الخميس، 3 مايو 2018

14 الروض الأنف ج6 /14. أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ


أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلُ النّاسِ قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ عَرَفْت عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَنَادَيْت بِأَعْلَى صَوْتِي : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا ، هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَنْصِتْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَضُوا بِهِ وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوُ الشّعْبِ ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَرَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
قَتْلُ الرّسُولِ لِأُبَيّ بْنِ خَلَفٍ
( قَالَ ) : فَلَمّا أَسْنَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الشّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ أَيْ مُحَمّدُ لَا نَجَوْت إنْ نَجَوْت ، فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنّا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " دَعُوهُ " فَلَمّا دَنَا ، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِيمَا ذُكِرَ لِي : فَلَمّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ ثُمّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا . [ ص 270 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَدَأْدَأَ يَقُولُ تَقَلّبَ عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، يَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذرةٍ أَقْتُلُك عَلَيْهِ . فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ أَنَا أَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللّهُ فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدّمُ فَقَالَ قَتَلَنِي وَاَللّهِ مُحَمّدٌ قَالُوا لَهُ ذَهَبَ وَاَللّهِ فُؤَادُك وَاَللّهِ إن بِك مِنْ بَأْسٍ قَالَ إنّهُ قَدْ كَانَ قَالَ لِي بِمَكّةَ أَنَا أَقْتُلُك ، فَوَاَللّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي . فَمَاتَ عَدُوّ اللّهِ بِسَرِفِ وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّةَ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
لَقَدْ وَرِثَ الضّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ ... أُبَيّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرّسُولُ
أَتَيْت إلَيْهِ تَحْمِلُ رِمّ عَظْمٍ ... وَتُوعِدُهُ وَأَنْتَ بِهِ جَهُولُ
وَقَدْ قَتَلَتْ بَنُو النّجّارِ مِنْكُمْ ... أُمَيّةَ إذْ يَغُوثُ يَا عَقِيلُ
وَتَبّ ابْنَا رَبِيعَةَ إذْ أَطَاعَا ... أَبَا جَهْلٍ لَأُمّهِمَا الْهُبُولُ
وَأَفْلَتْ حَارِثٌ لَمّا شَغَلْنَا ... بِأَسْرِ الْقَوْمِ أُسْرَتُهُ فَلَيْلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُسْرَتُهُ قَبِيلَتُهُ . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا فِي ذَلِكَ
أَلَا مَنْ مُبَلّغٌ عَنّي أُبَيّا ... لَقَدْ أَلْقَيْت فِي سُحْقِ السّعِيرِ
تَمَنّى بِالضّلَالَةِ مِنْ بِعِيدِ ... وَتُقْسِمُ إنْ قَدَرَتْ مَعَ النّذُورِ
تَمَنّيك الْأَمَانِي مِنْ بِعِيدِ ... وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ
فَقَدْ لَاقَتْك طَعْنَةُ ذِي حِفَاظٍ ... كَرِيمِ الْبَيْتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ
لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ طُرّا ... إذَا نَابَتْ مُلِمّاتُ الْأُمُورِ
Sقَتْلُ الرّسُولِ لِأُبَيّ بْنِ خَلَفٍ
فَصْلٌ
[ ص 269 ] وَذَكَرَ قَتْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأُبَيّ وَفِيهِ تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُر الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ . الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ صَغِيرٌ لَهُ لَدْغٌ تَقُولُ الْعَرَبُ فِي أَمْثَالِهَا : قِيلَ لِلذّئْبِ مَا تَقُولُ فِي غَنِيمَةٍ تَحْرُسُهَا جُوَيْرِيَةُ ؟ قَالَ شُحَيْمَةُ فِي حَلْقِي ، قِيلَ فَمَا تَقُولُ فِي غَنِيمَةٍ يَحْسُرُهَا غُلَيْمٌ ؟ قَالَ شَعْرَاءُ فِي إبْطِي أَخْشَى خُطُوَاتِهِ الْخُطُوَاتُ سِهَامٌ مِنْ قُضْبَانٍ لَيّنَةٍ يَتَعَلّمُ بِهَا الْغِلْمَانُ الرّمْيَ وَهِيَ الْجُمّاحُ أَيْضًا قَالَ الشّاعِرُ
أَصَابَتْ حَبّةَ الْقَلْبِ ... بِسَهْمِ غَيْرَ جُمّاحِ
مِنْ كِتَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَاهُ الْقُتَبِيّ تَطَايُرَ الشّعَرِ وَقَالَ هِيَ جَمْعُ شَعْرَاءَ وَهِيَ ذُبَابٌ أَصْغَرُ مِنْ الْقَمَعِ وَفِي الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ فَزَجَلَهُ بِالْحَرْبَةِ أَيْ رَمَاهُ بِهَا . [ ص 270 ]
انْتِهَاءُ الرّسُولِ إلَى الشّعْبِ
[ ص 271 ] قَالَ ) : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى فَمِ الشّعْبِ خَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، حَتّى مَلَأ دَوْقَتَهُ مَاءً مِنْ الْمِهْرَاسِ ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَهُ لَهُ رِيحًا ، فَعَافَهُ فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدّمَ وَصَبّ عَلَى رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ نَبِيّهِ
حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا حَرَصْت عَلَى قَتْلِ رَجُلٍ قَطّ كَحِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، وَإِنْ كَانَ مَا عَلِمْت لَسَيّئَ الْخُلُقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ وَلَقَدْ كَفَانِي مَعَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ رَسُولِهِ
حَوْلَ عَيْنِ قَتَادَةَ
[ ص 271 ] وَذَكَرَ قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَخُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ لِأُمّهِ وَهُوَ الرّجُلُ الّذِي سَمِعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَقْرَأُ { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ } يُرَدّدُهَا ، فَقَالَ وَجَبَتْ وَحَدِيثُهُ فِي الْمُوَطّأِ وَذَكَرَ أَنّ عَيْنَهُ أُصِيبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ . رَوَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ أُصِيبَتْ عَيْنُ رَجُلٍ مِنّا يَوْمَ أُحُدٍ ، وَهُوَ قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ إنّ لِي امْرَأَةً أُحِبّهَا ، وَأَخْشَى إنْ رَأَتْنِي أَنْ تَقْذَرَنِي ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِيَدِهِ وَرَدّهَا إلَى مَوْضِعِهَا ، وَقَالَ اللّهُمّ اكْسِبْهُ جَمَالًا فَكَانَتْ أَحَسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدّهُمَا نَظَرًا ، وَكَانَتْ لَا تَرْمَدُ إذَا رَمِدَتْ الْأُخْرَى " ، وَقَدْ وَفَدَ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللّهُ - رَجُلٌ مِنْ ذُرّيّتِهِ فَسَأَلَهُ عُمَرُ مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ
أَنَا ابْنُ الّذِي سَالَتْ عَلَى الْخَدّ عَيْنُهُ ... فَرُدّتْ بِكَفّ الْمُصْطَفَى أَيّمَا رَدّ
فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لِأَوّلِ أَمْرِهَا ... فَيَا حُسْنَ مَا عَيْنٍ وَيَا حُسْنَ مَا خَدّ
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءِ فَعَادَا بَعْدُ أَبْوَالَا
[ ص 272 ] وَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَيْنَيْهِ جَمِيعًا سَقَطَتَا ، فَرَدّهُمَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رَوَاهُ مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ [ أَبُو مَرْوَانَ الْأُمَوِيّ ] عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَخِيهِ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ قَالَ أُصِيبَتْ عَيْنَايَ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَسَقَطَتَا عَلَى وَجْنَتِي ، فَأَتَيْت بِهِمَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَعَادَهُمَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَكَانَهُمَا ، وَبَصَقَ فِيهِمَا فَعَادَتَا تَبْرُقَانِ [ ص 273 ] قَالَ الدّارَقُطْنِيّ : هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ عَنْ مَالِكٍ تَفَرّدَ بِهِ عَمّارُ بْنُ نَضْرٍ وَهُوَ ثِقَةٌ وَرَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيّ عَنْ عَمّارِ بْنِ نَصْرٍ [ السّعْدِيّ أَبُو يَاسِرٍ الْمَرْوَزِيّ ] .
صُعُودُ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ وَقِتَالُ عُمَرَ لَهُمْ
[ ص 272 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالشّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ عَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَانَ عَلَى تِلْكَ الْخَيْلِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَعْلُونَا فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ حَتّى أَهْبَطُوهُمْ مِنْ الْجَبَلِ .
ضَعْفُ الرّسُولِ عَنْ النّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى صَخْرَةٍ مِنْ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا ، وَقَدْ كَانَ بَدّنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْهَضَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، فَنَهَضَ بِهِ حَتّى اسْتَوَى عَلَيْهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الزّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ أَوْجَبَ طَلْحَةُ حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَبْلُغْ الدّرَجَةَ الْمَبْنِيّةَ فِي الشّعْبِ
صَلَاةُ الرّسُولِ قَاعِدًا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى الظّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ الّتِي أَصَابَتْهُ وَصَلّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا
مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ وَقْشٍ
[ ص 273 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ النّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إلَى الْمُنَقّى ، دَوّنَ الْأَعْوَصِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، قَالَ [ ص 274 ] لَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، رَفَعَ حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانِ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ لَا أَبَا لَك ، مَا تَنْتَظِرُ ؟ فَوَاَللّهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمُرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد ، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا ، ثُمّ نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهُ يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا ، حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ وَلَمْ يُعْلَمْ بِهِمَا ، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَبِي ، فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنْ عَرَفْنَاهُ وَصَدَقُوا . قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدِيَهُ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَزَادَهُ ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا
Sحَوْلَ نَسَبِ حُذَيْفَةَ الْيَمَانِيّ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ وَالْوَقْشُ الْحَرَكَةُ وَحُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ وَالِدُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَسُمّيَ حُسَيْلَ بْنَ جَابِرٍ الْيَمَانِيّ لِأَنّهُ مِنْ وَلَدِ جِرْوَةِ بْنِ مَازِنِ بْنِ قُطَيْعَةَ بْنِ عَبْسِ [ بْنِ بَغِيضٍ ] وَكَانَ جِرْوَةُ قَدْ بَعُدَ عَنْ أَهْلِهِ فِي الْيَمَنِ زَمَنًا طَوِيلًا ، ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَسَمّوْهُ الْيَمَانِيّ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ اللّهِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أُمّهُ الرّبَابُ بِنْتُ كَعْبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ يَعْنِي الْيَمَانِيّ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ . وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبّاسٍ : إنّ الّذِي قَتَلَهُ مِنْهُمْ خَطَأً هُوَ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخُو عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَجَدّ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ الْفَقِيهِ ذَكَرَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي التّفْسِيرِ وَعُتْبَةُ هُوَ أَوّلُ مَنْ سَمّى الْمُصْحَفَ مُصْحَفًا ، فِيمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي الْجَامِعِ .
الْهَامَةُ وَالظّمْءُ
وَقَوْلُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَحُسَيْلٍ إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمَ أَوْ غَد ، يُرِيد : الْمَوْتَ وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الْمَيّتِ أَنّ رُوحَهُ تَصِيرُ هَامَةً وَلِذَلِكَ قَالَ الْآخَرُ وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
وَقَوْلُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِنَا إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ . إنّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنّ الْحِمَارَ أَقْصَرُ الدّوَابّ ظِمْئًا ، وَالْإِبِلُ أَطْوَلُهَا إظْمَاءً .
مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ أَبِيهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ لَهُ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ الدّارِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لَهُ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّةِ ، قَالَ وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ عَسَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ فَقَالَ بِأَيّ شَيْءٍ تُبَشّرُونَهُ ؟ بِجَنّةِ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ نَفْسِهِ .
مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدّثَ الرّسُولُ بِذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتِيّ لَا يَدْرِي مِمّنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إذَا ذُكِرَ لَهُ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ ، قَالَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ ذَا بَأْسٍ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إلَى دَارِ بَنِي ظَفَرَ ، قَالَ فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ وَاَللّهِ لَقَدْ أَبْلَيْت الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ ، فَأَبْشِرْ قَالَ بِمَاذَا أَبْشِرْ ؟ فَوَاَللّهِ إنْ قَاتَلْت إلّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي ، وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا قَاتَلْت . قَالَ فَلَمّا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُ
Sحَوْلَ بَعْضِ رِجَالِ أُحُدٍ
[ ص 274 ] وَذَكَرَ قُزْمَانَ ، وَهُوَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَزَمِ وَهُوَ رُذَالُ الْمَالِ وَيُقَالُ الْقُزْمَانُ الرّدِيءُ مِنْ كُلّ شَيْءٍ . وَذَكَرَ الْأُصَيْرِمَ ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ ، وَيُقَالُ فِيهِ وَقَشٌ بِتَحْرِيكِ الْقَافِ . وَقَوْلُ حَاطِبٍ الْمُنَافِقِ الْجَنّةُ مِنْ حَرْمَلٍ يُرِيدُ الْأَرْضَ الّتِي دُفِنَ فِيهَا وَكَانَتْ تُنْبِتُ الْحَرْمَلَ أَيْ لَيْسَ لَهُ جَنّةٌ إلّا ذَاكَ . [ ص 275 ]
قَتْلُ مُخَيْرِيقٍ
[ ص 275 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ مُخَيْرِيقٌ ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ ، قَالُوا : إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ . فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدّتَهُ وَقَالَ إنْ أُصِبْت فَمَالِي لِمُحَمّدِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ ثُمّ غَدَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتّى قُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنَا : مُخَيْرِيقٌ خَيْرُ يَهُودَ
أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْد
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد بْنِ صَامِتٍ مُنَافِقًا ، فَخَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا عَلَى الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ بَنِي ضُبَيْعَةَ فَقَتَلَهُمَا ، ثُمّ لَحِقَ بِمَكّةَ بِقُرَيْشِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا يَذْكُرُونَ قَدْ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَانَ بِمَكّةَ ثُمّ بَعَثَ إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى قَوْمِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ فِيمَا بَلَغَنِي ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
تَحْقِيقُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قَتَلَ الْمُجَذّرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ وَلَمْ يَقْتُلْ قَيْسَ بْنَ زَيْدٍ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي قَتْلَى أُحُدٍ ، وَإِنّمَا قَتَلَ الْمُجَذّرَ لِأَنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْن الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِ الْمَدِينَةِ ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُضَرّجَانِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَيُقَالُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ . [ ص 276 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ سُوَيْد بْنَ الصّامِتِ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ .
أَمْرُ أُصَيْرِمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَقُولُ حَدّثُونِي عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ قَطّ ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النّاسُ سَأَلُوهُ مَنْ هُوَ ؟ فَيَقُولُ أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ . قَالَ الْحُصَيْنُ فَقُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ أَسَدٍ : كَيْفَ كَانَ شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ ؟ قَالَ كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمٌ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، بَدَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَعَدَا حَتّى دَخَلَ فِي عُرْضِ النّاسِ فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ . قَالَ فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ مَا جَاءَ بِهِ ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَأَنّهُ لَمُنْكِرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ فَقَالُوا : مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو ؟ أَحَدَبٌ عَلَى قَوْمِك أَمْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ بَلْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْت ، ثُمّ أَخَذْت سَيْفِي ، فَغَدَوْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَاتَلْت حَتّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي ، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ . فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ .
مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ الْعَرَجِ ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلُ الْأُسْدِ يَشْهَدُونَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَشَاهِدَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّ اللّهَ [ ص 277 ] عَزّ وَجَلّ قَدْ عَذَرَك ، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَك فِيهِ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَك اللّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك ، وَقَالَ لِبَنِيهِ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَمْنَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ .
Sابْنُ الْجَمُوحِ
فَصْلٌ
[ ص 276 ] وَذَكَرَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ حِينَ أَرَادَ بَنُوهُ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ لَمّا خَرَجَ قَالَ اللّهُمّ لَا تَرُدّنِي ، فَاسْتُشْهِدَ فَجَعَلُوهُ بَنُوهُ عَلَى بَعِيرٍ لِيَحْمِلُوهُ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِمْ الْبَعِيرُ فَكَانَ إذَا وَجّهُوهُ إلَى كُلّ جِهَةٍ سَارَعَ إلّا جِهَةِ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يَأْبَى الرّجُوعَ إلَيْهَا ، فَلَمّا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ذَكَرُوا قَوْلَهُ اللّهُمّ لَا تَرُدّنِي إلَيْهَا ، فَدَفَنُوهُ فِي مَصْرَعِهِ .
هِنْدُ وَتَمْثِيلُهَا بِحَمْزَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، وَالنّسْوَةُ اللّاتِي مَعَهَا ، يُمَثّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُجَدّعْنَ الْآذَانَ وَالْأُنُفَ حَتّى اتّخَذَتْ هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرّجَالِ وَأُنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا ، غُلَامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ فَلَاكَتْهَا ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا ، فَلَفَظَتْهَا ، ثُمّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى صَوْتهَا فَقَالَتْ
نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ ... وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتُ سُعْرِ
مَا كَانَ عَنْ عُتْبَةَ لِي مِنْ صَبْرِ ... وَلَا أَخِي وَعَمّهِ وَبَكْرِي
شَفَيْت نَفْسِي وَقَضَيْت نَذْرِي ... شَفَيْت وَحْشِيّ غَلِيلَ صَدْرِي
فَشُكْرُ وَحْشِيّ عَلَيّ عُمْرِي ... حَتّى تُرَمّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي
شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرّدّ عَلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ
فَأَجَابَتْهَا هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عُبّادِ بْنِ الْمُطَلّبِ فَقَالَتْ [ ص 278 ]
خَزِيت فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرٍ ... يَا بِنْت وَقّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ
صَبّحَك اللّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ ... مِلْهاشِمِيّينِ الطّوّالِ الزّهْرِ
بِكُلّ قُطّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي ... حَمْزَةُ لَيْثِيٌ وَعَلِيّ صَقْرِيّ
إذَا رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوك غَدْرِي ... فَخَضْبًا مِنْهُ ضَوَاحِي النّحْرِ
وَنَذْرُك السّوءُ فَشَرّ نَذْرٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ أَقَذَعَتْ فِيهَا .
شِعْرٌ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ أَيْضًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ أَيْضًا :
شَفَيْت مِنْ حَمْزَةَ نَفْسِي بِأُحُدْ ... حَتّى بَقَرْت بَطْنَهُ عَنْ الْكَبِدْ
أَذَهَبَ عَنّي ذَاكَ مَا كُنْت أَجِدْ ... مِنْ لَذْعَةِ الْحُزْنِ الشّدِيدِ الْمُعْتَمِدْ
وَالْحَرْبُ تَعْلُوكُمْ بِشُؤْبُوبٍ بَرِدْ ... تُقْدِمُ إقْدَامًا عَلَيْكُمْ كَالْأَسَدِ
تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسّانَ عَلَى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَنّهُ حَدّثَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ يَا ابْنَ الْفُرَيْعَةِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُنَيْسٍ وَيُقَالُ خُنَيْسُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَان بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ لَوْ سَمِعْت مَا تَقُولُ هِنْدٌ ، وَأَرَيْت أَشِرَهَا قَائِمَةً عَلَى صَخْرَةٍ تَرْتَجِزُ بِنَا ، وَتَذْكُرُ مَا صَنَعَتْ بِحَمْزَةِ ؟ قَالَ لَهُ حَسّانُ وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى الْحَرْبَةِ تَهْوِي وَأَنَا عَلَى رَأْسٍ فَارِعٍ يَعْنِي أُطُمَهُ فَقُلْت : وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَسِلَاحَ مَا هِيَ بِسِلَاحِ الْعَرَبِ ، وَكَأَنّهَا إنّمَا تَهْوِي إلَى حَمْزَةَ وَلَا أَدْرِي ، لَكِنْ أَسْمِعْنِي بَعْضَ قَوْلِهَا أَكْفِكُمُوهَا ، قَالَ فَأَنْشَدَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بَعْضَ مَا قَالَتْ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
أَشِرَتْ لَكَاعُ وَكَانَ عَادَتُهَا ... لُؤْمًا إذَا أَشَرَتْ مَعَ الْكُفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ تَرَكْنَاهَا ، وَأَبْيَاتًا أَيْضًا لَهُ عَلَى الدّالِ . وَأَبْيَاتًا أُخَرُ عَلَى الذّالِ لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا .
اسْتِنْكَارُ الْحُلَيْسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ
[ ص 279 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ الْحُلَيْسُ بْنُ زَبّانٍ أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيّدُ الأبيش ، قَدْ مَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَضْرِبُ فِي شِدْقِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بِزُجّ الرّمْحِ وَيَقُولُ ذُقْ عُقَقُ . فَقَالَ الْحُلَيْسُ يَا بَنِي كِنَانَةَ هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ عَمّهِ مَا تَرَوْنَ لَحْمًا ؟ فَقَالَ وَيْحَك اُكْتُمْهَا عَنّي ، فَإِنّهَا كَانَتْ زَلّةً
Sحُكْمُ ( مِنْ ) وَالسّاكِنُ بَعْدَهَا
فَصْلٌ
[ ص 277 ] هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ مِلْ هَاشِمِيّيْنِ الطّوّالِ الزّهْرِ
بِحَذْفِ النّونِ مِنْ حَرْفِ مِنْ لِالْتِقَاءِ السّاكِنَيْنِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلّا فِي مِنْ وَحْدَهَا لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا ، كَمَا خُصّتْ نُونُهَا بِالْفَتْحِ إذَا الْتَقَتْ مَعَ لَامِ التّعْرِيفِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي نُونٍ سَاكِنَةٍ غَيْرِهَا ، كَرِهُوا تُوَالِي الْكَسْرَتَيْنِ مَعَ تَوَالِي الِاسْتِعْمَالِ فَإِنْ الْتَقَتْ مَعَ سَاكِنٍ غَيْرِ لَامِ التّعْرِيفِ نَحْوُ مَنْ ابْنُك ، وَمَنْ اسْمُك ، كَسَرْت عَلَى الْأَصْلِ وَالْقِيَاسِ الْمُسْتَتِبّ . قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَقَدْ فَتَحَهَا قَوْمٌ فُصَحَاءُ يَعْنِي مَعَ غَيْرِ لَامِ التّعْرِيفِ .
لَكَاعُ وَلُكَعُ
[ ص 278 ] هِنْدٍ : أَشِرَتْ لَكَاعُ جَعَلَهُ اسْمًا لَهَا فِي غَيْرِ النّدَاءِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ فِي النّدَاءِ أَكْثَرُ نَحْوُ يَا غَدَارِ وَيَا فَسَاقِ وَكَذَلِكَ لُكَعٌ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ النّدَاءِ نَحْوُ [ ص 279 ] أَيْنَ لُكَعُ يَعْنِي : الْحَسَنَ أَوْ الْحُسَيْنَ مُمَازِحًا لَهُمَا . فَإِنْ قِيلَ إنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ يَمْزَحُ وَلَا يَقُولُ إلّا حَقّا ، فَكَيْفَ يَقُولُ أَيْنَ لُكَعُ وَقَدْ سَمّاهُ سَيّدًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ ؟ فَالْجَوَابُ أَنّهُ أَرَادَ التّشْبِيهَ بِاللّكَعِ الّذِي هُوَ الْفَلُوّ أَوْ الْمُهْرُ لِأَنّهُ طِفْلٌ كَمَا أَنّ الْفَلُوّ وَالْمُهْرُ كَذَلِكَ وَإِذَا قَصَدَ بِالْكَلَامِ قَصْدَ التّشْبِيهِ لَمْ يَكُنْ كَذِبًا ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يَكُونَ أَسْعَدَ النّاسِ فِي الدّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ وَاللّكَعُ فِي اللّغَةِ وَسَخُ الْغُرْلَةِ وَهُوَ أَيْضًا الْفَلُوّ الصّغِيرُ فَمِنْ أَجْلِ هَذَا جَازَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِ النّدَاءِ لِأَنّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ مَعْدُولٍ كَمَا عُدِلَ خُبَثُ عَنْ خَبِيثٍ وَفُسَقُ عَنْ فَاسِقٍ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ فِي الزّاهِرِ : اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْمَلَاكِعِ وَهُوَ مَا يَخْرُجُ مَعَ الْمَوْلُودِ مِنْ مَاءِ الرّحِمِ وَدَمِهَا ، وَأَنْشَدَ
رَمَتْ الْفَلَاةُ بِمَعْجَلٍ مُتَسَرْبِلٍ ... غِرْسَ السّلَى وَمَلَاكِعَ الْأَمْشَاجِ
[ ص 280 ] قَالَ وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدِ يَا لُكَعُ وَفِي الِاثْنَيْنِ يَا ذَوِي لَكِيعَةَ وَلَكَاعَةٍ وَلَا تُصْرَفُ لَكِيعَةَ وَلَكِنْ تُصْرَفُ لَكَاعَةُ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ وَفِي الْجَمِيعِ يَا ذَوِي لَكِيعَةَ وَلَكَاعَةٍ وَفِي الْمُؤَنّثِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَلَا يُقَالُ يَا لُكَاعَانِ وَلَا فُسَقَانِ لِسِرّ شَرَحْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ . وَتَلْخِيصُ مَعْنَاهُ أَنّ الْعَرَبَ قَصَدَتْ بِهَذَا النّبَإِ مِنْ النّدَاءِ قَصْدَ الْعَلَمِ لِأَنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ أَلْزَمُ لِلْمُسَمّى مِنْ الْوَصْفِ الْمُشْتَقّ مِنْ الْفِعْلِ نَحْوُ فَاسِقٍ وَغَادِرٍ كَمَا قَالُوا : عُمَرُ وَعَدَلُوا عَنْ عَامِرٍ الّذِي هُوَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ تَحْقِيقًا مِنْهُمْ لِلْعَلَمِيّةِ ثُمّ إنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ لَا يُثَنّى وَلَا يُجْمَعُ وَهُوَ عَلَمٌ فَإِذَا ثُنّيَ زَالَ عَنْهُ تَعْرِيفُ الْعَلَمِيّةِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَمْ يُثَنّوا يَا فُسَقُ وَيَا غُدَرُ لِأَنّ فِي ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا قَصْدُوهُ مِنْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الِاسْمِ الْعَلَمِ أَيْ إنّهُ مُسْتَحِقّ لِأَنْ يُسَمّى بِهَذَا الِاسْمِ فَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا : يَا فَاسِقُ فَيَجِيئُوا بِالِاسْمِ الّذِي يَجْرِي مَجْرَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ غَيْرُ لَازِمٍ وَالْعَلَمُ أُلْزِمَ مَعَهُ وَالتّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تُبْطِلُ الْعَلَمِيّةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَافْهَمْهُ وَوَقَعَ فِي الْمُوَطّإِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ لِمُوَلّاةِ لَهُ اُقْعُدِي لُكَعُ وَفْد عِيبَتْ هَذِهِ الرّوَايَةُ عَلَى يَحْيَى ، لِأَنّ الْمَرْأَةَ إنّمَا يُقَالُ لَهَا : لَكَاعِ وَقَدْ وَجَدْت الْحَدِيثَ كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى فِي كِتَابِ الدّارَقُطْنِيّ ، وَوَجْهُهُ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّهُ مَنْقُولٌ غَيْرُ مَعْدُولٍ فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ لِلْأَمَةِ يَا لُكَعُ كَمَا يُقَالُ لَهَا إذَا سُبّتْ يَا زُبَلُ وَيَا وُسَخُ إذْ اللّكَعُ ضَرْبٌ مِنْ الْوَسَخِ كَمَا قَدّمْنَاهُ وَهُوَ فِي كِتَابِ الْعَيْنِ .
شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أُحُدٍ وَحَدِيثُهُ مَعَ عُمَرَ
ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَشْرَفَ عَلَى الْجَبَلِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَقَالَ أَنِعْمَتْ فَعَالِ وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ يَوْمٌ بِيَوْمِ أَعْلِ هُبَلُ أَيْ اظْهَرْ دِينك ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ ، فَقُلْ اللّهُ أَعَلَى وَأَجَلّ ، لَا سَوَاءَ قَتْلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النّارِ . فَلَمّا أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ هَلُمّ إلَيّ يَا عُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرِ ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ ؛ فَجَاءَهُ فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عُمَرُ أَقَتَلْنَا مُحَمّدًا ؟ قَالَ عُمَرُ اللّهُمّ لَا ، وَإِنّهُ لَيَسْمَعَ كَلَامَك الْآنَ قَالَ أَنْتَ أَصْدَقُ عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ لِقَوْلِ ابْنِ قَمِئَةَ لَهُمْ إنّي قَدْ قَتَلْت مُحَمّدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ ابْنِ قَمِئَةَ عَبْدُ اللّهِ .
تَوَعّدُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ
[ ص 280 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ إنّهُ قَدْ كَانَ فِي قَتْلَاكُمْ مُثُلٌ وَاَللّهِ مَا رَضِيت ، وَمَا سَخِطْت ، وَمَا نَهَيْت ، وَمَا أَمَرْت . وَلَمّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ نَادَى : إنّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ قُلْ نَعَمْ هُوَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ مَوْعِدٌ
خُرُوجُ عَلِيّ فِي آثَارِ الْمُشْرِكِينَ
ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَقَالَ اُخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ وَمَا يُرِيدُونَ فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ مَكّةَ ، وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنّ إلَيْهِمْ فِيهَا ، ثُمّ لَأُنَاجِزَنّهُمْ . قَالَ عَلِيّ : فَخَرَجْت فِي آثَارِهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ فَجَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ وَوَجّهُوا إلَى مَكّةَ
أَمْرُ الْقَتْلَى بِأُحُدِ
[ ص 281 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الْمَازِنِيّ أَخُو بَنِي النّجّارِ مِنْ رَجُلٍ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ . قَالَ فَقُلْت لَهُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ قَالَ أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَك : جَزَاك اللّهُ عَنّا خَيْرَ مَا جَزَى نَبِيّا عَنْ أُمّتِهِ وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ إنّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ إنْ خُلِصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ . قَالَ ثُمّ لَمْ أَبْرَحْ حَتّى مَاتَ قَالَ فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته خَبَرَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الزّبَيْرِيّ أَنّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ وَبِنْتٌ لِسَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صَدْرِهِ يَرْشُفُهَا وَيُقَبّلُهَا فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ هَذِهِ بِنْتُ رَجُلٍ خَيْرٍ مِنّي ، سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ ، كَانَ مِنْ النّقَبَاءِ يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، وَشَهِدَ بَدْرًا ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ
Sالرّسُولُ يَسْأَلُ عَنْ ابْنِ الرّبِيعِ
فَصْلٌ
[ ص 281 ] وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . الرّجُلُ هُوَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ ، وَذَكَرَ أَنّهُ نَادَى فِي الْقَتْلَى : يَا سَعْدُ بْنَ الرّبِيعِ مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، حَتّى قَالَ يَا سَعْدُ إنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَرْسَلَنِي أَنْظُرُ مَا صَنَعْت ، فَأَجَابَهُ حِينَئِذٍ بِصَوْتِ ضَعِيفٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ الصّحَابَةِ فَإِنّهُ ذَكَرَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ الرّجُلَ الّذِي الْتَمَسَ سَعْدًا فِي الْقَتْلَى هُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ .
حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَتَوَعّدُهُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُثْلَةِ
قَال [ ص 282 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي يَتَلَمّسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ وَمُثّلَ بِهِ فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ رَأَى مَا رَأَى : لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيّةُ ، وَيَكُونَ سُنّةً مِنْ بَعْدِي لَتَرَكْته ، حَتّى يَكُونَ فِي بُطُونِ السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ وَلَئِنْ أَظَهَرَنِي اللّهُ عَلَى قُرَيْشٍ فِي مَوْطِنٍ مِنْ الْمَوَاطِنِ لَأُمَثّلَنّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَزِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ بِعَمّهِ مَا فَعَلَ قَالُوا : وَاَللّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللّهُ بِهِمْ يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ لَنُمَثّلَنّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثّلْهَا أَحَدٌ مِنْ الْعَرَبِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ " لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا ؟ مَا وَقَفْت مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا ثُمّ قَالَ " جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَمْزَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ إخْوَةً مِنْ الرّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُمْ مُوَلّاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ .
مَا نَزَلَ فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلّا بِاللّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ } فَعَفَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَبَرَ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، [ ص 283 ] قَالَ مَا قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَقَامٍ قَطّ . فَفَارَقَهُ حَتّى يَأْمُرَنَا بِالصّدَقَةِ وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِ
S[ ص 282 ] وَذَكَرَ عَنْ حُمَيْدٍ الطّوِيلِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَحُمَيْدٌ الطّوِيلُ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ تِيرَوَيْهِ وَيُقَالُ ابْنُ تِيرِي يُكَنّى أَبَا حُمَيْدَةَ مَوْلَى طَلْحَةَ [ ص 283 ] فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ مَثّلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْعُرَنِيّينَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعَيْنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرّةِ قُلْنَا : فِي ذَلِكَ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ فَعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا لِأَنّهُمْ قَطَعُوا أَيْدِي الرّعَاءِ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلُوا أَعْيُنَهُمْ رُوِيَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقِيلَ إنّ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ . فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تَرَكَهُمْ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتّى مَاتُوا عَطَشًا ، قُلْنَا : عَطّشَهُمْ لِأَنّهُمْ عَطّشُوا أَهْلَ بَيْتِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تِلْكَ اللّيْلَةَ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمّا بَقِيَ وَأَهْلُهُ تِلْكَ اللّيْلَةَ بِلَا لَبَنٍ قَالَ " اللّهُمّ عَطّشْ مَنْ عَطّشَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيّك " . وَقَعَ هَذَا فِي شَرْحِ ابْنِ بَطّالٍ ، وَقَدْ خَرّجَهُ النّسَوِيّ .
صَلَاةُ الرّسُولِ عَلَى حَمْزَةَ وَالْقَتْلَى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْزَةِ فَسُجّيَ بِبُرْدَةِ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ فَكَبّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ إلَى حَمْزَةَ فَصَلّى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتّى صَلّى عَلَيْهِ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً [ ص 284 ]
صَفِيّةُ وَحُزْنُهَا عَلَى حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ أَقْبَلَتْ فِيمَا بَلَغَنِي ، صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ وَكَانَ أَخَاهَا لِأَبِيهَا وَأُمّهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَابْنِهَا الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ : الْقَهَا فَارْجِعْهَا ، لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا ، فَقَالَ لَهَا : يَا أُمّهْ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُك أَنْ تَرْجِعِي ، قَالَتْ وَلِمَ ؟ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنْ قَدْ مُثّلَ بِأَخِي ، وَذَلِكَ فِي اللّهِ فَمَا أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَأَحْتَسِبَنّ وَلَأَصْبِرَنّ إنْ شَاءَ اللّهُ . فَلَمّا جَاءَ الزّبَيْرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ خَلّ سَبِيلَهَا ، فَأَتَتْهُ فَنَظَرَتْ إلَيْهِ فَصَلّتْ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدُفِنَ .
Sالصّلَاةُ عَلَى الشّهَدَاءِ
وَرَوَى ابْنُ إسْحَاقَ عَمّنْ لَا يَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - صَلّى عَلَى حَمْزَةَ وَعَلَى شُهَدَاءِ يَوْمِ أُحُد ٍ ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فُقَهَاءُ الْحِجَازِ ، وَلَا الْأَوْزَاعِيّ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَعْفُ إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّ ابْنَ إسْحَاقَ قَالَ حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ يَعْنِي : الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ - فِيمَا ذَكَرُوا - وَلَا خِلَافَ فِي ضَعْفِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَرَوْنَهُ شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَ الّذِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ غَيْرَ الْحَسَنِ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْجَهْلُ يُوبِقُهُ . وَالْوَجْهُ الثّانِي : أَنّهُ حَدِيثٌ لَمْ يَصْحَبْهُ الْعَمَلُ وَلَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّهُ صَلّى عَلَى شَهِيدٍ فِي شَيْءٍ مِنْ مَغَازِيهِ إلّا هَذِهِ الرّوَايَةَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ ، وَكَذَلِكَ فِي مُدّةِ [ ص 284 ] الْخَلِيفَتَيْنِ إلّا أَنْ يَكُونَ الشّهِيدُ مُرْتَثّا مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَأَمّا تَرْكُ غَسْلِهِ فَقَدْ أَجَمَعُوا عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي الصّلَاةِ إلّا رِوَايَةً شَاذّةً عِنْدَ بَعْضِ التّابِعِينَ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - تَحْقِيقُ حَيَاةِ الشّهَدَاءِ وَتَصْدِيقُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا } الْآيَةَ مَعَ أَنّ فِي تَرْكِ غُسْلِهِ مَعْنًى آخَرُ وَهُوَ أَنّ دَمَهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ وَهُوَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يُثْعَبُ دَمًا ، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ فَكَيْفَ يَطْهُرُ مِنْهُ وَهُوَ طَيّبٌ وَأَثَرُ عِبَادَةٍ وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ انْتَزَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَرَاهِيَةَ تَجْفِيفِ الْوَجْهِ مِنْ مَاءِ الْوُضُوءِ وَهُوَ قَوْلُ الزّهْرِيّ ، قَالَ الزّهْرِيّ : وَبَلَغَنِي أَنّهُ يُوزَنُ وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ انْتَزَعَ كَرَاهِيَةَ السّوَاكِ بِالْعَشِيّ لِلصّائِمِ لِئَلّا يَذْهَبُ خُلُوفُ فَمِهِ وَهُوَ أَثَرُ عِبَادَةٍ وَجَاءَ فِيهِ مَا جَاءَ فِي دَمِ الشّهَدَاءِ أَنّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَيُرْوَى أَطْيَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِاللّفْظَيْنِ جَمِيعًا ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَجَاءَتْ الْكَرَاهِيَةُ لِلسّوَاكِ بِالْعَشِيّ لِلصّائِمِ عَنْ عَلِيّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الدّارَقُطْنِيّ .
دفن عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ مَعَ حَمْزَةَ
قَالَ فَزَعَمَ لِي آلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَكَانَ لِأُمَيْمَةِ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، حَمْزَةُ خَالُهُ وَقَدْ كَانَ مُثّلَ بِهِ كَمَا مُثّلَ بِحَمْزَةِ إلّا أَنّهُ لَمْ يُبْقَرْ عَنْ كَبِدِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَفَنَهُ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ إلّا عَنْ أَهْلِهِ .
Sعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ الْمُجْدَعُ
وَذَكَرَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ ابْنَ أُخْت حَمْزَةَ وَأَنّهُ مُثّلَ بِهِ كَمَا مُثّلَ بِحَمْزَةِ وَعِنْدَ اللّهِ هَذَا يُعْرَفُ بِالْمُجْدَعِ فِي اللّهِ لِأَنّهُ جُدِعَ أَنْفُهُ وَاذُنَاه يَوْمئِذٍ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ يُحَدّثُ أَنّهُ لَقِيَهُ يَوْمَ أُحُدٍ أَوّلَ النّهَارِ فَخَلَا بِهِ وَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ يَا سَعْدُ هَلُمّ فَلْنَدْعُ اللّهَ وَلِيَذْكُرَ كُلّ [ ص 285 ] قَالَ سَعْدٌ فَدَعَوْت اللّهَ أَنْ أَلْقَى فَارِسًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرْدُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَقْتُلُهُ وَآخُذُ سَلَبَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ آمِنْ ثُمّ اسْتَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ إلَى السّمَاءِ وَقَالَ اللّهُمّ لَقّنِي الْيَوْمَ فَارِسًا شَدِيدًا بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرْدُهُ يَقْتُلُنِي وَيَجْدَعُ أَنْفِي وَأُذُنِي ، فَإِذَا لَقِيتُك غَدًا تَقُولُ لِي : يَا عَبْدِي : فِيمَ جُدِعَ أَنْفُك وَأُذُنَاك ، فَأَقُولُ فِيك يَا رَبّ وَفِي رَسُولِك ، فَتَقُولُ لِي : صَدَقْت ، قُلْ يَا مُحَمّدُ آمِينَ قَالَ فَقُلْت : آمِينَ ثُمّ مَرَرْت بِهِ آخِرَ النّهَارِ قَتِيلًا مَجْدُوع الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ وَأَنّ أُذُنَيْهِ وَأَنْفَهُ مُعَلّقَانِ بِخَيْطِ وَلَقِيت أَنَا فُلَانًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلْته ، وَأَخَذْت سَلَبَهُ وَذَكَرَ الزّبَيْرُ أَنّ سَيْفَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ انْقَطَعَ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُرْجُونًا ، فَعَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا ، فَقَاتَلَ لَهُ فَكَانَ يُسَمّى ذَلِكَ السّيْفُ الْعُرْجُونَ وَلَمْ يَزَلْ يُتَوَارَثُ حَتّى بِيعَ مِنْ بِغَاء التّرْكِيّ بِمِائَتَيْنِ دِينَارٍ ، وَهَذَا نَحْوٌ مِنْ حَدِيثِ عُكَاشَةَ الّذِي تَقَدّمَ إلّا سَيْفَ عُكَاشَةَ كَانَ يُسَمّى الْعَوْنَ وَكَانَتْ قِصّةُ عُكَاشَةَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ الّذِي قَتَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ أَبُو الْحُكْم بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ حِينَ قُتِلَ ابْنَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً فِيمَا ذَكَرُوا وَدُفِنَ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ .
دَفْنُ الشّهَدَاءِ
قَال [ ص 285 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ قَدْ احْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَفَنُوهُمْ بِهَا ، ثُمّ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ادْفِنُوهُمْ حَيْثُ صُرِعُوا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ ، حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى هَؤُلَاءِ ، إنّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يَخْرُجُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ وَانْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ فَاجْعَلُوهُ أَمَامَ أَصْحَابِهِ فِي الْقَبْرِ وَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ قَالَ وَحَدّثَنِي عَمّي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى ، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ . [ ص 286 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمئِذٍ حِينَ أَمَرَ بِدَفْنِ الْقَتْلَى : اُنْظُرُوا إلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَإِنّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدّنْيَا ، فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ .
حُزْنُ حَمْنَةَ عَلَى حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ، كَمَا ذُكِرَ لِي ، فَلَمّا لَقِيَتْ النّاسَ نُعِيَ إلَيْهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا لَبِمَكَانِ لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا ، وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا .
بُكَاءُ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ عَلَى حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدَارِ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَل ِ وَظَفَرَ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ فَذَرَفْت عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَكَى ، ثُمّ قَالَ لَكِنّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ فَلَمّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَتَحَزّمْنَ ثُمّ يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُكَاءَهُنّ عَلَى حَمْزَةَ خَرَجَ عَلَيْهِنّ وَهُنّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْنَ يَرْحَمُكُنّ اللّهُ فَقَدْ آسَيْتُنّ بِأَنْفُسِكُنّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنُهِيَ يَوْمئِذٍ عَنْ النّوْحِ . [ ص 287 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سَمِعَ بُكَاءَهُنّ قَالَ رَحِمَ اللّهُ الْأَنْصَارَ فَإِنّ الْمُوَاسَاةَ مِنْهُمْ مَا عَلِمْت لَقَدِيمَةٌ مَرّوهُنّ فَلْيَنْصَرِفْنَ .
شَأْنُ الْمَرْأَةِ الدّينَارِيّةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، قَالَ مَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ ، وَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدِ فَلَمّا نُعُوا لَهَا ، قَالَتْ فَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالُوا : خَيْرًا يَا أُمّ فُلَانٍ هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ كَمَا تُحِبّينَ قَالَتْ أَرُونِيهِ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ قَالَ فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ حَتّى إذَا . رَأَتْهُ قَالَتْ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ تُرِيدُ صَغِيرَةً . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْجَلَلُ يَكُونُ مِنْ الْقَلِيلِ وَمِنْ الْكَثِيرِ وَهُوَ هَاهُنَا مِنْ الْقَلِيلِ . قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ فِي الْجَلَلِ الْقَلِيلِ
لَقَتْلُ بَنِي أَسَدٍ رَبّهُمْ ... أَلَا كُلّ شَيْءٍ سِوَاهُ جَلَلْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ وَعْلَةَ الْجَرْمِيّ
وَلَئِنْ عَفَوْت لَأَعْفُوَنْ جَلَلًا ... وَلَئِنْ سَطَوْت لَأُوهِنَنّ عَظْمِي
( فَهُوَ مِنْ الْكَثِيرِ ) .
حَدِيث عُمَرَ وَأَبِي سُفْيَانَ
فَصْلٌ
[ ص 286 ] وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ الْكَلِمِ الّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ قَالَ اُعْلُ هُبَلْ أَيْ زِدْ عُلُوّا ، ثُمّ قَالَ أَنْعَمَتْ فَعَالِ قَالُوا : مَعْنَاهُ الْأَزْلَامُ وَكَانَ اسْتَقْسَمَ بِهَا حِينَ خَرَجَ إلَى أُحُد ٍ ، فَخَرَجَ الّذِي يُحِبّ وَقَوْلُهُ فَعَالِ أَمْرٌ أَيْ عَالِ عَنْهَا وَأَقْصِرْ عَنْ لَوْمِهَا ، تَقُولُ الْعَرَبُ : اُعْلُ عَنّي ، وَعَالِ عَنّي بِمَعْنَى : أَيْ ارْتَفِعْ عَنّي ، وَدَعْنِي . وَيُرْوَى أَنّ الزّبَيْرَ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَيْنَ قَوْلُك : أَنْعَمَتْ فَعَالِ ؟ فَقَالَ قَدْ صَنَعَ اللّهُ خَيْرًا ، وَذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيّةِ . [ ص 287 ] لَا سَوَاءَ أَيْ لَا نَحْنُ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ لَا عَلَى اسْمٍ مُبْتَدَأٍ مَعْرِفَةٍ إلّا مَعَ التّكْرَارِ نَحْوُ لَا زَيْدٌ قَائِمٌ وَلَا عَمْرٌو خَارِجٌ وَلَكِنّهُ جَازَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنّ الْقَصْدَ فِيهِ إلَى نَفْيِ الْفِعْلِ أَيْ لَا يَسْتَوِي ، كَمَا جَازَ لَا نُوَلّك ، أَيْ لَا يَنْبَغِي لَك ، وَقَدْ بَيّنّا هَذَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ تَكَلّمْنَا عَلَى قَوْلِهِ فَشَتْتَنَا سَعْدٌ فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ
حَدِيثُ مُخَيْرِيقٍ وَأَوّلُ وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ
وَمِمّا يَلِيقُ ذِكْرُهُ بِهَذِهِ الْغَزَاةِ حَدِيثُ مُخَيْرِيقٍ ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي النّضِيرِ ، وَقَوْلُهُ إنْ أُصِبْت فَمَالِي لِمُحَمّدِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ فَأُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ انْصَرَفَ مَالُهُ أَوْقَافًا ، وَهُوَ أَوّلُ حَبْسٍ حُبِسَ فِي الْإِسْلَامِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَقَالَ الزّهْرِيّ : كَانَتْ سَبْعَ حَوَائِطَ وَأَسْمَاؤُهَا : الْأَعْرَافُ وَالْأَعْوَافُ وَالصّافِيَةُ وَالذّلَالُ وَبُرْقَةُ [ ص 288 ] أُمّ إبْرَاهِيمَ ، وَإِنّمَا سُمّيَتْ مُشْرَبَةَ أُمّ إبْرَاهِيمَ لِأَنّهَا كَانَتْ تَسْكُنُهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ مُخَيْرِيقٍ ، وَهَذَا الّذِي ذَكَرْنَاهُ تَكْمِلَةٌ لَهُ وَزِيَادَةُ فَائِدَةٍ فِيهِ .
غَسْلُ السّيُوفِ
قَالَ [ ص 288 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ فَقَالَ اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيّةُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ وَنَاوَلَهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا ، فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَئِنْ كُنْت صَدَقْت الْقِتَالَ لَقَدْ صَدَقَ مَعَك سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الْفَقَارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُدٍ :
لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ ... وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَا يُصِيبُ الْمُشْرِكُونَ مِنّا مِثْلَهَا حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ .
Sوَذَكَرَ لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعُ فَقَارَةٍ وَإِنْ قِيلَ ذُو الْفِقَارِ بِالْكَسْرِ فَهُوَ جَمْعُ فِقْرَةٍ وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهُ . وَوَقَعَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنّ رِيحًا هَبّتْ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَسَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ
لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ ... وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ
[ ص 289 ] ذَكَرَهَا ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ قَوْلَ عَلِيّ لِفَاطِمَةَ حِينَ غَسَلَتْ سَيْفَهُ مِنْ الدّمِ أَفَاطِمُ هَاتِي السّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمِ فَلَسْت بِرِعْدِيدِ وَلَا بِلَئِيمِ
خُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِ الْعَدُوّ لِيُرْهِبَهُ
قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ ( مِنْ ) يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَوّالٍ أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوّ فَأَذّنَ مُؤَذّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنّ مَعَنَا أَحَدٌ إلّا أَحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ . فَكَلّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِي كَانَ خَلّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ وَقَالَ يَا بُنَيّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَك أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ [ ص 289 ] أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَفْسِي ، فَتَخَلّفْ عَلَى أَخَوَاتِك ، فَتَخَلّفْت عَلَيْهِنّ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ مَعَهُ وَإِنّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوّ وَلِيُبَلّغْهُمْ أَنّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ لِيَظُنّوا بِهِ قُوّةً وَأَنّ الّذِي أَصَابَهُمْ لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ .
مثل من اسْتِمَاتَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُصْرَةِ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي السّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ أَنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، كَانَ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ شَهِدْت أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا وَأَخٌ لِي ، فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ فَلَمّا أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ الْعَدُوّ قُلْت لِأَخِي أَوْ قَالَ لِي : أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ وَاَللّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابّةٍ نَرْكَبُهَا وَمَا مِنّا إلّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْت أَيْسَرَ جُرْحًا ، فَكَانَ إذَا غَلَبَ حَمَلْته عُقْبَةً حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ
اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِهَا الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ .
شَأْنُ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ
قَالَ وَقَدْ مَرّ بِهِ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، وَكَانَ خُزَاعَةُ ، مُسْلِمُهُمْ وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللّهِ بِتِهَامَةَ صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا ، وَمَعْبَدٌ يَوْمئِذٍ مُشْرِكٌ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ ، أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك ، وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللّهَ عَافَاك فِيهِمْ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حَتّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ بِالرّوْحَاءِ وَقَدْ أَجَمَعُوا الرّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 290 ] وَقَالُوا : أَصَبْنَا حَدّ أَصْحَابِهِ وَأَشْرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ ثُمّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ لَنَكُرّنّ عَلَى بَقِيّتِهِمْ فَلْنَفْرُغَنّ مَعَهُمْ . فَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَدًا ، قَالَ مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ ؟ قَالَ مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ ، يَتَحَرّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرّقًا ، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ ، قَالَ وَيْحَك مَا تَقُولُ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتّى أَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ قَالَ فَوَاَللّهِ لَقَدْ أَجَمَعْنَا الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ . قَالَ فَإِنّي أَنَهَاك عَنْ ذَلِكَ فَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْت عَلَى أَنْ قُلْت فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَ وَمَا قُلْت ؟ قَالَ قُلْت : [ ص 291 ]
كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَرْدِي بِأُسْدِ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَظَلّتْ عَدْوًا أَظُنّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمّا سَمَوْا بِرَئِيسِ غَيْرِ مَخْذُولِ
فَقُلْت : وَيْلُ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ ... إذَا تَغَطْمَطَتْ الْبَطْحَاءُ بِالْخَيْلِ
إنّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ . ضَاحِيَةً ... لِكُلّ ذِي إرْبَةٍ مِنْهُمْ وَمَعْقُولِ
مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخْشِ تَنَابِلَةٍ ... وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْت بِالْقِيلِ
فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ
رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الرّسُولِ عَلَى لِسَانِ رَكْبٍ
وَمَرّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ الْمَدِينَةَ ؟ قَالَ وَلِمَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ الْمِيرَةَ قَالَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُبَلّغُونَ عَنّي مُحَمّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إلَيْهِ وَأَحْمِلُ لَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظِ إذَا وَافَيْتُمُوهَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنّا قَدْ أَجَمَعْنَا السّيْرَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ فَمَرّ الرّكْبُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِاَلّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ . فَقَالَ { حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
كَفّ صَفْوَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُعَاوَدَةِ الْكَرّةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ لَمّا انْصَرَفَ يَوْمَ أُحُدٍ ، أَرَادَ الرّجُوعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، لِيَسْتَأْصِلَ بَقِيّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنُ خَلَفٍ : لَا تَفْعَلُوا ، فَإِنّ الْقَوْمَ قَدْ حَرِبُوا ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِتَالٌ غَيْرُ الّذِي كَانَ فَارْجِعُوا ، فَرَجَعُوا . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حِينَ بَلَغَهُ أَنّهُمْ هَمّوا بِالرّجْعَةِ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ حِجَارَةٌ لَوْ صُبّحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِ
Sغَزْوَةُ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ
شَرْحُ قَصِيدَةِ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ
[ ص 290 ] ذَكَرَ شِعْرَ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ وَفِيهِ إذَا تَغَطْمَطَتْ الْبَطْحَاءُ بِالْخَيْلِ لَفْظٌ مُسْتَعَارٌ مِنْ الغطمة ، وَهُوَ صَوْتُ غَلَيَانِ الْقِدْرِ . قَوْلُهُ بِالْخَيْلِ جَعَلَ الرّدْفَ حَرْفَ لِينٍ وَالْأَبْيَاتُ كُلّهَا مُرْدَفَةُ الرّوِيّ بِحَرْفِ مَدّ وَلِينٍ وَهَذَا هُوَ السّنَادُ الّذِي بَيّنّاهُ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ فَسُونِدَ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ [ عَمْرِو ] بْنِ كُلْثُومٍ : أَلَا هُبّي بِصَحْنِك فَاصْبَحِينَا ثُمّ قَالَ تُصَفّقُهَا الرّيَاحُ إذَا جَرَيْنَا [ ص 291 ] قَالَ عَدِيّ بْنُ الرّقَاعِ
وَقَصِيدَةٍ قَدْ بِتّ أَجْمَعُ بَيْنَهَا ... حَتّى أُقَوّمَ مِيلَهَا وَسِنَادَهَا
نَظَرَ الْمُثَقّفِ فِي كُعُوبِ قَنَاتِهِ ... كَيْمَا يُقِيمُ ثِقَافُهُ مُنْآدَهَا
وَقَوْلُهُ لَا تَنَابِلَةٍ . التّنَابِلَةُ الْقِصَارُ وَأَحَدُهُمْ تِنْبَالٌ تِفْعَالٌ مِنْ النّبْلِ وَهِيَ صِغَارُ الْحَصَى .
مَقْتَلُ أَبِي عَزّةَ وَمُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ
قَالَ [ ص 292 ] عُبَيْدَةَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي جِهَةِ ذَلِكَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَدِينَةِ ، مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَهُوَ جَدّ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، أَبُو أُمّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ وَأَبَا عَزّةَ الْجُمَحِيّ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسَرَهُ بِبَدْر ِ ثُمّ مَنّ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِلْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " وَاَللّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ بَعْدَهَا وَتَقُولُ خَدَعْت مُحَمّدًا مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا زُبَيْرُ . فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا عَاصِمُ بْنَ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ
مَقْتَلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ قَتَلَا مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بَعْدَ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، كَانَ لَجَأَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ عَلَى أَنّهُ إنْ وُجِدَ بَعْدَ ثَلَاثٍ قُتِلَ فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتَوَارَى ، فَبَعَثَهُمَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا ، فَوَجَدَاهُ فَقَتَلَاهُ
Sأَبُو عَزّةَ الْجُمَحِيّ
وَذَكَرَ [ ص 292 ] أَبَا عَزّةَ وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَأَحْسَبُهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَيْرٍ أَحَدَ بَنِي خُدَارَةَ أَوْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَيْرٍ الْخَطْمِيّ . وَمِنْ خَبَرِ أَبِي عَزّةَ مَا ذَكَرَ الزّبَيْرُ عَنْ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَالضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ . وَالْجُعْدُبَةُ فِي اللّغَةِ وَاحِدَةٌ الْجِعَادِبِ وَهِيَ النّفّاخَاتُ الّتِي تَكُونُ فِي الْمَاءِ . قَالَا : بَرِصَ أَبُو عَزّةَ الْجُمَحِيّ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تُؤَاكِلُهُ وَلَا تُجَالِسُهُ فَقَالَ لَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ هَذَا ، فَأَخَذَ حَدِيدَةً وَدَخَلَ بَعْضَ شِعَابِ مَكّةَ فَطَعَنَ بِهَا فِي مَعَدّهِ وَالْمَعَدّ مَوْضِعٌ عَقِبَ الرّاكِبِ مِنْ الدّابّةِ وَقَالَ ابْنُ جُعْدُبَةَ فَمَارَتْ الْحَدِيدَةُ وَقَالَ الضّحّاكُ : بَيْنَ الْجِلْدِ وَالصّفَاقِ فَسَالَ مِنْهُ أَصْفَرُ فَبَرِئَ فَقَالَ
اللّهُمّ رَبّ وَائِلٍ وَنَهْدِ ... وَالتّهِمَاتِ وَالْجِبَالِ الْجُرْدِ
وَرَبّ مَنْ يَرْعَى بِأَرْضِ نَجِدْ ... أَصْبَحْت عَبْدًا لَك وَابْنَ عَبْدِ
أَبَرّأَتْنِي مِنْ وَضَحٍ بِجِلْدِ ... مِنْ بَعْدَ مَا طَعَنْت فِي مَعَدّي
مُوصِلُ مَقَالَةِ أَبِي سُفْيَانَ
وَذَكَرَ [ ص 293 ] أَبِي سُفْيَانَ مَعَ الرّكْبِ بِالْوَعِيدِ وَكَانَ الْمُوَصّلُ مَقَالَتَهُ لِلْمُؤْمِنَيْنِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالُوا { حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } ، كَذَلِكَ جَاءَ فِي التّفْسِيرِ .
شَأْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بَعْدَ ذَلِكَ
قَالَ [ ص 293 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنُ سَلُولَ ، كَمَا حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلّ جُمُعَةٍ لَا يُنْكِرُ شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا ، إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ قَامَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَكْرَمَكُمْ اللّهُ وَأَعَزّكُمْ بِهِ فَانْصُرُوهُ وَعَزّرُوهُ وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ثُمّ يَجْلِسُ حَتّى إذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ وَرَجَعَ بِالنّاسِ قَامَ يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ نَوَاحِيهِ وَقَالُوا : اجْلِسْ أَيْ عَدُوّ اللّهِ لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلِ ، وَقَدْ صَنَعْت مَا صَنَعْت ، فَخَرَجَ يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا إنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ . فَلَقِيَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا لَك ؟ وَيْلَك قَالَ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ فَوَثَبَ عَلَيّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْذِبُونَنِي وَيُعَنّفُونَنِي ، لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ قَالَ وَيْلَك ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَاَللّهِ مَا ابْتَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي
Sقَوْلٌ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ
وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لَكَأَنّمَا قُلْت : بَجْرًا . الْبَجْرُ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ وَالْبَجَارِي : الدّوَاهِي ، وَفِي وَصِيّةِ أَبِي بَكْرٍ يَا هَادِي الطّرِيقِ جُرْت ، إنّمَا هُوَ الْفَخْرُ أَوْ الْبَجْرُ قَالَ الْخَطّابِيّ : مَعْنَاهُ الدّاهِيَةُ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ : " يَا لَيْتَنِي غُودِرْت مَعَ أَصْحَابٍ نُحْصِ الْجَبَلَ نُحْصُ الْجَبَلِ أَسْفَلُهُ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ .
كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ مِحْنَةٍ
كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ وَتَفْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَحَقَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمّنْ كَانَ يُظْهِرُ الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ وَيَوْمًا أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ .
ذِكْرُ مَا أَنَزَلَ اللّهُ فِي أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
[ ص 294 ] قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ فَكَانَ مِمّا أَنَزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِتّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ ، فِيهَا صِفَةُ مَا كَانَا فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ آلُ عِمْرَانَ : 121 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ تُبَوّئُ لِلْمُؤْمِنِينَ تَتّخِذُ لَهُمْ مُقَاعِدَ وَمَنَازِلَ . قَالَ الْكُمَيْت بْنُ زَيْدٍ
لَيْتَنِي كُنْت قَبْلَهُ ... قَدْ تَبَوّأْت مَضْجَعًا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . أَيْ سَمِيعٌ بِمَا تَقُولُونَ عَلِيمٌ بِمَا تَخْفُونَ . { إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } أَنْ تَتَخَاذَلَا ، وَلَلطّائِفَتَانِ بَنُو سَلِمَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النّبِيت مِنْ الْأَوْسِ ، وَهُمَا الْجَنَاحَانِ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَاللّهُ وَلِيّهُمَا } أَيْ الْمَدَافِعُ عَنْهُمَا مَا هَمّتَا بِهِ مِنْ فَشَلِهِمَا ، وَذَلِكَ أَنّهُ إنّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا غَيْرَ شَكّ فِي دِينِهِمَا ، فَتَوَلّى دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ حَتّى سَلِمَتَا مِنْ وُهُونِهِمَا وَضَعْفِهِمَا ، وَلَحِقَتَا بِنَبِيّهِمَا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأُسْدِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ قَالَتْ الطّائِفَتَانِ مَا نُحِبّ أَنّا لَمْ نَهُمّ بِمَا هَمَمْنَا بِهِ ، لِتَوَلّي اللّهَ إيّانَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ } أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَتَوَكّلْ عَلَيّ وَلْيَسْتَعِنْ بِي ، أَعِنْهُ عَلَى أَمْرِهِ وَأَدْفَعُ عَنْهُ حَتّى أُبَلّغَ بِهِ وَأَدْفَعُ عَنْهُ وَأُقَوّيهِ عَلَى نِيّتِهِ . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ } أَيْ فَاتّقُونِي ، فَإِنّهُ شُكْرُ نِعْمَتِي . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ } وَأَنْتُمْ أَقَلّ عَدَدًا [ ص 295 ] وَأَضْعَفُ قُوّةً { إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ } أَيْ إنْ تَصْبِرُوا لِعَدُوّي ، وَتُطِيعُوا أَمْرِي ، وَيَأْتُوكُمْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا ، أَمَدّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسَوّمِينَ مُعَلّمِينَ بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ أَعْلِمُوا عَلَى أَذْنَابِ خَيْلِهِمْ وَنَوَاصِيهَا بِصُوفِ أَبْيَضَ فَأَمّا ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ كَانَتْ سِيمَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي حَدِيثِ بَدْرٍ وَالسّيمَا الْعَلَامَةُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ } أَيْ عَلَامَتُهُمْ و { حِجَارَةً مِنْ سِجّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً } يَقُولُ مُعَلّمَةٌ بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ عَلَيْهَا عَلَامَةٌ أَنّهَا لَيْسَتْ مِنْ حِجَارَةٍ لِلدّنْيَا ، وَأَنّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ قَالَ رُؤْبَةُ بْنِ الْعَجّاجِ :
فَالْآنَ تُبْلَى بِي الْجِيَادُ السّهْمُ ... وَلَا تُجَارِينِي إذَا مَا سَوّمُوا
وَشَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَجْذَمُوا
[ أَجَذَمُوا " بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ " : أَيْ أَسْرَعُوا : وَأَجْدَمُوا " بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ " : أَقَطَعُوا ] وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ وَالْمُسَوّمَةُ ( أَيْضًا ) الْمَرْعِيّةُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى : { وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ } و { شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ } تَقُولُ الْعَرَبُ : سَوّمَ خَيْلَهُ وَإِبِلَهُ وَأَسَامَهَا : إذَا رَعَاهَا . قَالَ الْكُمَيْت بْنُ زَيْدٍ
رَاعِيَا كَانَ مُسْجِحًا فَفَقَدْنَا ... هُ وَفَقْدُ الْمُسِيمِ هُلْكُ السّوَامِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسْجِحًا : سَلِسُ السّيَاسَةِ مُحْسِنٌ ( إلَى الْغَنَمِ ) وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النّصْرُ إِلّا مِنْ عِنْدِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } أَيْ مَا سَمّيْت لَكُمْ مَنْ سَمّيْت مِنْ جُنُودِ مَلَائِكَتِي إلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ لِمَا أَعْرِفُ مِنْ ضَعْفِكُمْ وَمَا النّصْرُ إلّا مِنْ عِنْدِي ، لِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي ، وَذَلِكَ أَنّ الْعِزّ وَالْحُكْمَ إلَيّ لَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي . ثُمّ قَالَ { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِقَتْلِ يَنْتَقِمُ بِهِ [ ص 296 ] خَائِبِينَ أَيْ وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَلَا خَائِبِينَ لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمّا كَانُوا يَأْمُلُونَ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَكْبِتُهُمْ يَغُمّهُمْ أَشَدّ الْغَمّ وَيَمْنَعُهُمْ مَا أَرَادُوا . قَالَ ذُو الرّمّةِ
مَا أَنْسَ مِنْ شَجَنٍ لَا أَنْسَ مَوْقِفَنَا ... فِي حِيرَةٍ بَيْنَ مَسْرُورٍ وَمَكْبُوتِ
وَيَكْبِتُهُمْ ( أَيْضًا ) يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ لِمُحَمّدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ } أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ الْحُكْمِ شَيْءٌ فِي عِبَادِي ، إلّا مَا أَمَرْتُك بِهِ فِيهِمْ أَوْ أَتُوبَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي ، فَإِنْ شِئْت فَعَلْت ، أَوْ أُعَذّبَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَبِحَقّي { فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ } أَيْ قَدْ اسْتَوْجَبُوا ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إيّايَ { وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } أَيْ يَغْفِرُ الذّنْبَ وَيَرْحَمُ الْعِبَادَ عَلَى مَا فِيهِمْ .
النّهْيُ عَنْ الرّبَا
[ ص 297 ] قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } أَيْ لَا تَأْكُلُوا فِي الْإِسْلَامِ إذْ هَدَاكُمْ اللّهُ بِهِ مَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إذْ أَنْتُمْ عَلَى غَيْرِهِ مِمّا لَا يَحِلّ لَكُمْ فِي دِينِكُمْ { وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } أَيْ فَأَطِيعُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَنْجُونَ مِمّا حَذّرَكُمْ اللّهُ مِنْ عَذَابِهِ وَتُدْرِكُونَ مَا رَغّبَكُمْ اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ { وَاتّقُوا النّارَ الّتِي أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ } أَيْ الّتِي جُعِلَتْ دَارًا لِمَنْ كَفَرَ بِي .
الْحَضّ عَلَى الطّاعَةِ
ثُمّ قَالَ { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ } مُعَاتَبَةً لِلّذِينَ عَصَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ . ثُمّ قَالَ { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ } أَيْ دَارًا لِمَنْ أَطَاعَنِي وَأَطَاعَ رَسُولِي : { الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ } أَيْ وَذَلِكَ هُوَ الْإِحْسَانُ وَأَنَا أُحِبّ مَنْ عَمِلَ بِهِ { وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّا اللّهُ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ إنْ أَتَوْا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَعْصِيَةِ ذَكَرُوا نَهْيَ اللّه عَنْهَا ، وَمَا حَرّمَ عَلَيْهِمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ لَهَا ، وَعَرَفُوا أَنّهُ لَا يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلّا هُوَ . { وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَعْصِيَتِي كَفِعْلِ مَنْ أَشْرَكَ بِي فِيمَا غَلَوْا بِهِ فِي كُفْرِهِمْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا حَرّمْت عَلَيْهِمْ مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِي . [ ص 298 ] { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبّهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } أَيْ ثَوَابُ الْمُطِيعِينَ .
Sتَفْسِيرُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي أُحُدٍ
بَعْضُ مَنْ آمَنَ رَغْمَ الدّعَاءِ عَلَيْهِمْ
[ ص 294 ] ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَارِئُ السّيرَةِ مِنْ تَفْسِيرِ ذَلِكَ وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } الْآيَةَ لَمْ يُزِدْ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ مِنْهُ . وَفِي تَفْسِيرِ [ ص 295 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ يَدْعُو عَلَى أَبِي سُفْيَانَ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ [ ص 296 ] الْعَاصِي ، حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } قَالَ فَتَابُوا وَأَسْلَمُوا ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ وَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ فِي حُسْنِ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَمّا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَلَا خِلَافَ فِي حُسْنِ إسْلَامِهِ وَفِي مَوْتِهِ شَهِيدًا بِالشّامِ وَأَمّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي ، فَقَدْ قَالَ فِيهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ أَسْلَمَ النّاسُ وَآمَنَ عَمْرٌو وَقَالَ فِي حَدِيثٍ جَرَى : مَا كَانَتْ هِجْرَتِي لِلْمَالِ وَإِنّمَا كَانَتْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نِعِمّا بِالْمَالِ الصّالِحِ لِلرّجُلِ الصّالِحِ فَسَمّاهُ رَجُلًا صَالِحًا ، وَالْحَدِيثُ الّذِي جَرَى : أَنّهُ كَانَ قَالَ لَهُ إنّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَك وَجْهًا يُسَلّمُك اللّهُ فِيهِ وَيُغَنّمُكَ وَأَزْعَبُ لَك زَعْبَةً مِنْ الْمَالِ وَسَتَأْتِي نُكَتٌ . وَعُيُونٌ مِنْ أَخْبَارِ الْحَارِثِ وَأَبِي سُفْيَانَ - فِيمَا بَعْدُ - إنْ شَاءَ اللّهُ .
مَعْنَى اتّخَذَ
وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِلشّهَدَاءِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى حُبّ اللّهِ إيّاهُمْ حَيْثُ قَالَ { وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } وَلَا يُقَالُ اتّخَذْت وَلَا اتّخَذَ إلّا فِي مُصْطَفًى [ ص 297 ] قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { مَا اتّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ } وَقَالَ { مَا اتّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا } فَالِاتّخَاذُ إنّمَا هُوَ اقْتِنَاءٌ وَاجْتِبَاءٌ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ الْأَخَذِ فَإِذَا قُلْت : اتّخَذْت كَذَا ، فَمَعْنَاهُ أَخَذْته لِنَفْسِي ، وَاخْتَرْته لَهَا ، فَالتّاءُ الْأُولَى بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ وَتِلْكَ الْيَاءُ بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ أَخَذَ فَقُلِبَتْ تَاءً إذْ كَانَتْ الْوَاوُ تَنْقَلِبُ تَاءً فِي مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ نَحْوُ اُتّعِدَ وَاِتّزِرْ وَالْيَاءُ أُخْت الْوَاوِ فَقُلِبَتْ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ تَاءً وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَتّى قَالُوا : تَخِذْت بِحَذْفِ إحْدَى التّاءَيْنِ اكْتِفَاءً بِأَحَدَيْهِمَا عَنْ الْأُخْرَى ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْحَذْفُ إلّا فِي الْمَاضِي خَاصّةً لَا يُقَالُ تَتّخِذُ كَمَا يُقَالُ تَخِذَ لِأَنّ الْمُسْتَقْبَلَ لَيْسَ فِيهِ هَمْزَةُ وَصْلٍ وَإِنّمَا فَرّوا فِي الْمَاضِي مِنْ ثِقَلِ الْهَمْزَةِ فِي الِابْتِدَاءِ وَاسْتَغْنَوْا بِحَرَكَةِ التّاءِ عَنْهَا ، وَكَسَرُوا الْخَاءَ مِنْ تَخِذْت لِأَنّهُ لَا مُسْتَقْبَلَ لَهُ مَعَ الْحَذْفِ فَحَرّكُوا عَيْنَ الْفِعْلِ بِالْحَرَكَةِ الّتِي كَانَتْ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ . وَكَلَامُنَا هَذَا عَلَى اللّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِلّا فَقَدْ حُكِيَ يَتّخِذُ فِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ ، وَذَكَرَهَا النّحّاسُ فِي إعْرَابِ الْقُرْآنِ .
ذَكَرَ مَا أَصَابَهُمْ وَتَعْزِيَتَهُمْ عَنْهُ
ثُمّ اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ الْمُصِيبَةِ الّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ وَالْبَلَاءَ الّذِي أَصَابَهُمْ وَالتّمْحِيصَ لِمَا كَانَ فِيهِمْ وَاِتّخَاذَهُ الشّهَدَاءَ مِنْهُمْ فَقَالَهُ تَعْزِيَةً لَهُمْ وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا ، وَفِيمَا هُوَ صَانِعٌ بِهِمْ { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ } أَيْ قَدْ مَضَتْ مِنْهُ وَقَائِعُ نِقْمَةٍ فِي أَهْلِ التّكْذِيبِ لِرُسُلِي وَالشّرْكِ بِي : عَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ، قَرَءُوا مُثُلَاتٍ قَدْ مَضَتْ مِنّي فِيهِمْ وَلِمَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مِنّي ، فَإِنّي أَمْلَيْت لَهُمْ أَيْ لِئَلّا يَظُنّوا أَنّ نِقْمَتِي انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوّكُمْ وَعَدُوّي لِلدّوْلَةِ الّتِي أَدَلّتْهُمْ بِهَا عَلَيْكُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ لِيُعَلّمَكُمْ مَا عِنْدَكُمْ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { هَذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتّقِينَ } أَيْ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلنّاسِ إنْ قَبِلُوا الْهُدَى { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ } أَيْ نُورٌ وَأَدَبٌ { لِلْمُتّقِينَ } أَيْ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي ، { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا } أَيْ لَا تَضْعُفُوا وَلَا تَبْتَئِسُوا عَلَى مَا أَصَابَكُمْ { وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ } أَيْ لَكُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ وَالظّهُورُ { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ صَدّقْتُمْ نَبِيّي بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي ، { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ } أَيْ جِرَاحٌ مِثْلُهَا ، { وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ } أَيْ نُصَرّفُهَا بَيْنَ النّاسِ لِلْبَلَاءِ وَلِلتّمْحِيصِ { وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لَا يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَلْيُكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالشّهَادَةِ { وَاللّهُ لَا يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ الطّاعَةَ وَقُلُوبُهُمْ مُصِرّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ { وَلِيُمَحّصَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا } أَيْ يُخْتَبَرُ الّذِينَ آمَنُوا حَتّى يَخْلُصُهُمْ بِالْبَلَاءِ الّذِي نَزَلَ بِهِمْ [ ص 299 ] وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ وَيَقِينُهُمْ { وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } أَيْ يُبْطِلُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ حَتّى يَظْهَرَ مَعَهُمْ كُفْرُهُمْ الّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ
دَعْوَةُ الْجَنّةِ لِلْمُجَاهِدِينَ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ } أَيْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ فَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَةَ وَلَمْ أَخْتَبِرْكُمْ بِالشّدّةِ وَأَبْتَلِيكُمْ بِالْمَكَارِهِ حَتّى أَعْلَمَ صِدْقَ ذَلِكَ مِنْكُمْ بِالْإِيمَانِ بِي ، وَالصّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيّ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الشّهَادَةَ عَلَى الّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ قَبْلَ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ يَعْنِي الّذِينَ اسْتَنْهَضُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُرُوجَهُ بِهِمْ إلَى عَدُوّهِمْ لِمَا فَاتَهُمْ مِنْ حُضُورِ الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَتَلَهُ بِبَدْرِ وَرَغْبَةً فِي الشّهَادَةِ الّتِي فَاتَتْهُمْ بِهَا ، فَقَالَ { وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ } يَقُولُ { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } أَيْ الْمَوْتَ بِالسّيُوفِ فِي أَيْدِي الرّجَالِ قَدْ خَلّى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ ثُمّ صَدّهُمْ عَنْكُمْ { وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } أَيْ لِقَوْلِ النّاسِ قُتِلَ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْهِزَامُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَانْصِرَافُهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ } رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفّارًا كَمَا كُنْتُمْ وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوّكُمْ وَكِتَابَ اللّهِ وَمَا خَلّفَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ وَقَدْ بَيّنَ لَكُمْ فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي أَنّهُ مَيّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ { وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ { فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا } أَيْ لَيْسَ يَنْقُصُ ذَلِكَ عِزّ اللّهِ تَعَالَى وَلَا مُلْكه وَلَا سُلْطَانَهُ وَلَا قُدْرَتَهُ { وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ أَطَاعَهُ وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ . [ ص 300 ]
ذِكْرُهُ أَنّ الْمَوْتَ بِإِذْنِ اللّهِ
ثُمّ قَالَ { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابًا مُؤَجّلًا } أَيْ أَنّ لِمُحَمّدِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلًا هُوَ بَالِغُهُ فَإِذَا أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ كَانَ . { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدّنْيَا ، لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا قَسَمَ لَهُ مِنْ رِزْقٍ وَلَا يَعُدّوهُ فِيهَا ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ حَظّ { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } مَا وَعَدَ بِهِ مَعَ مَا يُجْزَى عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي دُنْيَاهُ وَذَلِكَ جَزَاءُ الشّاكِرِينَ أَيْ الْمُتّقِينَ .
Sأَدِلّةٌ عَلَى صِحّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ
[ ص 298 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } ظَهَرَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ حِينَ انْقَلَبَ أَهْلُ الرّدّةِ عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَلَمْ يَضُرّ ذَلِكَ دِينَ اللّهِ وَلَا أُمّةَ نَبِيّهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُسَمّى : أَمِير الشّاكِرِينَ لِذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى صِحّةِ خِلَافَتِهِ لِأَنّهُ الّذِي قَاتَلَ الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ حِينَ رَدّهُمْ إلَى الدّينِ الّذِي خَرَجُوا مِنْهُ وَكَانَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُمْ سَيَظْفَرُونَ بِمَنْ ارْتَدّ وَتَكْمُلُ عَلَيْهِمْ النّعْمَةُ فَيَشْكُرُونَ فَتَحْرِيضُهُ إيّاهُمْ عَلَى الشّكْرِ - وَالشّكْرُ لَا يَكُونُ إلّا عَلَى نِعْمَةٍ - دَلِيلٌ عَلَى أَنّ بَلَاءَ الرّدّةِ لَا يَطُولُ وَأَنّ الظّفَرَ بِهِمْ سَرِيعٌ كَمَا كَانَ . [ ص 299 ] { قُلْ لِلْمُخَلّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ } فِيهِ أَيْضًا : التّصْحِيحُ لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنّهُ الّذِي دَعَا الْأَعْرَابَ إلَى جِهَادِ حَنِيفَةَ وَكَانُوا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ وَلَمْ يُقَاتِلُوا لِجِزْيَةِ وَإِنّمَا قُوتِلُوا لِيُسْلِمُوا ، وَكَانَ قِتَالُهُمْ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَفِي سُلْطَانِهِ ثُمّ قَالَ { فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْرًا حَسَنًا } فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الطّاعَةَ لِأَبِي بَكْرٍ فَكَانَ فِي الْآيَةِ كَالنّصّ عَلَى خِلَافَتِهِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ } وَقَدْ بَيّنَ فِي سُورَةِ الْحَشْرِ مَنْ الصّادِقُونَ وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ بِقَوْلِهِ { أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ } فَأَمَرَ الّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالْإِيمَانَ أَنْ يَكُونُوا مَعَهُمْ أَيْ تَبَعًا لَهُمْ فَحَصَلَتْ الْخِلَافَةُ فِي الصّادِقِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَاسْتَحَقّوهَا بِهَذَا الِاسْمِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الصّادِقِينَ مَنْ سَمّاهُ اللّهُ الصّدّيقَ إلّا أَبُو بَكْرٍ فَكَانَتْ لَهُ خَاصّةً ثُمّ لِلصّادِقِينَ بَعْدَهُ . .
ذِكْرُ شَجَاعَةِ الْمُجَاهَدِينَ مِنْ قَبْلُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ
ثُمّ قَالَ { وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ } أَيْ وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ وَمَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ أَيْ جَمَاعَةٌ فَمَا وَهَنُوا لِفَقْدِ نَبِيّهِمْ وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوّهِمْ وَمَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنْ اللّهِ تَعَالَى وَعَنْ دِينِهِمْ وَذَلِكَ الصّبْرِ وَاَللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [ ص 301 ]
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاحِدُ الرّبّيّينَ رِبّيّ وَقَوْلُهُمْ الرّبَابُ ، لِوَلَدِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أَدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ وَلِضَبّةَ لِأَنّهُمْ تَجَمّعُوا وَتَحَالَفُوا ، مِنْ هَذَا ، يُرِيدُونَ الْجَمَاعَاتِ . وَوَاحِدَةُ الرّبَابِ : رِبّةٌ ( وَرِبَابَةٌ ) وَهِيَ جَمَاعَاتٌ قِدَاحٌ أَوْ عِصِيّ وَنَحْوِهَا ، فَشَبّهُوهَا بِهَا . قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ :
وَكَأَنّهُنّ رِبَابَةٌ وَكَأَنّهُ ... يَسَرٌ يَفِيضُ عَلَى الْقِدَاحِ وَيَصْدَعُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ :
حَوْلَ شَيَاطِينِهِمْ أَبَابِيلُ رِبّ ... يّونَ شَدّوا سِنّوْرًا مَدْسُورَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالرّبَابَةُ ( أَيْضًا ) الْخِرْقَةُ الّتِي تُلَفّ فِيهَا الْقِدَاحُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالسّنّوْرُ الدّرُوعُ . وَالدّسُرُ هِيَ الْمَسَامِيرُ الّتِي فِي الْحِلَقِ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } قَالَ الشّاعِرُ وَهُوَ أَبُو الْأَخْرَزِ الْحِمّانِيّ ، مِنْ تَمِيمٍ دَسْرًا بِأَطْرَافِ الْقَنَا الْمُقَوّمِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَيْ فَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالُوا ، وَاعْلَمُوا إنّمَا ذَلِكَ بِذُنُوبِ مِنْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ كَمَا اسْتَغْفَرُوهُ وَامْضُوا عَلَى دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهِمْ وَلَا تَرْتَدّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ رَاجِعِينَ وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبّتَ أَقْدَامَكُمْ وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَكُلّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ . وَقَدْ قُتِلَ نَبِيّهُمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا كَمَا فَعَلْتُمْ { فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدّنْيَا } بِالظّهُورِ عَلَى عَدُوّهِمْ { وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ } وَمَا وَعَدَ اللّهُ فِيهَا ، وَاَللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ .
Sرِبّيّونَ وَرَفْعُهَا فِي الْآيَةِ
[ ص 300 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى : " وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِير ٌ " ارْتَفَعَ رِبّيّونَ عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ إسْحَاقَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الضّمِيرِ فِي قُتِلَ وَهَذَا أَصَحّ التّفْسِيرَيْنِ لِأَنّهُ قَالَ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ وَلَوْ كَانُوا هُمْ الْمَقْتُولِينَ مَا قَالَ فِيهِمْ مَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ أَيْ مَا ضَعُفُوا ، وَقَدْ يُخَرّجُ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ رِبّيّونَ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ بِقُتِلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَمَا وَهَنُوا أَيْ مَا وَهَنَ الْبَاقُونَ مِنْهُمْ لِمَا أُصِيبُوا بِهِ مِنْ قَتْلِ إخْوَانِهِمْ وَهَذَا وَجْهٌ وَلَكِنْ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ يَدُلّ عَلَى صِحّةِ التّفْسِيرِ الْأَوّلِ . وَقَوْلُهُ رِبّيّونَ وَهُمْ الْجَمَاعَاتُ فِي قَوْلِ أَهْلِ اللّغَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رِبّيّونَ أُلُوفٌ وَقَالَ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ : الرّبّيّ : عَشَرَةُ آلَافٍ .
تَحْذِيرُهُ إيّاهُمْ مِنْ إطَاعَةِ الْكُفّارِ
[ ص 302 ] { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا يَرُدّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أَيْ عَنْ عَدُوّكُمْ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتُكُمْ { بَلِ اللّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ } فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ صِدْقًا فِي قُلُوبِكُمْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مُرْتَدّينَ عَنْ دِينِهِ . { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ } أَيْ الّذِي بَهْ كُنْت أَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ حُجّةٍ أَيْ فَلَا تَظُنّوا أَنّ لَهُمْ عَاقِبَةَ نَصْرٍ وَلَا ظُهُورٍ عَلَيْكُمْ مَا اعْتَصَمْتُمْ بِي ، وَاتّبَعْتُمْ أَمْرِي ، لِلْمُصِيبَةِ الّتِي أَصَابَتْكُمْ مِنْهُمْ بِذُنُوبِ قَدّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ خَالَفْتُمْ بِهَا أَمْرِي لِلْمَعْصِيَةِ وَعَصَيْتُمْ بِهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ وَقَدْ وَفّيْت لَكُمْ بِمَا وَعَدْتُكُمْ مِنْ النّصْرِ عَلَى عَدُوّكُمْ إذْ تُحِسّونَهُمْ بِالسّيُوفِ أَيْ الْقَتْلِ بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَفّي أَيْدِيهمْ عَنْكُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحِسّ : الِاسْتِئْصَالُ يُقَالُ حَسَسْت الشّيْءَ أَيّ اسْتَأْصَلْته بِالسّيْفِ وَغَيْرِهِ . قَالَ جَرِيرٌ
تُحِسّهُمْ السّيُوفُ كَمَا تَسَامَى ... حَرِيقُ النّارِ فِي الْأَجَمِ الْحَصِيدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ :
إذَا شَكَوْنَا سَنَةً حَسُوسَا ... تَأْكُلُ بَعْدَ الْأَخْضَرِ الْيَبِيسَا
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . [ ص 303 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : { حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ } أَيْ تَخَاذَلْتُمْ { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ } أَيْ اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي ، أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيّكُمْ وَمَا عَهِدَ إلَيْكُمْ يَعْنِي الرّمَاةَ { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ } أَيْ الْفَتْحَ لَا شَكّ فِيهِ وَهَزِيمَةُ الْقَوْمِ عَنْ نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا } أَيْ الّذِينَ أَرَادُوا النّهْبَ فِي الدّنْيَا وَتَرْكَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطّاعَةِ الّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللّهِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضِ مِنْ الدّنْيَا ، رَغْبَةً فِيهَا ، رَجَاءَ مَا عِنْدَ اللّهِ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي الدّينِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضِ مِنْ الدّنْيَا ، لِيَخْتَبِرَكُمْ وَذَلِك بِبَعْضِ ذُنُوبِكُمْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ أَنْ لَا يُهْلِكَكُمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ نَبِيّكُمْ وَلَكِنّي عُدْت بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ وَكَذَلِكَ { مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَنْ عَاقَبَ بِبَعْضِ الذّنُوبِ فِي عَاجِلِ الدّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَةً فَإِنّهُ غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلّ مَا فِيهِمْ مِنْ الْحَقّ لَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ رَحْمَةً لَهُمْ وَعَائِدَةً عَلَيْهِمْ لِمَا فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ .
Sمِنْ تَفْسِيرِ آيَاتِ أُحُدٍ
[ ص 301 ] { فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ } وَعَلَى : تَفْسِيرِ ابْنِ إسْحَاقَ غَمّا بَعْدَ غَمّ الْبَاءُ مُتَعَلّقَةٌ بِمَحْذُوفِ التّقْدِيرُ غَمّ مَقْرُونٌ بِغَمّ وَعَلَى تَفْسِيرٍ آخَرَ مُتَعَلّقَةٌ بِأَثَابَكُمْ أَيْ أَثَابَكُمْ غَمّا بِمَا غَمَمْتُمْ نَبِيّهُ حِينَ خَالَفْتُمْ أَمْرَهُ . [ ص 302 ] { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ الّذِي كَانَ أَمِيرًا عَلَى الرّمَاةِ وَكَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَلْزَمُوا مَكَانَهُمْ وَأَلّا يُخَالِفُوا أَمْرَ نَبِيّهِمْ فَثَبَتَتْ مَعَهُ طَائِفَةٌ فَاسْتُشْهِدَ وَاسْتُشْهِدُوا ، وَهُمْ الّذِينَ أَرَادُوا الْآخِرَةَ وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْمَغْنَمِ وَأَخْذِ السّلَبِ فَكَرّ عَلَيْهِمْ الْعَدُوّ ، وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ وَفِي الْخَبَرِ : لَقَدْ رَأَيْت خَدَمَ هِنْدٍ وَصَوَاحِبَهَا ، وَهُنّ مُشَمّرَاتٌ فِي الْحَرْبِ . وَالْخَدَمُ الْخَلَاخِيلُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ حِينَ ذَكَرَ هِنْدًا ، وَأَنّهَا اتّخَذَتْ مِنْ آذَانِ الشّهَدَاءِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا ، مَعْنَاهُ الْخَلَاخِلُ أَيْضًا . [ ص 303 ] { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } فِي صَحِيحِ التّفْسِيرِ أَنّ عَتّابَ بْنَ قُشَيْرٍ هُوَ قَائِلٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَكَانَ مَنْبُوذًا بِالنّفَاقِ .
تَأْنِيبُهُ إيّاهُمْ لِفِرَارِهِمْ عَنْ نَبِيّهِمْ
ثُمّ أَنّبَهُمْ بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَدْعُونَ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إيّاهُمْ فَقَالَ { إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } أَيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْ إخْوَانِكُمْ وَعُلُوّ عَدُوّكُمْ عَلَيْكُمْ وَبِمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ قُتِلَ نَبِيّكُمْ فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا تَتَابَعَ عَلَيْكُمْ غَمّا بِغَمّ { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } مِنْ ظُهُورِكُمْ عَلَى عَوْدِكُمْ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ { وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } مِنْ قَتْلِ إخْوَانِكُمْ حَتّى فَرّجْت ذَلِكَ الْكَرْبَ عَنْكُمْ { وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وَكَانَ الّذِي فَرّجَ اللّهُ بِهِ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْبِ وَالْغَمّ الّذِي أَصَابَهُمْ أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ رَدّ عَنْهُمْ كِذْبَةَ الشّيْطَانِ بِقَتْلِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ الظّهُورِ عَلَيْهِمْ وَالْمُصِيبَةُ الّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي إخْوَانِهِمْ حِينَ صَرَفَ اللّهُ الْقَتْلَ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { ثُمّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنّ الْأَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } [ ص 304 ] فَأَنْزَلَ اللّهُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ الْيَقِينِ بِهِ فَهُمْ نِيَامٌ لَا يَخَافُونَ وَأَهْلُ النّفَاقِ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاَللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ تَخَوّفَ الْقَتْلِ وَذَلِكَ أَنّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَةً فَذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ تَلَاوُمَهُمْ وَحَسْرَتَهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ . ثُمّ قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ } لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْطِنَ الّذِي أَظْهَرَ اللّهُ فِيهِ مَعَكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ لَبَرَزَ لَأَخْرَجَ { الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } إلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يَصْرَعُونَ فِيهِ حَتّى يَبْتَلِيَ بِهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ { وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ مِمّا اسْتَخْفُوا بِهِ مَعَكُمْ .
S[ ص 304 ] { يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ } أَيْ يَظُنّونَ أَنّ اللّهَ خَاذِلٌ دِينَهُ وَنَبِيّهُ . وَقَوْلُهُ { ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ } أَيْ أَهْلَ الْجَاهِلِيّةِ كَأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ .
تَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَكُونُوا مِمّنْ يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ فِي اللّهِ
ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يَنْهَوْنَ إخْوَانَهُمْ عَنْ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالضّرْبُ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَقُولُونَ إذَا مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا : لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا { لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } لِقِلّةِ الْيَقِينِ بِرَبّهِمْ { وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ } أَيْ يُعَجّلُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخّرُ مَا يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُمْ بِقُدْرَتِهِ . قَالَ تَعَالَى : { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ } أَيْ إنّ الْمَوْتَ لَكَائِنٌ لَا بُدّ مِنْهُ فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ قَتْلٌ خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا وَأَيْقَنُوا مِمّا يَجْمَعُونَ مِنْ الدّنْيَا الّتِي لَهَا يَتَأَخّرُونَ عَنْ الْجِهَادِ تَخَوّفَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهْرَةِ الدّنْيَا زَهَادَةً فِي الْآخِرَةِ { وَلَئِنْ مُتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } أَيْ ذَلِكَ كَانَ { لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ } أَيْ إنّ إلَى اللّهِ الْمَرْجِعَ فَلَا تَغُرّنكُمْ الدّنْيَا ، وَلَا تَغْتَرّوا بِهَا ، وَلِيَكُنْ الْجِهَادُ وَمَا رَغّبَكُمْ اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْهَا .
ذِكْرُهُ رَحْمَةَ الرّسُولِ عَلَيْهِمْ
ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ } أَيْ لَتَرَكُوك { فَاعْفُ عَنْهُمْ } أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ } فَذَكَرَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 305 ] لِينَهُ لَهُمْ وَصَبْرَهُ عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ وَقِلّةِ صَبْرِهِمْ عَلَى الْغِلْظَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلّ مَا خَالَفُوا عَنْهُ مِمّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ } أَيْ تَجَاوَزْ عَنْهُمْ { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ذُنُوبَهُمْ مَنْ قَارَفَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } أَيْ لِتُرِيهِمْ أَنّك تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَتَسْتَعِينُ بِهِمْ وَإِنْ كُنْت غَنِيّا عَنْهُمْ تَأَلّفًا لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينِهِمْ { فَإِذَا عَزَمْتَ } أَيْ عَلَى أَمْرٍ جَاءَك مِنّي وَأَمْرٍ مِنْ دِينِك فِي جِهَادِ عَدُوّك لَا يُصْلِحُك وَلَا يُصْلِحُهُمْ إلّا ذَلِكَ فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْت بِهِ عَلَى خِلَافِ مَنْ خَالَفَك ، وَمُوَافَقَةِ مَنْ وَافَقَك ، { فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ } أَيْ ارْضَ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ { إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ } أَيْ لِئَلّا تَتْرُكَ أَمْرِي لِلنّاسِ وَارْفُضْ أَمْرَ النّاسِ إلَى أَمْرِي ، { وَعَلَى اللّهِ } لَا عَلَى النّاسِ { فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
S[ ص 305 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } وَفَسّرَهُ وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أُمِرَ بِمُشَاوَرَتِهِمَا .
مَا نَزَلَ فِي الْغُلُولِ
ثُمّ قَالَ { وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمّ تُوَفّى كُلّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَكْتُمَ النّاسَ مَا بَعَثَهُ اللّهُ بِهِ إلَيْهِمْ عَنْ رَهْبَةٍ مِنْ النّاسِ وَلَا رَغْبَةٍ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَأْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ ثُمّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ غَيْرَ مَظْلُومٍ وَلَا مُعْتَدًى عَلَيْهِ { أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ } عَلَى مَا أَحَبّ النّاسُ أَوْ سَخِطُوا { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ } لِرِضَا النّاسِ أَوْ لِسَخَطِهِمْ . يَقُولُ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي ، فَثَوَابُهُ الْجَنّةُ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطِ مِنْ اللّهِ وَاسْتَوْجَبَ سَخَطَهُ فَكَانَ { وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أَسَوَاءٌ الْمَثَلَانِ فَاعْرِفُوا . { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } لِكُلّ دَرَجَاتٌ مِمّا عَمِلُوا فِي الْجَنّةِ وَالنّارِ أَيْ إنّ اللّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ .
Sحُكْمُ الْغُلُولِ
وَذَكَرَ قَوْلَهُ { وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ } وَفَسّرَهُ أَنْ يَكْتُمَ مَا أَنَزَلَ اللّهُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسّرِينَ يَقُولُونَ نَزَلَتْ فِي الْغُلُولِ وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنّهُمْ فَقَدُوا قَطِيفَةً مِنْ الْمَغْنَمِ فَقَالَ قَائِلٌ لَعَلّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَخَذَهَا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ الْآيَةَ وَمَنْ قَرَأَ يُغَلّ بِضَمّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَلْقَى غَالّا ، تَقُولُ أَجْبَنْت الرّجُلَ إذَا أَلْفَيْته جَبَانًا ، وَكَذَلِكَ أَغَلَلْته : إذَا وَجَدْته . غَالّا ، وَقَدْ قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ لِبَنِي سُلَيْمٍ : قَاتَلْنَاكُمْ فَمَا أَجْبَنّاكُمْ وَسَأَلْنَاكُمْ فَمَا أَبْخَلْنَاكُمْ وَتَفْسِيرُ ابْنِ إسْحَاقَ [ ص 306 ] فَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ غَلّ أَيْ سَتَرَ وَكَذَلِكَ مَنْ خَانَ فِي شَيْءٍ وَأَخَذَهُ خُفْيَةً فَقَدْ سَتَرَهُ وَكَتَمَهُ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ السّتْرُ وَالْإِخْفَاءُ وَمِنْهُ الْغِلَالَةُ وَالْغَلَلُ لِلْمَاءِ الّذِي يُغَطّيهِ الشّجَرُ وَالنّبَاتُ وَقَدْ أَمَرَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي بَعْضِ الْمَغَازِي بِإِحْرَاقِ مَتَاعِ الْغَالّ وَأَخَذَتْ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ .
فَضْلُ اللّهِ عَلَى النّاسِ بِبَعَثُ الرّسُلَ
[ ص 306 ] قَالَ { لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أَيْ لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ إذْ بَعَثَ فِيكُمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِهِ فِيمَا أَحْدَثْتُمْ وَفِيمَا عَمِلْتُمْ فَيُعَلّمُكُمْ الْخَيْرَ وَالشّرّ لِتَعْرِفُوا الْخَيْرَ فَتَعْمَلُوا بِهِ وَالشّرّ فَتَتّقُوهُ وَيُخْبِرُكُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إذَا أَطَعْتُمُوهُ فَتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَتِهِ وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخِطَ مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ لِتَتَخَلّصُوا بِذَلِكَ مِنْ نِقْمَتِهِ وَتُدْرِكُوا بِذَلِكَ ثَوَابَهُ مِنْ جَنّتِهِ وَإِنْ كُنْتُمْ { مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ } أَيْ لَفِي عَمْيَاءَ مِنْ الْجَاهِلِيّةِ أَيْ لَا تَعْرِفُونَ حَسَنَةً وَلَا تَسْتَغْفِرُونَ مِنْ سَيّئَةٍ صُمّ عَنْ الْخَيْرِ بُكْمٌ عَنْ الْحَقّ عُمْيٌ عَنْ الْهُدَى .
ذِكْرُهُ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ
ثُمّ ذَكَرَ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ فَقَالَ { أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ إنْ تَكُ قَدْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فِي إخْوَانِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَبْلُ مِنْ عَدُوّكُمْ فِي الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرِ قَتْلًا وَأَسْرًا وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتَكُمْ وَخِلَافَكُمْ عَمّا أَمَرَكُمْ بِهِ نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتُمْ أَحَلَلْتُمْ ذَلِكَ بِأَنْفُسِكُمْ { إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ إنّ اللّهَ عَلَى مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ أَوْ عَفْوٍ قَدِيرٌ { وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ مَا أَصَابَكُمْ حِينَ الْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوّكُمْ فَبِإِذْنِي ، كَانَ ذَلِكَ حِينَ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بَعْدَ أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي ، وَصَدَقْتُكُمْ وَعْدِي ، لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ { وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُوا } مِنْكُمْ أَيْ لِيَظْهَرَ مَا فِيهِمْ . { وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا } يَعْنِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ الّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَارَ إلَى عَدُوّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِأُحُدِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ وَلَدَفَعْنَا عَنْكُمْ وَلَكِنّا لَا نَظُنّ أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ . فَأَظْهَرَ مَعَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } أَيْ يُظْهِرُونَ لَك الْإِيمَانَ وَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } أَيْ مَا يُخْفُونَ { الّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } [ ص 307 ] { لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } أَيْ أَنّهُ لَا بُدّ مِنْ الْمَوْتِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ عَنْ أَنْفُسِكُمْ فَافْعَلُوا ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ إنّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ حِرْصًا عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدّنْيَا ، وَفِرَارًا مِنْ الْمَوْتِ .
التّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ
ثُمّ قَالَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرَغّبُ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجِهَادِ وَيُهَوّنُ عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } أَيْ لَا تَظُنّن الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا : أَيْ قَدْ أَحْيَيْتهمْ فَهُمْ عِنْدِي يُرْزَقُونَ فِي رَوْحِ الْجَنّةِ وَفَضْلِهَا ، مَسْرُورِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى جِهَادِهِمْ عَنْهُ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَيْ وَيُسَرّونَ بِلُحُوقِ مَنْ لَحِقَهُمْ مِنْ إخْوَانِهِمْ عَلَى مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِمْ لِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ ثَوَابِ اللّهِ الّذِي أَعْطَاهُمْ قَدْ أَذَهَبَ اللّهُ عَنْهُمْ الْخَوْفَ وَالْحُزْنَ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } لِمَا عَايَنُوا مِنْ وَفَاءِ الْمَوْعُودِ وَعَظِيمِ الثّوَابِ .
مَصِيرُ قَتْلَى أُحُدٍ
[ ص 308 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدِ جَعَلَ اللّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ قَالُوا : يَا لَيْتَ إخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللّهُ بِنَا ، لِئَلّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عَنْ الْحَرْبِ فَقَالَ اللّهُ تَعَالَى : فَأَنَا أُبَلّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ { وَلَا تَحْسَبَنّ } [ ص 309 ] [ ص 310 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ الْأَنْصَارِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ بِبَابِ الْجَنّةِ ، فِي فِئَةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ الْجَنّةِ بُكْرَةً وَعَشِيّا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } فَقَالَ أَمَا إنّا قَدْ سَأَلْنَا عَنْهَا فَقِيلَ لَنَا : إنّهُ لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدِ جَعَلَ اللّهُ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ وَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قِنْدِيلٍ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ فَيَطّلِعُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ ؟ قَالَ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا قَالَ ثُمّ يَطّلِعُ اللّهُ عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا قَالَ ثُمّ يَطّلِعُ عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا . إلّا أَنّا نُحِبّ أَنْ تُرَدّ أَرْوَاحُنَا فِي أَجْسَادِنَا ، ثُمّ نُرَدّ إلّا الدّنْيَا ، فَنُقَاتِلُ فِيك ، حَتّى نُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى [ ص 311 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عُقَيْلٍ ، قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا أُبَشّرُك يَا جَابِرُ ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى يَا نَبِيّ اللّهِ قَالَ إنّ أَبَاك حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحُدِ أَحْيَاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ ثُمّ قَالَ لَهُ مَا تُحِبّ يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو أَنْ أَفْعَلَ بِك ؟ قَالَ أَيْ رَبّ أُحِبّ أَنْ تَرُدّنِي إلَى الدّنْيَا فَأُقَاتِلُ فِيك ، فَأُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُفَارِقُ الدّنْيَا يُحِبّ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَأَنّ لَهُ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا إلّا الشّهِيدُ فَإِنّهُ يُحِبّ أَنْ يُرَدّ إلَى الدّنْيَا ، فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلُ مَرّةً أُخْرَى
Sالشّهَادَةُ وَالشّهَدَاءُ
فَصْلٌ
[ ص 307 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ } الْآيَاتِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الّذِينَ سَمّاهُمْ اللّهُ شُهَدَاءَ بِقَوْلِهِ { وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } وَهَذَا الِاسْمُ مَأْخُوذٌ مِنْ الشّهَادَةِ أَوْ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الشّهَادَةِ فَهُوَ شَهِيدٌ بِمَعْنَى مَشْهُودٍ أَيْ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَمَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنّةِ أَمّا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ فَلِأَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ وَقَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ، قَالَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَيْ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ وَقَالَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ لِأَنّ الْمَعْنَى : أَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ وَهِيَ وِلَايَةٌ وَقِيَادَةٌ فَوُصِلَتْ بِحَرْفِ عَلَى ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الشّهَادَةِ وَتَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ أَيْ تَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا ، وَإِنْ كَانَ عَامّا فِي جَمِيعِ أُمّةِ مُحَمّدٍ - عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ - فَالشّهَدَاءُ أَوْلَى بِهَذَا الِاسْمِ إذْ هُمْ تَبَعٌ لِلصّدّيقِينَ وَالنّبِيّينَ . قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { فَأُولَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَاءِ } فَهَذَانِ وَجْهَانِ فِي مَعْنَى الشّهِيدِ إذَا جَعَلْته مُشْتَقّا مِنْ الشّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى : فَاعِلٍ أَيْضًا ، لِأَنّهُ يُشَاهِدُ مِنْ مَلَكُوتِ اللّهِ وَيُعَايِنُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ مَا لَا يُشَاهِدُ غَيْرُهُ وَيَكُونُ أَيْضًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ أَيْ إنّ الْمَلَائِكَةَ تُشَاهِدُ قَبْضَهُ وَالْعُرُوجَ بِرُوحِهِ وَنَحْوِ [ ص 308 ] وَأَوْلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلّهَا بِالصّحّةِ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ . مَشْهُودًا لَهُ بِالْجَنّةِ أَوْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا قَالَ " هَؤُلَاءِ أَنَا شَهِيدٌ عَلَيْهِمْ أَيْ قَيّمٌ عَلَيْهِمْ بِالشّهَادَةِ لَهُمْ وَإِذَا حُشِرُوا تَحْتَ لِوَائِهِ فَهُوَ وَالٍ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ شَاهِدًا لَهُمْ فَمِنْ هَاهُنَا اتّصَلَ الْفِعْلُ بِعَلَى ، فَتَقَوّى هَذَا الْوَجْهُ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ ، وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ الْعَرَبِيّةِ وَهُوَ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ ذَكَرَ الشّهَدَاءَ قَالَ " وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجَمْعِ شَهِيدٍ " ، وَلَمْ يَقُلْ شَهِيدَةً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ " وَالنّفَسَاءُ شَهِيدٌ يَجُرّهَا جَنِينُهَا بِسَرَرِهِ إلَى الْجَنّةِ " ، وَلَمْ يَقُلْ شَهِيدَةً وَفَعِيلٌ إذَا كَانَ صِفَةً لِمُؤَنّثِ كَانَ بِغَيْرِ هَاءٍ إذَا كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ نَحْوَ امْرَأَةٍ قَتِيلٍ وَجَرِيحٍ وَإِنْ كَانَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَانَ بِالْهَاءِ كَقَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ عَلِيمَةٌ وَرَحِيمَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَدَلّ عَلَى أَنّ الشّهِيدَ مَشْهُودٌ لَهُ وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَهَذَا اسْتِقْرَاءٌ مِنْ اللّغَةِ صَحِيحٌ وَاسْتِنْبَاطٌ مِنْ الْحَدِيثِ بَدِيعٌ فَقِفْ عَلَيْهِ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ الْمَرْفُوعَ وَفِيهِ أَنّ اللّهَ جَعَلَ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ ذُكِرَ لَنَا أَنّ أَرْوَاحَ الشّهَدَاءَ تَتَعَارَفُ عِنْدَ السّدْرَةِ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ بِيضٍ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ الرّوَايَةَ قَوْمٌ وَقَالُوا : لَا يَكُونُ رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ وَإِنّ ذَلِكَ مُحَالٌ وَهَذَا جَهْلٌ بِالْحَقَائِقِ فَإِنّ مَعْنَى الْكَلَامِ بَيّنٌ فَإِنّ رُوحَ الشّهِيدِ الّذِي كَانَ فِي جَسَدِهِ فِي الدّنْيَا ، يُجْعَلُ فِي جَسَدٍ آخَرَ كَأَنّهُ صُورَةُ طَائِرٍ فَيَكُونُ فِي هَذَا الْجَسَدِ الْآخَرِ كَمَا كَانَ فِي الْأَوّلِ إلَى أَنْ يُعِيدَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا خَلَقَهُ وَهَذِهِ الرّوَايَةُ لَا تُعَارِضُ مَا رَوَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي صُوَرِ طَيْرٍ خُضْرٍ وَالشّهَدَاءُ طَيْرٌ خُضْرٌ وَجَمِيعُ الرّوَايَاتِ كُلّهَا مُتّفِقَةُ الْمَعْنَى ، وَإِنّمَا الّذِي يَسْتَحِيلُ فِي الْعَقْلِ قِيَامُ حَيَاتَيْنِ بِجَوْهَرِ وَاحِدٍ فَيَحْيَا الْجَوْهَرُ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَأَمّا رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ فَلَيْسَ بِمُحَالِ إذَا لَمْ نَقُلْ بِتَدَاخُلِ الْأَجْسَامِ فَهَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمّهِ وَرُوحِهِ غَيْرُ [ ص 309 ] قِيلَ لَهُمْ إنّ الطّائِرَ لَهُ رُوحٌ غَيْرُ رُوحِ الشّهِيدِ وَهُمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ فَكَيْفَ وَإِنّمَا قَالَ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ أَيْ فِي صُورَةِ طَيْرٍ خُضْرٍ كَمَا تَقُولُ رَأَيْت مَلَكًا فِي صُورَةِ إنْسَانٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ " إنّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلَقُ فِي ثَمَرِ الْجَنّةِ " تَأَوّلَهُ بَعْضُهُمْ مَخْصُوصًا بِالشّهِيدِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنّمَا الشّهِيدُ فِي الْجَنّةِ يَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ ثُمّ يَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلّقَةٍ فِي الْعَرْشِ وَغَيْرُ الشّهِيدِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ نَسَمَتُهُ أَيْ رُوحُهُ طَائِرٌ لَا أَنّ رُوحَهُ جُعِلَ فِي جَوْفِ طَائِرٍ لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ كَمَا فَعَلَ بِالشّهِيدِ لَكِنّ الرّوحَ نَفْسَهُ طَائِرٌ يَعْلَقُ بِشَجَرِ الْجَنّةِ يَعْلَقُ بِفَتْحِ اللّامِ يَنْشَبُ بِهَا ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْهَا ، وَمَنْ رَوَاهُ يَعْلَقُ فَمَعْنَاهُ يُصِيبُ الْعَلَقَةَ أَيْ يَنَالُ مَعَهَا مَا هُوَ دُونَ نَيْلِ الشّهِيدِ فَضَرَبَ الْعَلَقَةَ مَثَلًا ، لِأَنّ مَنْ أَصَابَ الْعَلَقَةَ مِنْ الطّعَامِ وَالشّرَابِ فَقَدْ أَصَابَ دُونَ مَا أَصَابَ غَيْرُهُ مِمّنْ أَدْرَكَ الرّغَدَ فَهُوَ مِثْلُ مَضْرُوبٍ يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى . وَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِيَعْلَقُ الْأَكْلَ نَفْسَهُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالشّهِيدِ فَتَكُونُ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ بِالضّمّ لِلشّهَدَاءِ وَرِوَايَةُ الْفَتْحِ لِمَنْ دُونَهُمْ فَاَللّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُهُ مِنْ ذَلِكَ . وَقَوْلُهُ ثُمّ تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ يُصَدّقُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَزّ وَجَلّ { وَالشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } [ الْحَدِيدُ 19 ] . وَإِنّمَا تَأْوِي إلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ لَيْلًا ، وَتَسْرَحُ نَهَارًا ، فَتَعْلَمُ بِذَلِكَ اللّيْلَ مِنْ النّهَارِ وَبَعْدَ دُخُولِ الْجَنّةِ فِي الْآخِرَةِ لَا تَأْوِي إلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - وَإِنّمَا ذَلِكَ مُدّةُ الْبَرْزَخِ هَذَا مَا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ . وَقَالَ مُجَاهِدٌ : الشّهَدَاءُ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ الْجَنّةِ وَلَيْسُوا فِيهَا ، وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو عُمَرَ قَوْلَ مُجَاهِدٍ ، وَرَدّهُ وَلَيْسَ بِمُنْكَرِ عِنْدِي ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرِهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " الشّهَدَاءُ بِنَهَرِ " أَوْ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ " بَارِقٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ فِي قِبَابٍ خُضْرٍ يَأْتِيهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْهَا بُكْرَةً وَعَشِيّا " ، فَهَذَا يُبَيّنُ مَا أَرَادَ مُجَاهِدٌ ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَمِمّا وَقَعَ السّيرَةُ أَيْضًا ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ هِشَامٍ حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، قَالَ حَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ [ ص 310 ] الشّهَدَاءُ ثَلَاثَةٌ فَأَدْنَى الشّهَدَاءُ عِنْدَ اللّهِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ لَا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَا يُقْتَلَ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ قَالَ فَأَوّلُ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهِ يَغْفِرُ اللّهُ بِهَا مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ثُمّ يُهْبِطُ اللّهُ إلَيْهِ جَسَدًا مِنْ السّمَاءِ فَيَجْعَلُ فِيهِ رُوحَهُ ثُمّ يُصْعَدُ بِهِ إلَى اللّهِ فَمَا يَمُرّ بِسَمَاءِ مِنْ السّمَوَاتِ إلّا شَيّعَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَتّى يَنْتَهِيَ بِهِ إلَى اللّهِ فَإِذَا انْتَهَى بِهِ إلَيْهِ وَقَعَ سَاجِدًا ، ثُمّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُكْسَى سَبْعِينَ زَوْجًا مِنْ الْإِسْتَبْرَقِ " ، ثُمّ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ شَقَائِقِ النّعْمَان وَحَدّثَ كَعْبُ الْأَخْبَارِ عَنْ قَوْلِ - رَسُولِ اللّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ - فَقَالَ كَعْبُ الْأَخْبَارِ أَجَلّ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ شَقَائِقِ النّعْمَانِ ثُمّ يَقُولُ اذْهَبُوا بِهِ إلَى إخْوَتِهِ مِنْ الشّهَدَاءِ ، فَاجْعَلُوهُ . مَعَهُمْ فَيُؤْتَى بِهِ إلَيْهِمْ مِنْ قُبّةٍ خَضْرَاءَ فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ حُوتٌ وَنُورٌ مِنْ الْجَنّةِ لِغَدَائِهِمْ فَيَلْعَبَانِهِمْ حَتّى إذَا كَثُرَ عَجَبُهُمْ مِنْهَا طَعَنَ الثّوْرُ الْحُوتَ بِقَرْنِهِ فَبَقَرَهُ . لَهُمْ عَمّا يَدْعُونَ . ثُمّ يَرُوحَانِ عَلَيْهِمْ لِعَشَائِهِمْ فَيُلَعّبَانِهِمْ حَتّى إذَا كَثُرَ عَجَبُهُمْ مِنْهُمَا ضَرَبَ الْحُوتُ الثّوْرَ بِذَنْبِهِ فَبَقَرَهُ . لَهُمْ عَمّا يَدْعُونَ فَإِذَا انْتَهَى إلَى إخْوَانِهِ سَأَلُوهُ . تَسْأَلُوا الرّاكِبَ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ بِلَادَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ فَيَقُولُ أَفْلَسَ فَيَقُولُونَ فَمَا أَهْلَكَ مَالَهُ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ لَكَيّسًا جَمُوعًا تَاجِرًا ، فَيُقَالُ لَهُمْ إنّا لَا نَعُدّ الْفَلَسَ مَا تَعُدّونَ وَإِنّمَا نَعُدّ الْفَلَسَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَمَا فَعَلَ فُلَانٌ وَامْرَأَتُهُ فُلَانَةُ ؟ فَيَقُولُ طَلّقَهَا ، فَيَقُولُونَ فَمَا الّذِي نَزَلَ بَيْنَهُمَا ، حَتّى طَلّقَهَا ، فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ بِهَا لَمُعْجَبًا ؟ فَيَقُولُونَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ فَيَقُولُونَ مَاتَ أيهات قَبْلُ بِزَمَانِ فَيَقُولُونَ هَلَكَ وَاَللّهِ مَا سَمِعْنَا لَهُ بِذِكْرِ إنّ لِلّهِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا : عَلَيْنَا ، [ ص 311 ] أَرَادَ اللّهُ بِعَبْدِ خَيْرًا أَمَرّ بِهِ عَلَيْنَا ، فَعَرَفْنَا ، وَعَرَفْنَا مَتَى مَاتَ وَاذَا أَرَادَ اللّهُ بِعَبْدِ شَرّا خُولِفَ بِهِ عَنّا ، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرِ هَلَكَ وَاَللّهِ فُلَانٌ فَإِنّ هَذَا لِأَدْنَى الشّهَدَاءِ عِنْدَ اللّهِ نَزْلَةً وَإِنّ الْآخَرَ رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ يُحِبّ أَنْ يَقْتُلَ وَلَا يُقْتَلَ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ فَذَلِكَ رَفِيقُ إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحُكّ رُكْبَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ وَأَفْضَلُ الشّهَدَاءِ : رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ يُحِبّ أَنْ يَقْتُلَ وَأَنْ يُقْتَلَ وَقَاتَلَ حَتّى قَتَلَ قَعْصًا فَذَلِكَ يَبْعَثُهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَاهِرًا سَيْفَهُ يَتَمَنّى عَلَى اللّهِ لَا يَسْأَلُهُ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ [ ص 312 ] وَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْحُوتِ وَلَعِبُهُ مَعَ الثّوْرِ وَقَدْ خَرّجَهُ هَنّادُ بْنُ السّرِيّ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ فِي كِتَابِ الرّقَاقِ لَهُ بِأَكْثَرَ مِمّا وَقَعَ هَا هُنَا ، وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْهُ ذَكَرَ أَكْلَ أَهْلِ الْجَنّةِ مِنْ كَبِدٍ أَوّلَ مَا يَأْكُلُونَ ثُمّ يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنّةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَابِ التّفَكّرِ وَالِاعْتِبَارِ أَنّ الْحُوتَ لَمّا كَانَ عَلَيْهِ قَرَرُ هَذِهِ الْأَرْضِ وَهُوَ حَيَوَانٌ سَابِحٌ لِيَسْتَشْعِرَ أَهْلُ هَذِهِ الدّارِ أَنّهُمْ فِي مَنْزِلٍ قُلْعَةٍ وَلَيْسَ بِدَارِ قَرَارٍ فَإِذَا نُحِرَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنّةَ فَأَكَلُوا مِنْ كَبِدِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ إشْعَارٌ لَهُمْ بِالرّاحَةِ مِنْ دَارِ الزّوَالِ وَأَنّهُمْ قَدْ صَارُوا إلَى دَارِ الْقَرَارِ كَمَا يُذْبَحُ لَهُمْ الْكَبْشُ الْأَمْلَحُ عَلَى الصّرَاطِ وَهُوَ صُورَةُ الْمَوْتِ لِيَسْتَشْعِرُوا أَنْ لَا مَوْتَ وَأَمّا الثّوْرُ فَهُوَ آلَةُ الْحَرْثِ وَأَهْلُ الدّنْيَا لَا يَخْلَوْنَ مِنْ أَحَدِ الْحَرْثَيْنِ حَرْثٍ لِدُنْيَاهُمْ وَحَرْثٍ لِأُخْرَاهُمْ فَفِي نَحْرِ الثّوْرِ لَهُمْ هُنَالِكَ إشْعَارٌ بِإِرَاحَتِهِمْ مِنْ الْكَدّيْنِ وَتَرْفِيهِهِمْ مِنْ نَصَبِ الْحَرْثَيْنِ فَاعْتَبِرْ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ .
إغْفَالُ ابْنِ إسْحَاقَ نَسَبَ عُبَيْدِ بْنِ التّيّهَانِ
فَصْلٌ
[ ص 313 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ عُبَيْدَ بْنَ التّيّهَانِ . وَاسْمُ التّيّهَانِ مَالِكٌ " وَلَمْ يَرْفَعْ نَسَبَهُ وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي هَذَا النّسَبِ حَيْثُ وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ نَسَبٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ رَفَعْنَاهُ عِنْدَ ذِكْرِ أَبِي الْهَيْثَمِ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ هُنَالِكَ . وَقَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : وَلَا مِثْلَ أَضْيَافِ الْأَرَاشِيّ مَعْشَرَا
[ ص 314 ] أَبَا الْهَيْثَمِ فَجَعَلَهُ إرَاشِيّا ، وَلَيْسَتْ إرَاشَةً مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَنَسَبَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُ إلَى بَلِيّ ، وَقَالُوا : هُوَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ ، وَلَيْسَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيّ فِي الْمُسْتَشْهَدِ يَوْمَ أُحُدٍ : عُبَيْدُ بْنُ التّيّهَانِ ، وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَابْنُ عُمَارَةَ هُوَ عَتِيكُ بْنُ التّيّهَانِ .
أَبُو حَنّةَ أَوْ حَبّةَ
[ ص 315 ] وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا حَبّةٍ الْأَنْصَارِيّ الْبَدْرِيّ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو حَنّةَ بْنُ ثَابِتٍ بِالنّونِ وَكَذَلِكَ قَالَ الْوَاقِدِيّ ، قَالَ لَيْسَ فِيمَنْ شَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ اسْمِهِ أَبُو حَبّة بِالْبَاءِ وَكَذَلِكَ رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ : أَبُو حَنّةَ بِالنّونِ شَهِدَ بَدْرًا ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَهُوَ مِنْ [ ص 316 ] الْأَوْسِ ، وَاسْمُهُ ثَابِتٍ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ وَالِاخْتِلَافُ فِي اسْمِهِ وَفِي كُنْيَتِهِ كَثِيرٌ . وَأَمّا أَبُو حَبّةَ الْمُسْتَشْهَدُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، فَهُوَ أَبُو حَبّةَ بْنُ غَزِيّةَ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ مِنْ أَسْفَلَ وَلَمْ [ ص 317 ] يُؤْبَهُ بِقَوْلِهِ وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو ، وَهُوَ مِنْ الْخَزْرَجِ ، وَالْأَوّلُ مِنْ الْأَوْسِ ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْأَوّلِ أَوْ حَيّةُ بِيَاءِ مُعْجَمَةٍ بِاثْنَتَيْنِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 318 ] بِالشّامِ ، وَحَنّةُ أُمّ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَخَنّةُ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِنْتُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ الْقَاضِي ، وَهِيَ أُمّ مُحَمّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيّ الْفَقِيهِ وَجَنّةُ بِالْجِيمِ لَا يُعْرَفُ إلّا أَبُو جَنّةَ خَالُ ذِي الرّمّةِ الشّاعِرِ قَالَهُ ابْنُ مَاكُولَا . [ ص 319 ] وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ سَلَمَةُ بِفَتْحِ اللّامِ تَقَيّدَ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْأُصُولِ الصّحَاحِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ، وَذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي بَابِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ [ ص 320 ] وَأَخْبَرَ أَنّهَا رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَكَذَلِكَ ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَيْضًا أَنّهَا رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
ذِكْرُ مَنْ خَرَجُوا مَعَ الرّسُولِ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ } أَيْ الْجِرَاحُ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ { لِلّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وَالنّاسُ الّذِينَ قَالُوا لَهُمْ مَا قَالُوا ، النّفَرُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ الّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ مَا قَالَ قَالُوا إنّ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إلَيْكُمْ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } لِمَا صَرَفَ اللّهُ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاءِ عَدُوّهِمْ { إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ } أَيْ لِأُولَئِكَ الرّهْطِ وَمَا أَلْقَى الشّيْطَانُ عَلَى أَفْوَاههمْ { يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أَيْ يَرْهَبُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } أَيْ الْمُنَافِقُونَ [ ص 312 ] { إِنّهُمْ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللّهُ أَلّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَا يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } أَيْ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِهِ لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ أَيْ يُعَلّمُهُ ذَلِكَ { فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتّقُوا } أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا { فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ }
ذِكْرُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِأُحُدِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ؟ قَتَلَهُ وَحْشِيّ ، غُلَامُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ . مِنْ بَنِي أُمَيّةَ وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
[ ص 313 ] بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَتَلَهُ ابْنُ قَمِئَةَ اللّيْثِيّ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : شَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ الْأَنْصَارِ
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ : عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ وَعُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّكَنُ بْنُ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ، وَيُقَالُ السّكَنُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ زَعَمَ لِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ أَبَاهُمَا ثَابِتًا قُتِلَ يَوْمَئِذٍ . وَرِفَاعَةُ بْنُ وَقْشٍ . وَحُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ وَهُوَ الْيَمَانُ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ وَلَا يَدْرُونَ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ وَصَيْفِيّ بْنُ قَيْظِيّ . وَحَبَابُ بْنُ قَيْظِيّ . وَعَبّادُ بْنُ سَهْلٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
مِنْ رَاتِجٍ
وَمِنْ أَهْلِ رَاتِجٍ : إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ؟ وَعُبَيْدُ بْنُ التّيّهَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَتِيكُ بْنُ التّيّهَانِ . وَحَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَيْمٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي ظَفَرٍ
[ ص 314 ] بَنِي ظَفَرٍ : يَزِيدُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ : أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرِ بْنِ صَيْفِيّ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أُمَةَ ، هُوَ غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ قَتَلَهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شَعُوبٍ اللّيْثِيّ رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَيْسُ : بْنُ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَمَالِكُ بْنُ أُمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ .
مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ : أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : أَبُو حَيّةَ وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ لِأُمّهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو حَيّةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ وَهُوَ أَمِيرُ الرّمَاةِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي السّلْمِ
وَمِنْ بَنِي السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : خَيْثَمَةُ أَبُو سَعْدِ بْنُ خَيْثَمَةَ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ : رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ
وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ سُبَيْعُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي النّجّارِ
[ ص 315 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سُوَيْبِقُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ حَاطِبِ بْنِ هَيْشَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنِيّ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ، وَابْنُهُ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ قَيْسِ : بْنُ زَيْدِ بْنِ سَوَادٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ ، وَعَامِرُ بْنُ مَخْلَدٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي مَبْذُولٍ
وَمِنْ بَنِي مَبْذُولٍ أَبُو هُبَيْرَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَقَفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَبْذُولٍ وَعَمْرُو بْنُ مُطّرِفِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرٍو رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَمْرٍو
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ : أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ . رَجُلٌ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْسُ بْنُ ثَابِتٍ أَخُو حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ .
مِنْ بَنِي عَدِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّار ِ أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَسُ بْنُ النّضْرِ ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : خَادِمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
مِنْ بَنِي مَازِنٍ
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّار ِ قَيْسُ بْنُ مَخْلَدٍ وَكَيْسَانُ عَبْدٌ لَهُنّ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي دِينَارٍ
وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ : سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
[ ص 316 ] بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَأَوْسُ بْنُ الْأَرْقَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ
وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ : مَالِكُ بْنُ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ ، وَهُوَ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اسْمُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ سِنَانٌ وَيُقَالُ سَعْدٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَعِيدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ
وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ : ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ وَثَقْفُ بْنُ فَرْوَةَ بْنِ الْبَدِيّ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي طَرِيفٍ
وَمِنْ بَنِي طَرِيفٍ ، رَهْطُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ ، وَضَمْرَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي جُهَيْنَةَ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَوْفٍ
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنَمِ بْنِ سَالِمٍ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ ، وَنُعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ فِهْرِ بْنِ غَنَمِ بْنِ سَالِمٍ وَالْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ ، وَعُبَادَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ . دُفِنَ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَالْمُجَذّرُ وَعُبَادَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي الْحُبْلَى
[ ص 317 ] بَنِي الْحُبْلَى : رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرٍو . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي سَلِمَةَ
وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ، دَفْنًا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو أَيْمَنَ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي سَوَادٍ
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنَمٍ : سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ ، وَمَوْلَاهُ عَنْتَرَةُ ، وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرٍ : ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، وَعُبَيْدُ بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُبَيْدُ بْنُ الْمُعَلّى ، مِنْ بَنِي حَبِيبٍ .
عَدَدُ الشّهَدَاءِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، خَمْسَةٌ وَسِتّونَ رَجُلًا .
مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ السّبْعِينَ الشّهَدَاءِ الّذِينَ ذَكَرْنَا ، مِنْ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ : مَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ .
مِنْ بَنِي خَطْمَةَ
وَمِنْ بَنِي خَطْمَةَ - وَاسْمُ خَطْمَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ - الْحَارِثُ بْنُ عَدِيّ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَطْمَةَ .
مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ
[ ص 318 ] الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكٍ : مَالِكُ بْنُ إيَاسَ .
مِنْ بَنِي عَمْرٍو
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : إيَاسُ بْنُ عَدِيّ .
مِنْ بَنِي سَالِمٍ
وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ : عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ .
ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ مِنْ أَصْحَابِ اللّوَاءِ : طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، ( و ) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَمُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ ، وَالْجُلّاسُ بْنُ طَلْحَةَ ، قَتَلَهُمَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، وَكِلَابُ بْنُ طَلْحَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ طَلْحَةَ قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ ، حَلِيفٌ لِبَنِي ظَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَ كِلَابًا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَرْطَاةُ بْنُ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأَبُو يَزِيدَ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَصُؤَابٌ غُلَامٌ لَهُ حَبَشِيّ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ . [ ص 319 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْقَاسِطُ بْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ قُزْمَانُ . أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ . قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي زُهْرَةِ
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : أَبُو الْحَكَمِ بْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَسُبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى وَاسْمُ عَبْد الْعُزّى : عَمْرُو بْنُ نَضْلَةَ بْنُ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَفْصَى - حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ ، هِشَامُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَأَبُو أُمَيّةَ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ قُزْمَانُ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، وَهُوَ أَبُو عَزّةَ قَتَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَبْرًا ، وَأُبَيّ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : عُبَيْدَةُ بْنُ جَابِرٍ ، وَشَيْبَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّبِ قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَ عُبَيْدَةَ بْنَ جَابِرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ .
عَدَدُ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ
[ ص 320 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ قَتَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا .
ذِكْرُ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ يَوْمَ أُحُدٍ
شِعْرُ هُبَيْرَةَ
[ ص 321 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ ، قَوْلُ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ [ ص 322 ] [ ص 323 ]
مَا بَالُ هَمّ عَمِيدٍ بَاتَ يَطْرُقُنِي ... بِالْوُدّ مِنْ هِنْدَ إذْ تَعْدُو عَوَادِيهَا
بَاتَتْ تُعَاتِبُنِي هِنْدٌ وَتَعْذُلُنِي ... وَالْحَرْبُ قَدْ شُغِلَتْ عَنّي مَوَالِيهَا
مَهْلًا فَلَا تَعْذِلِينِي إنّ مِنْ خُلُقِي ... مَا قَدْ عَلِمْت وَمَا إنْ لَسْت أُخْفِيهَا
مُسَاعِفٌ لِبَنِي كَعْبٍ بِمَا كَلِفُوا ... حَمّالُ عَبْءٍ وَأَثْقَالٌ أُعَانِيهَا
وَقَدْ حَمَلْت سِلَاحِي فَوْقَ مُشْتَرَفٍ ... سَاطٍ سَبُوحٍ إذَا تَجْرِي يُبَارِيهَا
كَأَنّهُ إذْ جَرَى عِيرٌ بِفَدْفَدَةِ ... مُكَدّمٌ لَاحِقٌ بِالْعَوْنِ يَحْمِيهَا
مِنْ آلِ أَعْوَجَ يَرْتَاحُ النّدِيّ لَهُ ... كَجَذْعِ شَعْرَاءَ مُسْتَعْلٍ مَرَاقِيهَا
أَعْدَدْته وَرِقَاقَ الْحَدّ مُنْتَخَلَا ... وَمَارِنًا لِخُطُوبِ قَدْ أُلَاقِيهَا
هَذَا وَبَيْضَاءَ مِثْلُ النّهْيِ مُحْكَمَةٌ ... نِيطَتْ عَلَيّ فَمَا تَبْدُو مَسَاوِيهَا
سُقْنَا كِنَانَةَ مِنْ أَطْرَافِ ذِي يَمَنٍ ... عُرْضُ الْبِلَادِ عَلَى مَا كَانَ يُزْجِيهَا
قَالَتْ كِنَانَةُ أَنّى تَذْهَبُونَ بِنَا ؟ ... قُلْنَا : النّخِيلَ فَأَمّوهَا وَمَنْ فِيهَا
نَحْنُ الْفَوَارِسُ يَوْمَ الْجَرّ مِنْ أُحُدٍ ... هَابَتْ مَعَدّ فَقُلْنَا نَحْنُ نَأْتِيهَا
هَابُوا ضِرَابًا وَطَعْنًا صَادِقًا خَذِمًا ... مِمّا يَرَوْنَ وَقَدْ ضُمّتْ قَوَاصِيهَا
ثُمّتْ رُحْنَا كَأَنّا عَارِضٌ بَرِدٌ ... وَقَامَ هَامُ بَنِي النّجّارِ يَبْكِيهَا
كَأَنّ هَامَهُمْ عِنْدَ الْوَغَى فِلَقٌ ... مِنْ قَيْضِ رُبْدٍ نَفَتْهُ عَنْ أَدَاحِيهَا
أَوْ حَنْظَلَ ذَعْذَعَتْهُ الرّيحُ فِي غُصْنٍ ... بَالٍ تَعَاوَرَهُ مِنْهَا سَوَافِيهَا
قَدْ نَبْذُلُ الْمَالَ سَحّا لَا حِسَابَ لَهُ ... وَنَطْعَنُ الْخَيْلَ شَزْرًا فِي مَآقِيهَا
وَلَيْلَةً يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا
وَلَيْلَةً مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيّةٍ قَدْ بِتّ أَسْرِيهَا
لَا يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ ... مِنْ الْقَرِيسِ وَلَا تَسْرِي أَفَاعِيهَا
أَوْقَدَتْ فِيهَا لِذِي الضّرّاءِ جَاحِمَةً ... كَالْبَرْقِ ذَاكِيَةَ الْأَرْكَانِ أَحْمِيهَا
أَوْرَثَنِي ذَاكُمْ عَمْرٌو وَوَالِدُهُ ... مِنْ قَبْلِهِ كَانَ بِالْمَثْنَى يُغَالِيهَا
كَانُوا يُبَارُونَ أَنْوَاءَ النّجُومِ فَمَا ... دَنَتْ عَنْ السّورَةِ الْعُلْيَا مَسَاعِيهَا
شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى هُبَيْرَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ
سُقْتُمْ كِنَانَةَ جَهْلًا مِنْ سَفَاهَتِكُمْ ... إلَى الرّسُولِ فَجَنّدَ اللّهُ مُخْزِيهَا
أَوْرَدْتُمُوهَا حِيَاضَ الْمَوْتِ صَاحِيَةً ... فَالنّارُ مَوْعِدُهَا ، وَالْقَتْلُ لَاقِيهَا
جَمَعْتُمُوهَا أَحَابِيشًا بِلَا حَسَبٍ ... أَئِمّةُ الْكُفْرِ غَرّتْكُمْ طَوَاغِيهَا
أَلّا اعْتَبَرْتُمْ بِخَيْلِ اللّهِ إذْ قَتَلَتْ ... أَهْلَ الْقَلِيبِ وَمَنْ أَلْقَيْنَهُ فِيهَا
كَمْ مِنْ أَسِيرٍ فَكَكْنَاهُ بِلَا ثَمَنٍ ... وَجَزّ نَاصِيَةٍ كُنّا مَوَالِيهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَيّتَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الّذِي يَقُولُ فِيهِ
وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا
يُرْوَى لِجَنُوبَ أُخْتِ عَمْرٍو ذِي الْكَلْبِ الْهُذَلِيّ فِي أَبْيَاتٍ لَهَا فِي غَيْرِ يَوْمِ أُحُدٍ .
Sشَرْحُ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ الْأَشْعَارِ
[ ص 321 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلّا مَنْ [ ص 322 ] آمَنَ مِنْهُمْ لَكِنّهُ ذَكَرَ فِي شِعْرِ هُبَيْرَةَ الّذِي بَدَأَ بِهِ بَيْتَيْنِ لَيْسَا مِنْ شِعْرِهِ فَلِذَلِكَ ذَكَرْتهمَا ، وَهُمَا :
وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا
فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيّةٍ قَدْ بِتّ أَسْرِيهَا
قَوْلُهُ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ أَيْ يَسْتَدْفِئُ بِهِ مِنْ شِدّةِ الْبَرْدِ .
حَوْلَ جَمْعِ نَدَى وَأَسْمَاءِ الشّهُورِ
وَقَوْلُهُ يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثْرِينَ يُرِيدُ يَخْتَصّ الْأَغْنِيَاءَ طَلَبًا لِمُكَافَأَتِهِمْ وَلِيَأْكُلَ عِنْدَهُمْ يَصِفُ شِدّةَ الزّمَانِ قَالَهُ يَعْقُوبُ فِي الْأَلْفَاظِ وَنَسَبَهُمَا الْهُذَلِيّ ، وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ أَنّهُمَا لَيْسَا لِهُبَيْرَةَ وَنَسَبَهُمَا لِجَنُوبَ أُخْتِ عَمْرٍو ذِي الْكَلْبِ الْهُذَلِيّ . وَقَوْلُهُ ذَاتُ أَنْدِيَةٍ جَمْعُ نَدَى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقَدْ قِيلَ إنّهُ جَمْعُ الْجَمْعِ كَأَنّهُ [ ص 323 ] جَمْعُ نَدَى عَلَى نِدَاءٍ مِثْلُ جَمَلٍ وَجِمَالٍ ثُمّ جَمْعُ الْجَمْعِ عَلَى أَفْعِلَةٍ وَهَذَا بَعِيدٌ فِي الْقِيَاسِ لِأَنّ الْجَمْعَ الْكَثِيرَ لَا يُجْمَعُ وَفَعّالٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ الْكَثِيرِ وَقَدْ قِيلَ هُوَ جَمْعُ نَدِيّ وَالنّدِيّ الْمَجْلِسُ وَهَذَا لَا يُشْبِهُ مَعْنَى الْبَيْتِ وَلَكِنّهُ جَمْعٌ جَاءَ عَلَى مِثَالٍ أَفْعِلَةٍ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى الْأَهْوِيَةِ وَالْأَشْتِيَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ أَنّهُ فِي مَعْنَى الرّذَاذِ وَالرّشَاشِ وَهُمَا يُجْمَعَانِ عَلَى أَفْعِلَةٍ وَأَرَادَ بِجُمَادَى الشّهْرَ وَكَانَ هَذَا الِاسْمُ قَدْ وَقَعَ عَلَى هَذَا الشّهْرِ فِي زَمَنِ جُمُودِ الْمَاءِ ثُمّ انْتَقَلَ بِالْأَهِلّةِ وَبَقِيَ الِاسْمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي الصّيْفِ وَالْقَيْظِ وَكَذَلِكَ أَكْثَرُ هَذِهِ الشّهُورِ الْعَرَبِيّةِ سُمّيَتْ بِأَسْمَاءِ مَأْخُوذَةٍ مِنْ أَحْوَالِ السّنَةِ الشّمْسِيّةِ ثُمّ لَزِمَتْهَا ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ تِلْكَ الْأَوْقَاتِ .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى هُبَيْرَةَ
[ ص 324 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ أَيْضًا [ ص 325 ] [ ص 326 ] [ ص 327 ]
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ عَنّا وَدُونَهُمْ ... مِنْ الْأَرْضِ خَرْقٌ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ
صَحَارٍ وَأَعْلَامٌ كَأَنّ قَتَامَهَا ... مِنْ الْبُعْدِ نَقْعٌ هَامِدٌ مُتَقَطّعُ
تَظَلّ بِهِ الْبُزْلُ الْعَرَامِيسُ رُزّحًا ... وَيَخْلُو بِهِ غَيْثُ السّنِينَ فَيُمْرَعُ
بِهِ جِيَفُ الْحَسْرَى يَلُوحُ صَلِيبُهَا ... كَمَا لَاحَ كَتّانُ التّجَارِ الْمُوَضّعُ
بِهِ الْعِينُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خَلِفَةً ... وَبَيْضُ نَعَامٍ قَيْضُهُ يَتَقَلّعُ
مَجَالِدُنَا عَنْ دِينِنَا كُلّ فَخْمَةٍ ... مُذَرّبَةٍ فِيهَا الْقَوَانِسُ تَلْمَعُ
وَكُلّ صَمُوتٍ فِي الصّوَانِ كَأَنّهَا ... إذَا لُبِسَتْ تَهْيٌ مِنْ الْمَاءِ مُتْرَعُ
وَلَكِنْ بِبَدْرِ سَائِلُوا مَنْ لَقِيتُمْ ... مِنْ النّاسِ وَالْأَنْبَاءِ بِالْغَيْبِ تُدْفَعُ
وَإِنّا بِأَرْضِ الْخَوْفِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا ... سِوَانَا لَقَدْ أَجْلَوْا بِلَيْلِ فَأَقْشَعُوا
إذَا جَاءَ مِنّا رَاكِبٌ كَانَ قَوْلُهُ ... أَعِدّوا لِمَا يُزْجِي ابْنُ حَرْبٍ وَيَجْمَعُ
فَمَهْمَا يُهِمّ النّاسَ مِمّا يَكِيدُنَا ... فَنَحْنُ لَهُ مِنْ سَائِرِ النّاسِ أَوْسَعُ
فَلَوْ غَيْرُنَا كَانَتْ جَمِيعًا : تَكِيدُهُ الْبَ ... رّيّةُ قَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَوَزّعُوا
نُجَالِدُ لَا تَبْقَى عَلَيْنَا قَبِيلَةٌ ... مِنْ النّاسِ إلّا أَنْ يَهَابُوا وَيَفْظَعُوا
وَلَمّا ابْتَنَوْا بِالْعَرْضِ قَالَ سُرَاتُنَا ... عَلَامَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ الْعِرْضَ نَزْرَعُ ؟
وَفِينَا رَسُولُ اللّهِ نَتْبَعُ أَمْرَهُ ... إذَا قَالَ فِينَا الْقَوْلَ لَا نَتَطَلّعُ
تَدَلّى عَلَيْهِ الرّوحُ مِنْ عِنْدِ رَبّهِ ... يَنْزِلُ مِنْ جَوّ السّمَاءِ وَيُرْفَعُ
نُشَاوِرُهُ فِيمَا نُرِيدُ وَقَصْرُنَا ... إذَا مَا اشْتَهَى أَنّا نُطِيعُ وَنَسْمَعُ
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ لَمّا بَدَوْا لَنَا ... ذَرُوا عَنْكُمْ هَوْلَ الْمَنِيّاتِ وَاطْمَعُوا
وَكُونُوا كَمَنْ يَشْرِي الْحَيَاةَ تَقَرّبًا ... إلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيْهِ وَيُرْجَعُ
وَلَكِنْ خُذُوا أَسْيَافَكُمْ وَتَوَكّلُوا ... عَلَى اللّهِ إنّ الْأَمْرَ لِلّهِ أَجْمَعُ
فَسِرْنَا إلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحَالِهِمْ ... ضُحَيّا عَلَيْنَا الْبِيضُ لَا نَتَخَشّعُ
بِمَلْمُومَةِ فِيهَا السّنّوْرُ وَالْقَنَا ... إذَا ضَرَبُوا أَقْدَامَهَا لَا تَوَرّعُ
فَجِئْنَا إلَى مَوْجٍ مِنْ الْبَحْرِ وَسَطُهُ ... أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنّعٌ
ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيّةٌ ... ثَلَاثُ مِئِينٍ إنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ
نُغَاوِرُهُمْ تَجْرِي الْمَنِيّةُ بَيْنَنَا ... نُشَارِعُهُمْ حَوْضَ الْمَنَايَا وَنَشْرَعُ
تَهَادَى قَسَيّ النّبْعِ فِينَا وَفِيهِمْ ... وَمَا هُوَ إلّا الْيَثْرِبِيّ الْمُقَطّعُ
وَمَنْجُوفَةٌ حِرْمِيّةٌ صَاعِدِيّةٌ ... يُذَرّ عَلَيْهَا السّمّ سَاعَةَ تُصْنَعُ
تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرّجَالِ وَتَارَةً ... تَمُرّ بِأَعْرَاضِ الْبِصَارِ تَقَعْقَعُ
وَخَيْلٌ تَرَاهَا بِالْفَضَاءِ كَأَنّهَا ... جَرَادٌ صَبّا فِي قَرّةٍ يَتَرَيّعُ
فَلَمّا تَلَاقَيْنَا وَدَارَتْ بِنَا الرّحَى ... وَلَيْسَ لِأَمْرِ حَمّهُ اللّهُ مَدْفَعُ
ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ ... كَأَنّهُمْ بِالْقَاعِ خُشُبٌ مُصَرّعُ
لَدُنْ غُدْوَةً حَتّى اسْتَفَقْنَا عَشِيّةً ... كَأَنّ ذَكَانَا حَرّ نَارٍ تَلَفّعُ
وَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجِفِينَ كَأَنّهُمْ ... جِهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرّيحُ مُقَلّعُ
وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةِ ظُلّعُ
فَنَلِنَا وَنَالَ الْقَوْمُ مِنّا وَرُبّمَا ... فَعَلْنَا وَلَكِنْ مَا لَدَى اللّهِ أَوْسَعُ
وَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ ... وَقَدْ جُعِلُوا كُلّ مِنْ الشّرّ يَشْبَعُ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبّةً ... عَلَى كُلّ مَنْ يَحْمِي الذّمَارَ وَيَمْنَعُ
جِلَادٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لَا نَرَى ... عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا الدّهْرَ تَدْمَعُ
بَنُو الْحَرْبِ لَا نَعْيَا بِشَيْءِ نَقُولُهُ ... وَلَا نَحْنُ بِمَا جَرَتْ الْحَرْبُ نَجْزَعُ
بَنُو الْحَرْبِ إنْ نَظْفَرْ فَلَسْنَا بِفُحْشِ ... وَلَا نَحْنُ مِنْ أَظْفَارِهَا نَتَوَجّعُ
وَكُنّا شِهَابًا يَتّقِي النّاسُ حَرّهُ ... وَيَفْرُجُ عَنْهُ مَنْ يَلِيهِ وَيَسْفَعُ
فَخَرْت عَلَيّ ابْنَ الزّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى ... لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ مُتْبَعُ
فَسَلْ عَنْك فِي عُلْيَا مَعَدّ وَغَيْرِهَا ... مِنْ النّاسِ مَنْ أَحْزَى مَقَامًا وَأَشْنَعَ
وَمَنْ هُوَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الْحَرْبُ مَفْخَرًا ... وَمَنْ حَدّهُ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ أَضْرَعُ
شَدَدْنَا بِحَوْلِ اللّهِ وَالنّصْرِ شِدّةً ... عَلَيْكُمْ وَأَطْرَافُ الْأَسِنّةِ سُرّعُ
تَكُرّ الْقَنَا فِيكُمْ كَأَنّ فُرُوعَهَا ... عَزّ إلَى مَزَادٍ مَاؤُهَا يَتَهَرّعُ
عَمَدْنَا إلَى أَهْلِ اللّوَاءِ وَمَنْ يَطِرْ ... بِذِكْرِ اللّوَاءِ فَهُوَ فِي الْحَمْدِ أَسْرَعُ
فَخَانُوا وَقَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَخَاذَلُوا ... أَبَى اللّهُ إلّا أَمْرَهُ وَهُوَ أَصْنَعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ قَالَ مُجَالَدُنَا عَنْ جِذْمِنَا كُلّ فَخْمَةٍ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا ؟ فَقَالَ كَعْبٌ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهُوَ أَحْسَنُ فَقَالَ كَعْبٌ مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا
Sشَرْحُ شِعْرِ كَعْبٍ
[ ص 324 ] وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ وَأَوّلُهُ أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ . وَقَدْ افْتَتَحَ قَصِيدَةً أُخْرَى فِي أَشْعَارِ بَدْرٍ بِهَذَا اللّفْظِ فَقَالَ أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا
وَإِنّمَا يَذْكُرُ غَسّانَ لِأَنّهُمْ بَنُو عَمّ الْأَنْصَارِ ، وَالْأَنْصَارُ بَنُو حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ . وَاَلّذِينَ بِالشّامِ بَنُو جُحْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، وَالْكُلّ غَسّانُ ، لِأَنّ غَسّانَ مَاءٌ شَرِبُوا مِنْهُ حِينَ ارْتِحَالُهُمْ مِنْ الْيَمَنِ فَسُمّوا بِهِ . وَقَوْلُهُ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ أَيْ مُضْطَرِبٌ . وَقَوْلُهُ الْعَرَامِيسُ جَمْعُ عِرْمِسٌ وَهِيَ النّاقَةُ الْقَوِيّةُ عَلَى السّيْرِ . وَقَوْلُهُ قَيْضُهُ يَتَفَلّعُ أَيْ يَتَشَقّقُ وَالْقَيْضُ قُشُورُ الْبَيْضِ وَالْقَوَانِسُ جَمْعُ قَوْنَسٍ وَهِيَ بَيْضَةُ السّلَاحِ . وَقَوْلُهُ وَكُلّ صَمُوتٍ فِي الصّوَانِ ، يَعْنِي : الدّرْعَ جَعَلَهَا صَمُوتًا لِشِدّةِ نَسْجِهَا وَإِحْكَامِ [ ص 325 ] الْغَدِيرُ ، سُمّيَ بِذَلِكَ لِأَنّ مَاءَهُ قَدْ مُنِعَ مِنْ الْجَرَيَانِ بِارْتِفَاعِ الْأَرْضِ فَغَادَرَهُ السّيْلُ فَسُمّيَ غَدِيرًا ، وَنَهَتْهُ الْأَرْضُ فَسُمّيَ نَهْيًا . وَقَوْلُهُ وَمَنْجُوفَةٌ مَفْعُولَةٌ مِنْ نَجَفْت : إذَا حَفَرْت ، وَيَكُونُ أَيْضًا مِنْ نَجَفْت الْعَنْزَ إذَا [ ص 326 ] كَانَ أَرَادَ الرّمَاحَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ مَنْجُوفَةٌ أَيْ مَشْدُودَةٌ مُثَقّفَةٌ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَسِنّتَهَا ، فَهِيَ أَيْضًا مُتَجَوّفَةٌ مِنْ نَجَفْت إذَا حَفَرْت ، لِأَنّ ثَعْلَبَ الرّمْحِ دَاخِلٌ فِي الْحَدِيدَةِ فَهِيَ مَنْجُوفَةٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ السّيُوفَ فَمَنْجُوفَةٌ أَيْ كَالْمَحْفُورَةِ لِأَنّ مُتُونَهَا مِدْوَسَةٌ مَضْرُوبَةٌ بِمَطَارِقِ الْحَدِيدِ فَهِيَ كَالْمَحْفُورَةِ . وَقَوْلُهُ
تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرّجَالِ وَتَارَةً ... تَمُرّ بِأَعْرَاضِ الْبِصَارِ تَقَعْقَعُ
يَقُولُ تَشُقّ أَبْدَانَ الرّجَالِ حَتّى تَبْلُغَ الْبِصَارَ فَتَقَعْقَعُ فِيهَا ، وَهِيَ جَمْعُ بَصْرَةٍ وَهِيَ حِجَارَةٌ لَيّنَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ جَمْعَ بَصِيرَةٍ مِثْلُ كَرِيمَةٍ وَكِرَامٍ وَالْبَصِيرَةُ الدّرْعُ وَقِيلَ التّرْسُ وَالْبَصِيرَةُ أَيْضًا : طَرِيقَةُ الدّمِ فِي الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ فَهِيَ جَدِيّةٌ وَلَا مَعْنَى لَهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ .
شِعْرٌ لِابْنِ الزّبَعْرَى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ : [ ص 328 ]
يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسَمِعْت فَقُلْ ... إنّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ
إنّ لِلْخَيْرِ وَلِلشّرّ مَدًى ... وَكِلًا وَجْهٌ وَقَبَلْ
وَالْعَطِيّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَهُمْ ... وَسَوَاءٌ قَبْرٌ مُثْرٍ وَمُقِلْ
كُلّ عَيْشٍ وَنَعِيمٍ زَائِلٌ ... وَبَنَاتُ الدّهْرِ يَلْعَبْنَ بِكُلّ
أَبْلِغْنَ حَسّانَ عَنّي آيَةً ... فَقَرِيضُ الشّعْرِ يَشْفِي ذَا الْعِلَلْ
كَمْ تَرَى بِالْجَرّ مِنْ جُمْجُمَةٍ ... وَأَكُفّ قَدْ أُتِرّتْ وَرِجِلْ
وَسَرَابِيلَ حِسَانٍ سُرِيَتْ ... عَنْ كُمَاةٍ أُهْلِكُوا فِي الْمُنْتَزَلْ
كَمْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ سَيّدٍ ... مَاجِدِ الْجَدّيْنِ مِقْدَامٍ بَطَلْ
صَادِقِ النّجْدَةِ قَرْمٍ بَارِعٍ ... غَيْرِ مُلْتَاثٍ لَدَى وَقْعِ الْأَسَلْ
فَسَلْ الْمِهْرَاسَ مَنْ سَاكِنُهُ ؟ ... بَيْنَ أَقْحَافٍ وَهَامٍ كَالْحَجَلْ
لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرِ شَهِدُوا ... جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ الْأَسَلْ
حِينَ حَكّتْ بِقَبَاءِ بَرْكَهَا ... وَاسْتَحَرّ الْقَتْلَ فِي عَبْدِ الْأَشَلْ
ثُمّ خُفّوا عِنْدَ ذَاكُمْ رُقّصًا ... رَقَصَ الْحَفّان يَعْلُو فِي الْجَبَلْ
فَقَتَلْنَا الضّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ... وَعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْرٍ فَاعْتَدَلْ
لَا أَلُومُ النّفْسَ إلّا أَنّنَا ... لَوْ كَرّرْنَا لَفَعَلْنَا الْمُفْتَعَلْ
بِسُيُوفِ الْهِنْدِ تَعْلُو هَامَهُمْ ... عِلَلًا تَعْلُوهُمْ بَعْدَ نَهَلْ
Sشَرْحُ شِعْرٍ لِابْنِ الزّبَعْرَى
[ ص 327 ] ابْنِ الزّبَعْرَى :
يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسَمِعْت ، فَقُلْ ... إنّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ
إقْرَارُ الْجَاهِلِيّةِ بِالْقَدَرِ قَوْلُهُ قَدْ فُعِلْ أَيْ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيّةِ يُقِرّونَ بِالْقَدْرِ وَقَالَ لَبِيدٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ
إنّ تَقْوَى رَبّنَا خَيْرُ نَفَلْ ... وَبِإِذْنِ اللّهِ رَيْثِي وَالْعَجَلْ
مَنْ هُدَاهُ سُبُلَ الْخَيْرِ اهْتَدَى ... نَاعِمَ الْبَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلْ
وَقَالَ رَاجِزُهُمْ
يَا أَيّهَا اللّائِمُ لُمْنِي ، أَوْ فَذَرْ ... إنْ كُنْت أَخْطَأْت فَمَا أَخْطَا الْقَدَرُ
[ ص 328 ] مُلْتَاثٍ هُوَ مُفْتَعَلٌ مِنْ اللّوثَةِ كَمَا قَالَ الضّبّيّ : عِنْدَ الْحَفِيظَةِ إنْ ذِي لُوثَةٍ لَانَا
وَالْمِهْرَاسُ : حَجَرٌ مَنْقُورٌ يَمْسِكُ الْمَاءَ فَيَتَوَضّأُ مِنْهُ شُبّهَ بِالْمِهْرَاسِ الّذِي هُوَ الْهَاوُونُ وَوَهِمَ الْمُبَرّدُ فَجَعَلَ الْمِهْرَاسَ اسْمًا عَلَمًا لِلْمِهْرَاسِ الّذِي بِأُحُدِ خَاصّةً وَإِنّمَا هُوَ اسْمٌ لِكُلّ حَجَرٍ نُقِرَ فَأَمْسَكَ الْمَاءَ . وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ عَنْ مَالِكٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَمُرّ بِمِهْرَاسِ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ كَيْفَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ ؟ فَقَالَ مَالِكٌ هَلّا قُلْت مَرّ بِغَدِيرِ وَمَنْ يُجْعَلُ لَهُ مِهْرَاسًا فِي أَرْضِ فَلَاةٍ ؟ فَهَذَا يُبَيّنُ لَك أَنّ الْمِهْرَاسَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْمِهْرَاسِ الّذِي كَانَ بِأُحُدِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَرّ بِقَوْمِ يَتَجَاذَوْنَ مِهْرَاسًا أَيْ يَرْفَعُونَهُ .
رَدّ حَسّانَ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى
[ ص 329 ] حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ
ذَهَبَتْ يَا ابْنَ الزّبَعْرَى وَقْعَةٌ ... كَانَ مِنّا الْفَضْلُ فِيهَا لَوْ عَدَلْ
وَلَقَدْ نِلْتُمْ وَنَلِنَا مِنْكُمْ ... وَكَذَاكَ الْحَرْبُ أَحْيَانًا دُوَلْ
نَضَعُ الْأَسْيَافَ فِي أَكْتَافِكُمْ ... حَيْثُ نَهْوِي عِلَلًا بَعْدَ نَهَلْ
نُخْرِجُ الْأَصْبَحَ مِنْ أَسْتَاهِكُمْ ... كَسِلَاحِ النّبِيبِ يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ
إذْ تُوَلّونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... هَرَبًا مِنْ الشّعْبِ أَشْبَاهَ الرّسَلْ
إذْ شَدَدْنَا شِدّةً صَادِقَةً ... فَأَجَأْنَاكُمْ إلَى سَفْحِ الْجَبَلْ
بِخَنَاطِيلَ كَأَشْرَافِ الْمَلَا ... مَنْ يُلَاقُوهُ مِنْ النّاسِ يُهَلْ
ضَاقَ عَنّا الشّعْبُ إذْ يَجْزَعُهُ ... وَمَلَأْنَا الْفَرْطَ مِنْهُ وَالرّجَلْ
بِرِجَالِ لَسْتُمْ أَمْثَالَهُمْ ... أَيّدُوا جِبْرِيلَ نَصْرًا فَنَزَلْ
وَعَلَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالتّقَى ... طَاعَةِ اللّهِ وَتَصْدِيقِ الرّسُلْ
وَقَتَلْنَا كُلّ رَأْسٍ مِنْهُمْ ... وَقَتَلْنَا كُلّ جَحْجَاحٍ رِفَلْ
وَتَرَكْنَا فِي قُرَيْشٍ عَوْرَةً ... يَوْمَ بَدْرٍ وَأَحَادِيثَ الْمَثَلْ
وَرَسُولُ اللّهِ حَقّا شَاهِدٌ ... يَوْمَ بَدْرٍ وَالتّنَابِيلُ الْهُبُلْ
فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جُمّعُوا ... مِثْلَ مَا يُجْمَعُ فِي الْخِصْبِ الْهَمَلْ
نَحْنُ لَا أَمْثَالُكُمْ وُلْدَ اسْتِهَا ... نَحْضُرُ النّاسَ إذَا الْبَأْسُ نَزَلْ
[ ص 331 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ : " وَأَحَادِيثُ الْمِثْلِ " وَالْبَيْتُ الّذِي قَبْلَهُ . وَقَوْلُهُ " فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جَمّعُوا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
Sشِعْرُ حَسّانَ يَرُدّ بِهِ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى
[ ص 329 ] هُرّبًا فِي الشّعْبِ أَشْبَاهَ الرّسَلْ
يَعْنِي : الْغَنَمَ إذَا أَرْسَلَهَا الرّاعِي ، يُقَالُ لَهَا حِينَئِذٍ رَسَلٌ . وَقَوْلُهُ كَأَشْرَافِ الْمَلَا ، الْأَشْرَافُ جَمْعُ شَرَفٍ وَهُوَ الشّخْصُ وَالْمَلَا : مَا اتّسَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَيُرِيدُ بِالْأَشْرَافِ هَاهُنَا أَشْخَاصُ الشّجَرِ وَأُصُولُهَا . وَقَوْلُهُ يُهَلّ ، أَرَادَ فَيُهَالُ ثُمّ جُزِمَ لِلشّرْطِ فَانْحَذَفَتْ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السّاكِنَيْنِ وَهُوَ مِنْ الْهَوْلِ يُقَالُ هَالَنِي الْأَمْرُ يَهُولُنِي هَوْلًا إذَا أَفْزَعَك . وَقَوْلُهُ وَمَلَأْنَا الْفَرْطَ أَرَادَ الْفَرَطَ بِتَحْرِيكِ الرّاءِ وَهِيَ الْأَكَمَةُ وَمَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَالرّجَلُ جَمْعُ رَجْلَةٍ وَهُوَ الْمُطَمّسُ مِنْ الْأَرْضِ وَالرّجْلَةُ أَيْضًا فِي مَعْنَى الرّجْلِ مِنْ الْجَرَادِ قَالَ الشّاعِرُ
وَتَحْتَ نُحُورِ الْخَيْلِ حَرْشَفُ رَجْلَةٍ
يُرِيدُ بِالْحَرْشَفِ جَمَاعَةَ الرّبَا ، وَهُمْ صِغَارُ الْجَرَادِ ضَرَبَهُمْ مَثَلًا لِلرّجّالَةِ وَالرّمَاةِ وَجَمْعُ الْفَرَطِ أَفْرَاطٌ . [ ص 330 ] الْعَرَبُ عِنْدَ السّبّ تَقُولُ يَا بَنِي اسْتِهَا ، وَالْوَلَدُ بِمَعْنَى الْأَوْلَادِ . وَكَتَبَ أَهْلُ دِمَشْقَ إلَى أَهْلِ مِزّةَ وَهِيَ عَلَى فَرْسَخٍ مِنْ دِمَشْقَ وَكَانُوا أَمْسَكُوا عَنْهُمْ الْمَاءَ فَكَتَبُوا إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ إلَى بَنِي اسْتِهَا . وَبَعْدُ فَإِمّا أَنْ يُمْسِيَنَا الْمَاءُ وَإِلّا صَبّحَتْكُمْ الْخَيْلُ . ذَكَرَهُ الْجَاحِظُ .
مَتَى يَضُرّ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرّ ؟
وَقَوْلُهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَيّدُوا جِبْرِيلَ أَيْ أَيّدُوا بِجِبْرِيلَ وَحُذِفَ الْجَارُ فَتَعَدّى الْفِعْلُ فَنُصِبَ وَلَا يَضُرّ هَذَا الْحَذْفُ إلّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدّي بِحَرْفِ جَرّ مُتَضَمّنًا لِمَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ نَاصِبٍ كَقَوْلِهِمْ أَمَرْتُك الْخَيْرَ أَيْ كَلّفْتُك الْخَيْرَ وَأَلْزَمْتُكَهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ نَهَيْتُك الشّرّ إذْ لَيْسَ فِي مَعْنَى نَهَيْتُك فِعْلٌ نَاصِبٌ وَقَوْلُهُ أَيّدُوا جِبْرِيلَ أَيْ أُصْحِبُوهُ وَنَحْوُ هَذَا ، فَحَسُنَ حَذْفُ الْبَاءِ لِهَذَا .
عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانَ
وَقَوْلُ حَسّانَ
نُخْرِجُ الْأَصْبَحَ مِنْ اسْتَاهِكُمْ
رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ نُخْرِجُ الْأَضْيَاحَ وَهُوَ اللّبَنُ الْمَمْزُوجُ بِالْمَاءِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَصْبَحِ لِأَنّ الصّبْحَةَ بَيَاضٌ غَيْرُ خَالِصٍ فَجَعَلَهُ وَصْفًا لِلّبَنِ الْمَمْذُوقِ الْمُخْرَجِ مِنْ بُطُونِهِمْ . وَقَوْلُهُ
كَسِلَاحِ النّيْبِ يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ
[ ص 331 ] أَكَلَتْهُ وَيُكْثِرُ شُرْبَهَا لِلْمَاءِ وَهُوَ مِنْ الْحَمْضِ ، وَيَنْبُتُ فِي السّبَاخِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَقَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
نَشَجْت وَهَلْ لَك مِنْ مَنْشِجِ ... وَكُنْت مَتَى تَذّكِرْ تَلْجَجَ
تَذَكّرُ قَوْمٍ أَتَانِي لَهُمْ ... أَحَادِيثُ فِي الزّمَنِ الْأَعْوَجِ
فَقَلْبُك مِنْ ذِكْرِهِمْ خَافِقٌ ... مِنْ الشّوْقِ وَالْحَزَنِ الْمُنْضِجِ
وَقَتْلَاهُمْ فِي جِنَانِ النّعِيمِ ... كِرَامُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ
بِمَا صَبَرُوا تَحْتَ ظِلّ اللّوَاءِ ... لِوَاءُالرّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجِ
غَدَاةَ أَجَابَتْ بِأَسْيَافِهَا ... جَمِيعًا بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ
وَأَشْيَاعُ أَحْمَدَ إذْ شَايَعُوا ... عَلَى الْحَقّ النّورَ وَالْمَنْهَجَ
فَمَا بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الْكُمَاةَ ... وَيَمْضُونَ فِي الْقَسْطَلِ الْمُرْهَجِ
كَذَلِكَ حَتّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ ... إلَى جَنّةِ دَوْحَةِ الْمَوْلِجِ
فَكُلّهُمْ مَاتَ حُرّ الْبَلَاءِ ... عَلَى مِلّةِ اللّهِ لَمْ يَحْرَجْ
كَحَمْزَةِ لَمّا وَفّى صَادِقًا ... بِذِي هِبَةٍ صَارِمِ سَلْجَجْ
فَلَاقَاهُ عَبْدُ بَنِي نَوْفَلٍ ... يُبَرْبِرُ كَالْجَمَلِ الْأَدْعَجْ
فَأَوْجَرَهُ حَرْبَةً كَالشّهَابِ ... تَلَهّبُ فِي اللّهَبِ الْمُوهَجْ
وَنُعْمَانُ أَوْفَى بِمِيثَاقِهِ ... وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرُ لَمْ يُحْنَجْ
عَنْ الْحَقّ حَتّى غَدَتْ رُوحُهُ ... إلَى مَنْزِلٍ فَاخِرِ الزّبْرِجْ
أُولَئِكَ لَا مَنْ ثَوَى مِنْكُمْ ... مِنْ النّارِ فِي الدّرَكِ الْمُرْتَجْ
Sشِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
وَقَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : لِوَاءِ الرّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجِ
الْأَضْوُجُ جَمْعُ ضَوْجٍ وَالضّوْجُ جَانِبُ الْوَادِي . وَقَوْلُهُ فِي الْقَسْطَلِ الْمُرْهِجِ . الْقَسْطَلُ الْغُبَارُ وَكَذَلِكَ الرّهَجُ وَقَدْ شَرَحْنَا السّلْجَجَ فِيمَا مَضَى ، وَالْجَمَلُ الْأَدْعَجُ يَعْنِي الْأَسْوَدَ وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي صِفَةِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ . [ ص 332 ]
وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرُ لَمْ يُحْنَجْ
أَيْ لَمْ يُمْلِهِ شَيْءٌ عَنْ الطّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ يُقَالُ حَنَجْت الشّيْءَ إذَا أَمَلْته وَعَدَلْته عَنْ وَجْهِهِ وَيُقَالُ أَيْضًا : أَحْنَجْتُهُ فَهُوَ مُحْنَجٌ وَسَيَأْتِي فِي الشّعْرِ بَعْدَ هَذَا مَا يَدُلّ عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ
عَنْ الْحَقّ حَتّى غَدَتْ رُوحُهُ
أَنّثَ الرّوحَ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى النّفْسِ وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ . أَمَرَ ذُو الرّمّةِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى قَبْرِهِ
يَا نَازِعَ الرّوحِ مِنْ جِسْمِي إذَا قُبِضْت ... وَفَارِجَ الْكَرْبِ أَنْقِذْنِي مِنْ النّارِ
فَكَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عَلَى قَبْرِهِ . وَقَوْله : فَاخِرِ الزّبْرِجِ أَيْ فَاخِرُ الزّينَةِ أَيْ ظَاهِرُهَا . وَقَوْلُهُ فِي الدّرَكِ الْمُرْتَجِ أَيْ الْمُغْلَقِ يُقَالُ ارْتَجْتُ الْبَابَ إذَا أَغْلَقْته ، وَهُوَ مِنْ الرّتَاجِ قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ الْعَرَبِ مَاتَتْ أُمّهَا ، وَتَزَوّجَ أَبُوهَا :
وَلَكِنْ قَدْ أَتَى مِنْ دُونِ وُدّي ... وَبَيْنَ فُؤَادِهِ غَلْقُ الرّتَاجِ
وَمَنْ لَمْ يُؤْذِهِ أَلَمٌ بِرَأْسِي ... وَمَا الرّئْمَانُ إلّا بِالنّتَاجِ
وَمِنْهُ قِيلَ ارْتَجْ عَلَى الْخَطِيبِ إذَا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُ الْقَوْلِ .
شِعْرُ ضِرَارٍ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ
[ ص 333 ] ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ ، فَقَالَ
أَيَجْزَعُ كَعْبٌ لِأَشْيَاعِهِ ... وَيَبْكِي مِنْ الزّمَنِ الْأَعْوَجِ
عَجِيجَ الْمُذَكّي رَأَى إلْفَهُ ... تَرُوحُ فِي صَادِرِ مُحْنَجِ
فَرَاحَ الرّوَايَا وَغَادَرْنَهُ ... يُعَجْعَجُ قَسْرًا وَلَمْ يُخْدَجْ
فَقُولَا لِكَعْبِ يُثْنِي اُلْبُكَا ... وَلِلنّيءِ مِنْ لَحْمِهِ يَنْضَجْ
لِمَصْرَعِ إخْوَانِهِ فِي مَكَرّ ... مِنْ الْخَيْلِ ذِي قَسْطَلِ مُرْهَجِ
فَيَا لَيْتَ عَمْرًا وَأَشْيَاعَهُ ... وَعُتْبَةَ فِي جَمَعْنَا السّوْرَجُ
فَيَشْفُوا النّفُوسَ بِأَوْتَارِهَا ... بِقَتْلَى أُصِيبَتْ مِنْ الْخَزْرَجِ
وَقَتْلَى مِنْ الْأَوْسِ فِي مَعْرَكٍ ... أُصِيبُوا جَمِيعًا بِذِي الْأَضْوُجِ
وَمَقْتَلُ حَمْزَةَ تَحْتَ اللّوَاءِ ... بِمُطَرّدِ مَازِنٍ مُخْلَجِ
وَحَيْثُ انْثَنَى مُصْعَبٌ ثَاوِيًا ... بِضَرْبَةِ ذِي هَبّةٍ سَلْجَجِ
بِأُحُدِ وَأَسْيَافُنَا فِيهِمْ ... تَلَهّبُ كَاللّهَبِ الْمُوَهّجِ
غَدَاةَ لَقِينَاكُمْ فِي الْحَدِيدِ ... كَأُسْدِ الْبَرَاحِ فَلَمْ تُعْنَجْ
بِكُلّ مُجَلّحَةٍ كَالْعُقَابِ ... وَأَجْرَدَ ذِي مَيْعَةَ مُسْرَجِ
فَدُسْنَاهُمْ ثُمّ حَتّى انْثَنَوْا ... سِوَى زَاهِقِ النّفْسِ أَوْ مُحْرَجِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارِ . وَقَوْلُ كَعْبٍ " ذِي النّورِ وَالْمَنْهَجِ " عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .
S[ ص 333 ] شِعْرِ ضِرَارٍ : فِي جَمْعِنَا السّوْرَجُ وَهُوَ فَوْعَلٌ مِنْ السّرَاجِ يُرِيدُ الْمُضِيءَ .
شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ ، يَبْكِي الْقَتْلَى :
أَلَا ذَرَفَتْ مِنْ مُقْلَتَيْك دُمُوعُ ... وَقَدْ بَانَ مِنْ حَبْلِ الشّبَابِ قُطُوعُ
وَشَطّ بِمَنْ تَهْوَى الْمَزَارُ وَفَرّقَتْ ... نَوَى الْحَيّ دَارٌ بِالْحَبِيبِ فَجُوعُ
وَلَيْسَ لِمَا وَلّى عَلَى ذِي حَرَارَةٍ ... وَإِنْ طَالَ تَذْرَافُ الدّمُوعِ رُجُوعُ
فَذَرْ ذَا وَلَكِنْ هَلْ أَتَى أُمّ مَالِكٍ ... أَحَادِيثُ قَوْمِي وَالْحَدِيثُ يَشِيعُ
وَمُجْنَبُنَا جُرْدًا إلَى أَهْلِ يَثْرِبَ ... عَنَاجِجَ مِنْهَا مُتْلَدُ وَنَزِيعُ
[ ص 334 ] سِرْنَا فِي لِهَامِ يَقُودُنَا ... ضَرُورُ الْأَعَادِي لِلصّدِيقِ نَفُوعُ
نَشُدّ عَلَيْنَا كُلّ زَعْفٍ كَأَنّهَا ... غَدِيرٌ بِضَوْجِ الْوَادِيَيْنِ نَقِيعُ
فَلَمّا رَأَوْنَا خَالَطَتْهُمْ مَهَابَةٌ ... وَعَايَنَهُمْ أَمْرٌ هُنَاكَ فَظِيعُ
وَوَدّوا لَوْ أَنّ الْأَرْضَ يَنْشَقّ ظُهْرُهَا ... بِهِمْ وَصَبُورُ الْقَوْمِ ثُمّ جَزُوعُ
وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ كَأَنّ وَمِيضَهَا ... حَرِيقٌ تَرَقّى فِي الْأَبَاءِ سَرِيعُ
بِأَيْمَانِنَا نَعْلُو بِهَا كُلّ هَامَةٍ ... وَمِنْهَا سِمَامٌ لِلْعَدُوّ ذَرِيعُ
فَغَادَرْنَ قَتْلَى الْأَوْسِ غَاصِبَةً بِهِمْ ... ضِبَاعٌ وَطَيْرٌ يَعْتَقِينَ وُقُوعُ
وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ فِي كُلّ تَلْعَةٍ ... بِأَبْدَانِهِمْ مَنْ وَقَعْنَ نَجِيعُ
وَلَوْلَا عُلُوّ الشّعْبِ غَادَرْنَ أَحْمَدًا ... وَلَكِنْ عَلَا وَالسّمْهَرِيّ شُرُوعُ
كَمَا غَادَرَتْ فِي الْكَرّ حَمْزَةَ ثَاوِيًا ... وَفِي صَدْرِهِ مَاضِي الشّبَاةِ وَقِيعُ
وَنُعْمَانُ قَدْ غَادَرْنَ تَحْتَ لِوَائِهِ ... عَلَى لَحْمِهِ طَيْرٌ يَجُفْنَ وُقُوعُ
بِأُحُدِ وَأَرْمَاحُ الْكُمَاةِ يُرِدْنَهُمْ ... كَمَا غَالَ أَشْطَانَ الدّلَاءِ نُزُوعُ
.
شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ
أُشَاقّك مِنْ أُمّ الْوَلِيدِ رُبُوعٌ ... بَلَاقِعُ مَا مِنْ أَهْلِهِنّ جَمِيعُ
عَفَاهُنّ صَيْفِيّ الرّيَاحِ وَوَاكِفٌ ... مِنْ الدّلْوِ رَجّافُ السّحَابِ هَمُوعُ
فَلَمْ يَبْقَ إلّا مَوْقِدُ النّارِ حَوْلَهُ ... رَوَاكِدُ أَمْثَالِ الْحَمَامِ كُنُوعِ
فَدَعْ ذِكْرَ دَارٍ بَدّدَتْ بَيْنَ أَهْلِهَا ... نَوًى لِمَتِينَاتِ الْحِبَالِ قَطُوعُ
وَقُلْ إنْ يَكُنْ يَوْمٌ بِأُحُدِ يَعُدّ ... سَفِيهٌ فَإِنّ الْحَقّ سَوْفَ يَشِيعُ
فَقَدْ صَابَرَتْ فِيهِ بَنُو الْأَوْسِ كُلّهُمْ ... وَكَانَ لَهُمْ ذِكْرٌ هُنَاكَ رَفِيعُ
وَحَامَى بَنُو النّجّارِ فِيهِ وَصَابِرُوا ... وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي اللّقَاءِ جَزُوعُ
أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ لَا يَخْذُلُونَهُ ... لَهُمْ نَاصِرٌ مِنْ رَبّهِمْ وَشَفِيعُ
وَفُوا إذْ كَفَرْتُمْ يَا سَخِينَ بِرَبّكُمْ ... وَلَا يَسْتَوِي عَبْدٌ وَفَى وَمُضِيعُ
[ ص 335 ] ... فَلَا بُدّ أَنْ يَرْدَى لَهُنّ صَرِيعُ
كَمَا غَادَرَتْ فِي النّقْعِ عُتْبَةُ ثَاوِيًا ... وَسَعْدًا صَرِيعًا وَالْوَشِيجُ شُرُوعُ
وَقَدْ غَادَرَتْ تَحْتَ الْعَنَاجَةِ مُسْنَدًا ... أَبِيّا وَقَدْ بَلّ الْقَمِيصَ نَجِيعُ
يَكُفّ رَسُولُ اللّهِ حَيْثُ تَنَضّبَتْ ... عَلَى الْقَوْمِ مِمّا قَدْ يُثِرْنَ نُقُوعُ
أُولَئِكَ قَوْمٌ سَادَةٌ مِنْ فُرُوعِكُمْ ... وَفِي كُلّ قَوْمٍ سَادَةٌ وَفُرُوعُ
بِهِنّ نُعِزّ اللّهَ حَتّى يُعِزّنَا ... وَإِنْ كَانَ أَمْرُ يَا سَخِينَ فَظِيعُ
فَلَا تَذْكُرُوا قَتْلَى وَحَمْزَةُ فِيهِمْ ... قَتِيلٌ ثَوَى لِلّهِ وَهُوَ مُطِيعُ
فَإِنّ جِنَانَ الْخُلْدِ مَنْزِلَةٌ لَهُ ... وَأَمْرُ الّذِي يَقْضِي الْأُمُورَ سَرِيعُ
وَقَتَلَاكُمْ فِي النّارِ أَفْضَلُ رِزْقُهُمْ ... حَمِيمٌ مَعًا فِي جَوْفِهَا وَصَرِيعُ
.
Sمِنْ شِعْرِ حَسّانَ
وَفِي شِعْرِ حَسّانَ : وَفُوا إذْ كَفَرْتُمْ يَا سَخِينَ بِرَبّكُمْ
[ ص 334 ] [ ص 335 ] أَرَادَ سَخِينَةَ فَرَخّمَ وَعَنَى قُرَيْشًا لِأَنّهَا كَانَتْ تُلَقّبُ بِذَلِكَ [ لِمُدَاوَمَتِهِمْ عَلَى ضَرْبِ هَذَا الْحِسَاءِ الْمُتّخَذِ مِنْ الدّقِيقِ الّذِي يُسَمّى : سَخِينَةً ] ، وَفِي أَشْعَارِ ضِرَارٍ فِي الْعَيْنِيّةِ مِنْهَا أَمْرُهَا شَاعٍ أَرَادَ شَائِعٌ فَقُلِبَتْ كَمَا قَالَ الْآخَرُ لَاثٍ بِهِ الْأَشَاءُ وَالْعُبْرِيّ أراد :لائث ؛ وكما جاء في الحديث : لا يحتكر الطعام إلا طاغ أو باغ أونازغ أراد : زائغ . وفي شعره القافي : رَشّاشُ الطّعْنِ وَالْوَرَقِ الْوَرَقُ مَا تَعَقّدَ مِنْ الدّمِ قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ مَا بِهِ رَهَقٌ أَيْ عَيْبٌ وَالْمُرَهّقُ مِنْ الرّجَالِ الْمَعِيبُ . [ ص 336 ]
شِعْرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ
[ ص 336 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهُمَا لِحَسّانَ وَابْنِ الزّبَعْرَى وَقَوْلُهُ " مَاضِي الشّبَاةِ وَطَيْرٌ يُجْفَنُ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي ( فِي ) يَوْمِ أُحُدٍ :
خَرَجْنَا مِنْ الْفَيْفَا عَلَيْهِمْ كَأَنّنَا ... مَعَ الصّبْحِ مِنْ رَضْوَى الْحَبِيكِ الْمُنَطّقِ
تَمَنّتْ بَنُو النّجّارِ جَهْلًا لِقَاءَنَا ... لَدَى جَنْبَ سَلْعٍ وَالْأَمَانِيّ تَصْدُقُ
فَمَا رَاعَهُمْ بِالشّرّ إلّا فُجَاءَةً ... كَرَادِيسُ خَيْلٍ فِي الْأَزِقّةِ تَمْرُقُ
أَرَادُوا لِكَيْمَا يَسْتَبِيحُوا قِبَابَنَا ... وَدُونِ الْقِبَابِ الْيَوْمَ ضَرْبٌ مُحَرّقُ
وَكَانَتْ قِبَابًا أُومِنَتْ قَبْلَ مَا تَرَى ... إذْ رَامَهَا قَوْمٌ أُبِيحُوا وَأُحْنِقُوا
كَأَنّ رُءُوسَ الْخَزْرَجِيّينَ غَدْوَةً ... وَأَيْمَانُهُمْ بِالْمَشْرِقِيّةِ بَرْوَقُ
شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ الْعَاصِي
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
أَلَا أَبْلِغَا فِهْرًا عَلَى نَأْيِ دَارِهَا ... وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِنَا الْيَوْمَ مَصْدَقُ
بِأَنّا غَدَاةَ السّفْحِ مِنْ بَطْنِ يَثْرِبَ ... صَبَرْنَا وَرَايَاتُ الْمَنِيّةِ تَخْفِقُ
صَبَرْنَا لَهُمْ وَالصّبْرُ مِنّا سَجِيّةٌ ... إذَا طَارَتْ الْأَبْرَامُ نَسْمُوا وَنَرْتُقُ
عَلَى عَادَةِ تِلْكُمْ جَرَيْنَا بِصَبْرِنَا ... وَقِدْمًا لَدَى الْغَايَاتِ نَجْرِي فَنَسْتَبِقْ
لَهَا حَوْمَةٌ لَا تُسْتَطَاعُ يَقُودُهَا ... نَبِيّ أَتَى بِالْحَقّ عَفّ مُصَدّقُ
أَلَا هَلْ أَتَى أَفْنَاءَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ ... مُقَطّعُ أَطْرَافٍ وَهَامٌ مُفَلّقُ
شِعْرُ ضِرَارِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ : [ ص 337 ]
إنّي وَجَدّك لَوْلَا مُقْدَمِي فَرَسِي ... إذْ جَالَتْ الْخَيْلُ بَيْنَ الْجِزْعِ وَالْقَاعِ
مَا زَالَ مِنْكُمْ بِجَنْبِ الْجَزْعِ مِنْ أُحُدٍ ... أَصْوَاتُ هَامٍ تَزَاقَى أَمْرُهَا شَاعِي
وَفَارِسٌ قَدْ أَصَابَ السّيْفُ مَفْرِقَهُ ... أَفْلَاقُ هَامَتِهِ كَفَرْوَةِ الرّاعِي
إنّي وَجَدّك لَا أَنْفَكّ مُنْتَطِقًا ... بِصَارِمِ مِثْلِ لَوْنِ الْمِلْحِ قَطّاعِ
عَلَى رِحَالَةِ مِلْوَاحٍ مُثَابَرَةٍ ... نَحْوَ الصّرِيخِ إذَا مَا ثَوّبَ الدّاعِي
وَمَا انْتَمَيْت إلَى خُورٍ وَلَا كُشُفٍ ... وَلَا لِئَامٍ غَدَاةَ الْبَأْسِ أَوْرَاعِ
بَلْ ضَارِبِينَ حَبِيك الْبِيضَ إذْ لَحِقُوا ... شُمّ الْعَرَانِينَ عِنْدَ الْمَوْتِ لُذّاعِ
شُمّ بَهَالِيلُ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... يَسْعَوْنَ لِلْمَوْتِ سَعْيًا غَيْرَ دَعْدَاعِ
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ أَيْضًا :
لَمّا أَتَتْ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مُزَيّنَةً ... وَالْخَزْرَجِيّةُ فِيهَا الْبِيضُ تَأْتَلِقُ
وَجَرّدُوا مَشْرَفِيّاتٍ مُهَنّدَةً ... وَرَايَةً كَجَنَاحِ النّسْرِ تَخْتَفِقُ
فَقُلْت يَوْمٌ بِأَيّامِ وَمَعْرَكَةٌ ... تُنْسَى لِمَا خَلْفَهَا مَا هُزْهُزُ الْوَرَقِ
قَدْ عُوّدُوا كُلّ يَوْمٍ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ ... رِيحُ الْقِتَالِ وَأَسْلَابُ الّذِينَ لَقَوْا
خَيّرْت نَفْسِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ وَجَلٍ ... مِنْهَا وَأَيْقَنْت أَنّ الْمَجْدَ مُسْتَبَقُ
أَكْرَهْت مُهْرِي حَتّى خَاضَ غَمْرَتَهُمْ ... وَبَلّهُ مِنْ نَجِيعٍ عَانِكٍ عَلَقُ
فَظَلّ مُهْرِي وَسِرْبَالِي جَسِيدُهُمَا ... نَفَخَ الْعُرُوقَ رِشَاشُ الطّعْنِ وَالْوَرَقُ
أَيْقَنْت أَنّي مُقِيمٌ فِي دِيَارِهِمْ ... حَتّى يُفَارِقَ مَا فِي جَوْفِهِ الْحَدَقُ
لَا تَجْزَعُوا يَا بَنِي مَخْزُومٍ إنّ لَكُمْ ... مِثْلَ الْمُغِيرَةِ فِيكُمْ مَا بِهِ زَهَقُ
صَبْرًا فَدَى لَكُمْ أُمّي وَمَا وَلَدَتْ ... تَعَاوَرُوا الضّرْبَ حَتّى يُدْبِرَ الشّفَقُ
.
شِعْرُ عَمْرٍو فِي يَوْمِ أُحُدٍ
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي [ ص 338 ]
لَمّا رَأَيْت الْحَرْبَ يَنْ ... زُو شَرّهَا بِالرّضْفِ نَزْرَا
وَتَنَاوَلَتْ شَهْبَاءُ تَلْحُ ... و النّاسَ بِالضّرّاءِ لَحْوًا
أَيْقَنْت أَنّ الْمَوْتَ حَقّ ... وَالْحَيَاةَ تَكُونُ لَغْوًا
حَمَلَتْ أَثَوَابِي عَلَى ... عَتَدٍ يَبُذّ الْخَيْلَ رَهْوَا
سَلِسٍ إذَا نُكِبْنَ فِي الْ ... بَيْدَاءِ يَعْلُو الطّرَفَ عُلْوَا
وَإِذَا تَنَزّلَ مَاؤُهُ ... مِنْ عِطْفِهِ يَزْدَادُ زَهْوَا
رَبِذٍ كَيَعْفُورِ الصّرِيـ ... مَةِ رَاعَهُ الرّامُونَ دَحْوَا
شَنِجٍ نَسَاهُ ضَابِطٍ ... لِلْخَيْلِ إرْخَاءً وَعَدْوَا
فَفِدَى لَهُمْ أُمّي غَدَا ... ةَ الرّوْعِ إذْ يَمْشُونَ قَطْوَا
سَيْرًا إلَى كَبْشِ الْكَتِيـ ... بَةِ إذْ جَلَتْهُ الشّمْسُ جَلْوَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعَمْرِو .
Sفِي شِعْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
[ ص 337 ] الْعَاصِي : يَمْشُونَ قَطْوًا . الْقَطْوُ وَالْأَقْطِيطَاءُ مَشْيُ الْقَطَا .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُمَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقَالَ [ ص 339 ]
أَبْلِغْ قُرَيْشًا وَخَيْرُ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ ... وَالصّدْقُ عِنْدَ ذَوِي الْأَلْبَابِ مَقْبُولُ
أَنْ قَدْ قَتَلْنَا بِقَتْلَانَا سَرَاتُكُمْ ... أَهْلَ اللّوَاءِ فَفِيمَا يَكْثُرُ الْقِيلُ
وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فِيهِ مَعَ النّصْرِ مِيكَالُ وَجِبْرِيلُ
إنْ تَقْتُلُونَا فَدِينُ الْحَقّ فِطْرَتُنَا ... وَالْقَتْلُ فِي الْحَقّ عِنْدَ اللّهِ تَفضِيلُ
وَإِنْ تَرَوْا أَمْرَنَا فِي رَأْيِكُمْ سَفَهًا ... فَرَأْيُ مَنْ خَالَفَ الْإِسْلَامَ تَضْلِيلُ
فَلَا تَمَنّوْا لِقَاحَ الْحَرْبِ وَاقْتَعِدُوا ... إنّ أَخَا الْحَرْبِ أَصْدَى اللّوْنِ مَشْغُولُ
إنّ لَكُمْ عِنْدَنَا ضَرْبًا تَرَاحُ لَهُ ... عُرْجُ الضّبَاعِ لَهُ خَذْمٌ رَعَابِيلُ
إنّا بَنُو الْحَرْبِ نَمْرِيهَا وَنَنْتُجُهَا ... وَعِنْدَنَا لِذَوِي الْأَضْغَانِ تَنْكِيلُ
إنْ يَنْجُ مِنْهَا ابْنُ حَرْبٍ بَعْدَمَا بَلَغَتْ ... مِنْهُ التّرَاقِي ، وَأَمْرُ اللّهِ مَفْعُولُ
فَقَدْ أَفَادَتْ لَهُ حِلْمًا وَمَوْعِظَةً ... لِمَنْ يَكُونُ لَهُ لُبّ وَمَعْقُولُ
وَلَوْ هَبَطْتُمْ بِبَطْنِ السّيْلِ كَافَحَكُمْ ... ضَرْبٌ بِشَاكِلَةِ الْبَطْحَاءِ تَرْعِيلُ
تَلْقَاكُمْ عُصَبٌ حَوْلَ النّبِيّ لَهُمْ ... مِمّا يُعِدّونَ لِلْهَيْجَا سَرَابِيلُ
مِنْ جِذَمُ غَسّانَ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... لَا جُبَنَاءُ وَلَا مِيلٌ مَعَازِيلُ
يَمْشُونَ تَحْتَ عَمَايَاتِ الْقِتَالِ كَمَا ... تَمْشِي الْمَصَاعِبَةُ الْأُدْمُ الْمَرَاسِيلُ
أَوْ مِثْلَ مَشْيِ أُسُودِ الظّلّ أَلْثَقَهَا ... يَوْمَ رَذَاذٍ مِنْ الْجَوْزَاءِ مَشْمُولُ
فِي كُلّ سَابِغَةٍ كَالنّهْيِ مُحْكَمَةٍ ... قِيَامُهَا فَلَجٌ كَالسّيْفِ بُهْلُولُ
تَرُدّ حَدّ قِرَامِ النّبْلِ خَاسِئَةً ... وَيَرْجِعُ السّيْفُ عَنْهَا وَهُوَ مَفْلُولُ
وَلَوْ قَذَفْتُمْ بِسَلْعِ عَنْ ظُهُورِكُمْ ... وَلِلْحَيَاةِ وَدُفَعُ الْمَوْتِ تَأْجِيلُ
مَا زَالَ فِي الْقَوْمِ وَتْرٌ مِنْكُمْ أَبَدًا ... تَعْفُو السّلَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَطْلُولُ
عَبْدٌ وَحُرّ كَرِيمٌ مُوثِقٌ قَنَصًا ... شطرع الْمَدِينَةِ مَأْسُورٌ وَمَقْتُولُ
كُنّا نُؤَمّلُ أُخْرَاكُمْ فَأَعْجَلَكُمْ ... مِنّا فَوَارِسُ لَا عُزْلٌ وَلَا مِيلُ
إذَا جَنَى فِيهِمْ الْجَانِي فَقَدْ عَلِمُوا ... حَقّا بِأَنّ الّذِي قَدْ جَرّ مَحْمُولُ
مَا نَحْنُ لَا نَحْنُ مِنْ إثْمٍ مُجَاهَرَةً ... وَلَا مَلُومٌ وَلَا فِي الْغُرْمِ مَخْذُولُ
Sشِعْرِ كَعْب
[ ص 338 ] يُقَالُ خِبَاءٌ مُرَعْبَلٌ أَيْ مُتَمَزّقٌ . وَقَوْلُهُ إنّا بَنُو الْحَرْبِ نَمْرِيهَا وَنَنْتُجُهَا
مُسْتَعَارٌ مِنْ مَرَيْت النّاقَةَ إذَا اسْتَدْرَرْت لَبَنَهَا ، وَنَتَجْتَهَا إذَا اسْتَخْرَجَتْ مِنْهَا وَلَدًا ، يُقَالُ نُتِجَتْ النّاقَةُ وَنَتَجَهَا أَهْلُهَا ، وَأَمّا أَنْتَجَتْ تُنْتِجُ فَإِذَا دَنَا نِتَاجُهَا . [ ص 339 ]
يَوْمَ رَذَاذٍ مِنْ الْجَوْزَاءِ مَشْمُولُ
يُرِيدُ مِنْ أَيّامِ أَنْوَاءِ الْجَوْزَاءِ ، وَهُوَ نَوْءُ الْهَفْعَةِ أَوْ الْهَنْعَةِ وَذَلِكَ فِي الشّتَاءِ فِي شَهْرِ كَانُونَ الْأَوّلِ وَمَشْمُولٌ مِنْ الرّيحِ الشّمَالِ . وَقَوْلُهُ أَلْثَقَهَا مِنْ اللّثَقِ وَهُوَ الْبَلَلُ وَالطّينُ الْيَسِيرُ وَالرّذَاذُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الطّشّ وَالْبَغْشِ وَالطّلّ نَحْوٌ مِنْهُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ قَلِيلًا ، يُقَالُ أَرْضٌ مَطْلُولَةٌ وَمَبْغُوشَةٌ وَلَا يُقَالُ مَرْذُوذَةٌ وَلَكِنْ يُقَالُ مُرَذّةٌ وَمُرَذّ عَلَيْهَا قَالَهُ الْخَطّابِيّ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي أَصْحَابِ اللّوَاءِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، يَذْكُرُ عِدّةَ أَصْحَابِ اللّوَاءِ يَوْمَ أُحُدٍ : - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذِهِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ [ ص 340 ]
مَنَعَ النّوْمَ بِالْعِشَاءِ الْهُمُومُ ... وَخَيَالٌ إذَا تَغُورُ النّجُومُ
مِنْ حَبِيبٍ أَضَافَ قَلْبَك مِنْهُ ... سَقَمٌ فَهُوَ دَاخِلٌ مَكْتُومُ
يَا لَقَوْمِي هَلْ يَقْتُلُ الْمَرْءَ مِثْلِي ... وَاهِنُ الْبَطْشِ وَالْعِظَامِ سَئُومُ
لَوْ يَدِبّ الْحَوْلِيّ مِنْ وَلَدِ الذّ ... رّ عَلَيْهَا لَأَنْدَبَتْهَا الْكُلُومُ
شَأْنُهَا الْعِطْرُ وَالْفِرَاشُ وَيَعْلُو ... هَا لُجَيْنٌ وَلُؤْلُؤٌ مَنْظُومُ
لَمْ تَفُتْهَا شَمْسُ النّهَارِ بِشَيْءِ ... غَيْرَ أَنّ الشّبَابَ لَيْسَ يَدُومُ
إنّ خَالِي خَطِيبُ جَابِيَةِ الْجَوْ ... لَانِ عِنْدَ النّعْمَانِ حِينَ يَقُومُ
وَأَنَا الصّقْرُ عِنْدَ بَابِ ابْنِ سَلْمَى ... يَوْمَ نُعْمَانَ فِي الْكُبُولِ سَقِيمُ
وَأُبَيّ وَوَاقِدُ أَطْلَقَا لِي ... يَوْمَ رَاحَا وَكَبْلُهُمْ مَخْطُومُ
وَرَهَنْت الْيَدَيْنِ عَنْهُمْ جَمِيعًا ... كُلّ كَفّ جُزْءٌ لَهَا مَقْسُومُ
وَسَطَتْ نِسْبَتِي الذّوَائِبَ مِنْهُمْ ... كُلّ دَارٍ فِيهَا أَبٌ لِي عَظِيمُ
وَأُبَيّ فِي سُمَيْحَةِ الْقَائِلِ الْفَا ... صِلْ يَوْمَ الْتَقَتْ عَلَيْهِ الْخُصُومُ
تِلْكَ أَفْعَالُنَا وَفِعْلُ الزّبَعْرَى ... خَامِلٌ فِي صَدِيقِهِ مَذْمُومُ
رُبّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ الْمَالِ ... وَجَهْلٌ غَطَا عَلَيْهِ النّعِيمُ
إنّ دَهْرًا يَبُورُ فِيهِ ذَوُو الْعِ ... لْمِ لَدَهْرٌ هُوَ الْعَتُوّ الزّنِيمُ
لَا تَسُبّنّنِي فَلَسْت بِسَبّي ... إنّ سَبّي مِنْ الرّجَالِ الْكَرِيمِ
مَا أُبَالِي أَنَبّ بِالْحَزْنِ تَيْسٌ ... أَمْ لَحَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ لَئِيمُ
وَلِيَ الْبَأْسَ مِنْكُمْ إذْ رَحَلْتُمْ ... أَسِرّةٌ مِنْ بَنِي قُصَيّ صَمِيمُ
تِسْعَةٌ تَحْمِلُ اللّوَاءَ وَطَارَتْ ... فِي رَعَاعٍ مِنْ الْقَنَا مَخْزُومُ
وَأَقَامُوا حَتّى أُبِيحُوا جَمِيعًا ... فِي مَقَامٍ وَكُلّهُمْ مَذْمُومُ
بِدَمِ عَانِكٍ وَكَانَ حِفَاظًا ... أَنْ يُقِيمُوا إنّ الْكَرِيمَ كَرِيمُ
وَأَقَامُوا حَتّى أُزِيرُوا شُعُوبًا ... وَالْقَنَا فِي نُحُورِهِمْ مَخْطُومُ
وَقُرَيْشٌ تَفِرّ مِنّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفّ مِنْهَا الْحُلُومُ
لَمْ تَطُقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إنّمَا يَحْمِل اللّوَاءَ النّجُومُ
[ ص 341 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ حَسّانُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ مَنَعَ النّوْمَ بِالْعِشَاءِ الْهُمُومُ لَيْلًا ، فَدَعَا قَوْمَهُ فَقَالَ لَهُمْ خَشِيت أَنْ يُدْرِكَنِي أَجَلِي قَبْلَ أَنْ أُصْبِحَ فَلَا تَرْوُوهَا عَنّي
Sأَجْوَدُ مَا قَالَ حَسّانُ
وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذِهِ أَجْوَدُ مَا قَالَ وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ الّتِي قَالَهَا حَسّانُ [ ص 340 ] أَمَرَهُمْ أَنْ يَرْوُوهَا عَنْهُ قَبْلَ النّهَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَعُوقَهُ عَائِقٌ فَخَرّ فِيهَا عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى بِمَقَامَاتِ لَهُ عِنْدَ مُلُوكِ الشّامِ مِنْ أَبْنَاءِ جَفْنَةٍ افْتَكّ فِيهَا عُنَاةً مِنْ قَوْمِهِ . وَذَكَرَ مَقَامَ خَالِدِ عِنْدَ النّعْمَانِ الْغَسّانِيّ مِنْ آلِ جَفْنَةَ وَلَيْسَ بِالنّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ فِيهَا :
رُبّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ الْمَا ... لِ وَجَهْلٍ غَطَا عَلَيْهِ النّعِيمُ
غَطَا بِتَخْفِيفِ الطّاءِ أَنْشَدَهُ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وَهَكَذَا كَانَ فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ مَذْكُورًا عَنْ يُونُسَ وَغَطَا ارْتَفَعَ وَعَلَا ، وَأَنْشَدَ الْقُتَبِيّ :
وَمِنْ تَعَاجِيبِ خَلْقِ اللّهِ غَاطِيَةٌ ... يُعْصَى مِنْهَا مُلَاحِيّ وَغِرْبِيبُ
مُلَاحِيّ بِتَخْفِيفِ اللّامِ وَيُقَالُ مُلَاحِيّ كَمَا قَالَ كَعُنْقُودِ مُلّاحِيّةٍ حِينَ نَوّرَا
[ ص 341 ] وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَنْ قَالَ مُلّاحِيّةٌ بِالتّشْدِيدِ شَبّهَهُ بِالْمُلّاحِ وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَفِيهِ مُلُوحَةٌ وَقَالَ وَالْغِرْبِيبُ اسْمٌ لِنَوْعِ مِنْ الْعِنَبِ وَلَيْسَ بِنَعْتِ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَعَلّك أَنْ تَفْهَمَ مِنْهُ مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } [ فَاطِرٌ 27 ] . حِينَ وَصَفَ الْجُدُدَ وَسُودٌ عِنْدِي بَدَلٌ لَا نَعْتٌ وَإِنّمَا يَتِمّ شَرْحَ الْآيَةِ لِمَنْ لَحَظَهُ مِنْ هَذَا الْمَطْلَعِ فَإِنّ أَبَا حَنِيفَةَ زَعَمَ أَنّ الْغِرْبِيبَ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ وَلَمْ يُقَيّدْ بِشَيْءِ مَوْصُوفٍ بِهِ فَإِنّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعِنَبُ الّذِي هَذَا اسْمُهُ خَاصّةً وَاَللّهُ الْمُوَفّقُ لِلصّوَابِ وَفَهْمِ الْكِتَابِ . وَذَكَرَ فِيهِ حُمَاةَ اللّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ ، وَأَنّهُمْ صَرَعُوا حَوْلَهُ حَتّى أَخَذَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ وَهِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ ، فَلِذَلِكَ قَالَ
لَمْ تَطُقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إنّمَا يَحْمِلُ اللّوَاءَ النّجُومُ
[ ص 342 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ لِلْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ يَمْدَحُ أَبَا الْحَسَنِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَيَذْكُرُ قَتْلَهُ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ صَاحِبِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ :
لِلّهِ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ ... أَعْنِي ابْنَ فَاطِمَةَ الْمُعَمّ الْمُخْوِلَا
سَبَقَتْ يَدَاك لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... تَرَكَتْ طُلَيْحَةَ لِلْجَبِينِ مُجَدّلَا
وَشَدَدْت شَدّةَ بَاسِلٍ فَكَشَفْتهمْ ... بِالْجَرّ إذْ يَهْوُونَ أَخْوَالٌ أَخْوَلَا
S[ ص 342 ] ابْنِ عِلَاطٍ وَقَالَ فِي شِعْرِ حَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ يَمْدَحُ عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . لِلّهِ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ
أَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ يَعْنِي أَصْلَ أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ إبْرَاهِيمُ أَيّ نُصِبَ لِأَنّهُ مَدِيحٌ وَالْمَدِيحُ نُصِبَ فِي أَيّ حَالَيْهِ فَأَمّا ابْنُ هِشَامٍ فَرَفَعَ أَيّ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَهَذَا الّذِي ذَكَرَهُ مَنْ نَصَبَ أَيْ عَلَى الْمَدِيحِ لَا يَسْتَقِيمُ إلّا أَنْ تَقَدّرَ حَذْفُ الْمُبْتَدَأِ قَبْلَهُ كَأَنّهُ قَالَ لِلّهِ أَنْتَ لِأَنّهُ لَا يُنْصَبُ عَلَى الْمَدْحِ إلّا بَعْدَ جُمْلَةٍ تَامّةٍ وَأَمّا الرّفْعُ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ خَبَرَهُ لِلّهِ فَقَبِيحٌ لِأَنّهَا وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا ، فَأَصْلُهَا الِاسْتِفْهَامُ فَلَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي كَمْ خَبَرِيّةً كَانَتْ أَوْ اسْتِفْهَامِيّةً فَالتّقْدِيرُ إذًا : لِلّهِ دَرّهُ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ هُوَ أَلَا تَرَى أَنّهُ يَقْبُحُ أَنْ يَقُولَ جَاءَنِي أَيّ فَتًى ، فَإِنْ جَعَلْته وَصْفًا جَارِيًا عَلَى مَا قَبْلَهَا ، فَقُلْت : جَارَتِي رَجُلٌ أَيّ رَجُلٍ جَازَ ذَلِكَ لِأَنّهُ إذَا كَانَ وَصْفًا لَمْ تَلِهِ الْعَوَامِلُ اللّفْظِيّةُ فَكَأَنّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَصْلِهِ إذْ الْمُبْتَدَأُ لَا تَلِيهِ الْعَوَامِلُ اللّفْظِيّةُ . وَقَوْلُهُ أَخْوَلُ أَخْوَلًا ، أَيْ مُتَفَرّقِينَ وَوَقَعَ تَفْسِيرُهُ فِي بَعْضِ النّسْخِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ ، وَكَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْخَالِ وَهُوَ الْخُيَلَاءُ وَالْكِبْرُ تَقُولُ فُلَانٌ أَخْوَلُ مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَشَدّ كِبْرًا مِنْهُ وَاخْتِيَالًا ، فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ إذَا جَاءَ الْقَوْمُ أَخْوَلَ أَخْوَلًا ، أَيْ انْفَرَدَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ وَازْدَهَاهُ الْخَالُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ فَكُلّمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ قُلْت : هَذَا أَخْوَلُ مِنْ الْآخَرِ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ ثُمّ كَثُرَ حَتّى اُسْتُعْمِلَ فِي التّفَرّقِ مَثَلًا ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ مَعْنَى الْخَالِ شَيْءٌ وَقَدْ قِيلَ فِي أَخْوَلَ إنّهُ مِنْ تَخَوّلْت بِالْمَوْعِظَةِ وَنَحْوِهَا إذَا فَعَلْت ذَلِكَ شَيْئًا فَشَيْئًا ، وَفِي الْحَدِيثِ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَتَخَوّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السّآمَةِ عَلَيْنَا .
شِعْرُ حَسّانَ فِي قَتْلَى يَوْمِ أُحُدٍ
[ ص 343 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ [ ص 344 ] [ ص 345 ] [ ص 346 ]
يَا مَيّ قَوْمِي فَانْدُبْنَ ... بِسُحَيْرَةٍ شَجْوَ النّوَائِحْ
كَالْحَامِلَاتِ الْوِقْرَ بِالْ ... ثّقْلِ الْمُلِحّاتِ الدّوَالِحْ
الْمُعْوِلَاتُ الْخَامِشَاتُ ... وُجُوهَ حُرّاتِ صَحَائِحْ
وَكَأَنّ سَيْلَ دُمُوعِهَا الْ ... أَنْصَابُ تَخْضَبُ بِالذّبَائِحْ
يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنّ ... هُنَاكَ بَادِيَةَ الْمَسَائِحْ
وَكَأَنّهَا أَذْنَابُ خَيْ ... لٍ بِالضّحَى شُمْسٍ رَوُاسِحْ
مِنْ بَيْنَ مَشْزُورٍ وَمَجْ ... زُورٍ يُذَعْذَعُ بِالْبَوَارِحْ
يَبْكِينَ شَجْوًا مُسْلَبَا ... تِ كَدّحَتْهُنّ الْكَوَادِحْ
وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا ... مَجْلٌ لَهُ جَلَبٌ قَوَارِحْ
إذْ أَقْصَدَ الْحِدْثَانَ مَنْ ... كُنّا نُرَجّي إذْ نُشَايِحُ
أَصْحَابَ أُحُدٍ غَالَهُمْ ... دَهْرٌ أَلَمّ لَهُ جَوَارِحُ
مَنْ كَانَ فَارِسَنَا وَحَا ... مِينَا إذَا بُعِثَ الْمَسَالِحُ
يَا حَمْزَ لَا وَاَللّهِ لَا ... أَنْسَاك مَاصُرّ اللّقَائِحُ
لِمُنَاخِ أَيْتَامٍ وَأضْ ... يَافٍ وَأَرْمَلَةٍ تُلَامِحُ
وَلَمّا يَنُوبُ الدّهْرُ فِي ... حَرْبٍ لِحَرْبِ وَهْيَ لَافِحُ
يَا فَارِسًا يَا مِدْرَهًا ... يَا حَمْزُ قَدْ كُنْت الْمُصَامِحَ
عَنّا شَدِيدَاتِ الْخُطُو ... بِ إذَا يَنُوبُ لَهُنّ فَادِحْ
ذَكّرْتنِي أَسَدَ الرّسُو ... لِ وَذَاكَ مِدْرَهُنَا الْمُنَافِحْ
عَنّا وَكَانَ يُعَدّ إذْ ... عُدّ الشّرِيفُونَ الْجَحَاجِحْ
يَعْلُو الْقَمَاقِمَ جَهْرَةً ... سَبْطَ الْيَدَيْنِ أَغَرّ وَاضِحْ
لَا طَائِشٌ رَعْشٌ وَلَا ... ذُو عِلّةٍ بِالْحِمْلِ آنِخْ
بَحْرٌ فَلَيْسَ يُغِبّ جَا ... رًا مِنْهُ بِسَيْبِ أَوْ مَنَادِخْ
أَوْدَى شَبَابُ أُولِي الْحَفَا ... ئِظِ وَالثّقِيلُونَ الْمَرَاجِحْ
الْمُطْعِمُونَ إذَا الْمَشَا ... تِي مَا يُصَفّقُهُنّ نَاضِحْ
لَحْمَ الْجِلَادِ وَفَوْقَهُ ... مِنْ شَحْمِهِ شُطَبٌ شَرَائِحْ
لِيُدَافِعُوا عَنْ جَارِهِمْ ... مَا رَامَ ذُو الضّغْنِ الْمُكَاشِحْ
لَهْفِي لِشُبّانِ رُزِئْ ... نَاهُمْ كَأَنّهُمْ المَصَابِحْ
شُمّ ، بَطَارِقَةٌ غَطَا ... رِفَةٌ خَضَارِمَةٌ مَسَامِحْ
الْمُشْتَرُونَ الْحَمْدَ بِالْ ... أَمْوَالِ إنّ الْحَمْدَ رَابِحْ
وَالْجَامِزُونَ بِلُجْمِهِمْ ... يَوْمًا إذَا مَا صَاحَ صَائِحْ
مَنْ كَانَ يُرْمَى بِالنّوَا ... قِرْ مِنْ زَمَانٍ غَيْرِ صَالِحْ
مَا إنْ تَزَالُ رِكَابُهُ ... يَرْسِمْنَ فِي غُبْرٍ صَحَاصِحْ
رَاحَتْ تَبَارَى وَهُوَ فِي ... رَكْبٍ صُدُورُهُمْ رَوَاشِحْ
حَتّى تَئُوبَ لَهُ الْمَعَا ... لِي لَيْسَ مِنْ فَوْزِ السّفَائِحْ
يَا حَمْزُ قَدْ أَوْحَدْتَنِي ... كَالْعُودِ شَذّ بِهِ الْكَوَافِحُ
أَشْكُو إلَيْك وَفَوْقَك الْ ... تّرَابُ الْمُكَوّرُ وَالصّفَائِحُ
مِنْ جَنْدَلٍ نُلْقِيهِ فَوْ ... قَك إذْ أَجَادَ الضّرْحُ ضَارِحُ
فِي وَاسِعٍ يَحْشُونَهُ ... بِالتّرْبِ سَوّتْهُ الْمَمَاسِحُ
فَعَزَاؤُنَا أَنّا نَقُو ... لُ وَقَوْلُنَا بَرْحٌ بَوَارِحُ
مَنْ كَانَ أَمْسَى وَهُوَ عَمّ ... ا أَوْقَعَ الْحِدْثَانُ جَانِحُ
فَلْيَأْتِنَا فَلْتَبْكِ عَيْ ... نَاهُ لِهَلْكَانَا النّوَافِحُ
الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ... ذَوِي السّمَاحَةِ وَالْمَمَادِحِ
مَنْ لَا يَزَالُ نَدَى يَدَيْهِ ... لَهُ طَوَالَ الدّهْرِ مَائِحُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِحَسّانَ وَبَيْتُهُ " الْمُطْعِمُونَ إذَا الْمَشَاتِي " وَبَيْتُهُ " الْجَامِزُونَ بِلُجُمِهِمْ " وَبَيْتُهُ " مَنْ كَانَ يَرْمِي بِالنّوَاقِرِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
Sشِعْرُ حَسّانَ الْحَائِيّ
[ ص 343 ] وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ الْحَائِيّ وَقَالَ فِيهِ
كَالْحَامِلَاتِ الْوِقْرَ بِالثّ ... قَلِ الْمُلِحّات الدّوَالِحْ
الدّوَالِحُ جَمْعُ دَالِحَةٍ وَهِيَ الْمُثَقّلَةُ وَكَذَلِكَ الدّلُوحُ مِنْ السّحَابِ وَهِيَ الْمُثْقَلَةُ بِالْمَاءِ وَفِيهِ .
يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنّ ... هُنَاكَ بَادِيَةَ الْمَسَائِحْ
الْمَسَائِحُ جَمْعُ : مَسِيحَةٍ وَهُوَ مَا لَمْ يُمْشَطْ مِنْ الشّعْرِ بِدُهْنِ وَلَا شَيْءٍ وَالْمَسِيحَةُ أَيْضًا الْقِطْعَةُ مِنْ الْفِضّةِ وَالْمَسِيحَةُ الْفَرَسُ . وَقَوْلُهُ مِنْ بَيْنِ مَشْرُورٍ أَيْ مُفَرّقٍ وَيُقَالُ شَرَرْت الْمِلْحَ إذَا فَرّقْته ، وَالْمَجْلُ كَالْجُرْحِ تَقُولُ مَجِلَتْ يَدِي مِنْ الْعَمَلِ . [ ص 344 ] نُشَائِحُ أَيْ نُحَاذِرُ كَمَا قَالَ الْآخَرُ وَشَايَحْتَ قَبْلَ الْيَوْمِ إنّك شِيحُ
وَقَوْلُهُ قَدْ كُنْت الْمُصَامِحَ وَفِي الْحَاشِيَةِ عِنْدَ الشّيْخِ الْمُصَافِحِ بِالْفَاءِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، وَأَمّا الْمُصَامِحُ بِالْمِيمِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَمَحْت الشّيْءَ إذَا أَذَبْته ، قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ قَالَ وَالصّمَحْمَحُ مِنْ الرّجَالِ الشّدِيدُ الْعَصَبِ وَسِنّهُ مَا بَيْنَ الثّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالصّمَاحُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ الرّيحُ الْمُنْتِنَةُ . وَقَوْلُهُ سَبَبٌ أَوْ مَنَادِحٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعُ : مَنْدُوحَةٍ وَهِيَ السّعَةُ وَقِيَاسُهُ مَنَادِيحُ بِالْيَاءِ وَحَذْفُهَا ضَرُورَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النّدْحِ فَيَكُونُ مُفَاعِلًا بِضَمّ الْمِيمِ أَيْ [ ص 345 ] جَمْعُ مَنْدَحَةٍ مَفْعَلَةً مِنْ الْكَثْرَةِ وَالسّعَةِ وَأَمّا قَوْلُهُمْ أَنَا فِي مَنْدُوحَةٍ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَهِيَ مَفْعُولَةٌ مِنْ النّدْحِ وَوَهِمَ أَبُو عُبَيْدٍ ، فَجَعَلَهُ مِنْ انْدَاحَ بَطْنُهُ إذَا اتّسَعَ وَالنّونُ فِي مَنْدُوحَةٍ أَصْلٌ وَهِيَ فِي انْدَاحَ زَائِدَةٌ لِأَنّ وَزْنَهُ انْفَعَلَ وَالْأَلِفُ فِي انْدَاحَ أَصْلٌ وَهِيَ بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ كَأَنّهُ مَنْدُوحَةُ الشّجّ وَالْمِيمُ فِي مَنْدُوحَةٍ زَائِدَةٌ وَالدّالُ عَيْنُ الْفِعْلِ وَهُوَ فِي انْدَاحَ فَاءُ الْفِعْلِ وَمِنْ هَاهُنَا قَالَ الْخَطّابِيّ : يَا عَجَبًا لِابْنِ قُتَيْبَةَ يَتْرُكُ مِثْلَ هَذَا مِنْ غَلَطِ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَيُعَنّفُ فِي الرّدّ عَلَيْهِ فِيمَا لَا بَالَ لَهُ مِنْ الْغَلَطِ . وَقَوْلُهُ خَضَارِمَةٌ جَمْعُ خَضْرَمَ وَهُوَ الْكَثِيرُ الْعَطَاءِ .
وَقَوْلُهُ يَرْسِمْنَ مِنْ الرّسِيمِ فِي السّيْرِ وَالصّحَاصِحُ جَمْعُ صَحْصَحٍ وَهِيَ الْأَرْضُ الْمَلْسَاءُ .
وَقَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ فَوْزِ السّفَائِحْ السّفَائِحُ جَمْعُ سَفِيحَةٍ وَهِيَ كَالْجُوَالَقِ وَنَحْوِهِ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ [ ص 347 ]
أَتَعْرِفُ الدّارَ عَفَا رَسْمُهَا ... بَعْدَك صَوْبَ الْمُسَنْبَلِ الْهَاطِلِ
بَيْنَ السّرَادِيحِ فَأُدْمَانَةٍ ... فَمَدْفَعُ الرّوْحَاءِ فِي حَائِلِ
سَاءَلْتهَا عَنْ ذَاكَ فَاسْتَعْجَمَتْ ... لَمْ تَدْرِ مَا مَرْجُوعَةُ السّائِلِ ؟
دَعْ عَنْك دَارًا قَدْ عَفَا رَسْمُهَا ... وَابْكِ عَلَى حَمْزَةَ ذِي النّائِلِ
الْمَالِئِ الشّيزَي إذَا أَعْصَفَتْ ... غَبْرَاءُ فِي ذِي الشّيْمِ الْمَاحِلِ
وَالتّارِكِ الْقِرْنَ لَدَى لِبْدَةٍ ... يَعْثُرُ فِي ذِي الْخُرُصِ الذّابِلِ
وَاللّابِسِ الْخَيْلَ إذْ أَجْحَمَتْ ... كَاللّيْثِ فِي غَابَتِهِ الْبَاسِلِ
أَبْيَضُ فِي الذّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَمْ يَمُرّ دُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ
مَالَ شَهِيدًا بَيْنَ أَسْيَافِكُمْ ... شُلّتْ يَدًا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِلِ
أَيّ امْرِئِ غَادَرَ فِي أَلّةٍ ... مَطْرُورَةٍ مَارِنَةِ الْعَامِلِ
أَظْلَمَتْ الْأَرْضُ لِفِقْدَانِهِ ... وَاسْوَدّ نُورُ الْقَمَرِ النّاصِلِ
صَلّى عَلَيْهِ اللّهُ فِي جَنّةٍ ... عَالِيَةٍ مُكْرَمَةِ الدّاخِلِ
كُنّا نَرَى حَمْزَةَ حِرْزًا لَنَا ... فِي كُلّ أَمْرٍ نَابَنَا نَازِلِ
وَكَانَ فِي الْإِسْلَامِ ذَا تُدْرَإِ ... يَكْفِيك فَقْدَ الْقَاعِدِ الْخَاذِلِ
لَا تَفْرَحِي يَا هِنْدُ وَاسْتَحْلِبِي ... دَمْعًا وَأَذْرِي عَبْرَةَ الثّاكِلِ
وَأَبْكِي عَلَى عُتْبَةَ إذْ قَطّهُ ... بِالسّيْفِ تَحْتَ الرّهْجِ الْجَائِلِ
إذَا خَرّ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْكُمْ ... مِنْ كُلّ عَاتٍ قَلْتُةُ جَاهِلِ
أَرْدَاهُمْ حَمْزَةُ فِي أُسْرَةٍ ... يَمْشُونَ تَحْتَ الْحَلَقِ الْفَاضِلِ
غَدَاةَ جِبْرِيلَ وَزِيرٌ لَهُ ... نِعْمَ وَزِيرُ الْفَارِسِ الْحَامِلِ
Sشِعْرُ حَسّانَ اللّامِيّ
[ ص 346 ] وَقَالَ فِي الْقَصِيدَةِ اللّامِيّةِ ذِي الْخُرُصِ الذّابِلِ يُرِيدُ الرّمْحَ وَالْخُرُصُ سِنَانُهُ [ ص 347 ] شُلّتْ يَدَا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِلِ
تَرْكُ تَنْوِينِ الْعَلَمِ لِلضّرُورَةِ تَرْكُ التّنْوِينِ لِلضّرُورَةِ لَمّا كَانَ اسْمًا عَلَمًا ، وَالْعَلَمُ قَدْ يُتْرَكُ صَرْفُهُ كَثِيرًا ، وَمَنَعَ مِنْ ذَلِكَ الْبَصْرِيّونَ ، وَاحْتَجّ الْكُوفِيّونَ فِي إجَازَتِهِ بِأَنّ الشّاعِرَ قَدْ يَحْذِفُ الْحَرْفَ وَالْحَرْفَيْنِ نَحْوَ قَوْلِ عَلْقَمَةَ [ بْنِ عَبَدَةَ ] :
كَأَنّ إبْرِيقَهُمْ ظَبْيٌ عَلَى شَرَفٍ ... مُقَدّمٍ بِسَبَا الْكَتّانِ مَلْئُومُ
أَيْ بِسَبَائِبَ وَقَوْلُ لَبِيَدٍ كَالْحَمَالِيجِ بِأَيْدِي التّلَامِ
أَيْ التّلَامِيذِ . وَقَالَ ابْنُ السّرّاجِ مُحْتَجّا عَلَيْهِمْ لَيْسَ التّنْوِينُ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ لِأَنّهُ زَائِدٌ لِمَعْنَى ، وَمَا زِيدَ مَعْنًى لَا يُحْذَفُ .

===================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق