الخميس، 3 مايو 2018

20. /3/ج8 الروض الأنف من أول حَجّ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ الي إِرْسَالُ رَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُلُوكِ



حَجّ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ
وَاخْتِصَاصُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ بِتَأْدِيَةِ أَوّلِ " بَرَاءَةٌ " عَنْهُ وَذِكْرُ " بَرَاءَةٌ " وَالْقِصَصُ فِي تَفْسِيرِهَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَقِيّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَشَوّالًا وَذَا الْقَعْدَةِ ثُمّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ لِيُقِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجّهُمْ وَالنّاسُ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجّهِمْ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . [ ص 319 ] نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَهْدِ الّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْتِ أَحَدٌ جَاءَهُ وَلَا يُخَافَ أَحَدٌ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ . وَكَانَ ذَلِكَ عَهْدًا عَامّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النّاسِ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ وَكَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ عُهُودٌ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ خَصَائِصَ إلَى آجَالٍ مُسَمّاةٍ فَنَزَلَتْ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَنْهُ فِي تَبُوكَ ، وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ فَكَشَفَ اللّهُ تَعَالَى فِيهَا سَرَائِرَ أَقْوَامٍ كَانُوا يَسْتَخِفّونَ بِغَيْرِ مَا يُظْهِرُونَ مِنْهُمْ مَنْ سُمّيَ لَنَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمّ لَنَا ، فَقَالَ عَزّ وَجَلّ { بَرَاءَةٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أَيْ لِأَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامّ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ { فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَأَنّ اللّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ وَأَذَانٌ مِنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الْأَكْبَرِ أَنّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ } أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْحَجّةِ { فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللّهِ وَبَشّرِ الّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ إِلّا الّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أَيْ الْعَهْدَ الْخَاصّ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمّى { وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدّتِهِمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ } يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ فَخَلّوا سَبِيلَهُمْ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ الّذِينَ أَمَرْتُك بِقَتْلِهِمْ { اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللّهِ ثُمّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ } [ ص 320 ] { كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ } الّذِينَ كَانُوا هُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الْعَهْدِ الْعَامّ أَنْ لَا يُخِيفُوكُمْ وَلَا يُخِيفُوهُمْ فِي الْحُرْمَةِ وَلَا فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ { عَهْدٌ عِنْدَ اللّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلّا الّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وَهِيَ قَبَائِلُ مِنْ بَنِي بَكْرٍ الّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، إلَى الْمُدّةِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ ، فَلَمْ يَكُنْ نَقَضَهَا إلّا هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ ؛ وَهِيَ الدّيلُ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِل ٍ ، الّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ . فَأَمَرَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ نَقَضَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ إلَى مُدّتِهِ { فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتّقِينَ } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ } أَيْ الْمُشْرِكُونَ الّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ إلَى مُدّةٍ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ الْعَامّ { لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلّا وَلَا ذِمّةً }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْمُفْرَدَاتِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْإِلّ : الْحِلْفُ . قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ
لَوْلَا بَنُو مَالِكٍ وَالْإِلّ مَرْقَبَةٌ ... وَمَالِكٌ فِيهِمْ الْآلَاءُ وَالشّرَفُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَجَمْعُهُ آلَالٌ قَالَ الشّاعِرُ
فَلَا إلّ مِنْ الْآلَالِ بَيْنِي ... وَبَيْنَكُمْ فَلَا تَأْلُنّ جُهْدَا
وَالذّمّةُ الْعَهْدُ . قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّ ، وَهُوَ أَبُو مَسْرُوقِ بْنُ الْأَجْدَعِ الْفَقِيهُ
وَكَانَ عَلَيْنَا ذِمّةٌ أَنْ تُجَاوِزُوا ... مِنْ الْأَرْضِ مَعْرُوفًا إلَيْنَا وَمُنْكَرَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ لَهُ وَجَمْعُهَا : ذِمَمٌ . { يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلّا وَلَا ذِمّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ } أَيْ قَدْ اعْتَدَوْا عَلَيْكُمْ { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّينِ وَنُفَصّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }
اخْتِصَاصُ الرّسُولِ عَلِيّا بِتَأْدِيَةِ " بَرَاءَةٌ " عَنْهُ
[ ص 321 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ أَنّهُ قَالَ لَمّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ لِيُقِيمَ لِلنّاسِ الْحَجّ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ بَعَثْت بِهَا إلَى أَبِي بَكْر ٍ فَقَالَ " لَا يُؤَدّي عَنّي إلّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ثُمّ دَعَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصّةِ مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةٌ ، وَأَذّنْ فِي النّاسِ يَوْمَ النّحْرِ إذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى : أَنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ فَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَضْبَاءِ حَتّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ بِالطّرِيقِ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ بِالطّرِيقِ قَالَ أَأَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ ؟ فَقَالَ بَلْ مَأْمُورٌ ثُمّ مَضَيَا . فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنّاسِ الْحَجّ وَالْعَرَبُ إذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السّنَةِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ الْحَجّ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ النّحْرِ قَامَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَأَذّنَ فِي النّاسِ بِاَلّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ وَأَجّلَ النّاسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَذّنَ فِيهِمْ لِيَرْجِعَ كُلّ قَوْمٍ إلَى مَأْمَنِهِمْ أَوْ بِلَادِهِمْ ثُمّ لَا عَهْدَ لِمُشْرِكٍ وَلَا ذِمّةَ إلّا أَحَدٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهْدٌ إلَى مُدّةٍ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ . فَلَمْ يَحُجّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ . ثُمّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَةٍ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِ وَأَهْلِ الْمُدّةِ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمّى .
Sإنْزَالُ سُورَةِ " بَرَاءَةٌ
كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ تَبُوكَ ، فَذَكَرَ مُخَالَطَةَ الْمُشْرِكِينَ لِلنّاسِ فِي حَجّهِمْ وَتَلْبِيَتِهِمْ بِالشّرْكِ وَطَوَافِهِمْ عُرَاةً بِالْبَيْتِ ، وَكَانُوا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ أَنْ يَطُوفُوا كَمَا وُلِدُوا بِغَيْرِ [ ص 319 ] فَأَمْسَكَ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنْ الْحَجّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - بِسُورَةِ بَرَاءَةٌ لِيَنْبِذَ إلَى كُلّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلّا بَعْضَ بَنِي بَكْرٍ الّذِينَ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ إلَى أَجَلٍ خَاصّ ، ثُمّ أَرْدَفَ بِعَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلْ أُنْزِلَ فِيّ قُرْآنٌ ؟ قَالَ " لَا " ، وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ يُبَلّغَ عَنّي مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَأَمَرَنِي عَلِيّ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - أَنْ أَطُوفَ فِي الْمَنَازِلِ مِنْ مِنًى بِبَرَاءَةٌ فَكُنْت أَصِيحُ حَتّى صَحِلَ حَلْقِي ، فَقِيلَ لَهُ بِمَ كُنْت تُنَادِي ؟ فَقَالَ بِأَرْبَعٍ أَلّا يَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا مُؤْمِنٌ وَأَلّا يَحُجّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ ، وَأَلّا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ فَلَهُ أَجَلٌ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمّ لَا عَهْدَ لَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إذَا سَمِعُوا النّدَاءَ بِبَرَاءَةٌ يَقُولُونَ لِعَلِيّ سَتَرَوْنَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِأَنّهُ لَا عَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ عَمّك إلّا الطّعْنُ وَالضّرْبُ ثُمّ إنّ النّاسَ فِي ذَلِكَ الْمُدّةِ رَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ حَتّى دَخَلُوا فِيهِ طَوْعًا وَكَرْهًا ، وَحَجّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَحَجّ الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ عَادَ الدّينُ كُلّهُ وَاحِدًا لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ . [ ص 320 ] وَبِعَالٍ فَإِنّ الّذِي أُمِرَ أَنْ يُنَادِيَ بِذَلِكَ فِي أَيّامِ التّشْرِيقِ هُوَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَأَوْسُ بْنُ [ ص 321 ] وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا : عَبْدُ اللّهِ بْنُ مِرْبَعٍ كَانَ مِمّنْ أُمِرَ أَنْ يُنَادِيَ بِذَلِكَ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ الْغِفَارِيّ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ حُذَيْفَةَ كَانَ الْمُنَادِيَ بِذَلِكَ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَيْضًا ، وَبِلَالٍ ذَكَرَ بَعْضَ ذَلِكَ الْبَزّارُ فِي مُسْنَدِهِ ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ } أَنّهُ أَرَادَ ذَا الْحِجّةِ وَالْمُحَرّمَ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ وَأَنّهُ [ ص 322 ] جَعَلَ ذَلِكَ أَجَلًا لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ جَعَلَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوّلُهَا يَوْمُ النّحْرِ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { يَوْمَ الْحَجّ الْأَكْبَرِ } قِيلَ أَرَادَ حِينَ الْحَجّ أَيْ أَيّامَ الْمَوْسِمِ كُلّهَا ، لِأَنّ نِدَاءَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِبَرَاءَةٌ كَانَ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ .
مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِجِهَادِ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَمَرَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجِهَادِ أَهْلِ الشّرْكِ مِمّنْ نَقَضَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْخَاصّ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامّ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا إلّا أَنْ يَعْدُوَ فِيهَا عَادٍ مِنْهُمْ فَيُقْتَلَ بِعَدَائِهِ فَقَالَ [ ص 322 ] { أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمّوا بِإِخْرَاجِ الرّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوّلَ مَرّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَاتِلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللّهُ } أَيْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ { عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلِيجَةٌ دَخِيلٌ وَجَمْعُهَا : وَلَائِجُ وَهُوَ مِنْ وَلَجَ يَلِجُ أَيْ دَخَلَ يَدْخُلُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمّ الْخِيَاطِ } أَيْ يَدْخُلَ يَقُولُ لَمْ يَتّخِذُوا دَخِيلًا مِنْ دُونِهِ يُسِرّونَ إلَيْهِ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ نَحْوَ مَا يَصْنَعُ الْمُنَافِقُونَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ لِلّذِينَ آمَنُوا { وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنّا مَعَكُمْ } قَالَ الشّاعِرُ وَاعْلَمْ بِأَنّك قَدْ جَعَلْت وَلِيجَة سَاقُوا إلَيْك الْحَتْفَ غَيْرَ مَشُوبِ
مَا نَزَلَ فِي الرّدّ عَلَى قُرَيْشٍ بِادّعَائِهِمْ عِمَارَةَ الْبَيْتِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ قَوْلَ قُرَيْشٍ : إنّا أَهْلُ الْحَرَمِ ، وَسُقَاةُ الْحَاجّ وَعُمّارُ هَذَا الْبَيْتِ فَلَا أَحَدَ أَفْضَلُ مِنّا ، فَقَالَ { إِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } أَيْ إنّ عِمَارَتَكُمْ لَيْسَتْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ أَيْ مَنْ عَمَرَهَا بِحَقّهَا { مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصّلَاةَ وَآتَى الزّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلّا اللّهَ } أَيْ فَأُولَئِكَ عُمّارُهَا { فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } وَعَسَى مِنْ اللّهِ حَقّ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ }
مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ
[ ص 323 ] حُنَيْنٍ ، وَمَا كَانَ فِيهِ وَتَوَلّيهِمْ عَنْ عَدُوّهِمْ وَمَا أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى مِنْ نُصْرَةٍ بَعْدَ تَخَاذُلِهِمْ ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً } وَذَلِكَ أَنّ النّاسَ قَالُوا : لَتَنْقَطِعَنّ عَنّا الْأَسْوَاقُ فَلَتَهُكّنّ التّجَارَةُ وَلَيَذْهَبَنّ مَا كُنّا نُصِيبُ فِيهَا مِنْ الْمَرَافِقِ فَقَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ } أَيْ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ ذَلِكَ { إِنْ شَاءَ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ قَاتِلُوا الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرّمُونَ مَا حَرّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } أَيْ فَفِي هَذَا عِوَضٌ مِمّا تَخَوّفْتُمْ مِنْ قَطْعِ الْأَسْوَاقِ فَعَوّضَهُمْ اللّهُ بِمَا قَطَعَ عَنْهُمْ بِأَمْرِ الشّرْكِ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ أَعْنَاقِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْجِزْيَةِ .
مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
[ ص 324 ] ذَكَرَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ بِمَا فِيهِ مِنْ الشّرّ وَالْفِرْيَةِ عَلَيْهِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَالّذِينَ يَكْنِزُونَ الذّهَبَ وَالْفِضّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ }
مَا نَزَلَ فِي النّسِيءِ
ثُمّ ذَكَرَ النّسِيءَ وَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ أَحْدَثَتْ فِيهِ . وَالنّسِيءُ مَا كَانَ يُحِلّ مَا حَرّمَ اللّهُ تَعَالَى مِنْ الشّهُورِ وَيُحَرّمُ مِمّا أَحَلّ اللّهُ مِنْهَا ، فَقَالَ { إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ } أَيْ لَا تَجْعَلُوا حَرَامَهَا حَلَالًا ، وَلَا حَلَالَهَا حَرَامًا : أَيْ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الشّرْكِ { إِنّمَا النّسِيءُ } الّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ { زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ مَا حَرّمَ اللّهُ فَيُحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }
مَا نَزَلَ فِي تَبُوكَ
ثُمّ ذَكَرَ تَبُوكَ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ تَثَاقُلِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا ، وَمَا أَعْظَمُوا مِنْ غَزْوَةِ الرّومِ ، حِينَ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جِهَادِهِمْ وَنِفَاقَ مَنْ نَافَقَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ حِين دُعُوا إلَى مَا دُعُوا إلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ ثُمّ مَا نَعَى عَلَيْهِمْ مِنْ إحْدَاثِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ اثّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ } ثُمّ الْقِصّةُ إلَى [ ص 325 ] { يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِلّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ }
Sمَا نَزَلَ فِي سُورَةِ " بَرَاءَةٌ "
فَصْلٌ وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَأَهْلُ التّفْسِيرِ يَقُولُونَ إنّ آخِرَهَا نَزَلَ قَبْلَ أَوّلِهَا ، فَإِنّ أَوّلَ مَا نَزَلَ مِنْهَا : { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } ثُمّ نَزَلَ أَوّلُهَا فِي نَبْذِ كُلّ عَهْدٍ إلَى صَاحِبِهِ كَمَا تَقَدّمَ . [ ص 323 ] { انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا } فِيهِ أَقْوَالٌ قِيلَ مَعْنَاهُ شُبّانًا وَشُيُوخًا ، وَقِيلَ أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ وَقِيلَ أَصْحَابَ شُغْلٍ وَغَيْرَ ذِي شُغْلٍ وَقِيلَ رُكْبَانًا وَرَجّالَةً .
عَنْ الْأَجْدَعِ بْنِ مَالِكٍ
وَأَنْشَدَ شَاهِدًا عَلَى أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ لِلْأَجْدَعِ بْنِ مَالِكٍ وَالِدِ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ وَقَدْ غَيّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ اسْمَ الْأَجْدَعِ وَقَالَ الْأَجْدَعُ اسْمُ شَيْطَانٍ فَسَمّاهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَيُكَنّى مَسْرُوقٌ أَبَا عَائِشَةَ . وَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ يَصْطَادُك الْوَحَدَ أَيْ يَصْطَادُ بِك ، وَأَرَادَ بِالْوَحَدِ الثّوْرَ الْوَحْشِيّ . وَقَوْلُهُ بِشَرِيجٍ بَيْنَ الشّدّ وَالْإِيضَاعِ يُقَالُ هُمَا شَرِيجَانِ أَيْ مُخْتَلِفَانِ وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ بِأَبْيَاتٍ فِي شِعْرِ الْأَجْدَعِ
أَسَأَلْتنِي بِرَكَائِبِي وَرِحَالِهَا ... وَنَسِيت قَتْلَى فَوَارِسِ الْأَرْبَاعِ
وَذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ [ الْقَالِي ] فِي الْأَمَالِي ، فَقَالَ وَسَأَلْتنِي بِالْوَاوِ وَقَدْ خَطّئُوهُ وَقَالُوا : إنّمَا هُوَ أَسَأَلْتنِي . وَفَوَارِسُ الْأَرْبَاعِ قَدْ سَمّاهُمْ أَبُو عَلِيّ فِي الْأَمَالِي ، وَذَكَرَ لَهُمْ خَبَرًا .
إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ
وَذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى : { حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } وَقِيلَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أيضا : [ ص 324 ] الثّانِي : أَنْ يُؤَدّيَهَا قَائِمًا ، وَاَلّذِي يَأْخُذُهَا قَاعِدًا . الثّالِثُ أَنّ مَعْنَاهُ عَنْ قَهْرٍ وَإِذْلَالٍ . الرّابِعُ أَنّ مَعْنَاهُ عَنْ يَدٍ مِنْكُمْ أَيْ إنْعَامٍ عَلَيْهِمْ بِحَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنْ الْقَتْلِ كُلّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُفَسّرِينَ وَلَفْظُ الْآيَةِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَانِي ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : فِي هَذِهِ الْآيَةِ { قَاتِلُوا الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُصَدّقُونَ بِالْآخِرَةِ فَمَعْنَاهُ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ سَلّامٍ أَنّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَقُولُونَ بِإِعَادَةِ الْأَجْسَادِ وَيَقُولُونَ إنّ الْأَرْوَاحَ هِيَ الّتِي تُبْعَثُ دُونَ الْأَجْسَادِ .
مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَذْكُرُ أَهْلَ النّفَاقِ { لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشّقّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ } أَيْ إنّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ { عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتّى يَتَبَيّنَ لَكَ الّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ } إلَى قَوْلِهِ { لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ سَارُوا بَيْنَ أَضْعَافِكُمْ فَالْإِيضَاعُ ضَرْبٌ مِنْ السّيْرِ أَسْرَعُ مِنْ الْمَشْيِ قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّ :
يَصْطَادُك الْوَحَدَ الْمُدِلّ بِشَأْوِهِ ... بِشَرِيجَ بَيْنَ الشّدّ وَالْإِيضَاعِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
عَوْدٌ إلَى مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الّذِينَ اسْتَأْذَنُوهُ مِنْ ذَوِي الشّرَفِ فِيمَا بَلَغَنِي ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ وَالْجَدّ بْنُ قَيْسٍ ؛ وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمِهِمْ فَثَبّطَهُمْ اللّهُ لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْدَهُ وَكَانَ فِي جُنْدِهِ قَوْمٌ أَهْلُ مَحَبّةٍ لَهُمْ وَطَاعَةٍ فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ لِشَرَفِهِمْ فِيهِمْ . فَقَالَ تَعَالَى : { وَفِيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ } أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَأْذِنُوك ، { وَقَلّبُوا لَكَ الْأُمُورَ } أَيْ لِيُخَذّلُوا عَنْك أَصْحَابَك وَيَرُدّوا عَلَيْك أَمْرَك { حَتّى جَاءَ الْحَقّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا } وَكَانَ الّذِي قَالَ ذَلِكَ . فِيمَا سُمّيَ لَنَا ، الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، حِين دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى [ ص 326 ] الرّومِ . ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدّخَلًا لَوَلّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ } أَيْ إنّمَا نِيّتُهُمْ وَرِضَاهُمْ وَسُخْطُهُمْ لِدُنْيَاهُمْ .
مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ أَصْحَابِ الصّدَقَاتِ
ثُمّ بَيّنَ الصّدَقَاتِ لِمَنْ هِيَ وَسَمّى أَهْلَهَا ، فَقَالَ { إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَاِبْنِ السّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }
مَا نَزَلَ فِيمَنْ آذَوْا الرّسُولَ
ثُمّ ذَكَرَ غِشّهُمْ وَأَذَاهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ { وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَكَانَ الّذِي يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فِيمَا بَلَغَنِي ، نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ إنّمَا مُحَمّدٌ أُذُنٌ مَنْ حَدّثَهُ شَيْئًا صَدّقَهُ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ } أَيْ يَسْمَعُ الْخَيْرَ وَيُصَدّقُ بِهِ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ } ثُمّ قَالَ { وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذّبْ طَائِفَةً } وَكَانَ الّذِي قَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ ، أَخُو بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف ٍ وَكَانَ الّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِيمَا بَلَغَنِي : مُخَشّنُ بْنُ حُمَيّرٍ الْأَشْجَعِيّ ، حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ ، وَذَلِكَ أَنّهُ أَنْكَرَ مِنْهُمْ بَعْضَ مَا سَمِعَ . ثُمّ الْقِصّةُ مِنْ صِفَتِهِمْ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النّبِيّ جَاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهَمّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ } إلَى قَوْلِهِ { مِنْ وَلِيّ وَلَا نَصِيرٍ } وَكَانَ الّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ فَرَفَعَهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ فِي حُجْرَةٍ يُقَالُ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ [ ص 327 ] فَأَنْكَرَهَا وَحَلَفَ بِاَللّهِ مَا قَالَهَا ، فَلَمّا نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ وَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَلَغَنِي . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصّدّقَنّ وَلَنَكُونَنّ مِنَ الصّالِحِينَ } وَكَانَ الّذِي عَاهَدَ اللّهَ مِنْهُمْ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ ، وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَهُمَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . ثُمّ قَالَ { الّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطّوّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَاتِ وَالّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وَكَانَ الْمُطّوّعُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَاتِ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ ، وَعَاصِمَ بْنَ عَدِيّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَغِبَ فِي الصّدَقَةِ وَحَضّ عَلَيْهَا ، فَقَامَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، فَتَصَدّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ ، فَتَصَدّقَ بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ فَلَمَزُوهُمَا وَقَالُوا : مَا هَذَا إلّا رِيَاءٌ وَكَانَ الّذِي تَصَدّقَ بِجُهْدِهِ أَبُو عُقَيْلٍ أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ أَتَى بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ فَأَفْرَغَهَا فِي الصّدَقَةِ فَتَضَاحَكُوا بِهِ وَقَالُوا : إنّ اللّهَ لَغَنِيّ عَنْ صَاعِ أَبِي عُقَيْلٍ ثُمّ ذَكَرَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْجِهَادِ وَأَمَرَ بِالسّيْرِ إلَى تَبُوكَ ، عَلَى شِدّةِ الْحَرّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ فَقَالَ تَعَالَى : { وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ قُلْ نَارُ جَهَنّمَ أَشَدّ حَرّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا } إلَى قَوْلِهِ { وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ }
مَا نَزَلَ بِسَبَبِ صَلَاةِ النّبِيّ عَلَى ابْنِ أُبَيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ يَقُولُ لَمّا تُوُفّيَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ، دُعِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلصّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَامَ إلَيْهِ فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصّلَاةَ تَحَوّلْت حَتّى قُمْت فِي صَدْرِهِ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُصَلّي عَلَى عَدُوّ اللّهِ عَبْدِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ ؟ الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا ، وَالْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا ؟ أُعَدّدُ أَيّامَهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَبَسّمُ حَتّى إذَا أَكْثَرْت قَالَ يَا عُمَرُ أَخّرْ عَنّي ، إنّي قَدْ خُيّرْت فَاخْتَرْت ، قَدْ قِيلَ لِي : اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ فَلَوْ أَعْلَمُ أَنّي إنْ زِدْت عَلَى السّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْت . قَالَ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَشَى مَعَهُ حَتّى قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتّى فُرِغَ [ ص 328 ] قَالَ فَعَجِبْت لِي وَلِجُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . فَوَاَللّهِ مَا كَانَ إلّا يَسِيرًا حَتّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ { وَلَا تُصَلّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنّهُمْ كَفَرُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ } فَمَا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ تَعَالَى .
مَا نَزَلَ فِي الْمُسْتَأْذِنِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطّوْلِ مِنْهُمْ } وَكَانَ ابْنُ أُبَيّ مِنْ أُولَئِكَ فَنَعَى اللّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ مِنْهُ ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { لَكِنِ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدّ اللّهُ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَجَاءَ الْمُعَذّرُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الّذِينَ كَذَبُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . وَكَانَ الْمُعَذّرُونَ ، فِيمَا بَلَغَنِي نَفَرًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، مِنْهُمْ خُفَافُ بْنُ إيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ ، ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ لِأَهْلِ الْعُذْرِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ { وَلَا عَلَى الّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدّمْعِ حَزَنًا أَلّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } وَهُمْ الْبَكّاءُونَ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { إِنّمَا السّبِيلُ عَلَى الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } وَالْخَوَالِفُ النّسَاءُ . ثُمّ ذَكَرَ حَلِفَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَاعْتِذَارَهُمْ فَقَالَ { فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنّ اللّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ }
Sمِنْ الْمُعَذّرِينَ
[ ص 325 ] وَذَكَرَ فِي الْمُعَذّرِينَ خُفَافَ بْنَ إيمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ ، وَيُقَالُ فِيهِ رُحْضَةُ بِالضّمّ ابْنُ خَرِبَةَ وَكَانَ لَهُ وَلِأَبِيهِ إيمَاءَ وَلِجَدّهِ رَحْضَةَ صُحْبَةٌ . مَاتَ خُفَافٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - وَكَانَ إمَامًا لِبَنِي غِفَارٍ . [ ص 326 ] وَذَكَرَ ابْنَ عُقَيْلٍ صَاحِبَ الصّاعِ الّذِي لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ وَاسْمُهُ جَثْجَاثٌ وَقَدْ قِيلَ فِي صَاحِبِ الصّاعِ أَنّهُ رِفَاعَةُ بْنُ سَهْلٍ . [ ص 327 ] [ ص 328 ]
مَا نَزَلَ فِيمَنْ نَافَقَ مِنْ الْأَعْرَابِ
ثُمّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ وَمَنْ نَافَقَ مِنْهُمْ وَتَرَبّصَهُمْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ { وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتّخِذُ مَا يُنْفِقُ } أَيْ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللّه { مَغْرَمًا وَيَتَرَبّصُ بِكُمُ الدّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ثُمّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ أَهْلَ الْإِخْلَاصِ وَالْإِيمَانِ مِنْهُمْ فَقَالَ { وَيَتّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرّسُولِ أَلَا إِنّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ } . [ ص 329 ]
مَا نَزَلَ فِي السّابِقِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
ثُمّ ذَكَرَ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَفَضْلَهُمْ وَمَا وَعَدَهُمْ اللّهُ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ إيّاهُمْ ثُمّ أَلْحَقَ بِهِمْ التّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فَقَالَ { رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ } ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَمِمّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النّفَاقِ } أَيْ لَجّوا فِيهِ وَأَبَوْا غَيْرَهُ { سَنُعَذّبُهُمْ مَرّتَيْنِ } وَالْعَذَابُ الّذِي أَوْعَدَهَا اللّهُ تَعَالَى مَرّتَيْنِ فِيمَا بَلَغَنِي : غَمّهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ حِسْبَةٍ ثُمّ عَذَابُهُمْ فِي الْقُبُورِ إذَا صَارُوا إلَيْهَا ، ثُمّ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الّذِي يَرُدّونَ إلَيْهِ عَذَابُ النّارِ وَالْخُلْدِ فِيهِ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللّهِ إِمّا يُعَذّبُهُمْ وَإِمّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ } وَهُمْ الثّلَاثَةُ الّذِينَ خُلّفُوا ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْرَهُمْ حَتّى أَتَتْ مِنْ اللّهِ تَوْبَتُهُمْ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَالّذِينَ اتّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا } إلَخْ . الْقِصّةَ ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { إِنّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنّ لَهُمُ الْجَنّةَ } ثُمّ كَانَ قِصّةُ الْخَبَرِ عَنْ تَبُوكَ ، وَمَا كَانَ فِيهَا إلَى آخِرِ السّورَةِ . وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ تُسَمّى فِي زَمَانِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعْدَهُ الْمُبَعْثِرَةَ لِمَا كَشَفَتْ مِنْ سَرَائِرِ النّاسِ . وَكَانَتْ تَبُوكُ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
شِعْرُ حَسّانَ الّذِي عَدّدَ فِيهِ الْمَغَازِيَ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُعَدّدُ أَيّامَ الْأَنْصَارِ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَذْكُرُ مَوَاطِنَهُمْ مَعَهُ فِي أَيّامِ غَزْوِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى لِابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ : [ ص 330 ]
أَلَسْت خَيْرَ مَعَدّ كُلّهَا نَفَرًا ... وَمَعْشَرًا إنْ هُمْ عُمّوا وَإِنْ حُصِلُوا
قَوْمٌ هُمْ شَهِدُوا بَدْرًا بِأَجْمَعِهِمْ ... مَعَ الرّسُولِ فَمَا آلَوْا وَمَا خَذَلُوا
وَبَايَعُوهُ فَلَمْ يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ ... مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُ فِي إيمَانِهِمْ دَخَلُ
وَيَوْمَ صَبّحَهُمْ فِي الشّعْبِ مِنْ أُحُدٍ ... ضَرْبٌ رَصِينٌ كَحَرّ النّارِ مُشْتَعِلُ
وَيَوْمَ ذِي قَرَدٍ يَوْمَ اسْتَثَارَ بِهِمْ ... عَلَى الْجِيَادِ فَمَا خَامُوا وَمَا نَكَلُوا
وَذَا الْعُشَيْرَةِ جَاسُوهَا بِخَيْلِهِمْ ... مَعَ الرّسُولِ عَلَيْهَا الْبَيْضُ وَالْأَسَلُ
وَيَوْمَ وَدّانَ أَجْلَوْا أَهْلَهُ رَقَصًا ... بِالْخَيْلِ حَتّى نَهَانَا الْحَزْنُ وَالْجَبَلُ
وَلَيْلَةً طَلَبُوا فِيهَا عَدُوّهُمْ ... لِلّهِ وَاَللّهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا
وَغَزْوَةً يَوْمَ نَجْدٍ ثُمّ كَانَ لَهُمْ ... مَعَ الرّسُولِ بِهَا الْأَسْلَابُ وَالنّفَلُ
وَلَيْلَةً بِحُنَيْنٍ جَالَدُوا مَعَهُ ... فِيهَا يَعِلّهُمُ بِالْحَرْبِ إذْ نَهَلُوا
وَغَزْوَةَ الْقَاعِ فَرّقْنَا الْعَدُوّ بِهِ ... كَمَا تَفَرّقَ دُونَ الْمَشْرَبِ الرّسَلُ
وَيَوْمَ بُويِعَ كَانُوا أَهْلَ بَيْعَتِهِ ... عَلَى الْجِلَادِ فَآسَوْهُ وَمَا عَدَلُوا
وَغَزْوَةَ الْفَتْحِ كَانُوا فِي سَرِيّتِهِ ... مُرَابِطِينَ فَمَا طَاشُوا وَمَا عَجِلُوا
وَيَوْمَ خَيْبَرَ كَانُوا فِي كَتِيبَتِهِ ... يَمْشُونَ كُلّهُمْ مُسْتَبْسِلٌ بَطَلُ
بِالْبَيْضِ تَرْعَشُ فِي الْأَيْمَانِ عَارِيَةً ... تَعْوَجّ فِي الضّرْبِ أَحْيَانًا وَتَعْتَدِلُ
وَيَوْمَ سَارَ رَسُولُ اللّهِ مُحْتَسِبًا ... إلَى تَبُوكَ وَهُمْ رَايَاتُهُ الْأُوَلُ
وَسَاسَةُ الْحَرْبِ إنْ حَرْبٌ بَدَتْ لَهُمْ ... حَتّى بَدَا لَهُمْ الْإِقْبَالُ وَالْقَفَلُ
أُولَئِكَ الْقَوْمُ أَنْصَارُ النّبِيّ وَهُمْ ... قَوْمِي أَصِيرُ إلَيْهِمْ حِينَ أَتّصِلُ
مَاتُوا كِرَامًا وَلَمْ تُنْكَثْ عُهُودُهُمْ ... وَقَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ إذْ قُتِلُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ عَجُزُ آخِرِهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
Sقَصِيدَةُ حَسّانَ الْمِيمِيّةُ
فَصْلٌ
[ ص 329 ] وَذَكَرَ كَلِمَةَ حَسّانَ الْمِيمِيّةَ وَفِيهَا : أَلَسْت خَيْرَ مَعَدّ كُلّهَا نَفَرًا
وَحَسّانُ لَيْسَ مِنْ مَعَدّ وَلَكِنْ أَرَادَ أَلَسْت خَيْرَ النّاسِ فَأَقَامَ مَعَدّا لِكَثْرَتِهَا مَقَامَ النّاسِ . [ ص 330 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا : [ ص 331 ]
كُنّا مُلُوكَ النّاسِ قَبْلَ مُحَمّدٍ ... فَلَمّا أَتَى الْإِسْلَامُ كَانَ لَنَا الْفَضْلُ
وَأَكْرَمَنَا اللّهُ الّذِي لَيْسَ غَيْرَهُ ... إلَهٌ بِأَيّامٍ مَضَتْ مَا لَهَا شَكْلُ
بِنَصْرِ الْإِلَهِ وَالرّسُولِ وَدِينِهِ ... وَأَلْبَسَنَاهُ اسْمًا مَضَى مَا لَهُ مِثْلُ
أُولَئِكَ قَوْمِي خَيْرُ قَوْمِك بِأَسْرِهِمْ ... فَمَا عُدّ مِنْ خَيْرٍ فَقَوْمِي لَهُ أَهْلُ
يَرُبّونَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفَ مَنْ مَضَى ... وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ دُونَ مَعْرُوفِهِمْ قَفْلُ
إذَا اخْتُبِطُوا لَمْ يُفْحِشُوا فِي نَدِيّهِمْ ... وَلَيْسَ عَلَى سُؤَالِهِمْ عِنْدَهُمْ بُخْلُ
وَإِنْ حَارَبُوا أَوْ سَالَمُوا لَمْ يُشَبّهُوا ... فَحَرْبُهُمْ حَتْفٌ وَسِلْمُهُمْ سَهْلُ
وَجَارُهُمْ مُوفٍ بِعَلْيَاءِ بَيْتِهِ ... لَهُ مَا ثَوَى فِينَا الْكَرَامَةُ وَالْبَذْلُ
وَحَامِلُهُمْ مُوفٍ بِكُلّ حَمَالَةٍ ... تَحَمّلَ لَا غُرْمٌ عَلَيْهَا وَلَا خَذْلُ
وَقَائِلُهُمْ بِالْحَقّ إنْ قَالَ قَائِلٌ ... وَحِلْمُهُمْ عَوْدٌ وَحُكْمُهُمْ عَدْلُ
وَمِنّا أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ حَيَاتَهُ ... وَمَنْ غَسّلَتْهُ مِنْ جَنَابَتِهِ الرّسْلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَوْلُهُ " وَأَلْبَسَنَاهُ اسْمًا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا : [ ص 332 ] [ ص 333 ]
قَوْمِي أُولَئِكَ إنْ تَسْأَلِي ... كِرَامٌ إذَا الضّيْفُ يَوْمًا أَلَمْ
عِظَامُ الْقُدُورِ لِأَيْسَارِهِمْ ... يَكُبّونَ فِيهَا الْمُسِنّ السّنِمْ
يُؤَاسُونَ جَارَهُمْ فِي الْغِنَى ... وَيَحْمُونَ مَوْلَاهُمْ إنْ ظُلِمْ
فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيهِمْ ... يُنَادُونَ عَضْبًا بِأَمْرٍ غُشُمْ
مُلُوكًا عَلَى النّاسِ لَمْ يُمْلَكُوا ... مِنْ الدّهْرِ يَوْمًا كَحِلّ القَسَمْ
فَأَنْبَوْا بِعَادٍ وَأَشْيَاعِهَا ... ثَمُودَ وَبَعْضِ بَقَايَا إرَمْ
بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ ... حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ
نَوَاضِحَ قَدْ عَلّمَتْهَا الْيَهُو ... دُ ( عَلْ ) إلَيْك وَقَوْلًا هَلُمْ
وَفِيمَا اشْتَهَوْا مِنْ عَصِيرِ الْقِطَا ... فِ وَالْعَيْشِ رَخْوًا عَلَى غَيْرِهِمْ
فَسِرْنَا إلَيْهِمْ بِأَثْقَالِنَا ... عَلَى كُلّ فَحْلٍ هِجَانٍ قَطِمْ
جَنَبْنَا بِهِنّ جِيَادَ الْخُيُو ... لِ قَدْ جَلّلُوهَا جِلَالَ الْأَدَمْ
فَلَمّا أَنَاخُوا بِجَنْبَيْ صِرَارٍ ... وَشَدّوا السّرُوجَ بِلَيّ الحُزُمْ
فَمَا رَاعَهُمْ غَيْرُ مَعْجِ الْخُيُو ... لِ وَالزّحْفُ مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ دَهِمْ
فَطَارُوا سِرَاعًا وَقَدْ أُفْزِعُوا ... وَجِئْنَا إلَيْهِمْ كَأُسْدِ الأُجُمْ
عَلَى كُلّ سَلْهَبَةٍ فِي الصّيَا ... نِ لَا يَشْتَكِينَ نُحُولَ السّأَمْ
وَكُلّ كُمَيْتٍ مُطَارِ الْفُؤَادِ ... أَمِينِ الْفُصُوصِ كَمِثْلِ الزّلَمْ
عَلَيْهَا فَوَارِسُ قَدْ عُوّدُوا ... قِرَاعَ الْكُمَاةِ وَضَرْبَ الْبُهَمْ
مُلُوكٌ إذَا غَشَمُوا فِي الْبِلَا ... دِ لَا يَنْكُلُونَ وَلَكِنْ قُدُمْ
فَأُبْنَا بِسَادَاتِهِمْ وَالنّسَاءِ ... وَأَوْلَادِهِمْ فِيهِمْ تُقْتَسَمْ
وَرِثْنَا مَسَاكِنَهُمْ بَعْدَهُمْ ... وَكُنّا مُلُوكًا بِهَا لَمْ نَرِمْ
فَلَمّا أَتَانَا الرّسُولُ الرّشِي ... دُ بِالْحَقّ وَالنّورِ بَعْدَ الظّلَمْ
قُلْنَا صَدَقْت رَسُولَ الْمَلِيكِ ... هَلُمّ إلَيْنَا وَفِينَا أَقِمْ
فَنَشْهَدُ أَنّك عَبْدُ الْإِلَ ... هِ أُرْسِلْت نُورًا بِدِينٍ قِيَمْ
فَإِنّا وَأَوْلَادَنَا جُنّةٌ ... نَقِيك وَفِي مَالِنَا فَاحْتَكِمْ
فَنَحْنُ أُولَئِكَ إنْ كَذّبُوك ... فَنَادِ نِدَاءً وَلَا تَحْتَشِمْ
وَنَادِ بِمَا كُنْت أَخْفَيْته ... نِدَاءً جِهَارًا وَلَا تَكْتَتِمْ
فَصَارَ الْغُوَاةُ بِأَسْيَافِهِمْ ... إلَيْهِ يَظُنّونَ أَنْ يُخْتَرَمْ
فَقُمْنَا إلَيْهِمْ بِأَسْيَافِنَا ... نُجَالِدُ عَنْهُ بُغَاةَ الْأُمَمْ
بِكُلّ صَقِيلٍ لَهُ مَيْعَةٌ ... رَقِيقِ الذّبَابِ عَضُوضٍ خَذِمْ
إذَا مَا يُصَادِفُ صُمّ الْعِظَا ... مِ لَمْ يَنْبُ عَنْهَا وَلَمْ يَنْثَلِمْ
فَذَلِكَ مَا وَرّثَتْنَا الْقُرُو ... مُ مَجْدًا تَلِيدًا وَعِزّا أَشَمّ
إذَا مَرّ نَسْلٌ كَفَى نَسْلُهُ ... وَغَادَرَ نَسْلًا إذَا مَا انْفَصَمْ
فَمَا إنْ مِنْ النّاسِ إلّا لَنَا ... عَلَيْهِ وَإِنْ خَاصَ فَضْلُ النّعَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ
فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيهِمْ ... يُنَادُونَ غُضْبًا بِأَمْرٍ غُشُمْ
[ ص 334 ]
بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ ... حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ
وَبَيْتَهُ " وَكُلّ كُمَيْتٍ مُطَارِ الْفُؤَادِ
" عَنْهُ . [ ص 335 ]
S[ ص 331 ] وَنَادِ جِهَارًا وَلَا تَحْتَشِمْ
وَفِيهَا رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنّ الْحِشْمَةَ لَا تَكُونُ إلّا بِمَعْنَى الْغَضَبِ وَأَنّهَا مِمّا يَضَعُهَا النّاسُ غَيْرَ مَوْضِعِهَا ، وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : لِكُلّ طَاعِمٍ حِشْمَةٌ فَابْدَءُوهُ بِالْيَمِينِ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ لَا يَرْفَعَنّ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَنْ الطّعَامَ قَبْلَ أَكِيلِهِ فَإِنّ ذَلِكَ مِمّا يَحْشِمُه وَأَنْشَدَ أَبُو الْفَرَجِ لِمُحَمّدِ بْنِ يَسِيرٍ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِثْلُ حَسّانَ فِي الْحُجّةِ
فِي انْقِبَاضٍ وَحِشْمَةٍ فَإِذَا ... جَالَسْت أَهْلَ الْوَفَاءِ وَالْكَرَمِ
أَرْسَلْت نَفْسِي عَلَى سَجِيّتِهَا ... وَقُلْت مَا شِئْت غَيْرَ مُحْتَشِمِ
[ ص 332 ]
وَكَانُوا مُلُوكًا ، وَلَمْ يَمْلِكُوا ... مِنْ الدّهْرِ يَوْمًا كَحِلّ القَسَمْ
فِيهِ شَاهِدٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ كَحِلّةِ الْقَسَمِ وَخِلَافُهُ لِأَبِي عُبَيْدٍ ، وَقَدْ قَدّمْنَا قَوْلَهُمَا فِيمَا تَقَدّمَ مِنْ شَرْحِ قَصِيدَةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ . [ ص 333 ] ابْنُ قُتَيْبَةَ :
إذَا عَصَفَتْ رِيحٌ فَلَيْسَ بِقَائِمٍ ... بِهَا وَتَدٌ إلّا تَحِلّةَ مُقْسِمِ
وَأَنْشَدَ أَيْضًا : قَلِيلًا كَتَحْلِيلِ الْأُلَى ثُمّ أَصْبَحَتْ
الْبَيْتَ . وَقَوْلُهُ وَعِزّا أَشَمْ هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ : عِزّةٌ قَعْسَاءُ يُرِيدُ شَمّاءُ لِأَنّ الْأَقْعَسَ الّذِي يُخْرِجُ صَدْرَهُ وَيُدْخِلُ ظَهْرَهُ وَقَدْ فَسّرَهُ الْمُبَرّدُ غَيْرَ هَذَا التّفْسِيرِ وَبَيْتُ حَسّانَ يَشْهَدُ لِمَا قُلْنَاهُ إنّمَا هُوَ الشّمَمُ الّذِي يُوصَفُ بِهِ ذُو الْعِزّةِ فَوُصِفَتْ الْعِزّةُ بِهِ مَجَازًا .
تَفْسِيرُ سُورَةِ النّصْرِ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ سُورَةَ إذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَتَفْسِيرُهُ لَهَا فِي الظّاهِرِ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تَأْوِيلِهَا ، فَأَخْبَرَهُ أَنّ اللّهَ تَعَالَى أَعْلَمَ فِيهَا نَبِيّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلّا مَا قُلْت . وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وَعُمَرُ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ فَاشْكُرْ رَبّك ، وَاحْمَدْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إنّمَا قَالَ فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّك وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ تَوّابًا ، فَهَذَا أَمْرٌ لِنَبِيّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلِقَاءِ رَبّهِ تَعَالَى وَالتّوْبَةِ إلَيْهِ وَمَعْنَاهَا الرّجُوعُ عَمّا كَانَ بِسَبِيلِهِ مِمّا أُرْسِلَ بِهِ مِنْ إظْهَارِ الدّينِ إذْ قَدْ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ وَتَمّ مُرَادُهُ فِيهِ فَصَارَ جَوَابُ إذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : [ ص 334 ] { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجًا } مَحْذُوفًا . وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ فِي الْقُرْآنِ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا ، وَالتّقْدِيرُ { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ } فَقَدْ انْقَضَى الْأَمْرُ وَدَنَا الْأَجَلُ وَحَانَ اللّقَاءُ { فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوّابًا } وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مُبَيّنًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ فَقَالَ فِيهِ فَقَدْ دَنَا أَجَلُك فَسَبّحْ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الّذِي فَهِمَهُ ابْنُ عَبّاسٍ ، وَهُوَ حَذْفُ جَوَابِ إذَا ، وَمَنْ لَمْ يَتَنَبّهْ لِهَذِهِ النّكْتَةِ حَسِبَ أَنّ جَوَابَ إذَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ فَسَبّحْ كَمَا تَقُولُ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَصُمْ وَلَيْسَ فِي هَذَا التّأْوِيلِ مِنْ الْمُشَاكَلَةِ لِمَا قَبْلَهُ مَا فِي تَأْوِيلِ ابْنِ عَبّاسٍ فَتَدَبّرْهُ فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَحَسْبُك بِهِمَا فَهْمًا لِكِتَابِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَالْفَاءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ رَابِطَةٌ لِلْأَمْرِ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ وَعَلَى مَا ظَهَرَ لِغَيْرِهِ رَابِطَةٌ لِجَوَابِ الشّرْطِ الّذِي فِي إذَا .
ذِكْرُ سَنَةِ تِسْعٍ وَتَسْمِيَتِهَا سَنَةَ الْوُفُودِ
وَنُزُولِ سُورَةِ الْفَتْحِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : لَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ ، وَفَرَغَ مِنْ تَبُوكَ ، وَأَسْلَمَتْ ثَقِيفٌ وَبَايَعَتْ ضَرَبَتْ إلَيْهِ وُفُودُ الْعَرَبِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَأَنّهَا كَانَتْ تُسَمّى سَنَةَ الْوُفُودِ .
انْقِيَادُ الْعَرَبِ وَإِسْلَامُهُمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّمَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَرَبّصُ بِالْإِسْلَامِ أَمْرَ هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَأَمْرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ أَنّ قُرَيْشًا كَانُوا إمَامَ النّاسِ وَهَادِيَهُمْ وَأَهْلَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ ، وَصَرِيحَ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَقَادَةَ الْعَرَبِ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَكَانَتْ [ ص 336 ] قُرَيْشٌ هِيَ الّتِي نَصَبَتْ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخِلَافِهِ فَلَمّا اُفْتُتِحَتْ مَكّةُ ، وَدَانَتْ لَهُ قُرَيْشٌ ، وَدَوّخَهَا الْإِسْلَامُ وَعَرَفَتْ الْعَرَبُ أَنّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا عَدَاوَتِهِ فَدَخَلُوا فِي دِينِ اللّهِ كَمَا قَالَ عَزّ وَجَلّ أَفْوَاجًا ، يَضْرِبُونَ إلَيْهِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْوَاجًا فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوّابًا } أَيْ فَاحْمَدْ اللّهَ عَلَى مَا أَظْهَرَ مِنْ دِينِك ، وَاسْتَغْفِرْهُ إنّهُ كَانَ تَوّابًا .
Sقُدُومُ الْوُفُودِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ
[ ص 335 ] قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى وَقَدْ تَكَرّرَ حَدِيثُهُمْ فِي الصّحِيحَيْنِ دُونَ تَسْمِيَةِ أَحَدٍ مِنْهُمْ فَمِنْهُمْ أَشَجّ عَبْدِ الْقَيْسِ ، وَهُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَائِذٍ قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 336 ] إنّ فِيك خَلّتَيْنِ يُحِبّهُمَا اللّهُ وَرَسُولُهُ الْحِلْمَ وَالْأَنَاةَ وَمِنْهُمْ أَبُو الْوَازِعِ الزّارِعُ بْنُ عَامِرٍ وَابْنُ أُخْتِهِ مَطَرُ بْنُ هِلَالٍ الْعَنْزِيّ " . وَلَمّا ذَكَرُوا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ ابْنُ أُخْتِهِمْ قَالَ ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ . وَمِنْهُمْ ابْنُ أَخِي الزّارِعِ وَكَانَ مَجْنُونًا ، فَجَاءَ بِهِ مَعَهُ لِيَدْعُوَ لَهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَمَسَحَ ظَهْرَهُ وَدَعَا لَهُ فَبَرِئَ لِحِينِهِ وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا فَكُسِيَ جَمَالًا وَشَبَابًا ، حَتّى كَانَ وَجْهُهُ وَجْهَ الْعَذْرَاءِ وَمِنْهُمْ الْجَهْمُ بْنُ قُثَمَ لَمّا نَهَاهُمْ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ الشّرْبِ فِي الْأَوْعِيَةِ وَحَذّرَهُمْ مَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْجِرَاحِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُمْ إذَا شَرِبُوا الْمُنْكَرَ عَمَدَ أَحَدُهُمْ إلَى ابْنِ عَمّهِ فَجَرَحَهُ وَكَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ قَدْ جُرِحَ فِي ذَلِكَ وَكَانَ يُخْفِي جُرْحَهُ وَيَكْتُمُهُ وَذَلِكَ الرّجُلُ هُوَ جَهْمُ بْنُ قُثَمَ ، عَجِبُوا مِنْ عِلْمِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بِذَلِكَ وَإِشَارَتِهِ إلَى ذَلِكَ الرّجُلِ . وَمِنْهُمْ أَبُو خَيْرَةَ الصّبَاحِيّ مِنْ بَنِي صُبَاحِ بْنِ لُكَيْزٍ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ اللّهُمّ اغْفِرْ لِعَبْدِ الْقَيْسِ وَأَنّهُ زَوّدَهُمْ الْأَرَاكَ يَسْتَاكُونَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَزِيدَةُ الْعَصْرِيّ جَدّ هُودِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مَزِيدَةَ وَعَلَى هُودٍ يَدُورُ حَدِيثُهُ فِي التّمْرِ الْبَرْنِيّ وَأَنّهُ دَوَاءٌ وَلَيْسَ فِيهِ دَاءٌ وَمِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ النّعْمَانِ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ فَهَذَا مَا بَلَغَنِي مِنْ تَسْمِيَةِ مَنْ وَفَدَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ .
قُدُومُ وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ وَنُزُولُ سُورَةِ الْحُجُرَاتِ
رِجَالُ الْوَفْدِ
فَقَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُفُودُ الْعَرَبِ ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ بْنِ عُدَسَ التّمِيمِيّ ، فِي أَشْرَافِ بَنِي تَمِيمٍ مِنْهُمْ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التّمِيمِيّ ، وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ التّمِيمِيّ ، أَحَدُ بَنِي سَعْدٍ وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ ، وَالْحَبْحَابُ بْنُ يَزِيدَ . [ ص 337 ]
شَيْءٌ عَنْ الْحُتَاتِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحُتَاتُ وَهُوَ الّذِي آخَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ آخَى بَيْنَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَبَيْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، وَبَيْنَ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ وَالزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ ، وَبَيْنَ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ وَالْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ ، وَبَيْنَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَالْحُتَاتِ بْنِ يَزِيدَ الْمُجَاشِعِيّ فَمَاتَ الْحُتَاتُ عِنْدَ مُعَاوِيَةَ فِي خِلَافَتِهِ فَأَخَذَ مُعَاوِيَةُ مَا تَرَكَ وِرَاثَةً بِهَذِهِ الْأُخُوّةِ فَقَالَ الْفَرَزْدَقُ لِمُعَاوِيَةَ
أَبُوك وَعَمّي يَا مُعَاوِيَ أَوْرَثَا ... تُرَاثًا فَيَحْتَازُ التّرَاثَ أَقَارِبُهْ
فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْته ... وَمِيرَاثِ حَرْبٍ جَامِدٌ لَك ذَائِبُهْ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
سَائِرُ رِجَالِ الْوَفْدِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَفِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ نُعَيْمُ بْنُ يَزِيدَ وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ، أَخُو بَنِي سَعْدٍ فِي وَفْدٍ عَظِيمٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ ، أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ وَالْحُتَاتُ بْنُ يَزِيدَ أَحَدُ بَنِي دَارِمِ بْنِ مَالِكٍ وَالزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ ، أَحَدُ بَنِي بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ، أَحَدُ بَنِي مِنْقَرِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيّ ، وَقَدْ كَانَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ شَهِدَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتْحَ مَكّةَ وَحُنَيْنًا وَالطّائِفَ . [ ص 338 ]
صِيَاحُهُمْ بِالرّسُولِ وَكَلِمَةُ عُطَارِدٍ
فَلَمّا قَدِمَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ كَانَا مَعَهُمْ فَلَمّا دَخَلَ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ الْمَسْجِدَ نَادَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَرَاءِ حُجُرَاتِهِ أَنْ اُخْرُجْ إلَيْنَا يَا مُحَمّدُ فَآذَى ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ صِيَاحِهِمْ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ جِئْنَاك نُفَاخِرُك ، فَأْذَنْ لِشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا ، قَالَ " قَدْ أُذِنَ لِخَطِيبِكُمْ فَلْيَقُلْ " فَقَالَ عُطَارِدُ بْنُ حَاجِبٍ ، فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَهُ عَلَيْنَا الْفَضْلُ وَالْمَنّ ، وَهُوَ أَهْلُهُ الّذِي جَعَلَنَا مُلُوكًا ، وَوَهَبَ لَنَا أَمْوَالًا عِظَامًا ، نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ وَجَعَلَنَا أَعَزّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُ عَدَدًا ، وَأَيْسَرَهُ عُدّةً فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النّاسِ ؟ أَلَسْنَا بِرُءُوسِ النّاسِ وَأُولِي فَضْلِهِمْ ؟ فَمَنْ فَاخَرَنَا فَلْيَعْدُدْ مِثْلَ مَا عَدَدْنَا ، وَإِنّا لَوْ نَشَاءُ لَأَكْثَرْنَا الْكَلَامَ وَلَكِنّا نَحْيَا مِنْ الْإِكْثَارِ فِيمَا أَعْطَانَا ، وَإِنّا نُعْرَفُ بِذَلِكَ . أَقُولُ هَذَا لِأَنْ تَأْتُوا بِمِثْلِ قَوْلِنَا ، وَأَمْرٍ أَفْضَلَ مِنْ أَمْرِنَا . ثُمّ جَلَسَ .
S[ ص 337 ] وَذَكَرَ فِي الْوُفُودِ الْحُتَاتَ بْنَ يَزِيدَ وَقَوْلَ الْفَرَزْدَقِ لِمُعَاوِيَةَ فِيهِ فَمَا بَالُ مِيرَاثِ الْحُتَاتِ أَكَلْته
الْبَيْتَ وَبَعْدَهُ فِي غَيْرِ سِيرَةِ ابْنِ إسْحَاقَ :
فَلَوْ أَنّ هَذَا كَانَ فِي غَيْرِ مُلْكِكُمْ ... لَبُؤْت بِهَا أَوْ غَصّ بِالْمَاءِ شَارِبُهْ
[ ص 338 ]
شَرْحُ صَاحِبِ الْحُلّةِ
وَذَكَرَ فِيهِمْ عُطَارِدَ بْنَ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ ، وَهُوَ صَاحِبُ الْحُلّةِ الّتِي قَالَ فِيهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ الْحُلّةَ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ [ فِي الْآخِرَةِ ] " وَقَوْلُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَتَكْسُونِي هَذِهِ وَقَدْ قُلْت فِي حُلّةِ عُطَارِدٍ مَا قُلْت ، وَكَانَ سَبَبُ تِلْكَ الْحُلّةِ أَنّ حَاجِبَ بْنَ زُرَارَةَ أَبَا عُطَارِدٍ كَانَ وَفَدَ عَلَى كِسْرَى لِيَأْخُذَ مِنْهُ أَمَانًا لِقَوْمِهِ لِيَقْرُبُوا مِنْ رِيفِ الْعِرَاقِ لِجَدْبٍ أَصَابَ بِلَادَهُمْ فَسَأَلَهُ كِسْرَى رَهْنًا لِيَسْتَوْثِقَ بِهَا مِنْهُمْ فَدَفَعَ إلَيْهِ قَوْسَهُ رَهِينَةً فَاسْتَحْمَقَهُ الْمَلِكُ وَضَحِكَ مِنْهُ فَقِيلَ لَهُ أَيّهَا الْمَلِكُ إنّهُمْ الْعَرَبُ لَوْ رَهَنَك أَحَدُهُمْ تِبْنَةً مَا أَسْلَمَهَا غَدْرًا فَقَبِلَهَا مِنْهُ كِسْرَى ، فَلَمّا أَخْصَبَتْ بِلَادُهُمْ انْتَشَرُوا رَاجِعِينَ إلَيْهَا ، وَجَاءَ حَاجِبٌ يَطْلُبُ قَوْسَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ كَسَاهُ كِسْرَى تِلْكَ الْحُلّةَ الّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُطَارِدٍ الْمَذْكُورَةَ فِي جَامِعِ الْمُوَطّإِ . ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ أَوْ مَعْنَاهُ وَفِي الْمُوَطّإِ أَنّ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - كَسَا الْحُلّةَ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا بِمَكّةَ قَالَ ابْنُ الْحَذّاءِ كَانَ أَخَاهُ لِأُمّهِ وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ الثّقَفِيّ ، وَهُوَ جَدّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ لِأُمّهِ هَكَذَا ذَكَرَ فِي تَسْمِيَةِ رِجَالِ الْمُوَطّإِ وَغَلِطَ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنّهُ قَالَ كَانَ أَخَا عُمَرَ لِأُمّهِ وَإِنّمَا هُوَ أَخُو زَيْدِ بْنِ الْخَطّابِ لِأُمّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ وَهْبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ [ ص 339 ] خُزَيْمَةَ ، وَأَمّا أُمّ عُمَرَ فَهِيَ حَنْتَمَةُ بِنْتُ هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ [ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَخْزُومٍ ] ، وَالْغَلَطُ الثّانِي أَنّهُ جَعَلَهُ ثَقِيفِيّا وَإِنّمَا هُوَ سُلَمِيّ وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ فَالِجِ بْنِ ذَكْوَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ هَكَذَا نَسَبَهُ الزّبَيْرُ وَبِنْتُهُ أُمّ سَعْدٍ وَلَدَتْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ .
نَسَبُ ابْنِ الْأَهْتَمِ
وَذَكَرَ فِيهِمْ عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ وَنَسَبَهُ وَاسْمُ الْأَهْتَمِ سُمَيّ بْنُ سِنَانٍ وَهُوَ جَدّ شَبِيبِ بْنِ شَيْبَةَ وَخَالِدِ بْنِ صَفْوَانَ الْخَطِيبَيْنِ الْبَلِيغَيْنِ وَسُمّيَ سُمَيّ بِالْأَهْتَمِ لِأَنّ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ ضَرَبَهُ فَهَتَمَ فَاهُ .
كَلِمَةُ ثَابِتٍ فِي الرّدّ عَلَى عُطَارِدٍ
[ ص 339 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : قُمْ فَأَجِبْ الرّجُلَ فِي خُطْبَتِهِ . فَقَامَ ثَابِتٌ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ قَضَى فِيهِنّ أَمْرَهُ وَوَسِعَ كُرْسِيّهُ عِلْمُهُ وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ قَطّ إلّا مِنْ فَضْلِهِ ثُمّ كَانَ مِنْ قُدْرَتِهِ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا ، وَاصْطَفَى مِنْ خَيْرِ خَلْقِهِ رَسُولًا ، أَكْرَمَهُ نَسَبًا ، وَأَصْدَقَهُ حَدِيثًا ، وَأَفْضَلَهُ حَسَبًا ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابَهُ وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ فَكَانَ خِيرَةَ اللّهِ مِنْ الْعَالَمِينَ ثُمّ دَعَا النّاسَ إلَى الْإِيمَانِ بِهِ فَآمَنَ بِرَسُولِ اللّهِ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ وَذَوِي رَحِمِهِ أَكْرَمُ النّاسِ حَسَبًا ، وَأَحْسَنُ النّاسِ وُجُوهًا ، وَخَيْرُ النّاسِ فِعَالًا . ثُمّ كَانَ أَوّلَ الْخَلْقِ إجَابَةً وَاسْتَجَابَ لِلّهِ حِينَ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ وَوُزَرَاءُ رَسُولِهِ نُقَاتِلُ النّاسَ حَتّى يُؤْمِنُوا بِاَللّهِ فَمَنْ آمَنَ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ مَنَعَ مِنّا مَالَهُ وَدَمَهُ وَمَنْ كَفَرَ جَاهَدْنَاهُ فِي اللّهِ أَبَدًا ، وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللّهَ لِي وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ .
Sعَنْ كُرْسِيّ اللّهِ
وَذَكَرَ خُطْبَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ، وَفِيهَا وَسِعَ كُرْسِيّهُ عِلْمُهُ وَفِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ الْكُرْسِيّ هُوَ الْعِلْمُ وَكَذَلِك مَنْ قَالَ هُوَ الْقُدْرَةُ لِأَنّهُ لَا تُوصَفُ الْقُدْرَةُ وَالْعِلْمُ بِأَنّ الْعِلْمَ وَسِعَهَا ، وَإِنّمَا كُرْسِيّهُ مَا أَحَاطَ بِالسّمَوَاتِ وَالْأَرَضِينَ وَهُوَ دُونَ الْعَرْشِ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ فَعِلْمُهُ سُبْحَانَهُ قَدْ وَسِعَ الْكُرْسِيّ بِمَا حَوَاهُ مِنْ دَقَائِقِ الْأَشْيَاءِ وَجَلَائِلِهَا وَجُمَلِهَا وَتَفَاصِيلِهَا ، وَقَدْ قِيلَ إنّ الْكُرْسِيّ فِي الْقُرْآنِ هُوَ الْعَرْشُ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَكَادُ أَنْ يَكُونَ حُجّةً لِهَذَا الْقَوْلِ لِأَنّهُ لَمْ يُرِدْ أَنّ الْعِلْمَ وَسِعَ الْكُرْسِيّ فَمَا دُونَهُ عَلَى الْخُصُوصِ دُونَ مَا فَوْقَهُ فَجَائِزٌ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْعَرْشَ وَمَا تَحْتَهُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . فَإِنْ صَحّتْ الرّوَايَةُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ [ ص 340 ] أَشَارَ إلَى أَنّ مَعْنَى الْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ يُفْهَمُ مِنْ الْآيَةِ لِأَنّ الْكُرْسِيّ الّذِي هُوَ عِنْدَ الْعَرَبِ مَوْضِعُ الْقَدَمَيْنِ مِنْ سَرِيرِ الْمُلْكِ إذَا وَسِعَ مَا وَسِعَ فَقَدْ وَسِعَهُ عِلْمُ الْمَلِكِ وَمُلْكُهُ وَقُدْرَتُهُ وَنَحْوَ هَذَا ، فَلَيْسَ فِي أَنْ يَسَعَ الْكُرْسِيّ مَا وَسِعَهُ مَدْحٌ وَثَنَاءٌ عَلَى الْمَلِكِ سُبْحَانَهُ إلّا مِنْ حَيْثُ تَضَمّنِ سَعَةِ الْعِلْمِ وَالْمُلْكِ وَإِلّا فَلَا مَدْحَ فِي وَصْفِ الْكُرْسِيّ بِالسّعَةِ وَالْآيَةُ لَا مَحَالَةَ وَارِدَةٌ فِي مَعْرِضِ الْمَدْحِ وَالتّعْظِيمِ لِلْعَلِيّ الْعَظِيمِ الّذِي لَا يَئُودُهُ حِفْظُ مَخْلُوقَاتِهِ كُلّهَا ، وَهُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ وَقَرّى الطّبَرِيّ قَوْلَ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَاحْتَجّ لَهُ بِقَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ { وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا } وَبِأَنّ الْعَرَبَ تُسَمّي الْعُلَمَاءَ كَرَاسِيّ . قَالَ وَمِنْهُ سُمّيَتْ الْكُرّاسُ لِمَا تَضَمّنَتْهُ وَتَجْمَعُهُ مِنْ الْعِلْمِ وَأَنْشَدَ
تَحُفّهُمْ بِيضُ الْوُجُوهِ وَعَصَبَةٌ ... كَرَاسِيّ بِالْأَحْدَاثِ حِينَ تَنُوبُ
أَيْ عَالِمُونَ بِالْأَحْدَاثِ .
شِعْرُ الزّبْرِقَانِ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ
[ ص 340 ] الزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ ، فَقَالَ
نَحْنُ الْكِرَامُ فَلَا حَيّ يُعَادِلُنَا ... مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُنْصَبُ الْبِيَعُ
وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ... عِنْدَ النّهَابِ وَفَضْلُ الْعِزّ يُتّبَعُ
وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ مُطْعِمُنَا ... مِنْ الشّوَاءِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ الْقَزَعُ
بِمَا تَرَى النّاسَ تَأْتِينَا سَرَاتُهُمْ ... مِنْ كُلّ أَرْضٍ هُوِيّا ثُمّ تَصْطَنِعُ
[ ص 341 ] الْكُومَ عُبْطًا فِي أَرُومَتِنَا ... لِلنّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا شَبِعُوا
فَلَا تَرَانَا إلَى حَيّ نُفَاخِرُهُمْ ... إلّا اسْتَفَادُوا فَكَانُوا الرّأْسَ يُقْتَطَعُ
فَمَنْ يُفَاخِرُنَا فِي ذَاكَ نَعْرِفُهُ ... فَيَرْجِعُ الْقَوْمُ وَالْأَحْبَارُ تَسْتَمِعُ
إنّا أَبَيْنَا وَلَا يَأْبَى لَنَا أَحَدٌ ... إنّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْرِ نَرْتَفِعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : مِنّا الْمُلُوكُ وَفِينَا تُقْسَمُ الرّبَعُ
وَيُرْوَى : مِنْ كُلّ أَرْضٍ هَوَانَا ثُمّ نُتّبَعُ
رَوَاهُ لِي بَعْضُ بَنِي تَمِيمٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلزّبْرِقَانِ .
Sشِعْرُ الزّبْرِقَانِ
وَذَكَرَ شِعْرَ الزّبْرِقَانِ وَأَنّ بَعْضَ النّاسِ يُنْكِرُ الشّعْرَ لَهُ وَذَكَرَ الْبَرْقِيّ أَنّ الشّعْرَ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيّ وَكَانَ الزّبْرِقَانُ يُرْفَعُ لَهُ بَيْتٌ مِنْ عَمَائِمَ وَثِيَابٍ وَيُنْضَخُ بِالزّعْفَرَانِ وَالطّيبِ وَكَانَتْ بَنُو تَمِيمٍ تَحُجّ ذَلِكَ الْبَيْتَ . قَالَ الشّاعِرُ وَهُوَ الْمُخَبّلُ السّعْدِيّ ، وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قِتَالٍ
وَأَشْهَدَ مِنْ عَوْفٍ حُلُولًا كَثِيرَةً ... يَحُجّونَ سِبّ الزّبْرِقَانِ الْمُزَعْفَرَا
وَالسّبّ : الْعِمَامَةُ وَأَحْسَبُهُ أَشَارَ إلَى هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ بِمَا تَرَى النّاسَ تَأْتِينَا سَرَاتُهُمْ
الْبَيْتَ . وَلَيْسَ السّرَاةُ جَمْعَ سَرِيّ كَمَا ظَنّوا ، وَإِنّمَا هُوَ كَمَا تَقُولُ ذُرْوَتُهُمْ وَسَنَامُهُمْ وَسَرَاةُ كُلّ شَيْءٍ أَعْلَاهُ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَالزّبْرِقَانُ مِنْ أَسْمَاءِ [ ص 341 ] قَالَ الشّاعِرُ
تُضِيءُ بِهِ الْمَنَابِرُ حِينَ يَرْقَى ... عَلَيْهَا مِثْلَ ضَوْءِ الزّبْرِقَانِ
وَالزّبْرِقَانُ أَيْضًا : الْخَفِيفُ الْعَارِضَيْنِ وَكَانَتْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْمَاءَ الزّبْرِقَانُ وَالْقَمَرُ وَالْحُصَيْنُ وَثَلَاثُ كُنًى : أَبُو الْعَبّاسِ وَأَبُو شَذْرَةَ وَأَبُو عَيّاشٍ وَهُوَ الزّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ خَلَفِ بْنِ بَهْدَلَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ حَسّانُ غَائِبًا ، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ حَسّانُ جَاءَنِي رَسُولُهُ فَأَخْبَرَنِي أَنّهُ إنّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ فَخَرَجْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَقُولُ
مَنَعْنَا رَسُولَ اللّهِ إذْ حَلّ وَسْطَنَا ... عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ
مَنَعْنَاهُ لَمّا حَلّ بَيْنَ بُيُوتِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ
بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزّهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ
هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ... وَجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ
[ ص 342 ] قَالَ فَلَمّا انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ فَقَالَ مَا قَالَ عَرَضْت فِي قَوْلِهِ وَقُلْت عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ . قَالَ فَلَمّا فَرَغَ الزّبْرِقَانُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ قُمْ يَا حَسّانُ فَأَجِبْ الرّجُلَ فِيمَا قَالَ . فَقَامَ حَسّانُ فَقَالَ [ ص 343 ]
إنّ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ ... قَدْ بَيّنُوا سُنّةً لِلنّاسِ تُتّبَعُ
يَرْضَى بِهِمْ كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلّ الْخَيْرِ يُصْطَنَعُ
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرّوا عَدُوّهُمْ ... أَوْ حَاوَلُوا النّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ ... إنّ الْخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرّهَا الْبِدَعُ
إنْ كَانَ فِي النّاسِ سَبّاقُونَ بَعْدَهُمْ ... فَكُلّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
لَا يَرْفَعُ النّاسُ مَا أَوْهَتْ أَكُفّهُمْ ... عِنْدَ الدّفَاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا
إنْ سَابَقُوا النّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ ... أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنّدَى مَتَعُوا
أَعِفّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْيِ عِفّتُهُمْ ... لَا يَطْمَعُونَ وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ
لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ ... وَلَا يَمَسّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ
إذَا نَصَبْنَا لِحَيّ لَمْ نَدِبّ لَهُمْ ... كَمَا يَدِبّ إلَى الْوَحْشِيّةِ الذّرَعُ
نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا ... إذَا الزّعَانِفُ مِنْ أَظْفَارِهَا خَشَعُوا
لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوّهُمْ ... وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هُلُعُ
كَأَنّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتِ مُكْتَنِعٌ ... أُسْدٌ بِحَلْبَةَ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعُ
خُذْ مِنْهُمْ مَا أَتَى عَفْوًا إذَا غَضِبُوا ... وَلَا يَكُنْ هَمّك الْأَمْرَ الّذِي مَنَعُوا
فَإِنّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ ... شَرّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السّمّ وَالسّلَعُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللّهِ شِيعَتُهُمْ ... إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشّيَعُ
أَهْدَى لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ ... فِيمَا أَحَبّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ
فَإِنّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلّهِمْ ... إنْ جَدّ بِالنّاسِ جِدّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ :
يَرْضَى بِهَا كُلّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ ... تَقْوَى الْإِلَهِ وَبِالْأَمْرِ الّذِي شَرَعُوا
Sشِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ فِي الْمِيمِيّةِ وَالْعَيْنِيّةِ
وَقَوْلُ حَسّانَ بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزّهُ وَثَرَاؤُهُ
[ ص 342 ] غَسّانَ وَهُمْ مُلُوكُ الشّامِ ، وَهُمْ وَسَطَ الْأَعَاجِمِ ، وَالْبَيْتُ الْحَرِيدُ الْمُنْفَرِدُ عَنْ الْبُيُوتِ كَمَا انْفَرَدَتْ غَسّانُ ، وَانْقَطَعَتْ عَنْ أَرْضِ الْعَرَبِ ، وَكَانَ حَسّانُ يَضْرِبُ بِلِسَانِهِ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ هُوَ وَابْنُهُ وَأَبُوهُ وَجَدّهُ وَكَانَ يَقُولُ لَوْ وَضَعْته يَعْنِي لِسَانَهُ عَلَى حَجَرٍ لَفَلَقَهُ أَوْ عَلَى شَعْرٍ لَحَلَقَهُ وَمَا يَسُرّنِي بِهِ مَقُولٌ مِنْ مَعَدّ . وَقَوْلُ حَسّانَ يُخَاضُ إلَيْهِ السّمّ وَالسّلَعُ . السّلَعُ شَجَرٌ مُرّ . قَالَ أُمَيّةُ [ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ] :
عُشَرٌ مَا وَفَوْقَهُ سَلَعٌ مَا ... عَائِلٌ مَا ، وَعَالَتْ الْبَيْقُورَا
يُرِيدُ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا اسْتَسْقَوْا فِي الْجَاهِلِيّةِ رَبَطُوا السّلَعَ وَالْعُشَرَ فِي أَذْنَابِ الْبَقَرِ . وَقَوْلُهُ شَمَعُوا ، أَيْ ضَحِكُوا وَمَزَحُوا . قَالَ الشّاعِرُ [ الْمُتَنَخّلُ الْهُذَلِيّ ] يَصِفُ الْأَضْيَافَ
وَأَبْدَؤُهُمْ بِمَشْمَعَةٍ وَأُثْنِي ... بِجُهْدِي مِنْ طَعَامٍ أَوْ بِسَاطِ
وَفِي الْحَدِيثِ مَنْ تَتَبّعَ الْمَشْمَعَةَ شَمّعَ اللّهُ بِهِ . يُرِيدُ مِنْ ضَحِكَ مِنْ النّاسِ وَأَفْرَطَ فِي الْمَزْحِ . [ ص 343 ] أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنّدَى مَتَعُوا
أَيْ ارْتَفَعُوا ، يُقَال : مَتَعَ النّهَارُ إذَا ارْتَفَعَ .
شِعْرٌ آخَرُ لِلزّبْرِقَانِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَنّ الزّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ لَمّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ قَامَ فَقَالَ
أَتَيْنَاك كَيْمَا يَعْلَمَ النّاسُ فَضْلَنَا ... إذَا احْتَفَلُوا عِنْدَ احْتِضَارِ الْمَوَاسِمِ
بِأَنّا فُرُوعُ النّاسِ فِي كُلّ مَوْطِنٍ ... وَأَنْ لَيْسَ فِي أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِمِ
وَأَنّا نَذُودُ الْمُعْلِمِينَ إذَا انْتَخَوْا ... وَنَضْرِبُ رَأْسَ الْأَصْيَدِ الْمُتَفَاقِمِ
وَأَنّ لَنَا الْمِرْبَاعَ فِي كُلّ غَارَةٍ ... نُغِيرُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ الْأَعَاجِمِ
Sشِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ
[ ص 344 ] حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَجَابَهُ فَقَالَ
هَلْ الْمَجْدُ إلّا السّودَدُ الْعَوْدُ وَالنّدَى ... وَجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ
نَصَرْنَا وَآوَيْنَا النّبِيّ مُحَمّدًا ... عَلَى أَنْفِ رَاضٍ مِنْ مَعَدّ وَرَاغِمِ
بِحَيّ حَرِيدٍ أَصْلُهُ وَثَرَاؤُهُ ... بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ
نَصَرْنَاهُ لَمّا حَلّ وَسْطَ دِيَارِنَا ... بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلّ بَاغٍ وَظَالِمِ
جَعَلْنَا بَنِينَا دُونَهُ وَبَنَاتِنَا ... وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ
وَنَحْنُ ضَرَبْنَا النّاسَ حَتّى تَتَابَعُوا ... عَلَى دِينِهِ بِالْمُرْهَفَاتِ الصّوَارِمِ
وَنَحْنُ وَلَدْنَا مِنْ قُرَيْشٍ عَظِيمَهَا ... وَلَدْنَا نَبِيّ الْخَيْرِ مِنْ آلِ هَاشِمِ
بَنِي دَارِمٍ لَا تَفْخَرُوا إنّ فَخْرَكُمْ ... يَعُودُ وَبَالًا عِنْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ
هَبِلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُم ... لَنَا خَوَلٌ مَا بَيْنَ ظِئْرٍ وَخَادِمِ
فَإِنْ كُنْتُمْ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ ... وَأَمْوَالِكُمْ أَنْ تُقْسَمُوا فِي الْمَقَاسِمِ
فَلَا تَجْعَلُوا لِلّهِ نِدّا وَأَسْلِمُوا ... وَلَا تَلْبَسُوا زِيّا كَزِيّ الْأَعَاجِمِ
[ ص 344 ]
شِعْرٌ آخَرُ لِحَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى الزّبْرِقَانِ وَقَوْلُ حَسّانَ
وَطِبْنَا لَهُ نَفْسًا بِفَيْءِ الْمَغَانِمِ
يُرِيدُ طِيبَ نُفُوسِهِمْ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ شَيْئًا .
إسْلَامُهُمْ وَتَجْوِيزُ الرّسُولِ إيّاهُمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ قَوْلِهِ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَأَبِي ، إنّ هَذَا الرّجُلَ لِمُؤَتّى لَهُ لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ مِنْ خَطِيبِنَا ، وَلَشَاعِرُهُ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا ، وَلَأَصْوَاتُهُمْ أَحْلَى مِنْ أَصْوَاتِنَا . فَلَمّا فَرَغَ الْقَوْمُ أَسْلَمُوا ، وَجَوّزَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَحْسَنَ جَوَائِزَهُمْ .
شِعْرُ ابْنِ الْأَهْتَمِ فِي هِجَاءِ قَيْسٍ لِتَحْقِيرِهِ إيّاهُ
[ ص 345 ] كَانَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ قَدْ خَلّفَهُ الْقَوْمُ فِي ظَهْرِهِمْ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ سِنّا ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ، وَكَانَ يُبْغِضُ عَمْرَو بْنَ الْأَهْتَمِ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ مِنّا فِي رِحَالِنَا ، وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثٌ وَأَزْرَى بِهِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِثْلَ مَا أَعْطَى الْقَوْمَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ حِينَ بَلَغَهُ أَنّ قَيْسًا قَالَ ذَلِكَ يَهْجُوهُ
ظَلِلْت مُفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي ... عِنْدَ الرّسُولِ فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تُصِبْ
سُدْنَاكُمْ سُودَدًا رَهْوًا وَسُودَدُكُمْ ... بَادٍ نَوَاجِذُهُ مُقْعٍ عَلَى الذّنَبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَقِيَ بَيْتٌ وَاحِدٌ تَرَكْنَاهُ لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَفِيهِمْ نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ { إِنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ } [ الْحُجُرَاتِ 4 ] .
S[ ص 345 ]
شَرْحُ قَوْلِ ابْنِ الْأَهْتَمِ لِابْنِ عَاصِمٍ
فَصْلٌ وَذَكَرَ قَوْلَ عَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ لِقَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ
ظَلِلْت مُفْتَرِشَ الْهَلْبَاءِ تَشْتُمُنِي ... عِنْدَ النّبِيّ فَلَمْ تَصْدُقْ وَلَمْ تُصِبْ
الْهَلْبَاءُ فَعْلَاءُ مِنْ الْهُلْبِ وَهُوَ الْخَشِينُ مِنْ الشّعْرِ يُقَالُ مِنْهُ رَجُلٌ أَهْلَبُ وَمِنْهُ قَوْلُ الشّعْبِيّ فِي مُشْكِلَةٍ نَزَلَتْ هَلْبَاءُ زَبّاءُ ذَاتُ وَبَرٍ كَأَنّهُ أَرَادَ بِمُفْتَرِشِ الْهَلْبَاءِ أَيْ مُفْتَرِشًا لِحْيَتَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِمُفْتَرِشِ الْهَلْبَاءِ يَعْنِي امْرَأَةً . وَقِيلَ الْهَلْبَاءُ يُرِيدُ بِهَا هَاهُنَا دُبُرَهُ فَإِنْ كَانَ عَنَى امْرَأَةً فَهُوَ نَصْبٌ عَلَى النّدَاءِ .
مَا نَزَلَ فِي وَفْدِ تَمِيمٍ مِنْ الْحُجُرَاتِ
وَذَكَرَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِمْ فِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ اخْتَلَفَا فِي أَمْرِ الزّبْرِقَانِ وَعَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ ، فَأَشَارَ أَحَدُهُمَا بِتَقْدِيمِ الزّبْرِقَانِ وَأَشَارَ الْآخَرُ بِتَقْدِيمِ عَمْرِو بْنِ الْأَهْتَمِ حَتّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاتّقُوا اللّهَ } إلَى قَوْلِهِ { لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ } فَكَانَ عُمَرُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا كَلّمَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا يُكَلّمُهُ إلّا كَأَخِي السّرَارِ .
إنّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا
وَفِي هَذَا الْوَفْدِ جَاءَ الْحَدِيثُ أَنّ رَجُلَيْنِ قَدِمَا مِنْ نَجْدٍ فَخَطَبَا ، فَعَجِبَ النّاسُ لِبَيَانِهِمَا ، [ ص 346 ] فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَأَدْخَلَهُ مَالِكٌ فِي بَابِ مَا يُذَمّ مِنْ الْقَوْلِ مِنْ أَجْلِ أَنّ السّحْرَ مَذْمُومٌ شَرْعًا ، وَغَيْرُهُ يَذْهَبُ إلَى أَنّهُ مَدْحٌ لَهُمَا بِالْبَيَانِ وَاسْتِمَالَةِ الْقُلُوبِ كَالسّحْرِ وَكَانَ مِنْ قَوْلِهِمَا . إنّ عَمْرًا قَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الزّبْرِقَانِ إنّهُ مُطَاعٌ فِي أَدْنَيْهِ سَيّدٌ فِي عَشِيرَتِهِ فَقَالَ الزّبْرِقَانُ لَقَدْ حَسَدَنِي يَا رَسُولَ اللّهِ لِشَرَفِي ، وَلَقَدْ عَلِمَ أَفْضَلَ مِمّا قَالَ . قَالَ فَقَالَ عَمْرٌو : إنّهُ لَزَمِرُ الْمُرُوءَةِ ضَيّقُ الْعَطَنِ لَئِيمُ الْخَالِ فَعَرَفَ الْإِنْكَارَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ رَضِيت فَقُلْت أَحْسَنَ مَا عَلِمْت ، وَسَخِطْت فَقُلْت أَقْبَحَ مَا عَلِمْت ، وَلَقَدْ صَدَقْت فِي الْأُولَى وَمَا كَذَبْت فِي الثّانِيَةِ فَحِينَئِذٍ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مِنْ الْبَيَانِ لَسِحْرًا وَقَوْلُهُ لَئِيمُ الْخَالِ قِيلَ إنّ أُمّهُ كَانَتْ مِنْ بَاهِلَةَ ، قَالَهُ ابْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذَا عَلَيْهِ وَمِمّنْ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِ أَبُو مَرْوَانَ بْنُ سِرَاجٍ فَاَللّهُ أَعْلَمُ لِأَنّ أَهْلَ النّسَبِ ذَكَرُوا أَنّ أُمّ الزّبْرِقَانِ عُكْلِيّةٌ مِنْ بَنِي أُقَيْشٍ وَعُكْلٌ وَإِنْ كَانَتْ تَجْتَمِعُ مَعَ تَمِيمٍ فِي أُدّ بْنِ طَابِخَةَ لَكِنّ تَمِيمًا أَشْرَفُ مِنْهُمْ وَلَا سِيّمَا بَنِي سَعْدٍ رَهْطُ الزّبْرِقَانِ فَلِذَلِكَ جَعَلَهُ عَمْرٌو لَئِيمَ الْخَالِ .
قِصّةُ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنِ قَيْسٍ فِي الْوِفَادَةِ عَنْ بَنِي عَامِر
بَعْضُ رِجَالِ الْوَفْدِ
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 346 ] بَنِي عَامِرٍ فِيهِمْ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ جَزْءِ بْنِ خَالِدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَجَبّارُ بْنُ سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَكَانَ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةُ رُؤَسَاءَ الْقَوْمِ وَشَيَاطِينَهُمْ .
تَدْبِيرُ عَامِرٍ لِلْغَدْرِ بِالرّسُولِ
فَقَدِمَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَدُوّ اللّهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُرِيدُ الْغَدْرَ بِهِ وَقَدْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ يَا عَامِرُ إنّ النّاسَ قَدْ أَسْلَمُوا فَأَسْلِمْ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت آلَيْتَ أَنْ لَا أَنْتَهِيَ حَتّى تَتّبِعَ الْعَرَبُ عَقِبِي ، أَفَأَنَا أَتّبِعُ عَقِبَ هَذَا الْفَتَى مِنْ قُرَيْشٍ ثُمّ قَالَ لِأَرْبَدَ إذَا قَدِمْنَا عَلَى الرّجُلِ فَإِنّي سَأَشْغَلُ عَنْك وَجْهَهُ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ فَاعْلُهُ بِالسّيْفِ فَلَمّا [ ص 347 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ : يَا مُحَمّدُ خَالِنِي ، قَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللّهِ وَحْدَهُ . قَالَ يَا مُحَمّدُ خَالِنِي . وَجَعَلَ يُكَلّمُهُ وَيَنْتَظِرُ مِنْ أَرْبَدَ مَا كَانَ أَمَرَهُ بِهِ فَجَعَلَ أَرْبَدُ لَا يُحِيرُ شَيْئًا ، قَالَ فَلَمّا رَأَى عَامِرٌ مَا يَصْنَعُ أَرْبَدُ قَالَ يَا مُحَمّدُ خَالِنِي قَالَ لَا ، حَتّى تُؤْمِنَ بِاَللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ . فَلَمّا أَبَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَأَمْلَأَنّهَا عَلَيْك خَيْلًا وَرِجَالًا ، فَلَمّا وَلّى قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اكْفِنِي عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ . فَلَمّا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ عَامِرٌ لِأَرْبَدَ وَيْلَك يَا أَرْبَدُ أَيْنَ مَا كُنْت أَمَرْتُك بِهِ ؟ وَاَللّهِ مَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ رَجُلٌ هُوَ أَخْوَفَ عِنْدِي عَلَى نَفْسِي مِنْك . وَأَيْمُ اللّهِ لَا أَخَافُك بَعْدَ الْيَوْمِ أَبَدًا . قَالَ لَا أَبَالَك لَا تَعْجَلْ عَلَيّ وَاَللّهِ مَا هَمَمْت بِاَلّذِي أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ أَمْرِهِ إلّا دَخَلْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ الرّجُلِ حَتّى مَا أَرَى غَيْرَك ، أَفَأَضْرِبُك بِالسّيْفِ ؟
مَوْتُ عَامِرٍ بِدُعَاءِ الرّسُولِ عَلَيْهِ
وَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ الطّرِيقِ بَعَثَ اللّهُ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ الطّاعُونَ فِي عُنُقِهِ فَقَتَلَهُ اللّهُ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي سَلُولَ فَجَعَلَ يَقُولُ يَا بَنِي عَامِرٍ أَغُدّةً كَغُدّةِ الْإِبِلِ وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَغُدّةً كَغُدّةِ الْإِبِلِ وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ .
Sخَبَرُ عَامِرٍ وَأَرْبَد
فَصْلٌ
وَذَكَرَ خَبَرَ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَأَرْبَدَ وَأَنّ أَرْبَدَ قَالَ لِعَامِرٍ مَا هَمَمْت بِقَتْلِ مُحَمّدٍ إلّا رَأَيْتُك بَيْنِي وَبَيْنَهُ أَفَأَقْتُلُك ؟ وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ : إلّا رَأَيْت بَيْنِي وَبَيْنَهُ [ ص 347 ] سُورًا مِنْ حَدِيدٍ وَكَذَلِك فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ قَالَ عَامِرٌ لَأَمْلَأَنّهَا عَلَيْك خَيْلًا جُرْدًا ، وَرِجَالًا مُرْدًا ، وَلَأَرْبِطَنّ بِكُلّ نَخْلَةٍ فَرَسًا ، فَجَعَلَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَضْرِبُ فِي رُءُوسِهِمَا وَيَقُولُ اُخْرُجَا أَيّهَا الْهِجْرِسَانِ فَقَالَ لَهُ عَامِرٌ وَمَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ أَحُضَيْرُ بْنُ سِمَاكٍ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَبُوك كَانَ خَيْرًا مِنْك ، فَقَالَ بَلْ أَنَا خَيْرٌ مِنْك ، وَمِنْ أَبِي ، لِأَنّ أَبِي كَانَ مُشْرِكًا ، وَأَنْت مُشْرِكٌ . وَذَكَرَ سِيبَوَيْهِ قَوْلَ عَامِرٍ أَغُدّةً كَغُدّةِ الْبَعِيرِ وَمَوْتًا فِي بَيْتِ سَلُولِيّةٍ فِي بَابِ مَا يَنْتَصِبُ عَلَى إضْمَارِ الْفِعْلِ الْمَتْرُوكِ إظْهَارُهُ كَأَنّهُ قَالَ أُغَدّ غُدّةً وَالسّلُولِيّةُ امْرَأَةٌ مَنْسُوبَةٌ إلَى سَلُولَ بْنِ صَعْصَعَةَ وَهُمْ بَنُو مُرّةَ بْنِ صَعْصَعَةَ وَسَلُولُ أُمّهُمْ وَهِيَ بِنْتُ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ وَكَانَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ فَلِذَلِكَ اخْتَصّهَا لِقُرْبِ النّسَبِ بَيْنَهُمَا ، حَتّى مَاتَ فِي بَيْتِهَا .
مَوْتُ أَرْبَدَ بِصَاعِقَةٍ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي عَامِرٍ
[ ص 348 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ أَصْحَابُهُ حِينَ وَارَوْهُ حِينَ قَدِمُوا أَرْضَ بَنِي عَامِرٍ شَاتِينَ فَلَمّا قَدِمُوا أَتَاهُمْ قَوْمُهُمْ فَقَالُوا : مَا وَرَاءَك يَا أَرْبَدُ ؟ قَالَ لَا شَيْءَ وَاَللّهِ لَقَدْ دَعَانَا إلَى عِبَادَةِ شَيْءٍ لَوَدِدْت أَنّهُ عِنْدِي الْآنَ فَأَرْمِيهِ بِالنّبْلِ حَتّى أَقْتُلَهُ فَخَرَجَ بَعْدَ مَقَالَتِهِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ مَعَهُ جَمَلٌ لَهُ يَتْبَعُهُ فَأَرْسَلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى جَمَلِهِ صَاعِقَةً فَأَحْرَقَتْهُمَا . وَكَانَ أَرْبَدُ بْنُ قَيْسٍ أَخَا لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ لِأُمّهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي عَامِرٍ وَأَرْبَدَ { اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ } [ الرّعْدَ 8 ] . . . إلَى قَوْلِهِ { وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } . قَالَ الْمُعَقّبَاتُ هِيَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ يَحْفَظُونَ مُحَمّدًا . ثُمّ ذَكَرَ أَرْبَدَ وَمَا قَتَلَهُ اللّهُ بِهِ فَقَالَ { وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ } [ الرّعْدَ 13 ] إلَى قَوْلِهِ { شَدِيدُ الْمِحَالِ }
شِعْرُ لَبِيدٍ فِي بُكَاءِ أَرْبَدَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ لَبِيدٌ يَبْكِي أَرْبَدَ [ ص 349 ]
مَا إنْ تُعَدّي الْمَنُونُ مِنْ أَحَدٍ ... لَا وَالِدٍ مُشْفِقٍ وَلَا وَلَدِ
أَخْشَى عَلَى أَرْبَدَ الْحُتُوفَ وَلَا ... أَرْهَبُ نَوْءَ السّمَاكِ وَالْأَسَدِ
فَعَيْنِ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ... قُمْنَا وَقَامَ النّسَاءُ فِي كَبَدِ
إنْ يَشْغَبُوا لَا يُبَالِ شَغْبَهُمْ ... أَوْ يَقْصِدُوا فِي الْحُكُومِ يَقْتَصِدْ
حُلْوٌ أَرِيبٌ وَفِي حَلَاوَتِهِ ... مُرّ لَطِيفُ الْأَحْشَاءِ وَالْكَبِدِ
وَعَيْنِ هَلّا بَكَيْت أَرْبَدَ إذْ ... أَلْوَتْ رِيَاحُ الشّتَاءِ بِالْعَضَدِ
وَأَصْبَحَتْ لَاقِحًا مُصَرّمَةً ... حَتّى تَجَلّتْ غَوَابِرُ الْمُدَدِ
أَشْجَعُ مِنْ لَيْثِ غَابَةٍ لَحِمٍ ... ذُو نَهْمَةٍ فِي الْعُلَا وَمُنْتَقَدِ
لَا تَبْلُغُ الْعَيْنُ كُلّ نَهْمَتِهَا ... لَيْلَةَ تَمْشِي الْجِيَادُ كَالْقِدَدِ
الْبَاعِثُ النّوْحَ فِي مَآتِمِهِ ... مِثْلَ الظّبَاءِ الْأَبْكَارِ بِالْجِرَدِ
فَجَعَنِي الْبَرْقُ وَالصّوَاعِقُ بِالْ ... ـفَارِسِ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ النّجِدِ
وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبَ إذَا ... جَاءَ نَكِيبًا وَإِنْ يَعُدْ يَعْدِ
يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ وَالسّؤَالِ كَمَا ... يَنْبُتُ غَيْثُ الرّبِيعِ ذُو الرّصَدِ
كُلّ بَنِي حُرّةٍ مُصِيرُهُمْ ... قُلّ وَإِنْ أَكْثَرَتْ مِنْ الْعَدَدِ
إنْ يُغْبِطُوا يُهْبَطُوا وَإِنْ أُمِرُوا ... يَوْمًا فَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَالنّفَدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَيْتُهُ " وَالْحَارِبِ الْجَابِرِ الْحَرِيبَ " عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَبَيْتُهُ " يَعْفُو عَلَى الْجَهْدِ " : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ [ ص 350 ]
أَلَا ذَهَبَ الْمَحَافِظُ وَالْمُحَامِي ... وَمَانِعُ ضَيْمِهَا يَوْمَ الْخِصَامِ
وَأَيْقَنْت التّفَرّقَ يَوْمَ قَالُوا ... تُقُسّمَ مَالُ أَرْبَدَ بِالسّهَامِ
تَطِيرُ عَدَائِدُ الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ... وَوِتْرًا وَالزّعَامَةُ لِلْغُلَامِ
فَوَدّعْ بِالسّلَامِ أَبَا حُرَيْزٍ ... وَقَلّ وَدَاعُ أَرْبَدَ بِالسّلَامِ
وَكُنْت إمَامَنَا وَلَنَا نِظَامًا ... وَكَانَ الْجَزْعُ يُحْفَظُ بِالنّظَامِ
وَأَرْبَدُ فَارِسُ الْهَيْجَا إذَا مَا ... تَقَعّرَتْ الْمَشَاجِرُ بِالْفِئَامِ
إذَا بَكَرَ النّسَاءُ مُرَدّفَاتٍ ... حَوَاسِرَ لَا يَجِئْنَ عَلَى الْخِدَامِ
فَوَاءَلَ يَوْمَ ذَلِكَ مَنْ أَتَاهُ ... كَمَا وَأَلَ الْمُحِلّ إلَى الْحَرَامِ
وَيَحْمَدُ قِدْرَ أَرْبَدَ مَنْ عَرَاهَا ... إذَا مَا ذُمّ أَرْبَابُ اللّحَامِ
وَجَارَتُهُ إذَا حَلّتْ لَدَيْهِ ... لَهَا نَفَلٌ وَحَظّ مِنْ سَنَامِ
فَإِنْ تَقْعُدْ فَمُكْرَمَةٌ حَصَانٌ ... وَإِنْ تَظْعَنْ فَمُحْسِنَةُ الْكَلَامِ
وَهَلْ حُدّثْت عَنْ أَخَوَيْنِ دَامَا ... عَلَى الْأَيّامِ إلّا ابْنَيْ شَمَامِ
وَإِلّا الْفَرْقَدَيْنِ وَآلَ نَعْشٍ ... خَوَالِدَ مَا تُحَدّثُ بِانْهِدَامِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا يَبْكِي أَرْبَدَ
انْعَ الْكَرِيمَ لِلْكَرِيمِ أَرْبَدَا ... انْعَ الرّئِيسَ وَاللّطِيفَ كَبِدَا
يُحْذِي وَيُعْطِي مَالَهُ لِيُحْمَدَا ... أُدْمًا يُشَبّهْنَ صُوَارًا أُيّدَا
السّابِلَ الْفَضْلِ إذَا مَا عُدّدَا ... وَيَمْلَأُ الْجَفْنَةَ مَلْئًا مَدَدَا
رِفْهَا إذَا يَأْتِي ضَرِيكٌ وَرَدَا ... مِثْلُ الّذِي فِي الْغِيلِ يَقْرُو جُمُدَا
يَزْدَادُ قُرْبًا مِنْهُمْ أَنْ يُوعَدَا ... أَوْرَثْتنَا تُرَاثَ غَيْرِ أَنْكَدَا
غِبّا وَمَالًا طَارِفًا وَوَلَدًا ... شَرْخًا صُقُورًا يَافِعًا وَأَمْرَدَا
وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا :
لَنْ تُفْنِيَا خَيْرَاتِ أَرْ ... بَدَ فَابْكِيَا حَتّى يَعُودَا
قُولَا هُوَ الْبَطَلُ الْمُحَا ... مِي حِينَ يَكْسُونَ الْحَدِيدَا
وَيَصُدّ عَنّا الظّالِمِ ... ـينَ إذَا لَقِينَا الْقَوْمَ صِيدَا
فَاعْتَاقَهُ رَبّ الْبَرِيّ ... خُلُودَا
فَنَوَى وَلَمْ يُوجَعْ وَلَمْ ... يُوصَبْ وَكَانَ هُوَ الْفَقِيدَا
وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا [ ص 351 ]
يُذَكّرُنِي بِأَرْبَدَ كُلّ خَصْمٍ ... أَلَدّ تَخَالُ خُطّتَهُ ضِرَارَا
إذَا اقْتَصَدُوا فَمُقْتَصِدٌ كَرِيمٌ ... وَإِنْ جَارُوا سَوَاءَ الْحَقّ جَارَا
وَيَهْدِي الْقَوْمَ مُطّلِعًا إذَا مَا ... دَلِيلُ الْقَوْمِ بِالْمَوْمَاةِ حَارَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ لَبِيدٌ أَيْضًا :
أَصْبَحْت أَمْشِي بَعْدَ سَلْمَى بْنِ مَالِكٍ ... وَبَعْدَ أَبِي قَيْسٍ وَعُرْوَةَ كَالْأَجَبْ
إذَا مَا رَأَى ظِلّ الْغُرَابِ أَضَجّهُ ... حِذَارًا عَلَى بَاقِي السّنَاسِنِ وَالْعَصَبْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .
Sوَأَمّا أَشْعَارُ لَبِيدٍ فِي أَرْبَدَ فَفِيهَا قَوْلُهُ
تَطِيرُ عَدَائِدُ الْأَشْرَاكِ شَفْعًا ... وَوِتْرًا وَالزّعَامَةُ لِلْغُلَامِ
[ ص 348 ] وَقِيلَ أَرَادَ بِالزّعَامَةِ هُنَا بَيْضَةَ السّلَاحِ وَالْأَشْرَاكُ الشّرَكَاءُ وَالْعَدَائِدُ الْأَنْصِبَاءُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعَدَدِ وَيُقَالُ إنّ أَرْبَدَ حِينَ أَصَابَتْهُ الصّاعِقَةُ أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَيُرْسِلُ الصّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ } [ الرّعْدَ 13 ] يَعْنِي أَرْبَدَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَعَامِرٌ وَأَرْبَدُ يَجْتَمِعَانِ فِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرٍ وَأُمّهُمَا وَاحِدَةٌ وَسَائِرُ شِعْرِ لَبِيَدٍ فِي أَرْبَدَ مَرْغُوبٌ عَنْ الِاشْتِغَالِ بِشَرْحِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا الْمُتَقَدّمِ وَاَللّهُ وَلِيّ التّوْفِيقِ [ ص 349 ]
عَنْ لَبِيدٍ
عَلَى أَنّ لَبِيدًا رَحِمَهُ اللّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَعَاشَ فِي الْإِسْلَامِ سِتّينَ سَنَةً لَمْ يَقُلْ فِيهَا بَيْتَ شِعْرٍ فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تَرْكِهِ الشّعْرَ فَقَالَ مَا كُنْت لِأَقُولَ شِعْرًا بَعْدَ أَنْ عَلّمَنِي اللّهُ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ ، فَزَادَهُ عُمَرُ فِي عَطَائِهِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْقَوْلِ فَكَانَ عَطَاؤُهُ أَلْفَيْنِ وَخَمْسَمِائَةٍ فَلَمّا كَانَ مُعَاوِيَةُ أَرَادَ أَنْ يَنْقُصَهُ مِنْ عَطَائِهِ الْخَمْسَمِائَةِ وَقَالَ لَهُ مَا بَالُ الْعِلَاوَةِ فَوْقَ الْفَوْدَيْنِ ؟ فَقَالَ لَهُ لَبِيدٌ الْآنَ أَمُوتُ وَتَصِيرُ لَك الْعِلَاوَةُ وَالْفَوْدَانِ فَرَقّ لَهُ مُعَاوِيَةُ وَتَرَكَهَا لَهُ فَمَاتَ لَبِيدٌ إثْرَ ذَلِكَ بِأَيّامٍ قَلِيلَةٍ وَقَدْ قِيلَ إنّهُ قَالَ بَيْتًا وَاحِدًا فِي الْإِسْلَامِ
الْحَمْدُ لِلّهِ إذْ لَمْ يَأْتِنِي أَجَلِي ... حَتّى اكْتَسَيْت مِنْ الْإِسْلَامِ سِرْبَالًا
قُدُومُ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا عَنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ .
سُؤَالُهُ الرّسُولَ أَسْئِلَةً ثُمّ إسْلَامُهُ
[ ص 352 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ نُوَيْفِعٍ عَنْ كُرَيْبٍ ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ بَعَثَتْ بَنُو سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَافِدًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَأَنَاخَ بَعِيرَهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثُمّ عَقَلَهُ ثُمّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ وَكَانَ ضِمَامٌ رَجُلًا جَلْدًا أَشْعَرَ ذَا غَدِيرَتَيْنِ فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَيّكُمْ ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . قَالَ أَمُحَمّدٌ ؟ قَالَ " نَعَمْ " ؛ قَالَ يَا ابْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، إنّي سَائِلُك وَمُغَلّظٌ عَلَيْك فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا تَجِدَنّ فِي نَفْسِك ، قَالَ لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي ، فَسَلْ عَمّا بَدَا لَك قَالَ أَنْشُدُك اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك ، وَإِلَه مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك ، آللّهُ بَعَثَك إلَيْنَا رَسُولًا ؟ قَالَ " اللّهُمّ نَعَمْ " ؛ قَالَ فَأَنْشُدُك اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك ، آللّهُ أَمَرَك أَنْ تَأْمُرَنَا أَنْ نَعْبُدَهُ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ نَخْلَعَ هَذِهِ الْأَنْدَادَ الّتِي كَانَ آبَاؤُنَا يَعْبُدُونَ مَعَهُ ؟ قَالَ " اللّهُمّ نَعَمْ " ، قَالَ فَأَنْشُدُك اللّهَ إلَهَك وَإِلَهَ مَنْ كَانَ قَبْلَك ، وَإِلَهَ مَنْ هُوَ كَائِنٌ بَعْدَك ، آللّهُ أَمَرَك أَنْ نُصَلّيَ هَذِهِ الصّلَوَاتِ الْخَمْسَ ؟ قَالَ " اللّهُمّ نَعَمْ قَالَ ثُمّ جَعَلَ يَذْكُرُ فَرَائِضَ الْإِسْلَامِ فَرِيضَةً فَرِيضَةً . الزّكَاةَ وَالصّيَامَ وَالْحَجّ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ كُلّهَا ، يَنْشُدُهُ عِنْدَ كُلّ فَرِيضَةٍ مِنْهَا كَمَا يَنْشُدُهُ فِي الّتِي قَبْلَهَا ، حَتّى إذَا فَرَغَ قَالَ فَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ وَسَأُؤَدّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ وَأَجْتَنِبُ مَا نَهَيْتنِي عَنْهُ ثُمّ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ ثُمّ انْصَرَفَ إلَى بَعِيرِهِ رَاجِعًا . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ صَدَقَ ذُو الْعَقِيصَتَيْنِ دَخَلَ الْجَنّة
دَعْوَتُهُ قَوْمَهُ لِلْإِسْلَامِ
[ ص 353 ] قَالَ فَأَتَى بَعِيرَهُ فَأَطْلَقَ عِقَالَهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ فَكَانَ أَوّلَ مَا تَكَلّمَ بِهِ أَنْ قَالَ بِئْسَ اللّاتُ وَالْعُزّى قَالُوا : مَهْ يَا ضِمَامُ اتّقِ الْبَرَصَ اتّقِ الْجُذَامَ اتّقِ الْجُنُونَ قَالَ وَيْلَكُمْ إنّهُمَا وَاَللّهِ لَا يَضُرّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ رَسُولًا ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ كِتَابًا اسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِمّا كُنْتُمْ فِيهِ وَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَقَدْ جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ قَالَ فَوَاَللّهِ مَا أَمْسَى مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فِي حَاضِرِهِ رَجُلٌ وَلَا امْرَأَةٌ إلّا مُسْلِمًا . قَالَ يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ : فَمَا سَمِعْنَا بِوَافِدِ قَوْمٍ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ .
S[ ص 350 ]
وَفْدُ جُرَشٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ وَفْدَ جُرَشٍ ، وَأَنّ خَثْعَمَ ضَوَتْ إلَيْهَا حِينَ حَاصَرَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَأَنْشَدَ
حَتّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا ... وَجَمْعَ خَثْعَمَ قَدْ صَاغَتْ لَهَا النّذُرُ
[ ص 351 ] خُمَيْرًا بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَفِي حِمْيَرَ حِمْيَرُ الْأَدْنَى ، وَهُوَ حِمْيَرُ بْنُ الْغَوْثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ بْنِ شُدَدَ بْنِ زُرْعَةَ وَهُوَ حِمْيَرُ الْأَصْغَرُ بْنُ سَبَأٍ الْأَصْغَرِ بْنِ كَعْبِ كَهْفِ الظّلْمِ بْنِ زَيْدِ الْجُمْهُورِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ وَائِلِ بْنِ الْغَوْثِ بْنِ حَيْدَان بْنِ قَطَنِ بْنِ عَرِيبِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْهَمَيْسَعِ بْنِ حِمْيَرَ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْعَرَنْجَجُ وَقَالَ الْأَبْرَهِيّ : وَهُوَ مِنْ عُلَمَاءِ حِمْيَرَ بِالنّسَبِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى أَبَرْهَةَ بْنِ الصّبَاحِ الْحِمْيَرِيّ فِي حِمْيَرَ الْأَدْنَى الْمَبْدُوءِ بِذِكْرِهِ حِمْيَرُ ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَصِحّ رِوَايَةُ الْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ وَمَنْ رَوَاهُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ تَصْغِيرُ حِمْيَرَ تَصْغِيرَ التّرْخِيمِ وَالْعَرَنْجَجُ فِي لُغَةٍ حِمْيَرُ الْعَتِيقُ .
حَدِيثُ ضِمَامٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ حَدِيثَ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ : جَاءَنَا أَعْرَابِيّ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ثَائِرَ الرّأْسِ يُسْمَعُ دَوِيّ صَوْتِهِ وَلَا يُفْقَهُ مَا يَقُولُ حَتّى دَنَا ، فَإِذَا هُوَ [ ص 352 ] عَمّهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ طَلْحَةَ وَقَدْ تَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ لِمَا فِيهِ مِنْ دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ . وَذَكَرَ مَعَهُ حَدِيثَ الْيَهُودِ حِينَ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ وَذَكَرُوا أَنّ رَجُلًا مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا ، وَقَالَ بِهِ الشّافِعِيّ ، وَكَرِهَ مَالِكٌ دُخُولَ الذّمّيّ الْمَسْجِدَ وَخَصّصَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِقَوْلِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { إِنّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ } . [ التّوْبَةَ 28 ] الْآيَةَ وَتَعَلّقَ مَالِكٌ بِالْعِلّةِ الّتِي نَبّهَتْ عَلَيْهَا الْآيَةُ وَهِيَ التّنْجِيسُ فَعَمّ الْمَسَاجِدَ كُلّهَا .
قُدُومُ الْجَارُودِ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْجَارُودُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَنَشٍ أَخُو عَبْدِ الْقَيْسِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْجَارُودُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْمُعَلّى فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَكَانَ نَصْرَانِيّا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ لَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلّمَهُ فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ وَدَعَاهُ إلَيْهِ وَرَغّبَهُ فِيهِ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنّي قَدْ كُنْت عَلَى دِينٍ وَإِنّي تَارِكٌ دِينِي لِدِينِك ، أَفَتَضْمَنُ لِي دِينِي ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ أَنَا ضَامِنٌ أَنْ قَدْ هَدَاك اللّهُ إلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ قَالَ فَأَسْلَمَ وَأَسْلَمَ أَصْحَابُهُ ثُمّ سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُمْلَانَ فَقَالَ " وَاَللّهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ " . قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بِلَادِنَا ضَوَالّ مِنْ ضَوَالّ النّاسِ أَفَنَتَبَلّغُ عَلَيْهَا إلَى بِلَادِنَا ؟ قَالَ لَا ، إيّاكَ وَإِيّاهَا ، فَإِنّمَا تِلْكَ حَرَقُ النّارِ .
مَوْقِفُهُ مِنْ قَوْمِهِ فِي الرّدّةِ
[ ص 354 ] فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ الْجَارُودُ رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ وَكَانَ حَسَنَ الْإِسْلَامِ صُلْبًا عَلَى دِينِهِ حَتّى هَلَكَ وَقَدْ أَدْرَكَ الرّدّةَ فَلَمّا رَجَعَ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْهُمْ إلَى دِينِهِمْ الْأَوّلِ مَعَ الْغَرُورِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، قَامَ الْجَارُودُ فَتَكَلّمَ فَتَشَهّدَ شَهَادَةَ الْحَقّ وَدَعَا إلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأُكَفّرُ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُرْوَى : وَأَكْفِي مَنْ لَمْ يَشْهَدْ .
إسْلَامُ ابْنِ سَاوَى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ قَبْلَ فَتْحِ مَكّةَ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ ثُمّ هَلَكَ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ رِدّةِ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ ، وَالْعَلَاءُ عِنْدَهُ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْبَحْرَيْنِ .
Sحَوْلَ حَدِيثِ الْجَارُودِ
فَصْلٌ
[ ص 353 ] وَذَكَرَ الْجَارُودَ الْعَبْدِيّ وَهُوَ بِشْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْمُعَلّى ، يُكَنّى أَبَا الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَاكِمُ : يُكَنّى أَبَا غِيَاثٍ وَأَبَا عِتَابٍ وَسُمّيَ الْجَارُودَ لِأَنّهُ أَغَارَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ بَكْرٍ فَجَرّدَهُمْ قَالَ الشّاعِرُ وَدُسْنَاهُمْ بِالْخَيْلِ مِنْ كُلّ جَانِبٍ كَمَا جَرّدَ الْجَارُودُ بَكْرَ بْنَ وَائِلِ
[ ص 354 ] وَذَكَرَ فِي آخِرِ حَدِيثِ الْجَارُودِ الْغَرُورَ بْنَ النّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَكَانَ كِسْرَى حِينَ قَتَلَ النّعْمَانَ صَيّرَ أَمْرَ الْحِيرَةِ إلَى هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ الشّيْبَانِيّ وَلَمْ يَبْقَ لِآلِ الْمُنْذِرِ رَسْمٌ وَلَا أَمْرٌ يُذْكَرُ حَتّى كَانَتْ الرّدّةُ وَمَاتَ هَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ فَأَظْهَرَ أَهْلُ الرّدّةِ أَمْرَ الْغَرُورِ بْنِ النّعْمَانِ وَاسْمُهُ الْمُنْذِرُ وَإِنّمَا سُمّيَ الْغَرُورَ لِأَنّهُ غَرّ قَوْمَهُ فِي تِلْكَ الرّدّةِ أَوْ غَرّوهُ وَاسْتَعَانُوا بِهِ عَلَى حَرْبِهِمْ فَقُتِلَ هُنَالِكَ وَزَعَمَ وَثِيمَةُ بْنُ مُوسَى أَنّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ ارْتِدَادِهِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
قُدُومُ وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَمَعَهُمْ مُسَيْلِمَةُ الْكَذّابُ
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ فِيهِمْ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ الْحَنَفِيّ الْكَذّابُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسَيْلِمَةُ بْنُ ثُمَامَةَ وَيُكَنّى أَبَا ثُمَامَةَ .
مَا كَانَ مِنْ الرّسُولِ لِمُسَيْلِمَةَ
[ ص 355 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ مَنْزِلُهُمْ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّارِ فَحَدّثَنِي بَعْضُ عُلَمَائِنَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : أَنّ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتُرُهُ بِالثّيَابِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ . مَعَهُ عَسِيبٌ مِنْ سَعَفِ النّخْلِ فِي رَأْسِهِ خُوصَاتٌ فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَسْتُرُونَهُ بِالثّيَابِ كَلّمَهُ وَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ سَأَلْتنِي هَذَا الْعَسِيبَ مَا أَعْطَيْتُكَهُ . [ ص 356 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي شَيْخٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ أَنّ حَدِيثَهُ كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا . زَعَمَ أَنّ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَلّفُوا مُسَيْلِمَةَ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمّا أَسْلَمُوا ذَكَرُوا مَكَانَهُ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا قَدْ خَلّفْنَا صَاحِبًا لَنَا فِي رِحَالِنَا وَفِي رِكَابِنَا يَحْفَظُهَا لَنَا ، قَالَ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمِثْلِ مَا أَمَرَ بِهِ لِلْقَوْمِ وَقَالَ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا ، أَيْ لِحِفْظِهِ ضَيْعَةَ أَصْحَابِهِ وَذَلِكَ الّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
ارْتِدَادُهُ وَتَنَبّؤُهُ
[ ص 357 ] قَالَ ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءُوهُ بِمَا أَعْطَاهُ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى الْيَمَامَةِ ارْتَدّ عَدُوّ اللّهِ وَتَنَبّأَ وَتَكَذّبَ لَهُمْ وَقَالَ إنّي قَدْ أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَهُ . وَقَالَ لِوَفْدِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ أَلَمْ يَقُلْ لَكُمْ حِينَ ذَكَرْتُمُونِي لَهُ أَمَا إنّهُ لَيْسَ بِشَرّكُمْ مَكَانًا ؛ مَا ذَاكَ إلّا لِمَا كَانَ يَعْلَمُ أَنّي قَدْ أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَهُ ثُمّ جَعَلَ يَسْجَعُ لَهُمْ الْأَسَاجِيعَ وَيَقُولُ لَهُمْ فِيمَا يَقُولُ مُضَاهَاةً لِلْقُرْآنِ " لَقَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَى الْحُبْلَى ، أَخْرَجَ مِنْهَا نَسَمَةً تَسْعَى ، مِنْ بَيْنِ صِفَاقٍ وَحَشَى " وَأَحَلّ لَهُمْ الْخَمْرَ وَالزّنَا ، وَوَضَعَ عَنْهُمْ الصّلَاةَ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَشْهَدُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنّهُ نَبِيّ ، فَأَصْفَقَتْ مَعَهُ حَنِيفَةُ عَلَى ذَلِكَ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
Sوَفْدُ بَنِي حَنِيفَةَ وَنَسَبُ مُسَيْلِمَةَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ وَاسْمُ حَنِيفَةَ أَثَالُ بْنُ لُجَيْمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ مَعَ مُسَيْلِمَةَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ ثُمَامَةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ هِفّانَ بْنِ ذُهْلِ بْنِ الدّوَلِ بْنِ حَنِيفَةَ يُكَنّى أَبَا ثُمَامَةَ وَقِيلَ أَبَا هَارُونَ وكان [ ص 355 ] الزّهْرِيّ قَبْلَ مَوْلِدِ عَبْدِ اللّهِ وَالِدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقُتِلَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَكَانَتْ قُرَيْشٌ حِينَ سَمِعَتْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قَالَ قَائِلُهُمْ دُقّ فُوك ، إنّمَا تَذْكُرُ مُسَيْلِمَةَ رَحْمَانَ الْيَمَامَةِ ، وَكَانَ الرّحّالُ الْحَنَفِيّ ، وَاسْمُهُ نَهَارُ بْنُ عُنْفُوَةَ وَالْعُنْفُوَةُ يَابِسُ الْحَلِيّ وَهُوَ نَبَاتٌ وَذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ فِيهِ عُنْثُوَ بِالثّاءِ الْمُثَلّثَةِ وَقَالَ هُوَ يَابِسُ الْحَلِيّ وَالْحَلِيّ : النّصِيّ ، وَهُوَ نَبْتٌ - قَدِمَ فِي وَفْدِ الْيَمَامَةِ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَآمَنَ وَتَعَلّمَ سُوَرًا مِنْ الْقُرْآنِ فَرَآهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدُهُمَا فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ ، وَالْآخَرُ أَبُو هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ ضِرْسُ أَحَدِكُمْ فِي النّارِ مِثْلُ أُحُدٍ فَمَا زَالَا خَائِفَيْنِ حَتّى ارْتَدّ الرّحّالُ ، وَآمَنَ بِمُسَيْلِمَةَ وَشَهِدَ زُورًا أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ شَرِكَهُ مَعَهُ فِي النّبُوّةِ وَنَسَبَ إلَيْهِ بَعْضَ مَا تَعَلّمَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْفِتْنَةِ عَلَى بَنِي حَنِيفَةَ وَقَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، ثُمّ قَتَلَ زَيْدَ بْنَ الْخَطّابِ سَلَمَةُ بْنُ صُبَيْحٍ الْحَنَفِيّ ، وَكَانَ مُسَيْلِمَةُ صَاحِبَ نَيْرُوجَاتٍ يُقَالُ إنّهُ أَوّلُ مَنْ أَدْخَلَ الْبَيْضَةَ فِي الْقَارُورَةِ وَأَوّلُ مَنْ وَصَلَ جَنَاحَ الطّائِرِ الْمَقْصُوصَ وَكَانَ يَدّعِي أَنّ ظَبْيَةً تَأْتِيهِ مِنْ الْجَبَلِ فَيَحْلُبُ لَبَنَهَا ، وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يَرْثِيهِ
لَهَفِي عَلَيْك أَبَا ثُمَامَةَ ... لَهَفِي عَلَى رُكْنِي شَمَامَةِ
كَمْ آيَةٍ لَك فِيهِمْ ... كَالشّمْسِ تَطْلُعُ مِنْ غَمَامَةِ
وَكَذَبَ بَلْ كَانَتْ آيَاتُهُ مَنْكُوسَةً تَفَلَ فِي بِئْرِ قَوْمٍ سَأَلُوهُ ذَلِكَ تَبَرّكًا فَمَلُحَ مَاؤُهَا ، وَمَسَحَ رَأْسَ صَبِيّ فَقَرِعَ قَرَعًا فَاحِشًا ، وَدَعَا لِرَجُلٍ فِي ابْنَيْنِ لَهُ بِالْبَرَكَةِ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَوَجَدَ أَحَدَهُمَا قَدْ سَقَطَ فِي الْبِئْرِ وَالْآخَرَ قَدْ أَكَلَهُ الذّئْبُ وَمَسَحَ عَلَى عَيْنَيْ رَجُلٍ اسْتَشْفَى بِمَسْحِهِ فَابْيَضّتْ عَيْنَاهُ [ ص 356 ]
مُؤَذّنَا مُسَيْلِمَةَ وَسَجَاحَ
وَاسْمُ مُؤَذّنِهِ حُجَيْرٌ وَكَانَ أَوّلَ مَا أُمِرَ أَنْ يَذْكُرَ مُسَيْلِمَةَ فِي الْأَذَانِ تَوَقّفَ فَقَالَ لَهُ مُحَكّمُ بْنُ الطّفَيْلِ صَرّحْ حُجَيْرُ فَذَهَبَتْ مَثَلًا . وَأَمّا سَجَاحُ الّتِي تَنَبّأَتْ فِي زَمَانِهِ وَتَزَوّجَهَا ، فَكَانَ مُؤَذّنُهَا جَنَبَةَ بْنَ طَارِقٍ وَقَالَ الْقُتَبِيّ : اسْمُهُ زُهَيْرُ بْنُ عَمْرٍو ، وَقِيلَ إنّ شِبْثَ بْنَ رِبْعِيّ أَذّنَ لَهَا أَيْضًا ، وَتُكَنّى أُمّ صَادِرٍ وَكَانَ آخِرُ أَمْرِهَا أَنْ أَسْلَمَتْ فِي زَمَانِ عُمَرَ كُلّ هَذَا مِنْ كِتَابِ الوّاقِدِيّ وَغَيْرِهِ . وَكَانَ مُحَكّمُ بْنُ طُفَيْلٍ الْحَنَفِيّ ، صَاحِبَ حَرْبِهِ وَمُدَبّرَ أَمْرِهِ وَكَانَ أَشْرَفَ مِنْهُ فِي حَنِيفَةَ وَيُقَالُ فِيهِ مُحَكّمٌ وَمُحَكّمٌ وَفِيهِ يَقُولُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
يَا مُحَكّمُ بْنَ طُفَيْلٍ قَدْ أُتِيحَ لَكُمْ ... لِلّهِ دُرّ أَبِيكُمْ حَيّةِ الْوَادِي
وَقَالَ أَيْضًا : يَخْبِطْنَ بِالْأَيْدِي حِيَاضَ مُحَكّمِ
امْرَأَةُ مُسَيْلِمَةَ
وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ : انْزِلُوا ، يَعْنِي وَفْدَ بَنِي حَنِيفَةَ بِدَارِ الْحَارِثِ . الصّوَابُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَاسْمُهَا : كَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي غَزْوَةِ قُرَيْظَةَ الْكَلَامُ عَلَى كَيْسَةَ وَكَيْسَةُ بِالتّخْفِيفِ وَأَنّهَا كَانَتْ امْرَأَةً لِمُسَيْلِمَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَلِذَلِكَ أَنْزَلَهُمْ بِدَارِهَا وَكَانَتْ تَحْتَ مُسَيْلِمَةَ ثُمّ خَلَفَ عَلَيْهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ أَنّ الصّوَابَ مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ اسْمَ تِلْكَ الْمَرْأَةِ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَالْمَذْكُورَةُ هَاهُنَا كَيْسَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَإِيّاهُ عَنَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ خَطَبَ فَقَالَ أُرِيت فِي يَدَيّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَرِهْتهمَا ، فَنَفَخْت فِيهِمَا فَطَارَا فَأَوّلْتهمَا كَذّابَ الْيَمَامَةِ وَالْعَنْسِيّ ، صَاحِبَ صَنْعَاءَ ، فَأَمّا مُسَيْلِمَةُ فَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَأَفْنَى قَوْمَهُ قَتْلًا وَسَبْيًا .
مَسْعُودٌ الْعَنْسِيّ
وَأَمّا مَسْعُودُ بْنُ كَعْبٍ الْعَنْسِيّ ، وَعَنْسٌ مِنْ مَذْحِجٍ ، فَاتّبَعَتْهُ قَبَائِلُ مِنْ مَذْحِجٍ وَالْيَمَنُ [ ص 357 ] أَمْرِهِ وَغَلَبَ عَلَى صَنْعَاءَ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الْخِمَارِ وَيُلَقّبُ عَيْهَلَةَ وَكَانَ يَدّعِي أَنّ سَحِيقًا وَشَرِيقًا يَأْتِيَانِهِ بِالْوَحْيِ وَيَقُول : هُمَا مَلَكَانِ يَتَكَلّمَانِ عَلَى لِسَانِي ، فِي خُدَعٍ كَثِيرَةٍ يُزَخْرِفُ بِهَا ، وَهُوَ مِنْ وَلَدِ مَالِكِ بْنِ عَنْسٍ ، وَبَنُو عَنْسٍ جُشَمُ وَجُشَيْمٌ وَمَالِكٌ وَعَامِرٌ وَعَمْرٌو ، وَعَزِيزٌ وَمُعَاوِيَةُ وَعَتِيكَةُ وَشِهَابٌ وَالْقِرّيّةُ وَيَامُ وَمِنْ وَلَدِ يَامَ بْنِ عَنْسٍ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَأَخَوَاهُ عَبْدُ اللّهِ وَحُوَيْرِثٌ ابْنَا يَاسِرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَالِكٍ قَتَلَهُ فَيْرُوزُ الدّيْلَمِيّ ، وَقَيْسُ بْنُ مَكْشُوحٍ وَدَاذَوَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَبْنَاءِ دَخَلُوا عَلَيْهِ مِنْ سِرْبٍ صَنَعَتْهُ لَهُمْ امْرَأَةٌ كَانَ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهَا مِنْ الْأَبْنَاءِ فَوَجَدُوهُ سَكْرَانَ لَا يَعْقِلُ مِنْ الْخَمْرِ فَخَبَطُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ
ضَلّ نَبِيّ مَاتَ وَهُوَ سَكْرَانْ ... وَالنّاسُ تَلْقَى جُلّهُمْ كَالذّبّانْ
النّورُ وَالنّارُ لَدَيْهِمْ سِيّانْ
ذَكَرَهُ الدّوْلَابِيّ ، وَزَادَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْهُ أَنّ امْرَأَتَهُ سَقَتْهُ الْبَنْجَ فِي شَرَابِهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ وَهِيَ الّتِي احْتَفَرَتْ السّرْبَ لِلدّخُولِ عَلَيْهِ وَكَانَ اغْتَصَبَهَا ، لِأَنّهَا كَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النّسَاءِ وَكَانَتْ مُسْلِمَةً صَالِحَةً وَكَانَتْ تُحَدّثُ عَنْهُ أَنّهُ لَا يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَاسْمُهَا الْمَرْزُبَانَةُ وَفِي صُورَةِ قَتْلِهِ اخْتِلَافٌ . وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُرِيت سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَنَفَخْتهمَا فَطَارَا ، قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالتّعْبِيرِ تَأْوِيلُ نَفْخِهِ لَهُمَا أَنّهُمَا بِرِيحِهِ قُتِلَا ، لِأَنّهُ لَمْ يَغْزُهُمَا بِنَفْسِهِ وَتَأْوِيلُ الذّهَبِ أَنّهُ زُخْرُفٌ فَدَلّ لَفْظُهُ عَلَى زَخْرَفَتِهِمَا ، وَكَذِبِهِمَا ، وَدَلّ الْإِسْوَارَانِ بِلَفْظِهِمَا عَلَى مَلِكَيْنِ لِأَنّ الْأَسَاوِرَةَ هُمْ الْمُلُوكُ وَبِمَعْنَاهُمَا عَلَى التّضْيِيقِ عَلَيْهِ لِكَوْنِ السّوَارِ مُضَيّقًا عَلَى الذّرَاعِ .
قُدُومُ زَيْدِ الْخَيْلِ فِي وَفْدِ طَيّئٍ
إسْلَامُهُ وَمَوْتُهُ
[ ص 358 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ طَيّئٍ فِيهِمْ زَيْدُ الْخَيْلِ ، وَهُوَ سَيّدُهُمْ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ كَلّمُوهُ وَعَرَضَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمُوا ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ مِنْ رِجَالِ طَيّئٍ مَا ذُكِرَ لِي رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ بِفَضْلٍ ثُمّ جَاءَنِي ، إلّا رَأَيْته دُونَ مَا يُقَالُ فِيهِ إلّا زَيْدَ الْخَيْلِ : فَإِنّهُ لَمْ يَبْلُغْ كُلّ مَا كَانَ فِيهِ ثُمّ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ الْخَيْرِ وَقَطَعَ لَهُ فَيْدًا وَأَرَضِينَ مَعَهُ وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعًا إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ فَإِنّهُ قَالَ قَدْ سَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاسْمٍ غَيْرِ الْحُمّى ، [ ص 359 ] مَلْدَمٍ فَلَمْ يُثْبِتْهُ - فَلَمّا انْتَهَى مِنْ بَلَدِ نَجْدٍ إلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِهِ يُقَالُ لَهُ فَرْدَةُ ، أَصَابَهُ الْحُمّى بِهَا فَمَاتَ وَلَمّا أَحَسّ زَيْدٌ بِالْمَوْتِ قَالَ [ ص 360 ]
أَمُرْتَحِلٌ قَوْمِي الْمَشَارِقَ غُدْوَةً ... وَأُتْرَكُ فِي بَيْتٍ بِفَرْدَةَ مُنْجِدِ
أَلَا رُبّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْت لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنّ يُجْهَدْ
فَلَمّا مَاتَ عَمَدَتْ امْرَأَتُهُ إلَى مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ كُتُبِهِ الّتِي قَطَعَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَرّقَتْهَا بِالنّارِ .
Sزَيْدُ الْخَيْلِ
فَصْلٌ
[ ص 358 ] وَذَكَرَ زَيْدَ الْخَيْلِ ، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ مُهَلْهِلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ يُكَنّى : أَبَا مُكْنِفٍ الطّائِيّ وَاسْمُ طَيّئٍ أُدَدُ وَقِيلَ لَهُ زَيْدُ الْخَيْلِ لِخَمْسِ أَفْرَاسٍ كَانَتْ لَهُ لَهَا أَسْمَاءُ أَعْلَامٍ ذَهَبَ عَنّي حِفْظُهَا الْآنَ . وَذَكَرَ قَوْلَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ يَنْجُ زَيْدٌ مِنْ حُمّى الْمَدِينَةِ .
أَسْمَاءُ الْحُمّى
قَالَ الرّاوِي : وَلَمْ يُسَمّهَا بِاسْمِهَا الْحُمّى ، وَلَا أُمّ مَلْدَمٍ سَمّاهَا بِاسْمٍ آخَرَ ذَهَبَ عَنّي ، وَالِاسْمُ الّذِي ذَهَبَ عَنْ الرّاوِي مِنْ أَسْمَاءِ الْحُمّى ، هُوَ أُمّ كُلْبَةَ ذُكِرَ لِي أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ ذَكَرَهُ فِي مَقَاتِلِ الْفُرْسَانِ وَلَمْ أَرَهُ وَلَكِنْ رَأَيْت الْبَكْرِيّ ذَكَرَهُ فِي بَابٍ أَفْرَدَهُ مِنْ أَسْمَاءِ الْبِلَادِ وَلَهَا أَيْضًا اسْمٌ سِوَى هَذِهِ الْأَسْمَاءِ ذَكَرَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ فِي الْجَمْهَرِ قَالَ سَبَاطِ مِنْ أَسْمَاءِ الْحُمّى عَلَى وَزْنِ رَقَاشِ وَأَمّا أُمّ مَلْدَمٍ فَيُقَالُ بِالدّالِ وَبِالذّالِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا ، وَهُوَ [ مِنْ ] اللّدْمِ وَهُوَ شِدّةُ الضّرْبِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أُمّ كُلْبَةَ هَذَا الِاسْمُ مُغَيّرًا مِنْ كُلْبَةٍ بِضَمّ الْكَافِ وَالْكُلْبَةُ شِدّةُ الرّعْدَةِ وَكُلَبُ الْبَرْدِ مَدَائِدُهُ فَهَذِهِ أُمّ كُلْبَةَ بِالْهَاءِ وَهِيَ الْحُمّى ، وَأَمّا أُمّ كُلْبٍ ، فَشَجَرَةٌ لَهَا نُورٌ حَسَنٌ وَهِيَ إذَا حُرّكَتْ أَنْتَنُ شَيْءٍ وَزَعَمَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنّ الْغَنَمَ إذَا مَسّتْهَا لَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَقْرَبَ الْغَنَمَ لَيْلَتَهَا تِلْكَ مِنْ شِدّةِ إنْتَانِهَا .
خَيْرُ زَيْدٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى
وَذَكَرَ فِي خَبَرِ زَيْدِ الْخَيْلِ فِي رِوَايَةِ أَبِي عَلِيّ الْبَغْدَادِيّ مَا هَذَا نَصّهُ خَرَجَ نَفَرٌ مِنْ طَيّئٍ يُرِيدُونَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ وُفُودًا ، وَمَعَهُمْ زَيْدُ الْخَيْلِ ، وَوَزَرُ بْنُ سُدُوسٍ النّبْهَانِيّ وَقَبِيصَةُ بْنُ [ ص 359 ] جُوَيْنٍ الْجِرْمِيّ ، وَهُوَ النّصْرَانِيّ ، وَمَالِكُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ خَيْبَرِيّ بْنِ أَفْلَتَ بْنِ سَلْسَلَةَ وَقُعَيْنُ بْنُ خُلَيْفٍ الطّرِيفِيّ رَجُلٌ مِنْ جَدِيلَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي بَوْلَانَ فَعَقَلُوا رَوَاحِلَهُمْ بِفِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَدَخَلُوا ، فَجَلَسُوا قَرِيبًا مِنْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَيْثُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ فَلَمّا نَظَرَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَيْهِمْ قَالَ إنّي خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الْعُزّى ، وَلَاتِهَا ، وَمِنْ الْجَمَلِ الْأَسْوَدِ الّذِي تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَمِمّا حَازَتْ مِنَاع ، مِنْ كُلّ ضَارٍ غَيْرِ نَفّاعٍ فَقَامَ زَيْدُ الْخَيْلِ ، فَكَانَ مِنْ أَعْظَمِهِمْ خُلُقًا وَأَحْسَنِهِمْ وَجْهًا وَشِعْرًا ، وَكَانَ يَرْكَبُ الْفَرَسَ الْعَظِيمَ الطّوِيلَ فَتَخُطّ رِجْلَاهُ فِي الْأَرْضِ كَأَنّهُ حِمَارٌ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ لَا يَعْرِفُهُ " الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَتَى بِك مِنْ سَهْلِك وَحَزَنِك ، وَسَهّلَ قَلْبَك لِلْإِيمَانِ " ، ثُمّ قَبَضَ عَلَى يَدِهِ فَقَالَ " مَنْ أَنْتَ ؟ " فَقَالَ أَنَا زَيْدُ الْخَيْلِ بْنُ مُهَلْهِلٍ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّك عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ فَقَالَ لَهُ " بَلْ أَنْتَ زَيْدُ الْخَيْرِ " ، ثُمّ قَالَ " يَا زَيْدُ مَا خُبّرْت عَنْ رَجُلٍ شَيْئًا قَطّ إلّا رَأَيْته دُونَ مَا خُبّرْت عَنْهُ غَيْرَك " ، فَبَايَعَهُ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَلَى مَا أَرَادَ وَأَطْعَمَهُ قِرًى كَثِيرَةً مِنْهَا : فَيْدٌ ، وَكَتَبَ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى قَوْمِهِ إلّا وَزَرَ بْنَ سُدُوسٍ فَقَالَ إنّي لَأَرَى رَجُلًا لَيَمْلِكَنّ رِقَابَ الْعَرَبِ ، وَلَا وَاَللّهِ لَا يَمْلِكُ رَقَبَتِي عَرَبِيّ أَبَدًا ، ثُمّ لَحِقَ بِالشّامِ وَتَنَصّرَ وَحَلَقَ رَأْسَهُ فَلَمّا قَامَ زَيْدٌ مِنْ عِنْدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَيْ فَتًى لَمْ تُدْرِكْهُ أُمّ كُلْبَةَ يَعْنِي : الْحُمّى ، وَيُقَالُ بَلْ قَالَ إنْ نَجَا مِنْ آجَامِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ زَيْدٌ حِينَ انْصَرَفَ
أُنِيخَتْ بِآجَامِ الْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ... وَعَشْرًا يُغَنّي فَوْقَهَا اللّيْلَ طَائِرُ
فَلَمّا قَضَتْ أَصْحَابُهَا كُلّ بُغْيَةٍ ... وَخَطّ كِتَابًا فِي الصّحِيفَةِ سَاطِرُ
شَدَدْت عَلَيْهَا رَحْلَهَا وَشَلِيلَهَا ... مِنْ الدّرْسِ وَالشّعْرَاءِ وَالْبَطْنُ ضَامِر
الدّرْسُ الْجَرَبُ وَالشّعْرَاءُ ذُبَابٌ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَدَائِنِيّ فِي حَدِيثِهِ وَأَهْدَى زَيْدٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَخْذُومًا وَالرّسُوبَ وَكَانَا سَيْفَيْنِ لِصَنَمِ بَلِيّ الْفَلْسِ فَلَمّا انْصَرَفُوا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَا قَدِمَ عَلَيّ رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ يُفَضّلُهُ قَوْمُهُ إلّا رَأَيْته دُونَ مَا يُقَالُ إلّا مَا كَانَ مِنْ [ ص 360 ] الْمَدِينَةِ فَلِأَمْرٍ مَا هُوَ " . وَقَوْلُهُ
أَلَا رُبّ يَوْمٍ لَوْ مَرِضْت لَعَادَنِي ... عَوَائِدُ مَنْ لَمْ يُبْرَ مِنْهُنّ يُجْهَدْ
وَبَعْدَهُ
فَلَيْتَ اللّوَاتِي عُدْنَنِي ... لَمْ يَعُدْنَنِي وَلَيْتَ اللّوَاتِي غِبْنَ عَنّي شُهّدِي
أَمْرُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ
وَأَمّا [ ص 361 ] عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ فَكَانَ يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي : مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ كَانَ أَشَدّ كَرَاهِيَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ مِنّي ، أَمّا أَنَا فَكُنْت امْرَأً شَرِيفًا ، وَكُنْت نَصْرَانِيّا ، وَكُنْت أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ فَكُنْت فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ وَكُنْت مَلِكًا فِي قَوْمِي ، لِمَا كَانَ يُصْنَعُ بِي . فَلَمّا سَمِعْت بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَرِهْته ، فَقُلْت لِغُلَامٍ كَانَ لِي عَرَبِيّ وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي : لَا أَبَالَك ، أَعْدِدْ لِي مِنْ إبِلِي أَجْمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا ، فَاحْتَبِسْهَا قَرِيبًا مِنّي ، فَإِذَا سَمِعْت بِجَيْشٍ لِمُحَمّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنّي ، فَفَعَلَ ثُمّ إنّهُ أَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ يَا عَدِيّ مَا كُنْت صَانِعًا إذَا غَشِيَتْك خَيْلُ مُحَمّدٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ فَإِنّي قَدْ رَأَيْت رَايَاتٍ فَسَأَلْت عَنْهَا ، فَقَالُوا : هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمّدٍ . قَالَ فَقُلْت : فَقَرّبْ إلَيّ أَجْمَالِي ، فَقَرّبَهَا ، فَاحْتَمَلْت بِأَهْلِي وَوَلَدِي ، ثُمّ قُلْت : أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنْ النّصَارَى بِالشّامِ فَسَلَكْت الْجَوْشِيّةَ ، وَيُقَالُ الْحَوْشِيّةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَخَلّفْت بِنْتًا لِحَاتِمٍ فِي الْحَاضِرِ فَلَمّا قَدِمْت الشّامَ أَقَمْت بِهَا . وَتُخَالِفُنِي خَيْلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ فِيمَنْ أَصَابَتْ فَقُدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيّئٍ وَقَدْ بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَرَبِي إلَى الشّامِ ، قَالَ فَجُعِلَتْ بِنْتُ حَاتِمٍ فِي حَظِيرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ كَانَتْ السّبَايَا يُحْبَسْنَ فِيهَا ، فَمَرّ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَتْ إلَيْهِ وَكَانَتْ امْرَأَةً جَزْلَةً فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ فَامْنُنْ عَلَيّ مَنّ اللّهُ عَلَيْك . قَالَ وَمَنْ وَافِدُك ؟ قَالَتْ عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ . قَالَ الْفَارّ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ ؟ قَالَتْ ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَرَكَنِي ، حَتّى إذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ مَرّ بِي ، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ . قَالَتْ حَتّى إذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ مَرّ بِي وَقَدْ يَئِسْت مِنْهُ فَأَشَارَ إلَيّ رَجُلٌ مِنْ خَلْفِهِ أَنْ قُومِي فَكَلّمِيهِ قَالَ فَقُمْت إلَيْهِ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ فَامْنُنْ عَلَيّ مَنّ اللّهُ عَلَيْك ؛ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ فَعَلْت ، فَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجٍ حَتّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِك مَنْ يَكُونُ لَهُ ثِقَةً حَتّى يُبَلّغَك إلَى بِلَادِك ، ثُمّ آذِنِينِي . فَسَأَلْت عَنْ الرّجُلِ الّذِي أَشَارَ إلَيّ أَنْ أُكَلّمَهُ فَقِيلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ وَأَقَمْت حَتّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَلِيّ أَوْ قُضَاعَةَ ، قَالَتْ وَإِنّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشّامِ . قَالَتْ فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي ، لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ . قَالَتْ فَكَسَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَمَلَنِي ، وَأَعْطَانِي نَفَقَةً فَخَرَجْت مَعَهُمْ حَتّى قَدِمْت الشّامَ . قَالَ عَدِيّ : فَوَاَللّهِ إنّي لَقَاعِدٌ فِي أَهْلِي ، إذْ نَظَرْت إلَى ظَعِينَةٍ تُصَوّبُ إلَيّ تَؤُمّنَا ، قَالَ فَقُلْت ابْنَةُ حَاتِمٍ قَالَ فَإِذَا هِيَ هِيَ فَلَمّا وَقَفَتْ عَلَيّ انْسَحَلَتْ تَقُولُ الْقَاطِعُ الظّالِمُ احْتَمَلْت بِأَهْلِك وَوَلَدِك ، وَتَرَكْت بَقِيّةَ وَالِدِك عَوْرَتَك ، قَالَ قُلْت : أَيْ أُخَيّةُ لَا تَقُولِي إلّا خَيْرًا ، فَوَاَللّهِ مَا لِي مِنْ عُذْرٍ لَقَدْ صَنَعْت مَا ذَكَرْت . قَالَ ثُمّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي ، فَقُلْت لَهَا : وَكَانَتْ امْرَأَةً حَازِمَةً مَاذَا تَرَيْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ ؟ قَالَتْ أَرَى وَاَللّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا ، فَإِنْ يَكُنْ الرّجُلُ نَبِيّا فَلِلسّابِقِ إلَيْهِ فَضْلُهُ وَإِنْ يَكُنْ مَلِكًا فَلَنْ تُذَلّ فِي عِزّ الْيَمَنِ ، وَأَنْتَ أَنْتَ . قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ إنّ هَذَا الرّأْيُ
إسْلَامُ عَدِيّ
قَالَ [ ص 362 ] فَخَرَجْت حَتّى أَقْدَمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلْت عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ فَسَلّمْت عَلَيْهِ فَقَالَ مَنْ الرّجُلُ ؟ فَقُلْت : عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ ؛ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَانْطَلَقَ بِي إلَى بَيْتِهِ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَعَامِدٌ بِي إلَيْهِ إذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلّمُهُ فِي حَاجَتِهَا ؛ قَالَ قُلْت فِي نَفْسِي : وَاَللّهِ مَا هَذَا بِمَلِكٍ قَالَ ثُمّ مَضَى بِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا دَخَلَ بِي بَيْتَهُ تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوّةً لِيفًا ، فَقَذَفَهَا إلَيّ فَقَالَ اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ قَالَ قُلْت : بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا ، فَقَالَ بَلْ أَنْتَ فَجَلَسْت عَلَيْهَا ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَرْضِ قَالَ قُلْت فِي نَفْسِي : وَاَللّهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ ثُمّ قَالَ إيهِ يَا عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ أَلَمْ تَكُ رَكُوسِيّا ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى ، ( قَالَ ) : أَوَلَمْ تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِك بِالْمِرْبَاعِ ؟ قَالَ قُلْت : بَلَى ، قَالَ فَإِنّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلّ لَك فِي دِينِك ؛ قَالَ قُلْت : أَجَلْ وَاَللّهِ وَقَالَ وَعَرَفْت أَنّهُ نَبِيّ مُرْسَلٌ يَعْلَمُ مَا يُجْهَلُ ثُمّ قَالَ لَعَلّك يَا عَدِيّ إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِي هَذَا الدّينِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ فَوَاَللّهِ لَيُوشِكَنّ الْمَالُ أَنْ يَفِيضَ فِيهِمْ حَتّى لَا يُوجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِيهِ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ فَوَاَللّهِ لَيُوشِكَنّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى بَعِيرِهَا ( حَتّى ) تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ لَا تَخَافُ وَلَعَلّك إنّمَا يَمْنَعُك مِنْ دُخُولٍ فِيهِ أَنّك تَرَى أَنّ الْمُلْكَ وَالسّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ وَأَيْمُ اللّهِ لَيُوشِكَنّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ قَالَ فَأَسْلَمْت .
وُقُوعُ مَا وَعَدَ بِهِ الرّسُولُ عَدِيّا
وَكَانَ عَدِيّ يَقُولُ قَدْ مَضَتْ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتْ الثّالِثَةُ وَاَللّهِ لَتَكُونَنّ قَدْ رَأَيْت الْقُصُورَ الْبِيضَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ وَقَدْ رَأَيْت الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنْ الْقَادِسِيّةِ عَلَى بَعِيرِهَا لَا تَخَافُ حَتّى تَحُجّ هَذَا الْبَيْتَ وَأَيْمُ اللّهِ لَتَكُونَنّ الثّالِثَةُ لَيَفِيضَنّ الْمَالُ حَتّى لَا يُوجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ
Sقُدُومُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ
[ ص 361 ] عَدِيّ بْنُ حَاتِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ حَشْرَجِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ جَرْوَلَ بْنِ ثُعَلَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْغَوْثِ بْنِ طَيّئٍ يُكَنّى أَبَا ظَرِيفٍ وَحَدِيثُ إسْلَامِهِ صَحِيحٌ عَجِيبٌ خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ ، وَأُخْتُهُ الّتِي ذُكِرَ إسْلَامُهَا أَحْسَبُ اسْمَهَا سَفّانَةَ لِأَنّي وَجَدْت فِي خَبَرٍ عَنْ امْرَأَةِ حَاتِمٍ تَذْكُرُ فِيهِ مِنْ سَخَائِهِ قَالَتْ فَأَخَذَ حَاتِمٌ عَدِيّا يُعَلّلُهُ مِنْ الْجُوعِ وَأَخَذْت أَنَا سَفّانَةَ وَلَا يُعْرَفُ لِعَدِيّ وَلَدًا نُقْرَضُ عَقِبُهُ وَلِحَاتِمٍ عَقِبٌ مِنْ قَبْلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حَاتِمٍ ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ بِنْتٌ إلّا سَفّانَةُ فَهِيَ إذًا هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ فِي السّيرَةِ وَاَللّهُ [ ص 362 ] أَعْلَمُ وَأُمّ حَاتِمٍ عِنَبَةُ بِنْتُ عَفِيفِ [ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْقَيْسِ ] كَانَتْ مِنْ أَكْرَمِ النّاسِ وَهِيَ الّتِي تَقُولُ
لَعَمْرِي لَقَدْ مَا عَضّنِي الْجُوعُ عَضّةً ... فَآلَيْت أَلّا أَحْرِمَ الدّهْرَ جَائِعًا
وَالسّفّانَةُ الدّرّةُ وَبِهَا كَانَ يُكَنّى حَاتِمٌ . [ ص 363 ]
قُدُومُ فَرْوَةَ بْنِ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ ، وَمُبَاعِدًا لَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَدْ كَانَ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ بَيْنَ مُرَادٍ وَهَمْدَانَ وَقْعَةٌ أَصَابَتْ فِيهَا هَمْدَانُ مِنْ مُرَادٍ مَا أَرَادُوا ، حَتّى أَثْخَنُوهُمْ فِي يَوْمٍ كَانَ يُقَالُ لَهُ يَوْمُ الرّدْمِ ، فَكَانَ الّذِي قَادَ هَمْدَانَ إلَى مُرَادٍ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ . [ ص 363 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الّذِي قَادَ هَمْدَانَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَالِكُ بْنُ حَرِيمٍ الْهَمْدَانِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ يَقُولُ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ :
مَرَرْنَا عَلَى لُفَاةَ وَهُنّ خُوصٌ ... يُنَازِعْنَ الْأَعِنّةَ يَنْتَحِينَا
فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلّابُونَ قِدْمًا ... وَإِنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلّبِينَا
وَمَا إنْ طِبّنَا جُبْنٌ وَلَكِنْ ... مَنَايَانَا وَطُعْمَةُ آخَرِينَا
كَذَاك الدّهْرُ دَوْلَتُهُ سِجَالٌ ... تَكُرّ صُرُوفُهُ حِينًا فَحِينَا
فَبَيْنَا مَا نُسَرّ بِهِ وَنَرْضَى ... وَلَوْ لُبِسَتْ غَضَارَتُهُ سِنِينَا
إذْ انْقَلَبَتْ بِهِ كَرّاتُ دَهْرٍ ... فَأَلْقَيْت الْأُلَى غُبِطُوا طَحِينَا
فَمَنْ يُغْبَطْ بِرَيْبِ الدّهْرِ مِنْهُمْ ... يَجِدْ رَيْبَ الزّمَانِ لَهُ خَئُونَا
فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إذَنْ خَلَدْنَا ... وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إذَنْ بَقِينَا
فَأَفْنَى ذَلِكَ سَرَوَاتِ قَوْمِي ... كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْأَوّلِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوّلُ بَيْتٍ مِنْهَا ، وَقَوْلُهُ " فَإِنْ نَغْلِبْ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
قُدُومُ فَرْوَةَ عَلَى الرّسُولِ وَإِسْلَامُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا تَوَجّهَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ ، قَالَ
لَمّا رَأَيْت مُلُوكَ كِنْدَةَ أَعْرَضَتْ ... كَالرّجْلِ خَانَ الرّجْلَ عِرْقُ نَسَائِهَا
قَرّبْت رَاحِلَتِي أَؤُمّ مُحَمّدًا ... أَرْجُو فَوَاضِلَهَا وَحُسْنَ ثَرَائِهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَرْجُو فَوَاضِلَهُ وَحُسْنَ ثَنَائِهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي : يَا فَرْوَةُ هَلْ سَاءَك مَا أَصَابَ قَوْمَك يَوْمَ الرّدْمِ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ ذَا يُصِيبُ قَوْمَهُ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمِي يَوْمَ الرّدْمِ لَا يَسُوءُهُ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُ أَمَا إنّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ قَوْمَك فِي الْإِسْلَامِ إلّا خَيْرًا . [ ص 364 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُرَادٍ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ كُلّهَا ، وَبَعَثَ مَعَهُ خَالِدَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى الصّدَقَةِ فَكَانَ مَعَهُ فِي بِلَادِهِ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 364 ]
قُدُومُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ ، فَأَسْلَمَ وَكَانَ عَمْرٌو قَدْ قَالَ لِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيّ حِينَ انْتَهَى إلَيْهِمْ أَمْرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا قَيْسُ ، إنّك سَيّدُ قَوْمِك ، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمّدٌ قَدْ خَرَجَ بِالْحِجَازِ يَقُولُ إنّهُ نَبِيّ ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَيْهِ حَتّى نَعْلَمَ عِلْمَهُ فَإِنْ كَانَ نَبِيّا كَمَا يَقُولُ فَإِنّهُ لَنْ يَخْفَى عَلَيْك ، وَإِذَا لَقِينَاهُ اتّبَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْنَا عِلْمَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ قَيْسٌ ذَلِكَ وَسَفّهَ رَأْيَهُ فَرَكِبَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ وَصَدّقَهُ وَآمَنَ بِهِ . فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَوْعَدَ عَمْرًا ، وَتَحَطّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ خَالَفَنِي وَتَرَكَ رَأْيِي ؛ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي ذَلِكَ
أَمَرْتُك يَوْمَ ذِي صَنْعَا ... ءَ أَمْرًا بَادِيًا رَشَدُهْ
أَمَرْتُك بِاتّقَاءِ الل ... ه وَالْمَعْرُوفِ تَتّعِدُهْ
خَرَجْت مِنْ الْمُنَى مِثْلَ الْ ... حُمَيّرِ غَرّهُ وَتِدُهْ
تُمَنّانِي عَلَى فَرَسٍ ... عَلَيْهِ جَالِسًا أَسَدُهْ
عَلَيّ مُفَاضَةٌ كَالنّهْ ... يِ أَخْلَصَ مَاءَهُ جَدَدُهْ
تَرُدّ الرّمْحَ مُنْثَنِيَ الس ... نان عَوَائِرًا قِصَدُهْ
فَلَوْ لَاقَيْتنِي لَلَقِيَ ... تَ لَيْثًا فَوْقَهُ لِبَدُهْ
تُلَاقِي شَنْبَثًا شَثْنَ الْ ... بَرَاثِنِ نَاشِزًا كَتَدُهْ
يُسَامِي الْقِرْنَ إنْ قِرْنٌ ... تَيَمّمَهُ فَيَعْتَضِدُهْ
فَيَأْخُذُهُ فَيَرْفَعُهُ ... فَيَخْفِضُهُ فَيَقْتَصِدُهْ
فَيَدْمَغُهُ فَيَحْطِمُهُ ... فَيَخْضِمُهُ فَيَزْدَرِدُهْ
ظَلُومُ الشّرْكِ فِيمَا أَحْ ... رَزَتْ أَنْيَابُهُ وَيَدُهْ
[ ص 365 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ
أَمَرْتُك يَوْمَ ذِي صَنْعَا ... ءَ أَمْرًا بَاديًا رَشَدُهْ
أَمَرْتُك بِاتّقَاءِ الل ... ه تَأْتِيهِ وتَتّعِدُهْ
فَكُنْت كَذِي الحُمَيّرِ غَرّ ... رَه مِمّا بِهِ وَتِدُهْ
لَمْ يُعْرَفْ سَائِرُهَا .
ارْتِدَادُهُ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي زُبَيْدَةَ وَعَلَيْهِمْ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ . فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْتَدّ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يَكْرِبَ ، وَقَالَ حِينَ ارْتَدّ
وَجَدْنَا مُلْكَ فَرْوَةَ شَرّ مُلْكٍ ... حِمَارًا سَافَ مَنْخَرُهُ بِثُفْرِ
وَكُنْت إذَا رَأَيْت أَبَا عُمَيْرٍ ... تَرَى الْحُوَلَاءَ مِنْ خَبَثٍ وَغَدْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " بِثُفْرِ " عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ . [ ص 365 ]
قُدُومُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ ، فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ بْنُ شِهَابٍ أَنّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَسْجِدَهُ وَقَدْ رَجّلُوا جُمَمَهُمْ وَتَكَحّلُوا ، وَعَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحِبَرَةِ وَقَدْ كَفّفُوهَا بِالْحَرِيرِ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَلَمْ تُسْلِمُوا ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ ؟ قَالَ فَشَقّوهُ مِنْهَا ، فَأَلْقَوْهُ . ثُمّ قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ ، وَأَنْتَ ابْنُ آكِلِ الْمُرَارِ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ نَاسِبُوا بِهَذَا النّسَبِ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ ، وَكَانَ الْعَبّاسُ وَرَبِيعَةُ رَجُلَيْنِ تَاجِرَيْنِ وَكَانَا إذَا شَاعَا فِي بَعْضِ الْعَرَبِ ، فَسُئِلَا مِمّنْ هُمَا ؟ قَالَا : نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ ، يَتَعَزّزَانِ بِذَلِكَ وَذَلِكَ أَنّ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا : ثُمّ قَالَ لَهُمْ لَا ، بَلْ نَحْنُ بَنُو النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ ، لَا نَقْفُو أُمّنَا ، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا ، فَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ : هَلْ فَرَغْتُمْ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ ؟ وَاَللّهِ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُهَا إلّا ضَرَبْته ثَمَانِينَ . [ ص 366 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ وَلَدِ آكِلِ الْمُرَارِ مِنْ قِبَلِ النّسَاءِ وَآكِلُ الْمُرَارِ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُجْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ مُرَتّعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدِيّ وَيُقَالُ كِنْدَةُ ، وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ لِأَنّ عَمْرَو بْنَ الْهَبُولَةِ الْغَسّانِيّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ وَكَانَ الْحَارِثُ غَائِبًا ، فَغَنِمَ وَسَبَى ، وَكَانَ فِيمَنْ سَبَى أُمّ أُنَاسِ بِنْتُ عَوْفِ بْنِ مُحَلّمِ الشّيْبَانِيّ امْرَأَةُ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو ، فَقَالَتْ لِعَمْرٍو فِي مَسِيرِهِ لَكَأَنّي بِرَجُلٍ أَدْلَمَ أَسْوَدَ كَأَنّ مَشَافِرَهُ مَشَافِرُ بَعِيرٍ آكِلِ مُرَارٍ قَدْ أَخَذَ بِرَقَبَتِك ، تَعْنِي : الْحَارِثَ فَسُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ وَالْمُرَارُ شَجَرٌ . ثُمّ تَبِعَهُ الْحَارِثُ فِي بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، فَلَحِقَهُ فَقَتَلَهُ وَاسْتَنْقَذَ امْرَأَتَهُ وَمَا كَانَ أَصَابَ . فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ حِلّزَةَ الْيَشْكُرِيّ لِعَمْرِو بْنِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ عَمْرُو بْنُ هِنْدٍ اللّخْمِيّ :
وَأَقَدْنَاك رَبّ غَسّانَ بِالْمُنْ ... ذِرْ كَرْهًا إذْ لَا تُكَالُ الدّمَاءُ
لِأَنّ الْحَارِثَ الْأَعْرَجَ الْغَسّانِيّ قَتَلَ الْمُنْذِرُ أَبَاهُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَهَذَا الْحَدِيثُ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرْت ، وَإِنّمَا مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ مَا ذَكَرْت مِنْ الْقَطْعِ . وَيُقَالُ بَلْ آكِلُ الْمُرَارِ حُجْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ وَهُوَ صَاحِبُ هَذَا الْحَدِيثِ وَإِنّمَا سُمّيَ آكِلَ الْمُرَارِ لِأَنّهُ أَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ شَجَرًا يُقَالُ لَهُ الْمُرَارُ . [ ص 366 ]
قُدُومُ صُرَدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَزْدِيّ
إسْلَامُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْأَزْدِيّ ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ فِي وَفْدٍ مِنْ الْأَزْدِ ، فَأَمّرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ . وَأَمَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَنْ كَانَ يَلِيهِ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ .
قِتَالُهُ أَهْلَ جُرَشَ
فَخَرَجَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَسِيرُ بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلَ بِجُرَشَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ مَدِينَةٌ مُعَلّقَةٌ وَبِهَا قَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ ، وَقَدْ ضَوَتْ إلَيْهِمْ خَثْعَمُ ، فَدَخَلُوهَا مَعَهُمْ حِينَ سَمِعُوا بِسَيْرِ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ فَحَاصَرُوهُمْ فِيهَا قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ وَامْتَنَعُوا فِيهَا مِنْهُ ثُمّ إنّهُ رَجَعَ عَنْهُمْ قَافِلًا ، حَتّى إذَا كَانَ إلَى جَبَلٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ شَكْرٌ ، ظَنّ أَهْلُ جُرَشَ أَنّهُ إنّمَا [ ص 367 ] عَطَفَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا .
إخْبَارُ الرّسُولِ وَافِدِي جُرَشَ بِمَا حَدَثَ لِقَوْمِهَا
وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جُرَشَ بَعَثُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ يَرْتَادَانِ وَيَنْظُرَانِ فَبَيْنَمَا هُمَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَشِيّةً بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إذْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَيّ بِلَادِ اللّهِ شَكْرٌ ؟ فَقَامَ إلَيْهِ الْجُرَشِيّانِ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ بِبِلَادِنَا جَبَلٌ يُقَال لَهُ كَشْرٌ ؛ وَكَذَلِكَ يُسَمّيهِ أَهْلُ جُرَشَ ، فَقَالَ إنّهُ لَيْسَ بِكَشْرٍ وَلَكِنّهُ شَكْرٌ ؛ قَالَا : فَمَا شَأْنُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ إنّ بُدْنَ اللّهِ لَتُنْحَرُ عِنْدَهُ الْآنَ قَالَ فَجَلَسَ الرّجُلَانِ إلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُمَا : وَيْحَكُمَا إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيَنْعَى لَكُمَا قَوْمَكُمَا ، فَقُومَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللّهَ أَنْ يَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا ؛ فَقَامَا إلَيْهِ فَسَأَلَاهُ ذَلِكَ فَقَالَ اللّهُمّ ارْفَعْ عَنْهُمْ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعِينَ إلَى قَوْمِهِمَا ، فَوَجَدَا قَوْمَهُمَا قَدْ أُصِيبُوا يَوْمَ أَصَابَهُمْ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فِي الْيَوْمِ الّذِي قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَالَ وَفِي السّاعَةِ الّتِي ذَكَرَ فِيهَا مَا ذَكَرَ
إسْلَامُ أَهْلِ جُرَشَ
وَخَرَجَ وَفْدُ جُرَشَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمُوا ، وَحَمَى لَهُمْ حِمًى حَوْلَ قَرْيَتِهِمْ عَلَى أَعْلَامٍ مَعْلُومَةٍ لِلْفَرَسِ وَالرّاحِلَةِ وَلِلْمُثِيرَةِ بَقَرَةِ الْحَرْثِ فَمَنْ رَعَاهُ مِنْ النّاسِ فَمَالُهُمْ سُحْتٌ . فَقَالَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ رَجُلٌ مِنْ الْأَزْدِ : وَكَانَتْ خَثْعَمُ تُصِيبُ مِنْ الْأَزْدِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانُوا يَعْدُونَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ
يَا غَزْوَةً مَا غَزَوْنَا غَيْرَ خَائِبَةٍ ... فِيهَا الْبِغَالُ وَفِيهَا الْخَيْلُ وَالْحُمُرُ
حَتّى أَتَيْنَا حُمَيْرًا فِي مَصَانِعِهَا ... وَجَمْعَ خَثْعَمَ قَدْ شَاعَتْ لَهَا النّذُرُ
إذَا وَضَعْت غَلِيلًا كُنْت أَحْمِلُهُ ... فَمَا أُبَالِي أَدَانُوا بَعْدُ أَمْ كَفَرُوا
قُدُومُ رَسُولِ مُلُوكِ حِمْيَرَ بِكِتَابِهِمْ :
[ ص 367 ] حِمْيَرَ ، مَقْدَمَهُ مِنْ تَبُوكَ ، وَرَسُولُهُمْ إلَيْهِ بِإِسْلَامِهِمْ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ ، وَنُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ كُلَالٍ . وَالنّعْمَانُ قِيلَ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ [ ص 368 ] وَهَمْدَانَ ؛ وَبَعَثَ إلَيْهِ زُرْعَةُ ذُو يَزَنٍ مَالِكَ بْنَ مُرّةَ الرّهَاوِيّ بِإِسْلَامِهِمْ وَمُفَارَقَتِهِمْ الشّرْكَ وَأَهْلَهُ .
كِتَابُ الرّسُولِ إلَيْهِمْ
فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 369 ] بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ النّبِيّ ، إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ، وَإِلَى نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ، وَإِلَى النّعْمَانِ قِيلَ ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ . أَمّا بَعْدَ ذَلِكُمْ فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْكُمْ اللّهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ أَمّا بَعْدُ فَإِنّهُ قَدْ وَقَعَ بِنَا رَسُولُكُمْ مُنْقَلَبَنَا مِنْ أَرْضِ الرّومِ ، فَلَقِيَنَا بِالْمَدِينَةِ فَبَلّغَ مَا أَرْسَلْتُمْ بِهِ وَخَبّرَنَا مَا قِبَلَكُمْ وَأَنْبَأَنَا بِإِسْلَامِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الْمُشْرِكِينَ وَأَنّ اللّهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهُدَاهُ إنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَمْتُمْ الصّلَاةَ وَآتَيْتُمْ الزّكَاةَ وَأَعْطَيْتُمْ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللّهِ وَسَهْمَ الرّسُولِ وَصَفِيّهُ وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الصّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السّمَاءُ وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفَ الْعُشْرِ وَأَنّ فِي الْإِبِلِ الْأَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ وَفِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٍ وَفِي كُلّ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ وَفِي كُلّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ وَفِي كُلّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةً وَحْدَهَا ، شَاةٌ وَأَنّهَا فَرِيضَةُ اللّهِ الّتِي فُرِضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَمَنْ أَدّى ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى إسْلَامِهِ وَظَاهَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ وَإِنّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيّتِهِ فَإِنّهُ لَا يُرَدّ عَنْهَا ، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى كُلّ حَالٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، حُرّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا ، فَمَنْ أَدّى ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّ لَهُ ذِمّةَ اللّهِ وَذِمّةَ رَسُولِهِ وَمَنْ مَنَعَهُ فَإِنّهُ عَدُوّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ . أَمّا بَعْدُ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ مُحَمّدًا النّبِيّ أَرْسَلَ إلَى زُرْعَةَ ذِي يَزَنٍ أَنْ إذَا أَتَاكُمْ رُسُلِي فَأُوصِيكُمْ بِهِمْ خَيْرًا : مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ ، وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَعُقْبَةُ بْنُ نَمِرٍ وَمَالِكُ بْنُ مُرّةَ وَأَصْحَابُهُمْ وَأَنْ اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنْ الصّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ مِنْ مُخَالِفِيكُمْ وَأَبْلِغُوهَا رُسُلِي ، وَأَنّ أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، فَلَا يَنْقَلِبَنّ إلّا رَاضِيًا . أَمّا بَعْدُ . فَإِنّ مُحَمّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمّ إنّ مَالِكَ بْنَ مُرّةَ الرّهَاوِيّ قَدْ حَدّثَنِي أَنّك أَسْلَمْت مِنْ أَوّلِ حِمْيَرَ ، وَقَتَلْت الْمُشْرِكِينَ فَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ وَآمُرُك بِحِمْيَرَ خَيْرًا ، وَلَا تَخُونُوا وَلَا تَخَاذَلُوا ، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ وَلِيّ غَنِيّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ وَأَنّ الصّدَقَةَ لَا تَحِلّ لِمُحَمّدٍ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ إنّمَا هِيَ زَكَاةٌ يُزَكّى بِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَابْنِ السّبِيلِ وَإِنّ مَالِكًا قَدْ بَلّغَ الْخَبَرَ ، وَحَفِظَ الْغَيْبَ وَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا ، وَإِنّي قَدْ أَرْسَلْت إلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ وَأُولِي عِلْمِهِمْ وَآمُرُك بِهِمْ خَيْرًا ، فَإِنّهُمْ مَنْظُورٌ إلَيْهِمْ وَالسّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ . [ ص 368 ]
وَصِيّةُ الرّسُولِ مُعَاذًا حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ
بَعْثُ الرّسُولِ مُعَاذًا عَلَى الْيَمَنِ وَشَيْءٌ مِنْ أَمْرِهِ بِهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حَدّثَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَعَثَ مُعَاذًا ، أَوْصَاهُ وَعَهِدَ إلَيْهِ ثُمّ قَالَ لَهُ يَسّرْ وَلَا تُعَسّرْ وَبَشّرْ وَلَا تُنَفّرْ وَإِنّك سَتَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ يَسْأَلُونَك مَا مِفْتَاحُ الْجَنّةِ فَقُلْ شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ قَالَ فَخَرَجَ مُعَاذٌ حَتّى إذَا قَدِمَ الْيَمَنَ قَامَ بِمَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، فَقَالَتْ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللّهِ مَا حَقّ زَوْجِ الْمَرْأَةِ عَلَيْهَا ؟ قَالَ وَيْحَك إنّ الْمَرْأَةَ لَا تَقْدِرُ عَلَى أَنْ تُؤَدّيَ حَقّ زَوْجِهَا ، فَأَجْهِدِي نَفْسَك فِي أَدَاءِ حَقّهِ مَا اسْتَطَعْت ، قَالَتْ وَاَللّهِ لَئِنْ كُنْت صَاحِبَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك لَتَعْلَمُ مَا حَقّ الزّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ . قَالَ وَيْحَك لَوْ رَجَعْت إلَيْهِ فَوَجَدْته تَنْثَعِبُ مَنْخَرَاهُ قَيْحًا وَدَمًا ، فَمَصَصْت ذَلِكَ حَتّى تُذْهِبِيهِ مَا أَدّيْت حَقّهُ .
إسْلَامُ فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيّ
إسْلَامُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو النّافِرَةَ الْجُذَامِيّ ثُمّ النّفَاثِيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولًا بِإِسْلَامِهِ وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِلرّومِ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنْ الْعَرَبِ ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ مَعَانَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ أَرْضِ الشّامِ .
حَبْسُ الرّومِ لَهُ وَشِعْرُهُ فِي مَحْبِسِهِ
فَلَمّا بَلَغَ الرّومَ ذَلِكَ مِنْ إسْلَامِهِ طَلَبُوهُ حَتّى أَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ فَقَالَ فِي مَحْبِسِهِ ذَلِكَ [ ص 370 ]
طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنًا أَصْحَابِي ... وَالرّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ
صَدّ الْخَيَالُ وَسَاءَهُ مَا قَدْ رَأَى ... وَهَمَمْت أَنْ أُغْفِي وَقَدْ أَبْكَانِي
لَا تَكْحَلَنّ الْعَيْنَ بَعْدِي إثْمِدًا ... سَلْمَى وَلَا تَدِيِنّ لِلْإِتْيَانِ
وَلَقَدْ عَلِمْت أَبَا كُبَيْشَةَ أَنّنِي ... وَسْطَ الْأَعِزّةِ لَا يُحَصّ لِسَانِي
فَلَئِنْ هَلَكْت لَتَفْقِدُنّ أَخَاكُمْ ... وَلَئِنْ بَقِيت لَتَعْرِفُنّ مَكَانِي
وَلَقَدْ جَمَعْت أَجَلّ مَا جَمَعَ الْفَتَى ... مِنْ جَوْدَةٍ وَشَجَاعَةٍ وَبَيَانِ
فَلَمّا أَجَمَعَتْ الرّومُ لِصَلْبِهِ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ عَفْرَاءُ بِفِلَسْطِينَ قَالَ
أَلَا هَلْ أَتَى سَلْمَى بِأَنّ حَلِيلَهَا ... عَلَى مَاءِ عَفْرَا فَوْقَ إحْدَى الرّوَاحِلِ
عَلَى نَاقَةٍ لَمْ يَضْرِبْ الْفَحْلُ أُمّهَا ... مُشَذّبَةٍ أَطْرَافُهَا بِالْمَنَاجِلِ
مَقْتَلُهُ فَزَعَمَ الزّهْرِيّ بْنُ شِهَابٍ ، أَنّهُمْ لَمّا قَدّمُوهُ لِيَقْتُلُوهُ . قَالَ
بَلّغْ سَرَاةَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنّنِي ... سِلْمٌ لِرَبّي أَعْظُمِي وَمَقَامِي
ثُمّ ضَرَبُوا عُنُقَهُ وَصَلَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ يَرْحَمُهُ اللّهُ تَعَالَى .
Sحَدِيثُ فَرْوَةَ " مَعْنَى قَرْوٍ "
[ ص 369 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ فَرْوَةَ وَقَوْلَهُ
طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنًا أَصْحَابِي ... وَالرّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ
[ ص 370 ] يَكُونَ جَمْعَ قَرْوٍ وَهُوَ حَوْضُ الْمَاءِ مِثْلُ صِنْوَانٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ : قَرِيّ مِثْلُ صَلِيبٍ وَصُلْبَانٍ . وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي الْقَرْوِ إنّهُ حُوَيْضٌ مِنْ خَشَبٍ تُسْقَى فِيهِ الدّوَابّ ، وَتَلِغُ فِيهِ الْكِلَابُ وَفِي الْمَثَلِ مَا فِيهَا لَاعِي قَرْوٍ أَيْ مَا فِي الدّارِ حَيَوَانٌ وَأَرَادَ بِلَاعِي قَرْوٍ لَاعِقَ قَرْوٍ وَقَلَبَ الْقَافَ الْأُولَى يَاءً لِلتّضْعِيفِ .
إبْدَالُ آخِرِ حَرْفٍ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ
وَحَسّنَ ذَلِكَ أَنّهُ اسْمُ فَاعِلٍ وَقَدْ يُبْدِلُونَ مِنْ آخِرِ حَرْفٍ فِي اسْمِ الْفَاعِلِ يَاءً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمّ تَضْعِيفٌ كَقَوْلِهِمْ فِي الْخَامِسِ خَامِيهِمْ وَفِي سَادِسِهِمْ سَادِيهِمْ وَكَذَلِكَ إلَى الْعَاشِرِ وَنَحْوٌ مِنْهُ مَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ . وَلِضَفَادِي جَمّهِ نَقَانِقُ
أَيْ لِضَفَادِعِ جَمّهِ وَأَنْشَدَ مِنْ الثّعَالِي وَوَخْزٌ مِنْ أَرَانِبِهَا
أَرَادَ الثّعَالِبَ وَأَرَانِبِهَا ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعْرُوفًا فَلَاعِي قَرْوٍ أَحَقّ أَنْ يُقْلَبَ آخِرُهُ يَاءً كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِ قَافَيْنِ .
إسْلَامُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ عَلَى يَدَيْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ لَمّا سَارَ إلَيْهِمْ
دَعْوَةُ خَالِدٍ النّاسَ إلَى الْإِسْلَامِ وَإِسْلَامُهُمْ
[ ص 371 ] [ ص 372 ] ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخِرِ أَوْ جُمَادَى الْأُولَى ، سَنَةَ عَشْرٍ إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ بِنَجْرَانَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثًا ، فَإِنْ اسْتَجَابُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَقَاتِلْهُمْ . فَخَرَجَ خَالِدٌ حَتّى قَدِمَ عَلَيْهِمْ فَبَعَثَ الرّكْبَانَ يَضْرِبُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَيَدْعُونَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَقُولُونَ أَيّهَا النّاسُ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا . فَأَسْلَمَ النّاسُ وَدَخَلُوا فِيمَا دُعُوا إلَيْهِ فَأَقَامَ فِيهِمْ خَالِدٌ يُعَلّمُهُمْ الْإِسْلَامَ وَكِتَابَ اللّهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِذَلِكَ كَانَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ هُمْ أَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا . ثُمّ كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْك اللّهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ أَمّا بَعْدُ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، فَإِنّك بَعَثْتنِي إلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَأَمَرْتنِي إذَا أَتَيْتهمْ أَلّا أُقَاتِلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ وَأَنْ أَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَسْلَمُوا أَقَمْت فِيهِمْ وَقَبِلْت مِنْهُمْ وَعَلّمْتهمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَكِتَابَ اللّهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا قَاتَلْتهمْ . وَإِنّي قَدِمْت عَلَيْهِمْ فَدَعَوْتهمْ إلَى الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَعَثْت فِيهِمْ رُكْبَانًا ، قَالُوا : يَا بَنِي الْحَارِثِ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا ، فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُقَاتِلُوا ، وَأَنَا مُقِيمٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ آمُرُهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ اللّهُ بِهِ وَأَنْهَاهُمْ عَمّا نَهَاهُمْ اللّهُ عَنْهُ وَأُعَلّمُهُمْ مَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَسُنّةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى يَكْتُبَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَالسّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ
كِتَابُ الرّسُولِ إلَى خَالِدٍ يَأْمُرُهُ بِالْمَجِيءِ
فَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللّهِ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ . سَلَامٌ عَلَيْك ، فَإِنّي أَحْمَدُ إلَيْك اللّهَ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ . أَمّا بَعْدُ فَإِنّ كِتَابَك جَاءَنِي مَعَ رَسُولِك تُخْبِرُ أَنّ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَدْ أَسْلَمُوا قَبْلَ أَنْ تُقَاتِلَهُمْ وَأَجَابُوا إلَى مَا دَعَوْتهمْ إلَيْهِ مِنْ الْإِسْلَامِ وَشَهِدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ وَأَنْ قَدْ هَدَاهُمْ اللّهُ بِهُدَاهُ فَبَشّرْهُمْ وَأَنْذِرْهُمْ وَأَقْبِلْ وَلْيُقْبِلْ مَعَك وَفْدُهُمْ وَالسّلَامُ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ
قُدُومُ خَالِدٍ مَعَ وَفْدِهِمْ عَلَى الرّسُولِ
فَأَقْبَلَ خَالِدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبَلَ مَعَهُ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ مِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ الْحُصَيْنِ ذِي الْغُصّةِ ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ ، وَيَزِيدُ بْنُ الْمُحَجّلِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قُرْدٍ الزّيَادِيّ ؛ وَشَدّادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْقَنَانِيّ ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ الضّبَابِيّ . [ ص 373 ]
حَدِيثُ وَفْدِهِمْ مَعَ الرّسُولِ
فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَآهُمْ قَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الّذِينَ كَأَنّهُمْ رِجَالُ الْهِنْدِ ؟ قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَؤُلَاءِ رِجَالُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلّمُوا عَلَيْهِ وَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَأَنّهُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتُمْ الّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا ؟ فَسَكَتُوا ، فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، ثُمّ أَعَادَهَا الثّانِيَةَ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، ثُمّ أَعَادَهَا الثّالِثَةَ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، ثُمّ أَعَادَهَا الرّابِعَةَ فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ نَحْنُ الّذِينَ إذَا زُجِرُوا اُسْتُقْدِمُوا ، قَالَهَا أَرْبَعَ مِرَارٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ أَنّ خَالِدًا لَمْ يَكْتُبْ إلَيّ أَنّكُمْ أَسْلَمْتُمْ وَلَمْ تُقَاتِلُوا ، لَأَلْقَيْت رُءُوسَكُمْ تَحْتَ أَقْدَامِكُمْ فَقَالَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَدَانِ : أَمَا وَاَللّهِ مَا حَمِدْنَاك وَلَا حَمِدْنَا خَالِدًا ، قَالَ فَمَنْ حَمِدْتُمْ ؟ قَالُوا : حَمِدْنَا اللّهَ عَزّ وَجَلّ الّذِي هَدَانَا بِك يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ صَدَقْتُمْ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ فِي الْجَاهِلِيّةِ ؟ قَالُوا : لَمْ نَكُنْ نَغْلِبُ أَحَدًا ؛ قَالَ بَلَى ، قَدْ كُنْتُمْ تَغْلِبُونَ مَنْ قَاتَلَكُمْ قَالُوا : كُنّا نَغْلِبُ مَنْ قَاتَلَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا كُنّا نَجْتَمِعُ وَلَا نَفْتَرِقُ وَلَا نَبْدَأُ أَحَدًا بِظُلْمٍ قَالَ صَدَقْتُمْ وَأَمّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ قَيْسَ بْنَ الْحُصَيْنِ . فَرَجَعَ وَفْدُ بَنِي الْحَارِثِ إلَى قَوْمِهِمْ فِي بَقِيّةٍ مِنْ شَوّالٍ أَوْ فِي صَدْرِ ذِي الْقَعْدَةِ فَلَمْ يَمْكُثُوا بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا إلَى قَوْمِهِمْ إلّا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَحِمَ وَبَارَكَ وَرَضِيَ وَأَنْعَمَ .
بَعْثُ الرّسُولِ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ بِعَهْدِهِ إلَيْهِمْ
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ وَلّى وَفْدُهُمْ عَمْرَو بْنَ حَزْمٍ ، لِيُفَقّهَهُمْ فِي الدّينِ وَيُعَلّمَهُمْ السّنّةَ وَمَعَالِمَ الْإِسْلَامِ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ صَدَقَاتِهِمْ وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا عَهِدَ إلَيْهِ فِيهِ عَهْدَهُ وَأَمَرَهُ فِيهِ بِأَمْرِهِ .َ [ ص 374 ] بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا بَيَانٌ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ عَهْدٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيّ رَسُولِ اللّهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ ، أَمَرَهُ بِتَقْوَى اللّهِ فِي أَمْرِهِ كُلّهِ فَإِنّ اللّهَ مَعَ الّذِينَ اتّقَوْا وَاَلّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقّ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ وَأَنْ يُبَشّرَ النّاسَ بِالْخَيْرِ وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ وَيُعَلّمَ النّاسَ الْقُرْآنَ وَيُفَقّهَهُمْ فِيهِ وَيَنْهَى النّاسَ فَلَا يَمَسّ الْقُرْآنَ إنْسَانٌ إلّا وَهُو طَاهِرٌ وَيُخْبِرَ النّاسَ بِاَلّذِي لَهُمْ وَاَلّذِي عَلَيْهِمْ وَيَلِينَ لِلنّاسِ فِي الْحَقّ وَيَشُدّ عَلَيْهِمْ فِي الظّلْمِ فَإِنّ اللّهَ كَرِهَ الظّلْمَ وَنَهَى عَنْهُ فَقَالَ { أَلَا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظّالِمِينَ } [ هُودُ : 18 ] ، وَيُبَشّرَ النّاسَ بِالْجَنّةِ وَبِعَمَلِهَا ، وَيُنْذِرَ النّاسَ النّارَ وَعَمَلَهَا ، وَيَسْتَأْلِفَ النّاسَ حَتّى يَفْقَهُوا فِي الدّينِ وَيُعَلّمَ النّاسَ مَعَالِمَ الْحَجّ وَسُنّتَهُ وَفَرِيضَتَهُ وَمَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ وَالْحَجّ الْأَكْبَرُ الْحَجّ الْأَكْبَرُ وَالْحَجّ الْأَصْغَرُ هُوَ الْعُمْرَةُ وَيَنْهَى النّاسَ أَنْ يُصَلّيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ إلّا أَنْ يَكُونَ ثَوْبًا يُثْنِي طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَيَنْهَى النّاسَ أَنْ يَحْتَبِيَ أَحَدٌ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إلَى السّمَاءِ وَيَنْهَى أَنْ يُعَقّصَ أَحَدٌ شَعْرَ رَأْسِهِ فِي قَفَاهُ وَيَنْهَى إذَا كَانَ بَيْنَ النّاسِ هَيْجٌ عَنْ الدّعَاءِ إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ وَلْيَكُنْ دَعْوَاهُمْ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فَمَنْ لَمْ يَدْعُ إلَى اللّهِ وَدَعَا إلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ فَلْيُقْطَفُوا بِالسّيْفِ حَتّى تَكُونَ دَعْوَاهُمْ إلَى اللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَيَأْمُرَ النّاسَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَهُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ وَيَمْسَحُونَ بِرُءُوسِهِمْ كَمَا أَمَرَهُمْ اللّهُ وَأَمَرَ بِالصّلَاةِ لِوَقْتِهَا ، وَإِتْمَامِ الرّكُوعِ وَالسّجُودِ وَالْخُشُوعِ وَيُغَلّسُ بِالصّبْحِ وَيُهَجّرُ بِالْهَاجِرَةِ حِينَ تَمِيلُ الشّمْسُ وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالشّمْسُ فِي الْأَرْضِ مُدْبِرَةٌ وَالْمَغْرِبِ حِينَ يُقْبِلُ اللّيْلُ لَا يُؤَخّرُ حَتّى تَبْدُوَ النّجُومُ فِي السّمَاءِ وَالْعِشَاءِ أَوّلَ اللّيْلِ وَأَمَرَ بِالسّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ إذَا نُودِيَ لَهَا ، وَالْغُسْلِ عِنْدَ الرّوَاحِ إلَيْهَا ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللّهِ وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ مِنْ الْعَقَارِ عُشْرَ مَا سَقَتْ الْعَيْنُ وَسَقَتْ السّمَاءُ وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَفِي كُلّ عَشْرٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاتَانِ وَفِي كُلّ عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ وَفِي كُلّ ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةً وَحْدَهَا شَاةٌ فَإِنّهَا فَرِيضَةُ اللّهِ الّتِي افْتَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَةِ فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيّ أَوْ نَصْرَانِيّ إسْلَامًا خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ وَدَانَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ فَإِنّهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مِثْلُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَيْهِمْ وَمَنْ كَانَ عَلَى نَصْرَانِيّتِهِ أَوْ يَهُودِيّتِهِ فَإِنّهُ لَا يُرَدّ عَنْهَا ، وَعَلَى كُلّ حَالِمٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، حُرّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِوَضُهُ ثِيَابًا . فَمَنْ أَدّى ذَلِكَ فَإِنّ لَهُ ذِمّةَ اللّهِ وَذِمّةَ رَسُولِهِ وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَإِنّهُ عَدُوّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ جَمِيعًا ، صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَى مُحَمّدٍ وَالسّلَامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ
S[ ص 371 ] وَذَكَرَ قُدُومَ وَفْدِ كِنْدَةَ ، وَفِيهِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا نَقْفُو أُمّنَا ، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْأَشْعَثَ قَدْ أَصَابَ فِي بَعْضِ قَوْلِهِ نَحْنُ وَأَنْتَ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ ، وَذَلِكَ أَنّ فِي جَدّاتِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ هِيَ مِنْ ذَلِكَ الْقَبِيلِ مِنْهُنّ دَعْدُ بِنْتُ سُرَيْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ الْكِنْدِيّ الْمَذْكُورِ وَهِيَ أُمّ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ ، وَقِيلَ بَلْ هِيَ جَدّةُ كِلَابٍ أُمّ أُمّهِ هِنْدٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ هِنْدًا هَذِهِ وَأَنّهَا وَلَدَتْ كِلَابًا .
قُدُومُ وَفْدِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ
ذَكَرَ فِيهِمْ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الْمَدَانِ ، وَاسْمُ عَبْدِ الْمَدَانِ عَمْرُو بْنُ الدّيّانِ وَالدّيّانُ اسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ قَطَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ الْحَارِثِيّ . [ ص 372 ] وَذَكَرَ فِيهِمْ أَيْضًا ذَا الْغُصّةِ وَاسْمُهُ الْحُصَيْنُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ شَدّادٍ الْحَارِثِيّ ، وَقِيلَ لَهُ ذُو الْغُصّةِ لِغُصّةٍ كَانَتْ فِي حَلْقِهِ لَا يَكَادُ يُبِينُ مِنْهَا ، وَذَكَرَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَوْمًا ، فَقَالَ لَا تُزَادُ امْرَأَةٌ فِي صَدَاقِهَا عَلَى كَذَا وَكَذَا ، وَلَوْ كَانَتْ بِنْتَ ذِي الْغُصّةِ وَذَكَرَ فِيهِمْ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ الضّبَابِيّ وَهُوَ ضِبَابٌ بِكَسْرِ الضّادِ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَذْلِجَ وَضِبَابٌ أَيْضًا فِي قُرَيْشٍ وَهُوَ ابْنُ حُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرٍ أَخُو حَجَرِ بْنِ عَبْدٍ وَفِي حَجَرٍ وَحُجَيْرٍ يَقُولُ الشّاعِرُ
أُنْبِئْت أَنّ غُوَاةً مِنْ بَنِي حَجَرٍ ... وَمِنْ حُجَيْرٍ بِلَا ذَنْبٍ أَرَاغُونِي
أَغْنُوا بَنِي حَجَرٍ عَنّا غُوَاتَكُمْ ... وَيَا حُجَيْرُ إلَيْكُمْ لَا تَبُورُونِي
وَالضّبَابُ فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَهُمْ ضِبَابٌ وَمُضِبّ وَحِسْلٌ وَحُسَيْلٌ بَنُو مُعَاوِيَةَ بْنِ كِلَابٍ وَأَمّا الضّبَابُ بِالْفَتْحِ فَفِي نَسَبِ النّابِغَةِ الذّبْيَانِيّ ضَبَابُ بْنُ يَرْبُوعِ بْنِ غَيْظٍ وَأَمّا الضّبَابُ بِالضّمّ فَزَيْدٌ وَمَنْجَا ابْنَا ضُبَابٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ . [ ص 373 ] [ ص 374 ]
قُدُومُ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ
إسْلَامُهُ وَحَمْلُهُ كِتَابَ الرّسُولِ إلَى قَوْمِهِ
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هُدْنَةِ الْحُدَيْبِيَةِ ، قَبْلَ خَيْبَرَ ، رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ ثُمّ الضّبَيْبِيّ ، فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غُلَامًا ، وَأَسْلَمَ ، فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَكَتَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا إلَى قَوْمِهِ . وَفِي الْكِتَابِ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لِرِفَاعَةِ بْنِ زَيْدٍ . إنّي بَعَثْته إلَى قَوْمِهِ عَامّةً وَمَنْ دَخَلَ فِيهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَفِي حِزْبِ اللّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ وَمَنْ أَدْبَرَ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ . فَلَمّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ أَجَابُوا وَأَسْلَمُوا ، ثُمّ سَارُوا إلَى الْحَرّةِ : حَرّةِ الرّجْلَاءِ . وَنَزَلُوهَا .
Sوُفُودُ رِفَاعَةَ
[ ص 375 ] وَذَكَرَ وُفُودَ رِفَاعَةَ الضّبَيْبِيّ وَأَنّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غُلَامًا ، وَذَلِكَ الْغُلَامُ هُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ ، وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي الْمُوَطّإِ .
قُدُومُ وَفْدِ هَمْدَانَ
أَسَمَاؤُهُمْ وَكَلِمَةُ ابْنِ نَمَطٍ بَيْنَ يَدَيْ الرّسُولِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُذَيْنَةَ الْعَبْدِيّ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ السّبِيعِيّ قَالَ قَدِمَ وَفْدُ هَمْدَانَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَهُوَ ذُو الْمِشْعَارِ وَمَالِكُ بْنُ أَيْفَعَ وَضِمَامُ بْنُ مَالِكٍ السّلْمَانِيّ وَعَمِيرَةُ بْنُ مَالِكٍ الْخَارِفِيّ ، فَلَقُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ وَعَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ . وَالْعَمَائِمُ الْعَدَنِيّةُ بِرِحَالِ الْمَيْسِ عَلَى الْمَهْرِيّةِ وَالْأَرْحَبِيّةِ وَمَالِكُ بْنُ نَمَطٍ وَرَجُلٌ آخَرُ يَرْتَجِزَانِ بِالْقَوْمِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا :
هَمْدَانُ خَيْرٌ سَوْقَةً وَأَقْيَالْ ... لَيْسَ لَهَا فِي الْعَالَمِينَ أَمْثَالْ
مَحَلّهَا الْهَضْبُ وَمِنْهَا الْأَبْطَالْ ... لَهَا إطَابَاتٌ بِهَا وَآكَالْ
[ ص 376 ]
إلَيْك جَاوَزْنَ سَوَادَ الرّيفِ ... فِي هَبَوَاتِ الصّيْفِ وَالْخَرِيفِ
مُخَطّمَاتٍ بِحِبَالِ اللّيفِ
فَقَامَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ نَصِيّةٌ مِنْ هَمْدَانَ ، مِنْ كُلّ حَاضِرٍ وَبَادٍ أَتَوْك عَلَى قُلُصٍ نَوَاجٍ مُتّصِلَةٍ بِحَبَائِلِ الْإِسْلَامِ لَا تَأْخُذُهُمْ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ مِنْ مِخْلَافِ خَارِفٍ وَيَامٍ وَشَاكِرٍ أَهْلِ السّودِ وَالْقُودِ أَجَابُوا دَعْوَةَ الرّسُولِ وَفَارَقُوا آلِهَاتِ الْأَنْصَابِ عَهْدُهُمْ لَا يُنْقَضُ مَا أَقَامَتْ لَعْلَعُ ، وَمَا جَرَى الْيَعْفُورُ بِصُلّعٍ . فَكَتَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا فِيهِ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . هَذَا كِتَابٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ مُحَمّدٍ ، لِمِخْلَافِ خَارِفٍ وَأَهْلِ جَنَابِ الْهَضْبِ وَحِقَافِ الرّمْلِ مَعَ وَفْدِهَا ذِي الْمِشْعَارِ مَالِكِ بْنِ نَمَطٍ وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى أَنّ لَهُمْ فِرَاعَهَا وَوِهَاطَهَا ، مَا أَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوْا الزّكَاةَ يَأْكُلُونَ عِلَافَهَا وَيَرْعَوْنَ عَافِيَهَا ، لَهُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللّهِ وَذِمَامُ رَسُولِهِ وَشَاهِدُهُمْ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَقَالَ فِي ذَلِكَ مَالِكُ بْنُ نَمَطٍ [ ص 377 ]
ذَكَرْت رَسُولَ اللّهِ فِي فَحْمَةِ الدّحَى ... وَنَحْنُ بِأَعْلَى رَحْرَحَانَ وَصَلْدَدِ
وَهُنّ بِنَا خُوصٌ طَلَائِحُ تَعْتَلِي ... بِرُكْبَانِهَا فِي لَاحِبٍ مُتَمَدّدِ
عَلَى كُلّ فَتْلَاءِ الذّرَاعَيْنِ جَسْرَةٍ ... تَمُرّ بِنَا مَرّ الْهِجَفّ الخَفَيْدَدِ
حَلَفْت بِرَبّ الرّاقِصَاتِ إلَى مِنًى ... صَوَادِرَ بِالرّكْبَانِ مِنْ هَضْبِ قَرْدَدِ
بِأَنّ رَسُولَ اللّهِ فِينَا مُصَدّقٌ ... رَسُولٌ أَتَى مِنْ عِنْدِ ذِي الْعَرْشِ مُهْتَدِي
فَمَا حَمَلَتْ مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا ... أَشَدّ عَلَى أَعْدَائِهِ مِنْ مُحَمّدِ
وَأَعْطَى إذَا مَا طَالِبُ الْعُرْفِ جَاءَهُ ... وَأَفْضَى بِحَدّ الْمَشْرَفِيّ الْمُهَنّدِ
Sوَذَكَرَ وَفْدَ هَمْدَانَ ، وَمَالِكَ بْنَ نَمَطٍ الْهَمْدَانِيّ الّذِي يُقَالُ لَهُ ذُو الْمِشْعَارِ وَكُنْيَتُهُ أَبُو ثَوْرٍ وَقَعَ فِي النّسْخَةِ وَفِي أَكْثَرِ النّسَخِ وَأَبُو ثَوْرٍ بِالْوَاوِ كَأَنّهُ غَيْرُهُ وَالصّوَابُ سُقُوطُ الْوَاوِ لِأَنّهُ هُوَ هُوَ وَقَدْ يُخَرّجُ إثْبَاتُ الْوَاوِ عَلَى إضْمَارِ هُوَ كَأَنّهُ قَالَ وَهُوَ أَبُو ثَوْرٍ ذُو الْمِشْعَارِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، فَقَالَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ مَالِكٌ ذُو الْمِشْعَارِ وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فَقَالَ هُوَ [ ص 376 ] الْمِشْعَارِ يُكَنّى : أَبَا ثَوْرٍ وَفِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ إلَى مِخْلَافِ خَارِفٍ وَيَامٍ وَأَهْلِ جَنَابِ الْهَضْبِ وَحِقَافِ الرّمْلِ مَعَ وَافِدِهَا ذِي الْمِشْعَارِ مَالِكِ بْنِ نَمَطٍ فَهَذَا كُلّهُ يَدُلّ عَلَى أَنّ الْوَاوَ فِي قَوْلِهِ وَأَبُو ثَوْرٍ ذُو الْمِشْعَارِ لَا مَعْنَى لَهُ . وَقَوْلُهُ عَلَيْهِمْ مُقَطّعَاتُ الْحِبَرَاتِ الْمُقَطّعَاتُ مِنْ الثّيَابِ فِي تَفْسِيرِ أَبِي عُبَيْدٍ ، هِيَ الْقِصَارُ وَاحْتَجّ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ فِي صَلَاةِ الضّحَى إذَا انْقَطَعَتْ الظّلَالُ أَيْ قَصُرَتْ وَبِقَوْلِهِمْ فِي الْأَرَاجِيزِ مُقَطّعَاتٍ وَخَطّأَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي هَذَا التّأْوِيلِ وَقَالَ إنّمَا الْمُقَطّعَاتُ الثّيَابُ الْمَخِيطَةُ كَالْقُمُصِ وَنَحْوِهَا ، سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنّهَا تُقَطّعُ وَتُفَصّلُ ثُمّ تُخَاطُ وَاحْتَجّ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، وَفِيهِ أَنّهُ خَرَجَ وَعَلَيْهِ مُقَطّعَاتٌ يَجُرّهَا ، فَقَالَ لَهُ شَيْخٌ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ لَقَدْ رَأَيْت أَبَاك ، وَكَانَ مُشَمّرًا غَيْرَ جَرّارٍ لِثِيَابِهِ فَقَالَ لَهُ الْفَتَى : لَقَدْ هَمَمْت بِتَقْصِيرِهَا ، فَمَنَعَنِي قَوْلُ الشّاعِرِ فِي أَبِيك : قَصِيرُ الثّيَابِ فَاحِشٌ عِنْدَ ضَيْفِهِ لِشَرّ قُرَيْشٍ فِي قُرَيْشٍ مُرَكّبَا [ ص 377 ] قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَلَا مَعْنَى لِوَصْفِهَا بِالْقِصَرِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ . وَالْمَهْرِيّةُ مَنْسُوبَةٌ إلَى مَهْرَةَ بْنِ حَيْدَانَ بْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ . وَالْأَرْحَبِيّةُ [ ص 378 ] أَرْحَبَ بَطْنٍ مِنْ هَمْدَانَ . وَيَامٌ هُوَ يَامُ بْنُ أُصْبَى ، وَخَارِفُ بْنُ الْحَارِثِ بَطْنَانِ مِنْ هَمْدَانَ يُنْسَبُ إلَى يَامٍ زُبَيْدُ [ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْكَرِيمِ ] الْيَامِيّ الْمُحَدّثُ ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ فِيهِ الْأَيَامِيّ : وَالْفِرَاعُ مَا عَلَا مِنْ الْأَرْضِ . وَالْوِهَاطُ مَا انْخَفَضَ مِنْهَا ، وَاحِدُهَا : وَهْطٌ وَلَعْلَعٌ : اسْمُ جَبَلٍ . وَالصّلّعُ الْأَرْضُ الْمَلْسَاءُ . وَالْخَفَيْدَدُ وَلَدُ النّعَامَةِ . وَالْهِجَفّ : الضّخْمُ . وَذَكَرَ حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ ، وَقَيْسُ بْنُ مَكْشُوحٍ . وَذَكَرَ فِي الشّعْرِ
تُلَاقِ شَنْبَثًا شَثْنَ الْ ... بَرَاثِنِ نَاشِزًا قَتَدَهْ
[ ص 379 ] أَلْفَيْت بِخَطّ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ قَالَ قَالَ الْقَاضِي : لَا أَعْرِفُ شَنْبَثًا الْآنَ وَلَعَلّهُ تُلَاقِ شَرْ نَبَثًا ، وَجَزَمَ تُلَاقِ لِمَا فِي قَوْلِهِ فَلَوْ لَاقَيْتنِي مِنْ قُوّةِ الشّرْطِ فَكَأَنّهُ أَرَادَ إنْ لَاقَيْتنِي تُلَاقِ .
ذِكْرُ الْكَذّابَيْنِ مُسَيْلِمَةَ الْحَنَفِيّ وَالْأَسْوَدِ الْعَنْسِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ تَكَلّمَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَذّابَانِ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ بِالْيَمَامَةِ فِي حَنِيفَةَ وَالْأَسْوَدُ بْنُ كَعْبٍ الْعَنْسِيّ بِصَنْعَاءَ .
رُؤْيَا الرّسُولِ فِيهِمَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَوْ أَخِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ عَلَى مِنْبَرِهِ وَهُوَ يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ رَأَيْت لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمّ أُنْسِيتهَا ، وَرَأَيْت فِي ذِرَاعَيّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَرِهْتهمَا ، فَنَفَخْتهمَا فَطَارَا ، فَأَوّلْتهمَا هَذَيْنِ الْكَذّابَيْنِ صَاحِبَ الْيَمَنِ ، وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ
حَدِيثُ الرّسُولِ عَنْ الدّجّالِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ دَجّالًا كُلّهُمْ يَدّعِي النّبُوّةَ
خُرُوجُ الْأُمَرَاءِ وَالْعُمّالِ عَلَى الصّدَقَاتِ
الْأُمَرَاءُ وَأَسْمَاءُ الْعُمّالِ وَمَا تَوَلّوْهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ بَعَثَ أُمَرَاءَهُ وَعُمّالَهُ عَلَى الصّدَقَاتِ إلَى كُلّ مَا أَوْطَأَ الْإِسْلَامُ مِنْ الْبُلْدَانِ فَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيّة بْنِ الْمُغِيرَةِ إلَى صَنْعَاءَ ، [ ص 378 ] فَخَرَجَ عَلَيْهِ الْعَنْسِيّ وَهُوَ بِهَا ، وَبَعَثَ زِيَادَةَ بْنَ لَبِيدٍ أَخَا بَنِي بَيَاضَةَ الْأَنْصَارِيّ إلَى حَضْرَمَوْتَ وَعَلَى صَدَقَاتِهَا ؛ وَبَعَثَ عَدِيّ بْنَ حَاتِمٍ عَلَى طَيّئٍ وَصَدَقَاتِهَا ، وَعَلَى بَنِي أَسَدٍ ، وَبَعَثَ مَالِكَ بْنَ نُوَيْرَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْيَرْبُوعِيّ - عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي حَنْظَلَةَ وَفَرّقَ صَدَقَةَ بَنِي سَعْدٍ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ فَبَعَثَ الزّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ عَلَى نَاحِيَةٍ مِنْهَا ، وَقَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ عَلَى نَاحِيَةٍ وَكَانَ قَدْ بَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ عَلَى الْبَحْرَيْنِ ، وَبَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ إلَى أَهْلِ نَجْرَانَ ، لِيَجْمَعَ صَدَقَتَهُمْ وَيَقْدَمَ عَلَيْهِ بِجِزْيَتِهِمْ .
كِتَابُ مُسَيْلِمَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ
وَقَدْ كَانَ مُسَيْلِمَةُ بْنُ حَبِيبٍ قَدْ كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مِنْ مُسَيْلِمَةَ رَسُولِ اللّهِ إلَى مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ : سَلَامٌ عَلَيْك ، أَمّا بَعْدُ فَإِنّي قَدْ أُشْرِكْت فِي الْأَمْرِ مَعَك ، وَإِنّ لَنَا نِصْفَ الْأَرْضِ وَلِقُرَيْشٍ نِصْفَ الْأَرْضِ وَلَكِنّ قُرَيْشًا قَوْمٌ يَعْتَدُونَ " . فَقَدِمَ عَلَيْهِ رَسُولَانِ لَهُ بِهَذَا الْكِتَابِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَشْجَعَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ عَنْ أَبِيهِ نُعَيْمٍ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَهُمَا حِينَ قَرَأَ كِتَابَهُ فَمَا تَقُولَانِ أَنْتُمَا ؟ " قَالَا : نَقُولُ كَمَا قَالَ فَقَالَ " أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنّ الرّسُلَ لَا تُقْتَلُ لَضَرَبْت أَعْنَاقَكُمَا " . ثُمّ كَتَبَ إلَى مُسَيْلِمَةَ " بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ ، إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ : السّلَامُ عَلَى مَنْ اتّبَعَ الْهُدَى . أَمّا بَعْدُ الْأَرْضُ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ [ ص 379 ]
حَجّةُ الْوَدَاعِ
تَجَهّزُ الرّسُولِ وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا دُجَانَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الْقَعْدَةِ تَجَهّزَ لِلْحَجّ وَأَمَرَ النّاسَ بِالْجَهَازِ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْحَجّ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا دُجَانَةَ السّاعِدِيّ وَيُقَالُ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ .
مَا أَمَرَ بِهِ الرّسُولُ عَائِشَةَ فِي حَيْضِهَا
[ ص 381 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَا يَذْكُرُ وَلَا يَذْكُرُ النّاسُ إلّا الْحَجّ حَتّى إذَا كَانَ بِسَرِفَ وَقَدْ سَاقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ الْهَدْيَ وَأَشْرَافٌ مِنْ أَشْرَافِ النّاسِ أَمَرَ النّاسَ أَنْ يُحِلّوا بِعُمْرَةٍ إلّا مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ قَالَتْ وَحِضْت ذَلِكَ الْيَوْمَ فَدَخَلَ عَلَيّ وَأَنَا أَبْكِي ، فَقَالَ مَا لَك يَا عَائِشَةُ ؟ لَعَلّك نُفِسْت ؟ قَالَتْ قُلْت : نَعَمْ وَاَللّهِ لَوَدِدْت أَنّي لَمْ أَخْرُجْ مَعَكُمْ عَامِي فِي هَذَا السّفَرِ فَقَالَ " لَا تَقُولِنّ ذَاكَ فَإِنّك تَقْضِينَ كُلّ مَا يَقْضِي الْحَاجّ إلّا أَنّك لَا تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ . قَالَتْ وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ ، فَحَلّ كُلّ مَنْ كَانَ لَا هَدْيَ مَعَهُ وَحَلّ نِسَاؤُهُ بِعُمْرَةٍ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ النّحْرِ أُتِيت بِلَحْمِ بَقَرٍ كَثِيرٍ فَطُرِحَ فِي بَيْتِي ، فَقُلْت : مَا هَذَا ؟ قَالُوا : ذَبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ حَتّى إذَا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ بَعَثَ بِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ أَخِي عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَأَعْمَرَنِي مِنْ التّنْعِيمِ ، مَكَانَ عُمْرَتِي الّتِي فَاتَتْنِي . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ قَالَتْ لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءَهُ أَنْ يَحْلُلْنَ بِعُمْرَةٍ قُلْنَ فَمَا يَمْنَعُك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ تَحِلّ مَعَنَا ؟ فَقَالَ " إنّي أَهْدَيْت وَلَبّدْت ، فَلَا أَحِلّ حَتّى أَنْحَرَ هَدْيِي .
Sحَجّةُ الْوَدَاعِ
[ ص 380 ] ذَكَرَ فِيهَا حَدِيثَ عَائِشَةَ وَقَوْلَهَا : فَأَهْلَلْنَا بِالْحَجّ وَمَا نَذْكُرُ إلّا أَمْرَ الْحَجّ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُمْ أَفْرَدُوا ، وَقَدْ بَيّنَ ذَلِكَ جَابِرٌ فِي حَدِيثِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفْرَدَ الْحَجّ وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ فِيهَا لِينٌ عَنْ جَابِرٍ أَنّهُ قَالَ قَرَنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَطَافَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا ، وَسَعَى لَهُمَا سَعْيًا وَاحِدًا رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ ، وَرُوِيَ أَيْضًا أَنّ جَابِرًا قَالَ حَجّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَ حَجّاتٍ حَجّتَيْنِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَحَجّتَهُ الّتِي قَرَنَهَا بِعُمْرَتِهِ وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ فَصَحِيحٌ وَقَالَ فِيهِ طَافَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ حَجّتِهِ وَعُمْرَتِهِ طَوَافًا وَاحِدًا [ ص 381 ] عَلِيّ فَرُوِيَ عَنْهُ أَنّهُ طَافَ عَنْهُمَا طَوَافَيْنِ وَلَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ قَارِنًا ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ قَارِنًا ، وَأَمّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَصَرّحَ فِيهِ بِأَنّهُ كَانَ قَارِنًا ، وَقَالَ مَا تَعُدّونَا إلّا صِبْيَانًا سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَصْرُخُ بِهِمَا جَمِيعًا يَعْنِي الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ فَاخْتَلَفَتْ الرّوَايَاتُ فِي إحْرَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا تَرَى : هَلْ كَانَ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا ، أَوْ مُتَمَتّعًا ، وَكُلّهَا صِحَاحٌ إلّا مَنْ قَالَ كَانَ مُتَمَتّعًا ، وَأَرَادَ بِهِ أَنّهُ أَهَلّ بِعُمْرَةٍ وَأَمّا مَنْ قَالَ تَمَتّعَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَيْ أَمَرَ بِالتّمَتّعِ وَفَسْخِ الْحَجّ بِالْعُمْرَةِ فَقَدْ يَصِحّ هَذَا التّأْوِيلُ وَيَصِحّ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ تَمَتّعَ إذَا قَرَنَ ، لِأَنّ الْقِرَانَ ضَرْبٌ مِنْ الْمُتْعَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ إسْقَاطِ أَحَدِ السّفَرَيْنِ . وَاَلّذِي يَرْفَعُ الْإِشْكَالَ حَدِيثُ الْبُخَارِيّ [ ص 382 ] أَهَلّ بِالْحَجّ ، فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ لَهُ إنّك بِهَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ فَقُلْ لَبّيْكَ بِحَجّ وَعُمْرَةٍ مَعًا فَقَدْ صَارَ قَارِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُفْرِدًا ، وَصَحّ الْقَوْلَانِ جَمِيعًا ، وَأَمْرُهُ لِأَصْحَابِهِ أَنْ يَفْسَخُوا الْحَجّ بِالْعُمْرَةِ خُصُوصٌ لَهُمْ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِمْ أَنْ يَفْعَلَهُ وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ لِيُذْهِبَ مِنْ قُلُوبِهِمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ فِي تَحْرِيمِهِمْ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ فَكَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَيَقُولُونَ إذَا بَرَأَ الدّبَرُ ، وَعَفَا الْأَثَرُ وَانْسَلَخَ صَفَرُ حَلّتْ الْعُمْرَةُ لِمَنْ اعْتَمَرَ وَلَمْ يَفْسَخْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَجّهُ كَمَا فَعَلَ أَصْحَابُهُ لِأَنّهُ سَاقَ الْهَدْيَ وَقَلّدَهُ وَاَللّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ { حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ } [ الْبَقَرَةَ 196 ] وَقَالَ حِينَ رَأَى أَصْحَابَهُ قَدْ شَقّ عَلَيْهِمْ خِلَافُهُ لَوْ اسْتَقْبَلْت مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْت لَجَعَلْتهَا عُمْرَةً وَلَمَا سُقْت الْهَدْي قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إنّمَا نَدِمَ عَلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَسْهَلُ وَأَرْفَقُ لَا عَلَى تَرْكِ مَا هُوَ أَفْضَلُ وَأَوْفَقُ وَذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنْ كَرَاهَةِ أَصْحَابِهِ لِمُخَالَفَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنْ أَصْحَابِهِ إلّا طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، فَلَمْ يَحِلّ حَتّى نَحَرَ وَعَلِيّ أَيْضًا أَتَى مِنْ الْيَمَنِ وَسَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلّ إلّا بِإِحْلَالِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
مُوَافَاةُ عَلِيّ فِي قُفُولِهِ مِنْ الْيَمَنِ رَسُولَ اللّهِ فِي الْحَجّ
بِهِ مَا أَمَرَ الرّسُولُ عَلِيّا مِنْ أُمُورِ الْحَجّ
[ ص 382 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ بَعَثَ عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى نَجْرَانَ ، فَلَقِيَهُ بِمَكّةَ وَقَدْ أَحْرَمَ فَدَخَلَ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، فَوَجَدَهَا قَدْ حَلّتْ وَتَهَيّأَتْ فَقَالَ مَا لَك يَا بِنْتَ رَسُولِ اللّهِ ؟ قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ نَحِلّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَلْنَا . ثُمّ أَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ سَفَرِهِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ ، وَحِلّ كَمَا حَلّ أَصْحَابُك . قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَهْلَلْتُ كَمَا أَهْلَلْتَ فَقَالَ ارْجِعْ فَاحْلِلْ كَمَا حَلّ أَصْحَابُك ؛ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قُلْت حِينَ أَحْرَمْت : اللّهُمّ إنّي أُهِلّ بِمَا أَهَلّ بِهِ نَبِيّك وَعَبْدُك وَرَسُولُك مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " فَهَلْ مَعَك مِنْ هَدْيٍ ؟ " قَالَ لَا . فَأَشْرَكَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي هَدْيِهِ وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى فَرَغَا مِنْ الْحَجّ وَنَحَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْهَدْيَ عَنْهُمَا
شَكَا عَلِيّا جُنْدُهُ إلَى الرّسُولِ لِانْتِزَاعِهِ عَنْهُمْ حُلَلًا مِنْ بَزّ الْيَمَنِ
[ ص 383 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ قَالَ لَمّا أَقْبَلَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ الْيَمَنِ لِيَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ تَعَجّلَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى جُنْدِهِ الّذِينَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَعَمَدَ ذَلِكَ الرّجُلُ فَكَسَا كُلّ رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ حُلّةً مِنْ الْبَزّ الّذِي كَانَ مَعَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . فَلَمّا دَنَا جَيْشُهُ خَرَجَ لِيَلْقَاهُمْ فَإِذَا عَلَيْهِمْ الْحُلَلُ قَالَ وَيْلَك مَا هَذَا ؟ قَالَ كَسَوْت الْقَوْمَ لِيَتَجَمّلُوا بِهِ إذَا قَدِمُوا فِي النّاسِ قَالَ وَيْلَك انْزِعْ قَبْلَ أَنْ تَنْتَهِيَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَانْتَزَعَ الْحُلَلَ مِنْ النّاسِ فَرَدّهَا فِي الْبَزّ قَالَ وَأَظْهَرَ الْجَيْشُ شَكْوَاهُ لِمَا صَنَعَ بِهِمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبٍ وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ اشْتَكَى النّاسُ عَلِيّا رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِينَا خَطِيبًا ، فَسَمِعْته يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ لَا تَشْكُوا عَلِيّا ، فَوَاَللّهِ إنّهُ لَأَخْشَنُ فِي ذَاتِ اللّهِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللّهِ مِنْ أَنْ يُشْكَى
خُطْبَةُ الرّسُولِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَجّهِ فَأَرَى النّاسَ مَنَاسِكَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ سُنَنَ حَجّهِمْ وَخَطَبَ النّاسَ خُطْبَتَهُ الّتِي بَيّنَ فِيهَا مَا بَيّنَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ [ ص 384 ] أَيّهَا النّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي ، فَإِنّي لَا أَدْرِي لَعَلّي لَا أَلْقَاكُمْ بَعْدَ عَامِي هَذَا بِهَذَا الْمَوْقِفِ أَبَدًا ، أَيّهَا النّاسُ إنّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، وَكَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا ، وَإِنّكُمْ سَتَلْقَوْنَ رَبّكُمْ فَيَسْأَلُكُمْ عَنْ أَعْمَالِكُمْ وَقَدْ بَلّغْت ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ فَلْيُؤَدّهَا إلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ عَلَيْهَا ، وَإِنّ كُلّ رِبًا مَوْضُوعٌ وَلَكِنْ لَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ . قَضَى اللّهُ أَنّهُ لَا رِبَا ، وَإِنّ رِبَا عَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَوْضُوعٌ كُلّهُ وَأَنّ كُلّ دَمٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ مَوْضُوعٌ وَإِنّ أَوّلَ دِمَائِكُمْ أَضَعُ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَكَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي لَيْثٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ فَهُوَ أَوّلُ مَا أَبْدَأُ بِهِ مِنْ دِمَاءِ الْجَاهِلِيّةِ . أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّ الشّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ مِنْ أَنْ يُعْبَدَ بِأَرْضِكُمْ هَذِهِ أَبَدًا ، وَلَكِنّهُ إنْ يُطَعْ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَقَدْ رَضِيَ بِهِ بِمَا تُحَقّرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَاحْذَرُوهُ عَلَى دِينِكُمْ أَيّهَا النّاسُ إنّ النّسِيءَ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا ، يُحِلّونَهُ عَامًا وَيُحَرّمُونَهُ عَامًا ، لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ مَا حَرّمَ اللّهُ فَيُحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ وَيُحَرّمُوا مَا أَحَلّ اللّهُ . إنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَإِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا ، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ثَلَاثَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَرَجَبُ مُضَرَ ، الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ . أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاس ، فَإِنّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقّا ، وَلَهُنّ عَلَيْكُمْ حَقّا ، لَكُمْ عَلَيْهِنّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ وَعَلَيْهِنّ أَنْ لَا يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَإِنّ اللّهَ قَدْ أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تَهْجُرُوهُنّ فِي الْمَضَاجِعِ وَتَضْرِبُوهُنّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرّحٍ فَإِنْ انْتَهَيْنَ فَلَهُنّ رِزْقُهُنّ وَكُسْوَتُهُنّ بِالْمَعْرُوفِ وَاسْتَوْصُوا بِالنّسَاءِ خَيْرًا ، فَإِنّهُنّ عِنْدَكُمْ عَوَانٌ لَا يَمْلِكْنَ لِأَنْفُسِهِنّ شَيْئًا ، وَإِنّكُمْ إنّمَا أَخَذْتُمُوهُنّ بِأَمَانَةِ اللّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنّ بِكَلِمَاتِ اللّهِ فَاعْقِلُوا أَيّهَا النّاسُ قَوْلِي ، فَإِنّي قَدْ بَلّغْت ، وَقَدْ تَرَكْت فِيكُمْ مَا إنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ فَلَنْ تَضِلّوا أَبَدًا ، أَمْرًا بَيّنًا ، كِتَابَ اللّهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ . أَيّهَا النّاسُ اسْمَعُوا قَوْلِي وَاعْقِلُوهُ تَعَلّمُنّ أَنّ كُلّ مُسْلِمٍ أَخٌ لِلْمُسْلِمِ وَأَنّ الْمُسْلِمِينَ إخْوَةٌ فَلَا يَحِلّ لِامْرِئٍ مِنْ أَخِيهِ إلّا مَا أَعْطَاهُ عَنْ طِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ فَلَا تَظْلِمُنّ أَنْفُسَكُمْ اللّهُمّ هَلْ بَلّغْت ؟ فَذُكِرَ لِي أَنّ النّاسَ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " اللّهُمّ ا شْهَدْ
اسْمُ الصّارِخِ بِكَلَامِ الرّسُولِ وَمَا كَانَ يُرَدّدُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ كَانَ الرّجُلُ الّذِي يَصْرُخُ فِي النّاسِ بِقَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِعَرَفَةَ رَبِيعَةَ بْنَ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ . قَالَ يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 385 ] قُلْ يَا أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ هَلّا تَدْرُونَ أَيّ شَهْرٍ هَذَا ؟ " فَيَقُولُ لَهُمْ فَيَقُولُونَ الشّهْرُ الْحَرَامُ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ " إنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ شَهْرِكُمْ هَذَا " ؛ ثُمّ يَقُولُ قُلْ " يَا أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ هَلْ تَدْرُونَ أَيّ بَلَدٍ هَذَا ؟ " قَالَ فَيَصْرُخُ بِهِ قَالَ فَيَقُولُونَ الْبَلَدُ الْحَرَامُ ، قَالَ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ " إنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ بَلَدِكُمْ هَذَا " . قَالَ ثُمّ يَقُولُ قُلْ " يَا أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ هَلْ تَدْرُونَ أَيّ يَوْمٍ هَذَا ؟ قَالَ فَيَقُولُهُ لَهُمْ . فَيَقُولُونَ يَوْمُ الْحَجّ الْأَكْبَرِ قَالَ فَيَقُولُ قُلْ لَهُمْ إنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ إلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبّكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا .
رِوَايَةُ ابْنِ خَارِجَةَ عَمّا سَمِعَهُ مِنْ الرّسُولِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي لَيْثُ بْنُ أَبَى سُلَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الْأَشْعَرِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ خَارِجَةَ قَالَ بَعَثَنِي عَتّابُ بْنُ أُسَيْدٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَاجَةٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ فَبَلَغْته ، ثُمّ وَقَفْت تَحْتَ نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّ لُغَامَهَا لَيَقَعُ عَلَى رَأْسِي ، فَسَمِعْته وَهُوَ يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ قَدْ أَدّى إلَى كُلّ ذِي حَقّ حَقّهُ وَإِنّهُ لَا تَجُوزُ وَصِيّةٌ لِوَارِثٍ وَالْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ، وَمَنْ ادّعَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ أَوْ تَوَلّى غَيْرَ مَوَالِيهِ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنّاسِ أَجْمَعِينَ لَا يَقْبَلُ اللّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا
بَعْضُ تَعْلِيمِ الرّسُولِ فِي الْحَجّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ وَقَفَ بِعَرَفَةَ قَالَ هَذَا الْمَوْقِفُ لِلْجَبَلِ الّذِي هُوَ عَلَيْهِ وَكُلّ عَرَفَةَ مَوْقِفٌ وَقَالَ حِينَ وَقَفَ عَلَى قُزَحَ صَبِيحَةَ الْمُزْدَلِفَةِ : هَذَا الْمَوْقِفُ وَكُلّ الْمُزْدَلِفَةِ مَوْقِفٌ ثُمّ لَمّا نَحَرَ بِالْمَنْحَرِ بِمِنًى قَالَ هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلّ مِنًى مَنْحَرٌ فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَجّ وَقَدْ أَرَاهُمْ مَنَاسِكَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ مَا فَرَضَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَجّهِمْ مِنْ الْمَوْقِفِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَطَوَافٍ بِالْبَيْتِ وَمَا أُحِلّ لَهُمْ مِنْ حَجّهِمْ وَمَا حُرّمَ عَلَيْهِمْ فَكَانَتْ حَجّةَ الْبَلَاغِ وَحَجّةَ الْوَدَاعِ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَحُجّ بَعْدَهَا .
S[ ص 383 ] وَرَجَبُ مُضَرَ الّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ إنّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنّ رَبِيعَةَ كَانَتْ تُحْرِمُ فِي رَمَضَانَ وَتُسَمّيهِ رَجَبًا مِنْ رَجِبْت الرّجُلَ وَرَجّبْتُهُ إذَا عَظّمْته ، وَرَجَبْت النّخْلَةَ إذَا دَعّمْتهَا ، فَبَيّنَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ رَجَبُ مُضَرَ لَا رَجَبُ رَبِيعَةَ ، وَأَنّهُ [ ص 384 ] إنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ وَتَقَدّمَ اسْمُ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمُسْتَرْضَعِ فِي هُذَيْلٍ ، وَأَنّ اسْمَهُ آدَمُ وَقِيلَ تَمّامٌ وَكَانَ سَبَبَ قَتْلِهِ حَرْبٌ كَانَتْ بَيْنَ قَبَائِلِ هُذَيْلٍ تَقَاذَفُوا فِيهَا بِالْحِجَارَةِ فَأَصَابَ الطّفْلَ حَجَرٌ وَهُوَ يَحْبُو بَيْنَ الْبُيُوتِ كَذَلِكَ ذَكَرَ الزّبَيْرُ .
بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَفَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحِجّةِ وَالْمُحَرّمَ وَصَفَرَ وَضَرَبَ عَلَى النّاسِ بَعْثًا إلَى الشّامِ ، وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَاهُ [ ص 386 ] وَأَمَرَهُ أَنْ يُوطِئَ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدّارُومِ مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ ، فَتَجَهّزَ النّاسُ وَأَوْعَبَ مَعَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوّلُونَ .
Sبَعْثُ أُسَامَةَ
[ ص 385 ] وَأَمّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ عَلَى جَيْشٍ كَثِيفٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يُغِيرَ عَلَى أُبْنَى صَبَاحًا ، وَأَنْ يُحَرّفَ . وَأُبْنَا ، هِيَ الْقَرْيَةُ الّتِي عِنْدَ مُؤْتَةَ حَيْثُ قُتِلَ أَبُوهُ زَيْدٌ وَلِذَلِكَ أَمّرَهُ عَلَى حَدَاثَةِ سِنّهِ [ ص 386 ] لِيُدْرِكَ ثَأْرَهُ وَطَعَنَ فِي إمَارَتِهِ أَهْلُ الرّيْبِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَيْمُ اللّهِ إنّهُ لَخَلِيقٌ بِالْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا بِهَا وَإِنّمَا طَعَنُوا فِي إمْرَتِهِ لِأَنّهُ مَوْلًى مَعَ حَدَاثَةِ سِنّهِ لِأَنّهُ كَانَ إذْ ذَاكَ ابْنَ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَسْوَدَ الْجِلْدَةِ وَكَانَ أَبُوهُ أَبْيَضَ صَافِيَ الْبَيَاضِ ، نَزَعَ فِي اللّوْنِ إلَى أُمّهِ بَرَكَةَ وَهِيَ أُمّ أَيْمَنَ وَقَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُهَا ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحِبّهُ وَيَمْسَحُ خَشْمَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ بِثَوْبِهِ وَعَثَرَ يَوْمًا فَأَصَابَهُ جُرْحٌ فِي رَأْسِهِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمُصّ دَمَهُ وَيَمُجّهُ وَيَقُولُ لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلّيْنَاهَا ، حَتّى يُرْغَبَ فِيهَا وَكَانَ يُسَمّى الْحِبّ مِنْ الْحُبّ .



إِرْسَالُ رَسُولِ اللّهِ إلَى الْمُلُوكِ
تَذْكِيرُ الرّسُولِ قَوْمَهُ بِمَا حَدَثَ لِلْحَوَارِيّينَ حِينَ اخْتَلَفُوا عَلَى عِيسَى
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى الْمُلُوكِ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَتَبَ مَعَهُمْ إلَيْهِمْ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ . [ ص 387 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيّ قَالَ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ عُمْرَتِهِ الّتِي صُدّ عَنْهَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَقَالَ أ َيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ قَدْ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافّةً فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ . فَقَالَ أَصْحَابُهُ وَكَيْف اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ دَعَاهُمْ إلَى الّذِي دَعَوْتُكُمْ إلَيْهِ فَأَمّا مَنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا قَرِيبًا فَرَضِيَ وَسَلّمَ وَأَمّا مَنْ بَعَثَهُ مَبْعَثًا بَعِيدًا فَكَرِهَ وَجْهَهُ وَتَثَاقَلَ فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى إلَى اللّهِ فَأَصْبَحَ الْمُتَثَاقِلُونَ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَتَكَلّمُ بِلُغَةِ الْأُمّةِ الّتِي بُعِثَ إلَيْهَا
Sإرْسَالُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمُلُوكِ
الْحَوَارِيّونَ
[ ص 388 ] ذَكَرَ فِيهِ إرْسَالَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ الْحَوَارِيّينَ وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْحَوَارِيّينَ أَنّ [ ص 387 ] الصّافِي مِنْ كُلّ شَيْءٍ وَمِنْهُ الْحَوَارِيّ ، وَالْحُورُ وَقَوْلُ الْمُفَسّرِينَ هُوَ الْخُلْصَانُ كَلِمَةٌ فَصَيْحَةٌ أَنْشَدَ أَبُو حَنِيفَةَ
خَلِيلَيّ خُلْصَانَيّ لَمْ يَبْقَ حِسّهَا ... مِنْ الْقَلْبِ إلّا عُوّذًا سَبَبًا
لَهَا قَالَ وَالْعُوّذُ مَا لَمْ تُدْرِكْهُ الْمَاشِيَةُ لِارْتِفَاعِهِ أَوْ لِأَنّهُ بِأَهْدَافٍ فَكَأَنّهُ قَدْ عَاذَ مِنْهَا .
مَعْنَى الْمَسِيحِ وَنِهَايَتُهُ
وَأَصَحّ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْمَسِيحِ عَلَى كَثْرَةِ الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ أَنّهُ الصّدّيقُ بِلُغَتِهِمْ ثُمّ عَرّبَتْهُ الْعَرَبُ . وَكَانَ إرْسَالُ الْمَسِيحِ لِلْحَوَارِيّينَ بَعْدَ مَا رُفِعَ وَصُلِبَ الّذِي شُبّهَ بِهِ فَجَاءَتْ مَرْيَمُ الصّدّيقَةُ وَالْمَرْأَةُ الّتِي كَانَتْ مَجْنُونَةً فَأَبْرَأَهَا الْمَسِيحُ وَقَعَدَتَا عِنْدَ الْجِذْعِ تَبْكِيَانِ وَقَدْ أَصَابَ أُمّهُ مِنْ الْحُزْنِ عَلَيْهِ مَا لَا يَعْلَمُ عِلْمَهُ إلّا اللّهُ فَأُهْبِطَ إلَيْهِمَا ، وَقَالَ عَلَامَ تَبْكِيَانِ ؟ فَقَالَتَا : عَلَيْك ، فَقَالَ إنّي لَمْ أُقْتَلْ وَلَمْ أُصْلَبْ وَلَكِنّ اللّهَ رَفَعَنِي وَكَرّمَنِي ، وَشُبّهَ عَلَيْهِمْ فِي أَمْرِي ، أَبْلِغَا عَنّي الْحَوَارِيّينَ أَمْرِي ، أَنْ يَلْقَوْنِي فِي مَوْضِعِ كَذَا لَيْلًا ، فَجَاءَ الْحَوَارِيّونَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ فَإِذَا الْجَبَلُ قَدْ اشْتَعَلَ نُورًا لِنُزُولِهِ بِهِ ثُمّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْعُوا النّاسَ إلَى دِينِهِ وَعِبَادَةِ رَبّهِمْ فَوَجّهَهُمْ إلَى الْأُمَمِ الّتِي ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ ثُمّ كُسِيَ كُسْوَةَ الْمَلَائِكَةِ فَعَرَجَ مَعَهُمْ فَصَارَ مَلَكِيّا إنْسِيّا سَمَائِيّا أَرْضِيّا . [ ص 388 ] وَذَكَرَ فِي الْأُمَمِ الْأُمّةَ الّذِينَ يَأْكُلُونَ النّاسَ وَهُمْ مِنْ الْأَسَاوِدَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ . أُسْطُورَةُ زُرَيْبٍ وَذَكَرَ فِي الْحَوَارِيّينَ زُرَيْبَ بْنَ بَرْثُمْلِي وَهُوَ الّذِي عَاشَ إلَى زَمَنِ عُمَرَ وَسَمِعَ نَضْلَةَ بْنَ مُعَاوِيَةَ أَذَانَهُ فِي الْجَبَلِ فَكَلّمَهُ فَإِذَا رَجُلٌ عَظِيمُ الْخَلْقِ رَأْسُهُ كَدُورِ الرّحَى ، فَسَأَلَ نَضْلَةَ وَالْجَيْشَ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : قُبِضَ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ فَقَالُوا : قُبِضَ ثُمّ سَأَلَهُمْ عَنْ عُمَرَ فَقَالُوا : هُوَ حَيّ ، وَنَحْنُ جَيْشُهُ فَقَالَ لَهُمْ " أَقْرِئُوهُ مِنّي السّلَامَ ثُمّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُبَلّغُوا عَنْهُ وَصَايَا كَثِيرَةً وَأَنْ يُحَذّرَ النّاسَ مِنْ خِصَالٍ إذَا ظَهَرَتْ فِي أُمّةِ مُحَمّدٍ فَقَدْ قَرُبَ الْأَمْرُ وَمِنْهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَأَنْ يَكْتَفِيَ الرّجَالُ بِالرّجَالِ وَالنّسَاءُ بِالنّسَاءِ " . وَذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا الْمَعَازِفَ وَالْقِيَانَ وَأَشْيَاءَ غَيْرَ هَذِهِ فَقَالُوا لَهُ مَنْ أَنْتَ يَرْحَمُك اللّهُ ؟ فَقَالَ زُرَيْبُ بْنُ بَرْثُمْلِي حَوَارِيّ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ دَعَوْت اللّهَ أَنْ يُحْيِيَنِي ، حَتّى أَرَى أُمّةَ مُحَمّدٍ أَوْ نَحْوَ هَذَا الْكَلَامِ وَقَدْ أَرَدْت الْخُلُوصَ إلَى أُمّةِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ أَسْتَطِعْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْكُفّارُ . وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا أَنّ عُمَرَ قَالَ لِنَضْلَةَ إنْ لَقِيته فَأَقْرِئْهُ مِنّي السّلَامَ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّ بِذَلِكَ الْجَبَلِ وَصِيّا مِنْ أَوْصِيَاءِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ وَالْخَبَرُ بِهَذَا مَشْهُورٌ عَنْهُ " ، وَفِيهِ طُولٌ فَاخْتَصَرْنَاهُ وَيُقَالُ إنّهُ الْآنَ حَيّ . وَمَنْ قَالَ إنّ الْخَضِرَ وَإِلْيَاسَ قَدْ مَاتَا ، فَمِنْ أَصْلِهِ أَيْضًا أَنّ زُرَيْبًا قَدْ مَاتَ لِأَنّهُمْ يَحْتَجّونَ بِالْحَدِيثِ الصّحِيحِ إلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ لَا يَبْقَى عَلَى الْأَرْضِ مِمّنْ هُوَ عَلَيْهَا أَحَدٌ .
أَسْمَاءُ الرّسُلِ وَمَنْ أُرْسِلُوا إلَيْهِمْ [ ص 389 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُسُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَتَبَ مَعَهُمْ كُتُبًا إلَى الْمُلُوكِ يَدْعُوهُمْ فِيهَا إلَى الْإِسْلَامِ . فَبَعَثَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ إلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ . وَبَعَثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حُذَافَةَ السّهْمِيّ إلَى كِسْرَى ، مَلِكِ فَارِسَ ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ إلَى النّجَاشِيّ ، مَلِكِ الْحَبَشَةِSرَسُولُهُ إلَى النّجَاشِيّ وَقَيْصَرَ
[ ص 389 ] وَذَكَرَ إرْسَالَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ إلَى النّجَاشِيّ ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذِكْرَ مَا قَالَ وَمَا قِيلَ لَهُ وَكَذَلِكَ ذَكَرْنَا خَبَرَ سَلِيطٍ مَعَ هَوْذَةَ وَمَا قَالَ لَهُ وَخَبَرَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُذَافَةَ مَعَ كِسْرَى ، وَكَلَامَهُ مَعَهُ وَنَذْكُرُ هُنَا بَقِيّةَ الْإِرْسَالِ وَكَلَامَهُمْ فَمِنْهُمْ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ ، فَقَدِمَ دِحْيَةُ عَلَى قَيْصَرَ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى هَذَا الِاسْمِ أَعْنِي اسْمَ دِحْيَةَ وَاسْمَ قَيْصَرَ فِيمَا مَضَى مِنْ الْكِتَابِ فَلَمّا قَدِمَ دِحْيَةُ عَلَى قَيْصَرَ قَالَ لَهُ " يَا قَيْصَرُ أَرْسَلَنِي إلَيْك مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك ، وَاَلّذِي أَرْسَلَهُ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَمِنْك ، فَاسْمَعْ بِذُلّ ثُمّ أَجِبْ بِنُصْحٍ فَإِنّك إنْ لَمْ تَذْلِلْ لَمْ تَفْهَمْ وَإِنْ لَمْ تَنْصَحْ لَمْ تُنْصِفْ قَالَ هَاتِ قَالَ هَلْ تَعْلَمُ أَكَانَ الْمَسِيحُ يُصَلّي ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنّي أَدْعُوك إلَى مَنْ كَانَ الْمَسِيحُ يُصَلّي لَهُ وَأَدْعُوك إلَى مَنْ دَبّرَ خَلْقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْمَسِيحُ فِي بَطْنِ أُمّهِ وَأَدْعُوك إلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي بَشّرَ بِهِ مُوسَى ، وَبَشّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ بَعْدَهُ وَعِنْدَك مِنْ ذَلِكَ أَثَارَةٌ مِنْ عِلْمٍ تَكْفِي مِنْ الْعِيَانِ وَتَشْفِي مِنْ الْخَبَرِ ، فَإِنْ أَجَبْت [ ص 390 ] كَانَتْ لَك الدّنْيَا وَالْآخِرَةُ وَإِلّا ذَهَبَتْ عَنْك الْآخِرَةُ وَشُورِكْت فِي الدّنْيَا ، وَاعْلَمْ أَنّ لَك رَبّا يَقْصِمُ الْجَبَابِرَةَ وَيُغَيّرُ النّعَمَ " ، فَأَخَذَ قَيْصَرُ الْكِتَابَ فَوَضَعَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَرَأْسِهِ وَقَبّلَهُ ثُمّ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا تَرَكْت كِتَابًا إلّا وَقَرَأْته ، وَلَا عَالِمًا إلّا سَأَلْته ، فَمَا رَأَيْت إلّا خَيْرًا ، فَأَمْهِلْنِي حَتّى أَنْظُرَ مَنْ كَانَ الْمَسِيحُ يُصَلّي لَهُ فَإِنّي أَكْرَهُ أَنْ أُجِيبَك الْيَوْمَ بِأَمْرٍ أَرَى غَدًا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنْهُ فَأَرْجِعَ عَنْهُ فَيَضُرّنِي ذَلِكَ وَلَا يَنْفَعَنِي ، أَقِمْ حَتّى أَنْظُرَ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَتَاهُ وَفَاةُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَفِي غَزْوَة ِ تَبُوكَ بَقِيّةُ حَدِيثِ قَيْصَرَ فَانْظُرْهُ هُنَالِكَ

----------------------

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق