6//2
2/6 :حدث في السنة السادسة
من الهجرة (2)
11- وفي شعبان من هذه السنة: كانت سرية عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - إلى دومة الجندل، وأمره النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتزوج ابنة ملكهم فأسلموا وتزوجها. الشرح: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - إلى دُومة الجندل في شعبان، وقال له: إن أطاعوك فتزوج ابنة ملكهم، فأسلم القوم، وتزوج عبد الرحمن - رضي الله عنه - تُماضر بنت الأصبغ، وكان أبوها رأسهم وملكهم[1]. 12- وفي شعبان أيضًا من هذه السنة: كانت سريةُ علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى بني سعد بن بكر بفدك، فشتَّت شملهم، وغنم وسلم. الشرح: قال ابن سعد - رحمه الله -: ثم سرية علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى بني سعد بن بكر بفدك في شعبان سنة ست قالوا: بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن لهم جمعًا يريدون أن يُمدُّوا يهود خيبر، فبعث إليهم عليًا في مائة رجل فسار الليل وكمن النهار، حتى انتهى إلى الغمِج[2] وهو ماء بين خيبر وفدك، وبين فدك والمدينة ست ليال، فوجدوا به رجلاً، فسألوه عن القوم، فقال: أُخبركم على أنكم تُؤمنوني، فأمَّنوه، فدلهم، فأغاروا عليهم، وأخذوا خمسمائة بعير وألفي شاة، وهربت بنو سعد بالظعُن ورأسُهم وَبْرُ بن عُليم، فعزل عليٌّ – صفيُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقوحًا تدعى الحفِدة، ثم عزل الخمس، وقسم سائر الغنائم على أصحابه[3]. 13- وفي رمضان من هذه السنة: كانت سرية زيد بن حارثة إلى أم قرفة بناحية وادي القُرى، فقتلوا وأسروا، وغنموا وسَلِموا. الشرح: تقدم أن زيد بن حارثة - رضي الله عنه - كان خارجًا بتجارة لأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- فلقيه ناس من فزارة بناحية وادي القرى، فضربوه وأصحابه وأخذوا ما معهم من مال، وانفلت زيد من بين القتلى. قال ابن إسحاق - رحمه الله -: فلما قدم زيد بن حارثة نذر أن لا يمس رأسه غسلٌ من جنابة، حتى يغزو فزارة فلما اسْتبلَّ من جراحه[4] بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جيش إلى بني فزارة، فلقيهم بوادي القرى، وأصاب فيهم، وأسر أم قِرفة، وهي فاطمة بنت زمعة بن بدر، وكانت عند حذيفة بن بدر عجوزًا كبيرة، وبنتًا لها، وعبد الله بن مسعدة فأمر زيد بن حارثة أن تقتل أم قرفة، فقتلها. ثم قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بابنة أم قرفة، وبعبد الله بن مسعدة، فكانت بنت أم قرفة لسلمة بن الأكوع، وكان هو الذي أصابها[5]. يقول سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه -: غَزَوْنَا فَزَارَةَ وَعَلَيْنَا أبو بَكْرٍ، أَمَّرَهُ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا، فَلَمَّا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمَاءِ سَاعَةٌ، أَمَرَنَا أبو بَكْرٍ فَعَرَّسْنَا[6] ثُمَّ شَنَّ الْغَارَةَ، فَوَرَدَ الْمَاءَ، فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ عَلَيْهِ، وَسَبَى، وَأَنْظُرُ إِلَى عُنُقٍ مِنْ النَّاسِ[7] فِيهِمْ الذَّرَارِيُّ، فَخَشِيتُ أَنْ يَسْبِقُونِي إِلَى الْجَبَلِ، فَرَمَيْتُ بِسَهْمٍ بَيْنهُمْ وَبَيْنَ الْجَبَلِ، فَلَمَّا رَأَوْا السَّهْمَ وَقَفُوا، فَجِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ، وَفِيهِمْ امْرَأَةٌ مِنْ بني فَزَارَةَ عَلَيْهَا قَشْعٌ مِنْ أَدَمٍ - قَالَ: الْقَشْعُ النِّطَعُ - مَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا مِنْ أَحْسَنِ الْعَرَبِ، فَسُقْتُهُمْ حَتَّى أَتَيْتُ بِهِمْ أَبَا بَكْرٍ، فَنَفَّلَنِي أبو بَكْرٍ ابْنَتَهَا، فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَلَقِيَنِي رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فِي السُّوقِ، فَقَالَ: «يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْجَبَتْنِي وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، ثُمَّ لَقِيَنِي رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مِنَ الْغَدِ فِي السُّوقِ، فَقَالَ لِي: «يَا سَلَمَةُ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ لِلَّهِ أَبُوكَ[8]»، فَقُلْتُ: هِيَ لَكَ يَا رَسُولَ الله، فَوَاللَّهِ مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ[9]. 14- وفي رمضان أيضًا من هذه السنة: أجدب الناس جدبًا شديدًا، فاستسقى بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنزل المطر. الشرح: عَنْ عَائِشَةَ < قَالَتْ: شَكَا النَّاسُ إِلَى رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قُحُوطَ الْمَطَرِ، فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ فِي الْمُصَلَّى، وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَخَرَجَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَكَبَّرَ وَحَمِدَ الله - عز وجل -، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّكُمْ شَكَوْتُمْ جَدْبَ دِيَارِكُمْ، وَاسْتِئْخَارَ الْمَطَرِ عَنْ إِبَّانِ زَمَانِهِ عَنْكُمْ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ الله - سبحانه - أَنْ تَدْعُوهُ، وَوَعَدَكُمْ أَنْ يَسْتَجِيبَ لَكُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ، لَا إِلَهَ إِلَّا الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ، اللهمَّ أَنْتَ الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ، أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ، وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إِلَى حِينٍ»، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبِطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَقَلَبَ – أَوْ حَوَّلَ- رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَأَنْشَأَ الله سَحَابَةً فَرَعَدَتْ وَبَرَقَتْ، ثُمَّ أَمْطَرَتْ بِإِذْنِ الله، فَلَمْ يَأْتِ مَسْجِدَهُ حَتَّى سَالَتْ السُّيُولُ، فَلَمَّا رَأَى سُرْعَتَهُمْ إِلَى الْكِنِّ، ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنِّي عبد الله وَرَسُولُهُ»[10]. وذكر ابن سيد الناس أن ذلك كان في رمضان من السنة السادسة[11]. 15- وفي شوال من هذه السنة: كانت سرية عبد الله بن رواحة - رضي الله عنه - إلى أُسير بن رزام اليهودي، فقتلوه وسلموا. الشرح: لما قُتل أبو رافع سلام بن أبي الحُقيق أمَّرت يهود عليهم أُسير بن رزام، فسار في غطفان وغيرهم، فجمعهم لحرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فوجَّه عبد الله بن رواحة في ثلاثة نفر، في شهر رمضان سرًا، فسأل عن خبره وغرَّته، فأُخبر بذلك، فقدم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبره، فندب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الناس، فانْتُدب له ثلاثون رجلاً، فبعث عليهم عبد الله بن رواحة، فقدموا على أُسير فقالوا: نحن آمنون حتى نعرض عليك ما جئنا له، قال: نعم، ولي منكم مثل ذلك، فقالوا: نعم، فقلنا: إنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثنا إليك لتخرج إليه فيستعملك على خيبر ويُحسن إليك، فطمع في ذلك، فخرج، وخرج معه ثلاثون رجلاً من اليهود مع كل رجل رديف من المسلمين، حتى إذا كانوا بقرقرة نبار ندم أُسير، فقال عبد الله بن أُنيس الجهني، وكان في السرية: وأهوى بيده إلى سيفي، ففطنت له، ودفعت بعيري، وقلت: غدرًا أي عدو الله، فعل ذلك مرتين، فنزلت، فسقت بالقوم حتى انفرد لي أُسير، فضربته بالسيف فأندرتُ[12] عامَّة فخذه وساقه، وسقط عن بعيره وبيده مِخْرِش[13] من شَوْحط[14] فضربني فشجَّني مأمومة[15] وملنا على أصحابه فقتلناهم كما هم، غير رجل واحد أعجزنا شدًّا، ولم يُصب من المسلمين أحد، ثم أقلبنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحدَّثناه الحديث، فقال: «قد نجَّاكم الله من القوم الظالمين»[16]. [1] ذكر هذه السرية ابن سعد في «الطبقات» 2/85، والطبري في «التاريخ» 2/126، وغيرهما. [2] الغمِج: هو الماء غير العذب، وهو هنا اسم موضع. [3] «الطبقات الكبرىٰ» 2/89، 90، «عيون الأثر» 2/155، 156، والذهبي في «المغازي» (355). [4] أي: شُفي من جراحه. [5] «عيون الأثر» 2/154، عن ابن إسحاق، إلىٰ عبدالله بن أبي بكر مرسلاً. وفي رواية مسلم (1755) أن أمير هذه السرية كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، قال السهيلي 4/253: وهذه الرواية – رواية مسلم- أصح وأحسن من رواية ابن إسحاق.اهـ. [6] التعريس: النزول آخر الليل. [7] عُنق: أي جماعة. [8] لله أبوك: كلمة مدح تعتاد العرب الثناء بها، وفيها إضافة الأب لله، مثل: بيت الله، والإضافة إلىٰ الله تعظيم وتشريف. [9] صحيح: أخرجه مسلم (1755)، كتاب: الجهاد والسير، باب: التنفيل وفداء المسلمين بالأُسارىٰ. [10] حسن: أخرجه أبوداود (1173)، كتاب: الصلاة، باب: رفع اليدين في الاستسقاء، وحسنه الألباني «صحيح سنن أبي داود». [11] «عيون الأثر» 2/373. [12] أندرت: أسقطت. [13] المخرش: عصا معقوفة الرأس. [14] شوحط: شجر ينبت في الجبال، تُتخذ منه قناة الرمح. [15] مأمومة: أي في أم رأسه. [16] «الطبقات الكبرىٰ» 2/92، 93، وذكرها ابن هشام في «السيرة» 2/618. |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق