د ماهر الفحل
لما كَانَ الاتصال شرطاً للصحة فالانقطاع ينافي الصِّحَّة ،
إذن الانقطاع أمارة من أمارات الضعف ؛ لأن الضَّعِيف مَا فَقَدْ شرطاً من شروط
الصِّحَّة ۱
والانقطاع قَدْ يَكُون
في أول السَّنَد ، وَقَدْ يَكُون في آخره، وَقَدْ يَكُون في وسطه، وَقَدْ يَكُون
الانقطاع براوٍ واحد أو أكثر . وكل ذَلِكَ من نَوْع الانقطاع ، والذي يعنينا
الكلام عَلَيْهِ هنا هُوَ الكلام عن الانقطاع في آخر الإسناد ، وَهُوَ مَا
يُسَمَّى بالمرسل عِنْدَ المتأخرين ، وَهُوَ مَا أضافه التَّابِعيّ إلى النَّبيّ صلي الله عليه وسلم ([۲]) .
لِذلِكَ فإن
الحَدِيْث إذ روي مرسلاً مرة ، وروي مرة أخرى موصولاً ، فهذا يعد من الأمور
الَّتِي تعلُّ بِهَا بَعْض الأحاديث ، ومن العلماء من لا يعدُّ ذَلِكَ علة ،
وتفصيل الأقوال في ذَلِكَ عَلَى النحو الآتي :
القَوْل الأول : ترجيح الرِّوَايَة الموصولة عَلَى
الرِّوَايَة المرسلة ؛ لأَنَّهُ من قبيل زيادة الثِّقَة ([۳]).
القَوْل الثَّانِي
: ترجيح الرِّوَايَة المرسلة ([٤])
.
القَوْل الثَّالِث
: الترجيح للأحفظ ([٥])
.
القَوْل الرابع : الاعتبار لأكثر
الرواة عدداً ([٦])
.
هَذَا
ما وجدته من أقوال لأهل العِلْم في هذِهِ المسألة ، وَهِيَ أقوال متباينةٌ مختلفة
، وَقَدْ أمعنت النظر في صنيع المتقدمين أصحاب القرون الأولى ، وأجلت النظر كثيراً
في أحكامهم عَلَى الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها ، فوجدت بوناً شاسعاً
بَيْنَ قَوْل المتأخرين وصنيع المتقدمين ، إذ إن المتقدمين لا يحكمون عَلَى
الحَدِيْث أول وهلة ، وَلَمْ يجعلوا ذَلِكَ تَحْتَ قاعدة كلية تطرد عَلَيْهَا
جَمِيْع الاختلافات ، وَقَدْ ظهر لي من خلال دراسة مجموعة من الأحاديث الَّتِي
اختلف في وصلها وإرسالها: أن الترجيح لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية ، لَكِنْ يختلف
الحال حسب المرجحات والقرائن ، فتارة ترجح الرِّوَايَة المرسلة وتارة ترجح
الرِّوَايَة الموصولة . وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية
وأكثر التصحيح و التعليل ، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرِّجَال
وعرف دقائق هَذَا الفن وخفاياه حَتَّى صار الحَدِيْث أمراً ملازماً لَهُ مختلطاً
بدمه ولحمه .
ومن المرجحات: مزيد الحفظ ، وكثرة
العدد ، وطول الملازمة للشيخ . وَقَدْ يختلف جهابذة الحديث في الحكم عَلَى حَدِيث
من الأحاديث ، فمنهم : من يرجح الرِّوَايَة المرسلة، ومنهم : من يرجح الرِّوَايَة
الموصولة ، ومنهم : من يتوقف .
وسأسوق نماذج
لِذلِكَ مَعَ بيان أثر ذَلِكَ في اختلاف الفُقَهَاء .
مثال ذَلِكَ :
رِوَايَة مَالِك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ([٨])
، عن عطاء بن يسار([٩])
؛ أن رَسُوْل الله r قَالَ : (( إذا شك أحدكم في صلاته فَلَمْ يدرِ كم صلى أثلاثاً أم
أربعاً؟ فليصل رَكْعَة ، وليسجد سجدتين وَهُوَ جالس قَبْلَ التسليم ، فإن كَانَت
الرَّكْعَة الَّتِي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين ، وإن كَانَتْ رابعة
فالسجدتان ترغيم
للشيطان )) .
للشيطان )) .
هَذَا الحَدِيْث رَواهُ هكذا عن
مَالِك جَمَاعَة الرواة مِنْهُمْ :
1. سويد بن سعيد([۱٠])
.
2. عبد الرزاق بن همام([۱۱])
.
3. عبد الله بن مسلمة القعنبي([۱۲]).
4. عَبْد الله بن وهب([۱٣]).
5. عُثْمَان بن عُمَر([۱٤])
.
6. مُحَمَّد بن الحَسَن الشيباني([۱٥])
.
7. أبو مصعب الزُّهْرِيّ([۱٦]).
8. يَحْيَى بن يَحْيَى الليثي([۱٧])
.
فَهؤلاء ثمانيتهم رووه عن مَالِك،
عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، بِهِ مرسلاً.
والحديث رَواهُ الوليد بن مُسْلِم([۱٨])،
و يَحْيَى بن راشد([۱٩])
المازني([۲۰])
عن مَالِك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، بِهِ - متصلاً - .
هكذا اختلف عَلَى الإمام مَالِك بن أنس في وصل هَذَا الحَدِيْث وإرساله ، والراجح
فِيهِ الوَصْل ، وإن كَانَ رواة الإرسال أكثر وَهُوَ الصَّحِيح من رِوَايَة مَالِك([۲۱])
، لما يأتي :
وَهُوَ أن الإِمَام مالكاً توبع
عَلَى وصل هَذَا الحَدِيْث :
فَقَدْ رَواهُ فليح بن سليمان([۲۲])،
وعبد العزيز بن عَبْد الله([۲۳])
بن أبي سلمة([۲٤])،
وسليمان بن بلال([۲٥])، و مُحَمَّد([۲٦]) بن مطرف([۲٧])، و مُحَمَّد بن عجلان([۲٨]) خمستهم([۲٩]) رووه عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، بِهِ متصلاً . وَقَدْ خالفهم جميعاً يعقوب بن عَبْد الرحمان([۳۰]) القَارّي ([۳۱])؛ فرواه عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، مرسلاً . لَكِنْ روايته لَمْ تقاوم أمام رِوَايَة الجَمْع ([۳۲]).
وسليمان بن بلال([۲٥])، و مُحَمَّد([۲٦]) بن مطرف([۲٧])، و مُحَمَّد بن عجلان([۲٨]) خمستهم([۲٩]) رووه عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، بِهِ متصلاً . وَقَدْ خالفهم جميعاً يعقوب بن عَبْد الرحمان([۳۰]) القَارّي ([۳۱])؛ فرواه عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، مرسلاً . لَكِنْ روايته لَمْ تقاوم أمام رِوَايَة الجَمْع ([۳۲]).
إذن فالراجح في رِوَايَة هَذَا
الحَدِيْث الوَصْل لكثرة العدد وشدة الحفظ . قَالَ الحافظ ابن عَبْد البر:(( و الحَدِيْث مُتَّصِل مُسْنَد صَحِيْح، لا يضره تقصير من قصر
بِهِ في اتصاله؛ لأن الَّذِيْنَ وصلوه حُفَّاظ مقبولةٌ زيادتهم([۳۳])
)) .
وَقَالَ في مَوْضِع آخر : (( قَالَ الأثرم: سألت أحمد بن حَنْبَل عن حَدِيث أبي سعيد في
السهو ، أتذهب إليه ؟ قَالَ: نعم ، أذهب إِليهِ ، قلتُ: إنهم يختلفون في إسناده ،
قَالَ: إِنَّمَا قصر بِهِ مَالِك ، وَقَدْ أسنده عدة ، مِنْهُمْ: ابن عجلان ، وعبد
العزيز بن أبي سلمة([٣٤]))).
ثُمَّ إن هَذَا الحَدِيْث قَدْ
تناوله الإمام العراقي الجهبذ أَبُو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ في علله([۳٥]) وانتهى إلى ترجيح
الرِّوَايَة المسندة .
الدكتور
ماهر ياسين الفحل
العراق
/الأنبار/الرمادي/ص .ب 735
al-rahman@uruklink.net
([1])
انظر : مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث : 37 ، و112طبعتنا ، وإرشاد طلاب الحقائق
1/153 ، والتقريب والتيسير: 49و 93 طبعتنا ، و المنهل الروي : 38 ، و المقنع 1/103
، وشرح التبصرة و التذكرة 1/112 ، و 1/176 طبعتنا ، وفتح الباقي 1/111-112 ، و
1/205 طبعتنا .
([2])
انظر في المُرْسَل :
مَعْرِفَة علوم
الحَدِيْث 25 ، والكفاية (58ت،21 ه) ، والتمهيد 1/19 ، وجامع الأصول 1/115 ،
ومعرفة أنواع علم الحَدِيْث 47،و126طبعتنا و إرشاد طلاب الحقائق 1/167 ، و المجموع
1/60 ، والاقتراح 192 ، والتقريب:54،و99 طبعتنا ، والمنهل الروي 42 ، والخلاصة 65
، والموقظة 38 ، وجامع التحصيل 23 ، واختصار علوم الحَدِيْث 47 ، والبحر المحيط
4/403 ، والمقنع 1/129 ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/144،و1/202طبعتنا ، ونزهة النظر
109 ، و المختصر 128 ، وفتح المغيث 1/128 ، وألفية السيوطي 25، وشرح السيوطي عَلَى
ألفية العراقي 159 ، وفتح الباقي 1/144،
و1/194طبعتنا ، وتوضيح الأفكار 1/283 ، وظفر الأماني 343 ، وقواعد التحديث 133 .
و1/194طبعتنا ، وتوضيح الأفكار 1/283 ، وظفر الأماني 343 ، وقواعد التحديث 133 .
ومما ينبغي التنبيه علية أن للعُلَمَاء في تعريف المُرْسَل وبيان
صوره مناقشات ، انظرها في نكت
الزَّرْكَشِيّ 1/439 ومحاسن الاصطلاح 130، والتقييد و الإيضاح 70 ، وشرح التبصرة
والتذكرة 1/144 ،و 1/203طبعتنا ، ونكت ابن حجر 2/540 ، والبحر الَّذِي زخر ل 113 ، وانظر تعليقنا عَلَى مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث : 128 .
الزَّرْكَشِيّ 1/439 ومحاسن الاصطلاح 130، والتقييد و الإيضاح 70 ، وشرح التبصرة
والتذكرة 1/144 ،و 1/203طبعتنا ، ونكت ابن حجر 2/540 ، والبحر الَّذِي زخر ل 113 ، وانظر تعليقنا عَلَى مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث : 128 .
([3])
وهذا هُوَ الَّذِي صححه الخطيب في الكفاية (581ت،411ه) وَقَالَ ابن الصَّلاح في
مَعْرِفَة أنواع علم
الحَدِيْث :65 ، 155 طبعتنا :((فما صححه هُوَ الصَّحِيح في الفقه وأصوله)) .وانظر: المدخل : 40 ،= =وقواطع الأدلة 1/368-369 ، والمحصول 2/229 ، وجامع الأصول 1/170 وكشف الأسرار للبخاري 3/2، وجمع الجوامع 2/126 . وَقَدْ نسب الإمام النَّوَوِيّ هَذَا القَوْل للمحققين من أهل الحَدِيْث، شرح صَحِيْح مسلم 1/145 ثُمَّ إن هَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي صححه العراقي في شرح التبصرة 1/174 ، 1/227 طبعتنا .
الحَدِيْث :65 ، 155 طبعتنا :((فما صححه هُوَ الصَّحِيح في الفقه وأصوله)) .وانظر: المدخل : 40 ،= =وقواطع الأدلة 1/368-369 ، والمحصول 2/229 ، وجامع الأصول 1/170 وكشف الأسرار للبخاري 3/2، وجمع الجوامع 2/126 . وَقَدْ نسب الإمام النَّوَوِيّ هَذَا القَوْل للمحققين من أهل الحَدِيْث، شرح صَحِيْح مسلم 1/145 ثُمَّ إن هَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي صححه العراقي في شرح التبصرة 1/174 ، 1/227 طبعتنا .
([4])
هَذَا القَوْل عزاه الخطيب للأكثر من أهل الحَدِيْث ( الكفاية : 580ت ، 411 ه ) .
([5])
هُوَ ظاهر كلام الإمام أحمد كَمَا ذكر ذَلِكَ ابن رجب الحنبلي في شرحه لعلل
التِّرْمِذِي 2/631 .
([6])
عزاه الحَاكِم في المدخل : 40 لأئمة الحَدِيْث ، وانظر: مقدمة جامع الأصول 1/170 ،
والنكت الوفية 136/أ .
([7])
هَذَا القَوْل ذكره السُّبْكِيّ في جمع الجوامع 2/124 وَلَمْ ينسبه لأحد .
([8])
هُوَ أبو عَبْد الله، وأبو أسامة زيد بن أسلم العدوي مولى عمر : ثقة وَكَانَ يرسل
، توفي سنة (136 ه).
تهذيب الكمال 3/64 ( 2072 ) ، وسير أعلام
النبلاء 5/316 ، والتقريب ( 2117 ) .
([9])
أبو مُحَمَّد عطاء بن يسار الهلالي المدني ، مولى ميمونة : ثقة ، توفي سنة ( 103 ه
) .
الثقات 5/199 ، وتهذيب الكمال 5/179 ( 4535
) ، وتاريخ الإسلام : 171 وفيات ( 103 ه ) .
([10])
في موطئه ( 151) .
([11])
كَمَا في مصنفه (3466) .
([12])
عِنْدَ أبي دَاوُد (1026) ، ومن طريقه البَيْهَقِيّ 2/338 .
([13])
عند الطحاوي في شرح المعاني 1/433 ، والبيهقي في السُّنَن الكبرى 2/331.
([14])
عِنْدَ الطحاوي في شرح المعاني 1/433 .
([15])
موطئه (138) .
([16])
في موطئه (475 ) ، ومن طريقه أخرجه البَغَوِيّ في شرح السُّنَّة ( 754 )
([17])
في موطئه ( 252 )
([18])
عِنْدَ ابن حبان (2659)وط الرسالة (2663)،والبيهقي2/338-339،وابن عَبْد البر في
التمهيد5/19.
([19])
أبو سعيد البصري يَحْيَى بن راشد المازني : ضعيف .
الثقات 7/601 ، وتهذيب الكمال 8/32 ( 7418
) ، والتقريب ( 7545 ) .
([20])
عِنْدَ ابن عَبْد البر في التمهيد 5/20 .
([21])
انظر : التمهيد 5/21 .
([22])
عِنْدَ أحمد 3/72 ، والدارقطني 1/375 .
([23])
هُوَ أبو عَبْد الله ، ويقال : أبو الأصبغ عَبْد العزيز بن عَبْد الله بن أبي سلمة
الماجشون المدني الفقيه ، توفي سنة ( 166 ه ) .
الجرح
والتعديل 5/386 ، وتهذيب الكمال 4/520 و 521 ( 4043 ) ، وسير أعلام النبلاء 7/309
.
([24])
عِنْدَ أحمد 3/84 ، والدارمي (1503)، وَالنَّسَائِيّ 3/27، وَفِي الكبرى (1162)
،وابن الجارود (241)، وابن خزيمة (1024) ، وأبي عوانة 2/210 ، والطحاوي في شرح
المعاني 1/433 ، والدارقطني 1/371 ، والبيهقي 2/331.
([25]) عِنْدَ أحمد 3/83 ، وَمُسْلِم 2/84 (571) (88)
، وأبي عوانة 2/192-193 ، وابن حبان (2665) وط الرسالة (2669) ، والبيهقي 2/331 .
([26])
الإِمَام الحَافِظ مُحَمَّد بن مطرف بن داود أبو غسان المدني ، ولد قَبْلَ المئة ،
وتوفي بَعْدَ ( 160 ه ) .
تهذيب
الكمال 6/519 ( 6205 ) ، وسير أعلام النبلاء 7/296 ، وتذكرة الحفاظ 1/242 .
([27])
عِنْدَ أحمد 3/87 .
([28])
عِنْدَ ابن ماجه (1210) ، وَالنَّسَائِيّ 3/27 ، وَفِي الكبرى ( 1162) ، والطحاوي
في شرح المعاني 1/433 ، وابن حبان (2663) وَفِي ط الرسالة (2667) .
([29])وَقَدْ
ذكر ابْن عَبْد البر في التمهيد 5/18-19غيرهم هشام بن سعد وداود بن قيس،وَلَمْ أقف
عَلَى رواياتهم
([30])
هُوَ يعقوب بن عَبْد الرحمان بن مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عَبْد القاري المدني ،
توفي سنة ( 181 ه ) .
الثقات
7/644 ، والأنساب 4/407 ، وتهذيب الكمال 8/174 ( 7690 ) .
([31])
عِنْدَ أبي دَاوُد ( 1027) .
([32])
عَلَى أن ابن عَبْد البر ذكر في التمهيد 5/18-19 آخرين رووه مرسلاً ، لَمْ أقف
عَلَى رواياتهم .
([33])
التمهيد 5/19 .
([34])
التمهيد 5/25 .
([35])
11/260-263 س ( 2274 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق