فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ كَانُوا سِتّمِائَةٍ إلّا
عَمْرَو بْنَ السّعْدَى وُجِدَتْ رِمّتُهُ وَنَجَا . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ :
خُرُوجُهُ مِنْ الْحِصْنِ أَثْبَتُ .
[ ص 518 ] وَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، قَالَ كَانُوا مَا بَيْنَ سِتّمِائَةٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ . وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَحِمَهُ اللّهُ - يَقُولُ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ . قَالُوا : وَكَانَ نِسَاءُ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ تَحَوّلُوا فِي دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ وَفِي دَارِ أُسَامَةَ يَقُلْنَ عَسَى مُحَمّدٌ أَنْ يَمُنّ عَلَى رِجَالِنَا أَوْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ فِدْيَةً . فَلَمّا أَصْبَحْنَ وَعَلِمْنَ بِقَتْلِ رِجَالِهِنّ صِحْنَ وَشَقَقْنَ الْجُيُوبَ وَنَشَرْنَ الشّعُورَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ عَلَى رِجَالِهِنّ فَمَلَأْنَ الْمَدِينَةَ . قَالَ يَقُولُ الزّبِيرُ بْن بَاطَا : اُسْكُتْنَ فَأَنْتُنّ أَوّلُ مَنْ سُبِيَ مِنْ نِسَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ مُنْذُ كَانَتْ الدّنْيَا ؟ وَلَا يُرْفَعُ السّبْيُ عَنْهُمْ حَتّى نَلْتَقِيَ نَحْنُ وَأَنْتُنّ وَإِنْ كَانَ فِي رِجَالِكُنّ خَيْرٌ فَدُوكُنّ فَالْزَمْنَ دِينَ الْيَهُودِ فَعَلَيْهِ نَمُوتُ وَعَلَيْهِ نَحْيَى . (1/518) فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ قَالَا : كَانَ الزّبِيرُ بْنُ بَاطَا مَنّ عَلَى ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ يَوْمَ بُعَاثٍ ، فَأَتَى ثَابِتٌ الزّبِيرَ فَقَالَ يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ هَلْ تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ وَهَلْ يَجْهَلُ مِثْلِي مِثْلَك ؟ قَالَ ثَابِتٌ إنّ لَك عِنْدِي يَدًا ، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَجْزِيَك بِهَا . قَالَ الزّبِيرُ إنّ الْكَرِيمَ يَجْزِي الْكَرِيمَ وَأَحْوَجُ مَا كُنْت إلَيْهِ الْيَوْمَ . فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ [ ص 519 ] اللّهِ إنّهُ كَانَ لِلزّبِيرِ عِنْدِي يَدٌ جَزّ نَاصِيَتِي يَوْمَ بُعَاثٍ فَقَالَ اُذْكُرْ هَذِهِ النّعْمَةَ عِنْدَك . وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ أَجْزِيَهُ بِهَا فَهَبْهُ لِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَهُوَ لَك . فَأَتَاهُ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ وَهَبَك لِي . قَالَ الزّبِيرُ شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا أَهْلَ وَلَا وَلَدَ وَلَا مَالَ بِيَثْرِبَ مَا يَصْنَعُ بِالْحَيَاةِ ؟ فَأَتَى ثَابِتٌ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِنِي وَلَدَهُ . فَأَعْطَاهُ وَلَدَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْطِنِي مَالَهُ وَأَهْلَهُ . فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَأَهْلَهُ فَرَجَعَ إلَى الزّبِيرِ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَعْطَانِي وَلَدَك وَأَهْلَك وَمَالَك . فَقَالَ الزّبِيرُ يَا ثَابِتُ أَمّا أَنْتَ فَقَدْ كَافَأْتنِي وَقَضَيْت بِاَلّذِي عَلَيْك . يَا ثَابِتُ مَا فَعَلَ الّذِي كَأَنّ وَجْهَهُ مِرْآةٌ صِينِيّةٌ تَتَرَاءَى عَذَارَى الْحَيّ فِي وَجْهِهِ - كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ؟ قَالَ قُتِلَ . قَالَ فَمَا فَعَلَ سَيّدُ الْحَاضِرِ وَالْبَادِي ; سَيّدُ الْحَيّيْنِ كِلَيْهِمَا ، يَحْمِلُهُمْ فِي الْحَرْبِ وَيُطْعِمُهُمْ فِي الْمَحَلّ - حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ؟ قَالَ قُتِلَ . قَالَ فَمَا فَعَلَ أَوّلُ غَادِيَةِ الْيَهُودِ إذَا حَمَلُوا ، وَحَامِيَتُهُمْ إذَا وَلّوْا - غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ ؟ قَالَ قُتِلَ . قَالَ فَمَا فَعَلَ الْحُوّلُ الْقُلّبُ الّذِي لَا يَؤُمّ جَمَاعَةً إلّا فَضّهَا وَلَا عُقْدَةً إلّا حَلّهَا - نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ ؟ قَالَ قُتِلَ . [ قَالَ ] فَمَا فَعَلَ لِوَاءُ الْيَهُودِ فِي الزّحْفِ - وَهْبُ بْنُ زَيْدٍ ؟ قَالَ قُتِلَ . قَالَ فَمَا فَعَلَ وَالِي رِفَادَةِ الْيَهُودِ وَأَبُو الْأَيْتَامِ وَالْأَرَامِلِ مِنْ الْيَهُودِ - عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ ؟ قَالَ قُتِلَ . قَالَ فَمَا فَعَلَ الْعَمْرَانِ اللّذَانِ كَانَا يَلْتَقِيَانِ بِدِرَاسَةِ التّوْرَاةِ ؟ قَالَ قُتِلَا . قَالَ يَا ثَابِتُ فَمَا خَيْرٌ فِي الْعَيْشِ بَعْدَ هَؤُلَاءِ أَأَرْجِعُ إلَى دَارٍ كَانُوا فِيهَا حُلُولًا فَأَخْلُدَ فِيهَا بَعْدَهُمْ ؟ لَا حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ فَإِنّي أَسْأَلُك بِيَدِي عِنْدَك إلّا قَدّمْتنِي إلَى هَذَا الْقَتّالِ الّذِي يَقْتُلُ سَرَاةَ بَنِي قُرَيْظَةَ ثُمّ يُقَدّمُنِي إلَى مَصَارِعِ قَوْمِي ، وَخُذْ سَيْفِي فَإِنّهُ صَارِمٌ فَاضْرِبْنِي بِهِ ضَرْبَةً وَأَجْهِزْ وَارْفَعْ يَدَك [ ص 520 ] عَنْ الطّعَامِ وَأَلْصِقْ بِالرّأْسِ وَاخْفِضْ عَنْ الدّمَاغِ فَإِنّهُ أَحْسَنُ لِلْجَسَدِ أَنْ يَبْقَى فِيهِ الْعُنُقُ . يَا ثَابِتُ لَا أَصْبِرُ إفْرَاغَ دَلْوٍ مِنْ نَضْحٍ حَتّى أَلْقَى الْأَحِبّةَ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ ، وَهُوَ يَسْمَعُ قَوْلَهُ وَيْحَك يَا ابْنَ بَاطَا ، إنّهُ لَيْسَ إفْرَاغَ دَلْوٍ وَلَكِنّهُ عَذَابٌ أَبَدِيّ . قَالَ يَا ثَابِتُ قَدّمْنِي فَاقْتُلْنِي قَالَ ثَابِتٌ مَا كُنْت لِأَقْتُلَنّك . قَالَ الزّبِيرُ مَا كُنْت أُبَالِي مَنْ قَتَلَنِي وَلَكِنْ يَا ثَابِتُ اُنْظُرْ إلَى امْرَأَتِي وَوَلَدِي فَإِنّهُمْ جَزِعُوا مِنْ الْمَوْتِ فَاطْلُبْ إلَى صَاحِبِك أَنْ يُطْلِقَهُمْ وَأَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ . وَأَدْنَاهُ إلَى الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ ، فَقَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ . وَطَلَبَ ثَابِتٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ فَرَدّ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كُلّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَلَدِهِ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ مِنْ السّبَا ، وَرَدّ عَلَيْهِمْ الْأَمْوَالَ مِنْ النّخْلِ وَالْإِبِلِ وَالرّثّةِ إلّا الْحَلْقَةَ فَإِنّهُ لَمْ يَرُدّهَا عَلَيْهِمْ . فَكَانُوا مَعَ آلِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ . قَالُوا : وَكَانَتْ رَيْحَانَةُ بِنْتُ زَيْدٍ مِنْ بَنِي النّضِيرِ مُتَزَوّجَةً فِي بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ أَخَذَهَا لِنَفْسِهِ صَفِيّا ، وَكَانَتْ جَمِيلَةً فَعَرَضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ تُسْلِمَ فَأَبَتْ إلّا الْيَهُودِيّةَ . فَعَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ فَأَرْسَلَ إلَى ابْنِ سَعِيّةَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ سَعِيّةَ : فِدَاك أَبِي وَأُمّي ، هِيَ تُسْلِمُ فَخَرَجَ حَتّى جَاءَهَا ، فَجَعَلَ يَقُولُ لَهَا : لَا تَتّبِعِي قَوْمَك ، فَقَدْ رَأَيْت مَا أَدْخَلَ عَلَيْهِمْ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، فَأَسْلِمِي يَصْطَفِيك رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِنَفْسِهِ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي أَصْحَابِهِ إذْ سَمِعَ وَقْعَ نَعْلَيْنِ فَقَالَ إنّ هَاتَيْنِ لَنَعْلَا ابْنِ سَعِيّةَ يُبَشّرُنِي بِإِسْلَامِ رَيْحَانَةَ . فَجَاءَهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَسْلَمَتْ رَيْحَانَةُ فَسُرّ بِذَلِكَ . (1/519) فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَيّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي [ ص 521 ] صَعْصَعَةَ عَنْ أَيّوبَ بْنِ بَشِيرٍ الْمُعَاوِيّ قَالَ أَرْسَلَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى بَيْتِ سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ أُمّ الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ عِنْدَهَا حَتّى حَاضَتْ حَيْضَةً ثُمّ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا ، فَجَاءَتْ أُمّ الْمُنْذِرِ فَأَخْبَرَتْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَاءَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي مَنْزِلِ أُمّ الْمُنْذِرِ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ إنْ أَحْبَبْت أُعْتِقُك وَأَتَزَوّجُك فَعَلْتُ وَإِنْ أَحْبَبْتِ أَنْ تَكُونِي فِي مِلْكِي أَطَؤُك بِالْمِلْكِ فَعَلْتُ . فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ أَخَفّ عَلَيْك وَعَلَيّ أَنْ أَكُونَ فِي مِلْكِك . فَكَانَتْ فِي مِلْكِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَطَؤُهَا حَتّى مَاتَتْ عِنْدَهُ . فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ سَأَلْت الزّهْرِيّ عَنْ رَيْحَانَةَ فَقَالَ كَانَتْ أَمَةً لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا ، وَكَانَتْ تَحْتَجِبُ فِي أَهْلِهَا وَتَقُولُ لَا يَرَانِي أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَهَذَا أَثْبَتُ الْحَدِيثَيْنِ عِنْدَنَا . وَكَانَ زَوْجُ رَيْحَانَةَ قَبْلَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْحَكَمَ . (1/521) ========================== ذِكْرُ قَسْمِ الْمَغْنَمِ وَبَيْعِهِ قَالُوا لَمّا اجْتَمَعَتْ الْمَغَانِمُ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْمَتَاعِ فَبِيعَ فِيمَنْ يُرِيدُ وَبِيعَ السّبْيُ فِيمَنْ يُرِيدُ وَقُسِمَتْ النّخْلُ . فَكَانَ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَظَفَرٍ وَحَارِثَةَ وَبَنُو مُعَاوِيَةَ وَهَؤُلَاءِ النّبِيتُ لَهُمْ سَهْمٌ . وَكَانَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَمَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوْسِ سَهْمًا . وَكَانَتْ بَنُو النّجّارِ ، وَمَازِنٍ وَمَالِكٍ وَذُبْيَانَ وَعَدِيّ سَهْمًا . وَكَانَتْ سَلِمَةُ وَزُرَيْقٌ وَبَلْحَارِثُ بْنُ الْخَزْرَجِ ، سَهْمًا . وَكَانَتْ الْخَيْلُ سِتّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا ; فَكَانَتْ أَوّلَ مَا أُعْلِمَتْ سُهْمَانُ الْخَيْلِ يَوْمَ الْمُرَيْسِيعِ ، ثُمّ فِي بَنِي [ ص 522 ] قُرَيْظَةَ أَيْضًا عُمِلَ فِيهَا مَا عُمِلَ فِي الْمُرَيْسِيعِ . أُسْهِمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ . وَأَسْهَمَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِخَلّادِ بْنِ سُوَيْدٍ ، قُتِلَ تَحْتَ الْحِصْنِ وَأَسْهَمَ لِأَبِي سِنَانِ بْنِ مِحْصَنٍ مَاتَ وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مُحَاصِرُهُمْ وَكَانَ يُقَاتِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ . وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَالْخَيْلُ سِتّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا ، فَكَانَتْ السّهْمَانُ عَلَى ثَلَاثَةِ آلَافٍ وَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَهْمًا ، لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ . (1/522) وَحَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتْ الْخَيْلُ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ سِتّا وَثَلَاثِينَ فَرَسًا ، وَقَادَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ثَلَاثَةَ أَفْرَاسٍ فَلَمْ يَضْرِبْ إلّا سَهْمًا وَاحِدًا ، وَكَانَتْ السّهْمَانُ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَاثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ سَهْمًا ، وَأَسْهَمَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْأَمْوَالِ فَجُزّئَتْ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ . وَكُتِبَ فِي سَهْمٍ مِنْهَا « لِلّهِ » ، وَكَانَتْ السّهْمَانُ يَوْمَئِذٍ بَوَاءً فَخَرَجَتْ السّهْمَانُ وَكَذَلِك الرّثّةُ وَالْإِبِلُ وَالْغَنَمُ وَالسّبْيُ . ثُمّ فُضّ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ عَلَى النّاسِ وَأَحْذَى النّسَاءَ يَوْمَئِذٍ اللّاتِي حَضَرْنَ الْقِتَالَ وَضَرَبَ لِرَجُلَيْنِ - وَاحِدٍ قُتِلَ وَآخَرَ مَاتَ . وَأَحْذَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نِسَاءً شَهِدْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنّ - صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأُمّ عُمَارَةَ وَأُمّ سَلِيطٍ وَأُمّ الْعَلَاءِ وَالسّمَيْرَاءُ بِنْتُ قَيْسٍ ، وَأُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ نَجْرَةَ السّاعِدِيّ ، عَنْ جَدّهِ قَالَ حَضَرْت رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَبِيعُ سَبْيَ بَنِي قُرَيْظَةَ فَاشْتَرَى أَبُو الشّحْمِ الْيَهُودِيّ امْرَأَتَيْنِ مَعَ كُلّ [ ص 523 ] وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ثَلَاثَةُ أَطْفَالٍ غِلْمَانٍ وَجَوَارٍ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ دِينَارٍ ، وَجَعَلَ يَقُولُ أَلَسْتُمْ عَلَى دِينِ الْيَهُودِ ؟ فَتَقُولُ الْمَرْأَتَانِ لَا نُفَارِقُ دِينَ قَوْمِنَا حَتّى نَمُوتَ عَلَيْهِ وَهُنّ يَبْكِينَ . (1/523) فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا سُبِيَ بَنُو قُرَيْظَةَ - النّسَاءُ وَالذّرّيّةُ - بَاعَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْهُمْ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ طَائِفَةً وَبَعَثَ طَائِفَةً إلَى نَجْدٍ ، وَبَعَثَ طَائِفَةً إلَى الشّامِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، يَبِيعُهُمْ وَيَشْتَرِي بِهِمْ سِلَاحًا وَخَيْلًا ، وَيُقَالُ بَاعَهُمْ بَيْعًا مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، فَاقْتَسَمَا فَسَهَمَهُ عُثْمَانُ بِمَالٍ كَثِيرٍ ، وَجَعَلَ عُثْمَانُ عَلَى كُلّ مَنْ جَاءَ مِنْ سَبْيِهِمْ شَيْئًا مُوفِيًا ، فَكَانَ يُوجَدُ عِنْدَ الْعَجَائِزِ الْمَالُ وَلَا يُوجَدُ عِنْدَ الشّوَابّ فَرَبِحَ عُثْمَانُ مَالًا كَثِيرًا - وَسَهَمَ عَبْدُ الرّحْمَنِ - وَذَلِكَ أَنّ عُثْمَانَ صَارَ فِي سَهْمِهِ الْعَجَائِزُ . وَيُقَالُ لَمّا قَسَمَ جَعَلَ الشّوَابّ عَلَى حِدَةٍ وَالْعَجَائِزَ عَلَى حِدَةٍ ثُمّ خَيّرَ عَبْدُ الرّحْمَنِ عُثْمَانَ فَأَخَذَ عُثْمَانُ الْعَجَائِزَ . حَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ السّبْيُ أَلْفًا مِنْ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خُمُسَهُ قَبْلَ بَيْعِ الْمَغْنَمِ جَزّأَ السّبْيَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ فَأَخَذَ خُمُسًا ، فَكَانَ يُعْتِقُ مِنْهُ وَيَهَبُ مِنْهُ وَيُخَدّمُ مِنْهُ مَنْ أَرَادَ . وَكَذَلِكَ صَنَعَ بِمَا أَصَابَ مِنْ رِثّتِهِمْ قُسِمَتْ قَبْلَ أَنْ تُبَاعَ وَكَذَلِكَ النّخْلُ عَزَلَ خُمُسَهُ . وَكُلّ ذَلِكَ يُسْهِمُ عَلَيْهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَيَكْتُبُ فِي سَهْمٍ مِنْهَا « لِلّهِ » ثُمّ يُخْرِجُ السّهْمَ فَحَيْثُ صَارَ سَهْمُهُ أَخَذَهُ وَلَمْ يَتَخَيّرْ . وَصَارَ الْخُمُسُ إلَى مَحْمِيّةِ [ ص 524 ] ابْنِ جَزْءٍ الزّبَيْدِيّ وَهُوَ الّذِي قَسَمَ الْمَغْنَمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ . حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ يُسْهِمُ وَلَا يَتَخَيّرُ . (1/524) حَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَ سَبْيِ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْقَسْمِ وَالْبَيْعِ وَالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ . وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ يَوْمَئِذٍ لَا يُفَرّقُ بَيْنَ الْأُمّ وَوَلَدِهَا حَتّى يَبْلُغُوا . فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَا بُلُوغُهُمْ ؟ قَالَ تَحِيضُ الْجَارِيَةُ وَيَحْتَلِمُ الْغُلَامُ وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ يَوْمَئِذٍ يُفَرّقُ بَيْن الْأُخْتَيْنِ إذَا بَلَغَتَا ، وَبَيْنَ الْأُمّ وَابْنَتِهَا إذَا بَلَغَتْ وَكَانَتْ الْأُمّ تُبَاعُ وَوَلَدُهَا الصّغَارُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَرَبِ ، وَمِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ وَتَيْمَاءَ وَخَيْبَرَ يَخْرُجُونَ بِهِمْ فَإِذَا كَانَ الْوَلِيدُ صَغِيرًا لَيْسَ مَعَهُ أُمّ لَمْ يُبَعْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَلَا مِنْ الْيَهُودِ ، إلّا مِنْ الْمُسْلِمِينَ . فَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ابْتَعْت يَوْمَئِذٍ مِنْ السّبْيِ ثَلَاثَةً امْرَأَةً مَعَهَا ابْنَاهَا ، بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ دِينَارًا ، وَكَانَ ذَلِكَ حَقّي وَحَقّ فَرَسِي مِنْ السّبْيِ وَالْأَرْضِ وَالرّثّةِ وَغَيْرِي كَهَيْئَتِي . وَكَانَ أَسْهَمَ لِلْفَارِسِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ ، لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ . وَحَدّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْحِزَامِيّ - وَكَانَ يُلَقّبُ قُصَيّا - عَنْ جَعْفَرِ بْنِ خَارِجَةَ قَالَ قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ : شَهِدْت بَنِي قُرَيْظَةَ فَارِسًا ، فَضُرِبَ لِي سَهْمٌ وَلِفَرَسِي سَهْمٌ . [ ص 525 ] وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ كَانَ مَعَ الزّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ فَرَسَانِ فَأَسْهَمَ لَهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَمْسَةَ أَسْهُمٍ . (1/525) ========= ذَكَرَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ لَمّا حَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ رَجَعَ إلَى خَيْمَةِ كُعَيْبَةَ بِنْتِ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيّةِ وَكَانَ رَمَاهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ - وَيُقَالُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ - فَقَطَعَ أَكْحَلَهُ فَكَوَاهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالنّارِ وَانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَتَرَكَهُ فَسَالَ الدّمُ فَحَسَمَهُ أُخْرَى فَانْتَفَخَتْ يَدُهُ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ قَالَ اللّهُمّ رَبّ السّمَوَاتِ السّبْعِ وَالْأَرَضِينَ السّبْعِ فَإِنّهُ لَمْ يَكُنْ فِي النّاسِ قَوْمٌ أَحَبّ إلَيّ أَنْ أُقَاتِلَ مِنْ قَوْمٍ كَذّبُوا رَسُولَك ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ قُرَيْشٍ وَإِنّي أَظُنّ أَنْ قَدْ وُضِعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَإِنْ كَانَ بَقِيَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَأَبْقِنِي أُقَاتِلُهُمْ فِيك وَإِنْ كُنْت قَدْ وَضَعْت الْحَرْبَ فَافْجُرْ هَذَا الْكَلْمَ وَاجَعَل مَوْتِي فِيهِ فَقَدْ أَقْرَرْت عَيْنَيّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ لِعَدَاوَتِهِمْ لَك وَلِنَبِيّك وَلِأَوْلِيَائِك فَفَجَرَهُ اللّهُ وَإِنّهُ لَرَاقِدٌ بَيْن ظَهْرَيْ اللّيْلِ وَمَا يُدْرَى بِهِ . وَدَخَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَعُودُهُ فَأَتَاهُ وَهُوَ يَسُوقُ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَوَجَدُوهُ قَدْ سُجّيَ بِمُلَاءَةٍ بَيْضَاءَ وَكَانَ سَعْدٌ رَجُلًا أَبْيَضَ طَوِيلًا ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عِنْدَ رَأْسِهِ وَجَعَلَ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهِ ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّ سَعْدًا قَدْ جَاهَدَ فِي سَبِيلِك ، وَصَدّقَ رَسُولَك ، وَقَضَى الّذِي عَلَيْهِ فَاقْبِضْ رُوحَهُ بِخَيْرِ مَا تَقْبِضُ فِيهِ أَرْوَاحَ الْخَلْقِ . فَفَتَحَ سَعْدٌ عَيْنَيْهِ حِينَ سَمِعَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللّهِ أَشْهَدُ أَنّك قَدْ بَلّغْت رِسَالَتَهُ وَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 526 ] رَأْسَ سَعْدٍ مِنْ حِجْرِهِ ثُمّ قَامَ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَمُتْ بَعْدُ وَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَمَكَثَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَاعَةٍ وَمَاتَ خِلَافَهُ . وَنَزَلَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - حِينَ مَاتَ سَعْدٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةٍ مِنْ إسْتَبْرَقٍ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ مَنْ هَذَا الرّجُلُ الصّالِحُ الّذِي مَاتَ فِيكُمْ ؟ فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السّمَاءِ وَاهْتَزّ لَهُ عَرْشُ الرّحْمَنِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِجِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السّلَامُ - عَهْدِي بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَهُوَ يَمُوتُ ثُمّ خَرَجَ فَزِعًا إلَى خَيْمَةِ كُعَيْبَةَ يَجُرّ ثَوْبَهُ مُسْرِعًا ، فَوَجَدَ سَعْدًا قَدْ مَاتَ . وَأَقْبَلَتْ رِجَالُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَاحْتَمَلُوهُ إلَى مَنْزِلِهِ . قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي أَثَرِهِ فَيَنْقَطِعُ نَعْلُ أَحَدِهِمْ فَلَمْ يُعَرّجْ عَلَيْهَا ، وَيَسْقُطُ رِدَاؤُهُ فَلَمْ يَلْوِ عَلَيْهِ وَمَا يُعَرّجُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ حَتّى دَخَلُوا عَلَى سَعْدٍ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ وَقَدْ سَمِعْنَا أَنّ النّبِيّ حَضَرَهُ حِينَ تُوُفّيَ . (1/526) وَأَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ لَمّا انْفَجَرَتْ يَدُ سَعْدٍ بِالدّمِ قَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَاعْتَنَقَهُ وَالدّمُ يَنْفَحُ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَلِحْيَتِهِ لَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَنْ يَقِيَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الدّمَ إلّا ازْدَادَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قُرْبًا ، حَتّى قَضَى . وَحَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَنْ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ خَرِيشٍ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَنَحْنُ عَلَى الْبَابِ نُرِيدُ أَنْ نَدْخُلَ عَلَى أَثَرِهِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمَا فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلّا سَعْدٌ مُسَجّى . قَالَ فَرَأَيْته يَتَخَطّى ، فَلَمّا رَأَيْته يَتَخَطّى وَقَفْت ، وَأَوْمَأَ إلَيّ قِفْ فَوَقَفْت ، وَرَدَدْت مَنْ وَرَائِي ، وَجَلَسَ سَاعَةً ثُمّ خَرَجَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا وَقَدْ رَأَيْتُك تَتَخَطّى [ ص 527 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَا قَدَرْت عَلَى مَجْلِسٍ حَتّى قَبَضَ لِي مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ أَحَدَ جَنَاحَيْهِ فَجَلَسْت . وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَقُولُ هَنِيئًا لَك أَبَا عَمْرٍو هَنِيئًا لَك أَبَا عَمْرٍو (1/527) حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ : عَنْ أَبِيهِ قَالَ فَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأُمّ سَعْدٍ تَبْكِي وَتَقُولُ وَيْلُ أُمّ سَعْدٍ سَعْدَا جَلَادَةً وَحَدّا فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - مَهْلًا يَا أُمّ سَعْدٍ لَا تَذْكُرِي سَعْدًا . فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - دَعْهَا يَا عُمَرُ فَكُلّ بَاكِيَةٍ مُكْثِرَةٌ إلّا أُمّ سَعْدٍ مَا قَالَتْ مِنْ خَيْرٍ فَلَمْ تَكْذِبْ وَأُمّ سَعْدٍ كَبْشَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَأُخْتُهَا ; الْفَارِعَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ ، وَهِيَ أُمّ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ . قَالُوا : ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ يُغَسّلَ فَغَسّلَهُ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ يَصُبّ الْمَاءَ وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَاضِرٌ . فَغُسّلَ بِالْمَاءِ الْأُولَى ، وَالثّانِيَةَ بِالْمَاءِ وَالسّدْرِ وَالثّالِثَةَ بِالْمَاءِ وَالْكَافُورِ ثُمّ كُفّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ صُحَارِيّةٍ وَأُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا ، وَأُتِيَ بِسَرِيرٍ كَانَ عِنْدَ آلِ سَبْطٍ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَوْتَى ، فَوُضِعَ عَلَى السّرِيرِ ، فَرُئِيَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَحْمِلُهُ بَيْنَ عَمُودَيْ سَرِيرِهِ حِينَ رُفِعَ مِنْ دَارِهِ إلَى أَنْ خَرَجَ . (1/527) وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ [ ص 528 ] حَزْمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَمْشِي أَمَامَ جِنَازَةِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ . وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ بَلَغَهُ مَوْتُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَخَرَجَ بِالنّاسِ فَلَمّا بَرَزَ إلَى الْبَقِيعِ قَالَ خُذُوا فِي جِهَازِ صَاحِبِكُمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَكُنْت أَنَا مِمّنْ حَفَرَ لَهُ قَبْرَهُ وَكَانَ يَفُوحُ عَلَيْنَا الْمِسْكُ كُلّمَا حَفَرْنَا قَبْرَهُ مِنْ تُرَابٍ حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى اللّحْدِ . قَالَ رُبَيْحٌ وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ قَالَ أَخَذَ إنْسَانٌ قَبْضَةً مِنْ قَبْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَذَهَبَ بِهَا ، ثُمّ نَظَرَ إلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِذَا هِيَ مِسْكٌ . قَالُوا : ثُمّ اُحْتُمِلَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كُنْت لَتَقْطَعُنَا فِي ذَهَابِك إلَى سَعْدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خَشِينَا أَنْ تَسْبِقَنَا الْمَلَائِكَةُ إلَيْهِ كَمَا سَبَقَتْنَا إلَى غُسْلِ حَنْظَلَةَ وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَ سَعْدٌ رَجُلًا جَسِيمًا فَلَمْ نَرَ أَخَفّ مِنْهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تَحْمِلُهُ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ إنّمَا خَفّ لِأَنّهُ حَكَمَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ . قَالَ كَذَبُوا ، وَلَكِنّهُ خَفّ لِحَمْلِ الْمَلَائِكَةِ . فَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ طَلَعَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ حُفْرَتِهِ وَوَضَعْنَا اللّبِنَ وَالْمَاءَ عِنْدَ الْقَبْرِ وَحَفَرْنَا لَهُ عِنْدَ دَارِ عُقَيْلٍ الْيَوْمَ وَطَلَعَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَيْنَا ، فَوَضَعَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عِنْدَ قَبْرِهِ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ فَلَقَدْ رَأَيْت مِنْ النّاسِ مَا مَلَأَ الْبَقِيعَ . [ ص 529 ] قَالَ الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا انْتَهَوْا إلَى قَبْرِهِ نَزَلَ فِي قَبْرِهِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ ، وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَأَبُو نَائِلَةَ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ ، وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَاقِفٌ عَلَى قَدَمَيْهِ عَلَى قَبْرِهِ فَلَمّا وُضِعَ فِي لَحْدِهِ تَغَيّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَسَبّحَ ثَلَاثًا ، فَسَبّحَ الْمُسْلِمُونَ ثَلَاثًا حَتّى ارْتَجّ الْبَقِيعُ . ثُمّ كَبّرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ثَلَاثًا ، وَكَبّرَ أَصْحَابُهُ ثَلَاثًا حَتّى ارْتَجّ الْبَقِيعُ بِتَكْبِيرِهِ . فَسُئِلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ رَأَيْنَا لِوَجْهِك تَغَيّرًا وَسَبّحْت ثَلَاثًا قَالَ تَضَايَقَ عَلَى صَاحِبِكُمْ قَبْرُهُ وَضُمّ ضَمّةً لَوْ نَجَا مِنْهَا أَحَدٌ لَنَجَا مِنْهَا سَعْدٌ ثُمّ فَرّجَ اللّهُ عَنْهُ (1/528) حَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ جَاءَتْ أُمّ سَعْدٍ - وَهِيَ كَبْشَةُ بِنْتُ عُبَيْدٍ - تَنْظُرُ إلَى سَعْدٍ فِي اللّحد ، فَرَدّهَا النّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - دَعُوهَا فَأَقْبَلَتْ حَتّى نَظَرَتْ إلَيْهِ وَهُوَ فِي اللّحْدِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ اللّبِنُ وَالتّرَابُ فَقَالَتْ أَحْتَسِبُك عِنْدَ اللّهِ وَعَزّاهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى قَبْرِهِ وَجَلَسَ نَاحِيَةً وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَرُدّونَ تُرَابَ الْقَبْرِ وَيُسَوّونَهُ وَتَنَحّى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ حَتّى سُوّيَ عَلَى قَبْرِهِ وَرُشّ عَلَى قَبْرِهِ الْمَاءُ ثُمّ أَقْبَلَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَدَعَا لَهُ ثُمّ انْصَرَفَ . (1/528) ============ ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي حِصَارِ بَنِي قُرَيْظَةَ خَلّادُ بْنُ سُوَيْدٍ مِنْ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، دَلّتْ عَلَيْهِ نُبَاتَةُ رَحًى فَشَدَخَتْ رَأْسَهُ فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَهُ أَجْرُ شَهِيدَيْنِ وَقَتَلَهَا بِهِ . وَمَاتَ أَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنٍ ، فَدَفَنَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - هُنَاكَ [ ص 530 ] فَهُوَ فِي مَقْبَرَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ الْيَوْمَ . حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا قُتِلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، قَدِمَ حُسَيْلُ بْنُ نُوَيْرَةَ الْأَشْجَعِيّ خَيْبَرَ ، قَدْ سَارَ يَوْمَيْنِ وَيَهُودُ بَنِي النّضِيرِ - سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَيَهُودُ خَيْبَرَجُلُوسٌ فِي نَادِيهِمْ يَتَحَسّبُونَ خَبَرَ قُرَيْظَةَ قَدْ بَلَغَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ حَصَرَهُمْ وَهُمْ يَتَوَقّعُونَ مَا هُوَ كَائِنٌ فَقَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ الشّرّ قُتِلَتْ مُقَاتِلَةُ قُرَيْظَةَ صَبْرًا بِالسّيْفِ قَالَ كِنَانَةُ : مَا فَعَلَ حُيَيّ ؟ قَالَ حُسَيْلٌ حُيَيّ قَدْ طَاحَ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ صَبْرًا . وَجَعَلَ يُخْبِرُهُمْ عَنْ سَرَاتِهِمْ - كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ ، وَغَزّالِ بْنِ سَمَوْأَلٍ ، وَنَبّاشِ بْنِ قَيْسٍ - أَنّهُ حَضَرَهُمْ قُتِلُوا بَيْنَ يَدَيْ مُحَمّدٍ . قَالَ سَلّامُ بْن مِشْكَمٍ : هَذَا كُلّهُ عَمَلُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، شَأَمَنَا أَوّلًا وَخَالَفَنَا فِي الرّأْيِ فَأَخْرَجَنَا مِنْ أَمْوَالِنَا وَشَرَفِنَا وَقَتَلَ إخْوَانَنَا . وَأَشَدّ مِنْ الْقَتْلِ سِبَاءُ الذّرّيّةِ لَا قَامَتْ يَهُودِيّةٌ بِالْحِجَازِ أَبَدًا ، لَيْسَ لِلْيَهُودِ عَزْمٌ وَلَا رَأْيٌ . قَالُوا : وَبَلَغَ النّسَاءَ فَصَيّحْنَ وَشَقَقْنَ الْجُيُوبَ وَجَزَزْنَ الشّعُورَ وَأَقَمْنَ الْمَآتِمَ وَضَوَى إلَيْهِنّ نِسَاءُ الْعَرَبِ . وَفَزِعَتْ الْيَهُودُ إلَى سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ فَقَالُوا : فَمَا الرّأْيُ أَبَا عَمْرٍو ؟ وَيُقَالُ أَبَا الْحَكَمِ . قَالَ وَمَا تَصْنَعُونَ بِرَأْيٍ لَا تَأْخُذُونَ مِنْهُ حَرْفًا ؟ قَالَ كِنَانَةُ : لَيْسَ هَذَا بِحِينِ عِتَابٍ قَدْ صَارَ الْأَمْرُ إلَى مَا تَرَى . قَالَ مُحَمّدٌ قَدْ فَرَغَ مِنْ يَهُودِ يَثْرِبَ ، وَهُوَ سَائِرٌ إلَيْكُمْ فَنَازِلٌ بِسَاحَتِكُمْ وَصَانِعٌ بِكُمْ مَا صَنَعَ بِبَنِي قُرَيْظَةَ . قَالُوا : فَمَا الرّأْيُ ؟ قَالَ نَسِيرُ إلَيْهِ بِمَنْ مَعَنَا مِنْ يَهُودِ خَيْبَرَ، فَلَهُمْ عَدَدٌ وَنَسْتَجْلِبُ يَهُودَ تَيْمَاءَ ، وَفَدَكٍ ، وَوَادِي الْقُرَى ; وَلَا نَسْتَعِينُ بِأَحَدٍ مِنْ الْعَرَبِ ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ مَا صَنَعَتْ بِكُمْ الْعَرَبُ بَعْدَ أَنْ شَرَطْتُمْ لَهُمْ تَمْرَ خَيْبَرَ نَقَضُوا ذَلِكَ وَخَذَلُوكُمْ وَطَلَبُوا مِنْ مُحَمّدٍ بَعْضَ تَمْرِ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَيَنْصَرِفُونَ عَنْهُ مَعَ أَنّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ [ ص 531 ] هُوَ الّذِي كَادَهُمْ بِمُحَمّدٍ وَمَعْرُوفُهُمْ إلَيْهِ مَعْرُوفُهُمْ ثُمّ نَسِيرُ إلَيْهِ فِي عُقْرِ دَارِهِ فَنُقَاتِلُ عَلَى وِتْرٍ حَدِيثٍ وَقَدِيمٍ . فَقَالَتْ الْيَهُودُ : هَذَا الرّأْيُ . فَقَالَ كِنَانَةُ إنّي قَدْ خَبَرْت الْعَرَبَ فَرَأَيْتهمْ أَشِدّاءَ عَلَيْهِ وَحُصُونُنَا هَذِهِ لَيْسَتْ مِثْلَ مَا هُنَاكَ وَمُحَمّدٌ لَا يَسِيرُ إلَيْنَا أَبَدًا لِمَا يَعْرِفُ . قَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : هَذَا رَجُلٌ لَا يُقَاتِلُ حَتّى يُؤْخَذَ بِرَقَبَتِهِ . فَكَانَ ذَلِكَ [ وَاَللّهِ ] مَحْمُودًا وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْثِي سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ . .. (1/530) ======= بَابُ شَأْنِ سَرِيّةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ إلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ : خَرَجْت مِنْ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِخَمْسٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ شَهْرًا ، فَغِبْت اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَقَدِمْت يَوْمَ السّبْتِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ الْمُحَرّمِ . قَالَ الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ مُوسَى بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّ سُفْيَانَ بْنَ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ ثُمّ اللّحْيَانِيّ وَكَانَ نَزَلَ عُرَنَةَ وَمَا حَوْلَهَا فِي نَاسٍ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ فَجَمَعَ الْجُمُوعَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَضَوَى إلَيْهِ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَفْنَاءِ النّاسِ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُنَيْسٍ ، فَبَعَثَهُ سَرِيّةً وَحْدَهُ إلَيْهِ لِيَقْتُلَهُ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 532 ] انْتَسِبْ إلَى خُزَاعَةَ . فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَعْرِفُهُ فَصِفْهُ لِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّك إذَا رَأَيْته هِبْته وَفَرِقْت مِنْهُ وَذَكَرْت الشّيْطَانَ . وَكُنْت لَا أَهَابُ الرّجَالَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَرِقْت مِنْ شَيْءٍ قَطّ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَلَى ، آيَةٌ بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَنْ تَجِدَ لَهُ قُشَعْرِيرَةً إذَا رَأَيْته . وَاسْتَأْذَنْت النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ أَقُولَ فَقَالَ قُلْ مَا بَدَا لَك . قَالَ فَأَخَذْت سَيْفِي لَمْ أَزِدْ عَلَيْهِ وَخَرَجْت أَعْتَزِي إلَى خُزَاعَةَ ، فَأَخَذْت عَلَى الطّرِيقِ حَتّى انْتَهَيْت إلَى قُدَيْدٍ ، فَأَجِدُ بِهَا خُزَاعَةَ كَثِيرًا ، فَعَرَضُوا عَلَيّ الْحُمْلَانَ وَالصّحَابَةَ فَلَمْ أُرِدْ ذَلِكَ وَخَرَجْت حَتّى أَتَيْت بَطْنَ سَرِفَ ، ثُمّ عَدَلْت حَتّى خَرَجْت عَلَى عُرَنَةَ ، وَجَعَلْت أُخْبِرُ مَنْ لَقِيت أَنّي أُرِيدُ سُفْيَانَ بْنَ خَالِدٍ لِأَكُونَ مَعَهُ حَتّى إذَا كُنْت بِبَطْنِ عُرَنَةَ لَقِيته يَمْشِي ، وَوَرَاءَهُ الْأَحَابِيشُ وَمَنْ اسْتَجْلَبَ وَضَوَى إلَيْهِ . فَلَمّا رَأَيْته هِبْته ، وَعَرَفْته بِالنّعْتِ الّذِي نَعَتَ لِي رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَرَأَيْتنِي أَقْطُرُ فَقُلْت : صَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَقَدْ دَخَلْت فِي وَقْتِ الْعَصْرِ حِينَ رَأَيْته ، فَصَلّيْت وَأَنَا أَمْشِي أُومِئُ إيمَاءً بِرَأْسِي ، فَلَمّا دَنَوْت مِنْهُ قَالَ مَنْ الرّجُلُ ؟ فَقُلْت : رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ ، سَمِعْت بِجَمْعِك لِمُحَمّدٍ فَجِئْتُك لِأَكُونَ مَعَك . قَالَ أَجَلْ إنّي لَفِي الْجَمْعِ لَهُ . فَمَشَيْت مَعَهُ وَحَدّثْته فَاسْتَحْلَى حَدِيثِي ، وَأَنْشَدْته شِعْرًا ، وَقُلْت : عَجَبًا لِمَا أَحْدَثَ مُحَمّدٌ مِنْ هَذَا الدّينِ الْمُحْدَثِ فَارَقَ الْآبَاءَ وَسَفّهَ أَحْلَامَهُمْ قَالَ لَمْ يَلْقَ مُحَمّدٌ أَحَدًا يُشْبِهُنِي قَالَ وَهُوَ يَتَوَكّأُ عَلَى عَصًا يَهُدّ الْأَرْضَ [ ص 533 ] حَتّى انْتَهَى إلَى خِبَائِهِ وَتَفَرّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ إلَى مَنَازِلَ قَرِيبَةٍ مِنْهُ وَهُمْ مُطِيفُونَ بِهِ فَقَالَ هَلُمّ يَا أَخَا خُزَاعَةَ فَدَنَوْت مِنْهُ فَقَالَ لِجَارِيَتِهِ اُحْلُبِي فَحَلَبَتْ ثُمّ نَاوَلَتْنِي ، فَمَصَصْت ثُمّ دَفَعْته إلَيْهِ فَعَبّ كَمَا يَعُبّ الْجَمْلُ حَتّى غَابَ أَنْفُهُ فِي الرّغْوَةِ ثُمّ قَالَ اجْلِسْ . فَجَلَسْت مَعَهُ حَتّى إذَا هَدَأَ النّاسُ وَنَامُوا وَهَدَأَ اغْتَرَرْته فَقَتَلْته وَأَخَذْت رَأْسَهُ ثُمّ أَقْبَلْت وَتَرَكْت نِسَاءَهُ يَبْكِينَ عَلَيْهِ وَكَانَ النّجَاءُ مِنّي حَتّى صَعِدْت فِي جَبَلٍ فَدَخَلْت غَارًا . وَأَقْبَلَ الطّلَبُ مِنْ الْخَيْلِ وَالرّجَالِ تَوَزّعُ فِي كُلّ وَجْهٍ وَأَنَا مُخْتَفٍ فِي غَارِ الْجَبَلِ وَضَرَبَتْ الْعَنْكَبُوتُ عَلَى الْغَارِ وَأَقْبَلَ رَجُلٌ وَمَعَهُ إدَاوَةٌ ضَخْمَةٌ وَنَعْلَاهُ فِي يَدِهِ وَكُنْت حَافِيًا ، وَكَانَ أَهَمّ أَمْرِي عِنْدِي الْعَطَشَ كُنْت أَذْكُرُ تِهَامَةَ وَحَرّهَا ، فَوَضَعَ إدَاوَتَهُ وَنَعْلَهُ وَجَلَسَ يَبُولُ عَلَى بَابِ الْغَارِ ثُمّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ لَيْسَ فِي الْغَارِ أَحَدٌ . فَانْصَرَفُوا رَاجِعِينَ وَخَرَجْت إلَى الْإِدَاوَةِ فَشَرِبْت مِنْهَا وَأَخَذْت النّعْلَيْنِ فَلَبِسْتهمَا . فَكُنْت أَسِيرُ اللّيْلَ وَأَتَوَارَى النّهَارَ حَتّى جِئْت الْمَدِينَةَ فَوَجَدْت رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي الْمَسْجِدِ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَفْلَحَ الْوَجْهُ قُلْت : أَفْلَحَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ فَوَضَعْت رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَخْبَرْته خَبَرِي ، فَدَفَعَ إلَيّ عَصًا فَقَالَ تَخَصّرْ بِهَذِهِ فِي الْجَنّةِ . فَإِنّ الْمُتَخَصّرِينَ فِي الْجَنّةِ قَلِيلٌ فَكَانَتْ عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ حَتّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْصَى أَهْلَهُ أَنْ يُدْرِجُوهَا فِي كَفَنِهِ . وَكَانَ قَتْلُهُ فِي الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ شَهْرًا . (1/532) ===== غَزْوَةُ الْقُرْطَاءِ حَدّثَنِي [ ص 534 ] خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ خَرَجْت فِي عَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ فَغِبْت تِسْعَ عَشْرَةَ وَقَدِمْت لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَخَمْسِينَ شَهْرًا . حَدّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَنَسٍ الظّفَرِيّ ، عَنْ أَبِيهِ وَحَدّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْحَدِيثِ قَالَا : بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي ثَلَاثِينَ رَجُلًا ، فِيهِمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ وَالْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ إلَى بَنِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ اللّيْلَ وَيَكْمُنَ النّهَارَ وَأَنْ يَشُنّ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ . فَكَانَ مُحَمّدٌ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ حَتّى إذَا كَانَ بِالشّرَبَةِ لَقِيَ ظُعُنًا ، فَأَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَسْأَلُ مَنْ هُمْ . فَذَهَبَ الرّسُولُ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ قَوْمٌ مِنْ مُحَارِبٍ . فَنَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُ وَحَلّوا وَرَوّحُوا مَاشِيَتَهُمْ . فَأَمْهَلَهُمْ حَتّى إذَا ظَعَنُوا أَغَارَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ نَفَرًا مِنْهُمْ وَهَرَبَ سَائِرُهُمْ فَلَمْ يَطْلُبْ مَنْ هَرَبَ وَاسْتَاقَ نَعَمًا وَشَاءً وَلَمْ يَعْرِضْ لِلظّعُنِ . ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى إذَا كَانَ بِمَوْضِعٍ يُطْلِعُهُ عَلَى بَنِي بَكْرٍ بَعَثَ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ إلَيْهِمْ فَأَوْفَى عَلَى الْحَاضِرِ فَأَقَامَ فَلَمّا رَوّحُوا مَاشِيَتَهُمْ وَحَلَبُوا وَعَطّنُوا جَاءَ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَأَخْبَرَهُ فَخَرَجَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَشَنّ عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ فَقَتَلَ مِنْهُمْ عَشَرَةً وَاسْتَاقُوا النّعَمَ وَالشّاءَ ثُمّ انْحَدَرُوا [ ص 535 ] إلَى الْمَدِينَةِ ، فَمَا أَصْبَحَ حِينَ أَصْبَحَ إلّا بِضَرِيّةَ مَسِيرَةَ لَيْلَةٍ أَوْ لَيْلَتَيْنِ . ثُمّ حَدَرْنَا النّعَمَ وَخِفْنَا الطّلَبَ وَطَرَدْنَا الشّاءَ أَشَدّ الطّرْدِ فَكَانَتْ تَجْرِي مَعَنَا كَأَنّهَا الْخَيْلُ حَتّى بَلَغْنَا الْعَدَاسَةَ فَأَبْطَأَ عَلَيْنَا الشّاءُ بِالرّبَذَةِ فَخَلّفْنَاهُ مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِي يَقْصِدُونَ بِهِ وَطُرِدَ النّعَمُ فَقُدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ عَلَى النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَ مُحَمّدٌ يَقُولُ خَرَجْت مِنْ ضَرِيّةَ ، فَمَا رَكِبْت خُطْوَةً حَتّى وَرَدْت بَطْنَ نَخْلٍ ، فَقُدِمَ بِالنّعَمِ خَمْسِينَ وَمِائَةِ بَعِيرٍ وَالشّاءِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ آلَافِ شَاةٍ فَلَمّا قَدِمْنَا خَمّسَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ثُمّ فَضّ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا بَقِيَ فَعَدَلُوا الْجَزُورَ بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ فَأَصَابَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ . (1/534) ========= غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ أَبُو الْحَسَنِ الْأَسْلَمِيّ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِهِلَالِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ سِتّ فَبَلَغَ غُرَانَ وَعُسْفَانَ ، وَغَابَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً . حَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا قَدْ حَدّثَنِي . وَقَدْ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالُوا : وَجَدَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 536 ] عَلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَصْحَابِهِ وَجْدًا شَدِيدًا ، فَخَرَجَ [ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ وَمَعَهُمْ عِشْرُونَ فَرَسًا ] فِي أَصْحَابِهِ فَنَزَلَ بِمَضْرِبِ الْقُبّةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْجُرْفِ ، فَعَسْكَرَ فِي أَوّلِ نَهَارِهِ وَهُوَ يُظْهِرُ أَنّهُ يُرِيدُ الشّامَ ، ثُمّ رَاحَ مُبْرِدًا فَمَرّ عَلَى غُرَابَات ، ثُمّ عَلَى بِينَ حَتّى خَرَجَ عَلَى صُخَيْرَاتِ الثّمَامِ فَلَقِيَ الطّرِيقَ هُنَاكَ . ثُمّ أَسْرَعَ السّيْرَ حَتّى انْتَهَى إلَى بَطْنِ غُرَانَ حَيْثُ كَانَ مُصَابُهُمْ فَتَرَحّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ هَنِيئًا لَكُمْ الشّهَادَةُ فَسَمِعَتْ بِهِ لِحْيَانُ فَهَرَبُوا فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ فَلَمْ نَقْدِرْ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ ، فَأَقَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ وَبَعَثَ السّرَايَا فِي كُلّ نَاحِيَةٍ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَحَدٍ . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى عُسْفَانَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ : إنّ قُرَيْشًا قَدْ بَلَغَهُمْ مَسِيرِي وَأَنّي قَدْ وَرَدْت عُسْفَانَ ، وَهُمْ يَهَابُونَ أَنْ آتِيَهُمْ فَاخْرُجْ فِي عَشَرَةِ فَوَارِسَ . فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ فِيهِمْ حَتّى أَتَوْا الْغَمِيمَ ، ثُمّ رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَلَمْ يَلْقَ أَحَدًا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّ هَذَا يَبْلُغُ قُرَيْشًا فَيَذْعَرُهُمْ وَيَخَافُونَ أَنْ نَكُونَ نُرِيدُهُمْ - وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ يَوْمَئِذٍ فِي أَيْدِيهِمْ . فَبَلَغَ قُرَيْشًا أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ بَلَغَ الْغَمِيمَ ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : مَا أَتَى مُحَمّدٌ الْغَمِيمَ إلّا يُرِيدُ أَنْ يُخَلّصَ [ ص 537 ] خُبَيْبًا . (1/536) وَكَانَ خُبَيْبٌ وَصَاحِبَاهُ فِي حَدِيدٍ مُوثَقِينَ فَجَعَلُوا فِي رِقَابِهِمْ الْجَوَامِعَ وَقَالُوا : قَدْ بَلَغَ مُحَمّدٌ ضَجْنَانَ وَهُوَ دَاخِلٌ عَلَيْنَا فَدَخَلَتْ مَاوِيّةُ عَلَى خُبَيْبٍ فَأَخْبَرَتْهُ الْخَبَرَ وَقَالَتْ هَذَا صَاحِبُك قَدْ بَلَغَ ضَجْنَانَ يُرِيدُكُمْ . فَقَالَ خُبَيْبٌ وَهَلْ ؟ قَالَتْ نَعَمْ . قَالَ خُبَيْبٌ يَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاءُ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا يَنْتَظِرُونَ بِك إلّا أَنْ يَخْرُجَ الشّهْرُ الْحَرَامُ وَيُخْرِجُوك فَيَقْتُلُوك وَيَقُولُونَ أَتَرَى مُحَمّدًا غَزَانَا فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ وَنَحْنُ لَا نَسْتَحِلّ أَنْ نَقْتُلَ صَاحِبَهُ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ ؟ وَكَانَ مَأْسُورًا عِنْدَهُمْ وَخَافُوا أَنْ يَدْخُلَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَيْهِمْ . فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى الْمَدِينَةِ وَهُوَ يَقُولُ آيِبُونَ تَائِبُونَ ، عَابِدُونَ لِرَبّنَا حَامِدُونَ اللّهُمّ أَنْتَ الصّاحِبُ فِي السّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ عَلَى الْأَهْلِ اللّهُمّ أَعُوذُ بِك مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ اللّهُمّ بَلّغْنَا بَلَاغًا صَالِحًا يَبْلُغُ إلَى خَيْرٍ مَغْفِرَةً مِنْك وَرِضْوَانًا وَغَابَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنْ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَكَانَ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، وَكَانَتْ سَنَةَ سِتّ فِي الْمُحَرّمِ وَهَذَا أَوّلُ مَا قَالَ هَذَا الدّعَاءَ ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا كُلّهُمْ . (1/536) ===== غَزْوَةُ الْغَابَةِ حَدّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَغَارَ عُيَيْنَةُ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ سِتّ وَغَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي طَلَبِهِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَغِبْنَا خَمْسَ لَيَالٍ وَرَجَعْنَا لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ . وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ [ ص 538 ] - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، وَعَلِيّ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُهُمْ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِطَائِفَةٍ قَالُوا : كَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عِشْرِينَ لِقْحَةً وَكَانَتْ مِنْ شَتّى ، مِنْهَا مَا أَصَابَ فِي ذَاتِ الرّقَاعِ ، وَمِنْهَا مَا قَدِمَ بِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ نَجْدٍ . وَكَانَتْ تَرْعَى الْبَيْضَاءَ وَدُونَ الْبَيْضَاءِ ، فَأَجْدَبَ مَا هُنَاكَ فَقَرّبُوهَا إلَى الْغَابَةِ ، تُصِيبُ مِنْ أَثْلِهَا وَطَرْفَائِهَا وَتَغْدُو فِي الشّجَرِ - . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ الْغَادِيَةُ تَغْدُو فِي الْعِضَاهِ أُمّ غَيْلَانَ وَغَيْرِهَا ، وَالْوَاضِعَةُ الْإِبِلُ تَرْعَى الْحَمْضَ ; وَالْأَوَارِكُ الّتِي تَرْعَى الْأَرَاكَ - فَكَانَ الرّاعِي يَئُوبُ بِلَبَنِهَا كُلّ لَيْلَةٍ عِنْدَ الْمَغْرِبِ . وَكَانَ أَبُو ذَرّ قَدْ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى لِقَاحِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّي أَخَافُ عَلَيْك مِنْ هَذِهِ الضّاحِيَةِ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْك ، وَنَحْنُ لَا نَأْمَنُ مِنْ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَذَوِيهِ هِيَ فِي طَرَفٍ مِنْ أَطْرَافِهِمْ . فَأَلَحّ عَلَيْهِ أَبُو ذَرّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِي . فَلَمّا أَلَحّ عَلَيْهِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَكَأَنّي بِك ، قَدْ قُتِلَ ابْنُك ، وَأُخِذَتْ امْرَأَتُك ، وَجِئْت تَتَوَكّأُ عَلَى عَصَاك . (1/538) ==== فَكَانَ أَبُو ذَرّ يَقُولُ عَجَبًا لِي إنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَقُولُ « لَكَأَنّي بِك » وَأَنَا أُلِحّ عَلَيْهِ . فَكَانَ وَاَللّهِ عَلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو يَقُولُ لَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ السّرْحِ جَعَلَتْ فَرَسِي سَبْحَةً لَا تَقِرّ ضَرْبًا بِأَيْدِيهَا وَصَهِيلًا . فَيَقُولُ أَبُو مَعْبَدٍ وَاَللّهِ إنّ لَهَا شَأْنًا فَنَنْظُرُ آرِيّهَا فَإِذَا هُوَ مَمْلُوءٌ عَلَفًا ، فَيَقُولُ عَطْشَى فَيَعْرِضُ الْمَاءَ عَلَيْهَا فَلَا تُرِيدُهُ فَلَمّا طَلَعَ الْفَجْرُ أَسْرَجَهَا وَلَبِسَ سِلَاحَهُ . وَخَرَجَ حَتّى صَلّى الصّبْحَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، وَدَخَلَ النّبِيّ [ ص 539 ] - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَيْتَهُ وَرَجَعَ الْمِقْدَادُ إلَى بَيْتِهِ وَفَرَسُهُ لَا تَقِرّ ، فَوَضَعَ سَرْجَهَا وَسِلَاحَهُ وَاضْطَجَعَ وَجَعَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ، فَأَتَاهُ آتٍ فَقَالَ إنّ الْخَيْلَ قَدْ صِيحَ بِهَا . فَكَانَ أَبُو ذَرّ يَقُولُ وَاَللّهِ إنّا لَفِي مَنْزِلِنَا ، وَلِقَاحُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ رُوّحَتْ وَعُطّنَتْ وَحُلِبَتْ عَتَمَتُهَا وَنِمْنَا ، فَلَمّا كَانَ فِي اللّيْلِ أَحْدَقَ بِنَا عُيَيْنَةُ فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا ، فَصَاحُوا بِنَا وَهُمْ قِيَامٌ عَلَى رُءُوسِنَا ، فَأَشْرَفَ لَهُمْ ابْنِي فَقَتَلُوهُ وَكَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ وَثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَنَجَوْا ، وَتَنَحّيْت عَنْهُمْ وَشَغَلَهُمْ عَنّي إطْلَاقُ عُقُلِ اللّقَاحِ ثُمّ صَاحُوا فِي أَدْبَارِهَا ، فَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهَا . وَجِئْت إلَى النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَخْبَرْته وَهُوَ يَتَبَسّمُ . فَكَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَقُولُ غَدَوْت أُرِيدُ الْغَابَةَ لِلِقَاحِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِأَنْ أُبَلّغَهُ لَبَنَهَا ، حَتّى أَلْقَى غُلَامًا لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَانَ فِي إبِلٍ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَأَخْطَئُوا مَكَانَهَا وَاهْتَدَوْا إلَى لِقَاحِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَخْبَرَنِي أَنّ لِقَاحَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ أَغَارَ عَلَيْهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فِي أَرْبَعِينَ فَارِسًا ، فَأَخْبَرَنِي أَنّهُمْ قَدْ رَأَوْا مَدَدًا بَعْدَ ذَلِكَ أُمِدّ بِهِ عُيَيْنَةُ . قَالَ سَلَمَةُ فَأَحْضَرْت فَرَسِي رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ حَتّى وَافَيْت عَلَى ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ فَصَرَخْت بِأَعْلَى صَوْتِي : يَا صَبَاحَاهُ ثَلَاثًا ، أُسْمِعُ مَنْ بَيْنَ لَابَتَيْهَا . (1/539) فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ نَادَى : الْفَزَعَ الْفَزَعَ ثَلَاثًا ، ثُمّ وَقَفَ وَاقِفًا عَلَى فَرَسِهِ حَتّى طَلَعَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي الْحَدِيدِ مُقَنّعًا فَوَقَفَ وَاقِفًا ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ [ ص 540 ] أَقْبَلَ إلَيْهِ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو ، عَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ شَاهِرًا سَيْفَهُ فَعَقَدَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِوَاءً فِي رُمْحِهِ وَقَالَ امْضِ حَتّى تَلْحَقَك الْخُيُولُ إنّا عَلَى أَثَرِك . قَالَ الْمِقْدَادُ : فَخَرَجْت وَأَنَا أَسْأَلُ اللّهَ الشّهَادَةَ حَتّى أُدْرِكَ أُخْرَيَاتِ الْعَدُوّ وَقَدْ أَذَمّ بِهِمْ فَرَسٌ لَهُمْ فَاقْتَحَمَ فَارِسُهُ وَرَدَفَ أَحَدَ أَصْحَابِهِ فَآخُذُ الْفَرَسَ الْمُذِمّ فَإِذَا هُوَ ضَرَعٌ أَشْقَرُ عَتِيقٌ لَمْ يَقْوَ عَلَى الْعَدْوِ وَقَدْ غَدَوْا عَلَيْهِ مِنْ أَقْصَى الْغَابَةِ فَحَسِرَ فَأَرْبِطُ فِي عُنُقِهِ قِطْعَةَ وَتَرٍ وَأُخَلّيهِ وَقُلْت : إنْ مَرّ بِهِ أَحَدٌ فَأَخَذَهُ جِئْته بِعَلَامَتِي فِيهِ . فَأُدْرِكُ مَسْعَدَةَ فَأَطْعَنُهُ بِرُمْحٍ فِيهِ اللّوَاءُ فَزَلّ الرّمْحُ وَعَطَفَ عَلَيّ بِوَجْهِهِ فَطَعَنَنِي وَآخُذُ الرّمْحَ بِعَضُدِي فَكَسَرْته ، وَأَعْجَزَنِي هَرَبًا ، وَأَنْصِبُ لِوَائِي فَقُلْت : يَرَاهُ أَصْحَابِي : وَيَلْحَقُنِي أَبُو قَتَادَةَ مُعَلّمًا بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَسَايَرْته سَاعَةً وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى دُبُرِ مَسْعَدَةَ فَاسْتَحَثّ فَرَسَهُ فَتَقَدّمَ عَلَى فَرَسِي ، فَبَانَ سَبْقُهُ فَكَانَ أَجْوَدَ مِنْ فَرَسِي حَتّى غَابَ عَنّي فَلَا أَرَاهُ . ثُمّ أَلْحَقُهُ فَإِذَا هُوَ يَنْزِعُ بُرْدَتَهُ فَصِحْت : مَا تَصْنَعُ ؟ قَالَ خَيْرًا أَصْنَعُ كَمَا صَنَعْت بِالْفَرَسِ . فَإِذَا هُوَ قَدْ قَتَلَ مَسْعَدَةَ وَسَجّاهُ بِبُرْدَةٍ . وَرَجَعْنَا فَإِذَا فَرَسٌ فِي يَدِ عُلْبَةَ بْنِ زَيْدٍ الْحَارِثِيّ فَقُلْت : فَرَسِي هَذَا وَعَلَامَتِي فِيهِ فَقَالَ تَعَالَ إلَى النّبِيّ فَجَعَلَهُ مَغْنَمًا . (1/540) وَخَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ عَلَى رِجْلَيْهِ يَعْدُو لِيَسْبِقَ الْخَيْلَ مِثْلَ السّبُعِ . قَالَ سَلَمَةُ حَتّى لَحِقْت الْقَوْمَ فَجَعَلْت أَرْمِيهِمْ بِالنّبْلِ وَأَقُولُ حِينَ أَرْمِي : خُذْهَا مِنّي وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ فَتَكِرّ عَلَيّ خَيْلٌ مِنْ خَيْلِهِمْ فَإِذَا [ ص 541 ] وُجّهَتْ نَحْوِي انْطَلَقْت هَارِبًا فَأَسْبِقُهَا ، وَأَعْمِدُ إلَى الْمَكَانِ الْمُعْوِرِ فَأُشْرِفُ عَلَيْهِ وَأَرْمِي بِالنّبْلِ إذَا أَمْكَنَنِي الرّمْيُ وَأَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْأَكْوَعِ وَالْيَوْمُ يَوْمُ الرّضّعْ فَمَا زِلْت أَكَافِحُهُمْ وَأَقُولُ قِفُوا قَلِيلًا ، يَلْحَقْكُمْ أَرْبَابُكُمْ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . فَيَزْدَادُونَ عَلَيّ حَنَقًا فَيَكِرّونَ عَلَيّ فَأُعْجِزُهُمْ هَرَبًا حَتّى انْتَهَيْت بِهِمْ إلَى ذِي قَرَدٍ . وَلَحِقَنَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَالْخُيُولُ عِشَاءً فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ الْقَوْمَ عِطَاشٌ وَلَيْسَ لَهُمْ مَاءٌ دُونَ أَحْسَاءِ كَذَا وَكَذَا ، فَلَوْ بَعَثْتنِي فِي مِائَةِ رَجُلٍ اسْتَنْفَذْت مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ السّرْحِ وَأَخَذْت بِأَعْنَاقِ الْقَوْمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَلَكْت فَأَسْجِحْ ثُمّ قَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّهُمْ لَيُقْرَوْنَ فِي غَطَفَانَ فَحَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ قَالَ تَوَافَتْ الْخَيْلُ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ - الْمِقْدَادُ ، وَأَبُو قَتَادَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ مَاعِصٍ وَسَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، وَأَبُو عَيّاشٍ الزّرَقِيّ ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ . (1/541) حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ الْمِقْدَادُ ، وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ : سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، وَهُوَ أَمِيرُهُمْ وَأَبُو عَيّاشٍ الزّرَقِيّ فَارِسُ جُلْوَةَ [ ص 542 ] وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَأَبُو قَتَادَةَ . قَالَ أَبُو عَيّاشٍ أَطْلُعُ عَلَى فَرَسٍ لِي ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ أَعْطَيْت فَرَسَك مَنْ هُوَ أَفْرَسُ مِنْك فَتَبِعَ الْخُيُولَ فَقُلْت : أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَفْرَسُ النّاسِ فَرَكَضْته ، فَمَا جَرَى بِي خَمْسِينَ ذِرَاعًا حَتّى صَرَعَنِي الْفَرَسُ فَكَانَ أَبُو عَيّاشٍ يَقُولُ فَعَجَبًا إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ « لَوْ أَعْطَيْت فَرَسَك هَذَا مَنْ هُوَ أَفْرَسُ مِنْك » وَأَقُولُ « أَنَا أَفْرَسُ النّاسِ . قَالُوا : وَذَهَبَ الصّرِيخُ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَجَاءَتْ الْأَمْدَادُ فَلَمْ تَزَلْ الْخَيْلُ تَأْتِي ، وَالرّجَالُ عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَالْإِبِلِ وَالْقَوْمُ يَعْتَقِبُونَ الْبَعِيرَ وَالْحِمَارَ حَتّى انْتَهَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذِي قَرَدٍ ، فَاسْتَنْقَذُوا عَشْرَ لَقَائِحَ وَأَفْلَتْ الْقَوْمُ بِمَا بَقِيَ وَهِيَ عَشْرٌ . وَكَانَ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ حَلِيفًا فِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَلَمّا نَادَى الصّرِيخُ » الْفَزَعَ الْفَزَعَ « كَانَ فَرَسٌ لِمُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يُقَالُ لَهُ ذُو اللّمّةِ مَرْبُوطًا فِي الْحَائِطِ ، فَلَمّا سَمِعَ صَاهِلَةَ الْخَيْلِ صَهَلَ وَجَالَ فِي الْحَائِطِ فِي شَطَنِهِ فَقَالَ لَهُ النّسَاءُ هَلْ لَك يَا مُحْرِزُ فِي هَذَا الْفَرَسِ فَإِنّهُ كَمَا تَرَى صَنِيعٌ جَامّ تَرْكَبُهُ فَتَلْحَقُ اللّوَاءَ ؟ وَهُوَ يَرَى رَايَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ مُرّ بِهَا الْعُقَابَ يَحْمِلُهَا سَعْدٌ . قَالُوا : فَخَرَجَ فَجَزِعَ وَقَطَعَ وَادِيَ قَنَاةَ فَسَبَقَ الْمِقْدَادَ ، فَيُدْرِكُ الْقَوْمَ بِهَيْقَا فَاسْتَوْقَفَهُمْ فَوَقَفُوا ، فَطَاعَنَهُمْ سَاعَةً بِالرّمْحِ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ مَسْعَدَةُ [ ص 543 ] فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَدَقّهُ فِي صُلْبِهِ وَتَنَاوَلَ رُمْحَ مُحْرِزٍ وَعَارَ فَرَسُهُ حَتّى رَجَعَ إلَى آرِيّهِ فَلَمّا رَآهُ النّسَاءُ وَأَهْلُ الدّارِ قَالُوا : قَدْ قُتِلَ . وَيُقَالُ كَانَ مُحْرِزٌ عَلَى فَرَسٍ كَانَ لِعُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ يُدْعَى الْجَنَاحَ قَاتَلَ عَلَيْهِ . وَيُقَالُ الّذِي قَتَلَ مُحْرِزَ بْنَ نَضْلَةَ أَوْثَارٌ وَأَقْبَلَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فَيُدْرِكُ أَوْثَارًا ، فَتَوَاقَفَا فَتَطَاعَنَا حَتّى انْكَسَرَتْ رِمَاحُهُمَا ، ثُمّ صَارَا إلَى السّيْفَيْنِ فَشَدّ عَلَيْهِ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فَعَانَقَهُ ثُمّ طَعَنَهُ بِخَنْجَرٍ مَعَهُ فَمَاتَ . (1/542) وَحَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي عَاتِكَةَ ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ كَانَ أَوْثَارٌ وَعَمْرُو بْنُ أَوْثَارٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُمَا يُقَالُ [ لَهُ ] الْفُرُطُ رَدِيفَيْنِ عَلَيْهِ قَتَلَهُمَا عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ . فَحَدّثَنِي زَكَرِيّا بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمّ عَامِرِ بِنْتِ يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ قَالَتْ كُنْت مِمّنْ حَضّ مُحْرِزًا عَلَى اللّحُوقِ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَاَللّهِ إنّا لَفِي أُطُمِنَا نَنْظُرُ إلَى رَهَجِ الْغُبَارِ إذْ أَقْبَلَ ذُو اللّمّةِ فَرَسُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ ، حَتّى انْتَهَى إلَى آرِيّهِ فَقُلْت : أُصِيبَ وَاَللّهِ فَحَمَلْنَا عَلَى الْفَرَسِ رَجُلًا مِنْ الْحَيّ فَقُلْنَا : أَطْلِعْ لَنَا رَسُولَ اللّهِ هَلْ أَصَابَهُ إلّا خَيْرٌ ثُمّ رَجَعَ إلَيْنَا سَرِيعًا . قَالَ فَخَرَجَ مُحْضِرًا حَتّى لَحِقَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَيْقَا فِي النّاسِ ثُمّ رَجَعَ فَأَخْبَرَنَا بِسَلَامَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدْنَا اللّهَ تَعَالَى عَلَى سَلَامَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ قَالَ مُحْرِزُ بْنُ [ ص 544 ] نَضْلَةَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَقِيَ الْقَوْمَ بِيَوْمٍ رَأَيْت السّمَاءَ فُرّجَتْ لِي ، فَدَخَلْت السّمَاءَ الدّنْيَا حَتّى انْتَهَيْت إلَى السّابِعَةِ وَانْتَهَيْت إلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، فَقِيلَ لِي : هَذَا مَنْزِلُك . فَعَرَضْتهَا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَكَانَ مِنْ أَعْبَرِ النّاسِ فَقَالَ أَبْشِرْ بِالشّهَادَةِ فَقُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ . (1/544) وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أُمّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : إنّي لَأَغْسِلُ رَأْسِي ، قَدْ غَسَلْت أَحَدَ شِقّيْهِ إذْ سَمِعْت فَرَسِي جَرْوَةَ تَصْهَلُ وَتَبْحَثُ بِحَافِرِهَا ، فَقُلْت : هَذِهِ حَرْبٌ قَدْ حَضَرَتْ فَقُمْت وَلَمْ أَغْسِلْ شِقّ رَأْسِي الْآخَرَ فَرَكِبْت وَعَلَيّ بُرْدَةٌ لِي ، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصِيحُ الْفَزَعَ الْفَزَعَ قَالَ وَأُدْرِكُ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو فَسَايَرْته سَاعَةً ثُمّ تَقَدّمَهُ فَرَسِي وَكَانَتْ أَجْوَدَ مِنْ فَرَسِهِ وَقَدْ أَخْبَرَنِي الْمِقْدَادُ - وَكَانَ سَبَقَنِي - بِقَتْلِ مَسْعَدَةَ مُحْرِزًا . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ لِلْمِقْدَادِ يَا أَبَا مَعْبَدٍ أَنَا أَمَوْتُ أَوْ أَقْتُلُ قَاتِلَ مُحْرِزٍ . فَضَرَبَ فَرَسَهُ فَلَحِقَهُمْ أَبُو قَتَادَةَ ، وَوَقَفَ لَهُ مَسْعَدَةُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ أَبُو قَتَادَةَ بِالْقَنَاةِ فَدَقّ صُلْبَهُ وَيَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا الْخَزْرَجِيّ وَوَقَعَ مَسْعَدَةُ مَيّتًا ، وَنَزَلَ أَبُو قَتَادَةَ فَسَجّاهُ بِبُرْدَتِهِ وَجَنّبَ فَرَسَهُ مَعَهُ وَخَرَجَ يُحْضِرُ فِي أَثَرِ الْقَوْمِ حَتّى تَلَاحَقَ النّاسُ . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَلَمّا مَرّ النّاسُ وَنَظَرُوا إلَى بُرْدَةِ أَبِي قَتَادَةَ عَرَفُوهَا فَقَالُوا : هَذَا أَبُو قَتَادَةَ قَتِيلٌ وَاسْتَرْجَعَ أَحَدُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا ، وَلَكِنّهُ قَتِيلُ أَبِي قَتَادَةَ ، وَجَعَلَ عَلَيْهِ بُرْدَتَهُ لِتَعْرِفُوا أَنّهُ قَتِيلُهُ . فَخَلّوا بَيْنَ أَبِي قَتَادَةَ وَبَيْنَ قَتِيلِهِ وَسَلَبِهِ وَفَرَسِهِ فَأَخَذَهُ كُلّهُ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ قَدْ أَخَذَ سَلَبَهُ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا وَاَللّهِ أَبُو قَتَادَةَ قَتَلَهُ ادْفَعْهُ إلَيْهِ . (1/544) [ ص 545 ] فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي قَتَادَةَ ، قَالَ لَمّا أَدْرَكَنِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ وَنَظَرَ إلَيّ قَالَ اللّهُمّ بَارِكْ لَهُ فِي شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ وَقَالَ أَفْلَحَ وَجْهُك قُلْت : وَوَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قَتَلْت مَسْعَدَةَ ؟ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ فَمَا هَذَا الّذِي بِوَجْهِك ؟ قُلْت : سَهْمٌ رُمِيت بِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ فَادْنُ مِنّي فَدَنَوْت مِنْهُ فَبَصَقَ عَلَيْهِ فَمَا ضَرَبَ عَلَيْهِ قَطّ وَلَا قَاحَ . فَمَاتَ أَبُو قَتَادَةَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً وَكَأَنّهُ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً . قَالَ وَأَعْطَانِي يَوْمَئِذٍ فَرَسَ مَسْعَدَةَ وَسِلَاحَهُ وَقَالَ بَارَكَ اللّهُ لَك فِيهِ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ : لَمّا كَانَ يَوْمُ السّرْحِ أَتَانَا الصّرِيخُ فَأَنَا فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، فَأَلْبَسُ دِرْعِي وَأَخَذْت سِلَاحِي ، وَأَسْتَوِي عَلَى فَرَسٍ لِي جَامّ حِصَانٍ يُقَالُ لَهُ النّجْلُ فَأَنْتَهِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ لَا أَرَى إلّا عَيْنَيْهِ وَالْخَيْلُ تَعْدُو قِبَلَ قَنَاةَ ، فَالْتَفَتَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا سَعْدُ امْضِ قَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَى الْخَيْلِ حَتّى أَلْحَقَك إنْ شَاءَ اللّهُ . فَقَرّبْت فَرَسِي سَاعَةً ثُمّ خَلّيْته فَمَرّ يُحْضِرُ فَأَمُرّ بِفَرَسٍ حَسِيرٍ فَقُلْت : مَا هَذَا ؟ وَأَمُرّ بِمَسْعَدَةَ قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ ، وَأَمُرّ بِمُحْرِزٍ قَتِيلًا فَسَاءَنِي ، وَأَلْحَقُ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو ، وَمُعَاذَ بْنَ مَاعِصٍ فَأَحْضَرْنَا وَنَحْنُ نَنْظُرُ إلَى رَهَجِ الْقَوْمِ وَأَبُو قَتَادَةَ فِي أَثَرِهِمْ وَأَنْظُرُ إلَى ابْنِ الْأَكْوَعِ يَسْبِقُ الْخَيْلَ أَمَامَ الْقَوْمِ يَرْشُقُهُمْ بِالنّبْلِ فَوَقَفُوا وَقْفَةً وَنَلْحَقُ بِهِمْ فَتَنَاوَشْنَا سَاعَةً وَأَحْمِلُ عَلَى حُبَيْبِ بْنِ عُيَيْنَةَ [ ص 546 ] بِالسّيْفِ فَأَقْطَعُ مَنْكِبَهُ الْأَيْسَرَ وَخَلّى الْعِنَانَ وَتَتَايَعَ فَرَسُهُ فَيَقَعُ لِوَجْهِهِ وَاقْتَحَمَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَأَخَذْت فَرَسَهُ . وَكَانَ شِعَارُنَا : أَمِتْ أَمِتْ وَقَدْ سَمِعْنَا فِي قَتْلِ حُبَيْبِ بْنِ عُيَيْنَةَ وَجْهًا آخَرَ . (1/545) فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ إنّ الْمُسْلِمِينَ لَمّا تَلَاحَقُوا هُمْ وَالْعَدُوّ وَقُتِلَ مِنْهُمْ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ وَخَرَجَ أَبُو قَتَادَةَ فِي وَجْهِهِ فَقَتَلَ أَبُو قَتَادَةَ مَسْعَدَةَ وَقُتِلَ أَوْثَارٌ وَعَمْرُو بْنُ أَوْثَارٍ قَتَلَهُمَا عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَإِنّ حُبَيْبَ بْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ عَلَى فَرَسٍ لَهُ هُوَ وَفَرَقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، قَتَلَهُمْ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو . قَالُوا : وَتَلَاحَقَ النّاسُ بِذِي قَرَدٍ ، وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ . فَحَدّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْقِبْلَةِ وَصَفّ طَائِفَةً خَلْفَهُ وَطَائِفَةً مُوَاجِهَةً الْعَدُوّ فَصَلّى بِالطّائِفَةِ الّتِي خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ وَأَقْبَلَ الْآخَرُونَ فَصَلّى بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ فَكَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَكْعَتَانِ وَلِكُلّ رَجُلٍ مِنْ الطّائِفَتَيْنِ رَكْعَةٌ . (1/545) حَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَبِي الرّجَالِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ مَعْمَرٍ قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذِي قَرَدٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً يَتَحَسّبُ الْخَبَرَ ، وَقَسَمَ فِي كُلّ مِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ جَزُورًا يَنْحَرُونَهَا ، وَكَانُوا خَمْسَمِائَةٍ وَيُقَالُ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ . قَالُوا : وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 547 ] عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . وَأَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ مِنْ قَوْمِهِ يَحْرُسُونَ الْمَدِينَةَ خَمْسَ لَيَالٍ حَتّى رَجَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعَثَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَحْمَالِ تَمْرٍ وَبِعَشَرَةِ جَزَائِرَ بِذِي قَرَدٍ . وَكَانَ فِي النّاسِ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ الْوَرْدُ وَكَانَ هُوَ الّذِي قَرّبَ الْجُزُرَ وَالتّمْرَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا قَيْسُ ، بَعَثَك أَبُوك فَارِسًا ، وَقَوّى الْمُجَاهِدِينَ وَحَرَسَ الْمَدِينَةَ مِنْ الْعَدُوّ اللّهُمّ ارْحَمْ سَعْدًا وَآلَ سَعْدٍ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الْمَرْءُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَتَكَلّمَتْ الْخَزْرَجُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ هُوَ بَيْتُنَا وَسَيّدُنَا وَابْنُ سَيّدِنَا كَانُوا يُطْعِمُونَ فِي الْمَحْلِ وَيَحْمِلُونَ الْكَلّ وَيَقْرُونَ الضّيْفَ وَيُعْطُونَ فِي النّائِبَةِ وَيَحْمِلُونَ عَنْ الْعَشِيرَةِ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خِيَارُ النّاسِ فِي الْإِسْلَامِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ إذَا فَقُهُوا فِي الدّينِ وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بِئْرِ هَمّ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا تُسَمّي بِئْرَ هَمّ ؟ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا وَلَكِنْ يَشْتَرِيهَا بَعْضُكُمْ فَيَتَصَدّقُ بِهَا . فَاشْتَرَاهَا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ فَتَصَدّقَ بِهَا . (1/547) حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ أَمِيرُ الْفُرْسَانِ الْمِقْدَادَ حَتّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذِي قَرَدٍ . حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبِيدِ اللّهِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ كَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ أَمِيرَ الْقَوْمِ [ ص 548 ] وَقَالَ لِحَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ : أَرَأَيْت حَيْثُ جَعَلْت الْمِقْدَادَ رَأْسَ السّرِيّةِ وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ اسْتَعْمَلَنِي عَلَى السّرِيّةِ وَإِنّك لَتَعْلَمُ لَقَدْ نَادَى الصّرِيخُ الْفَزَعَ فَكَانَ الْمِقْدَادُ أَوّلَ مَنْ طَلَعَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ امْضِ حَتّى تَلْحَقَك الْخُيُولُ . فَمَضَى أَوّلُ ثُمّ تَوَافَيْنَا بَعْدُ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ مَضَى الْمِقْدَادُ أَوّلَنَا ، فَاسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى السّرِيّةِ . فَقَالَ حَسّانٌ يَا ابْنَ عَمّ وَاَللّهِ مَا أَرَدْت إلّا الْقَافِيَةَ حَيْثُ قُلْت : غَدَاةَ فَوَارِسِ الْمِقْدَادِ . .. فَحَلَفَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ أَلّا يُكَلّمَ حَسّانًا أَبَدًا . وَالثّبْتُ عِنْدَنَا أَنّ أَمِيرَهُمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ . قَالَ وَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ أَقْبَلَتْ امْرَأَةُ أَبِي ذَرّ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَصْوَاءِ وَكَانَتْ فِي السّرْحِ فَكَانَ فِيهَا جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ فَكَانَ مِمّا تَخَلّصَهُ الْمُسْلِمُونَ فَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَتْهُ مِنْ أَخْبَارِ النّاسِ ثُمّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي نَذَرْت إنْ نَجَانِي اللّهُ عَلَيْهَا أَنْ أَنْحَرَهَا فَآكُلَ مِنْ كَبِدِهَا وَسَنَامِهَا . فَتَبَسّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ بِئْسَ مَا جَزَيْتهَا أَنْ حَمَلَك اللّهُ عَلَيْهَا وَنَجّاك ثُمّ تَنْحَرِينَهَا إنّهُ لَا نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللّهِ وَلَا فِيمَا لَا تَمْلِكِينَ إنّمَا هِيَ نَاقَةٌ مِنْ إبِلِي فَارْجِعِي إلَى أَهْلِك عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ (1/548) حَدّثَنِي فَائِدٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَلِيّ ، عَنْ جَدّتِهِ سَلْمَى ، قَالَتْ نَظَرْت إلَى لَقُوحٍ عَلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقَالُ لَهَا السّمْرَاءُ فَعَرَفْتهَا فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : [ ص 549 ] هَذِهِ لِقْحَتُك السّمْرَاءُ عَلَى بَابِك . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسْتَبْشِرًا ، وَإِذَا رَأْسُهَا بِيَدِ ابْنِ أَخِي عُيَيْنَةَ فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرَفَهَا ثُمّ قَالَ أَيْمَ بِك ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ . أَهْدَيْت لَك هَذِهِ اللّقْحَةَ . فَتَبَسّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَبَضَهَا مِنْهُ ثُمّ أَقَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمّ أَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِ أَوَاقٍ مِنْ فِضّةٍ فَجَعَلَ يَتَسَخّطُ . قَالَ . فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُثِيبُهُ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِك ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ وَهُوَ سَاخِطٌ عَلَيّ ثُمّ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ ثُمّ صَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنّ الرّجُلَ لَيُهْدِي لِي النّاقَةَ مِنْ إبِلِي أَعْرِفُهَا كَمَا أَعْرِفُ بَعْضَ أَهْلِي ، ثُمّ أُثِيبُهُ عَلَيْهَا فَيَظَلّ يَتَسَخّطُ عَلَيّ وَلَقَدْ هَمَمْت أَلّا أَقْبَلَ هَدِيّةً [ إلّا مِنْ قُرَشِيّ أَوْ أَنْصَارِيّ - وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ أَوْ ثَقَفِيّ أَوْ دَوْسِيّ ] . ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدٌ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ قَتَلَهُ مَسْعَدَةُ . وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَسْعَدَةُ بْنُ حَكَمَةَ قَتَلَهُ أَبُو قَتَادَةَ ; وَأَوْثَارٌ وَابْنُهُ عَمْرُو بْنُ أَوْثَارٍ قَتَلَهُمَا عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَحُبَيْبُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَتَلَهُ الْمِقْدَادُ . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ . .. (1/549) ================= سَرِيّةُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ إلَى الْغَمْرِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ سِتّ [ ص 550 ] حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ يُحَدّثُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمّدٍ يَقُولُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُكّاشَةَ بْنَ مِحْصَنٍ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا - مِنْهُمْ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ . وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ . فَخَرَجَ سَرِيعًا يُغِذّ السّيْرَ وَنَذَرَ الْقَوْمَ فَهَرَبُوا مِنْ مَائِهِمْ فَنَزَلُوا عَلْيَاءَ بِلَادِهِمْ فَانْتَهَى إلَى الْمَاءِ فَوَجَدَ الدّارَ خُلُوفًا ، فَبَعَثَ الطّلَائِعَ يَطْلُبُونَ خَبَرًا أَوْ يَرَوْنَ أَثَرًا حَدِيثًا ، فَرَجَعَ إلَيْهِ شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ رَأَى أَثَرَ نَعَمٍ قَرِيبًا ، فَتَحَمّلُوا فَخَرَجُوا حَتّى يُصِيبُوا رَبِيئَةً لَهُمْ قَدْ نَظَرَ لَيْلَتَهُ يَسْمَعُ الصّوْتَ فَلَمّا أَصْبَحَ نَامَ فَأَخَذُوهُ وَهُوَ نَائِمٌ فَقَالُوا : الْخَبَرَ عَنْ النّاسِ قَالَ وَأَيْنَ النّاسُ ؟ قَدْ لَحِقُوا بِعَلْيَاءِ بِلَادِهِمْ قَالُوا : فَالنّعَمُ ؟ قَالَ مَعَهُمْ . فَضَرَبَهُ أَحَدُهُمْ بِسَوْطٍ فِي يَدِهِ . قَالَ تُؤَمّنُنِي عَلَى دَمِي وَأُطْلِعُك عَلَى نَعَمٍ لِبَنِي عَمّ لَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِمَسِيرِكُمْ إلَيْهِمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَانْطَلَقُوا مَعَهُ فَخَرَجَ حَتّى أَمْعَنَ وَخَافُوا أَنْ يَكُونُوا مَعَهُ فِي غَدْرٍ فَقَرّبُوهُ فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَتَصْدُقَنّا أَوْ لَنَضْرِبَنّ عُنُقَك قَالَ تَطْلُعُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا الظّرَيْبِ . قَالَ فَأَوْفَوْا عَلَى الظّرَيْبِ فَإِذَا نَعَمٌ رَوَاتِعُ فَأَغَارُوا عَلَيْهِ فَأَصَابُوهُ وَهَرَبَتْ الْأَعْرَابُ فِي كُلّ وَجْهٍ وَنَهَى عُكّاشَةُ عَنْ الطّلَبِ وَاسْتَاقُوا مِائَتَيْ بَعِيرٍ فَحَدَرُوهَا إلَى الْمَدِينَةِ ، وَأَرْسَلُوا [ ص 551 ] الرّجُلَ وَقَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يُصَبْ مِنْهُمْ أَحَدٌ وَلَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا . (1/550) |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق