*3*الوليد بن المغيرة
يبدأ بهدم الكعبة
|
@ ثم إن الناس هابوا
هدمها وفرقوا منه ، فقال الوليد بن المغيرة : أنا أبدؤكم في هدمها ، فأخذ المعول
، ثم قام عليها ، وهو يقول : اللهم لم ترع - قال ابن (2/ 17) هشام : ويقال : لم
نزغ - اللهم إنا لا نريد إلا الخير . ثم هدم من ناحية الركنين ، فتربص الناس تلك
الليلة ، وقالوا : ننظر ، فإن أصيب لم نهدم منها شيئا ورددناها كما كانت ، وإن
لم يصبه شيء ، فقد رضي الله صنعنا ، فهدمنا .
|
فأصبح الوليد من ليلته غاديا على عمله ،
فهدم وهدم الناس معه ، حتى إذا انتهى الهدم بهم إلى الأساس ، أساس إبراهيم عليه
السلام ، أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنمة آخذ بعضها بعضا .
|
*3*امتناع قريش عن
هدم الأساس وسببه
|
@ قال ابن إسحاق :
فحدثني بعض من يروي : الحديث أن رجلا من قريش ممن كان يهدمها ، أدخل عتلة بين
حجرين منها ليقلع بها أحدهما ، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها ، فانتهوا عن
ذلك الأساس .
|
*3*الكتاب الذي وجد
في الركن
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثت أن قريشا وجدوا في الركن كتابا بالسريانية ، فلم يدروا ما هو حتى قرأه لهم
رجل من يهود ، فإذا هو : أنا الله ذو بكة ، خلقتها يوم خلقت السماوات والأرض ،
وصورت الشمس والقمر ، وحففتها بسبعة (2/ 18) أملاك حنفاء ، لا تزول حتى يزول
أخشباها ، مبارك لأهلها في الماء واللبن .
|
قال ابن هشام : أخشباها : جبلاها .
|
*3*الكتاب الذي وجد في
المقام
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثت أنهم وجدوا في المقام كتابا فيه : مكة بيت الله الحرام يأتيها رزقها من
ثلاثة سبل ، لا يحلها أول من أهلها .
|
*3*حجر الكعبة
المكتوب عليه العظة
|
@ قال ابن إسحاق :
وزعم ليث بن أبي سليم أنهم وجدوا حجرا في الكعبة قبل مبعث النبي صلى الله عليه
وسلم بأربعين سنة ، إن كان ما ذكر حقا ، مكتوبا فيه : من يزرع خيرا يحصد غبطة ،
ومن يرزع شرا يحصد ندامة . تعملون السيئات ، وتجزون الحسنات ! أجل ، كما لا
يجتنى من الشوك العنب .
|
*3*الاختلاف بين قريش
في وضع الحجر
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
إن القبائل من قريش جمعت الحجارة لبنائها ، كل قبيلة تجمع (2/ 19) على حدة ، ثم
بنوها ، حتى بلغ البنيان موضع الركن ، فاختصموا فيه ، كل قبيلة تريد أن ترفعه
إلى موضعه دون الأخرى ، حتى تحاوزوا وتحالفوا ، وأعدوا للقتال .
|
*3*لعقة الدم
|
@ فقربت بنو عبدالدار
جفنة مملوءة دما ، ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت ، وأدخلوا
أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة ، فسموا لعقة الدم .
|
فمكث قريش أربع ليال أو خمسا ، ثم إنهم
اجتمعوا في المسجد ، وتشاوروا وتناصفوا .
|
*3*أبو أمية بن
المغيرة يجد حلا
|
@ فزعم بعض أهل
الرواية : أن أبا أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم ، وكان عامئذ أسن
قريش كلها ؛ قال : يا معشر قريش ، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من
باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه ، ففعلوا .
|
|
*3*الرسول صلى الله
عليه وسلم يضع الحجر
|
@ فكان أول داخل
عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما رأوه قالوا : هذا الأمين ، رضينا ،
هذا محمد ؛ فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر ، قال صلى الله عليه وسلم : هلم إلي
ثوبا ، فأتى به ، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده ، ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية
من الثوب ، ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا : حتى إذا بلغوا به موضعه ، وضعه هو بيده ،
ثم بني عليه . (2/ 20)
|
وكانت قريش تسمي رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، قبل أن ينزل عليه الوحي : الأمين .
|
*3*شعر الزبير في
الحية التي كانت تمنع قريش من بنيان الكعبة
|
@ فلما فرغوا من
البنيان ، وبنوها على ما أرادوا ، قال الزبير بن عبدالمطلب ، فيما كان من أمر
الحية التي كانت قريش تهاب بنيان الكعبة لها :
|
عجبت لما تصوبت العقاب * إلى الثعبان وهي
لها اضطراب
|
وقد كانت يكون لها كشيش * وأحيانا يكون لها
وثاب
|
إذا قمنا إلى التأسيس شدت * تهيبنا البناء
وقد تهاب
|
فلما أن خشينا الرجز جاءت * عقاب تتلئب لها
انصباب
|
فضمتها إليها ثم خلت * لنا البنينان ليس له
حجاب
|
فقمنا حاشدين إلى بناء * لنا منه القواعد
والتراب
|
غداة نرفع التأسيس منه * وليس على مسوينا
ثياب
|
أعز به المليك بني لؤي * فليس لأصله منهم
ذهاب
|
وقد حشدت هناك بنو عدي * ومرة قد تقدمها
كلاب
|
فبوأنا المليك بذاك عزا * وعند الله يلتمس
الثواب (2/ 21)
|
قال ابن هشام : ويروي :
|
وليس على مساوينا ثياب *
|
|
*3*ارتفاع الكعبة
وكسوتها
|
@ وكانت الكعبة على
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثماني عشرة ذراعا ، وكانت تكسى القباطي ، ثم
كسيت البرود ، وأول من كساها الديباج الحجاج بن يوسف .
|
|
*2*حديث الحمس
|
*3*قريش تبتدع الحمس
|
@ قال ابن إسحاق :
وقد كانت قريش - لا أدري أقبل الفيل أم بعده - ابتدعت رأي الحمس رأيا رأوه
وأداروه ؛ فقالوا : نحن بنو إبراهيم وأهل الحرمة ، وولاة البيت ، وقطان مكة
وساكنها ، فليس لأحد من العرب مثل حقنا ، ولا مثل منزلتنا ، ولا تعرف له العرب
مثل ما تعرف لنا ، فلا تعظموا شيئا من الحل كما تعظمون الحرم ، فإنكم إن فعلتم
ذلك استخفت العرب بحرمتكم ، وقالوا قد عظموا من الحل مثل ما عظموا من الحرم .
|
فتركوا الوقوف على عرفة ، والإفاضة منها ،
وهم يعرفون ويقرون أنها من المشاعر والحج ودين إبراهيم صلى الله عليه وسلم ،
ويرون لسائر العرب أن يقفوا عليها ، و أن يفيضوا منها ، إلا أنهم قالوا : نحن
أهل الحرم ، فليس ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا (2/ 22) نعظم غيرها كما
نعظمها نحن الحمس ، والحمس أهل الحرم ، ثم جعلوا لمن ولدوا من العرب من ساكن
الحل والحرم مثل الذي لهم ، بولادتهم إياهم ، يحل لهم ما يحل لهم ، ويحرم عليهم
ما يحرم عليهم .
|
*3*القبائل التي آمنت
مع قريش بالحمس
|
@ وكانت كنانة وخزاعة
قد دخلوا معهم في ذلك .
|
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيد النحوى :
أن بني عامر بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوازن دخلوا معهم في ذلك ، وأنشدني
لعمرو بن معد يكرب :
|
أعباس لو كانت شيارا جيادنا * بتثليث ما
ناصيت بعدي الأحامسا
|
قال ابن هشام : تثليث : موضع من بلادهم .
والشيار : السمان الحسان . يعني بالأحامس : بني عامر بن صعصعة . وبعباس : عباس
بن مرداس السلمي ، وكان أغار على بن زبيد بتثليت . وهذا البيت من قصيدة لعمرو .
|
وأنشدني للقيط بن زرارة الدارمي في يوم
جبلة :
|
أجذم إليك إنها بنو عبس * المعشر الجلة في
القوم الحمس
|
لأن بني عبس كانوا يوم جبلة حلفاء في بني
عامر بن صعصعة .
|
*3*يوم جبلة
|
@ ويوم جبلة : يوم
كان بين بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ، وبين بني عامر بن صعصعة ، فكان
الظفر فيه لبني عامر بن صعصعة على بني حنظلة ، وقتل يومئذ لقيط بن زرارة بن (2/
23) عدس ، وأسر حاجب بن زرارة بن عدس ، وانهزم عمرو بن عمرو بن عدس بن زيد بن
عبدالله ابن دارم بن مالك بن حنظلة . ففيه يقول جرير للفرزدق :
|
كأنك لم تشهد لقيطا وحاجبا * وعمرو بن عمرو
إذ دعوا يالدارمِ
|
وهذا البيت في قصدية له .
|
*3*يوم ذي نجب
|
@ ثم التقوا يوم ذي
نجب ، فكان الظفر لحنظلة على بني عامر ، وقتل يومئذ حسان بن معاوية الكندي ، وهو
ابن كبشة . وأُسر يزيد بن الصعق الكلابي وانهزم الطفيل بن مالك بن جعفر بن كلاب
، أبو عمر بن الطفيل . ففيه يقول الفرزدق :
|
ومنهن إذ نجى طفيل بن مالك * على قرزل رجلا
ركوض الهزائم
|
ونحن ضربنا هامة ابن خويلد * نزيد على أم
الفراخ الجواثم
|
وهذان البيتان في قصيدة له . (2/ 24)
|
فقال جرير :
|
ونحن خضبنا لابن كبشة تاجه * ولاقى امرأ في
ضمة الخيل مصقعا
|
وهذا البيت في قصيدة له .
|
وحديث يوم جبلة ويوم ذي نجب أطول مما ذكرنا
. وإنما منعني من استقصائه ما ذكرت في حديث يوم الفجار .
|
*3*ما زادته قريش في
الحمس
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
ابتدعوا في ذلك أمورا لم تكن لهم ، حتى قالوا : لا ينبغي للحمس ان يأتقطوا الأقط
، ولا يسئلوا السمن وهم حرم ، ولا يدخلوا بيت من شعر ، ولا يستظلوا إن استظلوا
إلا في بيوت الأدم ما كانوا حرما ، ثم رفعوا في ذلك ، فقالوا : لا ينبغي لأهل
الحل أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرم ، إذا جاءوا حجاجا أو
عمارا ، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم إلا في ثياب الحمس ، فإن لم
يجدوا منها شيئا طافوا بالبيت عراة .
|
*3*اللقى عند الحمس
|
@ فإن تكرم منهم
متكرم من رجل أو امرأة ، ولم يجدوا ثياب الحمس ، فطاف في ثيابه التي جاء بها من
الحل ، ألقاها إذا فرغ من طوافه ، ثم لم ينتفع بها ، ولم يمسها هو ، ولا أحد
غيره أبدا .
|
وكانت العرب تسمى تلك الثياب اللقى .
فحملوا على ذلك العرب ، (2/ 25) فدانت به . ووقفوا على عرفات ، وأفاضوا منها ،
وطافوا بالبيت عراة : أما الرجال فيطوفون عراة ، وأما النساء فتضع إحداهن ثيابها
كلها إلا درعا مفرجا عليها ، ثم تطوف فيه .
|
فقالت امرأة من العرب ، وهي كذلك تطوف
بالبيت :
|
اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا
أحله
|
ومن طاف منهم في ثيابه التي جاء فيها من
الحل ألقاها ، فلم ينتفع بها هو ولا غيره .
|
فقال قائل من العرب يذكر شيئا تركه من
ثيابه فلا يقربه ، وهو يحبه :
|
كفى حزنا كري عليها كأنها * لقى بين أيدي
الطائفين حريم
|
يقول : لا تمس . (2/ 26)
|
*3*الإسلام يبطل
عادات الحمس
|
@ فكانوا كذلك حتى
بعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم ، فأنزل عليه حين أحكم له دينه ، وشرع
له سنن حجه : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله ، إن الله غفور رحيم
) يعني قريشا . والناس : العرب . فرفعهم في سنة الحج إلى عرفات والوقوف عليها
والإفاضة منها .
|
وأنزل الله عليه فيما كانوا حرموا على
الناس من طعامهم ولبوسهم عند البيت ، حين طافوا عراة ، وحرموا ما جاءوا به من
الحل من الطعام : ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد ، وكلوا واشربوا ولا
تسرفوا ، إنه لا يحب المسرفين . قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات
من الرزق . قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ، كذلك نفصل
الآيات لقوم يعلمون ) . (2/ 27)
|
فوضع الله تعالى أمر الحمس ، وما كانت قريش
ابتدعت منه على الناس بالإسلام ، حين بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم .
|
*3*الرسول صلى الله
عليه وسلم يخالف الحمس قبل الرسالة
|
@ قال ابن إسحاق :
حدثني عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عثمان بن أبي سليمان بن
جبير بن مطعم ، عن عمه نافع بن جبير ، عن أبيه جبير بن مطعم ، قال : لقد رأيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قبل أن ينزل عليه الوحي ، وإنه لواقف على بعير
له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها توفيقا من الله له ، صلى
الله عليه و آله وسلم تسليما كثيرا .
|
|
*2*إخبار الكهان من
العرب ، والأحبار من يهود ، والرهبان من النصارى ببعثته صلى الله عليه وسلم
|
*3*الكهان والأحبار
والرهبان يتحدثون بمبعثه
|
@ قال ابن إسحاق :
وكانت الأحبار من يهود ، والرهبان من النصارى ، والكهان من العرب ، قد تحدثوا
بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه ، لما تقارب من زمانه .
|
أما الأحبار من يهود ، والرهبان من النصارى
، فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه ، وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه
.
|
وأما الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين
من الجن فيما تسترق من (2/ 28) السمع ، إذ كانت هي لا تحجب عن ذلك بالقذف
بالنجوم . وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره ، لا تلقي
العرب لذلك فيه بالا ، حتى بعثه الله تعالى ، ووقعت تلك الأمور التي كانوا
يذكرون ، فعرفوها .
|
*3*قذف الجن بالشهب
دلالة على مبعثه صلى الله عليه وسلم
|
@ فلما تقارب أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر مبعثه ، حجبت الشيطان عن السمع ، وحيل بينها
وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها ، فرموا بالنجوم ، فعرفت الجن
أن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد .
|
يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى
الله عليه وسلم حين بعثه ، وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع ، فعرفوا ما
عرفوا ، وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا : ( قل أوحى إلي أنه استمع نفر من
الجن ، فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا . يهدي إلى الرشد ، فآمنا به ، ولن نشرك
بربنا أحدا . وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا . وأنه كان يقول سفيهنا
على الله شططا . وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا . وأنه كان
رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن ، (2/ 29) فزادوهم رهقا ) ... إلى قوله : (
وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا . وأنا لا
ندري أشر أريد بمن في الأرض ، أم أراد بهم ربهم رشدا ) .
|
فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها إنما منعت
من السمع قبل ذلك ، لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس على أهل الأرض ما
جاءهم من الله فيه ، لوقوع الحجة ، وقطع الشبهة . فآمنوا وصدقوا ، ثم ( ولوا إلى
قومهم منذرين . قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين
يديه ، يهدي إلى الحق ، وإلى طريق مستقيم ) ... الآيات
|
وكان قول الجن : ( وأنه كان رجال من الإنس
يعوذون برجال من الجن ، فزادوهم رهقا ) . أنه كان الرجل من العرب من قريش وغيرهم
إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه ، قال : إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من
الجن الليلة من شر ما فيه .
|
قال ابن هشام : الرهق : الطغيان والسفه .
قال رؤبة بن العجاج :
|
إذ تستبي الهيامة المرهقا * (2/ 30)
|
وهذا البيت في أرجوزة له . والرهق أيضا :
طلبك الشيء حق تدنو منه ، أو لا تأخذه . قال رؤبة بن العجاج يصف حمير وحش :
|
بصبصن واقشعررن من خوف الرهق *
|
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيد النحوى :
أن بني عامر بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوازن دخلوا معهم في ذلك ، وأنشدني
لعمرو بن معد يكرب :
|
وهذا البيت في أرجوزة له . والرهق أيضا :
مصدر لقول الرجل للرجل : رهقت الإثم أو العسر ، الذي أرهقتني رهقا شديدا ، أي
حملت الإثم أو العسر الذي حملتني حملا شديدا ، وفي كتاب الله تعالى : ( فخشينا
أن يرهقهما طغيانا وكفرا ) .
|
وقوله : ( ولا ترهقني من أمري عسرا ) .
|
*3*ثقيف أول من فزعت
برمى الجن
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن أول العرب فزع للرمي
بالنجوم حين رمي بها ، هذا الحي من ثقيف ، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يقال له
عمرو بن أمية ، أحد بني علاج - قال : وكان أدهى العرب وأنكرها رأيا - فقالوا له
: يا عمرو : ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم ؟ قال : بلى ،
فانظروا ، فإن كانت معالم النجوم التي يُهتدى بها في البر والبحر ، وتُعرف بها
الأنواء من الصيف والشتاء ، لما يُصلح الناس في معايشهم ، هي التي يرمى بها ،
فهو والله طي الدنيا ، وهلاك هذا الخلق الذي فيها ؛ وإن كانت نجوما غيرها ، وهي
ثابتة على حالها ، فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق ، فما هو ؟ . (2/ 31)
|
*3*الرسول يسأل
الأنصار عن قولهم في رجم الجن بالشهب وتوضيحه للأمر
|
@ قال ابن إسحاق :
وذكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عن
عبدالله بن العباس ، عن نفر من الأنصار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال
لهم : ماذا كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به ؟ قالوا : يا نبى الله كنا
نقول حين رأيناها يرمى بها : مات مَلِك مُلِّك ملك ، ولد مولود مات مولود ؛ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس ذلك كذلك ولكن الله تبارك وتعالى كان إذا
قضى في خلقه أمرا سمعه حمله العرش ، فسبحوا ، فسبح من تحتهم ، فسبح لتسبيحهم من
تحت ذلك ، فلا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فيسبحوا ثم يقول
بعضهم لبعض مم سبحتم فيقولون سبح من فوقنا فسبحنا لتسبيحهم ؛ فيقولون : ألا
تسألون من فوقكم مم سبحوا ؟ فيقولون مثل ذلك ، حتى ينتهوا إلى حملة العرش ،
فيقال لهم : مم سبحتم ؟ فيقولون : قضى الله في خلقه كذا وكذا ، للأمر الذي كان ؛
فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء (2/ 32) حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ،
فيتحدثوا به ، فتسترقه الشياطين بالسمع ، على توهم واختلاف ، ثم يأتوا به الكهان
من أهل الأرض فيحدثوهم به فيخطئون ويصيبون فيتحدث به الكهان ، فيصيبون بعضا
ويخُطئون بعضا .
|
ثم إن الله عز وجل حجب الشياطين بهذه
النجوم التي يُقذفون بها ، فانقطعت الكهانة اليوم ، فلا كهانة .
|
قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن أبي جعفر ،
عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي لبيبة ، عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه بمثل
حديث ابن شهاب عنه .
|
*3*الغيطلة وصاحبها
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني بعض أهل العلم : أن امرأة من بني سهم ، يقال لها الغيطلة ، كانت كاهنة في
الجاهلية ، فلما جاءها صاحبها في ليلة من الليالي ، فانقض تحتها ، ثم قال : أدر
ما أدر ، يوم عقر ونحر ؛ فقالت قريش حين بلغها ذلك : ما يريد ؟ ثم جاءها ليلة
أخرى ، فانقض تحتها ، ثم قال : شعوب ما شعوب ، تُصرع فيه كعب لجنوب . فلما بلغ
ذلك قريشا ، قالوا : ماذا يريد ، إن هذا لأمر هو كائن ، فانظروا ما هو ؟ فما عرفوه
حتى كانت وقعة بدر واحد بالشعب ، فعرفوا أنه الذي كان جاء به إلى صاحبته . (2/
33)
|
*3*نسب الغيطلة
|
@ قال ابن هشام :
الغيطلة : من بني مرة بن عبد مناة بن كنانة ، إخوة مدلج ابن مرة ؛ وهي أم
الغياطل الذين ذكر أبو طالب في قوله :
|
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا * بني خلف قيضا
بنا والغياطل
|
فقيل لولدها : الغياطل ؛ وهم من بني سهم بن
عمرو بن هصيص . وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى .
|
*3*كاهن جنب يذكر خبر
الرسول صلى الله عليه وسلم
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني علي بن نافع الجرشي : أن جنبا : بطنا من اليمن ، كان لهم كاهن في
الجاهلية ، فلما ذُكر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتشر في العرب ، قالت
له جنب : انظر لنا في أمر هذا الرجل ، واجتمعوا له في أسفل (2/ 34) جبله ؛ فنزل
عليهم حين طلعت الشمس ، فوقف لهم قائما متكئا على قوس له ، فرفع رأسه إلى السماء
طويلا ، ثم جعل ينـزو ، ثم قال : أيها الناس ، إن الله أكرم محمدا واصطفاه ،
وطهر قلبه وحشاه ، ومكثه فيكم أيها الناس قليل ، ثم أسند في جبله راجعا من حيث
جاء .
|
*3*سواد بن قارب يحدث
عمر بن الخطاب عن صاحبه من الجن
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني من لا أتهم عن عبدالله بن كعب ، مولى عثمان بن عفان ، أنه حدث : أن عمر
بن الخطاب ، بينا هو جالس في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ أقبل رجل
من العرب داخلا المسجد ، يريد عمر بن الخطاب ؛ فلما نظر إليه عمر رضي الله عنه ،
قال : إن هذا الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد ، ولقد كان كاهنا في الجاهلية . فسلم
عليه الرجل ، ثم جلس ، فقال له عمر رضي الله عنه : هل أسلمت ؟ قال : نعم يا أمير
المؤمنين ، قال له : فهل كنت كاهنا في الجاهلية ؟ فقال الرجل : سبحان الله يا
أمر المؤمنين ! لقد خلت فيّ ، واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ
وليت ما (2/ 35) وليت ؛ فقال عمر : اللهم غفرا ، قد كنا في الجاهلية على شر من
هذا ، نعبد الأصنام ، ونعتنق الأوثان ، حتى أكرمنا الله برسوله وبالإسلام ؛ قال
: نعم ، والله يا أمير المؤمنين ، لقد كنت كاهنا في الجاهلية ؛ قال : فأخبرني ما
جاءك به صاحبك ؛ قال : جاءني قبل الإسلام بشهر أو شيعه ، فقال : ألم تر إلى الجن
وإبلاسها ، وإياسها من دينها ، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها .
|
قال ابن هشام : هذا الكلام سجع ، وليس بشعر
.
|
قال عبدالله بن كعب : فقال عمر بن الخطاب
عند ذلك يحدث الناس : والله إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من قريش ، قد
ذبح له رجل من العرب عجلا ، فنحن ننتظر قسمه ليقسم لنا منه ، إذ سمعت من جوف
العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أنفذ منه ، وذلك قبيل الإسلام بشهر أو شيعه ، يقول :
يا ذريح ، أمر نجيح ، رجل يصيح ، يقول : لا إله إلا الله .
|
قال ابن هشام : ويقال : رجل يصيح ، بلسان
فصيح ، يقول : لا إله إلا الله .
|
وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر : (2/ 36)
|
عجبت للجن وإبلاسها * وشدها العيس بأحلاسها
|
تهوي إلى مكة تبغي الهدى * ما مؤمنو الجن
كأنجاسها
|
قال ابن إسحاق : فهذا ما بلغنا من الكهان
من العرب . (2/ 37)
|
*2*إنذار يهود برسول
الله صلى الله عليه وسلم
|
*3*اليهود لعنهم الله
يعرفونه ويكفرون به
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، عن رجال من قومه ، قالوا : إن مما دعانا إلى
الإسلام ، مع رحمة الله تعالى وهداه لنا ، لما كنا نسمع من رجال يهود ، وكنا أهل
شرك أصحاب أوثان ، وكانوا أهل كتاب ، عندهم علم ليس لنا ، وكانت لا تزال بيننا
وبينهم شرور ، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون ، قالوا لنا : إنه قد تقارب زمان
نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم .
|
فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم
أجبناه ، حين دعانا إلى الله تعالى ، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به ، فبادرناهم
إليه ، فآمنا به ، وكفروا به ، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة : ( ولما
جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم ، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا
، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به ، فلعنة الله على الكافرين ) .
|
قال ابن هشام : يستفتحون : يستنصرون ،
ويستفتحون أيضا : يتحاكمون ، وفي كتاب الله تعالى : ( ربنا افتح بيننا وبين
قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين ) . (2/ 38)
|
*3*سلمة يذكر حديث
اليهودي الذي أنذر بالرسول صلى الله عليه وسلم
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبدالأشهل
عن سلمة بن سلامة بن وقش ، وكان سلمة من أصحاب بدر ، قال : كان لنا جار من يهود
في بني عبدالأشهل ، قال : فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبدالأشهل -
قال سلمة : وأنا يومئذ من أحدث من فيه سنا ، علي بردة لي ، مضطجع فيها بفناء
أهلي - فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار ؛ قال : فقال ذلك
لقوم أهل شرك أصحاب أوثان ، لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت ؛ فقالوا له : ويحك
يا فلان أوترى هذا كائنا ، أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون
فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم ، والذي يحلف به ، ولودّ أن له بحظه من تلك النار
أعظم تنور في الدار ، يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه ، بأن ينجو من تلك
النار غدا ؛ فقالوا له : ويحك يا فلان ! فما آية ذلك ؟ قال : نبى مبعوث من نحو
هذه البلاد ، وأشار بيده إلى مكة واليمن ؛ فقالوا : ومتى تراه ؟ قال : فنظر إلي
وأنا من أحدثهم سنا ، فقال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه .
|
قال سلمة : فوالله ما ذهب الليل والنهار
حتى بعث الله محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم ، وهو حي بين أظهرنا ، فآمنا به ،
وكفر به بغيا وحسدا ، قال : فقلنا له : ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما
قلت ؟ قال : بلى ، ولكن ليس به .
|
*3*ابن الهيبان
اليهودي يتسبب في إسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية ، وأسد بن عبيد
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال : قال لي : هل تدري عم كان
(2/ 39) إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد ، نفر من بني هدل ،
إخوة من بني قريظة ، كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الإسلام . قال :
قلت : لا و الله ، قال : فإن رجلا من يهود من أهل الشام ، يقال له : ابن الهيبان
، قدم علينا قبيل الإسلام بسنين ، فحل بين أظهرنا ، لا والله ما رأينا رجلا قط
لا يصلي الخمس أفضل منه ، فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له : اخرج يا
ابن الهيبان فاستسق لنا ؛ فيقول : لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة ؛
فنقول له : كم ؟ فيقول : صاعا من تمر ، أو مدين من شعير . قال : فنخرجها (2/ 40)
ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي الله لنا . فوالله ما يبرح مجلسه حتى يمر
السحاب ونسقى ، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث .
|
قال : ثم حضرته الوفاة عندنا . فلما عرف
أنه ميت ، قال : يا معشر يهود ، ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض
البؤس والجوع ؟ قال : قلنا : إنك أعلم ؛ قال : فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف
خروج نبى قد أظل زمانه ؛ وهذه البلدة مهاجره ، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه ، وقد
أظلكم زمانه ، فلا تسبقن إليه يا معشر يهود ، فإنه يبعث بسفك الدماء ، وسبي
الذراري والنساء ممن خالفه ، فلا يمنعكم ذلك منه .
|
فلما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
وحاصر بني قريظة ، قال هؤلاء الفتية ، وكانوا شبابا أحداثا : يا بني قريظة ،
والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان ؛ قالوا : ليس به ؛ قالوا :
بلى والله ، إنه لهو بصفته ، فنزلوا وأسلموا ، وأحرزوا دماءهم و أموالهم وأهليهم
.
|
قال ابن إسحاق : فهذا ما بلغنا عن أخبار
يهود . (2/ 41)
|
|
*2*حديث إسلام سلمان
رضي الله عنه
|
*3*سلمان رضي الله
عنه يتشوف إلى النصرانية بعد المجوسية
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن عبدالله بن عباس
، قال : حدثني سلمان الفارسي ، و أنا أسمع من فيه ، قال : كنت رجلا فارسيا من
أهل أصبهان من قرية يقال لها جَيّ ، وكان أبي دهقان قريته ، وكنت أحب خلق الله
إليه ، لم يزل به حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية ، واجتهدت في
المجوسية حتى كنت قطن النار الذي يوقودها ، لا يتركها تخبو ساعة .
|
قال : وكانت لأبي ضيعة عظيمة ، قال : فشغل
في بنيان له يوما ، فقال لي : يا بني ، إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن
ضيعتي ، فاذهب إليها فاطلعها . وأمرني فيها ببعض ما يريد ، ثم قال لي : ولا
تحتبس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إلي من ضيعتي ، وشغلتني عن كل شيء من أمرى
.
|
قال : فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها ،
فمررت بكنيسة من كنائس النصارى ، فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون ، وكنت لا أدري
ما أمر الناس ، لحبس أبي إياي في بيته ، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما
يصنعون ، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم وقلت : هذا والله خير من
الدين الذي نحن عليه ، فوالله ما برحتهم حتى غربت الشمس ، وتركت ضيعة أبي فلم
آتها ؛ ثم قلت لهم : أين أصل هذا الدين ؟ قالوا : بالشام .
|
فرجعت إلى أبي ، وقد بعث في طلبي ، وشغلته
عن عمله كله ، فلما جئته قال : أي بني أين كنت ؟ أولم أكن عهدت (2/ 42) إليك ما
عهدت ؟ قال : قلت له : يا أبت ، مررت بأناس يصلون في كنسية لهم ، فأعجبني ما
رأيت من دينهم ، فوالله ما زلت عندهم حتى غربت الشمس ؛ قال : أي بني ، ليس في
ذلك الدين خير ، دينك ودين آبائك خير منه ؛ قال : قلت له : كلا والله ، إنه لخير
من ديننا . قال : فخافني ، فجعل في رجلي قيدا ، ثم حبسني في بيته .
|
*3*سلمان يهرب إلى
الشام
|
@ قال : وبعثت إلى
النصارى فقلت لهم : إذا قدم عليكم ركب من الشام فأخبروني بهم . قال : فقدم عليهم
ركب من الشام تجار من النصارى ، فأخبروني بهم . فقلت لهم : إذا قضوا حوائجهم ،
وأرادوا الرجعة إلى بلادهم ، فآذنوني بهم . قال : فلما أرادوا الرجعة إلى بلادهم
أخبروني بهم ، فألقيت الحديد من رجلي ، ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام . فلما
قدمتها ، قلت : من أفضل أهل هذا الدين علما ؟ قالوا : الأسقفّ في الكنيسة .
|
*3*سلمان مع أسقف
النصارى السيىء
|
@ قال : فجئته فقلت
له : إني قد رغبت في هذا الدين ، فأحببت أن أكون معك ، وأخدمك في كنيستك ،
فأتعلم منك ، وأصلي معك ؛ قال : ادخل ، فدخلت معه . قال : وكان رجل سوء ، يأمرهم
بالصدقة ، ويرغبهم فيها ، فإذا جمعوا إليه شيئا منها اكتنـزه لنفسه ، ولم يعطه
المساكين ، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق .
|
قال : فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع ؛
ثم مات ، فاجتمعت إليه النصارى ليدفنوه ، فقلت لهم : إن هذا كان رجل سوء ،
يأمركم بالصدقة ، ويرغبكم فيها ، فإذا جئتموه بها ، اكتنـزها لنفسه ، ولم يعط
المساكين منها شيئا . قال : فقالوا لى : وما علمك بذلك ؟ قال : فقلت لهم : أنا
أدلكم على كنزه ؛ قالوا : فدلنا عليه ؛ قال : فأريتهم موضعه ، فاستخرجوا منه سبع
قلال مملوءة ذهبا وورقا .
|
قال : فلما (2/ 43) رأوها قالوا : والله لا
ندفنه أبدا . قال : فصلبوه ، ورجموه بالحجارة ، وجاءوا برجل آخر ، فجعلوه مكانه
.
|
*3*سلمان مع أسقف
النصارى الصالح
|
@ قال : يقول سلمان :
فما رأيت رجلا لا يصلى الخمس ، أرى أنه كان أفضل منه وأزهد في الدنيا ، ولا أرغب
في الآخرة ، ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه . قال : فأحببته حبا لم أحبه شيئا قبله
مثله . قال : فأقمت معه زمانا طويلا ، ثم حضرته الوفاة ، فقلت له : يا فلان ،
إني قد كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك ، وقد حضرك ما ترى من أمر الله
تعالى ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال : أي بني ، والله ما أعلم اليوم
أحدا على ما كنت عليه ، فقد هلك الناس ، وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه ، إلا
رجلا بالموصل ، وهو فلان ، و هو على ما كنت عليه فالحق به .
|
*3*سلمان يلحق بأسقف
الموصل
|
@ قال : فلما مات
وغيب لحقت بصاحب الموصل ، فقلت له : يافلان ، إن فلانا أوصاني عند موته أن ألحق
بك ، وأخبرني أنك على أمره ؛ قال : فقال لي : أقم عندي ، فأقمت عنده ، فوجوته
خير رجل على أمر صاحبه ، فلم يلبث أن مات .
|
فلما حضرته الوفاة ، قلت له : يا فلان ، إن
فلانا أوصي بي إليك ، وأمرني باللحوق بك ، وقد حضرك من أمر الله ما ترى ، فإلى
من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال : يا بني ، والله ما أعلم رجلا على مثل ما كنا
عليه ، إلا رجلا بنصيبين ، وهو فلان ، فالحق به .
|
*3*سلمان يلحق بأسقف
نصيبين
|
@ فلما مات وغيب لحقت
بصاحب نصيبين ، فأخبرته خبرى ، وما أمرني به صاحبه ، فقال : أقم عندي ، فأقمت
عنده ، فوجدته على أمر صاحبيه . فأقمت مع خير رجل ، فوالله ما لبث أن نزل به
الموت ، فلما حُضر قلت له : يا فلان ، إن فلانا (2/ 44) كان أوصى بي إلى فلان ،
ثم أوصى بي فلان إليك ؛ فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟ قال : يا بني ، والله ما
أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم ، فإنه على
مثل ما نحن عليه ، فإن أحببت فأته ، فإنه على أمرنا .
|
*3*سلمان يلحق بصاحب
عمورية
|
@ فلما مات وغيب لحقت
بصاحب عمورية ، فأخبرته خبري ؛ فقال : أقم عندي ، فأقمت عند خير رجل ، علي هدي
أصحابه وأمرهم . قال : واكتسبت حتى كان لي بقرات وغنيمة . قال : ثم نزل به أمر الله
تعالى ، فلما حُضر قلت له : يا فلان ، إني كنت مع فلان ، فأوصى بي إلى فلان ، ثم
أوصى بي فلان إلى فلان ، ثم أوصى بي فلان إليك ، فإلى من توصي بي ؟ وبم تأمرني ؟
قال : أي بني ، والله ما أعلمه أصبح اليوم أحد على مثل ما كنا عليه من الناس
آمرك به أن تأتيه ، ولكنه قد أظل زمان نبي ، وهو مبعوث بدين إبراهيم عليه السلام
، يخرج بأرض العرب ، مُهاجَره إلى أرض بين حرتين ، بينهما نخل به علامات لا تخفى
، يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، وبين كتفيه خاتم النبوة ، فإن استطعت أن تلحق
بتلك البلاد فافعل .
|
*3*سلمان يذهب إلى
وادي القرى
|
@ قال : ثم مات وغيب
، ومكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث ، ثم مر بي نفر من كلب تجار ، فقلت لهم :
احملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقراتي هذه وغنيمتي هذه ؛ قالوا : نعم .
فأعطيتهموها وحملوني معهم ، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني ، فباعوني من رجل
يهودي عبدا ، فكنت عنده ، ورأيت النخل ، فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي
، ولم يحقّ في نفسي .
|
*3*سلمان يذهب إلى
المدينة
|
@ فبينا أنا عنده ،
إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة ، فابتاعني منه ، فاحتملني إلى
المدينة ، (2/ 45) فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي ، فأقمت بها ،
وبُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقام بمكة ما أقام ، لا أسمع له بذكر مع
ما أنا فيه من شغل الرق ، ثم هاجر إلى المدينة .
|
*3*سلمان يسمع بهجرة
النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة
|
@ فوالله إني لفى رأس
عذق لسيدي أعمل له فيه بعض العمل ، وسيدي جالس تحتي ، إذ أقبل ابن عم له حتى وقف
عليه ، فقال : يا فلان ، قاتل الله بني قيلة ، والله إنهم الآن لمجتمعون بقباء
على رجل قدم عليهم من مكة اليوم ، يزعمون أنه نبي .
|
*3*نسب قيلة
|
@ قال ابن هشام :
قيلة : بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة
، أم الأوس والخزرج .
|
قال النعمان بن بشير الأنصاري يمدح الأوس
والخزرج :
|
بهاليل من أولاد قيلة لم يجد * عليهم خليط
في مخالطة عتبا
|
مساميح أبطال يراحون للندى * يرون عليهم
فعل آبائهم نحبا
|
وهذان البيتان في قصيدة له .
|
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن
قتادة الأنصاري ، عن محمود بن لبيد ، عن عبدالله بن عباس ، قال : قال سلمان :
فلما سمعتها أخذتني العُرَوْراء .
|
قال ابن هشام : و العروراء : الرعدة من
البرد والانتفاض ، فإن كان مع ذلك عرق فهي الرُّحَضاء ، وكلاهما ممدود - حتى
ظننت أني سأسقط على سيدي ، فنزلت عن النخلة ، فجعلت أقول لابن عمه ذلك : ماذا
تقول ؟ ماذا تقول ؟ فغضب سيدي ، فلكمني لكمة شديدة ، ثم قال : ما لك ولهذا ؟
أقبل على عملك . قال : قلت : لا شيء ، إنما أردت أن أستثبته عما قال . (2/ 46)
|
*3*سلمان يستوثق من
رسالة محمد صلى الله عليه وسلم
|
@ قال : وقد كان عندي
شيء قد جمعته فلما أمسيت أخذته ، ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
وهو بقباء ، فدخلت عليه ، فقلت له : إنه قد بلغني أنك رجل صالح ، ومعك أصحاب لك
غرباء ذوو حاجة ، وهذا شيء قد كان عندي للصدقة ، فرأيتكم أحق به من غيركم ، قال
: فقربته إليه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : كلوا ، وأمسك يده
فلم يأكل . قال : فقلت في نفسي : هذه واحدة . قال : ثم انصرفت عنه ، فجمعت شيئا
، وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ثم جئته به فقلت له : إني
قد رأيتك لا تأكل الصدقة ، فهذه هدية أكرمتك بها . قال : فأكل رسول الله صلى
الله عليه وسلم منها ، وأمر أصحابه فأكلوا معه . قال : فقلت في نفسي : هاتان
ثنتان ؛ قال : ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببقيع الغرقد ، قد تبع
جنازة رجل من أصحابه ، و علي شملتان لي ، وهو جالس في أصحابه ، فسلمت عليه ، ثم
استدرت أنظر إلى ظهره ، هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي ؛ فلما رآني رسول الله
صلى الله عليه وسلم استدبرته عرف أني أستثبت في شيء وصف لي ، فألقى رداءه عن
ظهره ، فنظرت إلى الخاتم فعرفته ، فأكببت عليه أقبله وأبكي ؛ فقال لي رسول الله
(2/ 47) صلى الله عليه وسلم : تحول ، فتحولت فجلست بين يديه ، فقصصت عليه حديثي
كما حدثتك يا ابن عباس ، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم أن يسمع
ذلك أصحابه . ثم شغل سلمان الرقُّ حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر
وأحد .
|
*3*سلمان يفتك نفسه
من الرق بأمر رسول الله ومساعدته صلى الله عليه وسلم
|
@ قال سلمان : ثم قال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : كاتب يا سلمان ؛ فكاتبت صاحبي على ثلثمائة
نخلة أحييها له بالفقير ، وأربعين أوقية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لأصحابه : أعينوا أخاكم ، فأعانوني بالنخل ، الرجل بثلاثين وَدِيَّة ، والرجل
بعشرين ودية ، والرجل بخمس عشرة ودية ، والرجل بعشر ، يعين الرجل بقدر ما عنده ،
حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية ؛ فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اذهب يا
سلمان ففقِّر لها ، فإذا فرغت فأتني أكنْ أنا أضعها بيدي .
|
قال : ففقَّرت وأعانني أصحابي ، حتى إذا
فرغت جئته فأخبرته ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم معي إليها ، فجعلنا نقرب
إليه الودي ، ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ، حتى فرغنا . فوالذي (2/
48) نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة .
|
قال : فأديت النخل وبقي عليّ المال . فأتي
رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب ، من بعض المعادن ، فقال
: ما فعل الفارسي المكاتب ؟ قال : فدعيت له ، فقال : ( خذ هذه ، فأدها مما عليك
يا سلمان ) قال : قلت : وأين تقع هذه يا رسول الله مما علي ؟ فقال : خذها فإن
الله سيؤدي بها عنك .
|
قال : فأخذتها فوزنت لهم منها ، والذي نفس
سلمان بيده أربعين أوقية ، فأوفيتهم حقهم منها ، وعتق سلمان . فشهدت مع رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم الخندق حرا ، ثم لم يفتني معه مشهد .
|
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ،
عن رجل من عبدالقيس عن سلمان : أنه قال : لما قلت : وأين تقع هذه من الذي علي يا
رسول الله ؟ أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ، ثم قال :
خذها فأوفهم منها ، فأخذتها ، فأوفيتهم منها حقهم كله ، أربعين أوقية .
|
*3*حديث سلمان مع
الرجل الذي بعمورية
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة ، قال : حدثني من لا أتهم عن عمر بن عبدالعزيز بن
مروان ، قال : حُدثت عن سلمان الفارسي : أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم
، حين أخبره خبره : إن صاحب عمورية قال له : ائت (2/ 49) كذا وكذا من أرض الشام
، فإن بها رجلا بين غيضتين ، يخرج في كل سنة من هذه الغيضة إلى هذه الغيضة
مستجيزا ، يعترضه ذوو الأسقام ، فلا يدعو لأحد منهم إلا شفي ، فاسأله عن هذا
الدين الذي تبتغي ، فهو يخبرك عنه . قال سلمان : فخرجت حتى أتيت حيث وصف لي ،
فوجدت الناس قد اجتمعوا بمرضاهم هنالك ، حتى خرج لهم تلك الليلة ، مستجيزا من
إحدى الغيضتين إلى الأخرى ، فغشيه الناس بمرضاهم ، لا يدعو لمريض إلا شفي ،
وغلبوني عليه ، فلم أخلص إليه حتى دخل الغيضة التي يريد أن يدخل ، إلا منكبه .
|
قال : فتناولته ، فقال : من هذا ؟ والتفت
إلي ، فقلت : يرحمك الله ، أخبرني عن الحنيفية دين إبراهيم . قال : إنك لتسألني
عن شيء ما يسأل عنه الناس اليوم ، قد أظلك زمان نبي يبعث بهذا الدين من أهل
الحرم ، فأته فهو يحملك عليه . قال : ثم دخل .
|
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لسلمان : لئن كنت صدقتني يا سلمان ، لقد لقيت عيسى بن مريم ، على نبينا وعليه السلام
. (2/ 50)
|
*2*ذكر ورقة بن نوفل
بن أسد بن عبدالعزى وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث وزيد بن عمرو بن نفيل
|
*3*تشككهم في الوثنية
|
@ قال ابن إسحاق :
واجتمعت قريش يوما في عيد لهم عند صنم من أصنامهم ، كانوا يعظمونه وينحرون له ،
ويعكفون عنده ، ويديرون به ، وكان ذلك عيدا لهم في كل سنة يوما ، فخلص منهم
أربعة نفر نجيا ، ثم قال بعضهم لبعض : تصادقوا وَلْيَكْتُم بعضكم على بعض ؛
قالوا : أجل . وهم : ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة ابن
كعب بن لؤي ؛ وعبيد الله بن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم
بن دودان بن أسد بن خزيمة ، وكانت أمه أميمة بنت عبدالمطلب ، وعثمان بن الحويرث
بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ؛ وزيد بن (2/ 51) عمرو بن نفيل بن عبدالعزى بن
عبدالله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي ؛ فقال بعضهم لبعض :
تعلموا والله ما قومكم على شيء ! لقد أخطئوا دين أبيهم إبراهيم ! ما حجر نُطيف
به ، لا يسمع ولا يبصر ، ولا يضر ولا ينفع ، يا قوم التمسوا لأنفسكم دينا ،
فإنكم والله ما أنتم على شيء . فتفرقوا في البلدان يلتسمون الحنيفية ، دين
إبراهيم .
|
*3*تنصر ورقة وابن
جحش
|
@ فأما ورقة بن نوفل
فاستحكم في النصرانية ، واتبع الكتب من أهلها ، حتى علم علما من أهل الكتاب .
|
وأما عبيد الله بن جحش ، فأقام على ما هو
عليه من الالتباس حتى أسلم ، ثم هاجر مع المسلمين إلى الحبشة ، ومعه امرأته أم
حبيبة بنت أبي سفيان مسلمة ؛ فلما قدمها تنصر ، وفارق الإسلام ، حتى هلك هنالك
نصرانيا .
|
*3*ابن جحش يغري
مهاجري الحبشة على التنصر
|
@ قال ابن إسحاق :
فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال : كان عبيد الله (2/ 52) بن جحش حين تنصر
يمر بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهم هنالك من أرض الحبشة ، فيقول :
فقَّحْنا وصأصأتم ، أي أبصرنا وأنتم تلتمسون البصر ، ولم تبصروا بعد . وذلك أن
ولد الكلب إذا أراد أن يفتح عينيه لينظر ، صأصأ لينظر . وقوله : فقح : فتح عينيه
.
|
*3*رسول الله صلى
الله عليه وسلم يخلف على زوجة ابن جحش بعد وفاته
|
@ قال ابن إسحاق :
وخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على امرأته أم حبيبة بنت أبي سفيان بن
حرب .
|
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن علي بن
حسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث فيها إلى النجاشي عمرو بن أمية
الضمري ، فخطبها عليه النجاشي ، فزوجه إياها ، وأصدقها عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أربعمائة دينار .
|
فقال محمد بن علي : ما نرى عبدالملك بن
مروان وقف صداق النساء على أربعمائة دينار إلا عن ذلك . وكان الذي أملكها النبي
صلى الله عليه وسلم خالد بن سعيد بن العاص .
|
*3*تنصر ابن الحويرث
، وقدومه على قيصر
|
@ قال ابن إسحاق :
وأما عثمان بن الحويرث فقدم على قيصر ملك الروم ، فتنصَّر وحسنت منزلته عنده .
(2/ 53)
|
قال ابن هشام : ولعثمان بن الحويرث عند
قيصر حديث ، منعني من ذكره ما ذكرت في حديث حرب الفجار .
|
*3*زيد بن عمرو يتوقف
عن جميع الأديان
|
@ قال ابن إسحاق :
وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية ، وفارق دين قومه
، فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان (2/ 54) ونهى عن
قتل الموءودة ، وقال : أعبد رب إبراهيم ؛ وبادى قومه بعيب ما هم عليه .
|
قال ابن إسحاق : وحدثني هشام بن عروة عن
أبيه ، عن أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو
بن نفيل شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة ، وهو يقول : يا معشر قريش ، والذي
نفس زيد بن عمرو بيده ، ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ، ثم يقول :
اللهم لو أني أعلم أي الوجوه أحب إليك عبدتك به ، ولكني لا أعلمه ، ثم يسجد على
راحلته . (2/ 55)
|
قال ابن إسحاق : وحدثت أن ابنه ، سعيد بن
زيد بن عمرو بن نفيل ، وعمر بن الخطاب ، وهو ابن عمه ، قالا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم : أتستغفر لزيد بن عمرو ؟ قال : نعم ، فإنه يُبعث أمة وحده .
|
*3*شعر زيد في فراق
الوثنية
|
@ وقال زيد بن عمرو
بن نفيل في فراق دين قومه ، وما كان لقي منهم في ذلك :
|
أربا واحدا أم ألف رب * أدين إذا تُقسمت
الأمورُ
|
عزلت اللات والعزى جميعا * كذلك يفعل الجلد
الصبور
|
فلا العزى أدين ولا ابنتيها * ولا صنمَيْ
بن عمرو أزور
|
ولا هبلا أدين وكان ربا * لنا في الدهر إذ
حلمي يسير
|
عجبت وفي الليالي مُعجبات * وفي الأيام
يعرفها البصير
|
بأن الله قد أفنى رجالا * كثيرا كان شأنهم
الفجور
|
وأبقى آخرين ببر قوم * فيربِل منهم الطفل
الصغير (2/ 56)
|
وبينا المرء يفتر ثاب يوما * كما يتروّح
الغصن المطير
|
ولكن أعبدالرحمن ربي * ليغفر ذنبي الرب
الغفور
|
فتقوى الله ربكم احفظوها * متى ما تحفظوها
لا تبوروا
|
ترى الأبرار دارهمُ جنان * وللكفار حامية
سعير
|
وخزي في الحياة وإن يموتوا * يلاقوا ما
تضيق به الصدور
|
وقال زيد بن عمرو بن نفيل أيضا - قال ابن
هشام : هي لأمية بن أبي الصلت في قصيدة له ، إلا البيتين الأولين والبيت الخامس
وآخرها بيتا . وعجز البيت الأول عن غير ابن إسحاق - :
|
إلى الله أهدي مدحتي وثنائيا * وقولا رصينا
لا يـَني الدهر باقيا
|
إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه * إله ولا
رب يكون مدانيا
|
ألا أيها الإنسان إياك والردى * فإنك لا
تخفي من الله خافيا
|
وإياك لا تجعل مع الله غيره * فإن سبيل
الرشد أصبح باديا
|
حنانيك إن الحن كانت رجاءهم * وأنت إلهي
ربنا ورجائيا
|
رضيت بك اللهم ربَّا فلن أرى * أدين إلها
غيرك الله ثانيا (2/ 57)
|
أدين لرب يُستجاب و لا أرى* أدين لمن لم
يسمع الدهر داعيا
|
وأنت الذي من فضل منّ ورحمة * بعثت إلى
موسى رسولا مناديا
|
فقلت له يا اذهب وهارون فادعوا * إلى الله
فرعون الذي كان طاغيا
|
وقولا له : أأنت سويت هذه * بلا وتد حتى
اطمأنت كما هيا
|
وقولا له : أأنت رفعت هذه * بلا عمد أرفقْ
إذا بك بانيا
|
وقولا له : أأنت سويت وسطها * منيرا إذا ما
جنه الليل هاديا
|
وقولا له : من يرسل الشمس غدوة * فيصبح ما
مست من الأرض ضاحيا (2/ 58)
|
وقولا له : من ينبت الحب في الثرى * فيصبح
منه البقل يهتز رابيا
|
ويخرج منه حبه في رءوسه * وفي ذاك آيات لمن
كان واعيا
|
وأنت بفضل منك نجيت يونسا وقد بات في أضعاف
حوت لياليا *
|
وإني ولو سبحت باسمك ربنا * لأكثر ، إلا ما
غفرت ، خطائيا
|
فرب العباد ألقِ سيبا ورحمة * علي وبارك في
بَنيَّ وماليا
|
وقال زيد بن عمرو يعاتب امرأته صفية بنت
الحضرمي -
|
*3*نسب الحضرمي
|
@ قال ابن هشام :
واسم الحضرمي : عبدالله بن عماد بن أكبر أحد الصدف ، واسم الصدف : عمرو بن مالك
أحد السكون بن أشرس بن كندي ؛ ويقال : كندة بن ثور بن مرتع بن عفير بن عدي بن
الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن مهسع بن عمرو بن عريب بن زيد بن كهلان بن سبأ ؛
ويقال : مرتع بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ .
|
*3*زيد يعاتب زوجته
لمنعها له عن البحث في الحنيفية
|
@ قال ابن إسحاق :
وكان زيد بن عمرو قد أجمع الخروج من مكة ليضرب في الأرض يطلب الحنيفية دين
إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، فكانت صفية بنت الحضرمي كلما رأته قد تهيأ للخروج
وأراده آذنت به الخطاب بن نفيل ، وكان (2/ 59) الخطاب بن نفيل عمه وأخاه لأمه ،
وكان يعاتبه على فراق دين قومه ، وكان الخطاب قد وكَّل صفية به ، وقال : إذا
رأيتيه قد هم بأمر فآذنيني به - فقال زيد :
|
لا تحبسيني في الهوا ن * صفيَّ ما دأبي
ودابُهْ
|
إني إذا خفت الهوا ن * مشيع ذُلُل ركابه
|
دعموص أبواب الملو ك * وجائب للخرق نابه
|
قطاع أسباب تذ لّ * بغير أقران صعابه
|
وإنما أخذ الهوا ن * العير إذ يوهي إهابه
|
ويقول إني لا أذ لّ بصك * جنبيه صلابه
|
وأخي ابن أمي ثم * عمّي لا يُواتيني خطابه
|
وإذا يعاتبني بسو ء * قلت أعياني جوابه
|
ولو أشاء لقلت ما * عندي مفاتحه وبابه
|
*3*قول زيد حين
يستقبل الكعبة
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثت عن بعض أهل زيد بن عمرو بن نفيل ، أن زيدا كان إذا استقبل الكعبة داخل
المسجد ، قال : لبيك حقا حقا ، تعبدا ورقا .
|
عذت بما عاذ به إبراهيمْ * مستقبل القبلة
وهو قائم (2/ 60)
|
إذ قال :
|
أنفي لك اللهم عان راغمْ * مهما تجشمني
فإني جاشم
|
البرَّ أبغي لا الخال ، ليس مُهجِّر كمن
قال . *
|
قال ابن هشام : ويقال : البر أبقى لا الخال
، ليس مهجر كمن قال .
|
قال : وقوله ( مستقبل الكعبة ) عن بعض أهل
العلم .
|
قال ابن إسحاق : وقال زيد بن عمرو بن نفيل
:
|
وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له الأرض تحمل
صخرا ثقالا
|
دحاها فلما رآها استوت * على الماء أرسى
عليها الجبالا
|
وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له المزن تحمل
عذبا زلالا
|
إذا هي سيقت إلى بلدة * أطاعت فصبت عليها
سجالا
|
*3*الخطاب يؤذي زيدا
ويحاصره
|
@ وكان الخطاب قد آذى
زيدا ، حتى أخرجه إلى أعلى مكة ، فنزل حراء مقابل مكة ، ووكل به الخطاب شبابا من
شباب قريش وسفهاء من سفهائها ، فقال لهم : لا تتركوه يدخل مكة ؛ فكان لا يدخلها
إلا سرا منهم ، فإذا علموا بذلك آذنوا به الخطاب فأخرجوه وآذوه كراهية أن يفسد
عليهم دينهم ، وأن يتابعه أحد منهم على فراقه .
|
فقال وهو يعظم حرمته على من استحل منه ما
استحل من قومه : (2/ 61)
|
لاهُمَّ إني محرم لا حِلَّهْ * وإن بيتي
أوسط المحلَّهْ
|
عند الصفا ليس بذي مَضلَّهْ *
|
*3*زيد يرحل إلى
الشام وموته
|
@ ثم خرج يطلب دين
إبراهيم عليه السلام ، ويسأل الرهبان والأحبار ، حتى بلغ الموصل والجزيرة كلها ،
ثم أقبل فجال الشام كله ، حتى انتهى إلى راهب بميفعة من أرض البلقاء كان ينتهي
إليه علم أهل النصرانية فيما يزعمون ، فسأله عن الحنيفية دين إبراهيم ؛ فقال :
إنك لتطلب دينا ما أنت بواجد من يحملك عليه اليوم ، ولكن قد أظل زمان نبي يخرج
من بلادك التي خرجت منها ، يُبعث بدين إبراهيم الحنيفية ، فالحق بها ، فإنه
مبعوث الآن ، هذا زمانه .
|
وقد كان شامَّ اليهودية والنصرانية ، فلم
يرض شيئا منهما ، فخرج سريعا ، حين قال له ذلك الراهب ما قال ، يريد مكة ، حتى
إذا توسط بلاد لخم عدوا عليه فقتلوه .
|
*3*ورقة يرثي زيدا
|
@ فقال ورقة بن نوفل
بن أسد يبكيه :
|
رشدت وأنعمت ابن عمرو وإنما * تجنبت تنورا
من النار حاميا (2/ 62)
|
بدينك ربا ليس رب كمثله * وتركك أوثان
الطواغي كما هيا
|
وإدراكك الدين الذي قد طلبته * ولم تك عن
توحيد ربك ساهيا
|
فأصبحت في دار كريم مقامها * تُعلَّل فيها
بالكرامة لاهيا
|
تلاقي خليل الله فيها ولم تكن * من الناس
جبارا إلى النار هاويا
|
وقد تدرك الإنسان رحمة ربه * ولو كان تحت
الأرض سبعين واديا
|
قال ابن هشام : يروى لأمية بن أبي الصلت
البيتان الأولان منها ، وآخرها بيتا في قصيدة له ، وقوله : ( أوثان الطواغي ) عن
غير ابن إسحاق . (2/ 63)
|
*2*صفة رسول الله صلى
الله عليه وسلم من الإنجيل
|
*3*يحنس الحواري يثبت
بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم من الإنجيل
|
@ قال ابن إسحاق :
وقد كان ، فيما بلغني عما كان وضع عيسى بن مريم فيما جاءه من الله في الإنجيل
لأهل الإنجيل من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مما أثبتت يحُنَّس الحواري
لهم ، حين نسخ لهم الإنجيل عن عهد عيسى بن مريم عليه السلام في رسول الله صلى
الله عليه وسلم إليهم أنه قال : من أبغضني فقد أبغض الرب ، ولولا أني صنعت
بحضرتهم صنائع لم يصنعها أحد قبلي ، ما كانت لهم خطيئة ، ولكن من الآن بطروا
وظنوا أنهم يعزونني ، وأيضا للرب ، ولكن لا بد من أن تتم الكلمة التي في الناموس
: أنهم أبغضوني مجَّانا ، أي باطلا . فلو قد (2/ 64) جاء اُلمنْحَمَنَّا هذا
الذي يُرسله الله إليكم من عند الرب ، وروح القدس ، هذا الذي من عند الرب خرج ،
فهو شهيد علي وأنتم أيضا ، لأنكم قديما كنتم معي في هذا قلت لكم : لكيما لا
تشكوا .
|
والمنحمنا بالسريانية : محمد ، وهو
بالرومية : البرَقْلِيطس ، صلى الله عليه و آله و سلم .
|
*2*مبعث النبي صلى
الله عليه وعلى آله وسلم تسليما
|
*3*أخذ الله الميثاق
على الرسل الإيمان به صلى الله عليه وسلم
|
@ قال حدثنا أبو محمد
عبدالملك بن هشام ، قال : حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق
المطلبي قال : فلما بلغ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (2/ 65) أربعين سنة
بعثه الله تعالى رحمة للعالمين ، وكافة للناس بشيرا ، وكان الله تبارك وتعالى قد
أخذ الميثاق على كل نبي بعثه قبله بالإيمان به ، والتصديق له ، والنصر له على من
خالفه ، وأخذ عليهم أن يؤدوا ذلك إلى كل من آمن بهم وصدقهم ، فأدوا من ذلك ما
كان عليهم من الحق فيه .
|
يقول الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وعلى
آله وسلم : ( وإذ أخذ الله ميثاق النيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ، ثم جاءكم
رسول مصدق لما معكم ، لتؤمنن به ولتنصرنه ، قال : أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري
) : أي ثقل ما حملتكم من عهدي ( قالوا أقررنا ، قال فاشهدوا وأنا معكم من
الشاهدين ) . فأخذ الله ميثاق النبيين (2/ 66) جميعا بالتصديق له ، والنصر له
ممن خالفه ، وأدوا ذلك إلى من آمن بهم وصدقهم من أهل هذين الكتابـين .
|
|
*3*الرؤيا الصادقة
أول ما بدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم
|
@ قال ابن إسحاق :
فذكر الزهري عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها أنها حدثته : أن أول ما
بُدىء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من النبوة ، حين أراد الله كرامته ورحمة
العباد به ، الرؤيا الصادقة ، لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا في نومه
إلا جاءت كفلق الصبح . قالت : وحبب الله تعالى إليه الخلوة ، فلم يكن شيء أحب
إليه من أن يخلو وحده .
|
*3*سلام الحجر والشجر
عليه صلى الله عليه وسلم
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني عبدالملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي ، وكان
واعية ، عن بعض أهل العلم :
|
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده
الله بكرامته ، وابتدأه بالنبوة ، كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى تحسر عنه البيوت
ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها ، فلا يمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر
ولا شجر إلا قال : السلام عليك يا رسول الله .
|
قال : فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2/ 67) حوله وعن يمينه وشماله وخلفه ، فلا يرى إلا الشجر والحجارة . فمكث رسول
الله صلى الله عليه وسلم كذلك يرى ويسمع ، ما شاء الله أن يمكث ، ثم جاءه جبريل
عليه السلام بما جاءه من كرامة الله ، وهو بحراء في شهر رمضان . (2/ 68)
|
|
*3*نزول جبريل عليه
صلى الله عليه وسلم
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني وهب بن كيسان ، مولى آل الزبير ، قال : سمعت عبدالله بن الزبير وهو يقول
لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي : حدثنا يا عبيد ، كيف كان بدء ما ابتدىء به رسول
الله صلى الله عليه وسلم من النبوة ، حين جاءه جبريل عليه السلام ؟ قال : فقال :
عبيد - وأنا حاضر يحدث عبدالله بن الزبير ومن عنده من الناس - : كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يجاور في حراء من كل سنة شهرا ، وكان ذلك مما تحنَّث به قريش
في الجاهلية . والتحنث التبرر .
|
قال ابن إسحاق : وقال أبو طالب :
|
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق ليرقى في
حراء ونازلِ
|
*3*التحنث والتحنف
|
@ قال ابن هشام :
تقول العرب : التحنث والتحنف ، يريدون الحنيفية فيبدلون الفاء من الثاء ، كما
قالوا : جدف ، وجدث ، يريدون القبر . قال رؤبة بن العجاج : (2/ 69)
|
لو كان أحجاري مع الأجداف *
|
يريد : الأجداث . وهذا البيت في أرجوزة له
. وبيت أبي طالب في قصيدة له ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها .
|
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة أن العرب
تقول : فم ، في موضع ثم ، يبدلون الفاء من الثاء .
|
قال ابن إسحاق : و حدثني وهب بن كيسان قال
: قال عبيد : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك يجاور الشهر من كل سنة ،
يطعم من جاءه من المساكين ، فإذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره من
شهره ذلك ، كان أول ما يبدأ به ، إذا انصرف من جواره ، الكعبة ، قبل أن يدخل
بيته ، فيطوف بها سبعا أو ما شاء الله من ذلك ، ثم يرجع إلى بيته ، (2/ 70) حتى
إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته ، من السنة التي
بعثه الله تعالى فيها ؛ وذلك الشهر شهر رمضان ، خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى حراء ، كما كان يخرج لجواره ومعه أهله ، حتى إذا كانت الليلة التي
أكرمه الله فيها برسالته ، ورحم العباد بها ، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله
تعالى .
|
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فجاءني
جبريل ، وأنا نائم ، بنمط من (2/ 71) ديباج فيه كتاب ، فقال : اقرأ ؛ قال : قلت
: ما أقرأ ؟ قال : فغتَّني (2/ 72) به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ، فقال :
اقرأ قال : قلت : ما أقرأ ؟ قال : فغتني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم أرسلني ،
فقال : اقرأ ؛ قال : قلت : ماذا أقرأ ؟ قال : فغتني به حتى ظننت أنه الموت ، ثم
أرسلني ، فقال : اقرأ ؛ قال : فقلت : ماذا أقرأ ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن
يعود لي بمثل ما صنع بي ؛ فقال : ( اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق
. اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم ) . قال : فقرأتها
ثم انتهى فانصرف عني وهببت من نومي ، فكأنما كتبت في قلبي كتابا . قال : فخرجت
حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعت صوتا من السماء يقول : يا محمد ، أنت رسول
الله وأنا جبريل ؛ قال : فرفعت رأسي إلى السماء أنظر ، فإذا جبريل في صورة رجل
صافّ قدميه في أفق السماء يقول : يا (2/ 73) محمد ، أنت رسول الله وأنا جبريل ؛
قال : فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتأخر ، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق
السماء ، قال : فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك ، فما زلت واقفا ما أتقدم
أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي ، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا
إليها وأنا واقف في مكاني ذلك ؛ ثم انصرف عني .
|
|
*3*الرسول صلى الله
عليه وسلم يخبر خديجة رضي الله عنها بنـزول جبريل عليه
|
@ وانصرفت راجعا إلى
أهلي حتى أتيت خديجة فجلست إلى فخذها مضيفا إليها : فقالت : يا أبا القاسم ، أين
كنت ؟ فوالله لقد بعثت رسلي في طلبك حتى بلغوا مكة ورجعوا لي ، ثم حدثتها بالذي
رأيت ، فقالت : أبشر يا ابن عم واثبت ، فوالذي نفس خديجة بيده إني لأرجو أن تكون
نبي هذه الأمة .
|
*3*خديجة رضي الله
عنها تخبر ورقة بن نوفل حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم
|
@ ثم قامت فجمعت
عليها ثيابها ، ثم انطلقت إلى ورقة بن نوفل بن أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وهو ابن
عمها ، وكان ورقة قد تنصر وقرأ الكتب ، وسمع من أهل التوراة والإنجيل ، فأخبرته
بما أخبرها به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه رأى وسمع ؛ فقال ورقة بن نوفل
: قدوس قدوس ، والذي نفس ورقة بيده ، لئن كنت صدقتيني يا خديجة لقد جاءه الناموس
الأكبر (2/ 74) الذي كان يأتي موسى ، وإنه لنبي هذه الأمة ، فقولي له : فليثبت .
|
فرجعت خديجة إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فأخبرته بقول ورقة بن نوفل ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم جواره
وانصرف ، صنع كما كان يصنع بدأ بالكعبة فطاف بها ، فلقيه ورقة بن نوفل وهو يطوف
بالكعبة فقال : يا ابن أخي أخبرني بما رأيت وسمعت ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه
وسلم ؛ فقال له ورقة : والذي نفسي بيده ، إنك لنبي هذه الأمة ، وقد جاءك الناموس
الأكبر الذي جاء موسى ولتكذبنه ولتؤذينه ولتخرجنه ولتقاتلنه ، ولئن أنا أدركت
ذلك اليوم لأنصرن الله نصرا يعلمه ، ثم أدنى رأسه منه ، فقبل يافوخه ، ثم انصرف
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منـزله .
|
*3*تثبت خديجة رضي
الله عنها من الوحي
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني إسماعيل بن أبي حكيم مولى آل الزبير : أنه حُدث عن خديجة رضي الله عنها
أنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي ابن عم ، أتستطيع (2/ 75) أن
تخبرني بصاحبك هذا الذي يأتيك إذا جاءك ؟ قال : نعم ؛ قالت : فإذا جاءك فأخبرني
به .
|
فجاءه جبريل عليه السلام كما كان يصنع ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخديجة : يا خديجة ، هذا جبريل قد جاءني ؛
قالت : قم يا ابن عم فاجلس على فخذي اليسرى ؛ قال : فقام رسول الله صلى الله
عليه وسلم فجلس عليها ؛ قالت : هل تراه ؟ قال : نعم ؛ قالت : فتحولْ فاجلس على
فخذي اليمنى ؛ قال : فتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس على فخذها اليمنى
؛ فقالت : هل تراه ؟ قال : نعم . قالت : فتحول فاجلس في حجري ؛ قالت : فتحول
رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلس في حجرها ؛ قالت : هل تراه ؟ قال : نعم ؛ قال
: فتحسرت وألقت خمارها ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في حجرها ، ثم قالت
له : هل تراه ؟ قال : لا ؛ قالت : يا ابن عم ، اُُثبت وأبشر ، فوالله إنه لملك
وما هذا بشيطان .
|
قال ابن إسحاق : وقد حدثت عبدالله بن حسن
هذا الحديث ، فقال : قد سمعت أمي فاطمة بنت حسين تحدث بهذا الحديث عن خديجة ،
إلا أني سمعتها تقول : أدخلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بينها وبين درعها ،
فذهب عند ذلك جبريل ، فقالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا لملك وما هو
بشيطان . (2/ 76)
|
*2*ابتداء تنـزيل
القرآن
|
*3*متى نزل القرآن
|
@ قال ابن إسحاق :
فابتدىء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتنـزيل في شهر رمضان ، بقول الله عز
وجل : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان ) .
وقال الله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر .وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة
القدر خير من ألف شهر . تنـزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر . سلام
هي حتى مطلع الفجر ) . وقال الله تعالى : ( حم والكتاب المبين . إنا أنزلناه في
ليلة مباركة إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم . أمرا من عندنا إنا كنا
مرسلين ) . وقال تعالى : ( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم
الفرقان يوم التقى الجمعان ) . وذلك ملتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمشركين ببدر .
|
*3*تاريخ وقعة بدر
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني أبو جعفر محمد بن علي بن حسين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى
هو والمشركون ببدر يوم الجمعة ، صبيحة سبع عشرة من رمضان .
|
قال ابن إسحاق : ثم تتامّ الوحي إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم . وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه ، قد قبله بقبوله ،
وتحمل منه ما حمله على رضا العباد وسخطهم ، والنبوة أثقال ومؤنة ، لا يحملها ولا
يستطيع بها إلا أهل القوة والعزم من الرسل بعون الله تعالى وتوفيقه ، لما يلقون
من الناس وما يرد عليهم مما جاءوا به عن الله سبحانه وتعالى .
|
قال : فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم
على أمر الله ، على ما يلقى من قومه من الخلاف والأذى . (2/ 77)
|
|
*2*إسلام خديجة بنت
خويلد
|
*3*وقوفها بجانبه صلى
الله عليه وسلم
|
@ وآمنت به خديجة بنت
خويلد ، وصدقت بما جاءه من الله ، ووازرته على أمره ، وكانت أول من آمن بالله
وبرسوله ، وصدق بما جاء منه . فخفف الله بذلك عن نبيه صلى الله عليه وسلم ، لا
يسمع شيئا مما يكرهه من رد عليه وتكذيب له ، فيحزنه ذلك ، إلا فرج الله عنه بها
إذا رجع إليها ، تثبته وتخفف عليه ، وتصدقه وتهون عليه أمر الناس ، رحمها الله
تعالى .
|
*3*تبشير الرسول
لخديجة ببيت من قصب
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني هشام بن عروة ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب
رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أُبشِّر خديجة
ببيت من قصب ، لا صخب فيه ولانصب . (2/ 78) (2/ 79) قال ابن هشام : القصب ههنا :
اللؤلؤ المجوف .
|
*3*جبريل يقرىء خديجة
السلام من ربها
|
@ قال ابن هشام :
وحدثني من أثق به ، أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
فقال : أقرىء خديجة السلام من ربها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا
خديجة ، هذا جبريل يقرئك السلام من ربك ، فقالت خديجة : الله السلام ، ومنه
السلام ، وعلى جبريل السلام . (2/ 80)
|
*3*فترة الوحي ونزول
سورة الضحى
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة من ذلك ، حتى شق ذلك عليه
فأحزنه ، فجاءه جبريل بسورة الضحى ، يقسم له ربه ، وهو الذي أكرمه بما أكرمه به
، ما ودعه وما قلاه ، فقال تعالى : ( والضحى والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما
قلى ) . يقول : ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك . ( وللآخرة خير لك من
الأولى ) : أي لما عندي من مرجعك إلي ، خير لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا
. ( ولسوف يعطيك ربك فترضى ) من الفُلْج في الدنيا ، والثواب في الآخرة . ( ألم
يجدك يتيما فآوى . ووجدك ضالا فهدى . ووجدك عائلا فأغنى ) يعرفه الله ما ابتدأه
به من كرامته في عاجل أمره ، ومنِّه عليه في يتمه وعيلته وضلالته ، واستنقاذه من
ذلك كله برحمته .
|
*3*تفسير ابن هشام
لمفردات سورة الضحى
|
@ قال ابن هشام : سجى
: سكن . قال أمية بن أبي الصلت الثقفي :
|
إذ أتى موهنا وقد نام صحبي * وسجا الليل
بالظلام البهيم
|
وهذا البيت في قصيدة له ، ويقال للعين إذا
سكن طرفها : ساجية ، وسجا طرفها .
|
قال جرير بن الخطفى :
|
ولقد رمينك حين رحن بأعين * يقتلن من خلل
الستور سواجي (2/ 81)
|
وهذا البيت في قصيدة له . والعائل : الفقير
. قال أبو خراش الهذلي :
|
إلى بيته يأوي الضريك إذا شتا * ومستنبح
بالي الدريسين عائل
|
وجمعه : عالة وعيل . وهذا البيت في قصيدة
له سأذكرها في موضعها إن شاء الله . والعائل أيضا : الذي يعول العيال . والعائل
أيضا : الخائف . وفي كتاب الله تعالى : ( ذلك أدنى ألا تعولوا ) . وقال أبو طالب
:
|
بميزان قسط لا يخس شعيرة * له شاهد من نفسه
غيرُ عائل
|
وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها أن شاء
الله في موضعها . والعائل أيضا : الشيء المثقل المعيي . يقول الرجل : قد عالني
هذا الأمر : أي أثقلني وأعياني ، قال الفرزدق :
|
ترى الغر الجحاجح من قريش * إذا ما الأمر
في الحدثان عالا
|
وهذا البيت في قصيدة له .
|
( فأما اليتيم فلا
تقهر . وأما السائل فلا تنهر ) : أي لا تكن جبارا ولا متكبرا ، ولا فحاشا فظا
على الضعفاء من عباد الله . ( وأما بنعمة ربك فحدث ) : أي بما جاءك من الله من
نعمته وكرامته (2/ 82) من النبوة فحدث ، أي اذكرها وادع إليها ، فجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يذكر ما أنعم الله به عليه وعلى العباد به من النبوة سرا إلى
من يطمئن إليه من أهله .
|
*2*ابتداء ما افترض
الله سبحانه وتعالى على النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة وأوقاتها
|
@ وافتُرضت الصلاة
عليه ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله
وبركاته .
|
|
*3*افترضت الصلاة
ركعتين ركعتين ثم زيدت
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني صالح بن كيسان عن عروة بن الزبير ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : افترضت
الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ما افترضت عليه ركعتين ركعتين ، كل
صلاة ؛ ثم إن الله تعالى أتمها في الحضر أربعا ، وأقرها في السفر على فرضها
الأول ركعتين . (2/ 83)
|
*3*جبريل يعلم الرسول
صلى الله عليه وسلم الوضوء والصلاة
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني بعض أهل العلم : أن الصلاة حين افترضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
، أتاه جبريل وهو بأعلى مكة ، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي ، فانفجرت منه عين
، فتوضأ جبريل عليه السلام ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ، ليريه
كيف الطهور للصلاة ، ثم توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رأى جبريل توضأ ،
ثم قام به جبريل فصلى به ، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بصلاته ، ثم انصرف
جبريل عليه السلام .
|
*3*الرسول صلى الله
عليه وسلم يعلم خديجة الوضوء والصلاة
|
@ فجاء رسول الله صلى
الله عليه وسلم خديجة ، فتوضأ لها ليريها كيف الطهور للصلاة كما أراه جبريل ،
فتوضأت كما توضأ لها رسول الله عليه الصلاة والسلام ، ثم صلى بها رسول الله عليه
الصلاة والسلام كما صلى به جبريل فصلت بصلاته . (2/ 84)
|
|
*3*جبريل يعين لرسول
الله صلى الله عليه وسلم أوقات الصلاة
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني عتبة بن مسلم ، مولى بني تميم ، عن نافع بن جبير بن مطعم ، وكان نافع
كثير الرواية ، عن ابن عباس قال : لما افترضت الصلاة على رسول الله صلى الله
عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام ، فصلى به الظهر حين مالت الشمس ، ثم صلى به
العصر حين كان ظله مثله ، ثم صلى به المغرب حين غابت الشمس ، ثم صلى به العشاء
الآخرة حين ذهب الشفق ، ثم صلى به الصبح حين طلع الفجر ، ثم جاءه فصلى به الظهر
من غد حين كان ظله مثله ، ثم صلى به العصر حين كان ظله مثليه ، ثم صلى به المغرب
حين غابت الشمس لوقتها بالأمس ، ثم صلى به العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل
الأول ، ثم صلى به الصبح مسفرا غير مشرق ، ثم قال : يا محمد ، الصلاة فيما بين
صلاتك اليوم وصلاتك بالأمس .
|
*2*ذكر أن علي بن أبي
طالب رضي لله عنه أول ذكر أسلم
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
كان أول ذَكَر من الناس آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصلى معه وصدق بما
جاءه من الله تعالى : علي بن أبي طالب (2/ 85) ابن عبدالمطلب بن هاشم ، رضوان
الله وسلامه عليه ، وهو يومئذ ابن عشر سنين .
|
*3*نعمة الله على علي
بنشأته في كنف الرسول
|
@ وكان مما أنعم الله
به على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه
وسلم قبل الإسلام .
|
*3*سبب هذه النشأة
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مجاهد بن جبر بن أبي الحجاج ، قال : كان من
نعمة الله علي علي بن أبي طالب ، ومما صنع الله له ، وأراده به من الخير ، أن
قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثير ؛ فقال رسول الله صلى
الله عليه وسلم للعباس عمه ، وكان من أيسر بني هاشم ، يا عباس : إن أخاك أبا
طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة ، فانطلق بنا إليه ،
فلنخفف عنه من عياله ، آخذ من بنيه رجلا ، وتأخذ أنت رجلا ، فنكلهما عنه ؛ فقال
العباس : نعم .
|
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب ، فقالا له :
إنا نريد أن نخفف عنك من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه ؛ فقال لهما أبو
طالب : إذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتما - قال ابن هشام : ويقال : عقيلا
وطالبا - .
|
فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا ،
فضمه إليه ، وأخذ العباس جعفرا فضمه إليه ؛ فلم يزل علي مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى بعثه الله تبارك وتعالى (2/ 86) نبيا ، فاتبعه علي رضي الله عنه ، وآمن
به وصدقه ؛ ولم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه .
|
*3*الرسول صلى الله
عليه وسلم وعلي يخرجان إلى الصلاة في شعب مكة واكتشاف أبي طالب لهما
|
@ قال ابن إسحاق :
وذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج
إلى شعاب مكة ، وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفيا من أبيه أبي طالب ، ومن جميع
أعمامه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات فيها ، فإذا أمسيا رجعا . فمكثا كذلك ما
شاء الله أن يمكثا . ثم إن أبا طالب عثر عليهما يوما وهما يصليان ، فقال لرسول
الله صلى الله عليه وسلم : يا ابن أخي ! ما هذا الدين الذي أراك تدين به ؟ قال :
أي عم ، هذا دين الله ، ودين ملائكته ، ودين رسله ، ودين أبينا إبراهيم - أو كما
قال صلى الله عليه وسلم - بعثني الله به رسولا إلى العباد ، وأنت أي عم ، أحق من
بذلت له النصيحة ، ودعوته إلى الهدى ، وأحق من أجابني إليه وأعانني عليه ، أو
كما قال ؛ فقال أبو طالب : أي ابن أخي ، إني لا أستطيع أن أفارق دين آبائي وما
كانوا عليه ، ولكن والله لا يخلص إليك بشيء تكرهه ما بقيت .
|
وذكروا أنه قال لعلي : أي بني ، ما هذا
الدين الذي أنت عليه ؟ فقال : يا أبت ، آمنت بالله وبرسول الله ، وصدقته بما جاء
به ، وصليت معه لله واتبعته . فزعموا أنه قال له : أما إنه لم يدعك إلا إلى خير
فالزمه . (2/ 87)
|
*2*إسلام زيد بن
حارثة ثانيا
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
أسلم زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب بن عبدالعزى ابن امرئ القيس الكلبي ، مولى
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أول ذكر أسلم ، وصلى بعد علي بن أبي طالب .
|
*3*نسب زيد
|
@ قال ابن هشام : زيد
بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبدالعزى بن امرىء القيس بن عامر بن النعمان بن
عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن بكر بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن
ثور بن كلب بن وبرة .
|
وكان حكيم بن حزام بن خويلد قدم من الشام
برقيق ، فيهم زيد بن حارثة وصيف ، فدخلت عليه عمته خديجة بنت خويلد ، وهي يومئذ
عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال لها : اختاري يا عمة أي هؤلاء الغلمان
شئت فهو لك ؛ فاختارت زيدا فأخذته ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها ،
فاستوهبه منها ، فوهبته له ، فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبناه ، وذلك
قبل أن يوحى إليه .
|
*3*شعر حارثة أبي زيد
عندما فقده
|
@ وكان أبوه حارثة قد
جزع عليه جزعا شديدا ، وبكى عليه حين فقده ، فقال :
|
بكيت على زيد ولم أدر ما فعلْ * أحيّ
فيرُجى أم أتى دونه الأجلْ
|
فوالله ما أدرى وإني لسائل * أغالك بعدي
السهل أم غالك الجبل
|
ويا ليت شعري هل لك الدهر أوبة * فحسبي من
الدنيا رجوعك لي بجل (2/ 88)
|
تذكَّرْنيه الشمس عند طلوعها * وتعرض ذكراه
إذا غربها أفل
|
وإن هبت الأرواح هيجن ذكره * فيا طول ما
حزني عليه وما وجل
|
سأُعمل نص العيس في الأرض جاهدا * ولا أسأم
التطواف أو تسأم الإبل
|
حياتي أو تأتي علي منيتي * فكل امرىء فان
وإن غره الأمل
|
ثم قدم عليه وهو عند رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئت فأقم عندي ، وإن شئت
فانطلق مع أبيك ، فقال : بل أقيم عندك . فلم يزل عند رسول الله صلى الله عليه
وسلم حتى بعثه الله فصدقه وأسلم ، وصلى معه ؛ فلما أنزل الله عز وجل : ( أُدعوهم
لآبائهم ) . قال : أنا زيد بن حارثة .
|
*2*إسلام أبي بكر
الصديق رضي الله عنه وشأنه
|
*3*نسبه
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
أسلم أبو بكر بن أبي قحافة ، واسمه عتيق ، واسم أبي قحافة : عثمان بن عامر بن
عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر . (2/ 89)
|
*3*اسمه ولقبه
|
@ قال ابن هشام :
واسم أبي بكر : عبدالله ، وعتيق : لقب لحسن وجهه وعتقه .
|
*3*إسلامه
|
@ قال ابن إسحاق :
فلما أسلم أبو بكر رضي الله عنه : أظهر إسلامه ، ودعا إلى الله وإلى رسوله .
|
*3*إيلاف قريش له
ودعوته للإسلام
|
@ وكان أبو بكر رجلا
مألفا لقومه ، محببا سهلا ، وكان أنسب قريش لقريش ، وأعلم قريش بها ، وبما كان
فيها من خير وشر ؛ وكان رجلا تاجرا ، ذا خلق ومعروف ، وكان رجال قومه يأتونه
ويألفونه لغير واحد من الأمر ، لعلمه وتجارته وحسن مجالسته ، فجعل يدعو إلى الله
وإلى الإسلام من وثق به من قومه ، ممن يغشاه ويجلس إليه . (2/ 90)
|
*2*ذكر من أسلم من
الصحابة بدعوة أبي بكر رضي الله عنه
|
*3*إسلام عثمان ، و
الزبير و عبدالرحمن و سعد و طلحة
|
@ قال فأسلم بدعائه -
فيما بلغني - عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية ابن عبد شمس بن عبد مناف بن
قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب .
|
والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى
بن قصي بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي .
|
وعبدالرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن
الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي .
|
وسعد بن أبي وقاص ، واسم أبي وقاص : مالك
بن أهيب بن عبد مناف بن زهرة بن مرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . (2/ 91)
|
وطلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن
كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي ، فجاء بهم إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين استجابوا له فأسلموا وصلوا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ،
فيما بلغني : ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت فيه عنده كبوة ، ونظر وتردد ،
إلا ما كان من أبي بكر بن أبي قحافة ، ما عكم عنه حين ذكرته له ، وما تردد فيه .
|
قال ابن هشام : قوله : ( بدعائه ) عن غير
ابن إسحاق .
|
قال ابن هشام : قوله : عكم : تلبث . قال
رؤبة بن العجاج :
|
وانصاع وثَّاب بها وما عكم
|
قال ابن إسحاق : فكان هؤلاء النفر الثمانية
الذين سبقوا الناس بالإسلام ، فصلوا وصدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما
جاءه من الله .
|
*3*إسلام أبي عبيدة
|
@ ثم أسلم أبو عبيدة
بن الجراح ، واسمه عامر بن عبدالله بن الجراح بن هلال ابن أهيب بن ضبة بن الحارث
بن فهر .
|
*3*إسلام أبي سلمة
|
@ وأبو سلمة ، واسمه عبدالله
بن عبدالأسد بن هلال بن عبدالله بن عمر ابن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي
.
|
*3*إسلام الأرقم
|
@ والأرقم بن أبي
الأرقم . واسم أبي الأرقم عبد مناف بن أسد - وكان أسد يكنى أبا جندب - بن
عبدالله بن (2/ 92) عمر بن مخزوم بن يقظة ابن مرة بن كعب بن لؤي .
|
*3*إسلام عثمان بن
مظعون وأخويه
|
@ وعثمان بن مظعون بن
حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . وأخواه قدامة
وعبدالله ابنا مظعون بن حبيب .
|
*3*إسلام عبيدة بن
الحارث
|
@ وعبيدة بن الحارث
بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة ابن كعب بن لؤي .
|
*3*إسلام سعيد بن زيد
وامرأته
|
@ وسعيد بن زيد بن
عمرو بن نفيل بن عبدالعزى بن عبدالله بن قرط بن رياح بن رزاح بن عدي بن كعب بن
لؤي ؛ وامرأته فاطمة بنت الخطاب ابن نفيل بن عبدالعزى بن عبدالله بن قرط بن رياح
بن رزاح بن عدي ابن كعب بن لؤي ، أخت عمر بن الخطاب .
|
*3*إسلام أسماء
وعائشة ابنتي أبي بكر ، وخباب بن الأرت
|
@ وأسماء بنت أبي بكر
. وعائشة بنت أبي بكر ، وهي يومئذ صغيرة . وخباب بن الأرت ، حليف بني زهرة .
|
قال ابن هشام : خباب بن الأرت من بني تميم
، ويقال : هو من خزاعة . (2/ 93)
|
*3*إسلام عمير وابن
مسعود وابن القاري
|
@ قال ابن إسحاق :
وعمير بن أبي وقاص ، أخو سعد بن أبي وقاص . وعبدالله بن مسعود بن الحارث بن شمخ
بن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحارث ابن تميم بن سعد بن هذيل . ومسعود بن
القاري ، وهو مسعود ابن ربيعة بن عمرو بن سعد بن عبدالعزى بن حمالة بن غالب بن
محلم بن عائذة بن سبيع بن الهون بن خزيمة من القارة .
|
*3*شئ عن القارة
|
@ قال ابن هشام :
والقارة : لقب لهم ولهم يقال :
|
قد أنصف القارة من راماها *
|
وكانوا قوما رماة .
|
*3*إسلام سليط وأخيه
، وعياش وامرأته ، وخنيس ، وعامر
|
@ قال ابن إسحاق :
وسليط بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن
غالب بن فهر ؛ وأخوه حاطب بن عمرو . وعياش بن أبي ربيعة بن المغيرة بن عبدالله
بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي ؛ وامرأته أسماء بنت سلامة بن
مخربة التميمية . وخنيس بن حذافة بن عدي بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب
بن لؤي . وعامر بن ربيعة ، من عنـز بن وائل ، حليف آل الخطاب بن نفيل بن
عبدالعزى . (2/ 94)
|
قال ابن هشام : عنـز بن وائل أخو بكر بن
وائل ، من ربيعة بن نزار .
|
*3*إسلام ابني جحش ،
وجعفر وامرأته ، وحاطب وإخوته ونسائهم ، والسائب ، والمطلب وامرأته
|
@ قال ابن إسحاق :
وعبدالله ابن جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن
أسد بن خزيمة . وأخوه أبو أحمد بن جحش ، حليفا بني أمية بن عبد شمس .
|
وجعفر بن أبي طالب ؛ وامرأته أسماء بنت
عميس بن النعمان بن كعب بن مالك بن قحافة ، من خثعم ، وحاطب بن الحارث بن معمر
بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي ؛ وامرأته فاطمة
بنت المجلل بن عبدالله بن أبي قيس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسل بن عامر بن
لؤي بن غالب بن فهر ، وأخوه حطاب بن الحارث ؛ وامرأته فكيهة بنت يسار .
|
ومعمر بن الحارث بن معمر بن حبيب بن وهب بن
حذافة بن جمح بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .
|
والسائب بن عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب
.
|
والمطلب بن أزهر بن عبد عوف بن عبد بن
الحارث بن زهرة بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤي ، وامرأته : رملة بنت أبي عوف بن
صبيرة بن سُعيد بن سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي .
|
*3*إسلام نعيم
والنحام
|
@ و النحام ، واسمه
نُعيم بن عبدالله بن أسيد ، أخو بني عدي بن كعب بن لؤي .
|
*3*نسب نعيم
|
@ قال ابن هشام : هو
نعيم بن عبدالله بن أسيد بن عبد عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي ،
وإنما سمي النحام ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : لقد سمعت نحْمه في
الجنة .
|
قال ابن هشام : نحمه : صوته . و نحمه : حسه
. (2/ 95)
|
*3*إسلام عامر بن
فهيرة
|
@ قال ابن إسحاق :
وعامر بن فهيرة ، مولى أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
|
*3*نسبه
|
@ قال ابن هشام :
عامر بن فُهيرة مولَّد من مولدي الأسد ، أسود اشتراه أبو بكر رضي الله عنه منهم
.
|
*3*إسلام خالد بن
سعيد ونسبه وإسلام امرأته أمينة
|
@ قال ابن إسحاق :
وخالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن مرة بن كعب بن
لؤي ؛ وامرأته أُمينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة بن سبيع بن جعثمة بن سعد
بن مليح بن عمرو ، من خزاعة .
|
قال ابن هشام : ويقال : همُينة بنت خلف .
|
*3*إسلام حاطب وأبي
حذيفة
|
@ قال ابن إسحاق :
وحاطب بن عمرو بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر ابن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي بن
غالب بن فهر .
|
وأبو حذيفة ، واسمه مهشم - فيما قال ابن
هشام - بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب
بن لؤي .
|
*3*إسلام واقد وشيء
من خبره
|
@ وواقد بن عبدالله
بن عبد مناف بن عرين بن ثعلبة بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم ،
حليف بني عدي بن كعب .
|
قال ابن هشام : جاءت به باهلة ، فباعوه من
الخطاب بن نفيل ، (2/ 96) فتبناه ، فلما أنزل الله تعالى : ( ادعوهم لآبائهم )
قال : أنا واقد بن عبدالله ، فيما قال أبو عمرو المدني .
|
*3*إسلام بني البكير
|
@ قال ابن إسحاق :
وخالد وعامر وعاقل وإياس بنو البكير بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث
بن بكر بن عبد مناة بن كنانة حلفاء بني عدي بن كعب .
|
*3*إسلام عمار بن
ياسر حليف بني مخزوم بن يقظة
|
@ و عمار بن ياسر ،
حليف بني مخزوم بن يقظة .
|
قال ابن هشام : عمار بن ياسر عنسي من مذحج
.
|
*3*إسلام صهيب
|
@ قال ابن إسحاق : و
صهيب بن سنان ، أحد النمر بن قاسط ، حليف بني تميم بن مرة .
|
*3*نسب صهيب
|
@ قال ابن هشام :
النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ، ويقال : أفصى
بن دُعْميّ بن جديلة بن أسد ؛ ويقال : صهيب : مولى عبدالله بن جدعان بن عمرو بن
كعب بن سعد بن تيم ، ويقال : إنه رومي .
|
فقال بعض من ذكر أنه من النمر بن قاسط ،
إنما كان أسيرا في أرض الروم ، فاشتُري منهم . وجاء في الحديث عن النبي صلى الله
عليه و سلم : صهيب سابق الروم . (2/ 97)
|
*2*مباداة رسول الله
صلى الله عليه وسلم قومه ، وما كان منهم
|
*3*أمر الله له صلى
الله عليه وسلم بمباداة قومه
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
دخل الناس في الإسلام أرسالا من الرجال والنساء ، حتى فشا ذكر الإسلام بمكة ،
وتحدث به . ثم إن الله عز وجل أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يصدع بما جاءه
منه ، وأن يبادي الناس بأمره ، وأن يدعو إليه ؛ وكان بين ما أخفى رسول الله صلى
الله عليه وسلم أمره واستتر به إلى أن أمره الله تعالى بإظهار دينه ثلاث سنين -
فيما بلغني - من مبعثه ؛ ثم قال الله تعالى له : ( فاصدع بما تؤمر ، وأعرض عن
المشركين ) . وقال تعالى : ( وأنذر عشيرتك الأقربين . واخفض جناحك لمن اتبعك من
المؤمنين . وقل إني أنا النذير المبين ) .
|
*3*معنى اصدع بما
تؤمر
|
@ قال ابن هشام :
اصدع : افرق بين الحق والباطل .
|
قال أبو ذؤيب الهذلي ، واسمه خويلد بن خالد
، يصف أُتن وحش وفحلها :
|
وكأنهن ربابة وكأنه * يَسَر يُفيض على
القداح ويصدعُ (2/ 98)
|
أي يفرق على القداح ويبين أنصباءها . وهذا
البيت في قصيدة له .
|
وقال رؤبة بن العجاج :
|
أنت الحليم والأمير المنتقم * تصدع بالحق
وتنفي من ظلمْ
|
وهذان البيتان في أرجوزة له .
|
*3*خروج الرسول صلى
الله عليه وسلم بأصحابه للصلاة في الشعب
|
@ قال ابن إسحاق :
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلوا ، ذهبوا في الشعاب ، فاستخفوا
بصلاتهم من قومهم ، فبينا سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من المشركين وهم يصلون ،
فناكروهم ، وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد بن أبي وقاص يومئذ
رجلا من المشركين بِلَحْي بعير ، فشجه ، فكان أول دم هُريق في الإسلام .
|
*3*عداوة قومه له صلى
الله عليه و سلم ، ومساندة أبي طالب له
|
@ قال ابن إسحاق :
فلما بادى رسول الله صلى الله عليه وسلم قومه بالإسلام وصدع به كما أمره الله ،
لم يبعد منه قومه ، ولم يردوا عليه - فيما بلغني - حتى ذكر آلهتهم وعابها ؛ فلما
فعل ذلك أعظموه وناكروه ، وأجمعوا خلافه وعداوته ، إلا من عصم الله تعالى منهم
بالإسلام ، وهم قليل مستخفون ، وحدب على رسول الله صلى الله عليه وسلم عمُّه أبو
طالب ، ومنعه وقام دونه ، (2/ 99) ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر
الله ، مظهرا لأمره ، لا يرده عنه شيء .
|
فلما رأت قريش ، أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه ، من فراقهم وعيب آلهتهم ، ورأوا أن عمه
أبا طالب قد حدب عليه ، وقام دونه ، فلم يسلمه لهم ، مشى رجال من أشراف قريش إلى
أبي طالب ، عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة
بن كعب بن لؤي بن غالب . وأبو سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن
قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر .
|
قال ابن هشام : واسم أبي سفيان : صخر .
|
قال ابن إسحاق : وأبو البختري ، و اسمه
العاص بن هشام بن الحارث ابن أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن
لؤي .
|
قال ابن هشام : أبو البختري : العاص بن
هاشم .
|
قال ابن إسحاق : والأسود بن المطلب بن أسد
بن عبدالعزى بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي . وأبو جهل - واسمه عمرو ،
وكان يكنى أبا الحكم - بن هشام بن المغيرة بن (2/ 100) عبدالله بن عمر بن مخزوم
بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . والوليد بن المغيرة بن عبدالله ابن عمر بن مخزوم
بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي . و نُبيه ومنبه ابنا الحجاج بن عامر بن حذيفة بن
سعد بن سهم بن عمرو بن هصيص بن كعب بن لؤي . والعاص بن وائل .
|
قال ابن هشام : العاص بن وائل بن هاشم بن
سُعيد بن سهم بن عمرو بن هُصيص بن كعب بن لؤي .
|
*3*وفد قريش يعاتب
أبا طالب في شأن الرسول الله صلى الله عليه و سلم
|
@ قال ابن إسحاق : أو
من مشى منهم . فقالوا : يا أبا طالب ، إن ابن أخيك قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ،
وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ؛ فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه ،
فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ، فنكفيكه ؛ فقال لهم أبو طالب قولا رفيقا ،
وردهم ردا جميلا ، فانصرفوا عنه .
|
*3*الرسول صلى الله
عليه وسلم يستمر في دعوته
|
@ ومضى رسول الله صلى
الله عليه وسلم على هو عليه ، يظهر دين الله ، ويدعو إليه ، ثم شرى الأمر بينه
وبينهم حتى تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلى الله عليه
وسلم بينها ، فتذامروا فيه ، وحض بعضهم بعضا عليه .
|
*3*رجوع الوفد إلى
أبي طالب مرة ثانية
|
@ ثم إنهم مشوا إلى
أبي طالب مرة أخرى ، فقالوا له : يا أبا طالب ، إن لك سنا وشرفا ومنـزلة فينا ،
وإنا قد استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه عنا ، وإنا والله لا نصبر على هذا من
شتم آباءنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى (2/ 101) تكفه عنا ، أو ننازله
وإياك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين ، أوكما قالوا له . ثم انصرفوا عنه ، فعظم
على أبي طالب فراق قومه وعداوتهم ، ولم يطب نفسا بإسلام رسول الله صلى الله عليه
وسلم لهم ولا خذلانه .
|
|
*3*ما دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم
وأبي طالب
|
@ قال ابن إسحاق :
وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حُدث : أن قريشا حين قالوا لأبي
طالب هذه المقالة ، بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : يا ابن
أخي ، إن قومك قد جاءوني ، فقالوا لي كذا وكذا ، للذي كانوا قالوا له ، فأبقِ
علي وعلى نفسك ، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق ؛ قال : فظن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بداء أنه خاذله ومسلمه ، وأنه قد ضعف عن نصرته
والقيام معه .
|
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
يا عم ، والله لو وضعوا الشمس في يميني ، و القمر في يساري على أن أترك هذا
الأمر حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته . قال : ثم استعبر رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فبكى ثم قام ؛ فلما ولى ناداه أبو طالب ، فقال : أقبل يا ابن
أخي ؛ قال : فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : اذهب يا بن أخي ،
فقل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء أبدا .
|
*3*قريش تعرض عمارة
بن الوليد المخزومي على أبي طالب
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
إن قريشا حين عرفوا أن أبا طالب قد أبى خذلان رسول (2/ 102) الله صلى الله عليه
وسلم وإسلامه ، وإجماعه لفراقهم في ذلك وعداوتهم ، مشوا إليه بعُمارة بن الوليد
بن المغيرة ، فقالوا له - فيما بلغني - : يا أبا طالب ، هذا عمارة بن الوليد ،
أنهد فتى في قريش وأجمله ، فخذه فلك عقله ونصره ، واتخذه ولدا فهو لك ، وأسلم
إلينا ابن أخيك هذا ، الذي قد خالف دينك ودين آبائك ، وفرق جماعة قومك ، وسفه
أحلامهم ، فنقتله ، فإنما هو رجل برجل ؛ فقال : والله لبئس ما تسومونني ! أتعطونني
ابنكم أغذوه لكم ، وأعطيكم ابني تقتلونه ! هذا والله ما لا يكون ابدا .
|
قال : فقال المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد
مناف بن قصي : و الله يا أبا طالب لقد أنصفك قومك ، وجهدوا على التخلص مما تكرهه
، فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئا ؛ فقال أبو طالب للمطعم : والله ما أنصفوني ،
ولكنك قد أجمعت خذلاني ومظارهة القوم علي ، فاصنع ما بدا لك ، أو كما قال . قال
: فحقب الأمر ، وحميت الحرب ، وتنابذ القوم ، وبادى بعضهم بعضا .
|
*3*شعر أبي طالب في
التعريض بالمطعم ومن خذله من عبد مناف
|
@ فقال أبو طالب عند
ذلك ، يعرض بالمطعم بن عدي ، ويُعم من خذله من بني عبد مناف ، ومن عاداه من
قبائل قريش ، ويذكر ما سألوه ، وما تباعد من أمرهم :
|
ألا قل لعمرو والوليد ومطعم * ألا ليت حظي
من حياطتكم بكْرُ (2/ 103)
|
من الخور حبحاب كثير رُغاؤه * يُرش على
الساقين من بوله قطر
|
تخلف خلف الوِرْد ليس بلاحق * إذا ما علا
الفيفاء قيل له وبر
|
أرى أخوينا من أبينا وأمنا * إذا سئلا قالا
إلى غيرنا الأمر
|
بلى لهما أمر ولكن تجرجما * كما جُرجمت من
رأس ذي علق الصخر
|
أخص خصوصا عبد شمس ونوفلا * هما نبذانا مثل
ما يُنبذ الجمر
|
هما أغمزا للقوم في أخويهما * فقد أصبحا
منهم أكفهما صِفْرُ
|
هما أشركا في المجد من لا أبا له * من
الناس إلا أن يُرس له ذكر
|
وتيم ومخزوم وزُهرة منهمُ * وكانوا لنا
مولى إذا بُغي النصر
|
فوالله لا تنفك منا عداوة * ولا منهمُ ما
كان من نسلنا شفر
|
فقد سفهت أحلامهم وعقولهم * وكانوا كجفر
بئس ما صنعت جفر
|
قال ابن هشام : تركنا منها بيتين أقذع
فيهما .
|
|
*3*قريش تظهر عداوتها للمسلمين
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
إن قريشا تذامروا بينهم على من في القبائل منهم من أصحاب رسول الله صلى الله
عليه وسلم الذين (2/ 104) أسلموا معه ، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين
يعذبونهم ، ويفتنونهم عن دينهم ، ومنع الله رسوله صلى الله عليه وسلم منهم بعمه
أبي طالب ، وقد قام أبو طالب ، حين رأى قريشا يصنعون ما يصنعون في بني هاشم وبني
المطلب ، فدعاهم إلى ما هو عليه ، من منع رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
والقيام دونه ؛ فاجتمعوا إليه ، وقاموا معه ، وأجابوه إلى ما دعاهم إليه ، إلا
ما كان من أبي لهب ، عدو الله الملعون .
|
*3*شعر أبي طالب في
مدح قومه لنصرته
|
@ فلما رأى أبو طالب
من قومه ما سره في جهدهم معه ، وحدبهم عليه ، جعل يمدحهم ويذكر قديمهم ، ويذكر
فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم ، ومكانه منهم ، ليشد لهم رأيهم ،
وليحدبوا معه على أمره ، فقال :
|
إذا اجتمعت يوما قريش لمفخر * فعبد مناف
سرها وصميمها
|
وإن حُصّلت أشراف عبد منافها * ففي هاشم
أشرافها وقديمها
|
وإن فخرت يوما فإن محمدا هو المصطفى من
سرها وكريمها *
|
تداعت قريش غثها وسمينها علينا فلم تظفر
وطاشت حلومها *
|
وكنا قديما لا نقر ظُلامة إذا ما ثنوا
صُعْر الخدود نُقيمها *
|
ونحمي حماها كل يوم كريهة * ونضرب عن
أجحارها من يرومها
|
بنا انتعش العود الذَّوَاء وإنما *
بأكنافنا تندى وتنمى أرومها (2/ 105)
|
|
*2*الوليد بن المغيرة و كيده للرسول ،
وموقفه من القرآن
|
*3*اجتماعه بنفر من
قريش ليبيتوا ضد النبي صلى الله عليه و سلم
|
@ و اتفاق قريش أن
يصفوا الرسول صلى الله عليه و سلم بالساحر ، و ما أنزل الله فيهم
|
ثم إن الوليد بن المغيرة اجتمع إليه نفر من
قريش ، وكان ذا سن فيهم ، وقد حضر الموسم فقال لهم : يا معشر قريش ، إنه قد حضر
هذا الموسم ، وإن وفود العرب ستقدم عليكم فيه ، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا ،
فأجمعوا فيه رأيا واحدا ، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا ، ويرد قولكم بعضه بعضا
؛ قالوا : فأنت يا أبا عبد شمس ، فقلْ وأقمْ لنا رأيا نقول به ؛ قال : بل أنتم
فقولوا أسمعْ ؛ قالوا : نقول كاهن ؛ قال : لا والله ما هو بكاهن ، لقد رأينا
الكهان فما هو بزمزمة الكاهن ولا سجعه ؛ قالوا : فنقول : مجنون ؛ قال : ما هو
بمجنون ، لقد رأينا الجنون وعرفناه ، فما هو بخنقه ، ولا تخالجه ، ولا وسوسته ؛
قالوا : فنقول : شاعر ؛ قال : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كله رجزه وهزجه وقريضه
ومقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر ؛ قالوا : فنقول : ساحر ؛ قال : ما هو بساحر ،
لقد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثهم ولا عقدهم ؛ قالوا : فما نقول يا أبا
عبد شمس ؟ قال : والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعذق ، وإن فرعه لجناة - قال
ابن هشام : (2/ 106) ويقال لغَدَق - وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عُرف أنه
باطل ، وإن أقرب القول فيه لأن تقولوا ساحر ، جاء بقول هو سحر يفرق به بين المرء
وأبيه ، وبين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وعشيرته .
|
فتفرقوا عنه بذلك ، فجعلوا يجلسون بسبل
الناس حين قدموا الموسم ، لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه ، وذكروا لهم أمره .
|
فأنزل الله تعالى في الوليد بن المغيرة و
في ذلك من قوله : ( ذرني ومن خلقت وحيدا ، وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ،
ومهَّدت له تمهيدا . ثم يطمع أن أزيد . كلا إنه كان لآياتنا عنيدا ) : أي خصيما
. (2/ 107)
|
قال ابن هشام : عنيد : معاند مخالف . قال
رؤبة بن العجاج :
|
ونحن ضرابون رأس العُنَّدِ *
|
وهذا البيت في أرجوزة له .
|
( سأرهقه صعودا ، إنه
فكر وقدر ، فقتل كيف قدر . ثم قتل كيف قدر . ثم نظر ، ثم عبس وبسر ) .
|
قال ابن هشام : بسر : كره وجهه . قال
العجاج :
|
مضبر اللحيين بسرا منهسا *
|
يصف كراهية وجهه . وهذا البيت في أرجوزة له
.
|
( ثم أدبر واستكبر
فقال إن هذا إلا سحر يؤثر ، إن هذا إلا قول البشر ) .
|
*3*رد القرآن على صحب
الوليد
|
@ قال ابن إسحاق :
وأنزل الله تعالى : في النفر الذين كانوا معه يصنفون القول في رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وفيما جاء به من الله تعالى : ( كما أنزلنا على المقتسمين . الذين
جعلوا القرآن عضين . فوربك لنسئلنهم أجمعين . عما كانوا يعملون ) .
|
قال ابن هشام : واحدة العضين : عضة ، يقول
: عضوه : فرقوه . قال رؤبة بن العجاج :
|
وليس دين الله بالمُعَضَّى *
|
وهذا البيت في أرجوزة له . (2/ 108)
|
*3*تفرق النفر في
قريش يشوهون رسالة الرسول صلى الله عليه و سلم
|
@ قال ابن إسحاق :
فجعل أولئك النفر يقولون ذلك في رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن لقوا من الناس
، وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فانتشر ذكره
في بلاد العرب كلها .
|
*3*شعر أبي طالب في
معاداة خصومه
|
@ فلما خشي أبو طالب
دهماء العرب أن يركبوه مع قومه ، قال قصيدته التى تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه
منها ، وتودد فيها أشراف قومه ، وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه
غير مسلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تاركه لشيء أبدا حتى يهلك دونه ،
فقال :
|
ولما رأيت القوم لا ود فيهمُ * وقد قطعوا
كل العرى والوسائل
|
وقد صارحونا بالعداوة والأذى * وقد طاوعوا
أمر العدو المزايل
|
وقد حالفوا قوما علينا أظنّة * يعضون غيظا
خلفنا بالأنامل
|
صبرت لهم نفسي بسمراء سمحة * وأبيض عضب من
تراث المقاول
|
وأحضرت عند البيت رهطي وإخوتي * وأمسكت من
أثوابه بالوصائل
|
قياما معا مستقبلين رتاجه * لدي حيث يقضي
حلفه كل نافل
|
وحيث يُنيخ الأشعرون ركابهم * بمفضَى
السيول من إساف ونائل (2/ 109)
|
موسمَّة الأعضاد أو قصراتها * مخُيَّسة بين
السَّديس وبازل
|
ترى الودع فيها والرخام وزينة * بأعناقها
معقودة كالعثاكل
|
أعوذ برب الناس من كل طاعن * علينا بسوء أو
مُلحّ بباطل
|
ومن كاشح يسعى لنا بمعيبة * ومن ملحق في
الدين ما لم نحاول
|
وثور ومن أرسى ثبيرا مكانه * وراق ليرقى في
حراء ونازل
|
وبالبيت ، حق البيت ، من بطن مكة * وبالله
إن الله ليس بغافل
|
وبالحجر المسودّ إذ يمسحونه * إذا اكتنفوه
بالضحى والأصائل
|
وموطىء إبراهيم في الصخر رطبة * على قدميه
حافيا غير ناعل (2/ 110)
|
وأشواط بين المروتين إلى الصفا * وما فيهما
من صورة وتماثل
|
ومن حج بيت الله من كل راكب ومن كل ذي نذر
ومن كل راجل *
|
وبالمشعر الأقصى إذا عمدوا له * إلالٌ إلى
مُفضَى الشراج القوابل
|
وتوقافهم فوق الجبال عشية * يقيمون بالأيدي
صدور الرواحل
|
وليلة جمع والمنازل من منى * وهل فوقها من
حرمة ومنازل
|
وجمع إذا ما المقربات أجزنه * سراعا كما
يخرجن من وقع وابل
|
وبالجمرة الكبرى إذا صمدوا لها * يؤمون
قذفا رأسها بالجنادل
|
وكندة إذ هم بالحصاب عشية * تجيز بهم
حُجَّاج بكر بن وائل
|
حليفان شدا عقد ما احتلفا له * وردَّا عليه
عاطفات الوسائل
|
وحطمهمُ سمُر الصفاح وسرحه * وشبرقة وَخْدَ
النعام الجوافل (2/ 111)
|
فهل بعد هذا من معاذ لعائذ * وهل من معيذ يتقى
الله عاذل
|
يُطاع بنا أمر العدَّى وودّوا لو اننا *
تُسد بنا أبواب ترك وكابل
|
كذبتم وبيت الله نترك مكة * ونظعن إلا
أمركم في بلابل
|
كذبتم وبيت الله نُبزَى محمدا * ولما نطاعن
دونه ونناضل
|
ونسلمه حتى نصرع حوله * و نذهل عن أبنائنا
والحلائل
|
وينهض قوم في الحديد إليكمُ * نهوض الروايا
تحت ذات الصلاصل
|
وحتى ترى ذا الضغن يركب رَدْعه من الطعن
فعل الأنكب المتحامل *
|
وإنا لعمر الله إنْ جدَّ ما أرى *
لَتلتبسنْ أسيافنا بالأماثل
|
بِكفَّيْ فتى مثل الشهاب سميدع * أخي ثقة
حامي الحقيقة باسل
|
شهورا وأياما وحولا مجَرَّما * علينا وتأتي
حِجة بعد قابل
|
وما ترك قوم ، لا أبا لك ، سيدا * يحوط
الذمار غير ذرب مواكل
|
وأبيض يستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى
عصمة للأرامل
|
يلوذ به الهُلاّف من آل هاشم فهم عنده في
رحمة وفواضل * (2/ 112)
|
لعمري لقد أجرى أسيد وبكره * إلى بغضنا
وجزّآنا لآكل
|
وعثمان لم يربع علينا وقنفذ * ولكن أطاعا
أمر تلك القبائل
|
أطاعا أُبيّا وابن عبد يغوثهم * ولم يرقبا
فينا مقالة قائل
|
كما قد لقينا من سُبيع ونوفل * وكلٌّ تولى
معرضا لم يجُامل
|
فإن يُلْقيا أو يمُكن الله منهما * نكلْ
لهما صاعا بصاع المُكايل
|
وذاك أبو عمرو أبي غير بُغضنا * ليُظعننا
في أهل شاء وجامل
|
يناجي بنا في كل ممسى ومصبح * فناج أبا
عمرو بنا ثم خاتل
|
ويُؤْلى لنا بالله ما إن يغشُّنا * بلى قد
نراه جهرة غير حائل
|
أضاق عليه بغضنا كل تلعة * من الأرض بين
أخشب فمجادل
|
وسائلْ أبا الوليد ماذا حبوتنا * بسعيك
فينا معرضا كالمخاتل
|
وكنت امرأ ممن يُعاش برأيه * ورحمته فينا
ولست بجاهل
|
فعتبة لا تسمع بنا قول كاشح * حسود كذوب
مبغض ذي دغاول
|
ومر أبو سفيان عني معرضا * كما مر قَيْلٌ
من عظام المقاول (2/ 113)
|
يفر إلى نجد وبرد مياهه * ويزعم أني لست
عنكم بغافل
|
ويخبرنا فعل المناصح أنه * شفيق ويخفي
عارمات الدواخل
|
أمطعمُ لم أخذلك في يوم نجدة * ولا معظم
عند الأمور الجلائل
|
ولا يوم خصم إذا أتوك ألدّة * أُولي جدل من
الخصوم المساجل
|
أمطعم إن القوم ساموك خطة * وإني متى
أُوكلْ فلست بوائل
|
جزى الله عنا عبد شمس ونوفلا * عقوبة شر
عاجلا غير آجل
|
بميزان قسط لا يخُسّ شعيرة * له شاهد من
نفسه غير عائل
|
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا * بني خلف قيضا
بنا والغياطل
|
ونحن الصميم من ذؤابة هاشم * وآل قصي في
الخطوب الأوائل
|
وسهم ومخزوم تمالوا وألَّبوا * علينا العدا
من كل طمل وخامل (2/ 114)
|
فعبد مناف أنتم خير قومكم * فلا تشركوا في
أمركم كل واغل
|
لعمري لقد وهنتمُ وعجزتمُ * وجئتم بأمر
مخطىء للمفاصل
|
وكنتم حديثا حطب قدر وأنتم الْ آن * حطاب
أَقدُر ومراجل
|
ليهنىء بني عبد مناف عقوقنا * وخذلاننا
وتركنا في المعاقل
|
فإن نك قوما نتَّئر ما صنعتمُ * وتحتلبوها
لقحة غير باهل
|
وسائط كانت في لؤي بن غالب * نفاهم إلينا
كل صقر حُلاحل
|
ورهط نفيل شر من وطىء الحصى * وألأم حاف من
معد وناعل
|
فأبلغ قصيا أن سيُنشر أمرنا * وبشر قصيا
بعدنا بالتخاذل
|
ولو طرقت ليلا قصيا عظيمة * إذا ما لجأنا
دونهم في المداخل
|
ولو صدقوا ضربا خلال بيوتهم * لكنا أٌسى
عند النساء المطافل
|
فكل صديق وابن أخت نعده * لعمري وجدنا
غِبَّه غير طائل
|
سوى أن رهطا من كلاب بن مرة * براء إلينا
من معقَّة خاذل (2/ 115)
|
وهنَّا لهم حتى تبدد جمعهم * ويحسر عنا كل
باغ وجاهل
|
وكان لنا حوض السقاية فيهم * ونحن الكُدى
من غالب والكواهل
|
شباب من المطيِّبين وهاشم * كبيض السيوف
بين أيدي الصياقل
|
فما أدركوا ذحلا ولا سفكوا دما * ولا
حالفوا إلا شرار القبائل
|
بضرب ترى الفتيان فيه كأنهم * ضواري أسود
فوق لحم خرادل
|
بني أمة محبوبة هندكية * بني جمح عُبيد قيس
بن عاقل
|
ولكننا نسل كرام لسادة * بهم نُعي الأقوام
عند البواطل
|
ونعم ابن أخت القوم غير مكذَّب * زهير حساما
مفردا من حمائل
|
أشمُّ من الشم البهاليل ينتمي * إلى حسب في
حومة المجد فاضل
|
لعمري لقد كُلِّفت وجدا بأحمد وإخوته دأب
المحب المواصل *
|
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها * وزينا
لمن والاه رب المشاكل
|
فمن مثله في الناس أي مُؤمَّل * إذا قاسه
الحكام عند التفاضل
|
حليم رشيد عادل غير طائش * يوالي إلاها ليس
عنه بغافل
|
فوالله لولا أن أجيء بسنة * تجُر على
أشياخنا في المحافل
|
لكنا اتبعناه على كل حالة * من الدهر جِدّا
غير قول التهازل
|
لقد علموا أن ابننا لا مكذَّب لدينا ولا
يُعنى بقول الأباطل * (2/ 116)
|
فأصبح فينا أحمد في أرومة * تُقصِّر عنه
سورة المتطاول
|
حدبت بنفسي دونه وحميته * ودافعت عنه
بالذرا والكلاكل
|
فأيده ربُّ العباد بنصره * وأظهر دينا حقه
غير باطل
|
رجال كرام غير مِيل نماهم * إلى الخير آباء
كرام المحاصل
|
فإن تك كعب من لؤي صُقيبة * فلا بد يوما
مرة من تزايل
|
قال ابن هشام : هذا ما صح لي من هذه
القصيدة ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكر أكثرها .
|
*3*الرسول عليه
الصلاة والسلام يستقي لأهل المدينة حين أقحطوا ، فنـزل المطر ، وود لو أن أبا
طالب حي ، ليرى ذلك
|
@ قال ابن هشام :
وحدثني من أثق به ، قال : أقحط أهل المدينة ، فأتوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فشكوا ذلك إليه ، فصعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستسقى ،
فما لبث أن جاء من المطر ما أتاه أهل الضواحي يشكون منه الغرق ؛ فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : اللهم حوالينا ولا علينا ، فانجاب السحاب عن المدبنة فصار
(2/ 117) حوليها كالإكليل ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو أردك أبو
طالب هذا اليوم لسره ، فقال له بعض أصحابه : كأنك يا رسول الله أردت قوله :
|
وأبيض يُستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى
عصمة للأرامل
|
قال : أجل .
|
قال ابن هشام : وقوله ( وشبرقة ) عن غير
ابن إسحاق .
|
*3*ذكر الأسماء التى
وردت في قصيدة أبي طالب
|
@ قال ابن إسحاق :
والغياطل : من بني سهم بن عمرو بن هصيص ، وأبو سفيان بن حرب بن أمية . ومطعم بن
عدي بن نوفل بن عبد مناف . وزهير بن أبي أمية بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن
مخزوم ، و أمه عاتكة بنت عبدالمطلب .
|
قال ابن إسحاق : وأسيد ، وبكره : عتاب بن
أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي . وعثمان بن عبيد الله
، أخو طلحة بن عبيد الله التيمي . وقنفذ بن عمير بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد
بن تيم بن مرة . وأبو الوليد عتبة بن ربيعة . وأُبيّ الأخنس بن شريق الثقفي ، حليف
بني زهرة بن كلاب .
|
قال ابن هشام : وإنما سمي الأخنس ، لأنه
خنس بالقوم يوم بدر ، وإنما اسمه أُبي ، وهو من بني علاج ، وهو علاج بن أبي سلمة
بن عوف بن عقبة . والأسود بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب .
وسبيع بن خالد ، أخو بلحارث بن فهر . ونوفل بن خويلد بن أسد بن عبدالعزى بن قصي
، وهو ابن العدوية . وكان من شياطين قريش ، وهو الذي قرن بين أبي بكر الصديق
وطلحة بن عبيد الله رضي الله عنهما في حبل حين أسلما ، فبذلك كانا يُسميان (2/
118) القرينين ؛ قتله علي بن أبي طالب عليه السلام يوم بدر . وأبو عمرو قُرظة بن
عبد عمرو بن نوفل بن عبد مناف .
|
( وقوم علينا أظنَّة
) : بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ، فهؤلاء الذين عدد أبو طالب في شعره من العرب
.
|
*3*انتشار ذكر الرسول
في القبائل خارج مكة ، و لاسيما في الأوس و الخزرج
|
@ فلما انتشر أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم في العرب ، وبلغ البلدان ، ذكر بالمدينة ، ولم يكن
حي من العرب أعلم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين ذكر ، وقبل أن يذكر من
هذا الحي من الأوس والخزرج ، وذلك لما كانوا يسمعون من أحبار اليهود ، وكانوا
لهم حلفاء ، ومعهم في بلادهم . فلما وقع ذكره بالمدينة ، وتحدثوا بما بين قريش
فيه من الاختلاف . قال أبو قيس بن الأسلت . أخو بني واقف .
|
*3*نسب أبي قيس بن
الأسلت
|
@ قال ابن هشام : نسب
ابن إسحاق أبا قيس هذا هاهنا إلى بني واقف ، ونسبه في حديث الفيل إلى خطمة ، لأن
العرب قد تنسب الرجل إلى أخي جده الذي هو أشهر منه . (2/ 119)
|
قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة : أن الحكم
بن عمرو الغفاري من ولد نُعيلة أخي غفار . وهو غفار بن مليل ، ونعيلة بن مليل بن
ضمرة بن بكر ابن عبد مناة ، وقد قالوا عتبة بن غزوان السلمي ، وهو من ولد مازن
بن منصور وسُليم بن منصور .
|
قال ابن هشام : فأبو قيس بن الأسلت : من
بني وائل ؛ ووائل ، وواقف ، وخطمة إخوة من الأوس .
|
*3*شعر ابن الأسلت في
الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم
|
@ قال ابن إسحاق :
فقال أبو قيس بن الأسلت - وكان يحب قريشا ، وكان لهم صهرا ، كانت عنده أرنب بنت
أسد بن عبدالعزى بن قصي ، وكان يقيم عندهم السنين بامرأته - قصيدة يعظم فيها
الحرمة ، وينهى قريشا فيها عن الحرب ، ويأمرهم بالكف بعضهم عن بعض ، ويذكر فضلهم
وأحلامهم ، ويأمرهم بالكف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويذكرهم بلاء الله
عندهم ، ودَفْعَه عنهم الفيل وكيده عنهم ، فقال :
|
يا راكبا إما عرضت فبلغن * مغلغلة عني لؤي
بن غالب
|
رسول امرئ قد راعه ذات بينكم * على النأي
محزون بذلك ناصب
|
وقد كان عندي للهموم معرَّس * فلم أقض منها
حاجتي ومآربي
|
نُبيِّتكم شرجين كل قبيلة * لها أزمل من
بين مُذْك وحاطب (2/ 120)
|
أعيذكم بالله من شر صنعكم * وشر تباغيكم
ودس العقارب
|
وإظهار أخلاق ونجوى سقيمة * كوخز الأشافي
وقعها حق صائب
|
فذكِّرهم بالله أول وهلة * وإحلال أحرام
الظباء الشوازب
|
وقل لهم والله يحكم حكمه * ذروا الحرب تذهب
عنكم في المراحب
|
متى تبعثوها تبعثوها ذميمة * هي الغُول
للأقصَين أو للأقارب
|
تُقطِّع أرحاما وتهلك أمة * وتَبرْي السديف
من سنام وغارب
|
وتستبدلوا بالأتحمية بعدها * شليلا وأصداء
ثياب المحارب
|
وبالمسك والكافور غُبرْا سوابغا * كأن
قتيرَيْها عيون الجنادب
|
فإياكمُ والحرب لا تعلقنَّكم * و حوضا
وخِيم الماء مر المشارب (2/ 121)
|
تزين للأقوام ثم يرونها * بعاقبة إذ بيَّنت
، أم صاحب
|
تحرق لا تُشوي ضعيفا وتنتحي * ذوي العز
منكم بالحتوف الصوائب
|
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * فتعتبروا
أو كان في حرب حاطب
|
وكم قد أصابت من شريف مسوَّد * طويل العماد
ضيفُه غير خائب
|
عظيم رماد النار يحُمد أمره * وذي شيمة محض
كريم المضارب
|
وماء هُريق في الضلال كأنما * أذاعت به ريح
الصبا والجنائب
|
يخبركم عنها امرؤ حق عالم * بأيامها والعلم
علم التجارب
|
فبيعوا الحراب مِلْمُحارب واذكروا * حسابكم
والله خير محاسب (2/ 122)
|
وليّ امرىء فاختار دينا فلا يكن * عليكم
رقيبا غير رب الثواقب
|
أقيموا لنا دينا حنيفا فأنتم * لنا غاية قد
يهتدى بالذوائب
|
وأنتم لهذا الناس نور وعصمة * تُؤَمُّون ،
والأحلام غير عوازب
|
وأنتم ، إذا ما حصل الناس ، جوهر * لكم سرة
البطحاء شم الأرانب
|
تصونون أجسادا كراما عتيقة * مهذبة الأنساب
غير أشائب
|
ترى طالب الحاجات نحو بيوتكم * عصائب هلكى
تهتدي بعصائب
|
لقد علم الأقوام أن سراتكم * على كل حال
خير أهل الجباجب
|
وأفضله رأيا وأعلاه سنة وأَقولُه للحق وسط
المواكب *
|
فقوموا فصلوا ربكم وتمسحوا * بأركان هذا
البيت بين الأخاشب
|
فعندكم منه بلاء ومصدق * غداة أبي يكسوم
هادي الكتائب
|
كتيبته بالسهل تمُسي ورَجْلُه * على
القاذفات في رءوس المناقب
|
فلما أتاكم نصر ذي العرش ردهم * جنود
المليك بين ساف وحاصب (2/ 123)
|
فولوا سراعا هاربين ولم يؤب * إلى أهله
مِلْحُبْش غير عصائب
|
فإن تهلكوا نهلكْ وتهلكْ مواسم * يُعاش بها
، قول امرئ غير كاذب
|
قال ابن هشام : أنشدني بيته : ( وماء هريق
) ، وبيته : ( فبيعوا الحراب ) ، وقوله : ( ولي امرىء فاختار ) ، وقوله :
|
على القاذفات في رءوس المناقب *
|
أبو زيد الأنصاري وغيره .
|
|
*3*حرب داحس والغبراء
|
@ قال ابن هشام :
وأما قوله :
|
ألم تعلموا ما كان في حرب داحس *
|
فحدثني أبو عبيدة النحوي : أن داحسا فرس
كان لقيس بن زهير بن جذيمة بن رواحة بن ربيعة بن الحارث بن مازن بن قُطيعة بن
عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان ؛ أجراه مع فرس لحذيفة بن بدر بن عمرو بن زيد بن
جؤية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان ،
يقال لها : الغبراء .
|
فدس حذيفة قوما وأمرهم أن يضربوا وجه داحس
إن رأوه قد جاء سابقا ، فجاء داحس سابقا فضربوا وجهه ، وجاءت الغبراء . فلما جاء
فارس داحس أخبر قيسا الخبر ، فوثب أخوه مالك بن زهير فلطم وجه الغبراء ، فقام
حمَل بن بدر فلطم مالكا . ثم إن أبا الجُنَيْدب العبسي لقي عوف بن حذيفة فقتله ،
ثم لقي رجل من بني فزارة مالكا فقتله ، فقال حمل بن بدر أخو حذيفة بن بدر : (2/
124)
|
قتلنا بعوف مالكا وهو ثأرنا * فإن تطلبوا
منا سوى الحق تندموا
|
وهذا البيت في أبيات له . وقال الربيع بن
زياد العبسي :
|
أفبعد مقتل مالك بن زهير * ترجو النساء
عواقب الأطهار
|
وهذا البيت في قصيدة له .
|
فوقعت الحرب بين عبس وفزارة ، فقتل حذيفة
بن بدر وأخوه حمل بن بدر ، فقال قيس بن زهير بن جذيمة يرثي حذيفة ، وجزع عليه :
|
كم فارس يُدعى وليس بفارس * وعلى الهباءة
فارس ذو مَصْدَقِ (2/ 125)
|
فابكوا حذيفة لن تُرَثُّوا مثله * حتى تبيد
قبائل لم تخلق
|
وهذان البيتان في أبيات له . وقال قيس بن
زهير :
|
على أن الفتى حمل بن بدر بغى والظلم مرتعه
وخيم *
|
وهذا البيت في أبيات له . وقال الحارث بن
زهير أخو قيس بن زهير:
|
تركت على الهباءة غير فخر * حذيفة عنده قصد
العوالي
|
وهذا البيت في أبيات له .
|
قال ابن هشام : ويقال : أرسل قيس داحسا
والغبراء ، وأرسل حذيفة الخطار والحنفاء ، والأول أصح الحديثين . وهو حديث طويل
منعني من استقصائه قطعه حديث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
|
|
*3*حرب حاطب
|
@ قال ابن هشام :
وأما قوله : ( حرب حاطب ) . فيعني حاطب بن الحارث ابن قيس بن هيشة بن الحارث بن
أمية بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، كان قتل
يهوديا جارا للخزرج ، فخرج إليه يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة
بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج - وهو الذي يقال له : ابن فُسحم
، وفسحم أمه ، وهي امرأة من القين بن جسر - ليلا في نفر من بني الحارث بن الخزرج
فقتلوه ، فوقعت الحرب بين الأوس والخزرج فاقتتلوا قتالا شديدا ، فكان الظفر
للخزرج على الأوس ، وقتل يومئذ سويد بن صامت بن خالد بن عطية بن حوط بن حبيب بن
عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ، قتله المجذَّر بن ذياد البلوي ، واسمه عبدالله ،
حليف بني عوف بن الخزرج .
|
فلما كان يوم أحد خرج المجذر بن ذياد (2/
126) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخرج معه الحارث بن سويد بن صامت ، فوجد
الحارث بن سويد غِرَّة من المجذر فقتله بأبيه . وسأذكر حديثه في موضعه إن شاء
الله تعالى . ثم كانت بينهم حروب منعني من ذكرها واستقصاء هذا الحديث ما ذكرت في
حديث حرب داحس .
|
*3*شعر حكيم بن أمية
في نهي قومه عن عداوة الرسول صلى الله عليه و سلم
|
@ قال ابن إسحاق :
وقال حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي ، حليف بني أمية وقد أسلم ، يورّع
قومه عما أجمعوا عليه من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان فيهم شريفا
مطاعا :
|
هل قائل قولا هو الحق قاعد * عليه وهل
غضبان للرشد سامعُ
|
وهل سيد ترجو العشيرةُ نفعه * لأقصى
الموالي والأقارب جامع
|
تبرأت إلا وجه من يملك الصبا * وأهجركم ما
دام مُدْل ونازع
|
وأُسلم وجهي للإله ومنطقي * ولو راعني من
الصديق روائع
|
*2*ذكر ما لقي رسول
الله صلى الله عليه وسلم من قومه
|
*3*سفهاء قريش يأذونه
، و رميه صلى الله عليه و سلم بالسحر و الجنون
|
@ قال ابن إسحاق : ثم
إن قريش اشتد أمرهم للشقاء الذي أصابهم في عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
ومن أسلم معه منهم ، فأغروا برسول الله صلى الله عليه وسلم : سفهاءهم ، فكذبوه
وآذوه ، ورموه بالشعر والسحر والكهانة والجنون ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم
مظهر لأمر الله لا يستخفي به ، مباد لهم بما يكرهون من عيب دينهم ، واعتزال
أوثانهم ، وفراقه إياهم كفرهم . (2/ 127)
|
|
*3*أشد ما أوذي به الرسول صلى الله عليه
وسلم
|
@ قال ابن إسحاق :
فحدثني يحيى بن عروة بن الزبير ، عن أبيه عروة بن الزبير ، عن عبدالله بن عمرو
بن العاص ، قال : قلت له : ما أكثر ما رأيت قريشا أصابوا من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيما كانوا يُظهرون من عداوته ؟ قال : حضرتهم ، وقد اجتمع أشرافهم
يوما في الحجر ، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ما رأينا مثل
ما صبرنا عليه من أمر هذا الرجل قط ، سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ،
وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم ، أو كما قالوا : فبينا
هم في ذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل يمشي حتى استلم الركن ،
ثم مر بهم طائفا بالبيت ، فلما مر بهم غمزوه ببعض القول . قال : فعرفت ذلك في
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم .
|
قال : ثم مضى ، فلما مر بهم الثانية غمزوه
بمثلها ، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم مر الثالثة فغمزوه
بمثلها ، فوقف ، ثم قال : أتسمعون يا معشر قريش ، أما والذي نفسي بيده ، لقد
جئتكم بالذبح . قال : فأخذت القوم كلمته حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه
طائر واقع ، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفَؤُه بأحسن ما يجد من القول ،
حتى إنه ليقول : انصرف يا أبا القاسم ، فوالله ما كنت جهولا .
|
قال : فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم
، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر وأنا معهم ؛ فقال بعضهم لبعض : ذكرتم ما
بلغ منكم ، وما بلغكم عنه ، حتى إذا باداكم بما تكرهون تركتموه . فبينما هم في
ذلك طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ،
وأحاطوا به ، يقولون : أنت الذي تقول كذا وكذا ، لما كان يقول من عيب آلهتهم
ودينهم ؛ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، أنا الذي (2/ 128) أقول
ذلك . قال : فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه .
|
قال : فقام أبو بكر رضي الله عنه دونه ،
وهو يبكي ويقول : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ؟ ثم انصرفوا عنه ، فإن ذلك
لأشد ما رأيت قريشا نالوا منه قط .
|
|
*3*بعض ما نال أبا بكر في سبيل الرسول صلى
الله عليه و سلم
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق