الأربعاء، 30 مايو 2018

وكذلك لو تنزل القران علي رسول الله صلي الله عليه وسلم جملة واحدة لانعدمت خاصية النسخ والتراخي الزمني المانع من حدوث التعارض بين الآيات



وكذلك لو تنزل القران علي رسول الله صلي الله عليه وسلم جملة واحدة لانعدمت خاصية النسخ والتراخي الزمني المانع من حدوث التعارض بين الآيات
وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ ۗ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا (106) قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا ۚ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا ۩ (109) قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ ۖ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111(
سورة الإسراء/106/
----------
ومن خواطر الشيخ محمد متولي الشعراوي
--
معنى { فَرَقْنَاهُ } أي: فصّلناه، أو أنزلناه مُفرّقاً مُنجّماً حَسْب الأحداث { عَلَىٰ مُكْثٍ } على تمهُّل وتُؤدَة وتأنٍّ.

وقد جاءت هذه الآية للردِّ على الكفار الذين اقترحوا أن ينزل القرآن جملة واحدة، كما قال تعالى حكاية عنهم:
  }
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً.. }الفرقان: 32

قال الشيخ وأول ما نلحظه عليهم أن أسلوبهم فضحهم، وأبان ما هُمْ فيه من تناقض، ألم يسبق لهم أن اتهموا الرسول بافتراء القرآن. وهاهم الآن يُقِرُّون بأنه نزل عليه، أي: من جهة أعلى، ولا دَخْلَ له فيه، وقد سبق أن أوضحنا أنهم لا يتهمون القرآن، بل يتهمون رسول الله الذي نزل عليه القرآن.

ثم يتولّى الحق سبحانه الردّ عليهم في هذا الاقتراح، ويُبيِّن أنه اقتراح باطل لا يتناسب وطبيعة القرآن، فلا يصح أن ينزل جملة واحدة كما اقترحوا للأسباب الآتية:

1.}
كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ.. } [الفرقان: 32{

  }
كَذَلِكَ } أي: أنزلناه كذلك على الأمر الذي تنتقدونه من أنه نزل مُفرّقاً مُنجّماً حسْب الأحداث
}
لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ.. {
}
الفرقان: {32 لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيتعرّض لكثير من تعنّتات الكفار، وسيقف مواقف مُحرِجة من تعذيب وتنكيل وسخرية واستهزاء، وهو في كل حالة من هذه يحتاج لتثبيت وتسلية.
وفي نزول الوحي عليه يَوْماً بعد يَوْم، وحسْب الأحداث ما يُخفّف عنه، وما يزيل عن كاهله ما يعاني من مصاعب ومَشَاقِّ الدعوة وفي استدامة الوحي ما يصله دائماً بمَنْ بعثه وأرسله، أما لو نزل القرآن جملةً واحدة لكان التثبيت أيضاً مرة واحدة، ولَفقد رسول الله جانب الصلة المباشرة بالوحي، وهذا هو الجانب الذي يتعلق في الآية برسول الله. قلت المدون 
1.وكذلك لو تنزل القران علي رسول الله صلي الله عليه وسلم جملة واحدة لانعدمت خاصية النسخ والتراخي الزمني المانع من حدوث التعارض بين الآيات فهل يعقل أن ينزل إباحة شرب الخمر + التكريه في تناوله + تحريمه في آن واحد ...     وهل يعقل أن ينزل في آن واحد أحكام الطلاق المتباينة بين سورة البقرة وسورة الطلاق فسورة البقرة تجعل المرأة مطلقة بعد التلفظ بالطلاق وتصير علي مطلقها حراما لا تختلي به ولا يختلي بها وبينما يحرم علي المرأة فيما بعد الطلاق في سورة البقرة  أن يجمعهما بيت واحد بينما يكون ذلك في سورة البقرة يأتي ويحرم علي الأزواج إخراج زوجاتهم من بيوتهم الذي هو بيتهن ويحرم عليهن أن يخرجن من بيوتهن في سورة الطلاق❃ وبينما يُشَرِّع في سورة البقرة التسريح عند بلوغ الأجل يشرع سبحانه في سورة الطلاق التفريق  وليس التسريح وهو  1.أن لا يطلق الرجل زوجته  إلا بعد بلوغ الأجل  2.وضرورة إحصاء العدة  3.والسماح للزوج أن يراجع نفسه إجازة له من خالقه بأن يمسك زوجته ولا يطلقها إلا إن مضت عزيمته علي الطلاق وفي دُبُرِ العدة وبعد تمام إحصائها في هذا التوقيت وفيه فقط ..بل وكيف ينزل القران جملة واحدة وفي أيات سورة البقرة أقر بأن الذي نطق بالطلاق قد صارت إمرأته مطلقه بينما كلف من أراد أن يطلق امرأته في سورة الطلاق أن يؤجل فرضا طلاقها حتي ينتهي من إحصاء/ والإحصا لا يكون إلا إذا تلاقت  نقطة البدء بنقطة الإنتهاء وما غير ذلك لا يكون إحصاءا / عدتها أي لا يطلق إلا بعد تمام نهاية العدة ...     وهل يعقل-إن صح النزول جملة واحدة جدلا- أن يأمر بالإشهاد علي الطلاق في سورة الطلاق5هـ وهي متأخرة عن سورة البقرة2هـ ولا يكلف بالإشهاد عليه في سورة البقرة وهي منزلة في أوائل السور المدنية  
*   لهذا كله ولغيره أنزل الله تعالي القرآن منجما   وأبطل دعوي المشركين في فرضهم وطلبهم أن يُنَزَّل القران جملة واحدة  شاؤا أم أبوا فالقرآن أنزله الله تعالي مُنَجَّما
    ومنع بعلمه أن ينزله جملة واحدة *   وهل إذا جاز أن ينزل قرانه جلَّ وعلا جملة واحدة  هل سيسمح الباري جل وعلا  بكل هذه التعارضات بين الآيات المنزلة جملة واحدة علي فرض هذا الأمر جدلا /حاشاه سبحانه/ 

    إن من تتخاطبون بشأنه هو الله منزل الكتاب بعلمه وهو العليم الحكيم     وفي القتال كيف يستقيم أمر القتال وأحوال المؤمنين قبل التمكين ضعفا وتعرضا للتعذيب وقهر الكافرين مع أمرهم وأحوالهم بعد التمكين وعزتهم ومنعتهم ؟؟ 

      إن تنزيل القرآن جملة واحدة هو باطل يسمح بامتلاء القرآن بكل أنواع التعارضات ويستحيل أن  يكون ذلك في حق الله الباري بل هذا إن فرض جدلا فلا يكون إلا من عند غير الله (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا(

}.2
وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً } {الفرقان: 32} أي: نَزَّلْنَاه مُرتّلاً مُفرّقاً آيةً بعد آية، والرتل: هو المجموعة من الشيء قلت المدون تتهادي واحدة بعد أخري بالترتيب ولا تأتي مع بعضها قال الشيخ الشعراوي كما نقول: رتل من السيارات، وهكذا نزل القرآن مجموعة من الآيات بعد الأخرى، وهذه الطريقة في التنزيل تُيسِّر للصحابة حِفْظ القرآن وفَهْمه والعمل به، فكانوا رضوان الله عليهم يحفظون القدر من الآيات ويعملون بها، وبذلك تيسَّر لهم حفظ القرآن والعمل به، فكانت هذه الميْزَة خاصة بالصحابة الذي حفظوا القرآن، وما زلنا حتى الآن نُجِّزئ القرآن للحفظة، ونجعله ألواحاً، يحفظ الله تلو الآخر.

).3
وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ( {الفرقان: 33{

وهذه للمخالفين لرسول الله، وللمعاندين لمنهج الله الذين سيعترضون عليه، ويحاولون أن يستدركوا عليه أموراً، وإن يتهموا رسول الله، فلا بُدَّ من الردّ عليهم وإبطال حُجَجهم في وقتها المناسب، ولا يتأتّى ذلك إذا نزل القرآن جملة واحدة.

}
وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ} أي: بشيء عجيب يستدركون به عليك { إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ } أي: ردّاً عليهم بالحق الثابت الذي لا جدالَ فيه.وإليك أمثلة لِردِّ القرآن عليهم رَدّاً حيّاً مباشراً.

فلما اتهموا رسول الله وقالواإِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ( /الإسراء: 47] رَدَّ القرآن عليهم بقوله تعالى:
)
نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ)  سورة القلم: 1-4{

ولما قالوا: (مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ} الفرقان: 7  { يردُّ القرآن عليهم بقوله تعالى:
  }
وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ..{ /الفرقان: 20]

فليس محمد صلى الله عليه وسلم بدعاً في هذه المسألة، فهو كغيره من الرسل الذين عُرِفت عنهم هذه الصفات، وفي هذا ما يؤكد سلامة الأُسْوة في محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه بشر مثل الذين أرسلنا إليهم من قبله، إنما لو كانت في محمد خاصية ليست في غيره ربّما اعترضوا عليها واحتجُّوا بها.

لذلك كان من أدب النبي صلى الله عليه وسلم مع ربه ومع صحابته أنه قال: " إنما أنا بشر يرد عليَّ ـ أي بالوحي ـ فأقول: أنا لست كأحدكم، ويؤخذ مني فأقول: ما أنا إلا بشر مثلكم ".

فانظر إلى أيّ حدٍّ كان تواضعه صلى الله عليه وسلم؟

ولما اتهموا الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا }أَفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَم بِهِ جِنَّةٌ{ [سبأ: 8] فردّ عليهم الحق سبحانه بقوله}:   أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ {هود: 13
ثم يتنزّل معهم في هذا التحدي، ويترأف بهم}: وَإِن كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ}{  البقرة: 23{

ثم يناقشهم في هذه المسألة بهذا الأدب الرفيع والنموذج العالي للحوار: {قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَاْ بَرِيۤءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ{ هود: 35}

وفي آية أخرى يقول:{قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ{
سبأ/25

فانظر إلى هذا الأدب: رسول الله حين يتحدّث عن نفسه يقول/ أَجْرَمْنَا/ وحين يتحدث عن أعدائه لا ينسب إليهم الإجرام، بل يقول: { وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ{

هذا كله من الحق الذي جاء به القرآن ليردّ عن رسول الله اتهامات القوم، وبالله لو نزل القرآن جملةً واحدة، أكان من الممكن الردُّ على هذه الاتهامات ومجادلة القوم فيما يُثيرونه من قضايا؟

إنْ كانت هذه الأمثلة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرئة ساحته في مجال الدعوة إلى الله، فهناك أيضاً ما يتعلق بالأحكام والتشريع، فالقرآن نزل بالعقائد والأحكام والتشريعات، ونزل ليكون دائماً ثابتاً لا يتغير إلى يوم القيامة، ولن يُنسَخ منه حرف واحد كما حدث في الكتب السابقة عليه.

فإن نظرتَ إلى العقائد وجدتَ الكلام فيها قاطعاً لا هوادةَ فيه، يأتي هكذا قَوْلاً واحداً، فالله واحد أحد لا شريك له، له صفات الكمال المطلق، وكذلك الحديث عن الملائكة والبَعْث والحساب.لكنك تجد الأمر يختلف في الحديث عن العادات التي أَلِفها الناس في حركة الحياة، فهذه أمور تحتاج إلى تلطُّف وتدرُّج، ولا يناسبها القصْر والقَطْع. ألم تَرَ إلى المشرّع سبحانه حينما أراد أنْ يُحرِّم الخمر، كيف تدرّج في تحريمها على عدة مراحل حتى يجتثّ هذه العادة التي تحكّمتْ في نفوس الناس وتملَّكتهم، أكان يمكن معالجة هذه المسألة بهذه الطريقة إذا نزل القرآن جملة واحدة؟

انظر كيف لفتَ أنظارَ القوم بلُطْف إلى أن في الخمر شيئاً، فقال تعالى: {وَمِن ثَمَرَاتِ ٱلنَّخِيلِ وَٱلأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً{النحل: 67
وفي شأن تنزيل أحكام الخمر :
ولما سمع بعض الصحابة هذه الآية قال: والله لكأن الله يُبيِّت للخمر شيئاً، لقد فهم بملكته العربية أن الله تعالى طالما وصف الرزق بأنه حسن، وسكت عن السَّكَر فلم يَصِفْه بالحُسْن، فإن وراء هذا الكلام أمراً في الخمر؛ لأنه يتلف نعمة الله ويُفسِدها على أصحابها.

ثم يُحَوِّل هذه المسألة إلى عِظَة وإرشاد، فيقول:
}
يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا..البقرة 219  {

وهكذا قرَّر لهم الحقيقة بعد أن سألوا هم عنها، وترك لهم حرية الاختيار، فالأمر مازال عِظَة ونصيحة لا تشريعاً مُلْزماً، إلا أنه مهَّد الطريق للقطع بتحريمها بعد ذلك.

ثم حدث من أحدهم أن صلّى وهو مخمور لا يدري ما يقول، فلما سمعوه يقول: قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، فغمزه مَنْ بجواره وعرف أنه مخمور، ووصل خبره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزل قوله تعالى:
}
يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ ٱلصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَالنساء 43/

وبذلك أطال مدَّة الامتناع عن شُرْب الخمر، فالصلاة خمس مرات في اليوم والليلة، فإذاً لا بُدَّ من الامتناع عن الخمر قبل الصلاة بوقت كافٍ، وهكذا عوَّدهم الامتناع ودرَّبهم على الصبر عن هذه الآفة التي تمكَّنتْ منهم. ثم يتحيَّن الحق سبحانه فرصة منهم، حيث اجتمع القوم في مجلس من مجالس الشراب، ولما لعبتْ الخمر بالعقول تشاجروا حتى سالتْ دماؤهم، وعندما ذهبوا بأنفسهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه: يا رسول الله بيِّن لنا في الخمر رأياً شافياً، وهنا ينزل الوحي على رسول الله بالحكم القاطع:
}
يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ} المائدة/ 90

فكيف كانت معالجة هذه الآفة التي تمكّنتْ من الناس لو نزل القرآن جملة واحدة؟

إن الحق تبارك وتعالى بنزول القرآن مُفَرّقاً مُنجّماً حَسْب الأحداث، كأنه يُجري مشاركة بين آيات التنزيل والمنفعلين بها الذين يُصِرّون على تنفيذ مطلوباتها، حتى إنهم ليبادرون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسؤال، مع أنه صلى الله عليه وسلم قد نهاهم أن يبدأوه بالسؤال، كما قال تعالى:
}
يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ/ {{ المائدة 101

ولكنهم مع هذا تغمزهم المسألة فيبادرون بها رسول الله، كما حكى القرآن: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ{   البقرة: 219
}
وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ{ البقرة: 219


}
يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ{البقرة: 189
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ}طه: 105

إذن: وراء نزول القرآن مُفرّقاً مُنجّماً حِكَم بالغة يجب تدبُّرها، هذه الحِكَم ما كانت لتحدث لو نزل القرآن جملةً واحدةً
-----------


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق