على عمرو إذا أمسيت يوما * وطرف من تذكره كليل (3/ 296)
|
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها للحارث بن هشام ؛
وقوله : " في جفر " عن غير ابن إسحاق .
|
*3*شعر أبي بكر بن الأسود في رثاء قتلى
قريش
|
@ قال ابن إسحاق : وقال أبو بكر بن الأسود
بن شعوب الليثي ، وهو شداد بن الأسود :
|
تحيي بالسلامة أم بكر * وهل لي بعد قومي من سلام
|
فماذا بالقليب قليب بدر * من القينات والشرب الكرام
|
وماذا بالقليب قليب بدر * من الشيزى تكلل بالسنام
|
وكم لك بالطوي طوي بدر * من الحومات والنعم المسام
|
وكم لك بالطوي طوي بدر * من الغايات والدسع العظام
|
وأصحاب الكريم أبي علي * أخي الكاس الكريم والندام
|
وإنك لو رأيت أبا عقيل * واصحاب الثنية من نعام
|
إذا لظللت من وجد عليهم * كأم السقب جائلة المرام
|
يخبرنا الرسول لسوف نحيا * وكيف لقاء أصداء وهام (3/ 297)
|
قال ابن هشام : أنشدني أبو عبيدة النحوي :
|
يخبرنا الرسول بأن سنحيا * وكيف حياة أصداء وهام
|
قال : وكان قد أسلم ثم ارتد .
|
*3*أمية بن أبي الصلت يرثي من أصيب من قريش
يوم بدر
|
@ وقال ابن إسحاق : وقال أمية بن أبي الصلت
، يرثي من أصيب من قريش يوم بدر :
|
ألا بكيت على الكرا * م بني الكرام أولي الممادح
|
كبكا الحمام على فرو * ع الأيك في الغصن الجوانح
|
يبكين حرى مستكينات * يرحن مع الروائح
|
أمثالهن الباكيات * المعولات من النوائح
|
من يبكهم يبك على * حزن ويصدق كل مادح
|
ماذا ببدر فالعقنل * من مرازبة جحاجح
|
فمدافع البرقين فالحنانا * من طرف الأواشح
|
شمط وشبان بها ليل * مغاوير وحاوح
|
ألا ترون لما أرى * وقد أبان لكل الامح
|
أن قد تغير بطن مكة * فهي موحشة الأباطح
|
من كل بطريق لبطريق * نقي اللون واضح (3/ 298)
|
دعموص أبواب الملوك * وجائب للخرق فاتح
|
من السراطمة الخلاجمة * الملاوثة المناجح
|
القائلين الفاعلين * الآمرين بكل صالح
|
المطعمين الشحم فوق * الخبز شحما كالأنافح
|
نقل الجفان مع الجفان * إلى جفان كالمناضح
|
ليست بأصفار لمن * يعفو ولا رح رحارح
|
للضيف ثم الضيف بعد * الضيف والبسط السلاطح
|
وهب المئين من المئين * إلى المئين من اللواقح
|
سوق المؤبل للمؤبل * صادرات عن بلادح
|
لكرامهم فوق الكرام * مزية وزن الرواجح
|
كتثاقل الأرطال بالقسطاس * في الأيدي الموائح
|
خذلتهم فئة وهم * يحمون عورات الفضائح
|
الضاربين التقدمية * بالمهندة الصفائح
|
ولقد عناني صوتهم * من بين مستسق وصائح (3/ 299)
|
لله در بني علي * أيم منهم وناكح
|
إن لم يغيروا غارة * شعواء تجحر كل نابح
|
بالمقربات المبعدات * الطامحات من الطوامح
|
مردا على جرد إلى * أسد مكالبة كوالح
|
ويلاق قرن قرنة * مشي المصافح للمصافح
|
بزهاء ألف ثم ألف * بين ذي بدن ورامح
|
قال ابن هشام : تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم . وأنشدني غير واحد من أهل العلم بالشعر بيته :
|
ويلاق قرن قرنه * مشي المصافح للمصافح
|
وأنشدني أيضاً * وهب المئين من المئين إلى المئين من اللواقح *
|
سوق المؤبل للمؤبل * صادرات عن بلادح
|
*3*شعر أمية في رثاء زمعة وقتلى بني أسد
|
@ قال ابن إسحاق : وقال أمية بن أبي الصلت
، يبكي زمعة بن الأسود ، وقتلى بني أسد :
|
عين بكي بالمسجلات أبا الحارث * لا تذخري على زمعة
|
وابكي عقيل بن أسود أسد البأس * ليوم الهياج والدفعة
|
تلك بنو أسد إخوة الجوزاء * لا خانة ولا خدعة (3/ 300)
|
هم الأسرة الوسيطة من كعب * وهم ذروة السنام والقمعه
|
أنبتوا من معاشر شعر الرأس * وهم ألحقوهم المنعة
|
أمسى بنو عمهم إذا حضر البأس * أكبادهم عليهم وجعة
|
وهم المطعمون إذا قحط القطر * وحالت فلا ترى قزعة
|
قال ابن هشام : هذه الرواية لهذا الشعر مختلطة ، ليست بصحيحة
البناء ، لكن أنشدني أبو محرز خلف الأحمر وغيره ، وروى بعض ما لم يرو بعض :
|
عين بكي بالمسبلات أبا الحراث * لا تذخري على زمعة
|
وعقيل بن اسود أسد البأس * ليوم الهياج والدفعة
|
فعلى مثل هلكهم خوت الجو * زاء لا خانة ولا خدعة
|
وهم الأسرة الوسيطة من كعب * وفيهم كذروة القمعة
|
أنبتوا من معاشر شعر الرأس * وهم ألحقوهم المنعة
|
فبنو عمهم إذا حضر البأس * عليهم أكبادهم وجعة
|
وهم المطعمون إذا قحط القطر * وحالت فلا ترى قزعة
|
*3*شعر معاوية بن زهير في يوم بدر
|
@ قال ابن إسحاق : وقال أبو أسامة معاوية
بن زهير بن قيس بن الحارث بن سعد بن ضبيعة بن مازن بن عدي بن جشم بن معاوية ،
حليف بني مخزوم .
|
قال ابن هشام : وكان مشركا وكان مر بهبيرة بن أبي وهب وهم منهزمون
يوم بدر ، وقد أعيا هبيرة ، فقام فألقى عنه درعه وحمله فمضى به ، قال ابن هشام :
وهذه أصح أشعار أهل بدر : (3/ 301)
|
ولما أن رأيت القوم خفوا وقد زالت نعامتهم لنفر
|
وأن تركت سراة القوم صرعى * كأن خيارهم أذباح عتر
|
وكانت جمة وافت حماما * ولقينا المنايا يوم بدر
|
نصد عن الطريق وأدركونا * كأن زهاءهم غطيان بحر
|
وقال القائلون من ابن قيس * فقلت : أبو أسامة ، غير فخر
|
أنا الجشمي كيما تعرفوني * أبين نسبتي نقرا بنقر
|
فإن تك في الغلاصم من قريش * فإني من معاوية بن بكر
|
فأبلغ مالكا لما غشينا * وعندك مال إن نبأت خبرى
|
وأبلغ إن بلغت المرء عنا * هبيرة وهو ذو علم وقدر
|
بأني إذ دعيت إلى أفيد * كررت ولم يضيق بالكر صدري
|
عشية لا يكر على مضاف * ولا ذي نعمة منهم وصهر
|
فدونكم بني لأي أخاكم * ودونك مالكا يا أم عمرو
|
فلولا مشهدي قامت عليه * موقفة القوائم أم أجري
|
دفوع للقبور بمنكبيها * كأن بوجهها تحميم قدر (3/ 302)
|
فأقسم بالذي قد كان ربي * وأنصاب لدى الجمرات مغر
|
لسوف ترون ما حسبي إذا ما تبدلت الجلود جلود نمر *
|
فما إن خادر من أسد ترج * مدل عنبس في الغيل مجري
|
فقد أحمى الأباءة من كلاف * فما يدنو له أحد بنقر
|
بخل تعجز الحلفاء عنه * يواثب كل هجهجة وزجر
|
بأوشك سورة منا إذا ما * حبوت له بقرقرة وهدر
|
ببيض كالأسنة مرهفات * كأن ظباتهن جحيم جمر
|
وأكلف مجنا من جلد ثور وصفراء البراية ذات أزر *
|
وأبيض كالغدير ثوى عليه * عمير بالمداوس نصف شهر
|
أرفل في حمائله وأمشي * كمشية خادر ليث سبطر
|
يقول لي الفتى سعد هديا * فقلت لعله تقريب غدر (3/ 303)
|
وقلت أبا عدي لا تطرهم * وذلك إن أطعت اليوم أمري
|
كدأبهم بفروة إذ أتاهم * فظل يقاد مكتوفا بضفر
|
قال ابن هشام : وأنشدني أبو محرز خلف الأحمر :
|
نصد عن الطريق وأدركونا كأن سراعهم تيار بحر *
|
وقوله : - مدل عنبس في الغيل مجري - عن غير ابن إسحاق
|
قال ابن إسحاق : وقال أبو أسامة أيضاً :
|
ألا من مبلغ عني رسولا * مغلغلة يثبتها لطيف
|
ألم تعلم مردي يوم بدر * وقد برقت بجنبيك الكفوف
|
وقد تركت سراه القوم صرعى * كأن رؤوسهم حدج نقيف
|
وقد مالت عليك ببطن بدر * خلاف القوم داهية خصيف
|
فنجاه من الغمرات عزمي * وعون الله والأمر الحصيف
|
ومنقلبي من الأبواء وحدي * ودونك جمع أعداء وقوف
|
وأنت لمن أرادك مستكين * بجنب كراش مكلوم نزيف (3/ 304)
|
وكنت إذا دعاني يوم كرب * من الأصحاب داع مستضيف
|
فأسمعني ولو أحببت نفسي * أخ في مثل ذلك أو حليف
|
أرد فأكشف الغمى وأرمي * إذا كلح المشافر والأنوف
|
وقرن قد تركت على يديه * ينوء كأنه غصن قصيف
|
دلفت له إذا اختلطوا بحرَّى * مسحسة لعاندها حفيف
|
فذلك كان صنعي يوم بدر * وقبل أخو مدارة عزوف
|
أخوكم في السنين كما علمتم * وحرب لا يزال لها صريف
|
ومقدام لكم لا يزدهيني * جنان الليل والأنس اللفيف
|
أخوض الصّرة الجمّاء خوضا * إذا ما الكلب ألجأه الشفيف
|
قال ابن هشام : تركت قصيدة لأبي أسامة على اللام ، ليس فيها ذكر
بدر إلا في أول بيت منها والثاني ، كراهة الإكثار .
|
*3*شعر لهند بنت عتبة تبكي أباها يوم بدر
|
@ قال ابن إسحاق : وقالت هند بنت عتبة بن
ربيعة تبكي أباها يوم بدر
|
أعينيَّ جوادا بدمع سرب * على خير خندف لم ينقلب
|
تداعى له رهطه غدوة * بنو هاشم وبنو المطلب
|
يذيقونه حد أسيافهم * يعلّونه بعد ما قد عطب (3/ 305)
|
يجرونه وعفير التراب * على وجهه عاريا قد سلب
|
وكان لنا جبلاً راسياً * جميل المرارة كثير العشب
|
وأما بري فلم أعنه * فأوتي من خير ما يحتسب
|
وقالت هند أيضاً :
|
يريب علينا دهرنا فيسوؤنا ويأبى فما نأتي بشيء يغالبه *
|
أبعد قتيل من لؤي بن غالب * يراع امرؤ إن مات أو مات صاحبه
|
ألا رب يوم قد رزئت مرزأً * تروح وتغدو بالجزيل مواهبه
|
فأبلغ أبا سفيان عني مألُكا * فإن ألقه يوما فسوف أعاتبه
|
فقد كان حرب يسعر الحرب إنه * لكل امرىء في الناس مولى يطالبه
|
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشهر ينكرها لهند .
|
قال ابن إسحاق : وقالت هند أيضاً :
|
لله عينا من رأى * هلكا كهلك رجاليه
|
يا رب باك لي غدا * في النائبات وباكيه
|
كما غادروا يوم القليب * غداة تلك الواعيه
|
من كل غيث في السنين * إذا الكواكب خاويه(3/ 306)
|
قد كنت أحذر ما أرى * فاليوم حق حذاريه
|
قد كنت أحذر ما أرى * فأنا الغداة مواميه
|
يا رب قائلة غدا * يا ويح أم معاويه
|
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لهند .
|
قال ابن إسحاق : وقالت هند أيضاً :
|
يا عين بكي عتبه * شيخا شديد الرقبة
|
يطعم يوم المسغبه * يدفع يوم المغلبه
|
إني عليه حربة * ملهوفة مستلبه
|
لنهبطن يثربه * بغارة منثعبة
|
فيها الخيول مقربه * كل جواد سلهبه
|
*3*شعر صفية بنت مسافر في رثاء أهل القليب
في بدر
|
@ وقالت صفية بنت مسافر بن أبي عمرو بن
أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، تبكي أهل القليب الذين أصيبوا يوم بدر من قريش :
( وتذكر مصابهم ) : (3/ 307)
|
يا من لعين قذاها عائر الرمد * حد النهار وقرن الشمس لم يقد
|
أُخبرت أن سراة الأكرمين معا * قد أحرزتهم مناياهم إلى أمد
|
وفر بالقوم أصحاب الركاب ولم * تعطف غداتئذ أم على ولد
|
قومي صفيَّ ولا تنسَي قرابتهم * وإن بكيت فما تبكين من بُعُد
|
كانوا سقوب سماء البيت فانقصفت * فأصبح السُمْك منها غير ذي عمد
|
قال ابن هشام : قال أنشدني بيتها : " كانوا سقوب " بعض
أهل العلم بالشعر .
|
قال ابن إسحاق : وقالت صفية بنت مسافر أيضاً :
|
ألا يا من لعين * للتَّـبكِّي دمعها فان
|
كغَرْبىَ دالج يسقي * خلال الغيث الدان
|
وما ليثُ غريف ذو * أظافير وأسنان
|
أبو شبلين وثاب * شديد البطش غرثان
|
كحبي إذ تولى * و وجوه القوم ألوان
|
وبالكف حسام صا * رم أبيض ذكران
|
وأنت الطاعن النجلا * ء منها مزبدٌ آن (3/ 308)
|
قال ابن هشام : ويروون قولها : " وما ليث غريف " إلى
أخرها ، مفصولا من البيتين اللذين قبله .
|
*3*رثاء هند بنت أثاثة بن عباد بن المطلب
لعبيدة بن الحارث
|
@ قال ابن إسحاق : وقالت هند بنت أثاثة بن
عباد بن المطلب ترثي عبيدة بن الحارث بن المطلب :
|
لقد ضمن الصفراء مجدا وسؤددا * وحلما أصيلا وافر اللب والعقل
|
عبيدة فابكيه لأضياف غربة * وأرملة تعوي تهوى لأشعث كالجذل
|
وبكيه للأقوام في كل شتوة * إذا احمر آفاق السماء من المحل
|
وبكيه للأيتام والريح زفرة * وتشبيب قدر طالما أزبدت تَغْلى
|
فإن تصبح النيران قد مات ضوؤها * فقد كان يذكيهن بالحطب الجزل
|
لطارق ليل أو لملتمس القرى * ومستنبح أضحى لديه على رسل
|
قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لهند .
|
*3*شعر قتيلة بنت الحارث تبكي أخاها النضر
|
@ قال ابن إسحاق : وقالت قتيلة بن الحارث ،
أخت النضر بن الحارث ، تبكيه : (3/ 309)
|
يا راكبا إن الأثيل مظنة * من صبح خامسة وأنت موفق
|
أبلغ بها ميتا بأن تحية * ما إن تزال بها النجائب تخفق
|
مني إليك وعبرة مسفوحة * جادت بواكفها وأخرى تخنق
|
هل يسمعني النضر إن ناديته * أم كيف يسمع ميت لا ينطق
|
أمحمد يا خير ضنْءِ كريمة * في قومها والفحل فحل معرق
|
ما كان ضرك لو مننت وربما * منَّ الفتى وهو المغيط المحنق
|
أو كنت قابل فدية فلينفقن * بأعز ما يلغو به ما ينفق
|
فالنضر أقرب من أسرت قرابة * وأحقهم إن كان عتق يعتق
|
ظلت سيوف بني أبيه تنوشه * لله أرحام هناك تشقق
|
صبرا يقاد إلى المنية متعبا * رسف المقيد وهُوعانٍ موثق
|
قال ابن هشام : فيقال ، والله أعلم : إن رسول الله صلى الله عليه
وسلم لما بلغه هذا الشعر ، قال : لو بلغني هذا قبل قتله لمننت عليه .
|
*3*تاريخ الفراغ من بدر
|
@ قال ابن إسحاق : وكان فراغ رسول الله صلى
الله عليه وسلم من بدر في عقب شهر رمضان أو في شوال .
|
*2*غزوة بني سليم بالكدر
|
@ قال ابن إسحاق : فلما قدم ( رسول الله
صلى الله عليه وسلم )لم يقم بها إلا سبع ليال (حتى ) غزا بنفسه ، يريد بن سليم .
(3/ 310)
|
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة سباع بن عُرفطة الغفاري ، أو
ابن أم مكتوم .
|
قال ابن إسحاق : فبلغ ماء من مياهم ، يقال له : الكدر ، فأقام
عليه ثلاث ليال ثم رجع إلا المدينة ، ولم يلق كيدا ، فأقام بها بقية شوال وذا
القعدة ، وأفدى في إقامته تلك جل الأسارى من قريش .
|
*2*غزوة السويق
|
*3*اعتداء أبي سفيان وخروج الرسول خلفه
|
@ قال : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام :
قال : حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال : ثم غزا
أبو سفيان بن حرب غزوة السويق في ذي الحجة ، وولىَّ تلك الحجة المشركون من تلك
السنة ، فكان أبو سفيان كما حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، ويزيد بن رومان ،
ومن لا أتهَّم ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، وكان من أعلم الأنصار ، حين رجع
إلى مكة ، ورجع فل قريش من بدر ، نذر أن لايمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو محمدا
صلى الله عليه وسلم ، فخرج (3/ 311) في مئتي ركاب من قريش ، ليبر يمينه ، فسلك
النجدية ، حتى نزل بصدر قناة إلى جبل يقال له : ثيب ، من المدينة على بريد أو
نحوه ، ثم خرج من الليل ، حتى أتى بني النضير تحت الليل ، فأتى حيي بن أخطب ،
فضرب عليه بابه ، فأبى أن يفتح له بابه وخافه ، فانصرف عنه إلى سلام بن مشكم ،
وكان سيد بني النضير في زمانه ذلك ، وصاحب كنزهم ، فاستأذن عليه ، فأذن له ،
فقراه وسقاه ، وبطن له من خبر الناس ، ثم خرج في عقب ليلته حتى أتى أصحابه ،
فبعث رجالا من قريش إلى المدينة ، فأتوا ناحية منها ، يقال لها : العريض ،
فحرقوا في أصوار من نخل بها ، ووجدوا بها رجلا من الأنصار وحليفا له في حرث لهما
، فقتلوهما ، ثم انصرفوا راجعين ، ونذر بهم الناس .فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم في طلبهم ، واستعمل على المدينة بشير بن عبدالمنذر ، وهو أبو لبابة ، فيما
قال ابن هشام : حتى بلغ قرقرة الكدر ثم انصرف راجعا ، وقد فاته أبو سفيان
وأصحابه ، وقد رأوا أزواداً من أزواد القوم قد طرحوها في الحرث يتخففون منها
للنجاء ، فقال المسلمون ، حين رجع بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول
الله ، أتطمع لنا أن تكون غزوة ؟ قال : نعم .
|
*3*سبب تسمية هذه الغزوة باسمها
|
@ قال ابن هشام : وإنما سميت غزوة السويق ،
فيما حدثني أبو عبيدة : أن أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق ، فهجم المسلمون
على سويق كثير ، فسميت غزوة السويق . (3/ 312)
|
*3*ما قاله أبو سفيان شعرا في هذه الغزوة
|
@ قال ابن اسحاق : وقال أبو سفيان بن حرب
عند منصرفه ، لما صنع به سلام بن مشكم :
|
وإني تخيرت المدينة واحدا * لحلف فلم أندم ولم أتلوم
|
سقاني فرواني كُميتا مدامة * على عجل مني سلام بن مشكم
|
ولما تولى الجيش قلت ولم أكن * لأفرحه : أبشر بعز ومغنم
|
تأمل فإن القوم سر وإنهم * صريح لؤي لا شماطيط جرهم
|
وما كان إلا بعض ليلة راكب * أتى ساعيا من غير خلة معدم
|
*2*غزوة ذي أمر
|
@ فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم
من غزوة السويق ، أقام بالمدينة بقية ذي الحجة أو قريبا منها ، ثم غزا نجدا ،
يريد غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ، واستعمل على المدينة عثمان بن عفان ، فيما قال
ابن هشام .
|
قال ابن إسحاق : فأقام بنجد صفْراً كله أو قريبا من ذلك ، ثم رجع
إلى المدينة ، ولم يلق كيدا . فلبث بها شهر ربيع الأول كله ، أو إلا قليلا منه .
(3/ 313)
|
*2*غزوة الفرع من بحران
|
@ ثم غزا ( رسول الله صلى الله عليه وسلم )
يريد قريشا ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام .
|
قال ابن إسحاق : حتى بلغ بحران ، معدنا بالحجاز من ناحية الفرع ،
فأقام بها شهر ربيع الآخر وجمادى الأولى ، ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيدا ،
|
*2*أمر بني قينقاع
|
*3*ما قاله لهم الرسول صلى الله عليه وسلم
وردهم عليه
|
@ قال وقد كان فيما بين ذلك ، من غزو رسول
الله صلى الله عليه وسلم أمر بني قينقاع ، وكان من حديث بني قينقاع أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم جمعهم بسوق ( بني قينقاع ) ثم قال : يا معشر يهود ، احذروا
من الله مثل ما نزل بقريش من النقمة ، وأسلموا ، فإنكم قد عرفتم أني نبي مرسل ،
تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم ؛ قالوا : يا محمد ، إنك ترى أنا قومك ! لا
يغرنك أنك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب ، فأصبت منهم فرصة ، إنا والله لئن
حاربناك لتعلمن أنا نحن الناس . (3/ 314)
|
*3*ما نزل فيهم من القرآن
|
@ قال ابن إسحاق : فحدثني مولى لآل زيد بن
ثابت عن سعيد بن جبير ، أو عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : ما نزل هؤلاء الآيات
إلا فيهم : " قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد ، قد
كان لكم آية في فئتين التقتا " : أي أصحاب بدر من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وقريش " فئة تقاتل في سبيل الله ، وأخرى كافرة يرونهم مثليهم
رأي العين ، والله يؤيد بنصره من يشاء ، إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار "
|
*3*بنو قينقاع أول من نقض عهده صلى الله
عليه وسلم
|
@ قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن
قتادة : أن بني قينقاع كانوا أول يهود نقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله
عليه وسلم وحاربوا فيما بين بدر وأحد .
|
*3*سبب حرب المسلمين إياهم
|
@ قال ابن هشام وذكر عبدالله بن جعفر بن
المسور بن مخرمة ، عن أبي عون ، قال : كان من أمر بني قينقاع أن امرأة من العرب
قدمت بجلب لها ، فباعته بسوق بني قينقاع ، وجلست إلى صائغ بها ، فجعلوا يُريدونها
على كشف وجهها ، فأبت ، فعمد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها ، فلما قامت
انكشفت سوءتها ، فضحكوا بها ، فصاحتْ . فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله ،
وكان يهوديا ، وشدت اليهود على المسلم فقتلوه ، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على
اليهود ، فغضب المسلمون ، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع . (3/ 315)
|
*3*تدخل ابن أُبيّ في شأنهم معه صلى الله
عليه وسلم
|
@ قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن
قتادة ، قال : فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا على حكمه ، فقام
إليه عبدالله بن أبي بن سلول ، حين أمكنه الله منهم ، فقال : يامحمد ، أحسن في
موالي ، وكانوا حلفاء الخزرج ، قال : فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
فقال : يا محمد ، أحسن في موالي ، قال : فأعرض عنه . فأدخل يده في جيب درع رسول
الله صلى الله عليه وسلم .
|
قال ابن هشام : وكان يقال لها ذات الفضول .
|
قال ابن إسحاق : فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلني
، وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأوا لوجهه ظُللا ، ثم قال : ويحك
أرسلني ؛ قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي ، أربعمائة حاسر وثلاثمائة
دارع قد منعوني من الحمر والأسود ، تحصدهم في غداة واحدة ، إني والله امرؤ أخشى
الدوائر ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هم لك .
|
*3*مدة حصار بني قينقاع
|
@ قال ابن هشام : واستعمل رسول الله صلى
الله عليه وسلم على المدينة في محاصرته إياهم بشير بن عبدالمنذر ، وكانت محاصرته
إياهم خمس عشرة ليلة .(3/ 316)
|
*3*خلع ابن الصامت بني قينقاع وما نزل فيه
من القرآن وفي ابن أبي
|
@ قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن
يسار ، عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت ، قال : لما حاربت بنو قينقاع
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تشبث بأمرهم عبدالله بن أبي بن سلول ، وقام
دونهم . ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أحد بني
عوف ، لهم من حلفه مثل الذي لهم من عبدالله بن أبي ، فخلعهم إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وتبرأ إلى الله عز وجل ، إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من
حلفهم ، وقال : يا رسول الله أتولى الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ،
وأبرأ من حلف هؤلاء الكفار وولايتهم ، قال : ففيه وفي عبدالله بن أبي نزلت هذه
القصة من المائدة " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء
بعضهم أولياء بعض ، ومن يتولهم منكم فإنه منهم ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين
. فترى الذين في قلوبهم مرض " أي لعبدالله بن أبي ، وقوله : إني أخشى
الدوائر " يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي
بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. ويقول الذين
آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم " ، ثم القصة إلى قوله تعالى
" إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا ، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون
الزكاة وهم راكعون " وذكر لتولي عبادة بن الصامت الله ورسوله والذين آمنوا
، وتبرئه من بني قينقاع وحلفهم وولايتهم : " ومن يتولى الله ورسوله والذين
آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون " (3/ 317)
|
*2*سرية زيد بن حارثة إلى القردة
|
*3*زيد بن حارثة يصيب العير
|
@ قال ابن إسحاق : وسرية زيد بن حارثة التي
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، حين أصاب عير قريش ، وفيها أبو سفيان
بن حرب على القردة ، ماء من مياه نجد . وكان من حديثها : أن قريشا خافوا طريقهم
الذي كانوا يسلكون إلى الشام ، حين كان من وقعة بدر ما كان ، فسلكوا طريق العراق
، فخرج منهم تجار ، فيهم : أبو سفيان بن حرب ، ومعه فضة كثيرة ، وهي عظم تجارتهم
، واستأجروا رجلا من بني بكر بن وائل ، يقال له : فرات بن حيان يدلهم في ذلك على
الطريق .
|
قال ابن هشام : فرات بن حيان ، من بني عجل ، حليف لبني سهم .
|
قال ابن إسحاق : وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة
فلقيهم على ذلك الماء ، فأصاب تلك العير وما فيها ، وأعجزه الرجال ، فقدم بها
على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
|
*3*ما قاله حسَّان في هذه الغزوة
|
@ فقال حسَّان بن ثابت بعد أحد في غزوة بدر
الآخرة يؤنب قريشا لأخذهم تلك الطريق :
|
دعوا فلجات الشام قد حال دونها * جلاد كأفواه المخاض الأوارك
|
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم * وأنصاره حقا وأيدي الملائك
|
(3/ 318)
|
إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا لها ليس الطريق هنالك
|
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في أبيات لحسَّان بن ثابت ، نقضها
عليه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، وسنذكرها ونقيضتها إن شاء الله في
موضعها .
|
*2*مقتل كعب بن الأشرف
|
*3*استنكاره ما فعله المسلمون بقريش في بدر
|
@ قال ابن إسحاق : وكان من حديث كعب بن
الأشرف : أنه لما أصيب أصحاب بدر ، وقدم زيد بن حارثة إلى أهل السافلة ،
وعبدالله بن رواحة إلى أهل العالية بشيرين ، بعثهما رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى من بالمدينة من المسلمين بفتح الله عز وجل عليه ، وقتل من قتل من
المشركين ، كما حدثني عبدالله بن المغيث بن أبي بردة الظفري ، وعبدالله بن أبي
بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، وعاصم بن عمر بن قتادة ، وصالح بن أبي أمامة بن
سهل ، كل قد حدثني بعض حديثه ، قالوا : قال كعب بن الأشرف ، وكان رجلاً من طيىء
، ثم أحد بني نبهان ، وكانت أمه من بني النضير ، هذان حين بلغه الخبر : أحق هذا
؟ أترون محمدا قتل هؤلاء الذين يسمي هذان الرجلان - يعني زيدا وعبدالله بن رواحة
- فهؤلاء أشراف العرب وملوك الناس ، والله لئن كان محمد أصاب هؤلاء القوم ، لبطن
الأرض خير من ظهرها .(3/ 319)
|
*3*ما قاله كعب تحريضا على رسول الله صلى
الله عليه وسلم
|
@ فلما تيقن عدو الله الخبر ، خرج حتى قدم
مكة ، فنزل على المطلب بن أبي وداعة بن ضبيرة السهمي ، وعنده عاتكة بنت أبي
العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، فأنزلته وأكرمته ، وجعل يحرض على رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وينشد الأشعار ، ويبكي أصحاب القليب من قريش ، الذين
أصيبوا ببدر ، فقال :
|
طحنت رحى بدر لمهلك أهله * ولمثل بدر تستهل وتدمع
|
قتلت سراة الناس حول حياضهم * لا تبعدوا إن الملوك تصرع
|
كم قد أصيب به من أبيض ماجد * ذي بهجة يأوي إليه الضُيَّع
|
طلق اليدين إذا الكواكب أخلفت * حمال أثقال يسود ويربع
|
ويقول أقوام أُسرُّ بسخطهم * إن ابن الاشرف ظل كعبا يجزع
|
صدقوا فليت الأرض ساعة قتِّلوا * ظلت تسوخ بأهلها وتصدَّع
|
صار الذي أثر الحديث بطعنه * أو عاش أعمى مرعشا لا يسمع
|
نبئت أن بني المغيرة كلهم * خشعوا لقتل أبي الحكيم وجُدعوا
|
وابنا ربيعة عنده ومنبه * ما نال مثل المهلكين وتبع
|
نبئت أن الحارث بن هشامهم * في الناس يبني الصالحات ويجمع
|
ليزور يثرب بالجموع وإنما * يحمى على الحسب الكريم الأروع
|
قال ابن هشام : قوله " تبع "، "وأسر بسخطهم
". عن غير ابن إسحاق .
|
*3*ما رد عليه حسَّان رضي الله عنه
|
@ قال ابن إسحاق : فأجابه حسَّان بن ثابت
الأنصاري ، فقال :
|
(3/ 320)
|
أبكي لكعب ثم عل بعبرة * منه وعاش مجدعا لا يسمع
|
ولقد رأيت ببطن بدر منهم * قتلى تسح لها العيون وتدمع
|
فابكي فقد أبكيت عبدا راضعا * شبه الكليب إلى الكليبة يتبع
|
ولقد شفى الرحمن منا سيدا * وأهان قوما قاتلوه وصرعوا
|
ونجا وأفلت منهم من قبله * شغف يظل لخوفه يتصدع
|
قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان . وقوله :
"أبكى لكعب "عن غير ابن إسحاق .
|
*3*ما ردت به امرأة من المسلمين على كعب
|
@ قال ابن إسحاق : وقالت امرأة من المسلمن
من بني مُريد ، بطن من بلى ، كانوا حلفاء في بني أمية بن زيد ؛ يقال لهم
الجعادرة ، تجيب كعبا - قال ابن إسحاق : اسمها ميمونة بنت عبدالله ، وأكثر أهل
العلم بالشعر ينكر هذه الأبيات لها ، وينكر نقيضتها لكعب بن الأشرف :
|
تحننَ هذا العبد كل تحنن * يبكى على قتلى وليس بناصب
|
بكت عين من يبكي لبدر وأهله * وعلَّت بمثليها لؤي بن غالب
|
فليت الذين ضُرِّجوا بدمائهم * يرى ما بهم من كان بين الأخاشب
|
فيعلم حقا عن يقين ويبصروا * مجرهم فوق اللحى والحواجب
|
*3*ما أجابها به كعب بن الأشرف
|
@ فأجابها كعب بن الأشرف ، فقال : (3/ 321)
|
ألا فازجروا منكم سفيها لتسلموا * عن القول يأتي منه غير مقارب
|
أتشتمني أن كنت أبكي بعبرة * لقوم أتاني ودهم غير كاذب
|
فإني لباك ما بقيت وذاكر * مآثر قوم مجدهم بالجباجب
|
لعمري لقد كانت مريد بمعزل * عن الشر فاحتالت وجوه الثعالب
|
فحق مريد أن تجد أنوفهم * بشتمهم حيي لؤي بن غالب
|
وهبت نصيبي من مريد لجعدر * وفاء وبيت الله بين الخاشب
|
*3*تشبيب كعب بنساء المسلمين والحيلة في
قتله
|
@ ثم رجع كعب بن الأشرف إلى المدينة فشبب
بنساء المسلمين حتى آذاهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كما حدثني
عبدالله بن المغيث بن أبي بردة ، من لي بابن الأشرف ؟ فقال له محمد بن مسلمة ،
أخو بني عبدالأشهل ، أنا لك به يا رسول الله ، أنا أقتله ؛ قال : فافعل إن قدرت
على ذلك .
|
فرجع محمد بن مسلمة فمكث ثلاثا لا يأكل ولا يشرب إلا ما يعلق به
نفسه ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدعاه ، فقال له : لم تركت
الطعام والشراب ؟ فقال : يا رسول الله قلت لك قولا لا أدري هل أفين لك به أم لا
؟ فقال : إنما عليك الجهد ، فقال : يا رسول الله إنه لا بد لنا من أن نقول : قال
: قولوا ما بدا لكم ،
|
(3/ 322) فأنتم في حل من ذلك . فاجتمع في
قتله محمد بن مسلمة ، وسلكان ابن سلامة بن وقش ، وهو أبو نائلة أحد بني
عبدالأشهل ، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة ، وعباد بن بشر بن وقش ، أحد بني
عبدالأشهل ، والحارث بن أوس بن معاذ ، أحد بني عبدالأشهل ، وأبو عبس بن جبر ،
أحد بني حارثة .
|
ثم قدموا إلى عدو الله كعب بن الأشرف ، قبل أن يأتوه ، سلكان ابن
سلامة ، أبا نائلة ، فجاءه ، فتحدث معه ساعة ، وتناشدوا شعرا ، وكان أبو نائلة
يقول الشعر ، ثم قال : ويحك يابن الأشرف ! إني قد جئتك لحاجة أريد ذكرها لك ،
فاكتم عني ؛ قال : افعل ، قال : كان قدوم هذا الرجل علينا بلاء من البلاء ، عادتنا
به العرب ، ورمتنا عن قوس واحدة ، وقلعت عنا السبل حتى ضاع العيال ، وجهدت
الأنفس ، وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا ؛
|
قال كعب : أنا ابن الأشرف ، أما والله لقد كنت أخبرك يابن سلامة
، إن الأمر سيصير إلى ما أقول ، فقال له سلكان : إني قد أردت أن تبيعنا طعاما
ونرهنك ونوثق لك ، ونحسن في ذلك ؛ فقال : اترهنوني أبناءكم؟ قال : لقد أردت أن
تفضحنا ، إن معي أصحابا لي على مثل رأي ، وقد أردت أن آتيك بهم ، فتبيعهم وتحسن
في ذلك ، ونرهنك في الحلقة ما فيه وفاء ، وأراد سلكان أن لا ينكر السلاح إذا
جاءوا بها؛ قال : إن في الحلقة لوفاء ؛
|
قال فرجع سلكان إلى أصحابه فأخبرهم خبره ، وأمرهم أن يأخذوا
السلاح ، ثم ينطلقوا فيجتمعوا إليه ، فاجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
.(3/ 323)
|
قال ابن هشام : ويقال : أترهنوني نساءكم ؟ قال : كيف نرهنك
نساءنا وأنت أشب أهل يثرب وأعطرهم ، قال : أترهنوني أبناءكم ؟
|
قال ابن إسحاق : فحدثني ثور بن يزيد ، عن عكرمة عن ابن عباس قال
:
|
مشى معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بقيع الغرقد ، ثم
وجههم ، فقال : انطلقوا على اسم الله ؛ اللهم أعنهم ، ثم رجع رسول الله صلى الله
عليه وسلم إلى بيته ، وهو في ليلة مقمرة ، وأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه ، فهتف
به أبو نائلة ، وكان حديث عهد بعرس ، فوثب في ملحفته ، فأخذته امراته بناحيتها ،
وقالت : إنك امرؤ محارَب ، وإن أصحاب الحرب لا ينزلون في هذه الساعة ، قال : إنه
أبو نائلة ، لو وجدني نائما لما أيقظني ، فقالت : والله إني لأعرف في صوته الشر
، قال : يقول لها كعب : لو يدعى الفتى لطعنة لأجاب .
|
فنزل فتحدث معهم ساعة ، وتحدثوا معه ، ثم قال : هل لك يا بن
الأشرف أن تتماشى إلىالشعب العجور، فنتحدث به بقية ليلتنا هذه ؟ قال : إن شئتم .
فخرجوا يتماشون ، فمشوا ساعة ، ثم إن أبا نائلة شام يده في فود رأسه ، ثم شم يده
فقال : ما رأيت كالليلة (3/ 324) طيبا أعطر قط ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها
حتى اطمأن ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد لمثلها ، فأخذ بفود رأسه ، ثم قال : اضربوا
عدو الله ، فضربوه فاختلف عليه أسيافهم ، فلم تغن شيئا .
|
قال محمد بن مسلمة : فذكرت مغولا في سيفي ، حين رأيت أسيافنا لا
تغني شيئا ، فأخذته ، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا وقد أوقدت
عليه نار ، قال : فوضعته في ثنته ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ، فوقع عدو الله
وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ ، فجرح في رأسه أو في رجله ، أصابه بعض أسيافنا
. قال : فخرجنا حتى سلكنا على بني أمية بن زيد ، ثم على بني قريظة ، ثم على بعاث
، حتى أسندنا في حرة العريض ، وقد أبطأ علينا صاحبنا الحارث بن أوس ، ونزَّفه
الدم ، فوقفنا له ساعة ، ثم أتانا يتبع آثارنا .
|
قال : فاحتملناه فجئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر
الليل ، وهو قائم يصلي ، فسلمنا عليه ، فخرج إلينا ، فأخبرناه بقتل عدو الله ،
وتفل على جرح صاحبنا ، فرجع ورجعنا إلى أهلنا ، فأصبحنا وقد خافت يهود لوقعتنا
بعدو الله ، فليس بها يهدوي إلا وهو يخاف على نفسه .
|
*3*ما قاله كعب بن مالك في هذه الحادثة
|
@ قال ابن إسحاق : فقال كعب بن مالك : (3/
325)
|
فغودر منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير
|
على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور
|
بأمر محمد إذ دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير
|
فما كره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور
|
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له في يوم بني النضير ،
سأذكرها إن شاءالله في حديث ذلك اليوم .
|
*3*ما قاله حسَّان في هذه الحادثة
|
@ قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت
يذكر قتل كعب بن الأشرف وقتل سلام بن أبي الحقيق :
|
لله در عصابة لاقيتهم يابن الحقيق وأنت يابن الأشرف *
|
يسرون بالبيض الخفاف إليكم مرحا كأسد في عين مغرف *
|
حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكم حتفا ببيض ذفَّف
|
مستنصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لكل أمر مجحف
|
قال ابن هشام : وسأذكر قتل سلاَّم بن أبي الحقيق في موضعه إن شاء
الله .
|
وقوله : "ذفَّف "، عن غير ابن إسحاق (3/ 326)
|
*2*أمر محيصة وحويصة
|
*3*لوم حويصة لأخيه محيصة لقتله يهوديا ثم
إسلامه
|
@ قال ابن إسحاق : وقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه ) فوثب محيصة بن مسعود .
|
قال ابن هشام : محيصة ويقال محيصة بن مسعود بن كعب بن عامر بن
عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرح بن عمرو بن مالك بن الأوس - على ابن
شنينة -
|
قال ابن هشام : ويقال شنينة - رجل من تجار يهود ،كان يلابسهم
ويبايعهم فقتله وكان حويصة بن مسعود إذ ذاك لم يسلم ، وكان أسن من محيصة ، فلما
قتله جعل حويصة يضربه ، ويقول أي عدو الله ،أقتلته ؟ أما والله لرب شحم في بطنك
من ماله .
|
قال محيصة : فقلت : والله لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك
لضربت عنقك ، قال : فوالله إن كان لأول الإسلام حويصة قال : آولله لو أمرك محمد
بقتلي لقتلتني ؟ قال : نعم ، والله لو أمرني بضرب عنقك لضربتها ! قال : والله إن
دينا بلغ بك هذا لعجب ، فأسلم حويصة ،
|
*3*ما قاله محيصة في ذلك شعرا
|
@ قال ابن إسحاق : حدثني هذا الحديث مولى
لبني حارثة ، عن ابنة محيصة ، عن أبيها محيصة .
|
قال محصية في ذلك : (3/ 327)
|
يلوم ابن امي لو أمرت بقتله * لطبّقت ذفراه بأبيض قاضب
|
حسام كلون الملح أُخلص صقله * متى ما أصوّبه فليس بكاذب
|
وما سرني أني قتلتك طائعا * وأن لنا ما بين بصرى ومأرب
|
*1*المجلد الرابع
|
*2*[تابع: أمر محيصة وحويصة]
|
*3*رواية أخرى في قتل محيصة اليهودي
|
@ قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة عن أبي
عمرو المدني ، قال لما ظفر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة أخذ منهم
نحو من أربعمائة رجل من اليهود ، وكانوا حلفاء الأوس على الخزرج ، فأمر رسول
الله صلى الله عليه وسلم بأن تضرب أعناقهم ، فجعلت الخزرج تضرب أعناقهم ويسرهم
ذلك ، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخزرج ووجوههم مستبشرة ، ونظر إلى
الأوس فلم ير ذلك فيهم ، فظن أن ذلك للحلف الذي بين الأوس وبين بني قريظة ، ولم
يكن بقي من بني قريظة إلا اثنا عشر رجلا فدفعهم إلى الأوس ، فدفع إلى كل رجلين
من الأول رجلا من بين قريظة وقال : ليضرب فلان وليذفّف فلان فكان ممن دفع إليهم
كعب بن يهوذا ، وكان عظيما في بني قريظة فدفعه إلى محيصة بن مسعود وإلى أبي بردة
بن نيّار - وأبو بردة الذي رخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يذبح جذعا
من المعز في الأضحى - وقال ليضربه محيصة وليذفف عليه أبو بردة ،فضربه ضربة لم
تقطع ، وذفف أبو بردة فأجهز عليه ، فقال حويصة : - وكان كافراً - لأخيه محيصة :
أقتلت كعب بن يهوذا ؟ قال : نعم ، فقال حويصة ، أما والله لرب شحم قد نبت في
بطنك (4/ 4) من ماله ، إنك للئيم يا محيصة ، فقال له محيصة : لقد أمرني بقتله من
لو أمرني بقتلك لقتلتك فعجب من قوله ثم ذهب عنه متعجباً . فذكروا أنه جعل يتيقظ
من الليل ، فيعجب من قول أخيه محيصة . حتى أصبح وهو يقول : والله إن هذا لدين .
ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم ،فقال محيصة في ذلك أبياتا قد كتبناها .
|
*3*المدة بين قدوم الرسول بحران وغزوة أحد
|
@ قال ابن إسحاق : وكانت إقامة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، بعد قدومه من نجران ، جمادى الآخرة ورجبا وشعبان وشهر
رمضان ، وغزته قريش غزوة أحد في شوال ، سنة ثلاث .
|
*2*غزوة أحد
|
*3*من حدث ابن إسحاق بغزوة أحد
|
@ وكان من حديث أحد ، كما حدثني محمد بن
مسلم الزهري ، ومحمد بن يحيى بن حبان وعاصم بن عمر بن قتادة والحصين بن
عبدالرحمن بن عمر بن سعد بن معاذ ، وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد حدث بعض الحديث
عن يوم أحد ، وقد اجتمع حديثهم كله فيما سقت من هذا الحديث عن يوم أحد قالوا ،
أومن قال منهم :
|
*3*قريش تجمع المال لحرب النبي صلى الله
عليه وسلم وأصحابه
|
@ لما أصيب يوم بدر من كفار قريش أصحاب
القليب ، ورجع فلُّهم إلى مكة ورجع أبو سفيان بن حرب بعيره ، مشى عبدالله بن أبي
ربيعة ، وعكرمة بن أبي جهل ، وصفوان بن أمية ، في رجال من قريش ، ممن أصيب
آباؤهم وإخوانهم يوم بدر ، فكلموا أبا سفيان بن حرب ومن كانت له في تلك العير من
قريش تجارة ، فقالوا : يا معشر قريش ، إن محمدا قد وتركم ، وقتل خياركم ،
فأعينونا بهذا المال على حربه ، فعلَّنا ندرك منه ثأرنا بمن أصاب منّا ، ففعلوا.
(4/ 6)
|
*3*ما نزل فيهم من القرآن
|
@ قال ابن إسحاق : ففيهم ، كما ذكر لي بعض
أهل العلم ، أنزل الله تعالى : " إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن
سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون ، والذين كفروا إلى جهنم
يحشرون "
|
*3*اجتماع قريش للحرب
|
@ فاجتمعت قريش لحرب رسول الله صلى الله
عليه وسلم حين فعل ذلك أبو سفيان بن حرب ، وأصحاب العير بأحأبيشها ، ومن أطاعها
من قبائل كنانة ، وأهل تهامة ، وكان أبو عّزة عمرو بن عبدالله الجمحي قد منّ
عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وكان فقيرا ذا عيال وحاجة وكان في
الأسارى فقال : إني فقير ذو عيال وحاجة قد عرفتها فامنن علي صلى الله عليك وسلم
، فمنّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له صفوان بن أمية يا أبا عزة إنك
امرؤ شاعر فأعنا بلسانك فأخرج معنا ،فقال : إن محمداً قد منّ علي فلا أريد أن
أظاهر عليه ، قال بلى فأعنا بنفسك فلك الله علي إن رجعت أن أغنيك ، وإن أصبت أن
أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما أصابهن من عسر ويسر ، فخرج أبو عزة في تهامة
ويدعو بني كنانة ويقول :
|
أيها بني عبد مناة الرُزَّام * أنتم حماة وأبوكم حام
|
لا تعدوني نصركم بعد العام * لا تسلموني لا يحلُّ إسلام
|
وخرج مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح إلى بني مالك بن
كنانة يحرضهم ويدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
|
يا مال ، مال الحسب المقدَّم * أنشد ذا القربى وذا التّذمُّم (4/
7)
|
من كان ذا رحم ومن لم يرحم * الحلف وسط البلد المحّرم
|
عند حطيم الكعبة المعظم
|
ودعا جبير بن مطعم غلامًا له حبشيًا يقال له : وحشي يقذف بحربة
له قذف الحبشة ، قلما يخطئ بها ، فقال له : أخرج مع الناس فإن أنت قتلت حمزة عمّ
محمد بعمّي طعيمة بن عدي ،فأنت عتيق .
|
*3*خروج قريش ومن معها
|
@ فخرجت قريش بحدّها وجدّها وحديدها
وأحأبيشها ،ومن تابعها من بني كنانة وأهل تهامة ،وخرجوا معهم الظعن ،التماس
الحفيظة ،وألا يفروا . فخرج أبو سفيان بن حرب ، وهو قائد الناس . بهند بنة عتبة
وخرج عكرمة بن أبي جهل بأم حكيم بنت الحارث بن هشام بن المغيرة وخرج الحارث بن
هشام بن المغيرة ، بفاطمة بنت الوليد بن المغيرة ، وخرج صفوان بن أمية ببرزة بنت
مسعود بن عمر بن عمير الثقفية ، وهي أم عبدالله بن صفوان بن أمية .
|
قال ابن هشام : ويقال رقيّة .
|
قال ابن إسحاق : وخرج عمرو بن العاص بريطة بنت منبه بن الحجاج ،
وهي أم عبدالله بن عمرو ، وخرج طلحة بن أبي طلحة وأبو طلحة عبدالله بن عبدالعزى
بن عثمان بن عبدالدار بسلافة بنت سعد بن شهيد الأنصارية ، وهي أم بني طلحة :
مسافع والجلاس وكلاب ، قتلوا يومئذهم وأبوهم ، وخرجت خناس بنت مالك بن المضرب ،
إحدى (4/ 8) نساء بني مالك بن حسل مع ابنها أبي عزيز بن عمير ، وهي أم مصعب بن
عمير ، وخرجت عمرة بنت علقمة إحدى نساء بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، وكانت
هند بنت عتبة كلما مرت بوحشي أو مر بها ، قالت : ويها أبا دسمة اشف واستشف ،
وكان وحشي يكنى بأبي دسمة ، فأقبلوا حتى نزلوا بعينين ، بجبل ببطن السبخة ، من
قناة على شفير الوادي ، مقابل المدينة .
|
*3*رؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومشاورته القوم
|
@ قال : فلما سمع بهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، والمسلمون قد نزلوا حيث نزلوا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
للمسلمين : إني قد رأيت والله خيرا ، رأيت بقرا ، ورأيت في ذباب سيفي ثلما ،
ورأيت أني أدخلت يدي في درع حصينة ، فأولتها المدينة .
|
قال ابن هشام : وحدثني بعض أهل العلم ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : رأيت بقرا لي تذبح ، قال : فأما البقر فهي ناس من أصحابي يقتلون
، وأما الثلم الذي رأيت في ذباب سيفي فهو رجل من أهل بيتي يقتل .
|
*3*مطالبة بعض المسلمين للخروج لملاقاة
الكفار خارج المدينة
|
@ قال ابن إسحاق : فإن رأيتم أن تقيموا
بالمدينة وتدعوهم حيث نزلوا ، (4/ 9) فإن أقاموا أقاموا بشرِّ مقام ، وإن هم
دخلوا علينا قاتلناهم فيها ، وكان رأي عبدالله بن أبي بن سلول مع رأي رسول الله
صلى الله عليه وسلم يرى رأيه في ذلك ، وألا يخرج إليهم ، وكان رسول الله صلى
الله عليه وسلم يكره الخروج ، فقال رجال من المسلمين ، ممن أكرم الله بالشهادة
يوم أحد وغيره ، ممن كان فاته بدر : يا رسول الله اخرج بنا إلى أعدائنا ، لا
يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا ، فقال عبدالله بن أبي ابن سلول : يا رسول الله ، أقم
بالمدينة لا نخرج إليهم ، فوالله ما خرجنا منها إلى عدو لنا قط إلا أصاب منَّا ،
ولا دخلها علينا إلا أصبنا منهم ، فدعهم يا رسول الله ، فإن أقاموا أقاموا بشر
محبس ، وإن دخلوا قاتلهم الرجال في وجوههم ، ورماهم النساء والصبيان بالحجارة من
فوقهم ، وإن رجعوا رجعوا خائبين كما جاءوا .
|
فلم يزل الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم الذين كان من أمرهم
حب لقاء القوم ، حتى دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته ، فلبس لأْمته ،
وذلك يوم الجمعة حين فرغ من الصلاة . وقد مات في ذلك اليوم رجل من الأنصار يقال
له : مالك بن عمرو ، أحد بني النجار ، فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ثم خرج عليهم ، وقد ندم الناس ، وقالوا : استكرهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولم يكن لنا ذلك . فلما خرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالوا : يا
رسول الله : استكرهناك ولم يكن ذلك لنا ، فإن شئت فاقعد صلى الله عليك ، فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها
حتى يقاتل " فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألف من أصحابه .
|
قال ابن هشام : واستعمل ابن أم مكتوم على الصلاة بالناس .
|
*3*انخذال المنافقين
|
@ قال ابن إسحاق : حتى إذا كانوا بالشوط
بين المدينة وأحد انخذل عنه عبدالله بن أبي بن سلول بثلث الناس ، (4/ 10) وقال :
أطاعهم وعصاني ، ما ندري علام نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس ، فرجع بمن اتبعه من
قومه من أهل النفاق والريب ، واتبعهم عبدالله بن عمرو بن حرام ، أخو بني سلمة ،
يقول : يا قوم أذكركم الله ألا تخذلوا قومكم ونبيكم عندما حضر من عدوهم ، فقالوا
: لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسلمناكم ، ولكنا لا نرى أنه يكون قتال .
|
قال فلما استعصوا عليه وأبوا إلا الانصراف عنهم ، قال : أبعدكم
الله أعداء الله فسيغني الله عنكم نبيه .
|
قال ابن هشام : وذكر غير زياد ، عن محمد بن إسحاق عن الزهري : أن
الأنصار يوم أحد ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ألا
نستعين بحلفائنا من يهود ؟ فقال : " لا حاجة لنا فيهم " .
|
*3*ما تفاءل به رسول الله صلى الله عليه
وسلم
|
@ قال زياد : حدثني محمد بن إسحاق ، قال :
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك في حرة بني حارثة ، فذبَّ فرسه بذنبه
، فأصاب كَلاَّب سيف فاستلَّه .
|
قال ابن هشام : ويقال كِلابُ سيف .
|
قال ابن إسحاق : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان يحب
الفأل ولا يعاتف - لصاحب السيف : شِم سيفك ، فإني أرى السيوف ستسل اليوم . (4/
11)
|
*3*ما فعله مربع المنافق حين سلك المسلمون
حائطه
|
@ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأصحابه : مَن رجل يخرج بنا على القوم من كثب - أي من قرب - من طريق لا يمر بنا
عليهم ؟ فقال أبو خيثمة أخو بني حارثة بن الحارث : أنا يا رسول الله . فنفذ به
في حرة بني حارثة ، وبين أموالهم ، حتى سلك في مال لمربع بن قيظي ، وكان رجلا
منافقا ضرير البصر ، فلما سمع حِس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من
المسلمين ، قام يحثي في وجوههم التراب ، ويقول : إن كنت رسول الله ، فإني لا أحل
لك أن تدخل حائطي . وقد ذكر لي أنه أخذ حفنة من تراب في يده ، ثم قال : والله لو
أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربت بها وجهك .
|
فابتدره القوم ليقتلوه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لا تقتلوه ، فهذا الأعمى أعمى القلب ، أعمى البصر " وقد بدر إليه
سعد بن زيد أخو بني عبدالأشهل ، قبل نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه ،
فضربه بالقوس في رأسه فشجه .
|
*3*نزول الرسول بأحد
|
@ قال : ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
حتى نزل الشعب من أحد ، في عدوة الوادي إلى الجبل ، فجعل ظهره وعسكره إلى أحد ،
وقال " لا يقاتلن أحد منكم حتى نأمره بالقتال " وقد سرَّحت قريش الظهر
والكراع ، في زروع كانت بالصمغة من قناة للمسلمين ، فقال رجل من الأنصار حين نهى
رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القتال : أترعى زروع بني قيلة ، ولمَّا نضارب ؟
وتعبىَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (4/ 12) للقتال .
|
وهو في سبعمائة رجل ، وأمَّر على الرماة عبدالله بن جبير ، أخا
بني عمرو بن عوف ، وهو مُعلم يومئذ بثياب بيض ، والرماة خمسون رجلا فقال ،
" انضح الخيل عنا بالنبل ، لا يأتونا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا ،
فاثبت مكانك لا نؤتين من قبلك " وظاهر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين
درعين ، ودفع اللواء إلى مصعب بن عمير أخي بني عبدالدار .
|
*3*الرسول يجيز من هم في سن الخامسة عشرة
ومن لم يجزهم الرسول
|
@ قال ابن هشام : وأجاز رسول الله صلى الله
عليه وسلم يومئذ سمرة بن جندب الفزاري ، ورافع بن خديج ، أخا بني حارثة ، وهما
ابنا خمس عشرة سنة ، وكان قد ردهما ، فقيل له : يا رسول الله إن رافعا رامٍ فأجازه
، فلما أجاز رافعا قيل له : يا رسول الله فإن سمرة يصرع رافعا ، فأجازه .
|
وردَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم : أسامة بن زيد ، وعبدالله
بن عمر بن الخطاب ، وزيد بن ثابت ، أحد بني مالك بن النجار ، والبراء بن عازب ،
أحد بني حارثة ، وعمرو بن حزم أحد بني مالك بن النجار ، وأسيد بن ظهير أحد بني
حارثة ، ثم أجازهم يوم الخندق ، وهم أبناء خمس عشرة سنة .(4/ 13)
|
قال ابن إسحاق : وتعبأت قريش ، وهم ثلاثة آلاف رجل ، ومعهم مئتا
فرس قد جنبوها ، فجعلوا على ميمنة الخيل خالد بن الوليد ، وعلى ميسرتها عكرمة بن
أبي جهل ،
|
*3*أبو دجانة وشجاعته
|
@ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من
يأخذ هذا السيف بحقه ؟ فقام إليه رجال ، فأمسكه عنهم ؛ حتى قام إليه أبو دجانة
سماك بن خرشة ، أخو بني ساعدة ، فقال : وما حقه يا رسول الله ؟ قال : أن تشرب به
العدو حتى ينحني ؛ قال : أنا آخذه يا رسول الله بحقه ، فأعطاه إياه .
|
وكان أبو دجانة رجلا شجاعا يختال عند الحرب ، إذا كانت ، وكان
إذا أعلم بعصابة له حمراء ، فاعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل ، فلما أخذ السيف
من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أخرج عصابته تلك ، فعصب بها رأسه ، وجعل
يتبختر بين الصفين .
|
قال ابن إسحاق : فحدثني جعفر بن عبدالله بن أسلم ، مولى عمر بن
الخطاب ، عن رجل من الأنصار من بني سلمة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، حين رأى أبا دجانة يتبختر : إنها لمشية يبغضها الله ، إلا في مثل هذا
الموطن .
|
*3*أمر أبي عامر الفاسق
|
@ قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن
قتادة : أن أبا عامر ، عبد عمرو بن صيفي بن مالك بن النعمان ، أحد بني ضبيعة ،
وقد كان خرج حين خرج إلى مكة مباعدا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، معه خمسون
غلاما من الأوس ، وبعض الناس كان يقول : كانوا خمسة عشر رجلا ، وكان يعد قريشا
أن لو قد لقي قومه لم يختلف عليه منهم رجلان ؛ فلما التقى الناس كان أول من
لقيهم أبو عامر في الأحأبيش وعبدان أهل مكة ، فنادى : يا معشر الأوس ، أنا (4/
14) أبو عامر ؛ قالوا : فلا أنعم الله بك عينا يا فاسق - وكان أبو عامر يسمى في
الجاهلية : الراهب ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم : الفاسق - فلما سمع
ردهم عليه قال : لقد أصاب قومي بعدي شر ، ثم قاتلهم قتالا شديدا ، ثم راضخهم
بالحجارة .
|
*3*أبو سفيان وامرأته يحرضان قريشا
|
@ قال ابن إسحاق : وقد قال أبو سفيان
لأصحاب اللواء من بني عبدالدار يحرضهم بذلك على القتال : يا بني عبدالدار ، إنكم
قد وليتم لواءنا يوم بدر ، فأصابنا ما قد رأيتم ، وإنما يؤتى الناس من قبل
راياتهم إذا زالت زالوا ، فإما أن تكفونا لواءنا ، وإما أن تخلوا بيننا وبينه
فنكفيكموه ، فهموا به وتواعدوه ، وقالوا : نحن نسلم إليك لواءنا ستعلم غدا إذا
التقينا كيف نصنع وذلك أراد أبو سفيان
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق