قال ابن هشام : حدثنا عبدالوارث بن
سعيد التنوري ، قال : حدثنا أيوب عن نافع ، عن ابن عمر ؛ قال : يقوم الإمام
وتقوم معه طائفة ، وطائفة مما يلي عدوهم فيركع بهم الإمام ويسجد بهم ، ثم
يتأخرون فيكونون مما يلي العدو ، ويتقدم الآخرون فيركع بهم الإمام ركعة ، ويسجد
بهم ، ثم تصلي كل طائفة بأنفسهم ركعة ، فكانت لهم مع الإمام ركعة ركعة ، وصلوا
بأنفسهم ركعة ركعة . (4/ 159)
*3*غورث يهمُّ بقتل الرسول صلى الله عليه
وسلم وما نزل فيه من قرآن
@ قال ابن إسحاق : وحدثني عمرو بن
عبدي ، بن الحسن ، عن جابر بن عبدالله ، أن رجلا من بني محارب ، يقال له : غورث
، قال لقومه من غطفان ومحارب : ألا أقتل لكم محمدا ؟ قالوا : بلى ، وكيف تقتله ؟
قال : أفتك به . قال : فأقبل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس ، وسيف
رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره ، فقال : يا محمد أنظر إلى سيفك هذا ؟ قال
: نعم ، - وكان محلى بفضة ، فيما قال ابن هشام - قال : فأخذه فاستله ، ثم جعل
يهزه ، ويهم فيكبته الله ؛ ثم قال : يا محمد ، أما تخافني ؟ قال : لا ، وما أخاف
منك ! قال : أما تخافني وفي يدي السيف ؟ قال : لا ، يمنعني الله منك . ثم عمد
إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرده عليه . قال : فأنزل الله " يا
أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم ، إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم ،
فكف أيديهم عنكم ، واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .
قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن
رومان : أنها إنما أنزلت في عمرو بن جحاش ، أخي بني النضير وما هم به ، فالله
اعلم أي ذلك كان .
*3*قصة جابر وجمله في هذه الغزوة
@ قال ابن إسحاق : وحدثني وهب بن
كيسان عن جابر بن عبدالله ، قال : خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
غزوة ذات (4/ 160) الرقاع من نخل ، على جمل لي ضعيف ؛ فلما قفل رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، قال : جعلت الرفاق تمضي ، وجعلت أتخلف حتى أدركني رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما لك يا جابر ؟ قال : قلت : يا رسول الله ، أبطأ
بي جملي هذا ؛ قال : أنخه ؛ قال : فأنخته وأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛
ثم قال : أعطني هذه العصا من يدك ، أو اقطع لي عصا من شجرة ، قال : ففعلت . قال
: فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخسه بها نخسات ، ثم قال : اركب ، فركبت
، فخرج ، والذي بعثه بالحق ، يواهق ناقته مواهقة .
قال : وتحدثت مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فقال لي : أتبيعني جملك هذا يا جابر ؟ قال : قلت : يا رسول الله ،
بل أهبه لك ؛ قال : لا ، ولكن بعْنِيه ، قال : قلت : فسمنيه يا رسول الله ؛ قال
: قد أخذته بدرهم ، قال : قلت : لا ، إذن تغبنني يا رسول الله ! (4/ 161) قال :
فبدرهمين ؛ قال : قلت : لا . قال : فلم يزل يرفع لي رسول الله صلى الله عليه
وسلم في ثمنه حتى بلغ الأوقية . قال : فقلت : أفقد رضيت يا رسول الله ؟ قال :
نعم . قلت : فهو لك ؛ قال : قد أخذته .
قال : " ثم قال : يا جابر ، هل
تزوجت بعد ؟ " قال : قلت : نعم يا رسول الله ، قال : أثيبا أم بكرا ؟ قال :
قلت : لا ، بل ثيبا ؛ قال ؛ أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك ! قال : قلت : يا رسول
الله ، إن أبي أصيب يوم أحد وترك بنات له سبعا ، فنكحت امرأة جامعة ، تجمع
رؤوسهن ، وتقوم عليهن ؛ قال : أصبت إن شاء الله ، أما إنا لو قد جئنا صراراً أمرنا
بجزور فنُحرت ، وأقمنا عليها يومنا ذاك ، وسمعت بنا ، فنفضت (4/ 162) نمارقها .
قال : قلت : والله يا رسول الله ما لنا من نمارق ؛ قال : إنها ستكون ، فإذا أنت
قدِمت فاعمل عملا كيسا .
قال : فلما جئنا صراراً أمر رسول
الله صلى الله عله وسلم بجزور فنحرت ، وأقمنا عليها ذلك اليوم ؛ فلما أمسى رسول
الله صلى الله عليه وسلم دخل ودخلنا ؛ قال : فحدثت المرأة الحديث ، وما قال لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قالت : فدونك ، فسمع وطاعة .
قال : فلما أصبحت أخذت برأس الجمل ،
فأقبلت به حتى أنخته على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : ثم جلست في
المسجد قريبا منه ؛ قال : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرأى الجمل ؛
فقال : ما هذا ؟ قالوا : يا رسول الله هذا جمل جاء به جابر ؛ قال : فأين جابر ؟
قال : فدعيت له ؛ قال : فقال : يا ابن أخي خذ برأس جملك ، فهو لك ، ودعا بلالاً ،
فقال له : اذهب بجابر ، فأعطه أوقية . قال : فذهبت معه ، فأعطاني أوقية ، وزادني
شيئا يسيراً . قال : فوالله ما زال ينمي عندي ، ويرى مكانه من بيتنا ، حتى أصيب
أمس فيما أصيب لنا (4/ 163) يعني يوم الحرة .
*3*ما أصيب به صاحبا رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الحراسة
@ قال ابن إسحاق : وحدثني عمي صدقة
بن يسار ، عن عقيل بن جابر ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال : خرجنا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم (4/ 164) في غزوة ذات الرقاع من نخل ، فأصاب رجل امرأة
رجل من المشركين ؛ فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا ، أتى زوجها
وكان غائبا ، فلما أخبر الخبر حلف لا ينتهي حتى يهريق في أصحاب محمد صلى الله
عليه وسلم دما ، فخرج يتبع أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنـزل رسول الله
صلى الله عليه وسلم منـزلا ، فقال : من رجل يكلؤنا ليلتنا هذه ؟ قال : فانتدب
رجل من المهاجرين ، ورجل آخر من الأنصار ، فقالا : نحن يارسول الله ؛ قال :
فكونا بفم الشّعب . قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نزلوا
إلى شعب من الوادي ، وهما عمار بن ياسر وعباد بن بشر ، فيما قال ابن هشام .
قال ابن إسحاق : فلما خرج الرجلان
إلى فم الشِّعب ، قال الأنصاريّ للمهاجريّ أيَّ الليل تحب أن أكفيكه : أوله أم
آخره ؟ قال : بل اكفني أوله ؛ قال : فاضطجع المهاجري فنام ، وقام الأنصاري يصلي
، قال : وأتى الرجل ، فلما رأى شخص الرجل عرف أنه ربيئة ( طليعة ) القوم . قال :
فرمى بسهم ، فوضعه فيه ؛ قال : فنـزعه ووضعه ، فثبت قائما ؛ قال : ثم رماه بسهم
أخر فوضعه فيه . قال : فنـزعه فوضعه وثبت قائما ؛ ثم عاد له بالثالث ، فوضعه فيه
؛ قال : فنـزعه فوضعه ثم ركع وسجد ، ثم أهب صاحبه فقال : اجلس فقد أثبتُّ ، قال
: فوثب فلما رأهما الرجل عرف أن قد نذرا به ، فهرب . قال : ولما رأى المهاجريّ
ما بالأنصاريّ من الدماء قال : سبحان الله ! أفلا أهببتني أول ما رماك ؟ قال :
كنت في سورة أقرؤها فلم أحب أن أقطعها حتى أنفذها ، فلما تابع على الرمى ركعت
فأذنتك ، وايم الله ، لولا أن أضيع ثغرا أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم
بحفظه ، لقطع نفسي قبل أن أقطعها أو أنفذها . (4/ 165)
*3*رجوع رسول الله صلى الله عليه و
سلم
@ قال ابن هشام : ويقال : أنفذها .
قال ابن إسحاق : ولما قدم رسول الله
صلى الله عليه وسلم المدينة من غزوة الرقاع ، أقام بها بقية جمادى الأولى وجمادى
الآخرة ورجبا .
*2*غزوة بدر الآخرة في شعبان سنة
أربع
*3*خروج الرسول لملاقاة أبي سفيان
ورجوع أبي سفيان أإلى مكة
@ قال ابن إسحاق : ثم خرج في شعبان
إلى بدر ، لميعاد أبي سفيان حتى نزله .
*3*استعماله ابن أبي على المدينة
@ قال ابن هشام : واستعمل على
المدينة عبدالله بن أبي ابن سلول الأنصاري .
*3*رجوع أبي سفيان في رجاله
@ قال ابن إسحاق : فأقام عليه ثماني
ليال ينتظر أبا سفيان ، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى نزل مجنة ، من ناحية
الظهران ؛ وبعض الناس يقول : قد بلغ عسفان ، ثم بدا له في الرجوع ، فقال : يا
معشر قريش ، إنه لا يصلحكم إلا عام خصيب ترعون فيه الشجر ، وتشربون (4/ 166) فيه
اللبن ، وإن عامكم هذا عام جدب ، وإني راجعٌ ، فارجعوا ، فرجع الناس ، فسماهم
أهل مكة جيش السويق ، يقولون : إنما خرجتم تشربون السويق .
*3*الرسول و مخشي الضمري
@ وأقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم على بدر ينتظر أبا سفيان لميعاده ، فأتاه مخشي بن عمرو الضمري ، وهو الذي
كان وادعه على بني ضمرة في غزوة ودان ، فقال : يا محمد ، أجئت للقاء قريش على
هذا الماء ؟ قال : نعم، يا أخا بني ضمرة ، وإن شئت مع ذلك رددنا إليك ما كان
بيننا وبينك ، ثم جالدناك حتى يحكم الله بيننا وبينك ، قال : لا والله يا محمد ،
ما لنا بذلك منك من حاجة .
*3*ما قاله معبد الخزاعي من الشعر
في ناقة للرسول هوت
@ فأقام رسول الله صلى الله عليه
وسلم ينتظر أبا سفيان ، فمر به معبد بن أبي معبد الخزاعي ، فقال ، وقد رأى مكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته تهوي به :
قد نفرت من رفقتي محمد * وعجوة من
يثرب كالعنجد
تهوي على دين أبيها الأتلد * قد
جعلت ماء قديد موعدي
وماء ضجنان لها ضحى الغد
*3*ما قاله أحد صحابة الرسول صلى
الله عليه وسلم في هذه الغزوة
@ وقال عبدالله بن رواحة في ذلك -
قال ابن هشام : أنشدنيها أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك : (4/ 167)
وعدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد *
لميعاده صدقا وما كان وافيا
فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا * لأبت
ذميما وافتقدت المواليا
تركنا به أوصال عبتة وابنه * وعمرا
أبا جهل تركناه ثاويا
عصيتم رسول الله أفٍّ لدينكم *
وأمركم السيء الذي كان غاويا
فإني وإن عنفتموني لقائل * فدى
لرسول الله أهلى وماليا
أناه لم نعدله فينا بغيره * شهابا
لنا في ظلمة الليل هاديا
*3*شعر حسَّان في ذلك
@ وقال حسَّان بن ثابت في ذلك :
دعوا فَلَجات الشام قد حال دونها *
جلاد كأفواه المخاض الأوَارِك
بأيدي رجال هاجروا نحو ربهم *
وأنصارِه حقا وأيدي الملائك
إذا سلكت للغور من بطن عالج * فقولا
لها ليس الطريق هنالك
أقمنا على الرس النـزوع ثمانيا *
بأرعن جرار عريض المبارك
بكل كُمَيت جوزُه نصف خلقه * وقبٍّ
طوال مشرفات الحوارك
ترى العرفج العاميَّ تذري أصوله *
مناسِم أخفاف المطيّ الرواتك
فإن نلق في تطوافنا والتماسنا *
فرات بن حيان يكن رهن هالك (4/ 168)
وإن تلق قيس بن امرىء القيس بعده *
يزد في سواد لونه لون حالك
فأبلغ أبا سفيان عني رسالة * فإنك
من غرِّ الرجال الصعالك
*3*أبو سفيان يرد على حسَّان
@ فأجابه أبو سفيان بن الحارث ابن
عبدالمطلب ، فقال :
أحسَّان إنا يابن آكلة الفغا * وجدك
نغتال الخروق كذلك
خرجنا وما تنجوا اليعافير بيننا *
ولو وألت منا بشَدٍّ مدَارِك
إذا ما انبعثنا من مناخ حسبته *
مدَمَّن أهل الموسم المتعارك
أقمتَ على الرس النـزوع تريدنا *
وتتركنا في النخل عند المدارك
على الزرع تمشى خلينا وركابنا * فما
وطئت ألصقنه بالدَّكادك
أقمنا ثلاثا بين سلع وفارع * بجرد
الجياد والمطي الرواتك
حسبتم جلاد القوم عند قبابهم *
كمأخذكم بالعين أرطال آنك
فلا تبعثِ الخيل الجياد وقل لها *
على نحو قول المعصم المتماسك
سعدتم بها وغيركم كان أهلها * فوارس
من أبناء فهر بن مالك
فإنك لا في هجرة إن ذكرتها * ولا
حرمات الدين أنت بناسك (4/ 169)
قال ابن هشام : بقيت منها أبيات
تركناها لقبح اختلاف قوافيها ، وانشدني أبو زيد الأنصاري هذا البيت :
خرجنا وما تنجو اليعافير بيننا
والبيت الذي بعده لحسَّان بن ثابت
في قوله
دعو فلجات الشأم قد حال دونها
وأنشدني له فيها بيته " فأبلغ
أبا سفيان "
*2*غزوة دومة الجندل في شهر ربيع
الأول سنة خمس
*3*موعدها
@ قال ابن إسحاق : ثم انصرف رسول
الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فأقام من مقدم رسول الله صلى الله عليه
وسلم بها أشهرا حتى مضى ذو الحجة وولى تلك الحجة المشركون وهي سنة أربع ثم غزا
رسول الله صلى الله عليه وسلم دُومة الجندل .
*3*استعمال ابن عرفطة على المدينة
@ قال ابن هشام : في شهر ربيع الأول
، واستعمل على المدينة سِباع بن عرفطة الغفاري .
*3*رجوع رسول الله
@ قال ابن إسحاق : ثم رجع رسول الله
صلى الله عليه وسلم قبل أن يصل إليها ، ولم يلق كيدا ، فأقام بالمدينة بقية سنته
. (4/ 170) "
*2*غزوة الخندق في شوال سنة خمس
*3*تاريخها
@ حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام
، قال : حدثنا زياد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال : ثم
كانت غزوة الخندق في شوال سنة خمس .
*3*اليهود تحزب االأحزاب
@ فحدثني يزيد بن رومان مولى آل
الزبير بن عروة بن الزبير ،ومن لا أتهم ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، ومحمد بن
كعب القرظي ، والزُّهري ، وعاصم بن عمر بن قَتادة ، و عبدالله بن أبي بكر ،
وغيرهم من علمائنا ، كلهم قد اجتمع حديثه في الحديث عن الخندق ، وبعضهم يحدث ما
لا يحدث به بعض ، قالوا : إنه كان من حديث الخندق أن نفرا من اليهود ، منهم :
سلاّم ابن أبي الحقيق النَّضري ، وحيي بن أخطب النضري ، وكنانة بن أبي الحُقيق
النضري ، وهوذة بن قيس الوائلي ، وأبو عمار الوائلي ، في نفر من بني النَّضير ،
ونفر من بني وائل ، وهم الذين حزبوا الأحزاب على (4/ 171) رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، خرجوا حتى قدموا على قريش مكة ، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وقالوا : إنا سنكون معكم عليه ، حتى نستأصله ؛ فقالت لهم قريش : يا
معشر يهود ، إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصحبحنا نختلف فيه نحن ومحمد ،
أفديننا خير أم دينه ؟ قالوا : بل دينكم خير من دينه ، وأنتم أولى بالحق منه .
فهم الذين أنزل الله تعالى فيهم : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من
الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ، ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا
سبيلا أولئك الذين لعنهم الله ، ومن يلعن الله فإن تجد له نصيرا " إلى قوله
تعالى " أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله " : أي النبوة ،
" فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما . فمنهم من آمن
به ، ومنهم من صُدَّ عنه ، وكفى بجهنم سعيرا "
*3*تحريض اليهود لغطفان
@ قال : فلما قالوا ذلك لقريش ،
سرهم ونشطوا لما دعوهم إليه ، من حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فاجتمعوا
لذلك واتعدوا له ، ثم خرج أولئك النفر من يهود ، حتى جاءوا غطفان من قيس عيلان ،
فدعوهم إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأخبروهم أنهم سيكونون معهم عليه
، وأن قريشا قد تابعوهم على ذلك ، فاجتمعوا معهم فيه .
*3*خروج الأحزاب من المشركين
@ قال ابن إسحاق : فخرجت قريش
وقائدها أبو سفيان بن حرب ، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر
في بني فزارة ، والحارث بن عوف بن حارثة (4/ 172) المري في بني مرة ، ومسعر بن
رحيلة بن نويرة بن طريف بن سحمة بن عبدالله بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن
غطفان فيمن تابعه من قومه من أشجع ،
*3*حفر الخندق و تخاذل المنافقين و
جدّ المؤمنين
@ فلما سمع بهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، وما أجمعوا له من الأمر ، ضرب الخندق على المدينة ، فعمل فيه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ترغيباً للمسلمين في الأجر ، وعمل معه المسلمون فيه ،
فدأب فيه ، ودأبوا ، وأبطأ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن المسلمين في
عملهم ذلك رجال من المنافقين ، وجعلوا يورُّون بالضعيف من العمل ، ويتسللون إلى
أهليهم بغير علم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا إذن ، وجعل الرجل من
المسلمين إذا نابته النائبة من الحاجة التي لا بد له منها يذكر ذلك لرسول الله
صلى الله عليه وسلم ويستأذنه في اللحوق بحاجته فيأذن له ، فإذ قضى حاجته رجع إلى
ما كان فيه من عمله رغبة في الخير واحتسابا له .
*3*ما نزل من القرآن في حق العاملين
في الخندق مؤمنهم ومنافقهم
@ فأنزل الله تعالى في أولئك من
المؤمنين " إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله وإذا كانوا معه على أمر
جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله
فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم
" فنزلت هذه الآية فيمن كان من المسلمين من أهل الحسبة والرغبة في الخير
والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم .
ثم قال تعالى : يعني المنافقين
الذين كانوا يتسللون من العمل ويذهبون (4/ 173) بغير إذن من النبي صلى الله عليه
وسلم " لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كذعاء بعضكم بعضا قد يعلم الله الذين
يتسللون منكم لواذا فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب
أليم "
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب
@ قال ابن هشام : اللواذ : الاستتار
بالشيء عند الهرب ، قال حسَّان بن ثابت :
وقريش تفر منا لواذا * أن يقيموا
وخف منها الحلوم .
وهذا البيت في قصيدة له قد ذكرتها
في أشعار يوم أحد " ألا إن لله ما في السماوات والأرض قد يعلم ما أنتم عليه
"
قال ابن إسحاق : من صدق أو كذب
" ويوم يرجعون إليه فينبئهم بما عملوا والله بكل شيء عليم "
*3*المسلمون يرتجزون وهم يعملون في
حفر الخندق
@ قال ابن إسحاق : وعمل المسلمون
فيه حتى أحكموه وارتجزوا فيه برجل من المسلمين يقال له جعيل ، سماه رسول الله
صلى الله عليه وسلم عمرا ، فقالوا :
سماه من بعد جعيل عمرا * وكان
للبائس يوما ظهرا .
فإذا مروا "بعمرو" قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : عمراً ، وإذا مروا "بظهر" قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : ظهرا .
*3*معجزات ظهرت في حفر الخندق
@ قال ابن إسحاق : وكان في حفر
الخندق أحاديث بلغتني ، فيها من الله تعالى عبرة في تصديق (4/ 174) رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وتحقيق نبوّته ، عاين ذلك المسلمون .
*3*ظهور معجزة الكدية والتغلب عليها
@ فكان مما بلغني أن جابر بن
عبدالله كان يحُدث : أنه اشتدت عليهم في بعض الخندق كدية ، فشكوها إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فدعا بإناء من ماء ، فتفل فيه ؛ ثم دعا بما شاء الله أن
يدعو به ، ثم نضح ذلك الماء على تلك الكدية ؛ فيقول من حضرها : فوالذي بعثه
بالحق نبيا ، لانهالت حتى عادت كالكثيب ، لا تردّ فأساً ولا مِسحاة .
*3*ما تحقق من البركة في تمر ابنة
بشير
@ قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن
مينا ، أنه حُدِّث : أن ابنة لبشير بن سعد ، أخت النعمان بن بشير ، قالت : دعتني
أمي عمرة بنت رواحة ، فأعطتني حفنة من تمر في ثوبي ، ثم قالت : أي بنية ، اذهبي
إلى أبيك وخالك عبدالله بن رواحة بغدائهما ، قالت : فأخذتها ، فانطلقت بها ،
فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألتمس أبي وخالي ؛ فقال : تعالي يا
بنية ، ما هذا معك ؟ قالت : فقلت : يا رسول الله ، هذا تمر ، بعثتني به أمي إلى
أبي بشير بن سعد ، وخالي عبدالله بن رواحة يتغديانه ؛ قال : هاتيه ؛ قالت :
فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما ملأتهما ، ثم أمر بثوب فبسط
له ، ثم دحا بالتمر عليه ، فتبدد فوق الثوب ، ثم قال لإنسان عنده : اصرخ في أهل
الخندق : أن هَلُم إلى الغداء . فاجتمع أهل الخندق عليه ، فجعلوا يأكلون منه ،
وجعل يزيد ، حتى صدر أهل الخندق عنه ، وإنه ليسقط من أطراف الثوب .
*3*ما تحقق من البركة في دعوة جابر
للطعام
@ قال ابن إسحاق : وحدثني سعيد بن
مينا ، عن جابر بن عبدالله ، قال : عملنا مع رسول (4/ 175) الله صلى الله عليه
وسلم في الخندق ، فكانت عندي شويهة ، غير جِدِّ سمينة . قال : فقلت : والله لو
صنعناها لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قال : فأمرت امرأتي ، فطحنت لنا شيئا
من شعير ، فصنعت لنا منه خبزا ، وذبحت تلك الشاة ، فشويناها لرسول الله صلى الله
عليه وسلم .
قال : فلما أمسينا وأراد رسول الله
صلى الله عليه وسلم الانصراف عن الخندق - قال : وكنا نعمل فيه نهارنا ، فإذا
أمسينا رجعنا إلى أهالينا - قال : قلت : يا رسول الله ، إني قد صنعت لك شويهة
كانت عندنا ، وصنعنا معها شيئا من خبز هذا الشعير ، فأحبُّ أن تنصرف معي إلى
منـزلي ، وإنما أريد أن ينصرف معي رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده .
قال : فلما أن قلت له ذلك ؛ قال :
نعم ، ثم أمر صارخا فصرخ : أن انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت
جابر بن عبدالله ؛ قال : قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ! قال : فأقبل رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبل الناس معه ؛ قال : فجلس وأخرجناها إليه . قال :
فبرك وسمى الله ، ثم أكل ، وتواردها الناس ، كلما فرغ قوم قاموا وجاء ناس ، حتى
صدر أهل الخندق عنها .
*3*بشرى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بالفتوح
@ قال ابن إسحاق : وحُدثت عن سلمان
الفارسي ، أنه قال : ضربت في ناحية من الخندق ، فغَلُظت علي صخرة ، ورسول الله
صلى الله عليه وسلم قريب مني ؛ فلما رآني أضرب ورأى شدة المكان علي ، نزل فأخذ
المعول من يدي ، فضرب به ضربة (4/ 176) لمعت تحت المعول برقة ؛ قال : ثم ضرب به
ضربة أخرى ، فلمعت تحته برقة أخرى ؛ قال : ثم ضرب به الثالث ، فلمعت تحته برقة
أخرى . قال : قلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ! ما هذا الذي رأيت لمع تحت
المعول وأنت تضرب ؟ قال : أو قد رأيت ذلك يا سلمان ؟ قال : قلت : نعم ؛ قال :
أما الأولى فإن الله فتح علي بها اليمن ؛ وأما الثانية فإن الله فتح علي بها
الشام والمغرب ؛ وأما الثالثة فإن الله فتح على بها المشرق .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم
عن أبي هريرة أنه كان يقول ، حين فتحت هذه الأمصار في زمان عمر وزمان عثمان وما
بعده : افتتحوا ما بدا لكم ، فوالذي نفس أبي هريرة بيده ، ما افتتحتم من مدينة
ولا تفتتحونها إلى يوم القيامة إلا وقد أعطى الله سبحانه محمدا صلى الله عليه
وسلم مفاتيحها قبل ذلك .
*3*وصول المشركين المدينة
@ قال ابن إسحاق : ولما فرغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم من الخندق ، أقبلت قريش حتى نزلت بمجتمع الأسيال من
رومة ، بين الجرف وزغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم ، ومن (4/ 177) تبعهم من بنى
كنانة وأهل تهامة ، وأقبلت غطفان ومن تبعهم من أهل نجد ، حتى نزلوا بذنب نقمي ،
إلى جانب أحد . وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، حتى جعلوا ظهورهم
إلى سلع ، في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هنالك عسكره ، والخندق بينه وبين
القوم .
*3*استعمال ابن أم مكتوم على
المدينة
@ قال ابن هشام : واستعمل على
المدينة ابن أم مكتوم .
قال ابن إسحاق : وأمر بالذراري
والنساء فجعلوا في الآطام .
*3*حيي بن أخطب يحرض كعب بن أسد على
نقض العهد
@ قال : وخرج عدو الله حيي بن أخطب
النضري ، حتى أتى كعب بن أسد القرظي ، صاحب عقد بني قريظة وعهدهم ، وكان قد وادع
رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه ، وعاقده على ذلك وعاهده ؛ فلما سمع كعب
يحيى بن أخطب أغلق دونه باب حصنه ، فاستأذن عليه ، فأبى أن يفتح له ، فناداه حيي
: ويحك يا كعب ! افتح لي ؛ قال : ويحك يا حيي ، إنك امرؤ مشئوم ، وإني قد عاهدت
محمدا ، فلست بناقض ما بيني وبينه ، ولم أر منه إلا وفاء وصدقا ؛ قال : ويحك
افتح لي أكلمك ؛ قال : ما أنا بفاعل ؛ قال : والله إن أغلقت دوني إلا عن جشيشتك
أن آكل معك منها ؛ فأحفظ الرجل ، ففتح له ؛ فقال : ويحك يا كعب ؛ جئتك بعز الدهر
(4/ 178) وببحر طام ، جئتك بقريش على قادتها وسادتها ، حتى أنزلتهم بمجتمع
الأسيال من رومة ؛ وبغطفان على قادتها وسادتها حتى أنزلتهم بذنب نقمى إلى جانب
أحد ، قد عاهدوني على أن لا يبرحوا حتى نستأصل محمدا ومن معه . قال : فقال له
كعب : جئتني والله بِذُلِّ الدهر ، وبجهام ( السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه
& ) قد هراق ماءه ، فهو يرعد ويبرق ليس فيه شيء ، ويحك يا حيي ! فدعني وما
أنا عليه ، فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء . فلم يزل حيي بكعب يفتله في الذروة
والغارب ، حتى سمح له ، على أن أعطاه عهدا من الله وميثاقا : لئن رجعت قريش
وغطفان ، ولم يصيبوا محمدا أن أدخل معك في حصنك حتى يصيبني ما أصابك . فنقض كعب
بن أسد عهده ، وبرئ مما كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
*3*الرسول عليه الصلاة والسلام
يستوثق من نقض كعب ميثاقه
@ فلما انتهى إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم الخبر وإلى المسلمين ، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن
معاذ بن النعمان ، وهو يومئذ سيد الأوس ، وسعد بن عبادة بن دليم ، أحد بني ساعدة
بن كعب بن الخزرج ، وهو يومئذ سيد الخزرج ، ومعهما عبدالله بن رواحة ، أخو بني
الحارث بن الخزرج ، وخوات بن جبير ، أخو بني عمرو بن عوف ؛ فقال : انطلقوا حتى
تنظروا ، أحَقٌّ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟ فإن كان حقا فالحنوا (4/ 179)
لي لحنا أعرفه ، ولا تَفُتُّوا في أعضاد الناس ، وإن كانوا على الوفاء فيما
بيننا وبينهم فاجهروا به للناس . قال : فخرجوا حتى أتوهم ، فوجدوهم على أخبث ما
بلغهم عنهم ، فيما نالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا : من رسول
الله ؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد . فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه ، وكان
رجلا فيه حده ؛ فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم ، فما بيننا وبينهم أربى
من المشاتمة . ثم أقبل سعد وسعد ومن معهما ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فسلموا عليه ، ثم قالوا : عضل والقارة ؛ أي كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع ،
خبيب وأصحابه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الله أكبر ، أبشروا يا معشر
المسلمين .
*3*الخوف يعم المسلمين و ظهور
النفاق من المنافقين
@ قال : وعظم عند ذلك البلاء ،
واشتد الخوف ، وأتاهم عدوهم من فوقهم ومن أسفل منهم ، حتى ظن المؤمنون كل ظن ،
ونجم النفاق من بعض المنافقين ، حتى قال معتب بن قشير ، أخو بني عمرو بن عوف : كان
محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب
إلى الغائط . (4/ 180)
*3*لم يكن معتب منافقا
@ قال ابن هشام : وأخبرني من أثق به
من أهل العلم : أن معتب بن قشير لم يكن من المنافقين ، واحتج بأنه كان من أهل
بدر .
قال ابن إسحاق : وحتى قال أوس بن
قيظي ، أحد بني حارثة بن الحارث : يا رسول الله ، إن بيوتنا عورة من العدو ،
وذلك عن ملأ من رجال قومه ، فأذن لنا أن نخرج فنرجع إلى دارنا ، فإنها خارج من
المدينة . فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام عليه المشركون بضعا وعشرين
ليلة ، قريبا من شهر ، لم تكن بينهم حرب إلا الرَّميِّا بالنبل والحصار .
قال ابن هشام : ويقال الرَّميْا
*3*محاولة الرسول عقد الصلح مع
غطفان ثم عدوله
@ فلما اشتد على الناس البلاء ، بعث
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني عاصم بن عمر بن قتادة ، ومن لا أتهم ،
عن محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، إلى عيينة بن حصن بن حذيفة بن
بدر وإلى الحارث بن عوف بن أبي حارثة المري ، وهما قائدا غطفان ، فأعطاهما ثلث
ثمار المدينة على أن يرجعا بمن معهما عنه وعن أصحابه ، فجرى بينه وبينهما الصلح
، حتى كتبوا الكتاب ولم تقع الشهادة ولا عزيمة الصلح ، إلا المراوضة في ذلك .
فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ، بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن
عبادة ، فذكر ذلك لهما ، واستشارهما فيه ؛ فقالا له : يا رسول الله ، أمرا تحبه
فنصنعه ، أم شيئا أمرك الله به ، لا بد لنا من العمل به ، أم شيئا تصنعه لنا ؟
قال : بل شيء أصنعه لكم ، والله ما أصنع ذلك (4/ 181) إلا لأنني رأيت العرب قد
رمتكم عن قوس واحدة ، وكالبوكم من كل جانب ، فأردت أن أكسر عنكم من شوكتهم إلى
أمر ما ؛ فقال له سعد بن معاذ : يا رسول الله ، قد كنا نحن وهؤلاء القوم على
الشرك بالله وعبادة الأوثان ، لا نعبدالله ولا نعرفه ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا
منها تمرة إلا قرى ( ضيافة &) أو بيعا ، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا
له وأعزنا بك وبه ، نعطيهم أموالنا ! والله ما لنا بهذا من حاجة ، والله لا
نعطيهم إلا السيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم ؛ قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : فأنت وذاك . فتناول سعد بن معاذ الصحيفة ، فمحا ما فيها من الكتاب ، ثم
قال : ليجهدوا علينا .
*3*من حاول عبور الخندق من المشركين
@ قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، وعدوهم محاصروهم ، ولم يكن بينهم قتال ، إلا أن
فوارس من قريش ، منهم عمرو بن عبد ود بن أبي قيس ، أخو بني عامر بن لؤي .
- قال ابن هشام : ويقال عمرو بن عبد
بن أبي قيس -
قال ابن إسحاق : وعكرمة بن أبي جهل
، وهبيرة بن أبي وهب المخزوميان ، وضرار بن الخطاب الشاعر ابن مرداس ، أخو بني
محارب بن فهر ، تلبسوا للقتال ، ثم خرجوا على خيلهم ، حتى مروا بمنازل بني كنانة
، فقالوا : تهيئوا يا بني كنانة للحرب ، فستعلمون من الفرسان (4/ 182) اليوم .
ثم أقبلوا تُعْنِق بهم خيلهم ، حتى وقفوا على الخندق ، فلما رأوه قالوا : والله
إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها .
*3*سلمان يشير بحفر الخندق
@ قال ابن هشام : يقال : إن سلمان
الفارسي أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وحدثني بعض أهل العلم : أن
المهاجرين يوم الخندق قالوا : سلمان منا ؛ وقالت الأنصار : سلمان منا ؛ فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : سلمان منا أهل البيت .
*3*علي يقتل عمرو بن عبد ود
@ قال ابن إسحاق : ثم تيمموا مكانا
ضيقا من الخندق ، فضربوا خيلهم فاقتحمت منه ، فجالت بهم في السبخة بين الخندق
وسلع ، وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام في نفر معه من المسلمين ، حتى أخذوا
عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم ، وأقبلت الفرسان تُعْنِق نحوهم ، وكان
عمرو بن عبد ود قد قاتل يوم بدر حتى أثبتته الجراحة ، فلم يشهد يوم أحد ؛ فلما
كان يوم الخندق خرج مُعْلِما ليرى مكانه . فلما وقف هو وخيله ، قال : من يبارز ؟
فبرز له علي بن أبي طالب ، فقال له : يا عمرو ، إنك قد كنت عاهدت الله ألا يدعوك
رجل من قريش إلى إحدى خَلَّتين إلا أخذتها منه ، قال له : أجل ؛ قال له علي :
فإني أدعوك إلى الله وإلى رسوله ، وإلى الإسلام ؛ قال : لا حاجة لي بذلك ؛ قال :
فإني أدعوك إلى النـزال ؛ فقال له : لم يابن أخي ؟ فوالله ما أحب أن أقتلك ، قال
له علي : لكني والله أحب أن أقتلك ؛ فحمى عمرو عند ذلك ، فاقتحم عن فرسه ، فعقره
، وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي ، فتنازلا وتجاولا ، (4/ 183) فقتله علي رضي الله
عنه . وخرجت خيلهم منهزمة ، حتى اقتحمت من الخندق هاربة . (4/ 184)
*3*ما قاله علي رضوان الله عليه من
الشعر في قتله عمرو بن عبد ود
@ قال ابن إسحاق : وقال علي بن أبي
طالب رضوان الله عليه في ذلك :
نصر الحجارة من سفاهة رأيه * ونصرت
ربّ محمد بصوابي
فصدرت حين تركته متجدلا * كالجذع
بين دكادك وروابي
وعففت عن أثوابه ولو أنني * كنت
المقطَّر بزَّني أثوابي
لا تحسبن الله خاذلَ دينه * ونبيه
يا معشر الأحزاب .
قال ابن هشام : واكثر أهل العلم
بالشعر يشك فيها لعلي بن أبي طالب .
*3*هجاء حسَّان عكرمة
@ قال ابن إسحاق : وألقى عكرمة بن
أبي جهل رمحه يومئذ وهو منهزم عن عمرو ؛ فقال حسَّان بن ثابت في ذلك :
فرَّ وألقى لنا رمحه * لعلك عكرم لم
تفعل
ووليت تعدو كعدو الظَّليم * ما إن
تجور عن المَعدل
ولم تَلق ظهرك مستأنسا * كأن قفاك
قفا فُرعُل (4/ 185)
قال ابن هشام : الفُرعُل : صغير
الضباع ، وهذه الأبيات في قصيدة له .
*3*شعار المسلمين يوم الخندق
@ وكان شعار أصحاب رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم الخندق وبني قريظة : حم ، لا ينصرون .
*3*استشهاد سعد بن معاذ
@ قال ابن إسحاق : وحدثني أبو ليلى
عبدالله بن سهل بن عبدالرحمن بن سهل الأنصاري ، أخو بني حارثة : أن عائشة أم
المؤمنين كانت في حصن بني حارثة يوم الخندق ، وكان من أحرز حصون المدينة .
قال : وكانت أم سعد بن معاذ معها في
الحصن ؛ فقالت عائشة وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب : فمر سعد وعليه درع له
مقلَّصة ، وقد خرجت منها ذراعه كلها ، وفي يده حربته يرقُل بها ، ويقول :
لَبِّث قليلا يشهد الهيجا جمل * لا
بأس بالموت إذا حان الأجل
قال : فقالت له أمه : إلحق : أي بني
، فقد والله أخَّرت ؛
قالت عائشة : فقلت لها : يا أم سعد
، والله لودِدْتُ أن درع سعد كانت أسبغ مما هي ؛ قالت : وخفت عليه حيث أصاب
السهم منه ، فرمي سعد بن معاذ بسهم ، فقطع منه الأكحل ، رماه كما حدثني عاصم بن
عمرو بن قتادة ، حِبِّان بن قيس بن العرقة ، أحد بني عامر (4/ 186) بن لؤي ،
فلما أصابه ، قال : خذها مني وأنا ابن العرقة ؛ فقال له سعد : عرَّق الله وجهك
في النار ، اللهم إن كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها ، فإنه لا قوم أحب
إلي أن أجاهدهم من قوم آذوا رسولك وكذبوه وأخرجوه ، اللهم وإن كنت قد وضعت الحرب
بيننا وبينهم فاجعله لي شهادة ، ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة .
*3*قاتل سعد بن معاذ
@ قال ابن إسحاق : وحدثني من لا
اتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك أنه كان يقول : ما أصاب سعدا يومئذ إلا أبو
أسامة الجشمي ، حليف بني مخزوم .
*3*شعر لقاتل سعد
@ وقد قال أبو أسامة في ذلك شعرا
لعكرمة ابن أبي جهل :
أعكرم هلاَّ لمتني إذ تقول لي *
فداك بآطام المدينة خالد
ألست الذي ألزمت سعدا مُرِشَّة *
لها بين أثناء المرافق عاند
قضي نحبه منها سُعيد فأعولت * عليه
مع الشمط العذارى النواهد
وأنت الذي دافعت عنه وقد دعا *
عبيدة جمعا منهم إذ يكابد
على حين ما هم جائر عن طريقه * وآخر
مرعوب عن القصد قاصد .
*3*قاتل سعد في رأي ابن هشام
@ قال ابن هشام : ويقال : أن الذي
رمى سعدا : خفاجة بن عاصم بن حِبِّان (4/ 187)
*3*حديث حسَّان في وقعة الخندق
@ قال ابن إسحاق : وحدثني يحيى بن
عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد قال : كانت صفية بنت عبدالمطلب في
فارع ، حصن حسَّان بن ثابت ؛ قالت : وكان حسَّان بن ثابت معنا فيه ، مع النساء
والصيبان . قالت صفية : فمر بنا رجل من يهود ، فجعل يُطيف بالحصن ، وقد حاربت
بنو قريظة ، وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس بيننا
وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم ،
لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت .
قالت : فقلت : يا حسَّان ، إن هذا
اليهودي كما ترى يطيف بالحصن ، وإني والله ما آمنة أن يدل على عورتنا مَن وراءنا
من يهود ، وقد شغل عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فانزل إليه
فاقتله ؛ قال : يغفر الله لك يابنة عبدالمطلب ، والله لقد عرفتِ ما أنا بصاحب هذا
.
قالت : فلما قال لي ذلك ، ولم أر
عنده شيئا ، احتجزت ثم أخذت عمودا ، ثم نزلت من الحصن إليه ، فضربته بالعمود حتى
قتلته . قالت : فلما فرغت منه ، رجعت إلى الحصن ، فقلت : يا حسَّان انزل إليه
فاسلبه ، فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل ؛ قال : ما لي بسلبه من حاجة يابنة
عبدالمطلب .(4/ 188)
*3*خداع نُعيم المشركين
@ قال ابن إسحاق : وأقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيما وصف الله من الخوف والشدة ، لتظاهر عدوهم عليهم
، وإتيانهم إياهم من فوقهم ومن أسفل منهم .
قال : ثم إن نعيم بن مسعود بن عامر
بن أنيف بن ثعلبة بن قنفذ بن هلال بن خلاوة بن أشجع بن ريث بن غطفان ، أتى رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله: إني قد أسلمت ، وإن قومي لم
يعلموا بإسلامي ، فمرني بما شئت ؛
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: إنما أنت فينا رجل واحد ، فخذل عنا إن استطعت ، فإن الحرب خدعة .
فخرج نعيم بن مسعود حتى أتى بني
قريظة ، وكان لهم نديما في الجاهلية ، فقال : يا بني قريظة ، قد عرفتم ودي إياكم
، وخاصة ما بيني وبينكم ، قالوا : صدقت ، لست عندنا بمتهم ؛ فقال لهم : إن قريشا
وغطفان ليسوا كأنتم ، البلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، لا تقدرون
على أن تحَولوا منه إلى غيره ، وإن قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ،
وقد ظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأمواله ونسائهم بغيره ، فليسوا كأنتم فإن رأوا
نهَزة أصابوها ، وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم ،
ولا طاقة لكم به إن خلا بكم ، فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رُهُنا من
أشرافهم ، يكونوا بأيديكم ثقة لكم على أن تقاتلوا معهم محمدا حتى تناجزوه ؛
فقالوا له : لقد أشرت بالرأي .
ثم خرج حتى أتى قريشاً ، فقال لأبي
سفيان بن حرب ومن معه من رجال قريش : قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا ، وإنه قد
بلغني (4/ 189) أمر قد رأيت عليَّ حقا أن أبلغكموه ، نصحا لكم ، فاكتموا عني ؛
فقالوا : نفعل ؛ قال : تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم
وبين محمد ، وقد أرسلوا إليه إنَّا قد ندمنا على ما فعلنا ، فهل يرضيك أن نأخذ
لك من القبيلتين ، من قريش وغطفان رجالا من أشرافهم فنعطيكهم ، فتضرب أعناقهم ثم
نكون معك على من بقي منهم حتى نستأصلهم ؟ فأرسل إليهم : أن نعم . فإن بعثت إليكم
يهود يلتمسون منكم رهنا من رجالكم فلا تدفعوا إليهم منكم رجلا واحدا .
ثم خرج حتى أتى غطفان ، فقال : يا
معشر غطفان ، إنكم أصلي وعشيرتي ، وأحب الناس إلي ، ولا أراكم تتهموني ؛ قالوا :
صدقت ، ما أنت عندنا بمهتم ؛ قال : فاكتموا عني ؛ قالوا : نفعل ، فما أمرك ؟ ثم
قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم .
*3*ما أنزل الله بالمشركين
@ فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة
خمس ، وكان من صنع الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أرسل أبو سفيان بن حرب
ورؤوس غطفان إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل ، في نفر من قريش وغطفان ، فقالوا
لهم : إنا لسنا بدار مقام ، قد هلك الخف والحافر ، فاغدوا للقتال حتى نناجز
محمدا ، ونفرغ مما بيننا وبينه ؛ فأرسلوا إليهم : إن اليوم يوم السبت ، وهو يوم
لا نعمل فيه شيئا ، وقد كان أحدث فيه بعضنا حدثا ، فأصابه ما لم يخف عليكم ،
ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم ، يكونون
بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا ، فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب ، واشتد عليكم
القتال أن تنشمروا إلى بلادكم (4/ 190) وتتركونا ، والرجل في بلدنا ، ولا طاقة
لنا بذلك منه . فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة ، قالت قريش وغطفان :
والله إن الذي حدثكم نعيم بن مسعود لحق ، فأرسلوا إلى بني قريظة : إنا والله لا
ندفع إليكم رجلا واحدا من رجالنا ، فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا ؛
فقالت بنو قريظة : حين انتهت الرسل إليهم بهذا : إن الذي ذكر لكم نعيم بن مسعود
لحق ، ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا ، فإن رأوا فرصة انتهزوها ، وإن كان غير ذلك
انشمروا إلى بلادهم . وخلوا بينكم وبين الرجل في بلدكم ، فأرسلوا إلى قريش
وغطفان : إنا والله لا نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا ؛ فأبوا عليهم ، وخذَّل
الله بينهم ، وبعث الله عليهم الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد ، فجعلت
تكفأ قدورهم ، وتطرح أبنتيهم .
*3*استخبار ما حل بالمشركين
@ قال : فلما انتهى إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ما اختلف من أمرهم ، وما فرق الله من جماعتهم ، دعا حذيفة بن
اليمان ، فبعثه إليهم ، لينظر ما فعل القوم ليلا .
قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن
زياد عن محمد بن كعب القرظي ، قال : قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان :
يا أبا عبدالله ، أرأيتم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتموه ؟ قال : نعم ،
يابن أخي ؛ قال : فكيف كنتم تصنعون ؟ قال والله لقد كنا نجهد ؛ قال : فقال :
والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض ، ولحملناه على أعناقنا .
قال : فقال حذيفة : يابن أخي ،
والله لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخندق ، وصلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم هويا من الليل ، ثم التفت إلينا فقال : من رجل يقوم فينظر لنا ما
فعل القوم ، ثم يرجع - يشرط (4/ 191) له رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجعة -
أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة ؟ فما قام رجل من القوم من شدة الخوف
وشدة الجوع وشدة البرد ، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني ، فقال : يا حذيفة ، اذهب فادخل مع القوم ،
فانظر ماذا يصنعون ، ولا تحدثن شيئا حتى تأتينا ، قال : فذهبت فدخلت في القوم ،
والريح وجنود الله تفعل بهم ما تفعل ، لا تقر لهم قدرا ولا نارا ولا بناء ، فقام
أبو سفيان فقال : يا معشر قريش ، لينظر امرؤ من جليسه ، قال حذيفة : فأخذت بيد
الرجل الذي كان إلى جنبي ، فقلت : من أنت ؟ قال : فلان بن فلان .
*3*أبو سفيان ينادي بالرحيل
@ ثم قال أبو سفيان : يا معشر قريش
إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام ، لقد هلك الكراع والخف ، وأخلفتنا بنو قريظة ،
وبلغنا عنهم الذي نكره ، ولقينا من شدة الريح ما ترون ، ما تطمئن لنا قدر ، ولا
تقوم لنا نار ، ولا يستمسك لنا بناء ، فارتحلوا فإني مرتحل .
ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس
عليه ثم ضربه فوثب به على ثلاث ، فوالله ما أطلق عقالة إلا وهو قائم ، ولولا عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي أن لا تحدث شيئا حتى تأتيني ، ثم شئت لقتلته
بسهم .
*3*رجوع حذيفة بالخبر اليقين
@ قال حذيفة : فرجعت إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وهو قائم يصلي ، في مرط لبعض نسائه مراجل .
قال ابن هشام : المراجل ضرب من وشي
اليمن .
فلما رآني ، أدخلني إلى رجليه ،
وطرح علي طرف المرط ، ثم ركع (4/ 192) وسجد ، وإني لقيه ، فلما سلم أخبرته الخبر
، وسمعت غطفان بما فعلت قريش ، فانشمروا راجعين إلى بلادهم .
*3*الرجوع من الخندق
@ قال ابن إسحاق : ولما أصبح رسول
الله صلى الله عليه وسلم انصرف عن الخندق راجعا إلى المدينة والمسلمون ، ووضعوا
السلاح .
*2*غزوة بني قريظة في سنة خمس
*3*أمر الله لرسوله على لسان جبريل
بحرب بني قريظة
@ فلما كانت الظهر ، أتى جبريل رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، كما حدثني الزهري ، معتجرا بعمامة من إستبرق ، على
بغلة عليها رحالة ، عليها قطيفة من ديباج ، فقال : أوَ قد وضعت السلاح يا رسول
الله ؟ قال : نعم ؛فقال جبريل : فما وضعت الملائكة السلاح بعد ، وما رجعت الآن
إلا من طلب القوم ، إن الله عز وجل يأمرك يا محمد بالمسير إلى بني قريظة ، فإني
عامد إليهم فمزلزل بهم .
*3*دعوة الرسول المسلمين للقتال
@ فأمر رسول الله صلى الله عليه
وسلم مؤذنا ، فأذن في الناس : من كان سامعا مطيعا ، فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة
. جبريل يأتي بحرب بني قريظة .
*3*استعمال ابن أم مكتوم على
المدينة
@ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم
، فيما قال ابن هشام . (4/ 193)
*3*علي يبلغ الرسول ما سمعه من بني
قريظة
@ قال ابن إسحاق : وقَدَّم رسول
الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة ، وابتدرها الناس
، فسار على بن أبي طالب ، حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول
الله صلى الله عليه وسلم ، فرجع حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطريق ،
فقال : يا رسول الله ، لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث ؛ قال : لم ؟ أظنك
سمعت منهم لي أذى ؟ قال : نعم يا رسول الله ؛ قال : لو رأوني لم يقولوا من ذلك
شيئا . فلما دنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من حصونهم . قال : يا إخوان
القردة ، هل أخزاكم الله وأنزل بكم نقمته ؟ قالوا : يا أبا القاسم ، ما كنت
جهولا .
*3*جبريل في صورة دحية الكلبي
@ ومر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بنفر من أصحابه بالصَّوْرَيْن قبل أن يصل إلى بني قريظة ، فقال : هل مر بكم أحد
؟ قالوا : يا رسول الله ، قد مر بنا دحية بن خليفة الكلبي ، على بغلة بيضاء
عليها رحالة ، عليها قطيفة ديباج . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ذلك
جبريل ، بعث إلى بني قريظة يزلزل بهم حصونهم ، ويقذف الرعب في قلوبهم .
ولما أتى رسول الله صلى الله عليه
وسلم بني قريظة ، نزل على بئر من آبارها من ناحية أموالهم ، يقال لها بئر أنا .
قال ابن هشام : بئر أنى . (4/ 194)
*3*تجمع المسلمين للقتال
@ قال ابن إسحاق : وتلاحق به الناس
، فأتى رجال منهم من بعد العشاء الآخرة ، ولم يصلوا العصر ، لقول رسول الله صلى
الله عليه وسلم : لا يصلين أحد العصر إلا ببني قريظة ، فشغلهم ما لم يكن منه بد
في حربهم ، وأبوا أن يصلوا ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى تأتوا بني
قريظة .
فصلوا العصر بها ، بعد العشاء
الآخرة ، فما عابهم الله بذلك في كتابه ، ولا عنفهم به رسول الله صلى الله عليه
وسلم .
حدثني (4/ 195) بهذا الحديث أبي
إسحاق بن يسار ، عن معبد بن كعب بن مالك الأنصاري .
*3*حصار بني قريظة
@ قال : وحاصرهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم خمسا وعشرين ليلة ، حتى جهدهم الحصار ، وقذف الله في قلوبهم الرعب .
وقد كان حيي بن أخطب دخل مع بني
قريظة في حصنهم ، حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده
عليه .
*3*كعب بن أسد ينصح قومه
@ فلما أيقنوا بأن رسول الله صلى
الله عليه وسلم غير منصرف عنهم حتى يناجزهم ، قال كعب بن أسد لهم : يا معشر يهود
، قد نزل بكم من الأمر ما ترون ، وإني عارض عليكم خلالا ثلاثا ، فخذوا أيها شئتم
؛ قالوا : وما هي ؟ قال : نتابع هذا الرجل ونصدقه ، فوالله لقد تبين لكم أنه
لنبي مرسل ، وأنه للذي تجدونه في كتابكم ، فتأمنون على دمائكم وأموالكم وأبنائكم
ونسائكم ؛ قالوا : لا نفارق حكم التوارة أبدا ، ولا نستبدل به غيره ؛ قال : فإذا
أبيتم عليّ هذه ، فهلم فلنقتل أبناءنا ونساءنا ، ثم نخرج إلى محمد وأصحابه رجالا
مُصلتين السيوف ، لم نترك وراءنا ثقلا ، حتى يحكم الله بيننا وبين محمد ، فإن
نهلك نهلك ، ولم نترك وراءانا نسلا نخشى عليه ، وإن نظهر فلعمري لنجدن النساء
والأبناء ؛ قالوا : نقتل هؤلاء المساكين ! فما خير العيش بعدهم ؟ قال : فإن
أبيتم عليّ هذه ، فإن الليلة ليلة السبت ، وإنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد
أمنونا فيها ، فانزلوا لعلنا نُصيب من محمد وأصحابه غرة ؛ قالوا : نفسد سبتنا
علينا ، ونحُدث فيه ما لم يحدث مَنْ كان قبلنا إلا من قد علمت ، فأصابه ما لم
يخف عليك من المسخ ! قال : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهر
حازما . (4/ 196)
*3*قصة أبي لبابة و توبته في هذه الغزوة
@ قال : ثم إنهم بعثوا إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم : أن ابعث إلينا أبا لبابة بن عبدالمنذر ، أخا بني عمرو
بن عوف ، وكانوا حلفاء الأوس ، لنستشيره في أمرنا ، فأرسله رسول الله صلى الله
عليه وسلم إليهم ؛ فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجهش إليه النساء والصبيان يبكون
في وجهه ، فرق لهم ، وقالوا له : يا أبا لبابة ! أترى أن ننزل على حكم محمد ؟
قال : نعم ، وأشار بيده إلى حلقه ، إنه الذبح .
قال أبو لبابة : فوالله ما زالت
قدماي من مكانهما حتى عرفت أني قد خنت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
ثم انطلق أبو لبابة على وجهه ولم
يأت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ارتبط في المسجد إلى عمود من عمده ، وقال
: لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله علي مما صنعت ، وعهد الله : أن لا أطأ بني
قريظة أبدا ، ولا أُرى في بلد خنت الله ورسوله فيه أبدا .
*3*ما نزل في خيانة أبي لبابة
@ قال ابن هشام : وأنزل الله تعالى
في أبي لبابة ، فيما قال سفيان بن عيينة ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبدالله
بن أبي قتادة : ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم
وأنتم تعلمون ) .
*3*موقف الرسول من أبي لبابة
@ قال ابن إسحاق : فلما بلغ رسول
الله صلى الله عليه وسلم خبره ، وكان قد استبطأه ، (4/ 197) قال : أما إنه لو
جاءني لاستغفرت له ، فأما إذ قد فعل ما فعل ، فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى
يتوب الله عليه .
*3*توبة الله على أبي لبابة
@ قال ابن إسحاق : فحدثني يزيد بن
عبدالله بن قُسيط : أن توبة أبي لبابة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من
السحر ، وهو في بيت أم سلمة . فقالت أم سلمة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه و
سلم من السحر و هو يضحك . قالت : فقلت : مم تضحك يا رسول الله ؟ أضحك الله سنك ؛
قال : تِيب على أبي لبابة ؛ قالت : قلت : أفلا أبشره يا رسول الله ؟ قال : بلى ،
إن شئت .
قال : فقامت على باب حجرتها ، وذلك
قبل أن يُضرب عليهنّ الحجاب ، فقالت : يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك .
قالت : فثار الناس إليه ليطلقوه ، فقال : لا والله حتى يكون رسول الله صلى الله
عليه وسلم هو الذي يطلقني بيده ؛ فلما مر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه .
*3*ما نزل في التوبة على أبي لبابة
@ قال ابن هشام : أقام أبو لبابة
مرتبطا بالجذع ست ليال ، تأتيه امرأته في كل وقت صلاة ، فتحله للصلاة ، ثم يعود
فيرتبط بالجذع ، فيما حدثني بعض أهل العلم ؛ والآية التي نزلت في توبته قول الله
عز وجل : ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم ، خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ، عسى الله أن
يتوب عليهم ، إن الله غفور رحيم ) .
*3*إسلام بعض بني هدل
@ قال ابن إسحاق : ثم إن ثعلبة بن
سعية ، وأسيد بن سعية ، وأسد بن عبيد ، وهم نفر من بني هدل ، ليسوا من بني قريظة
ولا النضير ، نسبهم فوق ذلك ، هم بنو عم القوم ، أسلموا تلك الليلة التي نزلت
فيها بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
*3*قصة عمرو بن سعدى
@ وخرج في تلك الليلة عمرو بن
سُعْدى القرظي ، فمر بحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعليه محمد بن مسلمة
تلك (4/ 198) الليلة ؛ فلما رآه قال : من هذا ؟ قال : أنا عمرو بن سُعدى - وكان
عمرو قد أبى يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال :
لا أغدر بمحمد أبدا - فقال محمد بن مسلمة حين عرفه : اللهم لا تحرمني إقالة
عثرات الكرام ، ثم خلى سبيله .
فخرج على وجهه حتى أتى باب مسجد
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة تلك الليلة ، ثم ذهب فلم يُدر أين توجه
من الأرض إلى يومه هذا ، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه ؛ فقال : ذاك
رجل نجاه الله بوفائه .
وبعض الناس يزعم أنه كان أُوثق
بِرُمَّة فيمن أُوثق من بني قريظة ، حين نزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فأصبحت رمته ملقاة ، ولا يدري أين يذهب ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيه تلك المقالة ، والله أعلم أي ذلك كان .
*3*تحكيم سعد في أمر بني قريظة
@ قال : فلما أصبحوا نزلوا على حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتواثبت الأوس ، فقالوا : يا رسول الله ، إنهم
موالينا دون الخزرج ، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت - وقد كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بني قريظة قد حاصر بني قينقاع ، وكانوا حلفاء
الخزرج ، فنزلوا على حكمه ، فسأله إياهم عبدالله بن أبي بن سلول ، فوهبهم له -
فلما كلمته الأوس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا ترضون يا معشر الأوس
أن يحكم فيهم رجل منكم ؟ قالوا : بلى ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذاك
إلى سعد بن معاذ .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد جعل سعد بن معاذ في خيمة لامرأة من أسلم ، يقال لها : رُفيدة ، في مسجده ،
كانت تداوي الجرحى ، (4/ 199) وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من
المسلمين ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لقومه حين أصابه السهم
بالخندق : اجعلوه في خيمة رُفيدة حتى أعوده من قريب .
فلما حكَّمه رسول الله صلى الله
عليه وسلم في بني قريظة ، أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطَّئوا له بوسادة من أدم
، وكان رجلا جسيما جميلا ، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
وهم يقولون : يا أبا عمرو ، أحسن في مواليك ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إنما ولاك ذلك لتحسن فيهم ؛ فلما أكثروا عليه قال : لقد أَنى لسعد أن لا تأخذه
في الله لومة لائم .
فرجع بعض من كان معه من قومه إلى
دار بني عبدالأشهل ، فنَعَى لهم رجال بني قريظة ، قبل أن يصل إليهم سعد ، عن
كلمته التي سمع منه .
فلما انتهى سعد إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم والمسلمين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قوموا إلى سيدكم
- فأما المهاجرون من قريش ، فيقولون : إنما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
الأنصار ؛ وأما الأنصار ، فيقولون : قد عمّ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فقاموا إليه ، فقالوا : يا أبا عمرو ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولاك
أمر مواليك لتحكم فيهم ؛ فقال سعد بن معاذ : عليكم بذلك عهد الله وميثاقه ، أنّ
الحكم فيهم لمَا حكمت ؟ قالوا : نعم : وعلى من هاهنا ؟ في الناحية التي فيها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو معرض عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
إجلالا له ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ؛ قال سعد : فإني أحكم
فيهم أن تُقتل الرجال ، وتقسم الأموال ، وتُسبى الذراري والنساء . (4/ 200)
*3*رضاه عليه الصلاة والسلام بحكم
سعد
@ قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن
عمر بن قتادة ، عن عبدالرحمن ابن عمرو بن سعد بن معاذ ، عن علقمة بن وقاص الليثي
، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد : لقد حكمت فيهم بحكم الله من
فوق سبعة أرقعة .
*3*علي ينهي المعركة لصالح المسلمين
@ قال ابن هشام : حدثني بعض من أثق
به من أهل العلم : أن علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة : يا كتيبة
الإيمان ، وتقدم هو والزبير بن العوام ، وقال : والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو
لأفتحن حصنهم ؛ فقالوا : يا محمد ، ننزل على حكم سعد بن معاذ .
*3*حبس بني قريظة ومقتلهم
@ قال ابن إسحاق : ثم استنزلوا ،
فحبسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في دار بنت الحارث ، امرأة من بني
النجار ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق المدينة ، التي هي سوقها
(4/ 201) اليوم ، فخندق بها خنادق ، ثم بعث إليهم ، فضرب أعناقهم في تلك الخنادق
، يخرج بهم إليه أرسالا ، وفيهم عدو الله حيي بن أخطب ، وكعب بن أسد ، رأس القوم
، وهم ستمائة أو سبعمائة ، والمكثِّر لهم يقول : كانوا بين الثمانمائة والتسعمائة
.
وقد قالوا لكعب بن أسد ، وهم يُذهب
بهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسالا : يا كعب ، ما تراه يصنع بنا ؟ قال
: أفي كل موطن لا تعقلون ؟ ألا ترون الداعي لا ينزع ، وأنه من ذُهب به منكم لا
يرجع ؟ هو والله القتل ! فلم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم .
*3*مقتل ابن أخطب
@ وأُتي بحيي بن أخطب عدو الله ،
وعليه حله له فقَّاحية - قال ابن هشام : فقاحية : ضرب من الوشي - قد شقها عليه
من كل ناحية قدر أنملة أنملة لئلا يُسلبها ، مجموعة يداه إلى عنقه بحبل .
فلما نظر إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، قال : أما والله ما لمت نفسي في عدواتك ، ولكنه من يخذل الله يخذل ،
ثم أقبل على الناس ، فقال : أيها الناس ، إنه لا بأس بأمر الله ، كتاب وقدر
ملحمة كتبها الله على بني إسرائيل ، ثم جلس فضربت عنقه .
*3*شعر جبل في مقتل حيي بن أخطب
@ فقال جبل بن جوال الثعلبي :
لعمرك ما لام ابن أخطب نفسه * ولكنه
من يخذل الله يخُذلِ
لجاهد حتى أبلغ النفس عذرها * وقلقل
يبغي العز كل مُقلقَل (4/ 202)
*3*قتل امرأة واحدة من نسائهم وسببه
@ قال ابن إسحاق : وقد حدثني محمد
بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : لم
يقتل من نسائهم إلا امراة واحدة . قالت : والله إنها لعندي تحَدَّث معي ، وتضحك
ظهرا وبطنا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل رجالها في السوق ، إذ هتف هاتف
باسمها : أين فلانة ؟ قالت : أنا والله ، قالت : قلت لها : ويلك ؛ ما لك ؟ قالت
: أُقتل ؛ قلت : ولم ؟ قالت : لحدث أحدثته ؛ قالت : فانطلق بها ، فضربت عنقها ؛
فكانت عائشة تقول : فوالله ما أنسى عجبا منها ، طيب نفسها ، وكثرة ضحكها ، وقد
عرفت أنها تُقتل .
قال ابن هشام : وهي التي طرحت الرحا
على خلاد بن سويد ، فقتلته .
*3*قصة الزبير بن باطا
@ قال ابن إسحاق : وقد كان ثابت بن
قيس بن الشماس ، كما ذكر لي ابن شهاب الزهري ، أتى الزبير بن باطا القرظي ، وكان
يكنى أبا عبدالرحمن - وكان الزبير قد منَّ على ثابت بن قيس بن شماس في الجاهلية
. ذكر لي بعض ولد الزبير أنه كان منّ عليه يوم بعاث ، أخذه فجز ناصيته ، ثم خلى
سبيله - فجاءه ثابت وهو شيخ كبير ، فقال : يا أبا عبدالرحمن ، هل تعرفني ؟ (4/
203) قال : وهل يجهل مثلي مثلك ؛ قال : إني قد أردت أن أجزيك بيدك عندي ؛ قال :
إن الكريم يجزي الكريم .
ثم أتى ثابت بن قيس رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، إنه قد كانت للزبير عليّ منة ، وقد
أحببت أن أجزيه بها ، فهب لي دمه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو لك ؛
فأتاه فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وهب لي دمك ، فهو لك ؛ قال : شيخ
كبير لا أهل له ولا ولد ، فما يصنع بالحياة ؟
قال : فأتى ثابت رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، هب لي امرأته وولده ؛ قال : هم
لك . قال : فأتاه فقال : قد وهب لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أهلك وولدك ،
فهم لك ؛ قال : أهل بيت بالحجاز لا مال لهم ، فما بقاؤهم على ذلك ؟
فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، فقال : يا رسول الله ، ماله ؛ قال : هو لك . فأتاه ثابت فقال : قد أعطاني
رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك ، فهو لك .
قال : أي ثابت ، مافعل الذي كأن
وجهه مرآة صينية يتراءى فيها عذارى الحي ، كعب بن أسد ؟ قال : قتل ؛ قال : فما
فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب ؟ قال : قتل ؛ قال : فما فعل مقدمتنا إذا
شددنا ، وحاميتنا إذا فررنا ، عزَّال بن سموأل ؟ قال : قتل ؛ قال : فما فعل
المجلسان ؟ يعني بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة ؛ قال : ذهبوا قتلوا ؛ قال
: فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم ، فوالله ما في العيش بعد
هؤلاء من خير ، فما أنا بصابر لله فتلة دلو ناضح حتى ألقى الأحبة . فقدمه ثابت ،
فضرب عنقه . (4/ 204)
فلما بلغ أبا بكر الصديق قوله (
ألقى الأحبة ) . قال : يلقاهم والله في نار جهنم خالدا فيها مخلدا .
قال ابن هشام : قبلة دلو ناضح . قال
زهير بن أبي سلمى في ( قبلة ) :
وقابل يتغنى كلما قدرت * على
العراقي يداه قائما دَفَقا
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن هشام : ويُروى : وقابل
يتلقى ، يعني قابل الدلو يتناول .
*3*أمر عطية القرظي ورفاعة بن سموأل
@ قال ابن إسحاق : وكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل كل من أنبت منهم .
قال ابن إسحاق : وحدثني شعبة بن
الحجاج ، عن عبدالملك بن عمير ، عن عطية القرظي ، قال : كان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد أمر أن يُقتل من بني قريظة كل من أنبت منهم ، وكنت غلاما ، فوجدوني
لم أُنبت ، فخلوا سبيلي .
قال ابن إسحاق : وحدثني أيوب بن
عبدالرحمن بن عبدالله بن أبي صعصعة ، أخو بني عدي بن النجار : أن سلمى بنت قيس ،
أم المنذر ، أخت سليط بن أخت سليط بن قيس - وكانت إحدى خالات رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، قد صلت معه القبلتين ، بايعته بيعة النساء - سألته (4/ 205) رفاعة
بن سموأل القرظي ، وكان رجلا قد بلغ ، فلاذ بها ، وكان يعرفهم قبل ذلك ، فقالت :
يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، هب لي رفاعة ، فإنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم
الجمل ؛ قال : فوهبه لها ، فاستحيته .
*3*تقسيم فيء بني قريظة
@ قال ابن إسحاق : ثم إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قسّم أموال بني قريظة ونساءهم وأبناءهم على المسلمين ، وأعلم
في ذلك اليوم سُهْمان الخيل وسهمان الرجال ، وأخرج منها الخُمس ، فكان للفارس
ثلاثة أسهم ، للفرس سهمان ولفارسه سهم ، وللراجل ، من ليس له فرس ، سهم .
وكانت الخيل يوم بني قريظة ستة
وثلاثين فرسا ، وكان أول فيء وفعت فيه السهمان ، وأُخرج منها الخمس ، فعلى سنتها
وما مضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها وقعت المقاسم ، ومضت السنة في
المغازي .
ثم بعث رسول الله صلى الله عليه
وسلم سعد بن زيد الأنصاري أخا بني عبدالأشهل بسبي من سبايا بني قريظة إلى نجد ،
فابتاع لهم بها خيلا وسلاحا .
*3*إسلام ريحانة
@ قال : وكان رسول الله صلى الله
عليه وسلم قد اصطفى لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة ، إحدى نساء بني
عمرو بن قريظة ، فكانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي عنها وهي في
ملكه ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض عليها أن يتزوجها ، ويضرب
عليها الحجاب ؛ فقالت : يا رسول الله ، بل تتركني في ملكك ، فهو أخف علي وعليك ،
فتركها .
وقد كانت حين سباها قد تعصّت
بالإسلام ، وأبت إلا اليهودية ، فعزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ووجد في
نفسه لذلك من أمرها .
فبينا هو مع أصحابه ، إذ سمع وقع
نعلين خلفه ؛ فقال : (4/ 206) إن هذا لثعلبة بن سعية يبشرني بإسلام ريحانة ؛
فجاءه فقال : يا رسول الله ، قد أسلمت ريحانة ، فسره ذلك من أمرها .
*3*ما نزل من القرآن في الخندق وبني
قريظة
@ قال ابن إسحاق : وأنزل الله تعالى
في أمر الخندق ، وأمر بني قريظة من القرآن ، القصة في الأحزاب ، يذكر فيها ما
نزل من البلاء ، ونعمته عليهم ، وكفايته إياهم حين فرج ذلك عنهم ، بعد مقالة من
قال من أهل النفاق : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم
جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ، وكان الله بما تعملون بصيرا ) .
والجنود : قريش وغطفان وبنو قريظة ، وكانت الجنود التي أرسل الله عليهم مع الريح
الملائكة .
يقول الله تعالى
: ( إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم ، وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر
، وتظنون بالله الظنونا ) . فالذين جاءوهم من فوقهم بنو قريظة ، والذين جاءوهم
من أسفل منهم قريش وغطفان .
يقول الله تبارك وتعالى : ( هنالك
ابتُلي (4/ 207) المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا ، وإذ يقول المنافقون والذين في
قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسلوه إلا غرورا ) لقول معتِّب بن قشير إذ يقول ما
قال .
( وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام
لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبي يقولون إن بيوتنا عورة وما هي بعورة إن
يريدون إلا فرارا ) لقول أوس بن قيظي ومن كان على رأيه من قومه ( ولو دُخلت
عليهم من أقطارها ) : أي المدينة .
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب
@ قال ابن هشام : الأقطار : الجوانب
؛ وواحدها : قطر ، وهي الأقتار ، وواحدها : قتر .
قال الفرزدق :
كم من غِنى فتح الإله لهم به *
والخيل مُقْعية على الأقطار
ويُروى : ( على الأقتار ) . وهذا
البيت في قصيدة له .
( ثم سئلوا الفتنة ) : أي الرجوع
إلى الشرك ( لآتوها وما تلبثُّوا بها إلا يسيرا . ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل
لا يولون الأدبار ، وكان عهد الله مسئولا ) ، فهم بنو حارثة ، وهم الذين هموا أن
يفشلوا يوم أحد مع بني سلمة حين همتا بالفشل يوم أحد ، ثم عاهدوا الله أن لا
يعودوا لمثلها أبدا ، فذكر لهم الذين أعطوا من أنفسهم ، ثم قال تعالى : ( قل لن
ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل ، وإذا لا تمتعون إلا قليلا . قل من
ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا ، أو أراد بكم رحمة ، ولا يجدون لهم من
دون الله وليا ولا نصيرا . قد يعلم الله المعوِّقين منكم ) : أي أهل (4/ 208)
النفاق ( والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ، ولا يأتون البأس إلا قليلا ) : أي إلا
دفعا وتعذيرا ( أشحة عليكم ) : أي للضغن الذي في أنفسهم ( فإذا جاء الخوف رأيتهم
ينظرون إليك ، تدور أعينهم كالذي يُغشى عليه من الموت ) : أي إعظاما له وفرقا
منه ( فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد ) : أي في القول بما لا تحبون ، لأنهم
لا يرجون آخرة ، ولا تحملهم حِسبة ، فهم يهابون الموت هيبة من لا يرجو ما بعده .
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب
@ قال ابن هشام : سلقوكم : بالغوا
فيكم بالكلام ، فأحرقوكم وآذوكم . تقول العرب : خطيب سلاّق ، وخطيب مِسْلق
ومِسْلاق .
قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
فيهم المجد والسماحة والنَّجْـ *
ـدة فيهم والخاطب السلاقُ
وهذا البيت في قصيدة له .
( يحسبون الأحزاب لم يذهبوا ) قريش
وغطفان ( وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم ،
ولو كانوا فيكم ما قاتلوا الا قليلا ) .
ثم أقبل على المؤمنين فقال : ( لقد
كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ) : أي لئلا يرغبوا
بانفسهم عن نفسه ، ولا عن مكان هو به .
ثم ذكر المؤمنين وصدقهم وتصديقهم
بما وعدهم الله من البلاء يختبرهم به ، فقال : ( ولما رأى المؤمنون الأحزاب
قالوا هذا ما (4/ 209) وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، وما زادهم الا
إيمانا وتسليما ) : أي صبرا على البلاء وتسليما للقضاء ، وتصديقا للحق ، لما كان
الله تعالى وعدهم ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : ( من المؤمنين رجال
صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ) : أي فرغ من عمله ، ورجع إلى
ربه ، كمن استشهد يوم بدر ويوم أحد .
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب
@ قال ابن هشام : قضى نحبه : مات ،
والنحب : النفس ، فيما أخبرني أبو عبيدة ، وجمعه : نحوب . قال ذو الرمة :
عشية فر الحارثيون بعد ما * قضى
نحبه في ملتقى الخيل هَوْبَرُ
وهذا البيت في قصيدة له . وهوبر :
من بني الحارث بن كعب ، أراد : يزيد بن هوبر . والنحب أيضاً : النذر . قال جرير
بن الخَطَفَى :
بطخفة جالدنا الملوك وخيلنا * عشية
بسطام جرين على نحب
يقول : على نذر كانت نذرت أن تقتله
فقتلته ، وهذا البيت في قصيدة له . وبسطام : بسطام بن قيس بن مسعود الشيباني ،
وهو ابن ذي الجدين . حدثني أبو عبيدة : أنه كان فارس ربيعة بن نزار . وطِخْفة :
موضع بطريق البصرة .
والنحب أيضا : الخِطار ، وهو الرهان
. قال الفرزدق :
وإذ نحبت كلب على الناس أينا * على
النحب أعطى للجزيل وأفضل
والنحب أيضا : البكاء . ومنه قولهم
: ينتحب . والنحب أيضا : الحاجة والهمة ؛ تقول : ما لي عندهم نحب . قال مالك بن
نويرة اليربوعي :
وما لي نحب عندهم غير أنني * تلمست
ما تبغي من الشُّدُن الشُّجْرِ (4/ 210)
وقال نهار بن توسعة ، أحد بني تيم
اللات بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل - قال ابن هشام : هؤلاء
موالي بني حنيفة - :
ونجَّى يوسفَ الثقفي ركض * دراك بعد
ما وقع اللواء
ولو أدركنه لقضين نحبا * به وكل
مُخطَأَة وقاء
والنحب أيضاً : السير الخفيف
المَرِّ .
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق