الأحد، 10 يونيو 2018

** كيف تأسست المذاهب الاسلامية


كيف تأسست المذاهب الاسلامية

الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
الحوادث الكبرى الشرعية والسياسية التي طرأت على الأمّة قبل تدوين تاريخها ، ابتداءً من السقيفة وإلى نهاية القرن الثاني من الهجرة كان لها أكبر الأثر في رسم صورة الإسلام المذهبي ، وهو الذي أشار أليه رسول الله {ص} " تنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة " وطبيعي كل فرقة تدعّي إنها الفرقة الناجية ، وتأكيد النبي {ص} على الفرق إنهم في النار دليل على إنهم منحرفون بعيدون عن التشريع الحق ... من هنا جاء تشويه معالم التاريخ إلا سلامي ، والتاريخ يذكر إن السبب كان له مقدمات بدأت من بيعة الغدير حين تم تأسيس حزب قريش الذي قرر أبعاد أهل البيت {ع} عن الحياة السياسية والشرعية ... ثم جاءت الممارسات التنفيذية في العهدين الأموي والعباسي بتوجيه حوادث التاريخ الإسلامي بما يخدم سياستها ويعزّز من وجودها .... المرحلة الأولى.....1- ابتدأت ممارسات التنفيذ أولا بعقوبات جماعية لأتباع آل البيت {ع} وإقصائهم عن الحياة السياسية والشرعية ، والثانية اخطر من الأولى , لان الناس صاروا يرون جهات غير أهل البيت يفتون بكتاب الله وبسنة نبيه {ص} هذا في زمن الراشدين " كمثال على ذلك " حين كتب أمير المؤمنين كتاب الله أثناء جلوسه في بيته ، يقول: اليت أن لا اخرج من داري حتى اكتب كتاب الله تعالى" فحملته إليهم ولكنهم رفضوه ..!!! قالوا: لسنا بحاجة لكتابك..!! ثم جاءت المرحلة التركيزية في الإقصاء حين تم توظيف ( كعب الأحبار) في منصب مفتي الدولة الإسلامية وهو رجل دين يهودي اسلم زمن عمر بن الخطاب ثم عينًّهُ عمر في منصب الإفتاء ..!! في وقت كان علي بن أبي طالب مدينة علم رسول الله{ص} يشتغل فلاحا.. وهذه الخسارة العلمية أثرت كثيرا على مستوى الفكر الإسلامي .... 2- اعتمدت الخلافة الراشدية لجم الأفواه عن قول الحق ومنعت كتابة الحديث ، وقد نقل لنا التاريخ حديثا عن عبد الله بن عمر انه أوصل ذلك الأمر إلى النبي {ص} في حياته واخبره بالموضوع ، فقال : اكتبوا والله لا يخرج من هنا إلا الحق وأشار لفمه... إذن كيف كان الأمر بعد وفاته..؟؟ ،3- حاولت السلطة الراشدية أيجاد بدائل لتفسير القران وجمعه وسخّرت جملة ممّن يوالون ذلك الخط لأن يضعوا لهم تفسيراً يتلاءم مع رغبة الخليفة وتبريراً يستر فضائحها علي حساب المفاهيم الإسلامية سواء كان ذلك على مستوى رواية الحديث في تمجيد من يشاء الحاكم أو ذمّ من يريد، فأطلقوا تسميات على شخصيات إجرامية وبرروا أفعالهم بنوع من المقبولية عند الله ... مثل قتل مالك بن النويرة واعتبار قاتله سيف الله المسلول أو على مستوى صياغة الحدث التاريخي أو روايته بما يناسب توجه السلطة وطموحها ، الأمر الذي أدّى بطبيعته إلى وقوف السلطة إلى جانب الفكر المساعد لها في تسيير الحركة الفكرية بالبدائل فظهر في تاريخ أمّتنا السياسي والثقافي انحراف واستقامة وخطاْ وصواب ، ولهذا علقت بمسيرته خرافات وأساطير ، وشوائب كثيرة ، وألوان دخيلة حتى وصل ألينا تاريخا مشوها بعيدا عن أصل التشريع ... وهذا ما أكد عليه النبي{ص} وهو وجوب الاحتراز من كتب التاريخ لأنّها أسهمت بشكل مباشر في تزوير وتشويش العقيدة .ولا يعني هذا الحكم ببطلان مصادر التاريخ الإسلامي كلّها ، بل على العكس ؛ هناك حقائق كثيرة عند الشيعة والسنة لم تطلها يد التحريف والتزوير ، ولكن نشم رائحة التقديس واضحة في صفحات التاريخ لشخصيات لم يستحوا تلك الهالة .. مثلا بعض القصص عن شخصيات تتصف بالشجاعة والقوة والثبات .. وحين تبحث عن تاريخه الحقيقي تجده يهرب اثناء المعارك ولم يقتل رجلا طيلة حياته ....ولكن الهالة القدسية تحيطه بحيث يعتبر كشف حقيقته نوعا من الخروج من الاسلام ..هذه المقدمات جاءت من الدولة الأموية التي رسخ مفاهيم هذا الأمر معاوية حين كتب كتابا ان يكتبوا في فضائل الصحابة " لان ذلك اقرح لقلوب أصحاب أبي تراب ...في الوقت الذي يستوجب للباحث عن الحق أن يبحث عن أية فكرة على أساس تاريخي واقعي يستدعي قبل كلّ شيء التخلي عن الهالة القدسية التي أحيطت بالتاريخ بكل ما فيه من انحرافات وأخطاء وتعريته عمّا علق به وإلا ستكون نصوصه المعتمدة مشوهة في مرحلة سابقة لنتائجه. فالمطلوب إذن هو القراءة الواعية للتحولات السياسية والفكرية التي طرأت في تاريخ امّتنا ، وكيف كان أثرها على المجتمع أن يقول البعض إن الأكل من ذبيحة اليهودي أفضل من أكل ذبيحة الطائفة الفلانية ، ووجهت أليهم عشرات التهم بعقيدتهم ، زيارة القبور ، التوسل ، السجود على التراب ....أثر الكلام و الفلسفة في نشأة المذاهبالمرحلة الثانية هو الكلام : ومعناه إثبات العقائد الدينية عن طريق الحجج و البراهين ، و العقلية و النقلية وهو عند المسلمين من حيث النسبة إلى مصدره يمكن تقسيمه إلى الأقسام الآتية : 1 ـ كلام يدور في حدود المعارف القرآنية : يعني تحديد الأحكام وفق رؤية المفسر للنص القرآني....ولا نزاع في هذا إن رائده و أميره هو الإمام عليّ {ع} وهذه خطبه المحفوظة في التوحيد والصفات والنبوّة والمعاد والإمامة...الخ. 2 ـ كلام ينطلق من العقلية المتأثّرة : سلباً أو إيجاباً بسياسة الحاكم.. من أمثلته؛ الكلام في الجبر والتفويض هذا الرأي الذي برز في ظلال نظام الغَلَبة حين تسلط معاوية على الأمة..ثم ظهر رأي في التفويض المناقض له ، و مثله الكلام في الإرجاء و والتكفير ، هذا برر الأخطاء للخلفاء وجعل الأمة ميتة لا دخل لها في الحوادث .. تقول النظرية إنّ مرتكب الكبيرة ، لا هو مؤمن ، و لا هو كافر المارقة ، و إنّما هو في منزلة بين المنزلتين.هذه المقولة كانت سبباً ً في ولادة فرقة جديدة عُرفت بـ : المعتزلة : و ذلك أنّ أوّل من قال بهذه المقولة ، و هو واصل بن عطاء ، ثمّ تابعه عمرو بن عبيد ، إذ كانا في مجلس الحسن البصري ، فكلّماه في قولهما هذا ، فأمرهما باعتزال حلقة درسه فاعتزلا عند اُسطوانة في المسجد و انضمّ إليهما جماعة فسمُّوا المعتزلة .. فكانت هذه نواة فرقة « المعتزلة ».. وتطور نقاش علما الكلام إلى قضية « العدل الإلهي » و أكثروا الكلام فيه حتّى لُقِّبوا بـ « العدلية ».. و كان العدل الإلهي عندهم يدور حول {صدق الوعد و الوعيد} ، فاللّه تعالى عادل لا يعذّب المحسن و لا يكافئ المسيء ، و لا يخلف و عده في ثواب أو عقاب ولا في قبول التوبة ، يقابلها لا عفو بلا توبة لأن ذلك إخلاف للوعيد ، وبذلك نفوا الشفاعة. في خضمّ هذا النزاع الدائر بين الجبريّة و المفوّضة اختار المعتزلة القول بالتفويض و جعلوه من أهم أركان العدل الإلهي ، فسمّوا لأجله بالقَدرية. ...هذه الدائرة الواسعة من الكلام ، و التي شكّلت أركاناً أساسية في عقيدة المسلمين وظهر فيهم معتزلة وعدلية وهو مما يميل له الشيعة الاثنا عشرية ، لأنهم يميلون لقول أئمتهم " انه أمر بين أمرين" وكان أساس هذا الصراع الكلامي ومصدره هو الصراع الفكري ـ السياسي) الدائر ذلك الوقت.هذه الصراعات الفكرية الكلامية لم تكن في يوم ما امتداداً لأولئك النفر الذين اعتزلوا الصراع أيّام عثمان و أيام الإمام عليّ عليه السلام كسعد بن أبي وقّاص و عبد الله بن عمر ، بل الذي تفيده هذه المبادئ ه أنّ الاعتزال كان موقفاً فكريا معارضاّ لجماعة الحكم و مدرسته الثقافية ،واعني الذين تبعوا النظرية الأموية في الجبر والتفويض ... و هذا هو السرّ في رواج هذا اللقب عليهم ، و لم يكن مصدره تجنّب الدخول في النزاع! لم يكن هذا من مواقفهم أبداً ، يؤكّد ذلك نضالهم الفكري العنيد ضد الجبر والتفويض اللذين تدعمهما مدرسة السلطة ، واعتبر كل طرف إن رأيه هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .. إذن كان مصدر تسميتهم بالمعتزلة هو خصومهم بلا شك ، سواء الحسن البصري ، أو غيره ، وحين يحملها أبناء الفرقة يدافعون عنها ويفسرونها بأنّها اعتزال الباطل و أهله ، ... الإشاعرة : بعد أن ضعف دور المعتزلة قوي دور أصحاب الحديث وأبرزهم في مدرسة البصرة أبو الحسن الأشعري بمذهب يعارض فيه المعتزلة و ينتصر لأصحاب الحديث. و الأشعري كان أوّل أمره معتزلياّ ، تلميذاً لشيخ المعتزلة في عصره أبي على الجُبّائي ، ثم أعلن توبته عن رأي المعتزلة في القدر و قال بقول الجبرية إلا أنّه أدخل عليه مفهوم الكسب ، ليكون الإنسان مسؤولاً عن فعله بالكسب.. كما ردً على المعتزلة عقيدتهم في الصفات و تبنّى قول أحمد بن حنبل بأتباع الظاهر بدون تأويل..لكنّه تراجع بعد ذلك إلى التأويل ، إلا الاعتقاد برؤية اللّه تعالى في الآخرة. وخالف المعتزلة في منزلة العقل و دوره في الشرع ، و خالفهم في مسألة الحُسن القُبح العقليين ، فجعل الحَسَن ما حسّنه الشارع و القبيح ما قبّحه الشارع و ليس للعقل دور في معرفة ذلك ... الماتريدية :... هذه الفرقة تنسب إلى مؤسّسها أبي منصور الما تريدي الذي توّفي سنة 333 هـ و كان معاصراً للأشعري ، غير أنّه كان يسكن بعيد عنه في ولاية سمرقند ، درس آراء وفقه أبي حنيفة ورسائله في الكلام و قد قرّر بعض العلماء أنّ آراء أبي حنيفة في العقائد هي الأصل الذي تفرّعت منه آراء الماتريدي.. و لما كان أبو حنيفة يمنح العقل دوراً كبيراً في الفقه و المعرفة ، خلافاً لأصحاب الحديث ، فقد ظهرت آثار ذلك في المذهب الما تريدي و ميّزته كثيراً عن المذهب الأشعري.. إذن علم الكلام له اثر في رسم الأفكار الإسلامية إضافة إلى الظروف السياسية وأفكار الحاكم التي يتبناها ذلك الوقت .. وقد لمح الإمام أمير المؤمنين{ع} إلى خطورة هذه المسالة حين عُرض عليه أن يمد يده ليبايعونه على كتاب الله وسنة نبيه وطريقة الشيخين ، فقال بل أبايعكم على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد رأيي... لذلك رفضوه ......جذور التسميةُ وأسبابها :كيف وقع الاختيار على تلك المسمّيات التي عُرفت بها الفِرق الإسلامية ؟ هذا جعفري وذاك حنبلي وهذا شافعي .. ووهابي ..الخ .... المعروف أنّ الاسم لم يولد مع الفرقة ، وإنّما يُطلق عليها بعد ولادتها وتبني مجموعة من الناس نفس الفكرة والاتجاه ، فيطلق عليهم اسم صاحب الفكرة ... ليس كل زعيم فرقة هو الذي يتولّى تسمية فرقته ؟ ولذلك البعض يتقزز إذا قلت له أنت وهابي أو من الخوارج أو المعتزلة .. صحيح الفقهاء والمفكرون يعتقدون أنّهم أولى الناس بالحقّ لأنّهم دون غيرهم تمسكاً بهدى القرآن والسنّة ـ ثمّ ينتخبون لأنفسهم اسماً مثل : « المعطّلة » أو « المعتزلة » أو « الخوارج » ! وهناك أسماء لا توحي للعلم ولا لشخص من مثل : « الخشبية » أو « الشيطانيّة » ؟!الأسماء عادة لا تصدر عن أصحاب هذه الفرقة ، ولا عن جهة محايدة إنما تصدر عن خصم ..والمشكلة في ذلك الخصم إذا أذاع بياناً ذاع وانتشر ، وإذا أطلق على طائفة اسماً نفذ واشتهر ، حتى تستجيب له تلك الفرقة نفسها وترتضيه عَلَماً عليها ؟! صحيح أنّه تأتي التسمية نسبةً إلى الرجل الذي تنتسب إليه الطائفة ، فقيل : « الزبدية » ، نسبة إلى زيد بن علي بن الحسين والإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق{ع} والحنابلة نسبة إلى احمد بن حنبل وهكذا ..أو أن تأخذ اسما من حادثة مهمة فتُشتق التسمية من تلك المناسبة ، فقيل : « الخوارج » لأنّهم خرجوا على الإمام الواجب الطاعة ، و « الرافضة » لأنّهم رفضوا زيد بن عليّ ، و « الخشبية » لأنّهم قاتَلوا بالخشب ، أو طافوا حول الخشبة التي صُلب عليها زيد ..غير أنّه في الحالين لم يخرج الأمر عن القاعدة الواقعية ،إن التسميات صدرت من خارج الطائفة لا من أصحابها ، وهذه أمثلة من الواقع شاهدة على تلك الحقيقة :1 ـ في أثناء ثورة زيد الشهيد جاءته طائفة من جُنده فطلبوا إليه أن يبرأ من الخليفتين أبي بكر وعمر ، فرفض ذلك ، فرجع أولئك عنه ورفضوا القتال معه.ففي هذه الواقعة لو صحت رفضان : زيد يرفض رأي أصحابه ، وأولئك رفضوا قيادة زيد .. فزيدا{رض} هو الذي ابتدأ بالرفض .إذن كان بمقدورهم أن يطلقوا عليه وأتباعه اسم ( الرافضة ) ! لكنّ الذي حصل هو العكس ، فزيداً وأتباعه هم الذين أطلقوا على أولئك الاسم ليثبت عليهم ! والسبب في ذلك ، وهو أنّ زيداً وأتباعه كانوا هم أصحاب الرأي الغالب وأصحاب الثورة التي استمرّت بعد تخاذل أولئك وانسحابهم من الميدان......................هذا يبين بوضوح ... أنّ السنّة النبويّة لم تكن قادرة على أن تفرض أحكامها وأهدافها على ذلك الواقع ، بل كان الواقع هو الذي يُخضع السنّة النبوية ورأي القران لإرادته ويوجّهها في خدمته ، وإن تطلّب ذلك قلب المعاني الظاهرة ، ووضع الحديث والكذب على الله ورسوله ، او ضد شخصية معينة ، كما فعل معاوية ضد علي بن ابي طالب{ع} كمثال على ذلك لما رفع عمر بن عبد العزيز شتم أبي تراب جاء وفد من إيران " ومن قم بالذات الى الشام يطلبون من الخليفة ان يعفيهم من هذا القرار كي يستمروا في شتم علي{ع} حتى لو فرض ضريبة عليهم ...!!! ومن أمثلة الوقائع التي غيرت السنة النبوية والحديث وغيرت وجه التاريخ الإسلامي هي حروب الإمام علي {ع} لقول النبي{ص} يا علي تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين .. فرق ثلاثة سماهم النبي {ص} بنفسه ..هذه الحروب لا زالت إلى يومنا هذا تشق الأمة .. قصة رائعة يذكرها العلماء عن شخص كان متوجها إلى سامراء لزيارة الإمامين العسكريين{ع} حتى لو لم تكن واقعية ولكن حقيقتها واقعية جدا ... أثناء مسيرهفي الطريق رافق شخصا لا يعرفه ، وأثناء الكلام تبين إن ذلك الشخص يميل إلى معاوية في حربه مع الإمام {ع} وتطور الأمر إلى صراع فضرب ذلك الشخص رأس الموالي وشق رأسه ونزف دما كثيرا... سلب دابته وطعامه وماءه وتركه في الصحراء ، حين انتبه عرف نفسه انه ميت لا محال وهو بعيد عن الناس وعن وطنه , فعاتب الإمام المهدي{عج} ثم غشي عليه لما انتبه ثانيا شعر بوجود شخص يغسل وجهه ويضع الماء في فمه ، بعد أن استعاد وعيه قال له : نحن لا نحضر إلا إذا أمر الله بذلك ، خذ فرسك وسيفك واذهب لزيارة والدي وجدي وسلم عليهما، فوضع الموالي يده على جرحه فتألم ، فقال : سيدي أريدك أن تشفي ضربتي الآن, فأجابه لا هذه ستشفى طبيعيا ويبقى أثرها في جبهتك " وإذا سالك شخص عنها قل إني ضربت يوم صفين مع علي بن أبي طالب" ....... فجاء التاريخ ليمحو آثار السنة النبوية في تلك الحروب ، فانقسم الناس بين مؤيد ومعارض لتلك الحروب لأنها فرقت بين خطين متناحرين ، خط يتمسك بالنص ولا يحيد عنه ، وخط يؤمن بالاجتهاد وتغليب المصلحة ، مثل قول عمر بن الخطاب " متعتان محللتان على عهد رسول الله وأنا احرمهما وأحاسب عليهما" الآن أصبحت هذه المقولة من الدين ولا يمكن المساس بها ... وأحاديث النبي {ص} مع إحدى زوجاته .. يشير إلى بيتها ويقول:" هنا الفتنة هنا الفتنة هنا الفتنة .. هنا قرن الشيطان " ولو أشار إلى بيت فاطمة الزهراء {ع} بهذا لكان لهم رأي آخر ....المشكلة الكبرى هؤلاء الذين أظهروا عقيدة الجبر ، اعتبروا كل ما يصنعه الخليفة قضاء وقدر ،وهو حقيقة الدين وهو شريعة سيد المرسلين لأنهم الفئة المتغلّبة التي بسطت نفوذها وآراءها لتصبح ممثلة للإسلام وجمهور المسلمين .. فمن سيحكم عليها وهي الحاكمة على الناس ؟! فجعلوا اسما لهم يليق بالدين قربا وعلما.. اختاروا ما يحلو لهم من الأسماء من قبيل ( أهل السنّة ) ، وأن يكون من خالفها في شيء فهو من أهل البدع والفرق المخالفة للسنّة !!والنتيجة من هذه القراءة السريعة إنّ كثيراً ممّا نقرأه عن الفرق الإسلاميّة هو مفتعل مصنوع لا أصل له ، وإنّما أفرزه أمران.الأول : النزاع الطائفي المحتدم في المراحل الأولى من نشأة المذاهب والفِرق جعل الناس يتحزبون لفقيه معين.. .والثاني : آراء الطلاب والكتاب الذين يأخذون رأيهم من شخص معين ، يساعدهم حكام الجور الذين دعموا ذلك الاسم .....الخلافة وأثرها في نشأة المذاهب والفرق:....لا يختلف اثنان أنّ الواقع الذي أفرز مبدأ « سنّة الشيخين » مرجعاً تشريعياً بعد الكتاب والسنّة ، ذلك المبدأ الذي وضِعَتْ بذرته الأولى يوم أثبت الشيخان قدرتهما في السقيفة وساقا الناس إلى البيعة ، ثم تلاه إدارةُ قويّة تميّزت بالحزم في اتخاذ القرار ، مالياً كان أو اجتماعياّ أو عسكرياً أو دينيّاً ، صاحب ذلك وجود صنف من الناس جُبِلوا على طاعة القويّ الحازم الذي يمتلك زمام المبادرة ، إضافة إلى من يبحث في مصلحته ومصلحة عشيرته ، كموقف الأنصار يوم السقيفة ممّا يعطي الحاكم قوة ويصبح قرارَه هيبةً ونفوذاً في نفوس الناس ...حتى أصبح قرار الحاكم أقوى من قرار النبي{ص} كمثال على ذلك حين سارعت الألوف في تلبية نداء الحرب مع إخوان لهم من المسلمين امتنعوا عن نقل الزكاة إلى الخليفة اعتراضاً على شخصه وطريقة انتخابه ولم يكفروا بحكم الزكاة ، فقاتلوهم استجابة لقرار الحاكم ..قتالا كما قاتلوا الذين ارتدّوا عن الدين صراحةً ، عاملوهم نفس الأسلوب لان قرار الخليفة واحد بين حجز الزكاة عنه وبين الردّة !وهكذا كان ينفذ القرار بكلّ قوة ودون أن تكون هناك نافذة للحوار والمناقشة ، وإن حدث طرف من ذلك فالحسم دائماً لصالح قرار الخليفة نفسه ، وجرى ذلك في الأمور الدينية والتشريعية بالقوة نفسها ،نذكر ينفذ قرار الخليفة في منع الروايات ومنع أحاديث النبي والإفتاء بسنّته ، والمنع من تدوينها ، وفي تعطيلها أحياناً ، حتّى يصبح قرار التعطيل هو السنّة وتصبح سنة النبي هي البدعة ... مثلا التاريخ يذكر في قصة معروفة إن عمر بن الخطاب هو من شَرع صلاة التراويح جماعة بإمام ، لأنه لا صلاة نوافل بإمامة .. وحين جاء علي {ع} إلى السلطة رفع تلك البدعة ، فخرج بعض الناس ينادون السنة السنة , وا عمراه .. فقال الإمام لابنه الحسن{ع} دعهم يصلون ...!!! هذا في تفاصيل الصلاة ، وأخرى في مناسك الحجّ ، وفي أحكام الأحوال الشخصية ، وفي الحقوق المالية وغير ذلك ونجح قرار الخليفة إلى اليوم في صناعة صلاة جديدة ، كما هو شأن صلاة التراويح ، بالرغم من أنّ صانعها نفسه يصفها بالبدعة ، إلا أنّها تصبح بعد أيام هي السنّة الثابتة ، ومن خالفها فقد أحدث في الدين !من كلّ ذلك وأمثاله برز مبدأ جديد لم تعرفه الأمة من قبل ، ولا دعا إليه كتاب الله ولا نبيه الكريم {ص} هو مبدأ « سنّة الشيخين» !هذا المبدأ ولد في قمّة الهرم السياسي ، ومن ورائه الجمهور العام الذي ينتظم في سلك الطاعة ، ظهر وكأنّه الأصل الذي عليه الناس ، فمن خالفه فقد خالف « جماعة المسلمين » وتحقق لسنّة الشيخين موقع المرجعية ، وكأنّ الأصل في الدين وبديل عن سنة النبي في اغلب الأحكام ..!!!هذا النظام قاد الجمهور في سلك الطاعة إلى مزيد من المبادئ الجديدة التي تحل دائماً بدائلَ عن المبادئ الأصيلة التي أقرّها القرآن الكريم والسنّة المطّهرة .. ولكونها أيضاً قد انبعثت من « القمّة » بتأثير الخلافة ومشاريعها الدينية والسياسية والثقافية النافذة على عامّة الناس ،صارت من مميّزات « الجماعة » التي من خالفها كان مبتدعاً ، داعياً إلى فتنة !{{نشأة التسمية بأهل السنّة والجماعة :}}هذه التسمية مرت بمرحلتين ؛ المرحلة الأولى لقب « الجماعة » أطلقه الأمويون على العام الذي تسلم الملك لمعاوية وانفراده به ، فقالوا : عام الجماعة أعطوه صفة جديدة وفي حقيقته حادث تأسس على الغَلَبة والغدر لصالح الفئة الباغية ، بلا نزاع في ذلك ، ورغم ذلك فقد بقي اسم الجماعة مرهون بطاعة الحاكم والانصياع لأمره حتى بالباطل ، ومن تمرّد عليه فهو خارج على الطاعة مفارق ل‍ « الجماعة » مستحقّ للعقاب ...وأول ضحايا هذا الرأي الصحابي الجليل حُجر بن عديّ الذي كان ينكر على المغيرة وزياد سبَّهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وكلّما تمادوا في ذلك صعّد من إنكاره ، فكتب زياد إلى معاوية في حُجر وأصحابه : إنّهم خالفوا « الجماعة » في لعن أبي تراب ، فخرجوا بذلك من الطاعة ! فقتلهم معاوية ، واحتجّ بقوله : إنّي رأيتُ قتلهم صلاحاً للأمة ، وأنّ بقاء هم فساد للأمة ! يقول ابن العربي : جعلهم معاوية ممّن سعى في الأرض فساداً ـ يعني حُجر الخير !! أصبح الصلاح والفساد يحدّده معاوية ، وليس لله حكم ولا شريعة ! شأن أيّ حكم استبدادي ليس له أدنى صلة بالدين .. وهو الأمر الذي قتل فيه الإمام الحسين {ع} وأصحابه الكرام في كربلاء .....وأصبح ( الَّذِينَ يَأٌمُرُونَ بِالٌقِسٌطِ مِنَ النَّاسِ مفسدين في الأرض ، خارجين على « الجماعة » ساعين في الفتنة !..بينما بقيت الجماعة الملتزمين بطاعة « الخليفة » دون النظر إلى طريقة استخلافه ودينه وأخلاقه أو عقله .. خطب الوليد بن عبد الملك يوم بويع له بالخلافة ، فقال : « أيّها الناس ، عليكم بالطاعة ، ولزوم الجماعة ، فإنّ الشيطان مع الواحد ! أيّها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه هذه هي فلسفة الطاعة والجماعة عندهم ، والتي بقيت تميّز أهلها عن غيرهم ممّن لا يعتقد بالولاء لحكام الجور والفساد ..أمّا ما يدّعيه البعض من أنّ « الجماعة » مأخوذة من متابعة إجماع الصحابة وإجماع السَّلَف ، فإنّما هي دعوى لا يسندها لا واقع بشيء ، لكنّ المشكلة أنّهم اختزلوا مساحة « السَّلَف » الذين يقولون بإمامة كلّ متغلّب فقط ولا يعيرون أهمية ولا حرمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين يراه غيرهم .. الذي يقول بتنصيب الحاكم بالغلبة يحكم بعدالته ، حتى لو اتهم بالكذب والغش والخيانة أو مارس الزنا ، أو من يعزره عمر ويطرده ويقام عليه الحدّ ، وتردّ أحاديثه ، ويكذَّب عليها ، لا يهم في ذلك كلّه وتاريخهم ثابت منه { قصة ضياء جمال الدين في مصر مع محمود أبو ريه } المهم أهل « الجماعة » يحكمون بعدالة الصحابي ، ذلك المبدأ الذي روج له الأمويون ، وكان من أحسن ما نفعهم من مبادئ ابتدعوها !{{ أما لفظ « السنّة }}» فلم يظهر مقروناً بلفظ « الجماعة » في بادئ الأمر ، في العهد الأموي ابتدأت كلمة الجماعة أول خلافة معاوية ثم استمرت الإحكام والأوامر من قصر الخلافة فصار المتمسكون بآراء معاوية من سلك « الجماعة » وبين الآخرين الذين يؤمنون بقداسة الدين والنص ولا يتبعون أحكام بني أمية هؤلاء أهل البدع..!!! ..أما « أهل السنّة » فإنّما يراد بهم أهل الطاعة و « الجماعة » أنفسهم ، ولعلّ أول ظهور لهذا التقسيم جاء في حديث ابن سيرين القائل :{ كانوا لا يسألون عن الإسناد حتّى وقعت الفتنة ، فلمّا وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد ، ليُحدَّث حديث أهل السنّة ويُترك حديث أهل البدعة} .صحيح مسلم ـ المقدّمة ـ باب 5...وابن سيرين هذا لم يكن له ذكر في القرّاء والعلماء الذين نهضوا على الحجّاج سنة 82 ه‍ { وقد ذكروا في ترجمته بأنه كان لا يعبيب على السلاطين شيئاً .. فمن هم أهل البدع عنده ؟لقد وجدناه يقول في معاوية بن أبي سفيان : « كان معاوية لا يُتَّهم في الحديث عن النبي{ص} وعنده معاوية من أهل السنّة ؟} إنّ الميزان الذي وضعوه لتمييز البدعة من السنّة هو {الواقع التاريخي للخلافة وآثارها الثقافية التي أفرزها الصراع ، فلم يكن لعنُ عليّ والحسن والحسين : والبراءة منهم بدعة , لكن تفضيل عليّ على عثمان وحده بدعةً !!ومرت السنون وجاء طاغية جديد هو المتوكل العباسي الذي سمّي « ناصر السنّة » ذلك لان المتوكّل هو الذي نكل بالمعتزلة لأنهم كانوا يقولون بخلق القرآن ، فنَصر الإمام أحمد بن حنبل وأفرج عنه من السجن وأعطى اسما لأحمد بن حنبل فكان اسم أحمد « إمام السنة » فقالوا في المتوكّل : أظهر السنّة وتكلّموا بها في مجلسه وكتب بها إلى الآفاق في دعم رأي الإمام احمد بن حنبل .. فأصبح المؤمن بالنظريتين أتباع رأي الحكام وأتباع الحاكم والصحابة ويؤمن بالقوة والغلبة والانتخاب بعد أن ادخله العباسيون .. فانه من أتباع السنة والجماعة ....كان المعتصم شديد البغض لعليّ {ع} ولأهل بيته ، يقصد من يبلغه عن من يتولى عليا وأبناءه{ع} يأخذ مالهم ويباح دمهم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنّث ، يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدّة ويكشف رأسه ، وهو أصلع ، ويرقص بين يدي المتوكّل ، والمغنّون يغنّون« قد أقبل الأصلع البطلين ـ خليفة المسلمين » يعني بذلك عليّاً ، والمتوكّل يشرب ويضحك ..كان ينادمه ويجالسه جماعة اشتهروا بالنّصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي ، وأبو السِّمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالى بني أمية وبان اُترجّة العباسي الهاشمي .. وهدم قبر الحسين وهدم ما حوله من المنازل وأمر أن تُحرث وتزرع ، ومنع الناس من زيارتها ,وصف بعضهم هذه التصرفات إنها غطّت علي جميع حسنات المتوكّل ، لكن هذا كله لم يُخرج المتوكّل من أهل السنّة إلى أهل البدعة ناهيك ان يخرجه عن الدين !! وأصبح الإمام احمد بن حنبل مقدما عند المتوكل والعباسيين ومرجعا أليهم سئل يوما ابن حنبل في من قدّم عليّاً على عثمان في الفضل ، فأجاب : « هذا أهلُ أن يُبدَّع » يعني من يقول ذلك من أهل البدعة ... بينما يرى الأمامية قول علي{ع} {نحن أهل البيت لا يقاس بنا احد }.........ـ وسأله المتوكّل يوما عن أشخاص من أهل العلم ، مَن منهم يصلح للقضاء ؟ فكتب إليه فيهم فرداً فرداً ، ثمّ ختم كتابه " إنّ أهل البدع لا ينبغي أن يُستعان بهم في شيء من أمور المسلمين ، فإنّ في ذلك أعظم الضرر على الدين ، مع ما عليه رأي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه من التمسّك بالسنّة والمخالفة لأهل البدع » يعني بهم ممن يرى آراء جعفر بن محمد الصادق{ع} وفي ختام كلامه يرى ابن حنبل أقراره التام ما يراه المتوكل هو حقيقة السنة..!!ويقول تاريخ هذا الرجل ابن حنبل انه يوثّق أشدّ الناس نصباً وتمادياً في شتم عليّ وأهل البيت{ع} ، ويطريهم أحسن الإطراء ، أمثال « حريز بن عثمان » دلالة كافية ، هذا الذي كان يستعيض عن ذكر الله بشتم الإمام عليّ ، يقول فيه أحمد بن حنبل « ثقة ، ثقة ، ثقة » وهو في الوقت نفسه يقول : « كان يحمل على عليّ » !!كتب ابن الجوزي : أنّ المتوكّل جمع الفقهاء والمحدّثين ، منهم : مصعب الزبيري أي يرى أحقية طلحة والزبير في حرب علي{ع} ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وعبد الله وعثمان ابنا محمّد بن أبي شيبة فقُسمت بينهم الجوائز والهدايا وأموال ، ثم أمرهم المتوكّل أن يجلسوا للناس وأن يحدّثوا بالأحاديث التي فيها الرّد على جميع العلماء والفقهاء اللذين لا يرى المتوكل رأيهم,, وأمرهم أن يُحدّثوا بالأحاديث في الرؤية , أي الاجتهاد....!!.هذه الأجواء فتحت باباً فسيحاً للكذب ووضع الحديث ،كتب عنه الذهبي وغيره من علماء السنة .. حتى اصبح للعلم بابا اسمه باب الجرح والتعديل ... كالذي حدث في فضائل الصحابة زمن معاوية , فوضعت أحاديث كثيرة في صفات الله تفيد التجسيم التي يتبناها ابن تيمية والوهابية والسلفيون الآن ، وفي الرؤية ، وفي قِدَم القرآن ممّا ليس له أصل في الإسلام ، ولم يُعرَف قبل هذا التاريخ .وفي هذه الأجواء نشطت عقيدتا « التشبيه » و « التجسيم » المنحرفتان ، هنا يبدو أنّ لقب « أهل السنّة » كان له ظهور فعلي في هذه المرحلة بالذات ، مرحلة أحمد بن حنبل والمتوكّل ، في خضمّ الصراع الفكري حول القرآن ؛ أهو قديم أم حادث مخلوق ! ذلك الصراع كان مصحوباً بالعنف في أكثر مراحله..............................أصبحت عقيدة كل من صوّب خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مقلدا لمعاوية ، صحيح بعض الفقهاء لعنوه ، ومنهم تبرءوا منه ، وآخرون خطّأه وذكروا حجم الفساد الذي أدخله على الدين وشوه هذه الأمة. وفي عصرنا أكثر الكتاب السنة يدينونه لكنّ المشكلة تكمن في أنّ جذور الصراع الطائفية تذهب بكلّ قولٍ أو موقفٍ فيه بصمات الاعتدال والموضوعية ، ليظهر فقط ما يغذّي العصبية فتبرز المواقف الشاذّة وغير المسؤولة التي مزقت الأمة .... السنّة والجماعة » الرأي الشاذّ الذي لا يعترف بخلافة الإمام عليّ {ع} ، ودان به هل العلم والفقه والحديث منهم ، حتّى ثبّتها أحمد بن حنبل ، بقيت في زمنه محلّ نزاع إلى أن استقرّت كما ثبّتها ، وفق الترتيب التاريخي ،أن يكون رابعا الذي جعله مقياساً للتفاضل بينهم أيضاً !ولكننه أول من ذكر فضائله وذكر الأحاديث التي وردت فيه ........وأول من حذف اسم علي من الخلفاء هو معاوية حين كان يخطب فيذكر أبا بكر وعمر وعثمان ثمّ يتحدّث عن نفسه وسياسته ولا يذكر عليّاً {ع} ، بل يذكره في آخر خطبته بالشتم والسبّ واللعن ! قال أحمد بن حنبل : ما لأحدٍ من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعليّ رضي الله عنه وقال : عليُّ من أهل بيتٍ لا يقاسُ بهم أحد ! وسُئل يوماً : ما تقول في هذا الحديث الذي يروي ، أنّ عليّاً قال : « أنا قسيم النار » ؟ فقال : وما تُنكرون من ذا ؟ أليس روينا أن النبيّ {ص} قال لعليّ : « لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق » ؟ .. قالوا : بلى .. قال : فأين المؤمن ؟.. قالوا : في الجنّة ..وأين الكافر ؟.. قالوا : في النار .. قال : فعليُّ قسيم النار .مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) العلمية

شهد القاصي والداني ، أنَّ الإمام الصادق ( ع}هو صاحب المقام العلميِّ الرفيع ، الذي لا ينازعه فيه أحد . حتى توافدت كلمات الثناء ، والإكبار ، والإعجاب بشخصه وعلمه سواء من قِبَل الحكَّام ، وأئمَّة المذاهب ، والعلماء ، وتراجم الرجال ، نكتفي من تلك الكلمات بإشارات :يقول أبو حنيفة : ما رأيت أفقهَ مِن جعفر بن محمَّد ، لمَّا أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال : يا أبا حنيفة ، إنَّ الناس قد افتُتِنُوا بجعفر ، فهيِّئ له من المسائل الشِداد . فهيَّأتُ له أربعين مسألة ، فلمَّا أبصرتُ به دخلَتْني من الهيبة لجعفر ( الصادق ) ما لم يدخلني لأبي جعفر ( المنصور ) . فجعلتُ أُلقي عليه فيُجيبني فيقول : ( أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربَّما تابعناهم ، وربَّما خالفنا جميعاً ) . حتى أتيت على الأربعين مسألة ، ثم قال : ( ألَسْنا رَوينا أنَّ أعلم الناس ، أعلمُهم باختلاف الناس ) ؟ . واعترف أبو جعفر المنصور ، وأقرَّ بفضله حين قال : إنَّ جعفراً كان ممَّن قال اللهُ فيه : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ، ( فاطر : 32 ). وكان ممَّن اصطفاه الله ، وكان من السابقين في الخيرات .ورغم اعترافه بفضل الإمام الصادق ( عليه السلام ) في قوله : سيِّدُ أهل البيت ، وعالِمُهم ، وبقيَّة الأخيار منهم ، إلا أنه كان يضيِّق على الإمام ( عليه السلام ) ، ويكيد له ، حتى اغتاله بعد أن قال : هذا الشجا المعترِضُ في حَلْقي مِن أعلم الناس في زمانه . امتازت الفترة التي عاشها الإمام الصادق ( ع ) بأنها مرحلة نمو العلوم ، وتزاحم الثقافات المتنوِّعة . بسبب انفتاح البلاد الإسلاميَّة على الأمم الأخرى ، وانتشار الترجمة التي ساعدت على نقل الفلسفات الغربيَّة إلى العرب .فبدأ الغزو الفكري باتجاهاته المنحرفة ، وعاداته الهجينة ، ونشأت على أثره تيَّارات الإلحاد ، وفِرَق الكلام ، والآراء الغريبة ، والعقائد الضالَّة . وقد تطلَّبت تلك الظروف أن ينهض رجل ، عالِم ، شجاع ، يردُّ الضلال عن حصون الرسالة المحمدية .فكان أن قيَّض الله وليَّه الإمام جعفر الصادق ( ع ) الذي فاضت حياته بالعطاء ، والعلوم الغزيرة المتعدِّدة ، من : الحديث ، والتفسير ، والعقيدة ، وسائر أبواب الفقه ، والشريعة .نَقلَها نقلاً أميناً ، عن منابع النبوَّة المُحمَّديَّة الخاتمة ، وعن منابع التشريع ، حتى لُقِّب ( ع ) بـ( المحقِّق ) ، و( كاشف الحقائق ) . لأنه ( عليه السلام ) كان مَرجِعَ الأمَّة بِحَقٍّ ، وإمامَها الذي تتلمذ على يديه مئات الأعلام من الفقهاء ، والمشايخ ، بعد أن فتح لهم باب التخصص العلمي في العلوم العقلية ، والطبيعيَّة ، كالكلام ، والكيمياء ، والرياضيات ، إضافةً إلى أبواب الشريعة الإسلاميَّة .كما وضع ( ع) القواعد الواضحة لمسائل الأصول ، والفقه ، ليُربِّي في تلامذته مَلَكةَ الاجتهاد ، والاستنباط ، كقاعدة الاستصحاب، والبراءة ، والضمان ، والتخيير ، وغيرها . وبما أنَّ الغزو الفكري الغربي قد رافقَتْه حريَّة غير موجَّهة ، وانفتاح في إبداء الآراء ، هيَّأتهما السلطة الحاكمة . لذا أحدث ذلك الغزو ارتباكاً في عقائد المسلمين ، فجنَّد الإمام الصادق ( ع ) جهوده العلمية الهائلة لمواجهة الانحراف والتحريف ، بمواقف علميَّةٍ ، وعقائدية . وذلك كان من خلال إجابته على كلِّ المسائل ، وردِّ كل الشبهات ، وإفحام كلِّ التشكيك ، والأضاليل ، وبيان كلِّ أمرٍ من أمور الدين ، والدنيا ، ممَّا يُتساءَل عنه . حتى استطاع بذلك الجهاد العلمي المؤيَّد برعاية الله وعنايته ، أن يوقف الزحف الضلالي على العالم الإسلامي ، ويكشف زيفه ، ويبين أباطيله .تأسيس المدرسة :كان الإمام الصادق (ع) قد ساهم مع أبيه الإمام محمَّد الباقر ( ع) ، في تأسيس مدرسة أهل البيت ( ع ) في المدينة المنورة . وقد اتخذا من الحرم النبوي المنور مركزاً لإلقاء الدروس ، حتى تحوّل إلى أكبر معهدٍ من المعاهد الإسلامية في زمانه . فربّى جيلاً عالماً انتشر في أنحاء البلاد ، يبث حقائقَ الدين ، ويُبيِّن معالمه وقد أجمع العلماء ، مثل : الشيخ المفيد ، والشيخ الطبرسي ، والفتَّال النيسابوري ، والشهيد الثاني ، وابن شهر أشوب وغيرهم ، أنّه نُقل عن الإمام الصادق (ع ) من العلوم ما لم يُنقَل عن أحد . حتى أن أصحاب الحديث جمعوا أسماء الرواة الذين رووا عن الإمام الصادق (ع ) - على اختلاف آرائهم - ، فكانوا أربعةَ آلاف راوٍ .وهكذا كانت جهوده المباركة جهاداً علميّاً كبيراً ، أرسى من خلاله قواعدَ الدين ، وثبَّت أصوله ، وفروعه ، وعقائده .وبقيت أطروحاته حية نقية يستمد منها الناس العلم والآراء الحكيمة ، وتوجيهاته القَيِّمَة .وليست العلوم الإسلاميّة وحدها عيالاً على مدرسته و كثيراً من العلوم الحديثة كان يقدمها بكل اقتدار لطلابه في الكيمياء والفلك والطب والهندسة فتلقفها الفقهاء وتأثروا بها ...هذا الإمام الشافعي لا يتحفّظ من المجتمع في إظهار حبّه لأهل البيت : ، حتّى يصفوه ب‍ ( الرفض ) وليس التشيّع فقط !! فأنشد في ذلك شعراً كثيراً يؤكّد ما هو عليه من حبّ ، وأنّ ما يقال فيه لا يزيده إلا إصراراً عليه :أمّا أبو حنيفة فقد خرج من ولاء الأمويين إلى ولاء الثورات العلويّة منذ ثورة زيد الشهيد ، وبعده محمّد وإبراهيم أولاد عبد الله بن الحسن ، حتّى مات على ذلك في سجن أبي جعفر المنصور .وحتى من كان فيه مداراة وتقيّة ، كالحسن البصري ، فقد أظهر في متنفسا يبعده عن تلك الدائرة ، وكلمته في معاوية هي من أشهر ما قيل فيه : « أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف .. واستخدامه بعده ابنه سكّيراً خمّيراً .. وادّعاؤه زياداً .. وقتله حُجراً وأصحاب حُجر ، فيا ويلاً له من حُجر ! ويا ويلاً له من حُجر » !!روى الشيخ الكليني والطوسي عن أبي أيوب النحوي انه قال: بعث ألي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته فرايته جالساً على كرسي وأمامه شمعة وبيده كتاب، قال: فلما سلمت عليه رمى بالكتاب ألي وهو يبكي. فقال لي: هذا محمد بن سليمان يخبرنا إن جعفر بن محمد قد مات، فانا الله وإنا أليه راجعون وأين مثل جعفر؟ ثم قال لي: اكتب، قال: فكتبت ان كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه قال: فرجع إليه الجواب انه قد أوصى إلى خمسة وأحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة.كان الإمام{ع} يعلم إن المنصور سيقتل وصيه فأشرك هؤلاء النفر فكتب اسم المنصور وموسى ولده هو الذي كان مخصوصاً بالوصية دونهم .....
.................................................................................
الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي

بسم الله الرحمن الرحيم
ومن ملتقي أهل الحديث
المذهب الفقهي إصطلاح ظهر خلال القرن الرابع الهجري، بعد تميز المذاهب الفقهية، وهو عند الفقهاء الإتجاه الفقهي في فهم أحكام الشريعة والطريقة التي ينهجها المجتهد أو عدد من المجتهدين في الاستنباط، وكيفية الإستدلال، والفروع التي تضاف في ضوء أصول المذهب..

وأصول المذاهب تتميز عن بعضها بسبب اختلاف أصحابها في مناهج الاجتهاد والاستنباط، وليس في الأصول الكلية أو الأدلة الإجمالية.. إذ المنهج الاجتهادي الخاص، واختيارات كل إمام فيما يأخذ به من الأدلة التبعية، هو الذي يميز بين "أصول المذهب" و"أصول الفقه".
وثمة مجموعة من العوامل والخلفيات ساهمت في ظهور المذاهب الفقهية، بحيث يمكن حصر أهم تلك العوامل والأسباب في العاملين السياسي والفكري. هذان العاملان ساهما في ظهور مناطق فراغ في المجال الفقهي، فنشأت عشرات من المذاهب الفقهية خلال القرن الثاني والثالث الهجري لسد هذه المناطق، من خلال بلورة اجتهادات واتجاهات فقهية مختلفة.. حتى أنها عدت خمسين مذهبا انقرض غالبيتها مثل مذهب الليث بن سعد، وداود بن علي الظاهري، وعبد الرحمن الأوزاعي.. ولم يبق منها إلا أربعة سنية، وأخرى غير سنية كالمذهب الجعفري والزيدي والإمامي والإباضي وغيرها من المذاهب التي تتوزع مختلف أقطار العالم الإسلامي.

مراحل تطور المذاهب السنية
مرّت المذاهب الفقهية (السنية) بعد قيامها وتبلور مناهجها بثلاث مراحل أساسية:
- مرحلة التأسيس والبناء: امتدت هذه المرحلة على ما يربو عن ثلاثة قرون حتّى سقوط بغداد (سنة 656)هـ. تميزت هذه المرحلة بتنظيم وترتيب الفقه المذهبي. كما ألفت مدونات جمعت المسائل الخلافية مع المذاهب الأخرى..
- مرحلة شيوع ظاهرة التقليد وإغلاق باب الاجتهاد: مع بداية القرن الثامن الهجري، حيث اقتصر النشاط الفقهي على اجترار التراث الفقهي عن طريق شرحه واختصاره أو تنظيمه، من دون إضافة جديدة. مع طغيان المباحث اللفظية والمسائل الافتراضية، فابتعد الفقه عن الحياة.
- مرحلة التجديد والانطواء: مع بداية القرن التاسع عشر، حيث أخذت الدراسات الفقهية تشق طريقها نحو التجديد والتطوير ومواكبة العصر ومشكلاته المختلفة تحت ضغط التطور الزمني، وتقدم المعارف الإنسانية، والإحتكاك بالحضارات. فظهرت نخبة من العلماء قادوا حركة التجديد وحذروا من الجمود والركود.
المذاهب السنية الأربعة
وهكذا ظهرت المذاهب الفقهية الكبرى في عصر الدولة العباسية. وهذه المذاهب حسب التسلسل التاريخي في الظهور:
- المذهب الحنفي: نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان ( 80 - 150 هجرية ) -وإن كان المذهب الحنفي يشتمل على تحقيق مناهج شيوخ المذهب كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، ولم يكن قاصرا على منهج أبي حنيفة بالذات- نشأ المذهب الحنفي في الكوفة ونما في بغداد، واتسع بمؤازرة الدولة العباسية له.
وكان مذهبه يعتمد –بالإضافة إلى الأصول النقلية المتفق عليها- على القياس والاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا، فتوسع المذهب في اعتماد الأصول العقلية وتشدد في ضوابط الأخذ بالحديث بسبب تعقد الحياة وتطور المدنية في البيئة العراقية.
ومن أهم كتب المذهب الحنفي: كتب" ظاهر الرواية" الستة، وكتب "النوادر" للإمام محمد بن الحسن، وكتاب "الكافي" للحاكم الشهيد، وكتاب "المبسوط" للسرخسي، وكتاب "بدائع الصنائع" للكاساني، وكتاب حاشية ابن عابدين المسماة "رد المحتار على الدر المختار" وغير ذلك.
- المذهب المالكي: وهو عبارة عما ذهب إليه الإمام مالك ( 39 - 179 هجرية ) من الأحكام الاجتهادية مراعيا في ذلك أصولا معلومة وأخرى مخصوصة. ويعتمد المذهب ـإضافة إلى الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة من الكتاب والسنة والقياس وإجماع الصحابة ـ على عمل أهل المدينة والاستصلاح. ومن أبرز المؤلفات في هذا المذهب:"الموطأ" للإمام مالك، و"المدونة الكبرى" وهي آراء الإمام مالك الفقهية جمعها ودونها سحنون بن سعيد التنوخي..
انتشر المذهب المالكي أكثر ما انتشر في شمال إفريقية ومصر والأندلس، وقام علماء كثيرون بنشره في العراق وبلاد خراسان..
- المذهب الشافعي: وصاحبه محمد بن إدريس الشافعي ( 150 - 204 هجرية)، عاش في مكة ثم رحل إلى العراق حيث تعلم في بغداد فقه "أبي حنيفة" قبل رحيله واستقراره قي مصر. ومن ثم جاء مذهبه وسطاً بين مذهب " أبي حنيفة" المتوسع في الرأي، ومذهب "مالك بن أنس " المعتمد على الحديث. ويعتمد المذهب الشافعي في استنباطاته وطرائق استدلاله على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي ودونها في كتابه الشهير "بالرسالة"، بحيث يعد أول من دون كتاباً متكاملاً في علم أصول الفقه. من أبرز علماء الشافعية في حياة الشافعي هم تلامذته: الربيع بن سليمان الجيزي والربيع بن سليمان المرادي، والبوطي..
ومن أشهر كتب مذهبه إضافة إلى كتب الشافعي نفسه كتاب "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي، و"روضة الطالبين" و"المجموع" للنووي، و"المهذب" و"التنبيه" للشيرازي، و"تحفة المحتاج" لابن حجر الهيثمي.
- المذهب الحنبلي: وصاحبه الإمام أحمد بن حنبل ( 164 - 241 هجرية )، وهو آخر المذاهب الأربعة من الناحية الزمنية. وكان ابن حنبل يرى أن يقوم الفقه على النص من الكتاب أو الحديث، وأنكر على أستاذه " الشافعي " أخذه بالرأي، واعتبر الحديث أفضل من الرأي. لذلك عد في نظر كثير من العلماء من رجال الحديث لا من الفقهاء. ومن أشهر كتبه "المسند" الذي يعتبر موسوعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يحوي أربعين ألف حديث .
ومن أشهر رجال الحنابلة الذين قاموا بنشر المذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية . وأهم تلاميذه صالح ابن الإمام أحمد، وابنه الآخر عبد الله وأبو بكر الأثرم والمروذي وأحمد بن محمد بن الحجاج وإبراهيم الحربي. وأهم كتب مذهبه "مختصر الخرقي"، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه "المغني" وكتاب "كشاف القناع" للبهوتي، و"الفروع" لابن مفلح، و"الروض المربع" للحجاوي.
انتشر في عدد كبير من البلاد من أهمها بلاد الشام، ونجد في الجزيرة العربية..

خاتمة
مما سلف نستخلص أن اختلاف المذاهب الفقهية في كثير من الأحكام والفروع له أسباب علمية وموضوعية اقتضته. وتعد هذه الثروة الفقهية التشريعية نعمة ربانية تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد، بل يجوز الخروج عن مذهب أحد الأئمة الفقهاء إلى غيره من المذاهب إذا وجدت في المذهب الآخر سعة ومرونة.


مبنى المدرسة المستنصرية التاريخي في بغداد تأسيس المدارس الفقهية هو مجموعة من المجهودات العلمية المتخصصة في الدراسات الفقهية التي بدءت بظهور فقهاء الصحابة الذين كانت لهم مذاهب فقهية، والذين أسسوا مدارس فقهية في الحجاز والعراق والشام واليمن ومصر، وانتقل علمهم إلى من خلال هذه المدارس إلى من بعدهم، وتلخص ذلك بظهور مدارس فقهاء التابعين، وكان القرن الثاني الهجري أهم فترة لتأسيس المدارس الفقهية والمدارس الفقهية هي: مجموعة من المجتهدين، من ذوي الكفائة العلمية، والتخصص لبحث ودراسة موضوع: الفقه في الدين الإسلامي، وما يوجد من غوامض، وإشكالات، والتدقيق والاستدلال، في علم الفقهوأصوله، وقواعده، وفروعه. وقد نشأت المدارس الفقهية في زمن الصحابة الذين اشتهرت مذاهبهم الفقهية ونقلت، وأخذ عنهم فقهاء التابعين، وتكامل بذلك تأسيس المذاهب الفقهية



تعريف الفقه

الْفِقْهُ في اللغة: الْفَهْمُ للشيء والعلم به، وفهم الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة، وهو في الأصل مطلق الفهم، وغلب استعماله في العرف مخصوصا بـعلم الشريعة؛ لشرفها على سائر العلوم، ومعناه الاصطلاحي: «العلم بالأحكام الشرعية المكتسبة من أدلتها التفصيلية». ويسمي علم الفقه ويختص بالفروع، والفقيه العالم بالفقه، وعند علماء أصول الفقه هو المجتهد.

والفقه في الاصطلاح يطلق على أحد أنواع العلوم الشرعية المسمى: علم فروع الفقه وهو: العلم بالأحكام الشرعية العملية المستمدة من أدلتها التفصيلية. أو بعبارة أخری هو: العلم الذي يبحث لكل عمل عن حكمه الشرعي.
الفقه في الدين


المدرسة المستنصرية في بغداد أول جامعة تدرس المذاهب الأربعة.

كان الصحابة في زمن النبوة يتعلمون أحكام الدين الإسلامي ويتفقهون فيه، وكانت المدينة المنورة في عصر الخلفاء الراشدين هي المرجع الفقهي الأول للمسلمين، وكان فقهاء الصحابة يعلمون الناس أمور دينهم، وبمرور الوقت وانتقال الصحابة في البلدان حدثت ظواهر جديدة يتحتم معرفة حكمها الشرعي، ولم يوجد نص من القرآن ولا من السنة يدل عليها بخصوصها، وكان كبار فقهاء الصحابة الذين بلغوا رتبة الاجتهاد يستنتجون أحكامها بطرق الاجتهاد، وكانت لهم مذاهب فقهية، وأخذ عنهم صغار الصحابة وكبار التابعين وقد فرض الله على الأمة الإسلامية تعلم أحكام الشرع والتفقه في الدين، كما أن من فروض الكفاية أن يتفرغ البعض للتعلم ليعلموا ذويهم وقومهم، قال الله تعالى(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) قال الطبري: «فقال بعضهم: وهو نفر كان من قوم كانوا بالبادية، بعثهم رسول الله(يعلمون الناس الإسلام، فلما نزل قوله:(ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) انصرفوا عن البادية إلى النبي > خشية أن يكونوا ممن تخلف عنه، وممن عني بالآية، فأنزل الله في ذلك عذرهم بقوله:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة.} وكره انصراف جميعهم من البادية إلى المدينة
تأسيس المدارس الفقهية المدارس في اللغة: أماكن التعليم، أو مجموعة من المفكرين والباحثين المتخصصين. والمدارس الفقهية هي: مجموعة من الباحثين المتخصصين، الذين امتازوا بكفائاتهم العلمية، وقدرتهم على النظر والإستدلال، والإجتهاد، وتفرغوا للإشتغال بدراسة موضوع: الفقه الإسلامي والبحث في كلياته وجزئياته، وما يوجد من غوامض وإشكالات، واستنباط أحكامه، وعملوا على صياغة أصوله وفروعه، ومبادئه ومقاصده، وتوسيع مباحثه في فترات متعاقبة، حتى اكتمل وضع المذاهب الفقهية.
العصر النبوي

العصر النبوي هو المرجع الأول لكل المسلمين، لاختصاصه بنزول الوحي فيه، حتى اكتمل الدين. وكان للشرع الإسلامي: مصدران تلخص فيهما ما نزل من الوحي هما: القرآنوالحديث قال الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا وآيات الله أي: القرآن. والحكمة: الحديث النبوي

وقال تعالى:(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]7/59وكانت مهمة الصحابة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقي ما جاء به الرسول من عند الله، وحفظه وتعلمه، وتدوين القرآن ثم الحديث. وكان الفقه في العصر النبوي يؤخذ من المعلم الأول للأمة الإسلامية؛ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة رضي الله عنهم يتعلمون منه الأحكام الشرعية ويأخذونها، ويعلمون الناس، ولم يكن الإجتهاد إلا في بعض الأحوال التي لا تمكنهم من الحصول على النص، لأن نزول الوحي فيه ما يقر أو ينكر ويعلم. وقد تلخص الفقه في زمن النبوة بظهور عدد من فقهاء الصحابة، وبوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ انقطع الوحي، وكان الدين الإسلامي مكتملا، واضح المعالم.
تاريخ الفقه

نشأ الفقه الإسلاميّ بمفهومه العام الذي هو بمعنى: الفقه في الدين منذ بداية الدّعوة الإسلامية، خلال فترة نزول الوحي في العصر النبوي، وكان الصحابة يتعلمون الأحكام الشرعية ويتفقهون في دين الله في العصر النبوي الذي اختص بنزول الوحي فيه، حتى اكتمل الدين. وكانت مهمة الصحابة تعلم أحكام الشرع، وهو ما شرعه الله على لسان رسوله من أحكام، وحفظه وتعلمه، وتدوين القرآن ثم الحديث. والتفقه فيما أنزل الله على رسوله وأوحي به إليه من القرآنوالحديث قال الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا وقد فسرت آيات الله: بالقرآن، والحكمة هي: الحديث النبوي وقد كان الاجتهاد في العصر النبوي قليل الوقوع، قال في البحر: «واختلف في علم النبي الحاصل عن اجتهاد، هل يسمى فقها؟ والظاهر أنه باعتبار أنه دليل شرعي للحكم لا يسمى فقها، وباعتبار حصوله عن دليل شرعي يسمى فقها اصطلاحا» وكان الفقه في الدين في زمن الصحابة مميزا عما بعده باعتبار أنهم أخذوا وتعلموا في زمن نزول الوحي وتفقهوا من العلم النبوي، وقد اختص كبار الصحابة بمزيد اهتمام في تعلم الأحكام وفهمها، وكانوا مراجع للمسلمين.

أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله الذين صحبوه ولازموه كانوا فقهاء، وتتمثل طرق فقه الصحابة فيما أخذوه من خطاب الله تعالى وخطاب رسوله وما فهموه منهما، والعلم بتفسير القرآن الذي نزل بلغتهم وعرفوا أسباب نزوله، والعلم بما أخذوه من السنة النبوية من أقوال وأفعال وتقريرات عرفوا مقاصدها وكان لهم من ذلك معرفة واسعة بأحكام الدين. ومن كبار فقهاء الصحابة الخلفاء الأربعة وغيرهم، وكان منهم مراجع الفتوى ومنهم: ابن عمر وابن عباس وزيد ابن ثابت، وابن مسعود، ومعاذ اين جبل، وكان من النساء أيضا: أمهات المؤمنين، ومن نساء الأنصار وغيرهن، وكان لكبار الصحابة، وأئمة أهل البيت اجتهادات ومذاهب فقهية، وتلقى عنهم صغار الصحابة ومن تلقى عنهم من التابعين.
فقهاء الصحابة

انظر أيضًا: فقهاء الصحابة

فقهاء الصحابة كثيرون لكن اختص بعضهم باجتماع جملة من الخصائص لم تتوفر في غيرهم، فهناك من كان له طول الصحبة، وكثرة المجالسة والأخذ، ولا يقتصر هذا على رواية الحديث؛ فقد ورد: «رب حامل فقه ليس بفقيه»، فالخصوصية في قوة الفهم وحدة الذكاء، بالإضافة إلى خصائص أخرى كالدعاء والإجازة والشهادة وغيرها، فمن الدعاء مثل حديث: "عن علي بن ابي طالب أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله أتبعثني وأنا شاب وهم كهول ولا علم لي بالقضاء، قال: انطلق فإن الله عز وجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال علي: فو الله ما تعاييت في شيء بعد". وروي أنه قال: "اللهم اهد قلبه" قال: فما شككت في قضاء بين اثنين حتى جلست مجلسي هذا. وكالدعاء لابن عباس في حديث: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" وغير ذلك. والإجازة مثل تكليف بعض الصحابة للقيام بمهمة القضاء والفتوى والتعليم، والشهادة مثل حديث: "وأفرضهم زيد..." جاء في كتب الحديث أن أعلم أمة محمد بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأعلمهم بالمواريث: زيد بن ثابت وفي الحديث: «عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ ابن جبل، وأقرؤها لكتاب الله عز وجل أبي، وأعلمها بالفرائض زيد ابن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح"» فهم أكثر الصحابة علما بالدين وفهما وحفظا، وأكثرهم ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذا عنه. والذين أجازهم أو دعا لهم، أو شهد لهم بالمكانة العلمية، أو حث على الأخذ والتعلم منهم، أو كلفهم بمهمة الإفتاء والقضاء. الذين تميز بالفطنة والذكاء، وقوة الإدراك، وجودة الرأي الفهم، وحسن الإستدلال. الذين تفرغوا للتفقه في الدين، والتعليم والإفتاء. الذين شهد لهم أكثر الصحابة بمكانتهم العلمية، وأقروهم وأخذوا عنهم ووافقوهم.
طبقة كبار فقهاء الصحابة

طبقة كبار فقهاء هي طبقة كبار أعلام فقهاء الصحابة الذين تميزوا بمكانتهم العلمية في العصر النبوي ومنذ بداية عصر الخلفاء، وكانوا مرجعا للمسلمين، وكانت لهم اجتهادات فقهية، ومنهم الخلفاء الراشدون وأولهم أبو بكر الصديق وهو أول الخلفاء الراشدين، وقد أجمع جماهير أهل السنة والجماعة على أنه أفضل الصحابة وأفقههم وأعلمهم وإمام الأمة الذي قدم للصلاة، وأول من أجمعت الأمة على خلافته، وأن الصحابة لا يقدمون لإمامة الأمة إلا إماما مجتهدا، وعمر بن الخطاب وكانت له اجتهادات فقهية وأقوال أخذت عنه، وكان يبعث الفقهاء من الصحابة إلى الأمصار ليعلموا الناس أمور دينهم، وعن محمد بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه أنه قال: "كان الذي يفتون على عهد رسول الله ثلاثة من المهاجرين وثلاثة من الأنصار: عمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت. وكان ابن عباس إذا سئل عن الشيء فإن لم يكن في كتاب الله وسنة رسوله قال بقول أبي بكر، فإن لم يكن فبقول عمر وعثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، كان من كبار الفقهاء وأهل الفقه والرأي والمشورة، وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي والفقه دعا رجالا من المهاجرين والأنصار، دعا عمر وعثمان وعليا وع الرحمن ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين وكانت اجتهادت فقهية أخذت عنه وكان من كبار فقهاء الصحابة وعن عائشة رضي الله عنها قالت: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ فقيل علي بن أبي طالب، قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة، وروي أنها قالت: أعلم من بقي بالسنة. وقال مسروق: انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة وعالم بالشام وعالم بالعراق؛ فعالم المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعالم العراق عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهما. وعبد الله بن مسعود أحد كبار فقهاء الصحابة وفي الحديث: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد". يعني: ابن مسعود. وبعثه عمر ابن الخطاب إلى الكوفة. روى حارثة بن مضرب "أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: أما بعد فإني قد بعثت إليكم عمارا أميرا وعبد الله قاضيا ووزيرا، وإنهما من نجباء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وممن شهد بدرا، فاسمعوا لهما وأطيعوا فقد آثرتكم بهما على نفسي". وعن عمر أنه قال فيه: أما إنه أطولنا فوقا، كنيف ملئ علما. وروى أبو البختري أن عليا كرم الله وجهه قيل له: أخبرنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عمن تسألوني؟ قالوا: عن عبد الله، قال: "علم القرآن والسنة". وروى يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام. وسئل أبو موسى الأشعري عن مسألة فقال للسائل: ايت ابن مسعود فسيتابعني فجاء إليه فأفتاه، ثم قال: فأتيت أبا موسى وأخبرته فقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم. وقال علقمة: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فسألته فقال: تسألوني وفيكم عبد الله بن مسعود؟.

وأبو موسى الأشعري "وكان ممن بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليعلم الناس القرآن"، وولاه عمر على البصرة. وقال أنس: "بعثني الأشعري إلى عمر رضي الله عنهما فأتيته فسألني عنه فقلت: تركته يعلم الناس، فقال: أما أنه كيس فلا تسمعها إياه". وقال أبو البختري: سئل علي بن أبي طالب عن أبي موسى فقال: صبغ في العلم صبغة. وقال مسروق: كان العلم في ستة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفهم أهل الكوفة: عمر وعلي وعبد الله وأبو موسى وأبي وزيد بن ثابت

وأبي بن كعب قال عمر: اليوم مات سيد المسلمين، وروي عنه أنه قال: "قال رسول الله : "أي آية معك في كتاب الله أعظم؟". قلت: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" البقرة: 225 قال: فضرب في صدري وقال ليهنك العلم، وتحاكم إليه عمر والعباس رضي الله عنه عنهما في دار كانت للعباس إلى جانب المسجد فقضى للعباس على عمر، ولا يتولى القضاء بين كبار الصحابة إلا عالم مجتهد. وقال مسروق: شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى هؤلاء الستة: عمر وعلي وعبد الله وأبي وأبي الدرداء وزيد بن ثابت رضي الله عنهم.

معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي

وجاء في الحديث: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فقال: بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي، قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولا يبعث للقضاء إلا عالما، وقد سأله بين طرق الأحكام أجاد وأحسن وأخبر أنه يجتهد رأيه، فأقر الرسول، ولا يقر الرسول إلا من كان أهلا للاجتهاد. وروى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : أن معاذ بن جبل كان قانتا لله حنيفا وأنه برتوة بين يدي العلماء يوم القيامة ليس بينه وبين الله تعالى إلا النبيين والمرسلين وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل. وروى أبو مسلم الخولاني قال: دخلت حمص فرأيت حلقة فيها اثنان وثلاثون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيهم شاب أكحل العينين براق الثنايا فإذا امترى القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه، فقلت لجليس لي: من هذا؟ قال: هذا معاذ ابن جبل.

وزيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي من كبار فقهاء الصحابة وأحد فقهاء المدينة جاء فيه حديث: "أفرضهم زيد". وقال الشعبي: أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت فقال: تمسك ركابي ونت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء. وقال سالم: كنا مع ابن عمر يوم مات زيد فقال: مات عالم الناس اليوم. وقال سليمان بن يسار: كان عمر وعثمان لا يقدمان على زيد بن ثابت أحدا في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة. وخطب عمر رضي الله عنه بالجابية فقال: من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت. وقال مسروق: دخلت المدينة فوجدت بها من الراسخين في العلم زيد ابن ثابت.

وأبو الدرداء قال معاذ حين حضرته الوفاة وقيل له: أوصنا، فقال: التمسوا العلم عند ابن أم عبد وعويمر أبي الدرداء وسلمان وعبد الله بن سلام، وعن أبي الدرداء أنه قال: سلوني فوالذي نفسي بيده لئن فقدتمون لتفقدن رجلا عظيما من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق

روى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: لو كانت امرأة تكون خليفة لكانت عائشة خليفة. وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما. ولما أجابت في الغسل من الإكسال، قال أبو موسى: لا أسأل عنه أحدا بعد هذا اليوم. وقال عمر رضي الله عنه في ذلك: من خالف بعد هذا جعلته نكالا. وقال قبيصة بن ذؤيب: كان عروة بن الزبير يغلبنا بدخوله على عائشة، وكانت عائشة أعلم الناس، يسأل الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عروة: كانت عائشة أعلم الناس بالحديث، وأعلم الناس بالقرآن، وأعلم الناس بالشعر، ولقد قلت قبل أن تموت بأربع سنين: لو ماتت عائشة لما ندمت على شيء إلا كنت سألتها عنه. وقال مسروق وقد سئل عن عائشة، هل كانت تحسن الفرائض؟ فقال: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض
الطبقة الثانية من فقهاء الصحابة

الطبقة الثانية من فقهاء الصحابة هي طبقة فقهاء الصحابة الذين كانوا صغار السن بالنسبة للصحابة الأكبر منهم سنا، وباعتبار أنهم أخذوا العلم عن كبار فقهاء الصحابة بالإضافة إلى ما تعلموه في العصر النبوي. واشتهر بالعلم من هؤلاء: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. كان يسمى: البحر لغزارة علمه وفي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". وقال عبد الله: كان عمر بن الخطاب يسألني مع الأكابر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكان يقول: لا يتكلم حتى يتكلموا وقال ابن عمر: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وقالت عائشة رضي الله عنها: من استعمل على الموسم العام؟ قالوا: ابن عباس قالت: هو أعلم الناس بالحج. وروى ابن عباس أن عمر كان يدينه فقال له عبد الرحمن بن عوف: أن أبناء مثله، فقال عمر: إنه من حيث تعلم. وقال له عمر: إنك لأصبح فتياننا وجها، وأحسنهم خلقا، وأفقههم في كتاب الله عز وجل. وأحرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوما من الزنادقة فأنكر عليه ابن عباس ذلك، فقال: ويح ابن أم الفضل إنه لغواص على الهنات. وقال ابن أبي نجيح: كان أصحاب ابن عباس يقولون: إن ابن عباس أعلم من عمر وعلي وعبد الله، فيعيب الناس عليهم، فيقولون: لا تعجلوا علينا، إنه لم يكن أحد من هؤلاء إلا عنده من العلم ما ليس عند صاحبه وإن ابن عباس قد جمعه كله. وكان عطاء إذا حدث عنه قال: حدثني البحر. وكان ميمون بن مهران إذا ذكر عنده عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس قال: كان ابن عباس أفقههما.

وعبد الله بن عمر بن الخطاب قال ابن سيرين: كانوا يرون أعلم الناس بالمناسك ابن عمر بعد ابن عفان. وقال أبو إسحاق الهمداني: كنا عند ابن أبي ليلى في بيته فجاءه أبو سلمة ابن عبد الرحمن فقال: عمر كان عندكم أفضل أم ابنه؟ قالوا: لا بل عمر، فقال أبو سلمة: إن عمر كان في زمانه له فيه نظراء، وإن ابن عمر كان في زمانه ليس له فيه نظير. وقال مالك: أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم، وكان من أئمة الدين.

وعبد الله بن الزبير بن العوام ابن خويلد قال القاسم: ما كان أحد أعلم بالمناسك من ابن الزبير.

وعبد الله بن عمرو بن العاص السهمي وكان يفتي في الصحابة.

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي.
ممن أخذ عنهم الفقه

وممن أخذ عنه الفقه من الصحابة: أبو سعيد الخدريوأبو هريرة الدوسيوجابر بن عبد الله الأنصاريورافع بن خديجوسلمة بن الأكوعوأبو واقد الليثيوعبد الله بن بحينة. قال زياد بن مينا: كان ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر بن عبد الله ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وأبو واقد الليثي وعبد الله بن بحينة مع أشباه لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتون بالمدينة ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي عثمان بن عفان إلى أن توفوا. والذين صارت الفتوى إليهم منهم: ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر بن عبد الله الأنصاري. وممن نقل عنه الفقه: عبد الله بن مغفل المزني، قال الحسن: هو أحد النفر العشرة الذين بعث إلينا عمر ليفقهوا أهل البصرة. وأبو نجيد عمران بن حصين الأسلمي الخزاعي، وجهه عمر إلى البصرة ليعلم الناس، قال يحيى بن سعيد القطان: ما قدم علينا البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول بالحق من أبي بكرة ولا أفضل فضلا من عمران بن حصين، تسلم عليه الملائكة من جوانب بيته. وأبو حمزة أنس بن مالك قال قتادة: لما مات أنس قال مؤرق العجلي: اليوم ذهب نصف العلم؛ كان إذا خالفنا الرجل قلنا: تعال إلى من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونقل الفقهاء عن غير هؤلاء مثل: طلحة بن عبيد اللهوالزبير بن العواموسعد بن أبي وقاصوسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوفوأبي عبيدة بن الجراحوحذيفة بن اليمانوالحسنوالحسينومعاوية بن أبي سفيانوعمرو بن العاصوخالد بن الوليدوالمسور بن مخرمةوالضحاك بن قيسوعمار بن ياسروأبي ذر الغفاريوأبو بصرة الغفاريوسلمان الفارسيوعبادة بن الصامتوشداد بن أوسوفضالة بن عبيد الأنصاريوأبو مسعود البدريوأبو أيوب الأنصاريوأبو قتادة الأنصاريوأبو طلحة الأنصاري وأبو أسيد مالك بن ربيعة الأنصاريوالنعمان بن بشيروالبراء بن عازبوزيد بن أرقموأبو حميد الساعديوعبد الله بن يزيد الخطميوسهل بن سعد الساعديوبريدة الأسلميوأبو برزة الأسلميوعبد الله بن أبي أوفى الأسلميوواثلة بن الأسقع الليثيوأبو أمامة الباهليوعقبة بن عامر الجهنيوسمرة بن جندب الفزاريوعبد الرحمن بن أبزي وغيرهم.
من النساء

ومن النساء فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها، وحفصة بنت عمروأم سلمةوأم حبيبةوأسماء بنت أبي بكروأم الفضل بنت الحارثوأم هانئ بنت أبي طالب.

قال الواقدي: آخر من مات من الصحابة بالكوفة عبد الله بن أبي أوفى سنة ست وثمانين؛ وآخر من مات بالمدينة من الصحابة سهل بن سعد الساعدي سنة إحدى وتسعن وهو ابن مائة سنة؛ وآخر من مات من الصحابة بالبصرة أنس بن مالك سنة إحدى وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين، وآخر من مات بالشام من الصحابة عبد الله بن بسر سنة ثمان وثمانين، وكان أبو الطفيل عامر بن واثلة آخر من مات من الصحابة، مات بعد سنة مائة
فقهاء الصحابة

فقهاء الصحابة هم علماء الدين المتخصصون في مجال الفقه في الدين الإسلامي. وقد كان الصحابة يتعلمون أحكام الدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمون غيرهم. واختص مجموعة من فقهاء الصحابة بالتعليم والفتوى مثل: أبي هريرة، وعائشة أم المؤمنين، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وغيرهم. وامتاز فقهاء الصحابة بخصائص تستخلص منهم أفضل الدرجات العلمية، بحسب ما يجتمع من هذة الخصائص، والصفات ومنها:
أكثر الصحابة علما بالدين وفهما وحفظا، وأكثرهم ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذا عنه.
الذين أجازهم النبي صلى الله عليه وسلم، أو دعا لهم، أو شهد لهم بالمكانة العلمية، أو حث على الأخذ والتعلم منهم، أو كلفهم بمهمة الإفتاء والقضاء.
الذين تميز بالفطنة والذكاء، وقوة الإدراك، وجودة الرأي الفهم، وحسن الإستدلال.
الذين تفرغوا للتفقه في الدين، والتعليم والإفتاء.
الذين شهد لهم أكثر الصحابة بمكانتهم العلمية، وأقروهم وأخذوا عنهم ووافقوهم.
مدارس فقه الصحابة والتابعين

تميزت المدينة المنورة بعد العصر النبوي بوجود جمهور فقهاء الصحابة، الذين كانوا مرجعا أساسيا للتعليم والفتوى، واشتهر منهم الخلفاء الأربعة، وكانت لهم مذاهب فقهية مثل: مذهب عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وعائشة بنت أبي بكر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، رضي الله عنهم، وغيرهم. وكان لهم اجتهادات، ومذاهب فقهية. ومع مرور الوقت، وتكامل نضوج فقه الصحابة؛ بدء نقل أقوالهم، وتدوين مذاهبهم، وكان يعتمد عند التعارض على قواعد مثل: تقديم ما توافق عليه جمهور الصحابة، أو بحسب الدليل، وجودة الإستدلال، وغير ذلك. وأما مذاهب فقه التابعين؛ فهي امتداد لمذاهب الصحابة، في تأسيس مذاهب الفقه الإسلامي، من خلال ظهور المدارس الفقهية، التي كان أشهرها وأكثرها انتشارا: مدرسة الحجاز في المدينة المنورة، باعتبارها أم المدارس الفقهية، ثم مكة المكرمة (البلد الحرام)، ثم مدرسة الكوفة بالعراق.
مدرسة الكوفة بالعراق
مدرسة الكوفة بالعراق؛ واشتهرت بفقه ابن مسعود وهو من كبار فقهاء الصحابة، ومن أكثرهم فقها للكتاب والسنة، وملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن جاء الأمر من الرسول بأن يؤخذ عنه . وقد اشتهر فقه ابن مسعود في الكوفة، وأخذ عنه فقهاء العراق وغيرهم، وكان من أشهر التابعين الذين أخذوا مذهبه: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق ابن الأجدع، والقاضي شريح، وعمرو ابن شرحبيل الهمداني وغيرهم. وأخذ من بعدهم: منصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، وأخذ عنهم: أبو حنيفة، وسفيان الثوري.
مدرسة فقهاء مكة

مدرسة فقه مكة واشتهر فيها مذهب ابن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله
اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وكان من أفقه الصحابة وأعلمهم بتأويل القرآن. ومن أشهر تلامذته الفقهاء: عكرمة، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، وعنهم أخذ عمرو بن دينار، وابن جريج، وعبد الله بن دينار، وغيرهم. وأخذ عنهم الإمام مالك وغيره.
مدرسة فقه المدينة

تعد المدينة المنورة أول مدرسة للفقه الإسلامي، وكان من أشهر المدا رس الفقهية وأكثر المذاهب الفقهية انتشارا فيها مذهب زيد بن ثابت الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أعلم الصحابة بالفرائض، وبالقرآن. وممن اشتهر بالأخذ عنه فقهاء المدينة السبعة، مثل: خارجة بن زيدوالقاسم بن محمدوسعيد بن المسيبوسالم بن عبد الله بن عمر وغيرهم. وأشهر من أخذ عنهم محمد بن مسلم الزهري وعنه أخذ الإمام مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي.
خصائص المدارس الفقهية

اختصت المدارس الفقهية بعدة مزايا منحتها ثقة الآخرين وأولوية العمل بها، فالحوادث التي نشأت بعد العصر النبوي أدت إلى ظهور اجتهادات فقهاء الصحابة، ومع مرو الوقت والمعايشة تداخلت تلك الإجتهادات وتلخصت في أقوال، ومذاهب كبار فقهاء الصحابة ثم من بعدهم، وتداخلت الاجتهادات في مراحل تكاملية للنقل والتدوين.

تأسست المذاهب الفقهية من خلال نقل مذاهب الصحابة، ثم ما تلخص منها واشتهر بتأسيس المدارس الفقهية في المدينة، ومكة، والكوفة، والتي تلخص منها ظهور مذاهب فقهية لعدد من فقهاء التابعين وتابعيهم، وتلخص منها صياغة المذاهب الفقهية، وكان الأكثر منها انتشارا واشتهارا هي: المذاهب الأربعة
المذاهب الأربعة


المذهب في اللغة: محل الذهاب، ويطلق على المذاهب العلمية، والمذاهب الفقهية، مصطلح أطلق على المذاهب الأربعة التي انتشرت وعرفت بهذا الاسم، والمذهب الفقهي بمعنى: الإتجاه الفقهي في فهم الأحكام الشرعية، والمنهج أي: الطريقة التي ينهجها المجتهد، وكيفيات الاستدلال، واستنباط الأحكام الفقهية الفرعية من أدلتها، وفق أصول الفقه. وتتفق المذاهب الأربعة، في الأصول الكلية والأدلة الإجمالية، وتختلف في بعض الفروع نتيجة الاختلاف في بعض طرق الإجتهاد الثانوية، من حيث تقديم بعض الأدلة على بعض، وترتيبها، وشروط الأخذ بها، وغير ذلك مما اختاره كل إمام أصولا للمذهبه، وبنى عليها اجتهاده وتميز بها عن غيره.

المذاهب الأربعة هي خلاصة مذاهب الصحابة والتابعين. والأكثر انتشارا في العالم الإسلامي وهي:
المذهب الحنفي وتلخص من مدرسة فقه الكوفة، وأول من صاغه إمام المذهب: أبو حنيفة النعمان.
المذهب المالكي تلخص من مدرسة فقه المدينة، وأول من صاغه إمام المذهب: مالك بن أنس.
المذهب الشافعي أول من صاغه إمام المذهب: محمد بن إدريس الشافعي أخذ عن مالك، وعن أصحاب أبي حنيفة، وعن غيرهم من فقهاء مكة والمدينة وغيرهم، واهتم باللغة وقواعدها، وصاغ علم أصول الفقه.
المذهب الحنبلي أول من صاغه إمام المذهب: أحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي وغيره،وتأثر بفقه سفيان الثوري واهتم بالحديث.
المذاهب الأربعة حسب تسلسل تاريخ الظهور
المذهب الحنفي

المذهب الحنفي: نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، (80 - 150 هـ) ويشتمل المذهب الحنفي على المنهج الذي صاغه أبو حنيفة، بالإضافة إلى تحقيق المجتهدين من رواة المذهب كأبي يوسف ومحمد بن الحسن. نشأ المذهب الحنفي في الكوفة ونما في بغداد، واتسع الدولة العباسية. يعتمد على الأصول النقلية المتفق عليها وعلى القياسوالاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا، وتوسع المذهب في الاعتماد على الأصول العقلية، ووضع ضوابط الأخذ بالحديث. من أهم كتب المذهب الحنفي:
ظاهر الرواية
النوادر للإمام محمد بن الحسن
الكافي للحاكم الشهيد
المبسوط للسرخسي
بدائع الصنائع للكاساني
رد المحتار على الدر المختار
المذهب المالكي

المذهب المالكي نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام مالك بن أنس (93 - 179 هـ) وقد أسسه في المدينة المنورة، ونما في الحجاز، كما انتشر في بلاد المغرب وأفريقيا والأندلس وغيرها. ويعتمد المذهب على الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، بالإضافة إلى تقديم إجماع الصحابة، والأخذ بعمل أهل المدينة والاستصلاح. ومن المؤلفات في المذهب المالكي: الموطأ للإمام مالك، والمدونة الكبرى، وهي آراء الإمام مالك الفقهية جمعها ودونها سحنون بن سعيد التنوخي.
المذهب الشافعي

المذهب الشافعي نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي ( 150 - 204 هجرية)، عاش في مكة ثم انتقل إلى العراق حيث تعلم في بغداد فقه أبي حنيفة، ثم استقر في مصر. وكان مذهبه وسطاً بين مذهب أبي حنيفة المتوسع في الرأي، وبين ومذهب مالك بن أنس المعتمد على الحديث وعمل أهل المدينة. ويعتمد المذهب الشافعي على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي ودونها في كتابه الشهير بالرسالة، ويعد أول من دون كتاباً متكاملاً في علم أصول الفقه. من أشهر علماء الشافعية في حياة الشافعي تلامذته: الربيع بن سليمان الجيزي والربيع بن سليمان المرادي، والبوطي. ومن أشهر المحققين في المذهب النووي والرافعي. ومن أشهر كتب المذهب الشافعي كتب الشافعي الأم والرسالة والمختصر والوجيز، وفتح العزيز في شرح الوجيز للرافعي، وروضة الطالبين والمجموع للنووي، والمهذب والتنبيه للشيرازي، وتحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي.
المذهب الحنبلي

المذهب الحنبلي نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام أحمد بن حنبل (164 - 241 هـ)، وهو آخر المذاهب الأربعة من الناحية الزمنية. وكان ابن حنبل يرى أن يقوم الفقه على النص من الكتاب أو الحديث، واهتم بالحديث. لذلك عد في نظر كثير من العلماء من رجال الحديث لا من الفقهاء. ومن أشهر كتبه المسند الذي يعتبر موسوعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يحوي أربعين ألف حديث. ومن أهم كتب المذهب الحنبلي: مختصر الخرقي، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه المغني وكتاب كشاف القناع للبهوتي، والفروع لابن مفلح، والروض المربع للحجاوي.
موضوع الدراسات الفقهية

موضوع الدراسات الفقهية هو: الفقه في الدين بوجه عام وموضوع معرفة أحكام الدين هو الذي سعى الفقهاء للحصول عليه، وقبل تأسيس المدارس الفقهية كانت هذه الأحكام تشمل كل أنواع الأحكام، ومع تكامل بناء المدارس الفقهية وتطور الدراسات؛ أصبحت الأحكام المتعلقة بالعقائد والإيمان مستقلة بموضوعها عن الفقه، ودخلت تحت مسمى: علم التوحيد أو علم أصول الدين أو علم العقيدة، باعتبار أن العلم بأصول الدين حتمي لا مجال فيه للإجتهاد، وكان موضوع دراسة الفقه مختصا بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة، والأحكام الشرعية نسبة للشرع وهو ما شرعه الله على لسان نبيه من الأحكام، وما كان منها متعلقا بالعقيدة؛ ليس موضوع دراسة الفقه، كما أن الأحكام الضرورية مما هو معلوم من الدين بالضرورة، مثل: فرض الصلوات الخمس، أو تحريم القتل، وغيره، مما ثبت بدليل قطعي لا يحتمل التأويل: لا تدخل في موضوع الفقه من حيث أنه لا مجال للإجتهاد في حكم معلوم بالضرورة، فإذا كانت الصلوات الخمس مفروضة باتفاق جميع المسلمين؛ فلا حاجة للإجتهاد من أجل الحصول على العلم بأنها مفروضة.
فموضوع الفقه هو: أفعال المكلفين، من العباداتوالمعاملات، والدراسة الفقهية هي: النظر والاستدلال واستنتاج الأحكام من الأدلة.
منهج الاستدلال الفقهي

منهج الاستدلال في الدراسات الفقهية، هي الطرق التي يستخدمها المجتهد في استنباط الأحكام الشرعية، وكونها شرعية فهي تعتمد على النصوص الشرعية (الكتاب والسنة)، ثم الإجماع؛ لانه لا يكون الاحتجاج به إلا مستندا على نص شرعي، أو قياس نص. والاستدلال الفقهي يقوم على أساس استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها النقلية، وفق منهج أصول الفقه.
خصائص المذاهب الأربعة
أنها تستمد من نصوص القرآن والسنة النبوية ومعاقد الإجماع، وتعتمد في الاستدلال على منهج أصول الفقه.
أنها خلاصة مذاهب الصحابة والتابعين، وتتضمن المذاهب الأخرى مع ما قد يوجد من اختلاف.
أنها استكملت دراساتها العلمية، ووضعت أسسها ومناهجها العلمية، واستخلصت محتوياتها بالتدوين.
أنها نقلت عن أئمة المذاهب الأربعة بواسطة الرواة والأصحاب والطرق، وحصلت على الاهتمام والتنقيح والتحرير والبحث والتحقيق، وتلخص ذلك في أعداد كثيرة من المدونات والمتون والشروح والمؤلفات.
أنها حظيت بالقبول الواسع لدى العلماء.
أنها الأكثر انتشاراً واشتهارا في العالم الإسلامي.
أدلة الفقه

لمزيد من المعلومات، انظر أدلة الفقه

استمد أصحاب المدارس الفقهية في النقل من نصوص القرآن والسنة النبوية ومعاقد الإجماع، باعتبارها أصولا أساسية، واستبطوا الأحكام من النصوص الشرعية، وفق أدلة هي في نفس الوقت أصول شرعية؛ لأن النصوص الشرعية دلت على أن يؤخذ بها، لاستنتاج الأحكام الشرعية التي لم يرد نص صريح بخصوصها، والنصوص أدلة يرجع إليها المجتهد في استنباط الأحكام.
الاجتهاد

الاجتهاد في اللغة: "بذل الجهد في فعل شاق" فيقال: اجتهد في حمل الرحى، لا في حمل خردلة، وفي أصول الفقه هو: "بذل الجهد في إدراك الأحكام الشرعية"، أو هو: "بذل الجهد في تعرف الحكم الشرعي" ويقابله: التقليد. والاجتهاد إما تام أو ناقص:
اجتهاد تام هو: "استفراغ القوة النظرية حتى يحس الناظر من نفسه العجز عن مزيد طلب".
اجتهاد ناقص هو: "النظر المطلق في تعرف الحكم".

الاجتهاد بمعنى: بذل مجهود علمي، ممن تتوفر فيه شروط الاجتهاد، للبحث والنظر والاستدلال، واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، ممن له معرفة واسعة بمقاصد الشريعة، وفهم مداركها، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية.
المجتهد

المجتهد هو الذي يقوم بعملية النظر والاستدلال. ويطلق على الفقيه وهو عند علماء الأصول: درجة علمية وفق شروط مخصوصة. ولفظ فقيه يطلق على العالم بالفقه، ويطلق في علم الأصول على المجتهد، ولا يطلق على غيره إلا مجازا. ويستعمل لفظ (فقيه) بمعنى: الإمام المجتهد أي: إمام المذهب، ويطلق لفظ (مجتهد) في مصطلح علماء الأصول على من بلغ درجة الاجتهاد، وهو إما اجتهاد مطلق، كاجتهاد الأئمة الأربعة، وإما اجتهاد مقيد، كاجتهاد أصحاب الأئمة الأربعة، الذين نقلوا محتوى المذهب وبحثوا وحققوا فيه. ويسمى مؤسس المذهب: إماما، وناقل مذهبه المحقق فيه يسمى: صاحبا، والباحث المحقق لما نقله الصاحب يسمى: طريقا. وهذا بالنسبة لمؤسسي المذاهب، أما غيرهم ممن بلغ درجة الفتوى والقضاء أو الباحث؛ فيطلق عليه لقب المجتهد (تجوزا)؛ لأنه لا يخرج من دائرة النقل والتقليد.
شروط المجتهد

شروط المجتهد هي التي لا بد من توفرها في المجتهد، فاستنباط الأحكام الشرعية يحتاج إلى وجود صفات المستدل تتمثل في أهلية النظر والاستدلال، والكفائة والقدرة على بذل مجهود علمي، فالنجار مثلا: لا يؤتى إليه ليعالج مريضا، كما أن الطبيب المتخصص ليس هو الذي يعطي الدواء، بل هو الذي يستطيع تشخيص المرض، وتحديد المشكلة؛ ليتمكن من وضع الحلول المناسبة، وهكذا المجتهد فلا يكفي أن يحفظ عدد من المسائل، بل المقصود أن يكون قادرا على تشخيص المعضلات، والمشكلات والنوادر ومعالجتها، وهذا يستلزم توفر الشروط التي ذكرها علماء أصول الفقه.
🌑استعمل أصحاب المدارس الفقهية مصطلحات خاصة لتمييز الدرجات العلمية، والمراحل والمستويات التعليمية، ومنها:
المبتدئ لمن هو في أول مراحل التعليم عموما، أو في مجال التخصص.
المتعلم أو طالب العلم لمن يشتعل بالتعليم.
المعلم لمن يقوم بالتعليم.
الشيخ للعالم، كما أنه أيضا لقب للمسن.
المنتهي لمن انتهى من مرحلة ووصل إلى درجة علمية.
المقلد وهو: الذي يأخذ بقول المجتهد، من غير أن يمارس النظر والاستدلال.
مجتهد لمن بلغ درجة الاجتهاد وفق شروط مخصوصة.
فقيه لمن بلغ رتبة الاجتهاد، ويطلق على إمام المذهب مثل: الأئمة الأربعة، ولا يطلق الفقيه عند علماء الأصول على غير المجتهد إلا على سبيل المجاز.[26] أما في الاستعمالات العامة؛ فيطلق الفقيه على العالم بالفقه، والمشتغل به، وهو موافق لما عليه علماء العلوم الشرعية باعتبار: أنهم يقصدون بلفظ (فقيه) التمييز عن لقب: (محدث)، وهو الذي يهتم بالحديث.
صور

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/9/9d/Mustansiriya_University_CPT.jpg/200px-Mustansiriya_University_CPT.jpg
مبنى المدرسة المستنصرية التاريخي في بغداد


https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/e/e8/Mardin_P1030358_20080423105903.JPG/200px-Mardin_P1030358_20080423105903.JPG
مدرسة نجم الدين عيسى بمدينة ماردينجنوب شرق الأناضول


https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/2/20/Storks_samarkand.jpg/200px-Storks_samarkand.jpg
الصحابي كما عرفه علماء أصول الحديث هو: "من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه النبي، في اليقظة حال حياة النبي بعد البعثه.."
^ عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: لو وضع علم عمر في كفة ووضع علم الناس في كفة لرجح علم عمر. قال الأعمش: فأتيت إبراهيم أبشره فقال: ألا أخبرك بأفضل من هذا عن عبد الله: قال عبد الله: لقد مات عمر فذهب بتسعة أعشار العلم. وقال معاذ بن جبل: إن أعلم الناس بفريضة وأقسمهم لها عمر بن الخطاب، وقال سعيد بن المسيب: ما أعلم أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر. وقال الشعبي: من سره أن يأخذ بالوثيقة في القضايا فليأخذ بقضاء عمر فإنه يستشير. وروي أن عبد الله بن الحسن ابن الحسن مسح على خفيه فقيل له: تمسح؟ قال: نعم، مسح عمر بن الخطاب، ومن جعل عمر بن الخطاب بينه وبين الله فقد استوثق. مات سنة ثلاث وعشرين، قال ابن عمر: وهو ابن خمس وخمسين وروي عن معاوية رضي الله عنه أنه قال يوما: مات عمر وهو ابن ثلاث وستين.
^ روى الحسن قال: جمع عمر رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليستشيرهم وفيهم علي فقال: قل فأنت أعلمهم وأفضلهم. وروى سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن. وقال عبد الله: إن أعلم أهل المدينة بالفرائض ابن أبي طالب؛ وقال ابن عباس: أعطي علي تسعة أعشار العلم وأنه لأعلمهم بالعشر الباقي.
^ تمام الحديث: "فوالذي نفسي بيده أن لها للسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش".
^ وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرأهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.
^ قال أبو الطفيل:
وبقيت سهما في الكنانة واحدا
سيرمى به أو يكسر السهم كاسره
وهو القائل:
أيدعونني شيخا وقد عشت حقبة
وهن من الأزواج نحوي نوازع

وما شاب رأسي من سنين تتابعت
علي ولكن شيبتني الوقائع





















































الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
الحوادث الكبرى الشرعية والسياسية التي طرأت على الأمّة قبل تدوين تاريخها ، ابتداءً من السقيفة وإلى نهاية القرن الثاني من الهجرة كان لها أكبر الأثر في رسم صورة الإسلام المذهبي ، وهو الذي أشار أليه رسول الله {ص} " تنقسم أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلهم في النار إلا فرقة واحدة " وطبيعي كل فرقة تدعّي إنها الفرقة الناجية ، وتأكيد النبي {ص} على الفرق إنهم في النار دليل على إنهم منحرفون بعيدون عن التشريع الحق ... من هنا جاء تشويه معالم التاريخ إلا سلامي ، والتاريخ يذكر إن السبب كان له مقدمات بدأت من بيعة الغدير حين تم تأسيس حزب قريش الذي قرر أبعاد أهل البيت {ع} عن الحياة السياسية والشرعية ... ثم جاءت الممارسات التنفيذية في العهدين الأموي والعباسي بتوجيه حوادث التاريخ الإسلامي بما يخدم سياستها ويعزّز من وجودها .... المرحلة الأولى.....1- ابتدأت ممارسات التنفيذ أولا بعقوبات جماعية لأتباع آل البيت {ع} وإقصائهم عن الحياة السياسية والشرعية ، والثانية اخطر من الأولى , لان الناس صاروا يرون جهات غير أهل البيت يفتون بكتاب الله وبسنة نبيه {ص} هذا في زمن الراشدين " كمثال على ذلك " حين كتب أمير المؤمنين كتاب الله أثناء جلوسه في بيته ، يقول: اليت أن لا اخرج من داري حتى اكتب كتاب الله تعالى" فحملته إليهم ولكنهم رفضوه ..!!! قالوا: لسنا بحاجة لكتابك..!! ثم جاءت المرحلة التركيزية في الإقصاء حين تم توظيف ( كعب الأحبار) في منصب مفتي الدولة الإسلامية وهو رجل دين يهودي اسلم زمن عمر بن الخطاب ثم عينًّهُ عمر في منصب الإفتاء ..!! في وقت كان علي بن أبي طالب مدينة علم رسول الله{ص} يشتغل فلاحا.. وهذه الخسارة العلمية أثرت كثيرا على مستوى الفكر الإسلامي .... 2- اعتمدت الخلافة الراشدية لجم الأفواه عن قول الحق ومنعت كتابة الحديث ، وقد نقل لنا التاريخ حديثا عن عبد الله بن عمر انه أوصل ذلك الأمر إلى النبي {ص} في حياته واخبره بالموضوع ، فقال : اكتبوا والله لا يخرج من هنا إلا الحق وأشار لفمه... إذن كيف كان الأمر بعد وفاته..؟؟ ،3- حاولت السلطة الراشدية أيجاد بدائل لتفسير القران وجمعه وسخّرت جملة ممّن يوالون ذلك الخط لأن يضعوا لهم تفسيراً يتلاءم مع رغبة الخليفة وتبريراً يستر فضائحها علي حساب المفاهيم الإسلامية سواء كان ذلك على مستوى رواية الحديث في تمجيد من يشاء الحاكم أو ذمّ من يريد، فأطلقوا تسميات على شخصيات إجرامية وبرروا أفعالهم بنوع من المقبولية عند الله ... مثل قتل مالك بن النويرة واعتبار قاتله سيف الله المسلول أو على مستوى صياغة الحدث التاريخي أو روايته بما يناسب توجه السلطة وطموحها ، الأمر الذي أدّى بطبيعته إلى وقوف السلطة إلى جانب الفكر المساعد لها في تسيير الحركة الفكرية بالبدائل فظهر في تاريخ أمّتنا السياسي والثقافي انحراف واستقامة وخطاْ وصواب ، ولهذا علقت بمسيرته خرافات وأساطير ، وشوائب كثيرة ، وألوان دخيلة حتى وصل ألينا تاريخا مشوها بعيدا عن أصل التشريع ... وهذا ما أكد عليه النبي{ص} وهو وجوب الاحتراز من كتب التاريخ لأنّها أسهمت بشكل مباشر في تزوير وتشويش العقيدة .ولا يعني هذا الحكم ببطلان مصادر التاريخ الإسلامي كلّها ، بل على العكس ؛ هناك حقائق كثيرة عند الشيعة والسنة لم تطلها يد التحريف والتزوير ، ولكن نشم رائحة التقديس واضحة في صفحات التاريخ لشخصيات لم يستحوا تلك الهالة .. مثلا بعض القصص عن شخصيات تتصف بالشجاعة والقوة والثبات .. وحين تبحث عن تاريخه الحقيقي تجده يهرب اثناء المعارك ولم يقتل رجلا طيلة حياته ....ولكن الهالة القدسية تحيطه بحيث يعتبر كشف حقيقته نوعا من الخروج من الاسلام ..هذه المقدمات جاءت من الدولة الأموية التي رسخ مفاهيم هذا الأمر معاوية حين كتب كتابا ان يكتبوا في فضائل الصحابة " لان ذلك اقرح لقلوب أصحاب أبي تراب ...في الوقت الذي يستوجب للباحث عن الحق أن يبحث عن أية فكرة على أساس تاريخي واقعي يستدعي قبل كلّ شيء التخلي عن الهالة القدسية التي أحيطت بالتاريخ بكل ما فيه من انحرافات وأخطاء وتعريته عمّا علق به وإلا ستكون نصوصه المعتمدة مشوهة في مرحلة سابقة لنتائجه. فالمطلوب إذن هو القراءة الواعية للتحولات السياسية والفكرية التي طرأت في تاريخ امّتنا ، وكيف كان أثرها على المجتمع أن يقول البعض إن الأكل من ذبيحة اليهودي أفضل من أكل ذبيحة الطائفة الفلانية ، ووجهت أليهم عشرات التهم بعقيدتهم ، زيارة القبور ، التوسل ، السجود على التراب ....أثر الكلام و الفلسفة في نشأة المذاهبالمرحلة الثانية هو الكلام : ومعناه إثبات العقائد الدينية عن طريق الحجج و البراهين ، و العقلية و النقلية وهو عند المسلمين من حيث النسبة إلى مصدره يمكن تقسيمه إلى الأقسام الآتية : 1 ـ كلام يدور في حدود المعارف القرآنية : يعني تحديد الأحكام وفق رؤية المفسر للنص القرآني....ولا نزاع في هذا إن رائده و أميره هو الإمام عليّ {ع} وهذه خطبه المحفوظة في التوحيد والصفات والنبوّة والمعاد والإمامة...الخ. 2 ـ كلام ينطلق من العقلية المتأثّرة : سلباً أو إيجاباً بسياسة الحاكم.. من أمثلته؛ الكلام في الجبر والتفويض هذا الرأي الذي برز في ظلال نظام الغَلَبة حين تسلط معاوية على الأمة..ثم ظهر رأي في التفويض المناقض له ، و مثله الكلام في الإرجاء و والتكفير ، هذا برر الأخطاء للخلفاء وجعل الأمة ميتة لا دخل لها في الحوادث .. تقول النظرية إنّ مرتكب الكبيرة ، لا هو مؤمن ، و لا هو كافر المارقة ، و إنّما هو في منزلة بين المنزلتين.هذه المقولة كانت سبباً ً في ولادة فرقة جديدة عُرفت بـ : المعتزلة : و ذلك أنّ أوّل من قال بهذه المقولة ، و هو واصل بن عطاء ، ثمّ تابعه عمرو بن عبيد ، إذ كانا في مجلس الحسن البصري ، فكلّماه في قولهما هذا ، فأمرهما باعتزال حلقة درسه فاعتزلا عند اُسطوانة في المسجد و انضمّ إليهما جماعة فسمُّوا المعتزلة .. فكانت هذه نواة فرقة « المعتزلة ».. وتطور نقاش علما الكلام إلى قضية « العدل الإلهي » و أكثروا الكلام فيه حتّى لُقِّبوا بـ « العدلية ».. و كان العدل الإلهي عندهم يدور حول {صدق الوعد و الوعيد} ، فاللّه تعالى عادل لا يعذّب المحسن و لا يكافئ المسيء ، و لا يخلف و عده في ثواب أو عقاب ولا في قبول التوبة ، يقابلها لا عفو بلا توبة لأن ذلك إخلاف للوعيد ، وبذلك نفوا الشفاعة. في خضمّ هذا النزاع الدائر بين الجبريّة و المفوّضة اختار المعتزلة القول بالتفويض و جعلوه من أهم أركان العدل الإلهي ، فسمّوا لأجله بالقَدرية. ...هذه الدائرة الواسعة من الكلام ، و التي شكّلت أركاناً أساسية في عقيدة المسلمين وظهر فيهم معتزلة وعدلية وهو مما يميل له الشيعة الاثنا عشرية ، لأنهم يميلون لقول أئمتهم " انه أمر بين أمرين" وكان أساس هذا الصراع الكلامي ومصدره هو الصراع الفكري ـ السياسي) الدائر ذلك الوقت.هذه الصراعات الفكرية الكلامية لم تكن في يوم ما امتداداً لأولئك النفر الذين اعتزلوا الصراع أيّام عثمان و أيام الإمام عليّ عليه السلام كسعد بن أبي وقّاص و عبد الله بن عمر ، بل الذي تفيده هذه المبادئ ه أنّ الاعتزال كان موقفاً فكريا معارضاّ لجماعة الحكم و مدرسته الثقافية ،واعني الذين تبعوا النظرية الأموية في الجبر والتفويض ... و هذا هو السرّ في رواج هذا اللقب عليهم ، و لم يكن مصدره تجنّب الدخول في النزاع! لم يكن هذا من مواقفهم أبداً ، يؤكّد ذلك نضالهم الفكري العنيد ضد الجبر والتفويض اللذين تدعمهما مدرسة السلطة ، واعتبر كل طرف إن رأيه هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .. إذن كان مصدر تسميتهم بالمعتزلة هو خصومهم بلا شك ، سواء الحسن البصري ، أو غيره ، وحين يحملها أبناء الفرقة يدافعون عنها ويفسرونها بأنّها اعتزال الباطل و أهله ، ... الإشاعرة : بعد أن ضعف دور المعتزلة قوي دور أصحاب الحديث وأبرزهم في مدرسة البصرة أبو الحسن الأشعري بمذهب يعارض فيه المعتزلة و ينتصر لأصحاب الحديث. و الأشعري كان أوّل أمره معتزلياّ ، تلميذاً لشيخ المعتزلة في عصره أبي على الجُبّائي ، ثم أعلن توبته عن رأي المعتزلة في القدر و قال بقول الجبرية إلا أنّه أدخل عليه مفهوم الكسب ، ليكون الإنسان مسؤولاً عن فعله بالكسب.. كما ردً على المعتزلة عقيدتهم في الصفات و تبنّى قول أحمد بن حنبل بأتباع الظاهر بدون تأويل..لكنّه تراجع بعد ذلك إلى التأويل ، إلا الاعتقاد برؤية اللّه تعالى في الآخرة. وخالف المعتزلة في منزلة العقل و دوره في الشرع ، و خالفهم في مسألة الحُسن القُبح العقليين ، فجعل الحَسَن ما حسّنه الشارع و القبيح ما قبّحه الشارع و ليس للعقل دور في معرفة ذلك ... الماتريدية :... هذه الفرقة تنسب إلى مؤسّسها أبي منصور الما تريدي الذي توّفي سنة 333 هـ و كان معاصراً للأشعري ، غير أنّه كان يسكن بعيد عنه في ولاية سمرقند ، درس آراء وفقه أبي حنيفة ورسائله في الكلام و قد قرّر بعض العلماء أنّ آراء أبي حنيفة في العقائد هي الأصل الذي تفرّعت منه آراء الماتريدي.. و لما كان أبو حنيفة يمنح العقل دوراً كبيراً في الفقه و المعرفة ، خلافاً لأصحاب الحديث ، فقد ظهرت آثار ذلك في المذهب الما تريدي و ميّزته كثيراً عن المذهب الأشعري.. إذن علم الكلام له اثر في رسم الأفكار الإسلامية إضافة إلى الظروف السياسية وأفكار الحاكم التي يتبناها ذلك الوقت .. وقد لمح الإمام أمير المؤمنين{ع} إلى خطورة هذه المسالة حين عُرض عليه أن يمد يده ليبايعونه على كتاب الله وسنة نبيه وطريقة الشيخين ، فقال بل أبايعكم على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد رأيي... لذلك رفضوه ......جذور التسميةُ وأسبابها :كيف وقع الاختيار على تلك المسمّيات التي عُرفت بها الفِرق الإسلامية ؟ هذا جعفري وذاك حنبلي وهذا شافعي .. ووهابي ..الخ .... المعروف أنّ الاسم لم يولد مع الفرقة ، وإنّما يُطلق عليها بعد ولادتها وتبني مجموعة من الناس نفس الفكرة والاتجاه ، فيطلق عليهم اسم صاحب الفكرة ... ليس كل زعيم فرقة هو الذي يتولّى تسمية فرقته ؟ ولذلك البعض يتقزز إذا قلت له أنت وهابي أو من الخوارج أو المعتزلة .. صحيح الفقهاء والمفكرون يعتقدون أنّهم أولى الناس بالحقّ لأنّهم دون غيرهم تمسكاً بهدى القرآن والسنّة ـ ثمّ ينتخبون لأنفسهم اسماً مثل : « المعطّلة » أو « المعتزلة » أو « الخوارج » ! وهناك أسماء لا توحي للعلم ولا لشخص من مثل : « الخشبية » أو « الشيطانيّة » ؟!الأسماء عادة لا تصدر عن أصحاب هذه الفرقة ، ولا عن جهة محايدة إنما تصدر عن خصم ..والمشكلة في ذلك الخصم إذا أذاع بياناً ذاع وانتشر ، وإذا أطلق على طائفة اسماً نفذ واشتهر ، حتى تستجيب له تلك الفرقة نفسها وترتضيه عَلَماً عليها ؟! صحيح أنّه تأتي التسمية نسبةً إلى الرجل الذي تنتسب إليه الطائفة ، فقيل : « الزبدية » ، نسبة إلى زيد بن علي بن الحسين والإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق{ع} والحنابلة نسبة إلى احمد بن حنبل وهكذا ..أو أن تأخذ اسما من حادثة مهمة فتُشتق التسمية من تلك المناسبة ، فقيل : « الخوارج » لأنّهم خرجوا على الإمام الواجب الطاعة ، و « الرافضة » لأنّهم رفضوا زيد بن عليّ ، و « الخشبية » لأنّهم قاتَلوا بالخشب ، أو طافوا حول الخشبة التي صُلب عليها زيد ..غير أنّه في الحالين لم يخرج الأمر عن القاعدة الواقعية ،إن التسميات صدرت من خارج الطائفة لا من أصحابها ، وهذه أمثلة من الواقع شاهدة على تلك الحقيقة :1 ـ في أثناء ثورة زيد الشهيد جاءته طائفة من جُنده فطلبوا إليه أن يبرأ من الخليفتين أبي بكر وعمر ، فرفض ذلك ، فرجع أولئك عنه ورفضوا القتال معه.ففي هذه الواقعة لو صحت رفضان : زيد يرفض رأي أصحابه ، وأولئك رفضوا قيادة زيد .. فزيدا{رض} هو الذي ابتدأ بالرفض .إذن كان بمقدورهم أن يطلقوا عليه وأتباعه اسم ( الرافضة ) ! لكنّ الذي حصل هو العكس ، فزيداً وأتباعه هم الذين أطلقوا على أولئك الاسم ليثبت عليهم ! والسبب في ذلك ، وهو أنّ زيداً وأتباعه كانوا هم أصحاب الرأي الغالب وأصحاب الثورة التي استمرّت بعد تخاذل أولئك وانسحابهم من الميدان......................هذا يبين بوضوح ... أنّ السنّة النبويّة لم تكن قادرة على أن تفرض أحكامها وأهدافها على ذلك الواقع ، بل كان الواقع هو الذي يُخضع السنّة النبوية ورأي القران لإرادته ويوجّهها في خدمته ، وإن تطلّب ذلك قلب المعاني الظاهرة ، ووضع الحديث والكذب على الله ورسوله ، او ضد شخصية معينة ، كما فعل معاوية ضد علي بن ابي طالب{ع} كمثال على ذلك لما رفع عمر بن عبد العزيز شتم أبي تراب جاء وفد من إيران " ومن قم بالذات الى الشام يطلبون من الخليفة ان يعفيهم من هذا القرار كي يستمروا في شتم علي{ع} حتى لو فرض ضريبة عليهم ...!!! ومن أمثلة الوقائع التي غيرت السنة النبوية والحديث وغيرت وجه التاريخ الإسلامي هي حروب الإمام علي {ع} لقول النبي{ص} يا علي تقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين .. فرق ثلاثة سماهم النبي {ص} بنفسه ..هذه الحروب لا زالت إلى يومنا هذا تشق الأمة .. قصة رائعة يذكرها العلماء عن شخص كان متوجها إلى سامراء لزيارة الإمامين العسكريين{ع} حتى لو لم تكن واقعية ولكن حقيقتها واقعية جدا ... أثناء مسيرهفي الطريق رافق شخصا لا يعرفه ، وأثناء الكلام تبين إن ذلك الشخص يميل إلى معاوية في حربه مع الإمام {ع} وتطور الأمر إلى صراع فضرب ذلك الشخص رأس الموالي وشق رأسه ونزف دما كثيرا... سلب دابته وطعامه وماءه وتركه في الصحراء ، حين انتبه عرف نفسه انه ميت لا محال وهو بعيد عن الناس وعن وطنه , فعاتب الإمام المهدي{عج} ثم غشي عليه لما انتبه ثانيا شعر بوجود شخص يغسل وجهه ويضع الماء في فمه ، بعد أن استعاد وعيه قال له : نحن لا نحضر إلا إذا أمر الله بذلك ، خذ فرسك وسيفك واذهب لزيارة والدي وجدي وسلم عليهما، فوضع الموالي يده على جرحه فتألم ، فقال : سيدي أريدك أن تشفي ضربتي الآن, فأجابه لا هذه ستشفى طبيعيا ويبقى أثرها في جبهتك " وإذا سالك شخص عنها قل إني ضربت يوم صفين مع علي بن أبي طالب" ....... فجاء التاريخ ليمحو آثار السنة النبوية في تلك الحروب ، فانقسم الناس بين مؤيد ومعارض لتلك الحروب لأنها فرقت بين خطين متناحرين ، خط يتمسك بالنص ولا يحيد عنه ، وخط يؤمن بالاجتهاد وتغليب المصلحة ، مثل قول عمر بن الخطاب " متعتان محللتان على عهد رسول الله وأنا احرمهما وأحاسب عليهما" الآن أصبحت هذه المقولة من الدين ولا يمكن المساس بها ... وأحاديث النبي {ص} مع إحدى زوجاته .. يشير إلى بيتها ويقول:" هنا الفتنة هنا الفتنة هنا الفتنة .. هنا قرن الشيطان " ولو أشار إلى بيت فاطمة الزهراء {ع} بهذا لكان لهم رأي آخر ....المشكلة الكبرى هؤلاء الذين أظهروا عقيدة الجبر ، اعتبروا كل ما يصنعه الخليفة قضاء وقدر ،وهو حقيقة الدين وهو شريعة سيد المرسلين لأنهم الفئة المتغلّبة التي بسطت نفوذها وآراءها لتصبح ممثلة للإسلام وجمهور المسلمين .. فمن سيحكم عليها وهي الحاكمة على الناس ؟! فجعلوا اسما لهم يليق بالدين قربا وعلما.. اختاروا ما يحلو لهم من الأسماء من قبيل ( أهل السنّة ) ، وأن يكون من خالفها في شيء فهو من أهل البدع والفرق المخالفة للسنّة !!والنتيجة من هذه القراءة السريعة إنّ كثيراً ممّا نقرأه عن الفرق الإسلاميّة هو مفتعل مصنوع لا أصل له ، وإنّما أفرزه أمران.الأول : النزاع الطائفي المحتدم في المراحل الأولى من نشأة المذاهب والفِرق جعل الناس يتحزبون لفقيه معين.. .والثاني : آراء الطلاب والكتاب الذين يأخذون رأيهم من شخص معين ، يساعدهم حكام الجور الذين دعموا ذلك الاسم .....الخلافة وأثرها في نشأة المذاهب والفرق:....لا يختلف اثنان أنّ الواقع الذي أفرز مبدأ « سنّة الشيخين » مرجعاً تشريعياً بعد الكتاب والسنّة ، ذلك المبدأ الذي وضِعَتْ بذرته الأولى يوم أثبت الشيخان قدرتهما في السقيفة وساقا الناس إلى البيعة ، ثم تلاه إدارةُ قويّة تميّزت بالحزم في اتخاذ القرار ، مالياً كان أو اجتماعياّ أو عسكرياً أو دينيّاً ، صاحب ذلك وجود صنف من الناس جُبِلوا على طاعة القويّ الحازم الذي يمتلك زمام المبادرة ، إضافة إلى من يبحث في مصلحته ومصلحة عشيرته ، كموقف الأنصار يوم السقيفة ممّا يعطي الحاكم قوة ويصبح قرارَه هيبةً ونفوذاً في نفوس الناس ...حتى أصبح قرار الحاكم أقوى من قرار النبي{ص} كمثال على ذلك حين سارعت الألوف في تلبية نداء الحرب مع إخوان لهم من المسلمين امتنعوا عن نقل الزكاة إلى الخليفة اعتراضاً على شخصه وطريقة انتخابه ولم يكفروا بحكم الزكاة ، فقاتلوهم استجابة لقرار الحاكم ..قتالا كما قاتلوا الذين ارتدّوا عن الدين صراحةً ، عاملوهم نفس الأسلوب لان قرار الخليفة واحد بين حجز الزكاة عنه وبين الردّة !وهكذا كان ينفذ القرار بكلّ قوة ودون أن تكون هناك نافذة للحوار والمناقشة ، وإن حدث طرف من ذلك فالحسم دائماً لصالح قرار الخليفة نفسه ، وجرى ذلك في الأمور الدينية والتشريعية بالقوة نفسها ،نذكر ينفذ قرار الخليفة في منع الروايات ومنع أحاديث النبي والإفتاء بسنّته ، والمنع من تدوينها ، وفي تعطيلها أحياناً ، حتّى يصبح قرار التعطيل هو السنّة وتصبح سنة النبي هي البدعة ... مثلا التاريخ يذكر في قصة معروفة إن عمر بن الخطاب هو من شَرع صلاة التراويح جماعة بإمام ، لأنه لا صلاة نوافل بإمامة .. وحين جاء علي {ع} إلى السلطة رفع تلك البدعة ، فخرج بعض الناس ينادون السنة السنة , وا عمراه .. فقال الإمام لابنه الحسن{ع} دعهم يصلون ...!!! هذا في تفاصيل الصلاة ، وأخرى في مناسك الحجّ ، وفي أحكام الأحوال الشخصية ، وفي الحقوق المالية وغير ذلك ونجح قرار الخليفة إلى اليوم في صناعة صلاة جديدة ، كما هو شأن صلاة التراويح ، بالرغم من أنّ صانعها نفسه يصفها بالبدعة ، إلا أنّها تصبح بعد أيام هي السنّة الثابتة ، ومن خالفها فقد أحدث في الدين !من كلّ ذلك وأمثاله برز مبدأ جديد لم تعرفه الأمة من قبل ، ولا دعا إليه كتاب الله ولا نبيه الكريم {ص} هو مبدأ « سنّة الشيخين» !هذا المبدأ ولد في قمّة الهرم السياسي ، ومن ورائه الجمهور العام الذي ينتظم في سلك الطاعة ، ظهر وكأنّه الأصل الذي عليه الناس ، فمن خالفه فقد خالف « جماعة المسلمين » وتحقق لسنّة الشيخين موقع المرجعية ، وكأنّ الأصل في الدين وبديل عن سنة النبي في اغلب الأحكام ..!!!هذا النظام قاد الجمهور في سلك الطاعة إلى مزيد من المبادئ الجديدة التي تحل دائماً بدائلَ عن المبادئ الأصيلة التي أقرّها القرآن الكريم والسنّة المطّهرة .. ولكونها أيضاً قد انبعثت من « القمّة » بتأثير الخلافة ومشاريعها الدينية والسياسية والثقافية النافذة على عامّة الناس ،صارت من مميّزات « الجماعة » التي من خالفها كان مبتدعاً ، داعياً إلى فتنة !{{نشأة التسمية بأهل السنّة والجماعة :}}هذه التسمية مرت بمرحلتين ؛ المرحلة الأولى لقب « الجماعة » أطلقه الأمويون على العام الذي تسلم الملك لمعاوية وانفراده به ، فقالوا : عام الجماعة أعطوه صفة جديدة وفي حقيقته حادث تأسس على الغَلَبة والغدر لصالح الفئة الباغية ، بلا نزاع في ذلك ، ورغم ذلك فقد بقي اسم الجماعة مرهون بطاعة الحاكم والانصياع لأمره حتى بالباطل ، ومن تمرّد عليه فهو خارج على الطاعة مفارق ل‍ « الجماعة » مستحقّ للعقاب ...وأول ضحايا هذا الرأي الصحابي الجليل حُجر بن عديّ الذي كان ينكر على المغيرة وزياد سبَّهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ، وكلّما تمادوا في ذلك صعّد من إنكاره ، فكتب زياد إلى معاوية في حُجر وأصحابه : إنّهم خالفوا « الجماعة » في لعن أبي تراب ، فخرجوا بذلك من الطاعة ! فقتلهم معاوية ، واحتجّ بقوله : إنّي رأيتُ قتلهم صلاحاً للأمة ، وأنّ بقاء هم فساد للأمة ! يقول ابن العربي : جعلهم معاوية ممّن سعى في الأرض فساداً ـ يعني حُجر الخير !! أصبح الصلاح والفساد يحدّده معاوية ، وليس لله حكم ولا شريعة ! شأن أيّ حكم استبدادي ليس له أدنى صلة بالدين .. وهو الأمر الذي قتل فيه الإمام الحسين {ع} وأصحابه الكرام في كربلاء .....وأصبح ( الَّذِينَ يَأٌمُرُونَ بِالٌقِسٌطِ مِنَ النَّاسِ مفسدين في الأرض ، خارجين على « الجماعة » ساعين في الفتنة !..بينما بقيت الجماعة الملتزمين بطاعة « الخليفة » دون النظر إلى طريقة استخلافه ودينه وأخلاقه أو عقله .. خطب الوليد بن عبد الملك يوم بويع له بالخلافة ، فقال : « أيّها الناس ، عليكم بالطاعة ، ولزوم الجماعة ، فإنّ الشيطان مع الواحد ! أيّها الناس من أبدى لنا ذات نفسه ضربنا الذي فيه عيناه هذه هي فلسفة الطاعة والجماعة عندهم ، والتي بقيت تميّز أهلها عن غيرهم ممّن لا يعتقد بالولاء لحكام الجور والفساد ..أمّا ما يدّعيه البعض من أنّ « الجماعة » مأخوذة من متابعة إجماع الصحابة وإجماع السَّلَف ، فإنّما هي دعوى لا يسندها لا واقع بشيء ، لكنّ المشكلة أنّهم اختزلوا مساحة « السَّلَف » الذين يقولون بإمامة كلّ متغلّب فقط ولا يعيرون أهمية ولا حرمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حين يراه غيرهم .. الذي يقول بتنصيب الحاكم بالغلبة يحكم بعدالته ، حتى لو اتهم بالكذب والغش والخيانة أو مارس الزنا ، أو من يعزره عمر ويطرده ويقام عليه الحدّ ، وتردّ أحاديثه ، ويكذَّب عليها ، لا يهم في ذلك كلّه وتاريخهم ثابت منه { قصة ضياء جمال الدين في مصر مع محمود أبو ريه } المهم أهل « الجماعة » يحكمون بعدالة الصحابي ، ذلك المبدأ الذي روج له الأمويون ، وكان من أحسن ما نفعهم من مبادئ ابتدعوها !{{ أما لفظ « السنّة }}» فلم يظهر مقروناً بلفظ « الجماعة » في بادئ الأمر ، في العهد الأموي ابتدأت كلمة الجماعة أول خلافة معاوية ثم استمرت الإحكام والأوامر من قصر الخلافة فصار المتمسكون بآراء معاوية من سلك « الجماعة » وبين الآخرين الذين يؤمنون بقداسة الدين والنص ولا يتبعون أحكام بني أمية هؤلاء أهل البدع..!!! ..أما « أهل السنّة » فإنّما يراد بهم أهل الطاعة و « الجماعة » أنفسهم ، ولعلّ أول ظهور لهذا التقسيم جاء في حديث ابن سيرين القائل :{ كانوا لا يسألون عن الإسناد حتّى وقعت الفتنة ، فلمّا وقعت الفتنة سألوا عن الإسناد ، ليُحدَّث حديث أهل السنّة ويُترك حديث أهل البدعة} .صحيح مسلم ـ المقدّمة ـ باب 5...وابن سيرين هذا لم يكن له ذكر في القرّاء والعلماء الذين نهضوا على الحجّاج سنة 82 ه‍ { وقد ذكروا في ترجمته بأنه كان لا يعبيب على السلاطين شيئاً .. فمن هم أهل البدع عنده ؟لقد وجدناه يقول في معاوية بن أبي سفيان : « كان معاوية لا يُتَّهم في الحديث عن النبي{ص} وعنده معاوية من أهل السنّة ؟} إنّ الميزان الذي وضعوه لتمييز البدعة من السنّة هو {الواقع التاريخي للخلافة وآثارها الثقافية التي أفرزها الصراع ، فلم يكن لعنُ عليّ والحسن والحسين : والبراءة منهم بدعة , لكن تفضيل عليّ على عثمان وحده بدعةً !!ومرت السنون وجاء طاغية جديد هو المتوكل العباسي الذي سمّي « ناصر السنّة » ذلك لان المتوكّل هو الذي نكل بالمعتزلة لأنهم كانوا يقولون بخلق القرآن ، فنَصر الإمام أحمد بن حنبل وأفرج عنه من السجن وأعطى اسما لأحمد بن حنبل فكان اسم أحمد « إمام السنة » فقالوا في المتوكّل : أظهر السنّة وتكلّموا بها في مجلسه وكتب بها إلى الآفاق في دعم رأي الإمام احمد بن حنبل .. فأصبح المؤمن بالنظريتين أتباع رأي الحكام وأتباع الحاكم والصحابة ويؤمن بالقوة والغلبة والانتخاب بعد أن ادخله العباسيون .. فانه من أتباع السنة والجماعة ....كان المعتصم شديد البغض لعليّ {ع} ولأهل بيته ، يقصد من يبلغه عن من يتولى عليا وأبناءه{ع} يأخذ مالهم ويباح دمهم ، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنّث ، يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدّة ويكشف رأسه ، وهو أصلع ، ويرقص بين يدي المتوكّل ، والمغنّون يغنّون« قد أقبل الأصلع البطلين ـ خليفة المسلمين » يعني بذلك عليّاً ، والمتوكّل يشرب ويضحك ..كان ينادمه ويجالسه جماعة اشتهروا بالنّصب والبغض لعلي ، منهم : علي بن الجهم الشاعر الشامي ، وأبو السِّمط من ولد مروان بن أبي حفصة من موالى بني أمية وبان اُترجّة العباسي الهاشمي .. وهدم قبر الحسين وهدم ما حوله من المنازل وأمر أن تُحرث وتزرع ، ومنع الناس من زيارتها ,وصف بعضهم هذه التصرفات إنها غطّت علي جميع حسنات المتوكّل ، لكن هذا كله لم يُخرج المتوكّل من أهل السنّة إلى أهل البدعة ناهيك ان يخرجه عن الدين !! وأصبح الإمام احمد بن حنبل مقدما عند المتوكل والعباسيين ومرجعا أليهم سئل يوما ابن حنبل في من قدّم عليّاً على عثمان في الفضل ، فأجاب : « هذا أهلُ أن يُبدَّع » يعني من يقول ذلك من أهل البدعة ... بينما يرى الأمامية قول علي{ع} {نحن أهل البيت لا يقاس بنا احد }.........ـ وسأله المتوكّل يوما عن أشخاص من أهل العلم ، مَن منهم يصلح للقضاء ؟ فكتب إليه فيهم فرداً فرداً ، ثمّ ختم كتابه " إنّ أهل البدع لا ينبغي أن يُستعان بهم في شيء من أمور المسلمين ، فإنّ في ذلك أعظم الضرر على الدين ، مع ما عليه رأي أمير المؤمنين أطال الله بقاءه من التمسّك بالسنّة والمخالفة لأهل البدع » يعني بهم ممن يرى آراء جعفر بن محمد الصادق{ع} وفي ختام كلامه يرى ابن حنبل أقراره التام ما يراه المتوكل هو حقيقة السنة..!!ويقول تاريخ هذا الرجل ابن حنبل انه يوثّق أشدّ الناس نصباً وتمادياً في شتم عليّ وأهل البيت{ع} ، ويطريهم أحسن الإطراء ، أمثال « حريز بن عثمان » دلالة كافية ، هذا الذي كان يستعيض عن ذكر الله بشتم الإمام عليّ ، يقول فيه أحمد بن حنبل « ثقة ، ثقة ، ثقة » وهو في الوقت نفسه يقول : « كان يحمل على عليّ » !!كتب ابن الجوزي : أنّ المتوكّل جمع الفقهاء والمحدّثين ، منهم : مصعب الزبيري أي يرى أحقية طلحة والزبير في حرب علي{ع} ، وإسحاق بن أبي إسرائيل ، وإبراهيم بن عبد الله الهروي ، وعبد الله وعثمان ابنا محمّد بن أبي شيبة فقُسمت بينهم الجوائز والهدايا وأموال ، ثم أمرهم المتوكّل أن يجلسوا للناس وأن يحدّثوا بالأحاديث التي فيها الرّد على جميع العلماء والفقهاء اللذين لا يرى المتوكل رأيهم,, وأمرهم أن يُحدّثوا بالأحاديث في الرؤية , أي الاجتهاد....!!.هذه الأجواء فتحت باباً فسيحاً للكذب ووضع الحديث ،كتب عنه الذهبي وغيره من علماء السنة .. حتى اصبح للعلم بابا اسمه باب الجرح والتعديل ... كالذي حدث في فضائل الصحابة زمن معاوية , فوضعت أحاديث كثيرة في صفات الله تفيد التجسيم التي يتبناها ابن تيمية والوهابية والسلفيون الآن ، وفي الرؤية ، وفي قِدَم القرآن ممّا ليس له أصل في الإسلام ، ولم يُعرَف قبل هذا التاريخ .وفي هذه الأجواء نشطت عقيدتا « التشبيه » و « التجسيم » المنحرفتان ، هنا يبدو أنّ لقب « أهل السنّة » كان له ظهور فعلي في هذه المرحلة بالذات ، مرحلة أحمد بن حنبل والمتوكّل ، في خضمّ الصراع الفكري حول القرآن ؛ أهو قديم أم حادث مخلوق ! ذلك الصراع كان مصحوباً بالعنف في أكثر مراحله..............................أصبحت عقيدة كل من صوّب خلافة أبي بكر وعمر وعثمان مقلدا لمعاوية ، صحيح بعض الفقهاء لعنوه ، ومنهم تبرءوا منه ، وآخرون خطّأه وذكروا حجم الفساد الذي أدخله على الدين وشوه هذه الأمة. وفي عصرنا أكثر الكتاب السنة يدينونه لكنّ المشكلة تكمن في أنّ جذور الصراع الطائفية تذهب بكلّ قولٍ أو موقفٍ فيه بصمات الاعتدال والموضوعية ، ليظهر فقط ما يغذّي العصبية فتبرز المواقف الشاذّة وغير المسؤولة التي مزقت الأمة .... السنّة والجماعة » الرأي الشاذّ الذي لا يعترف بخلافة الإمام عليّ {ع} ، ودان به هل العلم والفقه والحديث منهم ، حتّى ثبّتها أحمد بن حنبل ، بقيت في زمنه محلّ نزاع إلى أن استقرّت كما ثبّتها ، وفق الترتيب التاريخي ،أن يكون رابعا الذي جعله مقياساً للتفاضل بينهم أيضاً !ولكننه أول من ذكر فضائله وذكر الأحاديث التي وردت فيه ........وأول من حذف اسم علي من الخلفاء هو معاوية حين كان يخطب فيذكر أبا بكر وعمر وعثمان ثمّ يتحدّث عن نفسه وسياسته ولا يذكر عليّاً {ع} ، بل يذكره في آخر خطبته بالشتم والسبّ واللعن ! قال أحمد بن حنبل : ما لأحدٍ من الصحابة من الفضائل بالأسانيد الصحاح مثل ما لعليّ رضي الله عنه وقال : عليُّ من أهل بيتٍ لا يقاسُ بهم أحد ! وسُئل يوماً : ما تقول في هذا الحديث الذي يروي ، أنّ عليّاً قال : « أنا قسيم النار » ؟ فقال : وما تُنكرون من ذا ؟ أليس روينا أن النبيّ {ص} قال لعليّ : « لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق » ؟ .. قالوا : بلى .. قال : فأين المؤمن ؟.. قالوا : في الجنّة ..وأين الكافر ؟.. قالوا : في النار .. قال : فعليُّ قسيم النار .مدرسة الإمام الصادق ( عليه السلام ) العلمية

شهد القاصي والداني ، أنَّ الإمام الصادق ( ع}هو صاحب المقام العلميِّ الرفيع ، الذي لا ينازعه فيه أحد . حتى توافدت كلمات الثناء ، والإكبار ، والإعجاب بشخصه وعلمه سواء من قِبَل الحكَّام ، وأئمَّة المذاهب ، والعلماء ، وتراجم الرجال ، نكتفي من تلك الكلمات بإشارات :يقول أبو حنيفة : ما رأيت أفقهَ مِن جعفر بن محمَّد ، لمَّا أقدمه المنصور بعث إليَّ فقال : يا أبا حنيفة ، إنَّ الناس قد افتُتِنُوا بجعفر ، فهيِّئ له من المسائل الشِداد . فهيَّأتُ له أربعين مسألة ، فلمَّا أبصرتُ به دخلَتْني من الهيبة لجعفر ( الصادق ) ما لم يدخلني لأبي جعفر ( المنصور ) . فجعلتُ أُلقي عليه فيُجيبني فيقول : ( أنتم تقولون كذا ، وأهل المدينة يقولون كذا ، ونحن نقول كذا ، فربَّما تابعناهم ، وربَّما خالفنا جميعاً ) . حتى أتيت على الأربعين مسألة ، ثم قال : ( ألَسْنا رَوينا أنَّ أعلم الناس ، أعلمُهم باختلاف الناس ) ؟ . واعترف أبو جعفر المنصور ، وأقرَّ بفضله حين قال : إنَّ جعفراً كان ممَّن قال اللهُ فيه : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ) ، ( فاطر : 32 ). وكان ممَّن اصطفاه الله ، وكان من السابقين في الخيرات .ورغم اعترافه بفضل الإمام الصادق ( عليه السلام ) في قوله : سيِّدُ أهل البيت ، وعالِمُهم ، وبقيَّة الأخيار منهم ، إلا أنه كان يضيِّق على الإمام ( عليه السلام ) ، ويكيد له ، حتى اغتاله بعد أن قال : هذا الشجا المعترِضُ في حَلْقي مِن أعلم الناس في زمانه . امتازت الفترة التي عاشها الإمام الصادق ( ع ) بأنها مرحلة نمو العلوم ، وتزاحم الثقافات المتنوِّعة . بسبب انفتاح البلاد الإسلاميَّة على الأمم الأخرى ، وانتشار الترجمة التي ساعدت على نقل الفلسفات الغربيَّة إلى العرب .فبدأ الغزو الفكري باتجاهاته المنحرفة ، وعاداته الهجينة ، ونشأت على أثره تيَّارات الإلحاد ، وفِرَق الكلام ، والآراء الغريبة ، والعقائد الضالَّة . وقد تطلَّبت تلك الظروف أن ينهض رجل ، عالِم ، شجاع ، يردُّ الضلال عن حصون الرسالة المحمدية .فكان أن قيَّض الله وليَّه الإمام جعفر الصادق ( ع ) الذي فاضت حياته بالعطاء ، والعلوم الغزيرة المتعدِّدة ، من : الحديث ، والتفسير ، والعقيدة ، وسائر أبواب الفقه ، والشريعة .نَقلَها نقلاً أميناً ، عن منابع النبوَّة المُحمَّديَّة الخاتمة ، وعن منابع التشريع ، حتى لُقِّب ( ع ) بـ( المحقِّق ) ، و( كاشف الحقائق ) . لأنه ( عليه السلام ) كان مَرجِعَ الأمَّة بِحَقٍّ ، وإمامَها الذي تتلمذ على يديه مئات الأعلام من الفقهاء ، والمشايخ ، بعد أن فتح لهم باب التخصص العلمي في العلوم العقلية ، والطبيعيَّة ، كالكلام ، والكيمياء ، والرياضيات ، إضافةً إلى أبواب الشريعة الإسلاميَّة .كما وضع ( ع) القواعد الواضحة لمسائل الأصول ، والفقه ، ليُربِّي في تلامذته مَلَكةَ الاجتهاد ، والاستنباط ، كقاعدة الاستصحاب، والبراءة ، والضمان ، والتخيير ، وغيرها . وبما أنَّ الغزو الفكري الغربي قد رافقَتْه حريَّة غير موجَّهة ، وانفتاح في إبداء الآراء ، هيَّأتهما السلطة الحاكمة . لذا أحدث ذلك الغزو ارتباكاً في عقائد المسلمين ، فجنَّد الإمام الصادق ( ع ) جهوده العلمية الهائلة لمواجهة الانحراف والتحريف ، بمواقف علميَّةٍ ، وعقائدية . وذلك كان من خلال إجابته على كلِّ المسائل ، وردِّ كل الشبهات ، وإفحام كلِّ التشكيك ، والأضاليل ، وبيان كلِّ أمرٍ من أمور الدين ، والدنيا ، ممَّا يُتساءَل عنه . حتى استطاع بذلك الجهاد العلمي المؤيَّد برعاية الله وعنايته ، أن يوقف الزحف الضلالي على العالم الإسلامي ، ويكشف زيفه ، ويبين أباطيله .تأسيس المدرسة :كان الإمام الصادق (ع) قد ساهم مع أبيه الإمام محمَّد الباقر ( ع) ، في تأسيس مدرسة أهل البيت ( ع ) في المدينة المنورة . وقد اتخذا من الحرم النبوي المنور مركزاً لإلقاء الدروس ، حتى تحوّل إلى أكبر معهدٍ من المعاهد الإسلامية في زمانه . فربّى جيلاً عالماً انتشر في أنحاء البلاد ، يبث حقائقَ الدين ، ويُبيِّن معالمه وقد أجمع العلماء ، مثل : الشيخ المفيد ، والشيخ الطبرسي ، والفتَّال النيسابوري ، والشهيد الثاني ، وابن شهر أشوب وغيرهم ، أنّه نُقل عن الإمام الصادق (ع ) من العلوم ما لم يُنقَل عن أحد . حتى أن أصحاب الحديث جمعوا أسماء الرواة الذين رووا عن الإمام الصادق (ع ) - على اختلاف آرائهم - ، فكانوا أربعةَ آلاف راوٍ .وهكذا كانت جهوده المباركة جهاداً علميّاً كبيراً ، أرسى من خلاله قواعدَ الدين ، وثبَّت أصوله ، وفروعه ، وعقائده .وبقيت أطروحاته حية نقية يستمد منها الناس العلم والآراء الحكيمة ، وتوجيهاته القَيِّمَة .وليست العلوم الإسلاميّة وحدها عيالاً على مدرسته و كثيراً من العلوم الحديثة كان يقدمها بكل اقتدار لطلابه في الكيمياء والفلك والطب والهندسة فتلقفها الفقهاء وتأثروا بها ...هذا الإمام الشافعي لا يتحفّظ من المجتمع في إظهار حبّه لأهل البيت : ، حتّى يصفوه ب‍ ( الرفض ) وليس التشيّع فقط !! فأنشد في ذلك شعراً كثيراً يؤكّد ما هو عليه من حبّ ، وأنّ ما يقال فيه لا يزيده إلا إصراراً عليه :أمّا أبو حنيفة فقد خرج من ولاء الأمويين إلى ولاء الثورات العلويّة منذ ثورة زيد الشهيد ، وبعده محمّد وإبراهيم أولاد عبد الله بن الحسن ، حتّى مات على ذلك في سجن أبي جعفر المنصور .وحتى من كان فيه مداراة وتقيّة ، كالحسن البصري ، فقد أظهر في متنفسا يبعده عن تلك الدائرة ، وكلمته في معاوية هي من أشهر ما قيل فيه : « أربع خصال كنّ في معاوية ، لو لم يكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة : انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف .. واستخدامه بعده ابنه سكّيراً خمّيراً .. وادّعاؤه زياداً .. وقتله حُجراً وأصحاب حُجر ، فيا ويلاً له من حُجر ! ويا ويلاً له من حُجر » !!روى الشيخ الكليني والطوسي عن أبي أيوب النحوي انه قال: بعث ألي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته فرايته جالساً على كرسي وأمامه شمعة وبيده كتاب، قال: فلما سلمت عليه رمى بالكتاب ألي وهو يبكي. فقال لي: هذا محمد بن سليمان يخبرنا إن جعفر بن محمد قد مات، فانا الله وإنا أليه راجعون وأين مثل جعفر؟ ثم قال لي: اكتب، قال: فكتبت ان كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه قال: فرجع إليه الجواب انه قد أوصى إلى خمسة وأحدهم أبو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى وحميدة.كان الإمام{ع} يعلم إن المنصور سيقتل وصيه فأشرك هؤلاء النفر فكتب اسم المنصور وموسى ولده هو الذي كان مخصوصاً بالوصية دونهم .....
.................................................................................
الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي

بسم الله الرحمن الرحيم
ومن ملتقي أهل الحديث
المذهب الفقهي إصطلاح ظهر خلال القرن الرابع الهجري، بعد تميز المذاهب الفقهية، وهو عند الفقهاء الإتجاه الفقهي في فهم أحكام الشريعة والطريقة التي ينهجها المجتهد أو عدد من المجتهدين في الاستنباط، وكيفية الإستدلال، والفروع التي تضاف في ضوء أصول المذهب..

وأصول المذاهب تتميز عن بعضها بسبب اختلاف أصحابها في مناهج الاجتهاد والاستنباط، وليس في الأصول الكلية أو الأدلة الإجمالية.. إذ المنهج الاجتهادي الخاص، واختيارات كل إمام فيما يأخذ به من الأدلة التبعية، هو الذي يميز بين "أصول المذهب" و"أصول الفقه".
وثمة مجموعة من العوامل والخلفيات ساهمت في ظهور المذاهب الفقهية، بحيث يمكن حصر أهم تلك العوامل والأسباب في العاملين السياسي والفكري. هذان العاملان ساهما في ظهور مناطق فراغ في المجال الفقهي، فنشأت عشرات من المذاهب الفقهية خلال القرن الثاني والثالث الهجري لسد هذه المناطق، من خلال بلورة اجتهادات واتجاهات فقهية مختلفة.. حتى أنها عدت خمسين مذهبا انقرض غالبيتها مثل مذهب الليث بن سعد، وداود بن علي الظاهري، وعبد الرحمن الأوزاعي.. ولم يبق منها إلا أربعة سنية، وأخرى غير سنية كالمذهب الجعفري والزيدي والإمامي والإباضي وغيرها من المذاهب التي تتوزع مختلف أقطار العالم الإسلامي.

مراحل تطور المذاهب السنية
مرّت المذاهب الفقهية (السنية) بعد قيامها وتبلور مناهجها بثلاث مراحل أساسية:
- مرحلة التأسيس والبناء: امتدت هذه المرحلة على ما يربو عن ثلاثة قرون حتّى سقوط بغداد (سنة 656)هـ. تميزت هذه المرحلة بتنظيم وترتيب الفقه المذهبي. كما ألفت مدونات جمعت المسائل الخلافية مع المذاهب الأخرى..
- مرحلة شيوع ظاهرة التقليد وإغلاق باب الاجتهاد: مع بداية القرن الثامن الهجري، حيث اقتصر النشاط الفقهي على اجترار التراث الفقهي عن طريق شرحه واختصاره أو تنظيمه، من دون إضافة جديدة. مع طغيان المباحث اللفظية والمسائل الافتراضية، فابتعد الفقه عن الحياة.
- مرحلة التجديد والانطواء: مع بداية القرن التاسع عشر، حيث أخذت الدراسات الفقهية تشق طريقها نحو التجديد والتطوير ومواكبة العصر ومشكلاته المختلفة تحت ضغط التطور الزمني، وتقدم المعارف الإنسانية، والإحتكاك بالحضارات. فظهرت نخبة من العلماء قادوا حركة التجديد وحذروا من الجمود والركود.
المذاهب السنية الأربعة
وهكذا ظهرت المذاهب الفقهية الكبرى في عصر الدولة العباسية. وهذه المذاهب حسب التسلسل التاريخي في الظهور:
- المذهب الحنفي: نسبة إلى الإمام أبي حنيفة النعمان ( 80 - 150 هجرية ) -وإن كان المذهب الحنفي يشتمل على تحقيق مناهج شيوخ المذهب كأبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن، ولم يكن قاصرا على منهج أبي حنيفة بالذات- نشأ المذهب الحنفي في الكوفة ونما في بغداد، واتسع بمؤازرة الدولة العباسية له.
وكان مذهبه يعتمد –بالإضافة إلى الأصول النقلية المتفق عليها- على القياس والاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا، فتوسع المذهب في اعتماد الأصول العقلية وتشدد في ضوابط الأخذ بالحديث بسبب تعقد الحياة وتطور المدنية في البيئة العراقية.
ومن أهم كتب المذهب الحنفي: كتب" ظاهر الرواية" الستة، وكتب "النوادر" للإمام محمد بن الحسن، وكتاب "الكافي" للحاكم الشهيد، وكتاب "المبسوط" للسرخسي، وكتاب "بدائع الصنائع" للكاساني، وكتاب حاشية ابن عابدين المسماة "رد المحتار على الدر المختار" وغير ذلك.
- المذهب المالكي: وهو عبارة عما ذهب إليه الإمام مالك ( 39 - 179 هجرية ) من الأحكام الاجتهادية مراعيا في ذلك أصولا معلومة وأخرى مخصوصة. ويعتمد المذهب ـإضافة إلى الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة من الكتاب والسنة والقياس وإجماع الصحابة ـ على عمل أهل المدينة والاستصلاح. ومن أبرز المؤلفات في هذا المذهب:"الموطأ" للإمام مالك، و"المدونة الكبرى" وهي آراء الإمام مالك الفقهية جمعها ودونها سحنون بن سعيد التنوخي..
انتشر المذهب المالكي أكثر ما انتشر في شمال إفريقية ومصر والأندلس، وقام علماء كثيرون بنشره في العراق وبلاد خراسان..
- المذهب الشافعي: وصاحبه محمد بن إدريس الشافعي ( 150 - 204 هجرية)، عاش في مكة ثم رحل إلى العراق حيث تعلم في بغداد فقه "أبي حنيفة" قبل رحيله واستقراره قي مصر. ومن ثم جاء مذهبه وسطاً بين مذهب " أبي حنيفة" المتوسع في الرأي، ومذهب "مالك بن أنس " المعتمد على الحديث. ويعتمد المذهب الشافعي في استنباطاته وطرائق استدلاله على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي ودونها في كتابه الشهير "بالرسالة"، بحيث يعد أول من دون كتاباً متكاملاً في علم أصول الفقه. من أبرز علماء الشافعية في حياة الشافعي هم تلامذته: الربيع بن سليمان الجيزي والربيع بن سليمان المرادي، والبوطي..
ومن أشهر كتب مذهبه إضافة إلى كتب الشافعي نفسه كتاب "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي، و"روضة الطالبين" و"المجموع" للنووي، و"المهذب" و"التنبيه" للشيرازي، و"تحفة المحتاج" لابن حجر الهيثمي.
- المذهب الحنبلي: وصاحبه الإمام أحمد بن حنبل ( 164 - 241 هجرية )، وهو آخر المذاهب الأربعة من الناحية الزمنية. وكان ابن حنبل يرى أن يقوم الفقه على النص من الكتاب أو الحديث، وأنكر على أستاذه " الشافعي " أخذه بالرأي، واعتبر الحديث أفضل من الرأي. لذلك عد في نظر كثير من العلماء من رجال الحديث لا من الفقهاء. ومن أشهر كتبه "المسند" الذي يعتبر موسوعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يحوي أربعين ألف حديث .
ومن أشهر رجال الحنابلة الذين قاموا بنشر المذهب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم الجوزية . وأهم تلاميذه صالح ابن الإمام أحمد، وابنه الآخر عبد الله وأبو بكر الأثرم والمروذي وأحمد بن محمد بن الحجاج وإبراهيم الحربي. وأهم كتب مذهبه "مختصر الخرقي"، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه "المغني" وكتاب "كشاف القناع" للبهوتي، و"الفروع" لابن مفلح، و"الروض المربع" للحجاوي.
انتشر في عدد كبير من البلاد من أهمها بلاد الشام، ونجد في الجزيرة العربية..

خاتمة
مما سلف نستخلص أن اختلاف المذاهب الفقهية في كثير من الأحكام والفروع له أسباب علمية وموضوعية اقتضته. وتعد هذه الثروة الفقهية التشريعية نعمة ربانية تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد، بل يجوز الخروج عن مذهب أحد الأئمة الفقهاء إلى غيره من المذاهب إذا وجدت في المذهب الآخر سعة ومرونة.
مبنى المدرسة المستنصرية التاريخي في بغداد تأسيس المدارس الفقهية هو مجموعة من المجهودات العلمية المتخصصة في الدراسات الفقهية التي بدءت بظهور فقهاء الصحابة الذين كانت لهم مذاهب فقهية، والذين أسسوا مدارس فقهية في الحجاز والعراق والشام واليمن ومصر، وانتقل علمهم إلى من خلال هذه المدارس إلى من بعدهم، وتلخص ذلك بظهور مدارس فقهاء التابعين، وكان القرن الثاني الهجري أهم فترة لتأسيس المدارس الفقهية والمدارس الفقهية هي: مجموعة من المجتهدين، من ذوي الكفائة العلمية، والتخصص لبحث ودراسة موضوع: الفقه في الدين الإسلامي، وما يوجد من غوامض، وإشكالات، والتدقيق والاستدلال، في علم الفقهوأصوله، وقواعده، وفروعه. وقد نشأت المدارس الفقهية في زمن الصحابة الذين اشتهرت مذاهبهم الفقهية ونقلت، وأخذ عنهم فقهاء التابعين، وتكامل بذلك تأسيس المذاهب الفقهية

تعريف الفقه

الْفِقْهُ في اللغة: الْفَهْمُ للشيء والعلم به، وفهم الأحكام الدقيقة والمسائل الغامضة، وهو في الأصل مطلق الفهم، وغلب استعماله في العرف مخصوصا بـعلم الشريعة؛ لشرفها على سائر العلوم، ومعناه الاصطلاحي: «العلم بالأحكام الشرعية المكتسبة من أدلتها التفصيلية». ويسمي علم الفقه ويختص بالفروع، والفقيه العالم بالفقه، وعند علماء أصول الفقه هو المجتهد.

والفقه في الاصطلاح يطلق على أحد أنواع العلوم الشرعية المسمى: علم فروع الفقه وهو: العلم بالأحكام الشرعية العملية المستمدة من أدلتها التفصيلية. أو بعبارة أخری هو: العلم الذي يبحث لكل عمل عن حكمه الشرعي.
الفقه في الدين


المدرسة المستنصرية في بغداد أول جامعة تدرس المذاهب الأربعة.

كان الصحابة في زمن النبوة يتعلمون أحكام الدين الإسلامي ويتفقهون فيه، وكانت المدينة المنورة في عصر الخلفاء الراشدين هي المرجع الفقهي الأول للمسلمين، وكان فقهاء الصحابة يعلمون الناس أمور دينهم، وبمرور الوقت وانتقال الصحابة في البلدان حدثت ظواهر جديدة يتحتم معرفة حكمها الشرعي، ولم يوجد نص من القرآن ولا من السنة يدل عليها بخصوصها، وكان كبار فقهاء الصحابة الذين بلغوا رتبة الاجتهاد يستنتجون أحكامها بطرق الاجتهاد، وكانت لهم مذاهب فقهية، وأخذ عنهم صغار الصحابة وكبار التابعين وقد فرض الله على الأمة الإسلامية تعلم أحكام الشرع والتفقه في الدين، كما أن من فروض الكفاية أن يتفرغ البعض للتعلم ليعلموا ذويهم وقومهم، قال الله تعالى(وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) قال الطبري: «فقال بعضهم: وهو نفر كان من قوم كانوا بالبادية، بعثهم رسول الله(يعلمون الناس الإسلام، فلما نزل قوله:(ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله) انصرفوا عن البادية إلى النبي > خشية أن يكونوا ممن تخلف عنه، وممن عني بالآية، فأنزل الله في ذلك عذرهم بقوله:{وما كان المؤمنون لينفروا كافة.} وكره انصراف جميعهم من البادية إلى المدينة
تأسيس المدارس الفقهية المدارس في اللغة: أماكن التعليم، أو مجموعة من المفكرين والباحثين المتخصصين. والمدارس الفقهية هي: مجموعة من الباحثين المتخصصين، الذين امتازوا بكفائاتهم العلمية، وقدرتهم على النظر والإستدلال، والإجتهاد، وتفرغوا للإشتغال بدراسة موضوع: الفقه الإسلامي والبحث في كلياته وجزئياته، وما يوجد من غوامض وإشكالات، واستنباط أحكامه، وعملوا على صياغة أصوله وفروعه، ومبادئه ومقاصده، وتوسيع مباحثه في فترات متعاقبة، حتى اكتمل وضع المذاهب الفقهية.
العصر النبوي

العصر النبوي هو المرجع الأول لكل المسلمين، لاختصاصه بنزول الوحي فيه، حتى اكتمل الدين. وكان للشرع الإسلامي: مصدران تلخص فيهما ما نزل من الوحي هما: القرآنوالحديث قال الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا وآيات الله أي: القرآن. والحكمة: الحديث النبوي

وقال تعالى:(مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ]7/59وكانت مهمة الصحابة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم: تلقي ما جاء به الرسول من عند الله، وحفظه وتعلمه، وتدوين القرآن ثم الحديث. وكان الفقه في العصر النبوي يؤخذ من المعلم الأول للأمة الإسلامية؛ محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان الصحابة رضي الله عنهم يتعلمون منه الأحكام الشرعية ويأخذونها، ويعلمون الناس، ولم يكن الإجتهاد إلا في بعض الأحوال التي لا تمكنهم من الحصول على النص، لأن نزول الوحي فيه ما يقر أو ينكر ويعلم. وقد تلخص الفقه في زمن النبوة بظهور عدد من فقهاء الصحابة، وبوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ انقطع الوحي، وكان الدين الإسلامي مكتملا، واضح المعالم.
تاريخ الفقه

نشأ الفقه الإسلاميّ بمفهومه العام الذي هو بمعنى: الفقه في الدين منذ بداية الدّعوة الإسلامية، خلال فترة نزول الوحي في العصر النبوي، وكان الصحابة يتعلمون الأحكام الشرعية ويتفقهون في دين الله في العصر النبوي الذي اختص بنزول الوحي فيه، حتى اكتمل الدين. وكانت مهمة الصحابة تعلم أحكام الشرع، وهو ما شرعه الله على لسان رسوله من أحكام، وحفظه وتعلمه، وتدوين القرآن ثم الحديث. والتفقه فيما أنزل الله على رسوله وأوحي به إليه من القرآنوالحديث قال الله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا وقد فسرت آيات الله: بالقرآن، والحكمة هي: الحديث النبوي وقد كان الاجتهاد في العصر النبوي قليل الوقوع، قال في البحر: «واختلف في علم النبي الحاصل عن اجتهاد، هل يسمى فقها؟ والظاهر أنه باعتبار أنه دليل شرعي للحكم لا يسمى فقها، وباعتبار حصوله عن دليل شرعي يسمى فقها اصطلاحا» وكان الفقه في الدين في زمن الصحابة مميزا عما بعده باعتبار أنهم أخذوا وتعلموا في زمن نزول الوحي وتفقهوا من العلم النبوي، وقد اختص كبار الصحابة بمزيد اهتمام في تعلم الأحكام وفهمها، وكانوا مراجع للمسلمين.

أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله الذين صحبوه ولازموه كانوا فقهاء، وتتمثل طرق فقه الصحابة فيما أخذوه من خطاب الله تعالى وخطاب رسوله وما فهموه منهما، والعلم بتفسير القرآن الذي نزل بلغتهم وعرفوا أسباب نزوله، والعلم بما أخذوه من السنة النبوية من أقوال وأفعال وتقريرات عرفوا مقاصدها وكان لهم من ذلك معرفة واسعة بأحكام الدين. ومن كبار فقهاء الصحابة الخلفاء الأربعة وغيرهم، وكان منهم مراجع الفتوى ومنهم: ابن عمر وابن عباس وزيد ابن ثابت، وابن مسعود، ومعاذ اين جبل، وكان من النساء أيضا: أمهات المؤمنين، ومن نساء الأنصار وغيرهن، وكان لكبار الصحابة، وأئمة أهل البيت اجتهادات ومذاهب فقهية، وتلقى عنهم صغار الصحابة ومن تلقى عنهم من التابعين.
فقهاء الصحابة

انظر أيضًا: فقهاء الصحابة

فقهاء الصحابة كثيرون لكن اختص بعضهم باجتماع جملة من الخصائص لم تتوفر في غيرهم، فهناك من كان له طول الصحبة، وكثرة المجالسة والأخذ، ولا يقتصر هذا على رواية الحديث؛ فقد ورد: «رب حامل فقه ليس بفقيه»، فالخصوصية في قوة الفهم وحدة الذكاء، بالإضافة إلى خصائص أخرى كالدعاء والإجازة والشهادة وغيرها، فمن الدعاء مثل حديث: "عن علي بن ابي طالب أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت: يا رسول الله أتبعثني وأنا شاب وهم كهول ولا علم لي بالقضاء، قال: انطلق فإن الله عز وجل سيهدي قلبك ويثبت لسانك، قال علي: فو الله ما تعاييت في شيء بعد". وروي أنه قال: "اللهم اهد قلبه" قال: فما شككت في قضاء بين اثنين حتى جلست مجلسي هذا. وكالدعاء لابن عباس في حديث: "اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" وغير ذلك. والإجازة مثل تكليف بعض الصحابة للقيام بمهمة القضاء والفتوى والتعليم، والشهادة مثل حديث: "وأفرضهم زيد..." جاء في كتب الحديث أن أعلم أمة محمد بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأعلمهم بالمواريث: زيد بن ثابت وفي الحديث: «عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأعلمها بالحلال والحرام معاذ ابن جبل، وأقرؤها لكتاب الله عز وجل أبي، وأعلمها بالفرائض زيد ابن ثابت، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة ابن الجراح"» فهم أكثر الصحابة علما بالدين وفهما وحفظا، وأكثرهم ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذا عنه. والذين أجازهم أو دعا لهم، أو شهد لهم بالمكانة العلمية، أو حث على الأخذ والتعلم منهم، أو كلفهم بمهمة الإفتاء والقضاء. الذين تميز بالفطنة والذكاء، وقوة الإدراك، وجودة الرأي الفهم، وحسن الإستدلال. الذين تفرغوا للتفقه في الدين، والتعليم والإفتاء. الذين شهد لهم أكثر الصحابة بمكانتهم العلمية، وأقروهم وأخذوا عنهم ووافقوهم.
طبقة كبار فقهاء الصحابة

طبقة كبار فقهاء هي طبقة كبار أعلام فقهاء الصحابة الذين تميزوا بمكانتهم العلمية في العصر النبوي ومنذ بداية عصر الخلفاء، وكانوا مرجعا للمسلمين، وكانت لهم اجتهادات فقهية، ومنهم الخلفاء الراشدون وأولهم أبو بكر الصديق وهو أول الخلفاء الراشدين، وقد أجمع جماهير أهل السنة والجماعة على أنه أفضل الصحابة وأفقههم وأعلمهم وإمام الأمة الذي قدم للصلاة، وأول من أجمعت الأمة على خلافته، وأن الصحابة لا يقدمون لإمامة الأمة إلا إماما مجتهدا، وعمر بن الخطاب وكانت له اجتهادات فقهية وأقوال أخذت عنه، وكان يبعث الفقهاء من الصحابة إلى الأمصار ليعلموا الناس أمور دينهم، وعن محمد بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه أنه قال: "كان الذي يفتون على عهد رسول الله ثلاثة من المهاجرين وثلاثة من الأنصار: عمر وعثمان وعلي وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت. وكان ابن عباس إذا سئل عن الشيء فإن لم يكن في كتاب الله وسنة رسوله قال بقول أبي بكر، فإن لم يكن فبقول عمر وعثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، كان من كبار الفقهاء وأهل الفقه والرأي والمشورة، وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن أبا بكر كان إذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة أهل الرأي والفقه دعا رجالا من المهاجرين والأنصار، دعا عمر وعثمان وعليا وع الرحمن ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وعلي بن أبي طالب رابع الخلفاء الراشدين وكانت اجتهادت فقهية أخذت عنه وكان من كبار فقهاء الصحابة وعن عائشة رضي الله عنها قالت: من أفتاكم بصوم عاشوراء؟ فقيل علي بن أبي طالب، قالت: أما إنه أعلم الناس بالسنة، وروي أنها قالت: أعلم من بقي بالسنة. وقال مسروق: انتهى العلم إلى ثلاثة: عالم بالمدينة وعالم بالشام وعالم بالعراق؛ فعالم المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعالم العراق عبد الله بن مسعود، وعالم الشام أبو الدرداء، فإذا التقوا سأل عالم الشام وعالم العراق عالم المدينة ولم يسألهما. وعبد الله بن مسعود أحد كبار فقهاء الصحابة وفي الحديث: "رضيت لأمتي ما رضي لها ابن أم عبد". يعني: ابن مسعود. وبعثه عمر ابن الخطاب إلى الكوفة. روى حارثة بن مضرب "أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أهل الكوفة: أما بعد فإني قد بعثت إليكم عمارا أميرا وعبد الله قاضيا ووزيرا، وإنهما من نجباء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وممن شهد بدرا، فاسمعوا لهما وأطيعوا فقد آثرتكم بهما على نفسي". وعن عمر أنه قال فيه: أما إنه أطولنا فوقا، كنيف ملئ علما. وروى أبو البختري أن عليا كرم الله وجهه قيل له: أخبرنا عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عمن تسألوني؟ قالوا: عن عبد الله، قال: "علم القرآن والسنة". وروى يزيد بن عميرة قال: لما حضر معاذ بن جبل الموت قيل له: يا أبا عبد الرحمن أوصنا، قال: التمسوا العلم عند أربعة: عند عويمر أبي الدرداء وعند سلمان الفارسي وعند عبد الله بن مسعود وعند عبد الله بن سلام. وسئل أبو موسى الأشعري عن مسألة فقال للسائل: ايت ابن مسعود فسيتابعني فجاء إليه فأفتاه، ثم قال: فأتيت أبا موسى وأخبرته فقال: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر فيكم. وقال علقمة: قدمت الشام فلقيت أبا الدرداء فسألته فقال: تسألوني وفيكم عبد الله بن مسعود؟.

وأبو موسى الأشعري "وكان ممن بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ليعلم الناس القرآن"، وولاه عمر على البصرة. وقال أنس: "بعثني الأشعري إلى عمر رضي الله عنهما فأتيته فسألني عنه فقلت: تركته يعلم الناس، فقال: أما أنه كيس فلا تسمعها إياه". وقال أبو البختري: سئل علي بن أبي طالب عن أبي موسى فقال: صبغ في العلم صبغة. وقال مسروق: كان العلم في ستة نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يصفهم أهل الكوفة: عمر وعلي وعبد الله وأبو موسى وأبي وزيد بن ثابت

وأبي بن كعب قال عمر: اليوم مات سيد المسلمين، وروي عنه أنه قال: "قال رسول الله : "أي آية معك في كتاب الله أعظم؟". قلت: "الله لا إله إلا هو الحي القيوم" البقرة: 225 قال: فضرب في صدري وقال ليهنك العلم، وتحاكم إليه عمر والعباس رضي الله عنه عنهما في دار كانت للعباس إلى جانب المسجد فقضى للعباس على عمر، ولا يتولى القضاء بين كبار الصحابة إلا عالم مجتهد. وقال مسروق: شاممت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت علمهم انتهى إلى هؤلاء الستة: عمر وعلي وعبد الله وأبي وأبي الدرداء وزيد بن ثابت رضي الله عنهم.

معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الخزرجي

وجاء في الحديث: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فقال: بم تقضي؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: اجتهد رأيي، قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم" ولا يبعث للقضاء إلا عالما، وقد سأله بين طرق الأحكام أجاد وأحسن وأخبر أنه يجتهد رأيه، فأقر الرسول، ولا يقر الرسول إلا من كان أهلا للاجتهاد. وروى عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله : أن معاذ بن جبل كان قانتا لله حنيفا وأنه برتوة بين يدي العلماء يوم القيامة ليس بينه وبين الله تعالى إلا النبيين والمرسلين وخطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: من أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل. وروى أبو مسلم الخولاني قال: دخلت حمص فرأيت حلقة فيها اثنان وثلاثون رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا فيهم شاب أكحل العينين براق الثنايا فإذا امترى القوم في شيء أقبلوا عليه فسألوه، فقلت لجليس لي: من هذا؟ قال: هذا معاذ ابن جبل.

وزيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي من كبار فقهاء الصحابة وأحد فقهاء المدينة جاء فيه حديث: "أفرضهم زيد". وقال الشعبي: أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت فقال: تمسك ركابي ونت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء. وقال سالم: كنا مع ابن عمر يوم مات زيد فقال: مات عالم الناس اليوم. وقال سليمان بن يسار: كان عمر وعثمان لا يقدمان على زيد بن ثابت أحدا في القضاء والفتوى والفرائض والقراءة. وخطب عمر رضي الله عنه بالجابية فقال: من أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت. وقال مسروق: دخلت المدينة فوجدت بها من الراسخين في العلم زيد ابن ثابت.

وأبو الدرداء قال معاذ حين حضرته الوفاة وقيل له: أوصنا، فقال: التمسوا العلم عند ابن أم عبد وعويمر أبي الدرداء وسلمان وعبد الله بن سلام، وعن أبي الدرداء أنه قال: سلوني فوالذي نفسي بيده لئن فقدتمون لتفقدن رجلا عظيما من أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق

روى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال: لو كانت امرأة تكون خليفة لكانت عائشة خليفة. وقال أبو موسى الأشعري: ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء فسألنا عنه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما. ولما أجابت في الغسل من الإكسال، قال أبو موسى: لا أسأل عنه أحدا بعد هذا اليوم. وقال عمر رضي الله عنه في ذلك: من خالف بعد هذا جعلته نكالا. وقال قبيصة بن ذؤيب: كان عروة بن الزبير يغلبنا بدخوله على عائشة، وكانت عائشة أعلم الناس، يسأل الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال عروة: كانت عائشة أعلم الناس بالحديث، وأعلم الناس بالقرآن، وأعلم الناس بالشعر، ولقد قلت قبل أن تموت بأربع سنين: لو ماتت عائشة لما ندمت على شيء إلا كنت سألتها عنه. وقال مسروق وقد سئل عن عائشة، هل كانت تحسن الفرائض؟ فقال: لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض
الطبقة الثانية من فقهاء الصحابة

الطبقة الثانية من فقهاء الصحابة هي طبقة فقهاء الصحابة الذين كانوا صغار السن بالنسبة للصحابة الأكبر منهم سنا، وباعتبار أنهم أخذوا العلم عن كبار فقهاء الصحابة بالإضافة إلى ما تعلموه في العصر النبوي. واشتهر بالعلم من هؤلاء: عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. كان يسمى: البحر لغزارة علمه وفي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له فقال: اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". وقال عبد الله: كان عمر بن الخطاب يسألني مع الأكابر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم وكان يقول: لا يتكلم حتى يتكلموا وقال ابن عمر: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. وقالت عائشة رضي الله عنها: من استعمل على الموسم العام؟ قالوا: ابن عباس قالت: هو أعلم الناس بالحج. وروى ابن عباس أن عمر كان يدينه فقال له عبد الرحمن بن عوف: أن أبناء مثله، فقال عمر: إنه من حيث تعلم. وقال له عمر: إنك لأصبح فتياننا وجها، وأحسنهم خلقا، وأفقههم في كتاب الله عز وجل. وأحرق علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوما من الزنادقة فأنكر عليه ابن عباس ذلك، فقال: ويح ابن أم الفضل إنه لغواص على الهنات. وقال ابن أبي نجيح: كان أصحاب ابن عباس يقولون: إن ابن عباس أعلم من عمر وعلي وعبد الله، فيعيب الناس عليهم، فيقولون: لا تعجلوا علينا، إنه لم يكن أحد من هؤلاء إلا عنده من العلم ما ليس عند صاحبه وإن ابن عباس قد جمعه كله. وكان عطاء إذا حدث عنه قال: حدثني البحر. وكان ميمون بن مهران إذا ذكر عنده عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس قال: كان ابن عباس أفقههما.

وعبد الله بن عمر بن الخطاب قال ابن سيرين: كانوا يرون أعلم الناس بالمناسك ابن عمر بعد ابن عفان. وقال أبو إسحاق الهمداني: كنا عند ابن أبي ليلى في بيته فجاءه أبو سلمة ابن عبد الرحمن فقال: عمر كان عندكم أفضل أم ابنه؟ قالوا: لا بل عمر، فقال أبو سلمة: إن عمر كان في زمانه له فيه نظراء، وإن ابن عمر كان في زمانه ليس له فيه نظير. وقال مالك: أقام ابن عمر بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستين سنة يفتي الناس في الموسم، وكان من أئمة الدين.

وعبد الله بن الزبير بن العوام ابن خويلد قال القاسم: ما كان أحد أعلم بالمناسك من ابن الزبير.

وعبد الله بن عمرو بن العاص السهمي وكان يفتي في الصحابة.

قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي.
ممن أخذ عنهم الفقه

وممن أخذ عنه الفقه من الصحابة: أبو سعيد الخدريوأبو هريرة الدوسيوجابر بن عبد الله الأنصاريورافع بن خديجوسلمة بن الأكوعوأبو واقد الليثيوعبد الله بن بحينة. قال زياد بن مينا: كان ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر بن عبد الله ورافع بن خديج وسلمة بن الأكوع وأبو واقد الليثي وعبد الله بن بحينة مع أشباه لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتون بالمدينة ويحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من لدن توفي عثمان بن عفان إلى أن توفوا. والذين صارت الفتوى إليهم منهم: ابن عباس وابن عمر وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وجابر بن عبد الله الأنصاري. وممن نقل عنه الفقه: عبد الله بن مغفل المزني، قال الحسن: هو أحد النفر العشرة الذين بعث إلينا عمر ليفقهوا أهل البصرة. وأبو نجيد عمران بن حصين الأسلمي الخزاعي، وجهه عمر إلى البصرة ليعلم الناس، قال يحيى بن سعيد القطان: ما قدم علينا البصرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول بالحق من أبي بكرة ولا أفضل فضلا من عمران بن حصين، تسلم عليه الملائكة من جوانب بيته. وأبو حمزة أنس بن مالك قال قتادة: لما مات أنس قال مؤرق العجلي: اليوم ذهب نصف العلم؛ كان إذا خالفنا الرجل قلنا: تعال إلى من سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونقل الفقهاء عن غير هؤلاء مثل: طلحة بن عبيد اللهوالزبير بن العواموسعد بن أبي وقاصوسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوفوأبي عبيدة بن الجراحوحذيفة بن اليمانوالحسنوالحسينومعاوية بن أبي سفيانوعمرو بن العاصوخالد بن الوليدوالمسور بن مخرمةوالضحاك بن قيسوعمار بن ياسروأبي ذر الغفاريوأبو بصرة الغفاريوسلمان الفارسيوعبادة بن الصامتوشداد بن أوسوفضالة بن عبيد الأنصاريوأبو مسعود البدريوأبو أيوب الأنصاريوأبو قتادة الأنصاريوأبو طلحة الأنصاري وأبو أسيد مالك بن ربيعة الأنصاريوالنعمان بن بشيروالبراء بن عازبوزيد بن أرقموأبو حميد الساعديوعبد الله بن يزيد الخطميوسهل بن سعد الساعديوبريدة الأسلميوأبو برزة الأسلميوعبد الله بن أبي أوفى الأسلميوواثلة بن الأسقع الليثيوأبو أمامة الباهليوعقبة بن عامر الجهنيوسمرة بن جندب الفزاريوعبد الرحمن بن أبزي وغيرهم.
من النساء

ومن النساء فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها، وحفصة بنت عمروأم سلمةوأم حبيبةوأسماء بنت أبي بكروأم الفضل بنت الحارثوأم هانئ بنت أبي طالب.

قال الواقدي: آخر من مات من الصحابة بالكوفة عبد الله بن أبي أوفى سنة ست وثمانين؛ وآخر من مات بالمدينة من الصحابة سهل بن سعد الساعدي سنة إحدى وتسعن وهو ابن مائة سنة؛ وآخر من مات من الصحابة بالبصرة أنس بن مالك سنة إحدى وتسعين، وقيل: ثلاث وتسعين، وآخر من مات بالشام من الصحابة عبد الله بن بسر سنة ثمان وثمانين، وكان أبو الطفيل عامر بن واثلة آخر من مات من الصحابة، مات بعد سنة مائة
فقهاء الصحابة

فقهاء الصحابة هم علماء الدين المتخصصون في مجال الفقه في الدين الإسلامي. وقد كان الصحابة يتعلمون أحكام الدين من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعلمون غيرهم. واختص مجموعة من فقهاء الصحابة بالتعليم والفتوى مثل: أبي هريرة، وعائشة أم المؤمنين، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمر بن الخطاب، وغيرهم. وامتاز فقهاء الصحابة بخصائص تستخلص منهم أفضل الدرجات العلمية، بحسب ما يجتمع من هذة الخصائص، والصفات ومنها:
أكثر الصحابة علما بالدين وفهما وحفظا، وأكثرهم ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذا عنه.
الذين أجازهم النبي صلى الله عليه وسلم، أو دعا لهم، أو شهد لهم بالمكانة العلمية، أو حث على الأخذ والتعلم منهم، أو كلفهم بمهمة الإفتاء والقضاء.
الذين تميز بالفطنة والذكاء، وقوة الإدراك، وجودة الرأي الفهم، وحسن الإستدلال.
الذين تفرغوا للتفقه في الدين، والتعليم والإفتاء.
الذين شهد لهم أكثر الصحابة بمكانتهم العلمية، وأقروهم وأخذوا عنهم ووافقوهم.
مدارس فقه الصحابة والتابعين

تميزت المدينة المنورة بعد العصر النبوي بوجود جمهور فقهاء الصحابة، الذين كانوا مرجعا أساسيا للتعليم والفتوى، واشتهر منهم الخلفاء الأربعة، وكانت لهم مذاهب فقهية مثل: مذهب عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وأبو هريرة، وعائشة بنت أبي بكر، وزيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر، وابن مسعود، رضي الله عنهم، وغيرهم. وكان لهم اجتهادات، ومذاهب فقهية. ومع مرور الوقت، وتكامل نضوج فقه الصحابة؛ بدء نقل أقوالهم، وتدوين مذاهبهم، وكان يعتمد عند التعارض على قواعد مثل: تقديم ما توافق عليه جمهور الصحابة، أو بحسب الدليل، وجودة الإستدلال، وغير ذلك. وأما مذاهب فقه التابعين؛ فهي امتداد لمذاهب الصحابة، في تأسيس مذاهب الفقه الإسلامي، من خلال ظهور المدارس الفقهية، التي كان أشهرها وأكثرها انتشارا: مدرسة الحجاز في المدينة المنورة، باعتبارها أم المدارس الفقهية، ثم مكة المكرمة (البلد الحرام)، ثم مدرسة الكوفة بالعراق.
مدرسة الكوفة بالعراق
مدرسة الكوفة بالعراق؛ واشتهرت بفقه ابن مسعود وهو من كبار فقهاء الصحابة، ومن أكثرهم فقها للكتاب والسنة، وملازمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وممن جاء الأمر من الرسول بأن يؤخذ عنه . وقد اشتهر فقه ابن مسعود في الكوفة، وأخذ عنه فقهاء العراق وغيرهم، وكان من أشهر التابعين الذين أخذوا مذهبه: علقمة بن قيس، والأسود بن يزيد، ومسروق ابن الأجدع، والقاضي شريح، وعمرو ابن شرحبيل الهمداني وغيرهم. وأخذ من بعدهم: منصور بن المعتمر، وإبراهيم النخعي، وأخذ عنهم: أبو حنيفة، وسفيان الثوري.
مدرسة فقهاء مكة

مدرسة فقه مكة واشتهر فيها مذهب ابن عباس الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله
اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل وكان من أفقه الصحابة وأعلمهم بتأويل القرآن. ومن أشهر تلامذته الفقهاء: عكرمة، وعطاء، وطاووس، وسعيد بن جبير، وعنهم أخذ عمرو بن دينار، وابن جريج، وعبد الله بن دينار، وغيرهم. وأخذ عنهم الإمام مالك وغيره.
مدرسة فقه المدينة

تعد المدينة المنورة أول مدرسة للفقه الإسلامي، وكان من أشهر المدا رس الفقهية وأكثر المذاهب الفقهية انتشارا فيها مذهب زيد بن ثابت الذي شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه أعلم الصحابة بالفرائض، وبالقرآن. وممن اشتهر بالأخذ عنه فقهاء المدينة السبعة، مثل: خارجة بن زيدوالقاسم بن محمدوسعيد بن المسيبوسالم بن عبد الله بن عمر وغيرهم. وأشهر من أخذ عنهم محمد بن مسلم الزهري وعنه أخذ الإمام مالك بن أنس مؤسس المذهب المالكي.
خصائص المدارس الفقهية

اختصت المدارس الفقهية بعدة مزايا منحتها ثقة الآخرين وأولوية العمل بها، فالحوادث التي نشأت بعد العصر النبوي أدت إلى ظهور اجتهادات فقهاء الصحابة، ومع مرو الوقت والمعايشة تداخلت تلك الإجتهادات وتلخصت في أقوال، ومذاهب كبار فقهاء الصحابة ثم من بعدهم، وتداخلت الاجتهادات في مراحل تكاملية للنقل والتدوين.

تأسست المذاهب الفقهية من خلال نقل مذاهب الصحابة، ثم ما تلخص منها واشتهر بتأسيس المدارس الفقهية في المدينة، ومكة، والكوفة، والتي تلخص منها ظهور مذاهب فقهية لعدد من فقهاء التابعين وتابعيهم، وتلخص منها صياغة المذاهب الفقهية، وكان الأكثر منها انتشارا واشتهارا هي: المذاهب الأربعة
المذاهب الأربعة


المذهب في اللغة: محل الذهاب، ويطلق على المذاهب العلمية، والمذاهب الفقهية، مصطلح أطلق على المذاهب الأربعة التي انتشرت وعرفت بهذا الاسم، والمذهب الفقهي بمعنى: الإتجاه الفقهي في فهم الأحكام الشرعية، والمنهج أي: الطريقة التي ينهجها المجتهد، وكيفيات الاستدلال، واستنباط الأحكام الفقهية الفرعية من أدلتها، وفق أصول الفقه. وتتفق المذاهب الأربعة، في الأصول الكلية والأدلة الإجمالية، وتختلف في بعض الفروع نتيجة الاختلاف في بعض طرق الإجتهاد الثانوية، من حيث تقديم بعض الأدلة على بعض، وترتيبها، وشروط الأخذ بها، وغير ذلك مما اختاره كل إمام أصولا للمذهبه، وبنى عليها اجتهاده وتميز بها عن غيره.

المذاهب الأربعة هي خلاصة مذاهب الصحابة والتابعين. والأكثر انتشارا في العالم الإسلامي وهي:
المذهب الحنفي وتلخص من مدرسة فقه الكوفة، وأول من صاغه إمام المذهب: أبو حنيفة النعمان.
المذهب المالكي تلخص من مدرسة فقه المدينة، وأول من صاغه إمام المذهب: مالك بن أنس.
المذهب الشافعي أول من صاغه إمام المذهب: محمد بن إدريس الشافعي أخذ عن مالك، وعن أصحاب أبي حنيفة، وعن غيرهم من فقهاء مكة والمدينة وغيرهم، واهتم باللغة وقواعدها، وصاغ علم أصول الفقه.
المذهب الحنبلي أول من صاغه إمام المذهب: أحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي وغيره،وتأثر بفقه سفيان الثوري واهتم بالحديث.
المذاهب الأربعة حسب تسلسل تاريخ الظهور
المذهب الحنفي

المذهب الحنفي: نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام أبي حنيفة النعمان، (80 - 150 هـ) ويشتمل المذهب الحنفي على المنهج الذي صاغه أبو حنيفة، بالإضافة إلى تحقيق المجتهدين من رواة المذهب كأبي يوسف ومحمد بن الحسن. نشأ المذهب الحنفي في الكوفة ونما في بغداد، واتسع الدولة العباسية. يعتمد على الأصول النقلية المتفق عليها وعلى القياسوالاستحسان والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا، وتوسع المذهب في الاعتماد على الأصول العقلية، ووضع ضوابط الأخذ بالحديث. من أهم كتب المذهب الحنفي:
ظاهر الرواية
النوادر للإمام محمد بن الحسن
الكافي للحاكم الشهيد
المبسوط للسرخسي
بدائع الصنائع للكاساني
رد المحتار على الدر المختار
المذهب المالكي

المذهب المالكي نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام مالك بن أنس (93 - 179 هـ) وقد أسسه في المدينة المنورة، ونما في الحجاز، كما انتشر في بلاد المغرب وأفريقيا والأندلس وغيرها. ويعتمد المذهب على الأصول المتفق عليها بين جميع الأئمة وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، بالإضافة إلى تقديم إجماع الصحابة، والأخذ بعمل أهل المدينة والاستصلاح. ومن المؤلفات في المذهب المالكي: الموطأ للإمام مالك، والمدونة الكبرى، وهي آراء الإمام مالك الفقهية جمعها ودونها سحنون بن سعيد التنوخي.
المذهب الشافعي

المذهب الشافعي نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام محمد بن إدريس الشافعي ( 150 - 204 هجرية)، عاش في مكة ثم انتقل إلى العراق حيث تعلم في بغداد فقه أبي حنيفة، ثم استقر في مصر. وكان مذهبه وسطاً بين مذهب أبي حنيفة المتوسع في الرأي، وبين ومذهب مالك بن أنس المعتمد على الحديث وعمل أهل المدينة. ويعتمد المذهب الشافعي على الأصول التي وضعها الإمام الشافعي ودونها في كتابه الشهير بالرسالة، ويعد أول من دون كتاباً متكاملاً في علم أصول الفقه. من أشهر علماء الشافعية في حياة الشافعي تلامذته: الربيع بن سليمان الجيزي والربيع بن سليمان المرادي، والبوطي. ومن أشهر المحققين في المذهب النووي والرافعي. ومن أشهر كتب المذهب الشافعي كتب الشافعي الأم والرسالة والمختصر والوجيز، وفتح العزيز في شرح الوجيز للرافعي، وروضة الطالبين والمجموع للنووي، والمهذب والتنبيه للشيرازي، وتحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي.
المذهب الحنبلي

المذهب الحنبلي نسبة إلى واضع أصول المذهب الإمام أحمد بن حنبل (164 - 241 هـ)، وهو آخر المذاهب الأربعة من الناحية الزمنية. وكان ابن حنبل يرى أن يقوم الفقه على النص من الكتاب أو الحديث، واهتم بالحديث. لذلك عد في نظر كثير من العلماء من رجال الحديث لا من الفقهاء. ومن أشهر كتبه المسند الذي يعتبر موسوعة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يحوي أربعين ألف حديث. ومن أهم كتب المذهب الحنبلي: مختصر الخرقي، الذي شرحه ابن قدامه في كتابه المغني وكتاب كشاف القناع للبهوتي، والفروع لابن مفلح، والروض المربع للحجاوي.
موضوع الدراسات الفقهية

موضوع الدراسات الفقهية هو: الفقه في الدين بوجه عام وموضوع معرفة أحكام الدين هو الذي سعى الفقهاء للحصول عليه، وقبل تأسيس المدارس الفقهية كانت هذه الأحكام تشمل كل أنواع الأحكام، ومع تكامل بناء المدارس الفقهية وتطور الدراسات؛ أصبحت الأحكام المتعلقة بالعقائد والإيمان مستقلة بموضوعها عن الفقه، ودخلت تحت مسمى: علم التوحيد أو علم أصول الدين أو علم العقيدة، باعتبار أن العلم بأصول الدين حتمي لا مجال فيه للإجتهاد، وكان موضوع دراسة الفقه مختصا بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة، والأحكام الشرعية نسبة للشرع وهو ما شرعه الله على لسان نبيه من الأحكام، وما كان منها متعلقا بالعقيدة؛ ليس موضوع دراسة الفقه، كما أن الأحكام الضرورية مما هو معلوم من الدين بالضرورة، مثل: فرض الصلوات الخمس، أو تحريم القتل، وغيره، مما ثبت بدليل قطعي لا يحتمل التأويل: لا تدخل في موضوع الفقه من حيث أنه لا مجال للإجتهاد في حكم معلوم بالضرورة، فإذا كانت الصلوات الخمس مفروضة باتفاق جميع المسلمين؛ فلا حاجة للإجتهاد من أجل الحصول على العلم بأنها مفروضة.
فموضوع الفقه هو: أفعال المكلفين، من العباداتوالمعاملات، والدراسة الفقهية هي: النظر والاستدلال واستنتاج الأحكام من الأدلة.
منهج الاستدلال الفقهي

منهج الاستدلال في الدراسات الفقهية، هي الطرق التي يستخدمها المجتهد في استنباط الأحكام الشرعية، وكونها شرعية فهي تعتمد على النصوص الشرعية (الكتاب والسنة)، ثم الإجماع؛ لانه لا يكون الاحتجاج به إلا مستندا على نص شرعي، أو قياس نص. والاستدلال الفقهي يقوم على أساس استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها النقلية، وفق منهج أصول الفقه.
خصائص المذاهب الأربعة
أنها تستمد من نصوص القرآن والسنة النبوية ومعاقد الإجماع، وتعتمد في الاستدلال على منهج أصول الفقه.
أنها خلاصة مذاهب الصحابة والتابعين، وتتضمن المذاهب الأخرى مع ما قد يوجد من اختلاف.
أنها استكملت دراساتها العلمية، ووضعت أسسها ومناهجها العلمية، واستخلصت محتوياتها بالتدوين.
أنها نقلت عن أئمة المذاهب الأربعة بواسطة الرواة والأصحاب والطرق، وحصلت على الاهتمام والتنقيح والتحرير والبحث والتحقيق، وتلخص ذلك في أعداد كثيرة من المدونات والمتون والشروح والمؤلفات.
أنها حظيت بالقبول الواسع لدى العلماء.
أنها الأكثر انتشاراً واشتهارا في العالم الإسلامي.
أدلة الفقه

لمزيد من المعلومات، انظر أدلة الفقه

استمد أصحاب المدارس الفقهية في النقل من نصوص القرآن والسنة النبوية ومعاقد الإجماع، باعتبارها أصولا أساسية، واستبطوا الأحكام من النصوص الشرعية، وفق أدلة هي في نفس الوقت أصول شرعية؛ لأن النصوص الشرعية دلت على أن يؤخذ بها، لاستنتاج الأحكام الشرعية التي لم يرد نص صريح بخصوصها، والنصوص أدلة يرجع إليها المجتهد في استنباط الأحكام.
الاجتهاد

الاجتهاد في اللغة: "بذل الجهد في فعل شاق" فيقال: اجتهد في حمل الرحى، لا في حمل خردلة، وفي أصول الفقه هو: "بذل الجهد في إدراك الأحكام الشرعية"، أو هو: "بذل الجهد في تعرف الحكم الشرعي" ويقابله: التقليد. والاجتهاد إما تام أو ناقص:
اجتهاد تام هو: "استفراغ القوة النظرية حتى يحس الناظر من نفسه العجز عن مزيد طلب".
اجتهاد ناقص هو: "النظر المطلق في تعرف الحكم".

الاجتهاد بمعنى: بذل مجهود علمي، ممن تتوفر فيه شروط الاجتهاد، للبحث والنظر والاستدلال، واستنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، ممن له معرفة واسعة بمقاصد الشريعة، وفهم مداركها، والقدرة على استنباط الأحكام الشرعية.
المجتهد
المجتهد هو الذي يقوم بعملية النظر والاستدلال. ويطلق على الفقيه وهو عند علماء الأصول: درجة علمية وفق شروط مخصوصة. ولفظ فقيه يطلق على العالم بالفقه، ويطلق في علم الأصول على المجتهد، ولا يطلق على غيره إلا مجازا. ويستعمل لفظ (فقيه) بمعنى: الإمام المجتهد أي: إمام المذهب، ويطلق لفظ (مجتهد) في مصطلح علماء الأصول على من بلغ درجة الاجتهاد، وهو إما اجتهاد مطلق، كاجتهاد الأئمة الأربعة، وإما اجتهاد مقيد، كاجتهاد أصحاب الأئمة الأربعة، الذين نقلوا محتوى المذهب وبحثوا وحققوا فيه. ويسمى مؤسس المذهب: إماما، وناقل مذهبه المحقق فيه يسمى: صاحبا، والباحث المحقق لما نقله الصاحب يسمى: طريقا. وهذا بالنسبة لمؤسسي المذاهب، أما غيرهم ممن بلغ درجة الفتوى والقضاء أو الباحث؛ فيطلق عليه لقب المجتهد (تجوزا)؛ لأنه لا يخرج من دائرة النقل والتقليد.
شروط المجتهد

شروط المجتهد هي التي لا بد من توفرها في المجتهد، فاستنباط الأحكام الشرعية يحتاج إلى وجود صفات المستدل تتمثل في أهلية النظر والاستدلال، والكفائة والقدرة على بذل مجهود علمي، فالنجار مثلا: لا يؤتى إليه ليعالج مريضا، كما أن الطبيب المتخصص ليس هو الذي يعطي الدواء، بل هو الذي يستطيع تشخيص المرض، وتحديد المشكلة؛ ليتمكن من وضع الحلول المناسبة، وهكذا المجتهد فلا يكفي أن يحفظ عدد من المسائل، بل المقصود أن يكون قادرا على تشخيص المعضلات، والمشكلات والنوادر ومعالجتها، وهذا يستلزم توفر الشروط التي ذكرها علماء أصول الفقه.
🌑استعمل أصحاب المدارس الفقهية مصطلحات خاصة لتمييز الدرجات العلمية، والمراحل والمستويات التعليمية، ومنها:
المبتدئ لمن هو في أول مراحل التعليم عموما، أو في مجال التخصص.
المتعلم أو طالب العلم لمن يشتعل بالتعليم.
المعلم لمن يقوم بالتعليم.
الشيخ للعالم، كما أنه أيضا لقب للمسن.
المنتهي لمن انتهى من مرحلة ووصل إلى درجة علمية.
المقلد وهو: الذي يأخذ بقول المجتهد، من غير أن يمارس النظر والاستدلال.
مجتهد لمن بلغ درجة الاجتهاد وفق شروط مخصوصة.
فقيه لمن بلغ رتبة الاجتهاد، ويطلق على إمام المذهب مثل: الأئمة الأربعة، ولا يطلق الفقيه عند علماء الأصول على غير المجتهد إلا على سبيل المجاز.[26] أما في الاستعمالات العامة؛ فيطلق الفقيه على العالم بالفقه، والمشتغل به، وهو موافق لما عليه علماء العلوم الشرعية باعتبار: أنهم يقصدون بلفظ (فقيه) التمييز عن لقب: (محدث)، وهو الذي يهتم بالحديث.
صور
https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/9/9d/Mustansiriya_University_CPT.jpg/200px-Mustansiriya_University_CPT.jpg
مبنى المدرسة المستنصرية التاريخي في بغداد

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/e/e8/Mardin_P1030358_20080423105903.JPG/200px-Mardin_P1030358_20080423105903.JPG
مدرسة نجم الدين عيسى بمدينة ماردينجنوب شرق الأناضول

https://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/thumb/2/20/Storks_samarkand.jpg/200px-Storks_samarkand.jpg
الصحابي كما عرفه علماء أصول الحديث هو: "من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه النبي، في اليقظة حال حياة النبي بعد البعثه.."
^ عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: لو وضع علم عمر في كفة ووضع علم الناس في كفة لرجح علم عمر. قال الأعمش: فأتيت إبراهيم أبشره فقال: ألا أخبرك بأفضل من هذا عن عبد الله: قال عبد الله: لقد مات عمر فذهب بتسعة أعشار العلم. وقال معاذ بن جبل: إن أعلم الناس بفريضة وأقسمهم لها عمر بن الخطاب، وقال سعيد بن المسيب: ما أعلم أحدا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم من عمر. وقال الشعبي: من سره أن يأخذ بالوثيقة في القضايا فليأخذ بقضاء عمر فإنه يستشير. وروي أن عبد الله بن الحسن ابن الحسن مسح على خفيه فقيل له: تمسح؟ قال: نعم، مسح عمر بن الخطاب، ومن جعل عمر بن الخطاب بينه وبين الله فقد استوثق. مات سنة ثلاث وعشرين، قال ابن عمر: وهو ابن خمس وخمسين وروي عن معاوية رضي الله عنه أنه قال يوما: مات عمر وهو ابن ثلاث وستين.
^ روى الحسن قال: جمع عمر رضي الله عنه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليستشيرهم وفيهم علي فقال: قل فأنت أعلمهم وأفضلهم. وروى سعيد بن المسيب قال: كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس فيها أبو حسن. وقال عبد الله: إن أعلم أهل المدينة بالفرائض ابن أبي طالب؛ وقال ابن عباس: أعطي علي تسعة أعشار العلم وأنه لأعلمهم بالعشر الباقي.
^ تمام الحديث: "فوالذي نفسي بيده أن لها للسانا وشفتين تقدس الملك عند ساق العرش".
^ وروى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أرحم أمتي أبو بكر، وأشدها في دين الله عمر، وأصدقها حياء عثمان، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرأهم أبي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وإن لكل أمة أمينا وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.
^ قال أبو الطفيل:
وبقيت سهما في الكنانة واحدا
سيرمى به أو يكسر السهم كاسره
وهو القائل:
أيدعونني شيخا وقد عشت حقبة
وهن من الأزواج نحوي نوازع

وما شاب رأسي من سنين تتابعت
علي ولكن شيبتني الوقائع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق