الخميس، 3 مايو 2018

14. السيرة لابن هشام من (4/ 211) الي (4/ 294)



قال ابن إسحاق : ( ومنهم من ينتظر ) : أي ما وعد الله به من نصره ، والشهادة على ما مضى عليه أصحابه . يقول الله تعالى : ( وما بدلوا تبديلا ) : أي ما شكوا وما ترددوا في دينهم ، وما استبدلوا به غيره . ( ليجزي الله الصادقين بصدقهم ، ويعذب المنافقين إن شاء ، أو يتوب عليهم ، إن الله كان غفورا رحيما . و ردَّ الله الذين كفروا بغيظهم ) : أي قريشا وغطفان ( لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال ، وكان الله قويا عزيزا . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب ) : أي بني قريظة ( من صياصيهم ) ، والصياصي : الحصون والآطام التي كانوا فيها .
قال ابن هشام : قال سحيم عبد بني الحسحاس ؛ وبنو الحسحاس من بني أسد بن خزيمة :
وأصبحت الثيران صرعى وأصبحت * نساء تميم يبتدرن الصياصيا (4/ 211)
وهذا البيت في قصيدة له . والصياصي أيضا : القرون . قال النابغة الجعدي :
وسادة رهطي حتى بَقِيْـ * ـتُ فردا كصيصية الأعضب
يقول : أصاب الموت سادة رهطي . وهذا البيت في قصيدة له . وقال أبو دواد الإيادي :
فذَعَرْنا سُحم الصياصي بأيديـ * ـهنّ نَضْحٌ من الكُحيل وقار
وهذا البيت في قصيدة له . والصياصي أيضاً : الشوك الذي للنساجين ، فيما أخبرني أبو عبيدة . وأنشدني لدريد بن الصمة الجشمي ، جشم ابن معاوية بن بكر بن هوازن :
نظرت إليه والرماح تنوشه * كوقع الصياصي في النسيج الممدد
وهذا البيت في قصيدة له . والصياصي أيضاً : التي تكون في أرجل الديكة ناتئة كأنها القرون الصغار ، والصياصي أيضاً : الأصول . أخبرني أبو عبيدة أن العرب تقول : جذّ الله صيصيته : أي أصله .
قال ابن إسحاق : ( وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا ) : أي قتل الرجال ، وسبي الذراري والنساء ، ( وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضا لم تطئوها ) : يعني خيبر ( وكان الله على كل شيء قديرا ) . (4/ 212)
*3*إكرام سعد بن معاذ في موته
@ قال ابن إسحاق : فلما انقضى شأن بني قريظة انفجر بسعد بن معاذ جرحه ، فمات منه شهيدا .
قال ابن إسحاق : حدثني معاذ بن رفاعة الزُّرقي ، قال : حدثني من شئت من رجال قومي : أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قُبض سعد بن معاذ من جوف الليل معتجرا بعمامة من إستبرق ، فقال : يا محمد ، من هذا الميت الذي فُتحت له أبواب السماء ، واهتز له العرش ؟ قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا يجر ثوبه إلى سعد ، فوجده قد مات . (4/ 213)
قال ابن إسحاق : وحدثني عبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن قالت : أقبلت عائشة قافلة من مكة ، ومعها أسيد بن حضير ، فلقيه موت امرأة له ، فحزن عليها بعض الحزن ، فقالت له عائشة : يغفر الله لك يا أبا يحيى ، أتحزن على امرأة وقد أُصبت بابن عمك ، وقد اهتز له العرش !
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم عن الحسن البصري ، قال : كان سعد رجلا بادنا ، فلما حمله الناس وجدوا له خفة ، فقال رجال من المنافقين : والله إن كان لبادنا ، وما حملنا من جنازة أخف منه ، فبلغ ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن له حملة غيركم ، والذي نفسي بيده ، لقد استبشرت الملائكة بروح سعد ، واهتز له العرش .
قال ابن إسحاق : وحدثني معاذ بن رفاعة ، عن محمود بن عبدالرحمن ابن عمرو بن الجموح ، عن جابر بن عبدالله ، قال : لما دُفن سعد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسبح الناس معه ، ثم كبر فكبر الناس معه ؛ فقالوا : يا رسول الله ، مم سبحت ؟ قال : لقد تضايق على هذا العبد الصالح قبره ، حتى فرجه الله عنه .
قال ابن هشام : ومجاز هذا الحديث قول عائشة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن للقبر لضمة لو كان أحد منها ناجيا لكان سعد بن معاذ .
قال ابن إسحاق : ولسعد يقول رجل من الأنصار :
وما اهتز عرش الله من موت هالك * سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو
و قالت أم سعد ، حين احتُمل نعشه وهي تبكيه - قال ابن هشام : وهي كُبيشة بنت رافع بن معاوية بن عبيد بن ثعلبة بن عبد بن الأبجر ، وهو خُدْرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج - : (4/ 214)
ويل أم سعد سعدا * صرامة وحدا
وسُوددا ومجدا * وفارسا مُعدّا
سُدّ به مَسدّا * يَقُدُّ هاما قَدّا
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل نائحة تكذب ، إلا نائحة سعد بن معاذ .
*3*الشهداء يوم الخندق
@ قال ابن إسحاق : ولم يستشهد من المسلمين يوم الخندق إلا ستة نفر .
*3*من بني عبدالأشهل
@ و من بني عبدالأشهل : سعد بن معاذ ، وأنس بن أوس بن عتيك بن عمرو ، وعبدالله بن سهل . ثلاثة نفر .
*3*من بني جشم
@ ومن بني جشم بن الخزرج ، ثم من بني سلمة : الطفيل بن النعمان ، وثعلبة بن غنمة . رجلان .
*3*من بني النجار
@ ومن بني النجار ، ثم من بني دينار : كعب بن زيد ، أصابه سهم غرب ، فقتله .
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب
@ قال ابن هشام : سهمُ غَرْبٍ وسهمٌ غرب ، بإضافة وغير إضافة ، وهو الذي لا يُعرف من أين جاء ولا من رمى به .
*3*قتلى المشركين
@ وقتل من المشركين ثلاثة نفر .
*3*من بني عبدالدار
@ ومن بني عبدالدار بن قصي : منبه بن عثمان بن عبيد بن السباق بن عبدالدار ، أصابه سهم ، فمات منه بمكة .
قال ابن هشام : هو عثمان بن أمية بن منبه بن عبيد بن السباق . (4/ 215)
*3*عرض المشركين على الرسول شراء جسد نوفل
@ قال ابن إسحاق : ومن بني مخزوم بن يقظة : نوفل بن عبدالله بن المغيرة ؛ سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسده ، وكان اقتحم الخندق ، فتورط فيه ، فقُتل ، فغلب المسلمون على جسده . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لنا في جسده ولا بثمنه ، فخلى بينهم وبينه .
قال ابن هشام : أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم ، فيما بلغني عن الزهري .
*3*من بني عامر
@ قال ابن إسحاق : ومن بني عامر بن لؤي ، ثم من بني مالك بن حسل : عمرو بن عبد ود ، قتله علي بن أبي طالب رضوان الله عليه .
قال ابن هشام : وحدثني الثقة أنه حدث عن ابن شهاب الزهري أنه قال : قتل علي بن أبي طالب يومئذ عمرو بن عبد ود وابنه حسل بن عمرو .
قال ابن هشام : ويقال عمرو بن عبد ود ، ويقال : عمرو بن عبد .
*3*الشهداء يوم بني قريظة
@ قال ابن إسحاق : واستشهد يوم بني قريظة من المسلمين ، ثم من بني الحارث بن الخزرج : خلاد بن سويد بن ثعلبة بن عمرو ، طُرحت عليه رحى ، فشدخته شدخا شديدا ، فزعموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن له لأجر شهيدين .
ومات أبو سنان بن محصن بن حرثان ، أخو بني أسد بن خزيمة ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم محاصر بني قريظة ، فدفن في مقبرة بني قريظة التي يدفنون فيها اليوم ، وإليه دفنوا أمواتهم في الإسلام . (4/ 216)
*3*بشر الرسول المسلمين بغزو قريش
@ ولما انصرف أهل الخندق عن الخندق ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني : لن تغزوكم قريش بعد عامكم هذا ، ولكنكم تغزونهم . فلم تغزهم قريش بعد ذلك ، وكان هو الذي يغزوها ، حتى فتح الله عليه مكة .
*2*ما قيل من الشعر في أمر الخندق وبني قريظة
*3*شعر ضرار بن الخطاب
@ قال ضرار بن الخطاب بن مرداس ، أخو بني محارب بن فهر ، في يوم الخندق :
ومشفقة تظن بنا الظنونا * وقد قُدنا عرندسة طحونا
كأن زهاءها أحد إذا ما * بدت أركانه للناظرينا
ترى الأبدان فيها مسبغات * على الأبطال واليَلَبَ الحصينا
وجردا كالقداح مسوَّمات * نؤم بها الغواة الخاطيينا
كأنهم إذا صالوا و صُلْنا * بباب الخندقين مصافحونا
أناس لا نرى فيهم رشيدا * وقد قالوا ألسنا راشدينا
فأحجرناهمُ شهرا كريتا * وكنا فوقهم كالقاهرينا
نراوحهم ونغدو كل يوم * عليهم في السلاح مدججينا
بأيدينا صوارم مرهفات * نقدّ بها المفارق والشئونا
كأن وميضهن معرَّيات * إذا لاحت بأيدي مصلتينا (4/ 217)
وميض عقيقة لمعت بليل * ترى فيها العقائق مستبينا
فلولا خندق كانوا لديه * لدمرنا عليهم أجمعينا
ولكن حال دونهم وكانوا * به من خوفنا متعوذينا
فإن نرحل فإنا قد تركنا * لدى أبياتكم سعدا رهينا
إذا جن الظلام سمعت نوحي * على سعد يُرجِّعْن الحنينا
وسوف نزوركم عما قريب * كما زرناكم متوازرينا
بجمع من كنانة غير عُزْل * كأسد الغاب قد حمت العرينا
*3*كعب بن مالك يرد على ضرار
@ فأجابه كعب بن مالك ، أخو بني سلمة ، فقال :
وسائلة تسائل ما لقينا * ولو شهدت رأتنا صابرينا
صبرنا لا نرى لله عدلا * على مانابنا متوكلينا
وكان لنا النبي وزير صدق * به نعلو البرية أجمعينا
نقاتل معشرا ظلموا وعقُّوا * وكانوا بالعداوة مرصدينا
نعاجلهم إذا نهضوا إلينا * بضرب يعجل المتسرعينا
ترانا في فضافض سابغات * كغدران الملا متسربلينا
وفي أيماننا بيض خفاف * بها نشفي مراح الشاغبينا
بباب الخندقين كأن أسدا * شوابكهن يحمين العرينا
فوارسنا إذا بكروا وراحوا * على الأعداء شوسا معلمينا
لننصر أحمدا والله حتى * نكون عباد صدق مخلصينا
ويعلم أهل مكة حين ساروا * وأحزاب أتوا متحزبينا
بأن الله ليس له شريك * وأنا الله مولى المؤمنينا (4/ 218)
فإما تقتلوا سعدا سفاها * فإن الله خير القادرينا
سيدخله جنانا طيبات * تكون مقامة للصالحينا
كما قد ردكم فَلاًّ شريدا * بغيظكم خزايا خائبينا
خزايا لم تنالوا ثَمَّ خيرا * وكدتم أن تكونوا دامرينا
بريح عاصف هبت عليكم * فكنتم تحتها متكمِّهينا
*3*شعر عبدالله بن الزبعرى في غزوة الخندق
@ وقال عبدالله بن الزبعرى السهمي ، في يوم الخندق :
حي الديار محا معارف رسمها * طول البِلى وتراوح الأحقاب
فكأنما كتب اليهود رسومها * إلا الكنيف ومعقد الأطناب
قفرا كأنك لم تكن تلهو بها * في نعمة بأوانس التراب
فاترك تذكُّر ما مضى من عيشة * ومحلة خلق المقام يباب
واذكر بلاء معاشر واشكرهم * ساروا بأجمعهم من الأنصاب
أنصاب مكة عامدين ليثرب * في ذي غياطل جحفل جبجاب
يدع الحزون مناهجا معلومة * في كل نشر ظاهر وشعاب
فيها الجياد شوازب مجنوبة * قُبُّ البطون لواحق الأقراب
من كل سلهبة وأجرد سلهب * كالسيد بادرَ غفلة الرقاب (4/ 219)
جيش عيينة قاصد بلوائه * فيه وصخر قائد الأحزاب
قرمان كالبدرَيْن أصبح في هام * غيث الفقير ومعقل الهُراب
حتى إذا وردوا المدينة وارتدوا * للموت كل مجرَّب قضّاب
شهرا وعشرا قاهرين محمدا * وصحابه في الحرب خير صحاب
نادوا برحلتهم صبيحة قلتم * كدنا نكون بها مع الخُيَّاب
لولا الخنادق غادروا من جمعهم * قتلى لطير سُغَّب وذئاب
*3*رد حسَّان بن ثابت عليه
@ فأجابه حسَّان بن ثابت الأنصاري ، فقال :
هل رسم دارسة المقام يباب * متكلم لمحاور بجواب
قفر عفا رهم السحاب رسومه * وهبوب كل مطلة مرباب
ولقد رأيت بها الحلول يزينهم * بيض الوجوه ثواقب الأحساب
فدع الديار وذكر كل خريدة * بيضاء آنسة الحديث كعاب
و اشك الهموم إلى الإله وما ترى * من معشر ظلموا الرسول غضاب
ساروا بأجمعهم إليه وألبوا * أهل القرى وبوادي الأعراب
جيش عيينة وابن حرب فيهم * متخمطون بحلبة الأحزاب
حتى إذا وردوا المدينة وارتجوا * قتل الرسول ومغنم الأسلاب
وغدوا علينا قادرين بأيدهم * ردوا بغيظهم على الأعقاب
بهبوب معصفة تفرق جمعهم * وجنود ربك سيد الأرباب (4/ 220)
فكفى الإله المؤمنين قتالهم * وأثابهم في الأجر خير ثواب
من بعد ما قنطوا ففرق جمعهم * تنزيل نصر مليكنا الوهاب
و أقرَّ عين محمد وصحابه * وأذل كل مكذب مرتاب
عاتي الفؤاد موقَّع ذي ريبة * في الكفر ليس بطاهر الأثواب
علق الشقاء بقلبه ففؤاده * في الكفر آخر هذه الأحقاب
*3*كعب بن مالك يرد على ابن الزبعرى
@ وأجابه كعب بن مالك أيضاً ، فقال :
أبقى لنا حدث الحروب بقية * من خير نحلة ربنا الوهاب
بيضاء مشرفة الذُّرى ومعاطنا * حُمَّ الجذوع غزيرة الأحلاب
كاللُّوب يبذل جمها وحفيلها * للجار وابن العم والمنتاب
ونزائعا مثل السِّراح نمى بها * علف الشعير وجزة المقضاب
عري الشوى منها وأردف نحضها * جرد المتون وسائر الآراب (4/ 221)
قُودا تراح إلى الصياح إذ غدت * فعل الضراء تراح للكلاّب
وتحوط سائمة الديار وتارة * تُردي العدا وتئوب بالأسلاب
حوش الوحوش مطارة عند الوغى * عُبْس اللقاء مبينة الإنجاب
عُلفت على دعة فصارت بُدَّنا * دُخْس البضيع خفيفة الأقصاب
يغدون بالزغف المضاعف شكة * وبمترصات في الثقاف صياب
و صوارم نزع الصياقل غلبها * وبكل أروع ماجد الأنساب
يصل اليمين بمارن متقارب * وُكلت وقيعته إلى خبَّاب
وأغر أزرق في القناة كأنه * في طُخْية الظلماء ضوء شهاب
وكتيبة ينفي القرانَ قتيرُها * وترد حد قواحذ النُّشاب
جأوى ململمة كأن رماحها * في كل مجَمعة ضريمةُ غاب
يأوي إلى ظِل اللواء كأنه في صعدة الخطِّي فيء عقاب* (4/ 222)
أعيت أبا كرب وأعيت تُبَّعا * وأبت بسالتها على الأعراب
ومواعظ من ربنا نهُدَى بها * بلسان أزهرَ طيب الأثواب
عرضت علينا فاشتهينا ذكرها * من بعد ما عرضت على الأحزاب
حكما يراها المجرمون بزعمهم * حرجا ويفهمها ذوو الألباب
جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليُغلبنَّ مُغالِبُ الغلاّب
قال ابن هشام : حدثني من أثق به ، حدثني عبدالملك بن يحيى بن عباد ابن عبدالله بن الزبير ، قال : لما قال كعب بن مالك :
جاءت سخينة كي تغالب ربها * فليغلبن مغالب الغلاب
قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد شكرك الله يا كعب على قولك هذا .
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
من سره ضرب يمعمع بعضه * بعضا كمعمعة الأباء المحرق (4/ 223)
فليأت مأسدة تُسنّ سيوفها * بين المذاد وبين جزع الخندق
درِبوا بضرب المُعلِمين وأسلموا * مهجات أنفسهم لرب المشرق
في عصبة نصر الإله نبيَّه * بهم وكان بعبده ذا مرفق
في كل سابغة تخط فضولها * كالنهي هبت ريحه المترقرق
بيضاء محكمة كأن قتيرها * حدق الجنادب ذات شك موثق
جدلاء يحفزها نجاد مهند * صافي الحديد صارم ذي رونق
تلكم مع التقوى تكون لباسنا * يوم الهياج وكل ساعة مصدق
نَصِل السيوف إذا قصرن بخطونا * قدما ونلحقها إذا لم تلحق (4/ 224)
فترى الجماجم ضاحيا هاماتها * بَلْهَ الأكف كأنها لم تخلق
نلقى العدو بفخمة ملمومة * تنفي الجموع كفصد رأس المشرق
ونُعِد للأعداء كل مقلَّص ورد ومحجول القوائم أبلق *
تَردي بفرسان كأن كماتهم * عند الهياج أسود طَلّ مُلثق
صُدق يعاطون الكماة حتوفهم * تحت العماية بالوشيج المزهق
أمر الإله بربطها لعدوه * في الحرب إن الله خير موفق
لتكون غيظا للعدو وحُيَّطا * للدار إن دلفت خيولا النُّزَّق
ويُعيننا الله العزيز بقوة * منه وصدق الصبر ساعة نلتقي
ونطيع أمر نبينا ونجيبه * وإذا دعا لكريهة لم نُسبق
ومتى يناد إلى الشدائد نأتها * ومتى نرى الحومات فيها نُعنق
من يتَّبع قول النبي فإنه * فينا مطاع الأمر حق مصدَّق
فبذاك ينصرنا ويُظهر عزنا * ويُصيبنا من نيل ذاك بمرفق
إن الذين يكذبون محمدا * كفروا وضلوا عن سبيل المتَّقي
قال ابن هشام : أنشدني بيته :
تلكم مع التقوى تكون لباسنا (4/ 225)
وبيته :
من يتبع قول النبي *
أبو زيد . وأنشدني :
تنفي الجموع كرأس قدس المشرق
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق :
لقد علم الأحزاب حين تألَّبوا علينا وراموا ديننا ما نوادع *
أضاميم من قيس بن عيلان أصفقت * وخندف لم يدروا بما هو واقع
يذودوننا عن ديننا ونذودهم * عن الكفر والرحمن راء وسامع
إذا غايظونا في مقام أعاننا * على غيظهم نصر من الله واسع
وذلك حفظ الله فينا وفضله * علينا ومن لم يحفظ اللهُ ضائع
هدانا لدين الحق واختاره لنا * ولله فوق الصانعين صنائع
قال ابن هشام : وهذه الأبيات في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك في يوم الخندق : (4/ 226)
ألا أبلغ قريشا أن سلعا * وما بين العُريض إلى الصماد
نُواضح في الحروب مدرَّبات * وخوص ثُقِّبت من عهد عاد
رواكد يزخر المرار فيها * فليست بالجمام ولا الثماد
كأن الغاب والبرديَّ فيها * أجش إذا تبقَّع للحصاد
ولم نجعل تجارتنا اشتراء الـْ * ـحمير لأرض دوس أو مراد
بلاد لم تُثر إلا لكيما * نجالد إن نشِطتم للجلاد
أثرنا سكة الأنباط فيها * فلم تر مثلها جلهات واد
قصرنا كل ذي حضر وطول * على الغايات مقتدر جواد
أجيبونا إلى ما نجتديكم من القول المبين والسداد* (4/ 227)
وإلا فاصبروا لجلاد يوم * لكم منا إلى شطر المذاد
نصبحكم بكل أخي حروب * وكل مطهَّم سلس القياد
وكل طِمرَّة خفق حشاها * تدف دفيف صفراء الجراد
وكل مقلَّص الآراب نهد * تميم الخلق من أُخْر وهادي
خيول لا تُضاع إذا أُضيعت * خيول الناس في السنة الجماد
ينازعن الأعنة مصغيات * إذا نادى إلى الفزع المنادي
إذا قالت لنا النذر استعدوا * توكلنا على رب العباد
وقلنا لن يفرج ما لقينا * سوى ضرب القوانس والجهاد
فلم تر عصبة فيمن لقينا * من الأقوام من قار وبادي *
أشد بسالة منا إذا ما * أردناه وألين في الوداد
إذا ما نحن أشرجنا عليها * جياد الجُدْل في الأُرَب الشداد
قذفنا في السوابغ كل صقر * كريم غير معتلث الزناد
أشم كانه أسد عبوس * غداة بدا ببطن الجزع غادي
يغشّي هامة البطل المذكَّى * صبيَّ السيف مسترخي النجاد
لنظهر دينك اللهم إنا * بكفك فاهدنا سبل الرشاد (4/ 228)
قال ابن هشام بيته :
قصرنا كل ذي حُضْر وطَول *
والبيت الذي يتلوه ، والبيت الثالث منه ، والبيت الرابع منه ، وبيته :
أشم كأنه أسد عبوس *
والبيت الذي يتلوه ، عن أبي زيد الأنصاري .
*3*ما بكى به مسافع عمرو بن عبد ود
@ قال ابن إسحاق : وقال مسافع بن عبد مناف بن وهب بن حذافة بن جمح ، يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي بن أبي طالب إياه :
عمرو بن عبد كان أول فارس * جزع المذاد وكان فارس يليل
سمح الخلائق ماجد ذو مرة * يبغي القتال بشكة لم ينكل
و لقد علمتم حين ولوا عنكم * أن ابن عبد فيهم لم يعجل
حتى تكنَّفه الكماة وكلهم * يبغي مقاتله وليس بمؤتلي
ولقد تكنَّفت الأسنة فارسا * بجنوب سلع غير نكس أميل
تسل النزال عليّ فارس غالب * بجنوب سلع ، ليته لم ينزل
فاذهب عليّ فما ظفرت بمثله فخرا ولا لاقيت مثل المعضل *
نفسي الفداء لفارس من غالب * لاقى حمام الموت لم يتحلحل
أعني الذي جزع المذاد بمهره * طلبا لثأر معاشر لم يخذل
*3*ما أنب به مسافع الفرسان أصحاب عمرو بن عبد ود
@ وقال مسافع أيضاً يؤنب فرسا عمرو الذين كانوا معه ، فأجلوا عنه وتركوه :
عمرو بن عبد والجياد يقودها * خيل تقاد له وخيل تنعل (4/ 229)
أجلت فوارسه وغادر رهطه * ركنا عظيما كان فيها أول
عجبا وإن أعجب فقد أبصرته * مهما تسوم علي عمرا ينزل
لا تبعدن فقد أصبت بقتله * ولقيت قبل الموت أمرا يثقل
وهبيرة المسلوب ولى مدبرا * عند القتال مخافة أن يقتلوا
وضرار كأن البأس منه محضرا * ولى كما ولى اللئيم الأعزل
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له . وقوله : ( عمرا ينزل ) عن غير ابن إسحاق .
*3*ما قاله هبيرة في فراره ورثائه عمر بن عبد ود
@ قال ابن إسحاق : وقال هبيرة بن أبي وهب يعتذر من فراره ، ويبكي عمرا ، ويذكر قتل علي إياه :
لعمري ما وليت ظهري محمدا * وأصحابه جبنا ولا خيفة القتل
ولكنني قلبت أمري فلم أجد * لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلي
وقفت فلما لم أجد لي مقدما * صدرت كضرغام هزبر أبي شبل
ثنى عطفه عن قرنه حين لم يجد * مكرا وقدما كان ذلك من فعلي
فلا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * وحق لحسن المدح مثلك من مثلي
ولا تبعدن يا عمرو حيا وهالكا * فقد بنت محمود الثنا ماجد الأصل
فمن لطراد الخيل تقدع بالقنا * وللفخر يوما عند قرقرة البزل
هنالك لو كان ابن عبد لزارها * وفرجها حقا فتى غير ما وغل
فعنك علي لا أرى مثل موقف * وقفت على نجد المقدم كالفحل (4/ 230)
فما ظفرت كفاك فخرا بمثله * أمنت به ما عشت من زلة النعل
*3*ما قاله هبيرة في رثاء عمرو أيضاً
@ وقال هبيرة بن أبي وهب يبكي عمرو بن عبد ود ، ويذكر قتل علي إياه :
لقد علمت عليا لؤي بن غالب * لفارسها عمرو إذا ناب نائب
لفارسها عمرو إذا ما يسومه * علي وإن الليث لا بد طالب
عشية يدعوه علي وإنه لفارسها إذ خام عنه الكتائب *
فيا لهف نفسي إن عمرا تركته * بيثرب لا زالت هناك المصائب
*3*حسَّان يفتخر بقتل عمرو
@ وقال حسَّان بن ثابت يفتخر بقتل عمرو بن عبد ود :
بقيتكم عمرو أبحناه بالقنا * بيثرب نحمي والحماة قليل
ونحن قتلناكم بكل مهند * ونحن ولاة الحرب حين نصول
ونحن قتلناكم ببدر فأصبحت * معاشركم في الهالكين تجول
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان .
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في شأن عمرو بن عبد ود :
أمسى الفتى عمرو بن عبد يبتغي * بجنوب يثرب ثأره لم ينظر
فلقد وجدت سيوفنا مشهورة * ولقد وجدت جيادنا لم تقصر
ولقد لقيت غداة بدر عصبة * ضربوك ضربا غير ضرب الحسر
أصبحت لا تدعى ليوم عظيمة * يا عمرو أو لجسيم أمر منكر
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان . (4/ 231)
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً :
الا أبلغ أبا هدم رسولا * مغلغلة تخب بها المطي
أكنت وليكم في كل كره * وغيري في الرخاء هو الولي
و منكم شاهد ولقد رآني رفعت له كما احتمل الصبي *
قال ابن هشام : وتروى هذه الأبيات لربيعة بن أمية الديلي ، ويروى فيها آخرها :
كببت الخزرجي على يديه * وكان شفاء نفسي الخزرجي
وتروى أيضاً لأبي أسامة الجشمي .
*3*ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ
@ قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت في يوم بن قريظة يبكي سعد بن معاذ ، ويذكر حكمه فيهم :
لقد سجمت من دمع عيني عبرة * وحق لعيني أن تفيض على سعد
قتيل ثوى في معرك فجعت به * عيون ذواري الدمع دائمة الوجد
على ملة الرحمن وارث جنة * مع الشهداء وفدها أكرم الوفد
فإن تك قد ودعتنا وتركتنا * وأمسيت في غبراء مظلمة اللحد
فأنت الذي يا سعد أبت بمشهد * كريم وأثواب المكارم والحمد
بحكمك في حيي قريظة بالذي * قضى الله فيهم ما قضيت على عمد
فوافق حكم الله حكمك فيهمُ * ولم تعف إذ ذكرت ما كان من عهد
فإن كان ريب الدهر أمضاك في الألى * شروا هذه الدنيا بجناتها الخلد
فنعم مصير الصادقين إذا دعوا * إلى الله يوما للوجاهة والقصد (4/ 232)
*3*ما قاله حسَّان في بكاء سعد بن معاذ وغيره
@ وقال حسَّان بن ثابت أيضاً ، يبكي سعد بن معاذ ، ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشهداء ، ويذكرهم بما كان فيهم من الخير :
ألا يا لقومي هل لما حُمّ دافع * و هل ما مضى من صالح العيش راجع
تذكرت عصرا قد مضى فتهافتت * بنات الحشى وانهل مني المدامع
صبابة وجد ذكرتني أحبة * وقتلى مضى فيها طفيل ورافع
وسعد فأضحوا في الجنان وأوحشت * منازلهم فالأرض منهم بلاقع
وفوا يوم بدر للرسول و فوقهم * ظلال المنايا والسيوف اللوامع
دعا فأجابوه بحق وكلهم * مطيع له في كل أمر وسامع
فما نكلوا حتى تولوا جماعة * ولا يقطع الآجال إلا المضارع
لأنهم يرجون منه شفاعة * إذا لم يكن إلا النبيون شافع
فذلك يا خير العباد بلاؤنا * إجابتنا لله والموت ناقع
لنا القدم الأولى إليك وخلفنا * لأوّلنا في ملة الله تابع
ونعلم أن الملك لله وحده * وأن قضاء الله لا بد واقع
*3*ما قاله حسَّان في يوم بني قريظة
@ وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة :
لقد لقيت قريظة ما سآها * وما وجدت لذل من نصير
أصابهم بلاء كان فيه * سوى ما قد أصاب بني النضير
غداة أتاهم يهوي إليهم * رسول الله كالقمر المنير
له خيل مجنَّبة تَعادَى * بفرسان عليها كالصقور
تركناهم وما ظفروا بشيء * دماؤهمُ عليهم كالغدير (4/ 233)
فهم صرعى تحوم الطير فيهم * كذاك يُدان ذو العند الفَجور
فأنذرْ مثلها نصحا قريشا * من الرحمن إن قبلت نذيري
وقال حسَّان بن ثابت في بني قريظة
لقد لقيت قريظة ما سآها * وحل بحصنها ذل ذليل
وسعد كان أنذرهم بنصح * بأن إلهكم رب جليل
فما برحوا بنقص العهد حتى * فَلاهم في بلادهمُ الرسول
أحاط بحصنهم منا صفوف * له من حَرّ وقعتهم صليل
وقال حسَّان بن ثابت أيضاً في يوم بني قريظة :
تفاقد معشر نصروا قريشا وليس لهم ببلدتهم نصير
هم أوتوا الكتاب فضيعوه * وهم عمي من التوراة بور
كفرتم بالقرآن وقد أتيتم * بتصديق الذي قال النذير
فهان على سراة بني لؤي * حريق بالبُويرة مستطير
*3*أبو سفيان يرد على حسَّان
@ فأجابه أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ، فقال :
أدام الله ذلك من صنيع * وحرّق في طرائقها السعير
ستعلم أينا منها بنُزه * وتعلم أي أرضينا تضير
فلو كان النخيل بها ركابا * لقالوا لا مُقام لكم فسيروا (4/ 234)
*3*جبل بن جوال يرد على حسان
@ وأجابه جبل بن جوال الثعلبي أيضاً ، وبكى النضير وقريظة ، فقال :
ألا يا سعد سعد بني معاذ * لما لقيت قريظة والنضير
لعمرك إن سعد بني معاذ * غداة تحمَّلوا لهو الصبور
فأما الخزرجي أبو حُباب * فقال لقينقاع لا تسيروا
وبُدّلت الموالي من حضير * أسيد والدوائر قد تدور
وأقفرت البويرة من سلام * وسعية وابن أخطب فهي بور
وقد كانوا ببلدتهم ثقالا * كما ثقلت بمَيْطان الصخور
فإن يهلك أبو حكم سلام * فلا رثُّ السلاح ولا دَثُور
وكل الكاهنَيْن وكان فيهم * مع اللين الخضارمة الصقور
وجدنا المجد قد ثبتوا عليه * بمجد لا تغيِّبه البدور
أقيموا يا سراة الأوس فيها * كأنكم من المخزاة عور
تركتم قدركم لا شيء فيها * وقدر القوم حامية تفور
*2*مقتل سلام بن أبي الحقيق
*3*استئذان الخزرج الرسول في قتل ابن أبي الحقيق
@ قال ابن إسحاق : ولما انقضى شأن الخندق ، وأمر بني قريظة ، وكان سلام بن أبي الحقيق ، وهو أبو رافع فيمن حزّب الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت الأوس قبل أحد قتلت كعب بن الأشرف ، في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتحريضه عليه ، استأذنت الخزرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل سلام بن أبي الحقيق ، وهو بخيبر ، فأذن لهم . (4/ 235)
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، قال : وكان مما صنع الله به لرسوله صلى الله عليه وسلم أن هذين الحيين من الأنصار ، والأوس والخزرج ، كانا يتصاولان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تصاول الفحلين ، لا تصنع الأوس شيئا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غَناء إلا قالت الخزرج : والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي الإسلام . قال : فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها ؛ وإذا فعلت الخزرج شيئا قالت الأوس مثل ذلك .
ولما أصابت الأوس كعب بن الأشرف في عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالت الخزرج : والله لا تذهبون بها فضلا علينا أبدا ؛ قال : فتذاكروا : مَن رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم في العداوة كابن الأشرف ؟ فذكروا ابن أبي الحقيق ، وهو بخيبر ؛ فاستأذنوا رسول الله صلى الله في قتله ، فأذن لهم .
*3*من خرج لقتل ابن أبي الحقيق
@ فخرج إليه من الخزرج من بني سلمة خمسة نفر : عبدالله بن عتيك ، ومسعود بن سنان ، وعبدالله بن أنيس ، وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، وخزاعي بن أسود ، حليف لهم من أسلم .
فخرجوا وأمَّر عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدالله بن عَتيك ، ونهاهم عن أن يقتلوا وليدا أو امرأة ، فخرجوا حتى إذا قدموا خيبر ، أتوا دار ابن أبي الحقيق ليلا ، فلم يدعوا بيتا في الدار إلا أغلقوه على أهله .
قال : وكان في عِلِّية له إليها عجلة ، قال : فأسندوا فيها ، حتى قاموا على بابه ، فاستأذنوا عليه ، فخرجت إليهم امرأته ، فقالت : من أنتم ؟ قالوا : ناس من العرب نلتمس الميرة . قالت : ذاكم صاحبكم ، فادخلوا عليه ؛ قال : فلما دخلنا عليه ، أغلقنا علينا وعليها (4/ 236) الحجرة ، تخوفا أن تكون دونه مجاولة تحول بيننا وبينه ، قالت : فصاحت امرأته ، فنوهت بنا وابتدرناه ، وهو على فراشه بأسيافنا ، فوالله ما يدلنا عليه في سواد الليل إلا بياضه كأنه قبطية ملقاة .
قال : ولما صاحت بنا امرأته ، جعل الرجل منا يرفع عليها سيفه ، ثم ذكر نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكف يده ، ولولا ذلك لفرغنا منها بليل .
قال : فلما ضربناه بأسيافنا تحامل عليه عبدالله بن أنيس بسيفه في بطنه حتى أنفذه ، وهو يقول : قَطْني قطني : أي حسبي حسبي . قال : وخرجنا ، وكان عبدالله بن عتيك رجلا سيئ البصر ، قال : فوقع من الدرجة فوثِئت يده وثئا شديدا - ويقال : رجله ، فيما قال ابن هشام - وحملناه حتى نأتي به منهرا من عيونهم ، فندخل فيه .
قال : فأوقدوا النيران ، واشتدوا في كل وجه يطلبوننا ، قال : حتى إذا يئسوا رجعوا إلى صاحبهم ، فاكتنفوه وهو يقضي بينهم .
قال : فقلنا : كيف لنا بأن نعلم بأن عدو الله قد مات ؟ قال : فقال رجل منا : أنا أذهب فأنظر لكم ، فانطلق حتى دخل في الناس . قال : فوجدت امرأته ورجال يهود حوله وفي يدها المصباح تنظر في وجهه ، وتحدثهم وتقول : أما والله لقد سمعت صوت ابن عتيك ، ثم أكذبت نفسي وقلت : أنّى ابن عتيك بهذه البلاد ؟ ثم أقبلت عليه تنظر في وجهه ثم قالت : فاظ وإله يهود ؛ فما سمعت من كلمة كانت ألذ إلى نفسي منها .
قال : ثم جاءنا الخبر فاحتملنا صاحبنا فقدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بقتل عدو الله ، واختلفنا عنده في قتله ، كلنا يدعيه . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هاتوا أسيافكم ؛ قال : فجئناه بها ، فنظر إليها فقال لسيف (4/ 237) عبدالله بن أنيس : هذا قتله ، أرى فيه أثر الطعام .
*3*شعر حسَّان في قتل كعب بن الأشرف وسلام بن أبي الحقيق
@ قال ابن إسحاق : فقال حسَّان بن ثابت وهو يذكر قتل كعب بن الأشرف ، وقتل سلاّم بن أبي الحقيق :
لله در عصابة لاقيتهم * يا ابن الحقيق وأنت يا ابن الأشرف
يسرون بالبِيض الخفاف إليكم * مرحا كأسد في عرين مغرف
حتى أتوكم في محل بلادكم * فسقوكمُ حتفا ببيض ذُفَّفِ
مستبصرين لنصر دين نبيهم * مستصغرين لكل أمر مجحف
قال ابن هشام : قوله : ( ذُفَّف ) عن غير ابن إسحاق .
*2*إسلام عمرو بن العاص وخالد بن الوليد
*3*ذهاب عمرو ومن معه إلى النجاشي
@ قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن أبي حبيب ، عن راشد مولى حبيب بن أبي أوس الثقفي ، عن حبيب بن أبي أوس الثقفي ، قال : حدثني عمرو بن العاص من فيه ، قال : لما انصرفنا مع الأحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش ، كانوا يرون رأيي ، ويسمعون مني ، فقلت لهم : تعلمون والله أني أرى أمر محمد يعلو الأمور علوا منكرا ، وإني قد رأيت أمرا ، فما ترون فيه ؟ قالوا : وماذا رأيت ؟ قال : رأيت أن نلحق بالنجاشي (4/ 238) فنكون عنده ، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي ، فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدي محمد ، وإن ظهر قومنا فنحن من قد عرفوا ، فلن يأتينا منهم إلا خير ، قالوا : إن هذا الرأي ، قلت : فاجمعوا لنا ما نهديه له ، وكان أحب ما يُهدى إليه من أرضنا الأدم . فجمعنا له أدما كثيرا ، ثم خرجنا حتى قدمنا عليه .
*3*طلب عمرو بن العاص من النجاشي قتل عمرو بن أمية الضمري
@ فوالله إنا لعنده إذ جاءه عمرو بن أمية الضمري ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بعثه إليه في شأن جعفر وأصحابه . قال : فدخل عليه ثم خرج من عنده . قال : فقلت لأصحابي : هذا عمرو ابن أمية الضمري ، لو قد دخلت على النجاشي وسألته إياه فأعطانيه ، فضربت عنقه ، فإذا فعلت ذلك رأت قريش أني قد أجزأت عنها حين قتلت رسول محمد .
قال : فدخلت عليه فسجدت له كما كنت أصنع ، فقال : مرحبا بصديقي ، أهديت إلي من بلادك شيئا ؟ قال : قلت : نعم ، أيها الملك ، قد أهديت إليك (4/ 239) أدما كثيرا ؛ قال : ثم قربته إليه ، فأعجبه واشتهاه ، ثم قلت له : أيها الملك ، إني قد رأيت رجلا خرج من عندك ، وهو رسول رجل عدو لنا ، فأعطينه لأقتله ، فإنه قد أصاب من أشرافنا وخيارنا ؛ قال : فغضب ، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره ، فلو انشقت لي الأرض لدخلت فيها فرقا منه ؛ ثم قلت له : أيها الملك ، والله لو ظننت أنك تكره هذا ما سألتكه ؛ قال : أتسألني أن أعطيك رسول رجل يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى لتقتله ! قال : قلت : أيها الملك ، أكذاك هو ؟ قال : ويحك يا عمرو ! أطعني واتبعه ، فإنه والله لعلى الحق ، وليظهرنَّ على من خالفه ، كما ظهر موسى على فرعون وجنوده ؛ قال : قلت : أفتُبايعني له على الإسلام ؟ قال : نعم ، فبسط يده ، فبايعته على الإسلام ، ثم خرجت إلى أصحابي وقد حال رأيي عما كان عليه ، وكتمت أصحابي إسلامي .
*3*عمرو وخالد يجتمعان على الإسلام
@ ثم خرجت عامدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأسلم ، فلقيت خالد بن الوليد ، وذلك قبيل الفتح ، وهو مقبل من مكة ؛ فقلت : أين يا أبا سليمان ؟ قال : والله لقد استقام المنسِم ، وإن الرجل لنبي ، أذهب والله فأسلم ، فحتى متى ؟ قال : قلت : والله ما جئت إلا لأسلم .
قال : فقدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فتقدم خالد بن الوليد فأسلم وبايع ، ثم دنوت ، فقلت : يا رسول الله ، إني أبايعك على أن يُغفر لي ما تقدم من ذنبي ، ولا أذكر ما تأخر ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عمرو ، بايع ، فإن الإسلام (4/ 240) يجَبُّ ما كان قبله ، وإن الهجرة تجب ما كان قبلها ؛ قال : فبايعته ، ثم انصرفت .
قال ابن هشام : ويقال : فإن الإسلام يحتُّ ما كان قبله ، وإن الهجرة تحتُّ ما كان قبلها .
*3*إسلام عثمان بن طلحة
@ قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم : أن عثمان بن طلحة بن أبي طلحة ، كان معهما ، حين أسلما .
*3*ما قاله ابن الزبعرى السهمي في إسلام عثمان بن طلحة وخالد
@ قال ابن إسحاق : فقال ابن الزِّبَعْرَى السهمي :
أنشد عثمان بن طلحة حلفنا * ومُلقَى نعال القوم عند المُقبَّلِ
وما عقد الآباء من كل حلفه * وما خالد من مثلها بمحلَّلِ
أمفتاح بيت غير بيتك تبتغي * وما يُبتغى من مجد بيت مؤثَّلِ
فلا تأمننَّ خالدا بعد هذه * وعثمان جاء بالدُّهيم المُعضَّلِ
وكان فتح بني قريظة في ذي القعدة وصدر ذي الحجة ، وولي تلك الحجة المشركون . (4/ 241)
*2*غزوة بني لحيان
*3*خروجه صلى الله عليه وسلم إليهم
@ قال ابن إسحاق : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال : حدثني زيد بن عبدالله البكائي ، عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال :
ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ذا الحجة والمحرم وصفرا وشهري ربيع ، وخرج في جمادى الأولى على رأس ستة أشهر من فتح قريظة ، إلى بني لحيان يطلب بأصحاب الرجيع : خبيب بن عدي وأصحابه ، وأظهر أنه يريد الشام ، ليصيب من القوم غِرَّة .
*3*استعماله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة
@ فخرج من المدينة صلى الله عليه وسلم ، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم ، فيما قال ابن هشام .
*3*الطريق التي سلكها صلى الله عليه وسلم إليهم ثم رجوعه عنهم
@ قال ابن إسحاق : فسلك على غُراب ، جبل بناحية المدينة على طريقه إلى الشام ، ثم على محيص ، ثم على البتراء ، ثم صفَّق ذات اليسار ، فخرج على بِيْن ، ثم على صخيرات اليمام ، ثم استقام به الطريق على المحجة من طريق مكة ، فأغذّ السير سريعا ، حتى نزل على غُرّان ، و هي منازل بني لحيان ، وغران واد بين أمج وعسفان ، إلى بلد يقال له : ساية ، فوجدهم قد حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال .
فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخطأه من غرتهم ما أراد ، قال : لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة ، فخرج في مئتي راكب من أصحابه حتى نزل عسفان ، (4/ 242) ثم بعث فارسين من أصحابه حتى بلغا كُراع الغميم ، ثم كر وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا .
*3*دعاء العودة
@ فكان جابر بن عبدالله يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول حين وجه راجعا : آبيون تائبون إن شاء الله لربنا حامدون ، أعوذ بالله من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال .
*3*ما قاله كعب بن مالك في غزوة بني لحيان
@ والحديث في غزوة بني لحيان ، عن عاصم بن عمر بن قتادة ، وعبدالله ابن أبي بكر ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ؛ فقال كعب بن مالك في غزوة بني لحيان :
لو انَّ بني لحيان كانوا تناظروا * لقوا عُصبا في دارهم ذات مَصْدَقِ
لقوا سَرَعانا يملأ السَّرْب روعه * أمام طَحُون كالمجرة فَيْلقِ
ولكنهم كانوا وِبارا تتَّبعت * شعاب حجاز غير ذي مُتنفَّق (4/ 243)
*2*غزوة ذي قرد
*3*غارة ابن حصن على لقاح الرسول
@ ثم قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلم يُقم بها إلا ليالي قلائل ، حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري ، في خيل من غطفان على لقاح لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالغابة ، وفيها رجل من بني غفار وامرأة له ، فقتلوا الرجل ، واحتملوا المرأة في اللِّقاح .
*3*شجاعة ابن الأكوع في هذه الغزوة
@ قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر ، ومن لا أتهم ، عن عبدالله بن كعب بن مالك ، كل قد حدث في غزوة ذي قَرَد بعض الحديث : أنه كان أول من نذر بهم سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي ، غدا يريد الغابة متوشحا قوسه ونبله ، ومعه غلام لطلحة بن عبدالله معه فرس له يقوده ، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم ، فاشرف في ناحية سلع ، ثم صرخ : واصباحاه ، ثم خرج يشتد في آثار القوم ، و كان مثل السبع حتى لحق القوم ، فجعل يردهم بالنبل ، ويقول إذا رمى : خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرُّضَّع ، فإذا وُجِّهت الخيل نحوه انطلق هاربا ، ثم عارضهم ، فإذا أمكنه الرمي (4/ 244) رمى ، ثم قال : خذها وأنا ابن الأكوع ، اليوم يوم الرضع ، قال : فيقول قائلهم : أُوَيْكعنا هو أول النهار .
*3*صراخ الرسول صلى الله عليه وسلم
@ قال : وبلغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم صياحُ ابن الأكوع ، فصرخ بالمدينة الفزع الفزع ، فترامت الخيول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
*3*تسابق الفرسان إليه
@ وكان أول من انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرسان : المقداد بن عمرو ، وهو الذي يقال له : المقداد بن الأسود ، حليف بني زهرة ؛ ثم كان أول فارس وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد المقداد من الأنصار ، عباد بن بشر بن وقش بن زغبة بن زعوراء ، أحد بني عبدالأشهل ؛ وسعد بن زيد ، أحد بني كعب بن عبدالأشهل ؛ وأسيد بن ظُهير ، أخو بني حارثة بن الحارث ، يشك فيه ؛ وعُكَّاشة بن محصن ، أخو بني أسد بني خزيمة ؛ ومحُرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة ؛ وأبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ؛ وأبو عياش ، وهو عبيد بن زيد بن الصامت ، أخو بني زريق .
فلما اجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر عليهم سعد بن زيد ، فيما بلغني ، ثم قال : اخرج في طلب القوم ، حتى ألحقك في الناس .
*3*الرسول و نصيحته لأبي عياش بترك فرسه
@ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني عن رجال من بني زريق ، لأبي عياش : يا أبا عياش ، لو أعطيت هذا الفرس رجلا ، هو أفرس منك فلحق بالقوم ؟ قال أبو عياش : فقلت : يا رسول الله ، أنا أفرس الناس ، ثم ضربت الفرس ، فوالله ما جرى بي خمسين ذراعا حتى طرحني ، فعجبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لو أعطيته أفرس منك ، وأنا أقول : أنا أفرس الناس .
فزعم رجال من بني زريق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص ، أو عائذ بن ماعص (4/ 245) بن قيس بن خلدة ، وكان ثامنا ، وبعض الناس يعد سلمة بن عمرو بن الأكوع أحد الثمانية ، ويطرح أسيد بن ظهير ، أخا بني حارثة ، والله أعلم أي ذلك كان . ولم يكن سلمة يومئذ فارسا ، وقد كان أول من لحق بالقوم على رجليه . فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا .
*3*سبق محرز بن نضلة إلى القوم ومقتله
@ قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمرو بن قتادة : أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة ، أخو بني أسد بن خزيمة - وكان يقال لمحرز : الأخرم ؛ ويقال له : قُمير - وأن الفزع لما كان جال فرس لمحمود بن مسلمة في الحائط ، حين سمع صاهلة الخيل ، وكان فرسا صنيعا جامّا ، فقال نساء من نساء بني عبدالأشهل ، حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط فيه : يا قمير ، هل لك في أن تركب هذا الفرس ؟ فإنه كما ترى ، ثم تلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين ؟ قال : نعم ، فأعطيناه إياه .
فخرج عليه ، فلم يلبث أن بذّ الخيل بجمامه ، حتى أدرك القوم ، فوقف لهم بين أيديهم ، ثم قال : قفوا يا معشر بني اللَّكيعة حتى يلحق بكم مَن وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار . قال : وحمل عليه رجل منهم فقتله ، وجال الفرس ، فلم يقدر عليه حتى وقف على آرِيِّه من بني عبدالأشهل ، فلم يُقتل من المسلمين غيره .
*3*مقتل وقاص بن مجزز
@ قال ابن هشام : وقتل يومئذ من المسلمين مع محرز ، وقَّاص بن مجُزّز المُدلجي ، فيما ذكر غير واحد من أهل العلم . (4/ 246)
*3*أسماء أفراس المسلمين
@ قال ابن إسحاق : وكان اسم فرس محمود : ذا اللمَّة .
قال ابن هشام : وكان اسم فرس سعد بن زيد : لاحق ؛ واسم فرس المقداد : بَعْزَجة ؛ ويقال ؛ سبحة ، واسم فرس عُكاشة بن محصن : ذو اللَّمة ؛ واسم فرس أبي قتادة : حَزْوة ؛ وفرس عباد بن بشر : لَمَّاع ، وفرس أسيد بن ظهير : مسنون ؛ وفرس أبي عياش : جُلوة .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض من لا أتهم عن عبدالله بن كعب بن مالك : أن مجُزّزا إنما كان على فرس لعكاشة بن محصن ، يقال له : الجناح ، فقُتل مجزز واستُلبت الجناح .
*3*القتلى من المشركين
@ ولما تلاحقت الخيل قَتل أبو قتادة الحارث بن ربعي ، أخو بني سلمة ، حبيب بن عيينة بن حصن ، وغشَّاه برده ، ثم لحق بالناس .
وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين .
*3*استعماله صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة
@ قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم .
قال ابن إسحاق : فإذا حبيب مسجَّى ببرد أبي قتادة ، فاسترجع (4/ 247) الناس وقالوا : قتل أبو قتادة ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس بأبي قتادة ، ولكنه قتيل لأبي قتادة ، وضع عليه برده ، لتعرفوا أنه صاحبه .
وأدرك عكاشة بن محصن أوبارا وابنه عمرو بن أوبار ، وهما على بعير واحد ، فانتظمهما بالرمح ، فقتلهما جميعا ، واستنفذوا بعض اللقاح ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرد ، وتلاحق به الناس ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم به ، وأقام عليه يوما وليلة ؛ وقال له سلمة بن عمرو بن الأكوع : يا رسول الله ، لو سرحتني في مائة رجل لاستنقذت بقية السرح ، وأخذت بأعناق القوم ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيما بلغني : إنهم الآن ليُغْبَقُون في غطفان .
*3*تقسيم الفيء بين المسلمين
@ فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه في كل مائة رجل جزورا ، وأقاموا عليها ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم قافلا حتى قدم المدينة .
*3*لا نذر في معصية
@ وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر ، فلما فرغت ، قالت : يا رسول الله ، إني قد نذرت لله أن أنحرها إن نجاني الله عليها ؛ قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : بئس ما جزيتها أن حملك الله عليها ونجاك بها ثم تنحرينها ! إنه لا نذر في معصية الله ولا فيما لا تملكين ، إنما هي ناقة من إبلي ، فارجعي إلى أهلك على بركة الله . (4/ 248)
والحديث عن امرأة الغفاري وما قالت ، وما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عن أبي الزبير المكي ، عن الحسن بن أبي الحسن البصري :
*3*ما قاله حسَّان في غزوة ذي قرد
@ وكان مما قيل من الشعر في يوم ذي قرد قول حسَّان بن ثابت :
لولا الذي لاقت ومس نسورها * بجنوب ساية أمسِ في التَّقْوادِ
لَلَقِينكم يحملن كل مدجج * حامي الحقيقة ماجد الأجداد
ولَسرَّ أولاد اللقيطة أننا * سِلْم غداة فوارس المقداد
كنا ثمانية وكانوا جحفلا * لجبا فشُكُّوا بالرماح بَداد (4/ 249)
كنا من القوم الذين يلونهم * ويُقدّمون عنان كل جواد
كلا ورب الراقصات إلى منى * يقطعن عرض مخارم الأطواد
حتى نُبيل الخيل في عرصاتكم * ونؤوب بالملكات والأولاد
رَهْوا بكل مقلَّص وطمرَّة * في كل معترك عطفن و وادي
أفنى دوابرها ولاح متونها * يوم تُقاد به ويوم طراد
فكذاك إن جيادنا ملبونة * والحرب مشعلة بريح غواد
وسيوفنا بيض الحدائد تجتلي * جُنَنَ الحديد وهامة المرتاد
أخذ الإله عليهمُ لحرامه * ولعزة الرحمن بالأسداد
كانوا بدار ناعمين فبُدّلوا * أيام ذي قرد وجوه عباد
*3*غضب سعد على حسان و محاولة حسان استرضاءه
@ قال ابن هشام : فلما قالها حسَّان غضب عليه سعد بن زيد ، وحلف أن لا يكلمه أبدا ؛ قال : انطلق إلى خيلي وفوارسي فجعلها للمقداد ! فاعتذر إليه حسَّان وقال : والله ما ذاك أردت ، ولكن الروي وافق اسم المقداد ؛ وقال أبياتا يُرضي بها سعدا : (4/ 250)
إذا أردتم الأشد الجَلْدا * أو ذا غناء فعليكم سعدا
سعد بن زيد لا يُهدّ هَدّا *
فلم يقبل منه سعد ولم يُغْن شيئا .
*3*شعر آخر لحسان في يوم ذي قرد
@ وقال حسَّان بن ثابت في يوم ذي قرد :
أظنَّ عيينة إذ زارها * بأن سوف يهدم فيها قصورا
فأُكذبتَ ما كنت صدَّقته * وقلتم سنغنم أمرا كبيرا
فعفت المدينة إذ زرتها * وآنست للأسد فيها زئيرا
فولوا سراعا كشد النعام * ولم يكشفوا عن ملطٍّ حصيرا
أمير علينا رسول المليك * أحبب بذاك إلينا أميرا
رسول نصدق ما جاءه * ويتلو كتابا مضيئا منيرا
*3*ما قاله كعب في يوم ذي قرد
@ وقال كعب بن مالك في يوم ذي قرد للفوارس :
أتحسب أولاد اللقيطة أننا * على الخيل لسنا مثلهم في الفوارس
وإنا أناس لا نرى القتل سبة * ولا ننثني عند الرماح المداعس
وإنا لنقري الضيف من قمع الذرا * ونضرب رأس الأبلخ المتشاوس
نردّ كماة المعلمين إذا انتخوا * بضرب يسلِّي نخوة المتقاعس (4/ 251)
بكل فتى حامي الحقيقة ماجد * كريم كسرحان الغضاة مخالس
يذودون عن أحسابهم وتلادهم * ببيض تقد الهام تحت القوانس
فسائل بني بدر إذا ما لقيتهم * بما فعل الإخوان يوم التمارس
إذا ما خرجتم فاصدقوا من لقيتم * ولا تكتموا أخباركم في المجالس
وقولوا زللنا عن مخالب خادر * به وَحَر في الصدر ما لم يمارس
قال ابن هشام : أنشدني بيته : ( وإنا لنقري الضيف ) أبو زيد .
*3*شعر شداد الجشمي لعيينة
@ قال ابن إسحاق : وقال شداد بن عارض الجشمي ، في يوم ذي قرد : لعيينة بن حصن ، وكان عيينة بن حصن يكنى بأبي مالك :
فهلا كررت أبا مالك * وخيلك مدبرة تقتل
ذكرت الإياب إلى عسجر * وهيهات قد بعد المقفل
وطمنت نفسك ذا ميعة * مِسحّ الفضاء إذا يرسل
إذا قبَّضتْه إليك الشما * ل جاش كما اضطرم المرجل
فلما عرفتم عباد الإلـ*ـه لم ينظر الآخر الأول
عرفتم فوارس قد عودوا * طراد الكماة إذا أسهلوا
إذا طردوا الخيل تشقى بهم * فضاحا وإن يُطردوا ينزلوا
فيعتصموا في سواء المُقا * مِ بالبيض أخلصها الصيقل (4/ 252)
*2*غزوة بني المصطلق في شعبان سنة ست
*3*وقتها
@ قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعض جمادى الآخرة ورجبا ، ثم غزا بني المصطلق من خزاعة ، في شعبان سنة ست .
*3*استعمال أبي ذر على المدينة
@ قال ابن هشام : واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ؛ ويقال : نميلة ابن عبدالله الليثي .
*3*سبب غزو الرسول لهم
@ قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي بكر ، ومحمد بن يحيى بن حبان ، كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق ، قالوا : بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له ، وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو جويرية بنت الحارث ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم خرج إليهم ، حتى لقيهم على ماء لهم ، يقال له : المريسيع ، من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحف الناس واقتتلوا ، فهزم الله بني المصطلق ، وقتل من قتل منهم ، ونفَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبناءهم ونساءهم وأموالهم ، فأفاءهم عليه .
*3*استشهاد ابن صبابة خطأ
@ وقد أصيب رجل من المسلمين من بني كلب بن عوف بن عامر بن ليث بن بكر ، يقال له : هشام بن صبابة ، (4/ 253) أصابه رجل من الأنصار من رهط عبادة بن الصامت ، وهو يرى أنه من العدو ، فقتله خطأ .
*3*ما وقع من الفتنة بين المهاجرين والأنصار
@ فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك الماء ، وردت واردة الناس ، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار ، يقال له : جهجاه بن مسعود يقود فرسه ، فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني ، حليف بني عوف بن الخزرج على الماء ، فاقتتلا ، فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار ، وصرخ جهجاه : يا معشر المهاجرين ؛ فغضب عبدالله بن أبي بن سلول ، وعنده رهط من قومه فيهم : زيد بن أرقم ، غلام حدث ، فقال : أوقد فعلوها ، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلا المدينة ليخرجن (4/ 254) الأعز منها الأذل .
ثم أقبل على من حضره من قومه ، فقال لهم : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمستكم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم . فسمع ذلك زيد بن أرقم ، فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك عند فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من عدوه ، فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب ، فقال : مُرْ به عباد بن بشر فليقتله ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ! لا ولكن أذن بالرحيل ، وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها ، فارتحل الناس .
*3*نفاق ابن أبي
@ وقد مشى عبدالله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين بلغه أن زيد بن أرقم قد بلَّغه ما سمع منه ، فحلف بالله : ما قلت ما قال ، ولا تكلمت به - وكان في قومه شريفا عظيما - ، فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله ، عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه ، ولم يحفظ ما قال الرجل ، حدبا على ابن أبي سلول ، ودفعا عنه .
*3*من أسباب نفاق ابن أبي
@ قال ابن إسحاق : فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار ، لقيه أسيد بن حضير ، فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ، ثم قال : يا نبي الله ، والله لقد رحت في ساعة منكرة ، ما كنت تروح في مثلها ؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أوما بلغك ما قال صاحبكم ؟ قال : و أي صاحب يا رسول الله ؟ قال : عبدالله بن أبي ؛ قال : وما قال ؟ قال : زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، قال : فأنت يا رسول الله والله تخرجه منها إن شئت ، وهو والله الذليل وأنت العزيز ؛ ثم قال : يا رسول الله ، ارفق به ، فوالله لقد جاءنا الله (4/ 255) بك ، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوّجوه ، فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا .
*3*انشغال الناس عن الفتنة
@ ثم مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ، ثم نزل بالناس ، فلم يلبثوا أن وجدوا مسّ الأرض فوقعوا نياما ، وإنما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس ، من حديث عبدالله بن أبي .
*3*تنبؤ الرسول بموت رفاعة بن زيد
@ ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس ، وسلك الحجاز حتى نزل عل ماء بالجحاز فويق النقيع ؛ يقال له : بقعاء . فلما راح رسول الله صلى الله عليه وسلم هبت على الناس ريح شديدة آذتهم وتخوفوها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تخافوها ، فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار .
فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت ، أحد بني قينقاع ، وكان عظيما من عظماء يهود ، وكهفا للمنافقين ، مات في ذلك اليوم .
*3*ما نزل في ابن أبي من القرآن
@ ونزلت السورة التي ذكر الله فيها المنافقين في ابن أبي ومن كان على مثل أمره ، فلما نزلت أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأذن زيد بن أرقم ، ثم قال : هذا الذي أوفى الله بأذنه . وبلغ عبدالله بن عبدالله بن أبي الذي كان من أمر أبيه .
*3*موقف عبدالله الابن من أبيه
@ قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة : أن عبدالله أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يارسول الله ، إنه بلغني أنك تريد قتل عبدالله بن أبي فيما بلغك عنه ، فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبرّ بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري (4/ 256) فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل عبدالله بن أبي يمشي في الناس ، فأقتله فأقتل رجلا مؤمنا بكافر ، فأدخل النار ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بل نترفق به ، ونحسن صحبته ما بقي معنا .
*3*تولي قوم ابن أبي مجازاته
@ وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ، حين بلغه ذلك من شأنهم : كيف ترى يا عمر ؛ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله ، لأُرعدت له آنف ، لو أمرتها اليوم بقتله لقتلته ؛ قال عمر : قد والله علمت لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري .
*3*مخادعة مقيس بن صبابة في الأخذ بثأر أخيه و شعره في ذلك
@ قال ابن إسحاق : وقدم مقيس بن صبابة من مكة مسلما ، فيما يُظهر ، فقال : يا رسول الله ، جئتك مسلما ، وجئتك أطلب دية أخي ، قتل خطأ .
فأمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية أخيه هشام بن صبابة ؛ فأقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم غير كثير ، ثم عدا (4/ 257) على قاتل أخيه فقتله ، ثم خرج إلى مكة مرتدا ؛ فقال في شعر يقوله :
شفى النفس أن قد مات بالقاع مسندا * تضرج ثوبيه دماء الأخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله * تُلمّ فتحميني وطاء المضاجع
حللت به وتري وأدركت ثؤرتي * وكنت إلى الأوثان أول راجع
ثأرت به فهرا وحملت عقله * سراة بني النجار أرباب فارع
وقال مقيس بن صبابة أيضاً :
جلَّلته ضربة باءت لها وشل * من ناقع الجوف يعلوه وينصرم
فقلت والموت تغشاه أسرّته * لا تأمنن بني بكر إذا ظلموا
*3*شعار المسلمين
@ قال ابن هشام : وكان شعار المسلمين يوم بني المصطلق : يا منصور ، أمِتْ أمت .
*3*قتلى بني المصطلق
@ قال ابن إسحاق : وأصيب من بني المصطلق يومئذ ناس ، وقتل علي ابن أبي طالب منهم رجلين ، مالكا وابنه ، وقتل عبدالرحمن بن عوف رجلا من فرسانهم ، يقال له : أحمر ، أو أحيمر .
*3*حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها
@ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أصاب منهم سبيا كثيرا ، فشا قسمه في المسلمين ؛ وكان فيمن أصيب يومئذ من السبايا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة ، قالت : لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا (4/ 258) بني المصطلق ، وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسها ، وكانت امرأة حلوة مُلاّحة ، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابتها ؛ قالت عائشة : فوالله ما هو إلا ان رأيتها على باب حجرتي فكرهتها ، وعرفت أنه سيرى منها صلى الله عليه وسلم ما رأيت ، فدخلت عليه ، فقالت : يا رسول الله ، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ، ما لم يخف عليك ، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس ، أو لابن عم له ، فكاتبته على نفسي ، فجئتك أستعينك على كتابتي ؛ قال : فهل لك في خير من ذلك ؟ قالت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : أقضي عنك كتابتك و أتزوجك ؛ قالت : نعم يا رسول الله ؛ قال : قد فعلت . (4/ 259)
قالت : وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج جويرية ابنة الحارث بن أبي ضرار ، فقال الناس : أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرسلوا ما بأيديهم ؛ قالت : فلقد أُعتق بتزوجيه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق ، فما أعلم امرأة كانت أعظم على قومها بركة منها .
قال ابن هشام : ويقال : لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق ومعه جويرية بنت الحارث ، وكان بذات الجيش ، دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة ، وأمره بالاحتفاظ بها ، وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ؛ فأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته ؛ فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء ، فرغب في بعيرين منها ، فغيَّبهما في شعب من شعاب العقيق ، ثم أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال : يا محمد ، أصبتم ابنتي ، وهذا فداؤها ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق ، في شعب كذا وكذا ؟ فقال الحارث : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأنك محمد رسول الله ، فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله ، فأسلم الحارث ، وأسلم معه ابنان له ، وناس من قومه ، وأرسل إلى البعيرين ، فجاء بهما ، فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ودُفعت إليه ابنته جويرية ، فأسلمت ، وحسن إسلامها ؛ فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها ، فزوجه إياها ، وأصدقها أربعمائة درهم .
*3*الوليد بن عقبة و بنو المصطلق و ما نزل في ذلك من القرآن
@ قال ابن إسحاق : وحدثني يزيد بن رومان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إليهم بعد إسلامهم الوليد بن عقبة بن أبي معيط ، فلما سمعوا به ركبوا إليه ، فلما سمع بهم هابهم ، فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، (4/ 260) فأخبره أن القوم قد هموا بقتله ، ومنعوه ما قِبَلهم من صدقتهم ، فأكثر المسلمون في ذكر غزوهم ، حتى هم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يغزوهم ، فبينا هم على ذلك قدم وفدهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : يا رسول الله ، سمعنا برسولك حين بعثته إلينا ، فخرجنا إليه لنكرمه ، ونؤدي إليه ما قِبَلنا من الصدقة ، فانشمر راجعا ، فبلغنا أنه زعم لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنا خرجنا إليه لنقتله ، ووالله ما جئنا لذلك ؛ فأنزل الله تعالى فيه وفيهم : ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة ، فتصبحوا على ما فعلتم نادمين . واعلموا أن فيكم رسول الله لو يُطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ) . .. إلى آخر الآية .
وقد أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك ، كما حدثني من لا أتهم عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة رضي الله عنها ، حتى إذا كان قريبا من المدينة ، وكانت معه عائشة في سفره ذلك ، قال فيها أهل الإفك ما قالوا .
*2*خبر الإفك في غزوة بني المصطلق سنة ست
@ قال ابن إسحاق : حدثنا الزهري ، عن علقمة بن وقاص ، وعن سعيد بن جبير ، وعن عروة بن الزبير ، وعن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة ، قال : كل قد حدثني بعض هذا الحديث ، وبعض القوم كان أوعى له من بعض ، وقد جمعت لك الذي حدثني القوم . (4/ 261)
*3*من كان يسافر معه صلى الله عليه و سلم من نسائه
@ قال محمد بن إسحاق : وحدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عن عائشة ، وعبدالله بن أبي بكر ، عن عمرة بنت عبدالرحمن ، عن عائشة ، عن نفسها ، حين قال فيها أهل الإفك ما قالوا ، فكل قد دخل في حديثها عن هؤلاء جميعا يحدث بعضهم ما لم يحدث صاحبه ، وكل كان عنها ثقة ، فكلهم حدث عنها ما سمع ،
قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه ؛ فلما كانت غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه ، كما كان يصنع ، فخرج سهمي عليهن معه ، فخرج بي رسول الله صلى الله عليه وسلم .
*3*سقوط عقد عائشة وتخلفها للبحث عنه
@ قالت : وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العُلَق لم يهجهن اللحم فيثقلن ، وكنت إذا رحل لي بعيري جلست في هودجي ، ثم يأتي القوم الذين يرحلون لي ويحملونني ، فيأخذون بأسفل الهودج ، فيرفعونه ، فيضعونه على ظهر البعير ، فيشدونه بحباله ، ثم يأخذون برأس البعير ، فينطلقون به .
قالت : فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك ، وجه قافلا ، حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل منزلا ، فبات به بعض الليل ، ثم أذن في الناس بالرحيل ، فارتحل الناس ، وخرجت لبعض حاجتي ، وفي عنقي (4/ 262) عقد لي ، فيه جزع ظفار ، فلما فرغت انسل من عنقي ولا أدري ، فلما رجعت إلى الرحل ذهبت ألتمسه في عنقي ، فلم أجده ، وقد أخذ الناس في الرحيل ، فرجعت إلى مكاني الذي ذهبت إليه ، فالتمسته حتى وجدته ، وجاء القوم خلافي ، الذين كان يرحلون لي البعير ، وقد فرغوا من رحلته ، فأخذوا الهودج ، وهم يظنون أني فيه ، كما كنت أصنع ، فاحتملوه ، فشدوه على البعير ، ولم يشكوا أني فيه ، ثم أخذوا برأس البعير ، فانطلقوا به ؛ فرجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب ، قد انطلق الناس .
*3*صفوان بن المعطل يعثر على عائشة و يحتملها على بعيره
@ قالت : فتلففت بجلبابي ، ثم اضطجعت في مكاني ، وعرفت أن لو قد افتُقدت لرُجع إلي . قالت : فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطَّل السلمي ، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته ، فلم بيت مع الناس ، فرأى سوادي ، فأقبل حتى وقف علي ، وقد كان يراني قبل أن يُضرب علينا الحجاب ، فلما رآني قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ! وأنا متلففة في ثيابي ؛ قال : ما خلَّفك يرحمك الله ؟ قالت : (4/ 263) فما كلمته ، ثم قرب البعير ، فقال : اركبي ، واستأخر عني .
قالت : فركبت ، وأخذ برأس البعير ، فانطلق سريعا ، يطلب الناس ، فوالله ما أدركنا الناس ، وما افتقدت حتى أصبحت ، ونزل الناس ، فلما اطمأنوا طلع الرجل يقود بي ، فقال أهل الإفك ما قالوا ، فارتعج العسكر ، ووالله ما أعلم بشيء من ذلك .
*3*مرضها وإعراضه عليه الصلاة و السلام عنها
@ ثم قدمنا المدينة ، فلم ألبث أن اشتكيت شكوى شديدة ، ولا يبلغني من ذلك شيء ، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإلى أبوي لا يذكرون لي منه قليلا ولا كثيرا ، إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي ، كنت إذا اشتكيت رحمني ، ولطف بي ، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك ، فأنكرت ذلك منه ، كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني - قال ابن هشام : وهي أم رومان ، واسمها زينب بنت عبد دهمان ، أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة - قال : كيف تِيكم ، لا يزيد على ذلك .
*3*انتقالها إلى بيت أبيها لتمريضها
@ قال ابن إسحاق : قالت : حتى وجدت في نفسي ، فقلت : يا رسول الله ، حين رأيت ما رأيت من جفائه لي : لو أذنت لي ، فانتقلت إلى أمي ، فمرضتني ؟ قال : لا عليك .
قالت : فانتقلت إلى أمي ، ولا علم لي بشيء مما كان ، حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة ، وكنا قوما عربا ، لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف التي تتخذها الأعاجم ، نعافها ونكرهها ، إنما كنا (4/ 264) نذهب في فسح المدينة ، وإنما كانت النساء يخرجن كل ليلة في حوائجهن .
فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مِسطح بنت أبي رهم بن المطلب ابن عبد مناف ، وكانت أمها بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد ابن تيم ، خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه .
*3*علمها بما قيل فيها
@ قالت : فوالله إنها لتمشي معي إذ عثرت في مرطها ؛ فقالت : تعس مسطح ! ومسطح : لقب ، واسمه : عوف ؛ قالت : قلت : بئس لعمر الله ما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدرا ؛ قالت : أو ما بلغك الخبر يا بنت أبي بكر ؟ قالت : قلت : وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان من قول أهل الإفك ، قالت : قلت : أوقد كان هذا ؟ قالت : نعم والله لقد كان .
قالت : فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي ، ورجعت ؛ فوالله ما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي ؛ قالت : وقلت لأمي : يغفر الله لك ، تحدث الناس بما تحدثوا به ، ولا تذكرين لي من ذلك شيئا ! قالت : أي بنية ، خفِّضي عليك الشأن ، فوالله لقلما كانت امرأة حسناء ، عند رجل يحبها ، لها ضرائر ، إلا كثَّرن وكثَّر الناس عليها .
*3*خطبته صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن
@ قالت : وقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس يخطبهم ولا أعلم بذلك ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، ما بال رجال يؤذونني في أهلي ، ويقولون عليهم غير الحق ، والله ما علمت منهم إلا خيرا ، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت منه إلا خيرا ، وما يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي . (4/ 265)
*3*من أشاع حديث الإفك
@ قالت : وكان كُبرْ ذلك عند عبدالله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش ، وذلك أن أختها زينب بنت جحش كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم تكن من نسائه امرأة تناصيني في المنزلة عنده غيرها ؛ فأما زينب فعصمها الله تعالى بدينها فلم تقل إلا خيرا ، وأما حمنة بنت جحش ، فأشاعت من ذلك ما أشاعت ، تُضادُّني لأختها ، فشقيت بذلك .
*3*ما اقترحه المأمون بعد خطبته صلى الله عليه وسلم
@ فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك المقالة ، قال أسيد بن حضير : يا رسول الله ، إن يكونوا من الأوس نكفكهم ، وإن يكونوا من إخواننا من الخزرج ، فمرنا بأمرك ، فوالله إنهم لأهل أن تُضرب أعناقهم ؛ قالت : فقام سعد بن عبادة ، وكان قبل ذلك يُرى رجلا صالحا ؛ فقال : كذبت لعمر الله ، لا نضرب أعناقهم ، أما والله ما قلت هذه المقالة إلا أنك قد عرفت أنهم من الخزرج ، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا ، فقال أسيد : كذبت لعمر الله ، ولكنك منافق تجادل عن المنافقين ؛ قالت : وتساور الناس ، حتى كاد يكون بين هذين الحيين من الأوس والخزرج شر . ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل علي .
*3*الرسول يستشير عليا و أسامة
@ قالت : فدعا علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، و أسامة بن زيد ، فاستشارهما ؛ فأما أسامة فأثنى علي خيرا وقاله ؛ ثم قال : يا رسول الله ، أهلك ولا نعلم منهم إلا خيرا ، (4/ 266) وهذا الكذب والباطل ؛ وأما علي فإنه قال : يا رسول الله ، إن النساء لكثير ، وإنك لقادر على أن تستخلف ، وسل الجارية ، فإنها ستصدقك .
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بُريرة ليسألها ؛ قالت : فقام إليها علي بن أبي طالب ، فضربها ضربا شديدا ، ويقول : اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ قالت : فتقول والله ما أعلم إلا خيرا ، وما كنت أعيب على عائشة شيئا ، إلا أني كنت أعجن عجيني ، فآمرها أن تحفظه ، فتنام عنه ، فتأتي الشاة فتأكله .
قالت : ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعندي أبواي ، وعندي امرأة من الأنصار ، وأنا أبكي ، وهي تبكي معي ، فجلس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ثم قال : يا عائشة ، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس ، فاتقي الله ، وإن كنت قد قارفت سوءا مما يقول الناس فتوبي إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ؛ قالت : فوالله ما هو إلا أن قال لي ذلك ، فقلص دمعي ، حتى ما أحس منه شيئا ، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يتكلما ، قالت : وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي ، وأصغر شأنا من أن ينزل الله فيّ قرآنا يُقرأ به في المساجد ، ويُصلى به ، ولكني قد كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه شيئا يكذب به الله عني ، لما يعلم من براءتي ، أو يخُبر خبرا ؛ فأما قرآن ينزل في ، فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك . (4/ 267)
*3*حزن عائشة ونزول القرآن ببراءتها
@ قالت : فلما لم أر أبوي يتكلمان ، قالت : قلت لهما : ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : فقالا : والله ما ندري بماذا نجيبه ؛ قالت : ووالله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام ؛ قالت : فلما أن استعجما علي ، استعبرت فبكيت ؛ ثم قلت : والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدا . والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس ، والله يعلم أني منه بريئة ، لأقولن ما لم يكن ، ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني .
قالت : ثم التمست اسم يعقوب فما أذكره ؛ فقلت : ولكن سأقول كما قال أبو يوسف : ( فصبر جميل ، والله المستعان على ما تصفون ) .
قالت : فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشَّاه من الله ما كان يتغشاه ، فسُجِّي بثوبه ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه ، فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت ، فوالله ما فزعت ولا باليت ، قد عرفت أني بريئة ، وأن الله عز وجل غير ظالمي ؛ وأما أبواي ، فوالذي نفس عائشة بيده ، ما سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن أنفسهما ، فرقا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس .
قالت : ثم سُرّي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس ، وإنه ليتحدر منه مثل الجمان في يوم شات ، فجعل يمسح العرق عن جبينه ، ويقول : أبشري يا عائشة ، فقد أنزل الله براءتك ؛ قالت : قلت : بحمد الله .
ثم خرج إلى الناس ، فخطبهم ، وتلا عليهم ما أنزل الله عليه من القرآن في ذلك ، ثم أمر بمسطح بن أثاثة ، وحسَّان بن ثابت ، وحمنة بنت حجش ، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة ، فضُربوا حدَّهم . (4/ 268)
*3*استنتاج أبي أيوب طهر عائشة
@ قال ابن إسحاق : وحدثني أبي إسحاق بن يسار عن بعض رجال بني النجار : أن أبا أيوب خالد بن زيد ، قالت له امرأته أم أيوب : يا أبا أيوب ، ألا تسمع ما يقول الناس في عائشة ؟ قال : بلى ، وذلك الكذب ، أكنت يا أم أيوب فاعلة ؟ قالت : لا والله ما كنت لأفعله ؛ قال : فعائشة والله خير منك .
*3*ما نزل من القرآن في حديث الإفك
@ قالت : فلما نزل القرآن بذكر من قال من أهل الفاحشة ما قال من أهل الإفك ، فقال تعالى : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ، لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم ، لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم ، والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) ، وذلك حسَّان بن ثابت وأصحابه الذين قالوا ما قالوا .
قال ابن هشام : ويقال : وذلك عبدالله بن أبي وأصحابه .
قال ابن هشام : والذي تولى كبره عبدالله بن أبي ، وقد ذكر ذلك ابن إسحاق في هذا الحديث قبل هذا . ثم قال تعالى : ( لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا ) : أي فقالوا كما قال أبو أيوب وصاحبته ، ثم قال : ( إذ تلقَّونه بألسنتكم ، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ، وتحسبونه هينا ، وهو عند الله عظيم ) .
*3*أبو بكر يمتنع عن الإنفاق على مسطح ورجوعه عن ذلك
@ فلما نزل هذا في عائشة ، وفيمن قال لها ما قال ، قال أبو بكر ، وكان ينفق على مسطح لقرابته وحاجته : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا ، ولا أنفعه بنفع أبدا بعد الذي قال لعائشة ، وأدخل علينا ؛ قالت : فأنزل الله في ذلك ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ، وليعفوا (4/ 269) وليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، والله غفور رحيم ) .
*3*تفسير ابن هشام لبعض ألفاظ القرآن
@ قال ابن هشام : يقال : كِبرْه وكُبرْه في الرواية ، وأما في القرآن فكِبره بالكسر .
قال ابن هشام : ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم ) ولا يألُ أولوا الفضل منكم .
قال امرؤ القيس بن حجر الكندي :
ألا رب خصم فيك ألوى رددتُه * نصيح على تَعْذاله غير مؤتل
وهذا البيت في قصيدة له ؛ ويقال : ولا يأتلِ أولوا الفضل : ولا يحلف أولوا الفضل ، وهو قول الحسن بن أبي الحسن البصري ، فيما بلغنا عنه .
وفي كتاب الله تعالى : ( للذين يؤلون من نسائهم ) وهو من الألية ، والألية : اليمين . قال حسَّان بن ثابت :
آليت ما في جميع الناس مجتهدا * مني أليَّة بر غير إفناد
وهذا البيت في أبيات له ، سأذكرها إن شاء الله في موضعها . فمعنى : أن يؤتوا في هذا المذهب : أن لا يؤتوا ، وفي كتاب الله عز وجل : ( يبين الله لكم أن تضلوا ) يريد : أن لا تضلوا ؛ ( ويمسك السماء أن تقع على الأرض ) يريد أن لا تقع على الأرض ، وقال ابن مفرغ الحميري :
لا ذعرتُ السوام في وضح الصبـ*ــح مغيرا ولا دُعيت يزيدا
يوم أُعطى مخافة الموت ضيما * والمنايا يرصُدْنني أن أحيدا
يريد : أن لا أحيد ؛ وهذان البيتان في أبيات له .
قال ابن إسحاق : قالت : فقال أبو بكر : بلى والله ، إني لأحب (4/ 270) أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا .
*3*صفوان يحاول قتل حسَّان
@ قال ابن إسحاق : ثم إن صفوان بن المعطَّل اعترض حسَّان بن ثابت بالسيف ، حين بلغه ما كان يقول فيه ، وقد كان حسَّان قال شعرا مع ذلك يعرّض بابن المعطل فيه ، وبمن أسلم من العرب من مضر ، فقال :
أمسى الجلابيب قد عزوا وقد كثروا * وابن الفُريعة أمسى بيضة البلد
قد ثكلت أمه من كنت صاحبه * أو كان منتشبا في بُرْثن الأسد
ما لقتيلي الذي أغدو فآخذه * من دية فيه يُعطاها ولا قود
ما البحر حين تهب الريح شامية * فيغطَئِلُّ ويرمي العِبر بالزبد (4/ 271)
يوما بأغلب مني حين تبصرني * مِلْغَيْظ أفري كفري العارض البرد
أما قريش فإني لن أسالمهم * حتى يُنيبوا من الغيَّات للرشد
ويتركوا اللات والعزى بمعزلة * ويسجدوا كلهم للواحد الصمد
ويشهدوا أن ما قال الرسول لهم * حق ويوفوا بعهد الله والوُكُدِ
فاعترضه صفوان بن المعطل ، فضربه بالسيف ، ثم قال - كما حدثني يعقوب بن عتبة - :
تلقَّ ذُباب السيف عني فإنني * غلام إذا هُوجيت لست بشاعر
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي : أن ثابت بن قيس بن الشماس وثب على صفوان بن المعطل ، حين ضرب حسَّان ، فجمع يديه إلى عنقه بحبل ، ثم انطلق به إلى دار بني الحارث ابن الخزرج ؛ فلقيه عبدالله بن رواحة ، فقال : ما هذا ؟ قال : أما أعجبك ضرب حسَّان بالسيف ! والله ما أراه إلا قد قتله ؛ قال له عبدالله بن رواحة : هل علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء مما صنعت ؟ قال : لا والله ؛ قال : لقد اجترأت ، أطلق الرجل ، فأطلقه ، ثم أتوا رسول (4/ 272) الله صلى الله عليه وسلم ، فذكروا ذلك له ، فدعا حسَّان وصفوان بن المعطل ؛ فقال ابن المعطل : يا رسول الله ، آذاني وهجاني ، فاحتملني الغضب ، فضربته ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لحسَّان : أحسن يا حسَّان ، أَتشوَّهتَ على قومي أن هداهم الله للإسلام ، ثم قال : أحسن يا حسَّان في الذي أصابك ؛ قال : هي لك يا رسول الله .
قال ابن هشام : ويقال : أبعد أن هداكم الله للإسلام .
قال ابن إسحاق : فحدثني محمد بن إبراهيم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه عوضا منها بيرحاء ، وهي قصر بني حُديلة اليوم بالمدينة ، وكانت مالا لأبي طلحة بن سهل تصدق بها على آل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حسَّان في ضربته ، وأعطاه سيرين ، أمة قبطية ، فولدت له عبدالرحمن ابن حسَّان ، قالت : وكانت عائشة تقول : لقد سئل عن ابن المعطل ، فوجدوه رجلا حصورا ، ما يأتي النساء ، ثم قتل بعد ذلك شهيدا .
قال حسَّان بن ثابت يعتذر من الذي كان قال في شأن عائشة رضي الله عنها :
حصان رزان ما تُزَنّ بريبة * وتصبح غَرْثَى من لحوم الغوافل (4/ 273)
عقيلة حي من لؤي بن غالب * كرام المساعي مجدهم غير زائل
مهذبة قد طيب الله خِيمها * وطهَّرها من كل سوء وباطل
فإن كنت قد قلت الذي قد زعمتم * فلا رفعت سوطي إلي أناملي
وكيف وودي ما حييت ونصرتي * لآل رسول الله زين المحافل
له رتب عال على الناس كلهم * تقاصر عنه سورة المتطاول (4/ 274)
فإن الذي قد قيل ليس بلائط * ولكنه قول امرىء بي ماحل
قال ابن هشام : بيته : ( عقيلة حي ) والذي بعده ، وبيته : ( له رتب عال ) عن أبي زيد الأنصاري .
قال ابن هشام : وحدثني أبو عبيدة : أن امرأة مدحت بنت حسَّان بن ثابت عند عائشة ، فقالت :
حصان رزان ما تزن بريبة * وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
فقالت عائشة : لكن أبوها .
*3*شعر في هجاء حسان و مسطح
@ قال ابن إسحاق : وقال قائل من المسلمين في ضرب حسَّان وأصحابه في فريتهم على عائشة - قال ابن هشام : في ضرب حسَّان وصاحبيه - :
لقد ذاق حسَّان الذي كان أهله * وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح
تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم * وسخطة ذي العرش الكريم فأُترحوا
وآذوا رسول الله فيها فجُلِّلوا * مخازي تبقى عُمِّموها وفُضِّحوا
وصُبَّت عليهم محُصدات كأنها * شآبيب قطر من ذرا المزن تسفح (4/ 275)
*2*أمر الحديبية في آخر سنة ست ، وذكر بيعة الرضوان ، والصلح بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين سهيل بن عمرو
*3*خروج الرسول
@ قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة شهر رمضان وشوالا ، وخرج في ذي القعدة معتمرا ، لا يريد حربا .
*3*من استعمله صلى الله عليه وسلم على المدينة
@ قال ابن هشام : واستعمل على المدينة نميلة بن عبدالله الليثي .
*3*استنفاره صلى الله عليه وسلم العرب
@ قال ابن إسحاق : واستنفر العربَ ومن حوله من أهل البوادي من الأعراب ليخرجوا معه ، وهو يخشى من قريش الذي صنعوا ، أن يعرضوا له بحرب أو يصدوه عن البيت ، فأبطأ عليه كثير من الأعراب ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المهاجرين والأنصار ومن لحق به من العرب ، وساق معه الهدي ، وأحرم بالعمرة ليأمن الناس من حربه ، وليعلم الناس أنه إنما خرج زائرا لهذا البيت ومعظما له .
*3*عدد من خرج للعمرة
@ قال ابن إسحاق : حدثني محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم أنهما حدثاه قالا : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية يريد زيارة البيت ، لا (4/ 276) يريد قتالا ، وساق معه الهدي سبعين بدنة ، وكان الناس سبعمائة رجل ، فكانت كل بدنة عن عشرة نفر .
وكان جابر بن عبدالله ، فيما بلغني ، يقول : كنا أصحاب الحديبية أربع عشرة مائة .
*3*ما قاله عليه الصلاة و السلام عندما علم أن قريشا تريد منعه
@ قال الزهري : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بعسفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي - قال ابن هشام : ويقال بُسْر - فقال : يا رسول الله ، هذه قريش ، قد سمعت بمسيرك ، فخرجوا معهم العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، وقد نزلوا بذي طوى ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدَّموها إلى كُراع الغَميم .
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا ويح قريش ! لقد أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب ، فإن هم أصابوني كان الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله عليهم دخلوا في الإسلام وافرين ، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فما تظن قريش ، فوالله لا أزال أجاهد على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة .
ثم قال : من رجل يخرج بنا عن طريق غير طريقهم التي هم بها ؟
*3*تجنب الرسول لقاء قريش :
@ قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رجلاً من أسلم قال : أنا يا رسول الله ؛ قال : فسلك بهم طريقاً وعراً أجرل بين شعاب ، فلما خرجوا منه ، وقد شق ذلك على المسلمين (4/ 277) وأفضوا إلى أرض سهلة عند منقطع الوادي .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للناس : قولوا نستغفر الله ونتوب إليه ؛ فقالوا ذلك ، فقال : والله إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فلم يقولوها .
قال ابن شهاب : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال : اسلكوا ذات اليمين بين ظهري الحمش ، في طريق ( تخرجه ) على ثنية المرار مهبط الحديبية من أسفل مكة ؛ قال : فسلك الجيش ذلك الطريق ، فلما رأت خيل قريش قترة الجيش قد خالفوا عن طريقهم ، رجعوا راكضين إلى قريش ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا سلك ، في ثنية المرار بركت ناقته .
فقالت الناس : خلأت الناقة ، قال : ما خلأت وما هو لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة . لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألونني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها .
ثم قال للناس : انزلوا قيل له : يا رسول الله : ما بالوادي ماء ننزل عليه ، فأخرج سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه فنزل به في قليب من تلك القلب . فغرزه في جوفه ، فجاش بالرواء حتى ضرب الناس عنه بعطن .
*3*الذي نزل بسهم الرسول في طلب الماء :
@ قال ابن إسحاق : فحدثني بعض أهل العلم عن رجال من أسلم : أن الذي نزل في القليب بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ناجية بن جندب بن عمير بن يعمر بن دارم بن عمرو بن وائلة بن سهم بن مازن بن أسلم بن أفصى بن أبي حارثة ، وهو سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن هشام : أفصى بن حارثة . (4/ 278)
قال ابن إسحاق : وقد زعم لي بعض أهل العلم أن البراء بن عازب كان يقول : أنا الذي نزلت بسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فالله أعلم أي ذلك كان .
*3*شعر لناجية يثبت أنه حامل سهم الرسول :
@ وقد أنشدت أسلم أبياتاً من شعر قالها ناجية ، قد ظننا أنه هو الذي نزل بالسهم ، فزعمت أسلم أن جارية من الأنصار أقبلت بدلوها ، وناجية في القليب يميح على الناس ، فقالت :
يأيها المائح دلوى دونكا * إني رأيت الناس يحمدونكا
يثنون خيراً ويمجدونكما *
قال ابن هشام :ويروى :
إني رأيت الناس يمدحونكا *
قال ابن إسحاق : فقال ناجية ، وهو في القليب يميح على الناس :
قد علمت جارية يمانية * أني أنا المائح واسمى ناجية
وطعنة ذات رشاش واهية * طعنتها عند صدور العادية
*3*بديل ورجال خزاعة بين الرسول وقريش :
@ فقال الزهري في حديثه : فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه بديل بن ورقاء الخزاعي ، في رجال من خزاعة ، فكلموه وسألوه : ما الذي جاء به ؟
فأخبرهم أنه لم يأت يريد حرباً ، وإنما جاء زائراً البيت ، ومعظماً لحرمته ، ثم قال لهم نحواً مما قال لبشر بن سفيان ، فرجعوا إلى قريش فقالوا : يا (4/ 279) معشر قريش ، إنكم تعجلون على محمد ، إن محمداً لم يأت لقتال ، وإنما جاء زائراً هذا البيت ، فاتهموهم وجبهوهم وقالوا : وإن كان جاء ولا يريد قتالاً ، فوالله لا يدخلها علينا عنوة أبداً ، ولا تحدث بذلك عنا العرب .
قال الزهري : وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مسلمها ومشركها لا يخفون عنه شيئاً كان بمكة .
*3*مكرز رسول قريش إلى الرسول :
@ قال : ثم بعثوا إليه مكرز بن حفص بن الأخيف ، أخا بني عامر بن لؤي ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً قال : هذا رجل غادر ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلمه ، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم نحواً مما قال لبديل وأصحابه ؛ فرجع إلى قريش فأخبرهم بما قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم .
*3*الحليس رسول من قريش إلى الرسول :
@ ثم بعثوا إليه الحليس بن علقمة أو ابن زبان ، وكان يومئذ سيد الأحابيش ، وهو أحد بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن هذا من قوم يتألهون ، فابعثوا الهدي في وجهه حتى يراه ، فلما رآى الهدي يسيل عله من عرض الوادي في قلائده ، وقد أكل أوباره من طول الحبس عن محله ، رجع إلى قريش ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إعظاماً لما رأى ، فقال لهم ذلك . قال : فقالوا له : اجلس ، فإنما أنت أعرابي لا علم لك .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن الحليس غضب (4/ 280) عند ذلك وقال : يا معشر قريش ، والله ما على هذا حالفناكم ، ولا على هذا عاقدناكم .
أيصد عن بيت الله من جاء معظماً له ! والذي نفس الحليس بيده ، لتخلن بين محمد وبين ما جاء له ، أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد . قال : فقالوا له : مه ، كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا ما نرضى به .
*3*عروة بن مسعود رسول من قريش إلى الرسول :
@ قال الزهري في حديثه : ثم بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عروة بن مسعود الثقفي ؛ فقال : يا معشر قريش ، إني قد رأيت ما يلقى منكم من بعثتموه إلى محمد إذا جاءكم من التعنيف وسوء اللفظ ، وقد عرفتم أنكم والد وأني ولد - وكان عروة لسبيعة بنت عبد شمس - وقد سمعت بالذي نابكم ، فجمعت من أطاعني من قومي ، ثم جئتكم حتى آسيتكم بنفسي ؛ قالوا : صدقت ما أنت عندنا بمتهم .
فخرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجلس بين يديه ، ثم قال : يا محمد أجمعت أوشاب الناس ، ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم ، إنها قريش قد خرجت معها العوذ المطافيل . قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله لا تدخلها عليهم عنوة أبداً . وأيم الله ، لكأني بهؤلاء قد انكشفوا عنك غداً .
قال : وأبو بكر الصديق خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ؛ فقال : امصص بظر اللات ، أنحن نتكشف عنه ؟ قال : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أبي قحافة ؛ قال : أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ، ولكن هذه بها .
قال : ثم جعل يتناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يكلمه . قال : والمغيرة (4/ 281) ابن شعبة واقف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديد .
قال : فجعل يقرع يده إذ تناول لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول : اكفف يدك عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن لا تصل إليك ؛ قال : فيقول عروة : ويحك ! ما أفظك وأغلظك ! قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقال له عروة : من هذا يا محمد ؟ قال : هذا ابن أخيك المغيرة بن شعبة ؛ قال : أي غدر ، وهل غسلت سوءتك إلا بالأمس .
قال ابن هشام :أراد عروة بقوله هذا أن المغيرة بن شعبة قبل إسلامه قتل ثلاثة عشر رجلاً من بني مالك ، من ثقيف فتهايج الحيان من ثقيف : بنو مالك رهط المقتولين ، والأحلاف رهط المغيرة ، فودى عروة المقتولين ثلاث عشرة دية ، وأصلح ذلك الأمر .
قال ابن إسحاق : قال الزهري : فكلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوٍ مما كلم به أصحابه ، وأخبره أنه لم يأت يريد حربا .
فقام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رأى ما يصنع به أصحابه ، لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه ، ولا يبصق بصاقاً إلا ابتدروه . ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه . فرجع إلى قريش ، فقال : يا معشر قريش ، إني قد جئت كسرى في ملكه . وقيصر في ملكه . والنجاشي في ملكه . وإني والله ما رأيت ملكاً في قوم قط مثل محمد في أصحابه ، ولقد رأيت قوماً لا يسلمونه لشيء أبداً ، فروا رأيكم .
*3*خراش رسول الرسول إلى قريش :
@ قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أهل العلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا خراش بن أمية الخزاعي ، فبعثه إلى قريش بمكة ، وحمله على بعير له يقال له الثعلب ، ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له ، فعقروا به جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأرادوا قتله ،فمنعته الأحابيش ، فخلوا سبيله ، حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم . (4/ 282)
*3*النفر القرشيون الذين أرسلتهم قريش للعدوان ثم عفا عنهم الرسول :
@ قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض من لا أتهم عن عكرمة مولى ابن عباس عن ابن عباس : أن قريشاً كانوا بعثوا أربعين رجلاً منهم أو خمسين رجلاً ، وأمروهم أن يطيفوا بعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليصيبوا لهم من أصحابه أحداً ، فأخذوا أخذاً ، فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعفا عنهم وخلى سبيلهم ، وقد كانوا رموا في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة والنبل .
*3*عثمان رسول محمد إلى قريش :
@ ثم دعا عمر بن الخطاب ليبعثه إلى مكة ، فيبلغ عنه أشراف قريش ما جاء له ، فقال : يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي ، وليس بمكة من بني عدي بن كعب أحد يمنعني ، وقد عرفت قريش عداوتي إياها ، وغلظتي عليها ، ولكني أدلك على رجل أعز بها مني ، عثمان بن عفان . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان ، فبعثه إلى أبي سفيان وأشراف قريش ، يخبرهم أنه لم يأت لحرب ، وإنه إنما جاء زائراً لهذا البيت ، ومعظماً لحرمته .
*3*إشاعة مقتل عثمان :
@ قال ابن إسحاق : فخرج عثمان إلى مكة ، فلقيه أبان بن سعيد بن العاص حين دخل مكة ، أو قبل أن يدخلها ، فحمله بين يديه ، ثم أجاره حتى بلغ رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فانطلق عثمان حتى أتى أبا سفيان وعظماء قريش ، فبلغهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أرسله به ؛ فقالوا لعثمان حين فرغ من رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم : إن شئت أن تطوف بالبيت فطف ؛ فقال : ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
واحتبسته قريش عندها ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن عثمان بن عفان قد قتل . (4/ 283)
*2*لبيعة الرضوان
*3*مبايعة الرسول الناس على الحرب وتخلف الجد :
@ قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين بلغه أن عثمان قد قتل : لا نبرح حتى نناجز القوم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس إلى البيعة .
فكانت بيعه الرضوان تحت الشجرة ، فكان الناس يقولون : بايعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الموت ، وكان جابر بن عبدالله يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبايعنا على الموت ولكن بايعنا على أن لا نفر .
فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، ولم يتخلف عنه أحد من المسلمين حضرها ، إلا الجد بن قيس ، أخو بني سلمة ، فكان جابر بن عبدالله يقول : والله لكأني أنظر إليه لاصقاً بإبط ناقته . قد ضبأ إليها ، يستتر بها من الناس . ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل .
*3*أول من بايع :
@ قال ابن هشام : فذكر وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي : أن أول من بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان أبو سنان الأسدي .
قال ابن هشام :وحدثني من أثق به عمن حدثه بإسناد له ، عن ابن أبي مليكة عن ابن أبي عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بايع لعثمان ، فضرب بإحدى يديه على الأخرى .
*2*أمر الهدنة
*3*إرسال قريش سهيلاً إلى الرسول للصلح :
@ قال ابن إسحاق : قال الزهري : ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو ، أخا بني عامر بن لؤي ، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقالوا له : ائت محمداً فصالحه ، ولا يكن (4/ 284) في صلحه إلا أن يرجع عنا عامة هذا ، فوالله لا تحدث العرب عنا أنه دخلها علينا عنوة أبداً .
فأتاه سهيل بن عمرو فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلاً ، قال : قد أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل . فلما انتهى سهيل بن عمرو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم فأطال الكلام ، وتراجعا ، ثم جرى بينهما الصلح .
*3*عمر ينكر على الرسول الصلح :
@ فلما التأم الأمر ولم يبق إلا الكتاب ، وثب عمر بن الخطاب ، فأتى أبا بكر ، فقال : يا أبا بكر ، أليس برسول الله ؟ قال : بلى ، وألسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال أبو بكر : يا عمر الزم غرزه ، فإني أشهد أنه رسول الله ؛ قال عمر : وأنا أشهد أنه رسول الله .
ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ألست برسول الله ؟ قال : بلى ، قال : أولسنا بالمسلمين ؟ قال : بلى ، قال : أوليسوا بالمشركين ؟ قال : بلى ، قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ؟ قال : أنا عبدالله ورسوله ، لن أخالف أمره ، ولن يضيعني !
قال : فكان عمر يقول : ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق ، من الذي صنعت يومئذ ! مخافة كلامي الذي تكلمت به حتى رجوت أن يكون خيراً .
*3*علي يكتب شروط الصلح :
@ قال : ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضوان الله عليه ، فقال : اكتب بسم الله الرحمن الرحيم ؛ قال : فقال سهيل : لا أعرف هذا ، ولكن أكتب باسمك اللهم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب باسمك اللهم ، فكتبها .
ثم قال : اكتب : (4/ 285) هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو ؛ قال : فقال سهيل : لو شهدت أنك رسول الله لم أقاتلك ، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك ؛ قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله سهيل بن عمرو ، اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض ، على أنه من أتى محمداً من قريش بغير إذن وليه رده عليهم ، ومن جاء قريشاً ممن مع محمد لم يردوه عليه ، وإن بيننا عيبة مكفوفة ، وأنه لا إسلال ولا إغلال ، وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه . (4/ 286)
*3*دخول خزاعة في عهد محمد وبني بكر في عهد قريش :
@ فتواثبت خزاعة فقالوا : نحن في عقد محمد وعهده ، وتواثبت بنو بكر فقالوا : نحن في عقد قريش وعهدهم ، وأنك ترجع عنا عامك هذا ، فلا تدخل علينا مكة ، وأنه إذا كان عام قابل ، خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك ، فأقمت بها ثلاثاً معك سلاح الراكب ، السيوف في القرب ، لا تدخلها بغيرها .
*3*ما أهم الناس من الصلح ومجيء أبي جندل :
@ فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب الكتاب هو وسهيل بن عمرو ، إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد ، قد انفلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان أصحاب (4/ 287) رسول الله صلى الله عليه وسلم خرجوا وهم لا يشكون في الفتح ، لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما رأوا ما رأوا من الصلح والرجوع ، وما تحمل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفسه دخل على الناس من ذلك أمرٌ عظيم ، حتى كادوا يهلكون .
فلما رأى سهيل أبا جندل قام إليه فضرب وجهه ، وأخذ بتلبيبه ؛ ثم قال : يا محمد قد لجت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا ؛ قال : صدقت ، فجعل ينتره بتلبيبه ، ويجره ليرده إلى قريش ، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته : يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني ؟ فزاد ذلك الناس إلى ما بهم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا جندل ؛ اصبر واحتسب ، فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً ، وأعطيناهم على ذلك ، وأعطونا عهد الله ، وإنا لا نغدر بهم .
قال : فوثب عمر بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ، ويقول : اصبر يا أبا جندل ، فإنما هم المشركون ، وإنما دم أحدهم دم كلب . قال : ويدني قائم السيف منه . قال : يقول عمر : رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه ؛ فضن الرجل بأبيه ، ونفذت القضية .
*3*من شهدوا على الصلح :
@ فلما فرغ ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) من الكتاب أشهد على الصلح رجالاً من المسلمين ورجالاً من المشركين : أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعبدالرحمن بن عوف ، وعبدالله بن سهيل بن عمرو ، وسعد بن أبي وقاص ، ومحمود بن مسلمة ، ومكرز بن حفص ، وهو يومئذ مشرك ، وعلي بن أبي طالب ، وكتب ، وكان هو كاتب الصحيفة .
*3*نحر الرسول وحلق فاقتدى به الناس :
@ قال ابن إسحاق : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطرباً في الحل ، وكان يصلي في الحرم ، فلما فرغ من الصلح (4/ 288) قدم إلى هدية فنحره ، ثم جلس فحلق رأسه ، وكان الذي حلقه ، فيما بلغني ، في ذلك اليوم خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي ؛ فلما رأى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نحر وحلق تواثبوا ينحرون ويحلقون .
*3*دعوة الرسول للمحلقين ثم للمقصرين :
@ قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : حلق رجال يوم الحديبية ، وقصر آخرون . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يرحم الله المحلقين ، قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : يرحم الله المحلقين ؛ قالوا : والمقصرين يا رسول الله ؟ قال : والمقصرين ؛ فقالوا : يا رسول الله : فلم ظاهرت الترحيم للمحلقين دون المقصرين ؟ قال : لم يشكوا .
*3*أهدِى الرسول جملاً فيه برة من فضة :
@ وقال عبدالله بن أبي نجيح : حدثني مجاهد ، عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدى عام الحديبية في هداياه جملاً لأبي جهل ، في رأسه برة من فضة ، يغيظ بذلك المشركين .
*3*نزول سورة الفتح :
@ قال الزهري في حديثه : ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهه ذلك قافلاً ،حتى إذا كان بين (4/ 289) مكة والمدينة ، نزلت سورة الفتح : (( إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، ويتم نعمته عليك ، ويهديك صراطاً مستقيماً )) . ( الفتح : 1)
*3*ذكر البيعة :
@ ثم كانت القصة فيه وفي أصحابه ، حتى انتهى من ذكر البيعة ، فقال جل ثناؤه : (( إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ، يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً )) .
*3*ذكر من تخلف :
@ ثم ذكر من تخلف عنه من الأعراب ، ثم قال حين استفزهم للخروج معه فأبطئوا عليه: (( سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا )) . ثم القصة عن خبرهم ، حتى انتهى إلى قوله : (( سيقولون المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم ، يريدون أن يبدلوا كلام الله ، قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل )) . ثم القصة عن خبرهم وما عرض عليهم من جهاد القوم أولى البأس الشديد .
قال ابن إسحاق : حدثني عبدالله بن أبي نجيح ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال : فارس .
قال ابن إسحاق : وحدثني من لا أتهم ، عن الزهري أنه قال : أولوا البأس الشديد حنيفة مع الكذاب .
ثم قال تعالى : (( لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم فتحاً قريباً . ومغانم كثيرة يأخذونها ، وكان الله عزيراً حكيماً . وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه ، وكف أيدي الناس عنكم ، ولتكون آية للمؤمنين ويهيدكم صراطاً مستقيماً. وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ، وكان الله على كل شيء قديراً )) . (4/ 290)
*3*ذكر كف الرسول عن القتال :
@ ثم ذكر محبسه وكفه إياه عن القتال ، بعد الظفر منه بهم ، يعني : النفر الذين أصاب منهم وكفهم عنه ، ثم قال تعالى : (( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم ، وكان الله بما تعملون بصيراً )) . ثم قال تعالى : (( هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله )) .
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب :
@ قال ابن هشام :المعكوف المحبوس ، قال أعشى بني قيس بن ثعلبة :
وكأن السموط عكفه السلك * بعطفي جيداء أم غزال .
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق (( ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم )) ، والمعرة : الغرم ، أي : أن تصيبوا منهم ( معرة ) بغير علم فتخرجوا ديته ، فأما إثم فلم يخشه عليهم .
قال ابن هشام :بلغني عن مجاهد أنه قال : نزلت هذه الآية في الوليد بن الوليد بن المغيرة ، وسلمة بن هشام ، وعياش بن أبي ربيعة ، وأبي جندل بن سهيل ، وأشباههم .
قال ابن إسحاق : ثم قال تبارك وتعالى : (( إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية ، حمية الجاهلية )) يعني : سهيل بن عمرو حين حمي أن تكتب بسم الله الرحمن الرحيم وأن محمداً رسول الله ، ثم قال تعالى : (( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى )) ، وكانوا أحق بها وأهلها : أي التوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله . (4/ 291)
ثم قال تعالى : (( لقد صدق الله ورسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا )) . أي : لرؤيا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي رأى ، أنه سيدخل مكة آمنا لا يخاف ؛ يقول : محلقين رءوسكم ، ومقصرين معه لا تخافون ، فعلم من ذلك ما لم تعلموا ، فجعل من دون ذلك فتحاً قريباً ، صلح الحديبية .
يقول الزهري : فما فتح في الإسلام فتح قبله كان أعظم منه ، إنما كان القتال حيث التقى الناس ؛ فلما كانت الهدنة ، ووضعت الحرب ، وآمن الناس بعضهم بعضاً، والتقوا فتفاوضوا في الحديث والمنازعة ، فلم يكلم أحد بالإسلام يعقل شيئاً إلا دخل فيه ، ولقد دخل تينك السنتين مثل من كان في الإسلام قبل ذلك أو أكثر .
قال ابن هشام :والدليل على قول الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى الحديبية في ألف وأربع مائة ، في قول جابر بن عبدالله ، ثم خرج عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف .
*2*ما جرى عليه أمر قوم من المستضعفين بعد الصلح
*3*مجيء أبي بصير إلى المدينة وطلب قريش له :
@ قال ابن إسحاق : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية ، وكان ممن حبس بمكة ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب فيه أزهر بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، والأخنس بن شريق بن عمرو بن وهب (4/ 292) الثقفي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعثا رجلاً من بني عامر بن لؤي ، ومعه مولى لهم ، فقدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكتاب الأزهر والأخنس .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بصير إنا قد أعطينا هؤلاء القوم ما قد علمت ، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر ، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً ، فانطلق إلى قومك ؛ قال : يا رسول الله ، أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني ؟ قال : يا أبا بصير انطلق فإن الله تعالى سيجعل ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً.
*3*قتل أبي بصير للعامري ومقالة الرسول في ذلك :
@ فانطلق معهما ، حتى إذا كان بذي الحليفة ، جلس إلى جدار ، وجلس معه صاحباه ، فقال أبو بصير : أصارم سيفك هذا يا أخا بني عامر ؟ فقال : نعم أنظر إليه ؟ قال : انظر إن شئت . قال : فاستله أبو بصير ، ثم علاه به حتى قتله .
*3*وخرج المولى سريعاً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم طالعاً قال : إن هذا الرجل قد رأى فزعاً ؛ فلما انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ويحك ! ما لك ؟ قال : قتل صاحبكم صاحبي فوالله ما برح حتى طلع أبو بصير متوشحاً بالسيف ، حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله ، وفت ذمتك ، وأدى الله عنك ، أسلمتني بيد القوم وقد امتنعت بديني أن أفتن فيه ، أو يعبث بي . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال ! (4/ 293)
*3*اجتماع المحتبسين إلى أبي بصيرة وإيذاؤهم قريشاً وإيواء الرسول لهم :
@ ثم خرج أبو بصير حتى نزل العيص ، من ناحية ذي المروة ، على ساحل البحر ، بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام ، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة قل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بصير : "ويل أمه محش حرب لو كان معه رجال ! " ، فخرجوا إلى أبي بصير بالعيص ، فاجتمع إليه منهم قريب من سبعين رجلاً ، وكانوا قد ضيقوا على قريش ، لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه ، لا تمر بهم عير إلا اقتطعوها ، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم فلا حاجة لهم فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل بأرحامها إلا آواهم ، فلا حاجة لهم بهم ، فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدموا عليه المدينة .
قال ابن هشام :أبو بصير ثقفي .
*3*أراد سهيل ودي أبي بصير وشعر موهب في ذلك :
@ قال ابن إسحاق : فلما بلغ سهيل بن عمرو قتل أبي بصير صاحبهم العامري ، أسند ظهره إلى الكعبة ، ثم قال : والله لا أؤخر ظهري عن الكعبة حتى يودي هذا الرجل ؛ فقال أبو سفيان بن حرب : والله إن هذا لهو السفه ، والله لا يودي ( ثلاثاً ) .
فقال في ذلك موهب بن رياح أبو أنيس ، حليف بني زهرة :
- قال ابن هشام :أبو أنيس أشعري -
أتاني عن سهيل ذرء قول * فأيقظني وما بي من رقاد
فإن تكن العتاب تريد مني * فعاتبني فما بك من بعادي
أتوعدني وعبد مناف حولي * بمخزوم ألهفا من تعادي (4/ 294)
فإن تغمز قناتي لا تجدني * ضعيف العود في الكرب الشداد
أسامي الأكرمين أبا بقومي * إذا وطئ الضعيف بهم أرادي
هم منعوا الظواهر غير شك * إلى حيث البواطن فالعوادي
بكل طمرة وبكل نهد * سواهم قد طوين من الطراد
لهم بالخيف قد علمت معد * رواق المجد رفع بالعماد
*3*شعرابن الزبعرى في الرد على موهب :
@ فأجابه عبدالله بن الزبعرى فقال :
وأمسى موهب كحمار سوء * أجاز ببلدة فيها ينادي
فإن العبد مثلك لا يناوي * سهيلاً ضل سعيك من تعادي
فاقصر يا ابن قين السوء عنه * وعد عن المقالة في البلاد
ولا تذكر عتاب أبي يزيد * فهيهات البحور من الثماد
*2*أمر المهاجرات بعد الهدنة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق