أسـباب
القـلب د ماهر الفحل
مِمَّا لا شك فِيْهِ أن قابليات الرُّوَاة
تتفاوت ما بَيْنَ إتقان وضبط وتعاهد للمحفوظ ، ثُمَّ إنهم مختلفون في ما ركزه الله
فِيْهِمْ من العدالة أو ضدها ، وعليه فَقَد اختلفت دوافع القلب في المرويات تبعاً
لهذا التفاوت ، ويمكن أن نجعل جملة الأسباب الَّتِيْ تؤدي بوقوع القلب في حَدِيْث
الرُّوَاة ثلاثة ، هِيَ ([1]) :
1. رغبة
الرَّاوِي في إيقاع الغرابة في حديثه ليُرَغِّبَ الناس
حَتَّى يظنوا أنه يروي ما ليس عِنْدَ غيره
فيقبلوا عَلَى التحمل مِنْهُ . عَلَى نحو ما وقع في حَدِيْث حماد بن عمرو النصيبي
الَّذِيْ سقناه قَبْلَ قليل ([2])
.
ولهذا السبب كره أهل الْحَدِيْث تتبع الغرائب
، قَالَ الإمام أحمد : (( لا تكتبوا هَذِهِ الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها
عن الضعفاء )) ([3]) .
2.
الإمعان في التثبت من حال المحدِّث أحافظ هُوَ أم غَيْر حافظ ؟ وهل يفطن لما وقع
في الْحَدِيْث من القلب أم لا ؟
فإن تبين لَهُ أنه حافظ متيقظ يطمئن القلب في
الْحَدِيْث عَنْهُ ، أقبل عَلَى التحمل عَنْهُ ، وإن تبين لَهُ خلاف ذَلِكَ ، بأن
كانت فِيْهِ غفلة أو بلادة ذهن أعرض
عَنْهُ وتركه .
كَمَا وقع للبخاري والعقيلي والفضل بن دكين
ومحمد بن عجلان والمزي وغيرهم – مِمَّا أسلفنا ذكرهم – ([4]).
3. خطأ
الرَّاوِي وغلطه
بأن يقع القلب في حديثه من باب السهو لا
العمد ، وهذا النوع راويه معذور فِيْهِ ؛ لأنه لَمْ يقصد إيقاعه ، إلا أنه إذا كثر
في حديثه استحق الترك ([5]).
مثاله : الْحَدِيْث الَّذِيْ رَوَاهُ جرير بن
حازم ، عن ثابت البناني ، عن أنس قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله صلي الله عليه وسلم : (( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حَتَّى
تروني )) ([6]).
فهذا الْحَدِيْث انقلب إسناده عَلَى جرير،
وإنما هُوَ مشهور ليحيى بن أبي كثير ، عن عَبْد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، عن
النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم ، هكذا رَوَاهُ الجمع ، عن يحيى بن أبي كثير مِنْهُمْ :
1.
أبان :
عِنْدَ أبي داود ([7]) .
2.
حجاج بن
أَبِي عثمان الصواف([8]) :
عِنْدَ مُسْلِم ([9]) ،
وابن خزيمة ([10])،
وأبي عوانة ([11])،
وابن حبان ([12])
، وأبي نعيم في " المستخرج " ([13])
.
8.
همام :
عِنْدَ الدارمي ([36])
.
قَالَ الترمذي: (( سألت محمداً عن هَذَا
الْحَدِيْث فَقَالَ : هُوَ حَدِيْث خطأ ، أخطأ فِيْهِ جرير بن حازم . ذكروا أن
الحجاج الصوّاف كَانَ عِنْدَ ثابت البناني ، وجرير بن حازم في المجلس ، فحدّث
الحجاج ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عَبْد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، عن
النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم قَالَ : (( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا
حَتَّى تروني )) ، فوهم فِيْهِ جرير بن
حازم فظن أن ثابتاً حدّثه عن أنس بهذا )) ([37])
.
([8]) هُوَ حجاج بن أبي عثمان ، واسم أبي
عثمان : ميسرة ، وَقِيْلَ : سالم ، الصواف ، أبو الصلت الكندي مولاهم ، البصري :
ثقة حافظ ، توفي سنة ( 143 ه ) .
تهذيب الكمال 2/62 ( 1108 ) ، والكاشف
1/313 ( 938 ) ، والتقريب ( 1131 ) .
([14]) هُوَ شيبان بن عَبْد الرَّحْمَان
التميمي ، مولاهم النحوي ، أَبُو معاوية البصري ، نزيل الكوفة : ثقة ، صاحب كتاب،
يقال: إنَّهُ منسوب إِلَى (( نحوة )) بطن من الأزد، لا إِلَى علم النحو، توفي سنة
(164 ه).
تهذيب
الكمال 3/412-413 (2770) ، والكاشف 1/491 ( 2316 ) ، والتقريب (2833) .
([19]) هُوَ عَلِيّ بن المبارك الهنائي – بضم
الهاء وتخفيف النون – البصري : ثقة ، كَانَ لَهُ عن يَحْيَى بن أبي كَثِيْر كتابان
، أحدهما سَمَاع والآخر إرسال .
تهذيب
الكمال 5/295-296 ( 4713 ) ، والكاشف 2/45 ( 3957 ) ، والتقريب ( 4787 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق