الأربعاء، 9 مايو 2018

5//1.حدث في السنة الخامسة من الهجرة (1)


حدث في السنة الخامسة من الهجرة (1)
حدث في السنة الخامسة من الهجرة (1)
وفيها أربعة عشر حدثًا:
1- في ربيع الأول من هذه السنة: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دومة الجندل.
الشرح:
قاد الرسول - صلى الله عليه وسلم - جيشًا من ألف مقاتل في شهر ربيع الأول من سنة خمس باتجاه دومة الجندل، وقد بلغه وجود تجمع للمشركين بها، ولكن الجمع تفرق عندما علموا بقدوم المسلمين الذين أقاموا أيامًا في المنطقة بثُّوا خلالها السرايا فلم يلقوا مقاومة، ورجعوا إلى المدينة بعد أن وادع في العودة عُيينة بن حصن الفزاري[1].
2- وفي رجب من هذه السنة: قَدم وفد مُزَينة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الشرح:
عَنِ النُّعْمَانِ بن مُقَرِّنٍ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ، فلما أردنا أن ننصرف قال: «يا عمر زوِّد القوم»، فَقَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا شحا مِنْ تَمْرٍ، ما أظنه يقع من القوم موقعًا، قَالَ: «انْطَلِقْ فَزَوِّدْهُمْ»، قال: فَانْطَلَقَ بهم عمر، فأدخلهم منزله، ثم أصعدهم إلى عليه، فلما دخلنا، إِذَا فِيهَا تَمْرٌ مِثْلُ الْبَكْرِ الْأَوْرَقِ، فَقَالَ: خُذُوا فَأَخَذَ الْقَوْمُ حَاجَتَهُمْ، قَالَ: وَكُنْتُ أَنَا فِي آخِرِ الْقَوْمِ، قَالَ: فَالْتَفَتُّ وَمَا أَفْقِدُ مَوْضِعَ تَمْرَةٍ، وَقَدْ احْتَمَلَ مِنْهُ أَرْبَعُمِائَةِ رَجُلٍ[2].
قال ابن سعد:
وذلك في رجب من سنة خمس[3].
3- وفي هذه السنة: تُوفيت أم سعد بن عبادة.
الشرح:
ذكر ابن كثير في «البداية والنهاية» عن الواقدي أن أم سعد - رضى الله عنها - تُوفيتْ سنة خمس، وابنها سعد - رضى الله عنه - مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة دومة الجندل[4].
وأخرج الترمذي - رحمه الله - عن سعيد بن المسيب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على قبرها بعد وفاتها بشهر[5].
4- وفي شعبان من هذه السنة: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني المصطلق على الراجح.
الشرح:
بنو المصطلق بطن من قبيلة خزاعة الأزْديَّة اليمانية، وكانوا يسكنون قديدًا وعُسْفان على الطريق من المدينة إلى مكة، فقديد تبعد عن مكة 120كيلو متر، وعُسْفان تبعد 80 كيلو مترًا، فيكون بينهما أربعون كيلو، في حين تنتشر ديار خزاعة على الطريق من المدينة إلى مكة ما بين مَرِّ الظهران التي تبعد عن مكة 30 كيلو وبين الأبواء (شرق مستورة بثلاثة أكيال) التي تبعد عن مكة 240 كيلو، وبذلك يتوسط بنو المصطلق ديار خزاعة، وموقعهم مهم بالنسبة للصراع بين المسلمين وقريش، وقد عُرفت خزاعة بموقفها المسالم للمسلمين، وربما كان لصلات النسب والمصالح مع الأنصار تأثير في تحسين العلاقات رغم المحالفات القديمة بينهم وبين قريش ذات المصالح الكبرى في الطريق التجارية إلى الشام، ورغم سيادة الشرك في ديار خزاعة حيث كانت هضبة المشلل التي كانت بها (مناة) في قديد، ورغم أن ديارها كانت أقرب إلى مكة منها إلى المدينة.
ولعل هذه العوامل أعاقت - في نفس الوقت- انتشار الإسلام في خزاعة عامة وبني المصطلق خاصة الذين يستفيدون إلى جانب الموقع التجاري بوجود مناة الطاغية في ديارهم معنويًا وماديًا حيث يحج إليها العرب.
وأول موقف عدائي لبني المصطلق من الإسلام كان في إسهامهم ضمن الأحابيش في جيش قريش في غزوة أُحد.
وقد تجرأت بنو المصطلق على المسلمين نتيجة لغزوة أحد، كما تجرأت القبائل الأخرى المحيطة بالمدينة ولعلها كانت تخشى انتقام المسلمين منها لدورها في غزوة أحد، وكذلك كانت ترغب في أنْ يبقى الطريق التجاري مفتوحاً أمام قريش لا يهدده أحد لما في ذلك من مصالح لها محققة فكانت بزعامة الحارث بن أبي ضرار تتهيأ للأمر بجمع الرجال والسلاح وتأليب القبائل المجاورة ضد المسلمين[6].
قال ابن إسحاق - رحمه الله -:
بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّ بني المصطلق يجمعون له وقائدهم الحارث بن أبي ضرار فلما سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء لهم يقال له (المريسيع) ولذلك تسمى أيضاً بغزوة المريسيع من ناحية قُديد إلي الساحل فتزاحف الناس واقتتلوا، فهزم الله بني المصطلق وقتل من قتل منهم ونفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءهم عليه[7].
عن أبي سعيد الخدريّ - رضى الله عنه - قال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي غَزْوَةِ بني الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، وَقُلْنَا: نَعْزِلُ وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ»[8].
وقد أَغَارَ النبي - صلى الله عليه وسلم - عَلَى بني الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ[9] وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ [10].
ظهور حقد المنافقين بعد انتصار المؤمنين:
ولما انتصر المسلمون في تلك المعركة وظهروا على عدوهم اغتاظ المنافقون غيظاً شديداً وظهر حقدهم الذي كان دفيناً، فهذا عبد الله بن أبي بن سلول لم يستطع كتم غيظه.
عَنْ زَيْدِ بن أَرْقَمَ - رضى الله عنه - أنه سمع عبد الله بن أبي يَقُولُ لأصحابه: لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ الله حَتَّى يَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِهِ، وقال: وَلَئِنْ رَجَعْنَا إلى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، قال زيد - رضى الله عنه -: فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بذلك، فأرسل إلى عبد الله بن أبي فسأله فاجتهد يمينه ما فعل، فقالوا: كذب زيدٌ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أَنْزَلَ الله تَعَالَى:﴿ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾ [المنافقون: 1]، ثم دعاهم النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ليستغفر لهم، قال: فلوَّوا رءوسهم[11].
وعن جَابِرَ - رضى الله عنه - قَالَ: كُنَّا فِي غَزَاةٍ فَكَسَعَ[12] رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: يَا لَلْأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: «مَا بَالُ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ؟»، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله كَسَعَ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ، فَقَالَ: «دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ»، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عبد الله بن أُبَيٍّ، فَقَالَ: فَعَلُوهَا؟ أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فَبَلَغَ - ذلك- النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ»[13].
فلما سمع ابْنُهُ عبد الله بأن أباه قال هذا، قال: وَاللَّهِ لَا تَنْقَلِبُ حَتَّى تُقِرَّ أَنَّكَ الذَّلِيلُ وَرَسُولُ الله الْعَزِيزُ، فَفَعَلَ[14].
5- وفي شعبان أيضًا من هذه السنة: أعتق النبي - صلى الله عليه وسلم - جويرية بنت الحارث وتزوجها.
الشرح:
عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتْ: وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بنتُ الْحَارِثِ بن الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بن قَيْسِ بن شَمَّاسٍ - أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ- فَكَاتَبَتْ عَلَى نَفْسِهَا، وَكَانَتْ امْرَأَةً مَلَّاحَةً تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ، قَالَتْ عَائِشَةُ - رضى الله عنها -: فَجَاءَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فِي كِتَابَتِهَا[15] فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ فَرَأَيْتُهَا كَرِهْتُ مَكَانَهَا، وَعَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْتُ، فَقَالَتْ - جويرية-: يَا رَسُولَ الله جُوَيْرِيَةُ بنتُ الْحَارِثِ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا لَا يَخْفَى عَلَيْكَ، وَإِنِّي وَقَعْتُ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بن قَيْسِ بن شَمَّاسٍ وَإِنِّي كَاتَبْتُ عَلَى نَفْسِي فَجِئْتُكَ أَسْأَلُكَ فِي كِتَابَتِي؟ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «فَهَلْ لَكِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ؟»، قَالَتْ: وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ»، قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ، قَالَتْ: فَتَسَامَعَ - تَعْنِي النَّاسَ- أَنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ، فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْيِ، فَأَعْتَقُوهُمْ، وَقَالُوا: أَصْهَارُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -! فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بني الْمُصْطَلِقِ[16].
...............................................
[1] «السيرة النبوية الصحيحة» 2/402، وقد ذكر هذه الغزوة ابن هشام في «سيرته» عن ابن إسحاق 3/114، وغيره من أهل المغازي والسير.
[2] إسناده صحيح: أخرجه أحمد (23636).
[3] «طبقات ابن سعد» 1/291.
[4] «البداية والنهاية» 4/104.
[5] مرسل: أخرجه الترمذي (1037)، كتاب: الجنائز، باب: ما جاء في الصلاة علىٰ القبر، مرسلاً عن سعيد بن المسيب.
[6] «السيرة النبوية الصحيحة» 2/404، 405.
[7] «سيرة ابن هشام» 3/169، واختُلف في تاريخ غزوة بني المصطلق، قال الدكتور/أكرم العمري: وفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بجيشه من المدينة نحو ديار بني المصطلق، وهذا هو الراجح، وهو قول موسىٰ بن عقبة الصحيح حكاه عن الزهري وعن عروة وتابعه أبو معشر السنوىٰ والواقدي وابن سعد، ومن المتأخرين ابن القيم والذهبي، وأما ابن إسحاق فذهب إلي أنها في شعبان سنة ست، ويعارض ذلك ما في صحيحي البخاري ومسلم من اشتراك سعد بن معاذ في غزوة بني المصطلق مع استشهاده في غزوة بني قريظة عقب الخندق مباشرة فلا يمكن أن تكون غزوة بني المصطلق إلا قبل الخندق. «السيرة النبوية الصحيحة» 2/406.
[8] متفق عليه: أخرجه البخاري (4138)، كتاب: المغازي، باب: غزوة بني المصطلق من خزاعة وهي غزوة المريسيع، ومسلم (1438) كتاب: النكاح، باب: حكم العزل.
[9] غارُّون: أي غافلون.
[10] متفق عليه: أخرجه البخاري (2541)، كتاب: العتق، باب: من ملك من العرب رقيقاً فوهب وباع وجامع وفدىٰ وسبىٰ الذرية، ومسلم (1730)، كتاب: الجهاد والسير، باب: جواز الإغارة علىٰ الكفار الذين بلغتهم دعوة الإسلام من غير تقدم الإعلام بالإغارة.
[11] متفق عليه: أخرجه البخاري (4900)، كتاب: تفسير سورة المنافقين، ومسلم (2772)، كتاب: صفة المنافقين وأحكامهم.
[12] كسع: أي ضرب دبره وعجيزته بيد أو رجل أو سيف وغيره.
[13] متفق عليه: أخرجه البخاري (4905)، كتاب: التفسير تفسير سورة المنافقين، ومسلم (2584)، كتاب: البر والصلة والأدب، باب: نصر الأخ ظالمًا أو مظلومًا، والترمذي (3315)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة المنافقين، وجاء التصريح في روايته أنها غزوة بني المصطلق.
[14] صحيح: أخرجه الترمذي، انظر التخريج السابق.
[15] المكاتبة: أن يشتري العبد نفسه بمال من سيده فيكاتبه علىٰ ذلك.
[16] حسن: أخرجه أحمد 6/277، وأبو داود (3931)، كتاب: العتق، باب: في بيع المكاتب إذا فُسخت المكاتبة، وحسنه الشيخ الألباني «صحيح سنن أبي داود».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق