المشاركة من موقع الدكتور أحمد الكلحي
علم البيان : تعريف علم البيان
وأركانه
(البيان) لغة: الكشف والظهور. واصطلاحاً: اُصول وقواعد يُعرف بها ايراد المعنى الواحد بطرق متعدّدة وتراكيب متفاوتة: من الحقيقة والمجاز، والتشبيه والكناية..، مختلفة من حيث وضوح الدلالة على ذلك المعنى الواحد وعدم وضوح دلالتها عليه، فالتعبير عن (جود حاتم) ـ مثلاً ـ يمكن أن يكون بهذه الألفاظ: جواد، كثير الرماد، مهزول الفصيل، جبان الكلب، بحر لا ينضب، سحاب ممطر، وغيرها من التراكيب المختلفة في وضوح أو خفاء دلالتها على معنى الجود.. أركان علم البيان ثم انه لّما اشتمل التعريف على ذكر الدلالة ولم تكن الدلالات الثلاث: المطابقيّة والتضمنّية والإلتزاميّة كلها قابلة للوضوح والخفاء، لزم التنبيه على ما هو المقصود، فإنّ المقصود منها هاهنا: هي الدلالة العقليّة للألفاظ، يعني: التضمنّية والإلتزاميّة، لجواز اختلاف مراتب الوضوح والخفاء فيهما، دون الدلالة الوضعيّة للألفاظ يعني: المطابقيّة، لعدم جواز اختلاف مراتب الوضوح في بعضها دون بعض مع علم السامع بوضوح تلك اللفاظ، وإلاّ لم يكن عالماً بوضعها، فتأمل. ثم انّ اللّفظ إذا لم يرد منه ما وضع له من دلالته المطابقيّة، وانّما اُريد به دلالته العقلية من تضمّن أو التزام، فإن قامت قرينة على عدم إرادة ما وضع له فمجاز، وإن لم تقم قرينة على عدم إرادة ما وضع له فكناية، ومن المجاز ما يبتني على التشبيه، فيلزم التعرّض للتشبيه قبل التعرّض للمجاز والكناية، إذن: فعلم البيان يعتمد على أركان ثلاثة: التشبيه والمجاز والكناية. ................... علم البيان : التشبيه (التشبيه) لغة: هو التمثيل، يقال: (هذا مثل هذا وشبهه). واصطلاحاً: هو عقد مماثلة بين شيئين أو أكثر وارادة اشتراكهما في صفة أو أكثر بإحدى أدوات التشبيه لغرض يريده المتكلّم. وفائدته: أن الصفة المراد اثباتها للموصوف، إذا كانت في شيء آخر أظهر، جعل التشبيه بينهما وسيلة لتوضيح الصفة، كما تقول: (زيد كالأسد) حيث تريد اثبات الشجاعة له، إذ هي في (الاسد) أظهر. أركان التشبيه وأركان التشبيه أربعة: 1 ـ المشبّه، كزيد. 2 ـ المشبّه به، كالأسد. 3 ـ وجه الشبه، كالشجاعة. 4 ـ أداة التشبيه ـ كالكاف ـ في قولك: (زيد كالأسد) وقد تحذف هذه، كما في (زيد أسد). ثم ان الركنين الاوّلين: المشبّه والمشبّه به يسميّان بـ(طرفي التشبيه) أو (ركني التشبيه). طرفا التشبيه وأقسامهما وطرفا التشبيه على أربعة أقسام: 1 ـ الحسّيان: بأن يكونا مدركين بالحواسّ الخمس الظاهرة التي هي: (الباصرة، السامعة، الذائقة، اللامسة، الشامّة) نحو: (خدّك الورد ألّمته الرياح...). 2 ـ العقليان: بأن لم يكونا مدركين بالحواس الخمس، بل أدركا بالحواس الباطنية: وجدانيّاً كان، أم وهمياً، أم ذهنياً، نحو: (الجهل موت والعلم حياة..). 3 ـ المشبه به عقلي والمشبه حسّي، نحو: (الطبيب الجهول موت معجّل...). 4 ـ المشبه به حسّي والمشبه عقلي، نحو: (العلم كالنور يهدي كل من طلبه...). طرفا التشبيه إفراداً وتركيباً ينقسم (التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلى أقسام أربعة: 1 ـ تشبيه مفرد: أ ـ مطلقين كانا، نحو: (طالخدّ كالورد). ب ـ أم مقيّدين، نحو: (العلم في الصغر كالنقش في الحجر). ج - أم مختلفين، نحو: (ريقه كالشهد المصفّى) أو (الشهد المصفّى مثل ريقه). 2 - تشبيه مركّب بمركّب، كقوله: كان سهيلاً والنجوم ورائه صفوف صلاة قام فيها إمامها 3 - تشبيه مفرد بمركّب، كقولها: أغرّ أبلج تأتمّ الــهداة بـــه كـــأنه علـــــم فــي رأسه نار 4 ـ تشبيه مركّب بمفرد، كقوله: وأسنانه البيض فــي فـمه تلوح لدى الضحوك كالاقحوان طرفا التشبيه إذا تعدّدا وينقسم (التشبيه) باعتبار طرفيه من حيث الإفراد والتركيب إلى أقسام أربعة: 1 ـ التشبيه الملفوف: بأن يجتمع مشبّهان أو أكثر معاً، ومشبه بهما أو أكثر معاً أيضاً، كقوله: ليــــــل وبــــــــدر وغصــــن شعــــــر ووجـــــــه وقــــــــدّ 2 - التشبيه المفروق: بأن يجتمع كل مشبّه مع ما شبّه به، كقوله: انما النفس كالزجاجة والعلــ ـــــــم سراج وحكمـة الله زيت 3 - تشبيه التسوية، بأن يتعدّد المشبّه دون المشبّه به، كقوله: صــــــدغ الحبيـــب وحـالي كـــــــــلاهمــــــا كــــالليالــــــي 4 - تشبيه الجمع، بأن يتعدّد المشبه به دون المشبه، كقوله: كأنمـــــا يبسم عـــن لـؤلؤ مـــــُنضّد أو بَــــــرَد أو اُقـــــاح التشبيه باعتبار وجه الشبّه ينقسم التشبيه باعتبار (وجه الشبه) الى ستة أقسام: 1 ـ تشبيه التمثيل، وهو ما كان وجه الشبه منتزعاً من متعدّد، كقوله: وما المرء إلا كالشهاب وضوئه يـــوافي تـــمام الشهر ثم يغيب فشبّه الانسان في أدواره بالقمر في أطواره: هلالاً، وبدراً، ومحاقاً، فسرعة الفناء هو وجه الشبه المنتزع من أحوال القمر. 2 ـ تشبيه غير التمثيل، وهو ما لم يكن منتزعاً من متعدّد، نحو: (زيد كالاسد) فوجه الشبه الشجاعة وهو لم ينتزع من متعدّد. 3 ـ التشبيه المفصل، وهو ما ذكر فيه وجه الشبه أو ملزومه، كقوله: يـــده كـــالسحب جـــوداً وإذا مــــا جـــاد أغـــرب وكقوله للكلام الفصيح: (هو كالعسل حلاوة) فإنّ وجه الشبه فيه هو لازم الحلاوة وهو ميل الطبع، لا الحلاوة الّتي هي ملزوم لوجه الشبه. 4 ـ التشبيه المجمل، وهو مالم يذكر فيه وجه الشبه ولا ما يستلزمه، كقوله: إنما الدنيا كبيت نسجته الــعنكبوت ولعمري عن قريب كلّ من فيها يموت وكقوله: (هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها) أي: متساوون في الشرف. 5 ـ التشبيه القريب المبتذل، وهو ما كان وجه الشبه فيه واضحاً لا يحتاج إلى فكر وتأمل، كتشبيه الجود بالمطر، إلا أن يتصرّف المتكلّم فيه بحيث يخرجه عن الابتذال، كقوله: لم تلق هذا الوجه شمس نهارنا إلا بــــوجه لـــيس فـــيه حــياء فإنّ تشبيه الوجه الحسن بالشمس مبتذل، إلا ان التصرّف فيه بإدخال الحياء أخرجه عن الابتزال. 6 ـ التشبيه البعيد الغريب، وهو ما كان وجه الشبه فيه يحتاج إلى فكر وتأمّل، كقوله: والشمس كالمــرآة في يكف الاشل تمشي على السماء من غير وجل فإن تموج النور حين طلوع الشمس وتشبيهه بالمرآة في اليد المرتعشة التي تتموّج انعكاساتها، يحتاج إلى فكر وتأمّل. أقسام تشبيه التمثيل ثم ان تشبيه التمثيل ينقسم إلى قسمين: الاول: ما كان ظاهر الاداة، كقوله تعالى: (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً)(1). الثاني: ما كان خفيّ الأداة، كقولك للمتحيّر: (أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى) إذ الاصل: أراك في تردّدك، كمن يقدّم رجلاً، ثم يؤخّرها مرّة اُخرى. وبما ذكرناه من أصل المعنى ارتفع الإشكال، بأن المتحيّر لايؤخّر رجلاً أخرى، وانما يؤخّر الرجل التي قدمّها، وظهرت الاداة المحذوفة وهي المكان الّتي اختفت في اللّفظ. موارد تشبيه التمثيل لتشبيه التمثيل موارد كالتالي: 1 ـ أن يأتي في مفتتح الكلام وصدر المقال، فيكون برهاناً مصاحباً فيفيد ايحاء المعنى إلى النفس مؤيّداً بالبرهان، وهذا في القرآن كثير، قال تعالى: (مثل الّذين يُنفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبّة أنبتتْ سبع سنابل في كلّ سنبلة مائة حبّة)(2). 2 ـ أن يأتي بعد تمام المعنى واستيفاء الكلام، فيكون برهاناً عقيب الدعوى فيفيد اثباتها وتأكيدها، وهذا يكون لأحد أمرين: أ ـ أنّه يكون دليلاً على امكان الدعوى كقوله: وما أنا منهم بالعيش فيهم ولـــكن مـعدن الذهب الرُّغامُ ادعى أنه مع اقامته فيهم ليس منهم، وهذا يبدو مستحيلاً عادةً، فاستدلّ له بهذا المثل وهو: أنّ الذهب مقامه في التراب وهو غيره ليدفع به ما ظهر مستحيلاً. ب ـ أنّه يكون تأييداً للمعنى الثابت في الدعوى، كقوله: ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها انّ السفينة لا تــجري علــى اليُبس أدوات التشبيه أدوات التشبيه ألفاظ تدل على المماثلة، وهي على أقسام: 1 ـ أن تكون حرفاً، كـ (الكاف) و(كانَّ). 2 ـ أن تكون اسماً، كـ (مثل) و(شبه). 3 ـ أن تكون فعلاً كـ (يحكي) و(يضاهى). وهي قد يلفظ بها، نحو: (زيد كالاسد). وقد لايلفظ بها، نحو: (أخلاقه ماء زلال...). والغالب في (الكاف) و(مثل) و(شبه) ونحوها، أن يليها المشبه به لفظاً نحو (زيد كالأسد) أو تقديراً نحو قوله تعالى: (أو كصيّب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق)(3) فإنه بتقدير: أو كمَثَل ذوي صيّب. كما أن الغالب في (كأنّ) و(شابه) و(ماثل) ونحوها، أن يليها المشبّه، نحو قوله: (كأنّ زيد أسد). التشبيه باعتبار أداته وينقسم (التشبيه) باعتبار أداته إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ التشبيه المرسل، وهو ما ذكرت فيه الاداة، وتسميته بالمرسل، لإرساله عن التأكيد، نحو: ألا إنما الدنيا كمنزل راكــــب أناخ عشيّاً وهو في الصبح يرحل 2 ـ التشبيه المؤكّد، وهو ما حذفت منه أداة التشبيه، كقوله: إنــما الدنيا أبو دلف بـين باديه ومحتضره فــــإذا ولّى أبو دلف ولّت الدنيا علـى أثره ويسمى (مؤكّداً) لإيهامه أن المشّبه عين المشبّه به. 3 ـ التشبيه البليغ، وهو ما حذف فيه أداة التشبيه ووجه الشبه، ويسمّى بليغاً، لبلوغه نهاية الحسن والقبول، لقوّة المبالغة في التشبيه، حتى يظن أن المشبه هو المشبه به، كقوله: فاقضوا مآربكم عجالاً انما أعماركم سفر من الاسفار فوائد التشبيه للتشبيه فوائد تعود في الأغلب إلى المشبّه وهي: 1 ـ بيان حال المشبّه وأنّه على أيّ وصف من الاوصاف، كقوله: اذا قامـت لحاجتها تثنت كأن عظامها من خَيزُران وهذا القسم يكثر في العلوم، لإفادة حال المشبّه وبيانه. 2 ـ بيان امكان حال المشبّه، إذا أسند اليه أمر مستغرب، لاتزول غرابته الاّ بالتشبيه واثبات أن مثله واقع، كقوله: انقلاب القوم بعد المصطفى مــثل هـــود قلّبوا بعد الكلم 3 ـ بيان مقدار حال المشبّه في القوّة والضعف، والزيادة والنقصان، كقوله: كأنّ مشيتها مـــن بيت جارتها مــرُّ السحائب لاريث ولا عجل 4 ـ تقرير حال المشبّه وتقوية شأنه لدى السامع حتّى يهتمّ به، كقوله: إن القـــلوب إذا تنافــر وُدُّهــا مــثل الــزجاجة كسرها لايّجبر 5 ـ بيان امكان وجود المشبّه، إذا بدى في نظر السامع مستحيلاً، كقوله: حـــنين الـجذع عند فراق طه كــما يــتكلّم الشجـــر الــــــكليم 6 ـ قصد مدح المشبّه بما يزيّنه ويعظمه لدى السامع، كقوله: كأنّك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لــم يبد منهنّ كــوكب 7 ـ قصد ذمّ المشبّه بما يقبّحه ويحقّره، كقوله: وإذا أشار مـــحدّثاً فـــكأنــّه قــــرد يقهقـــه أو عـجوز تلطـم 8 ـ بيان طرافة المسبّه بما هو طريف غير مألوف للذهن، كقوله: وكأنّ محمّر الشقيق إذا تصوّب أو تصعّد أعلام ياقوت نشرن على رماح زبرجد التشبيه باعتبار الغرض ينقسم (التشبيه) باعتبار الغرض المقصود منه، الى قسمين: 1 ـ مقبول، يفي بالغرض المقصود، كما في الامثلة السابقة. 2 ـ مردود، لا يفي ببه، وذلك فيما اذا كان المشبّه به أخفى من المشبّه في وجه الشبه، أو لم يكن بينهما شبه، كقوله (كان خورنقاً دار الكشاجم...). من تقسيمات التشبيه ثم إنه ينقسم (التشبيه) باعتبار تعارفه وعدم تعارفه إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ التشبيه الصريح، وهو ما تقدّم من التشبيه المتعارف، مما ليس بضمني ولا مقلوب. 2 ـ التشبيه الضمي، بأن لايجري فيه المشبّه والمشبه به على ما تعارف من صور التشبيه الصريح، وذلك، كقوله: من يهن يسهل الهوان عليه مــا لجـــرحٍ بميّت أيــلامُ فأنّ فيه اشارة الى التشبيه، بمعنى: أنه كما لا يتألّم الميت بالجرح، لا يتألّم من اعتاد الهوان بالهوان، فهو تشبيه على غير المتعارف. 3 ـ التشبيه المعكوس، ويسمّى بالتشبيه المقلوب وهو ما يجعل المشبّه مشبّهاً به، لادعّاء أن المشبه أتمّ وأظهر من المشبّه به، كقول البحتري في وصف البركة: كأنّها حين لجّت في تدفّقها يد الخليفة لما سال واديها ايهاماً الى أنّ يد الخليفة أقوى تدفّقاً بالعطاء من البركة بالماء. 1 ـ الجمعة: 5. 2 ـ البقرة: 261. 3 ـ البقرة: 19. ------- علم البيان : المجاز (المجاز) لغة: التجاوز والتعدّي. واصطلاحاً: انقل عن معناه الأصلي، واستعمل في معنى مناسب له، كاستعمال (الأسد) في (الرجل لشجاع) . والمجاز من الوسائل البيانية الذي يكثر في كلام الناس، البليغ منهم وغيرهم، وليس من الكذب في شيء كما توهّم. المجاز لغويّ وعقليّ ثمّ إنّ المجاز على قسمين: 1 ـ لغويّ، وهواستعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة ـ بمعنى مناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ـ يكون الإستعمال لقرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وهي قد تكون لفظيّة، وقد تكون حاليّة، وكلّما أطلق المجاز، انصرف إلى هذا المجاز وهو المجاز اللغوي. 2 ـ عقلي، وهو يجري في الإسناد، بمعنى أن يكون الإسناد إلى غير من هو له، نحو: (شفى الطبيب المريض) فإن الشفاء من الله تعالى، فإسناده إلى الطبيب مجاز، ويتمّ ذلك بوجود علاقة مع قرينة مانعة من جريان الإسناد إلى من هو له. أقسام المجاز العقلي المجاز العقلي على قسمين، وقدمناه لقلّة مباحثه: الأول: المجاز في الإسناد، وهو إسناد الفعل أو ما في معنى الفعل إلى غير من هو له، وهو على أقسام، أشهرها: 1 ـ الإسناد إلى الزمان، كقوله: (من سرّه زمن سائته أزمان) فإن إسناد المسرّة والاساءة إلى الزمان مجاز، إذ المسيء هو بعض الطواريء العارضة فيه، لا الزمان نفسه. 2 ـ الإسناد إلى المكان، نحو قوله تعالى: (وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم)(1) فإنّ إسناد الجري إلى الأنهار مجاز، باعتبار مائها. 3 ـ الإسناد إلى السبب، كقوله: (بنى الأمير المدينة) فإنّ الأمير سبب بناء المدينة لا إنّه بناها بنفسه. 4 ـ الإسناد إلى المصدر، كقوله: (سيذكرني قومي إذا جَدَّ جِدّهم) فإنّ الفعل (جَدَّ) أُسند إلى المصدر: (جِدّهم(مجازاً، لأنّ الفاعل الأصلي هو الجادّ. الثاني: المجاز في النسبة غير الإسنادية، وأشهرها النسبة الإضافيّة نحو: 1 ـ (جَرْيُ الأنهار) فإنّ نسبة الجري إلى النهر مجاز باعتبار الإضافة إلى المكان. 2 ـ (صومُ النهار) فإنّ نسبة الصوم إلى النهار مجاز باعتبار الإضافة إلى الزمان. 3 ـ (غُرابُ البَين) فإنّه مجاز باعتبار الإضافة إلى السبب. 4 ـ (اجتهاد الجِدّ) مجاز باعتبار الإضافة إلى المصدر. أقسام المجاز اللغوي ثم إنّ المجاز اللّغوي إن كانت العلاقة فيه هي المشابهة، سمي المجاز بـ (الإستعارة) وإلاّ سمّي بـ (المجاز المرسل) وكل واحد من (المرسل) و(الإستعارة) إما (مفرد) أو (مركب) فالأقسام أربعة: 1 ـ مجاز مفرد مرسل. 2 ـ مجاز مفرد بالإستعارة. 3 ـ مجاز مركّب مرسل. 4 ـ مجاز مركّب بالإستعارة. ويجري الأوّلان في الكلمة، والأخريان في الكلام. المجاز المفرد المرسل المجاز المفرد المرسل، هو اللفظ المستعمل ـ بقرينه ـ في خلاف معناه اللغوي لعلاقة غير المشابهة. والعلائق كثيرة، أنهاها بعضهم إلى نيف وثلاثين، نذكر منها ما يلي: 1 ـ السبية، بأن يستعمل السبب في المسبب، كقولك: (رعت الماشية الغيث) أي النبات، إذ الغيث سبب النبات، والقرينة (رعت) . 2 ـ المسببية، بأن يستعمل المسبب في السبب، نحو: (وينزل لكم من السماء رزقاً)(2) أي: مطراً، إذ المطر سبب الرزق، والقرينة: الانزال من السماء. 3 ـ الكلية، بأن يستعمل الكل في الجزء، قال تعالى: (يجعلون أصابعهم في آذانهم)(3) أي أناملهم، والقرينة: عدم إمكان إدخال الإصبع بتمامها في الأُذن. 4 ـ الجزئية، بأن يستعمل الجزء في الكل، قال تعالى: (فتحرير رقبة مؤمنة)(4) أي انسان مؤمن، والقرينة: التحرير. 5 ـ اللازمية، بأن يستعمل اللازم في الملزوم، نحو: (طلع الضوء) حيث يراد به الشمس. 6 ـ الملزومية، بأن يستعمل الملزوم في اللازم، نحو: (جلست في القمر) أي في ضوئه. 7 ـ الآلية، بأن يستعمل الآلة في المسبب منها، قال تعالى: (واجعل لي لسان صدق في الآخرين)(5) بمعنى الذكر الحسن، فإن اللسان آلة للذكر، والقرينة: ان اللسان لا يبقى، ولا ينفع الميت بمجرّده. 8 ـ المقيدية، بأن يستعمل المقيّد في المطلق، نحو: (مشفر زيد مجروح) فإن (المشفر) في اللغة: شفة البعير، فاستعمل في مطلق الشفة، ثم نقل إلى شفة الإنسان وهو زيد. 9 ـ المطلقية، بأن يستعمل المطلق في المقيّد، نحو: (تحرير رقبة)(6) أي رقبة مؤمنة. 10 ـ العمومية، بأن يستعمل العام في الخاص، قال تعالى: (الذين قال لهم الناس)(7) والمراد عبد الله بن مسعود 11 ـ الخصوصية، بأن يستعمل الخاص في العام، نحو: (جاءت قريش) فإن المراد القبيلة، مع أن قريش عَلَم لجدّهم. 12 ـ اعتبار ما كان، بأن يستعمل اللفظ الذي وضع للماضي في الحال، قال تعالى: (وآتوا اليتامى أموالهم)(8) فإنهم كانوا يتامى، وإذا بلغوا الرشد الذي يصح معه إعطاء أموالهم زال عنهم اليُتم. 13 ـ اعتبار ما يكون، بأن يستعمل اللفظ الذي وضع للمستقبل في الحال، قال تعالى: (إنّي أراني أعصر خمراً)(9) أي عصيراً يؤول أمره إلى الخمر، إذ هو حال العصر لا يكون خمراً، ويسمّى(المجاز بالأَول) . 14 ـ المجاز بالمشارفة، وهو كالمجاز بالأَول إلا أن الفرق بينهما كون (الأَوْل) أعم من القريب والبعيد، و(المشارفة) لخصوص القريب، قال صلى الله عليه وآله وسلم: (من قتل قتيلاً فله سلبه)(10) فإن القتيل لا يُقتل، وإنما المراد المشرف على القتل ومثله: (إذا مات الميّت)(11). 15 ـ الحاليّة، بأن يستعمل الحال في المحلّ، كقولهم: (أرى سواداً من بعيد)، فإن المراد الذات، والسواد حالّ. 16 ـ المحلّية، بأن يستعمل المحل ويراد الحالّ، قال تعالى: (وسئل القرية)(12) فإنّ المراد أهلها، إذ القرية لا تسئل. 17 ـ البدلية، بأن يستعمل البدل في المبدل منه، كقوله: تيمَّمنا بماء المزن حتى فــــقدنـاه فقمنا للتراب والمراد: توضّينا، فإنّ التيمّم بدل عن الوضوء، والوضوء مبدل منه، فاستعمل البدل في المبدل منه. 18 ـ المبدلية، بأن يستعمل المبدل منه في البدل، كقولهم: (أكل فلان الدم) يريدون الدية، فإن الدم مبدل منه. 19 ـ المجاورة، بأن يستعمل المجار في المجاور، كقولهم: (كلمت الجدار) أي الجالس بجنبه. 20 ـ اطلاق المصدر على اسم الفاعل، كقوله: ولما بدا سيرٌ ذهبـــت لنحوه لاستبرء الاخبار من أهل كوفان فالمراد بالسير: السائر. 21 ـ اطلاق المصدر على اسم المفعول، كقوله تعالى: (هذا خلق الله)(13) أي مخلوقه. 22 ـ اطلاق اسم الفاعل على المصدر، قال تعالى: (ليس لوقعتها كاذبة)(14) أي: تكذيب. 23 ـ اطلاق اسم الفاعل على اسم المفعول، قال تعالى: (لا عاصم اليوم من أمره الله)(15) أي لا معصوم. 24 ـ اطلاق اسم المفعول على اسم الفاعل، قال تعالى: (حجاباً مستوراً)(16) أي ساتراً. 25 ـ اطلاق اسم المفعول على المصدر، كقوله: (بمنصور النبي على الاعادي...) أي بمثل نصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على اعاديه. ولا يخفى ان في بعض الامثلة مناقشة، كما أن العلاقة لاتنحصر فيما ذكروا، بل كلما استحسنه الطبع جاز استعماله. من فوائد هذا المجاز ثم ان للمجاز المرسل على أنواعه، وكذلك العقلي على أقسامه، فوائد كثيرة: 1 ـ الإيجاز، فإنّ قوله: (بنى الامير المدينة) أوجز من ذكر البنائين والمهندسين ونحوهما، ونحوه غيره. 2 ـ سعة اللفظ، فإنه لو لم يجز إلا (جرى ماء النهر) كان لكلّ معنى تركيباً واحداً، وهكذا بقيّة التراكيب. 3 ـ ايراد المعنى في صورة دقيقة مقربة إلى الذهن، إلى غير ذلك من الفوائد البلاغية. المجاز المفرد بالإستعارة قد عرفت انّ العلاقة في المجاز إن كانت غير التشبيه، سمي المجاز: بـ (المرسل) وإن كانت التشبيه سمي بـ: (الإستعارة) . و (الإستعارة) في اللغة، بمعنى طلب الشيء عارية، يقال: (استعار الكتاب) أي طلبه عارية. وفي الإصطلاح: بمعنى استعمال اللفظ في غير ما وضع له، بعلاقة المشابهة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازي، مع قرينة صارفة عن إرادة المعنى الاصلي، فإنك لو قلت: (رأيت أسداً يرمي) فقد استعملت (الاسد) بقرينة (يرمي) في (الرجل الشجاع) للمشابهة الواقعة بينهما في (الشجاعة) . ولابدّ في (الاستعارة) من عدم ذكر وجه الشبه، ولا أداة التشبيه، بل اللازم ادعاء أن المشبه عين المشبّه به. والحاصل: أن كل مجاز يبنى على التشبيه بدون الاداة ووجه الشبه يسمّى: (استعارة) . أركان الإستعارة للإستعارة أركان ثلاثة: 1 ـ المستعار منه، وهو المشبّه به. 2 ـ المستعار له، وهو المشبه، ويقال لهذين: (طرفا الإستعارة) . 3 ـ المستعار، وهو اللفظ المنقول. ففي (رأيت أسداً يرمي) المستعار منه: الحيوان المفترس، والمستعار له: زيد، والمستعار: لفظ أسد. أقسام الإستعارة ثم إنّ )الإستعارة( تنقسم باعتبار ما يذكر من طرفي الإستعارة إلى ما يلي: 1 ـ أن يذكر في الكلام لفظ المشبه به فقط، ويسمّى: (استعارة تصريحية)، نحو: (فأمطرت لؤلؤاً من نرجس... ) فاللؤلؤ: الدمع، والنرجس: العين. 2 ـ أن يذكر في الكلام لفظ المشبه فقط، ويؤتى ببعض لوازم المشبه به. ويسمّى: (استعارة بالكناية) وسمي اللازم (استعارة تخييلية) كقوله: (وإذا المنية انشبت أظفارها) فإنه شبّه المنية بالسبع، وأثبت لها بعض لوازم السبع وهو الظفر، فالمنية: استعارة بالكناية، والأظفار: استعارة تخييلية. ومنه يظهر: تلازم الإستعارة بالكناية مع الإستعارة التخييلية. الاستعارة باعتبار المستعار له تنقسم (الاستعارة) باعتبار (المستعار له) الى قسمين: 1 ـ الاستعارة التحقيقيّة: وهو ما كان المستعار له محققاً حسّاً: كالأسد المستعار للشجاع، أو عقلاً: كالصراط المستقيم المستعار للدين. 2 ـ الإستعارة التخييلية: وهو ما كان المستعار له موهوباً، غير محقق، لا عقلاً ولا حسّاً، كالاظفار المستعارة للمنية. الإستعارة باعتبار اللفّظ المستعار تنقسم (الإستعارة) باعتبار اللفظ المستعار إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ ما كان لفظ المستعار إسماً لذات: كالبدر للجميل، أو اسماً لمعنى: كالقتل للضرب الشديد، وتسمى الإستعارة (أصلية). 2 ـ ما كان لفظ المستعار فعلاً، أو اسم فعل، أو اسماً مشتقّاً، أو اسماً مبهماً، أو حرفاً، وتسمى الاستعارة: (تصريحية تبعية). 3 ـ ما كان لفظ المستعار اسماً مشتقّاً، أو اسماً مبهماً (17)، وتسمى هذه الاستعارة: (تبعية مكنية) وهذا داخل في القسم الثاني. الإستعارة العنادية والوفاقية ثم أن الاستعارة المصرحة تنقسم باعتبار الطرفين إلى قسمين: 1 ـ العنادية، وهي التي لا يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد، لتعاندهما، كاجتماع الهدى والضلال، والنور والظلام. 2 ـ الوفاقية، وهي التي يمكن اجتماع طرفيها في شيء واحد، لتوافقهما، كاجتماع النور والتقى، والحياة والهداية. ومثال الاثنين: العنادية والوفاقية، قوله تعالى: (أو من كان مّيْتاً فأحييناه) (18) أي: ضالاً فهديناه، فإنّ في هذه الآية استعارتين هما: أ - استعارة الموت للضلال لاشتراكهما في عدم الانتفاع، وهي عنادية لعدم امكان اجتماع الموت مع الضلال الذي لا يكون إلا في الحي لأنّ الضالّ حيّ. ب - استعارة الإحياء للهداية لاشتراكهما في ثبوت الانتفاع، وهي وفاقيّة لإمكان اجتماع الإحياء والهداية. أقسام الاستعارة العنادية ثمّ انّ الاستعارة العنادية على قسمين: 1 ـ التمليحية: بأن يستعمل اللّفظ الموضوع لمعنى شريف في ضدّه أو نقيضه، كقوله: (رأيت أسداً) وهو يريد: جباناً. 2 ـ التهكمية: بأن ينزّل التضاد منزلة التناسب، نحو قوله تعالى: (فبشِّرهم بعذاب أليم)(19) أي: أنذرهم، فاستعيرت البشارة للإنذار الّذي هو ضدّه على سبيل التهكم والإستهزاء. الإستعارة باعتبار الجامع وتنقسم الإستعارة المصرحة باعتبار الجامع إلى قسمين: 1 ـ عامية، وهي المعلومة لدى كل أحد، نحو: (رأيت أسداً يرمي) والجامع بين الطرفين واضح وهي الشجاعة. 2 ـ خاصية، وهي التي تحتاج الى فكر وتأمّل، نحو: غّمرُ الرداء إذا تبسّم ضاحكا غَلقـت لضحكته رقــابُ المال والجامع بين الطرفين غير واضح يعرف بالتأمّل فيه وهي ساتريّة الكرم كالرداء عرض صاحبه. الإستعارة باعتبار الملائمات وتنقسم الإستعارة باعتبار ذكر ملائم المستعار منه أو ملائم المستعار له، وعدم ذكرها، إلى ثلاثة أقسام: 1 ـ المطلقة، وهي مالم تقترن بما يلائم أحدهما، أو اقترنت بما يلائمهما معاً. فالأول، نحو قوله تعالى: (ينقضون عهد الله)(20) . والثاني، نحو: لدى أسد شاكي السلاح مقذّف لــه لــبدٌ أظفــاره لـــم تقلـــَّم فشاكي السلاح للرجل، وله لبد ـ الخ ـ للأسد. 2 ـ المرشَّحة، وهي ما قرنت بملائم المستعار منه، نحو: (أسد له لبد أتاك..). 3 ـ المجرّدة، وهي ما قرنت بملائم المستعار له، نحو: (أسد شاكي السلاح..). المجاز المركّب المرسل تقدم أن المجاز إما مرسل وإما استعارة، وكل واحد منهما إما مفرد أو مركّب، وسبق الكلام حول المفرد منهما، وبقي المركّب منهما. فالمجاز المرسل المركب: هو الكلام المستعمل في غير المعنى الموضوع له، لعلاقة غير المشابهة، ويقع في المركبات الخبرية والإنشائية، لأغراض أهمها: 1 ـ التحسّر، كقوله: (ذهب الصِّبا وتولّت الأيّامُ..) فإنه خبر أريد منه انشاء التحسّر على ما فات من شبابه. 2 ـ اظهار الضعف، قال تعالى: (ربّ إنّي وهن العظمُ منّي... ) (21) اظهاراً للضعف. 3 ـ اظهار السرور، قال تعالى: (يا بُشرى هذا غلام)(22) . 4 ـ الدعاء، كقوله: (هداك الله للسبيل السويّ) . 5 ـ اظهار عدم الإعتماد، قال تعالى: (هل آمنكم عليه إلاّ كما امنتكم على أخيه)(23) . المجاز المركب بالإستعارة والمجاز المركّب بالإستعارة التمثيلية: هو الكلام المستعمل في غير معناه الموضوع له، لعلاقة المشابهة، كقولهم للمتردّد: (أراك تقدّم رجلاً وتؤخّر أخرى) تشبيهاً بالمتردّد في السير، وقولهم لمن يريد أن يعمل ما لا يقدر عليه وحد: (اليد لا تصفّق وحدها) تشبيهاً له باليد الواحدة. هذا في النثر، وفي الشعر أيضاً ورد ذلك نحو قوله: إذا جاء موسى وألقى العصى فــقد بطل السحـر والساحــر ونحو قوله: متـى يبلغ البنيان يوماً تمامـه إذا كـنت تبنيه وغيـرك هادم وإذا كثر استعمال الإستعارة التمثيليّة وشاع كان مثلاً، فلا يغيَّر مطلقاً، وإنما يخاطب به المفرد والمذكّر وفروعهما بلفظ واحد، دون أيّ تغيير. 1 ـ الانعام: 6. 2 ـ غافر: 13. 3 ـ البقرة: 19. 4 ـ النساء: 92. 5 ـ الشعراء: 84. 6 ـ المائدة: 89. 7 ـ آل عمران: 173. 8 ـ النساء: 2. 9 ـ يوسف: 36. 10 ـ بحار الانوار 1 / 159 ب 4 ح 34. 11 ـ مستدرك الوسائل: 2 / 141 ب 26 ح 1641. 12 ـ يوسف: 12. 13 ـ لقمان: 11. 14 ـ الواقعة: 2. 15 ـ هود: 43. 16 ـ الإسراء: 45. 17 ـ من غير أنواع التبعيّة المتقدمة. 18 ـ الأنعام: 122. 19 ـ آل عمران: 21. التوبة: 34. الانشقاق: 24. 20 ـ الرعد: 25. 21 ـ مريم: 4. 22 ـ يوسف: 19. 23 ـ يوسف: 64. --------- |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق