وذلك خارجا عما دخل مع الزوجة من الجهاز.
وأما عطاؤه للعرب فأمر مشهور زائد عن الحد.وكان راتبه من اللحم لمطبخه ولرواتب الأمراء والكتاب وغيرهم في كل يوم ستة وثلاثين ألف رطل لحم بالمصري،وأما نفقات العمائر إلى أن مات فكان شيئا عظيما،وبالغ في مشترى الخيول فاشترى بنت الكردا بمائتي ألف درهم وبما دونها إلى العشرة،وأما العشرون والثلاثون ألفا فكثير جدا.
وغلا الجوهر في أيامه واللؤلؤ وما رأى الناس سعادة ملكه ومسالمة الأيام له وعدم حركة العادي في البر والبحر هذه المدة الطويلة من بعد شقحب إلى أن مات.
وخلف من الأولاد جماعة منهم البنون والبنات فأما البنون فمات له عقيب حضوره من الكرك في المرة الأخيرة علي،ومنهم الناصر أحمد وقتل بالكرك،ولإبراهيم وتوفي في حياة والده أميرا،والمنصور أبو بكر وقتل بعد خلعه في قوص،والأشرف كجك وقتله أخوه الكامل شعبان،وآنوك وهو ابن الخوندة طغاي لم أر في الأتراك أحسن شكلا منه وتوفي قبل والده بنصف سنة،والصالح إسماعيل وتوفي بعد ملكه مصر والشام ثلاثة أعوام،ويوسف وتوفي في أيام أخيه الصالح،ورمضان وتوفي في أيام أخيه الصالح،والكامل شعبان وخلع ثم قتل،والمظفر حاجي وخلع ثم قتل،وحسين،والناصر حسن،والملك الصالح صالح.
نوابه:زين الدين كتبغا العادل،سيف الدين سلار،الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار،سيف الدين بكتمر الجوكندار الكبير،سيف الدين أرغون الدوادار مملوكه،وبعده لم يكن له نائب.
نوابه بدمشق:الأمير عز الدين أيبك الحموي،جمال الدين آقوش الأفرم،شمس الدين قراسنقر،سيف الدين كراي،جمال الدين آقوش نائب الكرك،سيف الدين تنكز،علاء الدين الطنبغا.
صفحة : 584
وزراؤه:علم الدين الشجاعي،تاج الدين ابن حنا، فخر الدين ابن الخليلي مرتين،الأمير شمس الدين سنقر الأعسر،سيف الدين البغدادي،ناصر الدين الشيخي، أيبك الأشقر وسمي المدبر،ابن عطايا،ابن النشائي،ابن التركماني وسمي مدبرا،الصاحب أمين الدين مرات،الأمير سيف الدين بكتمر الحاجب،الأمير علاء الدين مغلطاي الجمالي ولم يكن له بعده وزير.
قضاته الشافعية بمصر:الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد،القاضي بدر الدين ابن جماعة مرتين،القاضي جمال الدين الزرعي،القاضي جلال الدين القزويني،القاضي عز الدين ابن جماعة.
قضاته الشافعية بالشام:القاضي إمام الدين القزويني،القاضي بدر الدين ابن جماعة،القاضي نجم الدين ابن صصرى،القاضي جمال الدين الزرعي،القاضي جلال الدين القزويني مرتين،الشيخ علاء الدين القونوي،القاضي علم الدين الخنائي،القاضي جمال الدين ابن جملة،القاضي شهاب الدبن ابن المجد عبد الله،القاضي تقي الدين السبكي.
كتاب سره بمصر:القاضي شرف الدين ابن فضل الله،القاضي علاء الدين ابن الأثير القاضي محي الدين ابن فضل الله،وولده القاضي شهاب الدين،القاضي شرف الدين ابن الشهاب محمود،القاضي علاء الدين ابن فضل الله.
كتاب سره بالشام:القاضي محيي الدين ابن فضل الله،القاضي شرف الدين ابن فضل الله،القاضي شهاب الدين محمود،وولده القاضي شمس الدين محمد،القاضي محيي الدين ابن فضل الله،وولده القاضي شهاب الدين،القاضي شرف الدين ابن الشهاب محمود،القاضي جمال الدين ابن الأثير،القاضي علم الدين ابن القطب،القاضي شهاب الدين ابن القيسراني،القاضي شهاب الدين ابن فضل الله.
دواداريته:الأمير عز الدين أيدمر مملوكه،الأمير بهاء الدين أرسلان،الأمير سيف الدين الجاي،الأمير صلاح الدين يوسف،الأمير سيف الدين بغا ولم يؤمر طبلخاناه،الأمير سيف الدين طاجار.
نظار الجيش بمصر:ابن الحلي،القاضي فخر الدين مرتين،القاضي قطب الدين ابن شيخ السلامية،القاضي شمس الدين موسى ابن تاج الدين إسحاق،القاضي مكين الدين ابن قروينة،القاضي جمال الدين جمال الكفاة.
الذين درجوا في أيامه من الخلفاء:الحاكم بأمر الله أمير المؤمنين أبو العباس أحمد،المستكفي بالله أبو الربيع سليمان.
ومن الملوك:كيختوا ابن هولاكو،المستنصر بالله يحيى بن عبد الواحد صاحب إفريقية،الملك المظفر يوسف صاحب اليمن،السعيد ايلغازي صاحب ماردين،المظفر تقي الدين محمود صاحب حماة،المنصور حسام الدين لاجين المنصوري،أبو عبد الله ابن الأحمر محمد بن محمد بن يوسف صاحب الأندلس،أبو نمي صاحب مكة،العادل زين الدين كتبغا المنصوري،غازان بن أرغون ملك التتار،أبو يعقوب المريني صاحب الغرب،المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير،ابن الأحمر أبو عبد الله محمد بن محمد صاحب الأندلس،أبو عصيدة صاحب تونس،المنصور غازي صاحب ماردين،طقطاي سلطان القبجاق،دوباج صاحب جيلان،علاء الدين محمود صاحب الهند،خدابنده ابن أرغون ملك التتار،دون بطرو الفرنجي،حميضة صاحب مكة،المؤيد داود صاحب اليمن،ابن الأحمر أبو الجيوش نصر بن محمد،اللحياني صاحب تونس زكرياء،منصور بن جماز صاحب المدينة،الغالب بالله إسماعيل صاحب الأندلس،أبو سعيد عثمان صاحب فاس وغيرها،المؤيد إسماعيل صاحب حماة،ابن الأحمر محمد بن أبي الوليد صاحب الأندلس،ترمشين بن دوا سلطان بلخ وسمرقند وبخارا ومرو،بوسعيد ملك التتار،اربكوون ملك التتار،صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن،موسى ملك التتار،مهنا بن عيسى.
?ابن قنان
أبو الفضل قاضي البصرة محمد بن قنان بن حامد بن الطيب أبو الفضل الأنباري الفقيه الشافعي.
ولد ببغداد،تفقه على أبي إسحاق الشيرازي وبرع في المذهب والخلاف وصار من أعيان تلامذته،وكان صهرا لأبي بكر الشاشي وخالا لأولاده،ولي قضاء البصرة وتدريس النظامية فيها.
وتوفي سنة ثلاث وخمس مائة.
?ابن كثير
المصيصي محمد بن كثير بن أبي عطاء المصيصي الصنعاني الأصل.
روى له أبو داود والترمذي والنسائي،ضعفه الإمام أحمد وقال ابن معين:صدوق.توفي سنة ست عشرة ومائتين.
العبدي البصري محمد بن كثير العبدي البصري أخو سليمان.
روى عنه البخاري وأبو داود وروى مسلم والترمذي وابن ماجه عن رجل عنه،قال أبو حاتم:صدوق.
توفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
ابن كرام
صفحة : 585
المجسم محمد بن كرام بن عراف بن خرايه الشيخ أبو عبد الله السجستاني الضال المجسم شيخ الكرامية.
سمع الحديث والتفسير،وكان ملبوسه مسك ضان مدبوغ غير مخيط وعلى رأسه قلنسوة بيضاء.
وقد نصب له دكان لبن ويطرح له قطعة فرو فيجلس عليها ويعظ ويذكر ويحدث.
وأثنى عليه ابن خزيمة واجتمع به غير مرة وأبو سعيد الحاكم،قال الشيخ شمس الدين:وهما إماما الفرقين.
مات بالشام في صفر سنة ست وخمسين ومائتين ومكث في سجن نيسابور ثمان سنين ولما مات لم يعلم بموته إلا خاصته ودفن بمقابر الأنبياء عند يحيى وزكريا بالقدس ومات في زغر فحمله أصحابه إلى القدس ولما توفي كان أصحابه في القدس أكثر من عشرين ألفا على التشقف والتعبد.
وكان نصر بن إبراهيم المقدسي ينكر عليهم ويقول:ظاهر حسن وباطن قبيح.
وكان قد جاور بمكة خمس سنين ثم دخل نيسابور فحبسه محمد بن عبد الله بن طاهر وطالت محنته.
وكان يغتسل كل يوم جمعة ويتأهب للخروج إلى الجامع ويقول للسجان:أتأذن لي في الخروج?فيقول:لا،فيقول:اللهم إني بذلت مجهودي والمنع من غيري.
وكان معه جماعة من الفقراء.ولما أخرج من السجن وعقد له مجلس علم قال له الأمير:من أين لك هذا العلم الذي جئت به?فقال:إلحام ألحمينه الله تعالى-بالحاء المهملة بدلا من الهاء-فقال له:أتحسن التشهد?فقال:الطحيات لله-بالطاء المهملة-حتى بلغ قوله:السلام عليك أيها النبي ورحمة الله،فأشار إلى إبراهيم بن الحصين فقال له:قطع الله يدك،وأمر به فصفع وأخرج.
وقال ان حبان:كان قد خذل حتى التقط من المذاهب أرداها ومن الأحاديث أوهاها،ثم جالس الجويباري ومحمد بن تميم السعدي ولعلهما قد وضعا على النبي صلى الله عليه وسلم مائة ألف حديث،ثم جالس أحمد بن حرب فأخذ التقشف عنه ولم يحسن العلم ولا الأدب وأكثر كتبه صنفها له مأمون بن أحمد السلمي،ومن مذهبه:الإيمان قول بلا معرفة،ويزعم أن النبي صلى اله عليه وسلم لم يكن حجة على خلقه لن الحجة لا تندرس ولا تموت،ويزعم أن الاستطاعة قبل الفعل،ويجسم الرب جل وعلا،وكان داعية إلى البدع يجب ترك حديثه.
وقال صاحب كتاب الفرق الإسلامية:كان محمد بن ركام من الصفاتية المثبتين لصفات الرب تعالى لكنه انتهى فيها إلى الجسيم والتشبيه.
والكرامية فرق يبلغون اثنتي عشرة فرقة لكن أصولها ستة:العائذية والنونية والإسحاقية... و والزرينية والهيصمية وأقربهم الهيصمية،ولكل فرقة رأي في التجسيم والتكييف إلا أنهم لما كانوا أغبياء جهلاء ذهبوا في التجسيم إلى اعتقادات خسيسة تنافي العقل والشرع وتخالفهما ولم يكن فيهم عالم معتبر ولا لهم قاعدة دينية يمكن القول بها في الجملة أعرضنا عن ذكر كل فرقة واكتفينا بنقل مذهب زعيمهم محمد بن كرام إذ كان صاحب مقالاتهم فنقول:نص محمد بن كرام على أن معبوده على العرش مستقر وعلى انه بجهة فوق ذانا وأطلق عليه اسم الجوهر وأنه مماس للعرش من الصفحة العليا وجوز الانتقال والتحول والنزول،ومن أصحابه من قال:هو على بعض أجزاء العرش،ومنهم من قال:امتلأ به العرش،قلت:تعالى الله الذي ليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
وقال الشهرستاني:كان محمد بن كرام قليل العلم قد قمش من كل مذهب ضعفا وأثبته في كتابه وروجه على أغتام فانتظم ناموسه بسواد خراسان وصار ذلك مذهبا نصره السلطان محمود بن سبكتكين وصب البلاء على أصحاب الحديث من جهتهم انتهى.
وكان قد نفاه الأمير يأنس وكان على الرملة والقدس.
قال ابن الجوزي في المرآة:كان بالقدس رجل يقال له هجام يحب الكرامية ويحسن الظن بهم فنهاه الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي عنهم فقال:إن مالي ما ظهر منهم،فقال له:ظاهر حسن وباطن قبيح،فلما كان بعد ليال رأى هجام في المنام كأنه اجتاز برباطهم وقد نبت النرجس في حيطانه فمد يده ليأخذ طاقة منه فوجد أصوله في العذرة فقص رؤياه على الفقيه نصر فقال له:هذا تصديق ما قلت لك:ظاهرهم حسن وباطنهم خبيث.
وأصحاب ابن كرام اليوم بسجستان وخراسان منهم خلق كثير ولهم معبد زائد ولهم مقالات في التشبيه والحلول انتهى.
ابن كشتغدي
ناصر الدين الغزي محمد بن كشتغدي الأمير ناصر الدين الغزي المصري الصيرفي،ولد سنة إحدى وستين وست مائة،سمع من النجيب والمعين الدمشقي أجاز لي بالقاهرة سنة ثمان وعشرين وسبع مائة.
ابن كناسة
صفحة : 586
ابن كناسة محمد بن كناسة واسم كناسة عبد الله قيل هو ابن أخت إبراهيم ابن أدهم العابد،روى عنه النسائي قال ابن معين وأبو داود وعلي بن المديني والعجلي وغيرهم:ثقة،له علم بالعربية والشعر وأيام الناس.مات بالكوفة سنة سبع ومائتين.
وله كتاب الأنواء ومعاني الشعر وكتاب سرقات الكميت من القرآن وغيره وكان راوية للكميت .وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:أتيت محمد بن كناسة لأكتب عنه ثر عليه أصحاب الحديث فتضجر منهم وتجهمهم فلما انصرفوا عنه دنوت منه فنهش إلي واستبشر بي وبسط وجهه فقلت له:لقد تعجبت من تفاوت حالتيك،فقال لي:أضجرني هؤلاء بسوء أدبهم فلما جئتني أنت انبسطت إليك وأنشدتك وقد حضرني في هذا المعنى بيتان وهما:
في انقباض وحشمة فـإذا رأيت أهل الوفاء والكرم
أرسلت نفسي على سجيتها وقلت ما شئت غير محتشم فقال له إسحاق:وددت أني قلتها بما أملك،فقال ابن كناسة:ما ظهر عليهما أحد فخذهما وانحلهما نفسك وقد وفر الله عليك مالك والله ما قلتهما إلا الساعة،فقال استحي من نفسي أن أدعي ما لم أقل،أو قال:فكيف لي بعلم نفسي أنهما ليسا لي?وقال إسحاق:فذاكرت ابن كناسة هذين البيتين في مجلس يحيى بن معين بعد فقال:لكني أنشدك اليوم:
ضعفت عن الإخوان حتى جفوتهـم على غير زهد في الإخاء وفي الود
ولكن أيامي تـخـرمـن مـدتـي فما أبلغ الحاجات إلا على جـهـد وقال ابن كناسة بعدما أسن:
كان سبعا مضت لي في تصعدهـا إلى الثمانين كانت غدوة الـغـادي
لم يبق من رمهـا إلا تـذكـرهـا كالحلم في طول إفراعي وإصعادي وقال لما توفي إبراهيم بن أدهم:
رأيتك لا يكفيك كما دونه الغـنـى وقد كان يكفي دون ذاك ابن أدهما
أخالك يحمي سيفـه ولـسـانـه حمال ولا يفنى لك الدهر مجرما
وكان يرى الدنيا صغيرا كبيرهـا وكان لحق الله فيها معـظـمـا
يشيع الغنى أن نالـه وكـأنـمـا يلاقي به البأساء عيسى بن مريما
وللحلم سلطان على الجهل عنـده فما يستطيع الجهل أن يترمرمـا
وأكثر ما يلقى من القوم صامـتـا فإن قال بذ القائلـين وأحـكـمـا
يرى مستكينا خاشعا متـواضـعـا وليثا إذا لاقى الكريهة ضيغـمـا وقال:
إذا المرء يوما أغلق الباب مرتجا ليستر أمرا كنت كالمتـغـافـل
وأعرض حتى يحسب المرء أنني جهلت الذي يأتي ولست بجاهـل
وإني لأغضي عن أمور كـثـيرة وفي دونها قطع الحبيب المواصل
حفاظا وضنا بالإخـاء وعـقـدة إذا ضيع الإخوان عقد الحـبـائل ?ابن لوي
ابو منصور البغدادي محمد بن لوي بن محمد بن عبد الله القرشي أبو منصور البغدادي الأديب من شعراء الديوان العزيز.
كان مسنا عاش تسعين سنة وتوفي سنة ثمان وثلاثين وست مائة.
من شعره:
تاه بالحسن شـادن عـربـي إن في القلوب منه داء دوي
بدر تم يسبي بغنـج لـحـاظ ساحرات وسحرها بابـلـي
يخجل الشمس حسنه حين يبدو وجهه المشرق البهي الوضي
بعذار كالنمل دب على العـا ج ولكن له دبـيب خـفـي
رشأ جسمه أرق من الـمـا ء وأندى وقلبه جـلـمـدي
قد رماني بأسهم من جـفـون وحواجيبه الحسان القـسـي
أنا من عظم هجره مستجـير بجواد له النـبـي سـمـي قلت:شعر متوسط ولكن الأول ملحون بالقافية.
ابن الليث
أبو الربيع القيه الكاتب محمد بن الليث بن اذرباذ بن فيروز بن شاهين يتصل نسبه بدارا بن دارا يعرف بالخطيب وبالفقيه ويكنى أبا الربيع.
كتب ليحيى بن خالد وله ولاء في بني أمية،وكان بلغيا مترسلا كاتبا فقيها متكلما سمحا وكانت البرامكة تقدمه وتحسن إليه وكان يرمى بالزندقة.
صفحة : 587
وله كتاب رسائله كتاب الهليلجة في الاعتبار كتاب الرد على الزنادقة كتاب جواب قسطنطين عن الرشيد كتاب الخط والقلم كتاب عظة هارون كتاب إلى يحيى بن خالد في الأدب.
التاجر محمد بن ليث العدى الحاج شمس الدين ابن الحاج الفقيه زين الدين التاجر بمدينة سيدنا الخليل صلى الله عليه وسلم.
توفي في طاعون سنة تسع وأربعين وسبع مائة رحمه الله وأوصى أن يصرف من تركته لعمارة حرم مكة وحرم النبي صلى الله عليه وسلم وحرم بالقدس الشريف وحرم سيدنا الخيل لكل مكان منها مبلغ ثمان مائة دينار مصرية،فقال له شهاب الدين أبو العباس أحمد خطيب الحرم:إن هذه الوصية إنما تنفذ من الثلث،فقال:أعرف ذلك وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسعد الثلث والثلث كثير وثلث مالي يزيد على ذلك،وكتب بذلك محضر وجهز إلى دمشق والنائب يومئذ الأمير سيف الدين أرغون شاه.
?ابن ماهان
زنبقة السمسار محمد بن ماهان السمسار ونبقة بغدادي صدوق،وثقه البرقاني وتوفي سنة سبعين ومائتين.
ابن المبارك
القلانسي الصوري محمد بن المبارك بن يعلى القرشي الصوري القلانسي روى عنه الجماعة ويحيى بن معين ومحمد بن يحيى الذهلي،قال ابن معين:كان شيخ البلد -يعني دمشق -بعد أبي مسهر.
توفي بدمشق سنة خمس عشرة ومائتين.
محمد بن المبارك بن علي أبو عبد الله.توفي سنة إحدى وأربعين وخمس مائة.
من شعره في مغن اسمه محمود يهجوه:
لو أراد الإلـه بـــالأرض خـــصـــبـــا ما تـغـنـى مـن فـوقـهـا مـحـــمـــود
كلما أنبتت يسيرا من العشب وغنى غطى عليه الجليد ابن الحصري محمد بن المبارك بن الحين بن إسماعيل بن الخضر أبو بكر ابن أبي البركات.
قرأ الفقه على مذهب أحمد بن حنبل على عبد القادر الجيلي ثم انتقل عنه إلى القاضي أبي يعلى محمد بن محمد بن الفراء وصار به خصيصا فلما وزلي أبو يعلى قضاء واسط انحدر ابن الحصري معه وشهد عنده وولاه قضاء قرية وأقام هناك إلى أن عزل وعاد معه إلى بغداد.
وكانت أوقاته محفوظة بإقراء القرآن والفقه وسماع الحديث وحدث باليسير.وتوفي سنة أربع وستين وخمس مائة.
ابن الخل الفقيه محمد بن المبارك بن محمد بن عبد الله بن محمد الإمام أبو الحسن ابن أبي البقاء البغدادي المعروف بابن الخل الشافعي.
كان خبيرا بالمذهب إماما،تفقه على أبي بكر الشاشي المستظهري،درس وأفتى وصنف وتفرد بالفتيا في بغداد في المسألة السريجية،صنف شرحا للتنبيه سماه توجيه التنبيه وهو مختصر وهو أول شرح وضع للتنبيه،وكتابا في أصول الفقه،وسمع الحديث من أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن طلحة وأبي الحسين عبد الله البسري وغيرهما،وروى عنه أبو سعد السمعاني وغيره.
وقيل أنهم كانوا يتحيلون على أخذ خطه بالفتاوي لأنه كتب المنسوب إلى الغاية فضاقت أوقاته بالفتاوي وشغلته الكتابة عليها فلما فهم ذلك كان يكسر القلم ويكتب على الفتاوي فقصروا عنه.
وقيل أن الذي كتب مليحا أخوه أبو الحسين أحمد الآتي ذكره إن شاء الله تعالى.وتوفي سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
أبو غالب محمد بن المبارك بن محمد بن محمد بن ميمون أبو غالب.أورد له ابن الساعي في كتاب لطائف المعاني قوله ما يكتب على مرآة:
في يا قـوم خـصـــلـــتـــان أرانـــي بهـمـا الـدهـر ذات كـــبـــر وتـــيه
جلبي الشكر والمحامد لله وصدقي في كل ما أحكيه سئل عن مولده فقال:في سابع عشر المحرم سنة ثلاث وعشرين وخمس مائة.وتوفي تاسع جمادى الآخرة سنة سبع وتسعين وخمس مائة ودفن بمقابر قريش.
ابن مشق البغدادي محمد بن المبارك بن محمد بن محمد بن الحسين المحدث المفيد أبو بكر ابن مشق البغدادي البيع.
بلغت مجلدات مسموعاته ست مجلدات.توفي سنة خمس وست مائة.حدث باليسير.
الباخرزي محمد بن المبارك بن صدقة بن يوسف الباخرزي أبو الحسين قرأ الأدب ببغداد وصحب العلماء وكتب بخطه.
وتوفي سنة إحدى عشرة وست مائة.
أبو البقاء محمد بن المبارك بن المبارك بن هبة الله بن محمد بن بكري أبو البقاء ابن أبي المعالي من أهل الحريم الظاهري من أولاد المحدثين.وكان شيخا صالحا حسن الطريقة.توفي سنة ست وثلاثين وست مائة.
أبو المعالي المدائني محمد بن المبارك بن محمد بن محمد بن الخطيب أبو المعالي ابن أبي المنصور من أهل المدائن.
صفحة : 588
كان بها قاضيا وكان فاضلا متأدبا شاعرا.سمع الحديث ببغداد من محمد ابن الزاغوني وأبي القوت السجزي وغيرهما ولم يبلغ سن الراوية.توفي ببغداد سنة اثنتين وثمانين وخمس مائة وحمل إلى المدائن.
ومن شعره:
إذا لم يكن خير القريب مـقـربـا إليك ولم تعطف عليك أواصـره
فأجود من ذي المال من كان معدما وخير ن الحياء من أنت قـابـره ومنه:
لا تغترر بقبيل صرت سيدهم لما وليت ففي التغرير ما فيه
ولا تقل أنهم أهلي فـإنـهـم أفعى يمج لعاب السم من فيه
كدودة الميت إن فكرت منه بدا وجودها وهي يا ذا اللب تفنيه ابن مقبل الحمصي محمد بن مبارك بن مقبل بن الحسن الأديب الرئيس جمال الدين الغساني الحمصي الشاعر الناثر .
كان أبوه وزيرا من أجلاد الشيعة وغلاتهم.ولد محمد يوم عيد الفطر سنة سبع وست مائة وتوفي سنة سبعين وست مائة تقريبا ومن شعره...
ابن جارية القصار محمد بن المبارك بن أحمد بن علي بن القصار الوكيل أبو عبد الله ابن أبي القاسم المعروف بابن جارية القصار.
كان وكيلا على أبواب القضاة،كانت أمه من جواري المقينات الموصوفات بالإحسان في الغناء،وكان محمد هذا شاعرا ظريفا كاتبا مطبوعا،سمع الحديث ومات سنة سبع وثلاثين وخمس مائة ولم يبلغ أوان الرواية.
ومن شعره:
وأدهم اللون ذي حجول قد عقدت صبحه بليله
كأنما البرق خاف منه فجاء مستمسكا بذيلـه وقال يستهدي مدادا:
إلـيك اشـتـكـــائي يا ابـــن الـــكـــرا م شـيب دواتــي قـــبـــل الـــهـــرم
وشيب الدوي كما قد علمت يعدل في القبح شيب اللمم
فمر بخضاب كفيل برد شبـاب ذوائبـهـــا الـــمـــنـــعـــدم اليماني محمد بن المبارك اليماني قال العماد الكاتب:من فضلاء اليمن،ونبلاء الزمن،سافر إلى بغداد بالبركة واليمن،وكان من الفصحاء اللسن.
وأورد له قوله:
فانشر مطارف من هواك فطالما أولعت خوف العاذلين بطـيهـا
ودع التأمل في العواقب إنـهـا لا تستبين رشادها من غـيهـا ابن المتوكل
المقرئ محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن مولى بني هاشم اللؤلؤي المقرئ صاحب يعقوب.
توفي سنة ثمان وثلاثين ومائتين.أسند عن الفضيل بن عياض وغيره،وأخرج عنه أبو داود في سننه وغيره،اتفقوا على صدقه وثقته.
قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله استغفر لي فقد حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزهر عن جابر أنك ما سئلت شيئا فقلت لا،فتبسم وقال غفر الله لك.
?ابن المثنى
الحافظ العنزي محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس الحافظ أبو موسى العنزي البصري الزمن.
روى عنه الجماعة والنسائي عن رجل عنه وجماعة كبار.
كان أرجح من بندار وأحفظ لأنه رحل وبندار لم يرحل واتفقا في المولد والوفاة،توفي بعد بندار بثلاثة اشهر سنة اثنتين وخمسين ومائتين،وكانا نظيرين في الإتقان والحفظ واتفق الأئمة على الرواية عنهما.
ابن المجلي
العنتري الطبيب محمد بن المجلي بن الصائغ أبو المؤيد الجزري الطبيب المعروف بالعنتري لأنه كان في أول الأمر يكتب سيرة عنتر.
كان طبيبا مشهورا عالما مذكورا حسن المعالجة فيلسوفا متميزا في الأدب.
له شعر حسن منه قوله الأبيات السائرة التي منها:
أقلل نكاحك ما استطعت فإنه ماء الحياة يراق في الأرحام له كتاب الجمانة في الطبيعي والإلهي والأقراباذين وهو كبير مفيد ورسالة الشعرى اليمانية إلى الشعرى الشمالية كتبها إلى عرفة النحوي بدمشق ورسالة الفرق ما بين الدهر والزمان والكفر والإيمان رسالة العشق الإلهي والطبيعي والنور المجتنى في المحاضرة.
توفي سنة ستين وخمس مائة تقريبا.
ومن شعره:
ابلغ العالمـين عـنـي أنـي كل علمي تصـور وقـياس
قد كشفت الأشياء بالفعل حتى ظهرت لي وليس فيها التباس
وعرفت الرجال بالعلم لـمـا عرف العلم بالرجال النـاس ومنه:
قالوا رضيت وأنت أعلم ذا الورى بحقائق الأشياء عـن بـاريهـا
صفحة : 589
تجتاب أبواب الخمول فقلت عن كره ولست كجاهل راضيهـا
لي همة مأسورة لو صادفـت سعدا بغير عوائق تثـنـيهـا
ضاق الفضاء بها فلا تسطيعها لعلوها الأفلاك أن تحـويهـا
ما للمقاصد جمة ومقـاصـدي ناط القضاء بها الفضا والتيها
أطوي الليالي بالمنى وصروفها تنشرنني أضعاف ما أطويهـا
أني على نوب الزمان لصابـر إما ستفني العمر أو يفنـيهـا
أما الذي يبقى فقد أحـرزتـه والفانيات فما أفكـر فـيهـا ومنه:
بني كن حافظا للعلم مطـرحـا جميع ما الناس فيه تكتسب نسبا
فقد يسود الفتى من غير سابـقة للأصل بالعلم حتى يبلغ الشهبا
غذ العلوم بتذكار تـعـش أبـدا فالنار تخمد مهما لم تجد حطبا
إني أرى عدم الإنسان أصلح من عمر به لم ينل علما ولا نشبـا
قضى الحياة فلما مات شـيعـه جهل وفقر لقد قضاهما نصبـا ومنه:
من لزم الصمت اكتسى هيبة تخفي عن الناس مسـاويه
لسان من يعقل في قلـبـه وقلب من يجهل فـي فـيه ومنه:
قد أقبلت غولة الصـبـايا تنظر عن معلم النقـاب
فقلت من أعظم الـرزايا قفل على منزل خـراب
أحسن ما كنت في عبـاة ملفوفة الرأس في جراب قلت:شعر جيد.
?ابن محبب
محمد بن محبب أبو همام الدلال القرشي البصري صاحب الدقيق.روى عنه أبو داود عن رجل والنسائي وابن ماجه وثقه أبو داود.
توفي سنة إحدى وعشرين ومائتين.
?ابن محبوب
البناني محمد بن محبوب أبو عبد الله البناني.روى عنه البخاري وأبو داود وروى النسائي عن رجل عنه،أثنى عليه ابن معين وقال:كيس صادق.
توفي سنة اثنتين وعشرين ومائتين.
?ابن محرز
ركن الدين الوهراني محمد بن محرز أبو عبد الله المعروف بركن الدين الوهراني وقيل جمال الدين أحد ظرفاء العالم وأدبائهم.
قدم من المغرب إلى مصر وهو يدعي الإنشاء فرأى الفاضل والعماد وتلك الحلبة فعلم أنه ليس من طبقتهم فسلك ذاك المنهج الحلو والأنموذج الظريف وعمل المنام المشهور وله ديوان ترسل.
قدم دمشق وأقام بها مدة وبها توفي سنة خمس وسبعين وخمس مائة.
ووهران مدينة كبيرة وبينها وبين تلمسان يومان بنيت سنة تسعين ومائتين.
والمنام الذي عمله سلك فيه مسلك أبي العلاء المعري في رسالة الغفران لكنه ألطف مقصدا وأعذب عبارة.
وكان قد سلطه الله تعالى على الشيخ تاج الدين الكندي وعلى المهذب ابن النقاش الطبيب وعلى القاضي الفاضل.
أما القاضي الفاضل فإنه ما كان يجسر على التصريح بذكره بل يعرض به كقوله في رسالة كتبها إلى مجد الدين ابن المطلب وقد ذكر الحمام الفيوم:فلمز أشعر إلا والحائط الشمالي قد انشق،وخرج منه شخص عجيب الصورة ليس له رأس ولا رقبة البتة وإنما وجهه في صدره ولحيته في بطنه مثل بعض الناس،فهذا تعريض بالفاضل رحمه الله.
صفحة : 590
وأما المهذب فذكره صريحا كقوله في جملة المنام الذي رآه:وإن القيامة قد قامت والخلق في الموقف،وغذا بحلقة عظيمة بعيدة الأقطار فيها من الأمم ما لا يحصى كلهم يصفقون ويلعبون وثلاثة في وسطهم يرقصون إلى أن تعبوا ووقعوا إلى الأرض،فسألنا بعض الحاضرين عن ذلك الفرح وعن الثلاثة الذين يرقصون فقال:أما الثلاثة فعبد الرحمن بن ملجم المرادي والشمر بن ذي الجوشن والحجاج بن يوسف مجرمو هذه الأمة،وأما الفرح الذي ألهاهم عن توقع العقاب حتى رقصوا من الطرب مع ما كانوا عليه من رجاحة العقل ونزاهة النفس فهو الطمع في رحمة الله تعالى بعد اليأس منها،والسبب فيه كون البارئ عز وجل غفر اليوم للفقيه المجير والمهذب ابن النقاش فخذوا أنتم بحظكم رحمكم الله من الفرح والسرور،فقلت:وأي شيء ينالنا نحن من نجاة هذين الرجلين ومن فوزهما بالرحمة والرضوان ونحن إلى الحزن أقرب منا للسرور?فقال:قد أجمع الناس على أنه لم يولد مولود في الإسلام ارق دينا من هذين الرجلين ولا أقل خيرا مهما فإذا غفر لهما فما عسى أن يكون ذنوب الحجاج وأصحابه وما ذنوبهم في جنب ذنوب هذين إلا كالشعرة البيضاء في الثور الأسود.
ثم أن الوهراني استطرد بعد هذا في ذكره من شيء إلى شيء في ذكر معائب وقبائح بمقاصد غريبة خفية الكيد،وكرر ذكره في ترسله رماه بكل عظيمة.
وأما تاج الدين الكندي فذكره أيضا في غير موضع من ذلك في رسالة منها وقد ذكر قصيدة للكندي أولها:
قدمت فلم أترك لذي قدم حكـمـا كذلك عادي في العدى والندى قدما ومع هذا فما ينبغي أن يبتدئ مثل هذه البداءة إلا مصعب بن الزبير أو يزيد بن المهلب أو مسلم بن قتيبة الذين جمعوا الشجاعة والكرم،وأما الرجل السوقة إذا قال هذا الكلام فما يجاوب إلا بمكاوي البيطار في اليأفوخ والأصداغ.
وأما قوله:
إذا وطئ الضرغام أرضا تضايقت خطا وحشها عنه فيوسعها هزما فإنه وإن كان من الشعر الذي تمجه الأسماع وتأباه النفوس فما له عمدي جواب إلا الضراط المغربي الصلب يصفى في جوف لحية قائله من مكان قريب.
وأما قوله:
وإن أك في صدر من العمر شارخا فكم يفن عن همتي بفتـى هـمـا فلو أن لي به قوة أو آوي إلى ركن شديد لكتبت هذا البيت بالخرا على روق القنبيط ثم ألزمته أن يأكله فيكون الخرا قد أكل الخرا من خرا على خرا في خرا.
وأما قوله:
سبـــــــــــــــــــــــــــــــــقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــت إلـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى غـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــايات كـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيلة تعـــــــــــــــــــــــــــــــز عـــــــــــــــــــــــــــــــلـــــــــــــــــــــــــــــــى طـــــــــــــــــــــــــــــــلابـــــــــــــــــــــــــــــــهـــــــــــــــــــــــــــــــا الـــــــــــــــــــــــــــــــعـــــــــــــــــــــــــــــــرب والـــــــــــــــــــــــــــــــعـــــــــــــــــــــــــــــــجـــــــــــــــــــــــــــــــــــمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا
فهذا البيت المصيبة العظمى والطامة الكبرى وليس ينبغي أن يجاوب في هذا بجواب إلا أن يحضره بعض السلاطين ويقول له:أنت قلت سبقت إلى غايات كل فضيلة ?فيقول:نعم،فيرمي قوسا ويقول:جر هذا القوس،فيقول:ما أقدر،فيقول:اصفعوه فيصفع ثم يقدم له فرسا ورمحا ودرعا ويقول له:قاتل هذا الغلام بهذا السلاح،فيقول:ما أقدر،فيقول:اصفعوه،فيصفع فيقول له:فحل لنا شكلا من إقليدس،فيقول:لا أعلم،فيقول:اصفعوه فيصفع فيقول:مسالة من المجسطي،فيقول:لا أعلم،فيقول:اصفعوه فيصفع فيقول له:مسألة من النجوم فيقول:لا أعلم،فيقول:اصفعوه فيصفع فيقول له:يا ابن عشرة آلاف قحبة فأي شيء تعلم?فيقول:أعلم شيئا في النحو والتصريف لا غير،فيقول له:ولأجل النحو والتصريف تقول سبقت إلى غايات كل فضيلة ?رحم امرأة سيبويه ???والكلب على عيال الأخفش ?واصفع الفارسي عشرة آلاف فلعة قفاه فيصفع حتى يعمى. ومن كلامه:عشرة أشياء من أبواب البر تسخط الله وترضي الشيطان وهي:انقطاع ابن الصابوني إلى الله عز وجل في القرافة،وتعصب الخبوشاني لقبر الشافعي رحمه الله،وتنفل القاضي الأثير قبل صلاة الجمعة وبعدها وظهور سجادة في هذه الأيام على وجهه،وصلاة السديد الطبيب التراويح في شهر رمضان،وبكاء الفقيه البهاء على المنبر يوم الجمعة.
صفحة : 591
وقراءة الوهراني السبع في صباح كل يوم،وسماع ابن عثمان الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في جمعة واحدة ورواية ذلك على رؤوس الأشهاد،وحضور ابن مماتي مجالس الوعظ في القرافة وبكاؤه عند قراءة القرآن،وإنكار أبي عبد الله البغدادي على المزارين خاصة ولا يلتفت إلى غيره من الذنوب،وبنيان ابن أبي الحجاج لقبر آسية رضي الله عنها وترتيب القراء فيه في كل جمعة،ذكر أن هذه الأعمال الصالحة لا يعبأ بها وهي أحب إلى إبليس من كبائر الذنوب.
قلت: وعلى أجملة فما كاد يسلم من شر لسانه أحد ممن عاصره،ومن طالع ترسله وقف على العجائب والغرائب وما كان يخلو- سامحه الله- من تجر.
?ابن المحسن
خطيب مصر البعلبكي محمد بن المحسن بن الحسين بن أبي المضاء الخطيب شمس الدين أبو عبد الله البعلبكي ثم المصري.
نشأ بمصر وقرأ الأدب وسمع بدمشق من ابن عساكر وغيره،ورحل إلى بغداد وسمع بها وقرأ بها الفقه،واتصل بصلاح الدين وهو أول من خطب بمصر لبني العباس ثم نفذه صلاح الدين رسولا إلى بغداد.
ومات بدمشق ولم يكمل له أربعون سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة.
محمد بن المحسن بن أحمد أبو عبد الله السلمي اصله من ملح قرية بحوران.
ولي أبوه على حلب زمانا،وكان فاضلا وله نظم ونثر،قال يمدح القاضي ابن أبي عقيل وهو شعر منحط:
يا هند هل وصل فـيرتـقـب إن كان يحفظ في الهوى نسب
أنسيت موقفنـا بـذي سـلـم أيام أثواب الصبـى قـشـب
قد زرت بغداذا وطال بـهـا عهدي وحرك نحوها سبـب
دار الملوك وكل من ضربـت فوق السماك لمجده طـنـب توفي سنة سبع وأربعين وخمسمائة وقيل سنة تسع وأربعين.
أبو الحسن الكارزيني محمد بن المحسن بن سهل الكارزيني أبو الحسن الأديب.
ذكره السمعاني في كتاب النسب فقال:حدث ببغداد بشيء من الشعر عن أبيه،روى عنه أبو شجاع كيخسرو بن يحيى بن باكير هذه الأبيات قال:أنشدني أبو سعد بن خلف النيرماني لنفسه:
مولاي عبدك من جفاك بحـال فارحمه قبل شماتة الـعـذال
أحبابنا في الناس مثل حبابـنـا في الكأس أسماء بلا أفـعـال
يلهيك أول نظرة ترمي بـهـا منها إلي كاللؤلؤ المـتـلالـي
فإذا طردت الطرف فيهم ثانـيا حالت عهود وجوههم في الحال ??ابن محمود
الحمامي الهمذاني محمد بن محمود بن إبراهيم بن الفرح بن إبراهيم الحمامي الهمذاني تقي الدين أبو جعفر.
طلب الحديث بنفسه فسمع الكثير ببلده من أبي الفضل محمد بن نبيهان المؤدب والليث بن سعد بن بوغة والحافظ أبي العلاء الحسن بن أحمد الهمذاني وخلق كثير،ثم رحل إلى أصبهان بعد السبعين والخمس مائة وسمع بها من عبد الله بن عمر المعدل وكان من أصحاب أبي عبد الله الثقفي ومن جماعة،وقدم بغداد سنة أربع وسبعين وخمس مائة وسمع من الأسعد بن بلدرك ابن أبي اللقاء الجبريلي وغيره،ثم عاد إلى أصبهان الرشتياني وأمثالهم،ثم قدم بغداد سنة إحدى وست مائة وحج وعاد وسمع من أصحاب ابن الحصين وأبي غالب ابن البناء ومحمد بن عبد الباقي الأنصاري،وسمعه محب الدين ابن النجار قال:وكان يملي بمعرفة الصحابة ثم غريب الحديث،ويتكلم على الناس على طريق الوعاظ،وكانت أوقاته مستغرقة في عقد المجالس في كل يوم في موضع معين،وكان له القبول التام بين الخاص والعام بفقه الحديث وغريبه ومعانيه وأسماء رجاله وتواريخ أعمارهم ومعرفة أحوالهم،وكان فصيحا ذا عبارة منقحة كثير الكتب والفوائد وله الأصول الحسان والكتب الكثيرة وله المصفنات المليحة ويكتب خطا صحيحا،وهو نبيل ورع متدين زاهد عابد عفيف أمار بالمعروف نهاء عن المنكر ناصر السنة قامع البدع طيب الأخلاق حسن العشرة متودد متواضع محب للغرباء وطلاع العلم كريم النفس جواد بما في يديه،ولد سنة ثمان وأربعين وخمس مائة،ولما استولى التتار على همذان خرج إلى الجهاد وولده بين يديه وهو يحثه على القتال حتى استشهدا سنة ثمان عشرة وست مائة.
قال الشيخ شمس الدين الذهبي:تكلم فيه الرفيع الأبرقوهي وقال:لا يصح سماعه.
الخطيب القرقوبي محمد بن محمود بن الحسين بن محمد بن حامد بن الحسن بن يوسف القرقوبي أبو عبد الله الخطيب وقرقوب بليدة قريبة من الطيب.
صفحة : 592
شاعر حسن الشعر مدح الناس واجتداهم ومدح الإمام المستظهر بالله،وسمع منه ابو الفضل محمد بن ناصر الحافظ وأبو محمد ابن الخشاب النحوي شيئا من شعره.
قال سألني بعض المشايخ إجازة بيت للشبلي وهو:
بأي نواحي الأرض أبغي وصالكم وأنتم ملوك ما لقصدكم سـبـل فقلت مجيزا له:
إذا لم يكن وصل يقرب مـنـكـم ولا منكم تأتي إلى عندنـا رسـل
فنصبر حتى نستلين حـجـابـكـم ويدرأ عنه جور هجركم الوصـل
فما قرع الصـبـار بـاب لـبـانة إليكم وإلا دونه انفتـح الـقـفـل
وإلا علاه من سوابـغ طـولـكـم نسيم له في كل مكـرمة فـعـل
أيقنط من إحسانكم عبد مـثـلـكـم وأنتم ملوك في الورى دأبها الفضل
ألا حققوا المظنون فيكم وصدقـوا فأكبر ظني أن سيتصل الـحـبـل قلت:شعر متوسط.وتوفي سنة اثنتي عشرة خمس مائة ببغداد ودفن بباب أبرز.
أبو عبد الله الواعظ محمد بن محمود بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن حيوية أبو عبد الله الواعظ الأصبهاني.
كان ختن الحافظ أبي موسى على ابنته وكان أديبا فاضلا واعظا من وجوه الحنابلة،سمع الحديث الكثير وكتب بخطه وجمع معجما لمشايخه،وكان متدينا حسن الطريقة صدوقا،سمع أبا سعد أحمد بن محمد بن أبي سعد البغدادي وأبا القاسم إسماعيل بن علي بن الحسين الحمامي وأبا رشيد أحمد بن محمد بن أحمد الخرقي وأبا القاسم إبراهيم بن محمد بن أبي القاسم الدواتي وخلقا كثيرا وقدم بغداد وحدث باليسير،سمع مكنه بلديه محمد بن حامد بن عبد الواحد البقال.
توفي سنة تسع وسبعين وخمس مائة.
ابن القزويني محمد بن محمود بن الحسن بن محمد بن يوسف بن محمد بن الحسن بن محمد بن عكرمة بن أنس بن مالك الأنصاري أبو الفرج ابن أبي حاتم المعروف بابن القزويني من أهل آمل طبرستان.
سمع أباه وأبا سعد منصور بن إسحاق الخزرجي الحافظ وأبا علي عبد الله بن محمد بن عبيد الله الحسيني وأبا منصور محمد بن عبد الرحمن الفلاس وأبا العباس أحمد بن بندار الدامغاني وغيرهم،وقدم بغداد وحدث بها،وروى عنه من أهلها أبو الفتح محمد بن علي بن هبة الله بن عبد السلام وأبو الحسن محمد بن المبارك بن الخل الفقيه والحافظ محمد بن ناصر وأبو محمد الحسن بن علي بن عبد الملك الكاتب وأبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن الطوسي نزيل الموصل.
قال محب الدين ابن النجار:كان فاضلا صدوقا حسن السيرة بكاء صاحب معاملة.
توفي سنة إحدى وخمس مائة.
ابن خمارتاش الواعظ محمد بن محمود بن خمارتاش التاجر أبو عبد الله الواعظ الأصبهاني.
طلب الحديث بنفسه وسمع الكثير وكتب بخطه وحصل الكتب والأجزاء وقرأ على المشايخ والحفاظ وكان يعقد مجلس الوعظ وله معرفة بالتفسير والحديث والفقه على مذهب الشافعي وله حظ من الأدب ويكتب الخط الحسن،سمع أبا القاسم إسماعيل بن علي بن الحسين الحمامي وأبا الحسين محمد بن أحمد بن عمر الباغبان وأبا عبد الله الحسن بن العباس الرستمي وأبا الفرج مسعود بن الحسن بن القاسم الثقفي وجماعة.
قال محب الدين ابن النجار:سمعت منه بأصبهان وكان صدوقا متدينا حسن الطريقة محمود الأفعال طيب الأخلاق متواضعا،ولد سنة أربعين وخمس مائة.
الطرازي البخاري محمد بن محمود بن علي بن أبي علي الحسين بن يوسف الأسدي أبو الرضا البخاري المعروف بالطرازي.
كان من أئمة الفقهاء على مذهب الشافعي جال في خراسان في طلب العلم وسمع الحديث من جماعة من الشيوخ وحدث،روى عنه أبو المظفر ابن السمعاني،أورد له محي الدين ابن النجار:
قالوا تهن بيوم العيد قلـت لـهـم قولوا لمن رحلوا عن ربعنا عودوا
فإن أجابوا فهنـونـي بـعـيدكـم أو لا فعن سقم فقداني لهم عودوا تفقه ببخارا على والده وعلى عبد العزيز بن عمر المعروف بالبرهان.
قال ابن النجار:كتبت عنه ببخارا ومات بعد الستين وخمس مائة.
آخر الجزء الرابع من كتاب الوافي بالوفيات يتلوه إن شاء الله تعالى محمد بن محمود بن عون بن فريج أبو عبد الله والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله
الجزء الخامس
بسم الله الرحمن الرحيم
رب أعن
صفحة : 593
ابن جري الرقي محمد بن محمود بن عون بن فريج أبو عبد الله التاجر المعروف بابن جري بجيم مضمومة وراء مشددة مفتوحة من أهل الرقة، قدم بغداذ مرات وقرأ بها الأدب على أبي البركات ابن الأنباري وسمع المقامات الحريرية من منوجهر، وقرأ بواسط القرآن على أبي بكر بن الباقلاني وعلى ابن خطيب شافيا وكانا من أصحاب القلانسي، وقرأ الفقه ببغداذ على ابن فضلان وسمع الحديث من ابن شاتيل وابن زريق وابن الطراح وغيرهم، وسمع بالشام من يحيى بن أحمد بن محمود الثقفي الأصبهاني، وقرأ عليه ابن النجار كتاب الشكر لابن أبي الدنيا، قال ابن النجار: كان بخيلا شديد الإمساك على نفسه ظاهره ظاهر الفقراء ويعيش عيشهم، وطول في وصفه بالبخل وسوء الحال وكثرة المال وقال: قصده أصحاب الحديث فلم يسمعهم شيئا إلا بأجر يأخذه من حطام الدنيا وقتل وأخذ ماله في سنة ثلاثين وست مائة.
ابن العلويه الصوفي
محمد بن محمود بن محمد بن محمد بن خسر فيروز بن بهمنيار الشيرازي الأصل البغداذي المولد أبو طالب الصوفي المعروف بابن العلوية، تولى قضاء النيل ثم عزل، وكان أديبا كيسا ظريفا، حدث عن أبي غالب محمد بن الحسن الباقلاني وسمع منه أبو محمد بن الخشاب، ومن شعره:
ألا إن قلبـي هـائم ومـروع لأجلكم يا سادتي كيف أصنـع
ومن أجلكم فارقت إلفي وملني سروري ودمعي بعدكم أتجرع
وحقكم إني مشـوق إلـيكـم وكبدي عليكم كل يوم تقطـع قلت: شعر مرذول. ولد سنة تسعين وأربع مائة وتوفي سنة اثنتين وسبعين وخمس مائة.
السناباذي الواعظ
محمد بن محمود بن محمد بن أحمد السناباذي الطوسي أبو الفتح، سمع أبا سعد محمد بن أحمد بن الخليل النوقاني وقرأ الفقه على محمد بن يحيى وكان من أئمة الفقهاء الشافعية مليح الوعظ حسن العبارة فصيحا، قدم بغداذ سنة سبع وستين وخمس مائة بعد موت البروي وجلس للوعظ ولم يصادف قبولا، فتوجه إلى الشام ودخل مصر واستوطنها إلى حين وفاته وصادف بها القبول التام من الملوك والعوام، ولما مات سنة ست وتسعين وخمس مائة دفن بالقرافة وحمله أولاد السلطان على رقابهم.
ابن المروزي
محمد بن محمود بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي من بيت مشهور بالعلم والدين والرواية والفضل، حفظ القرآن وقرأ الفقه على مذهب الشافعي وعلق التعليقة في الخلاف عن محمد بن أبي علي النوقاني وصحبة إلى حين وفاته، وتكلم في مسائل الخلاف وقرأ الأصولين والجدل والمنطق وقرأ النحو واللغة حتى برع فيهما، وكان يكتب خطا مليحا، وولي الإشراف على ديوان التركات الحشرية، وكان كيسا ظريفا لطيفا متوددا، أوصى أن يكتب على كفنه:
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى إليكم تلقى طيبكم فيطـيب توفي سنة ست عشرة وست مائة.
أبو العلاء الغزنوي
محمد بن محمود بن أبي الحسن النيسابوري الغزنوي أبو العلاء، ذكره تاج الإسلام في تاريخ مرو وقال: لقيته ببلخ في شهر رجب سنة سبع وأربعين وخمس مائة، وقال: هو من أهل غزنة وكان إماما فاضلا واسع العلم متفننا عارفا بالأدب مليح المحاورة كثير المحفوظ، جمع كتابا مليحا في شعراء عصره سماه سر السرور، وكان والده من مشاهير العلماء صاحب الكتب الحسان مثل التفسير وخلق الإنسان، وقدم ولده محمد خراسان رسولا مرتين من صاحب غزنة إلى السلطان سنجر بن ملكشاه وكان ولي القضاء بغزنة.
ابن محمود بن سبكتكين
محمد بن محمود بن سبكتكين، تولى الملك بعد أبيه بوصية منه وكان أخوه مسعود غائبا فجاء وأظهر خلافه وجرى لهما ما سيأتي ذكره في ترجمة أخيه مسعود بن محمود في حرف الميم مكانه، وآخر أمره خلعه الجند واعتقلوه ووكلوا به وتولى أخوه مسعود الأمر بميل الجند إليه وذلك بعد الاثنين والعشرين وأربع مائة، كان كريما إلا أنه انهمك على لذاته ففاته المطلوب، ولما سجنه أخوه مسعود سمل عينيه، ثم إنه بعد ذلك أطاعه الجند فولوه عليهم وقتل أخاه مسعودا سنة ثلاث وثلاثين وأربع مائة، والله أعلم.
السلطان السلجوقي
صفحة : 594
محمد شاه بن محمود بن محمد بن ملكشاه أخو ملكشاه السلطان السلجوقي، طلب أن يخطب أن له ببغداذ فلم يجب إلى ذلك، فسار إليها وحاصرها، ثم رحل عنها وتوفي بالقرب من همذان بعلة السل سنة أربع وخمسين وخمس مائة وله ثلاث وثلاثون سنة، وكان موصوفا بالعقل والكرم والتأني في أموره، واختلف الأمراء بعده فقوم طلبوا أخاه ملكشاه وقوم طلبوا أخاه سليمان شاه وهم الأكثر وقوم طلبوا أرسلان شاه، وكان سليمان شاه محبوسا بالموصل فجهزه زين الدين بإشارة نور الدين الشهيد فأجلسوه على سرير الملك بهمذان وكان قصدهم أن يأكلوا به البلاد لأنه كان مشغولا باللعب واللهو.
الطوسي الأشعري
محمد بن محمود بن محمد الشهاب الطوسي أبو الفتح الفقيه الشافعي نزيل مصر، إمام مفت علامة مشهور سمع وروى، كان جامعا للفنون درس بمنازل العز وانتفع به جماعة، قدم بغداذ وركب بالسنجق والسيوف المسللة والغاشية والطوق في عنق البغلة فمنع من ذلك، فسافر إلى مصر ووعظ وأظهر مذهب الأشعري وثارت عليه الحنابلة وكان يجري بينه وبين زين الدين ابن نجية العجائب من السباب، وسئل أيما أفضل دم الحلاج أو دم الحسين? فغضب من ذلك فقيل له: إن دم الحلاج كتب على الأرض الله الله ولا كذلك دم الحسين، فقال: المتهم يحتاج إلى تزكية، وتوفي سنة ست وتسعين وخمس مائة.
ابن النجار
محمد بن محمود بن الحسن بن هبة الله بن محاسن الحافظ الكبير محب الدين أبو عبد الله ابن النجار البغداذي صاحب التاريخ، ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعين وخمس مائة، وسمع من عبد المنعم بن كليب ويحيى بن بوش وذاكر بن كامل وأبي الفرج ابن الجوزي وأصحاب ابن الحصين والقاضي أبي بكر فأكثر وأول سماعه وله عشر سنين، وله الرحلة الواسعة إلى الشام ومصر والحجاز وأصبهان وخراسان ومرو وهراة ونيسابور، وسمع الكثير وحصل الأصول والمسانيد وخرج لنفسه ولجماعة وجمع التاريخ الذي ذيل به على تاريخ الخطيب لبغداذ واستدرك فيه على الخطيب فجاء في ثلاثين مجلدا دل على تبحره في هذا الشأن وسعه حفظه وقد نقلت منه تراجم عديدة في هذا الكتاب رحم الله مصنفه، وكان إماما ثقة حجة مقرئا مجودا حلو المحاضرة كيسا متواضعا، اشتملت مشيخته على ثلاثة آلاف شيخ ورحل سبعا وعشرين سنة، يقال إنه حضر مع الشيخ تاج الدين الكندي ليلة في مجلس المعظم عيسى أو الأشرف موسى لأنه كان ذكره وأثنى عليه فقال له: أحضره، فسأله السلطان عن وفاة الشافعي متى كانت? فبهت، وهذا من التعجيز لمثل هذا الحافظ الكبير القدر فسبحان من له الكمال، وله كتاب القمر المنير في المسند الكبير ذكر كل صحابي وما له من الحديث، وله كتاب كنز الإمام في معرفة السنن والأحكام والمختلف والمؤتلف ذيل به على ابن ماكولا والمتفق والمفترق على منهاج كتاب الخطيب، نسب المحدثين إلى الآباء والبلدان، كتاب عواليه، كتاب معجمة، جنة الناظرين في معرفة التابعين، الكمال في معرفة الرجال، العقد الفائق في عيون أخبار الدنيا ومحاسن تواريخ الخلائق، الدرة الثمينة في أخبار المدينة، نزهة الورى في أخبار أم القرى، روضة الأوليا في مسجد إيليا، الأزهار في أنواع الأشعار. سلوة الوحيد. غرر الفوائد ست مجلدات. مناقب الشافعي وأنوار الزهر في محاسن شعر شعراء العصر. كتاب نحا فيه نحو نشوار المحاضرة مما التقطه من أفواه الرجال، مجموع غرر الفوائد ومنثور درر القلائد، نزهة الطرف في أخبار أهل الظرف. إخبار المشتاق إلى أخبار العشاق، الكافي في الصلاح، الشافي في الطب ووقف كتبه بالنظامية، وتوفي سنة ثلاث وأربعين وست مائة قال ياقوت في معجم الأدباء: وأنشدني لنفسه:
وقائل قال يوم العـيد لـي ورأى تململي ودموع العين تنـهـمـر
مالي أراك حزينا بـاكـيا أسـفـا كأن قلبك فيه النار تـسـتـعـر
فقلت: إني بعيد الدار عن وطنـي ومملق الكف والأحباب قد هجروا ونظر إلى غلام تركي حسن الصورة فرمد باقي يومه فقال:
وقائل قال: قد نظرت إلـى وجه مليح فاعتادك الرمـد
فقلت: إن الشمس المنيرة قد يعشى بها الناظر الذي يقد قلت: شعر مقبول.
المراتبي الحنبلي
صفحة : 595
محمد بن محمود بن عبد المنعم الإمام تقي الدين المراتبي الحنبلي. كان فقيها ورعا في مذهبه ذا فنون، توفي سنة أربع وأربعين وست مائة.
الرصاصي الطبيب
محمد بن محمود بن أبي زيد الحكيم الطبيب أبو عبد الله الرازي الرصاصي، شيخ فاضل مسن له أربع وثمانون سنة، توفي سنة ستين وست مائة، ولم يذكره ابن أبي أصيبعة.
المنصور صاحب حماة
محمد بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب صاحب حماة وابن ملوكها الملك المنصور أبو المعالي ناصر الدين ابن الملك المظفر تقي الدين ابن الملك المنصور، صاحب حماة المعرة بعد والده وليهما وعمره عشر سنين وأيام سنة اثنتين وأربعين رعاية لأمه الصاحبة غازية بنت الملك الكامل وقام بتدبير دولته أمه وسيف الدين طغريل أستاذ الدار وشيخ الشيوخ شرف الدين عبد العزيز، وكان فيه كرم وحسن عشرة ولكنه كان يلعب وينهمك على اللهو وغير ذلك، وتوفي سنة ثلاث وثمانين وست مائة.
شمس الدين الأصبهاني
محمد بن محمود بن محمد بن عباد الكافي العلامة شمس الدين أبو عبد الله الأصبهاني الأصولي، قدم الشام بعد الخمسين وست مائة وناظر الفقهاء واشتهرت فضائله وسمع بحلب من طغريل المحسني وغيره وانتهت إليه الرياسة في معرفة الأصول في الفقه، وشرح المحصول للإمام فخر الدين شرحا كبيرا حافلا وصنف كتاب القواعد مشتملا على أصول الدين وأصول الفقه والمنطق والخلاف وهو حسن تصانيفه، وله غاية الطلب في المنطق، وله معرفة جيدة بالعربية والأدب والشعر لكنه قليل البضاعة في الفقه والسنة، ولي قضاء منبج في أيام الناصر ثم دخل مصر وولي قضاء قوص ثم قضاء الكرك ورجع إلى مصر وولي تدريس الصاحبية وأعاد وأفاد وولي تدريس مشهد الحسين وتدريس الشافعي، وتخرج به خلق ورحل إليه الطلبة وكتب عنه الحديث علم الدين البرزالي وغيره، مولده بأصبهان سنة ست عشرة وتوفي بالقاهرة سنة ثمان وثمانين وست مائة.
ابن شهاب الدين محمود
محمد بن محمود بن سلمان بن فهد القاضي شمس الدين صاحب ديوان الإنشاء بدمشق وابن صاحب ديوان الإنشاء بها، جاء والده إلى دمشق من مصر وكان حول والده يكتب المطالعة هو وولده القاضي شرف الدين أبو بكر، وكان القاضي شمس الدين إذا سافر الأمير سيف الدين تنكز إلى الصيود يسافر هو معه ويتخلف والده بالمدينة لضعفه عن الحركة وكبر سنه، فلما توفي والده في شعبان سنة خمس وعشرين وسبع مائة تولى هو صحابة ديوان الإنشاء مكان والده استقلالا فلم تطل مدته بعد ذلك وتوفي في عاشر شوال سنة سبع وعشرين وسبع مائة. وكان رحمه الله خطا منسوبا نقشا نغشا مليحا إلى الغاية وكتب مجاميع أدبية كثيرة، ولم يكن فيه شر، من خيار عباد الله طباعا كثير التواضع لم يغيره المنصب، ولم يكن له فيما علمت نظم ولا نثر، وكان الأمير سيف الدين تنكز يحبه كثيرا ويميل إليه، ولما توفي رثاه جمال الدين محمد بن نباتة بقصيدة أولها:
أطلق دموعك إن القلب مـعـذور وإنـه بـيد الأحـزان مـأسـور
وخل عينيك يهمي من مدامعـهـا در على كاتب الإنشاء مـنـثـور
يسوءني ويسوء النـاس أجـمـع يا بيت البلاغة أن البيت مكـسـور
في كل يوم برغمي من منازلـكـم ينأى ويذهب محمود ومشـكـور
خبا الشهاب فقلنا الشمس فاعترضت أيدي الردى فزمان الأنس ديجـور
آها لمنظر شـمـس لا يذم لـهـا بالسعي في فلك العلـياء تـسـيير منها:
لهفي عليه لأخـلاق مـهـذبة سعي الثناء بها والأجر مبـرور
تواضع لاسمه منه أزدياد علـى وفي التكبر للأسماء تصـغـير
وهمة بين خدام العلى نـشـأت فاللفظ والعرض ريحان وكافور
لا عيب فيه سوى فكر عـوائده للحمد رق وللألفاظ تـحـرير
حتى إذا لاح مرفوعـا مـدائده وراح ذيل علاه وهو مجـرور
تخيرته أكف الـمـوت عـارفة بنقده وتنـقـتـه الـمـقـادير منها:
والمرء في الأصل فخار فلا عجب إن راح وهو بكف الدهر مكسور
جادت ضريحك شمس الدين سارية يمسي صداك لديها وهو مسـرور الكاتب
صفحة : 596
محمد بن مخلد الكاتب، أورد له صاحب كتاب البارع:
تخطي النفوس على العـيا ن وقد تصيب على المظنه
كم من مضيق في الفضـا ء ومخرج بـين الأسـنة شرف الدين ابن مختار
محمد بن مختار شرف الدين الحنفي، اجتمعت به غير مرة بقلعة الجبل جرت بيني وبينه مباحث أصولية فكان يميل إلى اعتقاد الفلاسفة وكان جيد الذهن يعرف الهندسة جيدا وله يد طولى في الهيئة والحساب، وكان في الأصل صائغا وتسلط بالصياغة على معرفة كتاب الحيل لبني موسى فكان يصنع منها بيده أشياء غريبة ويقدمها للأمير سيف الدين قجليس الناصري فراج عنده وأخذ فقاهات في مدارس الحنفية ورواتب، وكانت له يد في المنطق وكان يحب الأدب ولم يكن له فيه يد بل ولا ذوق، ولشهاب الدين العسجدي فيه أبيات أنشدنيها منها أولها:
ليس ابن مختار في كفر بمختار وإنما كفره تقـلـيد كـفـار توفي في سنة سبع وثلاثين وسبع مائة بالقاهرة.
الدميري
محمد بن المرزبان الدميري، قال حمزة: كان بليغا عالما بمجاري اللغة تصدر عنه الكتب الطوال وكان يتعاطى الأوصاف ويركب مركب علي بن عبيدة الريحاني، وكان أحد التراجمة ومن ينقل الكتب من الفارسية إلى العربية وله أكثر من خمسين نقلا من كتب الفرس وله بضعة عشر كتابا في الأوصاف منها كتاب في وصف الفرس والفارس وكتاب في وصف السيف وكتاب في وصف القلم، ومن الكرج آخر يقال له محمد بن سهل ابن المرزبان له كتاب المنتهى ليس هو هذا وتقدم ذكره في موضعه.
الباهلي
محمد بن مرزوق الباهلي، روى عنه مسلم والترمذي وابن ماجه، وتوفي سنة خمسين ومائتين أو ما دونها.
الزعفراني الفقيه
محمد بن مرزوق بن عبد الرزاق بن محمد بن عثمان بن أحمد الجلاب الزعفراني أبو الحسن الفقيه الشافعي، درس الفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي ولازمه حتى برع فيه، وألف في المذهب عدة كتب منها تحرير أحكام الصيام ومناسك الحج، وسمع الحديث الكثير ببغداذ ورحل في طلبه إلى البصرة وخوزستان والأهواز وأصبهان والشام وديار مصر، وكتب بخطه كثيرا وجمع وحصل، وكان شيخا فاضلا ورعا دينا على طريق السلف وكتب خطا حسنا مضبوطا محققا، توفي سنة سبع عشرة وخمس مائة ودفن ببغداذ في الجانب الشرقي في الوردية.
المالكي والد ابن زهر
محمد بن مروان بن زهر أبو بكر الإيادي الإشبيلي، كان فقيها حافظا لمذهب مالك حاذفا في الفتوى، عمر وكان واسع الرواية وهو والد الطبيب الماهر ابن زهر، توفي سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة.
محمد بن مروان بن أبي حفصة
محمد بن مروان بن أبي الجنوب بن مروان بن أبي حفصة، شاعر ابن شاعر، ذكره الطبري وأورد مدائحه في المعتز، وذكره ابن الجراح في كتاب الورقة وقال: وكان مطرحا في أيام المستعين فلما وقعت الفتنة لزم المعتز ومدحه مدحا كثيرا وخص به فقلده اليمامة والبحرين فتعدى على أهلها وأوقع العصبية وقتل خلقا فتظلموا منه فصرفه، وسيأتي ذكر والده وجده في مكانيهما، ومن قوله يمدح المعتز في الفتنة:
أعاد لنا المعـتـز أيام جـعـفـر وأحيا لنا بالعدل والجود جعـفـرا
إمام له في كـل قـلـب مـحـبة كوالده قولا وفعـلا ومـنـظـرا
ظفرت بحق طالما قد ظلـمـتـه ومن كان يبغي الحق أمسى مظفرا أبو بكر البغداذي
محمد بن مروان بن عبد الله أبو بكر، أورد له محب الدين ابن النجار قوله:
وعدتـنـي زيارة ذات يوم حين طالبتها نهارا جهـارا
قلت: يا منيتي فهلا بـلـيل فهو أخفى لمن أراد استتارا
فاستشاطت تجبرا ثم قالـت: لو رأى وجهي الظلام أنارا
أي شمس رأيت تطلع لـيلا إنما تطلع الشموس نهـارا أبو عبد الله الأزدي
محمد بن مزاح الأزدي، يقول في ثقيل:
لنـا صـديق زائد ثـقـلـه فظفره كالجبـل الـراسـي
تحمل منه الأرض أضعاف ما تحمله من سـائر الـنـاس وقد ألم في ذلك بقول بعض الأندلسيين:
ليس بإنسـان ولـكـنـه يحسبه الناس من النـاس
أثقل في أنفس إخـوانـه من جبل راس على راس ابن أبي الأزهر النحوي
صفحة : 597
محمد بن مزيد بن محمود بن منصور بن راشد أبو بكر ابن أبي الأزهر الخزاعي النحوي المعروف بابن أبي الأزهر، هكذا ذكره الخطيب، وذكره محمد بن إسحق فقال: محمد بن أحمد بن مزيد النحوي الاخباري البوسنجي وتوفي عن سن عالية، وقال الوزير عبد الرحمن في كتابه في أخبار أخيه: حدثني محمد بن مزيد أبي الأزهر. مات فيما ذكره الخطيب سنة خمس وعشرين وثلاث مائة، وحدث عن إسحق بن أبي إسرائيل ومحمد ابن سليمان لوين وأبي كريب محمد بن العلاء والزبير بن بكار والمبرد وكان مستمليه وحماد بن إسحق الموصلي روى عنه كتاب الأغاني لأبيه، روى عنه الدارقطني وأبو بكر ابن شاذان والمعافى بن زكرياء وأبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني، قال الخطيب: وكان كذابا يضع الأحاديث على الثقات، وله شعر كثير، زاد في حديث النبي، صلى الله عليه وسلم، في قوله لعلي عليه السلام: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، زاد فيه ولو كان لكنته، لم يرو هذه الزيادة غيره، وله من هذه الأخبار ما لست بصدد ذكره، وله تصانيف منها أخبار عقلاء المجانين وكتاب الهرج والمرج في أخبار المستعين والمعتز ومن شعره:
لا تـبـع لـذة يوم لـغـد وبع الغي بتعجيل الرشـد
إنها إن أخرت عن وقتهـا باختداع النفس فيها لم تعد
فاشغل النفس بها عن شغلها لا تفكر في حمـيم وولـد
أو ما خبرت عما قيل فـي مثل باق على مـر الأبـد
إنما دنياي نفـسـي فـإذا تلفت نفسي فلا عاش أحد ومنه:
إذا كنت أحتاج في حاجتـي وأنت صديقي، أن أذكـرك
فحقك عندي إذا ما قضـي ت بعد اقتضائي أن أهجرك
فلا حظ فيك لـذي حـاجة إذا كان حظك أن يعـذرك قلت: شعر جيد.
قطرب اللغوي
محمد بن مستنير النحوي اللغوي البصري مولى سلم بن زياد المعروف بقطرب، أخذ الأدب عن سيبويه وعن جماعة من العلماء البصريين وكان حريصا على الاشتغال، كان يبكر إلى سيبويه قبل حضور التلاميذ إليه فقال له: ما أنت إلا قطرب ليل، فبقي علما عليه، والقطرب دويبة لا تزال تدب ولا تفتر، وكان من أئمة عصره وله من التصانيف: معاني القرآن والاشتقاق والقوافي والنوادر والأزمنة والفرق والأصوات والصفات والعلل في النحو والأضداد وخلق الفرس وخلق الإنسان وغريب الحديث والهمز والمجاز في القرآن والمثلث وله تصانيف لطاف في النحو وفعل وافعل والرد على الملحدين في تشابه القرآن، وهو أول من وضع المثلث في اللغة، وكان قطرب يعلم أولاد أبي دلف العجلي، أورد له صاحب البارع قوله:
إن كنت لست معي فالذكر منك معي يراك قلبي وإن غيبت عن بصـري
والعين تبصر من تهوى وتـفـقـده وناظر القلب لا يخلو من النـظـر توفي سنة ست ومائتين، يقال اسمه أحمد بن محمد ويقال الحسن بن محمد، والأول أصح، حدث المرزباني قال: صار قطرب إلى أبي دلف يؤدب ولده فلما مات كان الحسن بن قطرب يؤدبه عوضا عن أبيه، فحضر معه يوما بعض الحروب فوقع في رأسه سهم فسقط فحامى عنه أبو دلف وحارب أشد حرب حتى استنفذه وحمله إلى مأمنه وهو مغشي عليه وجمع الأطباء وأمرهم باستخراج السهم فقالوا: إن خرج السهم ولم يخالط الدماغ عاش وإن خالطه لم يعش، ففتح عينيه الحسن بن قطرب ورفع رأسه وقال: انزعوه فلو كان له دماغ ما حضر هذا الموضع، فقال أبو دلف في ذلك:
وليشركن أبو علي قـطـرب مني يدا بيضاء غير عـقـام
ردي عليه فتاه بـعـد ثـوائه رهنا لكل مهـنـد قـضـام
في حيث لا تجدي عليه دفاتر مرسومة برواقـش الأقـلام
لا النحو ينفعه ولا إتـقـانـه علم العروض ومذهب النظام وكان قطرب يرى رأي المعتزلة النظامية وعن النظام أخذ مذهبه، وكان يغيظ الأصمعي لأنهما جميعا غلاما خلف الأحمر، قال المرزباني: ولم يكن ثقة، قال ابن السكيت: كتب عن قطرب قمطرا ثم تبينت أنه يكذب في اللغة فليس أذكر عنه شيئا، وقال أبو زيد: قطرب وأبوه معتزليان وهما متهمان في عظم الدين، وفيه يقول أبو ربيعة ممويه:
صفحة : 598
ما زلت بالكرخ الدنية ساكنا أرجو الغنى وأؤمل الآمـالا
حتى رأيت أبا خراشة راكبا ورأيت رز يقلب الأمـوالا
ورأيت مثل أبي علي قطرب فيها ومثلي معدمـا عـيالا
فعلمت أن الدار دار مـذلة تضع الكرام وترفع الأنذالا القاضي الكوفي
محمد بن مسروق بن معدان الكندي الكوفي الفقيه من أصحاب الرأي، كان عجبا في التيه والصلف، ولي قضاء مصر فأوقف الشهود أجمع فوثبوا به وشتموه لأنه كان في غاية الكبر، توفي سنة خمس وثمانين ومائة.
ابن الشدنك
محمد بن مسعود بن أحمد بن الشدنك أبو الغنائم، سمع أبا الحسن علي ابن محمد بن محمد الخطيب الأنباري وأبا الحسين عاصم بن الحسن العاصمي وأبا محمد رزق الله بن عبد الوهاب التميمي وأبا الحسين المبارك بن عبد الجبار ابن أحمد الصيرفي وغيرهم، روى عنه أبو محمد ابن الأخضر وأبو البركات ابن السقطي، وكان شيخا صالحا مستورا، توفي سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة.
أبو يعلى الهروي اللغوي
محمد بن مسعود بن أبي يعلى الماليني الهروي أبو يعلى الأديب اللغوي، قال ابن النجار: شيخ فاضل حسن المعرفة باللغة والأدب وهو كرامي المذهب لقيته بقرية غروان من مالين وكتبت عنه من شعره، وأورد له:
دع الحرص وانظر في تمتع قـانـع لتفريق إرث كان ذو الحرص جامعة
وشاهد ذبابا قاده الحـرص طـعـمة إلى عنكبوت يلزم البيت قـانـعـه وأورد له أيضا:
ماذا نؤمل من زمان لـم يزل هو راغب في خامل عن نابه
نلقاه ضاحكة إليه وجوهـنـا وتراه جهما كاشرا عن نابـه
فكأنما مكروه ما هـو نـازل عنه بنا هو نازل عـنـا بـه قلت: هو شعر مقبول.
الخطيب الشاعر القرطبي
محمد بن مسعود أبو عبد الله القرطبي الخطيب، سمع من قاسم بن أصبغ وجماعة وكان خطيبا مفوها بليغا شاعرا، توفي يوم الفطر سنة تسع وسبعين وثلاث مائة، وكان يتقعر في كلامه وأسجاعه ويؤدب بالعربية ثم صار يخطب بين يدي المستنصر بالله في العيد وفي قدوم الوفود ثم ولي قضاء يابرة، قال ابن الفرضي: سمعته مرارا يخطب مرارا في جامع الزهراء ولم يحدث.
ابن أبي الركب النحوي
محمد بن مسعود أبو بكر الخشبي من أهل جيان الأندلسي يعرف بابن أبي الركب، نحوي عظيم من مفاخر الأندلس، له كتاب في شرح سيبويه، وابنه أبو ذر مصعب إمام في النحو أيضا يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى، قال السلفي: أنشدني له أبو العباس أحمد بن يوسف بن بسام اليعمري البياسي:
بساط ذي الأرض سندسي وماؤها العذب لؤلـؤي
كأنها البكر حين تجـلـى والزهر من فوقها الحلي القسام النحوي
محمد بن مسعود القسام الأصبهاني المعروف بالفخر النحوي، له تصانيف في الأدب مرغوب فيها وشعر متداول بين أهل بلده ورسائل مدونة، وكانت وفاته بعد الستين وخمس مائة وكان قد فاق في الفقه والمساحة والفرائض والحساب، وأورد له العماد الكاتب في الخريدة شعرا كثيرا وكتب إلى جماعة من أهل عصره فتاوي شعرا وأجابوه عنها، ومن شعره:
ولما أن تولـيت الـقـضـايا وفاض الجور من كفيك فيضا
ذبحت بغـير سـكـين وإنـا لنرجو الذبح بالسكـين أيضـا ومنه في نقرة الذقن:
أيا قمرا جار في حسـنـه على عاشقيه ولم ينصـف
سمعنا بيوسف في جـبـه ولم نسمع الجب في يوسف ومنه:
ماذا العذار على أكناف عارضـه كأنه من سواد القلب والبـصـر
إن كان فرصة مسك فهي في رشإ أو كان كلفة بدر فهي في قمـر البجاني القرطبي
محمد بن مسعود البجاني القرطبي شاعر مفلق، توفي سنة أربع مائة أو ما دونها تقريبا.
المعمر ابن بهروز
محمد بن مسعود بن بهروز الطيب المعمر أبو بكر البغداذي، سمع وروى وتوفي سنة خمس وثلاثين وست مائة.
ابن التوزي المحدث
محمد بن مسعود بن أيوب ابن التوزي بالزاي الحلبي القاضي بدر الدين محدث حمص، توفي سنة خمس وسبع مائة.
صفحة : 599
محمد بن مسعود صلاح الدين، اجتمعت به غير مرة وأنشدني لنفسه في ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وسبع مائة بالقاهرة:
صرف الزبيبي لصرف همي نص على نفعه طـبـيبـي
آه على سـكـرة لـعـلـي أن أخلط الهم بالـزبـيبـي الزهري
محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن الحارث بن زهرة القرشي الزهري أحد الفقهاء المحدثين بالمدينة حافظ زمانه، ولد سنة خمسين وطلب العلم في أواخر عصر الصحابة وله نيف وعشرون سنة، فروى عن ابن عمر حديثين فيما بلغنا قاله الشيخ شمس الدين وعن سهل بن سعد وأنس بن مالك ومحمود بن الربيع وعبد الرحمن بن أزهر وسنين أبي جميلة وأبي الطفيل وربيعة بن عباد وعبد الله بن ثعلبة وكثير بن العباس بن عبد المطلب وعلقمة بن وقاص والسائب بن يزيد وسعيد بن المسيب وأبي أمامة بن سهل وعروة وسالم وعبيد الله بن عبد الله وخلق كثير، قال أبو داود: حديثه ألفان ومائتا حديث النصف منها مسند، وقال ابن المديني: له نحو ألفي حديث، وقال مكحول وعمر بن عبد العزيز وهذا لفظه: لم يبق أحد أعلم بسنة ماضية من الزهري، قال ابن عيينة: رأيت الزهري أعيمش أحمر الرأس واللحية وفي حمرتها انكفاء كان يجعل فيه كتما، وجالس الزهري سعيد بن المسيب ثماني سنين، وقال الزهري: من سنة الصلاة أن يقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم ثم فاتحة الكتاب ثم تقرأ سورة، وكان يقول: أول من قرأ بسم الله الرحمن الرحيم سرا بالمدينة عمرو بن العاص. قال: الحافظ لا يولد في كل أربعين سنة إلا مرة واحدة، وقال يونس بن محمد المؤدب: حدثنا أبو أويس: سألت الزهري عن التقديم والتأخير في الحديث فقال: هذا لا يجوز في القرآن فكيف في الحديث، إذا أصبت معنى الحديث فلا بأس. وكان الزهري قصيرا قليل اللحم له شعرات طوال خفيف العارضين، قال أحمد بن حنبل: الزهري أحسن الناس حديثا وأجود الناس إسنادا. وقال أبو حاتم: أثبت أصحاب أنس الزهري، وقال يعقوب بن شيبة ثنا الحسن الحلواني ثنا الشافعي قال: حدثنا عمي قال: دخل سليمان بن يسار على هشام فقال له: يا سليمان من الذي تولى كبره منهم? فقال: ابن سلول، قال: كذبت بل هو علي، فدخل ابن شهاب فقال: يا ابن شهاب من الذي تولى كبره منهم? فقال: ابن أبي، فقال له: كذبت بل هو علي، فقال: أنا أكذب لا أبا لك? فو الله لو نادى مناد من السماء أن الله قد أحل الكذب ما كذبت، حدثني سعيد وعروة وعبيد الله وعلقمة ابن وقاص عن عائشة أن الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي. يقال إن قبر الزهري بأدما وهي خلف شغب وبدا وهي أول عمل فلسطين وآخر عمل الحجاز وبها ضيعة للزهري وهو مسنم مجصص، قال الواقدي: عاش اثنتين وسبعين سنة، وقال غيره: أربعا وسبعين، وتوفي سنة أربع وعشرين ومائة، وهو القائل لعبد الله بن عبد الملك بن مروان:
أقول لعبد الله لـمـا لـقـيتـه يسير بأعلى الرقتين مشـرقـا
ترج خبايا الأرض وارج مليكها لعلك يوما أن تجاب فتـرزقـا
لعل الذي أعطى العزيز بقـدرة وذا خشب أعطى وقد كان دودقا
سيؤتيك مالا واسعـا ذا مـثـابة إذا ما مياه الناس غارت تدفقـا أبو عبد الله الطائفي
محمد بن مسلم الطائفي أبو عبد الله المكي، قال ابن مهدي: كتبه صحاح، وقال أحمد: ما أضعف حديثه، وقال ابن عدي: له غرائب روى عنه الجماعة خلا البخاري وتوفي سنة ثمان وسبعين ومائة، والصحيح سنة سبع وسبعين ومائة.
الحافظ ابن واره
محمد بن مسلم بن واره بواو بعدها ألف وراء وهاء الرازي، طوف وسمع الكثير، روى عنه النسائي ومحمد بن يحيى الذهلي مع تقدمه، كان أبو زرعة لا يقوم لأحد ويجلسه مكانه إلا له، توفي سنة سبعين ومائتين.
أبو الحسين الصالحي المتكلم
محمد بن مسلم أبو الحسين الصالحي من أهل البصرة أحد المتكلمين على مذهب الإرجاء، ورد بغداذ حاجا واجتمعه إليه المتكلمون وأخذوا عنه، وله من المصنفات كتاب الإدراك الأول وكتاب الإدراك الثاني، ذكره محمد بن إسحق النديم في كتاب الفهرست.
أبو غالب الفزاري
محمد بن المسلك بن ميمون أبو غالب الفزاري، أورد له محب الدين ابن النجار قوله:
يهوى هوا نجـد وأين لـه من أن يرى من ساكني نجد
صفحة : 600
فعسى صروف الدهر تسعده فيحل نجدا وهو ذو سـعـد كان موجودا بعد سنة ست وثلاثين وخمس مائة بحلة ابن مزيد.
قاضي القضاة ابن مسلم
محمد بن مسلم بتشديد اللام بن مالك بن مزروع الزيني ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي الزاهد الشيخ الإمام العالم المحدث الفقيه النحوي بركة الإسلام قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله، ولد سنة اثنتين وستين في صفر ومات أبوه وله ست سنين وكان ملاحا في سوق الجبل وحفظ القرآن وتعلم الخياطة واشتغل وتفقه وسمع الكثير له حضور على ابن عبد الدائم وسمع من الشيخ شمس الدين وطبقته، وخرج له ابن الفخر مشيخة في مجلد سمعها منه خلق، وبرع في الفقه والعربية وتصدر لإقرائهما وتخرج به فضلاء، لم يطلب تدريسا ولا فتيا ولا زاحم على الدنيا، سمع الشيخ شمس الدين بقراءته الأجزاء وكان ربما يكتب الأسماء والطباق ويذاكر، بقي مدة على الخزانة الضيائية فلما توفي القاضي تقي الدين سليمان عين للقضاء وأثني عليه عند السلطان بالعلم والنسك والسكينة فولاه القضاء فتوقف وطلع إليه الشيخ تقي الدين ابن تيمية إلى بيته وقوى عزمه ولامه فأجاب بشرط أن لا يركب بغله ولا يأتي موكبا فأجيب، وكان ينزل إلى الجوزية ماشيا وربما ركب حمار المكاري، وكان مئزره سجادته ودواة الحكم زجاجة واتخذ فرجية مقتصدة من صوف وكبر العمامة قليلا، فنهض بأعباء الحكم بعلم وحلم وقوة ورزانة وعمر الأوقاف وحاسب العمال وحرر الإسجالات وحمدت قضاياه ولازم الورع والتحري ولاطف العتاه وحكم إحدى عشرة سنة وشهد له أهل العلم والدين أنه من قضاة العدل، وحج مرات، وخرج له ابن سعد الأربعين المتباينة المسانيد وخرج له المزي تساعيات وخرج له شمس الدين جزءا وأجاز له من مصر جماعة من أصحاب البوصيري، وأوذي بالكلام لما انتصر لابن تيمية فتألم وكظم وسار للحج والمجاورة فمرض من العلى فلما قدم المدينة تحامل حتى وقف مسلما على النبي، صلى الله عليه وسلم، ثم أدخل إلى منزل، فلما كان السحر توفي سنة ست وعشرين وسبع مائة ودفن بالبقيع وله أربع وستون سنة وأشهر.
الأنصاري الأشهلي
محمد بن مسلمة الأنصاري الأشهلي حليفهم ومن الطبقة الأولى من الأنصار وأمه وأم سهم واسمه خليدة من الخزرج، أسلم محمد بالمدينة على يدي مصعب بن عمير وذلك قبل الإسلام أسيد بن الحضير وسعد بن معاذ وآخى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خلا تبوك لأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، استخلفه على المدينة وثبت مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لما انهزم الناس وكان فيمن قتل كعب بن الأشرف، قال ابن يونس: شهد فتح مصر وكان فيمن طلع الحصن مع الزبير بن العوام واختط بمصر ثم رجع إلى المدينة وقدم مرة أخرى مصر في مقاسمة عمرو بن العاص لما قاسم عمر العمال ورشاه عمرو بن العاص فلم يقبل، وحكى أبو القاسم بن عساكر عن خليفة عن سفيان بن عيينة قال: قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لمحمد بن مسلمة: كيف تراني يا محمد? فقال: قويا على جمع المال عفيفا عنه عادلا في القسمة ولو ملت عدلناك كما نعدل السهم في الثقاف، فقال عمر: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا ملت عدلوني، وقال الواقدي: بلغ عمر بن الخطاب أن سعد بن أبي وقاص بني قصرا بالكوفة فأرسل محمد بن مسلمة فحرق باب القصر بالنار، وكان عمر إذا أراد شيئا من هذه الأشياء بعث محمد بن مسلمة فيه وقال هشام: كان محمد من فضلاء الصحابة واعتزل الفتن ولم يشهد صفين ولا الجمل، وأقام بالربذة واتخذ سيفا من خشب وعلقه في الجفن في بيته وقال: أهيب به ذاعرا، وكان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أعطى محمد بن مسلمة سيفا وقال: قاتل به المشركين ما قاتلوا فإذا رأيت المسلمين قد أقبل بعضهم على بعض فائت أحدا فاضربه به حتى تقطعه ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية، وروى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، توفي سنة ثلاث أو اثنتين وأربعين بالربذة وقيل بالمدينة ودفن إلى جانب أبي ذر بالربذة.
أبو جعفر الطيالسي
صفحة : 601
محمد بن مسلمة بن الوليد الواسطي أبو جعفر الطيالسي، حدث ببغداذ عن يزيد بن هارون وغيره، قال الخطيب: له مناكير، وقال الدارقطني: لا بأس به، توفي سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
الحافظ الأرغياني الاسنفنجي
محمد بن المسيب بن إسحق بن عبد الله النيسابوري الأرغياني الإسفنجي الحافظ الجوال الزاهد، روى عنه ابن خزيمة مع جلالة قدره، قيل إنه بكى حتى عمي، كان من العباد المجتهدين، وتوفي سنة خمس عشرة وثلاث مائة.
الأمير أبو الذواد صاحب الموصل
محمد بن المسيب الأمير أبو الذواد، تغلب على الموصل وأخذها وصاهر لولد عضد الدولة، توفي سنة سبع وثمانين وثلاث مائة وقام بعده أخوه حسام الدولة مقلد بن المسيب.
الدوركي الحنفي
محمد بن مصطفى بن زكرياء بن خواجا بن حسن فخر الدين التركي الصلغري الدوركي الحنفي، أخبرني الشيخ أثير الدين من لفظه قال: صلغر فخذ من الترك ودورك بلد بالروم، مولده سنة إحدى وثلاثين وست مائة بدورك، كان شيخا فاضلا عنده أدب وله نظم ونثر وقد نظم القدوري في الفقه نظما فصيحا سهلا جامعا ونظم قصيدة في النحو تضمنت أكثر الحاجبية، وفخر الدين هذا كتبنا عنه لسان الترك ولسان الفرس وكان عالما باللسانين يعرفهما إفرادا وتركيبا أعانه على ذلك مشاركته في علم العربية، وله قصائد كثيرة منها قصيدة في قواعد لسان الترك ونظم كثير في غير فن وأنشدني كثيرا منه، درس بالحسامية الفقه على مذهب أبي حنيفة وكان قديما قد تولى الحسبة بغزة وكان الخط جميل العشرة متواضعا منصفا تاليا للقرآن حسن النغمة به وقد أدب بقلعة الجبل بعض أولاد الملوك، قلت: هو السلطان الملك الناصر، قال الشيخ أثير الدين: وعمي في آخر عمره وأنشدني من قصيدة مدح بها النبي، صلى الله عليه وسلم:
قيل اتخذ مدح النبي محـمـد فينا شعارك إن شعـرك ريق
وعلى بنانك لليراعة بـهـجة وعلى بيانك للبـراعة رونـق
يا قطب دائرة الوجود بأسـره لولاك لم يكن الوجود المطلق
مذ كنت أوله وكنـت أخـيره في الخافقين لواء مجدك يخفق
كل الوجود إلى جمالك شاخص فإذا اجتلاك فعن جلال يطرق
كنت النبي وآدم فـي طـينـه ما كان يعلم أي خلق يخـلـق
فأتيت واسطة لعـقـد نـبـوة منها أنار عقيقهـا والأبـرق قلت: شعر جيد فصيح.
القرقساني
محمد بن مصعب القرقساني، روى عنه الترمذي وابن ماجه، رحل إلى الأوزاعي، قال النسائي: ضعيف، وتوفي سنة ثمان ومائتين.
أبو عبد الله المقرئ
محمد بن مصعب أبو عبد المقرئ، أورد له محب الدين ابن النجار قوله:
أيها العالم الذي لـيس فـي الأر ض له مشبه يضاهيه علـمـا
أي شيء مـن الـكـلام تـراه عاملا في الأسماء لفظا وحكما
خافضا ثم رافعـا إن تـفـهـم ت يزد فهمك التفهم فـهـمـا
يشبه الحـرف تـارة فـإذا مـا ضارع الحرف نفسه صار إسما
هو مرفوع رافع وهـو أيضـا رافع غيره وليس مـعـمـى
وهو من بعد ذاك للجر حـرف فأجبنا إن كنت في النحو شهمـا وقدم بغداذ في زمن الوزير ابن هبيرة، واللغز في مذ ومنذ.
البغداذي العابد
محمد بن مصعب أبو جعفر البغداذي، كان أحد العباد المذكورين والقراء المعروفين، أثنى عليه الإمام أحمد ووصفه بالسنة وقال: كان رجلا صالحا يقص في المسجد ويدعو وربما كان ابن علية يجلس إليه فيسمع دعاءه، جاءني وكتب عني الحديث، كان يقول: يا رب اخبأني تحت عرشك، وكان يقول: يا نفس ابن مصعب من أين لك في النار برادة? ثم رفع صوته وقرأ وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه الآية، كان مجاب الدعوة بلغ المأمون عنه شيء فأمر بحسبه فلما دخله رفع رأسه إلى السماء وقال: أقسمت عليك أن حبستني عندهم الليلة، فأخرج في جوف الليل وصلى الغداة في منزله، أسند عن ابن المبارك وغيره وروى عنه ابن سام وغيره، اتفقوا على صدقه وثقته، وتوفي سنة ثمان وعشرين ومائتين.
ابن بهلول الحمصي
صفحة : 602
محمد بن مصفى بن بهلول القرشي الحمصي، روى عنه أبو داود والنسائي وابن ماجه. اعتل بالجحفة ومات بمنى، قال محمد بن عوف: رأيته في المنام فقلت: يا أبا عبد الله أليس قدمت إلى ما صرت? قال: إلى خير ومع ذلك فنحن نرى ربنا كل يوم مرتين، فقلت: يا أبا عبد الله صاحب سنة في الدنيا والآخرة، قال: فتبسم إلي، توفي سنة ست وأربعين ومائتين.
أبو غسان المدني
محمد بن مطرف بن داود أبو غسان المدني أحد العلماء الأثبات، روى عنه الجماعة وتوفي سنة سبعين ومائة أو ما دونها.
الحافظ البزاز
محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى أبو الحسين البزاز الحافظ البغداذي، رحل إلى الأمصار وبرع في علم الحديث ومعرفة الرجال وتوفي في جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاث مائة، سمع الطبري وغيره وروى عنه الدارقطني وغيره واتفقوا على فضله وصدقه وثقته.
البغداذي المعدل
محمد بن المظفر بن عبد الله أبو الحسن البغداذي المعدل، روى عنه الخطيب، توفي سنة عشر وأربع وقد بلغ أربعا وسبعين سنة.
قاضي بغداذ أبو بكر الحموي الشافعي
محمد بن المظفر بن بكر قال ابن النجار: ابن بكران بن عبد الصمد العلامة قاضي القضاة أبو بكر الشامي الحموي الفقيه الشافعي، ولد بحماة سنة أربع مائة ورحل إلى بغداذ شابا فسكنها وتفقه بها إلى أن ولي قضاء القضاة بعد موت الدامغاني، تفقه على أبي الطيب الطبري وكان يحفظ تعليقته، صنف كتاب البيان عن أصول الدين، توفي سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، طول ابن النجار ترجمته وأثنى عليه ثناء كثيرا.
أبو الحسن ابن رئيس الرؤساء
محمد بن المظفر بن علي بن المسلمة، ولد سنة أربع وثمانين وأربع مائة، سمع الحديث وتفرد وتعبد وجعل داره التي في دار الخليفة رباطا للصوفية، توفي ليلة الجمعة تاسع شهر رجب سنة اثنتين وأربعين وخمس مائة وحمل إلى جامع القصر وأزيلت شقة من شباك المقصورة التي فيها المحراب ليحصل التابوت في المحراب فيصلي عليه الخليفة وتقدم في الصلاة عليه وزير الخليفة ابن صدقة ودفن عند جامع المنصور قريبا من رباط الزوزني، وكان من بني رئيس الرؤساء وترك الدنيا عن قدرة وزهد وانقطع إلى العبادة وكان يتكلم بكلام شديد على طريقة أهل الحقيقة.
صفي الدين الزرزاري
محمد بن المظفر بن يحيى بن المظفر الزرزاري صفي الدين، أخبرني الشيخ أثير الدين من لفظه قال: كان المذكور عدلا بالقاهرة يفتي في مذهب مالك وكان خفيف الروح فيه طرف مزاح، وكان له نظم فمن ذلك قوله:
دليل وجدي معقـول ومـنـقـول وما غرامي عن المحبوب منقول
يميس غصن نقا من تحت بدر دجى من فوقه جنح ليل الشعر مسدول
ما بين بـرق ثـنـاياه ولـؤلـؤه صوب من المزن بالصهباء معلول
كيف السبيل إلى سلسال مبسـمـه وسلسبيل اللمى ما فيه تـسـبـيل
خلعت ثوب اصطباري حين طرزه بالمسك ديباج خد منه مصـقـول
شهدت أني مشوق فيه مـكـتـئب وأنني عند قاضي الحسن مقبـول قلت: شعر متوسط.
أبو يعلي المنجم
محمد بن المظفر بن إسماعيل بن بشر أبو يعلي المنجم الشاعر، روى عنه أبو القاسم عبد الله بن محمد بن داود بن ناقيا الشاعر وأبو القاسم عبد الواحد ابن محمد الحمامي شيئا من شعره، من شعره في الشمعة:
وهيفاء قامتها كالـقـضـيب إلى الشمس في نورها تنتسب
بدت في قميص من الياسمين لنا وقلنـسـوة مـن ذهـب
وباتت كـفـاقـدة إلـفـهـا إلى الصبح أدمعها تنسكـب ومنه قوله:
يا من على ضعف صبري بهـجـره قـد تـقـوى
قلـبـي لـديك رهــين ما يستـطـيع سـلـوا
مولاي كـل صـــديق قد صـار فـيك عـدوا ومنه قوله:
لقد أرضيت مشغـولا عن اللوام بالفـكـر
وعلم مقلتي سـهـرا خلي نام عن سهـري
يعذب غير مصطبـر ويظلم غير منتصـر
تملك مهجتي قـمـر فمن يعدي على القمر قلت: شعر جيد منسجم.
أبو الحسين الخرقي ابن نحرير
صفحة : 603
محمد بن المظفر بن عبد الله بن مظفر بن نحرير الخرقي أبو الحسين الشاعر مولى بني فهد وأمه تميمية من بني الحارث بن كعب، روى عنه أبو منصور محمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز العكبري والخطيب التبريزي والمبارك بن عبد الجبار بن أحمد الصيرفي وأبو غالب شجاع بن فارس الذهلي وأبو منصور محمد بن أحمد بن النقور وغيرهم، من شعره:
إرم بها في لهوات الـوهـاد وخض بها لـجة واد فـواد
إن دسوت المجد مـضـروبة في صهوات الصافنات الجياد
أقبح بذي اللـب إذا لـم ينـل بأول الرأي أخير الـمـراد
ما العزم إلا نشـطة هـكـذا إما إلى الغي وإما الـرشـاد
المرء مرهون على نهـضة تقعده في نـطـع أو وسـاد
وصاحب نبهنـي غـالـطـا والفجر لم يبد ولا قيل كـاد
وجلدة الليل على صبـغـهـا تماطل النقصـان بـالإزدياد
غم عليه الجـو حـتـى رأى نجومه كالجمر تحت الرماد ومنه قوله:
أليس وعدتني يا قلـب أنـي إذا ما تبت من لبني تـتـوب
فها أنا تائب من حب لبـنـي فما بالي أراك بهـا تـذوب
أما نظرت إليك بفعل غـدر وبين فعلها النظر المـريب
فقال بلى ولـكـنـي لأمـر رجعت فتبت عن قولي أتوب
إذا جازيتها غـدرا بـغـدر فمن منا يكون هو الحبـيب ومنه:
يا نساء الحي من مـضـر إن سلمى ضرة القـمـر
إن سلمى لا فجعت بـهـا أسلمت طرفي إلى السهر
وهي إن صدت وإن وصلت مهجتي منها على خطـر
وبياض الشعر أسكـنـهـا في سواد القلب والبصـر ومن شعره أيضا:
لساني كـتـوم لأسـراركـم ولكن دمعي لـسـري يذيع
ولولا دموعي كتمت الهـوى ولولا الهوى لم يكن لي دموع ومنه أيضا:
قم فاسقني خمـرة مـعـتـقة تفوح منها روائح العـنـبـر
حمراء قد شجها المزاج وقـد صار من الضعف لونها أصفر
تحير الناس في الصفات لـهـا لا عرضا أثبتوا ولا جـوهـر قلت: شعر جيد. وكان رافضيا، توفي سنة خمس وخمسين وأربع مائة ودفن بالشونيزية، مولده سنة سبع وسبعين وثلاث مائة، ومن شعره ما رواه التبريزي الخطيب عنه:
خليلي ما أحلى صبوحي بدجـلة وأطيب منها بالصراة غبـوقـي
شربنا على الماءين من ماء كرمة فكـانـا كـدر ذائب وعـقـيق
على قمري أرض وأفق تقابـلا فمن شائق حلو الهوى ومشـوق
فما زلت أسقيه وأشـرب ريقـه وما زال يسقيني ويشرب ريقي
وقلت لبدر التم: تعرف ذا الفتى? فقال: نعم هذا أخي وشقـيقـي العنبري
محمد بن معاذ بن عباد بن معاذ العنبري البصري، روى عنه مسلم وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم، قال أبو حاتم: صدوق، توفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين.
المسند دران
محمد بن معاذ بن سفيان البصري الحلبي أبو بكر دران تثنية در سمع وحدث، كان أسند من بقي بحلب، عمر دهرا وتوفي سنة أربع وتسعين ومائتين.
التيمي المدني
محمد بن معاذ بن عبد الله بن معمر التيمي المدني، قال يرثي من أصيب من أهله بقديد:
وكأن المنون تطلـب مـنـي ذحل وتر فما تريد بـراحـي
بعد رزء أصـبـتـه بـقـديد هد ركني وهاض مني جناحي
لخيار الجميع قومي بنو عـث مان كانوا ذخيرتي وسلاحـي
ولخصم ألد يشغب بـالـظـل م إذا كثر الخصوم التلاحـي وقال يرثيهم:
وإني وإن كانت قديد بـغـيضة بها صادفت تلك النفوس حمامها
لداع بسقياها على بعـد دارهـا وما ذاك بي إلا بسقياي هامهـا ابن المعافى الجريري
صفحة : 604
محمد بن المعافى بن زكرياء بن يحيى بن حميد بن طرار أبو الحسين ابن أبي علي من أهل النهروان، كان والده الجريري بالجيم على مذهب ابن جرير من المفننين في العلوم وسيأتي ذكر والده إن شاء الله تعالى، حدث عن جده لأمه محمد بن يحيى بن حميد النهرواني وأبي بكر أحمد ابن يوسف بن خلاد العطار، وروى عنه أبو سعد إسماعيل بن علي بن الحسين السمان الرازي في معجم شيوخه وغيره.
ابن غنيمة الحلاوي الحنبلي
محمد بن معالي بن غنيمة الحلاوي أبو بكر الفقيه الحنبلي، قرأ الفقه على أبي الفتح ابن المني حتى برع وكان منقطعا في مسجده منعكفا على الاشتغال بالعلم والفتيا والإمامة بالناس لا يخرج إلا لصلاة الجمعة أو حضور جنازة، سمع الكثير في صباه من أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ وأبي بكر محمد بن عبيد الله الزاغوني وأبي الفتح عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي وأبي القاسم سعيد بن أحمد بن الحسن بن البناء، توفي سنة إحدى عشرة وست مائة.
أبو جعفر المقرئ
محمد بن أبي المعالي ابن محمد بن غريب أبو جعفر المقرئ، ولد بدار الخلافة ونشأ بها وحفظ القرآن وانتقل إلى الرصافة بباب الطاق وكان يقرأ في ترب الخلفاء هناك، سمع أبا الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، قال محب الدين ابن النجار: كتبت عنه وهو صدوق، توفي سنة عشرين وست مائة.
ابن قشندة
محمد بن معالي بن محمد أبو عبد الله المعروف بابن قشندة بقاف مكسورة بعدها شين معجمة مكسورة ونون ساكنة ودال مهملة مفتوحة وبعدها هاء من أهل باب البصرة، حدث باليسيرعن أبي الفتح محمد بن عبد الباقي بن أحمد بن سلمان، قال ابن النجار: لم يتفق لنا لقاؤه، توفي بواقصة راجعا من الحج سنة اثنتين وعشرين وست مائة.
ابن شدقيني العابر
محمد بن معالي بن محمد أبو محمد البغداذي ابن شدقيني، كان عارفا بتعبير الرؤيا سمع وروى وتوفي سنة اثنتين وتسعين وخمس مائة، قال ابن النجار: سماه بعض أهل الحديث بالفضل وهذا الاسم أظهر وأشهر وهو أخو شيخنا أبي القاسم فرح وكان الأكبر، سمع أبا القاسم هبة الله بن محمد ابن عبد الواحد بن الحصين وأبا الحسن علي بن عبد الواحد الدينوري وأبا بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبا نصر محمد بن سعد بن الفرح المؤدب وغيرهم.
النيسابوري
محمد بن معاوية النيسابوري نزيل مكة، طوف وصنف، كان ضعيفا، قال ابن معين: كذاب، توفي سنة تسع وعشرين ومائتين.
أبو الفتوح الكاتب
محمد بن معاوية بن الفضل بن عبيد الله أبو الفتوح الكاتب الأصبهاني، قدم بغداذ واستوطنها وحدث بها عن أبيه وعن أبي عبد الله القاسم بن الفضل ابن أحمد الثقفي وأبي الفتح أحمد بن محمد الحداد، سمع منه أبو بكر ابن كامل وأبو محمد ابن الخشاب سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، قال ابن الخشاب: شيخ لا بأس به، مولده سنة سبع وسبعين وأربع مائة ووفاته. . .
أبو بكر ابن الأحمر القرطبي
محمد بن معاوية بن عبد الرحمن بن معاوية بن إسحق بن عبد الله بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان أبو بكر الأموي القرطبي المعروف بابن الأحمر، رحل إلى المشرق سنة خمس وتسعين ومائتين وسمع النسائي وغيره ودخل إلى أرض الهند تاجرا، وكان شيخا جميلا صدوقا حمل الناس عنه وتوفي سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة.
بدر الدين ابن معبد
محمد بن معبد الأمير بدر الدين أخو الأمير علاء الدين علي بن معبد وسيأتي ذكره في مكان من حرف العين إن شاء الله تعالى، أصلهما من بعلبك، أخذ العشرة للطبلخاناه، وكان الأمير سيف الدين تنكز رحمه الله تعالى قد تغير عليه لما غضب على ناصر الدين الدوادار ثم إنه رضي عنه بعد ذلك، وكانت له نعمة طائلة وأملاك كثيرة ويحب الفضلاء وعلى ذهنه أيام الناس ووقائعهم وعنده مجلدات وولي الصفقة القبلية في أواخر أيام تنكز، وتوفي رحمه الله تعالى سنة سبع وأربعين وسبع مائة، وكان شكلا طوالا بطينا وأبوه اسمه محمود بن معبد ومعبد جده.
أبو جعفر العلوي الشيعي
صفحة : 605
محمد بن معد بن علي بن رافع بن فضائل بن علي بن حمزة بن أحمد بن حمزة أبو جعفر العلوي الموسوي الحلي من حلة سيف الدين صدقة، قدم بغداذ واستوطنها وصاهر مؤيد الدين القمي كاتب الإنشاء على أخته، وكان عليه وقار وسكينة فقيها فاضلا على مذهب الشيعة عالما بالكلام على مذهب الإمامية وله تعبد وفيه تدين، أجاز له الإمام الناصر فقرىء عليه كتاب روح العارفين في داره وحضر عنده ابن الأخضر وولده علي وعبد العزيز ابن دلف الخازن وجماعة كثيرة من أهل العلم وأعيان الناس، مولده في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة ومات في شهر رمضان سنة عشرين وست مائة وحمل إلى مشهد الحسين ودفن هناك.
الأسدي اللغوي
محمد بن المعلى بن عبد الله الأسدي أبو عبد الله النحوي اللغوي، روى عن أبي العباس الفضل بن محمد بن سهل عن الحزنبل وعن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن يعقوب عن أبي بكر محمد بن الحسن بن حمادة البلعي، وشرح ديوان تميم بن أبي بن مقبل.
اللبناني
محمد بن معمر بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن أبان اللبناني أبو روح الأصبهاني من أولاد المشايخ والمحدثين، قدم بغداذ سنة إحدى وأربعين وخمس مائة حاجا، وحدث عن والده أبي منصور وعن أبي عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد الثقفي وأبي مطيع محمد بن عبد الواحد المصري وأبي بكر أحمد بن زاهر الطوسي وأبي مسعود سليمان بن إبراهيم الحافظ وجماعة، وسمع منه جماعة منهم أبو الفضل أحمد بن صالح بن شافع وأبو بكر المبارك بن كامل بن أبي غالب الخفاف وعلي بن يعيش القواريري وأحمد بن عمر بن لبيدة المقرىء وأبو محمد عبد الله بن سكينة الأنماطي شيخ ابن النجار، توفي سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة.
ابن معمر الأصبهاني الشافعي
محمد بن معمر بن عبد الواحد بن الفاخر أبو عبد الله ابن أبي أحمد القرشي الأصبهاني، كان فقيها فاضلا حسن المعرفة بمذهب الشافعي وله معرفة حسنة بالحديث ويد باسطة في الأدب وتفنن في العلوم ويكتب خطا حسنا وكان من ظرفاء الناس، سمعه والده في صباه الكثير حضورا وسماعا من أبي الفضل الثقفي وأبي بكر محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني وأبي القاسم إسماعيل بن الأفضل بن الإخشيذ وفاطمة الجوزدانية وخجسته بنت علي الصالحانية وخلق كثير، وقدم بغداذ مع والده في صباه وسمع من جماعة في مرات من قدومه ثم عاد إليها وحدث بها وحج وعاد وأملى بالقصر، وكان ثقة متدينا له مكانة عند الملوك والسلاطين، توفي سنة ثلاث وست مائة وولد سنة عشرين وخمس مائة، قال ابن النجار: لم يتفق لي لقاؤه وكتب إلي بالإجازة، ومن شعره:
تبدت مثلـمـا بـرزت بـراح وآذنت الكواكـب بـالـبـراح
فقلت: فضحت حين وضحت ليلا وطال لـسـان واش فـي لاح
فقالت بعدمـا جـادت ونـادت وأبدت عن ثغـور كـالأقـاح
وهل تستنجح الـحـاجـات إلا بوجه في مـسـاعـيه وقـاح الحافظ البحراني
محمد بن معمر بن ربعي أبو عبد الله القيسي البصري البحراني بالحاء المهملة الحافظ، روى عنه الجماعة وتوفي سنة ستين ومائتين تقريبا.
المعتصم ابن صمادح
صفحة : 606
محمد بن معن بن محمد بن صمادح الملقب بالمعتصم التجيبي صاحب المرية وبجانة بالباء الموحدة والجيم المشددة وبعد الألف نون والصمادحية من بلاد الأندلس، كان جده محمد بن أحمد بن صمادح صاحب مدينة وشقة وأعمالها في أيام المؤيد هشام بن الحكم الأموي فحاربه ابن عمه منذر ابن يحيى التجيبي واستظهر عليه وعجز عن دفعه، وكان داهية لم يعدله أحد من أصحاب السيوف في الدهاء، وكان ولده معن مصاهرا لعبد العزيز بن أبي عامر صاحب بلنسية فوثب عبد العزيز على المرية لما قتل زهير لأنه مولاهم فحسده صاحب دانية مجاهد بن عبد الله العامري فقصد بلاد عبد العزيز وهو مشتغل في تركة زهير، فلما أحس به خرج إليه من المرية وخلف بها صهره ووزيره معن بن صمادح فخانه في الأمانة وغدر به وطرده عن الإمارة ولم يبق من ملوك الطوائف أحد إلا ذمه إلا أنه تم له الأمر واستتب، فلما مات انتقل الملك إلى ولده محمد المعتصم تسمى بأسماء الخلفاء وكان رحب الفناء جزل العطاء حليما عن الدماء فطافت به الآمال واتسع في مدحه المقال ولزمه جماعة من الشعراء كابن الحداد وغيره. وكان يوسف بن تاشفين قد أقبل على المعتصم بخلاف ملوك الطوائف، فلما خرج عن طاعته المعتمد شاركه في ذلك المعتصم فعزم ابن تاشفين على خلعهما فلما كان إلا أن قصدهما وخيم بفناء المعتصم فمات المعتصم سنة أربع وثمانين وأربع مائة بالمرية، قالت أروى بعض حظاياه: إني لعند المعتصم وهو يوصي بشأنه ونحن بحيث نعد خيمات ابن تاشفين ونسمع صوتهم إذ سمع وجبة من وجباتهم فقال: لا إله إلا الله نغص علينا كل شيء حتى الموت، فدمعت عيني فلا أنسى طرفا يرفعه إلي وإنشاده لي بصوت لا أكاد أسمعه:
ترفق بدمعك لا تفنه فبين يدي بكاء طويل كتب المعتصم إلى ابن عمار يعاتبه:
وزهدني في الناس معرفتي بـهـم وطول اختباري صاحبا بعد صاحب
فلم ترني الأيام خـلا تـسـرنـي مباديه إلا ساءني في العـواقـب
ولا صرت أرجوه لدفـع مـلـمة من الدهر إلا كان إحدى النـوائب فأجاب ابن عمار بقوله:
سواك يعي قول الوشاة من العدى وغيرك يقضي بالظنون الكواذب
ولو أن دهري ساعدتني صروفه ركبت إلى مغناك هوج الركائب
وقبلت من يمناك أعـذب مـورد وأديت من رؤياك آكـد واجـب ومن شعر المعتصم أيضا:
يا من بجسمي لبعـده سـقـم ما منه غير الدنو يبـرينـي
بين جفوني والنوم معـتـرك تصغر عنه حروب صفـين
إن كان صرف الزمان أبعدني عنك فطيف الخيال يدنينـي وامتدحه ابن الحداد بقصيدة أولها:
لعلك بالوادي المقدس شاطئ فكالعنبر الهندي ما أنا واطئ وامتدحه الأسعد ابن بليطة بقصيدة أولها:
برامة ريم زارني بعدما شطـا تقنصته في الحلم بالشط فاشتطا ابن المغلس البغداذي
محمد بن المغلس بن جعفر بن محمد بن المغلس أبو الحسن البغداذي، سكن مصر وسمع بها أبا محمد الحسن بن رشيق العسكري وأبا القاسم عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس الشافعي الرازي، وروى عنه أبو طاهر محمد بن أحمد بن أبي الصقر الأنباري في مشيخته، وجده ابن المغلس الداودي صاحب كتاب الموضح، وتوفي أبو الحسن سنة ثلاثين وأربع مائة.
المغربي الشاعر
محمد بن أبي مغنوج من أهل باجة الزيت بالساحل من كورة رصفة، بها نشأ وتأدب وكان من تلاميذ محمد بن سعيد الأبروطي وكان هجاء بديها وهو القائل من أبيات:
وإذا مررت بباب شيخ زبنة فاكتب عليه قوارع الأشعار
يؤتي ويؤتي شيخه وعجوزه وبناته وجميع من في الدار وكان من خاصة ابن أبي الكتامي ينادمه ويؤدب بنيه، فقال له يوما: صف لنا لحية هذا، وأشار إلى سناط بحضرته يسمى ميمونا، قال: على أن آخذ كذا وكذا، قال: نعم، فقال ارتجالا:
لحية ميمون إذا حصلت لم تبلغ المعشار من ذره وسكت فقال ابن أبي الكتامي: إنما أمرتك أن تقرن ذلك بالهجاء، فقال: لا أفعل إلا بزيادة في شرطي، فأجابه إلى ذلك فقال من ساعته:
تطلعت فاستقبحت وجهه فأقسمت لا أنبتت شعره
صفحة : 607
قتل سنة سبع وأربع مائة بسبب الروافض.
المغربي
محمد بن مغيث، قال ابن رشيق في الأنموذج: كان شاعرا مطبوعا مرسل الكلام مليح الطريقة يقع على النكت ويصيب الأغراض ويقيم حرب الشعراء، وكان مفتونا بالخمر متبذلا فيها مدمنا عليها لا يفيق منها، سأله بعض إخوانه في مرضه ليخبر قواه المرض الذي مات فيه: هل تقدر على النهوض لو رمته? فقال: لو شئت مشيت من ههنا إلى حانوت أبي زكرياء النباذ، فقال: فألا قلت إلى الجامع، فقال:
لكل امرئ من دهره ما تعودا ولم تجر العادة بذلك، ولقي صاحب المظالم المرناقي وهو مخمور فسلم عليه وقال: كيف تجدك? فقال: بخير ما لم أرك يا مولاي، وأراد أن يقول: بخير ما رأيتك، فأطرق المرناقي ومضى محمد وجما فعمل قصيدة يعتذر إليه فيها أولها:
فرط الحياء وهيبة السلـطـان جبرا على ضد الصواب لساني وكتب إلى بعض الرؤساء وقد جاءته بنت له فوجم لها وحزن حزنا شديدا:
لا تأس إن رحت أبا لابنة تكظم أشجانا إلى كاظمه
فإن أبناء نبي الـهـدى كلهم من ولدي فاطمـه فحسن موقع ذلك منه ووصله، وأتى عبد المجيد بن مهذب زائرا فحجبه فقال:
زرت عبد المجيد زورة مشتا ق إليه فصد عنـي صـدودا
فكأني أتـيتـه أنـزع الـع مة عن رأسه وأخصي سعيدا وكان في رأس المذكور قروح وله عبد يؤثره، قلت: تشبه تعريض ولادة بنت المستكفي في قولها:
إن ابن زيدون على فضله يغتابني ظلما ولا ذنب لي
يلحظني شزرا إذا جئتـه كأنني جئت لأخصي علي وقال محمد بن مغيث:
لا عد منا عميرة ابنة كف إنها تسعد المحب الشجيا
نقدها الريق ثم لا مهر إلا دلو ماء إن لم تكن دهريا وشاجر شيلون المصاحفي يوما وعيره فقال أبياتا شافهه ببعضها وهي:
من أفسد القصر من أفنى خزائنه فقال شيلون: أنا، فقال:
من صير العود قنطارا بدينار فقال: أنا، فقال:
من لا يصلي وإن صلى فمن نجس فقال له: أنت، فقال:
من يستخف بحق الخالق الباري فقال له: أبوك، فسكت عن باقي الأبيات منقطعا. ومن قوله في قرهب يهجوه وقيل إنها لغيره:
سلوا الذي سمى الفتى قرهبا أكان عمدا أم كما نجـمـا
عمري لقد أغربت في شتمه إن كنت حاولت له شتـمـا
هل هو إلا النصف من شتمه ونبحة الكلب فـقـد تـمـا توفي ابن مغيث آخر سنة ثلاث وأربع مائة وقد بلغ الخمسين والسن ظاهرة عليه.
السكري الهمذاني
محمد بن المغيرة بن سنان الضبي الهمذاني السكري الحنفي، محدث همذان ومسندها وشيخ فقهائها الحنفية، توفي سنة تسعين ومائتين أو ما دونها.
القائد أبو الشوائل
محمد بن مفرج بن وليد الأمير القائد المجاهد أبو الشوائل السياري الغرناطي، كان كثير الأموال وأكثرها من الغنائم له بر ومعروف وصدقات وافرة جدا، وأما جهاده فقل من يصل إلى رتبته لم يكن فيه عضو إلا وفيه طعنة رمح فيما أقبل من جسده. ولم يولد له ولد، أوصى بثلث ماله للمساكين وأعتق عبيده وأعطى لكل واحد خمسين دينارا، وبلغ تسعين سنة، توفي سنة خمس وستين وست مائة.
أبو الطيب الضبي الشافعي
محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم أبو الطيب الضبي البغداذي الفقيه الشافعي صاحب ابن سريج، كان موصوفا بفرط الذكاء صنف كتبا عدة وهو صاحب وجه وهو وأبوه وجده من مشاهير أئمة اللغة والنحو، توفي سنة ثمان وثلاث مائة وهو غض شاب، كان ابن سريج يميل إلى تعليمه ويقبل عليه لفرط ذكائه.
ابن كاهويه
محمد بن المفضل بن إسماعيل بن الفضل أبو الفضل ابن كاهوية الأصبهاني الكاتب، سمع كثيرا وخرج لنفسه معجما، وكان بليغا كاتبا شاعرا مرضي الأخلاق، توفي سنة ستين تقريبا وخمسمائة، قال ابن النجار: مولده سنة أربع وثمانين وأربع مائة، من شعره:
أقول للائمي في وجنتـيه ووردهما تبدل بالبـهـار
وجوه العاشقين به أطافـت فأعدي وجهه أثر اصفرار ومنه أيضا:
لا تركنن إلى البرية كلهـا واحذر تغيرها على أحوالها
صفحة : 608
فمتى أحبك واحد لملـمة زالت محبته بقدر زوالها ومنه أيضا:
بيني وبين معـانـدي ما لا يزول بغير شك
كعداوة لا تنقـضـي بين البهارج والمحك ومنه أيضا:
تناسيتم حق الـوداد عـلـيكـم وأظهرتم نقض العهود لديكـم
ولو كان قلبي يستطيع فراقكـم لما كنت من يشكو هواكم إليكم قلت: شعر متوسط.
خطيب المرية
محمد بن المفضل بن الحسن أبو بكر اللخمي الأندلسي خطيب المرية، كان فاضلا شاعرا أديبا متصوفا، توفي سنة خمس وأربعين وست مائة.
المقرئ التكريتي
محمد بن مفلح بن علي أبو عبد الله المقرئ التكريتي، سمع بتكريت أبا الفرح منصور بن الحسن بن علي البجلي قاضي البوازيج وحدث عنه ببغداذ واستوطنها إلى حين وفاته، وكان أحد قراء الديوان في المواكب والمجالس، سمع منه أبو عبد الله محمد بن الحسين بن القاسم التكريتي الصوفي، توفي سنة ثلاث وأربعين وخمس مائة ودفن بباب أبرز.
رخ المروزي
محمد بن مقاتل أبو الحسن المروزي الكسائي ولقبه رخ، روى عنه البخاري وإبراهيم الحربي وأبو زرعة، قال أبو حاتم: صدوق، توفي سنة ست وعشرين ومائتين.
سيف الدين ابن المني
محمد بن مقبل بن فتيان بن مطر العلامة المفتي سيف الدين أبو المظفر ابن أبي البدر بن المني النهرواني ثم البغداذي الحنبلي، ولد سنة سبع وستين وتفقه على عمه ناصح الإسلام أبي الفتح بعض التفقه وسمع من الحيص بيص الشاعر، وكان فقيها مفتيا حسن الكلام في مسائل الخلاف عدلا متميزا، سمع منه أئمة وفضلاء وروى عنه الدمياطي وغيره، وتوفي سنة تسع وأربعين وست مائة.
الأمير ابن مقن
محمد بن مقن بن المقلد بن جعفر بن عمرو بن المهيأ أبو عبد الله الأمير، كانت إليه الإمارة بسامرا وأعمالها، وكان أديبا شاعرا من بيت إمارة وتقدم، ذكره الوزير أبو سعد محمد بن الحسين في كتاب أخبار الشعراء، كان فيه شح وإمساك، وكان إذا فرغ من طعامه نثر الخبز في الجفان وخلطه بالماء الحار وصب عليه الأمراق الحامضة والحلوة الباردة والحارة ويحضر الضعفاء للأكل، فقيل له: لو أفردت كل طعام لكان أحب إليهم فقال: هذا لا يأكله إلا مضطر إليه وإذا ميزنا الأطعمة رغب فيها من لا حاجة له بها، ومن شعره:
يهيج علي الشوق بعد اندمـالـه حمام على شرف القصور جنوح
حمام يغني بالعشي وبالضـحـى ويهتـف أحـيانـا بـه وينـوح
وذكرني ما قد نسيت ولـم أكـن أبوح فأصبحت الـغـداة أبـوح حدث أبو الحسن ابن الصناديقي البزاز قال: قلت له يوما: أيها الشيخ الأمير بالذي يغفر ذنبك وكان يحب أن يدعى له بذلك أنت فيمن قلع الحجر الأسود، فأمسك وكررت عليه القول وكان في الموضع غليم من صبيان البادية فقال: الحق بأهلك يا غليم، وأخذ بكتفي وجعل يضرب رأسي بعمود البيت ويقول: كنت فيمن رده يا فضولي، ويكرر القول والفعل.
ابن مكرم
محمد بن مكرم الكاتب، له مع أبي العيناء ومع أبي علي البصير أخبار مشهورة، قال لأحمد بن إسرائيل عند تقلده وزارة المعتز يشكو لصوصا دخلوا عليه:
يا أبا جعفر اسـمـع قول محروب حريب
عجب الناس وما جـو ر زمان بـعـجـيب
من لصوص تركوني بين أهلي كالغـريب
تركوني بعد خصب ال حال في عيش جديب
فأغث لهفـان يا ذا ال جود بالباع الرحـيب
بجميل النظر الـمـج دي على كـل أديب فلم يحظ منه بطائل فقال يهجوه:
إن زمانـا أنـت مـسـتـوزر فيه زمـان عـسـر أنـكــد
يا لـبـد الـدهـر ويأجـوجـه أنت كنوح عـمـره سـرمـد
يذمك الناس جـمـيعـا فـمـا يلقاك منـهـم واحـد يحـمـد
طرف الذي استرعاك أمر الورى بعد اخـتـبـار غـائر أرمـد فلما قتل أحمد قال ابن مكرم يرثيه:
عين بكي على ابـن إسـرائيل لا تملي من البكـا والـعـويل
واجزعي وارفضي التصبر عنه إنه في الوفاء غـير جـمـيل جمال الدين ابن مكرم
صفحة : 609
محمد بن مكرم بتشديد الراء بن علي بن أحمد الأنصاري الرويفعي الإفريقي ثم المصري القاضي جمال الدين أبو الفضل من ولد رويفع بن ثابت الصحابي، ولد أول سنة ثلاث وسمع من يوسف بن المخيلي وعبد الرحمن بن الطفيل ومرتضى بن حاتم وابن المقير وطائفة، وتفرد وعمر وكبر وأكثروا عنه، وكان فاضلا وعنده تشيع بلا رفض، مات في شعبان سنة إحدى عشرة وسبع مائة، خدم في الإنشاء بمصر ثم ولي نظر طرابلس، كتب عنه الشيخ شمس الدين، أخبرني الشيخ أثير الدين من لفظه قال: ولد المذكور يوم الاثنين الثاني والعشرين من المحرم سنة ثلاثين وست مائة وهو كاتب الإنشاء الشريف واختصر كتبا وكان كثير النسخ ذا خط حسن وله أدب ونظم ونثر، وأنشدني المذكور لنفسه سادس ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وست مائة.
ضع كتابي إذا أتاك إلى الأر ض وقلبه في يديك لمامـا
فعلى ختمه وفي جانـبـيه قبل قد وضعتهن تـؤامـا
كان قصدي بها مباشرة الأر ض وكفيك بالتثامي إذا ما وأنشدني المذكور لأبيه المكرم:
الناس قد أثموا فينا بظـنـهـم وصدقوا بالذي أدري وتدرينـا
ماذا يضرك في تصديق قولهم بأن نحقق ما فينا يظـنـونـا
حملي وحملك ذنبا واحدا ثـقة بالعفو أجمل من إثم الورى فينا أنشدني له أيضا:
توهم فينا الناس أمرا وصممت على ذاك منهم أنفس وقلوب
وظنوا وبعض الظن إثم وكلهم لأقواله فينا عـلـيه ذنـوب
تعال نحقق ظنهم لنريحـهـم من الإثم فينا مرة ونـتـوب قلت: أخذه من قول القائل:
قم بنا تفديك نفسي نجعل الشك يقينا
فإلى كم يا حبيبي يأثم القائل فينا? وأخذ هذا من قول الأول:
ما أنس لا أنس قولها بـمـنـى: ويحك إن الوشاة قد عـلـمـوا
ونم واش بنا، فـقـلـت لـهـا: هل لك يا هند في الذي زعموا?
قالت: لماذا ترى? فقلت لـهـا: كي لا تضيع الظنون والتـهـم قلت أنا كأني حاضر خطابهما:
هذا محب وما يخـلـصـه في دينه إن وشاته أثـمـوا
فواصليه واصغي لمغلـطة يقبلها من طباعه الـكـرم
يا ويح وصل أتى بمغلـطة إن كنت لم يرع عندك الذمم ولكن المكرم في معناه زيادة على من تقدمه، وقوله ثقة بالعفو من أحسن متممات البلاغة، وأنشدني الشيخ أثير الدين قال: أنشدني فتح الدين أبو عبد الله البكري قال: أنشدني ابن المكرم لنفسه:
بالله إن جزت بوادي الأراك وقبلت عيدانه الخضر فـاك
ابعث إلى المملوك من بعضه فإنني والله ما لـي سـواك قلت: ما أعرف في كتب الأدب شيئا إلا وقد اختصره جمال الدين بن المكرم، فمما اختصره كتاب الأغاني ورتبه على الحروف وزهر الآداب وكتاب الحيوان فيما أظن واليتيمة والذخيرة ونشوار المحاضرة وغير ذلك حتى مفردات ابن البيطار وكان يختصر ويكتب في ديوان الإنشاء واختصر تاريخ ابن عساكر وتاريخ الخطيب وذيل ابن النجار وجمع بين كتاب الصحاح للجوهري والمحكم لابن سيده وكتاب الأزهري فجاء ذلك في سبعة وعشرين مجلدا ورأيت أولها وقد كتب عليه أهل ذلك العصر يقرظونه ويصفونه بالحسن كالشيخ بهاء الدين ابن النحاس وشهاب الدين محمود وغيره ومحيي الدين بن عبد الظاهر فيما أظن، وأخبرني من لفظه ولده قطب الدين بقلعة الجبل في ديوان الإنشاء أن والده مات وترك بخطه خمس مائة مجلد.
أبو المعالي النجم الرملي
محمد بن مكي بن محمد بن إبراهيم الداري الرملي أبو المعالي المنجم الشاعر، روى عنه أبو عبد الله الحراني في روضة الأدباء من جمعه، وكتب عنه أبو الوفاء أحمد بن محمد بن الحصين الكاتب، من شعره:
ليس للعدل رجعة وقـفـول وولاه الأمور عنه عـدول
من قضاة على النفوس قضاة وعدول عن كل خير عدول ومنه أيضا:
تعرض لي والقلب صاح من الهوى غزال سقتني سكرة الوجد عينـاه
على مطلع البدرين يطلع وجـهـه وفي حلل النجمين تبـدو ثـنـاياه
صفحة : 610
إذا ما اعتزام التيه هز قوامـه رأيت قضيبا هزت الريح أعلاه
رواء الشموس الباهرات رواؤه وريا نسيم المندل الرطب رياه ومنه قوله ملغزا في الدفتر:
وأخرس ذي نطق فصيح لسانه يحدث بالأشياء وهو صموت
إذا ناله مـاء الـحـياة أبـاده وما مثله من قيل عنه يموت قلت: شعر متوسط، ومولده سنة سبع عشرة وأربع مائة.
أبو الهيثم الكشميهني
محمد بن مكي بن محمد بن مكي بن زراع بن هرون أبو الهيثم الكشميهني المروزي، حدث بصحيح البخاري غير مرة، قال الشيخ شمس الدين: ولا أعلمه إلا من الثقات، وكان يرويه عن محمد بن يوسف الفربري، وتوفي سنة تسع وثمانين وثلاث مائة.
ابن الدجاجية
محمد بن مكي بن محمد بن الحسن بن عبد الله أبو عبد الله القرشي الدمشقي العدل الأديب المعروف بابن الدجاجية ويلقب ببهاء الدين ابن الحفظ، كان يجيد النظم، كان والده قد درس ببصرى ونظم المهذب، روى عنه الدمياطي شعره، ومن شعره:
إلى سلم الجرعاء أهدى سلامه فماذا على من قد لحاه ولامه
تجلد حتى لم يدع معظم الجوى لرائيه إلا جلده وعـظـامـه توفي سنة سبع وخمسين وست مائة، ومن شعر بهاء الدين ابن حفظ الدين:
كم تكتم الوجد يا معنـى عنا وما يختفي اللهـيب
فسل غراب الكثيب عمن بانوا فما بيننـا غـريب ومنه:
من أين لقـدك ذا الـهـيف قد حار الواصف ما يصف
الرمح الأسـمـر يحـسـده والغصن الأخضر والألـف
فتبارك من أنـشـاك لـقـد في الخلق تفاضلت الطرف
قسما بهواك، ومـا أحـلـى قسم العشاق إذا حـلـفـوا
وبمن خاضوا غمرات منـى وحصى الجمرات بها حذفوا
لا حلت عن الميثـاق ولـو أودى بحشاشتي الـتـلـف
يلحاني قوم مـا فـهـمـوا ما شأني فيك وما عرفـوا ومنه أيضا:
غرته غرتـه لـمـا سـرى ظن بأن الصبح قد أسـفـرا
أقبل يسعى خفـرا خـائفـا على ذمام الوعد أن يخفـرا
يحق يا قوم لـمـن قـده ال خطار أن لا يرهب الأخطرا
ضممتـه إذ نـام سـمـاره كما يضم البطل الأسـمـرا
بتنا وما في ليلنا مـن كـرى كأنما النوم غدا مـنـكـرا ومنه دوبيت:
بالله قفوا بعيشكـم فـي الـربـع كي نسأل عن سكان وادي الجزع
إن لم أرهم أو استمـع ذكـرهـم لا حاجة لي في بصري أو سمعي ومنه أيضا:
ما عذر فتى ما مد للهـو يدا والدوح قد اكتسى ثيابا جددا
مالت طربا أغصانه راقصة لما صدح الطير عليها وشدا الفقيه الشافعي
محمد بن مكي بن الحسن الفامي أبو بكر الفقيه الشافعي سبط أبي عمرو عثمان بن احمد بن محمد بن دوست العلاف البغداذي، تفقه على الشيخ أبي إسحق الشيرازي وسمع أبا محمد الحسن بن علي الجوهري، وأبا بكر محمد ابن عبد الملك بن بشران وأبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبري وأبا طالب محمد بن علي بن الفتح العشاري، وروى عنه أبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري وأبو طالب المبارك بن علي بن خضير وأبو طاهر السلفي في معجم شيوخه وقال: كان يحضر معنا الدرس عند الكيا كل يوم، وروى عنه ابن الكليب بالإجازة، توفي سنة سبع وخمس مائة وولد سنة ثمان وعشرين وأربع مائة.
بدر الدين ابن مكي
محمد بن مكي بن أبي الغنائم القاضي بدر الدين وكيل بيت المال بطرابلس وكاتب الإنشاء بها، له النظم الحسن ونثره وسط ويعرف فقها جيدا ويكتب خطا مليحا، أخبرني عنه القاضي شرف الدين محمد النهاوندي بصفد قال: قال لي بدر الدين محمد بن مكي بطرابلس: فتحت بدمشق دكان كتبي فكنت أتجر فيها يعني في المجلدات وأتبلغ من المكسب وأدخر من المجلدات ما أحتاج إليه إلى أن حصلت من ذلك ما أردت من الكتب وفضل لي رأس المال والقوت تلك المدة، أو كما قال، وأما أنا فلم يتفق لي لقاؤه وحضر إلى دمشق وأنا بها وما اجتمعت به وكتبت له استدعاء قرين قصيدة أولها:
صفحة : 611
أنفحة روضة أم عرف مسك يضوع أم الثناء على ابن مكي
إمام في الفتـاوى لا يجـاري وفرد في البيان بغـير شـك
إذا ما خط سطرا خلت روضا تبسم من غمام بات يبـكـي
ويحكي نـثـره درا فـأمـا إذا حققت ما يحتاج يحـكـي
له نظـم يروق ألـذ وقـعـا على الأسماع من أوتار جنك
كأن كلامه نفثـات سـحـر يغازلني بها ألحاظ تـركـي
وآنق في النواظر من رياض نواضر بل جواهر ذات سلك وأما الاستدعاء فكان يشتمل على نثر، فلما وصل إليه عاد إلي جوابه بعد مديدة يخبر فيه بوصوله وأنه عقيب ذلك توجه إلى اللاذقية فيما يتعلق بأشغال الدولة وأنه عقيب ذلك يجهز الجواب، ثم إنه مرض عقيب ذلك وجاء الخبر إلى دمشق بوفاته في أواخر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وأربعين وسبع مائة رحمه الله، قال رحمه الله: كنت أنا وشمس الدين الطيبي نمشي في وحل.
فقلت: المشي خلف الدواب صعب فقال: في الوحل والماء والحجارة فقلت: لأن هذا له رشاش فقال: وربما تزلق الحماره وأخبرني المولى شرف الدين حسين بن ريان قال: كنت أنا وهو جالسين في مكان فيه شباك بيني وبينه فلما جاءت الشمس رددته فقال:
لا تحجب الشمس عن أمر تحاوله فإن مقصودها أن تبلغ الشرفـا فقلت:
في الشمس حر لهذا الأمر نحجبها وحسبنا البدر في أنواره وكفـى وأنشدني من لفظه أيضا قال أنشدني من لفظه لنفسه:
أهواه كالبدر لكن في تـبـذلـه والغصن في ميله عن لوم لائمه
سمح بمهجتـه مـا رد نـائلـه كأنما حاتم في فص خاتـمـه ومن شعره ابن مكي:
كأن الشمس إذ غربـت غـريق هوى في البحر أو وافى مغاصا
فأتبعها الهلال عـلـى غـروب بزورقه يريد لهـا خـلاصـا السلطان غياث الدين السلجوقي
محمد بن ماكشاه بن ألب رسلان أبي شجاع محمد بن داود بن ميكائيل ابن سلجوق بن دقاق السلطان غياث الدين أبو شجاع، لما توفي أبوه اقتسم الأولاد الثلاثة المملكة هم غياث الدين هذا وبركياروق وسنجر وذلك سنة خمس وثمانين وأربع مائة فلم يكن للأخوين مع بركياروق أمر، ووردا بغداذ وسألا المستظهر أن يجلس لهما فجلس وحضر الأعيان ووقف سيف الدولة صدقة من مزيد صاحب الحلة عن يمين السدة وعلى كتف أمير المؤمنين البردة النبوية وعلى رأسه العمامة وبين يديه القضيب فأفيض على محمد سبع خلع وألبس التاج والطوق وعقد الخليفة اللواء بيده وقلده سيفين وأعطاه خمسة أفراس على خلع على سنجر دونه وخطب للسلطان محمد في جوامع بغداذ وتركت الخطبة لبركياروق سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وكان محمد هذا رجل الملوك السلجوقية وفحلهم وله سيرة حسنة وبر وافر، حارب الملاحدة واستقل بالملك بعد أخيه بركياروق وصفت له الدنيا وتزوج المقتفي ابنته فاطمة سنة إحدى وثلاثين وتوفيت في عصمته سنة اثنتين وأربعين، وكان عمره سبعا وثلاثين سنة وأشهرا وتوفي سنة إحدى عشرة وخمس مائة بمدينة أصبهان ودفن بها في مدرسة عظيمة للحنفية، ولما أيس من نفسه أحضر ولده محمودا وقبله وبكى وأمره أن يجلس على تخت السلطنة وينظر في أمور الناس، فقال لوالده: إنه يوم غير مبارك، يعني من جهة النجوم، فقال: صدقت ولكن على أبيك وأما عليك فمبارك بالسلطنة، ولم يخلف أحد من الملوك السلجوقية ما خلفه من الذخائر والأموال والدواب وغير ذلك.
ابن مملاذ الكاتب
محمد بن مملاذ بن بيكامذ بن علي بن منوجهر التبريزي أبو الفضل الكاتب، توفي ببغداذ سنة ثلاث وأربعين وست مائة، وكان سريع الكتابة والإنشاء، ذكر أنه كتب في يوم واحد ستة عشر كراسا قطع الثمن، وكان ينشئ الرسالة معكوسة يبدأ بالحمدلة ويختم بالبسملة ومات في عشر السبعين، قال ابن النجار: قرأ الأدب وجالس العلماء وأكثر مطالعة الكتب في السير وأخبار الملوك، وعانى الكتابة والإنشاء وله في ذلك كتب مدونة، وهو متدين حسن الطريقة، أورد له من شعره:
فلو كان لي حظ من الحجر والنهى كفاني بكف الزجر أن أطلب الحدا
صفحة : 612
ولكن عقلي في اعتقال صبابتـي سيجعل لي في كل جارحة وجدا ومنه يصف مكاتبة:
يود أخـو إياد لـو وعـاهـا ويسحب ذيله سـحـبـان ذلا
وتحسبها شمالا وهي تسـري لتجمع من شمول الراح شملا
ولو كحلت عيون العين منهـا لأبقت في العيون النجل كحلا الشاعر
محمد بن مناذر أبو ذريح وقيل أبو عبد الله الشاعر البصري مولى عبد الله بن أبي بكرة، مدح المهدي وغيره وكان فصيحا قدم بغداذ وتنسك ثم عاد إلى البصرة فابتلي بمحبة بن عبد الوهاب الثقفي فسقط فمات فرثاه ابن مناذر ومات بعده بيسير سنة ثمان وتسعين ومائة، قال الثوري: سألت أبا عبيدة عن اليوم الثاني من أيام النحر ما كانت العرب تسميه فقال: لا أعلم، فلقيت ابن مناذر فأخبرته فقال: أخفي هذا على أبي عبيدة? هذه أيام متواليات كلها على حرف الراء، فالأول يوم النحر والثاني يوم القر والثالث يوم النفر والرابع يوم الصدر، قال: فلقيت أبا عبيدة فأخبرته فكتبه عني عن محمد بن مناذر، أسند ابن مناذر عن شعبة وعن ابن عيينة وغيرهما، وقد أسقط يحيى بن معين روايته قال: وكان صاحب شعر لا صاحب حديث، كان يتعشق عبد المجيد ويقول فيه الشعر ويشبب بنساء ثقيف فطردوه من البصرة فخرج إلى مكة وكان يرسل العقارب في المسجد الحرام حتى تلسع الناس ويصب المداد في الليل بالأماكن التي يتوضأ الناس منها حتى تسود وجوههم لا يروى عن رجل فيه خير. وقال ابن مناذر يرثي عبد المجيد:
كل شيء لاقى الحمام فمـودي ما لحي مؤمـل مـن خـلـود
لا تهاب المنون شـيئا ولا تـب قي علـى والـد ولا مـولـود
إن عبد المـجـيد يوم تـولـى هد ركنا ما كان بالـمـهـدود
هد ركني عبد المجيد وقد كـن بركـن أنـوء مـنـه شـديد
ما درى نعشه ولا حـامـلـوه ما على النعش من عفاف وجود
لأقيمن مأتـمـا كـنـجـوم ال ليل زهرا يلطمن حر الخـدود
كنت لي عصمة وكنت سـمـاء بك تحيا أرضي ويخضر عودي وهي طويلة ورثاه بغيرها، وقال يرثي سفيان بن عيينة:
إن الذي غودر بالمنحـنـى هد من الإسـلام أركـانـا
يا واحد الأمة في عـلـمـه لقيت من ذي العرش غفرانا
لا يبعدنك اللـه مـن مـيت ورثنا علـمـا وأحـزانـا كان ابن مناذر يجلس إلى إسكاف بالبصرة فلا يزال يهجوه فيضج الإسكاف ويقول له: أنا صديقك فاتق الله وابق على الصداقة، وابن مناذر يلح، فقال الإسكاف: فإني أستعين بالله عليك وأتعاطى الشعر، فلما أصبح غدا عليه ابن مناذر كما كان يفعل وأخذ يهجوه ويعبث به فقال الإسكاف:
كثرت أبـوتـه وقـل عـديده ورمى القضاء به فراش مناذر
عبد الصبيريين لم تك شاعـرا كيف ادعيت اليوم نسبة شاعر فشاع البيتان بالبصرة ورواهما أعداؤه وتناشدوهما كلما رأوه فخرج من البصرة هاربا إلى مكة وجاور بها، ومن شعره في البرامكة:
أتانا بنو الأملاك من آل بـرمـك فيا طيب أخبار ويا حسن منظر
إذا وردوا بطحاء مكة أشرقـت بيحيى وبالفضل بن يحيى وجعفر
وتظلم بغداذ ويجلو لنا الـدجـى بمكة ما كانـوا ثـلاثة أقـمـر
فما صلحت إلا لجود أكـفـهـم وأرجلهم إلا لأعـواد مـنـبـر أبو شجاع الواعظ
صفحة : 613
محمد بن المنجح بن عبد الله أبو شجاع الواعظ، تفقه على أبي محمد عبد الله بن أبي بكر الشاشي، وسافر إلى الشام في سنة أربعين وخمس مائة ووعظ بدمشق وأقام بها مدة، وخرج إلى بعلبك وولي القضاء بها، وصرف عنها بعد مدة وعاد إلى بلاد الجزيرة ولقي ابن البزري الفقيه الشافعي وأحكم عليه قراءة المذهب، وكتب بيده الشامل لابن الصباغ والبسيط للغزالي وغير ذلك من الكتب الكبار، وقدم بغداذ ووعظ بها، وعاد إلى بلاد الجزيرة ولازم ابن البزري إلى أن توفي في أوائل سنة ستين وخمس مائة ثم عاد إلى بغداذ، وكان فقيها فاضلا حسن الكلام في المناظرة أديبا مليح الشعر لطيفا ظريفا، سمع الحديث من أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبي القاسم عبد الرحمن بن طاهر بن سعيد الميهني وغيرهما وحدث باليسير، سمع منه القاضي أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر القرشي، من شعره:
عذيري مـن زمـن كـلـمـا شددت عرى أملي حـلـهـا
عرائس فكري قد عـنـسـت لأني عدمت لهـا أهـلـهـا
ونفسي تنـهـل مـن مـورد ترى الموت في الورد إن علها
عليها من الـدهـر أثـقـالـه ولا يغلط الدهر يومـا لـهـا ومنه قوله:
سلام من وادي الغضا ما تناوحت على ضفتيه شمـأل وجـنـوب
أحمل أنفاس الخزامـي تـحـية إذا آن منها بالعشـي هـبـوب
لعمري لئن شطت بنا غربة النوى وحالت صروف دوننا وخطوب
فما كل رمل جئته رمل عـالـج وما كل ماء عمت فيه سـروب
رعى الله هذا الدهر كل محاسني لديه، وإن أكثرتـهـن، ذنـوب قلت: شعر منسجم عذب. ولما كان بواسط طاب وعظه لجماعة فسألوه أن يجلس لهم الأسبوع مرتين كلما عين لهم يوما يحتجون بأن القراء يكونون فيه يوما في ختمة ديوان الخلافة ويوما ديوان الإمارة ويوما عند ابن الغزنوي ويوما عند غيره إلى أن ذكروا الأيام كلها فأطرق ثم قال: لو عرفت هذا كنت أتيتكم معي بيوم من بغداذ، وتوفي سنة إحدى وثمانين وخمس مائة ودفن بالشونيزية.
الحافظ شكر
محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان السلمي الهروي الحافظ أبو عبد الرحمن المعروف بشكر بكاف مشددة بعد الشين المعجمة وفي الطرف راء أكثر الترحال وصنف، توفي في أحد الربيعين سنة ثلاث مائة، صنف كتاب التاريخ لهراة صغيرا وكتاب الجواهر.
ابن أبي عقيل المراكشي الشافعي
محمد بن المنذر بن محمد بن أبي عقيل عبد الرحمن بن المنذر المغربي المراكشي أبو منصور الفقيه الشافعي نزيل حلب، قدم والده إلى بغداذ واتصل بابن هبيرة قبل وزارته وتوفي بالموصل، وولد محمد المذكور ببغداذ وسمع بها الحديث من أبي عبد الله ابن خميس وتفقه على أبي البركات الشيرجي وغيره وقرأ القرآن على أبي القرطبي وصحب أبا النجيب السهروردي وسمع منه الحديث ومن المظفر بن الشبلي وابن المادح وابن البطي وغيرهم وسمع كتاب اللالكائي من سعد الله بن حمدين في دار ابن هبيرة ولقي عبد القادر الجيلي وسافر إلى الشام وقرأ قطعة من تأريخ دمشق على مصنفه علي أبي القاسم ابن عساكر وكان يمتنع من الرواية ويقول: مشايخنا سمعوا وهم صغار لا يفهمون وكذلك مشايخهم وأنا لا أرى الرواية عمن هذه سبيله، وعمر وعلت سنة ولم يرو شيئا، وكان فقيها فاضلا غزير العلم عالما بالأدب، قال ابن النجار: اجتمعت به بحلب غير مرة وكان حسن الأخلاق كيسا ممتعا بإحدى عينيه، توفي سنة ثمان وعشرين وست مائة بحلب ودفن خارج باب النصر وله شعر.
القرقساني
محمد بن منصور بن صدقة القرقساني، كان من أهل الخير والصلاح وإنما كان كثير الغلط لأنه كان يحدث من حفظه، أسند عن الأوزاعي وغيره، وروى عنه الإمام أحمد وغيره، قال البخاري: كان ابن معين سيء الرأي فيه جاء إليه فقال: يا أبا الحسن أخرج إلينا كتابا من كتبك، فقال له: عليك بأفلح الصيدلاني، كأنه احتقر ابن معين، فقام ابن معين مغضبا وهو يقول: لا ارتفعت لك معي راية أبدا، توفي سنة ثماني عشرة ومائتين.
أبو بكر القصري المقرئ
صفحة : 614
محمد بن منصور بن إبراهيم القصري أبو بكر المقرئ المفسر، قرأ القرآن بالروايات على أبي طاهر أحمد بن علي بن سوار وأبي المعالي ثابت ابن بندار وسمع الحديث منهما ومن أبي الحسن علي بن قريش، قرأ عليه القرآن جماعة، كان حافظا للتفسير عالما بالقراءات وله حلقة بجامع المنصور يورد فيها التفسير كل جمعة، وكان طويل اللحية إذا جلس تصل إلى حجره، توفي سنة سبع وأربعين وخمس مائة ودفن بباب حرب.
ابن جميل صاحب المخزن
محمد بن منصور بن جميل بن محفوظ أبو عبد الله ابن أبي العز الكاتب، قدم بغداذ في صباه وقرأ الأدب ولازم مصدق بن شبيب النحوي حتى برع في النحو واللغة وقرأ الحساب والفرائض وقرأ على أبي الفرح ابن كليب شيئا من كتب الأدب وقال الشعر ومدح الإمام الناصر فعرف واشتهر، وكان مليح الصورة مقبول الشكل طيب الأخلاق متواضعا، رتب كاتبا في ديوان التركات مدة طويلة ثم ولي نظرة ثم ولي الصدرية بالمخزن ثم عزل واعتقل وأفرج عنه بعد مدة ورتب وكيلا للأمير عدة الدين ابن الإمام الناصر وبقي على وكالته إلى أن مات، وكان كاتبا مليح الخط غزير الفضل له النظم والنثر، من شعره قوله:
إن حال دونك أسمر وسـمـير فدما الظبي لدمى الظباء مهور
يا هند في أجفان لحظك فتـرة ألجفن هندي يكـون فـتـور
أبليتني بقنـا الأشـم وطـولـه وقنى المشيم أتم وهو قصـير
أسد يغار على محاسن ظـبـية فيها نفار وهو فـيه نـفـور
بيضاء مذهبة الشباب يزينـهـا وجه تحار إذا رأته الـحـور
ويهز عطفيها الصبا ويد الصبا فيملها الممدود والمقـصـور
تفتر ضاحكة وأنـدب بـاكـيا فلها بحزني غبـطة وسـرور
دران إلا أن ذاك مـنـضــد عذب وهذا مالـح مـنـثـور قلت: شعر جيد. توفي في شعبان سنة ست عشرة وست مائة، ودفن بمقابر قريش بعد الصلاة عليه بالنظامية.
الجواز
محمد بن منصور الجواز، توفي سنة اثنتين وخمسين ومائتين.
الطوسي العابد
محمد بن منصور بن داود بن إبراهيم الطوسي العابد نزيل بغداذ، روى عنه أبو داود والنسائي، وتوفي في شوال سنة أربع وخمسين ومائتين ابن القطان البغداذي
محمد بن منصور بن علي أبو طاهر البغداذي الشاعر الأديب المعروف بالقطان صاحب رسالة التبيين في أصول الدين، توفي سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، ومن شعره:
من منصفي من عاذلي ومنقذي من قاتـلـي
ومن مجيري في الهوى من أسهم قـواتـلـي
لا تأمرني بـالـعـزا بعد الحبيب الـراحـل
ولا تلومنـي عـلـى إسبال دمـع هـاتـل
فإنـنـي فـي حـيرة عنك وشغل شـاغـل
سقـيا لأيام الـصـبـا وللحـبـيب الـزائل
ما ضر من قاطعنـي لو أنه مـواصـلـي
ظبي أصاب سهـمـه لما رمى مقـاتـلـي ومن شعره:
لا تأمن الأيام والدهر فللأيام والدهر دول
كالمرء في أحواله مقلب بين الأماني والأمل قلت: شعر أشبه شيء بالجسم الذي لا روح فيه. كان موجودا في سنة ثلاث عشرة وأربع مائة، قال ابن النجار: وتوفي بعدها بقليل، وكان يمدح الصحابة وله خطب جياد وخط حسن.
ابن زميل الكاتب
محمد بن منصور بن زميل بالزاي المضمومة والميم المفتوحة وبعدها ياء آخر الحروف ساكنة ولام على وزن قبيل وبعيد أبو نصر الكاتب الأصبهاني، كان يلقب بالكامل وولي عمارة بغداذ سنة سبع وستين وأربع مائة، وكان أديبا فاضلا شاعرا، روى عنه أبو نصر علي بن هبة الله ابن ماكولا وأبو العز بن كادش شيئا من شعره، من شعره قوله:
لاقيت في حبيك ما لم يلقـه في حب ليلى قيسها المجنون
لكنني لم أتبع وحش الـفـلا كفعال قيس والجنون فنـون البيهقي الأديب
صفحة : 615
محمد بن منصور بن محمد بن أحمد بن حميد البيهقي الأديب أبو عبد الله، قال عبد الغافر في كتاب السياق: هو رجل فاضل كبير صنف فوائد منها كتاب زهرة العلوم في معاني القرآن وسمع الحديث من الأستاذ أبي سهل الصعلوكي وأبي نعيم المهرجاني الأزهري وروى عنه القاضي ناصر المروزي وأقرانه من الطبقة الثانية وله روايات كثيرة ومسموعات.
الوزير عميد الملك الكندري
محمد بن منصور بن محمد ومنهم من قال منصور بن محمد والأول أصح الوزير عميد الملك أبو نصر الكندري وزير طغرلبك، كان من رجال الدهر جودا وسخاء وكتابة وشهامة، استوزره طغرلبك ونال عنده الرتبة العليا وهو أول وزير كان لبني سلجوق ولو لم يكن له منقبة إلا صحبة إمام الحرمين، قال ابن الأثير: كان الوزير شديد التعصب على الشافعية كثير الوقيعة في الشافعي، وبلغ من تعصبه أنه خاطب السلطان ألب أرسلان في لعن الرافضة على المنابر بخراسان فأذن له في ذلك فأضاف إليهم الأشعرية فأنف من ذلك أئمة خراسان منهم أبو القاسم القشيري وإمام الحرمين وغيرهما وفارقوا خراسان وكان قد تاب فيما ذلك من الوقيعة فيهم، فلما جاءت الدولة النظامية أحضر من انتزح منهم وأحسن إليهم، وكان الوزير عميد الملك ممدحا قصده الشعراء ومدحوه، منهم الكاتب الرئيس المعروف بصردر امتدحه بالقصيدة التي أولها:
أكـذا يجـازي ود كـل قـرين أم هذه شيم الظـبـاء الـعـين
قصوا علي حديث من قتل الهوى إن التأسي روح كـل حـزين منها في المديح:
بأغر ما أبصرت نور جبـينـه إلا اقتضاني بالسجود جبينـي
تجلو النواظر في نواحي دسته والسرج بدر دجى وليث عرين
عمت فواضله البرية فالتـقـى شكر الغني ودعوة المسكـين
قالوا وقد شنوا علـيه غـارة: أصلات جود أم قضـاء ديون
لو كان في الزمن القديم تظلمت منه الكنوز إلى يدي قـارون
وشهدت علاه أن عنصر ذاتـه مسك وعنصر غيره من طين وهي من القصائد المليحة، ولم يزل الوزير عميد الملك في دولة طغرلبك عظيم الجاه وافر الحرمة إلى أن توفي طغرلبك وقام بالمملكة من بعده ابن أخيه ألب رسلان، فأقره وزاده إكراما ثم إنه سيره إلى خوارزم شاه ليخطب له ابنته فأرجف أعداؤه أن الوزير خطبها لنفسه وشاع ذلك فعمد إلى لحيته فحلقها وإلى مذاكيره فجبها وكان ذلك سببا لسلامته فنظم الباخرزي أبو الحسن علي في ذلك:
قالوا محا السلطان عنه بعدكـم سمة الفحول وكان قرما صائلا
قلت اسكتوا فالآن زاد فحـولة لما اغتدى من أنثييه عـاطـلا
فالفحل يأنف أن يسمى بعضـه أنثى لذلك جذه مسـتـاصـلا وهو معنى جيد، ثم إن ألب رسلان عزله لسبب يطول شرحه وولي نظام الملك وحبس عميد الملك بنيسابور في دار عميد خراسان ثم نقله إلى مرو الروذ وحبسه في دار فيها عيالة، ولما أحس بالقتل دخل إلى حجرة وأخرج كفنه وودع عياله وأغلق باب الحجرة واغتسل وصلى ركعتين وأعطى الذي هم بقتله مائة دينار وقال: حقي عليك أن تكفنني في هذا الثوب الذي غسلته بماء زمزم، وقال لجلاده: قل للوزير: بئس ما فعلت علمت الأتراك قتل الوزراء وأصحاب الديوان ومن حفر مهواة وقع فيها ومن سن سنة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، فقال الباخرزي مخاطبا للسلطان:
وعمك أدناه وأعلى مـحـلـه وبوأه من ملكه كنفـا رحـبـا
قضى كل مولى منكما حق عبده فخوله الدنيا وخولته العقـبـى وقتل سنة ست وخمسين وأربع مائة، أورد له ابن الجوزي في المرآة قوله:
الموت مر ولكني إذا ظـمـئت نفسي إلى العز تستحلي لمشربه
رياسة باض في رأسي وساوسها تدور فيه وأخشى أن تدور بـه وقوله عندما قتل:
إن كان بالناس ضيق عن مزاحمتي فالموت قد وسع الدنيا على الناس
قضيت والشامت المغرور يتبعنـي إن المنية كاس كـلـنـا حـاس
صفحة : 616
والعجب أن ألب رسلان ونظام الملك ماتا مقتولين، ومن العجائب أن آلات التناسل من الكندري مدفونة بخوارزم ودمه مصبوب بمرو الروذ وجسده مقبور بقرية كندر من طريثيث وجمجمته ودماغه مدفونان بنيسابور وسوأته محشوة بالتبن نقلت إلى كرمان ودفنت هناك، وفي ذلك يقول الباخرزي:
مفرقا في الأرض أجـزاؤه بين قرى شتـى وبـلـدان
جب بخـوارزم مـذاكـيره طغرل ذاك الملك الفانـي
ومص مرو الروذ من جيده معصفرا يخضبهـا قـان
والشخص في كندر مستبطن وراء أرمـاس وأكـفـان
ورأسه طار فلهفي عـلـى مجثمه في خير جثـمـان
فلوا بنيسابور مضـمـونـه وقحفه الخالي بكـرمـان
والحكم للجبار فيما مضـى وكل يوم هـو فـي شـان ابن منصور النسوي
محمد بن منصور النسوي عميد خراسان، ورد بغداذ زمن طغرلبك وبنى مدرسة ووقفها على أبي بكر ابن أبي المظفر السمعاني وأولاده، قال ابن الجوزي في المرآة: فهم فيها إلى هلم جرا، وبنى مدرسة بنيسابور وفيها تربته، وكان كثير الخيرات والصدقات محسنا إلى الرعية توفي سنة أربع وتسعين وأربع مائة.
أبو بكر والد الحافظ السمعاني
محمد بن منصور بن محمد بن عبد الجبار الإمام أبو بكر ابن العلامة أبي المظفر التميمي السمعاني والد الحافظ أبي سعد، نشأ في عبادة وتحصيل وحظي في الأدب وثمرته نظما ونثرا وبرع في الفقه وزاد على أقرانه بعلم الحديث والرجال والأنساب والتواريخ والوعظ، توفي سنة تسع وخمس مائة وسيأتي ذكر والده في حرف الميم في مكانه إن شاء الله تعالى، من شعره قوله:
فيا ليت أني النور من كل نـاظـر فيبصر بي من كان وجهك مبصرا
وأني كنت الذهن من كل خاطـر فيفكر بي من كان فيك مفـكـرا ومنه قوله:
فلأبعثن على العيون لغيرتـي عينا أراك بها مع الأبصـار
ولأنزلن من القلوب مكامنـا كيما أفوز بلـذة الأفـكـار
ولأسرين مع النسيم إذا سرى حتى أمر عليك في الأسحار
ولأفرشن الخد من فوق الثرى فأقي به نعليك كل غـبـار
كلا فعلت فما انتفعت بحـيلة عجزت مجالسنا عن الأقدار والد ابن المنير
محمد بن منصور بن أبي القاسم بن مختار القاضي الجليل أبو المعالي ابن المنير الجذامي الجروي الإسكندراني المعدل، أجاز له الإمام الناصر وكتب عنه الطلبة وهو والد زين الدين وناصر الدين، توفي سنة ست وخمسين وست مائة.
شمس الدين الحاضري
محمد بن منصور بن موسى الشيخ شمس الدين أبو عبد الله الحاضري الحلبي المقرئ النحوي، قرأ القراءات على الكمال الضرير والشيخ علي الدهان والعربية على ابن مالك جمال الدين، وله تصدير في الجامع وكان متوسطا في النحو والقراءات، توفي سنة سبع مائة، والحاضري بالحاء المهملة وبين الألف والراء ضاد معجمة.
بدر الدين ابن الجوهري
محمد بن منصور بن إبراهيم بن منصور الإمام العالم الصدر الصاحب بدر الدين الجوهري نزيل مصر، ولد سنة اثنتين وخمسين وسمع من إبراهيم ابن خليل بحلب، ومن الكمال العباسي وابن عزون وابن عبد الوارث والنجيب وعدة بمصر، وتلا بالروايات على الصفي خليل، وتفقه وشارك في فضائل، وكان ينطوي على دين وعبادة وخير وله جلالة وصورة كبيرة ذكر للوزارة وكان له خلق حاد، حدث بدمشق ومصر، وتوفي سنة تسع عشرة وسبع مائة.
القباري
محمد بن منصور الشيخ أبو القاسم القباري، يأتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف القاف في ذكر القاسم.
ابن منصور موقع غزة
صفحة : 617
محمد بن منصور شمس الدين موقع غزة، أقام بها مدة طويلة يباشر التوقيع وكتابة الجيش، ثم إنه نقل إلى توقيع صفد عوضا عن بهاء الدين أبي بكر بن غانم لما نقل إلى طرابلس في أواخر سنة سبع وعشرين وسبع مائة تقريبا وتوجه إلى غزة مكانه جمال الدين يوسف بن رزق الله، ثم إن ابن منصور عمل على العود إلى غزة لأن صفد لم توافقه وكان له متاجر بغزة في الكتان والصابون وغير ذلك وحصل نعمة وافرة، ثم إن الأمير سيف الدين تنكز عزله من غزة بعلاء الدين ابن سالم وبقي ابن منصور بطالا، وكان الأمير سيف الدين طينال قد ناب في غزة في وقت وابن منصور موقعها فعرفه ذلك الوقت فلما بطل سأل من طينال أن يسأل الأمير سيف الدين تنكز في أن يكون من جملة كتاب الدرج بطرابلس، فرسم له بذلك وتوجه إلى طرابلس وأقام بها قليلا وتوفي فيما أظن في سنة . . . ، وكان داهية يكتب خطا حسنا وله نظم ما به بأس أنه لم يكن طبقة مع ما فيه من اللحن، أنشدني المولى زين الدين عمر بن داود الصفدي قال: أنشدني من لفظه لنفسه شمس الدين المذكور وقد أعيد الوزير تقي الدين توبة إلى الوزارة:
عتبت على الزمان وقلت: مهلا أقمت على الخنا ولبست ثوبه
ففاق من التجاهل والتعـامـي وعاد إلى التقى وأتى بتـوبـه قلت: صوابه أفاق القرشي القزويني
محمد بن منظور القرشي من أهل قزوين، يقول في آل عبد العزيز المذحجيين كانوا ينزلون الري وقزوين:
بنو عبد الـعـزيز إذا أرادوا سماحا لم يلق بهم السـمـاح
لهم عن كل مكرمة حجـاب فقد تركوا المكارم واستراحوا فقتله موسى بن عبد العزيز.
ابن المنكدر
محمد بن المنكدر بن عبد الله بن الهدير التيمي المدني الزاهد العابد أحد الأعلام، روى عن عائشة وأبي هريرة وأبي قتادة وأبي أيوب وابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي رافع وسفينة وابن عمر وابن الزبير وأسماء بنت أبي بكر وأميمة بنت رقيقة وأنس بن مالك وعمه ربيعة بن عبد الله وسعيد بن المسيب وعروة وخلق، كان في غاية الإتقان والحفظ والزهد حجة، قال أبو حاتم وطائفة: ثقة، وروى عنه الجماعة وتوفي سنة ثلاثين ومائة.
العطار
محمد بن المنهال العطار البصري أخو حجاج بن المنهال، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين، والله أعلم.
الحافظ الضرير
محمد بن المنهال التميمي المجاشعي البصري الضرير الحافظ أبو جعفر، روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وروى عنه النسائي بواسطة، قال العجلي: بصري ثقة، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين.
القاضي أبو حاتم الزبني
محمد بن أبي المنهال القاضي أبو حاتم من دارة بن الأزد، كان قاضيا بمكانه من الساحل في كورة تسمى زبنة وإليها ينسب، قال فيه ابن أبي مغنوج وقد تقدم ذكره:
أبا حاتم سد من أسـفـلـك أليس هو الشطر من منزلك قال ابن رشيق: كان أبو حاتم شاعرا مشهورا متفننا في كثير من العلوم، توفي سنة ثمان وأربع مائة وقد ناهز التسعين، وأورد له:
يا كريما صد عـنـي لم يكن ذا بك ظنـي
بعد أن كنت سنانـي وحسامي ومجـنـي
وقذى في عين ضدي وشجا في حلق قرني
صرت منكوسا ذلـيلا بعد إعراضك عنـي ابن البطريق
محمد بن منير بن البطريق نصيح الدين العجلي البغداذي الجزري الشاعر البغداذي، سمع منه الزكي المنذري شعره بالقاهرة وكناه أبا بكر، وتوفي بدمشق سنة سبع وثلاثين وستمائة، ومن شعره:
أقصد القلعة السحوق كأني حجر من حجارة المنجنيق
فدوابي تحفى وثوبي يبلـى هذه قلعة على التحقـيق ومنه أيضا:
ورد ومسـك ودر خد وخال وثغـر
لحظ وجفن وغنج سيف ونبل وسحر
غصن وبدر وليل قد ووجه وشعـر ومنه في بر أتاه منغصا:
ألبس قلبي بركم فكـرة يكاد منها ناظري يعمى
أورثني هما ومن قبلـه لم أر برا يورث الهما ومنه:
كيف يحمي تدرعي واحترازي من شبا أعين الظباء الجوازي
مقـل مـن أسـنة بـقـدود كالعوالي في اللين والاهتزاز
صفحة : 618
كحلت بالسهاد جفـنـي لـمـا غازلتني بالأكحـل الـغـمـاز
جزت أقضي أمرا فقضيت عمرا ليت لم يقض لي على جـوازي
بعثت لي حقا بـإيمـاء طـرف جد في أخذ مهجتي وهو هـاز وله مدائح في الملك الأشرف شاه أرمن وفي الظاهر غازي الملك، ومنه:
اثنان قد كسدا والحمق دأبهمـا أنا بشعري، وبالنحو ابن عدلان
فاصفع أبا حسن رأسي وقمته فأحمق بكساد جد صفـعـان ومنه:
ما هيجتك مـعـالـم ورسـوم إلا لأنـك لـلـغـرام غـريم
للظاعنين عن المنازل في الحشا شوق على مر الزمان مـقـيم
لي نحوهم نفس يقـيم زفـيره عوج الضلوع ومدمع مسجوم
وأغن أحوى رشفة من ثغـره برء لمن هو من هواه سـلـيم
انظر إلى جسدي وناحل خصره تر كيف أودى بالصحيح سقـيم
أحرير خديه كـسـاك عـذاره حسنا فأنت بوشـيه مـرقـوم
قسما بمن خلق الهوى إن الهوى عذب وإن عـذابـه لألـــيم
ووحق من سن المكارم إنـهـا ماتت فأحياهـا أغـر كـريم أبو جعفر العكبري
محمد بن مهدي العكبري أبو جعفر، كان خبيث اللسان يهجو الكتاب، يقول للحسن بن وهب:
وسائلة عن الحسن بن وهب وعما فيه من حسب وخير
فقلت: هو المهذب غير أني أراه كثير إسبال السـتـور
وأكثر ما يغـنـيه فـتـاه رشيق حين يخلو بالسرور
فلولا الريح أسمع من بحجر صليل البيض تقرع بالذكور وقال:
هديتي تقصر عن همتـي وهمتي تقصر عن حالي
وخالص الود ومحض الثنا أحسن ما يهديه أمثالـي الحافظ الرازي
محمد بن مهران الرازي الجمال أبو جعفر الحافظ، روى عن معتمر ابن سليمان وغيره، وروى عنه البخاري ومسلم وأبو داود وأبو زرعة وأبو حاتم، توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين.
ابن كوشاذ
محمد بن مهران بن كوشاذ الأصبهاني، سكن سامرا وحدث بها عن إبراهيم بن عبد الله الهروي، روى عنه عبد الباقي ابن قانع وذكره الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان.
أبو عبد الله البغداذي
محمد بن مهران أبو عبد الله البغداذي، حدث عن محمد بن الفرج الأزرق، روى عنه إبراهيم بن حمزة الأصبهاني في معجم شيوخه.
البناني البغداذي
محمد بن المهنا بن محمد البناي أبو بكر الشاعر من ساكني باب الأزج، أكثر القول في المدائح والغزل، قال محب الدين ابن النجار: كتبت عنه شيئا من شعره وكان شيخا فاضلا طيب الأخلاق كيسا، قال: أنشدني لنفسه:
أينام عـذالـي وأسـهـر وألام في النادي وأزجـر
ويروم مـنـي عـاذلـي ما في شروط الحب ينكر
هيهات أن يغـتـالـنـي أو بالملام علي ينـصـر
وأنا المتـيم أشـتـكـي ككثير وجـدا وأكـثـر
ومسامعي عـن عـذلـه موقورة والظهر موقـر
ومهفهف حلو الـشـمـا ئل أسحم الصدغين أحور
يشكو إلـيه نـهـوضـه ظلم المؤزر للـمـزير
قمر شقـائق وجـنـتـي ه تقول للعذال مجـهـر
قسـمـا بـلام عــذاره إن المتـيم فـيه يعـذر وقال: وأنشدني لنفسه:
حشو الحشاشة جمر كلما اتـقـدا أسهرت ليلي والمحبوب قد رقـدا
أرعى النجوم وعهدا ليس يحفظـه من ليس يعرف إلا نقض ما عهدا
وأطلب الوصل من ريم يماطلنـي وكلما رمته في اليوم قـال غـدا
هويته وهواني فـي مـحـبـتـه عذب وعيشي مر كلمـا بـعـدا
يا ورد خديه لي من آس عارضـه آس متى جس نبضي لم أمت كمدا
ويا بـريق ثـنـاياه بـريقـتــه أطفي حرارة قلبي قلمـا بـردا
ويا حساما على العشاق يشـهـره من اللحاظ أمتني ميتة الشـهـدا وقال: ذكر لي أنه تزوج بتسعين امرأة، وتوفي في شوال سنة ست مائة، قلت: شعر عذب منسجم.
ابن مهنا
صفحة : 619
محمد بن مهنا بن عبد الرافع بن زيد بن أبي بكر شمس الدين القاهري، مولده سنة خمسين وست مائة، أنشدني الشيخ أثير الدين من لفظه قال: أنشدني المذكور لنفسه:
وما ذقت طعم الشهد إلا وريقـه ألذ وأحلى في المساغ وأعـذب
كذلك أصوات المثاني ولفـظـه أرق وأشهى للنفوس وأطـرب
وحسبك بدر التم إن قستـه بـه فطلعته أبهى وأشهى وأغـرب
فيا آمري بالصبر عنه وقـد أرى عيوني عليه بالمدامع تسـكـب
ترفق فقلبي لا يمـيل لـغـيره أغالب فيه الشوق والشوق أغلب قلت: شعر منحط.
الفطري
محمد بن موسى الفطري المدني مولى الفطريين، وثقة الترمذي وقال أبو حاتم: صدوق يتشيع، روى له الجماعة خلا البخاري، توفي سنة ثمان ومائتين أو ما دونها.
القطان
محمد بن موسى بن عمران الواسطي القطان، روى عنه البخاري ومسلم وابن ماجه، ذكره ابن حبان في الثقات وتوفي سنة خمسين ومائتين أو ما دونها.
ابن موسى صاحب الحيل
محمد بن موسى بن شاكر، أحد الإخوة الثلاثة الذين تنسب إليهم حيل بني موسى وأخواه أحمد والحسن كانت لهم ههم علية في تحصيل العلوم القديمة أنفذوا إلى بلاد الروم من أحضرها لهم وأحضروا النقلة من أطراف البلاد بالبذل السني، وكانت الغالب عليهم الهندسة والحيل في جر الأثقال والموسيقى والنجوم، ولهم في الحيل كتاب عجيب مشهور، كان المأمون مغرى بعلوم الأوائل وتحقيقها ورأى فيها أن دور كرة الأرض أربعة وعشرون ألف ميل كل ثلاثة أميال فرسخ فيكون المجموع ثمانية آلاف فرسخ بحيث لو وضع طرف حبل على أي نقطة كانت وأدير الحبل على كرة الأرض حتى انتهى بالطرف الآخر إلى تلك النقطة ومسح الحبل كان طوله أربعة وعشرين ألف ميل، فسأل بني موسى المذكورين عن حقيقة ذلك فقالوا له: نعم هذا قطعي، فقال: اعملوا الطريق التي ذكرها المتقدمون حتى يتحرر لنا ذلك، فسألوا عن الأرض المتساوية فدلوا على صحراء بسنجار أو وطأة الكوفة فأخذوا معهم جماعة يثق بهم المأمون وبمعرفتهم وتوجهوا إلى صحراء سنجار فوقفوا في موضع منها وأخذوا ارتفاع القطب الشمالي وجعلوا في ذلك الموضع وتدا وربطوا فيه حبلا طويلا ثم توجهوا إلى الجهة الشمالية على الاستواء من غير انحراف حسب الإمكان، فلما فرغ الحبل نصبوا وتدا آخر وربطوا فيه حبلا آخر وفعلهم فعلهم الأول ولم يزالوا كذلك إلى موضع أخذوا فيه ارتفاع القطب المذكور فوجدوه قد زاد درجة فمسحوا ذلك القدر الذي قدروه من الأرض بالحبال فبلغ ستة وستين ميلا وثلثي ميل، فعملوا أن كل درجة من الفلك يقابلها من الأرض سنة وستون ميلا وثلثا ميل، ثم عادوا إلى الموضع الأول وفعلوا في جهة الجنوب كما فعلوه في جهة الشمال وأخذوا الارتفاع في موضع فوجدوا القطب فيه قد نقص درجة ومسحوا الحبال فوجدوا القدر الثاني من الجنوب كالقدر الأول من الشمال، فعلموا أن حسابهم صح وأن الذي ذكره أرباب الهيئة في ذلك محقق، فحضروا إلى المأمون وعرفوه ما اتفق فجهزهم إلى وطأة الكوفة وقال: افعلوا فيها كما فعلتم في صحراء سنجار، فتوجهوا وفعلوا ما فعلوه هناك فطابق فعلهم ما رأوه في صحراء سنجار وتوافق الحسابان، فعادوا إلى المأمون وأعلموه ما صح معهم فعلم صحة ما حرره القدماء، ولبني موسى المذكورين أوضاع غريبة وأشياء عجيبة في جر الأثقال، وقال لي بعض الأذكياء إن الأعمال الثقيلة والعمائر الجبارة كلها عملت بالطليات والبكر من جر الأثقال، وتوفي محمد بن موسى المذكور سنة تسع وخمسين ومائتين.
الواسطي الصوفي
محمد بن موسى أبو بكر الواسطي، أصله من فرغانة واستوطن مرو وكان من أصحاب الجنيد والنوري لم يتكلم أحد في أصول التصوف مثل كلامه، وكان عالما بأصول الدين والعلوم الظاهرة، قال: إذا ظهر الحق على السرائر لم يبق فيها فضلة لرجاء ولا خوف، فسئل أن يدعو فقال: أخشى أن يقال لي إن سألتنا ما ليس لك عندنا فقد أسأت إلينا وإن سألتنا ما لك عندنا فقد اتهمتنا، وأنشد:
ذريني تجئني ميتتي مطمـئنة ولم أتجشم هول تلك المـوارد
فإن عليات الأمور مـنـوطة بمستودعات في بطون الأساود توفي سنة اثنتين وعشرين وثلاث مائة.
الحنفي قاضي مصر
صفحة : 620
محمد بن موسى السرخسي الحنفي قاضي مصر، ولاه القاهرة، توفي سنة ثلاثين وثلاث مائة تقريبا.
الحافظ السمسار
محمد بن موسى بن الحسين أبو العباس السمسار الدمشقي الحافظ أخو أبي الحسن علي، قال أبو محمد الكتاني: كان ثقة نبيلا، توفي سنة ثلاث وستين وثلاث مائة.
الظاهري الأثري
محمد بن موسى بن المثنى الفقيه أبو بكر البغداذي الأثري الداودي الظاهري، كان فقيها نبيلا، توفي سنة خمس وثمانين وثلاث مائة.
ابن مردويه الفقيه
محمد بن موسى بن مردويه أبو عبد الله الأصبهاني أخو الحافظ أبي بكر، كان إماما في الفقه والأصول، وتوفي سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة.
ابن شاذان
محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان أبو سعيد بن عمرو النيسابوري الصيرفي أحد الثقات المشاهير، روى عنه الخطيب والبيهقي وخلق كثير، توفي سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة.
ابن أبي عمران
محمد بن موسى بن عبد الله أبو الخير ابن أبي عمران المروزي الصفار، آخر من روى صحيح البخاري بعلو في الدنيا رواه عن الهيثم الكشميهني، وقال الحافظ ابن طاهر: سمعت عبد الله بن أحمد السمرقندي يقول: لم يصح لهذا الرجل أبي الخير ابن أبي عمران موسى من الكشميهني سماع وإنما وافق الاسم الاسم، توفي سنة إحدى وسبعين وأربع مائة.
البلاساغوني القاضي الحنفي
محمد بن موسى بن عبد الله القاضي أبو عبد الله التركي البلاساغوني الحنفي، سمع من الدامغاني ومن أبي الفضل ابن خيرون ونزل دمشق وولي قضاء القدس ودمشق، وعزم على نصب إمام حنفي بجامع دمشق من محبته في مذهبه وعين إماما فامتنع الناس من الصلاة خلفه وصلوا بأجمعهم في دار الخيل وهي القيسارية التي قبل الدرسة الأمينية، وهو الذي رتب الإقامة في الجامع مثنى مثنى فبقيت إلى أن أزيلت زمن صلاح الدين سنة سبعين، قال ابن عساكر: سمعت الحسين بن قبيس يذمه ويذكر أنه كان يقول: لو كان لي أمر لأخذت من الشافعية الجزية، وكان مبغضا للمالكية أيضا، توفي سنة ست وخمس مائة.
الحافظ الحازمي
محمد بن موسى بن عثمان بن موسى بن عثمان بن حازم الحافظ أبو بكر الحازمي الهمذاني، كتب الكثير وصنف في الحديث عدة وكان كثير المحفوظ حلو المذاكرة يغلب عليه معرفة أحاديث الأحكام وأملى من طرق الأحاديث التي في مذهب لأبي إسحق وأسندها ولم يتم، له كتاب الناسخ والمنسوخ وعجالة المبتدي في الأنساب والمؤتلف والمختلف في البلدان واسناد الأحاديث التي في المهذب وتحفة السفينة وكتاب ما اتفق في إسناده أربعة من الصحابة أو التابعين بعضهم عن بعض وكتاب شروط الأئمة الخمسة البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه وكتاب سلسلة الذهب وهو ما رواه الإمام أحمد بن حنبل عن الإمام الشافعي رضي الله عنهما، وكتاب الفيصل في مشتبه النسبة ولم يتمه، قال محب الدين ابن النجار: وكان ثقة حجة نبيلا ورعا زاهدا عابدا كثير الصلاة والصيام والمجاهدة والتقلل نزها عفيفا ملازما للخلوة والتصنيف ونشر العلم، أدركه أجله شابا ولم يبلغ الأربعين، وقال سمعت بعض الأئمة من أصحاب الحديث يذكر أن الحازمي كان يحفظ كتاب الإكمال في المؤتلف والمختلف وكان يكرر عليه، ولد في سنة تسع وأربعين وخمس مائة وتوفي سنة أربع وثمانين وخمس مائة.
المزالي
محمد بن موسى بن النعمان الشيخ أبو عبد الله المزالي التلمساني وقيل الفاسي المغربي، ولد سنة ست أو سبع وست مائة بتلمسان وقدم الإسكندرية وسمع بها أبا عبد الله الحراني وأبا القاسم الصفراوي وأبا الفضل جعفرا الهمذاني وبمصر أبا الحسن ابن الصابوني وأبا القاسم ابن الطفيل وابن المقير وجماعة وكان فقيها مالكيا زاهدا عابدا عارفا إلا أنه كان متغاليا في أشعريته، توفي بمصر ودفن بالقرافة وشيعه الخلائق وكان يوما مشهودا. توفي سنة ثلاث وثمانين وست مائة، ومن شعره:
أتطمع أن ترى ليلى بـعـين وقد نظرت إلى حسن سواها
سواها لا يروق الطرف حسنا وأوصاف الجمال لها حماها
حماها منزل الأحباب قدمـا وإن كان الجلال لها حماهـا
أتنظرها بعين بـعـد عـين فتلك العين تمنعها قـذاهـا
قذاها إن أردت يزول عنهـا بعين الدهر غيرك لا تراها
صفحة : 621
وهي أكثر من هذا، وله تصانيف منها كتاب مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام في اليقظة والمنام.
أبو جعفر الزامي النحوي
محمد بن موسى بن عمران الزامي أبو جعفر النحوي، ذكره الثعالبي في البخاريين وقال: هو من أفراد الأدباء والشعراء بخراسان عامة وحسنات نيسابور خاصة، وكان مع سبقه في ميادين الفضل راجحا في موازين العقل وترقت حاله من التأديب إلى التصفح في ديوان الرسائل ببخارا بعد أبي إسحاق إبراهيم بن علي الفارسي وغلب على شعره التجنيس حتى كاد يذهب بهاءه ويكدر ماءه وكل كثير عدو الطبيعة، وأورد له:
مضى رمضان المرمض الدين فقده وأقبل شوال يشـول بـه قـهـرا
فيا لك شهرا شهـر الـلـه قـدره لقد شهرت فيه سيوف الهدى شهرا وأورد له أيضا:
سقى الله أيام اللـوى إن ذكـرهـا لوى في الحشا يلوي ذواب الحشا ليا
ليالـي ريعـان الـشـبــيبة رائع وغصني مـياد أسـوق بـه هـيا
تريع إلى شوق الظـبـاء حـوانـيا إلي كأن الظبي يحسبنـي ظـبـيا قلت: شعر متكلف.
سيبويه المعتزلي
محمد بن موسى بن عبد العزيز الكندي أبو بكر الصيرفي المعروف بابن الجبائي ويعرف أيضا بسيبويه وبالفصيح، سمع الكبار وتفقه للشافعي، وكان معتزليا متظاهرا بذلك في الزهد والتصوف، وتوفي سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة، وكان قد تفقه على أبي بكر محمد بن أحمد الحداد.
الأقشتين القرطبي
محمد بن موسى بن هاشم بن يزيد القرطبي المعروف بالأقشتين، قال الزبيدي: مات في شهر رجب سنة سبع وثلاث مائة، وهو من أهل الأندلس ومن موالي المنذر، وكان متصرفا في علوم الأدب ورحل إلى المشرق ولقي أبا جعفر الدينوري بمصر وانتسخ كتاب سيبويه من نسخته وأخذه عنه رواية وروى كتب ابن قتيبة عن إبراهيم بن جميل الأندلسي أخذها عنه بمصر وسمع بقيسارية من عمرو بن ثور صاحب الفريابي، وله كتاب شواهد الحكم وكتاب طبقات الكتاب بالأندلس وكتاب الموفق وكتاب الرائق وكتاب فضائل المستبصرة.
أبو عبد الله السبتي
محمد بن موسى بن عفان السبتي أبو عبد الله، كان من أعرف الناس بالتواريخ وجمع من كتب التاريخ ما لم يجمعه أحد، وكان لا يعبر كتابا ويكتب على كتبه:
إني حلفت يمينا غـير كـاذبة أن لا أعبر كتابي الدهر إنسانا
إلا برهن وإيمان مـغـلـطة كيلا يضيع كتابي أينما كانـا توفي سنة إحدى وتسعين وأربع مائة.
السلوي النحوي
محمد بن موسى السلوي النحوي الأديب، اخبرني الشيخ أثير الدين شفاها قال: قرأ المذكور كتاب سيبويه على الأستاذ أبي الحسين ابن أبي الربيع وبرع فيه ورحل إلى مدينة فاس فأقرأ بها النحو، وكان وقورا فاضلا نزها وتوفي بها سنة خمس وثمانين وست مائة وسنه نحو من خمس وعشرين سنة، أنشدنا له أبو محمد ابن أبي يعقوب المحساني مما أنشده في شاب جرح في جبينه لنفسه:
دماء جرح بدت ما بين منبـلـج من الجبين وشعر صيغ من غسق
هو اتضاح نهار وانبـلاج دجـى لا بد بينهما من حمرة الشـفـق قلت: المعنى جيد والألفاظ نازلة التركيب، وأحسن منه في اللفظ قول ابن التلمساني أو ابن تميم الحموي الإسعردي والأول أكمل معنى:
بكوا لجراحة شقت جبين ال حبيب فقلت: ما في ذا جناح
أليس جبينه صبحا مـنـيرا ولا عجب إذا انشق الصباح ومثله ما نقلته من خط محيي الدين بن عبد الظاهر:
ولقد أقول وقد شجتنـي شـجة تبدو بصبح جبينك الـوضـاح
الله أكبر قال: ما لك? قلت: قد نادى جمالك فالق الإصـبـاح البريري
محمد بن موسى بن حماد يعرف بالبريري ويكنى أبا أحمد، قال الخطيب: مات سنة أربع وتسعين ومائتين، كان اخباريا صاحب فهم ومعرفة بأيام الناس، حدث عن علي بن الجعد وغيره، وروى عنه يحيى ابن صاعد وأحمد بن كامل القاضي وإسماعيل بن علي الخطبي وغيرهم، وذكره الدارقطني وقال: ليس بالقوي، قال القاضي أحمد بن كامل: ما جمع أحد من العلم ما جمع محمد بن موسى البريري وكان لا يحفظ إلا حديثين حديث الطائر وحديث إن عمارا لتقتله الفئة الباغية.
الكوفي النسابة
صفحة : 622
محمد بن موسى بن الحسن بن جعفر التغلبي الكوفي الشاعر النسابة، ذكره الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع في تاريخ نيسابور وقال: ورد علينا سنة خمسين وثلاث مائة وكان يكثر الكون عند أبي أحمد التميمي، وكان من أحفظ الناس لأيام الناس وأخبارهم وأشعارهم المتقدمين والمتأخرين، ثم إنه خرج إلى بخارا وتوفي بها.
أبو بكر الهاشمي
محمد بن موسى بن يعقوب بن عبد الله المأمون بن هرون الرشيد أبو بكر الهاشمي، ولي مكة سنة ثمان وستين ومائتين وقدم مصر فحدث بها عن علي ابن عبد العزيز بالموطإ عن القعنبي عن مالك، وتوفي بمصر في ذي الحجة سنة اثنتين وأربعين وثلاث مائة.
أبو بكر الحنفي
محمد بن موسى بن محمد أبو بكر الخوارزمي، إمام الحنفية انتهت إليه رياستهم وكان معظما عند الخلفاء والملوك ومن تلامذته الشريف الرضي والقاضي الصيمري، قال أبو بكر البرقاني: سمعته يقول: ديننا دين العجائز ولسنا من الكلام في شيء، وكان له إمام حنبلي وما شهد الناس مثله في حسن الفتوى والإصابة فيها، دعي مرارا إلى الحكم فامتنع، وتوفي سنة ثلاث وأربع مائة.
شرف الدين القدسي
محمد بن موسى الكاتب شرف الدين القدسي، كاتب أمير السلاح ثم كتب في ديوان الإنشاء بقلعة الجبل، أخبرني الشيخ الإمام الحافظ أثير الدين أبو حيان من لفظه قال: هو رجل حسن الأخلاق كريم العشرة محتمل فيه كرم وله خط حسن ونثر كثير ونظم، جالسته مرارا وكتبت عنه وقرأ علينا من نظمه ونثره كثيرا وقد خمس شذوز الذهب في صنعة الكيمياء تخميسا حسنا يقضي له بسبق النظم وجودة حوك الكلام ومطابقة الفضل، وأنشدني قال: أنشدني المذكور من لفظه لنفسه:
الـيوم يوم سـرور لا شـرور بــه فزوج ابن سحاب بابنـه الـعـنـب
ما أنصف الكاس من أبدى القطوب لها وثغرها باسم عن لؤلـؤ الـحـبـب وأنشدني قال: أنشدني المذكور من لفظه لنفسه:
صرف بصرف الحميا ما حمى طربا فإن فيهـا لـسـم الـهـم درياقـا
دنياك معشوقة والـراح ريقـتـهـا فارشف مراشفها ان كنت عشـاقـا وأنشدني قال: أنشدني المذكور لنفسه يخاطب الشجاعي وكان كاتبه:
أيا علم الدين الذي عين علمه تريه المعالي نثرها ونظامها
قذفت لنا يا بحر أي جواهـر وها هي فالبس فذها وتؤامها منها:
رأى الملك المنصور أنك صالـح لدولته يلقي إلـيك زمـامـهـا
فولاكها إذ كنت في الرأي شيخها وكنت إذا نادى الصريخ غلامهـا
فما احتفلت إلا وكنت خطيبـهـا ولا استبقت إلا وكنت إمامـهـا
فلو غاب بدر الأفق نبت منـابـه بل الشمس لو غابت لقمت مقامها
نهضت بعبء الملك والأمر فادح وسست الرعايا مصرها وشآمها قلت: وتوفي سنة اثنتي عشرة وسبع مائة، ومن شعره:
تبسم فاستبكى بـبـارق ثـغـره سحائب جفن ما أخلت بعـارض
مليح أصبناه بـعـين ونـظـرة فمن اجل هذا قد أصيب بعارض وقال:
بي فرط ميل إلى الغزلان والغـزل فكيف لا يقصر العذال عن عذلـي
مالوا علي ولاموا في الهوى عبـثـا من لم يمل سمعه مذ كان للمـلـل
أضحى الغرام غريمي في هوى رشإ يغنيه عن كحله ما فيه من كـحـل
فالبدر من حسنة قد راح ذا كـلـف والورد من خده قد راح في خجـل
تشاغل الناس في الأسمار بـي وبـه وانني عن حديث الناس في شـغـل وقال في مليح اسمه سالم:
وأهيف تهـفـو نـحـو بـانة قـده قلوب تثبت الشجو فهـي حـمـائم
عجـبـت لـه إذ دام تـوريد خـده وما الورد في حال على الغصن دائم
وأعجب مـن ذا أن حـية شـعـره تجول على أعطافه وهـو سـالـم وقال في كريم الدين الكبير:
إذا ما بار فضلك عند قـوم قصدتهم ولم تظفر بطـائل
فخلهم خلاك الذم واقـصـد كريم الدين فهو أبو الفضائل وكتب شرف الدين محمد بن الوحيد الكاتب إلى الشرف القدسي لما أن خمس شذور الذهب:
صفحة : 623
لقد رق تخميس الشذور وأصبـحـت مداما ولكن كرمها حضرة القدسـي
هي الشمس والأشعار في جنب حسنها نجوم وما قدر النجوم مع الشـمـس وكتب إليه الحكيم شمس الدين محمد بن دانيال:
إذا ناب في التقبيل عن شفتي طرسي وعن بصري في رؤيتي لكم نفسـي
وواصلني منكم خيال مـخـصـص بروحي في حلم فما لي وللحـسـن
ومن لي بمرآك الجمـيل الـذي بـه لعيني غنى عن طلعة البدر والشمس
على أنني مستأنس بعد وحـشـتـي بأنس ولي الدولة الأرخن الـقـس
غدوت به بعد البـطـالة عـامـلا ولا مثلما أعملت في زاده ضرسي
وإن ابنه الشيخ الخطير لمسعـفـي بما شئت من رفد جزيل ومن أنـس
وأقسم ما للابـن والأب عـنـدهـم حياة بلا روح تجيء من القـدسـي ومن شعر شرف الدين القدسي:
يا ليلة بت أستجـلـي مـحـياهـا كأنما بت أستجـلـي حـمـياهـا
أولت يدا ثن ألوت بي فقـلـت إذا ما كان أرخصها عندي وأغلاهـا
بيوسف الحسن جزء من محاسنـه فاعجب لها وهي كنز كيف جزاها
طال النهار انتصارا فانطوت قصرا كأن في شفقيها كان فـجـراهـا منها:
يدير من لحظه أو لفظه لطفا لو نستطيع لها شربا شربناها
والزير والبم والمثنى ومثلثـه محركات من الأوتار أشباها ومن شعر شرف الدين القدسي رحمه الله والناس ينسبون ذلك إلى محيي الدين بن عبد الظاهر وأخبرني العلامة قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي أنها للقدسي وقال: أنشدني بعضها من لفظه:
ما ملت عنـك لـجـفـوة ومـلال يوما ولا خطر السلـو بـبـالـي
يا مانحا جسمي السقـام ومـانـعـا جفني المنـام وتـاركـي كـالآل
عمن أخذت جواز منعي ريقـك ال معسول يا ذا المعطف الـعـسـال
من شعرك الفحام أم عن ثغـرك ال نظام أم عن طرفـك الـغـزالـي
فأجابني: أنا مالك أهـل الـهـوى والحسن أضحى شافعي وجمالـي
وشقائق النعمان أضحـى نـابـتـا في وجنتي حماه رشق نـبـالـي
والصبر أحمد للمحب إذا ابـتـلـى في الحب من محن الهوى بسؤالي
وعلى أسارى الحب في سجن الهوى بين الملاح عرفـت بـالـقـفـال
وقتلت معتزلي في شرع الـهـوى وطرفت بالتنبـيه عـين الـسـال
وتفقه العشـاق فـي فـكـل مـن نقل الصحيح اجـزتـه بـوصـال
والجوهري غدا بثغـري سـاكـنـا يحمي الصحاح بـقـدي الـمـيال
وشهود حسني لو نظـرت إلـيهـم بين الأنام عجبت مـن أفـعـالـي
جرح البكاء عيونهم وقـلـوبـهـم وزكوا لقذف الدمع في الأطـلال
والشاهد المجروح عنـدي صـادق هل في قضاة العاشقين مـثـالـي
وعلى رحيق الثغر صارم مقلـتـي ولـيتـه ولـكـل ثـغــر وال
وعلى مقامات الـغـرام شـواهـد جسمي الحريري والبديع مقـالـي
ولبست من حلل الجمال مفـصـلا حسن الملابس مدهـش الـغـزال
ولحسني الكشاف في جمل الـضـيا لمعا لإيضاح الفصـيح مـقـالـي
وأتى المطرز نحو خـدي راقـمـا طرز العذار وحار في أشكـالـي
والواقدي بنار هجـري والـجـفـا وكلتـه فـلـكـل سـال صـال
وبلفظي الفراء يفري قـلـب مـن وافى يناظر ناظري بنـصـالـي
ومصارع العشاق بـين خـيامـنـا ومقاتل الفـرسـان يوم نـزالـي
ورفضت يوم العاشقين فكـل مـن ذكر الفراق فدمعـه مـتـوالـي
ولدي سلوان المـطـاع سـفـاهة لمتـيم أوثـقـتـه بـحـبـالـي
وخصصت إخوان الصفا بـرسـائل ولهم صفـا ودي وهـم آمـالـي
صفحة : 624
والبيهقي بوجـه كـل مـعـنـف في موقف التوديع والـتـرحـال
وبوجهي النقاش راح مـفـسـرا سور الملاحة من دلـيل دلالـي
ورقيبي الكلبـي قـد اخـسـأتـه بوقوفه فـي بـاب ذل سـؤالـي
ومجاهد أضحى علي مـقـاتـلا خوفا من الرقـبـاء والـعـذال
وأبو نعيم منعـم فـي حـلـيتـي إذ بات يمليها عـلـى الـنـقـال
ومحاسني قوت القلوب تـكـرمـا ومناقب الأبرار حسن فـعـالـي
وتطلعي زاد المسير ومبسمـي ال ضحاك والمنثور حـسـن لآلـي
وبخدي الزهري جنات الـمـنـى أضحى بها الثوري من عمـالـي
وبمنطقي قس الفصـاحة واعـظ في فترة الأجفـان لـلـضـلال
وقميص حسني قد من قبل الورى بيدي اليمين وتارة بـشـمـالـي
والثعلبي رأى الوجوه بـجـهـده وحلا له في النقل وجه الـحـال
ولحسني الأنساب يرويها عـن ال عدل الزكي بصـحة الـنـقـال
فيراه للتمييز نـصـبـا واجـبـا ورفعت عنه الهجر من أفعالـي
ولي الخلافة في الملاح بلحظي ال سفاح والمنصور فـي أقـوالـي
وعلى محلي بـالـجـمـال رواية في راية نشرت لـيوم جـدالـي
ومدينة العلم السخاوي أصبـحـت في راحتي فعرفـت بـالـبـذال
قال الأوائل مـا رأينـا مـثـلـه غصن رطيب مثـمـر بـهـلال
قد عمه الحسن الغريب، وخـالـه ما في البرية منه قـلـب خـال
فوصلت عشاقي فلام معـنـفـي فأجبته هذا الـذي يبـقـى لـي
القوم أبناء السـبـيل وعـنـدنـا تعطى زكاة الحسن كـالأمـوال
قد طالما نقلوا حديث محـاسـنـي فهم عدولي صـحة ورجـالـي
هذي القصيدة بـالأئمة شـرفـت قدري وفقت بها على أمـثـالـي
فكأنها العقد الثمين وهم بـهـا ال در النظـيم مـكـلـلا بـلآلـي قلت: قصيدة فريدة رائقة فائقة إلا أنها لا بد فيها من ألفاظ غير قاعدة والتسامح يسكن قلقها.
وجه الفلس
محمد بن موفق المعروف بوجه الفلس الجياني، ذكره حرقوص في كتابه وأورد له:
أنف السلو لقلبه الأسـف ومضى يقود عنانه الكلف
أو ما رأيت نظيم شملهـم قد بددته النية الـقـذف
رحل الأحية كيف بعدهـم يلتذ محزون وملتـهـف قلت: شعر متوسط.
الخبوشاني
صفحة : 625
محمد بن الموفق بن سعيد بن علي بن نجم الدين أبو البركات الخبوشاني بالخاء المعجمة والباء الموحدة والشين المعجمة بعد الواو الصوفي الفقيه الشافعي، كان يستحضر كتاب المحيط وله كتاب تحقيق المحيط وهو في ستة عشر مجلدا وكان يستحضره لأنه أملاه عن خاطره على ما قيل في ستة عشر مجلدا، كان السلطان صلاح الدين يقربه ويكرمه ويعتقد فيه وعمر له المدرسة المجاورة للشافعي، حضر إليه الملك العزيز وصافحه فاستدعى بماء وغسل يده وقال: يا ولدي إنك تمسك العنان، فقال له: نعم فامسح وجهك واغسله فإنك مسحت وجهك، فقال: نعم، وغسل وجهه، وكان إذا رأى ذميا راكبا قصد قتله وكان الذمة يتحامونه، ولم يأكل من وقف مدرسة لقمة، ودفن في الكساء الذي حضر فيه من خبوشان وكانت وفاته سنة سبع وثمانين وخمس مائة ودفن في قبة تحت رجلي الشافعي وبينهما شباك، يقال إن العاضد خليفة مصر رأى في منامه آخر دولته أنه خرجت إليه عقرب من مسجد في مصر معروف بها فلدغته، فلما قصه على العابر قال له: ينالك مكروه من شخص مقيم في ذلك المسجد، فقال العاضد لوالي مصر: أحضر إلي من هو مقيم في ذلك المسجد الفلاني، فاحضر إليه رجلا صوفيا فلما رآه من أين حضوره ومتى قدم، فكلما سأله عن شيء أجابه، فلما ظهر له حاله وضعفه وعجزه عن إيصال مكروه منه إلى العاضد أعطاه شيئا وقال: يا شيخ ادع لنا، وأطلقه، فلما استولى السلطان صلاح الدين وعزم على القبض على العاضد استفتى الفقهاء في خلعه فكان أكثرهم مبالغة في الحط على العاضد وأشدهم قياما في أمره وحضا على خلعه ذلك الصوفي الذي أحضره العاضد لما رأى الرؤيا وكان هو نجم الدين الخبوشاني المذكور.
الشيباني
محمد بن المؤمل بن نصر بن المؤمل الشيباني أبو بكر بن أبي طاهر من أهل بعقوبا من قرية تعرف بقباب ليث، قال ابن النجار: ذكر لنا أنه من ولد الليث بن نصر بن سيار الشيباني الأمير، قدم بغداذ مرارا كثيرة وسمع بها من أبي الوقت السجزي ثم قدم علينا بعد علو سنه وكتبنا عنه. وهو شيخ صالح متدين حسن الطريقة، توفي سنة سبع عشرة وست مائة.
أبو نصر الفرضي
محمد بن موهوب بن الحسن أبو نصر الفرضي الضرير، كان أوحد وقته في علم الفرائض والحساب وله مصنفات حسنة في ذلك، قرأ عليه جماعة وتخرجوا به، وذكره ابن كامل الخفاف في معجم شيوخه الذين سمع منهم ولم يخرج عنه حديثا، وكان لا يأخذ أجرة على تعليمه الفرائض والحساب ولكن يأخذ الأجرة على تعليمه الجبر والمقابلة ويقول: الفرائض مهمة وهذا من الفضل.
ابن حواري الشاعر
محمد بن المؤيد بن محمد بن أحمد بن حواري مهذب الدين أبو جعفر التنوخي المعري الشاعر، سمع وروى وتوفي سنة ثلاث وست مائة، من شعره:
توق زوال الحسن عند كـمـالـه لأنك من صرف النوى غير خائف
ألأم تر أن الورد لما تكـامـلـت محاسنه أوردت به كف قاطـف ومنه:
لاحظته فبدا النجيع بـخـده فاقتص لا متعديا من ناظري
وكلاهما حتى المعاد مضرج بدمائه من جابـر أو ثـائر ومنه:
خف الزمان ولا تأمن غـوائلـه فما الزمان على شيء بمأمـون
غدا ترى الشعر قد غطت غياهبه ضياء خديك فاستسعيت في الهون سعد الدين الجويني الصوفي
محمد بن المؤيد بن عبد الله بن علي بن محمد بن حمويه الشيخ سعد الدين الجويني الصوفي، كان صاحب رياضات وأحوال وله كلام في التصوف على طريق أهل الوحدة، أقام بقاسيون يتأله ويتعبد مدة ولما ضاق به الحال رجع إلى خراسان واجتمع به جماعة من التتار وأسلك على يده غير واحد منهم، وتوفي سنة خمسين وست مائة.
ابن المؤيد الألسي
محمد بن المؤيد بن محمد بن علي بن أحمد الألسي أبو المظفر بن أبي سعد الشاعر، ولد ببغداذ ونشأ بها وقال الشعر ومدح الأعيان وروى شيئا من شعره وشعر أبيه، ذكره العماد في الخريدة قال: هاجر إلى العادل نور الدين بالشام وأقام في خيمتي بالمعسكر سنة أربع وستين وكنا في صرخد فمرض فنفذناه إلى دمشق فتوفي في الطريق، ومن شعره:
أيها العادل الـذي مـلأ الأر ض عطاء غمرا ومنا وعدلا
لم أسر طالبا سوى ظلك الصا في وحاشاي لا أصادف ظلا
صفحة : 626
لست أرضى من بعد ظل إمام ال حق ظل الدعي حـاشـا وكـلا
ظل قوم إذا تشـنـفـت فـيهـم سحبوا لي كما وزيقـا ورجـلا
كل هـذا إذا سـلـمـت ولا أو ثق أسرا ولا أبـضـع قـتـلا
في يدي كافر إذا قلـت فـيه ال شعر سهل المعنى وأعربت جزلا
لم يرقـقـه لـي ولـم يعـط إلا حمل صخر على اليدين ونـقـلا قلت: شعر منحط.
السلطان طغرلبك
محمد بن ميكائيل بن سلجوق بن دقاق السلطان الكبير ركن الدين أبو طالب طغرلبك أول ملوك السلجوقية، أصلهم من بر سنجار وهم قوم لهم عدد وقوة كانوا لا يدخلون تحت طاعة السلطان وإذا قصدهم من لا طاقة لهم به دخلوا المفاوز، فلما عبر السلطان محمود إلى ما وراء النهر استمال زعيمهم حتى قدم عليه وقبض عليه ثم اتفق الرأي على تفريق أعيان قومه في النواحي ووضع الخراج عليهم فدخلوا في الطاعة وتهذبوا، وطمع الناس فيهم فظلموهم فانفصل منهم ألفا بيت ومضوا إلى كرمان وملكها يومئذ بهاء الدولة بن بويه فأكرمهم وتوفي عن قرب فخافوا من الديلم فقصدوا أصبهان ونزلوا بظاهرها وصاحبها علاء الدولة ابن كاكويه فرغب فيهم واستخدمهم فكتب إليه السلطان محمود يأمره بحربهم فاقتتلوا فقتل منهم جماعة وقصد الباقون أذربيجان، ثم قصدهم السلطان محمود بنفسه وشتتهم وتوفي، فقام بعده ابنه مسعود واحتاج إلى الجند فكتب إلى الذين منهم بأذربيجان فقدم عليه منهم ألف فارس ورتبهم كما فعل أبوه أولا ثم دخل الهند فخلت لهم البلاد فعاثوا فيها ولم يزل أمرهم يقوى ويشتد حتى ملكوا الري ثم نيسابور وضعف عنهم السلطان مسعود بن محمود، ثم إن طغرلبك ملك العراق سنة سبع وأربعين وعدل في الناس وكان ملكا حليما كريما محافظا على الصلاة في الجماعة يصوم الاثنين والخميس، وخطب ابنه الخليفة القائم بأمر الله فشق ذلك عليه ولم يجد بدا من زواجها، فقدم بغداذ وحمل مائة ألف دينار برسم نقل جهازها وعمل العرس وتوفي بعد أشهر بالري سنة أربع وخمسين وأربع مائة وعمره سبعون سنة ونقل إلى مرو ودفن عند قبر أخيه داود، وكان السلطان يكثر الصدقات ويقول: أستحيي من الله أن أبني دارا ولا أبني إلى جانبها مسجدا، وكان عقده على ابنه القائم بظاهر تبريز سنة ثلاث وخمسين ثم توجه إلى بغداذ ونزل بدار المملكة وحملت إليه وجلست على سرير ملبس بالذهب ودخل إليها السلطان وقبل الأرض بين يديها ولم يكشف البرقع عنها ذلك الوقت وقدم لها تحفا يقصر الوصف عنها وقبل الأرض وخدم وانصرف، وحكى وزيره محمد بن منصور الكندي عنه أنه قال يعني السلطان رأيت وأنا بخراسان في المنام كأني رفعت إلى السماء وأنا في ضباب لا أبصر معه شيئا غير أنني أشم رائحة طيبة فإذا مناد ينادي: أنت قريب من الباري جلت قدرته فاسأل شيئا ليقضى، فقلت في نفسي: أسأل طول العمر، فقيل: لك سبعون سنة، فقلت: يا رب لا تكفيني، فقيل: لك سبعون سنة، ولما حضرته الوفاة قال: إنما مثلي مثل شاة تشد قوائمها لجز الصوف فتظن أنها تذبح فتضطرب حتى إذا أطلقت تفرح ثم تشد للذبح فتظن أنها لجز الصوف فتسكن، وهذا المرض الذي أنا فيه هو شد القوائم للذبح، فمات منه، ولم تقم ابنه القائم معه إلا ستة أشهر وماتت بعده سنة ست وتسعين وأربع مائة، ولم يخلف السلطان ولدا ذكرا وانتقل الملك إلى ابن أخيه ألب رسلان.
الخياط المكي
محمد بن ميمون المكي الخياط، روى عنه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وتوفي سنة ستين ومائتين تقريبا.
مركوش النحوي
محمد بن ميمون الأندلسي النحوي الأديب المعروف بمركوش كان مشهورا، أورد له الحميدي شعرا قال في غلام يقص من شعره:
تبسم عن مثل نور الأقـاحـي وأقصدنا بمراض صـحـاح
ومر يميس كما ماس غصـن تلاعب عطفيه هوج الـرياح
وقصر مـن لـيلـه سـاعة فأعقب ذلك ضوء الصبـاح
وإني وإن زعـم الـعـاذلـو ن من خمر أجفانه غير صاح قلت: شعر جيد.
الحافظ ابن ناصر
صفحة : 627
محمد بن ناصر بن محمد بن علي بن عمر الحافظ أبو الفضل السلامي، تفقه للشافعي وقرأ اللغة والأدب على الخطيب التبريزي، قال تلميذه أبو الفرج ابن الجوزي: كان حافظا متقنا ضابطا ثقة من أهل السنة لا مغمز فيه، صنف التصانيف وتوفي سنة خمسين وخمس مائة وخطه في غاية الإتقان والصحة، توفي والده وهو صغير فكلفه جده لأمه أبو حكيم الخبري الفرضي وأسمعه في صباه شيئا من الحديث وشغله بحفظ القرآن والتفقه على مذهب الشافعي، ثم إنه صحب الخطيب التبريزي اللغوي وقرأ عليه الأدب ومهر وجد في طلب الحديث فسمع من مشايخ وقته وصاحب أبا منصور الجواليقي في قراءة الأدب وسماع الحديث ولازم أبا الحسين ابن الطيوري وسمع منه كثيرا ثم إنه خالط الحنابلة ومال إليهم وانتقل عن مذهب الشافعي إلى مذهب ابن حنبل لمنام رآه، ذكره محب الدين ابن النجار في تاريخه وذكر أشياخه الذين روى عنهم، وكان من المكثرين حدث بأكثر مسموعاته وكانت له إجازات قديمة من جماعة من الشيوخ كابن النقور والصريفيني وابن ماكولا وغيرهم من الغرباء أخذها له ابن ماكولا في رحلته إلى البلاد، ولابن ناصر كتاب المأخذ على أبي عبيد الهروي في كتاب الغريبين مجلد، قال ياقوت في معجم الأدباء: وكان مع علمه بالحديث ورجاله جيد المعرفة بالأدب صحيح الخط غاية في إتقان الضبط ثبتا إماما إلا أنه كان وقاعة في العلماء مغرى بالمثالب وكان هو والشيخ أبو منصور موهوب ابن الجواليقي يقرآن على أبي زكرياء التبريزي وكان أبو منصور يطلب الحديث وابن ناصر يطلب اللغة فقال لهما أبو زكرياء: سيقع المر بالعكس فتصير أنت يا ابن ناصر محدثا وتصير أنت يا أبا منصور لغويا، فكان الأمر على ما ذكره، وكان ابن ناصر شافعيا ثم صار حنبليا فبلغني أنه أعاد صلاته التي صلاها وهو شافعي منذ احتلم إلى أن تحنبل وأنه غسل جميع ما في منزله من آلة وفرش وثياب حتى جدار داره، فقلت لبعض الحنابلة ببغداذ: ليت شعري لم فعل ذلك وأنتم تروون في كتبكم بأسانيدكم أن أبا عبد الله بن حنبل إمامكم قرأ على الشافعي وأنه كان يثني عليه إلى أن مات وأنه كان يستغفر له ويقول ما عرفنا تأويل الأحاديث حتى ورد هذا الحجازي وأنه مشى إلى جنب بغلة الشافعي إلى غير ذلك? فقال: إنما فعل ذلك لأجل ما كان يعتقده من مذهب الأشعري، فقلت: وما صنع الأشعري حتى يستحق معتقد مذهبه أن يفعل المنتقل عنه مثل هذا? فقال: إنه كان لا يقول بالحرف والصوت وهي بدعة، فقلت له: أوتزعم أن القول بالحرف والصوت ليس ببدعة? قال: نعم، قلت: محال لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة والتابعين أنه قال به وأصل البدعة قول محدث لم يقل به الحد الأول فإن زعمت أن الأشعري ابتدع هذا القول فهو يزعم أنكم ابتدعتم هذا القول وليس ههنا ترجيح صرتم إليه أولى بالحق منه بل الترجيح في حيزه لمعاضدة العقل إياه بالبديهة إلا أن تكابروا فإن كابرتم وأصدرتم ألزمتم أن تتبروا من البخاري ومسلم صاحبي الصحيحين فإنهما كانا يقولان مع كثير من عقلاء أصحاب الحديث لفظي بالقرآن مخلوق وهذا مشهور عنهما وخبرهما في ذلك متعارف لا يجهله إلا من لا خبرة له بأخبار الناس، فلم يكن عنده غير السكوت وحكمت على الشيخ ابن ناصر بالجهل وقلة العقل والتصور وعظم التهور، ومما بلغني من جهله وقلة عقله أنه أراد ذم أبي بكر الخطيب صاحب التاريخ فضاقت مسالك الذم عليه فقال: إنه كان فاسقا يعشق والدي وكان والدي يلازم صحبته لذلك ويكثر فوائده فمن ههنا قيل عدو عاقل خير من صديق جاهل.
أبو منصور اليزدي
محمد بن ناصر بن محمد بن أحمد بن هارون الصائغ الصراف أبو منصور من أهل يزد، قدم بغداذ وهو في سن الشبيبة وأقام بها مدة يسمع ويكتب وينتخب ويعلق، وكان خطه حسنا وله معرفة بالحديث والأدب ويقول الشعر، قرأ القرآن على أبي منصور محمد بن أحمد بن عبد الرزاق الخياط وتفقه بالمدرسة النظامية على أبي سعد المتولي وسمع الكثير من أبي الحسن بن العلاف وأبي القاسم بن بيان وأبي علي بن نبهان وأمثالهم، قال الحافظ ابن ناصر عنه كان فيه تساهل في الحديث وكان يصحف ومن شعره قوله:
أرى عمرا في كل يوم وليلة يغيض وعيشا فيهما يتنغص
زيادة عمر المرء آفة نقصه فيا عجبا من زائد يتنقـص
صفحة : 628
وقبض عليه علاء الدولة كرشاسب بن علي بن فرامرز وحمله إلى طبس وقتله ودفن في تلك البرية بعد العشرين وخمس مائة.
الوزير علجة
محمد بن ناصر بن منصور بن أحمد بن عبد الله بن عمر أبو الفضائل المعروف بعلجة الأصبهاني، كان من الأعيان قدم بغداذ قديما وتولى بها العمارة قديما ثم ولي الوزارة للخاتون بنت السلطان محمد زوج الإمام المقتفي وأقام ببغداذ إلى حين وفاته وحدث بها فروى عنه أبو بكر بن كامل الخفاف، توفي سنة أربع وخمس مائة ببغداذ.
أبو عبد الله العلوي
محمد بن ناصر بن مهدي بن حمزة أبو عبد الله العلوي الحسني من أهل الري، قدم مع والده إلى بغداذ صغيرا فنشأ بها وقرأ القرآن والأدب على أبي البقاء الأعمى وتميز وعلت مرتبته وناب عن والده في ديوان المجلس ثم رتب صدرا بالمخزن وناظرا ولم يزل على ذلك إلى أن عزل وعزل والده من الغد ونقلا إلى دار الخلافة وتوفي هناك والده سنة سبع عشرة وست مائة وأذن لولده أين شاء في السكن وغير زيه وهيئته وطلب الراحة ورغب في الخمول.
أفضل الدين الخونجي
محمد بن ناماور بن عبد الملك القاضي أفضل الدين الخونجي الشافعي، ولد سنة تسعين وخمس مائة وولي قضاء مصر وأعمالها ودرس بالمدرسة الصالحية وأفتى وصنف ودرس، قال أبو شامة: كان حكيما منطقيا وكان قاضي قضاة مصر، وقال ابن أبي أصيبعة: تميز في العلوم الحكميه وأتقن الأمور الشرعية قوي الاشتغال كثير التحصيل اجتمعت به ووجدته الغاية القصوى في سائر العلوم وقرأت بعض الكتاب من الكليات عليه وشرح الكليات إلى النبض، له مقالة في الحدود والرسوم وكتاب الجمل في المنطق والموجز في المنطق وكتاب كشف الأسرار في المنطق وكتاب أدوار الحميات، توفي خامس شهر رمضان سنة ست وأربعين وست مائة ورثاه العز الضرير الإربلي حسن بن محمد بقصيدة أولها:
قضى أفضل الدنيا فلم يبقى فاضل وماتت بموت الخونجي الفضائل وكان رحمه الله تلحقه غفلة فيما يفكر فيه من المسائل العقلية وله في ذلك حكايات مأثورة عنه منها أن جلس يوما عند السلطان وأدخل يده في رزة هناك ونسي روحه في الفكرة التي هو فيها فنشبت أصبعه في الرزة وقام الجماعة وهو جالس قد عاقته أصبعه عن القيام فظن السلطان أن له شغلا أخره فقال له: أللقاضي حاجة? قال: نعم تفك أصبعي، فأحضر حداد وخلصها، فقال: إنني فكرت في بسط هذا الإيوان بهذه البسط فوجدته يتوفر فيه بساط إذا بسط على ما دار في ذهني، فبسط كما قال لهم ففضل من البسط بساط واحد.
شيخ حلب
محمد بن نبهان الشيخ الصالح الزاهد، كان مقيما ببيت جبرين من بلاد حلب، شاع ذكره بالصلاح واشتهر بالخير وإطعام كل وارد يرد عليه من المأمور والأمير والكبير والصغير ولم يقبل لأحد شيئا، فلما كان الأمير سيف الدين طشتمر بحلب اشترى للزاوية أرضا وألزمه بإيقافها عليها، فبعد جهد شديد حتى وافق على ذلك، ثم إن الأمير سيف الدين طقزتمر لما جاء إلى حلب اشترى له مكانا آخر ووفقه على الزاوية فاتسع الزرق عليه وفاض الخير على أولاده وجماعته ولم نسمع عنه إلا صلاحا وخيرا وبركة وانقطاعا عن الناس وانجماعا وهو كان فقير البلاد الحلبية وشيخها المشار إليه بالصلاح، وجاء الخبر إلى دمشق بوفاته رحمه الله تعالى في شعبان سنة أربع وأربعين وسبع مائة وصلى عليه بالجامع الأموي يوم الجمعة صلاة الغائب، أخبرني القاضي ناصر الدين محمد بن الصاحب شرف الدين يعقوب قال: كان كثير التلاوة، كان له كل يوم ختمة ومن لا يراه لا يحسبه يتلو شيئا.
شرف الدين النصيبي
محمد بن نجام شرف الدين الشيباني النصيبي، أخبرني الشيخ أثير الدين من لفظه قال: كان المذكور مقيما بقوص، وأنشدني مجير الدين اللمطي قال: أنشدنا شرف الدين النصيبي لنفسه:
جبتي الصوف غدا حالهـا ينشد ما يطرب ذا الكيس
بالأمس قد كنت على نعجة واليوم أصبحت على تيس ابن أبي البئر
صفحة : 629
محمد بن نزار بن أبي سعد بن الحسن بن أبي البئر أبو بكر من أهل القرية بالجانب الغربي من بغداذ، قرأ القرآن بالروايات على أبي الفضل أحمد بن محمد بن شنيف وأبي الحسن سعد الله بن نصر بن الدجاجي وأبي السعادات المبارك بن علي بن محمد الخباز وأبي جعفر أحمد بن أحمد بن القاص، وسمع الحديث من أبي بكر أحمد بن المقرب الكرخي وأبي عبد الله منصور بن الموصلي وأبي طالب المبارك بن علي بن خضير الصيرفي وغيرهم، قال ابن النجار: كتبت عنه وكان حسن الأخلاق متوددا، توفي سنة خمس عشرة وست مائة.
العيشوني
محمد بن نسيم بن عبد الله العيشوني بالشين المعجمة أبو عبد الله الخياط، كان والده مولى لأبي الفضل بن عيشون المنجم، سمع أبا الحسن علي بن العلاف وأبا القاسم علي بن أحمد بن بيان وأبا الفضل محمد بن محمد ابن عيشون مولى أبيه وغيرهم، قال محب الدين ابن النجار: كان شيخا لا بأس به، سقط من غرفة في داره فمات في سنة أربع وسبعين وخمس مائة.
محمد بن نصر المروزي، روى عنه أبو داود والنسائي، ذكره ابن حبان في الثقات، وتوفي سنة تسع وثلاثين ومائتين.
الإمام محمد بن نصر المروزي
محمد بن نصر المروزي الإمام أبو عبد الله أحد الأعلام في العلوم والأعمال، قال الحاكم فيه: إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعه، كان أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم، وقال أبو بكر الصيرفي: لو لم يصنف إلا كتاب القسامة لكان من أفقه الناس، قال أبو الفضل محمد بن عبيد الله البلغمي: سمعت الأمير إسماعيل بن أحمد يقول: كنت بسمرقند فجلست يوما للمظالم وجلس أخي إسحاق إلى جنبي إذ دخل أبو عبد الله محمد بن نصر فقمت إجلالا له لعلمه، فلما خرج عاتبني أخي وقال: أنت والي خراسان تقوم لرجل من الرعية، هذا ذهاب السياسة، فبت تلك الليلة متقسم القلب فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بعضدي فقال لي: ثبت ملكك وملك بنيك بإجلالك محمد بن نصر، ثم التفت إلى إسحاق وقال: ذهب ملك إسحاق وملك بنيه باستخفافه بمحمد بن نصر، وكان زوج خنة بخاء معجمة ونون مشددة أخت القاضي يحيى بن أكثم، وتوفي سنة أربع وتسعين ومائتين، وله كتاب رفع اليدين في الصلاة في أربعة مجلدات وكان ابن حزم يعظمه.
القاضي الهروي
محمد بن نصر بن منصور بن سعد القاضي الهروي، كان في بداية أمره وراقا في بعض المدارس فسار إلى بغداذ وتقلب به الزمان واتصل بالخليفة وصار سفيرا بينه وبين الملوك، وكانت له يد في النظم والنثر، مر بقرية فاختفى رئيسها منه فكتب بديها:
أقول لركب عائدين إلى الحمـى إذا ما وقفتم في جوار قبـابـنـا
فأهدوا لفتيان النـدى سـلامـنـا وقصوا عليهم حالنا في ذهابـنـا
لنا جارة قالت لنا كيف حالـكـم وقد ساءها مس الضنى من جنابنا
رأت حولنا غرثى يرومون عندها فضالة زاد من بقايا جـرابـنـا
فقلت لها أما الجـواب فـإنـنـا أناس غلطنا مرة في حسابـنـا
فعدنا وقلنا عـل ثـم ضـرورة ولمنا وأمسكنا عنان عـتـابـنـا
شفينا قلوبا، صلنا عنـد ظـنـنـا بكل تداوينا فلم يشف مـا بـنـا ومن شعره:
أودعكم وأودعكم جنانـي وأنثر دمعتي نثر الجمان
وإني لا أريد لكم فراقـا ولكن هكذا حكم الزمان وتوفي سنة ثماني عشرة وخمس مائة.
ابن القيسراني
صفحة : 630
محمد بن نصر بن صغير بن خالد أبو عبد الله مهذب الدين أو عدة الدين الشاعر المشهور صاحب الديوان المعروف بابن القيسراني حامل لواء الشعر في زمانه، ولد بعكا سنة ثمان وسبعين وأربع مائة ونشأ بقيسرية الساحل فنسب إليها، وسكن دمشق وتولى إدارة الساعات التي على باب الجامع وسكن فيها في دولة تاج الملوك وبعده، وسكن حلب مدة وولي بها خزانة الكتب، وتردد إلى دمشق وبها مات سنة ثمان وأربعين وخمس مائة، وقرأ الأدب على توفيق بن محمد وأتقن الهندسة والحساب والنجوم، وصحب أبا عبد الله ابن الخياط الشاعر وبه تخرج وروى عنه شعره وكان عندي ديوان ابن الخياط وعليه خط ابن القيسراني وقد قرئ عليه ووقفت على ديوانه بخطه من أوله إلى آخره وملكت به نسخة عليها خطه، ودخل بغداذ ومدح صاحب الإنشاء سديد الدولة محمد بن الأنباري، وسمع بحلب من الخطيب أبي طاهر هاشم بن أحمد الحلبي وغيره، وسمع منه الحافظان أبو القاسم ابن عساكر وأبو سعيد سفيان السمعاني، وهو والد موفق الدين خالد وزير نور الدين الشهيد وجاء في أولاده جماعة فضلاء ووزراء وكتاب، وكان هو وابن منير شاعري الشام وجرت بينهما وقائع ونوادر وملح وكان ابن منير يرمى بالتشيع فبلغ ابن القيسراني أنه هجاه فقال:
يا ابن منير هجوت مني حبرا أفاد الورى صوابه
ولم تضيق بذاك صدري فإن لي أسوة الصحـابة وقال في خطيب:
شرح المنبر صدرا بترقيك خطـيبـا
أترى ضم خطيبـا أم ترى ضمخ طيبا قال ابن خلكان: هما لأبي القاسم زيد بن أبي الفتح أحمد بن عبيد بن فضال الموازيني المعروف أبوه بالماهر ولكن ابن القيسراني أنشدهما لابن هاشم الخطيب لما تولى الخطابة، وقال:
وقالوا: لاح عارضـه ومـا ولـت ولايتـه
فقلت: عذار من أهوى أمـارتـه إمـارتـه ونقلت من خطه له وهو لطيف:
أهيم إلى العذاب من ريقه إذا تيم العاشقين العـذيب
شهدت عليه ومـا ذقـتـه يقينا ولكن من الغيب غيب ونقلت منه أيضا له:
ولما دنا التوديع قلـت لـصـاحـبـي حنانيك سربي عن ملاحظة السـرب
إذا كانت الأحداق نوعا من الـظـبـى فلا شك أن اللحظ ضرب من الضرب ونقلت منه أيضا له:
كم ليلة بت من كأسي وريقته نشوان أمزج سلسالا بسلسال
وبات لا تحتمي مني مراشفه كأنما ثغره ثغـر بـلا وال ونقلت منه له أيضا:
اسعد بغراء عروضـية ميزانها في الشعر طيار
وإن تكن جاءت بديهـية فربما أسكر مسـطـار ونقلت منه له أيضا:
بدور حجي يرفض سيوف نورها الدجى وينجاب منها عن شـمـائل أنـجـاب
تهز الوغى منـكـم سـيوف صـوارم وتجلو العلى منكم شـمـائل كـتـاب ونقلت منه له أيضا:
استشعر اليأس في لا، ثم تطمعني إشارة في اعتناق اللام بالألـف ومن أنشأ مهذب الدين ابن القيسراني رسالة صورة منام تعرف بظلامة الخالدي صنفها في حق واعظ كان يمدح الناس بأشعار أبي تمام الطائي، وهي: إني مخبركم عن سرى سريتها، ورؤيا رأيتها، ومنام حضرته، وكلام حفظته فيه فحصرته، طال به الليل عن تجانف قصره، ومال به القول عن مواقف حصره، فبت في غماره عائما، وقد تعتري الأحلام من كان نائما، ومن حق تأويله أن يقال: خيرا رأيت وخيرا يكون، وهو أني رأيت في ما يرى الحالم الرائي، أبا تمام حبيب بن أوس الطائي، في صورة رجل كهل، كاس من الفضل عار من الجهل، العربية تعرب عن شمائله، والألمعية تلمع في مخايله، فجعل يرمقني في اعتراض، ويستنطقني من غير اعتراض، ثم سعى إلي بإقدام علي فعرفني بنفسه، بعد أن عرفني بثاقب حدسيه،
فقمت للزور مرتاعا وأرقنـي حقا أرى شخصه أم عادني حلم
صفحة : 631
فلما سلم علي وحيا، حاورت منه كريم المحيا، فقال: ألست ابن نصر، شاعر العصر? فقلت: نعم، فغار ماء وجهه ونضب، وأثار كامن حقده علي الغضب، وقال: يا معشر الأدباء، والفضلاء الألباء، متى أهملت بينكم الحقوق، وحدث فيكم هذا العقوق، وأضيعت عندكم حرمة السلف، وخلف فيكم هذا الخلف، أأنهب وتغضون، ويغار علي وترتضون، ألست أول من شرع لكم البديع، وأنبع لكم عيون التقسيم والترصيع، وعلمكم شن الغارات، على ما سن من عجائب الاستعارات، وأراكم دون الناس، غرائب أنواع الجناس، فكل شاعر بعدي وإن أغرب، وزين أبكار أفكاره فأعرب، فلا بد له من الاعتراف بأساليبي، والاغتراف من منابع قليبي، وهذا حق لي على من بعدي، لا يسقطه موتي ولا بعدي،
ومن الحزامة لو تكون حزامة أن لا تؤخر من به تتـقـدم فلما ملكتني سورة دعواه، وحركتني فورة شكواه، قلت: أيها الشيخ الأجل سلبت المهل، وألبست الخجل، فما ذاك، ومن ذاك? قال: كنت بحضرة القدس، ومستقر الأنس، إذ جاءني عبدان، لم يكن لي بهما يدان، فأزلفاني إلى مقر الخلفاء، ووقفاني بين يدي الأئمة الأكفاء، وإذا لديهم جماعة الوزراء والقضاة، ومن كنت أمتدحهم أيام الحياة، فأومأوا بالدعوى علي إلى ابن أبي داود، وكان علي شديد الاتقاد، سديد سهام الأحقاد، فحكم علي برد صلاتي، والفدية بجميع صومي وصلاتي، فقلت قول المدل الواثق، عائدا بالمأمون والمعتصم والواثق: يا أمراء المؤمنين ما هذه المؤاخذة بعد الرضى، وقد مضى لي من خدمتكم ما مضى? فقال المأمون، وصمت الباقون: يا ابن أوس إنك مدحتنا والناس بأشعار منحولة، وقصائد مقولة منقولة، وكلام مختلق، سرقته من قائله قبل أن يخلق، فلما آن أوانه، واتسق زمانه، استرد ودائعه منك، وهو غير راض عنك، فقلت: ومن ذا الذي أعدمني بعد الوجود، وأعاضني المعدوم بالموجود، وملك علي فني وأصبح أحق به مني? فقال: كأنك لا تعرف الواعظ الموصلي الولاد، الحوصلي البلاد، الغريب العمة، القريب الهمة، البعبعي الإيراد، الودعي الإنشاد،
كأنما بين خياشـيمـه مفكر يضرب بالطبل الذي انتزعك مدائحه، وارتجعك منائحه، واستلبك قلائده، واحتلبك قصائده، بعدما كنت تغير أسماءها، وتحلي بغير نجومها سماءها، فأصبح يتقرب إلى ملوك عصره بما كنت تدعيه، ويعي منه ما لم تكن تعيه، نازعا عن وجوهها سواتر النقب، واضعا هناءها مواضع النقب، قد جعل إليه عقدها وحلها، وكان أحق بها وأهلها، فقلت: خاب الساعون، وإنا لله وإنا إليه راجعون، قد كان عهدي بهذا الرجل فارضا، فمتى صار قارضا، وأعرفه يتستر بالحشوية، فمتى ارتبك بين البديهة والروية، وكان ذا طبع جافي، عن التعرض لنظم القوافي، وقد كان أخرج من الموصل، وليس معه قران يوصل، فاشتغل بترهات القصاص، نصبا على ذوات الأعين من وراء الخصاص،
وعاش يظن نثر الإفك وعظا وينصب تحت ما نثر الشباكا وأين منابذة الوعاظ، من جهابذة الألفاظ، بل أين أشعار الكراسي، من قولي ما في وقوعك ساعة من باس، والعبد يسأل الإقراء عنه، ليتلطف في ارتجاع ما انتزع منه، فقال: اذهب وأتني بيقين، أدفع به عنك بوادر الظنون، وشاور في النصرة وانتصح، واستعين بقومك وصح،
يا آل جلهمة بدارك إنما أشفار عينك ذابل ومهند وقد بدأت من قومي ببني جراح، فآتيهم شاكين بالسلاح، جادين في إلحاق الجلنبك، بصاحب الشوبك، وقد بدأوا من قتله، بكسر رجله،
وكنت إذا قومي غزوني غزوتهم فهل أنا في ذا آل همدان ظالـم
صفحة : 632
فقلت: خفض عليك من الكلام، يرحمك الله أبا تمام، الخطب أيسر، والخصم أعسر، أما علمت أن هذا الرجل، قد أسند ظهره إلى أمنع معقل، وأحصن موئل، وأرحب دار، وأحوط جدار، وأثقب نار، وأعلى منار، وأحرز حرم، وأعز ذمم، وأنه قد حط رحله من المكان الأمنع، وأثبت رجله بالعنان الأرفع، من مجلس سيدنا الوزير الرئيس ولي الدين معين الدولة كريم الملك ثقة الحضرة ذي الرياستين أبي الفضل، فقال: اسمع ما لا يدفع إذا كان الأمر على ما ذكرت، ووقع اعترافي بما أنكرت، فلم وقع هذا الذنب على تحتي، وكيف لم يستلن ملابس تختي، ولم خصني بإذالة مصوني، وحصني بتحيف غصوني، وهلا تصدى بالنهب، لمدائح ابني وهب، وهما غماما الزمن الجديب، وهماما اليوم العصيب، وما هذا الانفراد ببناتي، والحصاد لناضر نباتي، والانقضاض على قصائدي، والاقتناص من حبائل مصائدي،
سرقات مني خصوصا فهلا من عدو أو صاحب أو جار ولم لا عدل عن شومي، إلى شعر ابن الرومي، وهلا كان يجتري، بمثل هذا على البحتري، وكيف آثر قربي، على القرب من المتنبي، وليته قنع ورضي، بشعر الشريف الرضي، أو يستدرك ما فاته، من ديوان ابن نباته، أو انتحل الاختيار، من أشعار مهيار، إلى مثل هؤلاء الفضلاء أيوجب علي الزكاة وليس في الشعر نصاب، ويقرب علي أمر الزكاة. . . اعتصاب،
وإن أتصدق به حسبة فإن المساكين أولى به فقلت: إن هذا الرجل لم يكن للقريض بلص، ولكنه قريب عهد بحمص، وكان أقام بها جامح العنان، طامح السنان، لو أضاف قلادة الجوزاء إليه، لم يجد من ينكر عليه، فهو يقول ما شا، من غير أن يتحاشى،
لأنهم أهل حمص لا عقول لهم بهائم أفرغوا في قالب الناس ولم يزل كذلك حتى انتدب له من سراة جندها من بحث عنه ونقب، فخرج منها خائفا يترقب، فلما ورد دمشق، رمى في أغراضها بذلك الرشق،
وقد يستوي المصران حمص وجلق ولا حصن جيرون بها والقنيحـك فكانت عادة حمص تخدعه، وسادة دمشق تردعه، حتى كوشف، وقوشف، ورجع به القهقري، ودفع في صدره من ورا، وقيل له: أين يذهب بك، وما هذه الشقشقة في غببك، إلى مجلس هذا الشريف قهره، المنيف صدره، العالي ذكره، الغالي شكره، تشمرج لبائس الأيام، وتبرز عوانس الكلام، وتطري من القوافي ما خلق ورث، وتوري منها ما أنهكه العث، ولم يزل يضطره كثرة التوبيخ، وقلة الناصر والصريخ، إلى أن أشهد على نفسه منذ ليال، بالبراءة من أناشيده الخوالي والتوالي، وأذعن بالإقرار، بما دافعت عنه يد الإنكار،
ومذهب ما زال مستقبـحـا في الحرب ان يقتل مستسلم وأزيدك فيما أفيدك أن هذا الرجل من الانحراف عن شعرك على شفا، وكأنك به عنك قد انكفا، لعلمه أن أخلق منه ما جدد، وإلى متى هذا الكعك المردد، وقد كان طالبني منذ أيام بإعارة شعر ابن المعتز، مطالبة مضطر إليه ملتز، وقد استرحت من شره وضيره، والسعيد من كفي بغيره،
رب أمر أتاك لا تحمد الفع ال فيه وتحمد الأفـعـالا
صفحة : 633
فقال: إن كان الأمر على ما شرحت، فقد أشرت بالرأي ونصحت، ولكن متى إنجاز هذا الوعد، والحلف منوط بخلق هذا الوغد، فإنه يقول ويحول، وأنت تعرف ما يلي فردوه إلى الله والرسول، ولو أمكن إقامة هذا الأمر المنآد، بحضرة ابن أبي دواد، لبرئت عند الجمهور ساحتي، وعدت من رحمة الله إلى مستقر باحتي، ولكن دون الوصول إلى الحاكم عقبة كؤود، ولا حاجة لنا إلى الاضطرار بالشهود، وإذ قد ضمنت عنه ما ضمنت، وأمنت علي منه ما أمنت، فلي حاجة إليك، وما أريد أن أشق عليك، وهو أن تعدل بنا في القضية، إلى الحال المرضية، وتفضل علي، وتسديها يدا إلي، وتسفر لي في إنشاد أبيات مدحت بها هذا الرئيس قلتها خدمة له وقربة إليه، لعلمي بنفاق الأدب عنده وعليه، فإذا هززته بها هز الحسام، وانثالت عليك مواطر أياديه الجسام، اقترح عليه، أحسن الله إليه، أن تكون الجائزة خروج الأمر العالي بإحضار الخصم، إلى مجلس الحكم، وأن يوكل به من أجلاد المساخرة، من يسيره معي إلى الدار الآخرة، لأبرأ بإقراره لي عند قاضي القضاة، بما شهدت به هذه المقاضاة، وليسلم عند الخلفاء الراشدين عرضي، ويحسن على الله تعالى عرضي، ومن عاد فينتقم الله منه والله عزيز ذو انتقام، فضمنت له عن سيدنا ما اشتهى، وانتهيت من اقتراحه إلى حيث انتهى، ولم يزل يكرر علي أبياته حتى وعيتها، ورب سائل ما هي، وقائل ها هي:
يا معمل اليعملات في طعنـه سرى وسيرا مخالفي قـرنـه
يجوز جوز الفلا بـه أمـلـي جافي جفون الوسنان عن وسنه
لا يمتطي ساكن المـطـي ولا يبيت طيف الخيال من سكنـه
إذا استنان السـراب خـادعـه عاد بفيض الندى على سننـه
وإن أجن الظلام مـقـلـتـه أمسى صباح النجاح من جننه
يبيت عرف الكـرام فـي يده ينشيه عرف الجنان في أذنـه
إن باعدتـه الأرزاق قـربـه جود ابن عبد الرزاق من مننه
قف بمحل العلا وقل يا كـري م الملك قول البليغ في لسنـه
يا مشتري الفاخر النفيس من ال حمد بأغلى العطاء من ثمنـه
عمرت ربع الـنـدى لـرائده بعد وقوف الرجاء في دمنـه
ثنى لسان الثناء نـحـوك مـا أحييت من فرضه ومن سننـه
خلقا وخلقا تقسـمـا فـكـري ما بين إحسانه إلى حـسـنـه
عد مـعـد الـنـدى لـوارده لا يحوج المستقي إلى شطنـه
فرع سماء تبيت أنـجـمـهـا تلوح لوح الثمار في غصنـه
إذا اجتنته أيدي العـفـاة رأت أقرب من ظله إلى فـنـنـه
ينافس الوشي في جـلالـتـه منه ثياب التقي علـى بـدنـه
يرى بعيني قـلـب لـه يقـظ مستقبل الكائنات من زمـنـه
أروعـه نـدبـه مـهـذبـه ثاقبه ألـمـعـيه فـطـنـه
مقتبل الوالـدين بـورك فـي ميلاده والصريح من لـبـنـه
فاجتلها ذا الرياسـتـين فـقـد أفصح فيها القريض عن لقنه
واستغن من لـبـه بـغـانـية تميل عن لهـوه وعـن ددنـه
والبس لباس الثناء مقـتـبـلا تسحب من ذيله ومـن ردنـه
برد علا ليس من مـعـادنـه صناع صنعـائه ولا عـدنـه
يأنف أن ينتمي إلـى يمـن ال أرض وإن كان من ذرى يمنه ومن شعره البديع قوله:
هذا الذي سلب العشاق نومهـم أما ترى عينه ملأى من الوسن وكان كثير الإعجاب بقوله:
وأهوى الذي أهوى له البدر ساجدا ألست ترى في وجهه أثر الترب حضر مرة سماعا وكان المغني حسن الصوت فلما أطرب الجماعة قال:
والله لو أنصف العشاق أنفـسـهـم أعطوك ما ادخروا منها وما صانوا
ما أنت حين تغني في مجالسـهـم إلا نسيم الصبا والقـوم أغـصـان ومن شعره:
نزلنا على القصب السكري نزول رجال يريدون نهبه
صفحة : 634
بحز كحز رقاب الـعـدى ومص كمص شفاه الأحبة ابن عنين
محمد بن نصر الله بن مكارم بن الحسين بن عنين الأديب الرئيس شرف الدين أبو المحاسن الكوفي الأصل الزرعي المنشإ الدمشقي الشاعر صاحب الديوان المشهور، ولد بدمشق سنة تسع وأربعين وخمس مائة، وسمع من الحافظ أبي القاسم بن عساكر، لم يكن في عصره آخر مثله، طوف وجال في العراق وخراسان وما وراء النهر والهند ومصر في التجارة، ومدح الملوك والوزراء وهجا الصدور والكبراء، وكان غزير المادة قيل إنه كان يستحضر غالب الجمهرة، هجا جماعة من رؤساء دمشق في قصيدة سماها مقراض الأعراض فنفاه السلطان صلاح الدين على ذلك فقال:
فعلام أبعـدتـم أخـا ثـقة ما خانكم يوما ولا سرقـا
انفوا المؤذن من بـلادكـم إن كان ينفى كل من صدقا ومن شعره مفرق في تراجم هذا الكتاب في من هجاه أو مدحه أو جاراه، دخل اليمن ومدح صاحبها أخا صلاح الدين سيف الإسلام طغتكين وقدم مصر وقدم إربل رسولا من جهة المعظم وولي الوزارة آخر دولة المعظم ومدة سلطنة ولده الناصر بدمشق، ولما ولي العادل أخو صلاح الدين مدحه واستأذنه في الوصول إلى دمشق واستعطفه، وهي مشهورة ذكرتها في ترجمة العادل، فأذن له فجاء إليها وقال:
هجوت الأكابر فـي جـلـق ورعت الرفيع بسب الوضيع
وأخرجت منها ولـكـنـنـي رجعت على رغم أنف الجميع واشتغل بطرف من الفقه على القطب النيسابوري والكمال الشهرزوري، وقرأ الأدب على أبي الثناء محمود بن رسلان، وسمع ببغداذ من منوجهر ابن تركانشاه راوي المقامات، ولما ولي كان محمود الولاية كثير النصفة مكفوف اليد عن أموال الناس مع عظم الهيبة إلا أنه ظهر منه في الآخر سوء اعتقاد وطعن على السلف واستهتار بالشرع وكثر عسفه وظلمه وترك الصلاة وسب الأنبياء ولم يزل يتناول الخمر إلى قبل وفاته، وله ترجمة في تاريخ ابن النجار، توفي سنة ثلاثين تقريبا، كتب إلى أخيه من الهند مضمنا قول المعري:
سامحت كتبك في القطيعة عالما إن الصحيفة اعوزت من حامل
وعذرت طيفك في الجفاء فإنه يسري فيصبح دوننا بمراحـل يقال إن المعظم أحضره والشعراء يوما فقال لهم: لا بد أن تهجوني قدامي، فقالوا: الله الله يا خوند فألح عليهم فتقدم ابن عنين وقال:
نحن قوم ما ذكرنا لامـرئ قط إلا واشتهى أن لا يرانا فقال المعظم: صدقت، فقال ابن عنين: شعرنا مثل الخرا فقال المعظم: صدقت، فقال ابن عنين:
ذقت الخرا? فقال المعظم: قبحك الله فقال ابن عنين:
صفع الله به أصل لحانا وكتب إليه أخوه وهو بالهند يذكره أيام الصبى ويصف له دمشق وطيبها ليستميله إليها فأجاب:
يا سيدي وأخي لـقـد ذكـرتـنـي عهد الصبى ووعظتني ونصحت لي
أذكرتني وادي دمشـق وظـلـه ال ضافي على الصافي البرود السلسل
ووصفت لي زمن الربيع وقـد بـدا هرم الزمان إلى شباب مـقـبـل
وتجاوب الأطيار فيه فـمـطـرب يلهي الشجي ونائح يشجي الخلـي
يغني النديم عن القـيان غـنـاؤهـا فالعندليب بها رسـيل الـبـلـبـل
وكأنما أخذت عـن ابـن مـقـلـد قول المسرح في الـثـقـيل الأول
ومدامة من صـيدنـايا نـشـرهـا من عنبر وقميصها مـن صـنـدل
مسكية النفحات يشرف أصـلـهـا عن بابل ويجل عـن قـطـربـل
وتقول: أهل دمشق أكرم معـشـر وأجله ودمشق أفـضـل مـنـزل
وصدقت إن دمشق جـنة هـذه ال دنيا ولكـن الـجـحـيم ألـذ لـي
لا الدائص الحلبي ينفـذ حـكـمـه فيها علي ولا العواني الموصـلـي وقال:
لم يبق لي غير أن أموت كما قد مات قبلي مني إلـى آدم
كل إلى الله صائر وعـلـى ما قدم المرء قبـلـه قـادم
يدرك ما قدمت يداه كـمـا قيل فإما جـذلان أو نـادم
فيا لها حسـرة مـخـلـدة إذا تساوى المخدوم والخادم ومات لابن عنين حمار بالموصل فقال يرثيه:
صفحة : 635
ليل بأول يوم الـحـشـر مـتـصـل ومقلة أبـدا إنـسـانـهـا خـضـل
وهـل ألام وقـد لاقــيت داهـــية ينهد لو حملته بعـضـهـا الـجـبـل
ثوى المتل الذي قـد كـنـت آمـلـه عونـا وخـيب فـيه ذلـك الأمــل
لا تبعدن تـربة ضـمـت شـمـائلـه ولا عدا جانبيها العارض الـهـطـل
لقد حوت غير مكـسـال ولا رعـش إن قيد القود من دون السرى الكـسـل
قد كان لو سابقتـه الـريح غـادرهـا كأن اخمصها بالشـوك مـنـتـعـل
لا غامزا عند حمل الـمـثـقـلات ولا يمشي الهوينى كما يمشي الوجى الوجل
مكمل الخلق رحب الصدر منتـفـخ ال جنبين لا ضامـر طـاو ولا سـغـل
يطوي على ظمإ خمسـا أضـالـعـه في كوكب القيظ والرمضاء تشتـعـل
ويقطع المقفرات الـمـوحـشـات إذا عن قطعها كلت المـهـرية الـبـزل
ففي الأباطـح هـيق راعـه قـنـص وفي الجبال المنيفـات الـذرى وعـل
لو كان يفدى بمال ما ضـنـنـت بـه ولم تـصـن دونـه خـيل ولا خـول
لكـنـهـا خـطة لا بـد يبـلـغـهـا هذا الورى كل مخـلـوق لـه أجـل
وإن لـي بـنـظـام الـدين تـعـزية عنه وفي النـجـل عـن آبـائه بـدل ومن شعر شرف الدين ابن عنين يمدح العزيز سيف الإسلام صاحب اليمن:
حنـين إلـى الأوطـان لـيس يزول وقلب عن الأشـواق لـيس يحـول
أبيت وأسراب النـجـوم كـأنـهـا قفول تهـادى إثـرهـن قـفـول
أراقبها في الأثر من كل مـطـلـع كأني برعي الـسـائرات كـفـيل
فيا لك من ليل نأى عنه صـبـحـه فلـيس لـه فـجـر إلــيه يؤول
أما لعقود النـجـم فـيه تـصـرم أما لخضاب الفجر فـيه نـصـول
كأن الـثـريا غـرة وهـو أدهـم له من وميض الشعريين حـجـول
ألا ليت شعـري هـل أبـين لـيلة وظلك يا مقرى عـلـي ظـلـيل
وهل أريني بعدما شطـت الـنـوى ولي في ربي روض هناك مقـيل
دمشق فبي شوق إلـيهـا مـبـرح وإن لام واش أو ألـح عـــذول
بلاد بها الحصبـاء در وتـربـهـا عبير وأنفاس الشـمـول شـمـول
تسلسل فيها ماؤها وهو مـطـلـق وصح نسيم الروض وهو عـلـيل
فيا حبذا الروض الذي دون عـزتـا سحيرا إذا هبـت عـلـيه قـبـول
ويا حبذا الوادي إذا مـا تـدفـقـت جداول بـانـاس إلـيه تـســيل
في كبدي مـن قـاسـيون حـزازة تزول رواســيه ولـــيس يزول
إذا لاح برق من سنير تـدافـقـت لسحب جفوني في الخـدود سـيول
فلله أيامي وغصن الصبـى بـهـا وريق وإذ وجه الزمـان صـقـيل
هي الغرض الأقصى وإن لم يكن بها صديق ولم يصف الـوداد خـلـيل
وكم قائل في الأرض للحر مذهـب إذا جار دهر واستـحـال مـلـول
وهل نافعي أن الـمـياه سـوافـح عذاب ولم ينقـع بـهـن غـلـيل
فقدت الصبي والأهل والدار والهوى فللـه صـبـري إنـه لـجـمـيل
ووالله ما فارقـتـهـا عـن مـلالة سواي عن العهـد الـقـديم يحـول
ولكن أبت أن تحمل الضيم همـتـي ونفس لها فوق السمـاك حـلـول
فإن الفتى يلقي المنـايا مـكـرمـا ويكره طول العمـر وهـو ذلـيل
تعاف الورود الحائمـات مـع الأذى وللقيظ في أكـبـادهـن صـلـيل
كذلك ألقى ابن الأشـج بـنـفـسـه ولم يرض عمرا في الإسار يطـول
سألثم إن وافيتـهـا ذلـك الـثـرى وهيهات حالـت دون ذاك حـؤول
وملتطـم الأمـواج جـون كـأنـه دجى الليل نائي الشاطئين مـهـول
يعاندني صرف الزمـان كـأنـمـا علي لأحـداث الـزمـان ذحـول
صفحة : 636
على أنني والحمد لـلـه لـم أزل أصول على أحـداثـه وأطـول
وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ورأي ظهير الدين في جـمـيل
من القوم أما أحنف فمـسـفـه لديه وأمـا حـاتـم فـبـخـيل
فتى الجد أما جاره فـمـمـنـع عزيز وأمـا ضـده فـذلــيل وقال في نوبة دمياط:
سلوا صهوات الخيل يوم الوغى عـنـا إذا جهلت آياتنا والـقـنـا الـلـدنـا
غداة لقينـا دون دمـياط جـحـفـلا من الروم لا يحصى يقينا ولا ظـنـا
قد اتـفـقـوا رأيا وعـزمـا وهـمة ودينا وإن كانوا قد اختلفـوا لـسـنـا
تداعوا بأنصار الصليب فـأقـبـلـت جموع كأن الموج كان لهم سـفـنـا
عليهم من الـمـاذي كـل مـفـاضة دلاص كقرن الشمس قد أحكمت وضنا
وأطمعهم فينـا غـرور فـأرقـلـوا إلينا سراعا بـالـجـياد وأرقـلـنـا
فما برحت سمر الرماح تـنـوشـهـم بأطرافها حتى استجاروا بـنـا مـنـا
سقيناهم كأسا نفت عنـهـم الـكـرى وكيف ينام الليل مـن عـدم الأمـنـا أبو العز التغلبي
محمد بن نصر بن جامع بن المظفر بن ناصر الدولة أبي محمد الحسن بن الحسين بن عبد الله بن حمدان بن حمدون أبو العز التغلبي من أولاد الملوك، روى عن أبي علي بن الحسين بن الشبل الشاعر شيئا من شعره وروى عن غيره أيضا، وروى عنه أبو الحسين المبارك ابن الطيوري وأبو طاهر السلفي في معجم شيوخه وقال: سمع الحديث ببغداذ والبصرة، ولد في سنة ثمان وثلاثين وأربع مائة.
أبو بكر الصوفي
محمد بن نصر بن جعفر بن الحسين الصوفي من أهل روبا قرية بين بغداذ ودير العاقول، روى عن أبي بكر الشبلي ومحمد بن حامد العناي، وروى عنه أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد الله الهاشمي وأبو سعد أحمد بن محمد الماليني وأبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري.
ابن البصري
محمد بن نصر بن الحسن أبو سعد المعروف بابن البصري، حدث باليسير عن أبي قاسم عبد الملك بن محمد بن عبد الله بن بشران، وسمع منه شجاع ابن فارس الذهلي وأبو غالب بن عبد الواحد القزاز وروى عنه أبو نصر هبة الله وأبو السعود أحمد، وتوفي سنة خمس وستين وأربع مائة، وكان شيخا كبيرا كثير الصدقة.
محمد بن نصر بن عبد الرحمن بن محفوظ بن أحمد بن الحسين الشرف أبو عبد الله القرشي الدمشقي، حدث وكان فاضلا أديبا شاعرا منقطعا عن الناس صالحا، توفي سنة خمس وثلاثين وست مائة، ومن شعره. . .
تاج الدين بن صلايا
محمد بن نصر بن صلايا بن يحيى الصاحب تاج الدين أبو المكارم ابن صلايا الهاشمي العلوي نائب إربل الشيعي، كان نائب الخليفة بإربل وكان من رجالات العالم رأيا وعقلا وحزما وصرامة، وكان سمحا جوادا كانت صدقاته وهباته تبلغ في السنة ثلاثين ألف دينار، وكان بينه وبين لولو صاحب الموصل منافسة فلما أحضرهما هولاكو قال لولو: هذا شريف ونفسه تحدثه بالخلافة ولو قام تبع الناس أمره، فقتله هولاكو بقرب توريز سنة ست وخمسين وست مائة، وكان عنده أدب وله نظم وكان يشدد العقوبة على شارب الخمر بأن يقلع أضراسه وكان قد دارى التتار حتى إنهم إذا دخلوا إربل ألقوا الخمور التي معهم رعاية له، كتب إليه عميد الدين ابن عباس الحنبلي وكان ناظر الأعمال المجاورة لإربل وبينهما مودة عظيمة:
سلام كأنفاس النسـيم إذا سـرى سحيرا ورياها له عطر شمـأل
تزر على الرائين أزرار ضوعـه فأرج منه العرف أرجاء إربـل
على العلوي الفاطمي محمـد ب ن نصر بن يحيى المنعم المتفضل
شأى الناس تاج الدين حسن مناقب يفوق بها فخرا على غيره علـي
أوالي علاه في التغالي تشـيعـا وإن كنت عند الناس أحسن حنبلي فأجابه تاج الدين بقوله:
أتاني كتـاب مـن كـريم أوده وكان كنشر المسك شيب بمندل
ووافى مثال منه خلت كـأنـه كلام الأديب الفارسي أبي علي
فقابلت منه مسك ريا ختـامـه فيا مرسلا قد جاء خير مرسل
صفحة : 637
وغير بديع أن بعثتـم أمـينـكـم إلي بوحي البر ضمن التفضـل
لقد زدت في الحسنى وطبت منابتا وحزت من العلياء أشرف منزل
وحقك إني لست أخشى تشـيعـا عليك ولكن سوف أدعي بحنبلي
فإن نفترق في مذهبين فـإنـنـا سيجمعنا صدق المحبة في علي ابن مبشر الحاسب
محمد بن نصر بن محمد بن مبشر أبو بكر الحاسب، كان يتوكل للأمير أبي نصر ابن الإمام قديما وكان فاضلا في معرفة الحساب والهندسة وله في ذلك يد باسطة، قرأ عليه جماعة وتخرجوا به، قال محب الدين ابن النجار: كان كيسا حسن الهيئة جميل الأخلاق، حدث بشيء يسير عن أبي العلاء بن عقيل البصري، كتبت عنه، توفي سنة ثماني عشرة وست مائة ودفن بمقابر قريش من بغداذ.
الواعظ الغزنوي
محمد بن نصر بن محمد بن المؤيد أبو بكر بن أبي الفتوح الحدادي الواعظ من أهل غزنة، قدم بغداذ مع والده لما قدم رسولا من السلطان شهاب الدين محمد بن سام ملك الهند وغزنة وأقام مدة وسمع الحديث من جماعة وحصل الأصول، قال محب الدين ابن النجار: وكان شابا حسنا وفقيها متأدبا حسن الأخلاق متوددا، علقت عنه حديثا أو حديثين في المذاكرة وأظنه كان ابن ثلاثين سنة أو نحوها.
أبو عبد الله المقرئ الهمذاني
محمد بن أبي نصر بن أبي علي جيل أمير بن أبي نصر بن أبي يعلى أبو عبد الله المقرئ من أهل همذان، قرأ القرآن بالروايات الكثيرة وأفنى عمره في ذلك، وأقام بواسط مدة يقرأ على أبي بكر بن الباقلاني وغيره، وقدم بغداذ واستوطنها وقرأ بها كثيرا من كتب القراءات وحصل نسخها وسمع الحديث من جماعة من المتأخرين كأبي الفتح بن شاتيل وأبي السعادات بن زريق وأبوي القاسم ذاكر بن كامل ويحيى بن بوش وأبي الفرج ابن كليب وغيرهم، قال محب الدين ابن النجار: وسمع معنا ولم يتفق لي أن أكتب عنه وقد روى كثيرا من القراءات ومن المصنفات فيها وحدث باليسير، وكان إماما بتربة الجهة السلجوقية بالجانب الغربي من بغداذ، وتوفي سنة ست وعشرين وست مائة.
الحارثي العابد
محمد بن النضر الحارثي الكوفي العابد، كان من الأولياء، توفي سنة خمسين ومائة أو دونها، كان إذا ذكر الموت اضطربت مفاصله، وقيل وفاته سنة ثمانين أو ما دونها.
ابن الأخرم المقرئ
محمد بن النضر بن مر بن الحر الربعي المقرئ المعروف بابن الأخرم من أهل دمشق، كان أحد الأئمة في علم القراءات والتفسير والعربية، قرأ القرآن على أبي عبد الله هارون بن موسى بن شريك الأخفش، وقرأ عليه أبو الحسن الداراني وأبو بكر السلمي ورويا عنه، وقدم بغداذ أيام أبي بكر ابن مجاهد وأمر ابن مجاهد أصحابه فقرأوا عليه، وكان متواضعا حسن الخلق منبسطا، يعين من يقرأ عليه بالإشارة بيده وفيه مرة إلى الضم ومرة إلى الفتح ومرة إلى الكسر ومرة إلى الأدغام ومرة إلى الإظهار بإشارات عرفت منه وفهمت عنه، وتوفي سنة اثنتين وأربعين وثلاث مائة وكان يوما صائفا فصعدت غمامة على جنازته من المصلى إلى قبره.
قاضي مصر
محمد بن النعمان بن محمد بن منصور أبو عبد الله المعزي قاضي مصر وابن قاضيها وأخو قاضيها لبني عبيد، ارتفعت رتبته حتى أقعده العزيز معه على المنبر يوم عيد النحر سنة خمس وثمانين، وهو الذي غسل العزيز لما مات، وازدادت عظمته عند الحاكم، ثم إنه تعلل ولازمه النقرس والقولنج ومات في سنة تسع وثمانين وثلاث ماتئة، وولي بعده ابن أخيه الحسين بن علي بن النعمان ثم إنه عزل وضربت رقبته وأحرق، وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف الحاء.
ابن حطيط
محمد بن النعمان بن عبد السلام بن حبيب بن حطيط بالحاء المهملة المضمومة وطائين مهملتين وبينهما ياء آخر الحروف ساكنة الأصبهاني وشيخها وابن شيخها، توفي سنة خمسين ومائتين تقريبا.
أبو نصر الأنباري
محمد بن النفيس بن علي بن محمد بن محمد بن الخطيب الأنباري أبو نصر من أهل الأنبار من بيت الخطابة والعدالة والحديث والرواية، قال ابن النجار: وهو عم شيخنا عبد الله وصالح ابني علي بن النفيس، حدث بالأنبار عن عمه أبي نصر يحيى بن علي، سمع منه يوسف بن أحمد بن إبراهيم الكاتب الشيرازي واسفندار بن الموفق البوشنجي.
أبو الفتح الصوفي
صفحة : 638
محمد بن النفيس بن محمد بن عطاء أبو الفتح ابن أبي المعالي الصوفي برباط المأمونية، سمع أبا الوقت عبد الأول بن عيسى بن شعيب الصوفي وأبا بكر سلامة بن أحمد بن الصدر وغيرهما وحدث بصحيح البخاري عن أبي الوقت، وكان شيخا صالحا متدينا حسن الطريقة مشتغلا بما يعنيه، توفي سنة خمس وعشرين وست مائة.
ابن صعوة الحنبلي
محمد بن النفيس بن مسعود بن محمد بن علي الدقاق أبو سعد الفقيه الحنبلي المعروف بابن صعوة من ساكني المأمونية، قرأ القرآن وتفقه على أبي الفتح ابن المني وعلى إبراهيم بن الصقال، وتكلم في مسائل الخلاف وحصل طرفا من الأدب، وسمع الحديث من أبي علي أحمد بن محمد الرحبي وأبي محمد عبد الله بن منصور بن هبة الله الموصلي وأبي الحسن علي بن عساكر البطايحي المقرئ وغيرهم، وحدث باليسير، قال محب الدين ابن النجار: علقت عنه في المذاكرة شيئا من الأسانيد، وكان من الفضلاء طيب الأخلاق لطيف العشرة بساما متحببا إلى الناس مقبول الشكل متوددا، من شعره:
رق يا من قلبـه حـجـر لجفون حشوها سـهـر
ولجسم مـا لـنـاظـره منه إلا الرسـم والأثـر
فغرامي لو تـحـمـلـه صخر رضوى كاد ينفطر
إن لومي في هواك لمـن شر ما يجري به القـدر
يا بديعا جل عـن شـبـه ما يداني حسنك القـمـر
صل ووجه الدهر مقتبـل فزمان الوصل مختصـر
كم رأينا وجنة فـتـكـت فمحا آثارها الـشـعـر قلت: شعر مقبول منسجم، توفي سنة أربع وست مائة ودفن بمقبرة الزرادين من بغداد.
أبو عبد الله الرزاز
محمد بن النفيس بن منجب بن المبارك بن موهوب الرزاز أبو عبد الله من أهل باب الأزج من بغداذ، قرأ القرآن بالروايات وتفقه على إبراهيم بن الصقال وصحبة إلى آخر عمره، وكان يتكلم في مسائل الخلاف، وسمع الحديث الكثير من ابن كليب وابن الجوزي وذاكر بن كامل وابن بوش وغيرهم، وكتب بخطه كثيرا وحصل الأصول وقرأ بنفسه كثيرا وكانت قراءته مبينة مفهومة معربة صحيحة مهذبة، ويكتب خطا مليحا ويضبط صحيحا وله معرفة حسنة بالحديث وأنسة بالعربية، قال محب الدين ابن النجار: سمعت معه وبقراءته كثيرا وسمع أيضا بقراءتي كثيرا واصطحبنا في الطلب وما رأيت في الطلب أميز منه، وكان ثقة ثبتا صدوقا متثبتا ما علمت عليه في الحديث طعنا، وولي النظر على غلات التمور الواصلة من البصرة وواسط، فساءت سيرته وارتكب أمورا شنيعة في ظلم الناس وكثرت الشكاوي عليه وعم جوره فأزيلت يده عن ذلك وترك القضاة قبول شهادته ثم أعيد إلى قبول الشهادة، توفي ستة سبع وعشرين وست مائة.
العجلي صاحب أحمد
محمد بن نوح بن ميمون بن عبد الحميد بن أبي الرجال العجلي صاحب الإمام أحمد يعرف والده بالمضروب، كان محمد عالما زاهدا ورعا مشهورا بالسنة والدين والثقة، امتحن بالقول بخلق القرآن فثبت على السنة، حمله المأمون ومعه أحمد بن حنبل إلى الرقة على بعير متزاملين فمرض محمد بن نوح في الطريق، فقال لأحمد: أبا عبد الله الله الله فإنك لست مثلي، إنك رجل يقتدي بك وقد مد هذا الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك فاتق الله واثبت لأمره، فمات بعانة فدفنه الإمام أحمد بها سنة ثماني عشرة ومائتين.
التيمي العامري
محمد بن نوفل التيمي العامري الكوفي من ولد الحارث بن تيم، له قصيدة طويلة يطعن فيها على يحيى بن عمر العلوي عند ظهوره بالكوفة، منها:
عجبت ليحيى الطالبـي وخـبـثـه وتغريره بالنفس عند فنا العـمـر
تمنى بنو بيض الرمـاد سـفـاهة أماني كانت منهم موضع الـسـر
إزالة مـلـك قـدر الـلـه أنــه على ولد العباس وقف مدى الدهر
ووالله ما تنفك بالـرغـم مـنـكـم حكومتهم فيما يجوز إلى الحـشـر
رضينا بملك المستـعـين وهـديه على رغم آناف الروافض والصعر أمير المؤمنين الأمين
صفحة : 639
محمد بن هارون أمير المؤمنين أبو عبد الله الأمين ابن أمير المؤمنين الرشيد ابن المهدي، كان ولي العهد بعد أبيه وكان من أحسن الشباب صورة أبيض طويلا ذا قوة مفرطة وبطش وشجاعة معروفة وفصاحة وأدب وفضل وبلاغة لكن سيء الرأي كثير التبذير أرعن لا يصلح للإمارة ومن قوته يقال إنه قتل أسدا بيديه، قال المسعودي: ولم يل الخلافة إلى وقتنا هذا هاشمي ابن هاشمية سوى الحسن وأبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه والأمين لأنه ابن زبيدة وهي أم جعفر بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور، عاش سبعا وعشرين سنة، وآخر أمره خلع ثم أسر وقتل صبرا في المحرم سنة تسع وتسعين ومائة وطيف برأسه لأنه في سنة خمس وتسعين خلع المأمون أخاه وعقد الولاية لولده موسى وهو طفل، وبلغ ذلك المأمون فتسمى بإمام المؤمنين وكوتب بذلك، وعقد الأمين لعلي بن عيسى بن ماهان على بلاد الجبال وهمذان ونهاوند وقم وأصبهان وأمر له فيما قيل بمائتي ألف دينار وأعطى لجنده مالا عظيما وفرق الأمين على أهل بغداذ ثلاثة آلاف ألف درهم، وشخص علي من بغداذ ومعه قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه وسار معه الأمين إلى النهروان وعرض الجند الذين جهزهم مع ابن ماهان، فلقيه طاهر بن الحسين من قبل المأمون وهو في أقل من أربعة آلاف فارس فقتل ابن ماهان، ولما وصل رأسه إلى المأمون سلم عليه بالخلافة في خراسان، وجاء خبره إلى الأمين فقال للذي أخبره: ويك دعني فإن كوثرا صاد سمكتين وأنا إلى الآن ما صدت شيئا، وقيل إن جيش ابن ماهان كان أربعين ألفا، وندم الأمين على خلع المأمون، وطمع الأمراء فيه وشغبوا جندهم بالطلب من الأمين ثم جهز عبد الرحمن بن جبلة الأنباري أمير الدينور بالعدة والقوة في عشرين ألف فارس، فسار إلى همذان وضبط طرقها وحصن سورها واستعد لمحاربة طاهر فقتل عبد الرحمن وانكسر جيشه بعد حروب عظيمة، وسار طاهر وقد خلت البلاد فأقام بحلوان وخندق بها على جنده ولم يزل الأمين يجهز عسكرا بعد عسكر إلى طاهر وهو ينتصر عليهم إلى أن دعا المأمون الفضل بن سهل فولاه على جميع المشرق من همذان إلى جبل سقينان والتبت طولا ومن بحر فارس والهند إلى بحر الديلم وجرجان عرضا وقرر له ثلاثة آلاف ألف درهم ولقبه ذا الرياستين وولى أخاه الحسن بن سهل ديوان الخراج، ثم إن الأمين عفا عن الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان بعدما جرى منه ما جرى وجهزه إلى حلوان لقتال طاهر ثم إنه غدر وهرب فقتل وأتي برأسه إلى الأمين، وتقدم طاهر إلى الأهواز وولي عماله على اليمامة والبحرين وتوجه إلى واسط فدخلها، ووجه إلى الكوفة أحمد بن المهلب القائد وعليها يومئذ العباس بن موسى الهادي فبلغه الخبر فخلع الأمين وكتب بالطاعة لطاهر وكذلك عامل البصرة وغلب طاهر على المدائن، فجهز الأمين محمد بن سليمان القائد ومحمد بن حماد البربري فكانت بينهما وبين طاهر وقعة شديدة وانهزم محمد القائد، وبقي أمر الأمين كل يوم في إدبار والناس معذورون لكونه خلع أخويه المأمون والمؤتمن وأقام بدلهما ابنه موسى طفلا رضيعا، وأما داود بن عيسى فإنه خلع الأمين وبايع للمأمون وجوه أهل الحرمين وسار في وجوه أهله إلى المأمون بمرو وأقام طاهر لا يأتيه جيش من الأمين إلا قهره وهزمه، وفي سنة سبع لحق القاسم الملقب بالمؤتمن وهو أخو المأمون ومنصور بن المهدي بالمأمون وتقدم طاهر فنزل بباب الأنبار بالبستان فضاق ذرع الأمين وتفرق ما كان في يده من الأموال فأمر ببيع ما في الخزائن من الأمتعة وضرب أواني الذهب والفضة، وكثرت الحرب والهدم حتى درست محاسن بغداذ وعملت فيها المراثي وطاهر مصابر الأمين وجنده حتى مل أهل بغداذ قتاله فاستأمن إلى طاهر المتوكلون للأمين بقصر صالح وسلموه القصر بما فيه ثم استأمن صاحب الشرط محمد بن عيسى فضعف ركن الأمين واستسلم داخل قصر صالح أبو العباس يوسف ابن يعقوب الباذغيسي وجماعة القواد، ولما كانت وقعة هذا القصر وقع الأمين على الأكل والشرب واللهو ووكل الأمر إلى محمد بن عيسى بن نهيك وبقي يقاتل عن الأمين غوغاء بغداذ والعيارون والحرافشة فأنكوا في أصحاب طاهر وأيقن محمد بالهلاك ودام حصار بغداذ هكذا خمسة عشر شهرا، وفي سنة ثمان قفر خزيمة بن خازم من كبار قواد الأمين إلى طاهر بن الحسين هو ومحمد بن علي بن عيسى بن ماهان فوثبا على جسر دجلة وقطعاه وركزا أعلامهما
صفحة : 640
وخلعا الأمين ودعوا للمأمون، فأصبح طاهر وقد ألح بالقتال على أصحاب الأمين وقاتل بنفسه ودخل بالسيف قسرا ونادى: من دخل بيته فهو آمن، ثم أحاط بمدينة المنصور وبقصر زبيدة وقصر الخلد فخرج محمد بأهله وأمه من القصر إلى مدينة المنصور وتفرق عامة جنده وغلمانه وقل عليهم القوت والماء، ثم إنه خرج ليلة في حراقة لما قوي الحصار يوم الخميس والجمعة والسبت وطلب هزيمة فلما سمع بذلك طاهر خرج إليه ورماه بالنشاب فانكفأت الحراقة وغرق الأمين ومن كان فيها فسبح حتى صار إلى بستان موسى فعرفه محمد بن حميد الظاهري فصاح بأصحابه وأخذ برجله وحمل على برذون وخلفه من يمسكه كالأسير وحمل إلى طاهر فدعا طاهر بمولاه قريش الدنداني فأمره بقتله ونصب رأسه على حائط بستان ونودي عليه: هذا رأس المخلوع محمد، ثم بعث به مع البرد والقضيب والمصلى وهو من سعف مبطن مع ابن عمه محمد بن مصعب إلى المأمون وقال له: قد بعثت لك بالدنيا وهو رأس الأمين وبالآخرة وهي البرد والقضيب، فأمر المأمون لمحمد بن مصعب بألف ألف درهم ولما رأى رأس الأمين سجد، وكان قتله سنة تسع وتسعين ومائة وخلافته أربع سنين وأياما، وكان الأمين بويع بالخلافة في عسكر أبيه بطوس صبيحة الليلة التي توفي فيها أبوه وذلك يوم السبت لأربع خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة أو اثنتين وعشرين وكان المأمون يومئذ بمرو، واستوزر الفضل بن الربيع وولى إسماعيل بن صبيح الرسائل والتوقيعات وعيسى بن علي بن ماهان الشرطة وقيل عبد الله بن حازم، وأول ما بدأ به الأمين إطلاق عبد الملك بن صالح بن علي الهاشمي من الحبس وكان قد حبسه هارون، وكان هارون الرشيد يعرف بفراسته ما وقع بين الأمين والمأمون فكان ينشده:خلعا الأمين ودعوا للمأمون، فأصبح طاهر وقد ألح بالقتال على أصحاب الأمين وقاتل بنفسه ودخل بالسيف قسرا ونادى: من دخل بيته فهو آمن، ثم أحاط بمدينة المنصور وبقصر زبيدة وقصر الخلد فخرج محمد بأهله وأمه من القصر إلى مدينة المنصور وتفرق عامة جنده وغلمانه وقل عليهم القوت والماء، ثم إنه خرج ليلة في حراقة لما قوي الحصار يوم الخميس والجمعة والسبت وطلب هزيمة فلما سمع بذلك طاهر خرج إليه ورماه بالنشاب فانكفأت الحراقة وغرق الأمين ومن كان فيها فسبح حتى صار إلى بستان موسى فعرفه محمد بن حميد الظاهري فصاح بأصحابه وأخذ برجله وحمل على برذون وخلفه من يمسكه كالأسير وحمل إلى طاهر فدعا طاهر بمولاه قريش الدنداني فأمره بقتله ونصب رأسه على حائط بستان ونودي عليه: هذا رأس المخلوع محمد، ثم بعث به مع البرد والقضيب والمصلى وهو من سعف مبطن مع ابن عمه محمد بن مصعب إلى المأمون وقال له: قد بعثت لك بالدنيا وهو رأس الأمين وبالآخرة وهي البرد والقضيب، فأمر المأمون لمحمد بن مصعب بألف ألف درهم ولما رأى رأس الأمين سجد، وكان قتله سنة تسع وتسعين ومائة وخلافته أربع سنين وأياما، وكان الأمين بويع بالخلافة في عسكر أبيه بطوس صبيحة الليلة التي توفي فيها أبوه وذلك يوم السبت لأربع خلون من جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعين ومائة وهو ابن ثلاث وعشرين سنة أو اثنتين وعشرين وكان المأمون يومئذ بمرو، واستوزر الفضل بن الربيع وولى إسماعيل بن صبيح الرسائل والتوقيعات وعيسى بن علي بن ماهان الشرطة وقيل عبد الله بن حازم، وأول ما بدأ به الأمين إطلاق عبد الملك بن صالح بن علي الهاشمي من الحبس وكان قد حبسه هارون، وكان هارون الرشيد يعرف بفراسته ما وقع بين الأمين والمأمون فكان ينشده:
محمد لا تبغض أخاك فـإنـه يعود عليك البغي إن كنت باغيا
فلا تعجلن فالدهر فيه كـفـاية إذا مال بالأقوام لم يبق بـاقـيا وفي الأمين يقول أبو الهول الحميري:
ملك أبوه وأمه مـن نـبـعة منها سراج الأمة الـوهـاج
شربوا بمكة في ذرى بطحائها ماء النبوة ليس فـيه مـزاج يريد أن أباه وأمه من هاشم، ومن شعر محمد الأمين في محبوبه كوثر الخادم:
ما يريد الناس من ص ب بمن يهوى كئيب
كوثـر دينـي ودنـيا ي وسقمي وطبيبـي
أعجز الناس الذي يل حى محبا في حبيب ومنه في طاهر:
صفحة : 641
زعم العبد طاهـر أنني اليوم غـادر
كذب العبد وهو عن سبل الرشد جـائر
نقض العهد والذي ينقض العهد كافر
مظهر سوء فعلـه معلن لا يسـاتـر
وعليه تـدور بـال بغي منه الـدوائر أمير المؤمنين المعتصم
محمد بن هارون أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم بن الرشيد بن المهدي ابن المنصور، ولد سنة ثمانين ومائة وأمه أم ولد اسمها ماردة، روى عن أبيه وعن أخيه المأمون وروى عنه إسحاق الموصلي وحمدون بن إسماعيل وآخرون، بويع بعد المأمون بعهد منه إليه في رابع عشر شهر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، وكان أبيض أصهب اللحية طويلها ربع القامة مشرب اللون ذا شجاعة وقوة وهمة عالية، وكان يقال له المثمن لأنه ثامن خلفاء بني العباس، وملك ثماني سنين وثمانية أشهر، وفتح ثمانية فتوح، وقتل ثمانية أعداء: بابك وباطيش ومازيار والافشين وعجيفا وقارون وقائد الرافضة ورئيس الزنادقة، وخلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار ومن الدراهم مثلها، ومن الخيل ثمانين ألف فرس، وثمانية آلاف مملوك، وثمانية آلاف جارية، وبنى ثمانية قصور، وقيل بلغ عدد مماليكه ثمانية عشر ألف مملوك، وكان عريا من العلم وكان معه صبي يتعلم في الكتاب فقال له أبوه: مات يا محمد غلامك، فقال: نعم واستراح من الكتاب، فقال أبوه: وإن الكتاب ليبلغ منك هذا دعوه ولا تعلموه، وكان يكتب ويقرأ ضعيفا، وغزا عمورية وفتحها وقتل ثلاثين ألفا وسبي مثلهم، وكان من أهيب الخلفاء، وامتحن العلماء بخلق القرآن، وقال أحمد بن أبي دؤاد: كان المعتصم يخرج يده إلي ويقول: عض ساعدي بأكثر قوتك، فأقول: ما تطيب نفسي، فيقول: إنه لا يضرني فأروم ذلك، فإذا هو لا تعمل فيه الأسنة فضلا عن الأسنان، وقبض يوما على جندي أخذ ابنا لامرأة فأمره برده فامتنع فقبض عليه فسمعت صوت عظامه ثم أطلقه فسقط، كان ذلك في حياة المأمون، وجعل زند رجل بين اصبعين فكسره، ومات ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الأول سنة سبع وعشرين ومائتين وصلى ابنه الواثق عليه، ولكثرة عسكره وضيق بغداذ عليه بنى سر من رأى وانتقل إليها بعسكره وسميت العسكر وذلك سنة إحدى وعشرين ومائتين، وعلق له خمسون ألف مخلاة، ولما احتضر قال: ذهبت الحيلة وليس حيلة، كررها حتى صمت، أولاده هارون الواثق وجعفر المتوكل وأحمد المستعين قيل هو ابن ابنه، وقضاته أحمد بن أبي دؤاد ومحمد بن سماعة، ووزراؤه الفضل بن مروان ثم محمد بن عبد الملك الزيات، وحاجبه وصيف مولاه، وهو أول من تسمى بخليفة الله وأول من تزيا بزي الأتراك ولبس التاج ورفض زي العرب وترك سكنى بغداذ، وأورد له ابن المرزبان في المعجم:
قرب النحام واعجل يا غـلام واطرح السرج عليه واللجام
أعلم الأتراك إنـي خـائض لجة الموت فمن شاء أقـام وقوله أيضا:
لم يزل بابك حتـى صار للعالم عبـره
ركب الفيل ومن ير كب فيلا فهو شهره وقال في غلامه عجيب:
إني هويت عجيبـا هوى أراه عجيبـا
طبيب ما بي من الح ب لا عدمت الطبيبا
الوجه منه كـبـدر والقد يحكي القضيبا أبو عيسى ابن الرشيد
محمد بن هارون أبو عيسى بن هارون الرشيد، ولي إمرة الكوفة سنة أربع، كان موصوفا بحسن الصورة وكمال الظرف وله أدب وشعر، قال ابن حاتم العكلي: لم ير الناس أجمل منه قط إذا أراد أن يركب جلس الناس حتى يروه أكثر مما يجلسون للخلفاء، قال له الرشيد وهو صغير: ليت جمالك لعبد الله يريد المأمون، فقال: على أن حظه لي فأعجبه جوابه على صغره وضمه إليه وقبله، وكان يصرع في اليوم مرات حتى مات سنة عشر ومائتين أو ما قبلها ونزل المأمون في قبره ووجد عليه وامتنع من الطعام أياما، وكانت أمه بربرية ويقال اسمه أحمد وإنما اشتهر بكنيته، وكانت بينه وبين طاهر ابن الحسين عداوة وكان يهجو طاهرا ويرثي الأمين، ومن شعر أبي عيسى:
لساني كـتـوم لأسـرارهـم ودمعي نموم بسـري مـذيع
فلولا دموعي كتمت الهـوى ولولا الهوى لم تكن لي دموع ومنه أيضا:
صفحة : 642
قام بقلبـي وقـعـد ظبي نفي عني الجلد
أسهرنـي ثـم رقـد وما رثى لي من كمد
بدر إذا ازددت هوى وذلة تـاه وصــد
واعطشـا إلـى فـم يمج خمرا من بـرد أبو أحمد ابن الرشيد
محمد بن هارون الرشيد أبو أحمد أخو أبي العباس الآتي ذكره، أمه أم ولد يقال لها كتمان، كان ظريفا أديبا معاشرا للفضلاء منادما للخلفاء، كان أبو عمرو الشيباني يؤدب أبا أحمد ابن الرشيد فلما كبر أبو أحمد لم ير أبوعمر منه ما أمل فكتب إليه:
إن حق التأديب حـق الأبـوه عند أهل النهى وأهل المروه
وأحق الأقوام أن يعرفوا الح ق ويرعوه أهل بيت النبـوه توفي سنة أربع وخمسين ومائتين وصلى عليه أحمد بن المتوكل.
أبو سليمان ابن الرشيد
محمد بن هارون الرشيد أخو الإخوة المذكورين، ذكره ابن جرير الطبري وقال: أمه أم ولد يقال لها رواح وكنيته أبو سليمان.
أبو أيوب ابن الرشيد
محمد بن هارون أبو أيوب أخو الإخوة المذكورين، أمه مولدة من الكوفة يقال لها خلوب، كان أديبا فاضلا شاعرا، ذكره أبو بكر الصولي قال: ومن شعره في المأمون:
يا إمام العصر طالت غيبتي عنك فالحاسد مبسوط اللسان
عاقب المذنب إن شـئت ولا تلقه بالهجر في بحر الهوان ومن شعره في خادم لبعض إخوته:
ضاق بي للصدود واسع أرضـي بين طول منها فسـيح وعـرض
ومشى السقم بين أحشاي حـتـى صار بعضي للسقم يرحم بعضي
قلت والغمض قد تمنـع والـلـي ل مقيم ما إن يهـم بـنـهـض
أي ذنب أذنـبـت يا رب حـتـى حل غمض الورى وحرم غمضي أبو يعقوب ابن الرشيد
محمد بن هارون أبو يعقوب أخو الإخوة المذكورين، أمه أم ولد يقال لها سررة، توفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين وقد خرج مع إخوته لتلقي الافشين بقناطر خدينة.
أبو العباس ابن الرشيد
محمد بن هارون أبو العباس ابن الرشيد وهو معروف بكنيته لأنه له عدة أخوة لا يعرفون إلا بكناهم، كان مغفلا، توفي سنة خمسين ومائتين أو ما دونها.
محمد بن هارون بن مخلد وهو أخو ميمون بن هارون الرواية ويعرف محمد بكبة الكاتب، قال ابن المرزبان: متوكلي يقول في رواية أبي هفان وقد روي لغيره:
كأني بإخواني على حافتي قبـري يهيلونه فوقي وأعينهم تـجـري
عفا الله عني حين أصبـح ثـاويا أزار فلا أدري وأجفى فلا أدري وكتب لبعض إخوانه وقد حبس:
يعز علينا أن نزورك في الحبـس ولم نستطع نفديك بالمال والنفـس
فقدنا بك الأنس الطويل وعطـلـت مجالس كانت منك تأوي إلى أنس
لئن سترتك الجدر عنـا فـربـمـا رأينا جلابيب السحاب على الشمس أمير المؤمنين المهتدي
صفحة : 643
محمد بن هارون أبو إسحاق وقيل أبو عبد الله أمير المؤمنين الخليفة الصالح المهتدي بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور، ولد في خلافة جده سنة بضع عشرة ومائتين، وبويع بالخلافة لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وله بضع وثلاثون سنة وما قبل بيعة أحد حتى أتي بالمعتز فلما رآه قام له وسلم على المعتز بالخلافة وجلس بين يديه، وجيء بالشهود فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن الخلافة فاعترف بذلك ومد يده فبايع المهتدي بالله وهو ابن عمه فارتفع المهتدي حينئذ إلى صدر المجلس وقال: لا يجتمع سيفان في غمد، وكان أسمر رقيقا مليح الوجه ورعا متعبدا عادلا قويا في أمر الله بطلا شجاعا لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الخير، وكان يلبس في الليل جبة صوف وكساء ويصلي فيهما، ويفطر في رمضان على خبز نقي وملح وخل وزيت ويقول: فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغنا فغرت على بني هاشم وأخذت نفسي بذلك، وكان اطرح الملاهي وحرم الغناء وحسم أصحاب السلطان عن الظلم وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين، ثم إن الأتراك خرجوا عليه وحاربهم بنفسه وجرح فأسروه وخلعوه ثم قتلوه سنة ست وخمسين ومائتين، قال العمراني: إن الأتراك عصروا خصاه حتى مات وبايعوا أحمد بن المتوكل ولقبوه المعتمد على الله في سادس عشر رجب، فكانت خلافة المهتدي سنة إلا خمسة عشر يوما، جلس يوما للمظالم فاستعداه رجل على ابن له فأحضره وحكم عليه برد الحق للرجل فقال الرجل: أنت والله يا أمير المؤمنين كما قال الأعشى:
حكمتموه فقضى بينـكـم أبيض مثل القمر الزاهر
لا يقبل الرشوة في حكمه ولا يبالي غبن الخاسـر فقال المهتدي: أما أنا فما جلست هذا المجلس حتى قرأت: ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين، قال الإسكافي: فما رأيت باكيا أكثر من ذلك اليوم، ومدحه البحتري بقصيدة أولها:
إذا عرضت أحداج ليلى فـنـادهـا سقتك الغوادي المزن صوب عهادها وبقصيدة أخرى منها:
هجرت الملاهي خشية وتفردا بآيات ذكر الله يتلى حكيمهـا
وما تحسن الدنيا إذا هي لم تعن بآخرة حسناء يبقى نعيمـهـا أولاده سبعة عشر ذكرا وست بنات وأولاده أعيان أهل بغداذ وهم الخطباء بالجوامع ومنهم العدول ولم يبق ببغداذ من الخلفاء أكثر من ولده، وزراؤه: أبو أيوب بن وهب وجعفر بن محمد ثم صرفه وقلدها عبد الله بن محمد بن يزداد، قضاته: الحسن بن أبي الشوارب فعزله وولي عبد الرحمن بن نائل البصري، أسند المهتدي الحديث فقال: حدثني علي ابن هاشم ثنا محمد بن حسن الفقيه عن ابن أبي ليلى عن داود بن علي عن أبيه عبد الله بن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال للعباس وقد سأله: ما لنا في هذا الأمر? فقال: لي النبوة ولكم الخلافة، بي فتح الله هذا الأمر وبكم يختمه، وأورد الصولي للمهتدي في الأوراق:
أما والذي أعلى السـمـاء بـقـدرة وما زال قدما فوق عرش قد استوى
لئن تم لي الـتـدبـير فـيمـا أريده لتفتقدن التـرك يومـا فـلا تـرى ابن المقتدر
محمد بن هارون بن جعفر المقتدر بن أحمد المعتضد بن الموفق بن جعفر المتوكل بن المعتصم بن الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ذكره هلال بن المحسن الصابي في تاريخه وقال: إنه توفي في المحرم سنة أربع وثمانين وثلاث مائة.
ابن الواثق
محمد بن هارون أبو إسحاق ابن الواثقي بن المعتصم بن الرشيد، قال الصولي: سماه المعتصم باسمه وكناه بكنيته، حمل مع إخوته بعد قتل أخيه محمد المهتدي بالله إلى بغداذ من سر من رأى وهو صبي صغير فحبس بها.
أبو الرؤوس المقرئ
محمد بن هارون أبو جعفر المقرئ الملقب أبا الرؤوس، ذكره أبو بكر الباطرقاني في طبقات القراء قرأ على رويم بن يزيد وروى عنه أبو العباس بن أبي طالب، كان صدوقا من خيار الناس وأفضلهم، توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين.
صفحة : 644
محمد بن هارون بن شعيب بن عبد الله بن عبد الواحد من ولد أنس بن مالك، سمع بالشام ومصر والعراق وأصبهان وصنف وخرج، وتوفي سنة ثلاث وخمسين وثلاث مائة.
الحافظ شيطا
محمد بن هارون أبو جعفر المخرمي البغداذي الفلاس الحافظ شيطا بالشين المعجمة والياء آخر الحروف والطاء المهملة توفي سنة خمس وستين ومائتين.
الرؤياني
محمد بن هارون أبو بكر الرؤياني الحافظ، له مسند مشهور وله تصانيف في الفقه، توفي سنة سبع وثلاث مائة.
إمام جامع المنصور
محمد بن هارون بن العباس بن عيسى بن أبي جعفر المنصور، ولي إقامة الحج في سنة ثمان وثمانين ومائتين وأقام خمسين سنة يصلي بجامع المنصور إماما وكان من أهل الستر والصيانة والفضل، توفي سنة ثمان وثلاث مائة وهو ابن خمس وسبعين سنة، وولي ابنه جعفر مكانه فأقام بعد أبيه تسعة أشهر ثم توفي سنة تسع وثلاث مائة.
الحضرمي البغداذي
محمد بن هارون بن عبد الله بن حميد أبو حامد الحضرمي بغداذي، وثقه الدارقطني وغيره. وتوفي سنة إحدى وعشرين وثلاث مائة.
البعلبكي
محمد بن الهاشم القرشي البعلبكي، روى عنه النسائي وقال: صدوق يحتج به، توفي في سنة أربع وخمسين ومائتين.
الخالدي الشاعر
محمد بن هاشم بن وعلة بن عثمان بن بلال الخالدي الموصلي الشاعر المشهور أخو سعيد بن هاشم وسيأتي ذكره في حرف السين في موضعه إن شاء الله تعالى، وكانا شاعرين اشتركا في كثير من الشعر ونسب إليهما معا وكلاهما من خواص سيف الدولة بن حمدان، ومحمد الأكبر، والخالدية قرية من عمل الموصل، توفي سنة ثمانين وثلاث مائة تقريبا، وكانا خزنة كتب سيف الدولة وقد اختارا من الدواوين كثيرا وجمعا مجاميع أدبية مليحة، ومن شعر محمد المذكور:
حي الجياد من العقيق وإن عفت فيه عهود أحـبة ومـعـاهـد
وبكت بكاي على رباه غـمـائم يحتثـهـن بـوارق ورواعـد
وعلى الصبي أيام صبري ناقص عن شمس كلته ووجـدي زائد
طلعت لنا فأنار بـدر طـالـع وتأودت فاهتز غصـن مـائد
وبكت أسى فانـهـل در ذائب وتبسمت فأضاء طل جـامـد وقال:
وصبغ شقائق النعمان يحكي يواقيتا نظمن على اقتـران
وأحيانا نشبهـهـا خـدودا كستها الراح ثوبا أرجواني
شقائق مثل أقـداح مـلاء وخشخاش كفارغة القناني
ولما غازلتها الريح خلـنـا بها جيشي وغى يتقابـلان
تخال به ثغورا باسـمـات إذا ما افتر نور الأقحـوان
وآذريونه قـد شـبـهـوه بتشبيه صحيح في المعاني
بكأس من عقيق فيه مسـك وهذا الحق أيد بـالـبـيان صاحب مكة
محمد بن هاشم العلوي صاحب مكة، كان يخطب لبني عبيد مرة ولبني العباس مرة بحسب من تقوى منهما، توفي سنة سبع وثلاثين وأربع مائة.
الخطيب الحلبي
محمد بن هاشم بن أحمد بن عبد الواحد الخطيب العالم أبو عبد الرحمن ابن أبي طاهر الأسدي، نيف على الثمانين وحدث عن أبيه ولأبيه ديوان خطب وكانا شافعيين، توفي سنة إحدى وأربعين وست مائة.
ابن الوراق النحوي
محمد بن هبة الله أبو الحسن ابن الوراق النحوي شيخ العربية ببغداذ قال السمعاني: تفرد بعلم النحو وهو سبط أبي سعيد السيرافي، توفي سنة سبعين وثلاث مائة أو ما يقاربها.
أبو بكر الأواني
محمد بن هبة الله بن أحمد بن عبد الله أبو بكر الأواني، ولي قضاء دجيل مدة نيابة عن ابن المرخم في أيام المقتفي ثم تولى النظر بديوان التركات الحشرية في أيام المستضيء ولم يكن محمود السيرة، توفي في المحرم سنة ست وسبعين وخمس مائة.
أبو بكر الطبري
صفحة : 645
محمد بن هبة الله بن الحسن بن منصور أبو بكر بن أبي القاسم، كان والده من حفاظ الحديث أسمعه الكثير وحدث بأكثر مسموعاته ومضى على استقامة، سمع أبا الفتح هلال بن محمد الحفار وأبا عبد الله الحسين بن الحسن المخزومي وأبوي الحسين محمد بن الحسين بن الفضل القطان وعلي بن محمد بن عبد الله بن بشران وأبا الحسن محمد بن محمد بن مخلد البزاز، وروى عنه أبو القاسم السمرقندي وعبد الوهاب الأنماطي وأبو الحسن ابن عبد السلام وأبو منصور القزاز وعبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن وأبو المفائز أحمد بن محمد بن الحسين البزوري وأبو محمد عبد الله بن علي بن أحمد الخياط المقرئ، توفي سنة اثنتين وسبعين وأربع مائة ودفن بمقبرة الشونيزي.
ابن المندوف
محمد بن هبة الله بن الحسن، بن علي بن الجعفروني العكبري أبو بكر العطار المعروف بابن المندوف البغداذي، حدث عن أبي عبد الله الحسين بن محمد ابن الحسين بن السراج، سمع منه أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الخشاب وقال: كان شيخا صالحا، توفي سنة تسع وأربعين وخمس مائة.
ابن جزنا الكوفي
محمد بن هبة الله بن الحسين بن جزنا أبو منصور التميمي الكوفي، قرأ الأدب على أحمد بن ناقة وسمع الحديث منه ومن أبي الحسن محمد بن محمد ابن غبرة الحارثي، وكتب بخطه شيئا من الحديث والنحو وغير ذلك، قال محب الدين النجار: كتبت عنه وكان شيخا حسنا أديبا فاضلا صالحا متدينا صدوقا أمينا زيدي المذهب حسن الاعتقاد جميل الطريقة لازما لمنزله مشتغلا بما يعنيه، توفي سنة سبع وست مائة في صفر ودفن بالوردية.
ابن كلبون النسابة
محمد بن هبة الله بن عبد السميع بن علي بن عبد الصمد بن علي بن العباس ابن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن عبد الصمد بن علي بن عبد الله بن العباس أبو تمام الهاشمي الخطيب النسابة المعروف بابن كلبون، كان يتولى الخطابة بجامع القطيعة وكان قيما بمعرفة أنساب الطالبيين حفظه للحكايات والأشعار، كتب عنه أبو محمد بن الخشاب النحوي والشريف أبو الحسن علي بن أحمد الزيدي شيئا من الأسانيد، وروى عنه أبو الحسين أحمد ابن حمزة الموازيني الدمشقي إنشادا في مشيخته، توفي سنة ست وسبعين وخمس مائة وقد نيف على الثمانين.
ابن أبي حامد
محمد بن هبة الله بن عبد العزيز بن علي بن محمد بن عمر بن محمد بن الحسين بن عمر بن إبراهيم بن سعيد بن إبراهيم بن محمد بن نجا بن موسى ابن سعد بن أبي وقاص الصحابي رضي الله عنه المعروف بابن أبي حامد من بيت مشهور بالحشمة والثروة والجاه والتقدم وهو بقية بيته، سمع عمه أبا بكر محمد بن محمد بن عبد العزيز والنقيب أبا الحسن محمد بن طراد الزينبي وأبا الوقت عبد الأول السجزي، قال محب الدين ابن النجار: كتبت عنه وكان شيخا صالحا متدينا سليم الجانب محمود الطريقة حسن الأخلاق صدوقا، توفي سنة ثلاث وعشرين وست مائة عن ثلاث وتسعين سنة.
أبو رضوان الموصلي
محمد بن هبة الله بن علي أبو رضوان الموصلي، سمع ببغداذ أقضى القضاة أبا الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، وقدم دمشق وسمع أبا بكر الخطيب وأبا الحسن أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد والقاضي أبا الحسين يحيى بن زيد الزبدي وحدث هناك، روى عنه الفقيه نصر بن إبراهيم المقدسي وأبو الفرج الإسفراييني.
أبو الدلف الكاتب
محمد بن هبة الله بن علي بن إبراهيم بن القاسم بن زهمويه أبو الدلف الكاتب من أهل الأزج، كان كاتبا حاذفا أديبا فاضلا له شعر وبلاغة، كان كاتبا للأمير أبي الحسن ابن المستظهر بالله، فلما خرج على أخيه المسترشد وهرب من دار الخلافة ونهب البلاد وآذى العباد كان أبو الدلف معه فأركب على جمل بسرج وألبس قميصا أحمر وجعل في عنقه مخانق من برم وعظام وبعر وجعل على رأسه برنس أحمر بودع وخرز وشهر من باب النوبي الشريف إلى باب الأزج وخلفه غلام بالدرة يعلوه بها وينادي عليه ثم سجن في الحبس، من شعره:
يا من يقرب وصلي منه موعـده لولا عوائق من خلف تـبـاعـده
لا تحسبن دموعي البيض غير دمي وإنما نفسي الحامـي يصـعـده ومنه أيضا:
يا أبا الفتـح أن ودك عـنـدي مثل روض قد جاده القطر ليلا
صفحة : 646
واشتياقي إلـيك افـرط حـتـى خفت إن زاد صرت مجنون ليلى وقال وقد أراد العبور إلى الجانب الغربي فاشتدت الريح في دجلة وامتنع من العبور:
كل أمري في هواكم عجب قادني . . . من مـنـعـا
كلما أقدم بي مقـصـوره زدت بالممدود منه جزعا توفي في السجن سنة ثلاث عشرة وخمس مائة وأخرج قبل العشاء الآخرة في تابوت ودفن في مقبرة الدمشقي فجاء أهله وأخرجوه وحملوه إلى قبر أحمد ودفنوه قبل نصف الليل.
أبو الفرج الوكيل
محمد بن هبة الله بن كامل بن محمد بن إسماعيل أبو الفرج ابن أبي القاسم من ساكني دار الخلافة ببغداذ، قرأ القرآن على أبي محمد عبد الله بن علي بن أحمد المقرئ، وتفقه على أبي الحسن ابن الخل وأبي نصر بن زرما وتأدب وصحب العلماء، وكان والده قد أسمعه في صباه من أبي غالب أحمد بن البناء وأبي القاسم هبة الله بن عبد الواسطي وأبي النجم بدر بن عبد الله الشيخي وجماعة، قال محب الدين ابن النجار: كتبت عنه وكان صدوقا حسن الأخلاق لديه فضل وكان وكيلا للخليفة ثم عزل ولزم بيته وافتقر وساءت حاله ولزمته الأمراض إلى حين وفاته، توفي سنة سبع وست مائة، ودفن بالشونيزية.
أبو تمام الخطيب
محمد بن هبة الله بن محمد بن أحمد بن محمد بن أبي موسى الهاشمي أبو تمام الخطيب، كان فقيها فاضلا على مذهب أحمد بن حنبل وسمع الحديث الكثير وكتب بخطه، وحدث باليسير عن أبي الخطاب نصر بن أحمد بن البطر وأبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ الأصفهاني. سمع منه أبو منصور محمد بن ناصر اليزدي وأبو بكر محمد بن أحمد الجوهري البروجردي وروى عنه في معجم شيوخه، وتوفي سنة ثلاث عشرة وخمس مائة.
ابن البوقي الشافعي
محمد بن هبة الله بن يحيى بن الحسن بن أحمد بن عبد الباقي أبو العلاء ابن أبي جعفر الفقيه الشافعي المعروف بابن البوقي من أهل واسط، كان والده إماما في الفقه والزهد، وأبو العلاء هذا كانت له معرفة تامة بالفقه والخلاف والفرائض والحساب وله فيه مصنفات، قدم بغداذ وسكنها مدة وتكلم مع الفقهاء في مسائل الخلاف وناب في ديوان المجلس عن الوزير أبي جعفر ابن البلدي ي أيام المستنجد، وسمع الحديث بواسط من القاضي أبي علي الحسن بن إبراهيم الفارقي وأبي الكرم نصر الله بن محمد الأزدي وأبي الحسن علي بن هبة الله وغيرهم، وتوفي سنة تسعين وخمس مائة بقرية من سواد الحلة ودفن بعدها حمل في مشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما.
أبو جعفر الصوفي
محمد بن هبة الله بن المكرم بن عبد الله أبو جعفر الصوفي النيسابوري من أولاد المحدثين، سمع أباه أبا نصر والقاضي أبا الفضل محمد بن عمر الأرموي وأبا الفضل الحافظ محمد بن ناصر والمظفر بن أردشير وأبا الوقت عبد الأول السجزي وغيرهم، توفي سنة إحدى وعشرين وست مائة.
البندنيجي الشافعي
محمد بن هبة الله بن ثابت الإمام أبو نصر البندنيجي الشافعي، كان من أكبر أصحاب الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، سمع وحدث، كان يقرأ في كل أسبوع ستة آلاف مرة قل هو الله أحد ويعتمر في رمضان ثلاثين عمرة، وهو ضرير يؤخذ بيده، توفي بمكة سنة خمس وتسعين وأربع مائة.
السلماسي الشافعي
محمد بن هبة الله بن عبد الله السديد السلماسي الفقيه الشافعي، هو الذي شهر طريقة الشريف بالعراق، قصده الناس واشتغلوا عليه وتخرج به جماعة منهم العماد محمد والكمال موسى ولدا يونس وحسبك بهما، وكان أحد المعيدين بالمدرسة النظامية، وسمع من أبي الحسن علي بن أحمد بن الحسين بن محمويه اليزدي وغيره، توفي سنة أربع وسبعين وخمس مائة ودفن بالعطافية ولم يعقب.
أبو نصر ابن الشيرازي الكبير
صفحة : 647
محمد بن هبة الله بن محمد بن يحيى بن مميل الشيرازي أبو نصر بن أبي العلاء الفقيه الشافعي من أهل شيراز ومن أهل البيوتات الكبار بها، قدم بغداذ وبها توفي، قرأ المذهب والخلاف على أبي إسحاق الشيرازي ولازمه حتى برع في ذلك وصار أحد المعيدين بالمدرسة النظامية وطلب الحديث وسمع الكثير وكتب بخطه أكثر ما سمع، سمع أبا محمد عبد الله الصريفيني وأبا الحسين أحمد بن النقور وأبا منصور عبد الباقي العطار وأبا القاسم علي بن البسري والشريف أبا نصر محمدا الزينبي وأبا القاسم عبد العزيز الأنماطي وأبا محمد أحمد الدقاق وأخاه أبا الغنائم محمدا وأبا الخطاب نصر بن البطر وأبا القاسم عبد الله الحلال وأبا القاسم يوسف المهرواني وأبا الحسين عاصما العاصمي وخلقا غيرهم، وحدث بالكثير، وروى عنه ولده أبو محمد هبة الله بن المكرم الصوفي ومحمد بن بركة بن كرما وغيرهم وابن بوش التاجر، وكان إماما في الفقه والخلاف ويعرف الحديث ثقة صدوقا، توفي سنة ست عشرة وخمس مائة ومولده تقريبا سنة اثنتين وأربعين، وسيأتي بعد هذا ذكر حفيده القاضي شمس الدين.
القاضي شمس الدين ابن الشيرازي
محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن يحيى ابن بندار بن مميل القاضي شمس الدين أبو نصر ابن الشيرازي الدمشقي الشافعي، ولد سنة تسع وأربعين وخمس مائة، أجاز له الوقت ونصر ابن سيار الهروي وجماعة، وسمع الكثير وطال عمره وتفرد عن أقرانه، استقل بالقضاء بعد نيابة في الشام، ودرس بمدرسة العماد الكاتب وتركها ودرس بالشامية الكبرى، وكان عديم النظير في عدم المحاباة في الحكم يستوي عنده الخصمان في النظر، وتوفي سنة خمس وثلاثين وست مائة وهو حفيد أبي نصر المقدم ذكره.
عم الصاحب كمال الدين ابن العديم
محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد القاضي الزاهد أبو غانم ابن القاضي أبي الفضل ابن العديم العقيلي الحلبي، سمع وروى وتفقه على مذهب أبي حنيفة وتعبد وانقطع للعبادة وعرض عليه قضاء حلب فامتنع، وهو عم الصاحب كمال الدين عمر، توفي سنة سبع وعشرين وست مائة، وكان يكتب في رمضان إذا اعتكف مصحفا أو مصحفين وكتب تصانيف الترمذي وعني بها وكتب على طريقة ابن البواب.
محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى ابن العديم العقيلي الحلبي أبو غانم، كان فقيها فاضلا زاهدا عفيفا، سمع أباه وغيره وولي قضاء حلب وأعمالها وخطابتها في أيام تاج الدولة تتش سنة ثمان وثمانين وأربع مائة، ولم يزل قاضيا إلى أن عزله رضوان لما خطب للمصريين وولي القضاء الزوزني العجمي، ولما أعيدت الخطبة للعباسيين أعيد أبو غانم للقضاء وجاءه التقليد من بغداذ بالقضاء والحسبة، وكان حنفي المذهب، كان يوما قد صلى بالجامع وخلع نعليه قرب المنبر وكانا جديدين فلما قضى الصلاة وقام ليلبسهما وجد نعليه العتيقين مكانهما فسأل غلامه عن ذلك فقال: جاء إلينا واحد الساعة وطرق الباب وقال: يقول لكم القاضي: أنفذوا إليه مداسه العتيق فقد سرق مداسه الجديد، فضحك وقال: جزاه الله خيرا فإنه لص شفوق وهو في حل منه، توفي أبو غانم سنة أربع وثلاثين وخمس مائة.
أبو شجاع الواعظ
محمد بن هبة الله أبو شجاع الواعظ، ذكره أبو بكر ابن كامل الخفاف في معجم شيوخه وروى عنه شيئا من شعره، ومن شعره:
إلام التفت وفيم افتكرت رأيت الأمور عمى كلها
عذيري من زمن كلمـا شددت عرى أملي حلها ومنه:
يا نسيم الشمال من أرض نجد خبر الظاعنين شوقي ووجدي
لم تزل بي نوائب الدهر حتى تركتني نوائب الدهر وحدي
من معيد أيامي البيض في نج د وهيهـات أين أيام نـجـد ومنه:
قلت: للقمـري إذ نـا ح بليل فشـجـانـي
ليت شعري ما الذي أش جاك والمحبـوب دان قلت: شعر مقبول.
العماد ابن الشرف الاصبهاني
محمد بن هبة الله بن عبد الوهاب أبو العلاء الأصبهاني يعرف بالعماد ابن الشرف، كان جده قاضي خوزستان، اجتمع به العماد الكاتب بأصبهان في سنة تسع وأربعين وخمس مائة ولم يبقل شاربه، وكان فقيها فاضلا أديبا، ومن شعره:
صفحة : 648
أضاء بوادي الأثل والليل مظـلـم بريق كحد السيف ضرجـه الـدم
فشبهته إذ لاح في غسق الدجـى بأسنان زنجي غدت تـتـبـسـم
إذا البرق أجرى طرفه فصهيلـه، إذا ما تفرى، رعده المـتـرنـم
ترى صفحة الخضراء والنجم فوقه ككف سدوسي بـدا فـيه درهـم
سرى وعلى الآفاق أثواب ظلـمة وأزرارها منها سمـاك ومـرزم
وذكرني عهد الغواني ولـم تـزل تفيض دموعي في هواها وتسجم
ومذ غربت بالبعد عني شموسهـا تطلع في عيني من الدمع أنجـم صعوداء النحوي
محمد بن هبيرة الأسدي أبو سعيد النحوي المعروف بصعوداء من أهل الكوفة ومن أعيان علمائها بالنحو واللغة وفنون الأدب، قدم بغداذ وكان مختصا بعبد الله بن المعتز وعمل له رسالة فيما انكرته العرب على أبي عبيد القاسم بن سلام ووافقته فيه، وكان مؤدب أولاد محمد بن يزداد وزير المأمون وله كتاب مصنف فيما يستعمله الكتاب.
أبو الهذيل العلاف
صفحة : 649
محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العلاف البصري المعتزلي أبو الهذيل وقيل اسمه أحمد، وكان من أجلاد القوم رأسا في الاعتزال، ومن المعتزلة فرقة ينسبون إليه يعرفونه بالهذيلية يقولون بمقالاته، زعم أن أهل الجنة تنقطع حركاتهم حتى لا يتكلموا كلمة وينقطع نعيمهم وكذلك أهل النار خمود سكوت وتجتمع اللذة لأهل الجنة والآلام لأهل النار في ذلك السكون، وهذا قريب من مذهب جهم بن صفوان فإنه حكم بفناء الجنة والنار، وإنما التزم أبو الهذيل هذا المذهب لأنه لما التزم في مسئلة حدث العالم أن الحوادث التي لا أول لها كالحوادث التي لا آخر لها إذ كل واحد منهما لا يتناهى قال: إني لا أقول بحركات لا تتناهى بل يصيرون إلى سكون دائم، فظن أن ما التزم من الإشكال في الحركة لا يلزمه في السكون وغلط في ذلك بل هو لازم فلا فرق في امتناع عدم التناهي بين الحركات والسكون، وأثبت إرادات لا في محل وهو أول من أحدث هذه المقالة وتابعه عليها جماعة من المتأخرين، وقال: بعض كلام البارئ لا في محل وهو قوله كن وبعضه في محل كالأمر والنهي والخبر والاستخبار، وابتدع القول بأن المقتول بالسيف أو غيره لم ينته أجله ولا مات بأجله حتى لو فرضنا أنه لم يقتل لبقي إلى أجله فيموت وكذلك من أكل حراما لم يأكل رزقه وانفرد بأشياء غير هذه، يروى عن المأمون قال لحاجبه: من بالباب? فقال: أبو الهذيل وعبد الله بن إباض الخارجي وهشام ابن الكلبي الرافضي، فقال: ما بقي من رؤوس جهنم أحد إلا وقد حضر شرب مرة عند أناس فراود غلاما أمرد فضربه بتور فدخل في رقبته مثل الطوق فأحضر حداد حتى فكه من عنقه، وقال أبو الهذيل: أول ما تكلمت كان عمري خمس عشرة سنة فبلغني أن يهوديا قدم البصرة وقطع كل من فيها فقلت لعمي: امض بي إليه حتى أناظره، فقال: لا طاقة لك به، فقلت: بلى، فمضينا إليه فوجدته في إثبات نبوة موسى وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: نحن قد اتفقنا على نبوة موسى فأثبتوا لنا نبوة محمد حتى نقر به، فقلت له: أسألك أو تسألني? فقال مستصغرا: أو ما ترى ما فعلت بمشايخك? فقلت: دع هذا واسألني أو أسألك، فقال: أليس قد ثبتت نبوة موسى وصحت دلائله? اتقر بهذا أم تجحده? فقلت له: سألتني عن نبوة موسى وهذا على أمرين: أحدهما موسى الذي أخبر عن نبوة محمد وبشر به وأمر باتباعه فإن كنت سألتني عن نبوة هذا فأنا أقر به وهو نبي، والثاني موسى الذي لم يخبر عن نبوة محمد ولا بشر به ولا أمر باتباعه فلا أقر به ولا أعرفه فإنه شيطان، فتحير اليهودي ثم قال لي: ما تقول في التوراة? فقلت: هي أيضا منقسمة إلى قسمين: توراة فيها ذكر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والبشارة به والأمر باتباعه فهي التوراة الحق المنزلة، وتوراة ليس فيها ذكر محمد صلى الله عليه وسلم ولا البشارة به فهي باطلة لا أصدق بها، فتحير اليهودي وانقطع، ثم قال لي: أريد أسارك في شيء، فتقدمت إليه فإذا هو يشتمني ويشتم معلمي وأبوي وظن أني أرد عليه وأضاربه بحضرة الناس فيقول إنهم تغلبوا علي، فقلت للجماعة ما قال وعرفتهم ما أراد فأخذته الأيدي بالنعال فخرج هاربا من البصرة. ولد أبو الهذيل سنة خمس وثلاثين ومائة ومات سنة خمس وثلاثين ومائتين فعمر مائة عام، فقيل توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين، وقال المسعودي في مروج الذهب: إنه توفي سنة سبع وعشرين ومائتين وكان قد كف بصره وخرف آخر عمره إلا أنه لا يذهب عليه شيء من الأصول لكنه ضعف عن المناظرة ومحاجة المخالفين له، حكي عنه أنه لقي صالح ابن عبد القدوس وقد مات له ولد وهو شديد الجزع عليه فقال له أبو الهذيل: لا أرى لجزعك عليه وجها إذ كان الإنسان عندك كالزرع، فقال صالح: يا أبا الهذيل إنما أجزع عليه لأنه لم يقرأ كتاب الشكوك، فقال: وما كتاب الشكوك? قال: كتاب وضعته من قرأه يشك فيما كان حتى يتوهم أنه لم يكن ويشك فيما لم يكن حتى يتوهم أنه كان، فقال له أبو الهذيل: فشك أنت في موته واعمل على أنه لم يمت وشك في قراءته الكتاب واعمل على أنه قرأه وإن لم يكن قرأه، فأخجله، وقيل إنما قال ذلك ابن أخته إبراهيم النظام وهو الصحيح، ولأبي الهذيل كتاب يعرف بميلاس وكان ميلاس هذا مجوسيا جمع بين أبي الهذيل وبين جماعة من الثنوية فقطعهم أبو الهذيل فأسلم ميلاس عند ذلك.
المهدي الأموي
صفحة : 650
محمد بن هشام بن عبد الجبار ابن الناصر لدين الله أبي المطرف عبد الرحمن ابن محمد الأموي، هو أول من فتح على بني أمية بالمغرب باب الفتنة، قام في ثلاثة عشر رجلا، توثب على الأمر بالأندلس وخلع المؤيد بالله هشاما وحارب عبد الرحمن الحاجب ابن أبي عامر القحطاني الذي وثب قبله بسنة، وسمى نفسه ولي العهد وجعل ابن عمه محمد بن المغيرة حاجبه، وأمر بإثبات كل من جاءه في الديوان فلم يبق زاهد ولا جاهل ولا حجام حتى جاءه فاجتمع له نحو من خمسين ألفا، وذلت له الوزراء والصقالبة وجاءوا وبايعوه، وأمر بنهب دور بني عامر وانتهب جميع ما في الزهراء من الأموال والسلاح حتى قلعت الأبواب، فيقال إن الذي وصل إلى خزانة ابن عبد الجبار خمسة آلاف ألف دينار وخمس مائة ألف دينار ومن الفضة ألف ألف درهم ثم وجد بعد ذلك خوابي فيها ألف ألف ومائة ألف دينار، وخطب له بالخلافة بقرطبة وتسمى بالمهدي وقطعت دعوة المؤيد وصلى المهدي الجمعة بالناس وخطب بلعنة عبد الرحمن بن أبي عامر الملقب بشنشول، ثم سار إلى حربه إثر ذلك سنة تسع وتسعين وثلاث مائة، وكان القاضي ابن ذكوان يحرض على قتاله ويقول هو كافر وكان قد استعان بعسكر من الفرنج وقام معه ابن غومص القومص فسار إلى قرطبة وأخذ أمر ابن عبد الجبار يقوى وأمر شنشول يضعف وأصحابه تنسحب عنه فقال له القومص: ارجع بنا قبل أن يدهمنا العدو، فأبى ومال إلى دير شريش جوعان سهران فنزل له الراهب بخبز ودجاجة فأكل وشرب وسكر، وجاء لحربه حاجب المهدي في خمس مائة فارس فجدوا في السير وقبضوا عليه فقال: أنا في طاعة المهدي، وظهر منه جزع وذل وقيل قدم الحاجب ثم ضربت عنق شنشول ونودي عليه: هذا شنشول المأبون، ولما استوسق الأمر لابن عبد الجبار أظهر من الخلاعة أكثر مما ظهر من شنشول وأربى عليه في الفساد وأخذ الحرم وعمد إلى نصراني يشبه المؤيد بالله ففصده حتى مات وأخرجه للناس وقال: هذا هشام، وصلى عليه ودفنه، ووصل إلى ابن عبد الجبار رسول صاحب طرابلس الغرب فلفل بن سعيد الزناتي داخلا في الطاعة وسأله إرسال سكة يضرب بها الذهب على اسمه، كل ذلك ليعينه على باديس بن المنصور، فخرج باديس وأخذ طرابلس وكتب إلى عمه حماد في إغراء القبائل على ابن عبد الجبار، وكان ابن عبد الجبار لخذلانه قد هم بالغدر بالبربر الذين حوله وصرح بذلك الجهلة، فنم عليه هشام بن سليمان بن الناصر لدين الله وحرضهم على خلعه فقتلوا وزيريه محمد بن درى وخلف بن طريف وثار الهيج واجتمع لهشام عسكر وحرقوا السراجين وعبروا القنطرة ثم تخاذلوا عن هشام فاخذ هو وولده وأخوه أبو بكر فقتله ابن عبد الجبار صبرا وقتل خلقا من البربر، ثم إن البربر تحيزوا إلى قلعة رباح وهرب معهم سليمان بن الحكم فبايعوه وسموه المستعين بالله وجمعوا له مالا نحو مائة ألف دينار وتوجه بالبربر إلى طليطلة فامتنعوا عليه ثم ملكها وقتل واليها، فاعتد ابن عبد الجبار للحصار وجزع حتى جرأ عليه العامة ثم بعث عسكرا فهزمهم سليمان فوثب الناس للقتال وكان أكثر عسكر ابن عبد الجبار فحامين وحاكة وقارب سليمان قرطبة فبرر إليه عسكر ابن عبد الجبار فناجزهم سليمان فكان من غرق منهم في الوادي أكثر ممن قتل وكانت وقعة هائلة وذهب فيها خلق من الأخيار والمؤذنين والأئمة، فلما أصبح ابن عبد الجبار أخرج المؤيد بالله هشاما الذي كان أظهر موته فأجلسه للناس وأقبل القاضي يقول: هذا أمير المؤمنين وإنما محمد نائبه، فقال له البربر: يا ابن ذكوان بالأمس تصلي عليه واليوم تحييه وخرج أهل قرطبة إلى المستعين سليمان فأحسن ملتقاهم واختفى ابن عبد الجبار واستوسق أمر المستعين ودخل القصر وأرى الناس قتلاهم وكانوا نحو اثني عشر ألفا، ثم هرب ابن عبد الجبار إلى طليطلة فقاموا معه وكتب إلى الفرنجية ووعدهم بالأموال فاجتمع إليه خلق عظيم وهو أول مال انتقل من بيت مال الأندلس إلى الفرنج وكانت الثغور كلها باقية على طاعة ابن عبد الجبار، فقصد قرطبة في جيش كبير وكان الملتقى على عقبة البقر على بريد من قرطبة فاقتتلوا قتالا شديدا ثم انهزم ابن عبد الجبار أقبح هزيمة وقتل من الفرنج ثلاثة آلاف وغرق منهم خلق وأسر ابن عبد الجبار ثم ضربت عنقه وقطعت أربعته في ثامن ذي الحجة سنة أربع مائة وله أربع وثلاثون سنة، ومن شعر المهدي المذكور في غلام حياه بقضيب
صفحة : 651
آس:آس:
أهديت مشبه قدك المـياس غصنا رطيبا ناعما من آس
فكأنما تحكيه في حركاتـه وكأنما يحكيك في الأنفاس ومنه في جارية اطلعت عليه في مجلس أنسه ويهواها:
إذا طلعت فلا شمـس ولا قـمـر أنت التي ليس يهوى غيرك البصر
وكل يوم طواك الدهر عن نظري فذاك ذنب لديه لـيس يغـتـفـر
يا زائري، وكؤوس الـراح دائرة لح بدر تم فهذي الأنجم الـزهـر محمد بن هشام بن ملاس أبو جعفر النميري، له جزء رواه أبو القاسم ابن رواحة عاليا، توفي سنة سبعين ومائتين.
أبو بكر الأموي المقرئ
محمد بن هشام بن عبد العزيز بن محمد بن سعيد الخير ابن الأمير الحكم ابن هشام بن عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو بكر، أديب شاعر مشهور بالتقدم في الأدب يقول الشعر بفضل أدبه فيكثر ويحسن، وله كتاب ألفه في أخبار الشعراء بالأندلس، من شعره:
وروضة من رياض الحزن حالفها طل اطلت به في أفقها الحـلـل
كأنما الورد فيما بينـهـا مـلـك موف ونوارها من حوله خـول أبو محلم الراوية
محمد بن هشام أبو محلم الراوية التميمي ثم السعدي، هو أعرابي بصري كان احفظ الناس للعلم وأذكاهم وكان يهاجي أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الكاتب وأباه، ومن قوله في إبراهيم:
تصيخ لكسرى حين يسمـع ذكـره بصماء عن ذكر النبـي صـدوف
وتعرف في إطراء كسرى ورهطه وما أنت في أعلاجهم بـشـريف وله وقيل لمعقل بن عيسى أخي أبي دلف:
ما غاض دمعي عند نـازلة إلا جعلتك للبكـا سـبـبـا
فإذا ذكرتك سامحتـك بـه مني الجفون ففاض وانسكبا وتوفي أبو محلم سنة خمس وأربعين ومائتين، وقال ابن السكيت: كان رافضيا.
السدري
محمد بن هشام بن أبي حميضة مولى لبني عوال، اشترى المتوكل ولاءه بثلاثين ألف درهم، هو أبو نبقة السدري كان يصحب الجماز وعبد الصمد ابن المعذل والجاحظ وأدباء البصرة، وهو القائل:
سأترك هذا الباب ما دام إذنـه على ما أرى حتى يلين قلـيلا
إذا لم أجد يوما إلى الإذن سلما وجدت إلى ترك المجيء سبيلا ابن الباقلاني
محمد بن هلال بن أبي الجيش بن علي أبو بكر المعروف بابن الباقلاني نزيل مشهد باب ابرز ببغداذ، روى عن أبي بكر بن ثوابة العابر حكاية رواها عنه شجاع الذهلي وهي: قال أبو بكر العابر: سافرت إلى مكة في جماعة من الصوفية، فلما بلغوا ذات عرق لبوا ولبسوا ثياب الإحرام وكان فيهم عبد أسود سكيتا فلم يلب ذلك اليوم مع الناس فقال له شيخ لنا متقدم: علينا من شرط الحج التلبية وأنت ما لبيت? فقال: أقول لبيك ولم يقل لي يا مقبل? إذا قال لي يا مقبل قلت لبيك، قال: فلما كان في غد صلى بنا الشيخ الفجر وسمعنا مقبلا يقول: لبيك اللهم لبيك، ثم وقع ميتا، قال: فقلنا: قد دعاه مولاه، وواريناه.
ابن الصابي غرس النعمة
صفحة : 652
محمد بن هلال بن المحسن بن إبراهيم بن هلال بن إبراهيم بن زهرون ابن حيون بن الوليد بن مروان بن مالك بن بروسن أبو الحسن بن أبي الحسين ابن أبي علي بن أبي إسحق الكاتب المعروف بابن الصابي ويلقب بغرس النعمة من بيت مشهور بالرياسة والفضل والتقدم والوجاهة والكتابة والبلاغة، وكان جده المحسن فاضلا كتب الخط المليح، وأبوه إبراهيم صاحب الفضل المشهور والتقدم في النظم والنثر وكان على دين الصابئة، وأما والده أبو الحسين هلال فإنه أسلم لرؤيا رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وحسن إسلامه، وتوفي محمد بن هلال سنة ثمانين وأربع مائة ومولده سنة ست عشرة وأربع مائة، وولي ديوان الإنشاء أيام الإمام القائم، قال ذلك ابن الدبيثي، وله كتاب الهفوات النادرة والذيل على تاريخ أبيه وكتاب الربيع سلك فيه مسلك نشوار المحاضرة، وخلف سبعين ألف دينار ما كان يظن أحد أنه معه زكاتها، وقال هبة الله بن المبارك السقطي: أنه كان يجازف في تاريخه ويذكر ما ليس بصحيح، وابتنى بشارع ابن أبي عوف دار كتب وقف فيها نحوا من أربع مائة مجلد في فنون من العلم ورتب بها خازنا يقال له ابن الأقساسي العلوي وتردد العلماء إليها سنين كثيرة ثم صرف الخازن وحك ذكر الوقف من الكتب وباعها فأنكرت ذلك عليه فقال: قد أستغني عنها بدار الكتب النظامية، قال هبة الله: فقلت: بيع الكتب بعد وقفيتها محظور، فقال: صرفت ثمنها في الصدقات.
ناصر الدين ابن الهمام
محمد بن الهمام بن إبراهيم بن الخضر بن همام بن فارس ناصر الدين القرشي، أخبرني الشيخ أثير الدين من لفظه قال: صاحبنا كان له سماع في الحديث وقد حدث عن النجيب الحراني، وكان ذا خط حسن وصورة حسنة كريما محبا في الفقراء مأمنا للأدباء حسن النغمة بالقرآن وإنشاد الشعر باشا بأصحابه يحب من يأكل طعامه ومن يجتمع به، وكان يعرف الحساب واشتغل بالخدم وناب في نظر البيمارستان المنصوري وكان الفقهاء معهم في الجوامك على أحسن حال، وتوفي سنة سبع وسبع مائة.
زنبيلويه
محمد بن هميان بن محمد بن عبد الحميد البغداذي الوكيل ولقبه زنبيلويه ويه بعد زنبيل حدث عن علي بن مسلم الطوسي، توفي سنة إحدى وأربعين وثلاث مائة.
أفضل الدين الأصبهاني
محمد بن الهيثم بن محمد بن الهيثم بن عبد الله بن محمد بن الهيثم أفضل الدين أبو سعد السلمي الأصبهاني، قال العماد الكاتب: لقيته بأصبهان سنة تسع وأربعين وخمس مائة وفي هذه السنة توفي رحمه الله تعالى، مولده في جمادى الآخرة سنة أربع وستين وأربع مائة، وكان شيخا كبيرا يحوي علما غزيرا ملازما لبيته يقصده الفضلاء والمستفيدون لأخذ العلم عنه، ومن نظمه قصيدة يمدح بها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس المزيدي بالحلة:
ألم بنا والليل يعتسـف الـدجـى خيال له الليل التمام تـبـلـجـا
يخوض خداريا من الليل داجـيا ويفري غدافيا من الجنح أدعجـا
فما جر ذيلا فوق شعب ولا أنثنى إلى جانب بالقـاع إلا تـأرجـا منها:
ولما تشاكينا النوى بدموعنـا تحلى وسادي لؤلؤا مترجرجا عارض العسكر
محمد بن أبي الهيجاء الأصبهاني، قدم بغداذ أيام المقتفي فولاه عرض العسكر، وكان ذا دهاء، توفي سنة اثنتين وخمسين وخمس مائة، ومن شعره:
إذا لم أنل في دولة المرء غبطة ولم يغشني إحسانه ورعايتـه
فسيان عندي موتـه وحـياتـه وسيان عندي عزلـه وولايتـه ابن أبي الهيجاء والي دمشق
محمد بن أبي الهيجاء بن محمد الأمير الفاضل عز الدين الهذباني الإربلي والي دمشق، ولد سنة عشرين بإربل وقدم الشام شابا واشتغل وجالس العز الضرير، وكان جيد المشاركة في التاريخ والأدب والكلام وهو معروف بالتشيع والرفض، وكان شيخا كرديا مهيبا يلبس عمامة مدورة ويرسل شعره على كتفيه، ولي دمشق فكان جيد السياسية، مات بالسوادة التي في رمل مصر سنة سبع مائة.
ابن الهيصم الكرامي
صفحة : 653
محمد بن الهيصم أبو عبد الله شيخ الكرامية وعالمهم في وقته، وهو الذي ناظره ابن فورك بحضرة السلطان محمود بن سبكتكين وليس للكرامية مثله في الكلام والنظر، وكان في زمانه رأس طائفته كما كان القاضي عبد الجبار رأس المعتزلة في عصره وأبو إسحق الإسفراييني في هذا العصر رأس الأشاعرة والشيخ المفيد رأس الرافضة وأبو الحسن الحمامي رأس القراء وأبو عبد الرحمن السلمي رأس الصوفية وأبو عمر ابن دراج القسطلي رأس الشعراء والسلطان محمود ابن سبكتكين رأس الملوك والحافظ عبد الغني رأس المحدثين وابن هلال المعروف بابن البواب رأس الكتاب المجودين، وعند اليهود شخص كان معاصر ابن البواب كتب في العبراني مثل ابن البواب في العربي، قال ابن الهيصم: ما أطلقته المشبهة على الله تعالى من الهيئة والصورة والجوف والاستدارة والوفرة والمصافحة والمعانقة ونحو ذلك لا تطلقه الكرامية عليه بالمعاني الفاسدة التي أطلقها المشبهة وإنما أطلقت الكرامية عليه ما أطلقه القرآن والسنة فقط من غير تشبيه ولا تكييف وما لم يرد به قرآن ولا سنة فلا تطلقه عليه بخلاف سائر المشبهة، وقال: إن البارئ عالم بما سيكون على الوجه الذي يكون فلا ينقلب علمه جهلا ومريد لما يخلق في الوقت الذي يخلق بإرادة حادثة، وقال: نحن نثبت القدر خيره وشره من الله تعالى وإنه أراد الكائنات خيرها وشرها وخلق الموجودات كلها حسنها وقبيحها ونثبت للعبد فعلا بلا قدرة حادثة فسمى ذلك كسبا.
السلامي
محمد بن لاجين أبو عبد الله السلامي، قال محب الدين ابن النجار: ذكره شيخنا يحيى بن القاسم قاضي تكريت أنه قدم عليه وأنشده مادحا له قصيدة أولها:
كم لي أعنف في هـواك عـذولا وأجن منك صـبـابة ونـحـولا
وأود منك على التقرب والنـوى طيفا يبشر بالـلـقـاء رسـولا
يا شادنا سمحت بـحـفـظ وداده نفسي فأصبح بالوصال بـخـيلا
رفقا جعلت لك الفداء فـإنـنـي رمت السلو فما وجدت سـبـيلا
أخليت قلبي من سواك فلـم يزل بجفاك من دون الورى مأهـولا
ومنعت في حبيك من سنة الكرى جفني فأصبح بالسهاد كـحـيلا
كن كيف شئت فلست أول من غدا دمه لغير جـنـاية مـطـلـولا
لا تحسبن جفاك يحـدث سـلـوة عندي فأرغب في سواك بـديلا
كلا ومن أعطاك من دون الورى وجها يسر الناظـرين جـمـيلا قلت: شعر عذب منسجم.
العابد البصري
محمد بن واسع بن جابر بن الأخنس أبو بكر الأزدي البصري عابد البصرة أحد الأئمة العباد، روى عن أنس بن مالك ومطرف بن الشخير وعبيد بن عمير المكي وعبد الله بن الصامت وأبي صالح السمان وابن سيرين وغيرهم، روى عنه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، قال العجلي: ثقة صالح، قال الدارقطني: هو ثقة لكنه بلي برواة ضعفاء، قال الأصمعي: لما صاف قتيبة الترك وهاله أمرهم سأل عن محمد بن واسع فقيل: هو ذاك في الميمنة جانح على قوسه يبصبص بإصبعه إلى السماء، فقال: تلك الإصبع أحب إلي من مائة ألف سيف شهر وشاب طرير، وتوفي سنة ثلاث وعشرين ومائة.
تاج الدين الحنفي
محمد بن وثاب بن رافع أبو عبد الله تاج الدين الحنفي، كان فقيها عالما فاضلا حسن الشكل، درس وأفتى وناب في الحكم بدمشق وكان سديدا في أحكامه مشكور السيرة، توفي بدمشق سنة سبع وستين وست مائة وهو في عشر السبعين.
الواسطي
محمد بن وزير الواسطي، روى عنه الترمذي وثقة أبو حاتم الرازي، وتوفي سنة سبع وخمسين ومائتين.
أبو جعفر القائد
محمد بن ورقاء بن نصلة الشيباني القائد، قال:
شيبان قومي وليس الناس مثـلـهـم لو ألقموا ما تضيء الشمس لالتقموا
لو يقسم المجد أرباعا لكـان لـنـا ثلاثة وبربـع تـجـتـزي الأمـم
ثلاثة صافيات قد جـمـعـن لـنـا ونحن في الربع بين الناس نستهـم وهذا البيت جماعة منهم محمد هذا وأبو محمد جعفر بن ورقاء بن محمد ابن ورقاء وأبو أحمد عبد الله بن ورقاء وسيأتي ذكر كل واحد منهم في مكانه.
ابن وشاح
صفحة : 654
محمد بن وشاح بن عبد الله أبو علي، ولد سنة تسع وسبعين وثلاث مائة، كان كاتبا لنقيب النقباء الكامل وكان فاضلا، توفي عن أربع وثمانين سنة سنة ثلاث وستين وأربع مائة، ومن شعره:
حملت العصا لا الضعيف أوجب حملها علي ولا أني تحنـيت مـن كـبـر
ولكنني ألزمت نفسي بـحـمـلـهـا لأعلمها أن المقـيم عـلـى سـفـر الحافظ ابن وضاح المغربي
محمد بن وضاح القرطبي الحافظ، ولد سنة تسع وتسعين ومائة بقرطبة، وسمع يحيى بن يحيى ومحمد بن خالد وجماعة بالأندلس، قال ابن الفرضي: رحل إلى المشرق رحلتين فسمع في الثانية خلقا كثيرا من البغداذيين والكوفيين والبصريين والشاميين والمصريين والقزوينيين وعدة شيوخه مائة وستون رجلا وبه وببقي بن مخلد صارت الأندلس دار حديث، وكان عالما بالحديث بصيرا بطرقه متكلما على علله وله خطأ كثير محفوظ عنه وأشياء يغلط فيها ويصحفها وكان لا علم له بالفقه ولا العربية، توفي في المحرم سنة سبع وثمانين.
القاضي الحمصي
محمد بن الوليد أبو الهذيل الزبيدي الحمصي القاضي أحد الأئمة الثقات، قال ابن سعد: كان أعلم أهل الشام بالفتوى والحديث، روى له الجماعة سوى الترمذي، وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائة.
الطرطوشي
محمد بن الوليد بن محمد بن خلف بن سليمان بن أيوب أبو بكر الفهري الطرطوشي الأندلسي الفقيه المالكي نزيل الاسكندرية، وطرطوشة بالشين المعجمة آخر بلاد المسلمين من الأندلس، صحب القاضي أبا الوليد الباجي وأخذ عنه مسائل الخلاف وصنف سراج الملوك للمأمون ابن البطائحي وزير مصر بعد الأفضل وصنف طريقة في الخلاف، روى عنه السلفي وغيره، توفي سنة عشرين وخمس مائة، دخل على الأفضل ابن أمير الجيوش فبسط مئزرا كان معه تحته وجلس عليه، وكان إلى جانب الأفضل رجل نصراني فوعظ الأفضل حتى بكى، فأنشده:
يا ذا الذي طاعته قـربة وحقه مفترض واجـب
إن الذي شرفت من اجله يزعم هذا أنـه كـاذب وأشار إلى النصراني فأقامه الأفضل، وكان الأفضل قد أنزله في مسجد شقيق الملك بالقرب من الرصد وكان يكرهه فلما طال مقامه به ضجر وقال لخادمه: إلى متى نصبر? اجمع لي المباح، فجمعه فأكله ثلاثة أيام، فلما كان عند صلاة المغرب قال لخادمه: رميته الساعة، فلما كان من الغد ركب الأفضل فقتل وولي بعده المأمون ابن البطائحي فأكرم الشيخ إكراما كثيرا.
النحوي
محمد بن ولاد عرف بذلك وإنما هو ابن الوليد التميمي النحوي صاحب التصانيف في علم العربية، أخذ عن المبرد النحو وعن ثعلب، ومات كهلا في سنة ثلاث مائة أو ما دونها، وكان به عرج وقرأ على المبرد كتاب سيبويه، وكان حسن الخط جيد الضبط، وتزوج أبو علي الدينوري أمه، وله في النحو كتاب سماه المنمق.
الأندلسي الشاعر
محمد بن ولاد أبو بكر من أهل شلطيش بغرب الأندلس، أورد له ابن الأبار في التحفة:
نطوي سبوتا وآحادا وننـشـرهـا ونحن في الطي بين السبت والأحد
فعد ما شئت من سبت ومن أحـد حتى تصير مع المدخول في العدد وكان لابن ولاد حفيد صغير يتعلم في المكتب فتغدى معه يوما فقال له: أجز:
أكلنا الخبز مصبوغا بزيت فقال الصبي:
غداء نافعا في وسط بيت فقال ابن ولاد:
فلو شيء يرد الميت حيا فقال الصبي:
لكان الخبز يحيي كل ميت ووجد بخطه بعد موته:
أرجوك يا رب في سري وفي علني إن الرجاء إليك اليوم يحمـلـنـي
من ذا يؤنسني في القبر منـفـردا إن لم تكن أنت مولاي تؤنسـنـي
وسوف يضحك خل قد بكى جزعـا بعدي ويسلو الذي قد كان يندبـنـي
ذنبي عظيم ومنك العفو ذو عـظـم فكيف يا رب من عفو تخـيبـنـي
سميت نفسك رحمانا فقـد وثـقـت نفسي بأنك يا رحمان ترحمـنـي ابن الزنف
صفحة : 655
محمد بن وهب بن سلمان بن أحمد بن علي أبو المعالي ابن أبي القاسم السلمي المعروف بابن الزنف من أهل دمشق، سمع في صباه من أبي الدر ياقوت بن عبد الله البخاري والفقيه أبي الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي وأبي محمد الحسن بن الحسين بن البن الأسدي وأبي القاسم نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي وأبي طالب علي بن حيدرة بن جعفر العلوي وأبي طاهر إبراهيم ابن الحسن بن الحصني وغيرهم، وعمر حتى حدث بالكثير وانتشرت عنه الرواية، قال محب الدين ابن النجار: قدم علينا بغداذ سنة خمس وست مائة متوجها إلى الحج وكانت معه شدة من عواليه سمعناها منه وكتبناها عنه وكان شيخا صالحا حسن الهيئة صدوقا، ولد سنة ثلاث وثلاثين وخمس مائة بدمشق وتوفي بها في شعبان سنة ست وست مائة.
العابد
محمد بن وهب أبو جعفر العابد صاحب الجنيد، قال: سافرت لألقى أبا حاتم العطار الزاهد البصري فطرقت عليه بابه فقال: من? فقلت: رجل يقول ربي الله، ففتح الباب ووضع خده على التراب وقال: طأ عليه فهل بقي في الدنيا من يحسن أن يقول ربي الله? توفي سنة إحدى وسبعين ومائتين وغسله الجنيد وصلى عليه ودفنه إلى جانب سري السقطي.
ابن وهب الشاعر
محمد بن وهب، من شعراء المأمون، شاعر مليح جيد المعاني فصيح الألفاظ، من شعره:
وليل في جوانبه فصـول من الأظلام أدهم غيهبان
كأن نجومه دمع حـبـيس ترقرق بين أجفان الغواني وقال:
رأيت وضحا في مفرق الرأس راعها شريجـان مـبـيض بـه وبـهـيم
تفاريق شيب في الـسـواد لـوامـع وما خير لـيل لـيس فـيه نـجـوم وقال في مدح المأمون وهو من حسن التخلص:
وبدا الصباح كأن غرته وجه الخليفة حين يمتدح
نشرت بك الدنيا محاسنها وتزينت بصفاتك المدح وقال:
ألا ربما ضاق الفضاء بأهلـه وأمكن من بين الأسنة مخرج
وقد يركب الخطب وهو قاتل إذا لم يكن إلا عليه معـرج وقال من مديح المأمون:
فكأنه روح تدبرنـا حركاته وكأننا جسد وقال:
نراع لذكر الموت ساعة ذكـره وتعترض الدنيا فنلهو ونلعـب
يقين كأن الشك أغلـب أمـره عليه وعرفان إلى الجهل ينسب
وقد نعت الدنيا إلى نعـيمـهـا وخاطبني إعجامها وهو معرب
ولكنني منها خلقت لـغـيرهـا وما كنت منه فهو شيء محبب الحميري البصري
محمد بن وهيب الحميري البصري، شاعر مطبوع مكثر يكنى أبا جعفر مدح المأمون والمعتصم، وهو القائل:
نراع لذكر الموت ساعة ذكـره وتعترض الدنيا فنلهو ونلعـب
يقين كأن الشك أغلـب أمـره عليه وعرفان إلى الجهل ينسب وقال:
ألا ربما كان الـتـصـبـر ذلة وأدنى إلى الحال التي هي أسمج
ويا ربما ضاق الفضاء بأهـلـه وأمكن من بين الأسنة مخـرج وقال:
ما لمن تمت محـاسـنـه أن يعادي طرف من رمقا
لك أن تبدي لنا حـسـنـا ولنا أن نعمل الـحـدقـا قال محب الدين ابن النجار: وكان يتشيع وله مراث في آل البيت، وقال صاحب الأغاني: كان تياها شديد الذهاب بنفسه، وقال: دخل على أحمد بن هشام وقد مدحه فرأى بين يديه غلمانا روقة مردا وخدما بيضا فرها في نهاية الحسن والكمال والنظافة، فدهش لما رأى وبقي متبلبلا لا ينطق حرفا، فضحك أحمد منه وقال له: ما لك ويحك تكلم بما تريد، فقال:
قد كانت الأصنام وهي قديمة كسرت وجذعهن إبـرهـيم
ولديك أصنام سلمن من الأذى وصفت لهن نضارة ونعـيم
وبنا إلى صنم نلوذ بركـنـه فقر وأنت إذا هززت كريم فقال له: اختر من شئت منهم، فاختار واحدا فأعطاه إياه فمدحه بأبيات.
البديهي
صفحة : 656
محمد بن وهيب البديهي، حضر مجلس بعض الفقهاء في عقد نكاح فقال له الفقيه: لو أملكتك عقد هذا النكاح لشاركتنا في الحسنة، فقال له: نعم، كيف تريد ذلك نظما أو نثرا? فاقترحوا نظما فقال: هات كاتبا، فأملى عليه نظما ذكر الشروط والتاريخ وكل ما له علاقة بالصداق لم يتردد فيه ولا أبطأ كأنه يتلوه من حفظه، فبهت القوم وقال له الفقيه: أمرك والله عجيب كاد لولا المشاهدة ألا أصدقه، وركب إلى المنصور بن أبي عامر فأخبره بالمجلس وأراه الشعر فعجب من ذلك وأمر له بصلة حملت إليه وكان عدة ما ارتجله ثلاثين بيتا منها:
لأصدق عبد الله نجل مـحـمـد فتى أموي زوجه البكر مريمـا
وأمهرها عشرين، عجل نصفها، دنانير يحويها أبوها مسـلـمـا
وأنكحها منه أبوهـا مـحـمـد سلالة إبراهيم من حي خثعمـا
وباقي صداق البكر باق إلى مدى ثلاثة أعوام زمانا مـتـمـمـا
مؤخرة عنه يؤدي جمـيعـهـا إذا لم يكن عند التطلب معدمـا
ومن شرطها أن لا يكون مؤجلا لها أبدا عن دارها أين يمـمـا
وألا يرى حتما بشيء يضيرهـا يصرف فيه الدهر كفا ولا فما وكان ابن وهيب إذا جلس ابن أبي عامر للشعراء وأذن لهم في الإنشاد بدأ ابن وهيب ينشده بديهة فلا تأتيه نوبته حتى يفرغ كما أراده ويقوم فينشده وإن مداده ما جف.
ابن الأسقف
محمد بن ياسين شرف الدين أبو عبد الله المصري المعروف بابن الأسقف، نقلت من خط شرف الدين مستوفي إربل قال: كان نصرانيا وأسلم وتسمى بمحمد، تصرف في الديار المصرية عاملا في أعمالها الحقيرة لا الخطيرة، ولما أسلم قرأ القرآن وعرف شيئا من العربية وكان يرمى بالأبنة، ورد إربل وأقام بها أياما فقيل إنه اتهم به غلام له وكثر القول عليه فسافر، أنشدني لنفسه:
دعني أقبل راحتيك لأنهـا أعنت رجالا مسهم إملاق
لا زالت العليا على أعدائها أبدا تشير لنحوها الأرزاق قلت: شعر ركيك مختل الانتظام والارتباط.
أبو طاهر الحلبي البزاز المقرئ
محمد بن ياسين بن محمد البزاز أبو طاهر المقرئ المعروف بالحلبي، هو بغداذي قرأ القرآن على أبي حفص عمر بن أحمد بن إبراهيم الكتاني وأبي الفرج محمد بن إبراهيم الشنبوذي وأبي الحسن علي بن محمد بن يوسف العلاف وروى عنهم سماعا وتلاوة وصنف في القراءات عدة مفردات، سمع منه الحسين بن محمد الوني الفرضي وروى عنه عبد السيد بن عتاب وعلي ابن الحسين الطريثيثي وأبو الحسن أحمد بن المحسن بن محمد المقرئون، وتوفي سنة ست وعشرين وأربع مائة.
أبو بكر الحداد
محمد بن ياسر بن عبد الله بن عبد الخالق أبو بكر الحداد من أهل بغداذ، سكن جبيل وكان إمام جامعها ونسب إلى دمشق، سمع بدمشق هشام بن عمار وعمرو بن عثمان بن سعيد الحمصي وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيما، وروى عنه أبو نصر قيس بن بشر السندي الجبيلي وأبو الحسن أحمد بن عامر ابن محمد بن يعقوب الدمشقي وسليمان الطبراني وأبو عبد الله جعفر بن محمد ابن جعفر ابن بنت عدبس الكندي.
الأمير محمد بن ياقوت
محمد بن ياقوت بن عبد الله أبو بكر الأمير، كان والده أحد حجاب المقتدر ولي حجبته بعد أحمد بن نصر القشوري، وكان محمد يحجب ابنه الراضي، وكانت هذه المنزلة في ذلك الوقت تزيد على الوزارة ويخاطب من يتولاها بالإمارة على رسم بدر المعتضدي وإليه أمور الجند وتدبير الدولة بيده والوزراء كالمنصرفين على أوامره، من شعره:
لا والذي يبـقـيك لـي ويسرني بالقرب منـك
ما طاب عيش غبت عن ه ولا سرور غاب عنك ومنه:
حمراء يمزجها ظبي بريقتـه كأنما عصرت من ماء وجنته
حيا بمنطقه النفس التي وقفت على المتالف من تفتير مقلته ومنه:
أعرضت عني، وقتك نفسي كل مخوف من اللـيالـي
لقول واش وشـى بـأنـي أقول إن صد لا أبـالـي
لا والذي ألـتـجـي إلـيه لكشف ضري وسوء حالي
ما كان مما حكـاه حـرف ولا جرى خاطرا ببـالـي
صفحة : 657
قلت: شعر جيد منسجم عذب، ولد ببغداذ سنة اثنتين وتسعين ومائتين وتوفي في حبس الراضي في قصر الخلافة سنة ثلاث وعشرين وثلاث مائة.
الفقيه المالكي القرطبي
محمد بن يبقى بن زرب بن يزيد أبو بكر القرطبي الفقيه المالكي، صنف كتاب الخصال في مذهب مالك عارض به كتاب الخصال لابن كاس الحنفي فجاء في غاية الإتقان وله الرد على ابن مسرة، وكان بصيرا بالعربية والحساب، توفي سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة.
البتلهي
محمد بن يحيى بن حمزة البتلهي قاضي دمشق وابن قاضيها، روى عن أبيه وجادة، وتوفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين.
أبو عبد الله اليزيدي
محمد بن يحيى بن المبارك العدوي أبو عبد الله اليزيدي، كان لاصقا بالمأمون من أهل أنسه بالحضرة وخراسان، قال ابن المرزبان: كانت رتبته أن يدخل إليه مع الفجر فيصلي به ويدرس عليه ثلاثين آية وكان لا يزال يعادله في أسفاره ويفضي إليه المأمون بأسراره، وسنه وسن الرشيد واحدة وقد مدح الرشيد مدحا كثيرا، وهو القائل:
أتظعن والذي تهوى مقـيم لعمرك إن ذا خطر عظيم
إذا ما كنت للحدثان عونـا عليك وللفراق فمن تلـوم
شقيت به فما أنا عنه سال ولا هو إن تلفت به رحيم وقال:
تقاضاك دهرك ما أسلـفـا وكدر عيشك بعد الصـفـا
فلا تنكرن فـإن الـزمـان رهين بتشتيت مـا ألـفـا
يجوز على المرء في حكمه ولكنه ربمـا أنـصـفـا وقال:
يا بعيدا مـزاره حل بين الجوانح
نازح الدار ذكره ليس عني بنازح وقال:
يا بعيد الدار موصو لا بقلبي ولسانـي
ربما باعدك الـده ر فأدنتك الأماني وبقي أبو عبد الله إلى أيام المعتصم وخرج معه إلى مصر وتوفي بها.
التمار
محمد بن يحيى بن أبي سمينة البغداذي التمار، روى عنه أبو داود، قال أبو حاتم: صدوق، وقال ابن حنبل: لولا أن فيه تلك العلة، يعني شرب النبيذ على مذهب الكوفيين، توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين.
القطعي
محمد بن يحيى بن أبي حزم مهران القطعي البصري أبو عبد الله، روى عنه الجماعة خلا البخاري، قال أبو حاتم: صدوق، توفي سنة ثلاث وخمسين ومائتين.
المرتضي العلوي
محمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ابن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه الشريف الرسي وسوف يأتي ذكر والده في حرف الياء في مكانه إن شاء الله تعالى، خلف يحيى المذكور ولده محمدا هذا بصعدة وتسمى بالمرتضي لدين الله، وكان خطيبا شاعرا فصيحا، ولما قام بالأمر اضطرب الناس عليه واتصلت الدعوة لنسلهم، وقيل إن محمدا لما اختلفوا عليه خطب الناس خطبة يدعو إلى نفسه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فأبوا إلا قتاله فقاتلهم ورفع صوته في حال القتال وقال:
كرر الورد علينـا والـصـدر فعل من بدل حقـا وكـفـر
أيها الأمة عـودي لـلـهـدى ودعي عنك أحاديث السـمـر
وأقبلي ما قال يحـيى لـكـم ابن بنت المصطفى خير البشر
عدمتني البيض والسمر مـعـا وتبدلـت رقـادي بـسـهـر
لأجـرن عـلـى أعـدائنــا نار حرب بضرام مستـعـر الأسدي
محمد بن يحيى الأسدي، قال ابن المرزبان: متوكلي يقول:
ليت الكرى عاود العينين ثانـية لعل طيفا لها في النوم يلقانـي
أو ليت أن نسيم الريح يبلغـهـا عني تضاعف أسقامي وأشجاني وقال:
وآمن لصروف الدهر قلت له وأجهل الناس بالأيام آمنـهـا
لا تفعلن ورحـى الأيام دائرة فكم ترى سافلا دقت طواحنها الزعفراني النحوي
صفحة : 658
محمد بن يحيى أبو الحسن الزعفراني النحوي أحد تلاميذ أبي الحسن علي ابن عيسى الربعي، وكان الربعي يثني عليه ويصفه وصفا كثيرا، وهو بصري ولقي أبا علي الفارسي، وأخذ عنه محمد بن الحسين بن زنجي، وحدث ابن نصر قال: قال لي أبو الحسن الزعفراني: نزل علي أبو علي الفارسي لما قدم البصرة وقرأت عليه الكتاب فقال لي: أنت مستغن عني يا أبا الحسن، قلت: إن استغنيت عن الفهم لم أغن عن الفخر والجمال، قال ابن نصر: فسألت الربعي عن هذا فصدقه وقال لي: قدم أبو علي الفارسي البصرة وأبو الحسن الزعفراني نحوي مستقل، قال ابن نصر: وحدثني الزعفراني وقد سألته في باب ما لم يسم فاعله لم لم يجز تصدير ما يشتغل بحرف الجر قائما مقام الفاعل ولم قصر به شغله بحرف الجر عن رتبة الفاعل فصار مفعولا، فذكر في ذلك ما أوضحه وقال لي: ما نفعني شيء من النحو قط سوى هذا الباب فإني كتبت رقعة إلى أبي الحسن علي بن محمد بن كامل عامل البصرة سألته النظر لي من جملة المساحة بجريبين فوقع: يترك له من عرض المرفوع في ذكر المساحة ووقف وقفة ولم يدر كيف الإعراب فكتب: ثلاثة أجرية، فتبركت بهذا الباب فقط.
الحافظ الذهلي
محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس الإمام الذهلي مولاهم النيسابوري الحافظ، سمع من خلق كثير، روى عنه الجماعة خلا مسلم، قال: ارتحلت ثلاث رحلات وأنفقت مائة وخمسين ألفا، قال النسائي: ثقة مأمون، قال أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف: رأيت محمد بن يحيى في المنام فقلت: ما فعل الله بك? قال: غفر لي، قلت: فما فعل بحديثك? قال: كتب بماء الذهب ورفع في عليين، توفي سنة ثمان وخمسين ومائتين، وسيأتي خبره مع مسلم في ترجمة مسلم، وكان سبب الوحشة بينه وبين البخاري: لما دخل البخاري نيسابور شغب عليه محمد بن يحيى في مسألة خلق اللفظ وكان قد سمع منه ولم يمكنه ترك الرواية عنه وروى عنه في الصوم والطب والجنائز والعتق وغير ذلك مقدار ثلاثين موضعا ولم يصرح باسمه فيقول حدثنا محمد ابن يحيى الذهلي بل يقول: حدثنا محمد، ولا يزيد عليه، ويقول محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده وينسبه أيضا إلى جد أبيه.
صقلاب المديني
محمد بن يحيى بن نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب المعروف بصقلاب، قال ابن المرزبان: رشيدي هو القائل:
مل فما تعطفـه رحـمـه واتخذ العـلات إخـوانـا
إن ساءك الدهر بهجرانـه فربمـا سـرك أحـيانـا
لا تيأسن من وصل ذي ملة أطرف بعد الوصل هجرانا
يمل هذا مثلـمـا مـل ذا فيرجع الوصل كما كانـا أبو غسان الكاتب
محمد بن يحيى بن علي أبو غسان الكاتب المدني الراوية، قال ابن المرزبان: مأموني روى عنه عمر بن شبة وهو القائل لعبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن:
لطيت بأجبال الحجاز كـأنـهـا لك اليوم أم ترضع الدر أو أب
وأنت ترى أن الأولى لست دونهم ببغداذ قد نالوا الثراء وأتربسـوا
وأنت امرؤ ضخم الحمالة ماجـد عليك قبول والمكشـف أطـيب فأجابه عبد الله:
لحاني أبو غسان في ضعف همتي وأني لا أغشى الملوك فـأتـرب
وأني بأدنى العيش والرزق قانـع وأني أسباب الغنـى أتـجـنـب
فلم أر هذا الرزق عن حيلة الفتى ولكنه كالـلـحـم حـين يؤرب
حظوظ وأقسام تقسـم بـينـهـم فكلهم من قسمة الله مـنـصـب الحافظ حيويه
محمد بن يحيى بن موسى الإسفراييني الحافظ حيويه، توفي سنة ستين ومائتين أو ما دونها.
القزاز
محمد بن يحيى القزاز البصري، سمع وروى ومات في شهر رجب سنة تسعين ومائتين، وهو من شيوخ الطبراني.
حامل كفنه
صفحة : 659
محمد بن يحيى البغداذي حامل كفنه، توفي في سنة ثلاث مائة أو ما دونها، قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الألقاب: حامل كفنه هو أبو سعيد محمد بن يحيى البزاز الدمشقي، يروي عن عثمان بن أبي شيبة، أنا أبو منصور القزاز أنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: بلغني أن المعروف بحامل كفنه توفي وغسل وكفن وصلي عليه ودفن، فلما كان أول الليل جاءه نباش فنبش عليه فلما حل أكفانه ليأخذها استوى قاعدا فخرج النباش هاربا منه فقام وحمل كفنه وخرج من القبر وجاء إلى منزله وأهله يبكون فدق الباب عليهم فقالوا: من أنت? فقال: أنا فلان، فقالوا له: لا يحل لك أن تزيدنا على ما بنا، فقال: يا قوم افتحوا فأنا والله فلان فعرفوا صوته ففتحوا له الباب وعاد حزنهم فرحا وسمي من يومه حامل كفنه، وحامل كفنه آخر اسمه محمد بن سعيد ويكنى أبا يحيى يروي عن مجاهد بن موسى لقب بذلك، وحامل كفنه آخر اسمه عبد الرحيم بن حاتم أبو سعيد العتكي يروي عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، انتهى، قلت: كذا رأيت الشيخ شمس الدين قال في محمد بن يحيى هذا إنه بغداذي، وقال ابن الجوزي إنه دمشقي وقال: إنه يروي عن عثمان بن أبي شيبة، وعثمان ابن أبي شيبة توفي سنة تسع وثلاثين ومائتين وحامل كفنه هذا توفي في حدود الثلاث مائة فيحمل أن يكون هذا المذكور هو المراد بحامل كفنه.
الحافظ ابن مندة
محمد بن يحيى بن مندة الحافظ المشهور أبو عبد الله صاحب تاريخ أصبهان، كان أحد الحفاظ الثقات وهو من أهل بيت كبير خرج منهم جماعة من العلماء لم يكونوا عبديين وإنما أم الحافظ أبي عبد الله المذكور كانت من بني عبد ياليل واسمها برة بنت محمد فنسب الحافظ إلى أخواله، ذكر ذلك الحافظ أبو موسى الأصبهاني في كتاب زيادات الأنساب، توفي الحافظ أبو عبد الله ابن مندة سنة إحدى وثلاث مائة.
الكسائي الصغير
محمد بن يحيى الكسائي الصغير المقرئ، يروي عنه ابن مجاهد وروى عن خلف بن هشام البزاز.
الصولي الشطرنجي
محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس بن محمد بن صول أبو بكر الصولي البغداذي أحد الأدباء المتقدمين في الآداب والأخبار والشعر والتاريخ، حدث عن أبي العيناء والمبرد وثعلب وأبي داود السجستاني والحافظ الكديمي، نادم عدة من الخلفاء، وصنف أخبار الخلفاء وأخبار الشعراء وأخبار الوزراء وأخبار القرامطة وكتاب الورقة وكتاب الغرر وأخبار أبي عمرو ابن العلاء وكتاب العبادة وأخبار ابن هرمة وأخبار السيد الحميري وأخبار إسحق بن إبراهيم وجمع أخبار جماعة من الشعراء ورتبه على حروف المعجم كلهم محدثون وكتاب أدب الكاتب على الحقيقة وكتاب الشبان عمله لابن الفرات، كتاب الشامل في علم القرآن لم يتم، كتاب مناقب ابن الفرات، كتاب سؤال وجواب، كتاب رمضان، أخبار أبي نواس، أخبار أبي تمام، كتاب أخبار أبي سعيد الجنابي، كتاب في السعاة، كتاب الأمالي يسمى الغرر وجمع شعر ابن الرومي وجمع شعر أبي تمام وشعر البحتري وشعر أبي نواس وشعر العباس بن الأحنف وشعر علي بن الجهم وشعر ابن طباطبا وشعر إبراهيم بن العباس الصولي وشعر أبي عيينة المهلبي وشعر أبي شراعة وكتاب شعراء مضر، وقال أبو بكر الصولي: أنشدني بعض الوزراء بيتا للبحتري وجعل يردده ويستحسنه وهو:
وكأن في جسمي الذي في ناظريك من السقم فجذبت الدواة وعملت في حضرته:
أحببت من أجله من كان يشبهـه وكل شيء من المعشوق معشوق
حتى حكيت بجسمي ما بمقلـتـه كأن سقمي من جفنيه مسـروق فاستحسن ذلك ووصلني، ثم إن رجلا من الكتاب يعرف بالرحوفي ادعى هذين البيتين فعاتبته فقال: هبهما لي، فقلت: أخاف أن تمتحن بقول مثلهما فلا تحسن، فقال: اعمل أنت فعملت بحضرته:
إذا شكوت هواه قال مـا صـدقـا وشاهد الدمع في خدي قد نطقـا
ونار قلبي في الأحشاء مـلـهـبة لولا تشاغلها بالدمع لاحـتـرقـا
يا راقد العين لا يدري بما لـقـيت عين تكابد فيه الـدمـع والأرقـا
يكاد جسمي يخفي في ضنى جسدي كأن سقمي من عينيك قد سـرقـا وفيه يقول ابن زريق الكوفي:
داري بلا خيش ولكننـي عقدت من خيشين طاقين
صفحة : 660
دار إذا ما اشتد حر بها أنشدت للصولي بيتين وكان حسن الاعتقاد جميل الطريقة مقبول القول وحديثه بعلو عند أصحاب السلفي، وتوفي سنة خمس وثلاثين وثلاث مائة بخلف، وكان أوحد زمانه في لعب الشطرنج، كان الماوردي اللاعب عند المكتفي متقدما فوصف له الصولي فأحضره ولعبا بين يديه فأخذ المكتفي في تشجيع الماوردي والزهزهة له الفا به وعناية به إلى أن دهش الولي، فلما اتصل اللعب بينهما وتبين حسن لعبه وغلبه غلبا بينا قال المكتفي للماوردي: صار ماء وردك بولا وقال أبو سعيد العقيلي يهجو الصولي:
إنما الصولي شيخ أعلم الناس خزانه
إن سألناه بعـلـم طلبا منه إبـانـه
قال يا غلمان هاتوا رزمة العلم فلانه أبو الذكر المالكي
محمد بن يحيى بن مهدي أبو الذكر المصري الأسواني، كان من كبار الفقهاء المالكية، توفي سنة أربعين وثلاث مائة تقريبا.
الرباحي النحوي المغربي
محمد بن يحيى بن عبد السلام الأزدي الأندلسي النحوي المعروف بالرباحي، كان عارفا بالعربية صادقا ذكيا فقيها عالما أدب المغيرة بن الناصر لدين الله، وتوفي سنة ثمان وخمسين وثلاث مائة، وكان يعرف بالقلفاط وهو شاعر مشهور، ومن شعر القلفاط:
مزن تغنيه الصبا فإذا هـمـى لبـت حـياه روضة غـنـاء
فالأرض من ذاك الحيا موشـية والروض من تلك السماء سماء
ما إن وشت كفا صناع ما وشى ذاك الغناء بها وذاك الـمـاء
زهر لها مقل جواحـظ تـارة ترنو وتارات لهـا إغـضـاء ومنه:
طوى عني مـودتـه غـزال طوى قلبي على الأحزان طيا
إذا ما قلت يسـلـوه فـؤادي تجدد حبـه فـازددت غـيا
أحييه وأفـديه بـنـفـسـي وذاك الوجه أهـل أن يحـيا قلت: شعر جيد.
أبو عبد الله الجرجاني الحنفي
محمد بن يحيى أبو عبد الله الجرجاني الفقيه الحنفي من علماء العراق، كان زاهدا عابدا نظيرا لأبي بكر الرازي، فلج آخر أيامه ودفن إلى جانب قبر أبي حنيفة سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة.
محمد بن يحيى بن يحيى أبو الوفاء، كتب إليه أبو عبد الله الحسين بن علي البغوي:
رأيت الفضل يحيى يابن يحيى فجانبه أبـو يحـيى طـويلا
مودته ممازحة لـقـلـبـي كما قد مازج الماء الشمولا فأجابه أبو الوفاء:
أبا عبد الإله بقـيت جـزل ال كلام تنـيلـنـا بـرا جـزيلا
فما ابن المزن زوج بنت كـرم ليمهرها أخو الكرم الغـفـولا
بأشهى من كلامك في فـؤادي وقد أسلى الجوى وشفى الغليلا وقال أبو الوفاء:
بقيت بمرو الروذ في عدة المطـر وطول مقام المرء في مثلها خطر
إذا ما أذان الرعد آذانـنـا وعـت لقينا بها الحيطان تسجد للمـطـر أحسن من هذا وأكمل قول بعض شعراء الذخيرة:
بدار سـقـتـهـا ديمة إثــر ديمة فمالت بها الجدران شطرا على شطر
فمن عارض يسقي ومن سقف مجلس يغني ومن بيت يميل من الـسـكـر ابن حزم المغربي
محمد بن يحيى بن حزم من شعراء الذخيرة، قال ابن بسام أحلى الناس شعرا لا سيما إذا عاتب أو عتب جعل هذا الغرض هجيراه، وكنيته أبو الوليد، من شعره:
أتجزع من دمعي وأنت أسلتـه ومن نار أحشائي ومنك لهيبهـا
وتزعم أن النفس غيرك علقـت وأنت، ولا من عليك، حبيبـهـا
إذا طلعت شمس عليك بسـلـوة أثار الهوى بين الضلوع غروبها ومن شعره من قصيدة:
شمس ترمق من محاجـر أرمـد والظل يركض في النسيم الواني
والراح تأخذ من معاطـف أغـيد أخذ الصبا من عطف غصن البان
ملنا نؤمل غـير ذلـك مـنـزلا والراح تقصر خطوه فـيدانـي
ثم اعتنقنا والوشـاة بـمـعـزل وقد التقت في جفنه سـنـتـان
والبدر يرميني بمـقـلة حـاسـد لو يستطيع لكان حـيث يرانـي ومنه أيضا:
صفحة : 661
وكم ليلة بات الهوى يسـتـفـزنـي ولا رقبة دون الأمانـي ولا سـتـر
وفي ساعدي بدر على غصـن بـانة يود مكاني بـين لـبـاتـه الـبـدر
وفي لحظة كالسكر لا عـن مـدامة ولولا اعتراض الشك قلت هو السكر
فلم يك إلا ما أبـاح لـي الـتـقـى ولم يبق إلا أن تحل لي الـخـمـر ومنه أيضا:
وكم ليلة ظافرت في ظلها المنـى وقد طرفت من أعين الرقـبـاء
وفي ساعدي حلو الشمائل متـرف لعوب بيأسـي تـارة ورجـائي
أطارحه حلو العـتـاب وربـمـا تغاضب فاسترضيته بـبـكـائي
وفي لفظه من سورة الراح فتـرة تمت إلـى ألـحـاظـه بـولاء
وقد عابثته الراح حتى رمت بـه لقا بين ثنـيي بـردتـي وردائي
على حاجة في النفس لو شئت نلتها ولكن حمتني عفـتـي وحـيائي ومنه أيضا:
كم ليل ضمت عليه ساعـدي والمسك يأخذ منه ما يعطـيه
والبدر من حسد يجمجم قوله: ما ضر مجدك لو شركتك فيه ابن سراقة الشافعي
محمد بن يحيى بن سراقة أبو الحسن العامري البصري الفقيه الشافعي الفرضي المحدث صاحب التصانيف في الفقه والفرائض وأسماء الضعفاء والمجروحين، توفي بعد الأربع مائة.
ابن الحذاء القرطبي
محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يعقوب التميمي أبو عبد الله ابن الحذاء القرطبي المالكي، كان عارفا بالحديث بارعا في الأثر، صنف كتاب التعريف بمن ذكر في الموطإ من الرجال والنساء وكتاب الإنباه والخطباء والخطب في مجلدين والبشرى في تاويل الرؤيا في عشرة أسفار، وولي قضاء بجاية ثم قضاء إشبيلية، وعهد أن يدفن بين أكفانه كتابه المعروف بالإنباه على أسماء الله فنثر ورقه وجعل بين القميص والأكفان، ذكر القاضي عياض في طبقات المالكية، توفي سنة ست عشرة وأربع مائة.
ابن الصائغ
محمد بن يحيى بن باجة وقيل محمد بن باجة أبو بكر الأندلسي السرقسطي الشاعر المعروف بابن الصائغ، تقدم في أول فصل الباء مستوفى.
ابن نيق الشاطبي
محمد بن يحيى بن خليفة بن نيق أبو عامر الشاطبي، مهر في الأدب والعربية وبلغ الغاية من البلاغة والكتابة والشعر ولقي أبا العلاء ابن زهر وأخذ عنه الطب وبعد صيته في ذلك مع المشاركة في عدة علوم، كان رئيسا معظما جميل الرواء له مصنف كبير في الحماسة وتصنيف آخر في ذكر ملوك الأندلس والأعيان والشعراء، وتوفي سنة سبع وأربعين وخمس مائة.
محيي الدين النيسابوري
محمد بن يحيى بن أبي منصور العلامة أبو سعد النيسابوري الشافعي محيي الدين تلميذ الغزالي، برع في الفقه وصنف في المذهب والخلاف وانتهت إليه رياسة الفقهاء بنيسابور، وصنف المحيط في شرح الوسيط والانتصاف في مسائل الخلاف، قتله الغز في شهر رمضان سنة ثمان وأربعين وخمس مائة لما دخلوا نيسابور، وهو القائل:
وقالوا: يصير الشعر في الماء حية إذا الشمس لاقته، فما خلته صدقا
فلما التوى صدغاه في ماء وجهه وقد لسعا قلبي تيقنـتـه حـقـا حضر بعض فضلاء عصره درسه وسمع فوائده فأنشد:
رفات الدين والاسلام تـحـيا بمحيي الدين مولانا ابن يحيى
كأن الله رب العرش يلـقـي عليه، حين يلقي الدرس، وحيا وكان الغز في وقعتهم مع السلطان سنجر السلجوقي قد أخذوا محيي الدين ودسوا في فيه التراب إلى أن مات، فرثاه جماعة منهم أبو الحسن علي بن أبي القاسم البيهقي قال:
يا سافكا دم عالـم مـتـبـحـر قد طار في أقصى الممالك صيته
بالله قل لي يا ظلوم ولا تـخـف من كان محيي الدين كيف تميتـه أبو بكر المزكي المحدث
محمد بن يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى بن سختويه أبو بكر المزكي النيسابوري المحدث ابن المحدث أبي زكرياء ابن المزكي، توفي سنة أربع وسبعين وأربع مائة.
اليمني الواعظ
صفحة : 662
محمد بن يحيى بن علي بن مسلم بن موسى بن عمران القرشي اليمني الزبيدي الحنفي الواعظ، قدم دمشق وكان له معرفة بالنحو والأدب، قيل إنه كان يميل إلى مذهب السالمية ويقول: إن الأموات يأكلون ويشربون وينكحون في قبورهم والشارب والزاني والسارق لا يلام على فعله لأن ذلك بقضاء الله وقدره، توفي سنة خمس وخمسين وخمس مائة وله منار الاقتضاء ومنهاج الاقتفاء والرد على ابن الخشاب وكتاب القوافي تعليل من قرأ: ونحن عصبة بالنصب والحساب وغير ذلك.
ابن الوزير عون الدين هبيرة
محمد بن يحيى بن محمد بن هبيرة ابن الوزير عون الدين ابن هبيرة، ناب في الوزارة عن أبيه ولما توفي أبوه حبس فهرب من الحبس فأخذ وضرب ودفن بمطمورة حتى مات سنة إحدى وستين وخمس مائة، وكان يلقب بعز الدين، وهو رفيع الشأن عالي المكان، ذكره العماد الكاتب في الخريدة وأورد له في الذيل:
كم منحت الأحداث صبرا جمـيلا ولكم خلت صابها سـلـسـبـيلا
ولكم قلت لـلـذي ظـل يلـحـا ني على الوجد والأذى: سل سبيلا وأورد له محب الدين ابن النجار:
ذاعت لنا في هواك أسرار يا ظبية في الحشا لها دار
واعجبا للـوصـال أوثـره وهي ليوم الفراق تختـار
لما استقلت بها ظعائنـهـا وهتكت للفراق أسـتـار
ناديت يا ظبية بـكـاظـمة ها دمع عيني عليك مدرار
قلبي وفي على تقـلـبـه لكن دمعي الغـداة غـدار
الماء والنار في قد جمعـا ما اجتمع الماء قط والنار قلت: شعر منحط ابن النحاس الواسطي
محمد بن يحيى بن هبة الله أبو نصر ابن النحاس الواسطي، وبها توفي سنة ثلاث عشر وست مائة، من شعره:
وقائلة لما عمـرت وصـار لـي ثمانون عاما: عش كذا وابق واسلم
ودم وانتشق روح الحـياة فـإنـه لأطيب من بيت بصعدة مظـلـم
فقلت لها: عذري لديك مـمـهـد ببيت زهير فاعلمي وتعـلـمـي
سئمت تكاليف الحياة ومـن يعـش ثمانين عامـا لا مـحـالة يسـأم البجلي الواسطي
محمد بن يحيى بن طلحة أبو عبد الله البجلي الواسطي الشاعر، دخل بغداذ والشام وتوفي سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة، مدح الملك الناصر صلاح الدين وغيره، ومن شعره:
لقد أوحشتني الدار بعد أنيسهـا وضاق علي الرحب وهو فسيح
وأصبح مغنى كنتم تسكنـونـه كجسم خلت منه العشـية روح
ترى ترجع الأيام تجمع بينـنـا ويرجع وجه الدهر وهو صبيح
ويأتي بشير منكـم فـأضـمـه وأشركه في مهجتـي وأبـيح
فإن تسمحوا بالبعد عني فإننـي بخيل به لو تعلمـون شـحـيح قلت: شعر نازل محمد بن يحيى أبو عبد الله، ذكره حرقوص في كتابه وطول الثناء عليه وأورد له قوله يصف غيثا:
يا بارقا بـرقـت لـه الأصـواء وتكشفت عـن نـوره الأضـواء
لا تبعدن فإن بـعـدك لـلـورى حتف وللترب الرغيب ظـمـاء
برق براق الأرض تضمر عشقها وتوده المـيثـاء والـمـعـزاء
نار إذا التهبت، ولـم يك حـدهـا هزلا، تولد من سـنـاهـا مـاء
ضحك إذا استبكى السحاب فما له إذ يلـتـظـــي إلا الأياء أياء
فالروض من ذاك الحيا مـوشـية والأرض من تلك السماء سمـاء
ما إن وشت كفا صناع ما وشـى ذاك الضياء بهـا وذاك الـمـاء
لما خبا ذاك اللهيب تـرقـرقـت في الأرض من ذاك اللهيب إضاء
رزق لها مقل جـواحـظ تـارة ترنو وتارات لـهـا إغـضـاء القاضي ابن فضلان
صفحة : 663
محمد بن يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله قاضي القضاة محيي الدين أبو عبد الله بن فضلان بالفاء والضاد المعجمة على وزن سلمان البغداذي الشافعي مدرس المستنصرية، ولي القضاء للإمام الناصر آخر دولته، تفقه على والده وبرع في المذهب ورحل إلى خراسان وناظر علماءها، وكان علامة في المذهب والأصول والخلاف والمنطق سمحا جوادا لا يدخر شيئا وكان قوالا، ازدحموا على نعشه لما مات سنة إحدى وثلاثين وست مائة، كتب إلى الناصر في مضاعفة الجزية على أهل الذمة وقال: يجوز أخذها منهم فوق الدينار إلى المائة حسب امتداد اليد عليهم، وعزله الظاهر بعد شهرين من ولايته ثم ولي النظر على البيمارستان وعزل بعد ستة أشهر وولي نظر الجوالي ثم ولي تدريس مدرسة أم الناصر وتولى تدريس المستنصرية وتوجه رسولا إلى الروم، وسيأتي ذكر والده في حرف الياء.
أبو بكر البرذعي
محمد بن يحيى بن هلال أبو بكر البرذعي، ذكره أبو سعد الإدريسي في تاريخ سمرقند وقال: سكن بغداذ وكان فاضلا أديبا شاعرا قدم علينا سمرقند سنة خمسين وثلاث مائة وكتبنا عنه بها، يروي عن أبي بكر محمد ابن الفضل بن حاتم الطبري ومحمد بن إبراهيم بن شعيب الغازي الطبري، وروى عنه الإدريسي حديثا.
ابن البرذعي النحوي
محمد بن يحيى بن هشام العلامة أبو عبد الله النصاري الخزرجي الأندلسي المعروف بابن البرذعي من أهل الجزيرة الخضراء، كان رأسا في العربية عاكفا على التعليم، كان أبو علي الشلوبين يثني عليه ويعترف له، صنف فصل المقال في أبنية الأفعال وله كتاب المسائل النخب في عدة مجلدات والإفصاح وغير ذلك، توفي بتونس سنة ست وأربعين وست مائة وقد نيف على السبعين.
القاضي أبو الحسين الغرناطي الأشعري
محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الرحمن بن الربيع العلامة القاضي أبو الحسين ابن العلامة المصنف المتكلم قاضي غرناطة أبي عامر الأشعري اليماني القرطبي أحد فرسان الكلام، روى عن أبيه وعمه أبي جعفر أحمد وأبي القاسم أحمد بن بقي وغيرهم، قال الشيخ أثير الدين أبو حيان: أجاز لي ونقلت أسماء شيوخه، وعمل برنامجا، إلى أن قال: وهو كان المشار إليه بالأندلس في العلوم العقلية من أصول الدين والفقه والحساب والهندسة وله معرفة بالطب ووجاهة عند السلطان ابن الأحمر وكان أشعري النسب والمذهب وله تصانيف في المعقولات، قال: وسمعت قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد يقول: ما وقفنا على كلام أحد من متأخري المغربة مشبه لكلام العجم مثل هذا، توفي سنة ثلاث وسبعين وست مائة.
صاحب تونس
محمد بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر الأمير المستنصر أبو عبد الله ابن الأمير أبي زكرياء الهنتاتي، ولي أبوه يحيى مدة ومات سنة سبع وأربعين وهما بربريان موحدان صاحبا تونس وأجل ملوك الغرب في زمانهما، كان جده الشيخ الهنتاتي من العشرة أصحاب ابن تومرت، وكان محمد ملكا عظيما شجاعا سؤوسا متحيلا على بلوغ قصده يقتحم الأخطار وهو ذو غرام بالعمارات واللذات تزف إليه كل ليلة جارية، وقتل عمية لما تملك وأباد جماعة من الخوارج ووضع جماعة منهم في قبة أساسها. . . ثم أرسل الماء عليها وارتدمت عليهم، وكانت أسلحة الجيش كلها في خزائنه فإذا وقع أمر أخرجها ولم يكن لجنده اقطاع بل يجمع ارتفاع البلاد ويأخذ لنفسه الربع والثمن وينفق ما بقي فيهم كل عام نفقات، روى عنه الخطيب أبو بكر ابن سيد الناس، توفي سنة خمس وسبعين وست مائة، أخبرني الشيخ أثير الدين من لفظه قال: أخبرني رئيس الأدباء أبو الحسن حازم أنه قال: كنت أساير المستنصر ونحن في البستان الذي أنشأه ظاهر تونس فكنا نتمالط في الشعر يبدأ هو بالبيت وأتمه أنا وأبدأ ويتمه هو، وكان مائلا إلى الفقه على طريقة أهل الحديث، وأنشدني أثير الدين من لفظه قال: أنشدني صاحبنا أبو عمرو ابن الحافظ أبي بكر ابن سيد الناس قال: أنشدني أبي قال: أنشدنا المستنصر بالله أبو عبد الله ملك أفريقية لنفسه:
مالي عليك سوى الدموع معـين إن كنت تغدر في الهوى وتخون
من منجدي غير الدموع وإنـهـا لمغيثة مهما استغـاث حـزين
الله يعلم أن ما حـمـلـتـنـي صعب ولكن في رضاك يهون
صفحة : 664
وقال: أخبرني أبو الزهر أن المستنصر كان في بعض متصيداته فكتب لأبي عبد الله ابن أبي الحسين يأمره بإحضار الأجناد لأخذ أرزاقهم:
ليحضر كل ليث ذي مـنـال زكا فرعا لإسداء الـنـوال
غدا يوم الخميس فما شغلنـا بأسد الوحش عن أسد الرجال انتهى ما قاله أثير الدين، وكان والده يحيى قد صنع دارا عظيمة تحت الأرض وأودع فيها من أنواع الأموال والسلاح ما جعله عدة وذخيرة لسلطانه ولم يترك على وجه الأرض من له علم بهذا الموضع إلا صاحب وزارة الفضل وهو أبو عبد الله ابن الحسين بن سعيد، فلما جرت الفتنة واستقرت قدم ابن يحيى في السلطنة وكان الوزير المذكور ممن سخط عليه وقبض على دياره وأمواله وصيره كالمحبوس كتب الوزير إليه رقعة وطلب الاجتماع به في مصلحة الدولة فأحضره وسأله فقال: إن المرحوم صنع تحت الأرض دارا أودعها نفائس أمواله وليس يعرفها غيري ووصاني أنه إذا انتقل إلى جوار ربه إذ توقع أن تقع فتنة بين أقاربه وقال: إذا انقضت سنة واستقر الأمر لأحد من ولدي أو من تتيقن أنه يصلح لأمر المسلمين فأطلعه على هذه الذخائر فربما فنيت الأموال بالفتنة فلا يجد القائم بالأمر ما يصلح به الدولة إذا تفرغ للتدبير والسياسة، ففرح السلطان وبادر إلى تلك الدار فرأى ما ملأ عينه وسر قلبه وخرج الوزير والخيل تجنب أمامه وبدر الأموال بين يديه وأعاد الوزير إلى أحسن حالاته وقال السلطان: إن من أجب شكر الله علي أن أفتتح المال بأن أؤدي منه للرعية الذين نهبت دورهم واحترقت في الفتنة التي كانت بيني وبين أقاربي ما خسروه، وأمر بالنداء فيهم وأحضرهم وكل من حلف على شيء قبضه وانصرف.
أبو عصيدة صاحب تونس
محمد بن يحيى المنصور بالله أبو عصيدة ابن الواثق الهنتاتي، تملك تونس بإشارة المرجاني في آخر سنة أربع وأربعين، وكان دينا صالحا حميد السيرة منفقا من جنده وكانوا نحوا من سبعة آلاف، وكان مليح الشكل شريف النفس مهيبا سائسا، توفي سنة تسع وسبع مائة، ولم يعهد إلى أحد، فقام بعده ابن عمه فقتل بعد أيام، توثب عليه المتوكل خالد بن يحيى من بني عمه وتملك ثم خلع بعد يومين، ومات أبو عصيدة شابا لقب بذلك لأنه عمل في سماط له عصيدة عظيمة في وعاء سعته تفوق العبارة في وسطه بركة واسطة مملوءة من سمن ويليها خندق من عسل ثم خندق من دهن ثم خندق من دبس ثم خندق من زيت ثم خندق من رب سبعة خنادق والله أعلم.
ابن الصيرفي
محمد بن يحيى بن أبي منصور ابن أبي الفتح محيي الدين أبو عبد الله المعروف بابن الصيرفي، مولده سنة ست وعشرين وست مائة وتوفي سنة خمس وثمانين وست مائة بدمشق ودفن بمقابر باب الفراديس، كان عنده فضيلة وحسن عشرة وعلى ذهنه حكايات وأشعار وقطعة صالحة من التواريخ، سمع الكثير في صغره وكبره وتولى عدة جهات وكان له حرمة ومكانة وتوكل للأمير علم الدين سنجر أمير جاندار الملك الظاهر ولازم الأمير افتخار الدين وولده ناصر الدين.
القرطبي المالكي الأشعري
محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن أحمد العلامة أبو عبد الله القرطبي المالكي الأشعري نزيل مالقة، ولد بقرطبة سنة ست وعشرين وكان شيخ مالقة وعالمها ووزيرها محدثا فقيها أشعريا، من محفوظاته المقامات، كان آخر من حدث عن والده بالسماع وسمع من الدباج والشلوبين وابن الطيلسان، وتوفي سنة تسع عشرة وسبع مائة.
ابن الغليظ
محمد بن يحيى بن الغليظ هو ابن الأديب أبي زكرياء، قال الشيخ أثير الدين: أديب هيجاء أنشدنا أبو الزهر قال: أنشدنا ابن الغليظ لنفسه:
وليتم ابن أبي طاطو بـلادكـم وربما خفيت عنكم معـائبـه
أليس من شؤمه إن حل في بلد دارت رحاه وما درت سحائبه الكرماني المعبر
صفحة : 665
محمد بن يحيى بن محمد بن أحمد الكرماني أبو عبد الله المعبر، كان فقيها على مذهب الشافعي، وسمع الحديث كثيرا من أبي الحسن أحمد بن محمد بن الصلت القرشي وأبي الحسن محمد بن أحمد بن رزقويه البزاز وأبي الحسين علي بن بشران وأبي الحسين محمد بن الحسن الأصبهاني وأبي عبد الله أحمد بن عبد الله بن الحسين بن إسماعيل المحاملي وأبي علي الحسن بن شاذان وأبي محمد الحسن بن الجوهري وغيرهم، وقرأ بنفسه على المشايخ وسمع أبو بكر الخطيب الحافظ بقراءته وروى عنه في تاريخه في مواضع، وحدث بكثير وسمع منه أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي وطاهر بن محمد النيسابوري وأخوه علي بن محمد، وتوفي سنة سبع وأربعين وأربع مائة.
ابن مواهب البرداني
محمد بن يحيى بن محمد بن مواهب بن إسرائيل بن عقيل أبو الفتح البرداني البغداذي، سمع الشريفين أبا علي محمد بن محمد بن عبد العزيز بن المهدي وأبا الغنائم محمد بن محمد بن المهتدي بالله وأبا علي محمد بن سعيد بن نبهان الكاتب وغيرهم، وحدث بالكثير، روى عنه أبو الفتوح نصر بن علي بن الخضر بن الحافظ، وكان شيخا صالحا حافظا لكتاب الله كثير العبادة يقوم الليل إلا أنه لعب به الصبيان وقالوا له: لو ادعيت سماع المقامات لكان يحصل لك بروايتها من المحتشمين شيء كثير، وحسنوا له ذلك وادعى سماعها، قال أبو الفتوح: فنهيته عن ذلك فصار يدعو علي في المجالس ويقول: فلان حرمني كذا وكذا من المال فالله بيني وبينه، ولا أدري أحدث بها أم لا، توفي سنة تسع وتسعين وأربع مائة ودفن بباب حرب.
السلامي ابن الحبير
محمد بن يحيى بن مظفر بن نعيم السلامي، قال محب الدين ابن النجار: أبو بكر ابن شيخنا أبي زكرياء المعروف بابن الحبير تصغير حبر قرأ الفقه على مذهب أحمد بن حنبل على أبي الفتح ابن المني ثم لازم النوقاني وقرأ عليه الخلاف والأصول حتى برع في ذلك وناظر الفقهاء ودرس مدة وانتفع به الطلبة وانتقل إلى مذهب الشافعي وولي تدريس الاسبابذية التي بين الدربين وصارت له حلقة بجامع القصر ويتكلم عنده الفقهاء فيها وناب في الحكم والقضاء عن ابن فضلان مدة ولايته ثم ولي التدريس بمدرسة ابن المطلب ثم ولي تدريس النظامية، وكان يخرج إلى مكة في كل سنة على كسوة الكعبة وصدقات الحرمين، وسمع الحديث من شهدة الكاتبة ومن أبي الفرج ابن كليب ومن جماعة من الشيوخ وصحب أبا الفرج ابن الجوزي وسمع منه كثيرا من مروياته ومصنفاته، وكتبت عنه وهو فاضل صدوق غزير العلم كثير المحفوظ حسن الكلام في المناظرة مضطلع بفنون العلم متدين كثير العبادة والتهجد وتلاوة القرآن حسن الخلاق متواضع جميل السيرة محمود الطريقة سليم الجانب، ولد سنة تسع وخمسين وخمس مائة وتوفي سنة تسع وثلاثين وست مائة.
الجرجاني الحنفي
محمد بن يحيى بن مهدي الجرجاني أبو عبد الله الفقيه الحنفي، قرأ الفقه على أبي بكر الرازي حتى برع فيه، وعليه تفقه أبو الحسين ابن القدوري، وحدث عن عبد الله بن إسحاق بن يعقوب النصري وأبي أحمد الغطريفي، روى عنه أبو سعد إسماعيل بن علي السمان الرازي وأبو نصر الشيرازي، وذكره الخطيب أبو بكر في التاريخ ولم يذكر له رواية، وتوفي سنة ثمان وتسعين وثلاث مائة.
المنجم
محمد بن يحيى بن أبي منصور المنجم أكبر ولد يحيى، كان عالما فاضلا أديبا له تصانيف حسان وبلاغة جيدة وفصاحة بالغة، ومن تصانيفه كتاب أخبار الشعراء وهو كتاب مشهور مقدم على كتب أخبار الشعراء، وكانت عنايته بعلم النجوم تامة وكان حسن العلم بالموسيقى والهندسة والطب والكلام وله مؤلفات في العربية.
أبو عبد الله الأسواني الصالح
صفحة : 666
محمد بن يحيى بن أبي بكر ابن محمد بن علي بن إدريس صفي الدين أبو عبد الله الأسواني الهرغي نزيل إخميم، كان مشهورا بالصلاح يعتقد الناس بركته وينقلون عنه مكاشفات وكرامات، كتب عنه الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد وأبو بكر ابن عبد الباقي الخطيب وأبو عبد الله ابن النعمان والشيخ قطب الدين ابن القسطلاني والكمال ابن البرهان، وكان من أصحاب الشيخ أبي يحيى ابن شافع، قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي: وكان يدعي أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلم ويجتمع به، قال: حكى عنه شيخنا العالم الفقيه تاج الدين محمد بن الدشنائي قال: كنت أسمع به فأشتهي رؤيته، فلما اتفق سفري إلى إخميم توجهت إليه فتكلم إلى أن قال: ما يبقى في النار أحد، فقلت: ولا اليهود ولا النصارى? فقال: ولا اليهود ولا النصارى، قال: قلت له: الله تعالى قال كذا وقال صلى الله عليه وسلم كذا، قال: كنت أعتقد ما تعتقده إلى أن وجدت النبي صلى الله عليه وسلم أو قال: جاءني النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي كذا، فتألمت منه وقمت ورجعت إلى قوص واجتمعت بوالدي فقال لي: وصلت إلى أخميم? فقلت: نعم: فاجتمعت بأبي عبد الله الأسواني? قلت: نعم، فقال: ما قال? فحكيت له فتبسم فقال: حضرت أنا والشيخ تقي الدين عنده وجرى مثل ذلك ونازعناه طويلا فقال: يا أصحابنا ما تبقى في النار إلا هذان الرجلان قال: وحكى لي صاحبنا الشيخ الفقيه شرف الدين محمد بن الفاسح الإخميمي قال: جرى شيء من ذلك عند شيخنا ابن دقيق العيد فقال: كان في بلدك من يقول هذه المقالة، فقلت: من سيدي? فقال: عجيب تعرفني أذكر أحدا وبلغت مقالته بعض قضاة القضاة فأرسل إلى قاضي إخميم أن يحضره ويعمل معه الشرع وكان الحاكم بها ابن المطوع وكان عاقلا فيه سياسة فأحضره والعوام تعتقده فقال: يا شيخ أبا عبد الله ما نتوب كلنا إلى الله تعالى? فقال: نعم نقول كلنا اللهم إنا نتوب إليك، فقال: ذلك، وتركه وكتب إلى قاضي القضاة أنه أحضره وأنه تاب وذكر حاله وقيام العوام معه وما ينقل عنه من خير، وقال لنا شيخنا أثير الدين أبو حيان: سمعت الشيخ تقي الدين القشيري يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن يحيى الهرغي يقول: سمعت أبا زيد التكروري يقول: سمعت الشيخ أبا مدين يقول: كفى بالحدوث نقصا في جميع الخليفة ومن كان معلولا لم يدرك الحقيقة. وتوفي بإخميم سنة ست وثمانين وست مائة ودفن برباطة بها ومولده سنة اثنتين وست مائة، وأبوه أبو زكرياء من المغرب قدم أسوان وأقام بها وتوفي سنة تسع عشرة وست مائة. ومن شعر أبي عبد الله:
من يوم ألست كان منهم ما كـان وصلي بهم من قبل أين ومكـان
لا صد ولا هجران أخـشـاه ولا ما يحدثه يا صاحبي صرف زمان ومنه:
يا لـيالـينـا بـذي سـلـم ومنى والخيف والـعـلـم
هل ترى من عودة وعسى أقضي حق العهد والذمـم
لا وعيش مر لـي بـهـم إنه من أعظـم الـقـسـم
لست أسلو حـبـهـم أبـدا لو أرى في ذاك سفك دمي
يا عذولي قل عن عـذلـي وغرامي زد ودم سقمـي
وسقى تلك الـربـوع حـيا وبله من واسـع الـكـرم قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي: ووجدت بخط الكمال ابن البرهان: سمعت الشيخ أبا عبد الله يقول: دخلت دمشق فحضرت مجلس واعظ كان معظما فيها فقال: ليس أحد يخلو من هوى، فقال له شخص: ولا رسول الله? فقال: ولا رسول الله، فأنكرت عليه فقال: قال صلى الله عليه وسلم: حبب إلي من دنياكم ثلاث، فقلت: هذا عليك لأنه ما قال أحببت، ثم فارقته ورأيت قائلا يقول لي في النوم أو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد ضربنا عنقه، فخرج من دمشق فقتل.
ابن الفويرة الحنفي
صفحة : 667
محمد بن يحيى الشيخ الإمام المفتي بدر الدين ابن الفويرة الحنفي، كان قد اشتغل اشتغالا كثيرا وهو رفيق القاضي فخر الدين المصري في الاشتغال، تفنن في العلوم وشارك في الفنون، وتوفي رحمه الله كهلا سنة خمس وثلاثين وسبع مائة، حضرت حلقة أشغاله بالجامع الأموي عند شباك الكاملية بالحائط الشمالي وأوردت عليه في لفظه طهور وأن هذه الصيغة للمبالغة في تكرار الفعل من الفاعل على ما تقدم من سؤالي نظما في ترجمة أبي الفتح محمد بن عبد اللطيف السبكي فأعجبه ذلك إعجابا كثيرا وزهزه له، ولم تكن إقامة الوزن في طباعه رحمه الله تعالى فإنه كان ينشد على ماحكاه لي عنه القاضي شهاب الدين أحمد بن فضل الله معاوي إننا بشر فأسجحي بإثبات الياء بعد الحاء.
القاضي بدر الدين ابن فضل الله
محمد بن يحيى بن فضل الله القاضي بدر الدين صاحب ديوان الإنشاء بالشام، يأتي نسبه مستوفى في ترجمة أخيه القاضي شهاب الدين أحمد، توجه إلى الديار المصرية صحبة والده وأقام بها، وأدخله أخوه القاضي علاء الدين علي إلى دار العدل بعد وفاة أبيه ووقع في الدست، ولما توجه أخوه القاضي علاء الدين إلى الكرك صحبة الناصر أحمد وتسلطن الصالح إسماعيل سد الوظيفة إلى أن عاد أخوه، ثم إنه جهز إلى الشام على صحابة ديوان الإنشاء فورد إليها في أول شهر رجب الفرد سنة ثلاث وأربعين وسبع مائة، وكان ساكنا عاقلا وادعا كثير الإطراق والصمت وأحبه الناس وخضع له الأمراء والأكابر، وعمر دورا متلاصقة عند قناة صالح جوا باب توما وأنشأ إلى جانبها حماما يتصل ببعض ما هو ساكنه فما متع بذلك ولا دخلها غير مرتين أو ثلاث، وتوفي بعد مرض حاد سادس عشرين شهر رجب الفرد سنة ست وأربعين وسبع مائة وكانت له جنازة عظيمة وصلى عليه نائب الشام والأمراء والقضاة والعلماء وغيرهم ودفن في تربة والده بجبل الصالحية، ومولده سنة عشر وسبع مائة وهو شقيق أخيه القاضي شهاب الدين، وخلف نعمة طائلة وأملاكا كثيرة. وكتبت إلى أخيه القاضي علاء الدين أعزيه على لسان الأمير عز الدين طقطاي الدوادار كتابا من رأس القلم يوم وفاته والبريد واقف: يقبل الأرض لا ساق إليها الله بعدها وفد عزاء، ولا أذاقها فقد أحبة ولا فراق أعزاء، ولا أعدمها جملة صبر يفتقر منه إلى أقل الأجزاء، وينهى ما قدره الله تعالى من وفاة المخدوم القاضي بدر الدين أخي مولانا جعله الله وارث الأعمار، وأسكن من مضى جنات عدن وإن كانت القلوب بعده من الأحزان في النار، فإنا لله وإنا إليه راجعون قول من غاب بدره، وخلا من الدست صدره، وعمر مصابه فهو يتأسى بالناس، وعدم جلده فقال للدمع اجر فكم في وقوفك اليوم من باس، وهذا مصاب لم يكن فيه مولانا بأوحد، وعزاء لا ينتهي الناس فيه إلى غاية أو حد.
علينا لك الإسعاد إن كان نافعا بشق قلوب لا بشق جـيوب فما كان الدست الشريف إلا صدر نزع منه القلب، أو نجوم بينما بدرها يشرق إذا به في الغرب، وما يقول المملوك إلا إن كان البدر قد غاب فإن النير الأعظم واف، وبينكم الكريم سالم الضرب وإنما أدركه بالوهم خفي زحاف، وما بقي إلا الأخذ بسنة النبي صلى الله عليه وسلم في الصبر والاحتساب، وتسليم الأمر إلى صاحبه الذي كتب هذا المصرع على الرقاب:
وفي بقائك ما يسلي من الحزن وظل مولانا بحمد الله تعالى باق على بيته، وما نقص عدد ترجع جملته إلى مولانا وكلنا ذلك الدارج، والله لا يذيقه بعدها فقد قرين قريب، ويعوض ذلك الذاهب عما تركه في هذه الدار الفانية من الدار الباقية بأوفر نصيب، إن شاء الله تعالى. وقلت أرثيه ولم أكتب بذلك إلى أحد:
لفقدك بدر الدين ق مسنـا الـضـر وأظلم أفق الشام واستوحشت مصـر
وشقق جيب البرق واستعبر الـحـيا ولطم خد الرعد وانصدع الـفـجـر
وكادت، لنوح الورق في غسق الدجى تجف على الأغصان أوراقها الخضر
لك الله من غاد إلى ساحة الـبـلـى ومن بعده تبقى الأحاديث والـذكـر
كأن بني الإنـشـاء يوم مـصـابـه نجوم سماء خر من بينهـا الـبـدر القاضي ابن يخلفتن
صفحة : 668
محمد بن يخلفتن بن أحمد بن تنفليت أبو عبد الله الحبشي البربري الفازازي التلمساني الفقيه، قال ابن الأبار: كان فقيها أديبا مقدما في الكتابة والشعر، ولي قضاء مرسية وقرطبة وكان حميد السيرة حدث أنه كان يحفظ صحيح البخاري، توفي سنة إحدى وعشرين وست مائة، ومن شعره. . .
وزير المأمون
محمد بن يزداد بن سويد الكاتب المروزي الوزير وزر للمأمون، كان حسن البلاغة كثير الأدب مشهورا بقول الشعر، له في المأمون مرثية معروفة، وكان سليمان بن وهب يكتب بين يديه وكان به خاصا ثم اتصل به أن سليمان سعى عليه فاطرحه، ولمحمد فيه أشعار منها قوله:
المرء مثل هلال عند مطلعه يبدو ضئيلا ضعيفا ثم يتسق
يزداد حتى إذا ما تم أعقبـه كر الجديدين نقصانا فينمحق وسمع قول الشاعر:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد المـرء أن يتـرددا فأضاف إليه:
وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلا فإن فساد العزم أن يتفـنـدا وقال في جارية كان يهواها:
أيا من بها أرض من الناس كلهم وإن كنت أشكو تيهها وازورارها
لو أن الأماني خيرت فتـخـيرت على الحسن إنسانا لكنت اختيارها وقال:
فلا تأمنن الدهر حرا ظلمته فما ليل حر إن ظلمت بنائم توفي سنة ثلاثين ومائتين بسر من رأى.
المرواني
محمد بن يزيد بن عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم، هو القائل وقد جرت بينه وبين عبد الله بن مصعب الزبيري مفاخرة بحضرة المهدي:
إن النبوة والخلافة والـهـدى والدين والدنيا لعبـد مـنـاف
نزل القران على أبيهم واحيهم بالحق والبرهان والإنصـاف
فيه الحلال وما يحرم، كـلـه شاف لمن يبغي الطريقة كاف الخزرجي الشاعر
محمد بن يزيد الخزرجي الشاعر الأعور، لقيه علي بن المهدي الكسروي وأخذ عنه، وهو القائل:
يا ابن من يكتب في الأع ناق مـن غــير دواة
لم يكن يكتـب فـيهـا غير خـط الألـفـات يريد أن أباه حجام والله أعلم.
البشري الشاعر
محمد بن يزيد البشري الأموي أبو جعفر من ولد بشر بن مروان ابن الحكم من أهل ميافارقين، قدم إلى سر من رأى وأقام بها دهرا واتصل بعيسى بن فرخانشاه وله في المتوكل مراث، وهو القائل:
أترضى لي أن أرضـى بتقصيرك فـي بـري
وقد أخلـقـت مـن ود ك ما أخلقت من عمري
لعـل الـلـه أن يصـن ع لي من حيث لا أدري
فألقـاك بـلا شـكـر وتلقـانـي بـلا عـذر ومن شعره:
لها وأعارني ولـهـا وأبصر حرقتي فزها
له وجـه يدل بــه ولي حرق أذل بهـا الرفاعي قاضي بغداذ
محمد بن يزيد بن محمد بن كثير بن رفاعة أبو هاشم العجلي الرفاعي الكوفي الفقيه قاضي بغداذ، روى عنه مسلم والترمذي وابن ماجه، قال البخاري: رأيتهم مجمعين على تضعيفه، توفي سنة ثمان وأربعين ومائتين.
محمش الحنفي
محمد بن يزيد بن عبد الله السلمي النيسابوري الفقيه محمش بالحاء المهملة والشين المعجمة كان شيخ الحنفية في عصره بنيسابور وتوفي سنة تسع وخمسين ومائتين.
المبرد النحوي
صفحة : 669
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي البصري أبو العباس المبرد إمام العربية ببغداذ في زمانه، أخذ عن المازني وأبي حاتم السجستاني وغيرهما، وروى عنه إسماعيل الصفار ولزمه مدة وإبراهيم بن نفطويه ومحمد بن يحيى الصولي وجماعة، وكان فصيحا بليغا مفوها ثقة اخباريا علامة صاحب نوادر وظرافة، وكان جميلا وسيما لا سيما في صباه، وله تصانيف مشهورة منها كتاب الكامل، قال القاضي الفاضل: طالعته سبعين مرة وكل مرة أزداد منه فوائد، والمقتضب والروضة، ولما صنف المازني كتاب الألف واللام سأل المبرد عن دقيقه وعويصه فأجابه بأحسن جواب فقال له: قم فأنت المبرد بكسر الراء أي المثبت للحق، فغيره الكوفيون وفتحوا الراء، وتوفي آخر سنة خمس وثمانين ومائتين وعاش خمسا وسبعين سنة ولم يخلف مثله، ذكر القاضي شمس الدين ابن خلكان في ترجمة المبرد أنه رأى مناما له علاقة بالمبرد وهو منام غريب عجيب أودعه تاريخه، وكانت العداوة قد اشتهرت بين المبرد وثعلب حتى نظم الناس ذلك في أشعارهم فقال بعض الشعراء:
كفى حزنا أنا جميعـا بـبـلـدة ويجمعنا في أرض برشهر مشهد
وكل لكل مخلص الـود وامـق ولكننا في جانب عنـه مـفـرد
نروح ونغدو لا تزاور بـينـنـا وليس بمضروب لنا عنه موعـد
فأبداننا في بلـدة والـتـقـاؤنـا عسير كأنا ثعلـب والـمـبـرد وقال أحمد بن أبي طاهر يهجوه:
يوم كحر الشوق في القلب والحشا على أنه مـنـه أحـر وأوقـد
ظللت به عند المـبـرد قـاعـدا فما زلت من ألفاظـه أتـبـرد وكان المبرد حسن الصورة ولأبي حاتم السجستاني فيه أغزال يأتي ذكر شيء منها في ترجمة أبي حاتم، ومن شعر المبرد:
حبذا ماء العناقـي د بريق الغانيات
بهما ينبت لحمـي ودمي أي نبـات
أيها الطالب شـيئا من لذيذ الشهوات
كل بماء المزن تفا ح خدود ناعمات وللمبرد من المصنفات: كتاب الاشتقاق وكتاب الأنواء والأزمنة وكتاب القوافي وكتاب الخط والهجاء والمدخل إلى كتاب سيبويه والمقصور والممدود والمذكر والمؤنث ومعاني القرآن ويعرف بالكتاب التام والرد على سيبويه والرسالة الكاملة وإعراب القرآن والحث على الأدب والصدق ونسب عدنان وقحطان والزيادة على المنتزعة من كتاب سيبويه وكتاب التعازي وشرح شواهد سيبويه وضرورة الشعر وأدب الجليس والحروف في معاني القرآن إلى طه صفات الله عز وجل والممادح والمقابح الرياض المونقة الدواهي الجامع ولم يتم الوشي معنى كتاب سيبويه كتاب الناطق كتاب العروض كتاب البلاغة معنى كتاب الأوسط للأخفش شرح كلام العرب وتلخيص ألفاظها ومزاوجة كلامها وتقريب معانيها واتفقت ألفاظه واختلفت معانيه الفاضل والمفضول طبقات النحاة البصريين كتاب العبارة عن أسماء الله تعالى الحروف التصريف الكافي في الأخبار.
محمد بن يزيد الواسطي، توفي سنة تسعين ومائة في قول.
المسلمي أبو الاصبع
محمد بن يزيد بن مسلمة بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو الاصبع الحصني كان ينزل حصن مسلمة بديار مضر فنسب إليه، قال ابن المرزبان: شاعر محسن مدح المأمون وهجا عبد الله بن طاهر، وعارضه في قصيدته التي أولها:
مدمن الإغضاء موصول ومديم العتب ممـلـول وكان فخر فيها بأشياء مثل قتل أبيه للأمين فأجابه المسلمي بقصيدة أولها:
لا يرعك القال والقيل كل ما بلغت تجميل منها:
أيها البادي ببـطـنـتـه ما لأغلاطك تحصـيل
قاتل المخلوع مقـتـول ودم القاتل مـطـلـول
لا تنجـيه مـذاهـبـه نهر بوشنج ولا الـنـيل
يا أخي المخلوع طلت يدا لم يكن في باعها طول وكان محمد بن عبد الملك بن صالح الهاشمي يناقض أبا الاصبع فقال المسلمي قصيدة يفخر فيها أولها:
أما صفاتي فلهـا شـان وقد نماني الشيخ مروان فقال محمد بن عبد الملك:
بانوا فبان العيش إذا بانوا وأبدت المكنون أجفـان الكلابي الأبرص
صفحة : 670
محمد بن يزيد الكلابي الأبرص هو ابن أبي الوليد، كان يزيد حجة في اللغة احتج به الفراء وابن الأعرابي في شواهدهما وهو وابنه محمد شاعران، وقال محمد في المتوكل:
أدوى الشباب فلا عين ولا أثـر وارتد باليأس عن أهوائه النظر
كل مضى فانقضى إلا تذكـره كما تحمل أهل الدار فانشمروا منها:
هم أناس أبوهم كلمـا نـسـبـوا عم النبي الذي استسقي به المطر
وجعفر لقريش كـلـهـا غـرر بأمنا وأبينا تـلـكـم الـغـرر ابن ماجه
محمد بن يزيد مولى ربيعة الحافظ أبو عبد الله ابن ماجه القزويني مصنف السنن والتفسير والتاريخ، كان محدث قزوين غير مدافع، ولد سنة تسع ومائتين، وسمع على محمد الطنافسي وعبد الله بن معاوية وهشام بن عمار ومحمد بن رمح وسويد بن سعيد وعبد الله بن الجراح القهستاني ومصعب بن عبد الله بن الزبير وإبراهيم بن محمد الشافعي ويزيد بن عبد الله اليمامي وجبارة بن المغلس وداود بن رشيد وإبراهيم بن المنذر الحزامي وأبي بكر ابن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وخلق كثير، وروى عنه محمد بن عيسى الأبهري وأبو عمرو أحمد بن محمد بن حكيم المدائني وعلي بن إبراهيم القطان وسليمان بن يزيد الفامي وأبو الطيب أحمد بن روح البغداذي، كان أبوه يعرف بماجه ولاؤه لربيعة، قال: عرضت هذه السنن على أبي زرعة فنظر فيه فقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها، ثم قال: لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما في إسناده ضعف أو نحو ذا، قال الشيخ شمس الدين: إنما نقص رتبة كتابه بروايته أحاديث منكرة فيه، توفي لثمان بقين من شهر رمضان يوم الاثنين ودفن يوم الثلاثاء وصلى عليه أخوه أبو بكر سنة ثلاث وسبعين ومائتين.
أبو الحسن الدمشقي
محمد بن يزيد بن عبد الصمد أبو الحسن الدمشقي، سمع وحدث وتوفي سنة تسع وتسعين ومائتين.
أبو بكر اليزيدي
محمد بن يزيد اليزيدي أبو بكر، كان قد هاجى نصرا الخبزرزي بالبصرة فزاد عليه نصر في الفحش ووجد فيه مقالا ومطعنا، توفي سنة أربع وعشرين وثلاث مائة، وهو من ولد يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وكان مضطلعا بعلوم كثيرة مقدما في النحو واللغة وغير ذلك وله شعر.
الشيباني
محمد بن يزيد بن مزيد بن زائدة الشيباني، كان موصوفا بالكرم لا يرد سائلا فإن لم يحضره مال لم يقل لا بل يعده ويعجل العدة، مدحه أحمد ابن أبي فنن صالح بن سعيد وقيل هي لأبي الشيص الخزاعي:
عشق المكارم فهو مشتغل بهـا والمكرمات قليلة الـعـشـاق
بث الصنائع في البلاد فأصبحت تجبى إليه محـامـد الآفـاق
وأقام سوقا للثناء ولـم تـكـن سوق الثناء تعد في الأسـواق وكان له أخ اسمه خالد وسيأتي ذكره وذكر والده في مكانيهما إن شاء الله تعالى.
القاضي البصري
محمد بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم أبو محمد البصري، ولد سنة ثمان ومائتين، وولي قضاة البصرة سنة ست وسبعين ومائتين وضم إليه قضاء واسط ثم قضاء الشرقية ببغداذ، وكان حسن السيرة جميل المذهب مستقيم الطريقة صالحا ورعا عفيفا حاكما بالحق، مات مصروفا عن القضاء في شهر رمضان سنة سبع وتسعين ومائتين غير مطعون عليه في شيء، سمع سليمان بن حرب وغيره وروى عنه ابن قانع وغيره، ولما احتضر دخل عليه إخوانه يعودونه فقالوا: كيف تجدك? فقال:
أراني في انتقـاص كـل يوم ولا يبقى مع النقصان شـي
طوى العصران ما نشراه مني فأخلق جدتي نشـر وطـي الصوفي السامري
محمد بن يعقوب بن الفرج أبو جعفر الصوفي السامري، ورث مالا كثيرا فأنفقه في طلب العلم وعلى الفقراء والزهاد والصوفية والمحدثين، توفي بالرملة سنة إحدى وسبعين ومائتين، حدث عن علي بن المديني وغيره وروى عنه بشر بن يوسف الهروي وغيره، قال بيان بن أحمد: دخلت عليه في مصر وهو في بيت مملوء كتبا فقلت له: اختصر لي من هذه الكتب كلمتين أنتفع بهما، فقال: ليكن همك مجموعا فيما يرضي الله تعالى فإن اعترض عليك شيء فتب من وقتك.
مثقال الواسطي
صفحة : 671
محمد بن يعقوب يعرف بمثقال الواسطي يكنى أبا جعفر، استفرغ شعره في الهجاء وكان ابن الرومي أول أيامه ينحله شعره في هجاء القحطبي، قال ابن المرزبان: أخطأ محمد بن داود فيما رواه لمثقال من أشعار ابن الرومي، ولمثقال:
يا ابن التي لم تزل تجاري في الغي شيطانها اللعينا
حتى إذا يومهـا أتـاهـا أوصت بنيها خذوا بنينـا
بأن إذا مت فاجعلـونـي ذريرة للمـخـنـثـينـا الأصم المحدث
محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان أبو العباس الأموي مولاهم النيسابوري الأصم، كان يكره أن يقال له الأصم، قال الحاكم: إنما ظهر به الصمم بعد انصرافه من الرحلة فاستحكم فيه حتى بقي لا يسمع نهيق الحمار، وكان محدث عصره بلا مدافعة، حدث في الإسلام ستا وسبعين سنة ولم يختلف في صدقه وصحة سماعاته وضبط والده يعقوب الوراق لها، أذن سبعين سنة في مسجده، وكف بصره بآخره وانقطعت الرحلة إليه ورجع أمره إلى أن كان يناول قلما فإذا أخذه بيده علم أنهم يطلبون الرواية فيقول: حدثنا الربيع بن سليمان، ويسرد أحاديث يحفظها وهي أربعة عشر حديثا وسبع حكايات وصار بأسوإ حال وتوفي في شهر ربيع الآخر سنة ست وأربعين وثلاث مائة، قال الحاكم: سمعت أبا العباس يقول: رأيت أبي في المنام فقال لي: عليك بكتاب البويطي فليس في كتب الشافعية مثله.
أبو حاتم الهروي
محمد بن يعقوب بن إسحاق بن محمود بن إسحاق أبو حاتم الإمام الهروي، روى عن جماعة وروى عنه جماعة، وكان فقيها فاضلا، توفي في شهر رجب سنة ثمان وستين وثلاث مائة.
محيي الدين ابن النحاس
محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن هبة الله بن طارق بن سالم الإمام العلامة محيي الدين أبو عبد الله ابن القاضي الإمام بدر الدين ابن النحاس الأسدي الحلبي الحنفي، ولد بحلب سنة أربع عشرة وسمع من ابن شداد وجده لأمه موفق الدين يعيش شيئا يسيرا وكأنه كان مكبا على الفقه والاشتغال، قال الشيخ شمس الدين: لم أجده سمع من ابن روزبه ولا من الموفق عبد اللطيف ولا هذه الطبقة واشتغل ببغداذ وجالس بها العلماء وناظر وبان فضله وسمع من أبي إسحاق الكاشغري وأبي بكر ابن الخازن، وكان صدرا معظما متبحرا في المذهب وغوامضه موصوفا بالذكاء وحسن المناظرة انتهت إليه رياسة المذهب بدمشق ودرس بالريحانية والظاهرية وولي نظر الدواوين وولي نظر الأوقاف والجامع وكان معمارا مهندسا كافيا موصوفا بحسن الإنصاف في البحث وكان يقول: أنا على مذهب الإمام أبي حنيفة في الفروع ومذهب الإمام أحمد في الأصول، وكان يحب الحديث والسنة، سمع منه ابن الخباز وابن العطار والفرضي والمزي والبرزالي وابن تيمية وابن حبيب والمقاتلي وأبو بكر الرحبي وابن النابلسي، وتوفي سنة خمس وثمانين وست مائة ودفن بتربته بالمزة وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة والأعيان، وفيه يقول علاء الدين الوداعي وقد قرر قواعد مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه ويعرض بذكر ولده شهاب الدين يوسف ومن خطه نقلت:
ومن مثل محيي الدين دامت حياته إلى مذهب الدين الحنيفي يرشـد
لقد أشبه النعمان وهو حـقـيقة أبو يوسف في علمه ومحـمـد عماد الدين الجرائدي
محمد بن يعقوب بن بدران الإمام المسند المقرئ عماد الدين أبو عبد الله ابن المقرئ ابن الجريدي الأنصاري الدمشقي ثم القاهري نزيل بيت المقدس، ولد بدمشق سنة تسع وثلاثين وأجاز له السخاوي وسمع بمصر سنة أربع وأربعين وبعدها من ابن الجميزي وسبط السلفي والمنذري والرشيد العطار وتلا بالسبع مفردات على الكمال الضرير وسمع منه الشاطبية ومن ابن الشاطبي وحفظها وجود الخط ودخل اليمن وروى بأماكن، روى عنه البرزالي والواني والسبكي وجماعة، واستوطن القدس ثماني سنين وبه توفي سنة عشرين وسبع مائة، وسيأتي ذكر والده تقي الدين يعقوب إن شاء الله تعالى في مكانه من حرف الياء.
عسقلنج الشاعر
محمد بن يعقوب الجرجرائي المعروف بعسقلنج، قدم للعسكر سنة تسع عشرة وثلاث مائة، ومن شعره:
قف بالملاح فما لي دمعة تقـف ساروا بروحي إذ ساروا ولم يقفوا
مات العزاء وأمسى الوجد بعدهـم له لوجدي وجدا مـدمـع يكـف
صفحة : 672
وكيف صبر سليب الصبر ذي دنف بمدنف بعذابـي مـا بـه دنـف قلت: ما هذا إلا شعر غث وبرد رث ومعذور من سماه بهذا الاسم ولو كان لي فيه حكم لسميته عجقفلج أعني كلامه عجق أفلج فإن كان نظمه هذا طبعا فالطبع خير منه وإن كان تطبعا فالعجب منه كونه يرضى بهذا.
الكليني الشيعي
محمد بن يعقوب أبو جعفر الكليني بضم الكاف وإمالة اللام وقبل الياء الأخيرة نون من أهل الري، سكن بغداذ إلى حين وفاته وكان من فقهاء الشيعة والمصنفين على مذهبهم، حدث عن أبي الحسين محمد بن علي الجعفري السمرقندي ومحمد بن أحمد الخفاف النيسابوري وعلي بن إبراهيم بن هاشم، توفي سنة ثمان وعشرين وثلاث مائة.
الفرغاني
محمد بن يعقوب أبو عمر الفرغاني، حدث بالأنبار بحديث عجيب، قال محب الدين ابن النجار: أخبرناه عبد السلام بن شعيب بن طاهر الوطيسي في كتابه إلي قال: أنا أبو الفضل محمد بن ينمان بن يوسف المؤدب أنا جدي أبو ثابت ينجير بن منصور الصوفي أنا أبو محمد جعفر بن محمد الأبهري قال: سألت أبا عمر محمد بن يعقوب الفرغاني بالأنبار: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت الحسين بن الفضل: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت داود ابن سليمان: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت حجر بن هشام: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت عثمان بن عطاء: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت أبي: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت ابن عباس: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت جبريل: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت ميكائيل: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت إسرافيل: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت الرفيع: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت اللوح: متى ينفخ في الصور? فقال: سألت القلم: متى ينفخ في الصور? فقال: إن الله تعالى خلق ملكا يوم خلق السموات والأرض فأمره أن يقول لا إله إلا الله فهو يقول لا إله إلا الله مادا بها صوته لا يقطعها ولا يتنفس فيها ولا يتمها فإذا أتمها أمر إسرافيل بنفخ الصور وقامت القيامة.
قلت: هذا بهت يشهد به العقل وتكذبه أصول النقل ثم هذا يلزم منه الكفر لأنه أن ينتهي التلفظ بالشهادة إلى قوله إله فيكون قد قال لا إله وهذا نفي مطلق للإلهية وهو قول المعطلة ولا يصح الإقرار بالإلهية لله تعالى حتى يقال إلا الله ليكون قد استثني الخاص من العام، ثم إن الاستثناء لا يأتي إلا بعد زمان لا يعلم مدته إلا الله تعالى، ولو قال القائل اليوم لا إله وفي غد لما عد ذلك إقرارا بالربوبية لله تعالى، بل لو قال الآن لا إله وسكت مدة ثم قال في يومه إلا الله لم يكن ذلك شهادة لله بالربوبية، سلمنا أن هذا غير لازم فأي فائدة في ملك يقول لا إله إلا الله في ما شاء الله من ألوف السنين مرة واحدة في عمره ولو قال مرتين كان أفضل ولو قال ثلاثا كان أفضل وهكذا إلى ما لا نهاية له.
الناصر ابن عبد المؤمن
محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي السلطان الملك الناصر أبو عبد الله القيسي المغربي الملقب بأمير المؤمنين، وأمه أمة رومية اسمها زهر، بويع بعهد أبيه إليه، وكان أبيض أشقر أشهل أسيل الخد حسن القامة كثير الإطراق بعيد الغور بلسانه لثغة شجاعا حليما فيه بخل بالمال وعفة عن الدماء وقلة خوض فيما لا يعنيه، وله من الأولاد ولده يوسف ولي عهده ويحيى وتوفي في حياته وإسحاق، واستوزر أخاه إبراهيم ابن السلطان يعقوب وهو أولى منه بالملك، أوصى عبيده وحرسه: أنه من ظهر لكم بالليل فهو مباح الدم، ثم أراد أن يختبرهم فسكر ليلة وقام يمشي في بستانه فجعلوه غرضا لرماحهم فجعل يقول: أنا الخليفة أنا الخليفة فلم يمكنهم استدراك الفائت، فمات سنة عشر وست مائة، وقام بعده بالأمر ابنه يوسف أبو يعقوب المستنصر بالله وضعفت دولة بني عبد المؤمن في أيام ولده يوسف المذكور، وسيأتي ذكر والده يعقوب بن يوسف وذكر ولده يوسف بن محمد في مكانيهما من هذا الكتاب.
المعمر ابن الديني
صفحة : 673
محمد بن يعقوب بن أبي الفرح بن عمر بن الخطاب الشيخ المعمر مسند العراق شهاب الدين أبو سعد ابن الدينة ويقال ابن الديني البغداذي، ولد سنة تسع وثمانين وسمع من أبي الفتح المندائي وابن سكينة وحنبل الرصافي وابن الحريف وابن الأخضر ويقال إنه سمع من أبي الفرج ابن الجوزي وذلك ممكن لأنه سمع في صباه من ابن كليب ومن ابن الأخضر وذلك سنة أربع وتسعين، ولي مشيخة المستنصرية، وروى عنه الدمياطي وأبو العلاء الفرضي وأجاز لمن أدرك حياته، وتوفي سنة سبعين وست مائة.
مجير الدين ابن تميم
محمد بن يعقوب بن علي مجير الدين ابن تميم الإسعردي وهو سبط فخر الدين ابن تميم، سكن حماة وخدم الملك المنصور وكان جنديا محتشما شجاعا مطبوعا كريم الأخلاق بديع النظم رقيقه لطيف التخيل إلا أنه لا يجيد إلا في المقاطيع فأما إذا طال نفسه ونظم القصائد انحط نظمه ولم يرتفع، توفي بحماة سنة أربع وثمانين وست مائة، وهو في التضمن الذي عاناه فضلاء المتأخرين آية، وفي صحة المعاني والذوق اللطيف غاية، لأنه يأخذ المعنى الأول ويحل تركيبه وينقله بألفاظه الأولى إلى معنى ثان حتى كأن الناظم الأول إنما أراد به المعنى الثاني، وقد أكثر من ذلك حتى قال:
أطـالـع كـــل ديوان أراه ولم أزجر عن التضمين طيري
أضمن كل بيت فيه مـعـنـى فشعري نصفه من شعر غيري ومما نقلته من خطه له في التضمين المذكور:
أهديته قدحا فإن أنصفـتـه أوسعته بجماله تـقـبـيلا
نظمت به الصهباء در حبابها حتى يصير لرأسه إكلـيلا ونقلت منه أيضا:
لو أنك إذ شربناها كؤوسـا ملئن من المدام الأرجواني
حسبت سقاتها دارت علينا بأشربة وقفن بلا أوانـي ونقلت منه أيضا:
إن كان راووق المدامة عندما مات الأمير بكى بدمع قـان
فاليوم ينشد وهو يبكي عندمـا شرب المدامة من يد السلطان
يا عين صار الدمع عندك عادة تبكين في فرح وفي أحـزان ونقلت منه له:
قالوا فلان تولى نتف عـارضـه ليصبح الحسن عنه غير منتقـل
فقلت: سد طريق الشعر يعجـزه ومن يسد طريق العارض الهطل ونقلت منه له:
تعيب تحتي جوادا لا حراك به يكاد من همزه بالركض ينخذم
فلا يغرك منه سنه غـلـطـا إن الجواد على علاته هـرم ونقلت منه له يهجو كحالا:
دعوا الشمس من كحل العيون فكفه تسوق إلى الطرف الصحيح الدواهيا
فكم ذهبت من نـاظـر بـسـواده وخلت بياضا خلـفـهـا ومـآقـيا ونقلت منه له:
لو كنت في الحمام والحنا على أعطافه ولجـسـمـه لألاء
لرأيت ما يسبيك منه بـقـامة سال النضار بها وقام المـاء ونقلت منه له في بركة ألقت الشمس عليها الشعاع:
لو كنت إذ أبصرتهـا فـوارة للشمس في أمواهـهـا لألاء
لرأيت أعجب ما يرى في بركة سال النضار بها وقام الـمـاء ونقلت منه له يرثي قدحا:
أيا قدحا قد صدع الدهر شمـلـه فأصبح بعد الراح قد جاور التربا
سأبكيك في وقت الصبوح وإننـي سأكثر في وقت الغبوق لك الندابا
وإن قطبت شمس المدام فحقـهـا لأنك كنت الشرق للشمس والغربا ونقلت منه له في مليح كان عنده خصي انتقل إلى غيره:
يقول ويبدي للخصي اعتـذاره برغبته في غيره واجتنـابـه
رأيتك مخصيا فملت إلى الذي له فضلة عن جسمه في إهابه ونقلت منه له في فوازة:
لقد نزهت عيني أنابيب بـركة تقابلني أمواهها بالـعـجـائب
أنابيب لجت في غلو كـأنـمـا تحاول ثأرا عند بعض الكواكب ونقلت منه له في عوادة:
جاءت بعود كلما لعبـت بـه لعبت بي الأشجان والتبـريح
غنت فجاوبها ولم يك قبلـهـا شجر الأراك مع الحمام ينوح ونقلت منه له:
يا ليلة قصـرت بـزورة غـادة سفرت فأغنى وجهها عن بدرها
صفحة : 674
حتى إذا خافت هجوم صباحهـا نشرت ثلاث ذوائب من شعرها ونقلت منه له:
وأهيف من البدر غصن قوامه عليه قلوب العاشقين تـطـير
يدور عذاراه لتقـبـيل وجـنة على مثلها كان الخصيب يدور ونقلت منه له:
ولم أنس قول الورد والنار قد سطت عليه فأمسـى دمـعـه يتـحـدر
وترفق فما هذي دموعي التي ترى ولكنها نفس تـذوب فـتـقـطـر ونقلت منه له في جارية تحمل فانوسا:
يقول لها الفانوس لمـا بـدت لـه وفي قلبه نار من الوجد تسـعـر
خذي بيدي ثم اكشفي الثوب تنظري بي الضر إلا أنـنـي أتـسـتـر ونقلت منه له:
وطرف تخط الأرض رجلاي فوقه إذا ما مشى ضاقت علي المنافس
وما أنا إلا راجل فـوق ظـهـره ولكنني فيما ترى العـين فـارس ونقلت منه له في مليح يشرب من بركة:
أفدي الذي أهوى بفيه شـاربـا من بركة راقت وطابت مشرعا
أبدت لعيني وجهـه وخـيالـه فأرتني القمرين في وقت معـا ونقلت منه:
طوبى لمرآة الحبيب فإنـهـا حملت براحة غصن بان أينعا
واستقبلت قمر السماء بوجهها فأرتني القمرين في وقت معا ونقلت منه له:
لم أنس قول الورد حين جنـيتـه ودموعي خوف الحـريق تـراق
لا تعجلوا في أخذ روحي فاصبروا فإليكـم هـذا الـحـديث يسـاق ونقلت منه له
سقيت إليك من الحـديقة وردة وأتتك قبل أوانها تـطـفـيلا
طمعت بلثمك إذ رأتك فجمعت فمها إليك كطالب تـقـبـيلا ونقلت منه له في غير التضمين:
وليلة بتها من ثغـر حـبـي ومن كأسي إلى فلق الصباح
أقبل أقحوانا فـي شـقـيق وأشربها شقيقا في أقاحـي ونقلت منه له:
وليلة بت أسقى في غياهـبـهـا راحا تسل شبابي من يد الـهـرم
ما زلت أشربها حتى نظرت إلـى غزالة الصبح ترعى نرجس الظلم ونقلت منه له:
ألا رب يوم قد تقضى بـبـركة غدوت به فيما جرى متفكـرا
بعيني رأيت الماء فيها وقد هوى على رأسه من شاهق فتكسرا ونقلت منه له:
تأمل إلى الدولاب والنهر إذا جرى ودمعهما بين الـرياض غـزير
كأن نسيم الروض قد ضاع منهما فأصبـح ذا يجـري وذاك يدور ونقلت منه له:
ونهر حالف الأهواء حـتـى غدت طوعا له في كل أمـر
إذا سرقت حلى الأغصان ألقت إليه بها فيأخـذهـا ويجـري ونقلت منه له:
كيف السبيل للثم من أحبـيتـه في روضة للزهر فيها معرك
ما بين منثور وناظر نرجـس مع أقحوان وصفـه لا يدرك
هذا يشير بإصبـع وعـيون ذا ترنو إليه وثغر هذا يضحـك ونقلت منه له:
أيا حسنها من روضة ضاع نشرها فنادت عليه في الرياض طـيور
ودولابها كادت تعد ضـلـوعـه لكثرة ما يبـكـي بـهـا ويدور ونقلت منه له:
لو كنت إذ نادمت من أحببـتـه في روضة تسبي العقول وتفتن
لرأيتها وعيونهـا مـن غـيرة مني تفيض ووجهها يتـلـون ونقلت منه له:
لو كنت تشهدني وقد حمي الوغى في موقف ما الموت عنه بمعزل
لترى أنابيب القنـاة عـلـى يدي تجري دما من تحت ظل القسطل ونقلت منه له:
راقبت غفوة من أحب ولم أكن أدري بأن الريح من رقبـائه
حتى هممت بأن أقبـل خـده هبت وغطت وجهه بقـبـائه ونقلت منه له:
لي بستـان كـبـير نجده أصبح غـورا
دارت الأيام حتـى كبشه قد صار ثورا ونقلت منه له:
إني لأعجب في الوغى من فارس حارت دقائق فكرتي في كنهـه
أدى الشهادة لي بأني فـارس ال هيجاء حين جرحته في وجهـه ونقلت منه له يصف بحرة:
صفحة : 675
ولما احتمت منا الغزالة بالسـمـا وعز على قناصها أن ينـالـهـا
نصبنا شباك الماء في الأرض حيلة عليها فلم نقدر فصدنا خـيالـهـا ونقلت منه له في حجرة شهباء أهديت إليه:
أتتني الحجر الشهباء تزهـى بحسن جل عن وصفي ونعتي
وأرجو أن رسم الصرم يأتـي لسعد منهما حظي وبخـتـي
فألبسه وأركبهـا جـمـيعـا فيصبح جودكم فوقي وتحتي ونقلت منه له:
للبركة الغراء في نقصانهـا عذر فجد بقبوله متصـدقـا
لما أراد الماء يعلو أنـشـأت كفاك غيثا بالعطايا مغـدقـا
لزم الثرى خجلا ولم يرفع له رأسا فلما غبت عنه تدفقـا ونقلت منه وقد أهدي تفاحا وخشكنانجا:
يا أيها الملك الـذي أوصـافـه كملت فلم تحتج إلى تـتـمـيم
أفنيت ما فوق البسيطة كلـهـا كرما يغطي فعل كـل كـريم
ثم ارتقيت إلى السماء فجدت لي من أفقها بـأهـلة ونـجـوم ونقلت منه له وقد أذن له بالرجوع من البيكار مضمنا:
أذنت لي في رحيل لا أسـر بـه ولا تلذ به روحـي ولا بـدنـي
لأنني منك فـي عـز وفـي دعة وهكذا كنت في أهلي وفي وطني ونقلت منه له:
وحمائم قد قصرت عن سجعهـا فوق الغصون عبارة الخطبـاء
كررن حرف الراء في أسجاعها لتغيظ منها واصل بن عـطـاء
هو لم يطق بالراء نطقا وهي لم تنطق إذا خطبت بغـير الـراء ونقلت منه له:
يا جاعل الماء مثل الريح في عظم خفض مقالك إن القول ينتـقـد
البحر والبحر لا تخفي مهابـتـه للخوفي من سطوات الريح يرتعد
وربما صرعته من مهـابـتـهـا أما تراه على أشداقـه الـزبـد ونقلت منه له:
انظر إلى الروضة الغناء حين بدت واعجب إذا الغيم فيها أسبل المطرا
بينا تراه خيوطا عـنـد نـاظـره حتى تراه على غدرانـهـا إبـرا ونقلت منه له:
زار الحمى فتعطرت أنفاسه شغفا بمن تصبو إليه الأنفس
وأحب رؤيته فأنبت نرجسـا إن الرياض عيونهن النرجس ونقلت منه له:
يا حسنه من قـدح ثـوبـه يروق عيني وشيه المذهب
رق إلى أن كـاد مـن رقة يجري مع الخمرة إذ يشرب ونقلت منه له:
لما اقتنيت من الصوارم أعوجا يجري الفضاء بنهره المتموج
جئت القفار وما حملـت إداوة للماء من ثقتي بنهر الأعوج ونقلت منه له:
وكأن أرغفة الخوان وحولها بقل يهش إليه نفس الآكـل
وجنات غيد صففت وجميعها يبدو به خط العذار الباقـل بدر الدين ابن النحوية
محمد بن يعقوب الشيخ الإمام النحوي الأديب بدر الدين ابن النحوية، كان بحماة وله يد طولى في الأدب، اختصر المصباح لبدر الدين ابن مالك في المعاني والبيان والبديع وسماه ضوء المصباح وهذه تسمية حسنة كما اختصر ابن سناء الملك كتاب الحيوان للجاحظ وسماه روح الحيوان وكما اختصر البرق الشامي وسمي سنا البرق وصنف العلامة قاضي القضاة تقي الدين أبو الحسن علي السبكي كتابا سماه النور في مسائل الدور واختصره فسماه قطب النور واختصرت أنا ديوان السراج الوراق وسميته لمع السراج وهذه مناسبات في تسمية المختصرات. وشرح بدر الدين ابن النحوية ضوء المصباح في مجلدين وسماه إسفار الصباح عن ضوء المصباح وعندي في هذه التسمية شيء وهو أن الشروح ما توضع إلا لبيان الأصول وضوء الصباح إذا أسفر ذهب نور المصباح ولم يبن، وشرح أيضا ألفية ابن معطي شرحا حسنا وسماه حرز الفوائد وقيد الأوابد، أنشدني من لفظه الشيخ الإمام العلامة نجم الدين علي بن داود القحفازي الحنفي قال: أنشدني شيخنا بدر الدين محمد ابن النحوية ما كتبه ارتجالا على قصيدة أحضرها بعض شعراء العصر يمدح صاحب حماة:
لا ينشدا هذا القريض مـتـيم خودا يحاذر من أليم صدودها
صفحة : 676
فتمله وتـصـده وتـظـنـه أن قد أغار على فريد عقودها قلت: لا يقال إلا حاذرت كذا ولا يقال إلا صد عنه إلا أن يكون حمل ذلك على المعنى ويكون أراد حاذرت بمعنى خفت وتصده بمعنى تجفوه وفي هذا ما فيه، وقد كتبت إسفار الصباح بخطي ووقفت فيه على مواضع غلط في التمثيل بها منها ما قلد غيره فيه ومنها ما استبد به، وبلغني عن قاضي القضاة جلال الدين القزويني رحمه الله تعالى أنه قال: اجتمعت ببدر الدين ابن النحوية في العادلية بدمشق وسألته عن قول أبي النجم:
قد أصبحت أم الخيار تدعي علي ذنبا كله لم أصـنـع في تقديم حرف السلب وتأخيره فما أجاب بشيء أو كما قال، وقد تكلم على هذا البيت كلاما جيدا في إسفار الصباح والسبب في ذلك أن كل من وضع مصنفا لا يلزمه أن يستحضر الكلام عليه متى طلب منه لأنه حالة التصنيف يراجع الكتب المدونة في ذلك الفن ويطالع الشروح فيحرر الكلام في ذلك الوقت ثم يشذ عنه.
كاتب سر دمشق
محمد بن يعقوب هو القاضي ناصر الدين ابن الصاحب شرف الدين وسوف يأتي ذكر والده في حرف الياء إن شاء الله تعالى. سألته عن مولده فقال: تقريبا سنة سبع وسبع مائة بحلب، وقال لي: قرأت القرآن لأبي عمرو على الشيخ تاج الدين الرومي وعلى الشيخ إبراهيم الفتح وعلى القاضي فخر الدين ابن خطيب جبرين، قال: وقرأت التلقين لأبي البقاء والحاجبية وألفية ابن معطي على الشيخ علم الدين طلحة ثم القاضي فخر الدين ابن خطيب جبرين، قال: وحفظت تصريف ابن الحاجب وقرأت عليه، قال: وقرأت التنبيه للشيخ أبي إسحاق حفظا على القاضي فخر الدين المذكور وعلى الشيخ كمال الدين ابن الزملكاني وقرأت المختصر لابن الحاجب حفظا وبحثا على الشيخ كمال الدين إلى العام والخاص والقاضي فخر الدين كاملا وحفظت نصف الحاصل قبل المختصر وبحثت على القاضي فخر الدين ثلاث سور من أول الكشاف وقرأت علوم الحديث للنووي على القاضي شمس الدين ابن النقيب وقرأت على أمين الدين الأبهري نصف التذكرة للنصير الطوسي في الهيئة وقرأت عليه رسائل الاسطرلاب وسمعت بعض البخاري على المزي وسمعت الموطأ على ابن النقيب وسنن أبي داود وأجزاء حديثية، قال: وسمعت على سنقر مملوك ابن الأستاذ في الرابعة حضورا وعلى الشيخ عز الدين ابن العجمي وأجاز لي الحجار وحججت مع والدي سنة عشرين وسبع مائة ولم أبلغ الحلم، قلت: وأذن له الشيخ كمال الدين بالإفتاء على مذهب الشافعي لما كان قاضيا بحلب وكان قد تولى في حياة والده نظر الخاص المرتجع عن العربان بحلب مدة تقارب ثمانية أشهر ثم نقل بذلك إلى كتابة الإنشاء بحلب، ثم لما كان الأمير سيف الدين أرغون بحلب نائبا جعله من موقعي الدست وكان يحبه كثيرا ويقول له يا فقيه ويجلس عنده في الليل، وتولى تدريس النورية والشعيبية بحلب في سنة ثمان وعشرين وسبع مائة، وتولى تدريس الأسدية سنة أربع وأربعين وسبع مائة ورسم له بكتابة سر حلب عوضا عن القاضي شهاب الدين ابن القطب سنة تسع وثلاثين وسبع مائة، وتولى قضاء العسكر بحلب تلك السنة ولم يزل بحلب إلى أن توفي تاج الدين ابن الزين خضر بدمشق في أيام الأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي فسير طلبه من الكامل أن يكون عنده بدمشق كاتب سر فرسم له بذلك فحضر إلى دمشق رابع عشر جمادى الأولى سنة سبع وأربعين وسبع مائة وطلع الناس وتلقوه من عز الدين طقطاي الدوادار والأمير سيف الدين تمر المهمندار والموقعين ولم أر أحدا دخل دخوله من كتاب السر إلى دمشق، ورأيته ساكنا محتملا مداريا لا يرى مشاققة أحد ولا منازعته كثير الإحسان إلى الفقراء والمساكين يبرهم ويقضي حوائجهم ويكتب كتابة حسنة وينظم وينثر سريعا ويستحضر قواعد الفقه فروعا وأصولا وقواعد أصول الدين وقواعد الإعراب والمعاني والبيان والهيئة وقواعد الطبل ويستحضر من كليات الطب جملة، ولي دمشق سنة ثمان وأربعين، سمع صحيح مسلم على الشيخ محمد السلاوي وسمع سنن أبي داود على الشيخ شمس الدين محمد بن نباتة وعلى بنت الخباز وسمع عليها جملة من الأجزاء ومشيخة ابن عبد الدائم وغير ذلك، وكتب إلي ونحن بمرج الغشولة صحبة الأمير سيف الدين يلبغا اليحيوي نائب الشام وقد وقع مطر كثير برعد وبرق:
كأن البـرق حـين تـراه لـيلا ظبي في الجو قد خرطت بعنف
صفحة : 677
تخال الضوء منه نـار جـيش أضاءت والرعود فجيش زحف فكتبت الجواب:
يحاكي البرق بشرك يوم جـود إذا أعطيت ألفا بـعـد ألـف
وصوت الرعد مثل حشا عـدو يخاف سطاك في حيف وحتف فكتبت الجواب إلي:
لئن أوسعت إحسانـا وفـضـلا وجدت بنظم مـدح فـيك لائق
فهذا الفضل أخجل صوب سحب وهذا البشر أخجل بشر بـارق وكتب هو إلي أيضا:
وكأن القطر في ساجي الدجى لؤلؤ رصع ثـوبـا أسـودا
فإذا ما قـارب الأرض غـدا فضة تشرق مع بعد المـدى فكتبت أنا إليه الجواب:
ما مطرنا الآن في المرج سدى ورأينا العذر فـي هـذا بـدا
نظر الجـو لـمـا تـبـذلـه فهو يبكي بالغوادي حـسـدا وكتب هو إلي أيضا:
طبق الجو بالسحاب صباحا ومطرنا سحا مغيثا وبيلا
نسخ الري كل قحط ويبس بغمام أهدى لنا سلسبـيلا
ارتشفنا الرضاب منه فخلنا عن يقين مزاجه زنجبيلا فكتبت أنا الجواب إليه:
جلت الأرض بعد يبس وقحط من بكاء الغمام وجها جمـيلا
وتثني القضيب فيها رطـيبـا وتمشي النسيم فيها عـلـيلا
هكذا كل بلـدة أنـت فـيهـا يجعل الغيث في حماها مسيلا فكتب هو الجواب إلي:
أوضح اللـه لـلـبـيان سـبـيلا بك يا أقـوم الـمـجـيدين قـيلا
إن تثنى القضيب في الروض عجبا أو تبدي نضاره مـسـتـطـيلا
فبأقلامك الـمـبـاهـاة فـخـرا كل غصن رطب وحدا صـقـيلا
ولـئن زدت فـي ثـنـائي إنـي شاكر فضلك الـجـزيل طـويلا وكتب هو إلي أيضا:
ليلة المرج خلتها ألـف شـهـر زلزلت أرضنا من الرعد عصرا
خامنا فـيه كـاد، لـولا رجـال أمسكوه، ينشق شفـعـا ووتـرا
ويكاد العمود مـن شـدة الـري ح به أن ينحط وهنا وكـسـرا فكتبت أنا الجواب إليه:
لم تزلزل أرض بها أنت لكن رنحت عطفها بفضلك شكرا
وكذاك الأطناب تثني وتدعـو لك من تحتها فتهتز سكـرا
وعجيب من العواميد إذ لـم تمس أوراقها بجودك خضرا فكتب الجواب هو إلي:
يا إماما له الفضائل تـعـزى وبليغا قولا ونظمـا ونـثـرا
إن تفضلت بالثـنـاء فـإنـي بأياديك ما برحـت مـقـرا
إن أمنا الزلزال فهـو يقـينـا رحمة تقتضي قياما وشكـرا
أنت للأرض طود فضل عظيم منعها تهتز طوعا وقـسـرا
دمت في نعمة وفضل ومجـد دائم ترتقي وهنيت عـشـرا وكنت مرة في خدمته ونحن على ضمير فاشتد علينا الحر وزاد فكتبت إليه:
رب يوم على ضمير تقضـى فقطعناه في عـنـا وبـلاء
يتمنى الحرباء من شـدة الـح ر لو انساب ضفدعا في الماء فكتب هو الجواب إلي:
يومنا في ضـمـير يوم كـريه ما رأينا كحره فـي الـفـلاء
كاد حربـاؤه يمـوت حـريقـا من لظى شمسه على الصحراء وكتب هو إلي أيضا في المعنى:
يوما نزلنا على ضـمـير أوقد حر النهـار نـاره
وصارت الشمس ذا التهاب وقودها الناس والحجـارة ابن أخبار التركي
محمد بن يلتكين بن أخبار بن عبد الله التركي القائمي أبو بكر، اسمعه والده الكثير في صباه من أبي القاسم ابن بيان وأبي علي ابن نبهان وأبي الغنائم ابن النرسي وأبي علي ابن المهدي وأبي الغنائم ابن المهتدي وأبي طالب ابن يوسف وخلق من هذه الطبقة، وخرج له الحافظ أبو نصر الحسن بن محمد اليونارتي الأصبهاني فوائد وحدث بنسخة الحسن بن عرفة عن ابن بيان سمعها منه أبو المظفر عبد الملك بن علي الهمذاني وابنه ببغداذ ثم تغرب عن بغداذ وسكن دهستان، وكان فقيها فاضلا أديبا شاعران سمع منه المبارك ابن كامل الخفاف، ومن شعره:
رحلت وقلبي بهم مولع فعيني لفرقتهم تدمـع
صفحة : 678
وحقهم ما التذذت الـكـرى ولا طاب لي بعدهم مضجع
أقضي نهاري بـذكـراهـم وأتبعه اللـيل لا أهـجـع
وإني على حفظ ودي لهـم تراهم على العهد أم ضيعوا ومنه:
أترى ما مضى مـن الأزمـان عائدا بعد بعده عـن عـيانـي
أم ترى من عهدت من أهل بغدا ذ على ما عهدت أم قد سلاني قلت: شعر متوسط، توفي سنة ست أو سبع وخمسين وخمس مائة.
أخو الحجاج
محمد بن يوسف الثقفي أخو الحجاج، توفي سنة مائة أو ما قبلها، قدم أميرا على اليمن ولما قتل ابن الزبير بعث الحجاج بكفه إليه فعلقها بصنعاء، وكان طاووس ووهب بن منبه يصلبان خلفه واستعمل طاووسا اليماني على الصدقات ثم قال له: ارفع حسابك، فقال له: وأي حساب لك عندي? أخذتها من الأغنياء ودفعتها إلى الفقراء، وكان محمد يسب عليا رضوان الله عليه على المنبر ويأمر بذلك وأخذ حجرا المدني وكان رجلا صالحا فأقامه عند المنبر وقال: سب أبا تراب فقال: إن الأمير محمدا أمرني أن أسب عليا فالعنوه لعنه الله، فتفرق الناس على ذلك ولم يفهمها إلا رجل واحد، وكان علي رضي الله عنه قال لحجر هذا: كيف بك إذا قمت مقاما تؤمر فيه بلعنتي? قال: أويكون ذلك? قال: نعم سبني ولا تتبرأ مني، وكان عمر بن عبد العزيز بن حيان بالحجاز والوليد بالشام وقرة بن شريك بمصر امتلأت بلاد الله جورا، وقدم محمد من اليمن بهدايا عظيمة فأرسلت أم البنين إلى محمد أن أرسل إلي بالهدية، فقال: لا حتى يراها أمير المؤمنين، فغضبت، ورآها الوليد فبعث بها إليها فقالت: لا حاجة لي بها فقد غصبها من أموال الناس وأخذها ظلما، فسأله الوليد فقال: معاذ الله فأحلفه بين الركن والمقام خمسين يمينا أنه ما ظلم أحدا ولا غصبه فأخذها الوليد وبعث بها إلى أم البنين، ورجع محمد إلى اليمن فأصابه داء فتقطعت أمعاؤه وأعضاؤه ومات.
عروس الزهاد
محمد بن يوسف بن معدان الأصبهاني الملقب بعروس الزهاد وهو من أجداد الحافظ أبي نعيم، توفي سنة أربع وثمانين ومائة.
الفريابي
محمد بن يوسف بن واقد أبو عبد الله الفريابي، ولد سنة عشرين ومائة، كان عالما زاهدا ورعا من الطبقة السادسة، قال: رأيت في المنام أني دخلت كرما فيه عنب فأكلت من عنبه كله إلا الأبيض، فقصصت رؤياي على سفيان الثوري فقال: تصيب من العلوم كلها إلا الفرائض فإنها جوهر العلم كما أن العنب الأبيض جوهر العنب، وكان كما قال، روى عن الثوري وغيره وروى عنه الإمام أحمد وغيره، قال البخاري: كان الفريابي من أفضل أهل زمانه وكان ثقة صدوقا مجاب الدعوة، توفي سنة اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة ومائتين.
ابن الطباع المحدث
محمد بن يوسف بن عيسى أبو بكر ابن الطباع، قدم سر من رأى فنزل في البغويين فاجتمع الناس والمحدثون إليه، فسمع محمد بن عبد الله بن طاهر الضوضاء فقال: ما هذا? قالوا: كلام المحدثين عند ابن الطباع، فكتب إليه يطلبه، فكتب إليه: أما بعد فأكرمك الله كرامة تكون لك في الدنيا عزا وفي الآخرة حرزا لم أتخلف عنك صيانة بل ديانة لأن العلم يؤتى ولا يأتي، فلما قرأها محمد قال: صدق، ثم صار إليه هو وبنوه فحدثه عامة الليل ثم قام محمد وانصرف، وقال لحاجبه: سله ما يريد? فقال ابن الطباع: قل له يبعث لنا ما نتغطى به من البرد، فأرسل إليه بمطرف خز يساوي خمس مائة دينار، توفي سنة سبع وسبعين ومائتين.
محمد بن يوسف بن معدان الثقفي الأصبهاني البناء الزاهد المجاب الدعوة جد والد أبي نعيم الحافظ لأمه، له مصنفات في الزهد منها كتاب معاملات القلوب وكتاب الصبر وممن روى عنه أبو الشيخ، توفي سنة ست وثمانين ومائتين وقد تقدم ذكر جده آنفا.
أبو الحسن الاخباري
محمد بن يوسف بن أحمد بن الحسن الاخباري، أديب شاعر، سمع بأرجان أبا عبد الله محمد بن أحمد بن حبيب وبشيراز أبا زرعة أحمد بن الفضل الطبري وبمصر أبا محمد الحسن بن رشيق العسكري وأبا محمد عبد الله بن أحمد ابن محمود بن ثرثال وبالبصرة أبا القاسم علي بن أحمد المكي البزاز وسمع من أبي العباس أحمد بن محمد بن عقدة الكوفي وغيره، وحدث بدمشق سنة تسع وتسعين وثلاث مائة، ومن شعره. . .
الاستراباذي
صفحة : 679
محمد بن يوسف بن حماد أبو بكر الاستراباذي، كان عنده كتب أبي بكر ابن أبي شيبة عنه، توفي سنة ثماني عشرة وثلاث مائة.
الفربري راوي البخاري
محمد بن يوسف بن مطر بن صالح أبو عبد الله الفربري بفتح الفاء وكسرها وباء موحدة بين رائين، سمع الصحيح من البخاري بفرير، كان ثقة ورعا، حدث عنه بالصحيح أبو علي سعيد بن السكن الحافظ بمصر سنة ثلاث وأربعين وهو أول من حدث عن الفربري، توفي الفربري سنة عشرين وثلاث مائة.
القاضي أبو عمر البغداذي
محمد بن يوسف بن يعقوب الأزدي مولاهم أبو عمر البغداذي القاضي، توفي سنة عشرين وثلاث مائة، ولد القاضي أبو عمر الأزدي سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وسمع الشيوخ ولقي العلماء، لم يكن له نظير في الحكام عقلا وحلما وذكاء وتمكنا وإيجازا للمعاني الكثيرة في الألفاظ القليلة، وصفه الخطيب بأوصاف جميلة من الجود والفضل والحياء والكرم والإحسان إلى القاضي والداني، واستخلف لأبيه يوسف على القضاء بالجانب الشرقي من بغداذ وكان يحكم بين أهل مدينة المنصور رياسة وبين أهل الجانب الشرقي نيابة وصرف هو ووالده، ثم تولى زمن المقتدر قضاء الجانب الشرقي من بغداذ وعدة نواح من السواد والشام والحرمين واليمن وغير ذلك، ثم قلد قضاء القضاة سنة سبع عشرة وثلاث مائة، وحمل الناس عنه علما كثيرا من الحديث والفقه وصنف مسندا كبيرا، ولم ير الناس ببغداذ أحسن من مجلسه، كان يجلس للحديث وعن يمينه أبو القاسم ابن منيع وهو قريب من أبيه في السن والسند وعن يساره ابن صاعد وأبو بكر النيسابوري بين يديه وسائر الحفاظ حول سريره وما عثروا عليه بخطإ قط لا في رواية الحديث ولا في أحكامه، حضر عنده يوما ثوب يمان قيمته خمسون دينارا وعنده جماعة من أصحابه وشهوده الذين يأنس بهم فاستحسنوه فقال: علي بالقلانسي ففصله قلانس على عددهم، وقال: لو استحسنه واحد منكم وهبته له فلما اشتركتم في استحسانه وجب قسمته بينكم وهو لا يقوم بملابسكم فجعلته قلانس لكم، ورؤي في المنام بعد موته فقيل له: ما فعل الله بك? فقال: أدركتني دعوة العبد الصالح إبراهيم الحربي، وكانا قد اجتمعا في مكان فقال القاضي لغلامه: ارفع نعلي إبراهيم في منديلك، ففعل فلما قام الحربي قال القاضي لغلامه: قدم نعلي إبراهيم، فأخرجهما من المنديل فقال إبراهيم للقاضي: رفع الله قدرك في الدنيا والآخرة، أسند القاضي عن محمد بن الوليد ومحمد بن إسحاق الصاغاني وعثمان بن هشام بن دلهم وغيرهم، وروى عنه الدارقطني ويوسف ابن عمر القواس وأبو القاسم ابن حبابة وآخرون.
ابن مرداس الشافعي
محمد بن يوسف بن بشر بن النضر بن مرداس الفقيه الشافعي أحد الرحالين، توفي في شهر رمضان سنة ثلاثين وثلاث مائة أو ما دونها.
أبو عمر الكندي
محمد بن يوسف بن يعقوب بن حفص بن يوسف بن نصير أبو عمر الكندي مصنف تاريخ مصر، توفي في شوال سنة خمسين وثلاث مائة تقريبا.
الحافظ أبو زرعة الكشي
محمد بن يوسف بن محمد بن جنيد الحافظ أبو زرعة الجرجاني الكشي توفي سنة تسعين وثلاث مائة.
الكفرطابي
محمد بن يوسف بن عمر أبو عبد الله ابن منيرة الكفرطابي نزيل شيراز، توفي سنة ثلاث وخمسين وخمس مائة، من شعره:
يا قوم خاب مطلبـي لا واخذ اللـه أبـي
لأنـه درسـنــي أصناف علم الخطب
وعنده أنـي بـهـا أحوي جزيل النشب
فما أفادتنـي سـوى حرفة أهـل الأدب
وليته عـلـمـنـي صنعته وهو صبي
. . . الـحــاكة لا مسائل المقتضـب
تبا لدهر أصبـحـت صروفه تلعب بـي
كأنــه ولـــيدة لاهية بالـلـعـب وله كتاب في نقد الشعر وكتاب غريب القرآن وكتاب بحر النحو فيه نقض مسائل كثيرة على أصول النحويين، ومن شعر الكفرطابي بيتان في كل كلمة منهما زاي:
تجاوزت أجواز المفاوز جـازيا بأزرق غزته نزوع النـواهـز
وزجيت بزلا كالجوازي مجهزا وأزجيت عزم الهبرزي المناجز ومن شعره في السيف:
ومهند تقفو المـنـون سـبـيلـه أبدا فكيف يقـال ريب مـنـون
ترك المنايا في النفوس فرحن عن غبن وراح وليس بالمـغـبـون
صفحة : 680
لو أن سيفا ناطقا لتحدثـت شفراته بسرائر وشجـون
وكأنما القدر المتاح مجسم في حده أو عزم عز الدين والكفرطابي هذا هو شيخ لأبي الثناء محمود بن نعمة بن أرسلان الشيرازي الآتي ذكره إن شاء الله تعالى في حرف الميم مكانه، وقيل إن الكفرطابي قرأ على الطليطلي.
المنجم المغربي
محمد بن يوسف المنجم، قال ابن رشيق: غلب عليه التنجيم، وأورد له قوله:
لقد طبع الله الحسين بـن عـسـكـر على الخلق الفضفاض والكرم المحض
فتى الدهر مـتـلاف لـكـل ذخـيرة سماحا وجودا سالم الدين والـعـرض وقوله:
لعمري لئن كنا حليفي صنـاعة لقد سبقت ريش الخوافي القوادم
فقل للذي استهزا بنا في فعالـه مقالي يقظان وعرضـك نـائم
سيغسل عني الماء فعلك كـلـه وقولي باق والعـظـام رمـائم
تدب على الأعضاء منه عقارب وتنفث في الأحشاء منه أراقـم
فإن كان ذا عرض تلوح كلومه فعندي ضمادات له ومـراهـم قلت: هذا يشبه ما جرى ليزيد بن مفرغ لما هجا عبيد الله بن زياد وأمكنه الله منه ولم يمكنه يزيد بن معاوية من قتله ومكنه من عقوبته فسقاه نبيذا حلوا جعل فيه مسهلا فأسهل بطنه وطيف به وهو على تلك الحال وقرن معه هرة وخنزير فجعل يسلح والصبيان يتبعونه ويصيحون به وألح عليه ما يخرج منه حتى أضعفه وسقط فقيل لعبيد الله: لا نأمن أن يموت، فأمر به أن يغسل فلما اغتسل قال:
يغسل الماء ما فعلت وقولـي راسخ منك في العظام البوالي محمد بن يوسف بن علي بن أبي منصور الهمذاني أبو شجاع الفقيه الشافعي، سكن بغداذ وأقام بالمدرسة النظامية وسمع ببغداذ أبا بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وأبا القاسم زاهر بن طاهر الشحامي وغيرهما وحدث باليسير.
أبو الفتح الواعظ
محمد بن يوسف بن محمد المطوعي أبو الفتح الواعظ من أهل بست، قدم بغداذ حاجا وعقد بها مجلس الوعظ في كل جمعة بجامع السلطان، قال الحافظ السلفي: كان حسن الوعظ بالفارسية قليل البضاعة في العربية يحضر مجلسه الأتراك العسكرية وفيه تواضع زائد وكتب عني فوائد ثم رأيته بالأشتر من مدن الجبل.
محمد بن يوسف بن أبي القاسم أبو المحاسن الشاشي، قدم بغداذ ومدح بها جماعة، ذكره الوراق الحظيري في زينة الدهر، ومن شعره:
لا تحقـرن أديبـا راق رونـقـه من الفصاحة إما راح في سمـل
فالسكر العسكري الحلو من قصب والنرجس البابلي الغض من بصل وعارض قصيدة الفياض الهروي التي أولها:
السعي إلى في رضاك محال فقال يمدح برهان الدين عليا الغزنوي الواعظ:
المجد ماء وهـو مـنـك زلال والفضل ريح وهي منك شمال
والنظم شهب وهي فيك ثواقـب والشعر حر وهو فيك حـلال
والشبع إلا من يديك مـجـاعة والري إلا من ثراك مـحـال
والنجح إلا من نـوالـك خـيبة والوعد إلا من لهاك مـطـال
والبدر إلا من جبينك كـاسـف والبحر إلا مـن يمـينـك آل
للمدح في أوصاف مجدك فسحة لا بل له منـدوحة ومـجـال
عنوان فضلك للمـآثـر حـلة وطراز عقلك للعلى سـربـال
ورواء بشرك للمناقـب رونـق وبهاء وجهك للعقول صـقـال منها:
خذها حديقة خاطر هي وردة في خد مجدك بل عليه خال المرسي الخطيب
محمد بن يوسف بن سعادة أبو عبد الله المرسي مولى سعيد بن نصر نزيل شاطبة، كان عارفا بالآثار مشاركا في التفسير حافظا للفروع بصيرا باللغة مائلا إلى التصوف ذا حظ من علم الكلام فصيحا مفوها، صنف كتاب شجرة الوهم المترقية إلى ذروة الفهم لم يسبق إلى مثله، توفي سنة ست وستين وخمس مائة.
موفق الدين البحراني
محمد بن يوسف بن محمد بن قائد موفق الدين الإربلي البحراني الشاعر، كان بارع الأدب رائق الشعر لطيف المعاني، قدم دمشق ومدح صلاح الدين، وكان يعرف الهندسة وله اشتغال في الفلسفة، توفي سنة خمس وثمانين وخمس مائة، ومن شعره. . .
التاريخي الأندلسي
صفحة : 681
محمد بن يوسف أبو عبد الله التاريخي الوراق الأندلسي، ألف بالأندلس للحكم المستنصر كتابا في مسالك إفريقية وممالكها وألف في أخبار ملوكها وحروبهم والقائمين عليهم كتبا جمة وكذلك ألف أخبار تيهرت ووهران وسجلماسة وتنس ونكور والبصرة هناك وغيرها تواليف حسانا.
خواجا إمام صلاح الدين
محمد بن يوسف بن أبي بكر الشيخ ضياء الدين أبو بكر الآملي الطبري المقرئ إمام السلطان صلاح الدين يعرف بخواجا إمام صلاح الدين، توفي سنة ست مائة تقريبا.
الملك الأشرف عز الدين محمد
محمد بن يوسف الملك الأشرف عز الدين ابن السلطان صلاح الدين، توفي بحلب سنة خمس وست مائة.
ابن المنتجب الكاتب
محمد بن يوسف بن محمد أبو عبد الله النيسابوري البغداذي الكاتب المعروف بابن المنتجب، قرأ الأدب وكان أبوه صوفيا فنشأ له سعد الدين أبو عبد الله هذا وبرع في الخط وكان جماعة من الفضلاء يفضلون خطه على خط ابن البواب وكان ضنينا بخطه جدا، توفي شابا سنة ثمان وست مائة، قال محب الدين ابن النجار: كتب إلي مرة رقعة في حاجة سألنيها ثم أعاد إلي الرسول الذي أوصلها إلي يطلبها مني فامتنعت من ردها فألح علي كثيرا وردد الرسول مرارا حتى أضجرني فرددتها عليه وكان فيه بأو وكبر.
الحافظ الزكي البرزالي
محمد بن يوسف بن محمد بن يداس بالياء آخر الحروف والدال المهملة المشددة والسين المهملة بعد الألف الحافظ الرحال زكي الدين أبو عبد الله البرزالي، ذكر أن مولده تقريبا سنة سبع وسبعين وخمس مائة، قدم دمشق سنة خمس وست مائة ثم رجع إلى مصر ثم رد إلى دمشق ورحل إلى خراسان وبلاد الجبل وسمع بأصبهان ونيسابور ومرو وهراة وهمذان وبغداذ والري والموصل وتكريت وإربل وحلب وحران، وعاد إلى دمشق بعد خمس سنين واستوطنها، وكتب بخطه عمن دب ودرج، وأم بمسجد فلوس طرف ميدان الحصا وولي مشيخة مشهد عروة ولم يفتر عن السماح حدث بالكثير، وتوفي سنة ست وثلاثين وست مائة.
أبو الفتح المقدسي
محمد بن يوسف بن همام بن علي أبو الفتح المقدسي من أهل دمشق، قدم بغداذ شابا سنة إحدى وثمانين وخمس مائة وسكنها إلى حين وفاته، وتفقه على أبي الفتح ابن المني وسمع الحديث من جماعة الشيوخ في ذلك الوقت، ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وصحب عبد العزيز بن دلف الخازن وكان يناول الكتب بين يديه في خزانة الشريف الزيدي بتربة الجهة السلجوقية ويبيع الكتب وترك الاشتغال، ثم ولي آخر عمره خزانة الكتب بالمدرسة النظامية وصار له رسم يأخذه كل سنة من صدقات الخليفة، وأثرت حاله وكان متدينا حسن الطريقة متوددا إلى الناس، توفي سنة ثلاث وثلاثين وست مائة ودفن بباب حرب وقد بلغ السبعين.
الرفاء البلنسي
محمد بن يوسف الرفاء البلنسي، أورد له أمية بن أبي الصلت في الحديقة قوله:
وإذا تنثني حولي غصون معاطف تأطر من حلي بروق سواجـع
وأرعى ثريا كل قرط خفـوقـه لقلبي وأما دره لـمـدامـعـي وأنشده بعض الفضلاء في الشمعة:
وناحلة صفراء لم تدر ما الهوى فتبكي لهجر أو لطول بـعـاد
حكتني نحولا واصفرارا وحرقة وفيض دموع واتصال سهـاد فزاد ذلك وقال:
صفراء لم تدر الهوى غير أنهـا رثت لي فباتت تسعد الوجد أجمعا
حكتني نحولا واصفرارا وحـرقة وخفقا وسقما واصطبارا وأدمعـا الفخر الكنجي
محمد بن يوسف بن محمد بن الفخر الكنجي نزيل دمشق، عني بالحديث وسمع ورحل وحصل، كان إماما محدثا لكنه كان يميل إلى الرفض جمع كتبا في التشيع وداخل التتار فانتدب له من تأذى منه فبقر جنبه بالجامع في سنة ثمان وخمسين وست مائة، وله شعر يدل على تشيعه وهو:
وكان علي أرمد العين يبتـغـي دواء فلمـا لـم يحـس مـداويا
شفاه رسول الله منـه بـتـفـلة فبورك مرقيا وبـورك راقـيا
وقال: سأعطي الراية اليوم فارسا كميا شجاعا في الحروب محاميا
يحـب الإلـه والإلـه يحـبـه به يفتح الله الحصون كما هـيا
فخص بها دون البرية كـلـهـا عليا وسماه الوصي المـؤاخـيا ابن مسدي
صفحة : 682
محمد بن يوسف بن موسى بن يوسف بن مسدي الحافظ أبو بكر الغرناطي الأزدي المهلبي، سمع الكثير بالمغرب وديار مصر وصنف وانتقى على المشايخ وظهرت فضائله، روى عن أبي محمد عبد الرحمن ابن الأستاذ الحلبي ومحمد بن عماد الحراني، وخرج معجما لنفسه عمل تراجمه مسجوعة وهو سجع متمكن، روى عنه الدارقطني وغيره، وجاور بمكة وبها مات سنة ثلاث وستين وست مائة في شوال، ولبس الخرقة من جده أبي موسى سنة اثنتين وست مائة ومن الأمين عبد اللطيف النرسي ولبسهم عن الشيخ عبد القادر، وسمع سنة ثمان وبعدها بالأندلس ومن الفخر الفارسي بمصر وقد تكلم فيه فكان يدلس الإجازة، وحكى أبو محمد الدلاصي عنه أنه غض من عائشة رضي الله عنها، وقال الحافظ اليغموري: ما نقمنا عليه إلا أنه كان يتكلم في عائشة، وقال العفيف ابن المطري: إنه يصاحب الزيدية ويداخلهم وقدموه لخطابة الحرم وأكثر كتبه بأيدي الزيدية وكان ينشيء الخطبة ببلاغة وفصاحة وله مصنفات كثيرة وله منسك كبير ضخم ذكر فيه المذاهب وحججها وأدلتها، روى عنه أمين الدين عبد الصمد والعفيف ابن مزروع والرضي محمد بن خليل، قال الشيخ شمس الدين: رأيت له قصيدة طويلة تدل على التشيع ورأيت له مناقب الصديق مجلد وطالعت معجمة بخطه وفيه عجائب وتواريخ، وتوفي سنة ثلاث وستين وست مائة.
السلطان ابن الأحمر
محمد بن يوسف بن نصر السلطان أبو عبد الله بن الأحمر الأرجوني صاحب الأندلس، بويع سنة تسع وعشرين بأرجونة وهي بليدة بالقرب من القرطبة، وكان سعيدا مدبرا مؤيدا حازما بطلا شجاعا ذا دين وعفاف، هزم ابن هود ثلاث مرات ولم تكسر له راية قط، وجاء الأذفونش وحاصر جيان عامين وأخذها بالصلح وعقدت بينهما الهدنة عام اثنين وأربعين فدامت عشرين سنة فعمرت البلاد حتى توفي في شهر رجب سنة اثنتين وستين وست مائة وتملك بعده ابنه محمد.
شهاب الدين التلعفري
محمد بن يوسف بن مسعود بن بركة الأديب البارع شهاب الدين أبو عبد الله الشيباني التلعفري الشاعر المشهور، ولد بالموصل سنة ثلاث وتسعين واشتغل بالأدب ومدح الملوك والأعيان، وكان خليعا معاشرا امتحن بالقمار وكلما أعطاه الملك الأشرف شيئا قامر به فطرده إلى حلب فمدح العزيز فأحسن إليه وقرر له رسوما فسلك معه ذلك المسلك فنودي في حلب: أي من قامر مع الشهاب التلعفري قطعنا يده، فضاقت عليه الأرض فجاء إلى دمشق ولم يزل يستجدي ويقامر حتى بقي في أتون ثم في الآخر نادم صاحب حماة، توفي سنة خمس وسبعين وست مائة، أنشدني من لفظه القاضي شهاب الدين أحمد بن غانم ورشيد الدين يوسف بن أبي البيان كلاهما قال: أنشدنا المذكور من لفظه لنفسه بحماة وفيها توريات حسنة:
جريت بحمراء الكميت إلى الشـقـرا مقر الهوى حسنا وأعرضت عن مقرا
ولم أخل بالخلخال أعمـال كـاسـهـا وأثبت في تاريخ ما سرني سـطـرا
وأبصرت ما بـين الـمـيادين سـائلا فلـم أر إلا أن أقـابـلـه نـهــرا
ولا سيما والروض من حـولـه لـه بساط وقد مد النـسـيم لـه نـشـرا
فلـلـه أيام تـولـت بـجـانـبــي يزيد فقد كانت ببهجتهـا الـعـمـرا
وما كان مـقـصـودي يزيد وبـرده ولكن قصدي كان أن أنظر الزهـرا وأنشدني من لفظه شهاب الدين أحمد بن غانم بالسند المذكور له:
وإذا الثنية أشرقت وشممـت مـن نفس الحمى أرجا كنشـر عـبـير
سل هضبها المنصوب أين حديثها ال مرفوع عن ذيل الصبا المجـرور ونقلت من خط الفاضل علي الوداعي:
ولقد وقفت على الثنـية سـائلا عما أشار به فـتـى شـيبـان
فروت أحاديث الحمى عن عامر وحديث روض السفح عن أبان وقال التلعفري أيضا:
أيطرق في الدجى منكم خيال وطرفي ساهر? هذا محال
سقت أيامنا بـأراك حـزوي وهاتيك الربى سحب ثقـال
منازل للصبى ما زال شملي له فيها بمن أهوى اتصـال
دموعي بعدهـا دال ومـيم على خدي لهـا مـيم ودال وقال أيضا:
حتام أرفل في هواك وتغفـل وإلام أهزل من جفاك وتهزل
صفحة : 683
يا مضرما في مهجتي بصـدوده حرقا يكاد لـهـن يذبـل يذبـل
القلب دل عليك أنك في الدجـى قمر السماء، لأنه لـك مـنـزل
هب أن خدك قد أصيب بعارض ما بال صدغك راح وهو مسلسل
قسما بحاجبك الذي لم ينـعـقـد إلا أرانا السبي وهو مـحـلـل
وبما بثغرك مـن سـلافة ريقـه عذبت فقيل هي الرحيق السلسل
لولا مقبلك المـنـظـم عـقـده ما بات من يهواك وهو مقـبـل
حزني وحسنك إن لغا من لامنـي ونحوت هجري مجمل ومفصل
لو كنت في شرع المحبة عـادلا يا ظالمي ما كنت عني تـعـدل
وأما عجيب أن دمعي مـعـرب عن سر ما أخفيه وهو المهمـل
أضحى ويا لك من عناء هاتـكـا ستر الهوى وعليه أصبح يسبـل
يا آمري بسـلـوه لـيغـرنـي إن السلو كما تقـول لأجـمـل
لكن يعز خلاص قلـب مـتـيم تركته أيدي الهجر وهو مبلبـل
هيهات كلا لا نجاة لـمـن غـدا من جسمه في كل عضو مقتـل فأنشد قبيل موته وهو آخر شعره رحمه الله تعالى:
إذا ما بات من ترب فراشـي وبت مجاور الرب الرحـيم
فهنوني أصيحابي وقـولـوا لك البشرى قدمت على كريم وقال أيضا من أبيات:
طيف غنيت به عن شيم بـارقة وعن تلقي صبا مسكية النفس
أراحني من مواعيد مزخـرفة أجريت منهن آمالي على يبس
فبت في نعمة للـيل سـابـغة ممتعا باللمى والثغر واللعـس
أردد الطرف في خد نضارتـه وقف على مستق منها ومقتبس
خد متى قلت إن الورد يشبهـه قال الجمال: تأمل ذا وذا وقس وقال أيضا:
لم أنس ليلة زرتها في غـفـلة من كاشح ومراقب وحـسـود
فضممت منها غصن بان أهيف مترنح مـن بـانة مـقـدود
ولثمت ثغرا واحياي وخجلتـي إن قلت: مثل اللؤلؤ المنضـود
فشكرت صمت خلاخل وأساور وشكوت نطق مخانق وعقـود وقال أيضا:
في ثغره والقوام اللدان ألف غـنـى عن أبرق الحزن بل عن بانة الوادي
سبحان مطلع بدر التم منـه عـلـى غصن رطيب من الأغصـان مـياد
سكرت من نشوة في مقلتيه صـحـا منها وزاد ضلالي وجهه الـهـادي
ما ضرني ما اقاسي فيه من سـقـم ومن ضنى لو غدا من بعض عوادي وقال أيضا:
يا نقي الخد الذي لم يزل في ه اجتماع لحمرة وبـياض
لك وعد مستقبل حال قسرا دونه سيف مقلتيك الماضي وقال أيضا:
إن كان يرضيك بأن أبقـى كـذا رهن الصبابة والغرام فحـبـذا
سهل بكم هذا السـقـام وهـين في حبكم ما ألتقـيه مـن الأذى
يا عاذلي ما العذل ضـربة لازب لفتى عليه غدا الهوى مستحـوذا
لي لا لك القلب المشوق وأدمعي لا دمعك الجاري فمن يصغي إذا
بي شادن لا قيض الـلـه الـذي أبلى به من أسره لي مـأخـذا
ليلي لون الشعر صبحي السـنـا خوطي لين القد مسكي الـشـذا
لو قابل القمر المنير وقيل لـي: هذاك أم هذا الهلال? لقلـت ذا
يا من له خد غدا مـتـنـزهـا ياقوته عـن أن يكـون زمـرذا وقال أيضا:
أي دمع من الجفون أسـالـه إذ أتته مع النسـيم رسـالـه
حملته الرياح أسرار عـرف أودعتها السحائب الهطـالـه
يا خليلي، وللخلـيل حـقـوق واجبات الأحوال في كل حاله
سل عقيق الحمى وقل إذ تراه خاليا من ظبائه المخـتـالـه
أين تلك المراشف العسـلـيا ت وتلك المعاطف العسالـه
وليال قـضـيتـهـا كـلآل بغزال تغار منه الغـزالـه
صفحة : 684
بابلي الألحاظ والـريق والأل فاظ كل مدامة سـلـسـالـه
من بني الترك كلما جذب القو س رأينا في برجه بدر هالـه
يقطع الوهم حين يرمي ولا يد رى يداه أم عينه النـبـالـه
قلت لما لوى ديون وصـالـي وهو مثر وقادر لا محـالـه
بيننا الشرع، قال: سربي فعندي من صفاتي لكل دعوى دلاله
وشهودي من خال خدي وقدي فشهود معروفة بالـعـدالـه
أنا وكلت مقلتي في دم الخـل ق فقلت: قبلت هذي الوكالـه وفيه يقول شهاب الدين ابن العزازي يهجوه:
ما يقول الهاجون في شيخ سوء راجح الجهل ناقص المقـدار
شان تلعفرا فأضحـت بـه أل أم أرض نعم وأخـبـث دار
ذو محيا في غاية القبح لـم ير خ عليه الحياء فضل خمـار
فلكم جاء لابسا ثـوب عـاب ولكم راح ساحبا ثوب عـار
بين ميمي مـهـانة ومـسـاو ثم قـافـي قـيادة وقـمـار هذا على أن العزازي مدحه بموشحة مليحة ولكن هذه العادة جارية بين أهل كل عصر، وفي ترجمة علي بن عثمان السليماني له قصيدة ذكرتها هناك وهي التي أولها:
هذا العذول عليكم مـا لـي ولـه أنا قد رضيت بذا الغرام وذا الوله وأما الموشحة التي للعزازي يمدح التلعفري فهي قوله:
بات طرفي يتـشـكـى الأرقـا وتوالت أدمعـي لا تـرتـقـي
ليت أيامي ببـانـات الـلـوى
غفلت عنها ليالات النوى
عاذلاتي باعتلاقي بالهوى
كيف سلواني وقلبي والجوى
أقسما في الحب لن نفترقا وجفوني أقسمت لا تلـتـقـي
ولقد همت بذي قـد نـضـر
قامة البانة منه تنهصر
ذي رضاب بارد الظلم خصر
في فؤادي منه نار تستعر
رشأ قلبي به قد علقا جل من صـوره مـن عـلـق
سال في سالفه المسـك فـنـم
وشذا المسك أبى أن يكتتم
أحور، صحيح عينيه السقم
مذ تبدى وتثنى وابتسم
خلته بدرا على غصن نقا باسما عن أنفس الـدر نـقـي
ساد بالدل وفـرط الـخـفـر
سانحات الظبيات العفر
مثلما فاق فتى التلعفري
قالة الشعر بوشي الحبر
أريحي خص لما خلقا بسخا النفس وحسن الـخـلـق
شاعر فاق فحول الـشـعـرا
بقواف مثل إطراق الكرى
باسمات يجتلي منها الورى
ثغرا يبسم أو زاهرا يرى
كلما لاح سناها مشرقا سجد الغرب لفضل المـشـرق
شيمة أصفى من الراح الشمول
همة أوفت على العلياء طول
نبعة جرت على النجم الذيول
دوحة طابت فروعا وأصول
سح جود في ذراها ورقا فكسـاهـا يانـعـات الـورق
أيها الموفي على عهد الزمـن
كرما محضا وفضلا ومنن
حاكه الخادم من غير ثمن
جالب الوشي لصنعاء اليمن
فاستمعها زادك الله بقا مدحة لم يحكهـا إبـن بـقـي فأجابه شهاب الدين التلعفري عن ذلك بقوله وهو في غير الروي لكنه من مادته:
كيف يروي ما بقلبي من ظما غير بـرق لائح مـن إضـم
إن تبدي لك بـان الأجـرع
وأثيلات النقا من لعلع
يا خليلي قف على الدار معي
وتأمل كم بها من مصرع
واحترز واحذر فأحداق الدمى كم أراقت في رباها مـن دم
حظ قلبي في الغرام الولـه
فعذولي فيه ما لي وله
حسبي الليل فما أطوله
لم يزل آخره أوله
في هوى أهيف معسول اللمى ريقه كم قد شفـى مـن ألـم
سائلي عن أحمد مما حـوى
من خلال هي للداء دوا
ما سواه وهو يا صاح سوا
ناشر من كل فن ما انطوى
بحر آداب وفضل قد طمى فاخش من آذيه الملـتـطـم
العزازي الشهاب الثـاقـب
شكره فرض علينا واجب
فهو إذ تبلوه نعم الصاحب
سهمه في كل فن صائب
جائل في حلبة الفضل كما جال في يوم الوغى شهم كمي
شاعر أبدع فـي أشـعـاره
صفحة : 685
ومتى أنكرت قولي باره
لو جرى مهيار في مضماره
والخوارزمي في آثاره
قلت عودا وارجعا من أنتما ذا امرؤ القيس إليه ينتمي شمس الدين الجزري
محمد بن يوسف شمس الدين الجزري الخطيب، كان عالما بالأصول وصنف فيه وله شرح لطيف على ألفية ابن مالك، واشتغل على شمس الدين الأصبهاني شارح المحصول في العقليات ودرس بالشريفية وبالغربة بمصر وانتفع الناس به، وكان حسن الصورة كريم الأخلاق تولى الخطابة بجامع ابن طولون وبالقلعة، أنشدني من لفظه الشيخ أثير الدين لشمس الدين الجزري:
سل عن أحاديث أشواقي إذا خطـرت رسل النسيم فقد أودعتهـا لـمـعـا
واستوضح البارق النجدي عن نفسـي بعد النوى فسيحـكـية إذا لـمـعـا
واستمل من طير غصن البان بث جوى أخفيته فـسـيمـلـيه إذا سـجـعـا
ومذ رمتنا النوى والـلـه مـا هـدأت أشجان قلبي وطرفي قط ما هجـعـا
وليس يمسك من بعد النوى رمـقـي إلا أماني قلبـي أن نـعـود مـعـا أمين الدين ابن القباقبي
محمد بن يوسف بن محمد الشاب أمين الدين ابن الرئيس مجد الدين القباقبي الأنصاري الدمشقي الكاتب بديوان الجيش، كان مليح الصورة لطيف الشمائل عاقلا، عاش ستا وعشرين سنة وتوفي سنة أربع وثمانين وست مائة، رثاه الشيخ نجم الدين القحفازي النحوي بقصيدة أولها:
أسعدي يا حمام قلبا عمـيدا لدروس الفراق أمسى معيدا بهاء الدين البرزالي
محمد بن يوسف ابن الحافظ زكي الدين محمد بن يوسف بن محمد بن يداس الشيخ الإمام العالم المرتضى بهاء الدين أبو الفضل ابن أبي الحجاج ابن البرزالي الإشبيلي الأصل الدمشقي الشافعي، ولد سنة ثمان وثلاثين وأحضره والده على جماعة منهم السخاوي وابن الصلاح وكريمة وعتيق السلماني والمخلص ابن هلال والتاج ابن أبي جعفر ومحاسن الجوري والمرجى ابن شقيرة، ثم توفي والده شابا وخلفه وله خمسة أعوام فربي في حجر جده الإمام علم الدين القاسم بن أحمد اللورقي وقرأ عليه القرآن وشيئا من النحو، وكتب الخط المنسوب وبرع فيه ونسخ جملة من الكتب، وأجاز له طائفة من شيوخ بغداذ ومصر والشام، وقرأ عليه ولده الحافظ أبو محمد القاسم شيئا كثيرا منها الكتب الستة بالإجازات، وحدث بدمشق ومصر والحجاز وبرع في كتابة الشروط وكتب الحكم للقضاة ورزق حظوة من التصون والديانة والتقوى والتعبد، وتوفي سنة تسع وتسعين وست مائة.
محمد بن يوسف محيي الدين المقدسي المصري النحوي، توفي سنة ثلاث وسبع مائة.
الذهبي الإربلي
محمد بن يوسف بن يعقوب بن أبي طاهر الإربلي ثم الدمشقي الذهبي، ولد سنة أربع وعشرين وست مائة وأجاز له أبو محمد ابن البن وجماعة، وسمع من ابن المسلم المازني وأبي نصر ابن عساكر وابن الزبيدي وابن اللتي وابن مكرم والزكي البرزالي وعدة، وخرجت له مشيخة وذيل عليها الشيخ شمس الدين، وكان مكثرا وسمع السنن الكبير للبيهقي سنة اثنتين وثلاثين على المرسي وكان شيخا عاميا سقط من السلم فمات لوقته في رمضان سنة أربع وسبع مائة وتفرد بأشياء.
ابن المهتار
محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار المصري العدل الجليل ناصر الدين أبو عبد الله ابن الشيخ مجد الدين المصري ثم الدمشقي الشافعي، سمع من ابن الضلاح والمرجى ابن شقيرة ومكي ابن علان وجماعة وأجاز له ظافر بن شحم وابن المقير وتفرد بأجزاء وكان نقيب قاضي القضاة إمام الدين القزويني مولده سنة سبع وثلاثين وست مائة وتوفي سنة خمس عشرة وسبع مائة.
ابن سعد الملك جمال الدين
محمد بن يوسف بن نحرير جمال الدين المعروف بابن سعد الملك الأسواني
صفحة : 686
المولد والدار الطنبذي المحتد، قال الفاضل كمال الدين جعفر الأدفوي: كان فقيها حفظ الوجيز فاضلا أديبا رئيسا ورزق عشرة أولاد وسماهم بأسماء الصحابة العشرة رضي الله عنهم، وكان شجاعا مقداما غيورا وله في ذلك حكايات، توفي بأسوان بعد الستين وست مائة، وقفت له على مقامة كتبها لبعض الأمراء يصف فيها الجوارح والخيل منها في مدح الأمير الممدوح قوله: من أضحت نعمه سوارح، واستعبدت رياسته القلوب والجوارح، وأصبح لبها للمجد مقرا، ولغرائب الثناء والسودد مستقرا، ومنها: إنه خرج يوما مع الناس، وقد وصلوا برهم بإيناس، كل منهم يهتز للأكرومه، ويأوي إلى شرف أرومه، على خيل مسومه، مثقفة مقومه، ما بين جون وأدهم، أذكى من فارسه وأفهم، إذا زاغ عن سنان، أو انعطف لعنان، ظننته عتد مواصله، أو انفضل عن مفاصله، وأشقر كالطراف، عبل الأطراف، ينهب كريم، له سالفة ريم، كأنما خلق من عقيق، أو تردى برداء من شقيق، إن أوردته الطراد، أوردك المراد، وكميت كالطود، ذي وظيف كذراع العود، يلطم الأرض بزبر، وينزل من السماء بخبر، وهملاج أشهب، إن زجرته ألهب، أديمه روضة بهار، ينظر من ليل في نهار، ينساب انسياب الأيم، ويمر مرور الغيم، لا ينبه النائم إذا عبر به، ولا يحرك الهوى في مسربه، أخفى وطأ من الطيف، وأوطأ ظهرا من مهاد الصيف، قال: فلم يزل بنا المسير، وكل منا طاعة صاحبه أسير، إلى أن قصدنا واديا كان لعيوننا باديا، فما قطعنا منه عرضا، حتى أتينا أرضا، كأنما فرش قرارها بزبرجد، وصيغت أنوارها من لجين وعسجد، وقد وفرت فيها السحاب دموعها، وأحسنت في قيعانها جمعها، نسيمها سقيم، وماؤها مقيم، فهي تهدي للناشق، أنفاس المعشوق للعاشق. ومنها في وصف كلب: ذو خطم مخطوف، ومخلب كصدغ معطوف، غائب الحصر، حاضر النصر، له طاعة التهذيب، واختلاس ذيب، وتلفت مريب، وحذاقة تدريب، له من الطرف أوراكه، ومن الطرف إدراكه، ومن الأسد صولته وعراكه، إذا طلب فهو منون، وإذا انطوى فهو نون.
العلامة أثير الدين أبو حيان
صفحة : 687
محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الشيخ الإمام الحافظ العلامة فريد العصر وشيخ الزمان وإمام النحاة أثير الدين أبو حيان الغرناطي، قرأ القرآن بالروايات وسمع الحديث بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وثغر الاسكندرية وديار مصر والحجاز، وحصل الإجازات من الشام والعراق وغي ذلك واجتهد وطلب وحصل وكتب وقيد ولم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه لأني لم أره إلا يسمع أو يشتغل أو يكتب ولم يكتب ولم أره على غير ذلك، وله إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم، نظم ونثر وله الموشحات البديعة وهو ثبت فيما ينقله محرر لما يقوله عارف باللغة ضابط لألفاظها، وأما النحو والتصريف فهو إمام الدنيا فيهما لم يذكر معه في أقطار الأرض غيره في العربية، وله اليد الطولى في التفسير والحديث والشروط والفروع وتراجم الناس وطبقاتهم وتواريخهم وحوادثهم خصوصا المغاربة وتقييد أسمائهم على ما يتلفظون به من إمالة وترخيم وترقيق وتفخيم لأنهم مجاورو بلاد الفرنج وأسماؤهم قريبة وألقابهم كذلك، كل ذلك قد جوده وقيده وحرره، والشيخ شمس الدين الذهبي له سؤالات سأله عنها فيما يتعلق بالمغاربة وأجابه عنها، وله التصانيف التي سارت وطارت وانتشرت وما انتثرت وقرئت ودريت ونسخت وما فسخت، أخملت كتب الأقدمين وألهت المقيمين بمصر والقادمين، وقرأ الناس عليه وصاروا أئمة وأشياخا في حياته، وهو الذي جسر الناس على مصنفات الشيخ جمال الدين ابن مالك رحمه الله ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض بهم لججها وفتح لهم مقفلها، وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب رحمه الله تعالى: هذه نحو الفقهاء، والتزم أن لا يقرئ أحدا إلا إن كان في سيبويه أو في التسهيل لابن مالك أو في تصانيفه، ولما قدم البلاد لازم الشيخ بهاء الدين ابن النحاس رحمه الله كثيرا وأخذ عنه كتب الأدب، وهو شيخ حسن العمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا حمرة منور الشيبة كبير اللحية مسترسل الشعر فيها لم تكن كثة، عبارته فصيحة لغة الأندلس يعقد القاف قريبا من الكاف على أنه ينطق بها في القرآن فصيحة وسمعته يقول: ما في هذه البلاد من يعقد حرف القاف، وكان له خصوصية بالأمير سيف الدين أرغون الدوادار الناصري نائب السلطان بالممالك الاسلامية ينبسط معه ويبيت عنده، ولما توفيت ابنته نضار طلع إلى السلطان الملك الناصر وسأل منه أن يدفنها في بيتها داخل القاهرة فأذن له في ذلك وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وكان أولا يرى رأي الظاهرية ثم إنه تمذهب للشافعي رضي الله عنه، وتولى تدريس التفسير بالقبة المنصورية والإقراء بالجامع الأقمر، وقرأت عليه الأشعار الستة والمقامات الحريرية وحضرها جماعة من أفاضل الديار المصرية وسمعوها بقراءتي عليه وكان بيده نسخة صحيحة يثق بها وبيد الجماعة قريب من اثنتي عشرة نسخة وإحداهن بخط الحريري ووقع منه ومن الجماعة في أثناء القراءة فوائد ومباحث عديدة وقال: لم أر بعد ابن دقيق العيد أفصح من قراءتك، ولما وصلت المقامة التي أورد الحريري فيها الأحاجي قال: ما أعرف مفهوم الأحجية المصطلح عليها بين أهل الأدب، فأخذت في إيضاح ذلك وضرب الأمثلة له فقال لي: لا تتعب معي فإني تعبت مع نفسي في معرفة ذلك كثيرا وما أفاد ولا ظهر لي، وهذا في غاية الإنصاف منه والعدالة لاعترافه لي في ذلك الجمع وهم يسمعون كلامه بمثل ذلك. وقرأت عليه أيضا سقط الزند لأبي العلاء وقرأت عليه بعض الحماسة لأبي تمام الطائي ومقصورة ابن دريد وغير ذلك، وسمعت من لفظه كتاب تلخيص العبارات بلطيف الإشارات في القراءات السبع لابن بليمة وسمعت عليه كتاب الفصيح لثعلب بقراءة القاضي شهاب الدين ابن فضل الله بالقاهرة، وسمعت من لفظه خطبة كتابه المسمى ب ارتشاف الضرب من لسان العرب، وانتقيت ديوانه وكتبته وسمعته منه، وسمعت من لفظه ما اخترته من كتابه مجاني الهصر وغير ذلك، أنشدني من لفظه لنفسه:
سبق الدمع بالمسير المطـايا إذ نوى من أحب عني نقلـه
وأجاد السطور في صفحة الخ د ولم لا يجيد وهو ابن مقله وأنشدني أيضا في صفات الحروف:
أنا هاو لمـسـتـطـيل أغـن كلما اشتد صارت النفس رخوه
أهمس القول وهو يجهر سبـي وإذا ما انخفضت أظهر علوه
صفحة : 688
فتح الوصل ثم أطبق هجـرا بصفير والقلب قلقل شجـوه
لان دهرا ثم اغتدى ذا انحراف وفشا السر مذ تكررت نحوه وأنشدني أيضا لنفسه:
يقول لي العذول ولم أطعه: تل فقد بدا للحب لـحـيه
تخيل أنها شانت حبـيبـي وعندي أنها زين وحلـيه وأنشدني أيضا لنفسه:
شوقي لذاك المحيا الزاهر الـزاهـي شوق شديد وجسمي الواهن الواهـي
أسهرت طرفي ودلهت الفؤاد هـوى فالطرف والقلب مني الساهر الساهي
نهبت قلبي وتنهـى أن يبـوح بـمـا يلقاه واشوقه للنـاهـب الـنـاهـي
بهرت كل مليح بـالـبـهـاء فـمـا في النيرين شبيه الباهر الـبـاهـي
لهجت بالحب لمـا أن لـهـوت بـه عن كل شيء وويح اللاهج اللاهـي وأنشدني أيضا لنفسه:
راض حبيبي عارض قد بدا يا حسنه من عارض رائض
وظن قوم أن قلـبـي سـلا والأصل لا يعتد بالعـارض أنشدني أيضا لنفسه موشحة:
إن كان ليل داج، وخانـنـا الإصـبـاح، فنورها الوهاج، يغني عن المصـبـاح
سلافة تـــــــبــــــــدو كالــكـــواكـــب الأزهـــر
مزاجـــهـــا شـــهـــــد وعـرفـهــا عـــنـــبـــر
يا حـــبــــذا الـــــــورد منـــهـــا وإن أســـكـــر
قلبي بها قد هاج، فما تـرانـي صـاح، عن ذلك المنهاج، وعن هوى يا صـاح
وبـــي رشـــا أهـــــــيف قد لـــج فـــي بـــعـــدي
بدر فـــلا يخـــســـــــف منــه ســـنـــا الـــخـــد
بلـحـظـه الـــمـــرهـــف يسـطـو عـــلـــى الأســـد
كسطوة الحجاج، في الناس والسـفـاح، فما ترى من ناج، من لحظه السـفـاح
علــل بـــالـــمـــســـك قلـــبـــي رشـــا أحـــور
منـــعـــم الـــمـــســـك ذو مـبــســـم أعـــطـــر
رياه كـــالـــمـــســـــك وريقـــه كــــوثـــــــر
غصن على رجراج، طاعت له الأرواح، فحـبـذا الآراج، إن هـبـت الأرواح
مهـلا أبـــا الـــقـــاســـم علـــى أبـــي حـــــــيان
ما إن لـــه عـــاصـــــــم من لـحـظـك الـــفـــتـــان
وهـــجـــرك الـــــــدائم قد طـال بــالـــهـــيمـــان
فدمـعـه أمـواج، وسـره قــد لاح لكنـه مـا عـاج، ولا أطـاع الـلاح
يا رب ذي بـــهـــتــــــان يعـــذل فـــي الــــــراح
وفــي هـــوى الـــغـــزلان دافـــعـــت بـــالــــراح
وقـــلـــت لا ســـلــــوان عن ذاك يا لاحــــــــــــي
سبع الوجوه والتاج، هي منية الأفـراح، فاخترلي يا زجاج قمصال وزوج أقداح وأنشدني من لفظه أيضا لنفسه يعارض شمس الدين محمد بن العفيف التلمساني:
عاذ لي في الأهيف الانس لو رآه كان قـد عـذرا
رشا قد زانـه الـحـور غصن من فوقه قـمـر
قمر من سحبه الشـعـر ثغر فـي فـيه أم درر
جال بين الدر واللـعـس خمرة من ذاقها سكـرا
رجة بالردف أم كـسـل ريقة بالثغر أم عـسـل
وردة بالخـد أم خـجـل كحل بالعين أم كـحـل
يا لها من أعين نـعـس جلبت لناظري سـهـرا
مذ نأى عن مقلتي سنـي ما أذيقا لـذة الـوسـن
طالما ألقاه من شجـنـي عجبا ضدان في بـدنـي
صفحة : 689
بفؤادي جذوة الـقـبـس وبعيني الماء منفـجـرا
قد أتاني اللـه بـالـفـرج إذ دنا مني أبو الـفـرج
قمر قد حل في المـهـج كيف لا يخشى من الوهج
غيره لو صابه نـفـسـي ظنه مـن حـره شـررا
نصب العينين لي شـركـا فانثنى والقلب قد ملـكـا
قمر أضحى له فـلـكـا قال لي يوما وقد ضحكـا
أنت جئت في أرض أندلس نحو مصر تعشق القمـرا والموشحة التي لشمس الدين محمد التلمساني في هذا الوزن هي:
قمر يجلو دجى الـغـلـس بهر الأبصار مذ ظـهـرا
آمن من شبهة الـكـلـف ذبت في حبيه بالـكـلـف
لم يزل يسعى إلى تلـفـي بركاب الدل والصـلـف
آه لولا أعـين الـحـرس نلت منه الوصل مقتـدرا
يا أمـيرا جـار مـذ ولـيا كيف لا ترثي لمن بـلـيا
فبثغر مـنـك قـد جـلـيا قد حلا طعما وقد حـلـيا
وبما أوتـيت مـن كـيس جد فما أبقيت مصطـبـرا
بدر تم في الجمال سـنـي ولهذا لـقـبـوه سـنـي
قد سبانـي لـذة الـوسـن بمحـيا بـاهـر حـسـن
هو خشفي وهو مفترسـي فارو عن أعجوبتي خبـرا
لك خـد يا أبـا الـفـرج زين بالتوريد والـضـرج
وحـديث عـاطـر الأرج كم سبى قلبا بـلا حـرج
لو رآك الغصن لـم يمـس أو رآك البدر لاسـتـتـرا
يا مذيبا مهجـتـي كـمـدا فت في الحسن البدور مدى
يا كحيلا كحله اعـتـمـدا عجبا أن تبـرئ الـرمـدا
وبسقم الناظـرين كـسـي جفنك السحار فانكـسـرا وتوجه الشيخ أثير الدين أبو حيان يوما لزيارة الشيخ صدر الدين ابن الوكيل فلم يجده في منزله فكتب بالجبس على عادة المصريين: حضر أبو حيان، وكانت الكتابة على مصراع الباب، فلما حضر الشيخ صدر الدين رأى اسم الشيخ وكتب إليه:
قالوا: أبو حيان غير مدافـع ملك النحاة، فقلت بالإجمـاع
اسم الملوك على النقود وإنني شاهدت كنيته على المصراع وفيه يقول القاضي محيي الدين عبد الله بن عبد الظاهر وقد سمعه يتكلم في مسألة أصولية نقلت ذلك من خط محيي الدين وأنشدنيه أثير الدين من لفظه:
قد قيل لما أن سمعت مباحثا في الذات قررها أجل مفيد
هذا أبو حيان، قلت: صدقتم وبررتم هذا هو التوحـيدي وأنشدني من لفظه لنفسه القصيدة الدالية التي نظمها في مدح النحو والخليل وسيبويه ثم خرج منها إلى مديح صاحب غرناطة وغيره من أشياخه وأولها:
هو العلم لا كالعلم شيء تراوده لقد فاز باغيه وأنجح قاصـده وهي تزيد على المائة بيت قصيدة مليحة، حكي لي أن الشيخ أثير الدين نظمها وهو ضعيف وتوجه إليه جماعة يعودونه فيهم شمس الدين ابن دانيال فأنشدهم الشيخ القصيدة المذكورة فلما فرغت قال ابن دانيال: يا جماعة وأخبركم أن الشيخ عوفي وما بقي به بأس لأنه لم يبق عنده فضله، قوموا بنا بسم الله. وأنشدني الشيخ أثير الدين لنفسه قصيدته السينية التي أولها:
أهاجك ربع حائل الرسم دارسـه كوحي كتاب أضعف الخط دارسه وهي قصيدة مليحة تلعب فيها بفنون الكلام تقارب المائة، وأنشدني لنفسه إجازة:
تقشقتـه شـيخـا كـأن مـشـيبـه على وجنتيه ياسـمـين عـلـى ورد
أخا العقل يدري ما يراد من النـهـى أمنت عليه من رقـيب ومـن ضـد
وقالوا الورى قسمان في شرعة الهوى لسود اللحى ناس وناس إلى الـمـرد
ألا إنني لو كـنـت أصـبـو لأمـرد صبوت إلى هيفـاء مـائسة الـقـد
وسود اللحى أبصرت فيهم مشـاركـا فأحببت أن أبقى بأبيضـهـم وحـدي وأنشدني من لفظه لنفسه في مليح أحدب:
تعشقته أحدبـا كـيسـا يحاكي نجيبا حنين البغام
إذا كدت أسقط من فوقه تعلقت من ظهره بالسنام أنشدني من لفظه لنفسه في مليح أسود:
صفحة : 690
علقته سبجي الـلـحـظ حـالـكـه ما ابيض منه سوى ثغر حكى الدررا
قد صاغه من سواد العين خـالـقـه وكل عين إليه تقصـد الـنـظـرا وأنشدني لنفسه إجازة ومن خطه نقلت:
ألا ما لها لخصا بقلبي عـوابـثـا أظن بها هاروت أصبح نـافـثـا
إذا رام ذو وجد سلوا مـنـعـنـه وكن على دين التصابي بواعـثـا
وقيدن من أضحى عن الحب مطلقا وأسرعن للبلوى بمن كان رائثـا
بروحي رشا من آل خاقان راحـل وإن كان ما بين الجوانح لا بـثـا
غدا واحدا في الحسن للفضل ثانـيا وللبدر والشمس المنيرة ثـالـثـا وأنشدني لنفسه:
عداتي لهم فضل علـي ومـنة فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا
هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتـهـا وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا وأنشدني لنفسه إجازة ومن خطه نقلت:
أسحر لتلك العين في القلب أم وخز ولين لذاك الجسم في اللمس أم خز
وأملود ذاك القد أم أسـمـر غـدا له أبدا في قلب عاشـقـه هـز
فتاة كساها الحسن أفخر ملـبـس فصار عليه من محاسنها طـرز
وأهدى إليها الغصن لين قـوامـه فماس كأن الغصن خامره العـز
يضوع أديم الأرض من نشر طيبها ويخضر في آثارها تربة الجـرز
وتختال في برد الشباب إذا مشـت فينهضها قد ويقعـدهـا عـجـز
أصابت فؤاد الصب منها بنـظـرة فلا رقية تجدي المصاب ولا حرز وأنشدني لنفسه إجازة في مليح أبرص ومن خطه نقلت:
وقالوا: الذي قد صرت طوع جماله ونفسك لاقت في هواه نزاعـهـا
به وضح تأباه نفس أخي الحجـى وأفظع داء ما ينافي طبـاعـهـا
فقلت لهم: لا عيب فـيه يشـينـه ولا علة فـيه يروم دفـاعـهـا
ولكنما شمس الضحى حين قابلـت محاسنه ألقت عليه شعـاعـهـا وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت:
رجاؤك فلسا قد غدا في حبائلـي قنيصا رجاء للنتاج من العـقـم
أأتعب في تحصيلـه وأضـيعـه إذا كنت معتاضا من البرء بالسقم وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت في نوتي:
كلفت بنوتي كـأن قـوامـه إذا ينثني خوط من البان ناعم
مجاذفه في كل قلب مجاذب وهزاته للعاشقـين هـزائم وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت في فحام:
وعلقتـه مـسـود عـين ووفـرة وثوب يعاني صنعة الفحم عن قصد
كأن خطوط الفحم في وجـنـاتـه لطاخة مسك في جني من الـورد وأنشدني لنفسه ومن خطه نقلت في مليح أعمى:
ما ضر حسن الذي أهواه أن سنا كريمتيه بلا شين قد احتجـبـا
قد كانتا زهرتي روض وقد ذوتا لكن حسنهما الفتان ما ذهـبـا
كالسيف قد زال عنه صقله فغدا أنكى وآلم في قلب الذي ضربا وأنشدني إجازة لنفسه ومن خطه نقلت:
سأل البدر هل تبـدى أخـوه قلت: يا بدر لن يطيق طلوعا
كيف يبدو وأنت يا بـدر بـاد أو بدران يطلعان جمـيعـا وكتبت له أستدعي إجازته بما صورته:
صفحة : 691
المسؤول من إحسان سيدنا الشيخ الإمام العالم العامل العلامة لسان العرب، ترجمان الأدب، جامع الفضائل، عمدة وسائل السائل، حجة المقلدين، زين المقلدين، قطب المولين، أفضل الآخرين، وارث علوم الأولين، صاحب اليد الطولى في كل مقام ضيق، والتصانيف التي تأخذ بمجامع القلوب فكل ذي لب إليها شيق، والمباحث التي أثارت الأدلة الراجحة من مكامن أماكنها، وقنصت أوابدها الجامحة من مواطئ مواطنها، كشاف معضلات الأوائل، سباق غايات قصر عن شأوها سحبان وائل، فارع هضبات البلاغة في اجتلاء اجتلابها وهي في مرقى مرقدها، سالب تيجان الفصاحة في اقتضاء اقتعابها من فرق فرقدها، حتى أبرز كلامه جنان فضل جنان من بعده عن الدخول إليها جبان، وأتى ببراهين وجوه حورها لم يطمثهن إنس قبله ولا جان، وأبدع خمائل نظم ونثر لا تصل إلى أفنان فنونها يد جان، أثير الدين أبي حيان محمد:
لا زال ميت العلم يحييه ولا عجب لذلك من أبي حيان
حتى ينال بنو العلوم مرامهم ويحلهم دار المنى بأمـان إجازة كاتب هذه الأحرف ما رواه فسح الله في مدته من المسانيد والمصنفات والسنن والمجاميع الحديثية، والتصانيف الأدبية، نظما ونثرا إلى غير ذلك من أصناف العلوم على اختلاف أوضاعها، وتباين أجناسها وأنواعها، مما تلقاه ببلاد الأندلس وإفريقية، والاسكندرية والديار المصرية، والبلاد الحجازية، وغيرها من البلدان بقراءة أو سماع أو منازلة أو إجازة خاصة أو عامة كيف ما تأدى ذلك إليه، وإجازة ما له أدام الله إفادته من التصانيف في تفسير القرآن العظيم والعلوم الحديثية والأدبية وغيرها وما له من نظم ونثر إجازة خاصة وأن يثبت بخطه تصانيفه إلى حين هذا التاريخ وأن يجيزه إجازة عامة لما يتجدد له من بعد ذلك على رأي من يراه ويجوزه منعما متفضلا إن شاء الله تعالى.
فكتب الجواب بما صورته: أعزك الله ظننت بالإنسان جميلا فغاليت، وأبديت من الإحسان جزيلا وما باليت، وصفت من هو القتام يظنه الناظر سماء، والسراب يحسبه الظمآن ماء، يا ابن الكرام وأنت أبصر من يشيم، أمع الروض النضير يرعى الهشيم، أما أغنتك فواضلك وفضائلك، ومعارفك وعوارفك، عن بغبة من دأماء، وتربة من يهماء، لقد تبلجت المهارق من نور صفحاتك، وتأرجت الأكوان من أريج نفخاتك، ولأنت أعرف بمن تقصد للدراية، وأنقذ بمن تعتمد عليه في الرواية، لكنك أردت أن تكسو من مطارفك، وتتفضل بتالدك وطارفك، وتجلو الخامل في منصة النباهة، وتنقذه من لكن الفهاهه، فتشيد له ذكرا، وتعلي له قدرا، ولم يمكنه إلا إسعافك فيما طلبت، وإجابتك فيما إليه ندبت، فإن المالك لا يعصى، والمتفضل المحسن لا يقصى، وقد أجزت لك أيدك الله جميع ما رويته عن أشياخي بجزيرة الأندلس وبلاد إفريقية وديار مصر والحجاز وغير ذلك بقراءة وسماع ومناولة وإجازة بمشافهة وكتابة ووجادة، وجميع ما أجيز لي أن أرويه بالشام والعراق وغير ذلك، وجميع ما صنفته واختصرته وجمعته وأنشأته نثرا ونظما، وجميع ما سألت في هذا الاستدعاء، فمن مروياتي الكتاب العزيز قرأته بقراءات السبعة على جماعة من أعلاهم الشيخ المسند المعمر فخر الدين أبو الظاهر إسماعيل بن هبة الله بن علي بن هبة الله المصري ابن المليجي آخر من روى القرآن بالتلاوة عن أبي الجود، والكتب الستة والموطأ ومسند عبد ومسند الدارمي ومسند الشافعي ومسند الطيالسي والمعجم الكبير للطبراني والمعجم الصغير له وسنن الدارقطني وغير ذلك، وأما الأجزاء فكثيرة جدا، ومن كتب النحو والآداب فأروي بالقراءة كتاب سيبويه والإيضاح والتكملة والمفصل وجمل الزجاجي وغير ذلك والأشعار الستة والحماسة وديوان حبيب وديوان المتنبي وديوان المعري.
صفحة : 692
وأما شيوخي الذين رويت عنهم بالسماع أو القراءة فهم كثير وأذكر الآن جملة من عواليهم فمنهم القاضي أبو علي الحسن بن عبد العزيز بن أبي الأحوص القرشي، والمقرئ أبو جعفر أحمد بن سعد بن أحمد بن بشير الأنصاري، وإسحاق بن عبد الرحيم بن محمد بن عبد الملك بن درباس، وأبو بكر بن عباس بن يحيى بن غريب البغداذي القواس، وصفي الدين الحسين بن أبي المنصور ظافر الخزرجي، وأبو الحسين محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع الأشعري، ووجيه الدين محمد بن عبد الرحمن بن أحمد الأزدي ابن الدهان، وقطب الدين محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن القسطلاني، ورضي الدين محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي اللغوي، ونجيب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد الهمذاني، ومحمد بن مكي بن أبي القاسم بن حامد الأصبهاني الصفار، ومحمد بن عمر بن محمد بن علي السعدي الضرير ابن الفارض، وزين الدين أبو بكر محمد بن إسماعيل بن عبد الله بن الأنماطي، ومحمد بن إبراهيم بن ترجم بن حازم المازني، ومحمد بن الحسين ابن الحسن بن إبراهيم الداري ابن الخليلي، ومحمد بن عبد المنعم بن محمد بن يوسف الأنصاري ابن الخيمي، ومحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر العنسي عرف بابن النن، وعبد الله بن محمد بن هرون بن محمد بن عبد العزيز الطائي القرطبي، وعبد الله بن نصر الله بن أحمد بن رسلان بن فتيان بن كامل الخزمي، وعبد الله بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن فارس التميمي، وعبد الرحيم بن يوسف بن يحيى بن يوسف ابن خطيب المزة، وعبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العلي المصري السكري، وعبد العزيز ابن عبد المنعم بن علي بن نصر بن الصيقل الحراني، وعبد العزيز بن عبد القادر بن إسماعيل الفيالي الصالحي الكتاني، وعبد المعطي بن عبد الكريم ابن أبي المكارم من منجى الخزرجي، وعلي بن صالح بن أبي علي بن يحيى بن إسماعيل الحسيني البهنسي المجاور، وعازي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الحلاوي، والفضل بن علي بن نضر بن عبد الله بن الحسين بن رواحة الخزرجي، ويوسف بن إسحاق بن أبي بكر الطبري المكي، واليسر بن عبد الله بن محمد بن خلف بن اليسر القشيري، ومؤنسة بنت السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شاذي، وشامية بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن محمد التيمية، وزينب بنت عبد اللطيف بن يوسف بن محمد بن علي البغداذي.
وممن كتبت عنهم من مشاهير الأدباء: أبو الحكم مالك بن عبد الرحمن ابن علي بن الفرح المالقي ابن المرحل، وأبو الحسن حازم بن محمد بن حازم الأنصاري القرطاجني، وأبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن يحيى بن عبد الله الهذلي التطيلي، وأبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن زنون المالقي، وأبو عبد الله محمد بن عمر بن جبير الجلياني العكي المالقي، وأبو الحسين يحيى بن عبد العظيم بن يحيى الأنصاري الجزار، وأبو عمرو عثمان بن سعيد ابن عبد الرحمن بن تولو القرشي، وأبو حفص عمر بن محمد بن أبي علي الحسن المصري الوراق، وأبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله بن ياتيبن الكومي التلمساني، وأبو العباس أحمد بن أبي الفتح نصر الله بن باتكين القاهري، وأبو عبد الله محمد بن سعيد بن حماد بن محسن الصنهاجي البوصيري، وأبو العباس أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازي.
وممن أخذت عنه من النحاة: أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الخشني الأبذي، وأبو الحسن علي بن محمد بن علي بن يوسف الكتامي ابن الضائع، وأبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير بن محمد بن الزبير الثقفي، وأبو جعفر أحمد بن يوسف بن علي بن يوسف الفهري اللبلي، وأبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن محمد بن نصر الحلبي ابن النحاس.
وممن لقيت من الظاهرية أبو العباس أحمد بن علي بن خالص الأنصاري الإشبيلي الزاهد، وأبو الفضل محمد بن محمد بن سعدون الفهري الشنتمري، وجملة الذين سمعت منهم نحو من أربع مائة شخص وخمسين، وأما الذين أجازوني فعالم كثير جدا من أهل غرناطة ومالقة وسبتة وديار إفريقية وديار مصر والحجاز والعراق والشام.
صفحة : 693
وأما ما صنفت فمن ذلك: البحر المحيط في تفسير القرآن العظيم، إتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب، كتاب الأسفار الملخص من كتاب الصفار شرحا لكتاب سيبويه، كتاب التجريد لأحكام سيبويه، كتاب التذييل والتكميل في شرح التسهيل، كتاب التنخيل الملخص من شرح التسهيل، كتاب التذكرة، كتاب المبدع في التصريف، كتاب الموفور، كتاب التقريب، كتاب التدريب، كتاب غاية الإحسان، كتاب النكت الحسان، كتاب الشذا في مسألة كذا، كتاب الفصل في أحكام الفصل، كتاب اللمحة، كتاب الشذرة، كتاب الارتضاء في الفرق بين الضاد والظاء، كتاب عقد اللآلي، كتاب نكت الأمالي، كتاب النافع في قراءة نافع، الأثير في قراءة ابن كثير، المورد الغمر في قراءة أبي عمرو، الروض الباسم في قراءة عاصم، المزن الهامر في قراءة ابن عامر، الرمزة في قراءة حمزة، تقريب النائي في قراءة الكسائي، غاية المطلوب في قراءة يعقوب، المطلوب في قراءة يعقوب قصيدة، النير الجلي في قراءة زيد بن علي، الوهاج في اختصار المنهاج، الأنوار الأجلي في اختصار المجلي، الحلل الحالية في أسانيد القرآن العالية، كتاب الإعلام بأركان الإسلام، نثر الزهر ونظم الزهر، قطر الحبي في جواب أسئلة الذهبي، فهرست مسموعاتي، نوافث السحر في دمائث الشعر، تحفة الندس في نحاة الأندلس، الأبيات الوافية في علم القافية، جزء في الحديث، مشيخة ابن أبي منصور، كتاب الإدراك للسان الأتراك، زهو الملك في نحو الترك، نفحة المسك في سيرة الترك، كتاب الأفعال في لسان الترك، منطق الخرس في لسان الفرس.
ومما لم يكمل تصنيفه: كتاب مسلك الرشد في تجريد مسائل نهاية ابن رشد، كتاب منهج السالك في الكلام على ألفية ابن مالك، نهاية الإغراب في علمي التصريف والإعراب رجز، مجاني الهصر في آداب وتواريخ لأهل العصر، خلاصة التبيان في علمي البديع والبيان رجز، نور الغبش في لسان الحبش، المخبور في لسان اليخمور.
قاله وكتبه أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان، ومولدي بغرناطة في أخريات شوال سنة أربع وخمسين وست مائة تمت.
وتوفي رحمه الله تعالى في ثامن عشري صفر سنة خمس وأربعين وسبعمائة، وصلي عليه بجامع دمشق صلاة الغائب في شهر ربيع الأول وقلت أنا في رثائه:
مات أثير الدين شـيخ الـورى فاستعر البارق واستـعـبـرا
ورق من حزن نسيم الـصـبـا واعتل في الأسحار لما سـرى
وصادحات الأيك في نوحـهـا رثته في السجع على حرف را
يا عين جودي بالدموع الـتـي يروي به ما ضمه مـن ثـرى
واجري دما فالخطب في شأنـه قد اقتضى أكثر ممـا جـرى
مات إمام كان فـي عـلـمـه يرى إماما والـورى مـن ورا
أمسى منادي للبلـى مـفـردا فضمه القبر على مـا تـرى
يا أسفا كـان هـدى ظـاهـرا فعاد في تربتـه مـضـمـرا
وكان جمع الفضل في عصـره صح فلما أن قضـى كـسـرا
وعرف الفـضـل بـه بـرهة والآن لما أن مضـى نـكـرا
وكان ممنوعا من الصـرف لا يطرق من وافاه خطب عـرا
لا أفعل التفضـيل مـا بـينـه وبين من أعرفه فـي الـورى
لا بدل عن نعتـه بـالـتـقـى ففعلـه كـان لـه مـصـدرا
لم يدغم في الـلـحـد إلا وقـد فك من الصبر وثيق الـعـرى
بكى له زيد وعمـرو فـمـن أمثله النحـو ومـمـن قـرا
ما أعقد التسهيل مـن بـعـده فكم له مـن عـسـرة يسـرا
وجسر الناس علـى خـوضـه إذا كان في النحو قد استبحـرا
من بعده قـد حـال تـمـييزه وحظه قد رجع القـهـقـرى
شارك من قد ساد فـي فـنـه وكم له فـن بـه اسـتـأثـرا
دأب بني الآداب أن يغـسـلـوا بدمعهم فيه بـقـايا الـكـرى
والنحو قد سار الردى نـحـوه والصرف للتصريف قد غـيرا
واللغة الفصحى غدت بـعـده يلغى الذي في ضبطها قـررا
صفحة : 694
تفسيره البحر المحيط الـذي يهدي إلى وارده الجوهـرا
فوائد من فـضـلـه جـمة عليه فيها نعقد الخنـصـرا
وكان ثبتـا نـقـلـه حـجة مثل ضياء الصبح إن أسفرا
ورحلة في سنة المصطفـى أصدق من تسمع إن خبـرا
له الأسانيد التي قـد عـلـت فاستفلت عنها سوامي الذرى
ساوى بها الأحفاد أجـدادهـم فاعجب لماض فاته من طرا
وشاعرا في نظمه مفـلـقـا كم حرر اللفظ وكم حـبـرا
له معان كلـمـا خـطـهـا تستر ما يرقم في تسـتـرا
أفديه من ماض لأمر الردى مستقبلا من ربه بالـقـرى
ما بات في أبيض أكفـانـه إلا وأضحى سندسا أخضـرا
تصافح الـحـور لـه راحة كم تعبت في كل ما سطـرا
إن مات فالذكر لـه خـالـد يحيا به من قبل أن ينـشـرا
جاد ثـرى واراه غـيث إذا مساه بالسقـيا لـه بـكـرا
وخصه مـن ربـه رحـمة تورده في حشره الكـوثـرا محمد بن يوسف بن عبد الغني بن ترشك بالتاء ثالثة الحروف والراء وشين معجمة وبعدها كاف الشيخ تاج الدين المقرئ الصوفي البغداذي، مولده ثالث عشر شهر رجب الفرد سنة ثمان وستين وست مائة ببغداذ، حفظ القرآن العظيم في صباه بالروايات وأقرأه، وسمع الكثير من ابن حصين ومن في طبقته وإجازاته عالية وروى وحدث، وسمع منه خلق ببغداذ وبدمشق وبغيرهما من البلاد، وكان ذا سمت حسن وخلق طاهر ونفس عفيفة رضية وصوت مطرب إلى الغاية، وقدم الشام مرارا وحدث وحج غير مرة ثم عاد إلى بلده، وتوفي رحمه الله تعالى سنة خمسين وسبع مائة وقد أضر بأخرة.
شمس الدين الخياط
محمد بن يوسف بن عبد الله شمس الدين الشاعر الخياط الدمشقي الحنفي، تردد إلى شمس الدين الصائغ وقرأ عليه، وتردد كثيرا إلى شيخنا الإمام العلامة شهاب الدين محمود وكتب عنه كثيرا وكان يثني عليه ويميل إليه، ونظم قصيدة جيمية مدح بها قاضي القضاة نجم الدين ابن صصري فكتب عليها شهاب الدين محمود وقرظها وأثنى عليها وكتب عليها أيضا فضلاء العصر، وانصقل نظمه وجاد وهو طويل النفس في النظم قادر عليه يدخل ديوانه في ست مجلدات، وسافر إلى الديار المصرية ومدح أعيانها واتصل بالأمير سيف الدين ألجاي الدوادار وكان يبيت عنده، ومدح السلطان الملك الناصر بأبيات قرأها عليه قاضي القضاة جلال الدين القزويني فرسم له براتب على دمشق في كل يوم درهمين، وغالب ما ينظمه يقرأه علي وأسمعه من لفظه، سألته عن مولده فقال: في رجب سنة ثلاث وتسعين وست مائة بدمشق، وتوفي رحمه الله تعالى في عودة من لحج في المفازة ودفن في معان ليلة الرابعة عشرة من محرم سنة ست وخمسين وسبع مائة، سامحه الله وعامله بلطفه، وأنشدني من لفظه لنفسه:
قصدت مصرا من ربي جلق بهمة تجري بـتـجـريب
فلم أر الطرة حتـى جـرت دموع عيني في المـزيريب وأنشدني من لفظه له:
تركت لقوم طلاب الغنـى لحب الغناء ولهو الطرب
وعندي من زهـر فـضة وعندي من خندريس ذهب وأنشدني أيضا لنفسه:
خلفت بالشام حبـيبـي وقـد يممت مصرا لعنا طـارق
والأرض قد طالت فلا تبعدي بالله يا مصر على العاشـق وأنشدني من لفظه لنفسه:
يا أهل مصر أنتم للـعـلا كواكب الإحسان والفضل
لو لم تكونوا لي سعودا لما وافيتكم أضرب في الرمل وأنشدني لنفسه أيضا:
كم تظهر الحسن البديع وتـدعـي وبياض شكلك في النواظر مظلم
هل تصدق الدعوى لمن في وجهه بالذقن كذبه السـواد الأعـظـم و أنشدني من لفظه لنفسه وقد أجازه قاضي القضاة نجم الدين ابن صصرى على قصيدة مدحه بها:
لم يجزني القاضي على قدر شعري بل حباني مـضـاعـف الأبـيات
فلـهـذا أعـدهـا صـدقــات من عطاياه لا من الـصـدقـات وأنشدني أيضا:
صفحة : 695
حتام شخصي بين هذا الورى حي وفضلي عندهم مـيت
أبني بيوت الشعر في جلـق وليس يبنى لي بهـا بـيت وأنشدني من لفظه أيضا:
ويلاه من ظبـي لـه وجـنة شاماتها تلعـب بـالأنـفـس
لو لم يكـن فـي خـده جـنة لما اكتسى بالعارض السندسي وأنشدني لنفسه:
يا كعبة الحسن التي رميت لها في كل قلب بالهوى جمرات
قد تم ميقات الصدود وقصدنا لو تم منك لوصلنا مـيقـات وأنشدني أيضا:
قد طال فكري في القريض الذي نم نفعه لسـت عـلـى طـائل
أمرني زورا فصـرت امـرءا صاحب ديوان بـلا حـاصـل وأنشدني له في الفلوس:
يا ليت شعري أي خير يرتجى للمعتفي من هـذه الأزمـان
لو لم يكن عدم الدراهم قد بدا ما كان صار الفلس بالميزان وأنشدني له في المشمش:
حبذا مشمش يروق لطرفي منه حسن حديثه مشهـور
قد بلاني بحبه وهو مثلـي أصفر الجسم قلبه مكسور وأنشدني أيضا:
يا أيها البحر الـذي فـي ورده ري لقلب الحائم المتعـطـش
أشكو إليك هوان شعر لم يقـم لي رخصه بغلو سعر المشمس وأنشدني أيضا:
يا من به أدرأ عن مهجتـي من حادث الأيام ما أختشي
قد أقبل الصيف وما في يدي من درهم للتوت والمشمش وأنشدني أيضا:
لوزي جلق شيء يذوب قلبي عليه
كالسلسبيل ولكن كيف السبيل إليه وأنشدني له ما يكتب على باب:
نحن إلفان ما افترقنا لبغض لا ولا في اجتماعنا ما يريب
نكتم السر بيننا فـي زمـان كاتم السر في بنيه غـريب وأنشدني إليه أيضا ما يكتب على باب
من ذا الذي ينكر فضلي وقـد فزت من الحسن بمعنى غريب
عندي لمـن يخـذلـه دهـره نصر من الله وفتـح قـريب وكان المولى جمال الدين ابن نباتة إذا جاء إلى دار السعادة يقال له: ملك الأمراء في القصر، فيحتاج أن يروح إلى القصر الأبلق ماشيا، فقال في ذلك:
يا سائلي في وظيفتي عن كنه حديثي وعن معاش
ما حال من لا يزال ينوي مسافة القصر وهو ماش فقال شمس الدين جوابا له:
يا شاعرا يخطئ المعاني فيما يعاني من المعـاش
أنت شبيه الحمار عنـدي مركب الجهل وهو ماش وأنشدني لنفسه من لفظه:
ألا حبذا وادي دمشق إذا سـرى نسيم الصبا في روضة المتأرج
فما بان فضل البان حتى رأيتـه مطلا عليه من جبال البنفسـج وأنشدني من لفظه لنفسه:
لربوتنا واد حوى كـل بـهـجة وعيش الورى يحلو لديه ويعذب
تروق لنا الأنهار من تحت جنكه فلا عجب أنا نخوض ونلعـب وأنشدني لنفسه وقد خلع على ابن نباتة في صداق كتبه ومشى بها في البلد:
ما خلعة العقد على شاعرنا يوم الهنا إلا شقاء وعنـا
رأيته فيها وقد أرخى لـه ذؤابة تبدي عليه الحزنـا
فقلت من هذا الذي سواده بين الورى سوده قال أنـا
نباتة كان أبي فقلـت مـا أنبتك الله نباتا حـسـنـا وأنشدني من لفظه فيه أيضا أبياتا منها:
ما خلعة ابن نـبـاتة إلا كـمـن ألقى الرياض على الكنيف المنتن منها:
واختص عمته بـفـضـل ذؤابة هي في القلوب قبيحة والأعـين
فكأنها ذنـب لـكـلـب نـابـح تحت الدجى من فرط داء مزمن
فالله يجعلها له كفـن الـبـلـى ويكون غاية كل سوء يقتـنـي
حتى يقول مسير فـي هـجـوه هذا لعمر أبيك شر مـكـفـن ونظم المولى جمال الدين ابن نباتة ما يكتب على دواة فولاذ وهو:
معنى الفضائل والندى والبأس لي والسيف مشتهر بمعنـى واحـد
بالنفس أضرب من نضـار ذائب والناس تضرب في حديد بـارد
صفحة : 696
فأنشدني شمس الدين لنفسه:
قل للذي وصف الدواة وحسنها ما جئت عن لفظي بمعنى زائد
أسخنت عينك في نضـار ذائب وذبحت نفسك بالحديد البـارد ولما نظم جمال الدين ابن نباتة قصيدته التائية الطنانة في العلامة كمال الدين ابن الزملكاني رحمه الله تعالى جعل غزلها المقدم على المديح في وصف الخمر وأولها:
قضى ما قضيت منكم لبانات متيم عبثت فيه الصبابـات نظم شمس الدين قصيدة أخرى في وزنها ورويها ومدح الشيخ كمال الدين أيضا وجاء منها ما أنشدني من لفظه:
ما شان مدحي لكم ذكـر الـمـدام ولا أضحت جوامع لفظي وهي حـانـات
ولا طرقت حمـى خـمـارة سـحـرا ولا اكتست لي بكأس الراح كـاسـات
عن منظر الروض يغنيني القريض وعن رقص الزجاجات تلهيني الـجـزازات
عشوت منها إلى نور الـكـمـال ولـم يدر على خاطـري دير ومـشـكـاة وأنشدني له في يوم بارد:
ويوم شديد البرد حجب شمـسـه عن العين نوء لاح في الجو أسود
فأمطر أجفاني وميض بـروقـه وصيرني من شدة البـرد أرعـد وأنشدني له في المعنى:
رثاثة حالي عن رثاثة منـزلـي تبين وفي هذين قد كمل النقـص
وبالدفء قلبي ليس بالدف مولـع ولي أضلع بالبرد شيمتها الرقص وكتب على كتابي جنان الجناس لما وقف عليه قصيدة أولها:
سر الفصاحة في كتابك ظـاهـر وله ضياء الحسن عـنـك مـذيع
وكذا الثناء المحض فـي أثـنـائه بنوافج الذكر الجمـيل تـضـوع
فلذاك يحفظ في الصدور لفضلـه وسواه ينـسـى ذكـره ويضـيع
لله روض في جنـان جـنـاسـه هو للقلوب ولـلـعـيون ربـيع
كم أثمرت أغـصـانـه بـفـوائد كم طاب فيها لـلـفـؤاد ولـوع
ما زال يمطره الجنان سـحـائبـا يضحي بها القرطاس وهو مريع
في طيه نشر العلـوم تـأرجـت أرجاؤه فتعطر الـمـجـمـوع
سفر عن الفضل المحقق سـافـر وله على القمر المنير طـلـوع
بينت فيه لنا الأصول فـأينـعـت لجنى العقول من الأصول فروع
وشرعت في حل الرموز وقد حلا للفهم في ذاك الشـروع شـروع
لم يبق في علم المعانـي نـاطـق إلا وبان بـه لـديك خـضـوع
فابن الأثير وإن تـأثـل مـجـده وعصى لكان لما بـنـيت يطـيع
سيرت أمثالا لهـا حـكـم فـمـا لنجومها مثل النـجـوم رجـوع
أعليت بنـيان الـبـديع مـشـيدا ما لم يشـيد لـلـزمـان بـديع
وأذبت لابن أبي الحديد جوانـحـا لم يطف منها للـحـريق دمـوع
وأدرت أفلاكا علـى أمـثـالـه أضحت تروق بحسنهـا وتـروع
وطعنت في ابن سنان عند خفـاجة لغة فأودت بالـصـدور صـدوع
وأنرت ما لا نور المصبـاح فـي علم البيان وفي سـنـاه لـمـوع
وتخلف المعـتـز إذ زل ابـنـه وبدا بمنطقـه لـديك خـشـوع
هذا كتاب قد كبت بـه الـعـدى فجنابه عـن حـاسـديه مـنـيع
اتعبت من يسري وراءك في النهى ومتى تساوي ظالع وضـلـيع?
ورفعت قدر العلم حين وضعـتـه فتشرف الموضوع والمـرفـوع
نثر حكته من الكواكـب نـثـرة فيها لصفحة أوجـه تـرصـيع
ونظام شعر دونه الشـعـرى وإن أمست ومنزلهـا عـلـيه رفـيع
شعر يروق طباقـه وجـنـاسـه والسبر والتقسيم والـتـصـريع
يسمو حبيبا بالمـحـاسـن إن بـدا ويرى الوليد لديه وهـو رضـيع وهذا القدر منها كاف، وله قصيدة أخرى نظمها على كتابي نصرة الثائر على المثل السائر طويلة أيضا.
القاضي محب الدين كاتب جنكلي
صفحة : 697
محمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الدائم هو القاضي الإمام العالم الفاضل البليغ محب الدين أبو عبد الله ابن نجم الدين التيمي كاتب الأمير بدر الدين جنكلي بن البابا، ولد سنة سبع وتسعين وست مائة في جمادى الأولى، وسمع البخاري على الشيخ نصر والحجاز وست الوزراء، ومسلما على الشريف أخي عطوف، وسنن أبي داود على جمال الدين ابن الصابوني، والدارمي ومسند عبد بن حميد على مشايخ، وأجزاء أخر على مشايخ عصره، وقرأ السبع على تقي الدين الصائغ وعرض عليه الشاطبية وحفظ المنهاج للنووي والحاوي وألفية ابن مالك وبعض التسهيل، وحج سنة اثنتين وثلاثين وسبع مائة، وشرح التسهيل لابن مالك ولم يكمل يومئذ وهو يجيء في أربع مجلدات وسمعت من لفظه أوائله وهو في غاية الحسن مباحث جيدة دقيقة مشحونة بالمنطق والأصول واعتراضات وأجوبة ومآخذ دقيقة كلام من ذاق العلم وعرف لبه، وشرح التلخيص في المعاني والبيان لقاضي القضاة جلال الدين ولم يكمل أيضا وهو شرح جيد مفيد، ويكتب الدرج ويترسل، وله نثر وما أظن أن له نظما، وفيه رياسة وحشمة ومروءة كاملة وتعصب مع الكبار والصغار وفيه ديانة وصيانة وأمانة في ديوان مخدومه وأميره يميل إليه ويثق به ويعتمد عليه، وما أراه إلا من محاسن الديار المصرية لكمال أدواته وعلومه فقها وأصولا ومنطقا وعربية وغير ذلك وكرم نفسه وطباعه ومروءته الزائدة وتعصبه وديانته، ولما توفي مخدومه رحمه الله تعالى لزم بيته وطلب لمناصب كبار فما أجاب وطلب لنظر الاسكندرية فاستعفى ولم يزل إلى أن حضر الأمير سيف الدين منكلي بغا الفخري من طرابلس إلى القاهرة فباشر عنده على عادته مع الأمير بدر الدين جنكلي بن البابا رحمه الله تعالى فكتبت إليه:
من جنكلي صرت إلى منكلي فكل خير أرتجي منـك لـي
وأنت لي كهف وما مقصـدي من هذه الدنيا سوى أن تلـي
يا سيدا أضحى ثنائي عـلـى عليائه يحكي شذا الـمـنـدل
لولاك لم أصبح مصرا علـى مصر وصرف الدهر لم يعدل
أبعدت عن قربك كرها ولـو وفقت لم أبعـد ولـم أرحـل
فلا عطاياك التي أجـتـنـي ولا محياك الذي أجـتـلـي
وربما يسمح لـي بـالـلـقـا رب بفضل اللطف لم يبخـل
فغمرة البعد وإن أظـلـمـت آفاقها لا بد أن تـنـجـلـي الحافظ الكديمي
محمد بن يونس بن موسى الكديمي بالدال المهملة القرشي السامي البصري الحافظ أحد الضعفاء، ولد سنة ثلاث وقيل خمس وثمانين وهو ابن امرأة روح بن عبادة، قال: كتبت عن ألف وستة وثمانين رجلا من البصريين وحججت فرأيت عبد الرزاق ولم أسمع منه، وكان حسن الحديث حسن المعرفة وما وجد عليه إلا صحبته لسليمان الشاذكوني، قال أبو حاتم وابن حبان: لعله قد وضع أكثر من ألف حديث، وقال ابن عدي: ادعى رؤية قوم ولم يدركهم، ترك عامة مشايخنا الرواية عنه، قال الدارقطني: كان يتهم بالوضع، وتوفي سنة ست وثمانين ومائتين.
عماد الدين ابن يونس
محمد بن يونس بن محمد بن منعة العلامة عماد الدين أبو حامد ابن يونس الإربلي الأصل الموصلي الفقيه الشافعي، تفقه بالموصل على والده ثم توجه إلى بغداد وتفقه بالنظامية وسمع الحديث وعاد إلى الموصل ودرس عدة مدارس وعلا صيته وشاع ذكره، صنف المحيط جمع فيه بين المهذب والوسيط، وشرح الوجيز، وصنف جدلا وعقيدة، وتوجه رسولا إلى الخليفة غير مرة وولي قضاء الموصل خمسة أشهر وعزل، وكان شديد الورع كثير الوسوسة لا يمس القلم حتى يغسله، وهو دمث الأخلاق كثير المباطنة لصاحب الموصل نور الدين ولم يزل حتى نقله من مذهب الحنفية إلى مذهب الشافعية ولم يرزق سعادة في تصانيفه، وحفيده مصنف التعجيز، توفي عماد الدين سنة ثمان وست مائة.
صفحة : 698
محمد بن يونس الشيخ جمال الدين الساوجي الزاهد شيخ الطائفة القرندلية، قدم دمشق وقرأ القرآن والعلم وسكن قاسيون في زاوية الشيخ عثمان الرومي وصلى بالشيخ عثمان مدة ثم حصل له زهد وفراغ عن الدنيا فترك الزاوية وأقام بمقبرة باب الصغير بقرب موضع القبة التي بنيت لأصحابه، وبقي مديدة في قبة زينب بنت زين العابدين، فاجتمع بالجلال الدركزيني والشيخ عثمان كوهي الفارسي الذي دفن بالقنوات بمكان القرندلية، ثم إن الساوجي حلق وجهه ورأسه ولاق حاله بأولئك فوافقوه وحلقوا مثله، ثم إن أصحاب الشيخ عثمان طلبوا الساوجي فوجدوه بالقبة فسبوه وقبحوا فعله فلم ينطق، ثم إنه اشتهر وتبعه جماعة وحلقوا وذلك في حدود العشرين وست مائة، ثم إنه لبس دلق شعر وسافر إلى دمياط فأنكروا حاله وزيه فزيق بينهم ساعة ثم إنه رفع رأسه فإذا هو بشيبة كبيرة بيضاء على ما قيل فاعتقدوا فيه، وتوفي بدمياط وقبره هناك مشهور، وذكر شمس الدين الجزري في تاريخه أنه رأى كراريس بخطه من تفسير القرآن له، وجلس في المشيخة بعده بمقبرة باب الصغير جلال الدين الدركزيني وبعده الشيخ محمد البلخي وهو الذي شرع لهم الجولق الثقيل وأقام الزاوية وأنشأها وكثر أصحابه وكان للملك الظاهر فيه اعتقاد فلما تسلطن طلبه فلم يمض إليه فبنى لهم السلطان هذه القبة من مال الجامع، وكان إذا قدم إلى الشام يعطيهم ألف درهم وشقتي بسط ورتب لهم ثلاثين غرارة قمح في السنة وفي اليوم عشرة دراهم، وكان السويداوي منهم يحضر سماط السلطان الملك الظاهر ويمازح السلطان، ولما أنكروا في دولة الأشرف موسى على الشيخ علي الحريري أنكروا على القرندلية ونفوهم إلى قصر الجنيد، وذكر نجم الدين ابن إسرائيل الشاعر: أن هذه الطائفة ظهرت بدمشق سنة ست عشرة وست مائة، وكانت وفاة الساوجي المذكور في حدود الثلاثين وست مائة رحمه الله تعالى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق