Translate ***

الخميس، 5 أبريل 2018

2.علة الإختصار النقلي .

2.علة الإختصار النقلي۲ .
       علم علل الحديث واشهر مصنفاته في القديم والحديث : د/ماهر الفحل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام علي رسول الله وبعد :اليك اخي ******

  :علم علل الحديث :والمصنفات التي كتبة في ذلك منها ماهو مخطوط ومطبوع :والله اسئل ان يبارك فيمن كتب ذلك وجزه الله خير ا علي ماقدم لهذ االعلم الشريف الدكتور / ماهر الفحل
"والله المستعان 
:تعريف علم العلل


هو عِلم برأسه ، وهو أَجَلُّ أنواع علم الحديث وأدَقُّها ، وأما أصحابه فهم جهابذة الفن في الحفظ والإتقان ، وأما أدواته فهي قواعد تُكشف بها الأسباب الخفية القادحة . وهو صاحب القول الفصل في قبول الحديث ورفضه ، حتى إنَّه لا يسلم كبار الحفاظ من نقده ، ولا يتكلم فيه إلا المتقنون لسائر علوم الحديث ، وأساسه التمرس والتجربة العملية الطويلة .
أهمية علم العلل:
إذا كان كل علم يشرف بمدى نفعه ، فإنَّ علم علل الحديث يعد من أشرف العلوم ؛ لأنَّه من أكثرها نفعاً ، فهو نوع من أَجَلِّ أنواع علم الحديث ، وفن من أهم فنونه ، قال الخطيب : (( معرفة العلل أَجَلُّ أنواع علم الحديث )) (1) ، ورحم الله الإمام النووي حيث قال : (( ومن أهم أنواع العلوم تحقيق معرفة الأحاديث النبويات ، أعني : معرفة متونها : صحيحها و حسنها و ضعيفها ، متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها ، ومقلوبها ، ومشهورها وغريبها وعزيزها ، ومتواترها وآحادها وأفرادها ، معروفها وشاذها ومنكرها ، ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها ... ))(2) .
فعلماء الحديث قد اهتموا بالحديث النبوي الشريف عموماً ؛ لأنَّه المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم ، و قد اهتموا ببيان علل الأحاديث النبوية من حيث الخصوص ؛ لأنَّ بمعرفة العلل يعرف كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من غيره ، وصحيح الحديث من ضعيفه ، وصوابه من خطئه ، قيل لعبد الله بن المبارك(3) : هذه الأحاديث المصنوعة ؟ قال: (( تعيش لها الجهابذة ))(4) .
وقد ذكر الحاكم : (( أنَّ معرفة علل الحديث من أجَلِّ هذه العلوم )) (5) وقال : (( معرفة علل الحديث ، وهو علم برأسه غير الصحيح و السقيم ، والجرح والتعديل ))(6) .
وعلم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي كبار الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، حيث كان أبو بكر الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما يحتاطان(7) في قبول الأخبار ، ويطلبان الشهادة على الحديث أحياناً ؛ من أجل تمييز الخطأ والوهم في الحديث النبوي ، ثم اهتم العلماء به من بعد ؛ لئلا ينسب إلى السنة المطهرة شيء ليس منها خطأ . فعلم العلل له مزية خاصة ، فهو كالميزان لبيان الخطأ من الصواب ، والصحيح من المعوج ، وقد اعتنى به أهل العلم قديماً وحديثاً ، ولا يزال الباحثون يحققون وينشرون تلكم الثروة العظيمة التي دَوَّنَها لنا أولئك الأئمة العظام كعلي ابن المديني ، و أحمد ، و البخاري ، و الترمذي ، و ابن أبي حاتم ، والدارقطني ، وغيرهم(8) .
وما ذلك إلا لأهمية هذا الفن فـ (( التعليل(9) أمر خفي ، لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء الذين لا اطلاع لهم على طرقه وخفاياها ))(10) . ولأهميته أيضاً نجد بعض جهابذة العلماء يصرّح بأنَّ معرفة العلل والبحث عنها ، مقدم على مجرد الرواية دون سبر ولا تمحيص ، يقول عبد الرحمان بن مهدي : (( لأَنْ أعرف علة حديث هو عندي ، أحب إليَّ من أنْ أكتب حديثاً ليس عندي ))(11) .
ويزيد هذا العلم أهمية أنَّه من أشد العلوم غموضاً ، فلا يدركه إلا من رُزِقَ سعة الرواية ، وكان مع ذلك حاد الذهن ، ثاقب الفهم ، دقيق النظر ، واسع المران ، قال الحاكم : (( إنَّ الصحيح لا يعرف بروايته فقط ، وإنَّما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع ، وليس لهذا النوع من العلم عون أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ، ليظهر ما يخفى من علة الحديث ، فإذا وُجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرّجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم رضي الله عنهما ، لزم صاحب الحديث التنقير عن علته ، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علّته )) (12).
ونقل ابن أبي حاتم عن محمود بن إبراهيم بن سميع ، أنَّه قال : سمعت أحمد بن صالح(13) يقول : (( معرفة الحديث بمنـزلة معرفة الذهب – والشَّبَه ، فإنَّ الجوهري إنما يعرفة أهله ، وليس للبصير فيه حجة إذا قيل له : كيف قلت : إنَّ هذا بائن ؟! – يعني : الجيد أو الرديء ))(14) لذا فإنَّ وجود العارفين في فن العلل بين العلماء عزيز ، قال ابن رجب : (( وقد ذكرنا ... شرف علم العلل و عزته ، وأنَّ أهله المتحققين به أفراد يسيرة من بين الحفاظ وأهل الحديث ، وقد قال أبو عبد الله بن منده الحافظ : إنَّما خص الله بمعرفة هذه الأخبار نفراً يسيراً من كثير ممن يدّعي علم الحديث )) (15) .
وقال الحافظ ابن حجر : (( وهو من أغمض أنواع علوم الحديث وأدقها ، ولا يقوم به إلا من رزقه الله تعالى فهماً ثاقباً ، وحفظاً واسعاً ، ومعرفة تامة بمراتب الرواة ، وملكة قوية بالأسانيد والمتون ؛ ولهذا لم يتكلم فيه إلا قليل من أهل هذا الشأن : كعلي بن المديني ، وأحمد بن حنبل ، والبخاري ، ويعقوب بن شيبة ، وأبي حاتم ، وأبي زرعة ، والدارقطني ... )) (16).
وليس يلزم كشف العلة لأول وهلة ولا لثانيها ولا ولا .. يقول الخطيب : (( فمن الأحاديث ما تخفى علته ، فلا يوقف عليها إلا بعد النظر الشديد ، ومُضِيِّ الزمن البعيد ))(17) . وأسند عن علي بن المديني ، قال : (( ربما(18)أدركت علة حديث بعد أربعين سنة ))(19) .
بل ربما يكشف العالم ما خفي على من هو أعلم منه ، كالدارقطني ، وأبي علي الجياني ، وأبي مسعود الدمشقي ، وأبي الحسن بن القطان ، وابن تيمية ، وابن القيم ، وابن حجر ، وغيرهم من أئمة هذا الشأن ، فقد تعقّبوا البخاري ومسلماً - وهما من هما في الحفظ والإتقان ، بل وعلو الكعب في علم العلل عينه - في كثير من أحاديث صحيحيهما وبينوا عللها(20) ... أو قد يخالف ما قاله هو نفسه ، كما حصل لأبي حاتم الرازي حين سأله ابنه عن حديث ابن صائد أهو عن جابر أم عن ابن مسعود ؟ قال : (( عبد الله أصح ، لو كان عن جابر ، كان متصلاً . قلت : كيف كان ؟ قال : لأنَّ أبا نضرة قد أدرك جابراً ، ولم يدرك ابن مسعود ، وابن مسعود قديم الموت . وسألت أبي مرة أخرى عن هذا الحديث . فقال : يحيى القطان ومعتمر وغيرهما ، يقولون : عن التيمي ، عن أبي نضرة ، عن جابر ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وهو أشبه بالصواب ))(21) .
وقد يتوقف الناقد في حديث ما ؛ لخفاء علته ، وفي نفسه حجج للقبول والرد ولكن ليس له حجة ، قال السخاوي : (( يعني : يعبِّر بها غالباً ، وإلا ففي نفسه حجج للقبول وللدفع ))(22) ، وقال ابن حجر : (( وقد تقصر عبارة المعلل منهم ، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى ، كما في نقد الصيرفي سواء ))(23) .
من هذا العرض تتبين أهمية هذا العلم " علل الحديث " ؛ لارتباطه بالحديث النبوي أولاً ؛ ولأنَّه الفيصل بين الصحيح الذي ظاهره وباطنه السلامة وغيره .

موضوعه:
ليس كل الأحاديث ظاهرها السلامة ، ولا كل علة خفية ، فمن الأحاديث علتها ظاهرة جلية ، وهذه الأوصاف بحديث الضعيف ألصق ، وليست من علم العلل في شيء ، ومع ذلك وجدنا بعض العلماء قد أطلق العلة على الخفي منها والجلي ، واستعمال اللفظ بمعناه العام من باب التوسع .
أما الحديث المعل فهو ما اجتمع فيه ركنا العلة ، وهذا لا يكون سوى في أحاديث الثقات ؛ لأنَّ حديث الضعيف خطؤه بَيّن يتصدى له الناقد ، وفق قواعد معلومة ، أما أحاديث الثقات فهي موضوع علم العلل وميدانه بمعناه الدقيق ، ولا يتصدى لها إلا جهابذة النقاد .
وهذا النوع من النقد أوسع من الجرح والتعديل ؛ لأنَّه يواكب الثقة في حله وترحاله ، وأحاديثه عن كل شيخ من شيوخه ، ومتى ضبط ؟ ومتى نسي ؟ وكيف تحمّل ؟ وكيف أدَّى(24) ؟
إذن علم العلل يبحث عن أوهام الرواة الثقات ، ويعمل على تمحيص أحاديثهم وتمييزها ، وكشف ما يعتريها من خطأ ، إذ ليس يسلم من الخطأ أحد .
وهنا سؤال يطرح نفسه ، هل بنا اليوم حاجة إلى علم العلل ؟
لما رأى الناس ضعف المتأخرين والمعاصرين بهذا العلم ، أدركوا أنَّ الحاجة إليه لا زالت قائمة ، لاسيما أنَّ إعلال الأئمة للأحاديث مبنيٌّ على الاجتهاد وغلبة الظن ، وباب الاجتهاد لا يحل لأحد غلقه(25) ، وكذلك فإنَّ من واجب المتأخرين شرح كلام المتقدمين وبيان مرادهم في إعلالات الأحاديث ، والترجيح عند الاختلاف .

ثمرته :
لكل علم إذا استوى على سوقه ثمرة ، وثمرة علم علل الحديث الرئيسة حفظ السنة ، ففي حفظها صيانة لها ، ونصيحة الدين ، وتمييز ما قد يدخل على رواتها من الخطأ والوهم وكشف ما يعتريهم ، وبيان الدخيل فيها ، وبها تقوى الأحاديث السليمة ؛ لبـراءتها من العلل(26) .

تاريخه :
يمكن جعل البداية الحقيقية لهذا العلم من مرحلة النقد الحديثي الذي ابتدأت بواكيره على أيدي
كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعلي(27) ، فهم أول من فتّش عن الرجال في الرواية ، وبحثوا عن النقل في الأخبار .
ثم تلقّى التابعون عن الصحابة نقد الأخبار وتمييز الروايات ، كسعيد بن جبير ، والشعبي ، وابن سيرين ، وفي هذا العصر ازدادت الحاجة إلى النقد ، حيث طرأت أمور دعتهم إلى نقد المرويات وتمييزها ، فقد كثرت الفتن ، وتعددت الفرق ، وظهرت البدع والمحدثات ، كبدعة التشيع والخوارج ، وكثر المشتغلون بعلم الحديث ، واتسعت دائرتهم ، وزادت أعداد حملة الآثار ، ونشطوا للرحلة والطلب .. فدخل في ذلك من يحسن ومن لا يحسن ، واختلفت أغراض الرواة ، وتعددت مشاربهم(28) .
وفي عصر تابعي التابعين زادت الأمور السالفة خطراً ، فانتشرت البدع بشكل متزايد ، وكثر موجودها ، وطالت الأسانيد وكثر رجالها ، ولم يبق الوهم مقتصراً على الحفظ والضبط ، بل دخل في المصنفات والكتب .
وذهب بعض الباحثين إلى أنَّ هذا المنهج تسارع ارتقاؤه ، وتعاظم ازدهاره في فترة زمنية قصيرة ، حصرها بين محمد بن سيرين المتوفى سنة (110هـ ) ويحيى بن معين المتوفى سنة (233هـ ) أي في خلال (120) سنة تقريباً ، زاعماً أنَّ هذه الفترة تضاعفت فيها أعداد الأسانيد حتى وصلت إلى المليون .
ولما دخل عصر التدوين كان هذا العلم أول ما عني به الأئمة .
وهذه المؤلفات تعطي لنا تصوراً مجملاً عن نشأة علم العلل ، وأنَّه بدأ في عصر مبكر جداً مقارنة مع بقية علوم الحديث ، وعلى الرغم من قدمِ نشأته فقد قوبل بقلة الاهتمام وضعف الجانب(29) .

مؤسسوه وأئمته :
أسهم الصحابة والتابعون من بعدهم في بناء صرح علم العلل ، وتوالتِ اللَّبناتُ ترص بعضها بعضاً حتى غدا علماً لا يُستهان بجنابه ، وقد مرّ علينا قبلُ أنَّ علم العلل بدأ بمحمد بن سيرين ؛ لأنَّه أول من اشتهر بالكلام في نقد الحديث ، مروراً بالزهري الذي كان يملي على تلامذته أشياء في نقد الأحاديث وإعلالها . حتى استقر عند شعبة بن الحجاج ، وقد جعل أحد الباحثين شعبة هو المؤسس الحقيقي لهذا العلم ؛ لأنَّ أحداً قبله لم يتكلم بالدقة والشمول اللذينِ تكلم بهما شعبة ؛ ولأنَّ الحديث أصبح صناعة(30) وفناً على يديه ، وهو أول من فتّش عن أمر المحدّثين(31) .
وقد شهد له من جاء بعده ، قال الشافعي : (( لولا شعبة ما عُرف الحديث بالعراق ))(32) وقال ابن رجب : (( وهو أول من وسّع الكلام في الجرح والتعديل ، واتصال الأسانيد وانقطاعها ، ونقّب عن دقائق علم العلل ، وأئمة هذا الشأن بعده تبع له في هذا العلم ))(33) ، وقال السمعاني : (( هو أول من فتّش بالعراق عن أمر المحدّثين ))(34) هذا هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج المتوفَّى سنة (160هـ ) وحُقّ لعلم العلل أنْ يكون إناهُ على يديه .
وقد أخذ عن شعبة يحيى بن سعيد القطان ، وهو من أوائل من صنّف كتاباً في العلل كما ذكر ابن رجب(35) ، وأخذ عنه أيضاً عبد الرحمان بن مهدي وهو من رجال هذا الفن ، وعنهما أخذ يحيى بن معين وإليه تناهى علم العلل ، وفيه قال أحمد : (( ها هنا رجل خَلَقه الله لهذا الشأن ))(36) ، وعلي بن المديني شيخ البخاري الذي قال عنه أبو حاتم : (( كان علي بن المديني عَلَماً في الناس في معرفة الحديث والعلل ))(37) ، وأحمد بن حنبل ، ثم جاء بعدهم البخاري طبيب الحديث في علله ، ومسلم الذي أماط اللثام عن علل خفية في أحاديث الثقات في كتابه " التمييز " ، وأبو داود الذي قرر قاعدة عظيمة في هذا الباب مغزاها أنَّه قد يخرّج الحديث المعلول ، ويسكت عن بيان علته بقوله : (( لأنَّه ضرر على العامة أنْ يكشف لهم كل ما كان من هذا الباب ... ؛ لأنَّ علم العامة يقصر عن مثل هذا ))(38) ، وأبو زرعة الذي لمّ شتات هذا العلم مع أبي حاتم ، وجمع علمهما عبد الرحمان ابن أبي حاتم في مصنّفه ، وتلاهم جماعة منهم النسائي ، والعقيلي ، وابن عدي ، والدارقطني ولم يأتِ بعدهم من برع فيه ، وأخال ابن الجوزي قال قولته فيمن جاء بعدهم : (( قد قَلَّ من يفهم هذا بل عدم ))(39) .

(1) " الجامع لأخلاق الراوي " قبيل (1908) .
(2) مقدمة شرحه لصحيح مسلم 1/6 .
(3) هو عبد الله بن المبارك المروزي ، ثقة ثبت ، فقيه عالم ، جواد مجاهد جمعت فيه صفات الخير . " التقريب " (3570) .
(4) أخرجه : ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 1/311 ( المقدمة ) ، وابن عدي في " الكامل " 1/192 ، وذكره ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " 1/46 ط.الفكر وعقب (22) ط. أضواء السلف .
(5) " معرفة علوم الحديث " : 119 ط.العلمية و عقب (289) ط. ابن حزم .
(6) " معرفة علوم الحديث " : 112 ط.العلمية و قبيل (270) ط.ابن حزم .
(7) في احتياط الصحابة , انظر : " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " لمصطفى السباعي : 75 , وكان علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يستحلف الراوي أحياناً , فقد روى الإمام أحمد في مسنده 1/2 عن علي ، قال : (( كنت إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً نفعني الله بما شاء منه ، وإذا حدثني عنه غيري استحلفته )) ، قال الحافظ ابن حجر في " تهذيب التهذيب " 1/267- 268 : (( هذا حديث جيد الإسناد )).
(8) انظر ماسيأتي من المصنفات فيه .
(9) قال البقاعي في " النكت الوفية " 1/503 بتحقيقي : (( صوابه الإعلال )) .
(10) " نكت ابن حجر " 2/714 و : 488 بتحقيقي .
(11) " علل الحديث " لابن أبي حاتم 1/387 ط. الحميّد (المقدمة ) , وقد نقله الحاكم في " معرفة علوم الحديث " : 112 ط.العلمية و (270) ط. ابن حزم , و ابن رجب في "شرح العلل " 1/199 ط. عتر و 1/470 ط.همام .
(12) " معرفة علوم الحديث " : 59-60 ط.العلمية وعقب ( 103) ط. ابن حزم .
(13) وهو أبو جعفر المعروف بابن الطبري ثقة حافظ . " تهذيب التهذيب " 1/49 ، و " التقريب" (48) .
(14)" الجامع لأخلاق الراوي " (1787) .
(15) " شرح علل الترمذي " 1/33-34 ط. عتر و 1/339-340 ط. همام .
(16) " نزهة النظر " : 72 .
(17) " الجامع لأخلاق الراوي " عقب (1788) .
(18) ربما هي ( رُبّ ) دخلت عليها ( ما ) الزائدة ، فكفتها عن الجر ، وأزالت اختصاصها بالأسماء ، ويكثر دخولها على الجملة الفعلية ، وترد للتكثير كثيراً وللتقليل قليلاً ، فليس معناها التقليل دائماً ، ولا التكثير دائماً . انظر : " مغني اللبيب " 1/118 ، و " معجم الشوارد النحوية " : 312 .
(19) " الجامع لأخلاق الراوي " عقب (1789) .
(20) وفي هذا المعنى قال شيخ الإسلام ابن تيمية في : مجموع الفتاوى " 1/183 : (( ولهذا كان جمهور ما أُنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعة ، بخلاف مسلم بن الحجاج فإنَّه نُوزِع في عدة أحاديث مما خرجها ، وكان الصواب فيها مع من نازعه .. ) وانظر : " العلة وأجناسها " : 83 .
(21) " علل الحديث " لابن أبي حاتم (2754) .
(22) " فتح المغيث " 1/255 .
(23) " نكت ابن حجر " 2/711 و : 485 بتحقيقي .
(24) انظر : " مقدمة شرح علل الترمذي " 1/28 ط.همام .
(25) انظر : " تحرير علوم الحديث " 2/649 .
(26) انظر : " الخبر الثابت " : 125 ، و " العلة وأجناسها " : 8 .
(27) انظر : " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " : 83-84 .
(28) انظر : " العلة وأجناسها " : 26-27 .
(29) انظر : " لمحات موجزة في أصول علل الحديث " :19-20 ، و " قواعد العلل وقرائن الترجيح " : 31-32 ، و " العلة وأجناسها " : 26-29 .
(30) إنَّ هذا المصطلح (( صناعة الحديث )) مصطلح قديم ، وُجد في العصر الذهبي لعلم العلل ، أي في منتصف القرن الثالث ، فقد قال مسلم في كتابه " التمييز " (102) : (( اعلم رحمك الله أنَّ صناعة الحديث ، ومعرفة أسبابه من الصحيح والسقيم ، إنَّما هي لأهل الحديث خاصة ؛ لأنَّهم الحّفاظ لروايات الناس ، العارفون لها دون غيرهم ... )) .
قلت : ومن يطالع كتب ابن حبان يجد عشرات الأقوال في استعمال هذا الاصطلاح .
(31) انظر : " اللباب في تهذيب الأنساب " 2/103 ، و " مقدمة شرح علل الترمذي " 1/30 ط.همام ، و " العلة وأجناسها " : 30 .
(32) " الجامع لأخلاق الراوي " (1522) .
(33) " شرح علل الترمذي " 1/172 ط.عتر و 1/448 ط. همام .
(34) " الأنساب " 3/318 ( العتكي ) .
(35) انظر : " شرح علل الترمذي " 2/805 ط.عتر و 2/892 ط.همام ، و " جامع العلوم والحكم " 2/133 ط.العراقية و : 579-580 ط.ابن كثير .
(36) " تاريخ بغداد " 16/268 ط. الغرب .
(37) " تقدمة المعرفة " :264 .
(38) " رسالة أبي داود إلى أهل مكة " : 50 .
(39) " الموضوعات " 1/102 ط.الفكر . أما أئمة هذا العلم فهم في هذا المسرد ، وقد أفدت من كتاب " جهود المحدّثين " للدكتور الصياح وزدتُ على ما جاء به ، وهم :
1- محمد بن سيرين (110هـ ) .
2- الزهري (124هـ ) .
3- أيوب السختياني (131هـ ) .
4- شعبة بن الحجاج (160هـ ) .
5- عبد الرحمان بن مهدي (198هـ ) .
6- يحيى بن سعيد القطان (198هـ ) .
7- سفيان بن عيينة (198هـ ) .
8- الشافعي (204هـ ) .
9- أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي (210هـ ) .
10- أبو عبيد القاسم بن سلاّم (224هـ ) .
11- يحيى بن معين ( 233هـ ) .
12- علي بن عبد الله المديني (234هـ ) .
13- محمد بن عبد الله بن نمير (234هـ ) .
14- إسحاق بن راهويه (238هـ ) .
15- أحمد بن حنبل (241هـ ) .
16- أبو جعفر محمد بن عبد الله بن عمار البغدادي (242هـ ) .
17- عبد الرحمان بن إبراهيم يعرف بـ ( دُحيم ) (245هـ ) .
18- أحمد بن الحسن بن جُنَيدب ( سنة بضع وأربعين ومئتين ) .
19- أبو زرعة أحمد بن حميد الجرجاني ( لم أقف على سنة وفاته ) .
20- أحمد بن صالح المصري (248هـ ) .
21- عمرو بن علي الفلاس (249هـ ) .
22- أبو جعفر أحمد بن سعيد الدارمي (253هـ ) .
23- الدارمي (255هـ ) .
24- البخاري (256هـ ) .
25- محمد بن يحيى الذهلي (258هـ ) .
26- يحيى بن إبراهيم بن مُزيّن (260هـ ) .
27- مسلم بن الحجاج (261هـ ) .
28- أبو علي المروزي (261هـ ) .
29- يعقوب بن شيبة السدوسي (262هـ ) .
30- أبو زرعة الرازي (264هـ ) .
31- إسماعيل بن عبد الله بن مسعود يعرف بـ ( سَمّويه ) (267هـ ) .
32- أبو بكر الأثرم (273هـ ) .
33- أبو داود (275هـ ) .
34- بقي بن مخلد (276هـ ) .
35- أبو حاتم الرازي (277هـ ) .
36- الترمذي (279هـ ) .
37- ابن أبي خيثمة (279هـ ) .
38- عثمان بن سعيد الدارمي ( 280هـ ) .
39- أبو العباس البرتي (280هـ ) .
40- أبو زرعة الدمشقي (281هـ ) .
41- إبراهيم بن الحسين الهمذاني (281هـ ) .
42- إسماعيل القاضي (282هـ ) .
43- أبو إسحاق الحربي (285هـ ) .
44- ابن أبي عاصم (287هـ ) .
45- محمد بن وضّاح القرطبي (287هـ ) .
46- إبراهيم بن نصر يعرف بـ (ابن أبْرول ) (287هـ ) .
47- عبد الله بن أحمد بن حنبل (290هـ ) .
48- علي بن الحسين بن الجُنيد (291هـ ) .
49- البزار (292هـ ) .
50- أبو عمران موسى بن هارون الحمال (294هـ ) .
51- أبو علي عبد الله بن محمد البلخي (295هـ ) .
52- إبراهيم بن أبي طالب (295هـ ) .
53- أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني ( لم أقف على سنة وفاته ) .
54- أبو بكر البرديجي(1) (301هـ ) .
55- أبو بكر الفريابي (301هـ ) .
56- النسائي (303هـ ) .
57- سعيد بن عثمان الأندلسي (305هـ ) .
58- محمد بن إبراهيم بن حَيّون الأندلسي (305هـ ) .
59- زكريا بن يحيى الساجي (307هـ ) .
60- الوليد بن أبان بن بونة الأصبهاني (310 أو 308 هـ ) .
61- الطبري ( 310هـ ) .
62- أبو جعفر التستري (310هـ ) .
63- ابن خزيمة (311هـ ) .
64- أبو بكر الخلاّل (311هـ ) .
65- أبو جعفر الألبيري (312هـ ) .
66- أبو بكر السجستاني (316هـ ) .
67- محمد بن أبي الحسين بن عمار الجارودي (317هـ ) .
68- يحيى بن محمد بن صاعد البغدادي (318هـ ) .
69- عبد الله بن محمد الكلاعي يعرف بـ ( ابن أخي رفيع الصائغ ) (318هـ) .
70- أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جوصا(2) (320هـ ) .
71- أبو جعفر العقيلي (322هـ ) .
72- أبو بكر عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري (324هـ ) .
73- أبو حامد أحمد بن محمد الشرقي النيسابوري (325هـ ) .
74- ابن أبي حاتم (327هـ ) .
75- أبو العباس أحمد بن محمد بن عُقدة الكوفي (332هـ ) .
76- محمد بن يعقوب بن الأخرم (344هـ ) .
77- وهب بن مسرة(3) الأندلسي (346هـ ) .
78- عبد الرحمان بن أحمد بن يونس الصدفي (347هـ ) .
79- أبو علي حسين بن علي النيسابوري (349هـ ) .
80- محمد بن أحمد العسّال (349هـ ) .
81- أبو الوليد حسان بن محمد النيسابوري (349هـ ) .
82- أبو القاسم خالد بن سعد الأندلسي (352هـ ) .
83- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصبهاني (353هـ ) .
84- أبو علي سعيد بن عثمان بن السكن (353هـ ) .
85- ابن حبان (354هـ ) .
86- ابن الجِعابي ( 355هـ ) .
87- حمزة بن محمد الكناني (357هـ ) .
88- الطبراني (360هـ ) .
89- أبو إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي (362هـ ) .
90- أبو علي الماسَرجِسي (365هـ ) .
91- ابن عدي (365هـ ) .
92- أبو الحسين الحجاجي (368هـ ) .
93- أبو الحكم مخارق بن الحكم الأندلسي (377هـ ) .
94- أبو أحمد الحاكم الكبير (378هـ ) .
95- أبو الحسين محمد بن المظفر البغدادي (379هـ ) .
96- أبو القاسم عبد الرحمان بن عبد الله الجوهري (381هـ ) .
97- الدارقطني (385هـ ) .
98- أبو بكر أحمد بن عبدان الشيرازي (388هـ ) .
99- أبو محمد عبد الله بن إبراهيم الأندلسي (392هـ ) .
100- أبو علي الحسن بن محمد الزُّجاجي (400هـ ) .
101- أبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي (401هـ ) .
102- أبو المطرف عبد الرحمان بن محمد بن فُطيس القرطبي (402هـ ) .
103- أبو الحسين علي بن محمد المعافري (403هـ ) .
104- الحاكم (405هـ ) .
105- عبد الغني بن سعيد الأزدي (409هـ ) .
106- أبو عبد الله بن الحذّاء (416هـ ) .
107- أبو بكر البرقاني (425هـ ) .
108- حمزة بن يوسف السهمي (427هـ ) .
109- أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم القرّاب (429هـ ) .
110- أبو نعيم الأصبهاني (430هـ ) .
111- أبو ذر عبد بن أحمد الهروي (435هـ ) .
112- الحسن بن محمد البغدادي المعروف بـ ( الخلاّل ) (439هـ ) .
113- الخليلي (446هـ ) .
114- محمد بن إبراهيم المعروف بـ ( ابن شُقَ الليل ) (455هـ ) .
115- ابن حزم الأندلسي (456هـ ) .
116- البيهقي (458هـ ) .
117- أبو جعفر أحمد بن مغيث الأندلسي (459هـ ) .
118- الخطيب البغدادي (463هـ ) .
119- ابن عبد البر (463هـ ) .
120- سليمان بن خلف أبو الوليد الباجي ( 474هـ ) .
121- محمد بن أبي نصر فتوح الحميدي الأندلسي (488هـ ) .
122- أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني (489هـ ) .
123- أبو علي الجياني (498هـ ) .
124- أبو بكر الشاطبي (505هـ ) .
125- أبو الفضل ابن القيسراني (507هـ ) .
126- الحسين بن محمد بن فيـرّة (514هـ ) .
127- غالب بن عبد الرحمان بن عطية المحاربي (518هـ ) .
128- عبد الله بن أحمد بن يربوع (522هـ ) .
129- أبو محمد عبد العزيز بن محمد الأطروش الأندلسي (524هـ ) .
130- أبو العباس أحمد بن طاهر الداني الأندلسي (532هـ ) .
131- أبو جعفر أحمد بن عبد الرحمان البِطْرَوْجي الأندلسي (542هـ ) .
132- أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمان بن صقالة الغرناطي (544هـ ) .
133- أحمد بن مسعود القيسي (558هـ ) .
134- أبو بكر عبد الله بن محمد النقور (565هـ ) .
135- ابن عساكر (571هـ ) .
136- أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني (581هـ ) .
137- عبد الحق الإشبيلي يعرف بـ ( ابن الخرّاط ) (581هـ ) .
138- عبد الرحمان بن محمد يعرف بـ ( ابن حُبيش ) (584هـ ) .
139- أبو بكر محمد بن موسى الحازمي (584هـ ) .
140- ابن الجوزي (597هـ ) .
141- ابن قدامة (620هـ ) .
142- أبو الحسن علي بن محمد الكتامي يعرف بـ (ابن القطان ) (628هـ ) .
143- أبو عبد الله بن الموّاق (642هـ ) .
144- ابن الصلاح (643هـ ) .
145- الضياء المقدسي (643هـ ) .
146- المنذري (656هـ ) .
147- النووي (676هـ ) .
148- أبو عبد الله أحمد بن محمد الكسار البغدادي (698هـ ) .
149- ابن دقيق العيد (702هـ ) .
150- أبو محمد مسعود بن أحمد الحارثي (711هـ ) .
151- محمد بن عمر بن رُشيد (721هـ ) .
152- عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية الدمشقي (727هـ ) .
153- أبو المعالي الزَّملكاني (727هـ ) .
154- ابن تيمية(4) (728هـ ) .
155- ابن سيد الناس (734هـ ) .
156- المزي (742هـ ) .
157- عثمان بن علي الزيلعي (743هـ ) .
158- ابن عبد الهادي (744هـ ) .
159- الذهبي (748هـ ) .
160- ابن قيم الجوزية (751هـ ) .
161- خليل بن كيكلدي العلائي (761هـ ) .
162- جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف الزيلعي (762هـ ) صاحب " نصب الراية " .
163- ابن قاضي الجبل (771هـ ) .
164- ابن كثير (774هـ ) .
165- ابن رجب الحنبلي (795هـ ) .
166- ابن الملقن (804هـ ) .
167- العراقي (806هـ ) .
168- أبو البركات محمد بن موسى المراكشي (823هـ ) .
169- المقريزي (845هـ ) .
170- ابن حجر (852هـ ) .
171- العيني (855هـ ) .
172- السيواسي (861هـ ) .
173- المناوي (1031هـ ) .
174- الشوكاني (1250هـ ) .
175- شبيّر الديوبندي (1369هـ ) .
176- المعلمي اليماني (1386هـ ) .

القسم الأول : المصنفات القديمة المخطوطة والمفقودة : وهي ما كتبه العلماء الأوائل المؤسسون لهذا الفن ، ولكن أغلبه لم يصل إلينا بسبب فقدانه أو ما كان في عداد المخطوط ، وهي على النحو التالي :
1 – العلل : عبد الله بن المبارك.
2 – علل الحديث : يحيى بن سعيد القطان .
3 – علل المسند : علي بن المديني .
4 – علل حديث ابن عيينة : علي بن المديني .
5 - العلل المتفرقة : علي بن المديني .
6 – العلل : علي بن المديني.
7 – الأحاديث المعللات : علي بن المديني .
8 – علل الحديث : علي بن المديني .
9 – العلل الكبير : علي بن المديني .
10 – العلل : أحمد بن حنبل .
11 – علل الحديث ومعرفة الشيوخ : محمد بن عبد الله بن عمار أبو جعفر البغدادي نزيل الموصل .
12 – العلل : عمرو بن علي الفلاس.
13 – العلل : البخاري .
14 – علل حديث الزهري : محمد بن يحيى الذهلي .
15 – المستقصية : يحيى بن إبراهيم بن مُزيّن الأندلسي .
16 – العلل : مسلم بن الحجاج .
17- ما استنكر أهل العلم من حديث عمرو بن شعيب : مسلم بن الحجاج. 18المسند المعلل : يعقوب بن شيبة السدوسي ( عدا مسند عمر بن الخطاب فسنذكره في المطبوعات ) .
19 – العلل : عبيد الله بن عبد الكريم أبو زرعة الرازي.
20 – العلل : إسماعيل بن عبد الله بن مسعود ( سَمُّويه ) .
21 – كتاب في علل الحديث : أبو بكر الأثرم .
22 – العلل : أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني .
23 – العلل : ابن ماجه .
24 – العلل : أبو حاتم الرازي .
25 – العلل : أبو زرعة عبد الرحمان بن عمرو النَّصْري الدمشقي .
26 – التاريخ والعلل : أبو إسحاق الحربي .
27 – العلل : ابن أبي عاصم .
28– العلل : عبد الله بن محمد أبو علي البلخي.
29 – مصنف في العلل : إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري .
30 – معرفة المتصل من الحديث والمرسل والمقطوع وبيان الطرق الصحيحة : البرديجي .
31– مسند حديث الزهري بعلله والكلام عليه : النسائي .
32– مصنف في علل الحديث : زكريا بن يحيى الساجي .
33– المسند المعلل : أبو العباس الوليد بن أبان بن بُونَة .
34 – العلل : أحمد بن محمد أبو بكر الخلاّل البغدادي.
35 – معرفة الرجال وعلل الحديث : ابن أخي رفيع الصائغ .
36 – مصنف في العلل : أبو جعفر العُقيلي .
37 – مصنف في العلل : حسين بن علي أبو علي النيسابوري .
38 – علل حديث الزهري : ابن حبان .
39 – علل أوهام أصحاب التواريخ : ابن حبان .
40 – علل حديث مالك : ابن حبان .
41 – علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه : ابن حبان .
42 – علل ما أسند أبو حنيفة : ابن حبان .
43 – ما خالف الثوريُّ شعبةَ : ابن حبان .
44 – موقوف ما رُفع : ابن حبان .
45 – المسند الكبير المعلل : أبو علي الماسَرْجِسي .
46 – العلل : ابن عدي ( صاحب الكامل ).
47 – الأجوبة : عمر بن علي العتكي .
48 – مصنف كبير في العلل : أبو الحسين الحجاجي .
49 – مصنف في العلل : أبو أحمد الحاكم الكبير.
50 – مصنف في العلل : أبو علي الحسن بن محمد الزُجاجي.
51 – مصنف في العلل : أبو عبد الله الحاكم النيسابوري .
52 – مختصر في علل الحديث : ابن حزم الظاهري.
53 – تمييز المزيد في متصل الأسانيد : الخطيب البغدادي .
54 – مصنف في العلل : سليمان بن خلف الباجي .
55 – تصحيح العلل : ابن القيسراني.
56 – الانتصار لإمامي الأمصار : ابن القيسراني .
57 – جزء فيه تاج الحلية وسراج البغية في تعليل جميع آثار الموطآت : الشنـتريني .
58 – المعتل من الحديث : عبد الحق الإشبيلي.
59 – جزء فيه العقل : أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني.
60 – شفاء الغلل في بيان العلل : ابن حجر .
61 – بيان الفصل لما رجح فيه الإرسال على الوصل : ابن حجر .
62 – تقريب المنهج بترتيب المدرج : ابن حجر .
63- تقويم السناد بمدرج الإسناد : ابن حجر .
64 – الزهر المطلول في الخبر المعلول : ابن حجر .
65 – مزيد النفع بمعرفة ما رجح فيه الوقف على الرفع : ابن حجر .
66 – المقترب في بيان المضطرب : ابن حجر .
67 – نزهة القلوب في معرفة المبدل والمقلوب : ابن حجر.

............................
(1) " شرح علل الترمذي " 1/42 ط. عتر و 1/346 ط. همام .
(2) " جهود المحدّثين " : 182 .
(3) " جهود المحدّثين " : 183 .
(4) " جهود المحدّثين " : 183-184 .
(5) " تعليل العلل لذوي المقل " : 39 .
(6)انظر : " تعليل العلل لذوي المقل " : 39 و 41 و 42 و 43 و 45 و 46 و 47 .
(7) " الرسالة " : 221 (569) إلى (673) بتحقيقي .
(8) " جهود المحدّثين " : 184 .
(9) " جهود المحدّثين " : 181 .
(10) انظر : " معرفة علوم الحديث " : 71 ط.العلمية و (145) ط. ابن حزم .
(11) " شرح علل الترمذي " 2/805 ط. عتر و 1/492 ط.همام .
(12) " جهود المحدّثين " : 181 .
(13) على أنَّ تحقيق الكتاب رديءٌ ، والكتاب به حاجة لأنْ يحقق تحقيقاً علمية رصيناً رضياً ، يضبط من خلاله النص وتناقش تلك الإعلالات بما يليق بها .
(14) انظر : " قواعد العلل وقرائن الترجيح " : 33
(15) انظر : " سير أعلام النبلاء " 11/469 و 14/538 و 17/384 .
__________________القسم الثاني : المصنفات القديمة المطبوعة :
وهي مؤلفات المتقدمين من علماء هذا الفن ، وقد وصلت إلينا متعرضاً بعضها لآفات ، فشمّر لها العلماء شارحين محققين مرتبين ، وإن كان بعضها ما يزال يحتاج لعمل ، وهي على النحو التالي :
1 – التاريخ والعلل : يحيى بن معين ( رواية الدوري ) .
2 – علل الحديث ومعرفة الرجال : علي بن المديني ( رواية ابن البراء ) .
3 – العلل ومعرفة الرجال : أحمد بن حنبل ( روايتا ابنيه عبد الله وصالح وروايتا المروذي والميموني ) .
4 – من سؤالات أبي بكر الأثرم أبا عبد الله أحمد بن حنبل .
5 – التمييز(1) : مسلم بن الحجاج .
6- المسند المعلل : يعقوب بن شيبة ( طبع منه مسند عمر بن الخطاب ) .
7 – العلل الكبير : الترمذي ( ترتيب أبي طالب القاضي ) .
8 – العلل الصغير : الترمذي ( المطبوع مع " الجامع الكبير " ، له(2) ) .
9 – المسند الكبير المعلل ( البحر الزخار(3)) : البزار .
10 – علل الأحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج : ابن عمار الشهيد .
11- علل الحديث : ابن أبي حاتم .
12- العلل الواردة في الأحاديث النبوية : الدارقطني .
13 – التتبع : الدارقطني .
14- الأحاديث التي خولف فيها مالك بن أنس : الدارقطني .
15 – الأجوبة عما أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم : أبو مسعود إبراهيم بن محمد الدمشقي .
16 – الفصل للوصل المدرج في النقل : الخطيب البغدادي .
17- حديث الستة من التابعين وذكر طرقه واختلاف وجوهه : الخطيب البغدادي .
18- علة الحديث المسلسل في يوم العيد : أبو محمد عبد الله بن يوسف الجرجاني .
19- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية : ابن الجوزي .
20- بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام : ابن القطان .
21- المنتخب من العلل للخلاّل : ابن قدامة .
22- تعليقة على علل ابن أبي حاتم : ابن عبد الهادي .
23- تلخيص العلل المتناهية في الأحاديث الواهية : الذهبي .
24- تهذيب سنن أبي داود وإيضاح علله ومشكلاته : ابن قيم الجوزية .
25- شرح علل الترمذي : ابن رجب الحنبلي .
................................... .....
(1) كتاب التمييز غاية في الأهمية والنفع ، ويمتاز بالبساطة وجزالة الأسلوب . بخلاف كتب العلل الأخرى ، والكتاب الذي بين أيدينا مختصر للتمييز ، وليس التمييز نفسه بدليل عشرات النقول التي تعزى للكتاب وليست فيه . والذي يطالع الكتاب يجد نصوصاً عديدة تدل على الاختصار ، مع وجود نصوص أخرى تدل جزماً على الاختصار كقول المختصر : " فذكر الحديث " و " بهذا الحديث " وغير ذلك مما يعرفه النبيه عند مطالعته الكتاب . ثم إنَّ المختصر اختصر الكتاب اختصاراً مخلاً ، ولا نعرف ذلك المختصر ، على أنَّه قد ذِكُر أنَّ ابن عبد البر اختصر الكتاب ( ترتيب المدارك 1/74 للقاضي عياض ) لكن نجزم أنَّ الذي بين أيدينا ليس اختصاره لسوء التصرف في كثير من المواضع . وفي خزانتنا نسخة خطية للكتاب بخط مغربي ، وعليها طبعتْ طبعات الكتاب جميعها .
(2) وَسْم هذا الكتاب بالصغير ، ليس من الترمذي ، إنما هو ممن جاء بعده ، من أجل التمييز بين هذا الكتاب والعلل الكبير ، وقد وضعه الترمذي في آخر " الجامع الكبير " ؛ تأدباً مع كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى لا يكون كلامه قبل كلام النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخطأ أحد الباحثين حين جعل " العلل الكبير " للترمذي ملحقاً بآخر " الجامع الكبير " . انظر : " تعليل العلل لذوي المقل " : 43 .
(3) للدكتور الصياح تعليقة نفيسة على اسم الكتاب انظرها في " جهود المحدثين " : 100 . المصنفات الحديثة :

وهي ما كتبه المتأخرون والمعاصرون من أهل هذا الفن ، وتختلف ما بين مقال وبحث ورسائل علمية ، وفيها المطوَّل والمقتضَب وفيها بين بين ، وهي على النحو التالي :
1 – العلل في الحديث ( دراسة منهجية في ضوء شرح علل الترمذي لابن رجب ) : همام سعيد .
2- تحقيق ودراسة لمسانيد الخلفاء الأربعة من كتاب العلل للدارقطني : محفوظ الرحمن زين الله .
3 – الحديث المعلول : خليل ملا خاطر .
4 – الوليد بن مسلم الدمشقي وعلل الحديث في الكتب الستة : أمين عمر .
5 – عبد الله بن لهيعة حديثه وعلله في الكتب الستة : محمد عمر .
6 – بقية بن الوليد الحمصي حديثه وعلله دراسة تطبيقية في الكتب الستة : عبد الكريم الوريكات .
7 – عاصم بن أبي النجود حديثه وعلله في مسند الإمام أحمد بن حنبل والكتب الستة : خولة الخطيب .
8 – الكشف والتبيين لعلل حديث (( اللهم إني اسألك بحق السائلين )) والتعقيب على رسالة الانتصار للشيخ إسماعيل الأنصاري : علي حسن علي عبد الحميد الأثري .
9 – محمد بن إسحاق حديثه وعلله دراسة تطبيقية في الكتب الستة : زياد أبو حماد .
10 – حماد بن سلمة حديثه وعلله في زوائد مسند الإمام أحمد بن حنبل على الكتب الستة : عبد الجبار أحمد سعيد .
11 – علم علل الحديث : أيخان تكين .
12 – منهج التعليل عند الإمام الترمذي من خلال كتابه الجامع : أسعد حلمي .
13 – علل النسائي في السنن الصغرى ( المجتبى ) : علي عبد الفتاح أبو شكر .
14 – العلل الواردة في سنن الدارقطني ( جمعاً وتصنيفاً ودراسة – القسم الأول كتاب الطهارة - ) : خالد خليل يوسف علوان .
15 – العلل الواردة في سنن الدارقطني ( جمعاً وتصنيفاً ودراسة – القسم الثاني من أول كتاب الصلاة إلى أول كتاب النكاح - ) : فائز سعود صالح أبو سرحان .
16 - العلل الواردة في سنن الدارقطني ( جمعاً وتصنيفاً ودراسة – القسم الثالث من أول كتاب النكاح إلى آخر كتاب السنن ) : محمود أحمد يعقوب رشيد .
17- علم علل الحديث من خلال كتاب بيان الوهم والإيهام لأبي الحسن ابن القطان : إبراهيم بن الصديق .
18- ألفية علل الحديث المسماة شافية الغلل : محمد الأثيوبي .
19 – مزيل الخلل عن أبيات شافية الغلل ( شرح مختصر للكتاب السابق ) : محمد الأثيوبي .
20 – الاختلاف على الراوي وأثره على الروايات والرواة مع دراسة تطبيقية على مرويات حماد بن سلمة في الكتب الستة : حاكم المطيري .
21 – الأحاديث التي أعلها البخاري في كتابه التاريخ الكبير ( من أول الكتاب إلى نهاية ترجمة سعيد بن عمير الأنصاري – جمعاً ودراسة وتخريجاً - ) : عادل عبد الشكور الزرقي .
22 – الحديث المعلول ( قواعد وضوابط ) : حمزة بن عبد الله المليباري .
23- الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها : حمزة بن عبد الله المليباري .
24 – أحاديث معلة ظاهرها الصحة : مقبل الوادعي .
25 – الإمام ابن الجوزي وكتابه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية : عثمان سليم مقبل .
26 – ما اختلف في رفعه ووقفه من الأحاديث الواردة في كتاب الطهارة والصلاة من كتب العلل والتخريج ( جمعاً ودراسة ) : عواد بن حميد بن محمد الرويثي .
27 – الأحاديث التي أشار أبو داود في سننه إلى تعارض الوصل والإرسال فيها ( تخريجاً ودراسة ) : تركي الغميز .
28 – مواطن الرواة وأثرها في علل الحديث ( دراسة نظرية تطبيقية من خلال علل حديث معمر بن راشد وإسماعيل بن عياش ) : أحمد يحيى أحمد الكندي .
29 – الأحاديث التي بيّن أبو داود في سننه تعارض الرفع والوقف فيها ( دراسة وتخريجاً ) : محمد الفراج .
30– قرائن الترجيح في المحفوظ والشاذ وزيادة الثقة عند الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري : نادر العمراني .
31 – منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث : بشير علي عمر .
32 – الإمام عبد الرحمان بن عمرو الأوزاعي حديثه وعلله في الكتب الستة ومسند الإمام أحمد : وديع عبد المعطي .
33– نقد المتن عند الإمام النسائي في السنن الكبرى : محمد مصلح .
34 – الأحاديث التي أعلها النسائي بالاختلاف على الرواة في كتابه المجتبى ( جمعاً ودراسة ) : عمر أبو بكر .
35 – علل حديث أبي قتادة : ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين ) : محمد التركي .
36 – ابن رجب الحنبلي ومنهجه في علل الحديث : الحسين محمد حسين .
37 – الحديث المنكر ( دراسة نظرية وتطبيقية في كتاب علل الحديث لابن أبي حاتم ) : عبد السلام أحمد محمد أبو سمحة .
38 – أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء : ماهر ياسين الفحل .
39 – فوائد في كتاب العلل لابن أبي حاتم : المعلمي اليماني .
40 – مرويات الإمام الزهري المعلة في كتاب العلل للدارقطني ( تخريجها ودراسة أسانيدها والحكم عليها ) : عبد الله بن محمد دمفو .
41 – إرشاد الخليل بفوائد من المصطلح والعلل والجرح والتعديل : أبو عبد الله رضا الأقصري .
42 – شرح علل الحديث مع أسئلة وأجوبة في مصطلح الحديث : مصطفى العدوي .
43 – منهج الإمام البخاري في تصحيح الأحاديث وتعليلها من خلال الجامع الصحيح : أبو بكر الكافي .
44 – ما اختلف في رفعه ووقفه من الأحاديث الواردة في كتاب الزكاة والصيام والحج والبيوع من كتب العلل والتخريج ( جمعاً ودراسة ) : عمر رفود رفيد السفياني .
45 – الاختلاف على الأعمش في كتاب العلل للدارقطني ( تخريج ودراسة ) : خالد عبد الله السبيت .
46 – الخبر الثابت قواعد ثبوته مع أصول في علم الجرح والتعديل وعلل الأحاديث : يوسف بن هاشم بن عابد اللحياني .
47 – أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء : ماهر ياسين الفحل .
48 – لمحات موجزة في أصول علل الحديث : نور الدين عتر .
49 – الإسهام ببيان منهج ابن حزم في تعليل الأخبار من خلال كتابه الأحكام : أبو الفضل بدر العمراني .
50 – تعليل العلل لذوي المقل : عبد السلام علوش .
51 – التعريف بعلم علل الحديث : هشام بن عبد العزيز الحلاف .
52 – الأحاديث التي أعلها إمام الأئمة ابن خزيمة في صحيحه في كتاب الوضوء : عبد العزيز الهليل .
53 – قواعد في العلل وقرائن الترجيح : عادل عبد الشكور الزرقي .
54 – علم علل الحديث ودوره في حفظ السنة النبوية : وصي الله بن محمد عباس .
55 – جهود المحدّثين في بيان علل الأحاديث : علي بن عبد الله الصياح .
56 – المنهج العلمي في دراسة الحديث المعل ( دراسة تأصيلية ) : علي بن عبد الله الصياح .
57 – دراسة أحاديث معلولة : علي بن عبد الله الصياح .
58 – معرفة أصحاب شعبة : محمد التركي .
59 – مفهوم العلة عند المحدّثين : محمد عبد الرحمان طوالبة .
60– العلة وأجناسها عند المحدّثين : أبو سفيان مصطفى باحو .
61- أحاديث ومرويات في الميـزان (1 ، 2 ) : محمد عمرو بن عد اللطيف .
62 – الأحاديث التي أعلها الإمام أحمد ( جمعاً ودراسة ومقارنة ) : عيسى محمد المسملي .
63 – الأحاديث المرفوعة المعلة في كتاب حلية الأولياء : مجموعة من الباحثين .
64– الإمام يحيى بن أبي كثير علله وحديثه في الكتب الستة : بكر طعمة .
65 – نقد المتون في كتب العلل : سلطان الطبيشي .
66 – أحاديث الصحيحين التي أعلها الدارقطني في كتابه العلل مما ليس في التتبع : عبد الله القحطاني .
67 – النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد ذهبي العصر العلامة عبد الرحمان بن يحيى المعلّمي اليماني : إبراهيم الصبيحي .
68 – منهج المتقدمين في التدليس : ناصر الفهد .
69 – المسائل المتعلقة بالعلة : مقبل الوادعي .
70 – غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل : مقبل الوادعي .
71 – العلل الواقعة في أسانيد كتاب مسلم ضمن كتاب تقييد المهمل للجياني : إبراهيم الناصر .
72 – نظرية العلة عند المحدّثين : رضا أحمد صمدي .
73 – الأحاديث التي ذكر الإمام الترمذي فيها اختلافاً وليست في العلل الكبير : مجموعة من الباحثين .
القسم الرابع : مصنفات هي مظان للأحاديث المعلة :
هناك كتب هي مظنة للحديث المعل ، ولكنَّها لم تؤلف في العلل بصورة خاصة ، وهذه الصفة تغلب على كتب القدماء على خلاف المتأخرين والمعاصرين فهم يميلون إلى التخصص نوعاً ما ، ومن هذه المصنفات :
1 – كتب الأحاديث المسندة :
مثل : جامع الترمذي ، وسنن النسائي ، وسنن الدارقطني ، وحلية الأولياء ... .
2 – كتب التخريج :
مثل : تحفة الأشراف ، ونصب الراية ، والمغني عن حمل الأسفار ، والبدر المنير ، وإتحاف المهرة ، والتلخيص الحبير ، والدراية في تخريج أحاديث الهداية ... .
3 – كتب التراجم :
مثل : الضعفاء الكبير ، والكامل ، وميزان الاعتدال ، ولسان الميزان ... .
4 – كتب التواريخ :
مثل : تواريخ البخاري ، والتاريخ الكبير لابن أبي خيثمة ، وتاريخ الطبري ، وأخبار أصبهان ، وتاريخ بغداد ، وتاريخ دمشق ، وتاريخ الإسلام ... .
5 – شروح كتب الحديث :
مثل : التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ، والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج ، والنفح الشذي شرح جامع الترمذي ، وفتح الباري لابن رجب ، وفتح الباري لابن حجر ، وفيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي ، وسبل السلام شرح بلوغ المرام ، ونيل الأوطار .. .
6 – مصادر فقه المحدّثين :
مثل : الأوسط للمنذري ، وشرح معاني الآثار ، وشرح مشكل الآثار للطحاوي ، والاستذكار لابن عبد البر ، والخلاصة ، والمجموع للنووي ، وتبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق في الفقه الحنفي للزيلعي ، والمغني في الفقه الحنبلي لابن قدامة ... .
7 – كتب مصطلح الحديث :
مثل : المحدّث الفاصل للرامهرمزي ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ، ومعرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح وشروحه والنكت عليه ... .
8 – كتب السؤالات :
مثل : سؤالات ابن أبي شيبة لعلي بن المديني ، وسؤالات تلامذة أحمد كابنيه عبد الله وصالح ، وسؤالات أبي داود والمروذي وابن هانئ والأثرم له ، وسؤالات تلامذة الدارقطني له كالبرقاني والسهمي ويحيى بن بكير والحاكم وغيرهم ... .
9 – كتب المراسيل :
مثل : المراسيل لأبي داود ، والمراسيل لابن أبي حاتم ، وجامع التحصيل للعلائي ... .
10 – كتب تدرس مناهج مصادر الرواية :
مثل : هدي الساري ، ومقدمة فتح الملهم بشرح صحيح مسلم لشبيّر أحمد ، والإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين لنور الدين عتر ... .
11 – كتب الطبقات :
مثل : الطبقات الكبرى لابن سعد ، والطبقات للعصفري ... .
12 – كتب الأفراد :
مثل البحر الزخار ، ومعجمي الطبراني الأوسط والصغير ، والأفراد للدارقطني ، و أطرافه لأبي الفضل ابن طاهر ... .
13 – كتب الأمالي والفوائد والأجزاء الحديثية :
مثل : الفوائد المنتخبة للخطيب البغدادي ، والفوائد لأبي بكر النقور ... .
14 – كتب متفرقة :
مثل كتب الألباني .
هذه أهم العناوين التي أمكننا جمعها ، وهي إما في مكتبتنا – مكتبة دار الحديث حرسها الله - وإما قد ذكرها من قبلنا ، وهناك أبحاث ومقالات أخرى منشورة على شبكة المعلومات الدولية ( نت ) لمجموعة من المشايخ منهم الشيخ عبد الله السعد والشيخ عبد الكريم الخضير وغيرهما .. مميزات كتاب " الجامع في العلل والفوائد "

1- جاء رسم الكتاب " الجامع في العلل والفوائد " لأنه يجمع جميع أنواع العلل ، سواء ما كان منها في السند ، أو في المتن ، أو فيهما كليهما من حيث التنظير الوافي مع حشد عدد كبير من الأحاديث التي تدخل ضمن تلك العلة .
أما الفوائد فتشير إلى أمرين :
أولهما : أن الكتاب أصل في الأحاديث المعلة والغريبة والمنكرة التي نشأت من أوهام الرواة ، فهي ( فوائد ) على اصطلاح أهل العلم .
والآخر : أن الكتاب غني بالفوائد العلمية ، والنكت الوفية ، ودقائق الجرح والتعديل ومناهج المحدثين ، وكذلك الفوائد المتعلقة بالكتب وخصائصها ومناهج مؤلفيها .
فضلاً عن ذلك فإن كلمة ( الجامع ) يستوحى منها من يقوم بجمع أشياء متفرقة سواء أكانت هذه الأشياء متباعدة أم متقاربة .
2- اشتمل الكتاب على طريقتي المحدثين في التصنيف في علل الحديث : التنظير ، والتطبيق ، وهو شبيه بعمل الإمام مسلم في كتابه ( التمييز ) .
3- الكتاب تبسيط لعلم العلل وتذليل له بالأمثلة المتنوعة ، وشرح لإعلالات المحدثين لتلك الأحاديث شرحاً وافياً بطريقة واضحة .
4- حريٌّ بهذا الكتاب أن يكون موسوعة في علم علل الحديث ؛ فالذي لم يتكلم فيه أشار إليه ، وما لم يتناوله بالتفصيل أجمله ، وهلم جراً .
5- إنه كتاب تعريفات ؛ فقد جمع كثيراً من التعريفات والحدود من حيث اللغة والاصطلاح ، مهتماً ببيان مدى ارتباط المعنى الاصطلاحي للفظ بالمعنى اللغوي له .
6- هو كتاب تأريخ ؛ إذ تناول نشوء علم العلل منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم ، وجَمَعَ المصطلحات المستعملة للتعبير عن العلة ، واضعاً لها في ميزان أهل اللغة والحديث .
7- صار هذا الكتاب ثبتاً لأئمة هذا الفن ومؤسسيه منذ نشأته وإلى يوم الناس هذا .
8- كان ( كشفاً ) لأسماء الكتب الموضوعة في هذا العلم القديمة والحديثة .
9- جمع الكتاب بين التأليف والتحقيق ، فعلى الرغم من أن الكتاب هو مؤلف عصري ، أنه حقق كثيراً من المسائل ، ولاسيما في باب التصحيف والتحريف ، ولو لم يكن له إلا التنبيه لكفاه .
10- الحرص على حشد أقوال الأئمة النقاد ، وفي طليعتهم المتقدمون في إعلالهم للأحاديث أو تصحيحها .
11- جمع ما يخص علل الحديث من كتب العلم المتنوعة كالأصول والتفسير والفقه وغيرها ، وعدم الاقتصار على كتب الحديث فقط ؛ ليتجلى علم العلل بوضوح ولتتم مقاصده ، وليكون العمل استقرائياً .
12- البحث في إعلال الحديث إعلالاً شمولياً يشمل كل ما يخص الإعلال ، سواء كان الإعلال واقعياً أو غير واقعي ، فإن كان غير واقعي تتم الإجابة عنه كما هو الحال في كثير من الأحاديث التي أعلها الفقهاء ، مع أن الكتاب مؤلف على طريقة أهل الحديث لكنه يشمل إعلالات غيرهم .
13- شرح قواعد العلل التي قعّدها المتقدمون ، وسار عليها من بعدهم ممن حذا حذوهم ، وكذلك فيما يتعلق بالسلاسل الإسنادية ، والتوثيق الضمني .
14- التأكيد على سبب العلة ، وكشف سبب خطأ الراوي ووهمه في ذلك الحديث ؛ ليكون العمل ميزاناً فيه تنقد الأخبار .
15- استخلاص كثير من أسباب العلل التي لم يتطرق إليها غالب من كتب في هذا الفن ، لاسيما أن بحثنا شامل للتنظير والتطبيق ، مع محاولة الاستيعاب لكثير من الدقائق .
16- تذليل المصطلحات الصعبة العامة والخاصة التي استخدمها الأئمة النقاد وبيان مرادهم بها ، إذ إن المتقدمين ممن تكلم في العلل لهم مصطلحات ومناهج قد يعسر فهمها على كل أحد ، ولا يفهمها إلا الحذاق ممن مارس هذا الفن ، وكانت له بضاعة في هذه الصناعة ، ولعل من أوجب الواجبات على المشتغلين بهذا الفن الشريف تبسيط هذا الفن على الناس .
17- الحكم على المئات من الأحاديث التي توسّع كلام النقد والإعلال فيها ، مع حشد أقوال المصححين والمعللين بالنقول والأدلة ؛ ليتضح للقارىء الحكم الصحيح ، وليكون الكتاب خير دليل للباحث عن أحسن طرائق الحكم .
18- كانت خلاصة الحكم على المتن بعد استنفاد الوسع في الكلام على الأسانيد .
19- تناولتُ بعض الأحاديث التي أُعلت لسبب معين ، أو اتسع الخلاف فيها مع رجحان صحتها ، فقد بحثتُ عدداً من الأحاديث لبيان صحتها والدفاع عنها كما هو ديدن الذين صنفوا في العلل .
20- توسعت في التمثيل لكل نوع وفرع وصورة ، وكان التمثيل لأنواع العلة الخفية كثيراً ، أما غيرها من العلل القادحة الظاهرة فيختلف الحال حسب أهمية ذلك النوع من أنواع علل الحديث .
21- البحث في تخريج الحديث وجمع الطرق على طريقة الاستيعاب ، ومتابعة موارد المخرِّجين ومن استقى منهم ؛ لمعرفة الصواب وتمييز الخطأ .
22- العناية بنقل النصوص عن الأئمة العلماء خاصة ، مثل نقل أقوال الترمذي النقدية عقب الأحاديث ، والموازنة بين طبعات الجامع الكبير له وتحفة الأشراف ، ومَن نقل أقوال الترمذي .
23- بذل الجهد والوسع في تخريج المعلقات التي يذكرها الترمذي والدارقطني والبيهقي وغيرهم عند ذكر المتابعات والمخالفات مع الإشارة إلى عدم العثور على مالم يُعثر عليه .
24- أُلف الكتاب وفق أحدث الطرق ، وتم اختيار الطريق الأحسن والأسلم في التخريج والترتيب والعزو ؛ وكان المنهج رائد العمل من أوله إلى آخره .
25- إثبات رواية معينة ثم إثبات اختلاف الروايات ، وبيان سبب الترجيح وذكر سبب الاختلاف ما وجدنا لذلك سبيلاً .
26- الحكم على الرواة بالنظر والمقارنة بين أقوال أئمة الجرح والتعديل ، وليس لنا في ذلك تقليد محض ، بل نجتهد فيمن اختلف فيهم في الأعم الأغلب .
27- حوى الكتاب كثيراً من الدراسات الجادة في الرجال ، وتم تعقب كثير من اجتهادات المحدّثين في الرواة ، و قد ضم أكثر من ( 500) ترجمة للرواة ناقشتُ في بعضها أسباب الجرح والتعديل مبيناً الصواب وفق القواعد العلمية الرصينة .
28- التنبيه على أخطاء الرواة ، وتم عمل إحصائية دقيقة لكل راو أخطأ في هذا الكتاب .
29- حفل الكتاب بإحصاء مرويات بعض الرواة في بعض الكتب ، وهذا قلما تجده في غيره .
30- إبراز خصوصيات بعض الرواة في بعض الشيوخ ، فبعضهم ثقات في أنفسهم ، ضعفاء في بعض الشيوخ .
31- دراسة كثير من الرواة المختلف فيهم مع سبر مروياتهم من أجل الخلوص إلى حكم صحيح شامل ، وكذلك صنعت مع الرواة الذين لم يترجم لهم في كتب التراجم .
32- جاءت بعض التراجم مطولة للضرورة ؛ ليعرف من خلالها خلاصة الحكم على الرواة .
33- العناية بنقل التوثيق والتضعيف من الأسانيد وكتب العلل ، من أجل لملمة أقوال ترصد لتوضع في أماكنها في كتب الرجال .
34- شرح كثير من قواعد الجرح والتعديل ، وإيضاح المعاني المختلفة للفظة الواحدة واختلاف النقاد في معانيها ، وكنت أحاول جاهداً الوقوف على أقدم شرح للقاعدة أو اللفظة ، فإن لم أجد للمتقدمين في شرحها شيئاً اعتمدت على ما دوّنه المحققون من المتأخرين والمعاصرين .
35- بيان مصطلحات العلماء في مؤلفاتهم عند النقل عنهم ، لتكتمل الفائدة ؛ على أن ما يذكر من تلك الفوائد لا يذكر على سبيل الإسهاب ، بل يؤتى بها بألخص عبارة وأوجز إشارة .
36- إحالات الكتب غالباً على الطبعات المعتمدة ، وقد أرجع إلى طبعات متعددة لعدد من الكتب خاصة عند الاختلاف .
37- بيان أخطاء الكتب ، وتصويب الكلام المخطوء عند نقله ، وتصحيح التصحيف وتحرير التحريف والإشارة إلى الزيادة والنقص عند النقل .
38- إن كان للكتاب طبعتان أو أكثر ووُجد خطأ في إحدى الطبعات فإنه يُرصد ، وتدقق بقية الطبعات ؛ ليعلم تقليد المتأخر للمتقدم .
39- التعريف بكثير من الكتب والأجزاء الحديثية مع بيان خصائصها بعبارات موجزة شاملة لفوائد نادرة .
40- الاهتمام بذكر أوهام محققي الكتب في نقد الأحاديث أو تعيين الرواة إذا كان في ذلك فائدة أو دفع مفسدة ، مع ترك كثير من ذلك حين لا يكون في بيانه كبير فائدة .
41- رصد المخالفين في انتقاص مخالفيهم ، وإيضاح ذلك حتى لا يقع النقد في غير موضعه .
42- تضمن الكتاب الكلام على بعض المصادر وتحقيق صحة نسبتها إلى مؤلفيها .
43- ومع تخصص الكتاب الدقيق في الحديث والعلل والأسانيد والجرح والتعديل لم يخل من كثير من الفوائد الفقهية والعقدية والشوارد اللغوية وغيرها .
44- شمل الكتاب مقدمات نافعة ، وقواعد ماتعة ، وفهارس متنوعة ، تيسر صعوبة الكتاب ، وتذلل طرائق البحث فيه ، وتضمن للباحثين إحصائيات مهمة .
45- من يطالع الكتاب يجد أبحاثاً حديثية مهمة ودراسات إستقرائية قلَّ نظيرها ، ومن يعاود النظر في الكتاب سيجد الفرق بين مناهج المتقدمين والمتأخرين جلياً .
46- يُعد أول كتاب رتّب الأحاديث المعلولة على أجناس العلل .
47- في الكتاب يكون إعلال الحديث بالعلة الرئيسة ، ويشار إلى إعلالات الآخرين ، مع بيان القادح وغير القادح من تلك الإعلالات:
انتهي الكتاب والله المستعان .==

أثر اختلاف المتون والأسانيد في اختلاف الفقهاء

 

 

 

تأليف الدكتور

ماهر ياسين الفحل

 

 

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام عَلَى سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .

وبعد :

فإن علم الْحَدِيْث النبوي الشريف من أشرف العلوم الشرعية ، بَلْ هُوَ أشرفها عَلَى الإطلاق بَعْدَ العلم بكتاب الله تَعَالَى الَّذِيْ هُوَ أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم ؛ لذا نجد الْمُحَدِّثِيْنَ قَدْ أفنوا أعمارهم في تتبع طرق الْحَدِيْث ونقدها ودراستها ، حَتَّى بالغوا أيما مبالغة في التفتيش والنقد والتمحيص عَنْ اختلاف الروايات وطرقها وعللها فأمسى علم مَعْرِفَة علل الْحَدِيْث رأس هَذَا العلم وميدانه الَّذِيْ تظهر فِيْهِ  مهارات الْمُحَدِّثِيْنَ ، ومقدراتهم عَلَى النقد .

ثُمَّ إن لعلم الْحَدِيْث ارتباطاً وثيقاً بالفقه الإسلامي ؛ إِذْ إنا نجد جزءاً كبيراً من الفقه هُوَ في الأصل ثمرة للحديث ، فعلى هَذَا فإن الْحَدِيْث أحد المراجع الرئيسة للفقه الإسلامي . ومعلوم أنَّهُ قَدْ حصلت اختلافات كثيرة في الْحَدِيْث ، وهذه الاختلافات مِنْهَا ما هُوَ في السند ، ومنها ما هُوَ في الْمَتْن ، ومنها ما هُوَ مشترك بَيْنَ الْمَتْن والسند . وَقَدْ كَانَ لهذه الاختلافات دورٌ كبيرٌ في اختلاف الفقهاء ؛ من هنا أصبح لدي دافع كبير إِلَى جمع هَذِهِ الاختلافات وتصنيفها وتبويبها وترتيبها مَعَ التنظير العلمي لكل نوع من الأنواع الَّتِي حصلت فِيْهَا الاختلافات ؛ ثُمَّ ذِكْرُ خلاصة الحكم في تِلْكَ المسألة الحديثية بَعْدَ سوق أقوال الْعُلَمَاء . ثم بَعْدَ ذَلِكَ أذكر ما ترتب عَلَى هَذِهِ الاختلافات من تباين في وجهات نظر الفقهاء وآرائهم نتيجة هَذَا الاختلاف الحديثي .

من هنا جاء الربط بَيْنَ علم الْحَدِيْث وعلم الفقه ، وأكدت هَذَا الربط بأن ذكرت بتفصيل مناسب نموذجاً أو أكثر – حسب الوسع – أبين فِيْهِ أثر هَذَا الاختلاف في اختلاف الفقهاء .

هَذَا وَقَد اقتضت طبيعة البحث تقسيمه بَعْدَ هَذِهِ المقدمة إِلَى أربعة فصول :

صدّرت الرسالة بفصلٍ تمهيديٍّ لبيان ماهية الاختلاف ، وقضايا أخرى تتعلق بِهِ . وَقَدْ تضمن هَذَا الفصل أربعة مباحث :

المبحث الأول : عرّفت فِيْهِ الاختلاف لغة واصطلاحاً .

المبحث الثاني : ذكرت فِيْهِ الفرق بَيْنَ الاختلاف والاضطراب .

المبحث الثالث: بينت فِيْهِ أنواع الاختلاف .

المبحث الرابع : تكلمت فِيْهِ عن أسباب الاختلاف ، وَقَدْ تفرع إِلَى أربعة مطالب :

المطلب الأول : تكلمت فِيْهِ عن مَعْرِفَة الاختلاف ، ودخوله في علم العلل .

المطلب الثاني : ذكرت فِيْهِ أهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد .

المطلب الثالث: تكلمت فِيْهِ عن الكشف عن الاختلاف .

المطلب الرابع : تكلمت فِيْهِ عن الاختلاف القادح وغير القادح .

أما الفصل الأول : فَقَدْ خصصته للكلام عن الاختلافات الواردة في السند ، وَقَد اشتمل عَلَى تمهيد ومبحثين :

تكلمت في التمهيد عن تعريف الإسناد لغة واصطلاحاً ، وبينت أهمية الإسناد .

وفي المبحث الأول : تكلمت عن التدليس ، وأثره في اختلاف الْحَدِيْث ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

وفي المبحث الثاني : ذكرت فِيْهِ التفرد وتكلمت عن أثره في اختلاف الْحَدِيْث ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

أما الفصل الثاني : فَقَدْ خصصته للاختلافات الواردة في الْمَتْن ، وَقَد اشتمل عَلَى ثمانية مباحث :

المبحث الأول : تكلمت فِيْهِ عن رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى،وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث الثاني : تكلمت فِيْهِ عن مخالفة الْحَدِيْث للقرآن،وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.

المبحث الثالث: ذكرت فِيْهِ الكلام عن مخالفة الْحَدِيْث لحديث أقوى مِنْهُ ،وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.

المبحث الرابع : تكلمت عن مخالفة الْحَدِيْث لفتيا راويه ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.

المبحث الخامس: ذكرت فِيْهِ الكلام عن مخالفة الْحَدِيْث للقياس ،وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.

المبحث السادس: تكلمت فِيْهِ عن مخالفة الْحَدِيْث لعمل أهل المدينة ،وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.

المبحث السابع: تكلمت فِيْهِ عن مخالفة الْحَدِيْث للقواعد العامة ،وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.

المبحث الثامن : ذكرت فِيْهِ اختلاف الْحَدِيْث بسبب الاختصار ،وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء.

أما الفصل الثالث : فَقَدْ خصصته للاختلافات المشتركة في السند والمتن ، وَقَدْ تضمن ثمانية مباحث :

المبحث الأول : تكلمت فِيْهِ بتفصيل عن الاضطراب وما يتعلق بِهِ .

المبحث الثاني : فَقَدْ خصصته للزيادات الواقعة في المتون والأسانيد .

المبحث الثالث: تكلمت فِيْهِ عن اختلاف الثقة مَعَ الثقات .

المبحث الرابع : ذكرت فِيْهِ الكلام عن اختلاف الضعيف مَعَ الثقات .

المبحث الخامس : قَدْ تكلمت فِيْهِ بتفصيل عن الإدراج .

المبحث السادس: تكلمت فِيْهِ عن الاختلاف بسبب خطأ الرَّاوِي .

المبحث السابع: ذكرت فِيْهِ الاختلاف بسبب القلب .

المبحث الثامن : تكلمت فِيْهِ عن الاختلاف بسبب التصحيف والتحريف .

وَقَدْ خرّجت الأحاديث الواردة في الرسالة ، وذلك بالرجوع إِلَى كتب الْحَدِيْث المعتمدة عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ ؛ وأطلت التخريج في أكثر المواضع ؛ لأن موضوع الاختلافات يستدعي ذَلِكَ ؛ إذ إن الاختلافات الحاصلة في المتون والأسانيد لا تدرك إلا بجمع طرق الْحَدِيْث من مظانها .

وَقَدْ رتبت في التخريج والعزو المؤلفين عَلَى حسب الوفيات ، واعتمدت عَلَى الطبعات المعتمدة المتداولة وَقَدْ حاولت جاهداً بَيَان درجة الأحاديث الواردة في الرسالة مهتدياً بأقوال الأئمة السابقين ومستعيناً بقواعد الْحَدِيْث الَّتِي وضعها الأئمة الأعلام .

وَقَدْ ترجمت للأعلام الواردين بالرسالة عِنْدَ ذَكَرَ العلم أول مرة .

أما الخاتمة فَقَدْ ضمنتها أهم نتائج البحث .

بَعْدَ هَذَا العرض أرى من الواجب عَليّ أن أعبر بالثناء الجميل عما يكنه صدري من عرفان بالفضل لكل من مدّ إليَّ يد العون في أثناء إعداد هَذِهِ الرسالة ، سواء بإرشاد أو هداية لمصدر أو تشجيع أو دعاء وأخص بالذكر رفقائي في الطلب الأخوة المشايخ : هيثم عَبْد الوهاب وعَبْد الله كريم وحسن عَبْد الوهاب وعبد الحليم قاسم وعمر طارق وظافر إسماعيل وعماد عدنان وعبد الكريم مُحَمَّد ، فجزاهم الله خير الجزاء ونفعهم بعلمهم في الدنيا والآخرة .

كَمَا أتوجه بالشكر الجزيل إِلَى أساتذتي الأفاضل الَّذِيْنَ تفضلوا بقبول مناقشة هَذِهِ الرسالة وتقويمها ، وشرفوني بالنظر فِيْهَا ، فجزاهم الله عني خير الجزاء .

وختاماً فإن هَذَا هُوَ جهدي المتواضع الَّذِي أرجو من الله تَعَالَى لَهُ القبول ، فَقَدْ بذلت فِيْهِ ما وسعني من جهد ، فإن وفّقت فِيْهِ فلله تَعَالَى الفضل والمنة ، وإن كَانَ غَيْر ذَلِكَ فحسبي أني حاولت الوصول إِلَى خدمة هَذَا الدين عن طريق الربط بَيْنَ الفقه الإسلامي ، وبين علمٍ من أهم علوم الْحَدِيْث النبوي الشريف .

والرب سبحانه وتعالى يثيب عَلَى القصد ويعفو عن الخطأ ؛ فأساله سبحانه وتعالى أن يجنبنا الزلل ويرشدنا إِلَى الصواب ويوفقنا إِلَى ما يحبه ويرضاه .

والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام عَلَى سيدنا مُحَمَّد المبعوث رحمة للعالمين ، وعلى آله وصحبه ، والتابعين لَهُمْ بإحسان إِلَى يوم الدين

 

 

 

المبحث الأول

الاختلاف لغة واصطلاحاً

المطلب الأول

تعريف الاختلاف لغة

الاختلاف : افتعال مصدر اختلف ، واختلف ضد اتفق ، ويقال : (( تخالف القوم واختلفوا ، إذا ذهب كُلّ واحد مِنْهُمْ إلى خلاف ما ذهب إليه الآخر )) .

ويقال : (( تخالف الأمران ، واختلفا إذا لَمْ يتفقا وكل ما لَمْ يتساو : فَقَدْ تخالف واختلف ))  .

ومنه قولهم : اختلف الناس في كَذَا ، والناس خلفة أي مختلفون ؛ لأن كُلّ واحد مِنْهُمْ ينحي قَوْل صاحبه ، ويقيم نفسه مقام الَّذِيْ نحّاه ( ) . ومنه حَدِيْث النَّبِيّ : (( سَوّوا صفوفكم ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم )) ( ) .

وبعد أن ساق الزَّبِيديُّ ( ) هَذَا الْحَدِيْث قَالَ في معناه : (( أي : إذا تقدّم بعضُهم عَلَى بَعضٍ في الصُّفُوفِ تأثرت قُلوبُهم ، ونشأَ بينهم اختلافٌ في الأُلْفَةِ والموَدَّةِ )) ( ) .

ويستعمل الاختلاف عِنْدَ الفقهاء بمعناه اللُّغويِّ .

أمّا الخِلافُ - بالكسر - فهو المُضَادّةُ ، وَقَدْ خالَفَهُ مُخالَفَةً وخِلافاً كَمَا في اللسان( ).

والخِلافُ : المُخَالَفَةُ ، قَالَ تَعَالَى:فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ( ) أي : مُخُالَفَةَ رَسُولِ اللهِ ( ) .

 

المطلب الثاني

تعريف الاختلاف اصطلاحاً

لَمْ أجد تعريفاً للعلماء في الاختلاف ، لَكِنْ يمكنني أن أعرفه بأنه : ما اختلف الرُّوَاة فِيْهِ سنداً أو متناً .

وعلى هَذَا التعريف يمكننا أن نقسّم الاختلاف عَلَى ضربين :

الأول : اختلاف الرُّوَاة في السند : وَهُوَ أن يختلف الرُّوَاة في سند ما زيادة أو نقصاناً ، بحذف راوٍ ، أو إضافته ، أَوْ تغيير اسم ، أَوْ اختلاف بوصل وإرسال ، أَوْ اتصال وانقطاع ، أو اختلاف في الجمع والإفراد ( ) .

الثاني : اختلاف الرُّوَاة في الْمَتْن : زيادة ونقصاناً ، أو رفعاً ووقفاً .

وَقَدْ أحسن وأجاد الإمام مُسْلِم بن الحجاج ( ) إذ صوّر لنا الاختلاف تصويراً بديعاً فَقَالَ في كتابه العظيم " التمييز " : (( اعلم ، أرشدك الله ، أن الَّذِيْ يدور بِهِ مَعْرِفَة الخطأ في رِوَايَة ناقل الْحَدِيْث – إذا هم اختلفوا فِيْهِ  - من جهتين :

أحدهما : أن ينقل الناقل حديثاً بإسناد فينسب رجلاً مشهوراً بنسب في إسناد خبره خلاف نسبته الَّتِيْ هِيَ نسبته ، أو يسميه باسم سوى اسمه ، فيكون خطأ ذَلِكَ غَيْر خفيٍّ عَلَى أهل العلم حين يرد عليهم …

والجهة الأخرى : أن يروي نفر من حفّاظ الناس حديثاً عَنْ مثل الزهري ( ) أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد مجتمعون عَلَى روايته في الإسناد والمتن ، لا يختلفون فِيْهِ  في معنى ، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عَنْهُ النفر الَّذِيْنَ وصفناهم بعينه فيخالفهم في الإسناد أو يقلب الْمَتْن فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ ، فيعلم حينئذٍ أنَّ الصَّحِيْح من الروايتين ما حدّث الجماعة من الحفاظ ، دون الواحد المنفرد وإن كَانَ حافظاً ، عَلَى هَذَا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الْحَدِيْث ، مثل شعبة ( ) وسفيان بن عيينة ( ) ويحيى بن سعيد ( ) وعبد الرحمان بن مهدي ( ) وغيرهم من أئمة أهل العلم )) ( ).

المبحث الثاني

الفرق بَيْنَ الاضطراب والاختلاف

الْحَدِيْث المضطرب : هُوَ ما اختلف راويه فِيْهِ  ، فرواه مرة عَلَى وجه ، ومرة عَلَى وجه آخر مخالف لَهُ . وهكذا إن اضطرب فِيْهِ راويان فأكثر فرواه كُلّ واحد عَلَى وجه مخالف للآخر ( ) .

ومن شرط الاضطراب : تساوي الروايات المضطربة بحيث لا تترجح إحداها عَلَى الأخرى .

أما إذا ترجحت إحدى الروايات فلا يسمى مضطرباً ، بَلْ هُوَ مطلق اختلافٍ ، قَالَ العراقي ( ) : (( أما إذا ترجحت إحداهما بكون راويها أحفظ ، أو أكثر صُحْبَة للمروي عَنْهُ ، أو غَيْر ذَلِكَ من وجوه الترجيح ؛ فإنه لا يطلق عَلَى الوجه الراجح وصف الاضطراب ولا لَهُ حكمه ، والحكم حينئذ للوجه الراجح )) ( ) . وهذا أمر معروف بَيْنَ الْمُحَدِّثِيْنَ لا خلاف فِيْهِ ؛ لذا نجد المباركفوري يَقُوْلُ : (( قَدْ تقرر في أصول الْحَدِيْث أنّ مجرد الاختلاف لا يوجب الاضطراب ، بَلْ من شرطه استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قُدِّمَ )) ( ).

فعلى هَذَا شرط الاضطراب تساوي الروايات ، أما إذا ترجحت إحداهما عَلَى الأخرى فالحكم للراجحة،والمرجوحة شاذة أَوْ منكرة . وعليه فإن كَانَ أحد الوجوه مروياً مِنْ طريق ضعيف والآخر من طريق قوي فلا اضطراب والعمل بالطريق القوي ، وإن لَمْ يَكُنْ كذلك ، فإن أمكن الجمع بَيْنَ تِلْكَ الوجوه بحيث يمكن أن يَكُوْنَ المتكلم باللفظين الواردين عَنْ معنى واحد فلا إشكال أَيْضاً؛مِثْل أن يَكُوْنَ في أحد الوَجْهَيْنِ قَدْ قَالَ الرَّاوِي : عَنْ رجل ، وفي الوجه الآخر يسمي هَذَا الرجل ، فَقَدْ يَكُوْن هَذَا المسمى هُوَ ذَلِكَ المبهم ؛ فَلاَ اضطراب إذن ولا تعارض ، وإن لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بأن يسمي مثلاً الرَّاوِي باسم معينٍ في رِوَايَة ويسميه باسم آخر في رِوَايَة أخرى فهذا محل نظر وَهُوَ اضطراب إِذْ يتعارض فِيْهِ  أمران :

أحدهما : أنه يجوز أن يَكُوْن الْحَدِيْث عَنْ الرجلين معاً .

والثاني : أن يغلب عَلَى الظن أن الرَّاوِي واحد واختلف فِيْهِ  ( ) . فههنا لا يخلو أن يَكُوْن الرجلان كلاهما ثقة أو لا ، فإن كانا ثقتين فهنا لا يضر الاختلاف عِنْدَ الكثير ؛ لأنّ الاختلاف كيف دار فهو عَلَى ثقة ، وبعضهم يقول : هَذَا اضطراب يضر ؛ لأنه يدل عَلَى قلة الضبط ( ) .

إذن شرط الاضطراب الاتحاد في المصدر، وعدم إمكانية التوفيق بَيْنَ الوجوه المختلفة والترجيح عَلَى منهج النقاد وعلى ما تقدم يتبين لنا أنّ بَيْنَ الاضطراب والاختلاف عموماً وخصوصاً،وَهُوَ أن كُلّ مضطرب مختلف فِيْهِ، ولا عكس. فالاختلاف أعم من الاضطراب إِذْ شرط الاضطراب أن يَكُوْن قادحاً ، أما الاختلاف فربما كَانَ قادحاً وربما لَمْ يَكُنْ قادحاً.

ثُمَّ إنه ليس كُلّ اختلاف يؤدي إلى وجود الاضطراب ، إِذْ إن ما يشبه أن يَكُوْن اضطراباً ينتفي عَنْ الْحَدِيْث إذا جمع بَيْنَ الوجوه المختلفة أو رجح وجه مِنْهَا عَلَى طريقة النقاد لا عَلَى طريقة التجويز العقلي .

 

 

المبحث الثالث

أنواع الاختلاف

من البدهي أن يختلف الرُّوَاة سنداً ومتناً فِيْمَا يؤدونه من الأحاديث النبوية ؛ ذَلِكَ لأن مواهب الرُّوَاة في حفظ الأحاديث تختلف اختلافاً جذرياً بَيْنَ راوٍ وآخر ، فمن الرُّوَاة من بلغ أعلى مراتب الحفظ والضبط والإتقان ، ومنهم أدنى وأدنى . ولا عجب أن يختلَّ ضبط الرُّوَاة من حال إلى حال ومن وقت إلى وقت مع تغيرات الزمان واختلاف الأحوال وتبدل الصحة . هَذَا مع اختلاف الرُّوَاة في عنايتهم في ضبط ما يتحملونه من الأحاديث فمنهم من يتعاهد حفظه ومنهم من لا يتعاهد ، ومنهم من لا يحدّث إلا بصفاء الذهن ومراجعة الأصول ( ) ومنهم دون ذَلِكَ . زيادة عَلَى الآفات الَّتِيْ تصيب الإنسان مِمَّا تؤدي إلى اختلال مروياته ودخول بعض الوهم في حديثه . فهذا كله من الأسباب الرئيسة العامة في وجود الاختلاف .

ثُمَّ إن اختلاف الرُّوَاة يرجع إلى نوعين رئيسين:اختلاف تنوع،واختلاف تضاد( ).

فاختلاف التنوع : هُوَ أن يذكر كُلّ من المختلفين من الاسم أَوْ اللفظ بعض

أنواعه ، كأن يختلف الرُّوَاة عَلَى راوٍ فبعضهم يذكره باسمه وبعضهم يذكره بكنيته وبعضهم بلقبه وبعضهم بوصف اشتهر بِهِ . وربما أطلق عَلَى هَذَا الاختلاف اختلاف في العبارة وَهُوَ : أن يعبر كُلّ من المختلفين عَنْ المراد بعبارة غَيْر عبارة صاحبه ، والمعنى واحد عِنْدَ الْجَمِيْع ( ).

والنوع الآخر من أنواع الاختلاف : اختلاف التضاد ، وَهُوَ الاختلاف الحقيقي القادح ، وَهُوَ : أن يختلف الرُّوَاة في متن حديثين أحدهما يخالف أَوْ ينافي الآخر أو أن يختلف الرُّوَاة في راوٍ أَوْ رواة مختلفين عَن الآخرين مع عدم إمكان الترجيح والتوفيق عَلَى طريقة النقاد ؛ إِذْ تتساوى وجوه الروايات .

 

 

المبحث الرابع

أسباب الاختلاف

فطر الله تَعَالَى الناس عَلَى أن يختلفوا في مواهبهم وقدراتهم وتنوع قابلياتهم في الدقة والضبط والإتقان والحرص عَلَى الشيء ، كَمَا أن الناس يختلفون في أحوالهم الأخرى قَالَ تَعَالَى : فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَات ( ) ، وهذه المواهب والمنح من الله يعطي من شاء ما شاء . والناس كذلك يختلفون في حرصهم واجتهادهم لِذَلِكَ عَدَّ الإمام الشَّافِعِيّ ( ) الحرص من لوازم العلم فَقَالَ :

أخي لن تنال العلم إلا بستة

سأنبيك عَنْ تفصيلها ببيان

 

ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة

وصحبة أستاذ وطول زمان( )

 

فالحرص إذن من أساسيات العلم ، وإن قَلَّ حفظ الرَّاوِي أو كلّت ذاكرته ، فإن بوسعه الحِفاظ على مروياته بالمذاكرة والمتابعة والتعاهد لمحفوظه ومراجعة أصوله ، حفظاً للسنة النبوية من الخطأ فِيْهَا – بزيادة أَوْ نقص أو تغيير – .

ومع هَذَا كله فإننا لَمْ نعدم في تاريخنا الحديثي بعض الرُّوَاة الَّذِيْنَ لَمْ يبالوا بمروياتهم، وَلَمْ يولوها الاهتمام الكافي ، سواء أهمل الرَّاوِي نفسه تعاهد محفوظاته أَوْ مراجعته كتابه ، أو تدخل عنصر بالعبث بمروياته ( ) ، أو غَيْر ذَلِكَ مِمَّا تكون نتيجته وقوع الوهم في حَدِيْث ذَلِكَ الرَّاوِي ، ويؤول بالنهاية إلى حدوث الاختلاف مع روايات غيره ، عَلَى أن الخطأ والوهم لَمْ يسلم مِنْهُ كبار الحفاظ مع شدة حرصهم وتوقيهم ، لذا قَالَ ابن

معين ( ) : (( لست أعجب ممن يحدّث فيخطئ ، إنما أعجب ممن يحدث فيصيب ))( ). غَيْر أنّ الأحاديث الَّتِيْ حصل فِيْهَا الوهم تعد قليلة مغمورة في بحر ما رووه عَلَى الصواب .

وبإمكاننا أن نفصل أسباب الاختلاف بما يأتي :

أولاً . الوهم والخطأ :

الخطأ والوهم أمران حاصلان وواقعان في أحاديث الثقات فضلاً عَنْ وقوعه في أحاديث الضعفاء، ونحن وإن نذكر في حد الصَّحِيْح كون راويه تام الضبط إلا أن ذَلِكَ أمر نسبيٌّ( ) ، وإلا فكيف اشترطنا في الصَّحِيْح ( ) أن لا يَكُوْن شاذاً ولا معللاً مع كون راويه ثقة فيتخرج عَلَى هَذَا أن الوهم والخطأ يدخل في أحاديث الثقات؛لأن كلاً من الشذوذ والعلة داخل بمعنى الوهم والخطأ . ثُمَّ إن الوهم والخطأ من الأسباب الرئيسة للاختلاف بَيْنَ الأحاديث . وبالسبر والنظر إلى كتب السنة النبوية نجد عدداً كبيراً من الرُّوَاة الثقات قَدْ أخطؤوا في بعض ما رووا ، وَهُوَ أمر متفاوت بَيْنَ الرُّوَاة حسب مروياتهم قلة وكثرة وربما كَانَ حظ من أكثر من الرِّوَايَة أكبر خطأً من المقلين ؛ لذا نجد غلطات عُدَّتْ عَلَى الأئمة العلماء الحفاظ لكنها لَمْ تؤثر عليهم في سعة ما رووه ( ) ، قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل( ) : (( ومن يعرى من الخطأ والتصحيف )) ( ) . وَقَالَ الإمام مُسْلِم بن الحجاج : (( فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا – وإن كَانَ من أحفظ الناس وأشدهم توقياً وإتقاناً لما يحفظ وينقل – إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله )) ( ).

وَقَالَ الإمام الترمذي ( ) : (( لَمْ يسلم من الخطأ والغلط كبير أحد من الأئمة مع حفظهم ))( )، ثُمَّ ساق الترمذي عدداً وافراً من الروايات تدلل عَلَى تفاوت أهل العلم بالحفظ وتفاضلهم بالضبط وقلة الخطأ ، ثُمَّ قَالَ : (( والكلام في هَذَا والرواية عَنْ أهل العلم تكثر، وإنما بيّنا شيئاً مِنْهُ عَلَى الاختصار ليُستدل بِهِ عَلَى منازل أهل العلم وتفاضل بعضهم عَلَى بعض في الحفظ والإتقان ، ومن تُكلمَ فِيْهِ من أهل العلم لأي شيء تُكلمَ

فِيْهِ )) ( ).

ولما كَانَ الخطأ في الرِّوَايَة أمرٌ بدهيٌّ ، وأنه لا يسلم إنسان مِنْهُ نجد الأكابر قَدْ وهمّوا الأكابر، فهذه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قَدْ وهّمت عدداً من الصَّحَابَة في عدد من الأحاديث ، وَقَدْ جمع ذَلِكَ الزركشي ( ) في جزءٍ ( ) ، لذا قَالَ الإمام عَبْد الله بن المبارك ( ) : (( ومن يسلم من الوهم، وَقَدْ وهّمت عائشة جَمَاعَة من الصَّحَابَة في رواياتهم للحديث ))( ).

وفيما نقلنا عَنْ الأئمة الأعلام كفاية ودليل عَلَى أن دخول الخطأ والوهم أمرٌ نسبيٌّ ممكن في أحاديث الرُّوَاة ثقاتً كانوا أو غَيْر ذَلِكَ ، فالخطأ والوهم والنسيان سجية البشر ، وَقَدْ قَالَ الشاعر :

نَسِيتُ وَعْدَكَ والنِّسْيَانُ مُغْتَفَرٌ      فَاغْفِرْ فَأوَّلُ نَاسٍ أوَّلُ النَّاسِ( )

 

ثانياً . ظروف طارئة ( ):

قَدْ يطرأ عَلَى الرَّاوِي حين تحمله ( ) الْحَدِيْث أَوْ أدائه ( ) ظروف تدخل الوهم في حديثه أو أحاديثه . وهذه الظروف ليست عامة بَلْ هِيَ خاصة تطرأ عَلَى بعض الرُّوَاة في بعض الأحيان دون بعضٍ ، تبعاً لاختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ ؛ إِذْ قَدْ يطرأ الخلل في كَيْفِيَّة تلقّي الأحاديث كَمَا حصل لهشيم بن بشير( )؛ إِذْ إنَّهُ دخل عَلَى الزهري فأخذ عَنْهُ عشرين حديثاً ، فلقيه صاحبٌ لَهُ وَهُوَ راجع ، فسأله رؤيتها ، وَكَانَ ثمة ريح شديدة ، فذهبت بالأوراق من يد الرجل ، فصار هشيم يحدّث بِمَا علق مِنْهَا بذهنه ، وَلَمْ يَكُنْ أتقن حفظها ، فوهم في أشياء مِنْهَا ،ضعف حديثه بسببها ( ) خاصة في الزهري ( ). فهذا أمر طارئ عَلَى هشيم وَهُوَ ثقةٌ من الثقات الكبار النبلاء أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة( ) لكنه ضُعِّفَ خاصةً في الزهري لهذا الطارئ الَّذِيْ طرأ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ الحافظ ابن حجر ( ) : (( أما روايته عَنْ الزهري فليس في الصحيحين مِنْهَا شيءٌ )) ( ) .

وكذلك يختلف حال ضبط الرَّاوِي باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سمعه من بعض شيوخه ، أو بسبب حدوث ضياعٍ في بعضِ ما كتبه عَنْ بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت الناس في هَذَا الشيخ خاصة .

ومما يذكر في الظروف الطارئة ما حصل لمؤمل بن إسماعيل ( ) إِذْ كَانَ قَدْ دفن كتبه، ثُمَّ حدث من حفظه فدخل الوهم والاختلاف في حديثه ( ) .

ثالثاً . الاختلاط :

الاختلاط لغة: يقال خلطت الشيء بغيره خَلْطاً فاختلط ، وخالطهُ مخالطةً وخِلاطاً، واختلط فلانٌ ، أي : فسد عقلُهُ ، والتخليط في الأمر : الإفساد فِيْهِ  والمختلط من الاختلاط ، واختلط عقله إذا تغير ، فهو مختلط ، واختلط عقله : فسد ( ) .

أما في اصطلاح المحدثين : فَقَدْ قَالَ السخاوي ( ) : (( وحقيقته فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال، إما بخرف، أو ضرر، أو مرض، أو عرضٍ من موت ابن وسرقة مالٍ كالمسعودي ( )، أو ذهاب كتب كابن لهيعة ( )، أَو احتراقها كابن الملقن ( ) )) ( ).

إذن الاختلاط : آفة عقلية تورث فساداً في الإدراك ، وتصيب الإنسان في آخر عمره ، أو تعرض لَهُ بسبب حادث لفقد عزيز أو ضياع مالٍ ؛ ومن تصبه هَذِهِ الآفة لكبر سِنّهِ يقال فِيْهِ  : اختلط بأخرة ، ويقال : بآخره ( ) .

فالاختلاط قَدْ يطرأ عَلَى كثير من رواة الْحَدِيْث النبوي مِمَّا يؤثر عَلَى روايته أحياناً فيدخل في رِوَايَته الوهم والخطأ مِمَّا يؤدي ذَلِكَ بالمحصلة النهائية إلى وجود الاختلاف بَيْنَ الروايات . ثُمَّ من كَانَ مختلطاً فدخل الوهم في حديثه لا تضر روايتُه رِوَايَةَ الثقات الأثبات ؛ إِذْ إنّ الرِّوَايَة الصَّحِيْحَة لا تُعلُّ بالرواية الضعيفة ، فرواية المختلط ضعيفة لا تقاوم رِوَايَة الثقات ، ولا تصلح للحجية إلا إذا توبع المختلط في روايته أَوْ كَانَتْ روايته مِمَّا حدث بِهِ قَبْلَ الاختلاط . وعلماؤنا الأجلاء أحرقوا أعمارهم شموعاً تضيء لنا الطريق من أجل بَيَان كُلّ ما يدخل الْحَدِيْث من خطأ ووهم واختلاف ، إِذْ إنّ مَعْرِفَة المختلطين لَيْسَ بالأمر السهل بَلْ هُوَ أمرٌ شاقٌ عَلَى الْمُحَدِّثِيْنَ للغاية ، بَلْ كَانَ الْمُحَدِّثُوْنَ أحياناً يعيدون سَمَاع الأحاديث نفسها الَّتِيْ سمعوها من ذَلِكَ الشَّيْخ من أجل أن يعرفوا ويحددوا الاختلاط من عدمه ، ويحددوا وقت الاختلاط ؛ لِذَلِكَ قَالَ حماد بن زيد ( ) : (( شعبة كَانَ لا يرضى أن يَسْمَع الْحَدِيْث مرة يعاود صاحبه مراراً )) ( ). ومما يذكر في هَذِهِ الباب ما قَالَهُ حماد ابن زيد : قَالَ : حَدَّثَنِي عمرو بن عبيد الأنصاري ، قَالَ : حَدَّثَنِي أبو الزعيزعة ( ) -كاتب مروان ( )- أن مروان أرسل إلى أبي هُرَيْرَة، فجعل يسأله، وأجلسني خلف السرير وأنا أكتب، حَتَّى إذا كَانَ رأس الحول، دعا بِهِ فأقعده من وراء الحجاب ، فجعل يسأله من ذَلِكَ الكتاب ، فما زاد ولا نقص ، ولا قدّم ولا أخّر ( ) .

وروى الحافظ أبو خيثمة زهير ( )بن حرب في " كتاب العلم " ( ) قَالَ : حَدَّثَنَا جرير( )، عَنْ عمارة بن القعقاع ( )، قَالَ : قَالَ لي إبراهيم ( ) : حَدِّثنِي عَنْ أبي زرعة ( ) فإني سألته عَنْ حَدِيْث ، ثُمَّ سألته عَنْهُ بَعْدَ سنتين فما أخرم ( ) مِنْهُ حرفاً )) .

وهذا نوع من أنواع الكشف عَنْ الخلل المتوقع طرؤه عَلَى المحدّث عِنْدَ تقدم السَّمَاع لَهُ ، وكانت ثمة طرق أخرى للمحدّثين يستطيعون من خلالها الكشف عَنْ حال المحدّث ، وهل طرأ لَهُ اختلاط في ما يرويه أَوْ بعض ما يرويه أم أنه حافظ ومتقن لما يروي ويحدّث ؟

ومن طرق الْمُحَدِّثِيْنَ في مَعْرِفَة اختلاط الرُّوَاة : أن الناقد مِنْهُمْ كَانَ يدخل عَلَى الرَّاوِي ليختبره فيقلب عَلَيْهِ الأسانيد والمتون ، ويلقنه ما ليس من روايته ، فإن لَمْ ينتبه الشيخ لما يراد بِهِ فإنه يعد مختلطاً ويعزف الناس عَنْ الرِّوَايَة عَنْهُ ، ومما يذكر في هَذِهِ البابة ما أسند إلى يحيى بن سعيد قَالَ : (( قدمت الكوفة وبها ابن عجلان ( ) وبها ممن يطلب الْحَدِيْث : مليح بن وكيع ( ) وحفص بن غياث ( ) وعبد الله بن إدريس ( ) ويوسف بن خالد السمتي ( ) ، فقلنا : نأتي ابن عجلان ، فَقَالَ يوسف بن خالد : نقلب عَلَى هَذَا الشيخ حديثه ، ننظر تفهُّمه ، قَالَ : فقلبوا فجعلوا ما كَانَ عَنْ سعيد عَنْ أبيه ، وما كَانَ عَنْ أبيه عَنْ سعيد ، ثُمَّ جئنا إِلَيْهِ ، لَكِنْ ابن إدريس تورّع وجلس بالبابِ وَقَالَ : لا استحلُّ وجلست مَعَهُ . ودخل حفص ، ويوسف بن خالد ، ومليح فسألوه فمرّ فِيْهَا ، فلما كَانَ عِنْدَ آخر الكتاب انتبه الشيخ فَقَالَ : أعد العرض ( ) ، فعرض عَلَيْهِ فَقَالَ : ما سألتموني عَنْ أبي فَقَدْ حَدَّثَنِي سعيد بِهِ ، وما سألتموني عَنْ سعيد فَقَدْ حَدَّثَنِي بِهِ أبي ، ثُمَّ أقبل عَلَى يوسف بن خالد فَقَالَ : إن كُنْتَ أردت شيني وعيبِي فسلبك الله الإسلام ، وأقبل عَلَى حفص فَقَالَ : ابتلاك الله في دينك ودنياك ، وأقبل عَلَى مليح فَقَالَ : لا نفع الله بعلمك . قَالَ يحيى : فمات مليح وَلَمْ ينتفع بِهِ ، وابتلي حفص في بدنه بالفالج ( ) وبالقضاء في دينه ، وَلَمْ يمت يوسف حَتَّى اتُّهمَ بالزندقة ( ) .

وعلى الرغم من اختلاف العلماء في جواز ذَلِكَ وعدمه ( ) ، إلاّ أنهم استطاعوا أن يحددوا في كثير من الأحيان الفترة الزمنية الَّتِيْ دخل فِيْهَا الاختلاط عَلَى هَذَا الرَّاوِي ، كَمَا حددوا اختلاط إسحاق بن راهويه ( ) بخمسة أشهر ، فَقَالَ أبو داود ( ) : (( تغيّر قَبْلَ أن يموت بخمسة أشهر ، وسمعتُ مِنْهُ في تِلْكَ الأيام فرميت )) ( ) . وكذلك حددوا وقت اختلاط جرير بن حازم ( ) ، قَالَ أبو حاتم ( ) : (( تغيّر قَبْلَ موته بسنة )) ( ) . وحددوا وقت اختلاط سعيد بن أبي سعيد المقبري ( ) ، قَالَ ابن سعد ( ) : (( ثقة ، إلا أنه اختلط قَبْلَ موته بأربع سنين )) ( ) .

وعلى الرغم من احتياطات الْمُحَدِّثِيْنَ وإمعانهم في تحديد وقت الاختلاط ، فإنهم لَمْ يتمكنوا من تحديد الساعات الأولى لبدء الاختلاط ، فالاختلاط – كَمَا سبق – آفة عقلية تبدأ بسيطة ثُمَّ تكبر شَيْئاً فشيئاً ، ويتعاظم أمرها بالتدريج ، وفي هَذِهِ الفترة الواقعة بَيْنَ بداية الاختلاط وظهوره وتفشيه ، يَكُوْن المختلط قَدْ رَوَى أحاديث تناقلها الرُّوَاة عَنْهُ ، من غَيْر أن يعرفوا اختلاطه حين أخذهم عَنْهُ ، ولربما كَانَ هَذَا الأمر سبباً في دخول الاختلاف والاضطراب في بعض أحاديث الثقات .

غَيْر أن علماء الْحَدِيْث – رحمهم الله – لَمْ يتركوا قضية الاختلاط والمختلطين عَلَى عواهنها ، بَلْ إنهم نقبوا وفتشوا أحوال الرُّوَاة جيداً ، وقسموا الرُّوَاة عَنْ المختلطين عَلَى أربعة أقسام :

الأول : الَّذِيْنَ رووا عَنْ المختلط قَبْلَ اختلاطه .

الثاني : الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ بَعْدَ اختلاطه .

الثالث : الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ قَبْلَ الاختلاط وبعده ، وَلَمْ يميزوا هَذَا من هَذَا .

الرابع : الَّذِيْنَ رووا عَنْهُ قَبْلَ اختلاطه وبعده وميزوا هَذَا من هَذَا .

ووضعوا حكماً لكل قسم من هَذِهِ الأقسام : فمن رَوَى عَنْ المختلط قَبْلَ الاختلاط قبلت روايته عَنْهُ، ومن رَوَى عَنْهُ قَبْلَ الاختلاط وبعده ، وميز ما سَمِعَ قَبْلَ الاختلاط قُبِلَ، وَلَمْ يُقبل ما سَمِعَ بَعْدَ الاختلاط ، ومن لَمْ يميز حديثه أو سَمِعَ بَعْدَ الاختلاط لَمْ تقبل روايته ( ) .

ولعل الحافظ العراقي كَانَ أشمل في بيان الحكم من غيره ، إِذْ قَالَ : (( ثُمَّ الحكم فيمن اختلط أنه لا يقبل من حديثه ما حدّث بِهِ في حال الاختلاط ، وكذا ما أبهم أمره وأشكل ، فَلَمْ ندرِ أحدّث بِهِ قَبْلَ الاختلاط أو بعده ؟ وما حدث بِهِ قَبْلَ الاختلاط قُبِلَ ، وإنما يتميز ذَلِكَ باعتبار الرُّوَاة عَنْهُمْ ، فمنهم من سَمِعَ مِنْهُمْ قَبْلَ الاختلاط فَقَطْ ، ومنهم من سَمِعَ بعده فَقَطْ ، ومنهم من سَمِعَ في الحالين ، وَلَمْ يتميز )) ( ).

وَقَدْ قسّم الْمُحَدِّثُوْنَ المختلطين من حَيْثُ تأثير الاختلاط في قبول مروياتهم عَلَى ثلاثة أقسام قَالَ العلائي ( ) : (( أما الرُّوَاة الَّذِيْنَ حصل لَهُمْ الاختلاط في آخر عمرهم فهم عَلَى ثلاثة أقسام :

أحدها : من لَمْ يوجب ذَلِكَ لَهُ ضعفاً أصلاً ، وَلَمْ يحط من مرتبته ؛ إما لقصر مدة الاختلاط وقلَّتِهِ كسفيان بن عيينة ( ) ، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم ؛ وإما لأنه لَمْ يروِ شيئاً حال اختلاطه ، فسلم حديثه من الوهم كجرير بن حازم ، وعفان بن مُسْلِم ( ) ، ونحوهما .

ثانيها : من كَانَ مُتَكلَّماً فِيْهِ  قَبْلَ الاختلاط، فَلَمْ يحصل من الاختلاط إلا زيادة في ضعفه؛ كابن لهيعة ( ) ، ومحمد بن جابر السُّحيمي ( ) ، ونحوهما .

ثالثها : من كَانَ محتجاً بِهِ ، ثُمَّ اختلط ، أو عُمِّر في آخر عمره ، فحصل الاضطراب فِيْمَا رَوَى بَعْدَ ذَلِكَ ، فيتوقف الاحتجاج بِهِ عَلَى التمييز بَيْنَ ما حدّث بِهِ قَبْلَ الاختلاط عما رَوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ )) ( ) .

رابعاً . ذهاب البصر :

من المعروف في بَدَائِهِ علم الْحَدِيْث أنّ الضبط شرط أساسي في صحة الْحَدِيْث النبوي الشريف ( ) ، والضبط : هُوَ إتقان ما يرويه الرَّاوِي بأن يَكُوْن متيقظاً لما يروي غَيْر مغفل ، حافظاً لروايته إن رَوَى من حفظه ، ضابطاً لكتابه إن رَوَى من الكتاب ، عالماً بمعنى ما يرويه ، وبما يحيل المعنى عَنْ المراد إن روى بالمعنى ( ) ، حَتَّى يثق المطّلع عَلَى روايته والمتتبع لأحواله بأنه أدى الأمانة كَمَا تحملها ، لَمْ يغير مِنْهَا شَيْئاً ، وهذا مناط التفاضل بَيْنَ الرُّوَاة الثقات ، فإذا كَانَ الرَّاوِي عدلاً ضابطاً سمي ثقةً ( ) . ويعرف ضبطه بموافقة الثقات الضابطين المتقنين إذا اعتبر حديثه بحديثهم ، ولا تضر مخالفته النادرة لَهُمْ ، فإن كثرت مخالفته لَهُمْ ، وندرت الموافقة ، اختل ضبطه وَلَمْ يحتج بحديثه ( ) .

والضبط نوعان : ظاهر وباطن .

فالظاهر من حَيْثُ اللغة . والباطن : ضبط معناه من حَيْثُ تعلق الحكم الشرعي بِهِ، وَهُوَ الفقه . ومطلق الضبط الَّذِيْ هُوَ شرط الرَّاوِي ، هُوَ الضبط ظاهراً عِنْدَ الأكثر ؛ لأنه يجوز نقل الْحَدِيْث بالمعنى عِنْدَ الكثير ( ) من العلماء ( ) .

فمما تقدم نستخلص أن الضبط قسمان : ضبط صدر ، وضبط كتاب . وضابط الكتاب يحتاج أن يقرأ كتابه من أجل الرِّوَايَة والمقابلة ، وضابط الصدر يحتاج إلى أن يعاود حفظه وكتابه من أجل ضبط مروياته ، وربما يمكن أن يحصل هَذَا لبعض الرُّوَاة بمفردهم ، وقسم مِنْهُمْ يستعين بمن يثق بِهِ ليعاونه عَلَى ذَلِكَ . إذن فالبصر مهم في ذَلِكَ وله دور كبير في المحافظة على الحفظ ؛ لذا فإنّ زوال البصر وذهابه قَدْ يؤدي بالمحصلة النهائية إلى دخول الوهم في بعض روايات الْمُحَدِّثِيْنَ مِمَّا يؤدي إلى حصول اختلاف بَيْنَ الروايات .

ومن الَّذِيْنَ ذهب بصرهم : عَبْد الرزاق بن همام الصنعاني ( ) صاحب المصنف قَالَ الحافظ ابن حجر العسقلاني : (( عمي في آخر عمره فتغير )) ( ) . وكذا علي بن مسهر ( ) قَالَ العجلي ( ): (( صاحب سنة ثقة في الْحَدِيْث صالح الكتاب كثير الرِّوَايَة عَنْ الكوفيين ))( ) ، وَقَالَ أبو عَبْد الله أحمد بن حَنْبَل لما سئل عَنْهُ : (( لا أدري كيف أقول كَانَ قَدْ ذهب بصره فكان يحدّثهم من حفظه ))( ) .

 

 

خامساً . ذهاب الكتب :

قَدْ علمنا مِمَّا سبق أن ضبط الكتاب ( ) هُوَ أحد قسمي الضبط ، والعمدة في هَذَا القسم عَلَى كتاب الرَّاوِي ، وتطرق الخلل إلى كتابه أمر مضر بالثقة في مرويات ذَلِكَ الرَّاوِي ، وَقَدْ يصل الأمر إلى أن يدع الرَّاوِي روايته جملة بسبب فقد كتابه .

إلاّ أن بعض الرُّوَاة قَدْ يعلق في أذهانهم شيء من تِلْكَ المرويات الَّتِيْ دونوها في كتبهم المفقودة ، فيحدّثون بِهَا ، ولما كَانَ معتمدهم أصلاً في الرِّوَايَة عَلَى كتبهم لا عَلَى حفظهم فإن وجود الخطأ والوهم في تِلْكَ الروايات وارد .

ومن رواة الأحاديث الَّذِيْنَ ذهبت كتبهم مع اعتمادهم عَلَى تِلْكَ الكتب في حفظهم : عَبْد الله بن لهيعة ، أبو عَبْد الرحمان الحضرمي ، الفقيه قاضي مصر ، كَانَ متقناً لكتابه ، قَالَ الإمام أحمد : (( ابن لهيعة أجود قِرَاءة لكتبه من ابن وهب ( ) )) ( ) .

وَقَدْ كَانَ جل اعتماده في روايته عَلَى كتبه ، فلما احترقت ضُعِّف في الرِّوَايَة لكثرة ما وجد من الوهم والخطأ في روايته بَعْدَ ذهاب كتبه . قَالَ إسحاق بن عيسى الطباع( ): (( احترقت كتب ابن لهيعة سنة تسع وستين ))( ). وَقَالَ البخاري ( ) عَنْ يحيى بن بكير( ): (( احترق منْزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين ومئة )) ( ) .

وربما يَكُوْن لغياب الكتب نَفْسُ أثرِ فَقْدِ الكتب ويكون مدعاة للوهم والخلاف ، فإذا حدّث الرَّاوِي – الَّذِيْ يعتمد في الأداء عَلَى كتابه – في حالة غياب كتبه عَنْهُ ، وقع الوهم والخطأ في حديثه ، وتحديثه في غَيْر بلده – أَيْضاً – مظنة ( ) لوقوع ذَلِكَ كَمَا حصل لمعمر بن راشد ( ) قَالَ ابن رجب ( ) : (( حديثه بالبصرة فِيْهِ  اضطراب كثير ، وحديثه باليمن جيد )) ( ) ، وَقَالَ الإمام أحمد في رِوَايَة الأثرم ( ) : (( حَدِيْث عَبْد الرزاق عَنْ معمر أحب إليّ من حَدِيْث هؤلاء البصريين ، كَانَ يتعاهد كتبه وينظر ، يعني باليمن ، وَكَانَ يحدّثهم بخطأٍ بالبصرة )) ( ) . وَقَالَ يعقوب بن شيبة ( ) : (( سَمَاع أهل البصرة من معمر ، حين قدم عليهم فِيْهِ  اضطراب ؛ لأن كتبه لَمْ تَكُنْ مَعَهُ )) ( ).

ومن هَؤُلاَءِ أَيْضاً : إسماعيل بن عياش ( ) قَالَ مُحَمَّد بن عثمان بن أبي شيبة ( ) :

(( سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْنٍ يَقُوْل : إسماعيل بن عياش ثقة فِيْمَا رَوَى عَنْ الشاميين ، وأما روايته عَنْ أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عَنْهُمْ )) ( ) .

سادساً . عدم الضبط :

سبق الكلام أن الضبط من شروط صحة الْحَدِيْث الأساسية ؛ ولكن بعض الرُّوَاة

-وإن كانوا ضابطين – إلا أنهم في بعض الأحايين يخف ضبطهم لبعض الأحاديث خاصة، وَهُوَ أمرٌ اعتيادي يحصل لبني الإنسان ؛ لأن الضبط كَمَا سبق أمرٌ نسبيٌّ . وهذا الباب الَّذِيْ يمكن من خلاله دخول الوهم في بَعْض أحاديث الثقات يعدُّ سبباً من أسباب اختلاف الروايات متناً وإسناداً مِمَّا يؤدي بالمحصلة النهائية إِلَى حصول بَعْض الاختلافات في بَعْض الأحاديث . وهذا الأمر نراه جلياً في أحاديث الثقات الَّتِيْ أخطؤوا فِيْهَا . وما يأتي في كَثِيْر من الأمثلة اللاحقة دليل لما أصّلناه في أن الضبط أمرٌ نسبيٌّ ينفك عَنْ بعض الثقات أحياناً في بعض الأحاديث .

وَكَانَ هناك رواة ، لَهُمْ كتب صحيحة متقنة وفي حفظهم شيء وهؤلاء كانوا أحياناً إِذا حدثوا من حفظهم غلطوا وإذا حدثوا من كتابهم أصابوا ، وهذا أمر أولاه العلماء عناية ؛ لأن فِيْهِ مزيد ضبط في رِوَايَة هَذَا الرَّاوِي خاصة ، ومن الأمثلة عَلَى ذَلِكَ شريك القاضي وَهُوَ شريك بن عَبْد الله النخعي ، الكوفي ، القاضي بواسط ، ثُمَّ الكوفة ، أبو عَبْد الله : صدوق يخطئ كثيراً ، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ( ) .

قَالَ فِيْهِ مُحَمَّد بن عَبْد الله بن عمار الموصلي( ) : (( شريك كتبه صحاح فمن سَمِعَ مِنْهُ من كتبه فهو صَحِيْح،قَالَ:وَلَمْ يَسْمَع من شريك من كتابه إلا إسحاق الأزرق ( )))( ). وَقَالَ فِيْهِ  يعقوب بن شيبة : (( كتبه صحاح )) ( ) . وفي رِوَايَة الْخَطِيْب البغدادي ( ) عَنْ يعقوب في شريك : (( ثقة صدوق ، صَحِيْح الكتاب ، رديء الحفظ مضطربه )) ( ) .

ومن الأمور الَّتِيْ يدخل الاختلاف بسببها لعدم الضبط ، هُوَ عدم الضبط في بلد معين ، وَهُوَ أن يَكُوْن الرَّاوِي ضابطاً إلا أنه في سماعه لحديث أهل بلدٍ معين لا يَكُوْن ضابطاً لحديثهم لعدم تأهبه لِذَلِكَ ؛ لأن الضبط كَمَا يَكُوْن في الأداء يَكُوْن في التحمل فإن لَمْ يتحمل جيداً –لاختلال في السَّمَاع ، أو عدم جودةٍ في تقييد الكتاب– لَمْ يؤد جيداً ، ومثل هَذَا قَدْ حصل لعدد من الرُّوَاة ، فتجد أحاديثهم جياداً في روايتهم عَنْ أهل بلد معين، وتجدها دون ذَلِكَ عِنْدَ أهل بلد آخر لخلل طرأ في السَّمَاع والتحمل .

ومن أولئك الرُّوَاة الَّذِيْنَ تضعّف روايتهم في بلد دون آخر إسماعيل بن عياش ، وَهُوَ إسماعيل بن عياش بن سليم العَنْسيُّ - بالنون - أبو عتبة الحمصي : صدوق في روايته عَنْ أهل بلده مُخَلِّط في غيرهم ( ) . قَالَ يعقوب بن سفيان ( ): (( تكلَّم قومٌ في إسماعيل ، وإسماعيل ثقة عدلٌ ، أعلم الناس بحديث الشام ، ولا يدفعه دافع ، وأكثر ما تكلموا قالوا: يُغرِبُ عَنْ ثقات المدنيين والمكيين )) ( ) . وَقَالَ أبو بكر بن أبي خيثمة : سُئِلَ يحيى بن معين عَنْ إسماعيل بن عياش ، فَقَالَ : (( ليس بِهِ بأس في أهل الشام . والعراقيون يكرهون حديثه ))( ). وَقَالَ مضر بن مُحَمَّد الأسدي( )، عَنْ يَحْيَى: (( إذا حدَّث عَنْ الشاميين وذكر الخبر، فحديثه مستقيم، وإذا حدّث عَنْ الحجازيين والعراقيين، خلّط ما شئت )) ( ). وَقَالَ أبو داود : سألت أحمدَ عَنْ إسماعيلَ بنِ عياش فَقَالَ : (( ما حدّث عَنْ مشايخهم . قلت : الشاميين ؟ قَالَ : نعم . فأما ما حدث عَنْ غيرهم ، فعنده مناكير )) ( ) . وَقَالَ أبو طَالِب أحمد بن حميد ( ) : سَمِعْتُ أحمد بن حَنْبَل يَقُوْل : (( إسماعيل بن عيّاش ما رَوَى عَن الشاميين صَحِيْح ، وما رَوَى عَنْ أهل الحجاز فليس بصحيح )) ( ) .

سابعاً . التدليس ( ):

هُوَ أحد الأسباب الرئيسة الَّتِيْ تدخل الاختلاف في المتون والأسانيد ؛ لأن التدليس يكشف عَنْ سقوط راوٍ أحياناً فيكون لهذا الساقط دور في اختلاف الأسانيد والمتون ولما كَانَ الأمر عَلَى هَذِهِ الشاكلة ، فلابدّ لنا من تفصيل القَوْل في التدليس :

فالتدليس لغة : من الدَّلَسِ – بالتحريك – وَهُوَ اختلاط الظلام ، والتدليس : إخفاء العيب وكتمانه ( ) .

أما في الاصطلاح ، فإن التدليس عندهم يتنوع إلى عدة أنواع :

 

 

الأول : تدليس الإسناد :

وَهُوَ أن يروي الرَّاوِي عمن لقيه ما لَمْ يسمعه مِنْهُ بصيغة محتملة ( ) .

والمراد من الصيغة المحتملة : أن لا يصرح بالسماع أَوْ الإخبار مثل : حَدَّثَنَا ، وأخبرنا ( ) وأنبأنا ، وسمعت ، وَقَالَ لنا ، وإنما يجيء بلفظ يحتمل الاتصال وعدمه ، مثل : إن ، وعن ، وَقَالَ ، وحدّث ، وروى ، وذكر ، لذا لَمْ يقبل الْمُحَدِّثُوْنَ حَدِيْث المدلس ما لَمْ يصرِّح بالسماع ( ) .

 

الثاني: تدليس الشيوخ :

وَهُوَ أن يأتي باسم شيخه أَوْ كنيته عَلَى خلاف المشهور بِهِ تعمية لأمره وتوعيراً للوقوف عَلَى حاله ( ). وهذا النوع حكمه أخف من السابق ، وفي هَذَا النوع تضييع للمروي عَنْهُ وللمروي وتوعير لطريق مَعْرِفَة حالهما . ثُمَّ إن الحال في كراهيته يختلف بحسب الغرض الحامل عَلَيْهِ، إِذْ إن من يدلس هَذَا التدليس قَدْ يحمله كون شيخه الَّذِيْ غيّر سمته غَيْر ثقة، أو أصغر من الرَّاوِي عَنْهُ،أو متأخر الوفاة قَدْ شاركه في السَّمَاع مِنْهُ جَمَاعَة دونه،أو كونه كثير الرِّوَايَة عَنْهُ فلا يحب تكرار شخص عَلَى صورة واحدة( ).

 

 

الثالث: تدليس التسوية ( ):

وَهُوَ أن يروي عَنْ شيخه ، ثُمَّ يسقط ضعيفاً بَيْنَ ثقتين قَدْ سَمِعَ أحدهما من الآخر أو لقيه ، ويرويه بصيغة محتملة بَيْنَ الثقتين ( ) . وممن اشتهر بهذا النوع : الوليد بن مُسْلِم ( ) ، وبقية بن الوليد ( ) . وهذا النوع من التدليس يشترط فِيْهِ  التحديث والإخبار من المدلس إلى آخره ( ) .

 

 

الرابع: تدليس العطف :

وَهُوَ مثل أن يقول الرَّاوِي : حَدَّثَنَا فُلاَن وفلان ، وَهُوَ لَمْ يَسْمَع من الثاني ( ) .

 

الخامس: تدليس السكوت :

وَهُوَ كأن يقول الرَّاوِي: حَدَّثَنَا أَوْ سَمِعْتُ، ثُمَّ يسكت برهة ، ثُمَّ يقول: هشام بن عروة ( ) أو الأعمش ( ) موهماً أنه سَمِعَ منهما ، وليس كذلك ( ) .

السادس: تدليس القطع :

وَهُوَ أن يحذف الصيغة ويقتصر عَلَى قوله مثلاً : الزهري عَنْ أنس ( ) .

السابع: تدليس صيغ الأداء :

وَهُوَ ما يقع من الْمُحَدِّثِيْنَ من التعبير بالتحديث أَوْ الإخبار عَنْ الإجازة موهماً للسماع ، وَلَمْ يَكُنْ تحمله لِذَلِكَ المروي عَنْ طريق السَّمَاع ( ) .

وهذه الأنواع السبعة ليست كلها مشتهرة إنما المشتهر مِنْهَا والشائع الأول والثاني وعند الإطلاق يراد الأول . وهذا القسم هُوَ الَّذِيْ لَهُ دورٌ في الاختلافات الحديثية متوناً وأسانيد ، إِذْ قَدْ يكشف خلال البحث بَعْدَ التنقير والتفتيش عَنْ سقوط رجل من الإسناد وربما كَانَ هَذَا الساقط ضعيفاً أَوْ في حفظه شيءٌ ، أو لَمْ يضبط حديثه هَذَا .

ومن الأمثلة عَلَى ذَلِكَ ما رَوَاهُ ابن حبان ( ) من طريق ابن جريج ( ) ، عَنْ

 

 

نافع( )، عَنْ ابن عمر ، قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله : (( لا تَبُلْ قائماً )) ( ) .

وهذا الإسناد رجاله ثقات إلا أنَّ ابن جريج مدلسٌ ( ) وَقَدْ عنعن هنا وَلَمْ يصرح بسماعه من نافع ، وَهُوَ قَدْ سَمِعَ من نافع أحاديث كثيرة ، فهُوَ معروف بالرواية عَنْهُ ، وروايته عَنْهُ في الكتب الستة ( ). ولكن النقاد ببصيرتهم الناقدة ونظرهم الثاقب كشفوا أنَّ في هَذَا السند واسطة بَيْنَ ابن جريج ونافع ، وأن ابن جريج لَمْ يسمعه من نافع مباشرة، بَلْ سمعه من عَبْد الكريم بن أبي المخارق الضعيف( )، وَقَدْ صرّح ابن جريج في بعض طرق الْحَدِيْث بهذا الساقط ، فبان تدليسه ؛ فَقَدْ رَوَى عَبْد الرزاق( )، ومِنْ طريقه ابن ماجه( )، وأبو عوانة ( )، وابن عدي ( )، وتمام الرازي ( )، والحاكم( )، والبيهقي ( )، عَنْ ابن جريج ، عَنْ عَبْد الكريم بن أبي المخارق ، عَنْ نافع ، بِهِ .

ومن بدائه علم الْحَدِيْث أن حَدِيْث الثقة ليس كله صحيحاً ( ) ، كَمَا أنّ حَدِيْث الضعيف ليس كله ضعيفاً ( ) ، ومعرفة كلا النوعين من أحاديث الفريقين ليس بالأمر اليسير إنما يطلع عَلَى ذَلِكَ الأئمة النقاد الغواصون في أعماق ما يكمن في الروايات من صحة أو خطأ ، لذا فتّش العلماء في حَدِيْث ابن أبي المخارق هل توبع عَلَيْهِ ، أم أخطأ فِيْهِ؟ وخالف الثقات الأثبات أم انفرد ؟ فنجدهُمْ قَدْ صرّحوا بخطأ ابن أبي المخارق لمخالفته الثقات الأثبات في ذَلِكَ ، قَالَ البوصيري ( ) في مصباح الزجاجة – بَعْدَ أن ضعّف حَدِيْث ابن أبي المخارق - : (( عارضه خبر عبيد الله بن عمر العمري ( ) الثقة المأمون المجمع عَلَى ثقته ، ولا يُغتر بتصحيح ابن حِبّان هَذَا الخبر من طريق هشام بن يوسف ( ) ، عَنْ ابن جريج عَنْ نافع ، عَنْ ابن عمر . فإنه قَالَ بعده : أخاف أن يَكُوْن ابن جريج لَمْ يسمعه من نافع ، وَقَدْ صحّ ظنُّه ، فإنّ ابن جريج إمّا سمعه من ابن أبي المخارق كَمَا ثبت في رِوَايَة ابن ماجه هَذِهِ والحاكم في المستدرك واعتذر عَنْ تخريجه أنه إنّما أخرجه في المتابعات )) ( ) .

وَقَالَ الترمذي : (( إنما رفع هَذَا الْحَدِيْث عَبْد الكريم بن أبي المخارق ، وَهُوَ ضعيف عِنْدَ أهل الْحَدِيْث ، ضعّفه أيوب السختياني ( ) وتكلم فِيْهِ . وروى عبيد الله ، عَنْ نافع عَنْ ابن عمر قَالَ : قَالَ عمر : ما بلتُ قائِماً منذُ أسلَمْتُ . وهذا أصح من حَدِيْث عَبْد الكريم )) ( ).

أقول: رِوَايَة عبيد الله الموقوفة أخرجها ابن أبي شيبة ( )، والبزار ( ) في مسنده( ) من طريق عبيد الله بن عمر، عَنْ نافع ، عَنْ ابن عمر ، عَنْ عمر موقوفاً، وَهُوَ الصواب.

ومما يدل عَلَى عدم صحة حَدِيْث ابن أبي المخارق أن الحافظ ابن حجر قَالَ : (( وَلَمْ يثبت عَنْ النَّبِيّ في النهي عَنْه شيء )) ( ).

بَعْدَ هَذَا العرض السريع بان لنا واتضح أن التدليس سبب من أسباب الاختلاف لدى الْمُحَدِّثِيْنَ ؛ إِذْ إنه قَدْ يسفر عَنْ سقوط رجلٍ من الإسناد فيخالف الرَّاوِي غيره من الرُّوَاة .

 

ثامناً. الانشغال عَنْ الْحَدِيْث :

الْحَدِيْث النبوي الشريف أحد المراجع الرئيسة للفقه الإسلامي ، لذا كَانَ علم الْحَدِيْث رِوَايَة ودراية من أشرف العلوم وأجلها ، بَلْ هُوَ أجلها عَلَى الإطلاق بَعْدَ العلم بالقرآن الكريم الَّذِيْ هُوَ أصل الدين ومنبع الطريق المستقيم ، فالحديث هُوَ المصدر الثاني للتشريع الإسلامي ، بعضه يستقل بالتشريع ، وكثيرٌ مِنْهُ شارح لكتاب الله تَعَالَى مبينٌ لما جاء فِيْهِ  . قَالَ تعالى وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( ) من هَذَا أدرك المسلمون أهمية الْحَدِيْث النبوي الشريف فعانوا ما عانوا من أجل حفظ الْحَدِيْث النبوي الشريف، فتخلوا عَنْ كُلّ شيء أمام هَذَا الهدف العزيز الغالي، وَهُوَ حَدِيْث النَّبِيّ قَالَ تَعَالَى: النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ( ). وللحرص الشديد عَلَى حفظ السنة، اهتمَّ المسلمون بمذاكرة الْحَدِيْث ومدارسته من أجل حفظه وضبطه وإتقانه ، فكان الْمُحَدِّثُوْنَ يكتبون بالنهار ويعارضون( ) بالليل ويحفظون بالنهار ويتذاكرون بالليل. وهكذا شأن الْمُحَدِّثِيْنَ ، ومن لَمْ يَكُنْ كذلك فلا يسمى من أهل الْحَدِيْث ، وأسند الإمام مُسْلِم في مقدمة صحيحه ( ) عَنْ أبي الزناد ( ) قَالَ : (( أدركت بالمدينة مئة ، كلهم مأمونون ما يؤخذ عَنْهُمْ الْحَدِيْث يقال : ليس من أهله )) ( ) .

وَقَالَ مالك بن أنس ( ) : (( أدركت مشايخ بالمدينة أبناء سبعين وثمانين لا يؤخذ عَنْهُمْ ، ويقدم ابن شهاب وَهُوَ دونهم في السن فتزدحم الناس عَلَيْهِ )) ( ) .

وهناك أمور جعلت عدداً من جهابذة الْمُحَدِّثِيْنَ لا يأخذون عَنْ عدد كبير من الرُّوَاة هي أن هؤلاء الرُّوَاة كانوا يتشاغلون عَنْ الْحَدِيْث . والتشاغل عَنْ الْحَدِيْث مدعاة لعدم ضبط الْحَدِيْث وعدم إتقانه وربما كَانَ مآل ذَلِكَ إلى دخول بعض الوهم والعلل والاختلافات ؛ لأن المذاكرة والمراجعة يعينان عَلَى ضبط الْحَدِيْث وإتقانه . والانشغال في بعض الأمور ربما يحول دون المذاكرة والمراجعة مِمَّا يؤدي إلى عدم ضبط الروايات. ومن تِلْكَ الأمور :

 

أ. ولاية القضاء :

إنّ ولاية القضاء من الأمور الدينية المهمة، والمجتمع الإسلامي بحاجة لازمة إلى هَذَا المنصب قَالَ تَعَالَى : وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ ( ) . ولمكانة هَذِهِ الوظيفة في الإسلام وأهميتها البالغة فالأمر يستدعي من القاضي توفيراً واسعاً لمزيدٍ من الوقت ، وتهيئة جوٍّ ملائم للقضاء ؛ لأن القضاء مسؤولية دينية ودنيوية ، وَقَدْ قَالَ : (( مَنْ وُلِّيَ القَضَاءَ ، أو جُعِلَ قاضِياً بَيْنَ النَّاسِ فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيرِ سِكِّين )) ( ) . إذن فهذه المسؤولية تستدعي تفرغاً وتفكُّراً ومراجعة ، والحديث النبوي يحتاج كَذَلِكَ إِلَى تفرُّغٍ نِسبِيٍّ للمراجعة والمذاكرة من أجل الحِفَاظ عَلَى الضبط . وَقَدْ وجدنا حِيْنَ استقرأنا حال كَثِيْر من الرُّوَاة الَّذِيْنَ ولوا القضاء أنهم قَدْ خفّ ضبطهم لانشغالهم بهذا المنصب الوظيفي ، ومن أولئك : شريك بن عَبْد الله النخعي الْقَاضِي ، حدّد ابن حِبّان تَخليطه بَعْدَ عام خمسين ومئة حِيْنَ تولى قضاء الكُوفَةِ ( ) . وكذلك مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان بن أبي ليلى ( ) قَالَ أبو حاتم الرازي : (( شغل بالقضاء فساء حفظه )) ( ) .

 

ب. الاشتغال بالفقه :

الفقه الإسلامي يمثل الشريعة الإسلامية الغراء وذلك لما احتواه من الأصول العظيمة الَّتِيْ تصلح لكل زمان ومكان ، والفقه الإسلامي واسع في أصوله وفروعه . ومن يشتغل بهذا العلم العظيم يحتاج إلى خلفيات بعدة علوم . وهذا يستدعي وقتاً واسعاً وتفرغاً كبيراً، ومن كَانَ الفقه أكبر همه ربما قصَّر في ضبط بعض أحاديثه ؛ لأن ذَلِكَ ربما شغله عَنْ مراجعة حديثه. وكثير من الَّذِيْنَ يشتغلون بعلم من العلوم ويستفرغون العمر في تخصصهم يَكُوْن ذَلِكَ مدعاة للتقصير بالعلوم الأخرى .

وَقَدْ وجدنا بعض جهابذة الْحَدِيْث تَكَلَّمَ في بعض الرُّوَاة لِقَصْرِ تهممهم ( ) عَلَى الفقه ، ومن أولئك حماد بن أبي سليمان ( ) من كبار الفقهاء وشيخ أبي حَنِيْفَة النعمان ( ) قَالَ عَنْهُ أبو إسحاق الشيباني( ): (( ما رأيت أحداً أفقه من حماد )) ( ). ومع هَذَا فَقَدْ نقل عَبْد الرحمان بن أبي حاتم ( ) عَنْ أمير المؤمنين في الْحَدِيْث شعبة بن الحجاج قوله: (( كَانَ حماد – يعني : ابن أبي سليمان – لا يحفظ )) . ثُمَّ عقّب ابن أَبِي حاتم عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ:

(( يعني : إن الغالب عَلَيْهِ الفقه وإنه لَمْ يرزق حفظ الآثار )) ( ) . وَقَالَ أبو حاتم : (( هُوَ صدوق ولا يحتج بحديثه ، هُوَ مستقيم في الفقه ، وإذا جاء الآثار شوّش )) ( ) .

ومن هنا وضع علماء الجرح والتعديل قواعد في أنّ الفقهاء غَيْر الْمُحَدِّثِيْنَ يغلب عليهم الفقه دون حفظ المتون ، قَالَ ابن رجب الحنبلي : (( الفقهاء المعتنون بالرأي حَتَّى يغلب عليهم الاشتغال بِهِ ، لا يكادون يحفظون الْحَدِيْث كَمَا ينبغي ، ولا يقيمون أسانيده ولا متونه ، ويخطئون في حفظ الأسانيد كثيراً ، ويروون المتون بالمعنى ، ويخالفون الحفاظ في ألفاظه )) ( ) . وابن رجب مسبوق بهذا التنظير فَقَدْ قَالَ ابن حِبّان : (( الفقهاء الغالب عليهم حفظ المتون وأحكامها وأداؤها بالمعنى دون حفظ الأسانيد وأسماء الْمُحَدِّثِيْنَ، فإذا رفع محدث خبراً ، وَكَانَ الغالب عَلَيْهِ الفقه ، لَمْ أقبل رفعه إلا من كتابه ؛ لأنه لا يعلم المسند من المرسل ، ولا الموقوف من المنقطع ، وإنما همته إحكام الْمَتْن فَقَطْ )) ( ) .

 

ج‍. الاشتغال بالعبادة :

سبق لنا أن ذكرنا مراراً أن الْحَدِيْث النبوي يحتاج إلى متابعة ومذاكرةٍ وتكرارٍ من أجل حفظ الروايات وصونها من الخطأ والزيادة والنقص ، وأن ترك ذَلِكَ يؤول في نهاية المطاف إلى عدم ضبط الأحاديث ودخول الوهم والاختلاف فِيْهَا فِيْمَا بعد . ومن الأمور الَّتِيْ حَدَتْ ببعض الْمُحَدِّثِيْنَ للتقصير في ضبط مروياتهم انشغال بعضهم بالعبادة وصرف غالب أوقاتهم بِذَلِكَ دون متابعة ضبط رواياتهم . وَقَدْ أصل ابن رجب في ذَلِكَ قاعدة فَقَالَ : (( الصالحون غَيْر العلماء يغلب عَلَى حديثهم الوهم والغلط )) ( ).

والحافظ ابن رجب إنما أخذ ذَلِكَ من أقوال أئمة هَذَا الشأن العارفين بعلله الغواصين في معانيه وأسراره قَالَ نجم العلماء ( ) مالك بن أنس : (( أدركت بهذا البلد – يعني الْمَدِيْنَة – مشيخة لَهُمْ فضلٌ وصلاحٌ وعبادة يحدِّثون، ما سَمِعْتُ من واحد مِنْهُمْ حديثاً قطُّ، فقيل لَهُ: وَلِمَ يا أبا عَبْد الله ؟ قَالَ: لَمْ يكونوا يعرفون ما يحدِّثون )) ( ). وَقَالَ أَيْضاً : (( لا يؤخذ العلم من أربعة ، ويؤخذ ممن سوى ذَلِكَ ، لا يؤخذ من سفيه مُعلن بالسَفه وإن كَانَ أروى الناس، ولا يؤخذ من كذاب يكذب في أحاديث الناس، إذا جرب ذَلِكَ عَلَيْهِ ، وإن كَانَ لا يُتَّهَمُ أن يكذب عَلَى رَسُوْل الله ، ولا من صاحب هوىً يدعو الناس إلى هواه، ولا من شيخٍ لَهُ فضلٌ وعبادة إذا كَانَ لا يعرف ما يحدّث بِهِ )) ( ) .

وَقَالَ ابن منده ( ) : (( إذا رأيت في حَدِيْث ( فُلاَن الزاهد ) فاغسل يدك مِنْهُ ))( ).

وممن كانت حاله عَلَى ما قدمنا : أبان بن أبي عياش : فيروز البصري ، أبو إسماعيل العبدي ، قَالَ فِيْهِ  الإمام المبجل أحمد بن حَنْبَل : (( متروك )) ( ) .

قَالَ ابن رجب الحنبلي : (( ذكر الترمذي من أهل العبادة المتروكين رجلين : أحدهما أبان بن أبي عياش )) ( ) .

وقَالَ الإمام الترمذي : (( رَوَى عَنْ أبان بن أبي عياش غَيْر واحد من الأئمة ( ) ، وإن كَانَ فِيْهِ من الضعف والغفلة ما وصفه أبو عوانة ( ) وغيره ( ) فلا يغتر برواية الثقات عَنْ الناس ؛ لأنه يروي عَنْ ابن سيرين أنه قَالَ : إن الرجل ليحدِّثني ، فما أتهمه ، ولكن أتهم من فوقه .

وَقَدْ رَوَى غَيْر واحد ( ) عَنْ إبراهيم النخعي عَنْ علقمة عَنْ عَبْد الله بن مسعود : أن النَّبِيّ كَانَ يقنتُ في وتره قَبْلَ الركوع . وروى أبان بن أبي عياش ، إبراهيم النخعي ، عن علقمة ، عن عَبْد الله بن مسعود : (( إن النَّبِيّ كَانَ يقنت في وتره قَبْلَ الركوع )) . هكذا رَوَى سفيان الثوري عَنْ أبان بن أبي عياش ( ) ، وروى بعضهم ( ) عَنْ أبان بن أبي عياش بهذا الإسناد نحو هَذَا ، وزاد فِيْهِ : قَالَ عَبْد الله بن مسعود :

(( أخبرتني أمي أنها باتت عِنْدَ النَّبِيّ فرأت النَّبِيّ قنت في وتره قَبْلَ الركوع )) .

وأبان بن أبي عياش وإن كَانَ قَدْ وصف بالعبادة والاجتهاد ، فهذا حاله في الْحَدِيْث والقوم كانوا أصحاب حفظ ، فرب رجل وإن كَانَ صالحاً لا يقيم الشهادة ولا يحفظها … )) ( ) .

 

 

المبحث الخامس

معرفة الاختلاف ودخوله في علم العلل

 

علم العلل : هُوَ العلم الَّذِيْ ينقد أحاديث الثقات ، وَهُوَ علم برأسه غَيْر الصَّحِيْح والضعيف ( ) ، لذا لَمْ يتكلم فِيْهِ إلا جهابذة العلماء وفحولتهم ، وفي مَعْرِفَة هَذَا العلم أهمية كبيرة ولما كَانَ كُلّ علم يشرف بمدى نفعه ، فإن علم علل الْحَدِيْث من أجلِّ أنواع علم الْحَدِيْث وفن من أهم فنونه ، وَقَدْ أجاد الإمام النووي ( ) وأحسن إِذْ قَالَ : (( ومن أهم أنواع العلوم تحقيق الأحاديث النبويات ، أعني : مَعْرِفَة متونها صحيحها وحسنها وضعيفها، متصلها ومرسلها ومنقطعها ومعضلها ومقلوبها ومشهورها وغريبها وعزيزها ومتواترها وآحادها وأفرادها ، معروفها وشاذها ومنكرها ومعللها وموضوعها ومدرجها وناسخها ومنسوخها )) ( ) .

واهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بمعرفة علم علل الْحَدِيْث من اهتمامهم بالحديث النبوي الشريف ؛ لأنَّهُ المصدر التشريعي الثاني بَعْدَ القرآن الكريم . ومبالغة الْمُحَدِّثِيْنَ بالاهتمام ببيان علل الأحاديث النبوية إنما ذَلِكَ ؛ لأن بمعرفة العلل يعرف كلام النَّبِيّ من غيره وصحيح الْحَدِيْث من ضعيفه وصوابه من خطئه . وعلم العلل ممتد من مرحلة النقد الحديثي الَّذِيْ ابتدأت بواكيره عَلَى أيادي كبار الصَّحَابَة – رضوان الله عليهم أجمعين – إِذْ كانوا يحتاطون في قبول الأخبار ( ) ، ومنهم من كَانَ يستحلف الرَّاوِي ( ) وذلك من أجل تمييز الخطأ والوهم في الْحَدِيْث النبوي ، ثُمَّ اهتم العلماء بِهِ من بَعْدُ لئلا ينسب خطأ أو وهم أَوْ اختلاف إلى السنة المطهرة .

ولعلم العلل مزية خاصة فهو كالميزان لبيان الخطأ والصواب وَالصَّحِيْح من المعوجِّ. وَقَد اعتنى بِهِ العلماء وطلبة العلم قديماً وحديثاً . ولأهمية هَذَا العلم نجد بعض جهابذة العلماء يصرِّحُ بأنّ مَعْرِفَة العلل عنده مقدَّمٌ عَلَى مجرد الرِّوَايَة ، قَالَ الإمام الجهبذ عَبْد الرحمان بن مهدي: (( لإنْ أعرف علة حَدِيْث واحد أحَبُّ إليَّ من أن أستفيد عشرة أحاديث )) ( ).

ومما يدلنا عَلَى أهمية هَذَا العلم وصعوبته أنه من أشد العلوم غموضاً ، فلا يدركه إلا من رزق سعة الرِّوَايَة،وَكَانَ مع ذَلِكَ حاد الذهن ثاقب الفهم دقيق النظر واسع المران.

ومعرفة علل الْحَدِيْث من الأمور الَّتِيْ لا تُنَالُ إلا بِممارسةٍ كبيرةٍ في الإعْلالِ والتضعيف ومعرفة السند الصَّحِيْح من الضعيف والمتصل من المنقطع، فمن أكثر الاشتغال بعلم الْحَدِيْث وحفظ جملة مستكثرة من المتون حَتَّى اختلطت بلحمه ودمه وعرف خفايا المتون والأسانيد ومشكلاتها ؛ استطاع أن يميّز الْحَدِيْث الصَّحِيْح من الْحَدِيْث المعل . وطريقة الباحث في نقده وحكمه عَلَى الأحاديث أن يجمع طرق الْحَدِيْث ويستقصيها من الجوامع والمسانيد والأجزاء ، ويَسْبُرَ ( ) أحوال الرُّوَاة فينظر في اختلافها وفي مقدار حفظهم ومكانتهم من الضبط والإتقان ، وعند ذَلِكَ وبعد النظر في القرائن يقع في نفس الباحث الناقد البصير أنّ الْحَدِيْث معل بإرسال في الموصول أو وصل في المرسل أَوْ المنقطع، أو سقوط رجل بسبب التدليس أو وقف في المرفوع ، أو معارضة بما هُوَ أقوى لا تحتمل التوفيق ، أو دخول حَدِيْث في حَدِيْث أو وهم أو ما أشبه ذَلِكَ من العلل القادحة ، ثُمَّ يغلب عَلَى ظنه ذَلِكَ فيحكم بعدم صحة الْحَدِيْث أَوْ يتردد فِيْهِ  فيتوقف عَنْ الحكم .

من هَذَا العرض يتبين لنا أن رأس علم العلل هُوَ الاختلافات الواقعة في الأسانيد والمتون الَّتِيْ تحيل الْحَدِيْث من حيز الصحة والقبول إلى دائرة الضعف والترك . ودراسة الاختلافات الحديثية داخلة في دراسة علم علل الْحَدِيْث الَّذِيْ هُوَ علم برأسه .

 

 

المبحث السادس

أهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد

 

إذا كَانَ كُلّ علم يستمد شرفه من مدى نفعه -كَمَا قررناه آنفاً-،فإن العلم بمعرفة الاختلافات الَّتِيْ تقع في المتون والأسانيد لَهُ أهمية كبيرة ؛ لأن علم الْحَدِيْث من أشرف العلوم الشرعية ، ومعرفة الاختلافات لها أثر كبير في تمييز الْحَدِيْث الصَّحِيْح من السقيم .

ثُمَّ إن الَّذِيْ يزيد هَذَا الفن أهمية أنه من أشد العلوم غموضاً ، فلا يدركه إلا من رزق سعة الرِّوَايَة ، وَكَانَ مع ذَلِكَ حاد الذهن ثاقب الفهم دقيق النظر واسع المران كَمَا تقدم . ومعرفة الاختلافات والترجيح بينها من الأمور الَّتِيْ لا تنال إلا بممارسة كبيرة في الإعلال والتضعيف ومعرفة السند الصَّحِيْح من الضعيف ، فَمَنْ أَكْثَرَ الاشتغال بعلم الْحَدِيْث وحفظ جملة مستكثرة من المتون وعرف خفايا المتون والأسانيد ومشكلاتها استطاع أن يميز الْحَدِيْث الصَّحِيْح من الْحَدِيْث المختلف فِيْهِ، لذا قَالَ الربيع بن خُثَيْم ( ): (( إن للحديث ضوءاً كضوء النهار تعرفه وظلمة كظلمة الليل تنكره )) ( ) .

ومعرفة العلل واختلافات المتون والأسانيد هِيَ لُبُّ القضايا في علوم الْحَدِيْث وأدقها وأغمضها ، وَقَدْ قعّد الْمُحَدِّثُوْنَ النقاد القواعد لتنقية الأحاديث النبوية وحفظها من أوهام الناقلين وأخطائهم . ومصدر اختلاف المتون والأسانيد يبقى خفياً غامضاً لا يكشفه إلا من جمع بَيْنَ الحفظ والفهم والمعرفة . ومعرفة الاختلافات في المتون والأسانيد أمر خفيٌّ غامض لا يصل إِلَيْهِ نظر الباحث إلا بالغربلة والدراسة المعمقة مع رصيد كبير من الممارسة الحديثية . ثُمَّ إنّ الخبرة وطول المذاكرة وزيادة الحفظ والملكة القوية ، وجمع الأبواب والتمرّس المستمر في ذَلِكَ هُوَ الَّذِيْ جعل الأئمة النقاد يعرفون الاختلافات بالنظر إِلَيْهَا لمخالفتها ما لديهم من صواب في المتون والأسانيد .

ثُمَّ إنّ عَلَى طالب الْحَدِيْث قَبْلَ أن يعلَّ حديثاً بالاختلاف أن يجمع طرق الْحَدِيْث ويستقصيها من المصنفات والجوامع والمسانيد والسنن والأجزاء ، ويسبر أحوال الرُّوَاة فينظر في اختلافهم وفي مقدار حفظهم ومكانتهم من الضبط والإتقان ، وعند ذَلِكَ وبعد النظر الشديد في القرائن والمرجحات ويستعين بأقوال الأئمة نقاد الْحَدِيْث وحفاظ الأثر وإشاراتهم ؛ يقع في نفس الباحث الناقد أن الْحَدِيْث معلٌّ بالاختلاف ، كأن يَكُوْن الْحَدِيْث الموصول معلاً بالإرسالِ أَوْ الانقطاع أَوْ يَكُوْن المرفوع معلاً بالوقف ( ) أو أن هناك سقطاً بسبب التدليس ، أو يجد دخول حَدِيْث في حَدِيْث أو يجد وهم واهمٍ أو ما أشبه ذَلِكَ من العلل القادحة .

والنظر العميق في التعرف عَلَى الاختلافات في المتون والأسانيد لَهُ أهمية بالغة للفقيه فضلاً عَنْ المحدِّث؛ لأن الفقيه لا يستطيع أن يعرف صحة الْحَدِيْث من عدمها حَتَّى يقر في نفسه ويعتقد أنّ هَذَا الْحَدِيْث خالٍ من الخلل والوهم بسبب الاختلافات. والنظر والتنقير في الترجيح بَيْنَ الاختلافات عَلَى حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالحديث تعطي الفقيه والمحدّث مَعْرِفَة هل أنّ الْحَدِيْث صالح للاحتجاج والعمل أم لا ؟

إنّ جهابذة الْحَدِيْث ونقاده وصيارفته وأفذاذه حثوا عَلَى مَعْرِفَة الاختلافات ، فَقَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل – يرحمه الله – : (( إن العالم إذا لَمْ يعرف الصَّحِيْح والسقيم ، والناسخ والمنسوخ من الْحَدِيْث لا يسمى عالماً )) ( ) .

وَقَالَ قتادة ( ) : (( من لَمْ يعرف الاختلاف لَمْ يشم أنفه الفقه )) ( ) .

وَقَالَ سعيد بن أبي عروبة ( ) : (( من لَمْ يَسْمَع الاختلاف فلا تعدوه عالماً )) ( ) .

وَقَالَ عطاء بن أَبِي رباح ( ) : (( لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حَتَّى يَكُوْن عالماً باختلاف الناس )) ( ) .

هذا وغيره من أقوال الأئمة النقاد في حثهم عَلَى تعلّم الاختلافات ودراستها حَتَّى يخرج طالب العلم فقيهاً محدّثاً ، وَقَدْ أدرك الصدر الأول من أهل العلم أهمية ذَلِكَ للفقيه والمحدِّث ، وأنَّ الفقه والحديث صنوان لا ينفكان وتوأمانِ مُتلازمان لا غِنَى لأحدهما عَنْ الآخر ، ومَنْ كَلَّ في أحدهما خيف عَلَيْهِ السقط في الآخر وَلَمْ يُؤْمَن عَلَيْهِ من الغلط، بَلْ ربما كَانَ مدعاة للوهم والإيهام . ونجد السابقين من العلماء حثوا عَلَى تعلم العلمين، نقل الكتاني ( ) في " نظم المتناثر" ( ) عَنْ سفيان الثوري ( ) وسفيان بن عيينة وعبد الله بن سنان ( ) قالوا : (( لَوْ كَانَ أحدنا قاضياً لضربنا بالجريد ( ) فقيهاً لا يتعلم الْحَدِيْث ومحدّثاً لا يتعلم الفقه )).

وَقَدْ نبّه الْحَاكِم النيسابوري عَلَى أن علم الفقه أحد العلوم المتفرعة من علم الْحَدِيْث ، فَقَدْ قَالَ : (( مِنْ علم الْحَدِيْث مَعْرِفَة فقه الْحَدِيْث ، إِذْ هُوَ ثمرة هَذِهِ العلوم ، وبه قوام الشريعة ، فأما فقهاء الإسلام أصحاب القياس والرأي والاستنباط والجدل والنظر فمعروفون في كُلّ عصر وأهل كُلّ بلد ، ونحن ذاكرون بمشيئة الله في هَذَا الموضع فقه الْحَدِيْث عَنْ أهله ليستدل بِذَلِكَ عَلَى أن أهل هَذِهِ الصنعة من تبحر فِيْهَا لا يجهل فقه الْحَدِيْث ، إِذْ هُوَ نوع من أنواع هَذَا العلم )) ( ) .

ثُمَّ إنا نلاحظ أن العلماء من أهل الفقه والحديث قَدْ ألّفوا كتباً جامعة تناولوا فِيْهَا الاختلافات فأبدعوا فِيْهَا ؛ لذا نجد أن الإمام الشَّافِعِيّ ألّف في اختلاف الْحَدِيْث ( ) ، ثُمَّ تبعه ابن قتيبة ( ) ، وأبو يَحْيَى زكريا بن يَحْيَى الساجي ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن الجوزي ( ). وهذه الكتب تضم اختلافات المتون والأسانيد ،وَهِيَ دراسات علمية جادة قل نظيرها تدلنا عَلَى اهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بالجانبين الفقهي والحديثي والتعرف عَلَى الاختلافات لذين العِلْمَين تعصم صاحبها من الزلل وتقيه من الوهم .

 

المبحث السابع

الكشف عن الاختلاف

الكشف عن الاختلافات الحديثية الواقعة في الأسانيد والمتون ليس بالأمر الهيّن اليسير ، بَلْ هُوَ أمر شاق للغاية ، ولا يتمكن لَهُ إلا من رزقه الله فهماً واسعاً واطلاعاً كبيراً . ومعرفة الاختلافات الواقعة في المتون والأسانيد لا يمكن الوصول إليها إلا بجمع الطرق والنظر فِيْهَا مع الْمَعْرِفَة التامة بالرواة والشيوخ والتلاميذ ، وكيفية تلقي التلاميذ من الشيوخ والأحوال والوقائع وطرق التحمل وكيفية الأداء من أجل مَعْرِفَة الخطأ من الصواب وكيفية وقوع الخلل والخطأ في الرِّوَايَة . وهذا يستدعي جهداً جهيداً ، قَالَ الحافظ ابن حجر : (( هَذَا الفن أغمض أنواع الْحَدِيْث وأدقها مسلكاً ، ولا يقوم بِهِ إلا مَنْ منحه الله تَعَالَى فهماً غائصاً ، واطلاعاً حاوياً وإدراكاً لمراتب الرواة ومعرفة

ثاقبة )) ( ) .

وَقَالَ ابن رجب الحنبلي : (( حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث ، ومعرفتهم بالرجال وأحاديث كُلّ واحد مِنْهُمْ ، لَهُمْ فهم خاص يفهمون بِهِ أن هَذَا الْحَدِيْث يشبه حَدِيْث فُلاَن ، ولا يشبه حَدِيْث فُلاَن فيعللون الأحاديث بِذَلِكَ )) ( ) .

ويشترط فيمن يتكلم في العلل ويكشف عن اختلافات المتون والأسانيد أن يَكُوْن ملماً بالروايات مطلاعاً للكتب واسع البحث كثير التفتيش ، لذا قَالَ ابن رجب الحنبلي : (( ولابدَّ في هَذَا العلم من طول الممارسة ، وكثرة المذاكرة ، فإذا عدم المذاكرة بِهِ فليكثر طالبه المطالعة في كلام الأئمة العارفين كيحيى القطان ، ومن تلقى عَنْهُ كأحمد وابن المديني( ) وغيرهما ، فمن رزق مطالعة ذَلِكَ ، وفهمه وفقهت نفسه فِيْهِ وصارت لَهُ فِيْهِ  قوة نفس وملكة ، صلح لَهُ أن يتكلم فِيْهِ  )) ( ) .ويشترط فيمن يريد الكشف عن الاختلافات الحديثية أن يعرف الأسانيد الصحيحة والواهية . والثقات الذِيْن ضعفوا في بعض شيوخهم ، والثقات الَّذِيْنَ تقوّى أحاديثهم بروايتهم عن بعض الشيوخ ؛ لأنه مدار الترجيح وبه يعرف تعيين الخطأ من الصَّحِيْح .

وبالإمكان تنظير نقاط ندرك من خلالها الاختلافات سواء أكانت في المتون أم في الأسانيد ، يستطاع من خلالها كشف الوهم والاختلافات ، وكيفية التعامل مع ذَلِكَ تصحيحاً أَوْ تضعيفاً وكما يأتي :

 

أولاً. مَعْرِفَة من يدور عَلَيْهِ الإسناد من الرُّوَاة ( ) :

إنّ مَعْرِفَة من يدور عليهم الإسناد من الرُّوَاة المكثرين الَّذِيْنَ يكثر تلامذتهم وتتعدد مدارسهم الحديثية ، فِيْهِ فائدة عظيمة لناقد الْحَدِيْث الَّذِيْ من همه مَعْرِفَة الاختلافات وكيفية التوفيق بينها ؛ لأن هَذَا يعطي صورة واضحة للأسانيد الشاذة أَوْ المنكرة ، واختلاف الناقلين عن ذَلِكَ المصدر .

وإنا نجد علماء الْحَدِيْث الأجلاء يهتمون بهذا أيما اهتمام ، فَقَدْ سأل عَبْد الله بن الإمام أحمد ( ) أباه : (( أيما أثبت أصحاب الأعمش ؟ فَقَالَ: سفيان الثوري أحبهم إليَّ ، قلت لَهُ : ثُمَّ من ؟ فَقَالَ : أبو معاوية ( ) في الكثرة والعلم – يعني : عالماً بالأعمش – قلت لَهُ : أيما أثبت أصحاب الزهري ؟ فَقَالَ : لكل واحد مِنْهُمْ علة إلا أن يونس ( ) وعقيلاً ( ) يؤديان الألفاظ وشعيب بن أبي حمزة ( )، وليس هم مثل معمر ، معمر يقاربهم في الإسناد . قلت : فمالك ؟ قَالَ : مالك أثبت في كُلّ شيء … )) ( ) .

وَقَدْ اهتم الإمام عَلِيّ بن المديني بهذا الباب ، فذكر في علله من يدور عَلَيْهِمْ الإسناد ( )، وبهذا الاهتمام البالغ استطاع العلماء مَعْرِفَة من يدور عليهم الإسناد ، ومَنْ أَكْثَر الناسِ عَنْهُمْ جمعاً ورواية ، وَقَدْ طبقوا هَذَا المنهج عَلَى كافة الرُّوَاة حَتَّى تعرَّفوا عَلَى أوثق الناس فِيْهِ وأدناهم به ، كَمَا ثبَّتوا حماد بن سلمة ( ) في ثابت البناني ( )، وهشام بن حسان ( ) في ابن سيرين ( ) . وهذه الأمور تعين الناقد عَلَى مَعْرِفَة الاختلافات ، ثُمَّ كيفية الترجيح والتوفيق بَيْنَ الروايات .

ثانياً. مَعْرِفَة الرُّوَاة ( ) :

وهذه النقطة تتفرع إلى صور :

أ. مَعْرِفَة وفيات الرُّوَاة ومواليدهم : وهذه الصورة لها خصيصة كبيرة ؛ إِذْ بمعرفة الولادة والوفاة تتضح صورة اتصال التلميذ بالشيخ ، وإمكانية المعاصرة من عدمها .

ب. مَعْرِفَة أوطان الرُّوَاة : وهذه الصورة لها أَيْضاً خصيصة عالية إذ إن بعض الرُّوَاة ضُعِّفُوا في روايتهم عن بعض أصحاب المدن خاصة كَمَا في إسماعيل بن عياش فهو غاية في الشاميين ( )، مخلط عن المدنيين ( ) ، وَقَالَ الْحَاكِم في " مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث " ( ) : (( الكوفيون إذا رووا عن المدنيين زلقوا )) .

ج‍. مَعْرِفَة شيوخ وتلاميذ الرُّوَاة ( ) : وهذه الصورة لها أهمية بالغة ؛ إذ بِهَا يعرف السند المتصل من المنقطع من المدلس.ويستطاع من خلال ذَلِكَ التمييز بَيْنَ المجملين( )في السند.

د. مَعْرِفَة السابق واللاحق من الرُّوَاة ( ) : وحقيقته مَعْرِفَة من اشترك في الرِّوَايَة عَنْهُ راويان متقدم ومتأخر تباين وقت وفاتيهما تبايناً شديداً فحصل بينهما أمد بعيدٌ ، وإن كَانَ المتأخر منهما غَيْر معدود من معاصري الأول وذوي طبقته ( ) . ومعرفة هَذَا النوع من علوم الْحَدِيْث لَهُ أهمية كبيرة حَتَّى لا يظن انقطاع ما ليس بمنقطع ولا يجعل الصواب خطأً .

ه‍. مَعْرِفَة الثقات ودرجاتهم ومراتبهم وضبطهم وأيهم الَّذِيْ يقدم عِنْدَ الاختلاف ( ) : وهذا الأمر مهم للغاية ومن خلاله يتم الترجيح بَيْنَ الرُّوَاة .

و. مَعْرِفَة المتشابه من الأسماء وكذا الكنى : وهذا الأمر لَهُ أهمية بالغة في مَعْرِفَة الاختلافات . ومن خلال مَعْرِفَة المتشابه يتنبه الناقد إلى عدم الخلط بَيْنَ الرُّوَاة إِذْ قَدْ تتفق الأسماء ويختلف الشخص وعدم الْمَعْرِفَة والتمييز يؤدي إلى الخلط .

ز. لابد من مَعْرِفَة من اشتهر بالتدليس من الرُّوَاة : وكذلك من يرسل ، وكذا من ضعِّف حديثه لآفة صحية أَوْ تَغَيَّرَ أَوْ اختلط ( ) .

 

ثالثا. جمع الأبواب ( ) :

لا يمكن للبصير الناقد أن يكشف عن الاختلافات ويقارن بينها إلا بَعْدَ جمع طرق حَدِيْث الباب والموازنة والمقارنة والنظر الثاقب ، قَالَ علي بن المديني : (( الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه )) ( ).

 

المبحث الثامن

الاختلاف القادح والاختلاف غَيْر القادح

مِمَّا لا شك فِيْهِ  أن الاختلاف غَيْر القادح لا عبرة بِهِ ولا أثر لَهُ عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ ، ونحن حينما عنينا بدراسة هَذِهِ الاختلافات في الأسانيد والمتون إنما قصدنا القادح مِنْهَا . واختلاف الرُّوَاة في أمر لا تناقض فِيْهِ  لا يضر لأنه اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد .

إِذْ قَدْ يَكُوْن الاختلاف بَيْنَ طريقين أحدهما قوي والآخر ضعيف فمثل هَذَا الاختلاف لا يقدح ؛ لأن الرِّوَايَة الصحيحة لا تقدح بِهَا الرِّوَايَة الضعيفة ولا تؤثر . وكذلك قَدْ يَكُوْن هناك اختلاف في الظاهر لَكِنْ يمكن الجمع بينهما ؛ بحيث يمكن أن يَكُوْن المتكلم معبراً باللفظين الواردين عن معنى واحد ، فلا إشكال أَيْضاً . مثل : أن يَكُوْن في أحد الوجهين قَدْ قَالَ الرَّاوِي : (( عن رجل )) ، وفي الوجه الآخر سمى هَذَا الرجل .

ويمكن أن يَكُوْن ذَلِكَ المسمى هُوَ ذَلِكَ المبهم ، فلا تعارض . أما إذا سمى الرَّاوِي باسم معين في رِوَايَة ، ويسميه باسم آخر في رِوَايَة أخرى فهذا محل توقف ونظر ، إِذْ يتعارض فِيْهِ أمران :

أحدهما : أنه يجوز أن يَكُوْن الْحَدِيْث عن الرجلين معاً .

والثاني : أن يغلب عَلَى الظن أن الرَّاوِي واحد اختلف فِيْهِ . فهاهنا لا يخلو أن يَكُوْن الرجلان معاً ثقتين أو لا .

فإن كانا ثقتين فعلى رأي جَمَاعَة لا يضر هَذَا الاختلاف ؛ لأنه إن كَانَ الْحَدِيْث عن هَذَا المعين فهو عدل ، وإن كَانَ عن الآخر فهو عدل ، فكيف انقلب الْحَدِيْث فإلى عدل فلا يضر هَذَا الاختلاف . بينما يرى جهابذة الْمُحَدِّثِيْنَ أن هَذَا قادح في الرِّوَايَة إِذْ إنه يدل عَلَى عدم ضبط راويه لَهُ . والضبط شرط لصحة الْحَدِيْث . وهذا إنما يتجه إذا كَانَ لا دليل لنا عَلَى أنَّّ الْحَدِيْث عَنْهُمَا جميعاً . أما إن دلَّ دليل فلا اختلاف مثل أن يروي إنسان حديثاً عن رجل تارة ، ويروي ذَلِكَ الْحَدِيْث عن آخر تارة ثُمَّ يرويه عَنْهُمَا معاً في مرة ثالثة .

وأما إن كَانَ أحد الراويين ضعيفاً فَقَدْ تردد الحال بَيْنَ أن يَكُوْن عن القوي أَوْ عن الضعيف أَوْ عَنْهُمَا . وَهُوَ عَلَى أحد هَذِهِ التقديرات غَيْر حجة ، ثُمَّ إن هَذَا يشترط فِيْهِ  أن لا يَكُوْن الطريقان مختلفين بَلْ يكونان عن رجل واحد . ومع ذَلِكَ فيجوز أن يَكُوْن رَوَاهُ عَنْهُمَا جميعاً ( ) .

وَقَدْ أشار الحافظ السيوطي ( ) في " التدريب " ( ) إلى بعض الاختلافات غَيْر القادحة بصحة الْحَدِيْث عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ ، قَالَ: (( فمن ذَلِكَ أنهما أخرجا قصة جمل جابر من طرق، وفيها اختلاف كثير في مقدار الثمن ، وفي اشتراط ركوبه . وَقَدْ رجّح البخاري الطرق الَّتِيْ فِيْهَا الاشتراط عَلَى غيرها مع تخريج الأمرين ، ورجح أَيْضاً كون الثمن أوقية ( ) مع تخريجه ما يخالف ذَلِكَ )) .

قلت : والاختلاف في ثمن البعير أنه جاء بأوقية وفي رِوَايَة بأربعة دنانير ، وَهُوَ يَكُوْن بأوقية عَلَى حساب الدينار بعشرة دراهم . وفي رِوَايَة أوقية ذهب ، وفي رِوَايَة ومئتي درهم ، وفي رِوَايَة أربع أواقٍ ، وفي رِوَايَة بعشرين ديناراً . وَقَدْ خرّجها البخاري جميعها ( ) ورجّح أنه بأوقية ، قَالَ البخاري : (( وقول الشعبي ( ) بأوقية أكثر الاشتراط : أكثر وأصح عندي )) ( ) . وَقَدْ فسّر الحافظ ابن حجر ذَلِكَ بقوله : (( أي أكثر طرقاً وأصح مخرجاً )) ( ) ، ثُمَّ قَالَ : (( وما جنح إِلَيْهِ المصنف من ترجيح رِوَايَة الاشتراط هُوَ الجاري عَلَى طريقة المحققين من أهل الْحَدِيْث لأنهم لا يتوقفون عن تصحيح الْمَتْن إذا وقع فِيْهِ  الاختلاف إلا إذا تكافأت الروايات ، وَهُوَ شرط الاضطراب الَّذِيْ يرد بِهِ الخبر ، وَهُوَ مفقود هنا مع إمكان الترجيح )) ( ) .

الفصل الأول

الاختلاف في السند

 

وفيه تمهيد ، ومبحثان :

التمهيد : في تعريف الإسناد لغة واصطلاحاً ، وأهمية الإسناد .

والمبحثان :

المبحث الأول : أثر التدليس في اختلاف الْحَدِيْث ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث الثاني : أثر التفرد في اختلاف الْحَدِيْث ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

 

 

 

 

 

تمهيد

تعريف الإسناد لغةً واصطلاحاً :

أ. تعريف السند والإسناد لغة :

السند في اللغة : يطلق عَلَى عدة معانٍ ، أشهرها : ما قابلك من الجبل ، وعلا عن السفح، والمُعْتَمَدُ: وَهُوَ كلُّ ما يُسْنَدُ إِلَيْهِ ويُعتَمَدُ عَلَيْهِ من حائطٍ وغيره ، يقال : فلانٌ سَنَدٌ أي: مُعتَمَدٌ( ) . قَالَ بدر الدين بن جَمَاعَة( ) : (( وَهُوَ مأخوذ ، إمّا من السند وَهُوَ ما ارتفع وعلا عن سفح الجبل؛لأن المُسْنِدَ يرفعه إِلَى قائله،أَوْ من قولهم:فلانٌ سندٌ أي : معتمدٌ ، فسُمِّي الإخبار عن طريق الْمَتْن سنداً لاعتماد الحُفَّاظِ في صحة الْحَدِيْث وضعفه عَلَيْهِ )) ( ).

قَالَ الزركشي : (( هُوَ مأخوذ من السند ، وَهُوَ ما ارتفع وعلا من سفح الجبل ؛ لأن المسند يرفعه إلى قائله ، ويجوز أن يَكُوْن مأخوذاً من قولهم : فُلاَن سندٌ أي : معتمدٌ ، فسُمِّيَ الإخبار عن طريق الْمَتْن سنداً لاعتماد النقاد في الصحة والضعف عَلَيْهِ . وفي "أدب الرِّوَايَة" للحفيد ( ) : (( أسندت الْحَدِيْث أسنده وعزوته أعزوه ، وأعزيه ، والأصل في الحرف راجع إلى المسند وَهُوَ الدهر فيكون معنى إسناد الْحَدِيْث : اتصاله في الرِّوَايَة اتصال أزمنة الدهر بعضها ببعض )) ( ) .

والإسناد مصدر للفعل الثلاثي المزيد : أسند ، من قولهم : أسندت الْحَدِيْث إلى فُلاَن أسنده إسناداً إذا رفعته ( ) .

قَالَ الجوهري ( ) : (( والإسناد في الْحَدِيْث رَفْعُهُ إلى قائله )) ( ) .

 

ب. تعريف السند اصطلاحاً :

السند : هُوَ الإخبار عن طريق الْمَتْن ( ) .

قَالَ السيوطي : (( والحد المذكور للسند ذكره ابن الحاجب ( ) في مختصره ( ) ، قَالَ القاضي تاج الدين السبكي( ) في شرحه: (( وعندي لَوْ قَالَ: طريق الْمَتْن، كَانَ أولى ))( ).

وأما الإسناد : فهو حكاية طريق الْمَتْن ( ) .

والذي يبدو أن السند والإسناد معناهما واحد ، لأنهما متقاربان في معنى الاعتماد عليهما ( ) .

وَقَالَ بدر الدين بن جَمَاعَة : (( الْمُحَدِّثُوْنَ يستعملون السند والإسناد لشيءٍ

واحدٍ )) ( ) .

لَكِن الإسناد أعم من السند ؛ فالإسناد يطلق عَلَى سلسلة الرُّوَاة الموصلة إلى الْمَتْن فيكون بِذَلِكَ مرادفاً للسند ، ويكون بمعنى عزو الْحَدِيْث إلى قائله فهو أعم ( ) .

والخلاصة : المراد بالسند أَوْ الإسناد هنا : هُوَ سلسلة الرُّوَاة الَّذِيْنَ نقلوا الْحَدِيْث واحداً عن الآخر ، حَتَّى يبلغوا بِهِ إلى قائله .

 

أهمية الإسناد :

إنّ الله شرّف هَذِهِ الأمة بشرف الإسناد ، وَمَنَّ عَلَيْهَا بسلسلة الإسناد واتصاله، فهو خصيصة فاضلة لهذه الأمة وليس لغيرها من الأمم السابقة ، وَقَدْ أسند الْخَطِيْب في كتاب " شرف أصحاب الْحَدِيْث " ( ) إلى مُحَمَّد بن حاتم بن المظفر قَالَ : (( إنّ الله أَكْرَمَ هَذِهِ الأمة وشرّفها وفضّلها بالإسناد ، وليس لأحد من الأمم كلها ، قديمهم وحديثهم إسنادٌ ، وإنما هِيَ صحف في أيديهم وَقَدْ خلطوا بكتبهم أخبارهم ، وليس عندهم تمييز بَيْنَ ما نزل من التوراة والإنجيل مِمَّا جاءهم بِهِ أنبياؤهم ، وتمييز بَيْنَ ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار الَّتِيْ أخذوا عن غَيْر الثقات . وهذه الأمة إنما تنُصّ الْحَدِيْث من الثقة المعروف في زمانه المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حَتَّى تتناهى أخبارهم ، ثُمَّ يبحثون أشد البحث حَتَّى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ ، والأضبط فالأضبط والأطول مجالسةً

لِمَنْ فوقه ممن كَانَ أقل مجالسةً . ثُمَّ يكتبون الْحَدِيْث من عشرين وجهاً وأكثر حَتَّى يهذبوه من الغلط والزلل ويضبطوا حروفه ويعدوه عداً.فهذا من أعظم نعم الله تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الأمة )) .

وَقَالَ أبو علي الجياني ( ) : (( خصّ الله تَعَالَى هَذِهِ الأمة بثلاثة أشياء لَمْ يعطها مَنْ قَبْلَهَا مِنَ الأمم : الإسناد ، والأنساب ، والإعراب )) ( ) .

وَقَالَ الْحَاكِم النيسابوري : (( فلولا الإسناد وطلب هَذِهِ الطائفة لَهُ ، وكثرة مواظبتهم عَلَى حفظه لدرس منار الإِسْلاَم ، ولتمكن أهل الإلحاد والبدع فِيْهِ بوضع الأحاديث، وقلب الأسانيد ، فإنَّ الأخبار إذا تعرت عن وجود الأسانيد فِيْهَا كانت  مبتراً، كَمَا حَدَّثَنَا أبو العباس مُحَمَّد بن يعقوب ( )، قَالَ : حَدَّثَنَا العباس بن مُحَمَّد الدوري ( )، قَالَ : حَدَّثَنَا أبو بكر بن أبي الأسود ، قَالَ : حَدَّثَنَا إبراهيم أبو إسحاق الطالقاني ( )، قَالَ: حَدَّثَنَا بقية ، قَالَ حَدَّثَنَا عتبة بن أبي حكيم ( )، أنه كَانَ عِنْدَ إسحاق ابن أبي فروة، وعنده الزهري، قَالَ: فجعل ابن أبي فروة يقول: قَالَ رَسُوْل الله، فَقَالَ لَهُ الزهري : قاتلك الله يا ابن أبي فروة ، ما أجرأك عَلَى الله، ألا ( ) تسند حديثك ؟ تُحَدِّثُنا بأحاديث ليس لها خُطُم ( ) ، ولا أَزِمَّة ( ) )) ( ) .

هكذا أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ – منذ الصدر الأول – ما للإسناد من أهمية بالغة في الصناعة الحديثية ؛ إِذْ هُوَ دعامتها الأساسية ومرتكزها في أبحاث العدالة والضبط .

وكذلك أدرك الْمُحَدِّثُوْنَ أنه لا يمكن نقد الْمَتْن نقداً صحيحاً إلا من طريق البحث في الإسناد ، ومعرفة حلقات الإسناد والرواة النقلة ، فلا صحة لمتن إلا بثبوت إسناده .

وأعظم مثال عَلَى اهتمام المسلمين بالإسناد هُوَ ما ورثوه لنا من التراث الضخم الكبير الهائل ، وما سخروا للإسناد من ثروة علمية في كتب الرجال .

والبحث في الإسناد مهم جداً في علم الْحَدِيْث ، من أجل التوصل إلى مَعْرِفَة الْحَدِيْث الصَّحِيْح من غَيْر الصَّحِيْح ، إِذْ إنّه كلما تزداد الحاجة يشتد نظام المراقبة ، فعندما انتشر الْحَدِيْث بَعْدَ وفاة النَّبِيّ اشتد الاهتمام بنظام الإسناد ، وعندما بدأ السهو والنسيان يظهران كثر الالتجاء إلى مقارنة الروايات ، حَتَّى أصبح هَذَا المنهج مألوفاً معروفاً عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ ؛ إِذْ إنه لا يمكن الوصول إلى النص السليم القويم إلا عن طريق البحث في الإسناد ، والنظر والموازنة والمقارنة فِيْمَا بَيْنَ الروايات والطرق . من هنا ندرك سر اهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ ، إذ جالوا في الآفاق ينقّرون أَوْ يبحثون في إسنادٍ ، أَوْ يقعون عَلَى علة أَوْ متابعة أَوْ مخالفة ، وكتاب " الرحلة في طلب الْحَدِيْث " ( ) للخطيب البغدادي خير شاهد عَلَى ذَلِكَ .

وتداول الإسناد وانتشاره معجزة من المعجزات النبوية ( ) الَّتِيْ أشار إِلَيْهَا المصطفى في قوله : (( تَسْمَعُون ويُسْمَع منكم ويُسْمَع مِمَّنْ يَسْمَع منكم )) ( ).

ثُمَّ إنَّ للإسناد أهمية كبيرة عِنْدَ المسلمين وأثراً بارزاً ؛ وذلك لما للأحاديث النبوية من أهمية بالغة ، إذ إنَّ الْحَدِيْث النبوي الشريف ثاني أدلة أحكام الشرع ، ولولا الإسناد واهتمام الْمُحَدِّثِيْنَ بِهِ لضاعت علينا سنة نبينا ولاختلط بِهَا ما ليس مِنْهَا ، ولما استطعنا التمييز بَيْنَ صحيحها من سقيمها ؛ إذن فغاية دراسة الإسناد والاهتمام بِهِ هِيَ مَعْرِفَة صحة الْحَدِيْث أو ضعفه ، فمدار قبول الْحَدِيْث غالباً عَلَى إسناده ، قَالَ القاضي عياض : (( اعلم أولاً أنّ مدار الْحَدِيْث عَلَى الإسناد فِيْهِ  تتبين صحته ويظهر اتصاله ))( ). وَقَالَ ابن الأثير ( ) : (( اعلم أنّ الإسناد في الْحَدِيْث هُوَ الأصل ، وعليه الاعتماد ، وبه تعرف صحته وسقمه )) ( ) .

وهذا المعنى مقتبس من عبارات المتقدمين .

قَالَ سفيان الثوري : (( الإسناد سلاح المؤمن ، إذا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ سلاح فبأي شيء يقاتل ؟ )) ( ) .

وهذا أمير المؤمنين في الْحَدِيْث شعبة بن الحجاج ( ) يقول : (( إنما يعلم صحة الْحَدِيْث بصحة الإسناد )) ( ) .

وَقَالَ عَبْد الله بن المبارك : (( الإسناد من الدين ، ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء )) ( ).

وعلى هَذَا فالإسناد لابد مِنْهُ من أجل أن لا ينضاف إلى النَّبِيّ ما ليس من قوله. وهنا جعل الْمُحَدِّثُوْنَ الإسناد أصلاً لقبول الْحَدِيْث ؛ فلا يقبل الْحَدِيْث إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ إسناد نظيف ، أوله أسانيد يتحصل من مجموعها الاطمئنان إلى أنّ هَذَا الْحَدِيْث قَدْ صدر عمن ينسب إِلَيْهِ ؛ فهو أعظم وسيلة استعملها الْمُحَدِّثُوْنَ من لدن الصَّحَابَة إلى عهد التدوين كي ينفوا الخبث عن حَدِيْث النَّبِيّ ، ويبعدوا عَنْهُ ما ليس مِنْهُ .

وَقَدْ اهتم الْمُحَدِّثُوْنَ – كَمَا اهتموا بالإسناد – بجمع أسانيد الْحَدِيْث الواحد ، لما لِذَلِكَ من أهمية كبيرة في ميزان النقد الحديثي ؛ فجمع الطرق كفيل ببيان الخطأ ، إذا صدر من بعض الرُّوَاة ، وبذلك يتميز الإسناد الجيد من الرديء ، قَالَ علي بن المديني : (( الباب إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ يتبين خطؤه )) ( ) .

ثُمَّ إنّ لجمع الطرق فائدة أخرى ؛ فيستفاد تفسير النصوص لبعضها ، إِذْ إنّ بعض الرُّوَاة قَدْ يحدث عَلَى المعنى ، أو يروي جزءاً من الْحَدِيْث ، وتأتي البقية في سند آخر ؛ لذا قَالَ الإمام أحمد بن حَنْبَل : (( الْحَدِيْث إذا لَمْ تجمع طرقه لَمْ تفهمه ، والحديث يفسر بعضه بعضاً )) ( ) .

وَقَالَ الحافظ أبو زرعة العراقي ( ) : (( الْحَدِيْث إذا جمعت طرقه تبين المراد مِنْهُ ، وليس لنا أن نتمسك برواية ونترك بقية الروايات )) ( ) .

ويعرف – أَيْضاً – بجمع الطرق : الْحَدِيْث الغريب متناً وإسناداً ، وَهُوَ الَّذِيْ تفرد بِهِ الصَّحَابِيّ أَوْ تفرد بِهِ راوٍ دون الصَّحَابِيّ ، ومن ثَمَّ يعرف هل المتفرد عدل أو مجروح ، فتكرار الأسانيد لَمْ يَكُنْ عبثاً وإنما لَهُ مقاصد وغايات يعلمها المشتغلون بهذه الصنعة . قَالَ الإمام مُسْلِم في ديباجة كتابه " الجامع الصَّحِيْح " : (( وإنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رَسُوْل الله فنقسمها عَلَى ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس عَلَى غَيْر تكرار ، إلا أن يأتي موضع لا أستغني فِيْهِ  عن ترداد حَدِيْث فِيْهِ  زيادة معنى أَوْ إسناد يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك ؛ لأن المعنى الزائد في الْحَدِيْث المحتاج إِلَيْهِ يقوم مقام حَدِيْث تام ، فلابد من إعادة الْحَدِيْث الَّذِيْ فِيْهِ  ما وصفنا من الزيادة ، أو أن يفصل ذَلِكَ المعنى من جملة الْحَدِيْث عَلَى اختصاره إذا أمكن ، ولكن تفصيله ربما عسر من جملته فإعادته بهيأته إذا ضاق ذَلِكَ أسلم )) ( )

إذا تمهد هَذَا فإني سأتحدّث عن الاختلافات الواردة في الإسناد في مبحثين ، وعلى النحو الآتي :

 

المبحث الأول

أثر التدليس في اختلاف الحديث

مَرَّ بنا في الفصل التمهيدي تعريف التدليس لغة ، وأرجأنا القَوْل في تعريفه اصطلاحاً وسأفصل ذَلِكَ عَلَى النحو الآتي :

أولاً : أقسام التدليس .

ثانياً : حكم التدليس ، وحكم من عرف بِهِ .

ثالثاً : حكم الْحَدِيْث المدلس .

رابعاً : أثر التدليس في اختلاف الرُّوَاة ، وأثره في اختلاف الفقهاء .

 

أولاً. أقسام التدليس :

فصّلنا القول فِيْهَا في الفصل التمهيدي في مبحث أسباب نشوء الاختلافات .

 

ثانياً . حكم التدليس ، وحكم من عرف بِهِ :

مضى بنا في الفصل التمهيدي في تعريف التدليس لغة أنّ مجموع معانيه تؤول إلى إخفاء العيب ، وليس من معانيه الكذب ، ومع ذَلِكَ فَقَدْ اختلف العلماء في حكمه وحكم أهله .

فَقَدْ ورد عن بعضهم ومنهم - شعبة - التشديد فِيْهِ  ، فروي عَنْهُ أنه قَالَ :

(( التدليس أخو الكذب )) ( ) ، وَقَالَ أَيْضاً : (( لإنْ أزني أحب إليّ من أن أدلس )) ( ) .

ومنهم من سهّل أمره وتسامح فِيْهِ  كثيراً ، قَالَ أبو بكر البزار : (( التدليس ليس بكذب ، وإنما هُوَ تحسين لظاهر الإسناد )) ( ) .

وَالصَّحِيْح الَّذِيْ عليه الجمهور أنه ليس بكذب يصح به القدح في عدالة الرَّاوِي حَتَّى نرد جميع حديثه، وإنما هُوَ ضَرْبٌ من الإيهام، وعلى هَذَا نصّ الشَّافِعِيّ –رحمه الله– فَقَالَ: ((ومن عرفناه دلّس مرة فَقَدْ أبان لنا عورته في روايته، وليست تِلْكَ العورة بالكذب فنرد بِهَا حديثه،ولا النصيحة في الصدق،فنقبل مِنْهُ ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق))( ).

ويمكن حمل التشدد الوارد عن شعبة عَلَى (( المبالغة في الزجر عَنْهُ والتنفير )) ( ) .

وإذا تقرر هَذَا ، فما حكم حَدِيْث من عرف بِهِ ؟ للعلماء فِيْهِ أربعة مذاهب :

الأول : لا تقبل رِوَايَة المدلس ، سواء صرح بالسماع أم لا ، حكاه ابن الصَّلاَحِ عن فريق من أهل الْحَدِيْث والفقه ( ) ، وهذا مبني عَلَى القَوْل بأنّ التدليس نفسه جرح تسقط بِهِ عدالة من عُرِف بِهِ ( ) . وهذا الَّذِيْ استظهره عَلَى أصول مذهب الإمام مالك القاضي عَبْد الوهاب في الملخص ( ) .

الثاني : قبول رِوَايَة المدلس مطلقاً ، وَهُوَ فرع لمذهب من قَبِلَ المرسل ونقله الْخَطِيْب البغدادي عن جمهور من قَبِلَ المراسيل ( ) ، وحكاه الزركشي عن بعض شارحي أصول البزدوي من الحنفية ( ) . وبنوا هَذَا عَلَى ما بنوا عَلَيْهِ قبول المرسل ؛ من أنّ إضراب الثقة عن ذكر الرَّاوِي تعديل لَهُ ، فإن من مقتضيات ثقته التصريح باسم من روى عَنْهُ إذا كَانَ غَيْر ثقة ( ) .

الثالث : إذا كَانَ الغالب عَلَى تدليسه أن يَكُوْن عن الثقات فهو مقبول كيفما كانت صيغة التحديث ، وإن كَانَ عن غَيْر الثقة هُوَ الغالب رد حديثه حَتَّى يصرح بالسماع ، حكاه الْخَطِيْب عن بعض أهل العلم ( ) ، ونقله الزركشي عن أبي الفتح الأزدي ( ) .

الرابع : التفصيل بَيْنَ أن يروي بصيغة مبينة للسماع، فيقبل حديثه، وبين أن يروي بصيغة محتملة للسماع وغيره فلا يقبل. وهذا الَّذِيْ عَلَيْهِ جمهور أَهْل الْحَدِيْث وغيرهم( ) وصححه جمع ، مِنْهُمْ : الْخَطِيْب البغدادي ( ) وابن الصَّلاَحِ( ) وغيرهما .

 

ثالثاً . حكم الْحَدِيْث المدلس :

لما كَانَ في حَدِيْث المدلس شبهة وجود انقطاع بَيْنَ المدلس ومن عنعن عَنْهُ ، بحيث قَدْ يَكُوْن الساقط شخصاً أو أكثر ، وَقَدْ يَكُوْن ثقة أَوْ ضعيفاً . فلما توافرت هَذِهِ الشبهة اقتضى ذَلِكَ الحكم بضعفه ( ) .

 

رابعاً . أثر التدليس في اختلاف الْحَدِيْث وأثره في اختلاف الفقهاء :

كَانَ التدليس أحد الأسباب الَّتِيْ دفعت بالرواة إلى الاختلاف في أسانيد بعض الأحاديث ، وترتب عَلَى ذَلِكَ تباين في آراء الفقهاء الَّذِيْنَ استدلوا بتلك الأحاديث ، وفيما يأتي بعض المسائل التطبيقية :

 

النموذج الأول :

حَدِيْث بقية بن الوليد، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن الزهري، عن سالم ( )،

 

عن ابن عمر مرفوعاً ( ) : (( من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها ، فَقَدْ أدرك الصلاة )) ( ).

قَالَ أبو بكر بن أبي داود ( ) : (( لَمْ يروه عن يونس إلا بقية )) ( ) .

أقول : بقية مدلس ممن اشتهر بتدليس التسوية ( ) ، وَقَدْ أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث من وجهين :

الأول :

إنه جعل الْحَدِيْث من رِوَايَة الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، ورواه الجمع الغفير من أصحاب الزهري عَنْهُ ، عن أبي سلمة بن عَبْد الرحمان ( ) ، عن أبي هُرَيْرَة ، مرفوعاً ، وهم :

1. مالك بن أنس ، وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ :

يحيى بن يحيى الليثي ( ) .

أبو مصعب الزهري ( ) .

سويد بن سعيد ( ) .

عَبْد الله بن مسلمة القعنبي ( ) .

عَبْد الرحمان بن القاسم ( ) .

مُحَمَّد بن الحسن الشيباني ( ) .

يحيى بن يحيى النيسابوري ( ) .

عَبْد الله بن يوسف التنيسي ( ) .

يحيى بن قزعة ( ) .

قتيبة بن سعيد ( ) .

عَبْد الله بن المبارك ( ) .

عَبْد الله بن وهب ( ) .

الأوزاعي ( ) .

ابن جريج ( ) .

سفيان بن عيينة ( ) .

شعيب بن أبي حمزة ( ) .

عَبْد الرحمان ( ) بن إسحاق ( ) .

عَبْد الوهاب ( ) بن أبي بكر ( ) .

عبيد الله بن عمر العمري ( ) .

قرة ( ) بن عَبْد الرحمان ( ) .

معمر بن راشد ( ) .

يزيد ( ) بن الهاد ( ) .

فهؤلاء أحد عشر نفساً من أصحاب الزهري رووه عَنْهُ ، عَلَى خلاف رِوَايَة بقية ابن الوليد ، عن يونس بن يزيد ، وكثرة الرُّوَاة من القرائن الَّتِيْ ترجح بِهَا الروايات ( ) .

ثُمَّ إنّ بقية خالف الرُّوَاة عن يونس بن يزيد ، فَقَدْ رَوَاهُ عَبْد الله بن المبارك ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هُرَيْرَة ( ) ، بِهِ ( ) .

وتابع ابن المبارك عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة ابن وهب ، عن يونس ( ) .

ورواه مُسْلِم ( ) عن أبي كريب ( ) ، عن ابن المبارك ، عن معمر والأوزاعي ومالك ويونس ؛ أربعتهم مقرونين ، عن الزهري بنحو رِوَايَة الجمع . وتابع أبا كريب عَلَى جمع هؤلاء الأربعة : العباس بن الوليد ( ) النرسي ( ) ، وخالد ( )بن مرداس ( ) .

ورواه ابن ثوبان ( )، عن الزهري ومكحول ( ) مقرونين ، عن أبي سلمة ، عن أبي هُرَيْرَة ، بِهِ ( ) . كرواية الأكثرين .

 

الثاني :

أنه أخطأ في متن الْحَدِيْث فرواه بلفظ : (( من أدرك ركعة من صلاة الجمعة أو غيرها ، فَقَدْ أدرك الصلاة )) .

ولفظ الْحَدِيْث في رِوَايَة الجمع: (( من أدرك ركعة من الصلاة فَقَدْ أدرك الصَّلاَة)) أو نحوه لا ذكر في شيء من ألفاظه للجمعة ، فتبين أنها من وهم بقية ، يؤيده :

كَانَ مذهب الزهري حمل هَذَا الْحَدِيْث المطلق عَلَى صلاة الجمعة ، فيرى أنّ من أدرك من الجمعة ركعة فَقَدْ أدركها ، ورواه عَنْهُ البخاري في القراءة خلف الإمام ( ) بلفظ : ((ونرى لما بلغنا عن رَسُوْل الله أنه من أدرك من الجمعة ركعة واحدة فَقَدْ أدرك)).

ومما يدل عَلَى أنّ لا ذكر للفظ الجمعة في حَدِيْث الزهري هَذَا ، أن البيهقي بَعْدَ أن رَوَى الْحَدِيْث من طريق معمر عن الزهري ، نقل قَوْل الزهري عقبه : (( والجمعة من الصلاة )) . وعقَّب عَلَيْهِ فَقَالَ : (( هَذَا هُوَ الصَّحِيْح ، وَهُوَ رِوَايَة الجماعة عن الزهري، وفي رِوَايَة معمر دلالة عَلَى أنّ لفظ الْحَدِيْث في الصلاة مطلق ، وأنها بعمومها تتناول الجمعة كَمَا تتناول غيرها من الصلوات )) ( ) .

ومن هَذَا يتبين وهم بقية إسناداً ومتناً ، وَقَدْ نص عَلَى هَذَا الإمام أبو حاتم الرازي ، إِذْ سأله ابنه فَقَالَ : (( سألت أبي عن حَدِيْث رَوَاهُ بقية ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري، عن سالم ، عن ابن عمر ( ) ، عن النَّبِيّ قَالَ : (( من أدرك ركعة من الجمعة وغيرها فَقَدْ أدرك الصلاة . فسمعت أبي يقول : هَذَا خطأ إنما هُوَ الزهري ، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة ، عن النَّبِيّ )) ( ) .

وَقَالَ الحافظ ابن حجر : (( إن سَلِمَ من وهم بقية ، ففيه تدليسه التسوية ؛ لأنه عنعن لشيخه )) ( ) .

وَقَالَ ابن أبي حاتم أَيْضاً : (( سألت أبي عن حَدِيْث رَوَاهُ بقية ، عن يونس ، عن الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، عن النَّبِيّ قَالَ : (( من أدرك ركعة من صلاة الجمعة وغيرها فَقَدْ أدرك )). قَالَ أبي : هَذَا خطأ الْمَتْن والإسناد إنما هُوَ : الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هُرَيْرَة، عن النَّبِيّ : (( من أدرك من صلاةٍ ركعة فَقَدْ أدركها ))، وأما قوله : (( من صلاة الجمعة )) فليس هَذَا في الْحَدِيْث ، فوهم في كليهما )) ( ) .

 

 

أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء ( المقدار الَّذِيْ تدرك بِهِ صلاة الجمعة ) :

اختلف الفقهاء في حكم من سبق في صلاة الجمعة عَلَى ثلاثة مذاهب :

الأول:لا تصح الجمعة لِمَنْ لَمْ يدرك شيئاً من خطبة الإمام.وبه قَالَ الهادوية من الزيدية( ).

 

وروي عن عمر ( ) بن الخطاب ( ) ، ومجاهد ( ) ، وعطاء ( )، وطاووس( )، ومكحول ( ) . وحجتهم : أن الإجماع منعقد عَلَى أن الإمام لَوْ لَمْ يخطب بالناس لَمْ يُصلوا إلا أربعاً ، فدل ذَلِكَ عَلَى أن الخطبة جزء من الصلاة ( ) . وهذا الرأي مخالف لصريح السنة كَمَا يأتي .

الثاني : من أدرك الإمام يوم الجمعة في أي جزء من صلاته صلى مَعَهُ ما أدرك وأكمل الجمعة فإنه أدركها ، حَتَّى وإن أدركه في التشهد أَوْ سجود السهو ( ) . وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة  وأبو( ) يوسف ( ) القاضي ( ) . واستدلوا : بأن صلاة الجمعة ركعتان بجماعة ، ومن أدرك الإمام قَبْلَ سلامه فَقَدْ أدرك الجماعة ، غاية ما هناك أنه مسبوق ، والمسبوق يصلي مع الإمام ما أدرك ثُمَّ يتم ما فاته ، وما فاته هنا ركعتان لا أربع ، فلا يجب عَلَيْهِ أن يصلي أكثر مِمَّا أحرم ناوياً صلاته ( ) .

الثالث : ذهب أكثر أهل العلم وجمهور الفقهاء إلى أن من أدرك الركعة الثانية مع الإمام فَقَدْ أدرك الجمعة، وعليه أن يأتي بركعة أخرى بَعْدَ فراغ الإمام ، فإن لَمْ يدرك مِنْهَا ركعة، وذلك بأن أدرك الإمام بَعْدَ أن رفع رأسه من ركوع الركعة الثانية ، فإنه يأتي بَعْدَ فراغ الإمام بأربع ركعات ظهراً ؛ لأنَّهُ لَمْ يدرك الجمعة أصلاً ( ) . وهذا القَوْل مروي عن : ابن مسعود ( ) ، وابن عمر ( ) ، وأنس( )، وسعيد( ) بن المسيب( )، والأسود( ) بن يزيد ( )، والحسن( ) البصري ( )، وعروة( ) ، والنخعي– في إحدى الروايتين عَنْهُ( )  – ، والزهري ( ) ، ومالك ( )، والأوزاعي ( ) ، والثوري ( ) ، وإسحاق ( ) ، وأبي ثور( )، وأحمد ( ) ، وزفر( ) بن الهذيل ( ) ، ومحمد بن الحسن ( ). قَالَ أحمد : (( إذا فاته الركوع صلى أربعاً ، وإذا ترك ركعة صلى إِلَيْهَا أخرى )) ( ) . واستدلوا عَلَى هَذَا بما ورد في بعض طرق هَذَا الْحَدِيْث : (( من صلاة الجمعة )) ، وَقَدْ تبين عدم صحة هَذِهِ الزيادة فِيْمَا مضى ، عَلَى أن لَهُمْ أدلة تفصيلية أخرى سوى هَذَا ترجّح ما ذهبوا إِلَيْهِ .

 

النموذج الثاني :

حَدِيْث هشام بن خالد ( ) ، عن بقية بن الوليد ، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن ابن عَبَّاسٍ ( ) قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله : (( إذا جامع أحدُكم زوجته أو جاريته فلا يَنْظُرْ إلى فَرْجِها ، فإنّ ذَلِكَ يُوْرِثُ العمى )) .

رَوَاهُ من هَذِهِ الطريق ابن أبي حاتم في " العلل "( )، وابن حبان في " المجروحين "( )، وابن عدي في " الكامل " ( ) ، والبيهقي في " السنن الكبرى " ( ) ، وابن عساكر ( ) في " تاريخ دمشق " ( ) .

والحديث هَذَا أورده ابن الجوزي في " الموضوعات " ( ) ، وَقَالَ أبو حاتم – بَعْدَ أن أورده مع حديثين آخرين – : (( هَذِهِ الثلاث الأحاديث موضوعة لا أصل لها ، وَكَانَ بقية يدلس ، فظن هؤلاء أنه يقول في كُلّ حَدِيْث (( حَدَّثَنَا )) وَلَمْ يفتقدوا الخبر مِنْهُ )) ( ).

وَقَالَ ابن حبان : (( يشبه أن يَكُوْن بقية سمعه من إنسان ضعيف عن ابن جريج ، فدلس عَنْهُ ، فالتزق كُلّ ذَلِكَ بِهِ )) ( ) .

وَقَالَ ابن عدي بَعْدَ روايته : (( حدثناه بهذا الإسناد ثلاثة أحاديث أخر مناكير ، وهذه الأحاديث يشبه أن تكون بَيْنَ بقية وابن جريج بعض المجهولين أو بعض الضعفاء ؛ لأن بقية كثيراً ما يدخل بَيْنَ نفسه وبين ابن جريج بعض الضعفاء أو بعض المجهولين ))( ).

فمن هَذَا كله يتضح أن بقية قَدْ دلسه عن بعض الواهين ، أو لربما دلّس مشيخة ابن جريج ، لاسيما وَقَدْ عنعن ابن جريج ، وَهُوَ لا يكاد يدلس إلا عن مطعون فِيْهِ  ( ) .

 

أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء ( نظر الزوج إلى فرج زوجته أو حليلته ) :

اختلف الفقهاء في جواز نظر الزوج إلى فرج زوجته أو ملك يده عَلَى مذهبين :

الأول : يكره للزوج النظر إلى فرج زوجته ، كَمَا يكره للزوجة النظر إلى فرج زوجها ، وإليه ذهب الشافعية ( ) ، والحنابلة ( ) .

الثاني : ذهب جمهور الفقهاء إلى إباحة نظر كُلّ من الزوجين إلى فرج الآخر ، ونظر المالك إلى فرج مملوكته ، ونظر المملوكة إلى فرج مالكها . وبه قَالَ الحنفية ( ) ، والمالكية ( ) ، والظاهرية ( ) .

ومع ذَلِكَ فإن الحنفية قالوا : الأولى عدم النظر ( ) .

 

النموذج الثالث :

حَدِيْث همام بن يحيى( )، عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن أنس ، قَالَ: (( كَانَ النَّبِيّ إذا دخل الخلاء وضع خاتمه )) .

رَوَاهُ أبو داود ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والترمذي ( ) ، والنسائي( ) ، وابن حبان( )، والحاكم ( ) ، والبيهقي ( ) .

قَالَ أبو داود عقب تخريجه لهذا الْحَدِيْث : (( هَذَا حَدِيْث منكر ، وإنما يعرف عن ابن جريج ، عن زياد بن سعد ( ) ، عن الزهري ، عن أنس ، أن النَّبِيّ اتخذ خاتماً من وَرِقٍ ثُمَّ ألقاه ، والوهم فِيْهِ  من همام ، وَلَمْ يروه إلا همام )) ( ) .

والحديث الَّذِيْ عناه أبو داود أخرجه : أحمد ( ) ، ومسلم ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، وابن حبان( ) ، وأبو الشيخ ( )من الطريق الَّتِيْ أشار إِلَيْهَا أبو داود ، عن أنس بألفاظ مختلفة والمعنى واحد : (( أنه أبصر في يد رَسُوْل الله خاتماً من وَرِق يوماً واحداً، فصنع الناس خواتيمهم من وَرِق. قَالَ فطرح رَسُوْل الله خاتمه ، فطرح الناس خواتيمهم )) .

عَلَى أن نسبة الوهم فِيْهِ  إلى همام فِيْهِ  نظر ، وهذا الْحَدِيْث مشتمل عَلَى ما يأتي :

إن توهيم همام في متن الْحَدِيْث وإسناده إنما يتجه فِيْمَا لَوْ صحت دعوى تفرده ومخالفته متناً وإسناداً ، ولكننا نجد أن هماماً متابع عَلَيْهِ متناً وإسناداً ، فَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِم ( ) - ومن طريقه البيهقي ( )- وأخرجه البغوي ( ) من طريق يحيى بن المتوكل البصري( )، عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن أنس ، بِهِ مرفوعاً .

إلا أن البيهقي ضعّف هَذِهِ المتابعة ( ) ، ظناً مِنْهُ أن يحيى هَذَا هُوَ : ابن المتوكل ، يكنى أبا عقيل ، مكثر في الرِّوَايَة عن بُهَيَّة ( ) ، وَهُوَ مدني ، ويقال : كوفي ، ضعفه ابن المديني والنسائي ، وَقَالَ ابن معين : ليس بشيء ، ووهاه أحمد ، وليّنه أبو زرعة ( ) .

وَلَمْ يصب البيهقي في ظنه هَذَا ، فيحيى هَذَا هُوَ آخر باهلي بصري، يكنى أبا بكر، ذكره ابن حبان في ثقاته ( ) ، قَالَ العراقي : (( ولا يقدح فِيْهِ  قَوْل ابن معين : لا أعرفه ، فَقَدْ عرفه غيره ، وروى عَنْهُ نحو من عشرين نفساً )) ( ) .

وَقَالَ ابن حبان: ((وَكَانَ راوياً لابن جريج ))( )، وفرّق هُوَ وابن معين بينهما( ).

فمن هَذَا يظهر أن حال يحيى يصلح للمتابعة والاعتضاد ، لاسيما وَقَدْ نص العلماء عَلَى عدم اشتراط أعلى مراتب الثقة في المُتابِع ( ) . أما قَوْل ابن معين : (( لا أعرفه )) ، فأراد بِهِ غَيْر المتبادر إلى الذهن وَهُوَ جهالة العين ، فَقَدْ عنى جهالة الحال ( ) ولذا قَالَ العراقي – كَمَا نقلناه آنفاً – : (( قَدْ عرفه غيره )) .

وبهذا تظهر صحة متابعة يحيى بن المتوكل لهمام،وعدم صحة دعوى تفرد همام بالمتن والإسناد، فيتجه الحمل – والحالة هَذِهِ – إلى من فوقه وَهُوَ ابن جريج ، وَهُوَ مدلس( ).

والذي يبدو أن الخطأ في هَذَا الْحَدِيْث من ابن جريج ، ولاسيما أن ابن المتوكل وهماماً بصريان ( ) ، وَقَدْ نص العلماء عَلَى أن رِوَايَة البصريين عن ابن جريج فِيْهَا خلل من جهة ابن جريج لا من جهة أهل البصرة ( ) .

وبيانه : أن ابن جريج دلّس للبصريين الواسطة بينه وبين الزهري ، وَهُوَ زياد بن سعد ، وصرّح بِهِ لغيرهم . كَمَا أنه – وعند تحديثه لأهل البصرة – لَمْ يَكُنْ متقناً لحفظ الْمَتْن فأخطأ فِيْهِ  ، لذا قَالَ النسائي عقب تخريجه : (( هَذَا حَدِيْث غَيْر محفوظ )) ( ) .

فانحصر الخطأ في تدليس ابن جريج ، ولهذا نجد الحافظ ابن حجر يقول : (( ولا علة لَهُ عندي إلا تدليس ابن جريج ، فإن وجد عَنْهُ التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي )) ( ) .

ومما يزيدنا يقيناً بكون الخطأ في هَذَا الْحَدِيْث من ابن جريج : أن أكثر الحفاظ عَلَى تضعيف روايته عن الزهري مطلقاً ، فَقَالَ أبو زرعة الرازي : (( أخبرني بعض أصحابنا ، عن قريش بن أنس ( ) ، عن ابن جريج ، قَالَ : ما سَمِعْتُ من الزهري شيئاً ، إنما أعطاني الزهري جزءاً فكتبته وأجازه )) ( ). وَقَالَ يحيى بن سعيد القطان : (( كَانَ ابن جريج لا يصحح أنه سَمِعَ من الزهري شَيْئاً . قَالَ – يعني الفلاس ( ) - فجهدت بِهِ في حَدِيْث

(( إن ناساً من اليهود غزوا مع رَسُوْل الله فأسهم لَهُمْ )) ، فَلَمْ يصحح أنه سَمِعَ من الزهري )) ( ). وَقَالَ ابن معين : (( ليس بشيء في الزهري )) ( ). ونقل ابن محرز عن ابن معين أنه قَالَ : (( كَانَ يحيى بن سعيد لا يوثقه في الزهري )) ( ) .

ومما تجدر الإشارة إِلَيْهِ أن أكثر الحفاظ يرون أن الزهري نفسه أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث، إذ خالف جمهور الرُّوَاة عن أنس في لفظ الْحَدِيْث عَلَى النحو الآتي :

رَوَاهُ ثابت عن أنس بن مالك : (( أن النَّبِيّ صنع خاتماً من وَرِق ، فنقش فِيْهِ : مُحَمَّد رَسُوْل الله ، ثُمَّ قَالَ : لا تنقشوا عَلَيْهِ )) . الْحَدِيْث أخرجه : عَبْد الرزاق ( ) ، وأحمد ( ) ، والترمذي ( ) ، وأبو الشيخ ( ) ، والبيهقي ( ) ، والبغوي ( ) .

ورواه عَبْد العزيز بن صهيب( )،عن أنس بن مالك: (( أن رَسُوْل الله اتخذ خاتماً من فضة، ونقش فِيْهِ: مُحَمَّد رَسُوْل الله، وَقَالَ: إني اتخذت خاتماً من ورق ونقشت فِيْهِ: مُحَمَّد رَسُوْل الله ، فلا ينقشن أحد عَلَى نقشه )).أخرجه: ابن ( ) سعد، وابن أبي شيبة ( )، وأحمد ( )، والبخاري ( )، ومسلم ( )، وابن ماجه ( )، والنسائي ( ) ، وأبو  يعلى ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، وابن حبان ( ) ، وأبو الشيخ ( ) ، وأبو نعيم( )،

 

والبيهقي ( ) .

ورواه قتادة عن أنس بن مالك ، قَالَ : (( لما أراد النَّبِيّ أن يكتب إلى الروم ، قِيْلَ لَهُ : إنهم لن يقرؤا كتابك إذا لَمْ يَكُنْ مختوماً ، فاتخذ خاتماً من فضة ونقشه : مُحَمَّد رَسُوْل الله، فكأنّما أنظر إلى بياضه في يده )) . الْحَدِيْث أخرجه : ابن سعد ( ) ، وابن الجعد ( ) ، وأحمد ( ) ، والبخاري ( ) ، ومسلم ( ) ، وأبو داود ( )، والترمذي( )، والنسائي ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن حبان ( ) ، والطبراني ( )، وأبو الشيخ ( ) ، والبيهقي ( ) ، والبغوي ( ) .

ورواه ثمامة ( ) بن عَبْد الله، عن أنس بن مالك: (( أن أبا بكر ( ) لما استخلف بعثه إلى البحرين وكتب لَهُ هَذَا الكتاب وختمه بخاتم النَّبِيّ وَكَانَ نقش الخاتم ثلاثة أسطر: مُحَمَّد: سطر، ورسول: سطر، والله: سطر )). أخرجه ابن سعد( )، والبخاري( )، والترمذي ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن حبان ( ) ، وأبو الشيخ ( ) ، والبغوي ( ) .

ورواه حميد ( ) الطويل ، عن أنس بن مالك : (( أن النَّبِيّ كَانَ خاتمه من فضة وَكَانَ فصه مِنْهُ )). أخرجه ابن سعد ( ) والحميدي ( ) ، وأحمد ( ) ، والبخاري ( )، وأبو داود ( )، والترمذي ( )، والنسائي ( )،وأبو يعلى ( )، وابن حبان ( )، وأبو الشَّيْخ ( )، والبغوي ( ).

ورواه أبان بن أبي عياش ، عن أنس بن مالك : (( أن رَسُوْل الله اصطنع خاتماً كله من فضة وَقَالَ : لا يصنع أحد عَلَى صفته )) . أخرجه ابن سعد ( ) .

فكل هَذِهِ الروايات عن أنس ليس فِيْهَا : أن رَسُوْل الله طرح خاتم الوَرِق .

أما رِوَايَة الزهري عن أنس ، فاختلف عَلَيْهِ في روايته ، إِذْ رَوَاهُ إبراهيم ( ) ابن سعد ( )، وزياد بن سعد ( ) ، وشعيب بن أبي حمزة ( ) ، ومحمد بن عَبْد الله ( ) ، أربعتهم عن الزهري ، عن أنس بن مالك : (( أنه رأى في إصبع رَسُوْل الله خاتماً من وَرِق يوماً واحداً ، ثُمَّ إن الناس اضطربوا الخواتم من وَرِق ، فلبسوها ، فطرح النَّبِيّ خاتمه ، فطرح الناس خواتيمهم )) . وهذا لفظ رِوَايَة مُسْلِم .

في حِيْنَ رَوَاهُ يونس ، عن الزهري ، عن أنس : (( إن رَسُوْل الله اتخذ خاتماً من وَرِق ، وله فص حبشي ونقشه : مُحَمَّد رَسُوْل الله )) . وجاء في بعض الروايات : كَانَ يجعل فصه مِمَّا يلي كفه .

واختلف عَلَى يونس في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث ، فرواه عَبْد الله بن وهب ( ) ، وعثمان( ) بن عمر ( ) ، عن يونس ، عن الزهري ، عن أنس بلفظ : (( إن رَسُوْل الله اتخذ خاتماً من وَرِق لَهُ فص حبشي ونقشه : مُحَمَّد رَسُوْل الله )) .

ورواه سليمان ( ) بن بلال ( ) ، وطلحة ( ) بن يحيى( ) ، عن يونس ، عن الزهري، عن أنس : (( إن رَسُوْل الله لبس خاتم فضة في يمينه ، فِيْهِ  فص حبشي ، كَانَ يجعل فصه مِمَّا يلي كفه )) ، في حين تفرد الليث ( )، عن يونس ، عن الزهري، عن أنس ، بِهِ ، بنحو رِوَايَة إبراهيم بن سعد ومن تابعه .

وَقَدْ جمع ابن حجر ( ) بعض أقوال العلماء في التوفيق بَيْنَ الروايتين :

الأول : قَالَهُ الإسماعيلي ( ) هُوَ : أن رَسُوْل الله اتخذ خاتماً من وَرِق عَلَى لون من الألوان وكره أن يتخذ أحد مثله فلما اتخذوا مثله رماه ثُمَّ بعد أن رموا خواتيمهم اتخذ خاتماً آخر ونقشه ليختم بِهِ .

الثاني : هُوَ أنه اتخذ الخاتم للزينة فلما تبعه الناس عَلَى ذَلِكَ ألقاه وألقوا بَعْدَ ذَلِكَ خواتيمهم ، فلما  احتاج إلى ختم اتخذ خاتماً آخر .

الثالث : وَهُوَ قَوْل المهلب والنووي( ) والكرماني( ). ذَلِكَ أنه لما طرح خاتم الذهب اتخذ مكانه خاتم الفضة؛ لأنَّهُ لا يستغني عن الختم عَلَى كتبه فيكون طرح الخاتم الَّذِي في رِوَايَة الزهري يقصد بِهِ خاتم الذهب فَقَدْ جعله الموصوف –أي خاتم الذهب– في قوله: (( فطرح خاتمه فطرحوا خواتيمهم )) قَالَ الْقَاضِي عِيَاض( ): (( وهذا يشاع لَوْ جاء الكلام مجملاً )) ، وأشار إلى أن رِوَايَة الزهري لا تحتمل هَذَا التأويل ( ) .

وذهب ابن حجر إلى تأويل رابع: هُوَ أنه اتخذ خاتم الذهب للزينة وتتابع الناس فِيْهِ، فوقع تحريمه فطرحه ، وَقَالَ : (( لا ألبسه أبداً )) ، فطرح الناس خواتيمهم تبعاً لَهُ ، ثُمَّ احتاج إلى الخاتم لأجل الختم ، فاتخذه من فضة ونقش فِيْهِ  اسمه الكريم ، فتبعه الناس أَيْضاً عَلَى تِلْكَ الخواتيم المنقوشة ، فرمى بِهِ حَتَّى رمى الناس تِلْكَ الخواتيم المنقوشة حَتَّى لا تفوته مصلحة نقش اسمه بوقوع الاشتراك ، فلما عدمت خواتيمهم جميعاً رجع إلى خاتمه الخاص بِهِ فصار يتختم بِهِ .

 

أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء ( حكم لبس خاتم الفضة للرجال ) :

اختلف الفقهاء في حكم التختم بالفضة للرجال عَلَى النحو الآتي :

ذهب جمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين إلى جواز اتخاذ خاتم الفضة ، سواء كَانَ ذا سلطان أم غيره ( ) . وبه قَالَ جمهور الشافعية ( ) .

ذهب الحنفية إلى أنه إذا قصد بلبسه الخاتم التجبر والاستعلاء كره ، وإن لَمْ يقصده لَمْ يكره ، ومع ذَلِكَ فإن تركه لِمَنْ لا يحتاج إلى الختم أفضل ، ولا كراهة عندهم في لبسه للزينة إذا خلا من محذور ( ) .

الأولى أن يَكُوْن الخاتم أقل من المثقال؛لأنَّهُ أبعد عن السرف. وبه قَالَ ابن( )الملك .

ذهب بعض الشافعية إلى تحريم لبس خاتم الفضة للرجل إذا زاد عَلَى المثقال ( ) .

كراهة لبس خاتم الفضة لكل مكلف ، ذي سلطان أَوْ غيره ، حكاه ابن عَبْد البر عن بعض أهل العلم من غَيْر تعيين ( ) .

خص أهل الشام الكراهة بغير ذوي السلطان ( ) .

يجوز اتخاذ خاتم الفضة للرجل ، بَلْ يندب بشرط نية الاقتداء بالنبي ، ويحرم لبسه إذا أدى إلى العجب . وإليه ذهب المالكية ( ) .

 

المبحث الثاني

أثر التَّفَرُّد في اختلاف الْحَدِيْث ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

التَّفَرُّدُ في اللغة :

مأخوذ من الفعل الثلاثي المزيد بحرفين ( تَفَرَّدَ ) .

يقال : فَرَدَ بالأمر والرأي : انْفَرَدَ ، وفَرَدَ الرجلُ : كَانَ وحده مُنْفرِداً لا ثاني مَعَهُ . وفَرَّدَ برأيه : اسْتَبَدَّ .

وَقَدْ أشار ابن فارس ( ) إلى أن جميع تراكيب واشتقاقات هَذَا الأصل تدل عَلَى الوحدة . إِذْ قَالَ : (( الفاء والراء والدال أصل صَحِيْح يدل عَلَى وحدة . من ذَلِكَ : الفرد وَهُوَ الوتر ، والفارد والفرد : الثور المنفرد … )) ( ) .

 

التفرد في الاصطلاح :

عرّفه أبو حفص الميانشي ( ) الفرد بأنه : ما انفرد بروايته بعض الثقات عن شيخه ، دون سائر الرُّوَاة عن ذَلِكَ الشيخ ( ) .

ويظهر من هَذَا التعريف بعض القصور في دخول بعض أفراد المُعَرَّف في حقيقة التعريف ، إِذْ قَصَرَه عَلَى انفراد الثقة فَقَطْ عن شيخه ( ) .

وعرّف الدكتور حمزة المليباري التفرد وبيّن كيفية حصوله ، فَقَالَ : (( يراد بالتفرد: أن يروي شخص من الرُّوَاة حديثاً دون أن يشاركه الآخرون )) ( ) .

وهذا التعريف الأخير أعم من التعريف الأول ، فإنه شامل لتفرد الثقة وغيره ، وعليه تدل تصرفات نقاد الْمُحَدِّثِيْنَ وجهابذة الناقلين ، ولقد كثر في تعبيراتهم : حَدِيْث غريب ، أو تفرّد بِهِ فُلاَن ، أو هَذَا حَدِيْث لا يعرف إلا من هَذَا الوجه ، أَوْ لا نعلمه يروى عن فُلاَن إلاّ من حَدِيْث فُلاَن ، ونحوها من التعبيرات ( ) .

ولربما كَانَ الحامل للميانشي عَلَى تخصيص التعريف بالثقات دون غيرهم ، أن رِوَايَة الضعيف لا اعتداد بِهَا عِنْدَ عدم المتابع والعاضد . ولكن من الناحية التنظيرية نجد الْمُحَدِّثِيْنَ عِنْدَ تشخيصهم لحالة التفرد لا يفرقون بَيْنَ كون المتفرد ثقة أو ضعيفاً ، فيقولون مثلاً : تفرد بِهِ الزهري ، كَمَا يقولون : تفرد بِهِ ابن أبي أويس ( ).

وبهذا المعنى يظهر الترابط الواضح بَيْنَ المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي ، إِذْ إنهما يدوران في حلقة التفرد عما يماثله .

والتفرد ليس بعلة في كُلّ أحواله ، ولكنه كاشف عن العلة مرشد إلى وجودها ، وفي هَذَا يقول الحافظ ابن رجب الحنبلي : (( وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الْحَدِيْث إذا تفرد بِهِ واحد – وإن لَمْ يروِ الثقات خلافه - : إنه لا يتابع عَلَيْهِ .ويجعلون ذَلِكَ علة فِيْهِ ، اللهم إلاّ أن يَكُوْن ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه كالزهري ونحوه ، وربما يستنكرون بعض تفردات الثقات الكبار أَيْضاً ولهم في كُلّ حَدِيْث نقد خاص ، وليس عندهم لِذَلِكَ ضابط يضبطه )) ( ) .

ومعنى قوله : (( ويجعلون ذَلِكَ علة )) ، أن ذَلِكَ مخصوص بتفرد من لا يحتمل تفرده، بقرينة قوله : (( إلا أن يَكُوْن ممن كثر حفظه … )) ، فتفرده هُوَ خطؤه ، إِذْ هُوَ مظنة عدم الضبط ودخول الأوهام ، فانفراده دال عَلَى وجود خلل ما في حديثه ، كَمَا أن الحمّى دالة عَلَى وجود مرض ما ، وَقَدْ وجدنا غَيْر واحد من النقاد صرح بأن تفرد فُلاَن لا يضر ، فَقَدْ قَالَ الإمام مُسْلِم : (( هَذَا الحرف لا يرويه غَيْر الزهري ، قَالَ : وللزهري نحو من تسعين حديثاً يرويها عن النَّبِيّ لا يشاركه فِيْهَا أحد بأسانيد جياد )) ( ) .

وَقَالَ الحافظ ابن حجر : (( وكم من ثقة تفرد بما لَمْ يشاركه فِيْهِ  ثقة آخر ، وإذا كَانَ الثقة حافظاً لَمْ يضره الانفراد )) ( ) .

وَقَالَ الزيلعي ( ) : (( وانفراد الثقة بالحديث لا يضره )) ( ).

وتأسيساً عَلَى ما أصّلناه من قَبْل من أن تفرد الرَّاوِي لا يضر في كُلّ حال ، ولكنه ينبه الناقد عَلَى أمر ما ، قَالَ المعلمي اليماني : (( وكثرة الغرائب إنما تضر الرَّاوِي في أحد حالين :

الأولى : أن تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة .

الثانية : أن يَكُوْن مع كثرة غرائبه غَيْر معروف بكثرة الطلب )) ( ) .

وتمتع هَذَا الجانب من النقد الحديثي باهتمام النقاد ، فنراهم يديمون تتبع هَذِهِ الحالة وتقريرها ، وأفردوا من أجل ذَلِكَ المصنفات، مِنْهَا: كتاب " التفرد " ( ) للإمام أبي داود ، و " الغرائب والأفراد " ( ) للدارقطني ، و " المفاريد " ( ) لأبي يعلى ، واهتم الإمام الطبراني في معجميه الأوسط والصغير بذكر الأفراد ، وكذا فعل البزار في مسنده ، والعقيلي ( ) في ضعفائه . وَهُوَ ليس بالعلم الهيّن ، فهو (( يحتاج لاتساع الباع في الحفظ ، وكثيراً ما يدعي الحافظ التفرد بحسب علمه ، ويطلّع غيره عَلَى المتابع )) ( ) .

وفي كُلّ الأحوال فإن التفرد بحد ذاته لا يصلح ضابطاً لرد الروايات ، حَتَّى في حالة تفرد الضعيف لا يحكم عَلَى جميع ما تفرد بِهِ بالرد المطلق ، بَلْ إن النقاد يستخرجون من أفراده ما يعلمون بالقرائن والمرجحات عدم خطئه فِيْهِ  ، وَهُوَ ما نسميه بعملية الانتقاء ، قَالَ سفيان الثوري : (( اتقوا الكلبي ( ) ، فقيل لَهُ : إنك تروي عَنْهُ ، قَالَ : إني أعلم صدقه من كذبه )) ( ) .

ومثلما أن تفرد الضعيف لا يرد مطلقاً ، فكذلك تفرد الثقة – وكما سبق في كلام ابن رجب – لا يقبل عَلَى الإطلاق ، وإنما القبول والرد موقوف عَلَى القرائن والمرجحات. قَالَ الإمام أحمد : (( إذا سَمِعْتَ أصحاب الْحَدِيْث يقولون : هَذَا حَدِيْث غريب أَوْ فائدة . فاعلم أنه خطأ أو دخل حَدِيْث في حَدِيْث أَوْ خطأ من المُحدِّث أَوْ حَدِيْث ليس لَهُ إسناد ، وإن كَانَ قَدْ رَوَى شعبة وسفيان ، فإذا سمعتهم يقولون : هَذَا لا شيء ، فاعلم أنه حَدِيْث صَحِيْح )) ( ) .

وَقَالَ أبو داود : (( والأحاديث الَّتِيْ وضعتها في كتاب " السنن " أكثرها مشاهير ، وَهُوَ عِنْدَ كُلّ من كتب شَيْئاً من الْحَدِيْث ، إلا أن تمييزها لا يقدر عَلَيْهِ كُلّ الناس ، والفخر بِهَا : بأنها مشاهير ، فإنه لا يحتج بحديث غريب ، وَلَوْ كَانَ من رِوَايَة مالك ويحيى بن سعيد و الثقات من أئمة العلم )) ( ) .

ونحن نجد أمثلة تطبيقية متعددة في ممارسة النقاد ، مِنْهَا قَوْل الحافظ ابن حجر في حَدِيْث صلاة التسبيح : (( وإن كَانَ سند ابن عَبَّاسٍ يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر )) ( ) .

ويمكننا أن نقسم التفرد – حسب موقعه في السند – إلى قسمين :

 

الأول : تفرد في الطبقات المتقدمة :

كطبقة الصَّحَابَة ، وطبقة كبار التَّابِعِيْنَ ، وهذا التفرد مقبول إذا كَانَ راويه ثقة

–وهذا الاحتراز فِيْمَا يخص طبقة التَّابِعِيْنَ – ، فهو أمر وارد جداً لأسباب متعددة يمكن حصرها في عدم توفر فرص متعددة تمكّن الْمُحَدِّثِيْنَ من التلاقي وتبادل المرويات ، وذلك لصعوبة التنقل في البلدان ، لا سيما في هذين العصرين .

فوقوعه فيهما لا يولد عِنْدَ الناقد استفهاماً عن كيفيته ، ولاسيما أن تداخل الأحاديث فِيْمَا بينها شيء لا يكاد يذكر ، نظراً لقلة الأسانيد زياد على قصرها . هَذَا فِيْمَا إذا لَمْ يخالف الثابت المشهور ، أو من هُوَ أولى مِنْهُ حفظاً أَوْ عدداً .

وإن كَانَ المتفرد ضعيفاً أَوْ مجهولاً -فِيْمَا يخص التَّابِعِيْنَ- فحكمه بيّن وَهُوَ الرد( ).

الثاني : التفرد في الطبقات المتأخرة

فبعد أن نشط الناس لطلب العلم وأداموا الرحلة فِيْهِ  والتبحر في فنونه ، ظهرت مناهج متعددة في الطلب والموقف مِنْهُ ، فكانت الغرس الأول للمدارس الحديثية الَّتِيْ نشأت فِيْمَا بَعْد ، فكان لها جهدها العظيم في لَمِّ شتات المرويات وجمعها ، والحرص عَلَى تلقيها من مصادرها الأصيلة ، فوفرت لَهُم الرحلات المتعددة فرصة لقاء المشايخ والرواة وتبادل المرويات ، فإذا انفرد من هَذِهِ الطبقات أحد بشيء ما فإن ذَلِكَ أمر يوقع الريبة عِنْدَ الناقد ، لا سيما إذا تفرد عمن يجمع حديثه أَوْ يكثر أصحابه ، كالزهري ومالك وشعبة وسفيان وغيرهم ( ) .

ثم إنّ العلماء قسموا الأفراد من حَيْثُ التقييد وعدمه إلى قسمين :

الأول: الفرد المطلق : وَهُوَ ما ينفرد بِهِ الرَّاوِي عن أحد الرُّوَاة ( )  .

الثاني: الفرد النسبي : وَهُوَ ما كَانَ التفرد فِيْهِ  نسبياً إلى جهة ما( ) ، فيقيد بوصف يحدد هَذِهِ الجهة  .

وما قِيْلَ من أن لَهُ أقساماً أخر ، فإنها راجعة في حقيقتها إلى هذين القسمين .

أما الحكم عَلَى الأفراد باعتبار حال الرَّاوِي المتفرد فَقَطْ من غَيْر اعتبار للقرائن والمرجحات ، فهو خلاف منهج الأئمة النقاد المتقدمين ، إذن فليس هناك حكم مطرد بقبول تفرد الثقة ، أو رد تفرد الضعيف ، بَلْ تتفاوت أحكامهما ، ويتم تحديدها وفهمها عَلَى ضوء المنهج النقدي النَّزيه ؛وذلك لأن الثقة يختلف ضبطه باختلاف الأحوال والأماكن والشيوخ لخلل يحدث في كيفية التلقي للأحاديث أَوْ لعدم توفر الوسائل الَّتِيْ تمكنه من ضبط ما سَمعه من بعض شيوخه ، أو لحدوث ضياع في بعض ما كتبه عن بعض شيوخه حَتَّى وَلَوْ كَانَ من أثبت أصحابهم وألزمهم ، ولذا ينكر النقاد من أحاديث الثقات – حَتَّى وَلَوْ كانوا أئمة – ما ليس بالقليل .

 

ومن أمثلة التفرد ما يأتي :

النموذج الأول :

حَدِيْث العلاء بن عَبْد الرحمان ( )، عن أبيه ( ) ، عن أبي هُرَيْرَة ، أن رَسُوْل الله قَالَ : (( إذا انتصف شعبان فلا تصوموا )) .

أخرجه عَبْد الرزاق ( ) ، وابن أبي شيبة ( ) ، وأحمد ( ) ، و الدارمي( ) ، وأبو داود ( )، وابن ماجه ( )، والترمذي ( ) ، والنسائي ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن حبان ( )، والطبراني ( ) ، والبيهقي ( ) ، والخطيب ( ) ، جميعهم من هَذِهِ الطريق .

قَالَ أبو داود : (( لَمْ يجئ بِهِ غَيْر العلاء ، عن أبيه )) ( ) .

وَقَالَ النسائي: (( لا نعلم أحداً رَوَى هَذَا الْحَدِيْث غَيْر العلاء بن عَبْد الرحمان))( ).

وَقَالَ الترمذي : (( لا نعرفه إلا من هَذَا الوجه عَلَى هَذَا اللفظ )) ( ) .

وأورده الحافظ أبو الفضل بن طاهر المقدسي( ) في أطراف الغرائب والأفراد ( ).

وَقَدْ أنكره الحفاظ من حَدِيْث العلاء بن عَبْد الرحمان :

فَقَالَ أبو داود : (( كَانَ عَبْد الرحمان - يعني : ابن مهدي ( )- لا يحدّث بِهِ . قلت لأحمد : لِمَ ؟ قَالَ : لأنَّهُ كَانَ عنده أن النَّبِيّ كَانَ يصل شعبان برمضان ، وَقَالَ : عن النَّبِيّ خلافه )) ( ) .

وَقَالَ الإمام أحمد : (( العلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا هَذَا )) ( ) .

وَقَالَ في رِوَايَة الْمَرُّوذِيِّ ( ) : (( سألت ابن مهدي عَنْهُ فَلَمْ يحدثني بِهِ، وَكَانَ يتوقاه. ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْد الله : هَذَا خلاف الأحاديث الَّتِيْ رويت عن النَّبِيّ )) ( ) .

واستنكره ابن معين أَيْضاً ( ) .

وزعم السخاوي ( ) أن العلاء لَمْ يتفرد بِهِ وأنّ لَهُ متابعاً في روايته عن أبيه ، فَقَدْ رَوَى الطبراني ( ) الْحَدِيْث قائلاً: (( حَدَّثَنَا أحمد بن مُحَمَّد بن نافع، قَالَ: أَخْبَرَنَا عبيد الله ابن عَبْد الله المنكدري ، حَدَّثَنِي أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن عَبْد الرحمان بن يعقوب الحرقي ، عن أبي هُرَيْرَة ، قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله : (( إذا انتصف شعبان فأفطروا )) .

قَالَ الطبراني عقبه : (( لَمْ يروِ هَذَا الْحَدِيْث عن مُحَمَّد بن المنكدر إلا ابنه المنكدر ، تفرد بِهِ ابنه : عَبْد الله )) .

والحق أن هَذَا الْحَدِيْث لا يصلح للاستشهاد ، فضلاً عن أن يشد عضد رِوَايَة العلاء ؛ إذ هُوَ مسلسل بالضعفاء والمجاهيل : بدءاً من شيخ الطبراني وَهُوَ : أحمد بن مُحَمَّد ابن نافع ، لَمْ أقف لَهُ عَلَى ترجمة ، إلا ما أورده الذهبي في ميزان الاعتدال ( ) وَقَالَ : (( لا أدري مَنْ ذا ؟ ذكره ابن الجوزي مرة وَقَالَ : اتهموه . كَذَا قَالَ لَمْ يزد )) ( ) .

وعبد الله بن المنكدر – المتفرد بهذا الْحَدِيْث – ، قَالَ فِيْهِ  العقيلي : (( عن أبيه ، ولا يتابع عَلَيْهِ )) ( ).

وَقَالَ الذهبي: (( فِيْهِ جهالة ، وأتى بخبر منكر )) ( ). وَقَالَ مرة : (( لا يعرف ))( ).

والمنكدر بن مُحَمَّد – الَّذِيْ لَمْ يرو هَذَا الْحَدِيْث عن أبيه غيره – قَالَ فِيْهِ أبو حاتم: (( كَانَ رجلاً صالحاً لا يقيم الْحَدِيْث وَكَانَ كثير الخطأ ، لَمْ يَكُنْ بالحافظ لحديث أبيه )) ( ). وَقَالَ النسائي : (( ضعيف )) ، وَقَالَ مرة : (( ليس بالقوي )) وبنحوه قَالَ أبو زرعة ( ) . وَقَالَ ابن حبان : (( قطعته العبادة عن مراعاة الحفظ والتعاهد في الإتقان ، فكان يأتي بالشيء الَّذِيْ لا أصل لَهُ عن أبيه توهماً )) ( ). وَقَالَ الذهبي : (( فِيْهِ  لين )) ( ) .

وبهذا تبين أن الشاهد غَيْر صالح للاعتبار ، فهو جزماً من أوهام المنكدر بن مُحَمَّد. ويبقى الْحَدِيْث من أفراد العلاء بن عَبْد الرحمان ، عن أبيه .

قَالَ ابن رجب : (( واختلف العلماء في صحة هَذَا الْحَدِيْث ثُمَّ العمل بِهِ ، أما تصحيحه فصححه غَيْر واحد ، مِنْهُمْ : الترمذي ، وابن حبان ، والحاكم ، وابن عَبْد البر. وتكلم فِيْهِ  من هُوَ أكبر من هؤلاء وأعلم . وقالوا : هُوَ حَدِيْث منكر، مِنْهُمْ: عَبْد الرحمان ابن مهدي ، وأحمد ، وأبو زرعة الرازي ، والأثرم ، ورده الإمام أحمد بحديث :

(( لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين )) ، فإن مفهومه جواز التقدم بأكثر من

يومين )) ( ) .

 

 

أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء ( حكم صوم النصف الثاني من شعبان )

اختلف الفقهاء في حكم صوم النصف الثاني من شعبان عَلَى النحو الآتي :

أولاً : ذهب قوم إلى كراهة الصوم بَعْدَ النصف من شعبان إلى رمضان . هكذا نقله الطحاوي ( ) من غَيْر تعيين للقائلين بِهِ . وَهُوَ قَوْل جمهور الشافعية ( ) . ونقله ابن حزم عن قوم ( ) .

ثانياً : خص ابن حزم ( ) - جمعاً بَيْنَ أحاديث الباب – النهي باليوم السادس عشر من شعبان ( ) .

ثالثاً : ذهب الروياني ( ) من الشافعية إلى تحريم صوم النصف الثاني من شعبان ( ) .

رابعاً : ذهب جمهور العلماء إلى إباحة صوم النصف الثاني من شعبان من غَيْر كراهة ( ) .

واستدل أصحاب المذاهب الثلاثة الأول بحديث عَبْد الرحمان بن العلاء ، عَلَى اختلاف في تحديد نوع الحكم .

وأجاب الجمهور بتضعيف حديثه ، وعدم وجود ما يقتضي التحريم أو الكراهة ، بَلْ وجود ما يعضد القَوْل بالاستحباب .

ومذهب الجمهور هُوَ الراجح في عدم الكراهة وجواز صيام النصف الثاني من شعبان لضعف حَدِيْث العلاء وعدم صحته . والأصل الجواز حَتَّى يأتي دليل التحريم أَوْ الكراهة.

 

النموذج الثاني :

حَدِيْث قتيبة بن سعيد ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ( )، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ( )، عن معاذ بن جبل ( ) : (( أن النَّبِيّ كَانَ في غزوة تبوك إذا ارتحل قَبْلَ زيغ الشمس أخّر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعاً ، وإذا ارتحل بَعْدَ زيغ الشمس عجّل العصر إلى الظهر ، وصلى الظهر والعصر جميعاً ثُمَّ سار . وَكَانَ إذا ارتحل قَبْلَ المغرب أخّر المغرب حَتَّى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بَعْدَ المغرب عجّل العشاء فصلاها مع المغرب )) .

رَوَاهُ أحمد ( ) ، وأبو داود ( ) ، والترمذي ( ) ، وابن حبان ( ) ، والدارقطني( )،

 

والحاكم ( ) ، والبيهقي ( ) ، والخطيب البغدادي ( ) ،والذهبي ( )، كلهم من طريق قتيبة هَذِهِ .

أقول : هَذَا الْحَدِيْث تفرد بِهِ قتيبة ، عن الليث ، ونص الحفاظ عَلَى ذَلِكَ :

قَالَ أبو داود : (( لَمْ يروِ هَذَا الْحَدِيْث إلا قتيبة وحده )) ( ) .

وَقَالَ الترمذي : (( حَدِيْث معاذ حَدِيْث حسن غريب ، تفرّد بِهِ قتيبة ، لا نعرف أحداً رَوَاهُ عن الليث غيره . وحديث الليث عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ : حَدِيْث غريب )) ( ) .

وَقَالَ البيهقي : (( تفرد بِهِ قتيبة بن سعيد ، عن ليث ، عن يزيد )) ( ) .

وَقَالَ الْخَطِيْب : (( لَمْ يروِ حَدِيْث يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن الليث: غَيْر قتيبة )) ( ) .

وأورده الحافظ ابن طاهر المقدسي في : " أطراف الغرائب والأفراد " ( ) .

وَقَالَ الذهبي : (( ما رَوَاهُ أحد عن الليث سوى قتيبة )) ( ) .

وَقَدْ أنكر هَذَا الْحَدِيْث عَلَى قتيبة سنداً ومتناً :

أما في السند : فالرواية المحفوظة هِيَ رِوَايَة أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ . قَالَ أبو سعيد بن يونس ( ): (( لَمْ يحدث بِهِ إلا قتيبة ، ويقال : إنه غلط ، وإن موضع يزيد بن أبي حبيب : أبو الزبير ( ) )) ( ) .

وَقَالَ البيهقي : (( وإنما أنكروا من هَذَا رِوَايَة يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، فأما رِوَايَة أبي الزبير عن أبي الطفيل فهي محفوظة صحيحة )) ( ) .

وَقَدْ وقفت عَلَى ثمانية أنفس رووه عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل، عن معاذ وهم:

مالك بن أنس ( ) : ومن طريقه الشَّافِعِيّ ( )، وعبد الرزاق ( ) ، وأحمد ( ) ، والدارمي ( ) ، ومسلم ( ) ، وأبو داود ( ) ، والنسائي ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، والطحاوي ( ) ، والشاشي ( ) ، وابن حبان ( ) ، والطبراني ( ) ، والبيهقي( ).

قرة ( ) بن خالد ( ): عِنْدَ أبي داود الطيالسي ( ) ، وأحمد ( ) ، ومسلم ( ) ، والبزار( )، وابن خزيمة ( ) ، والطحاوي ( ) ، والشاشي ( ) ، وابن حبان ( ) ، والطبراني ( ) .

عمرو بن الحارث ( ): عِنْدَ الطبراني ( ) .

هشام بن سعد ( ): عِنْدَ الإمام أحمد ( ) ، وعبد بن حميد ( ) ، والبزار ( ) ، والشاشي ( ) ، والطبراني ( ) .

سفيان بن سعيد الثوري : ومن طريقه أخرجه عَبْد الرزاق ( ) ، وابن أبي شيبة ( )، وأحمد ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والطبراني ( ) ، وأبو نعيم ( ) .

أبو خيثمة ( ) زهير بن معاوية : عِنْدَ مُسْلِم ( ) ، والطبراني ( ) .

أشعث بن سوار ( ) : وروايته عِنْدَ الطبراني ( ) .

زيد بن أبي أنيسة ( ): كَمَا أخرجها الطبراني ( ) .

أقول : فَقَدْ خالف قتيبة في روايته هَذَا الْحَدِيْث عن الليث عن يزيد بن أبي حبيب هؤلاء الرُّوَاة .

أما الليث بن سعد فَقَدْ رَوَى أصحابه الْحَدِيْث عَنْهُ ، عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ ، بِهِ . وهم :

حماد بن خالد ( ) : أخرجه أحمد ( ) .

عَبْد الله بن صالح ( ): عِنْدَ الطبراني ( ) .

يزيد بن خالد بن يزيد الرملي ( ) : عِنْدَ أبي داود ( ) ، والبيهقي ( ). إلا أنه قرن الليث بن سعد مع المفضل ( ) بن فضالة ( ) .

وهكذا يتجه الحمل في إسناد هَذَا الْحَدِيْث إلى قتيبة بن سعيد لا محالة ، في إبدال يزيد بن أبي حبيب موضع أبي الزبير المكي .

وأما الْمَتْن : فكل من رَوَى الْحَدِيْث ( ) من طريق أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ . فإنما ذكر مطلق الجمع من غَيْر تعرض لجمع التقديم في شيء من طرق الْحَدِيْث، إلا في رِوَايَة قتيبة بن سعيد .

وأما رِوَايَة يزيد بن خالد الرملي – الآنفة – فَقَدْ وقع لفظها مقارباً للفظ حَدِيْث قتيبة ، إلا أن الحفاظ أعلّوا هَذِهِ الرِّوَايَة ، قَالَ الحافظ ابن حجر : (( وله طريق آخر عن معاذ بن جبل ، أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، وهشام مختلف فِيْهِ  ، وَقَدْ خالف الحفاظ من أصحاب أبي الزبير ك‍ : مالك والثوري وقرة بن خالد وغيرهم . فَلَمْ يذكروا في روايتهم جمع التقديم )) ( ) .

وَقَالَ الترمذي : (( وحديث الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ : حَدِيْث غريب .

والمعروف عِنْدَ أهل العلم حَدِيْث معاذ من حَدِيْث أبي الزبير ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ ، أن النَّبِيّ جمع في غزوة تبوك بَيْنَ الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء ، رَوَاهُ قرة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد ، عن أبي الزبير المكي )) ( ) .

وَقَالَ الذهبي : (( غلط في الإسناد ، وأتى بلفظ منكر جداً )) ( ) .

وَقَالَ الْخَطِيْب : (( هُوَ منكر جداً من حديثه )) ( ) .

وَقَدْ أفاض الْحَاكِم في بيان علة الْحَدِيْث في فصل ممتع ، فَقَالَ : (( هَذَا حديث رواته أئمة ثقات وَهُوَ شاذ الإسناد والمتن لا نعرف لَهُ علة نعلله بِهَا ، وَلَوْ كَانَ الْحَدِيْث عِنْدَ الليث ، عن أبي الزبير ، عن أبي الطفيل لعللنا بِهِ الْحَدِيْث ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ يزيد بن أبي حبيب عن أبي الزبير لعللنا بِهِ ، فلما لَمْ نجد لَهُ العلتين خرج عن أن يَكُوْن معلولاً ، ثُمَّ نظرنا فَلَمْ نجد ليزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل رِوَايَة ، ولا وجدنا هَذَا الْمَتْن بهذه السياقة عِنْدَ أحد من أصحاب أبي الطفيل ، ولا عِنْدَ أحد ممن رَوَاهُ عن معاذ بن جبل عن أبي الطفيل ، فقلنا الْحَدِيْث شاذ )) ( ) .

وَقَالَ أبو حاتم : (( كتبت عن قتيبة حديثاً ، عن الليث بن سعد لَمْ أصبه بمصر عن الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ ، عن النَّبِيّ أنه كَانَ في سفر فجمع بَيْنَ الصلاتين )) ثُمَّ قَالَ : (( لا أعرفه من حَدِيْث يزيد والذي عندي أنه دخل لَهُ حَدِيْث في حَدِيْث )) ( ) .

وأكثر العلماء قلّدوا الْحَاكِم في تشخيص سبب النكارة ، وَهُوَ أن خالداً المدائني أدخل الْحَدِيْث عَلَى الليث بن سعد ، فسمعه قتيبة من الليث وَهُوَ ليس من حديثه ( ) .

ورد الإمام الذهبي هَذَا القَوْل ، فَقَالَ : (( هَذَا التقرير يؤدي إلى أن الليث كَانَ يقبل التلقين ، ويروي ما لَمْ يَسْمَع ، وما كَانَ كذلك . بَلْ كَانَ حجة متثبتاً ، وإنما الغفلة وقعت فِيْهِ  من قتيبة ، وَكَانَ شيخ صدق ، قَدْ رَوَى نحواً من مئة ألفٍ ، فيغتفر لَهُ الخطأ في حَدِيْث واحدٍ )) ( ) .

وَقَالَ أَيْضاً : (( ما علمتهم نقموا عَلَى قتيبة سوى ذَلِكَ الْحَدِيْث المعروف في الجمع في السفر )) ( ) .

والأصوب – والله أعلم – التعليل بما قاله أبو حاتم ، من أن قتيبة دخل لَهُ حَدِيْث الليث ، عن هشام بن سعد ، عن أبي الزبير ، فظنه حَدِيْث الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل ، وحمل متن حَدِيْث هشام فنسبه إلى رِوَايَة يزيد .

ولهذا صرح غَيْر واحد من أئمة الْحَدِيْث أنه لَمْ يصح في جمع التقديم شيء ، قَالَ أبو داود : (( ليس في جمع التقديم حَدِيْث قائم )) ( ) .

وَقَالَ ابن حجر : (( والمشهور في جمع التقديم ما أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد وابن حبان من طريق الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل ، عن معاذ بن جبل . وَقَدْ أعله جَمَاعَة من أئمة الْحَدِيْث بتفرد قتيبة عن الليث )) ( ) .

 

أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء ( الجمع بَيْنَ الصلاتين )

اختلف الفقهاء في حكم الجمع بَيْنَ الصلاتين بعذر السفر عَلَى أقوال هِيَ :

الأول : يجوز الجمع بَيْنَ الظهر والعصر في وقت أيهما شاء تقديماً أو تأخيراً ، وكذا المغرب والعشاء ، وَهُوَ قَوْل جمهور العلماء مِنْهُمْ : سعيد بن زيد ( ) ، وسعد ( )، وأسامة ( ) ، ومعاذ بن جبل ، وأبو موسى ( ) ، وابن عَبَّاسٍ ، وابن عمر . وبه قَالَ طاووس ، ومجاهد ، وعكرمة( ) ، والثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن ( ) المنذر ( ) . وإليه ذهب مالك في المشهور عَنْهُ ( ) ، والشافعية ( ) ، وأحمد في

 

أصح الروايتين ( ) ، والهادوية من الزيدية ( ) .

الثاني : لا يجوز الجمع بَيْنَ فرضين في حال من الأحوال ، إلا الظهر والعصر للحاج جمع تقديم بعرفة ، والمغرب والعشاء تأخيراً بمزدلفة ، وهذا الجمع بسبب النسك لا بسبب السفر . وبه قَالَ الحسن البصري ( ) ، وابن سيرين ( ) ، والنخعي ( ) ، ومكحول ( ) ، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة وعامة أصحابه ( ) .

الثالث : يجوز الجمع بَيْنَ الظهر والعصر،أو بَيْنَ المغرب والعشاء جمع تأخير لا تقديم . وَهُوَ قَوْل الأوزاعي في إحدى الروايتين عَنْهُ( ).وإليه ذهب الإمام أحمد في رِوَايَة ( ) ، ومالك في رِوَايَة ابن القاسم واختياره ( ) ، وَهُوَ ظاهر مذهب ابن حزم ( ) .

واستدل أصحاب المذهب الأول بحديث معاذ من رِوَايَة قتيبة ، وَقَدْ تبين عدم صحته .

 

نموذج آخر للتفرد :

ما تفرد بِهِ ( ) أبو قيس : عَبْد الرحمان بن ثروان ( ) ، عن هزيل بن شرحبيل ( ) ، عن المغيرة بن شعبة ( ) ، قَالَ : (( توضّأ النَّبِيّ ومسح عَلَى الجوربين )) .

وَقَدْ رَوَاهُ من هَذَا الوجه : ابن أبي شيبة ( )، والإمام أحمد ( ) ، وعبد بن حميد ( ) ، وأبو داود ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والترمذي ( ) ، والنسائي ( ) ، وابن المنذر ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن حبان ( ) ، والطبراني ( ) ، وابن حزم ( ) ، والبيهقي ( ) .

هكذا تفرد بِهِ أبو قيس ، عن شرحبيل ( ) ، وَقَدْ صححه بعض أهل العلم مِنْهُمْ : الترمذي ( ) ، وابن خزيمة وابن حبان ( ) ، وغيرهم ( ) .

عَلَى أنّ آخرين من جهابذة هَذَا الفن قَدْ أعلوا الْحَدِيْث بتفرد أبي قيس عن هزيل ابن شرحبيل ، وأعلوا الْحَدِيْث بهذا التفرد .

قَالَ علي بن المديني : (( حَدِيْث المغيرة رَوَاهُ عن المغيرة أهل الْمَدِيْنَة ، وأهل الكوفة، وأهل البصرة ، ورواه هزيل بن شرحبيل إلا أنه قَالَ : (( ومسح عَلَى الجوربين )) ، وخالف الناس )) ( ) .

وَقَالَ يحيى بن معين : (( الناس كلهم يروونه عَلَى الخفين غَيْر أبي قيس )) ( ) .

وَقَالَ أبو مُحَمَّد يحيى بن منصور ( ) : (( رأيت مُسْلِم بن الحجاج ضعف هَذَا الخبر، وَقَالَ أبو قيس الأودي ، وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان هَذَا مع مخالفتهما الأجلّة الَّذِيْنَ رووا هَذَا الخبر عن المغيرة وقالوا : مسح عَلَى الخفين )) ( ) .

وَقَالَ النسائي : (( ما نعلم أن أحداً تابع أبا قيس عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة ، وَالصَّحِيْح عن المغيرة : أن النَّبِيّ مسح عَلَى الخفين ، والله أعلم )) ( ) .

وَقَالَ أبو داود : (( كَانَ عَبْد الرحمان بن مهدي لا يحدّث بهذا الْحَدِيْث ؛ لأن المعروف عن المغيرة أن النَّبِيّ مسح عَلَى الخفين )) ( ) .

وَقَالَ ابن المبارك : (( عرضت هَذَا الْحَدِيْث – يعني حَدِيْث المغيرة من رِوَايَة أبي قيس – عَلَى الثوري فَقَالَ : لَمْ يجئ بِهِ غَيْره ، فعسى أن يَكُوْن وهماً )) ( ) .

وذكر البيهقي حَدِيْث المغيرة هَذَا وَقَالَ : (( إنه حَدِيْث منكر ضعّفه سفيان الثوري، وعبد الرحمان بن مهدي، وأحمد بن حَنْبَل ، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني ، ومسلم بن الحجاج ، والمعروف عن المغيرة حَدِيْث المسح عَلَى الخفين )) ( ) .

قَالَ الإمام النووي : (( وهؤلاء هم أعلام أئمة الْحَدِيْث وإن كَانَ الترمذي قَالَ : حَدِيْث حسن [ صَحِيْح ] فهؤلاء مقدمون عَلَيْهِ ، بَلْ كُلّ واحد من هؤلاء لَوْ انفرد قدم عَلَى الترمذي باتفاق أهل الْمَعْرِفَة )) ( ) .

وَقَالَ المباركفوري : (( أكثر الأئمة من أهل الْحَدِيْث حكموا عَلَى هَذَا الْحَدِيْث بأنه ضعيف )) ( ) .

فحكم نقاد الْحَدِيْث وجهابذة هَذَا الفن عَلَى هَذَا الْحَدِيْث بالرد لتفرد أبي قيس بِهِ لَمْ يَكُنْ أمراً اعتباطياً ، وإنما هُوَ نتيجة عن النظر الثاقب والبحث الدقيق والموازنة التامة بَيْنَ الطرق والروايات ؛ إِذْ إن هَذَا الْحَدِيْث قَدْ رَوَاهُ الجم الغفير عن المغيرة بن شعبة ، وذكروا المسح عَلَى الخفين ، وهم :

أبو إدريس ( ) الخولاني ( ) .

الأسود ( ) بن هلال ( ) .

أبو أمامة ( ) الباهلي ( ) .

بشر ( ) بن قحيف ( ) .

بكر ( ) بن عَبْد الله المزني ( ) .

جبير ( ) بن حية الثقفي ( ) .

الحسن البصري ( ) .

حمزة ( ) بن المغيرة بن شعبة ( ) .

زرارة ( ) بن أوفى ( ) .

الزهري ( ) .

زياد ( ) بن علاقة ( ) .

أبو السائب ( ) ، مولى هشام بن زهرة ( ) .

سالم ( ) بن أبي الجعد ( ) .

سعد ( ) بن عبيدة ( ) .

أبو سفيان ( ) : طلحة بن نافع ( ) .

أبو سلمة ( ) .

أبو الضحى ( ) مُسْلِم بن صبيح ( ) .

عامر بن شراحيل الشعبي ( ) .

عباد ( ) بن زياد ( ) .

عَبْد الرحمان ( ) بن أبي نُعْم ( ) .

عروة ( ) بن المغيرة بن شعبة ( ) .

عروة بن الزبير ( ) .

علي ( ) بن ربيعة الوالِبي ( ) .

عمرو ( ) بن وهب الثقفي ( ) .

فضالة ( ) بن عمير ، أو عبيد الزهراني ( ) .

قَبِيصة ( ) بن بُرْمة ( ) .

قتادة بن دعامة ( ) .

مُحَمَّد بن سيرين ( ) .

مسروق ( ) بن الأجدع ( ) .

هزيل بن شرحبيل ( ) .

أَبُو ( ) وائل ( ) .

وَرّاد ( ) : كاتب المغيرة ( ) .

وغيرهم ( ) .

أقول : إن اجتماع هَذِهِ الكثرة الكاثرة عَلَى خلاف حَدِيْث أبي قيس ريبةٌ قويةٌ تجعل الناقد يجزم بخطأ أبي قيس ؛ فعلى هَذَا فإن رِوَايَة أبي قيس معلولة بتفرده الشديد . قَالَ المباركفوري : (( الناس كلهم رووا عن المغيرة بلفظ : (( مسح عَلَى الخفين )) وأبو قيس يخالفهم جميعاً )) ( ) .

وَقَدْ تكلف الشيخ أحمد شاكر فذكر إنهما واقعتان ( ) ، وَهُوَ بعيد إِذْ إنهما لَوْ كانا واقعتين لرواه جمع عن المغيرة كَمَا روي عَنْهُ المسح عَلَى الخفين .

ومما يقوي الجزم بإعلال حَدِيْث أبي قيس بالتفرد أنه لَمْ يرد مرفوعاً بأحاديث توازي أحاديث المسح عَلَى الخفين ، فسيأتي إنه لَمْ يرد إلا من حَدِيْث أبي موسى وثوبان وبلال ، وفي كُلّ واحد مِنْهَا مقال . أما أحاديث المسح عَلَى الخفين فهو متواتر عن النَّبِيّ وَقَدْ رَوَاهُ عن النَّبِيّ أكثر من ستة وستين نفساً ذكرهم الكتاني ( ) .

وَقَدْ أسند ابن المنذر ( ) إلى الحسن البصري قَالَ : (( حَدَّثَنِي سبعون من أصحاب النَّبِيّ أنه : مسح عَلَى الخفين )) ( ) .

 

أثر حَدِيْث أبي قيس في اختلاف الفقهاء ( حكم المسح عَلَى الجوربين )

اختلف الفقهاء في جواز المسح عَلَى الجوربين عَلَى مذاهب :

المذهب الأول :

ذهب فريق من الفقهاء إلى جواز المسح عَلَى الجوربين ، روي هَذَا عن : علي( ) بن أبي طالب ( ) ، وعمار ( ) بن ياسر ( ) ، وأبي ( ) مسعود ( ) ، وأنس بن مالك ( ) ، وعبد الله بن عمر ( ) ، والبراء ( ) بن عازب ( ) ، وبلال ( ) بن رباح ( ) ، وأبي أمامة ( ) ، وسهل ( ) بن سعد ( ) .

وَهُوَ مروي عن : نافع ( ) وعطاء ( ) ، وإبراهيم النخعي ( ) ، وسعيد ( ) بن جبير ( ) ، وسفيان الثوري ( ) ، وعبد الله بن المبارك ( ) .

وإليه ذهب : داود( )  ( ) ، وابن حزم ( ) .

وذهب بعض الفقهاء إلى جواز المسح عَلَى الجوربين إلا أنهم اشترطوا أن يَكُوْن الجوربان صفيقين .

وَهُوَ مروي عن سعيد بن المسيب ( )، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة ( )، والشافعي ( )، وأحمد ( ) .

وَقَالَ الإمام مالك بالجواز إذا كَانَ أسفلهما مخرزاً بجلد ( ) .

المذهب الثاني :

وَهُوَ عدم الجواز ، وَهُوَ مروي عن : مجاهد ، وعمرو بن دينار ( ) ، والحسن بن مُسْلِم ( ) ، وعطاء في آخر قوليه ( ) ، والأوزاعي ( ) .

وَهُوَ المشهور عن مالك ( ) .

واحتج من قَالَ بالجواز مطلقاً بحديث أبي قيس السابق ، وَقَدْ تقدم ما فِيْهِ  ، واحتجوا كذلك :

بما روي عن أبي موسى الأشعري ؛ أن رَسُوْل الله توضأ ومسح عَلَى الجوربين والنعلين .  رَوَاهُ : ابن ماجه ( ) ، والطحاوي ( ) ، والبيهقي ( ) .

ويجاب عَنْهُ : بأنه ضعيف؛لأن في سنده عيسى بن سنان الحنفي ، وفيه مقال ( ) ، ثُمَّ إن أبا داود قَدْ حكم عَلَى هَذَا الْحَدِيْث بالانقطاع ( ) ، وبيّن البيهقي هَذَا الانقطاع وَهُوَ أن الضحاك بن عَبْد الرحمان ( ) لم يثبت سماعه من أبي موسى ( ) .

واحتجوا بما ورد عن راشد بن سعد ( ) ، عن ثوبان قَالَ : بعث رَسُوْل الله سرية فأصابهم البرد فلما قدموا عَلَى النَّبِيّ شكوا إِلَيْهِ ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا عَلَى العصائب والتساخين . أخرجه : الإمام أحمد ( ) ، وأبو داود ( ) ، والطبراني ( ) ، وأبو ( ) عبيد ( ) ، والحاكم ( ) ، والبيهقي ( ) ، والبغوي( ) .

قَالَ الْحَاكِم : (( هَذَا حَدِيْث صَحِيْح عَلَى شرط مُسْلِم )) ( ) .

وتعقبه الذهبي في السير بقوله: (( خطأ:فإن الشيخين ما احتجا براشد، ولا ثور( ) من شرط مُسْلِم )) ( ) .

إلا أن الذهبي أورد الْحَدِيْث من طريق أبي داود وَقَالَ : (( إسناده قويٌّ )) ( ) .

لَكِنْ أعلَّ بعض أهل العلم هَذَا الْحَدِيْث بالانقطاع فَقَدْ قَالَ ابن أبي حاتم : (( أنبأنا عَبْد الله بن أحمد بن حَنْبَل ( ) فِيْمَا كتب إليَّ قَالَ : قَالَ أحمد – يعني ابن حَنْبَل – : راشد ابن سعد لَمْ يَسْمَع من ثوبان )) ( ) .

وَقَالَ الحافظ ابن حجر : (( قَالَ أبو حاتم : والحربي لَمْ يَسْمَع من ثوبان ، وَقَالَ الخلال ( )عن أحمد : لا ينبغي أن يَكُوْن سَمِعَ مِنْهُ )) ( ) .

لَكِنْ يجاب عن هَذَا الحكم بالانقطاع أن الإمام البخاري قَدْ أثبت سَمَاع راشد من ثوبان فَقَالَ : (( سَمِعَ ثوبان )) ( ).

واعترض عَلَى معنى الْحَدِيْث فإن من احتج بِهِ ذكر أن التساخين عِنْدَ بعض أهل اللغة هِيَ كُلّ ما يسخن بِهِ القدم من خف وجورب ( ).

ويجاب عن هَذَا بأن المعجمات اللغوية وكتب غريب الْحَدِيْث أوردت للتساخين ثلاثة تفاسير :

الأول : إنها الخفاف وَقَدْ اقتصرت كثير من المعجمات عَلَى ذَلِكَ .

الثاني : كُلّ ما يُسَخَّن القدم من خفٍّ وجورب ونحوه .

الثالث : إنها هِيَ تعريب (( تَشْكَن )) وَهُوَ اسم غطاء من أغطية الرأس نقله ابن الأثير عن حمزة الأصفهاني في كتابه " الموازنة " ، ويرى أن تفسيره بالخف وهم من اللغويين العرب حَيْثُ لَمْ يعرفوا فارسيته .

فاللغويون غَيْر متفقين عَلَى تفسير التساخين بالخفاف بَلْ حمزة الأصفهاني يراه وهماً والتفسير الثاني للتساخين عام يدخل فِيْهِ  التفسير الأول ( ) .

فعلى هَذَا يَكُوْن تفسير التساخين بالجواريب بعيد جداً،ولا يوجد ذَلِكَ في معاجم اللغة ، والذين ذكروا ذَلِكَ أدخلوه في عموم التفسير الثاني للتساخين .

3. واحتجوا أَيْضاً بما روي عن أنس بن مالك ، قَالَ : (( رأيت رَسُوْل الله يمسح عَلَى الجوربين عليهما النعلان )) .

أخرجه الْخَطِيْب ( ) .

وأجيب : بأن سند هَذَا الْحَدِيْث تالف لأن فِيْهِ  موسى بن عَبْد الله الطويل ( ) ، قَالَ ابن حبان : (( رَوَى عن أنس أشياء موضوعة )) . وَقَالَ ابن عدي : (( رَوَى عن أنس مناكير ، وَهُوَ مجهول )) ( ) .

لَكِنْ روي مثل هَذَا الْحَدِيْث من فعل أنس ، فَقَدْ رَوَى : عَبْد الرزاق ( ) ، وابن أبي شيبة ( )، والدولابي ( )، والبيهقي ( )، عن الأزرق بن قيس ( )، قَالَ : رأيت أنس بن مالك أَحَدَثَ فغسل وجهه ويديه ، ومسح عَلَى جوربين من صوف ، فقلت : أتمسح عليهما ؟ فَقَالَ : إنهما خفان ، ولكنهما من صوف )) ( ) .

قَالَ العلامة أحمد شاكر : (( هَذَا إسناد صَحِيْح )) ( ) ، ثُمَّ قَالَ : (( هَذَا الْحَدِيْث موقوف عَلَى أنس ، من فعله وقوله . ولكن وجه الحجة فِيْهِ  أنه لَمْ يكتفِ بالفعل ، بَلْ صرح بأن الجوربين: ((خفان،ولكنهما من صوف)).وأنس بن مالك صحابيٌّ من أهل اللغة، قَبْلَ دخول العجمة واختلاط الألسنة ، فهو يبين أن معنى ( الخف ) أعم من أن يَكُوْن من الجلد وحده ، وأنه يشمل كُلّ ما يستر القدم ويمنع وصول الماء إِلَيْهَا ؛ إِذْ إن الخفاف كانت في الأغلب من الجلد،فأبان أنس أن هَذَا الغالب ليس حصراً للخف في أن يَكُوْن من الجلد.وأزال الوهم الَّذِيْ قَدْ يدخل عَلَى الناس من واقع الأمر في الخفاف إِذْ ذاك. وَلَمْ يأت دليل من الشارع يدل عَلَى حصر الخفاف في الَّتِيْ تكون من الجلد فَقَطْ )) ( ) .

وهذا الفهم المستنبط من فعل أنس فيه رد عَلَى من اشترط الصفاقة أو التجليد أَوْ التنعيل للجوربين ، وَقَدْ شدد ابن حزم النكير عَلَى من اشترط ذَلِكَ فَقَالَ : (( إنه خطأ لا معنى لَهُ ؛ لأنه لَمْ يأتِ بِهِ قرآن ولا سنة ولا قياس ولا قَوْل صاحب )) ( ) .

وَقَدْ بوّب ابن أبي شيبة في كتابه " المصنف " ( ) باباً سماه : (( من قَالَ الجوربان بمنْزلة الخفين )) ، ونقل في ذَلِكَ آثاراً عن ابن عمر وعطاء ونافع والحسن .

ونستخلص مما تقدم : بأن الأصل هُوَ غسل الرجلين كَمَا هُوَ ظاهر القرآن ، والعدول عَنْهُ لا يجوز إلا بأحاديث صحيحة كأحاديث المسح عَلَى الخفين ، لذا جاز عِنْدَ جماهير أهل العلم العدول عن غسل الرجلين إلى المسح عَلَى الخفين ، أما أحاديث المسح عَلَى الجوربين ففي صحتها كلام كَمَا سبق ، فكيف يعدل عن غسل القدمين إلى المسح عَلَى الجوربين مطلقاً ، وإلى هَذَا الفهم ذهب الإمام مُسْلِم بقوله : (( لا يترك ظاهر القرآن بمثل أبي قيس وهزيل )) ( ) . فلأجل هَذَا فإن عدداً من أهل العلم اشترطوا لجواز المسح عَلَى الجوربين قيوداً ليكونا في معنى الخفين ، ويدخل الجوربان في معنى الخفين ، فرأى بعضهم أن الجوربين إذا كانا مجلدين كانا في معنى الخفين ، ورأى بعضهم أنهما إذا كانا منعلين كانا في معناهما ، وعند بعضهم أنهما إذا كانا صفيقين ثخينين كَانَا في معناهما ( ) .

والذي أميل إِلَيْهِ أن الجوربين إذا كانا ثخينين فهما في معنى الخفين يجوز المسح عليهما ، أما إذا كانا رقيقين فهما ليسا في معنى الخفين ، وفي جواز المسح عليهما تأمل ، والله أعلم .

الفصل الثاني

الاختلاف في الْمَتْن

وفيه تسعة مباحث :

المبحث الأول : رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث الثاني : مخالفة الْحَدِيْث للقرآن، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث الثالث : مخالفة الْحَدِيْث لحديث أقوى مِنْهُ ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث الرابع : مخالفة الْحَدِيْث لفتيا روايه ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث الخامس : مخالفة الْحَدِيْث للقياس ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث السادس : مخالفة الْحَدِيْث لعمل أهل المدينة ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث السابع : مخالفة الْحَدِيْث للقواعد العامة ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث الثامن : اختلاف الْحَدِيْث بسبب الاختصار ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء .

المبحث التاسع : ورود خبر الآحاد فِيْمَا تعم بِهِ البلوى ، وأثره في اختلاف الفقهاء .

 

 

 

 

المبحث الأول

رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى

 

خلق الله الجنس البشري متفاوتاً في قدراته ، وما وهبه لَهُ بمنّه وفضله ، وَقَدْ أثّر هَذَا التفاوت عَلَى قدرات الناس في الحفظ ، فإنّك تجد الحَافِظ الَّذِي لا يكاد يخطئ إلا قليلاً ، وتجد الرَّاوِي الكثير الخطأ ، ومن ثَمَّ تجد بَيْنَ الرُّوَاة مَنْ يؤدي لفظ الْحَدِيْث كَمَا سمعه ، ومنهم مَنْ يحفظ المضمون ولا يتقيد باللفظ ، وَهُوَ ما نسميه " الرِّوَايَة بالمعنى " وفي جواز أداء الْحَدِيْث بِهَا خلافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاء عَلَى اثني عشر قولاً ( ) :

الأول : التفرقة بَيْنَ الألفاظ الَّتِي لا مجال فِيْهَا للتأويل وبَيْنَ الألفاظ الَّتِي تحتمل التأويل ، فجوزت الرِّوَايَة بالمعنى في الأول دُوْنَ الثاني . حكاه أبو الْحُسَيْن بن القطان ( ) عن بَعْض الشافعية ، وَعَلَيْهِ جرى الكِيَا الطبري ( ) مِنْهُمْ ( ) .

الثاني : جواز الرِّوَايَة بالمعنى في الأحاديث الَّتِي تشتمل عَلَى الأوامر والنواهي ، وأما إذا كَانَ اللفظ خفي المعنى محتملاً لعدة معانٍ فَلاَ تجوز . ويستوي في هَذَا الحكم الصَّحَابِيّ وغيره ( ) .

الثَّالث : المنع مطلقاً من الرِّوَايَة بالمعنى ، وتعين أداء لفظ الْحَدِيْث . وبه قَالَ عَبْد الله بن عمر ( ) ، وابن سيرين ( ) ، وأبو بكر الرازي( ) الجصّاص  ( )، وأبو إسحاق( ) الإسفراييني ( )، وبه قَالَ الظاهرية ( )، وثعلب( ) من النحويين ( ) ، وَهُوَ الأشهر من مذهب مالك ( ) .

الرابع : من يحفظ اللفظ والمعنى لا تجوز لَهُ الرِّوَايَة بالمعنى ، ومن كَانَ يستحضر المعنى دُوْنَ اللفظ جازت روايته بالمعنى . وبه جزم الماورديُّ ( ) ، فَقَالَ : (( والذي أراه : أنَّهُ إن كَانَ يحفظ اللفظ لَمْ يَجُزْ أن يرويه بغير ألفاظه ؛ لأن في كلام رَسُوْل الله من الفصاحة ما لا يوجد في كلام غيره ، وإن لَمْ يحفظ اللفظ جاز أن يورد معناه بغير لفظه ؛ لأن الرَّاوِي قَدْ تحمّل أمرين : اللفظ والمعنى ، فإن قدر عَلَيْهِمَا لزمه أداؤهما ، وإن عجز عن اللفظ وقدر عَلَى المعنى لزمه أداؤه لئلاّ يَكُوْن مقصراً في نقل ما تحمل )) ( ) .

الخامس : عكس المذهب الَّذِي قبله ، فإن كَانَ يستحضر اللفظ جاز لَهُ الرِّوَايَة بالمعنى ، وإن لَمْ يَكُنْ حافظاً للفظ لَمْ يَجُزْ لَهُ الاقتصار عَلَى المعنى ، إذ لربما زاد فِيْهِ ما لَيْسَ مِنْهُ .

السادس : جواز الرِّوَايَة بالمعنى بشرط إبدال المترادفات ببعضها مَعَ الإبقاء عَلَى تركيب الكلام ؛ خوفاً من دخول الخلل عِنْدَ تغيير التركيب ( ) .

السابع : إذا أورد الرَّاوِي الْحَدِيْث قاصداً الاحتجاج أو الفتوى جاز لَهُ الرِّوَايَة بالمعنى ، وإن أورده بقصد الرِّوَايَة لَمْ يَجُزْ لَهُ إلا أداؤه بلفظه ، وبه قَالَ ابن حزم ( ) .

الثامن : جواز الرِّوَايَة بالمعنى للصحابة حصراً ، ولا تجوز لغيرهم ( ) ، وإليه مال القرطبي( ).

التاسع : تجوز الرِّوَايَة بالمعنى للصحابة والتابعين دُوْنَ غيرهم ( ) . وبه قَالَ أبو بكر الحفيد في كتابه " أدب الرِّوَايَة " ( ) .

العاشر : تجوز الرِّوَايَة بالمعنى فِيْمَا يوجب العِلْم ، ولا تجوز فِيْمَا يوجب العمل ، وَهُوَ وجه للشافعية ( ) .

الحادي عشر : تجوز الرِّوَايَة بالمعنى في الأحاديث الطوال ، ولا تجوز في القصار ، حكاه بعضهم عن الْقَاضِي عَبْد الوهاب ( ) المالكي ( ) .

الثاني عشر : قَالَ جمهور الْعُلَمَاء من الفقهاء والمحدّثين وأهل الأصول بجواز الرِّوَايَة بالمعنى بشروط وضعوها لِذَلِكَ ( ) ، وهذا هُوَ القول الراجح – إن شاء الله – .

وبناءً عَلَى ذَلِكَ فإن بَعْض الرُّوَاة قَدْ يسوّغ لنفسه رِوَايَة الْحَدِيْث بالمعنى عَلَى وجه يظن أنَّهُ أدى المطلوب مِنْهُ ، وَلَكِنْ بمقارنة روايات غَيْره يظهر قصوره في تأدية المعنى .

 

النموذج الأول : حكم الصَّلاَة عَلَى الجنازة في المسجد

اختلف الفقهاء في حكم الصَّلاَة عَلَى الجنازة في المسجد عَلَى أربعة مذاهب :

الأول : الصَّلاَة عَلَى الميت داخل المسجد الَّذِي تقام فِيْهِ الجماعة مكروهة كراهة تحريم سواء كَانَ الميت والمصلين في المسجد ، أو كَانَ الميت خارج المسجد والقوم داخله ، أو كَانَ الميت داخل المسجد والقوم خارجه ، وبه قَالَ الحنفية ( ) .

وَقَالَ بَعْض فقهائهم : الكراهة للتنـزيه ( ) .

واستثنى أبو يوسف – رَحِمَهُ اللهُ – المسجد الَّذِي بني أصلاً للصلاة عَلَى الجنائز ، فَلاَ تكره الصَّلاَة فِيْهِ ( ) .

ولهم رِوَايَة : أن الميت إذا كَانَ خارج المسجد لَمْ تكره ، وهذا راجع لاختلافهم في تعيين علة الكراهية ، هل هِيَ خوف تلويث المسجد أم أن المساجد وجدت لصلاة المكتوبات ( ) ؟

فمن قَالَ بالثانية –وهم جمهور فقهاء الحنفية- أبقى الكراهة في كُلّ الأحوال، ومن جعل العلة خوف تلوث المسجد نفى الكراهة، إذا كَانَ الميت خارج المسجد، وعلى هَذَا تُخَرَّج هَذِهِ الرِّوَايَة ، وإليه مال في المبسوط ( ) والمحيط ، قَالَ ابن عابدين ( ): (( وَعَلَيْهِ العمل وَهُوَ المختار )) ( ) . وبه قَالَ أيضاً : مالك ( ) وابن أبي ذئب ( ) والهادوية من الزيدية ( ) .

الثاني: أن الكراهة للتنـزيه، ولا بأس في أن يصلي عَلَى الجنازة من في المسجد إذا كَانَ الميت خارجه بصلاة الإمام ، وكذا إذا ضاق خارج المسجد بأهله ، وبه قَالَ مالك في المَشْهُوْر عَنْهُ ( ) .

الثالث: تسن الصَّلاَة عَلَى الميت داخل المسجد وَهُوَ الأفضل، إذا أمن تلويثه ، فإن خيف حرمت . وبه قَالَ الشافعية ( ) ، والظاهرية ( ) .

الرابع : إباحة الصَّلاَة عَلَى الميت في المسجد عِنْدَ أمن المحذور وَهُوَ تلوث المسجد ، وبه قَالَ الحنابلة ( )، والإمامية ( )، وَهُوَ رِوَايَة المدنيين عن مالك، وبه قَالَ ابن حبيب( ) المالكي ( ) .

واستدل أصحاب المذهبين الأولين بِمَا روي من طريق ابن أبي ذئب، عن صالح بن نبهان ( ) مولى التوأمة ، عن أبي هُرَيْرَةَ مرفوعاً : (( من صلى عَلَى جنازة في المسجد فَلاَ شيء لَهُ )) .

واختلف عَلَى ابن أبي ذئب في لفظه ، فرواه :

أبو داود الطيالسي( ) ومعمر( ) وسفيان الثوري ( ) وحفص بن غياث ( ) وعلي

 

ابن الجعد ( ) ، ومعن ( ) بن عيسى ( ) عَنْهُ بهذا اللفظ .

ورواه وكيع ( ) عَنْهُ ، بلفظ : (( فليس لَهُ شيء )) .

ورواه يَحْيَى بن سعيد ( ) عَنْهُ ، بلفظ : (( فَلاَ شيء عَلَيْهِ )) .

ورواه ابن الجعد، عن الثوري( )، عن ابن أبي ذئب ، بلفظ : (( فليس لَهُ أجر )) .

وهذا كله من تصرف الرُّوَاة بألفاظ الْحَدِيْث وروايتهم بالمعنى ( ) .

وأعل الْحَدِيْث كَذَلِكَ باختلاط صالح مولى التوأمة ( ) ، وأجيب : بأن رِوَايَة ابن أبي ذئب عَنْهُ قَبْلَ الاختلاط ( ) .

 

النموذج الثاني :

حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رَسُوْل الله قَالَ : (( إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة ، فما أدركتم فصلّوا ، وما فاتكم فأتِمّوا )) ( ) .

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث عن أبي هُرَيْرَةَ ستة من التابعين ، وحصل خلاف في لفظه عَلَى النحو الآتي :

عَبْد الرَّحْمَان بن يعقوب الحرقي . ولَمْ يختلف عَلَى ابنه فِيْهِ .

رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ (( فأتموا )) ، أخرجه مالك ( ) ، ومن طريقه الشافعي ( ) وأحمد ( ) والبخاري في القراءة خلف الإمام ( ) والطحاوي ( ) . وأخرجه من غَيْر طريق مالك : البخاري في القراءة ( ) ومسلم ( ) .

مُحَمَّد بن سيرين . وَلَمْ يختلف عَلَيْهِ فِيْهِ ، رَوَاهُ بلفظ : (( فاقضوا )) . وأخرج روايته أحمد ( ) والبخاري في القراءة ( ) ومسلم في الصَّحِيْح ( ) .

أبو رافع ( ). وَلَمْ يختلف عَلَيْهِ فِيْهِ ، رَوَاهُ بلفظ : (( فاقضوا )) . وروايته عِنْدَ أحمد( ).

همام بن منبه ( ) . رَوَاهُ عَنْهُ عَبْد الرزاق ( ) ومن طريقه مُسْلِم ( ) وأبو عوانة ( ) والبيهقي ( ) بلفظ : (( فأتموا )) .

ورواه أحمد ( ) عن عَبْد الرزاق بلفظ : (( فاقضوا )) .

أبو سلمة بن عَبْد الرَّحْمَان بن عوف . واختلف عَلَيْهِ في لفظه : مِنْهُمْ مَنْ رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ : (( فأتموا )) ، وممن رَوَاهُ عَلَى هَذَا الوجه :

1. الزهري : ورواه عَنْهُ :

مُحَمَّد بن أبي حفصة ( ) ، عِنْدَ أحمد ( ) .

عُقيل بن خالد الأيلي ، عِنْدَ أحمد ( ) والبخاري في القراءة ( ) .

شعيب بن أبي حمزة ، وروايته أخرجها البُخَارِيّ ( ) .

يَحْيَى بن سعيد الأنصاري ( )، عِنْدَ البُخَارِيّ في القراءة ( ) .

يزيد بن الهاد ، كَمَا أخرجها البُخَارِيّ في القراءة ( ) .

يونس بن يزيد الأيلي ، وروايته عِنْدَ مُسْلِم ( ) وأبي داود ( ) .

معمر بن راشد الأزدي ، عِنْدَ التِّرْمِذِيّ ( ) .

2. عمر  بن أبي سلمة( ) ، رَوَاهُ عَنْهُ :

سعد بن إبراهيم ، عِنْدَ ابن أبي شيبة ( ) وأحمد ( ) .

أبو عوانة الوضاح بن عَبْد الله ( ) ، عِنْدَ أحمد ( ) .

ومِنْهُمْ من رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ : (( فاقضوا )) ، وممن رَوَاهُ عَلَى هَذَا اللفظ :

1. الزهري ، ورواه عَنْهُ :

يونس بن يزيد الأيلي ، عِنْدَ البُخَارِيّ في القراءة ( ) .

سليمان ( ) بن كَثِيْر العبدي ، عِنْدَ البخاري في القراءة ( ) .

2. عمر بن أبي سلمة ، رَوَاهُ عَنْهُ :

سعد بن إبراهيم ، عِنْدَ عَبْد الرزاق ( ) ومن طريقه أحمد ( ) .

3. سعد بن إبراهيم ، عِنْدَ الطيالسي ( ) وأحمد ( ) وأبي داود ( ) .

سعيد بن المسيب . واختلف عَلَيْهِ في لفظه ، مِنْهُمْ مَن رَوَاهُ عَنْهُ بلفظ : (( فأتموا )) ، وممن رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى هَذَا الوجه :

1. الزهري ، رَوَاهُ عَنْهُ :

معمر بن راشد ، عِنْدَ عَبْد الرزاق ( ) ومن طريقه أحمد ( ) والترمذي ( ) .

سُفْيَان بن عيينة ، في رِوَايَة الدارمي ( ) من طريق أبي نُعَيْم عَنْهُ .

وروي أيضاً عَنْهُ بلفظ : (( فاقضوا )) ، رَوَاهُ عَنْهُ :

1. الزهري،ورواه عن الزهري سُفْيَان بن عيينة في رِوَايَة جمع من الحفاظ عَنْهُ،وهم:

عَلِيّ بن المديني ، عِنْدَ البُخَارِيّ في القراءة ( ) .

أبو نُعَيْم الفضل بن دكين ( )، في رِوَايَة البُخَارِيّ في القراءة ( ) .

الحميدي عَبْد الله بن الزبير ، كَمَا في مسنده ( ) .

ابن أبي شيبة ، في مصنفه ( ) ، ومن طريقه مُسْلِم ( ) .

أحمد بن حنبل ، في مسنده ( ) .

ابن أبي عمر العدني ( ) ، عِنْدَ الترمذي ( ) .

عَبْد الله بن مُحَمَّد بن عَبْد الرحمان ( ) عِنْدَ النسائي ( ).

زهير بن حرب ، عِنْدَ مُسْلِم ( ) .

عَمْرو الناقد ( )، عِنْدَ مُسْلِم ( ) .

أبو سلمة وسعيد بن المسيب مقرونين ، واختلف عَلَيْهِمَا فِيْهِ ، فرواه ابن أبي ذئب عن الزهري ، واختلف فِيْهِ :

فرواه حماد عن ابن أبي ذئب بلفظ : (( فاقضوا )) ، هكذا رَوَاهُ أحمد ( ) ، وتابع حماداً آدمُ بن أبي إياس ( ) عِنْدَ البُخَارِيّ في القراءة ( )  .

ورواه ابن أبي فديك( ) عن ابن أبي ذئب بلفظ : (( فأتموا )) ، أخرجه الشَّافِعِيّ( )، وتابع ابن أبي فديك أبو النضر ( ) عِنْدَ أحمد ( ) .

وتابع ابن أبي ذئب في روايته الثانية ، إبراهيم بن سعد ، عِنْدَ مُسْلِم ( ) وابن ماجه ( ) .

وهكذا نجد أنّ الرِّوَايَة بالمعنى أثرت في صياغة الرُّوَاة لمتن الْحَدِيْث، أو المحافظة عَلَى نصه ، لِذَا نجد الحَافِظ ابن حجر يلجأ إِلَى الترجيح بالكثرة خروجاً من الخلاف الَّذِي ولَّدَتْهُ الرِّوَايَة بالمعنى ، فَقَالَ : (( الحاصل أنّ أكثر الروايات وردت بلفظ : (( فأتموا )) ، وأقلها بلفظ : (( فاقضوا )) … )) ( ) .

ويمعن أكثر في الترجيح ، فَيَقُوْلُ : (( قوله : وما فاتكم فأتموا ، أي : فاكملوا : هَذَا هُوَ الصَّحِيْح في رِوَايَة الزهري ، ورواه عَنْهُ ابن عيينة بلفظ (( فاقضوا )) ، وحكم مُسْلِم في التمييز ( ) عَلَيْهِ بالوهم في هَذِهِ اللفظة ، مَعَ أنَّهُ أخرج إسناده في صَحِيْحه ( ) ؛ لَكِنْ لَمْ يسق لفظه، وكذا رَوَى أحمد( ) عن عَبْد الرزاق، عن معمر، عن همام ، عن أبي هُرَيْرَةَ ، فَقَالَ: (( فاقضوا )) ، وأخرجه مُسْلِم عن مُحَمَّد بن رافع ( ) عن عَبْد الرزاق بلفظ : (( فأتموا )) ( ) .

 

 

أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء ( حكم المسبوق في الصَّلاَة ) :

لا بدَّ لنا قَبْلَ الخوض في تفصيل أحكام المسبوق أن نتعرف عَلَى أحوال المأموم في صلاة ما ، وَهُوَ لا يخلو عن ثلاث أحوال :

المدرك : وَهُوَ من صلَّى جَمِيْع الصَّلاَة مَعَ الإمام .

اللاَّحق : مَن فاتته الركعات كلها أو بعضها مَعَ الإمام عَلَى الرغم من ابتدائه الصَّلاَة مَعَهُ ، كأن عرض لَهُ عذر كالنوم أو الزحمة أو غيرها .

المسبوق : مَن سبقه الإمام بكل الصَّلاَة أو ببعضها ( ) .

والذي نودّ التعرف عَلَى حكم إدراكه للصلاة : المسبوق ، وَقَد اختلف الفقهاء في أنّ ما أدركه هَلْ هُوَ أول صلاته أم آخر صلاته ، وأنّ ما يأتي بِهِ بَعْدَ سلام الإمام هَلْ هُوَ أول صلاته أم أنَّهُ يبني عَلَى ما صلّى فتكون آخر صلاته ؟ عَلَى ثلاثة أقوال :

القول الأول : أنّ ما أدركه المسبوق مَعَ الإمام هُوَ أول صلاته حكماً وفعلاً ، وما يقضيه بَعْدَ سلام الإمام آخر صلاته حكماً وفعلاً .

وروي هَذَا عن: عمر ، وعلي ، وأبي الدرداء ( )، وعطاء ، ومكحول ، وعمر بن عَبْد العزيز ( )، والزهري، وسعيد بن عَبْد العزيز ( )، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود ، وابن المنذر .

وَهُوَ رِوَايَة عن الحسن البصري ، وابن سيرين ، وأبي قلابة ( ) .

وإليه ذهب الشافعية ( ) وَهُوَ رِوَايَة عن مالك ( ) وأحمد ( ) ، وبه قَالَ الهادوية والقاسمية والمؤيد بالله والزيدية ( ).

واحتجوا بِمَا ورد في لفظ حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ: (( فأتموا )).

القول الثاني : أنّ ما أدركه المسبوق مَعَ الإمام هُوَ أول صلاته بالنسبة للأفعال ، وآخرها بالنسبة للأقوال ، بمعنى أنَّهُ يَكُوْن قاضياً في القول بانياً في الفعل .

روي هَذَا عن : ابن مسعود ، وابن عمر ، والنخعي ، ومجاهد ، والشعبي ، وعبيد ابن عمير ( ) ، والثوري ، والحسن بن صالح ( ).

وَهُوَ الرِّوَايَة الأخرى عن : الحسن البصري ، وابن سيرين ، وأبي ( )قلابة ( ). وبه قَالَ الحنفية ( ) ، والمشهور من مذهب مالك ( ) ، والأشهر في مذهب أحمد ( ) ، وظاهر مذهب ابن حزم ( ) .

واستدلوا بالرواية الأخرى في حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ : (( فاقضوا )) .

القول الثالث : أنّ ما أدركه المسبوق مَعَ أمامه هُوَ آخر صلاته قولاً وفعلاً ، وما بقي أولها .

روي هَذَا عن جندب بن عَبْد الله ( )، وَهُوَ رِوَايَة عن مالك ( ) وأحمد ( ) .

 

 

النموذج الثالث

الاختلاف في رِوَايَة حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ في كفارة الإفطار في رَمَضَان

اختُلِفَ عَلَى الزهري في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث ، إذ رَوَاهُ بعضهم عن الزهري ، عن حميد بن عَبْد الرَّحْمَان ( )، عن أبي هُرَيْرَةَ ، أنّ رجلاً أفطر في رَمَضَان ، فأمره رَسُوْل الله أن يكفر بعتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكيناً ، فَقَالَ : لا أجد فأُتِي رَسُوْل الله بعرق تمر ، فَقَالَ : (( خذ هَذَا فتصدق بِهِ )) ، فَقَالَ : (( يا رَسُوْل الله ! ما أجد أحداً أحوج إِلَيْهِ مني )) فضحك رَسُوْل الله حَتَّى بدت أنيابه ، ثُمَّ قَالَ: (( كُلْهُ )) . والذي رَوَاهُ بهذه الرِّوَايَة مالك ( ) ، ويحيى ابن سعيد( )، وابن جريج ( ) ، وأبو( ) أويس ( ) ، وعبد الله ( ) بن أبي بكر ( )، وفليح ( ) بن سليمان ( )، وعمر بن عثمان ( ) المخزومي ( )، ويزيد ( ) بن عِيَاض( )، و( ) شبل ( ) ، وعبيد الله ( ) بن أبي زياد ( ) ، والليث بن سعد في رِوَايَة أشهب بن عَبْد العزيز( ) عَنْهُ ( ) ، وسفيان بن عيينة في رِوَايَة نعيم بن حماد ( ) عَنْهُ ( ) ، وإبراهيم بن سعد في رِوَايَة عمار بن مطر ( ) عَنْهُ ( ) ، كلهم عن الزهري ، بِهِ . وروي مِثْل ذَلِكَ من طريق مجاهد ( ) ومُحَمَّد ( ) بن كعب ( ) ، عن أبي هُرَيْرَةَ . وفي هَذِهِ الروايات الكفارة عَلَى التخيير : عتق أو صيام أو إطعام ، وخالفهم من هم أكثر مِنْهُمْ عدداً فرووه ، عن الزهري ، عن حميد بن عَبْد الرَّحْمَان ، عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ : (( جاء رجل إِلَى النَّبِيّ ، فَقَالَ : هلكت يا رَسُوْل الله ، قَالَ : وما أهلكك ؟ قَالَ : وقعت عَلَى امرأتي في رَمَضَان … )) ، وجعلوا الكفارة فِيْهِ مقيدة بالترتيب، والذي رَوَاهُ بهذا اللفظ سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ ( ) ، والليث بن سعد ( )، ومعمر ( )، ومنصور بن المعتمر ( )، والأوزاعي ( )، وشعيب( )، وإبراهيم بنسعد( )، وعراك ( ) بن مالك ( )، وعبد الجبار ( ) بن عمر ( )، وعبد الرَّحْمَان ( ) ابن المسافر ( )، والنعمان ( ) بن راشد ( )، وعقيل ( )، ومُحَمَّد بن أبي حفصة ( ) ، ويونس ( ) ، وحجاج( ) بن أرطاة ( ) ، وصالح ( ) بن أبي الأخضر ( ) ، ومُحَمَّد بن إسحاق ( ) ، وعبيد الله بن عمر ( )، وإسماعيل ( ) بن أمية ( ) ، ومُحَمَّد ( ) بن أبي عتيق ( ) ، وموسى ( ) بن عقبة ( )، وعبد الله ( ) بن عيسى ( ) ، وهَبَّار ( ) بن عقيل ( ) ، وإسحاق بن يَحْيَى ( ) العوضي ( ) ، وثابت ( ) بن ثوبان ( ) ، وقرة بن عَبْد الرَّحْمَان ( ) ، وزمعة ( ) بن صالح ( ) ، وبحر( ) السقاء ( ) ، والوليد( ) بن مُحَمَّد ( ) ، وشعيب بن خالد ( ) ، ونوح ( ) بن أبي مريم ( ) ، جميعهم عن الزهري ، بِهِ قَالَ البُخَارِيّ : (( وحديث هَؤُلاَءِ أبين )) ( ) ،وَكَذَلِكَ هَذِهِ اللفظة في رِوَايَة الوليد بن مُسْلِم، عن مالك والليث ( )، وفي رِوَايَة حماد بن مسعدة ( ) عن مالك ( )، وتابع هَذِهِ الروايات هشام بن سعد؛ إلاّ أنَّهُ رَوَاهُ عن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هُرَيْرَةَ ( ) ، وروى هَذَا الْحَدِيْث بهذا اللفظ عن أبي هُرَيْرَةَ سعيد بن المسيب ( ) أيضاً .

وَقَالَ البيهقي : (( ورواية الجماعة ، عن الزهري مقيدة بالوطء ناقلة للفظ صاحب الشرع أولى بالقبول لزيادة حفظهم ، وأدائهم الْحَدِيْث عَلَى وجهه )) ( ) .

 

أثر حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ في اختلاف الفقهاء

اختلف الفقهاء في وجوب الكفارة عَلَى مَن أفطر عامداً بغير الجماع

جمهور الفقهاء ( ) يرون وجوب الكفارة عَلَى مَن جامع عامداً في نهار رَمَضَان ؛ وَلَكِنْ حكى العبدري( ) وغيره : أن سعيد بن جبير ( ) ، والشعبي ( ) ، ومُحَمَّد بن

سيرين ( ) ، وقتادة ( ) ، والنخعي ( ) ، قالوا : لا كفارة عَلَيْهِ في الوطء أو غيره ، وذهب الزيدية إِلَى أنّ الكفارة مندوبة ( ) .

وَلَكِنَّ الفقهاء اختلفوا في الإفطارِ عامداً في رَمَضَان بغير الجماع ، هَلْ يوجِب الكفارة أم لا ؟

فذهب أبو حَنِيْفَةَ ( ) إِلَى أنّ الكفارة تجب عَلَى مَن جامع في نهار رَمَضَان وَهُوَ صائم وعلى مَن أفسد صومه بأكل أو شرب ما يتغذى أو يتداوى بِهِ، بمعنى أنّه : متى ما حصل الفطر بِمَا لا يتغذى أو يتداوى بِهِ عادة فعليه القضاء دُوْنَ الكفارة ؛ وذلك لأنّ وجوب الكفارة يوجب اكتمال الجناية، والجناية تكتمل بتناول ما يتغذى أو يتداوى بِهِ( ).

في حِيْن ذهب الحسن( )، وعطاء ( )، والزهري ( )، والأوزاعي( )، والثوري ( )، ومالك ( ) ، وعبد الله بن المبارك ( ) ، وإسحاق ( ) ، وأبو ثور ( ) ، أن مَن أفطر عامداً في رَمَضَان بأكل أو شرب أو جماع ، فإنّ عَلَيْهِ القضاء والكفارة ؛ وذلك لأنهم استدلوا بظاهر لفظ الْحَدِيْث ( أنّ رجلاً أفطر في رَمَضَان ) فليس فِيْهِ تخصيص فطر بشيء دُوْنَ الآخر كَمَا يمكن قياس الأكل أو الشرب عَلَى الجماع؛ بجامع ما بَيْنَهُمَا من  انتهاك لحرمة الصوم ( ) .

وذهب سعيد بن المسيب ( ) ، والشافعي ( ) ، والصحيح من مذهب أحمد ( ) ، والظاهرية ( )، إِلَى عدم وجوب الكفارة عَلَى مَن أفطر عامداً في رَمَضَان إلا عَلَى المجامع، وحملوا الإفطار في الرِّوَايَة الأولى للحديث عَلَى تقييد الرِّوَايَة الثانية بالجماع فَقَطْ. أما القياس ، فَقَدْ قَالَ البغوي: (( يختص ذَلِكَ بالجماع ؛ لورود الشرع بِهِ، فَلاَ يقاس عَلَيْهِ سائر أنواع الفطر كَمَا لا يقاس عَلَيْهِ سائر أنواع الفطر ؛ كَمَا لا يقاس عَلَيْهِ القيء وابتلاع الحصاة مَعَ استوائهما في بطلان الصوم ، ووجوب القضاء )) ( ) .

وفي رِوَايَة عن أحمد : أنَّهُ تجب الكفارة عَلَى المجامع في نهار رَمَضَان عامداً أم

ناسياً ( ) .

ويتفرع عَلَى هَذَا أيضاً

اختلاف الفقهاء في الكفارة هَلْ هِيَ عَلَى الترتيب أَمْ عَلَى التخيير ؟

اختلف الفقهاء في تحديد الكفارة عَلَى مَن أفطر عامداً في رَمَضَان هَلْ هِيَ مقيدة بالترتيب أم أنها عَلَى التخيير ؟

فذهب أبو حَنِيْفَةَ ( ) ، والأوزاعي ( ) ، والثوري ( ) ، والشافعي ( ) ، وأحمد في أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ( ) ، إِلَى أنّ الكفارة مقيدة عَلَى الترتيب الوارد في الْحَدِيْث ، فهي عتق رقبة ، فإن لَمْ يجد فصيام شهرين متتابعين ( ) ، فإن لَمْ يستطع ، فإطعام ستين مسكيناً ، وَهُوَ مذهب الظاهرية ( ) ، والزيدية ( ) .

في حِيْن ذهب مالك وأصحابه ( ) ، وأحمد في رِوَايَة عَنْهُ ( ) إِلَى أنّ الكفارة عَلَى التخيير ، أي : أنَّهُ مخيّر بَيْنَ العتق أو الصيام أو الإطعام بأيِّها كفّر فَقَدْ أوفى ، واستدلوا برواية مالك وابن جريج ومَن تابعهم لحديث أبي هُرَيْرَةَ ( أمره رَسُوْل الله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكيناً ) ، و ( أو ) هنا تقتضي التخيير ، واختار مالك الإطعام ؛ لأنَّهُ يشبه البدل من الصيام ، فَقَالَ مالك : (( الإطعام أحب إليَّ في ذَلِكَ من العتق وغيره )) ( ) ، وَعَنْهُ في رِوَايَة أخرى – جواباً لسائله –: (( الطعام ، لا نعرف غَيْر الطعام لا يأخذ مالك بالعتق ولا بالصيام )) ( ) .

وذهب الحسن البصري ( ) إِلَى التخيير بَيْنَ العتق ، ونحر بدنة ، واستدل بحديث أرسله هُوَ (( أنّ النَّبِيَّ قَالَ في الَّذِي وطئ امرأته في رَمَضَان : رقبة ثُمَّ بدنة )) ( ) .

وروي عن الشعبي ( ) ، والزهري ( ) أنّ مَن أفطر في رَمَضَان عامداً فإنّ عَلَيْهِ عتق رقبة ، أو إطعام ستين مسكيناً ، أو صيام شهرين متتابعين مَعَ قضاء اليوم . قَالَ ابن عَبْد البر : (( وفي قَوْل الشعبي والزهري ما يقضي لرواية مالك بالتخيير في هَذَا الْحَدِيْث )) ( ) .

 

المبحث الثاني

مخالفة الْحَدِيْث للقرآن الكريم

من المتفق عَلَيْهِ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ أنّ القرآن الكريم من حَيْثُ الثبوت قطعي لا مراء فِيْهِ، في حين أنّ خبر الآحاد لا يعدو كونه ظني الثبوت ، إذ إنّ احتمال وجود الخطأ في رِوَايَة الحفاظ الثقات أمر وارد ، وَقَدْ قَالَ الإمام أحمد : (( ومن ذا الَّذِي يعرى من التصحيف والخطأ )) ( ) .

ومع توافر هَذِهِ الشبهة في خبر الآحاد ، فإنه لا مجال للقول بقطعية ثبوته ؛ لأنّ (( ما فِيْهِ شبهة لا يعارض ما لَيْسَ فِيْهِ شبهة )) ( ) . ومن ثَمَّ فإنه لا وجه للقول باستوائهما من ناحية الاستدلال ، فضلاً عن تعارضهما ؛ لذا نجد فقهاء الحنفية ( ) وبعض فقهاء المالكية ( ) عند معارضة خبر الآحاد للقرآن الكريم يوجبون ردّه ، أو تأويله عَلَى وجه يجمع بَيْنَهُمَا .

ويُعلّلون هَذَا الاشتراط : بأنّ (( خبر الواحد يحتمل الصدق والكذب ، والسهو والغلط ، والكتاب دليل قاطع ، فَلاَ يقبل المحتمل بمعارضة القاطع ، بَلْ يخرج عَلَى موافقته بنوع تأويل )) ( ) .

وبالمقابل فإننا نجد الجُمْهُوْر يلغون هَذَا الاشتراط ، ويجوزون تخصيص عموم نصوص الكِتَاب بخبر الواحد عِنْدَ التعارض، كَمَا يجوز تقييد ما أطلق من نصوصه بِهَا ( )؛ وذلك أنّ الحنفية ومن وافقهم يرون الزيادة عَلَى النص نسخاً ( ) ، وكيف يصح رفع المقطوع بالمظنون ؟

والجمهور يقولون : إنّ الزيادة عَلَى النص ليست من باب النسخ دائماً ( ) ، وإنما قَدْ تَكُوْن بياناً ، أو تخصيصاً ، أو تقييداً . وفي مسألة البيان لا يشترط تكافؤ الأدلة من حَيْثُ عدد ناقليها .

ونستطيع أن نتلمس أثر هَذَا الخلاف في اختلاف الفقهاء من خلال الأمثلة الآتية :

النموذج الأول :

حَدِيْث فاطمة بنت قيس قالت: (( طلقني زوجي ثلاثاً لَمْ يجعل لي سكنى ولا نفقة، فأتيت رَسُوْل الله فذكرت لَهُ ذَلِكَ ، فقلت لَهُ : إنَّهُ لَمْ يجعل لي سكنى ولا نفقة ، قَالَ : صدق )) ( ) .

رَوَاهُ مالك ( )، والشافعي ( )، وعبد الرزاق ( )، والحميدي ( )، وسعيد( ) بن مَنْصُوْر( )، وابن سعد( )، وابن الجعد( )، وابن أبي شيبة( )، وأحمد( )، والدارمي( )، ومسلم ( )، وأبو داود ( )، وابن ماجه( )، والترمذي( )، والنسائي( )، وابن( ) الجارود( )، و( ) الطبري ( )، والطحاوي ( )، وابن حبان ( )، وغيرهم ( ) .

وَقَد اختلف الفقهاء في المطلقة ثلاثاً ( المطلقة غَيْر الرجعية ) إذا لَمْ تَكُنْ حاملاً ، هَلْ تجب لها النفقة والسكن أم لا ؟ عَلَى ثلاثة أقوال :

القول الأول : أنّ المطلقة البائن بينونة كبرى غَيْر الحامل تجب لها النفقة والسكنى عَلَى الزوج المُطَلِّق .

روي ذَلِكَ عن: عمر ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وعائشة ( )، والنخعي ، وابن شبرمة ( ) ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وعثمان البتي ( ) ، وعبيد الله بن الحسن ( ) العنبري ( ) .

وَهُوَ رِوَايَة عن سعيد بن المسيب ( ) .

وبه قَالَ الحنفية ( ) .

واستدلوا : بأنّ الله – تبارك وتعالى – افتتح سورة الطلاق بقوله – جل ذكره –: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ ( ) ، فإنّ الخطاب فِيْهَا شامل للمطلقة الرجعية والمبتوتة ، فلما قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ بآيات : أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ( ) كان أمراً شاملاً للجميع ، فدخلت تحته البائنة والرجعية واستويتا في الحكم من حَيْثُ وجوب السكن ( ) .

وأجابوا عن حَدِيْث فاطمة بأنه مخالف لنص القرآن الصريح، واستناداً إِلَى هَذِهِ المخالفة رد حديثها سيدنا عمر بن الخطاب فروى الطحاوي عَنْهُ أنَّهُ قَالَ : (( لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت )) ( ) .

القول الثاني : لَيْسَ للمطلقة المبتوتة الحائل نفقة أيّاً كَانَت ولا سكن .

روي ذَلِكَ عن: عَلِيٍّ ، وابن عَبَّاسٍ ، وجابر ( )، وطاوس ، وعمرو بن ميمون ( )، والزهري ، وعكرمة ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود ( ) .

وَهُوَ رِوَايَة عن : الحسن البصري ، وعطاء ، والشعبي ( ) .

وإليه ذهب أحمد في المَشْهُوْر من مذهبه ( ) ، وبه قَالَت الظاهرية ( ) ، والإمامية ( ) .

واستدلوا بحديث فاطمة ، وقالوا : لا تعارض بينه وبين نصوص الكِتَاب ، وَهُوَ

(( حَدِيْث صَحِيْح صريح في دلالته وأنه يعتبر مخصصاً لعموم آيات الإنفاق والسكن للمعتدات ، وَلَيْسَ بمستغرب أن تَكُوْن السنة النبوية مخصصة لعام القرآن أو مقيدة لمطلقه كَمَا هُوَ معروف في أصول الفقه )) ( ) .

القول الثالث : لها السكن دُوْنَ النفقة .

روي هَذَا عن الفقهاء السبعة ( ) ، والأوزاعي ، وابن أبي ليلى ( ) .

وَهُوَ رِوَايَة عن : سعيد بن المسيب ، والحسن ، وعطاء ، والشعبي ( ) .

وإليه ذهب المالكية ( ) والشافعية ( ) ، والزيدية ( ) ، وأحمد في رِوَايَة ( ) .

 

النموذج الثاني :

حكم القضاء باليمين مَعَ الشاهد

إذا أقام المدعي نصاب الشهادة كاملاً ، وقبل الْقَاضِي مِنْهُمْ شهاداتهم ، حكم بِمَا ادّعاه المدعي بلا خلاف بَيْنَ الْعُلَمَاء ( ) .

وإذا لَمْ يكتمل النصاب وطلب المدَّعِي يمين المدَّعَى عَلَيْهِ ، فحلف المدَّعَى عَلَيْهِ سقطت دعوى المدَّعِي ؛ لأن اليمين للمدَّعَى عَلَيْهِ بقوله عَلَيْهِ الصَّلاَة والسلام : (( البَيِّنَة عَلَى المدَّعِي واليمين عَلَى مَن أنكر )) ( ) . فإن حلف المدَّعِي فهل تقوم يمينه مقام النقص الحاصل في نصاب الشهادة ؟

اتَّفق الفقهاء عَلَى أنَّهُ لا يقضى باليمين ، والحالة هَذِهِ في الحدود ، واختلفوا فِيْمَا سوى ذَلِكَ عَلَى أربعة مذاهب :

الأول : يقضى بالشاهد مَعَ اليمين فِيْمَا سوى الحدود ، من غَيْر فرق بَيْنَ القصاص وسائر الحقوق ، وبه قَالَ ابن حزم ( ) .

الثاني : يقضى بِهِ فِيْمَا سوى الحدود والقصاص ، وَهُوَ قَوْل الهادوية ( ) .

الثالث : يقضى بِهِ في الأموال فَقَطْ ، روي هَذَا عن الخلفاء الأربعة ، وأُبَيّ ابن كعب ( ) ، وابن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والقاسم بن مُحَمَّد ( ) ، وأبي بكر بن عَبْد الرَّحْمَان ( ) ، وخارجة بن زيد ( ) ، وعبيد الله بن عَبْد الله بن عتبة ( ) ، وسليمان بن يسار ( ) ، والحسن ، وشريح ( ) ، وإياس بن معاوية ( )، وعلي ابن الْحُسَيْن ( )، ومُحَمَّد الباقر ( )، وربيعة الرأي ( )، وأبي الزناد ، وابن أبي ليلى ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأبي عُبيد ، وداود بن علي .

وَهُوَ رِوَايَة عن عروة بن الزبير ، وعمر بن عَبْد العزيز ، وروي عن ابن سيرين ، ويحيى بن يعمر( ) ، والزهري ( ) .

وإليه ذهب المالكية ( ) والشافعية ( ) ، والحنابلة ( ) .

وكانت إحدى الحجج المشتركة بَيْنَ هَذِهِ المذاهب ثلاثتها ، حَدِيْث : (( أن النَّبِيَّ قضى باليمين مَعَ الشاهد )) . وسيأتي الكلام عَنْهُ .

الرابع : أنَّهُ لا يقضى باليمين مَعَ الشاهد في شيء مطلقاً .

روي ذَلِكَ عن الشعبي، والنخعي، وعطاء ، والثوري، والأوزاعي ، وابن شبرمة ، وإبراهيم ، والحكم بن عتيبة ( ) .

وَهُوَ رِوَايَة عن : عروة بن الزبير ، والزهري ، وعمر بن عَبْد العزيز ( ) .

وبه قَالَ أبو حَنِيْفَةَ وأصحابه ( ) .

وذكر ابن عَبْد البر أن هَذَا القول لَمْ يرو عن أحد من الصَّحَابَة ( ) .

وأجابوا عن الْحَدِيْث بأنه معارض لنص القرآن الكريم ، وَهُوَ قوله تَعَالَى :

وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ ( ) ، والمانع من العمل بهذا الخبر أنَّهُ آحاد معارض للكتاب العزيز ( ) .

وأجاب الجُمْهُوْر عن هَذَا الاعتراض بأن هَذَا الْحَدِيْث في أقل تقديراته يَكُوْن مشهوراً ، فَقَدْ روي عن عدة من الصَّحَابَة هم :

1. عَبْد الله بن عَبَّاسٍ : أخرجه الشَّافِعِي ( ) وأحمد ( ) ومسلم ( ) وأبو داود ( ) والنسائي ( ) وابن ماجه ( ) وأبو يعلى( ) وابن الجارود ( ) والطحاوي ( ) والطبراني ( ) والبيهقي ( ) .

2. أبو هُرَيْرَةَ : عِنْدَ الشَّافِعِي ( ) والترمذي ( ) وأبي داود ( ) وابن ماجه ( ) والطحاوي ( ) .

3. جابر بن عَبْد الله: عِنْدَ أحمد( ) وابن ماجه( ) وابن الجارود( ) والبيهقي( ).

4. سُرَّق( ) : عِنْدَ ابن ماجه ( ) والبيهقي ( ) .

وَقَدْ روي أيضاً من حَدِيْث: عمر، وعلي، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري( )، وزيد ابن ثابت( )، وابن عَمْرو( )، وسعد بن عبادة( )، والمغيرة بن شعبة، وبلال بن الحارث( )، وعمارة بن حزم ( ) ، ومسلمة بن قيس ( ) ، وعامر بن ربيعة ( ) ، وسهل بن سعد ، وتميم الداري ( ) ، وأنس ، وأم المؤمنين أم سلمة ( ) ، وزينب بنت ثعلبة ( ) .

وإذا قُلْنَا : إنَّهُ مشهور فإنه يعتبر بياناً للكتاب ، ويصح كونه مخصصاً لعام القرآن كَمَا هُوَ مقرر في أصولهم ( ) .

 

المبحث الثالث

مخالفة الْحَدِيْث لحديث أقوى مِنْهُ

مِمَّا لا شك فِيْهِ أن الأحكام الشرعية مصدرها واحد ، هُوَ الله –تبارك وتعالى– وإذا كَانَ الأمر كَذَلِكَ ، فَقَدْ ذهب كَثِيْر من الْعُلَمَاء إِلَى أنَّهُ يمتنع أن يرد في التشريع دليلان متكافئان في الأمر نفسه ، بِحَيْثُ لا يَكُوْن لأحدهما مرجح مَعَ تعارضهما من كُلّ وجه ( ) .

لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ فقد وجدنا عدداً من أدلة الأحكام الشرعية بدت للناظر – من أول وهلة – أنها متعارضة من حَيْثُ الظاهر ، والحقيقة أنَّهُ لا تعارض بَيْنَها ؛ لذا كَانَ الإمام ابن خزيمة يَقُوْل : (( لا أعرف أنَّهُ روي عن النَّبِيّ حديثان بإسنادين صحيحين متضادين ، فمن كَانَ عنده فليأتني بِهِ لأؤلِّف بَيْنَهُمَا )) ( ) .

وَقَد تقاسم المحدّثون والأصوليون الاهتمام بهذا الجانب ، وكرَّسوا لَهُ جزءاً لا يستهان بِهِ من طاقاتهم الفكرية ؛ وذلك من خلال إشباعه بحثاً في مصنفاتهم . فالأصوليون أفردوا لَهُ باباً أسموه " التعارض والترجيح " ، وأما المحدّثون فَقَدْ خصوه بنوع من أنواع علم الْحَدِيْث أسموه " مختلف الْحَدِيْث " تحدّثت عَنْهُ كتب المصطلح ، وأفرده قسم مِنْهُمْ بالتأليف المستقل .

وَقَدْ سلك الفريقان إزاء هَذَا الاختلاف الظاهري ثلاثة مسالك ، هِيَ :

الجمع .

النسخ .

الترجيح .

وهذه المسالك ليست تخيرية للمجتهد ، بَلْ هِيَ واجبة حسب ترتيبها ، فالمجتهد يطلب الجمع بوجه من الوجوه الممكنة من غَيْر تعسف ؛ لأن في الجمع إعمالاً للدليلين معاً ، وإعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما أو إهمال جميعها ( ) .

فإن لَمْ يهتدِ إِلَى وجه الجمع ، فإن علم تاريخ المتقدم من المتأخر قِيْلَ بالنسخ ، فإن عدم أيضاً صير إِلَى الترجيح بوجه من وجوهه المعتبرة ( ) .

ثُمَّ إن هَذَا التعارض إنما يَكُوْن متجهاً فِيْمَا إذا تساوى الدليلان من حَيْثُ القوة ، أما إذا كَانَ أحدهما صحيحاً والآخر ضعيفاً ، فَلاَ اعتبار بمخالفة الضعيف ، إذ الضعيف غَيْر معتبر في نفسه ، فكيف تستقيم معارضته لما هُوَ أقوى مِنْهُ ؟

وَقَد اختلفت مناهج الفقهاء والمدارس الفقهية في سلوك مسالك دفع التعارض بَيْنَ الأدلة الشرعية المتكافئة المتعارضة من حَيْثُ الظاهر ، فمنهم من يتبين لَهُ وجه جمع بينها ، ومنهم من قَد يرى في الجمع تكلفاً فيلجأ إِلَى القول بالنسخ … وهكذا ، مِمَّا أدّى إِلَى ظهور خلاف بَيْنَ الفقهاء في استنباط الأحكام الَّتِي دلّت عَلَيْهَا تِلْكَ الأدلة، ويتضح ذَلِكَ من الأمثلة الآتية :

النموذج الأول :

مَن يثبت لَهُ حقّ الشفعة :

اختلف الفقهاء فيمن يثبت لَهُ حق الشفعة عَلَى مذهبين :

المذهب الأول : تثبت الشفعة بالخلطة، أي: أن الَّذِي يستحق الشفعة هُوَ الشريك الَّذِي لا تزال شركته قائمة ، وَهُوَ المسمى : الشريك في عين المبيع فَقَطْ .

وبهذا قَالَ جمهور الْفقهاء، روي هَذَا عن عمر وعثمان ( ) وعلي وابن عَبَّاسٍ وجابر وعمر بن عَبْد العزيز وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة بن أبي عَبْد الرَّحْمَان وأبي الزناد والمغيرة بن عَبْد الرَّحْمَان( ) والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر ( ) .

وإليه ذهب المالكية ( ) والشافعية ( ) والحنابلة ( ) والإمامية ( ) .

وهناك من أثبت حق الشفعة – إضافة للشريك في عين المبيع – للشريك في حق المبيع .

وَهُوَ رِوَايَة عن الإمام أحمد( )، واختارها ابن تيمية( ) وابن القيم( ) من الحنابلة ( )، وبنحوه قَالَ ابن حزم ( ) ؛ إلا أنَّهُ لَمْ يجعلها للشريك في حق المبيع مطلقاً ، وإنما خصّها بكونه شريكاً في الطريق فَقَطْ .

المذهب الثاني : أثبتوا حقّ الشفعة للجار والشريك عَلَى تفاصيل لَهُمْ في تعيين من هُوَ أولى بِهَا .

وبهذا قَالَ : ابن شبرمة والثوري وابن المبارك وابن أبي ليلى ( ) .

وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ وأصحابه ( ) . وبنحوه قَالَ الزيدية ( ) .

واستدل أصحاب المذهب الثاني بِمَا رَوَاهُ عَبْد الملك بن أبي سليمان العرزمي( ) ، عن عطاء ، عن جابر، مرفوعاً: (( الجار أحق بشفعة جاره، ينتظر بِهَا ، وإن كَانَ غائباً ، إذا كَانَ طريقهما واحداً )) .

رَوَاهُ الطيالسي ( ) وعبد الرزاق ( ) وابن أبي شيبة ( ) وأحمد ( ) والدارمي ( ) وأبو داود ( ) وابن ماجه ( ) والترمذي ( ) وفي العلل الكبير ( ) والنسائي ( ) والطحاوي ( ) والطبراني ( ) البيهقي ( ) وابن عَبْد البر ( ) .

واستدل أصحاب المذهب الأول بِمَا رواه أبو سلمة بن عَبْد الرَّحْمَان ، عن جابر مرفوعاً : (( الشفعة فِيْمَا لَمْ يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق ، فَلاَ شفعة)).

رَوَاهُ الشافعي ( ) والطيالسي ( ) وعبد الرزاق ( ) وأحمد ( ) وعبد بن حميد ( ) والبخاري( ) وأبو داود( ) وابن ماجه( ) والترمذي( ) وابن الجارود( ) و الدولابي( ) والطحاوي ( ) وابن حبان ( ) وابن عدي ( ) والدارقطني ( ) والبيهقي ( ) والبغوي( ) .

وجه الدلالة من هَذَا الْحَدِيْث: أن الأملاك إذا استقلت وتحدد كُلّ مِنْهَا، فَلاَ يبقى هناك مجال للشفعة ، وهذا حال الجار ، إذ مُلْكُهُ بيِّنٌ واضِحٌ ( ) .

وأجابوا عن الْحَدِيْث الَّذِي استدل بِهِ أصحاب المذهب الثاني بعدة أمور ، مِنْهَا :

معارضته لما هُوَ أصح مِنْهُ ، وَهُوَ حَدِيْث جابر الَّذِي استدلوا بِهِ ، قَالَ ابن القيم :

(( والذين ردوا حَدِيْث عَبْد الملك بن أبي سليمان ظنوا أنَّهُ معارض لحديث جابر الَّذِي رَوَاهُ أبو سلمة عَنْهُ : (( الشفعة فِيْمَا لَمْ يقسم ، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق ، فَلاَ شفعة )) .

وفي الحقيقة لا تعارض بَيْنَهُمَا ، فإن منطوق حَدِيْث أبي سلمة انتفاء الشفعة عِنْدَ تمييز الحدود وتصريف الطرق ، واختصاص كُلّ ذي ملك بطريق ، ومنطوق حَدِيْث عَبْد الملك : إثبات الشفعة بالجوار عِنْدَ الاشتراك في الطريق ، ومفهومه : انتفاء الشفعة عِنْدَ تصريف الطرق ، فمفهومه موافق لمنطوق حَدِيْث أبي سلمة وأبي الزبير ، ومنطوقه غَيْر معارض لَهُ ، … )) ( ) .

 

المبحث الرابع

مخالفة الْحَدِيْث لفتوى راويه أو عمله

وضع الحنفية شروطاً للعمل بخبر الآحاد، يمكن أن تَكُوْن عاضداً للظن الَّذِي يوجبه خبر الواحد ( ) .

ومن بَيْن تِلْكَ الشروط : أن لا يعمل الرَّاوِي بخلاف روايته ( )، ووافقهم عَلَى هَذَا بَعْض المالكية ( )؛ لأنَّهُ ما عمل بخلافه إلا وَقَدْ تيقن من طريق صحيحة نسخه ، أو صرفه عن ظاهره بتأويله أو تخصيصه ، سواء كَانَ هَذَا من معاينة حال رَسُوْل الله  ، أو سَمَاع نصٍ جلي صريح مِنْهُ ، أو علم إجماع الصَّحَابَة عَلَى خلاف مضمونه، فأوجب هَذَا عَلَيْهِ القول بمقتضى المتأخر من حَيْثُ علمه ( ) .

وفصّل أبو بكر الرازي الجصاص من الحنفية ، فرأى أن الخبر المروي عَلَى هَذِهِ الصورة لا يخلو عن حالتين :

الأولى : أن يَكُوْن الخبر محتملاً للتأويل ، فعند ذَلِكَ لا يؤخذ بتأويل الصَّحَابِيّ فمن دونه ، ويبقى الخبر عَلَى ظاهره معمولاً بمنطوقه ، إلاّ عِنْدَ قيام دلالة عَلَى وجوب صرفه إِلَى ما يؤوله الرَّاوِي .

الثانية : أن لا يحتمل الخبر تأويلاً ، ولا يمكن أن يَكُوْن لفظ الْحَدِيْث تعبيراً من الصَّحَابِيّ ، فهذا الَّذِي يتوقف في قبوله والعمل بِهِ ( ) .

وجمهور الفقهاء والأصوليين عَلَى خلافه ، إذ لا يلزم من مخالفة الصَّحَابِيّ للحديث الَّذِي يرويه ، أن يَكُوْن قَد اطَّلع عَلَى ناسخ لَهُ ، أو بدا لَهُ وجه تأويله ( )، ثُمَّ إن المقتضي للحكم هُوَ ظاهر اللفظ في الخبر ، وَهُوَ قائم ، وما عارضه من فعل الرَّاوِي لا يصلح أن يَكُوْن معارضاً ؛ وذلك لأن احتمال تمسكه بِمَا ظنه دليلاً – مَعَ أنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ – قائم ، وتَدَيّن الصَّحَابِيّ وإحسان الظن بِهِ ، يمنعه من تعمد الخطأ ، أما السهو والغلط فممكن عَلَيْهِ ، كَمَا هُوَ ممكن عَلَى غيره ( ) .

وقول الصَّحَابِيّ – مهما كَانَتْ مكانته – لا تقاوم الوقوف بوجه النص ، لا سيما إذا كَانَ النص لا يحتمل التأويل ، وإنما يعدُّ هَذَا من اجتهادات ذَلِكَ الصَّحَابِيّ ، والأمة ملزمة بالعمل بالنص ، وغير ملزمة بالعمل باجتهادات الصَّحَابَة ، قَالَ الشَّافِعِيّ – رَحِمَهُ اللهُ – : (( كيف أترك الْحَدِيْث بعمل من لَوْ عاصرته لحاججته )) ( ) .

والحديث – إذا صَحَّ سنده واتضحت دلالته – حجة عَلَى الأمة ، بِمَا فِيْهَا الصَّحَابِيّ ( ) ؛ لذا قَالَ ابن القيم: (( والذي ندين الله بِهِ ولا يسعنا غيره – وَهُوَ القصد في هَذَا الباب – أن الْحَدِيْث إذا صَحَّ عن رَسُوْل الله ، وَلَمْ يصح عَنْهُ حَدِيْث آخر ينسخه : أن الفرض علينا وعلى الأمة الأخذ بحديثه وترك كُلّ ما خالفه ، ولا نتركه لخلاف أحد من الناس كائناً من كَانَ لا راويه ولا غيره، إذ من الممكن أن ينسى الرَّاوِي الْحَدِيْث ، أو لا يحضره وقت الفتيا، أو لا يتفطن لدلالته عَلَى تِلْكَ المسألة ، أو يتأول فِيْهِ تأويلاً مرجوحاً ، أو يقوم في ظنه ما يعارضه ، ولا يَكُوْن معارضاً في نفس الأمر، أو يقلّد غيره في فتواه بخلافه ؛ لاعتقاده أنَّهُ أعلم مِنْهُ ، وإنه إنما خالفه لما هُوَ أقوى مِنْهُ ، وَلَوْ قُدّر انتفاء ذَلِكَ كله ، ولا سبيل إِلَى العِلْم بانتفائه ولا ظنه ، لَمْ يَكُنْ الرَّاوِي معصوماً ، وَلَمْ توجب مخالفته لما رَوَاهُ سقوط عدالته ، حَتَّى تغلب سيئاته حسناته ، وبخلاف هَذَا الْحَدِيْث الواحد لا يحصل لَهُ ذَلِكَ )) ( ) .

ومهما يَكُنْ الأمر فإن هَذَا التأصيل قَد انعكس عَلَى المجال الفقهي ، فوجدت خلافات بَيْنَ الفقهاء ، كَانَ مرجعها إِلَى هَذَا الأصل، ونلمس هَذَا جلياً من خلال الأمثلة الآتية :

 

 

النموذج الأول :

اشتراط الولي في النكاح

اختلف الفقهاء في اشتراط إذن الولي لصحة عقد النكاح عَلَى قولين :

الأول : لا يصح عقد النكاح من غَيْر ولي ، وَهُوَ شرط في صحة العقد .

وبهذا قَالَ الجُمْهُوْر ، وَهُوَ مروي عن : عمر وعلي وابن مسعود وابن عَبَّاسٍ وأبي هُرَيْرَةَ وعائشة.وبه قَالَ: سعيد بن المسيب والحسن وعمر بن عَبْد العزيز وجابر بن زيد( ) والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وابن المبارك وعبيد الله العنبري وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد . وَقَد روي عن ابن سيرين والقاسم بن مُحَمَّد والحسن بن صالح ( ) .

وإليه ذهب الشافعية ( ) والمالكية ( ) والحنابلة ( ) والظاهرية ( ) والزيدية ( ) .

وَقَالَ الصاحبان : لا يصح النكاح إلا بولي ، فإذا رضي الولي جاز ، وإن أبى – والزوج كفوء – أجازه الْقَاضِي ( ) .

الثاني : يجوز للمرأة أن تزوج نفسها مِمَّنْ تشاء ، وَلَيْسَ للولي أن يعترض عَلَيْهَا ، إذا وضعت نفسها حَيْثُ ينبغي أن تضعها .

وَهُوَ مروي عن الزهري والشعبي ( ) .

وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ وزفر ( ) .

وأما الإمامية ففصلوا بَيْنَ الثيّب والبكر ، فإن كَانَتْ بكراً رشيدة فَقَد اختلف فقهاؤهم فِيْهَا عَلَى أقوال :

ثبوت الولاية لنفسها في العقد الدائم والمؤقت .

ثبوت الولاية لنفسها في العقد الدائم دُوْنَ المنقطع .

عكس الَّذِي قبله ، أي : ثبوت الولاية لنفسها في العقد المؤقت دُوْنَ الدائم .

لَيْسَ لها ولاية عَلَى نفسها سواء كَانَ العقد دائماً أو منقطعاً ، إذا كَانَ الولي الأب أو الجد للأب .

الكل شركاء في حق الولاية ، فَلاَ يمضي العقد إلا برضا الْجَمِيْع .

فإن عضلها الولي ، وَكَانَ المتقدّم كفوءاً ، وكانت راغبة في الزواج مِنْهُ ، فلها أن تُزَوِّج نفسها إجماعاً في المذهب ( ) .

أما الصغيرة فتثبت ولاية الأب والجد للأب عَلَيْهَا بكراً كَانَتْ أو ثيّباً ، وإذا زوجها أحدهما وَهِيَ صغيرة لزمها عقده ، ولا خيار لها إذا بلغت عَلَى الأشهر عندهم ( ) .

وإذا كَانَتْ ثيّباً بالغةً فليس لأحد ولاية عَلَيْهَا ( ) .

واستدل القائلون بالاشتراط بحديث عَائِشَة رضي الله عَنْهَا عن رَسُوْل الله :(( أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل، ثلاث مرات، فإن دخل بِهَا فلها المهر بِمَا أصاب مِنْهَا ، فإن تشاجروا فالسلطان ولي مَن لا ولي لَهُ)) .

رَوَاهُ الشَّافِعِيّ ( )، والطيالسي ( )، وعبد الرزاق ( )، والحميدي ( )، وسعيد ابن مَنْصُوْر ( )، وأحمد ( )، والدارمي ( )، وأبو داود ( )، وابن ماجه ( )، والترمذي ( ) ، والنسائي ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وابن الجارود ( )، والطحاوي ( ) ، وابن حبان ( )، وابن عدي ( )، والدارقطني ( )، والحاكم ( )، والسهمي ( )، وأبو نعيم ( )، والبيهقي ( )، والخطيب ( )، وابن عَبْد البر ( )، والبغوي ( ).

وَقَدْ أجاب أصحاب المذهب الثاني عن هَذَا الْحَدِيْث ، بأنه قَدْ عارضه فعلها ، وأنها فعلت خلاف ما روت ، فَقَالَ الطحاوي : (( ثُمَّ لَوْ ثبت ما رووا من ذَلِكَ عن الزهري ، لكان قَدْ روي عن عَائِشَة – رضي الله عَنْهَا – ما يخالف ذَلِكَ )) ( ) .

ثُمَّ رَوَى من طريق مالك ، أن عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم أخبره ، عن أبيه ، عن عَائِشَة زوج النَّبِيّ أنها زوجت حفصة بنت عَبْد الرَّحْمَان ( ) ، المنذر بن الزبير ( ) ، وعبد الرَّحْمَان غائب بالشام .

فلما قدم عَبْد الرَّحْمَان قَالَ : أمثلي يصنع بِهِ هَذَا ، ويفتات( ) عَلَيْهِ ؟ فَكُلِّمَتْ عَائِشَة عن المنذر ، فَقَالَ المنذر : إن ذَلِكَ بيد عَبْد الرَّحْمَان ، فَقَالَ عَبْد الرَّحْمَان : ما كنت أرد أمراً قضيته ، فقرت حفصة عنده ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طلاقاً )) ( ) .

فلولا أنها كَانَتْ ترى عدم اشتراط الولي لصحة عقد النكاح، لما فعلته مع ابنة أخيها ، وهذا يدل عَلَى وجود ناسخ أو تأويل لما روته من اشتراطه .

ورد الجُمْهُوْر هَذَا الاستدلال  : بأنه لَيْسَ في خبر عَائِشَة هَذَا التصريح بأنها باشرت العقد بنفسها ، فَقَدْ تَكُوْن مهدت لأسبابه ، فإذا جاء العقد أحالته إِلَى الولي بدليل ما روي عن عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم ، قَالَ : (( كنت عِنْدَ عَائِشَة يخطب إليها المرأة من أهلها فتشهد ، فإذا بقيت عقدة النكاح، قالت لبعض أهلها: زَوّج فإن المرأة لا تلي عقد النكاح )) ( ) .

فإذا علمنا أن مذهبها هَذَا الَّذِي رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم عَنْهَا ، اتَّضح أن مراد الرَّاوِي بقوله : (( زوجت حفصة )) ، أي : هيأت الأسباب ، فانتفت المخالفة المظنونة ، لما روت عن رَسُوْل الله .

النموذج الثاني :

طهارة الإناء من ولوغ الكلب

اختلف الفقهاء في عدد الغسلات الَّتِي يحصل بِهَا التطهير من ولوغ الكلب عَلَى قولين :

الأول : ذهب جمهور الفقهاء إِلَى أنَّ الإناء يغسل سبع مرات من ولوغ الكلب ، واختلفوا في نجاسة سؤره واشتراط التتريب ، وهل الأمر بالغسل للنجاسة أم هُوَ للتعبد ؟ عَلَى النحو الآتي :

ذهب الشافعية إِلَى أن سؤر الكلب نجس ، ويغسل الإناء سبعاً أولاهن بالتراب ، والأمر بالغسل سبعاً للتعبد( ).

ذهب مالك إِلَى أن الأمر بإراقة سؤر الكلب وغسل الإناء مِنْهُ ، عبادة غَيْر مدركة العلة ، والماء الَّذِي ولغ فِيْهِ لَيْسَ بنجس، وَلَمْ يرَ إراقة ما سوى الماء في أشهر الروايات عَنْهُ ( ) .

قَالَ المازري( ): ((اختلف في غسل الإناء من ولوغ الكلب، هَلْ هُوَ تعبد أو لنجاسته ؟ فعندنا أنَّهُ تعبد، واحتج أصحابنا بتحديد غسله سبع مرات: أنَّهُ لَوْ كَانَتْ العلة النجاسة لكان المطلوب الإنقاء، وَقَدْ يحصل في مرة واحدة))( ) .

ذهب الحنابلة إِلَى أن سؤر الكلب نجس، ويجب غسل الإناء مِنْهُ سبعاً ، إحداهن بالتراب ، من غَيْر تحديد لمكانها من السبع ( ) .

قَالَ الظاهرية : سؤر الكلب طاهر ، وغسل الإناء مِنْهُ سبعاً إذا ولغ فِيْهِ فرض ، وما في الإناء من طعام وشراب وماء فَهُوَ طاهر ( ) .

قَالَ الزيدية : التسبيع في غسل الإناء وتتريبه واجب ، من غَيْر تعيين لغسل التراب ، وهذا الحكم يخالف غسل سائر النجاسات ؛ لحكمة مختصة غَيْر معقولة ( ) .

الثاني : ذهب الحنفية إِلَى نجاسة الكلب ، وأن الإناء الَّذِي يلغ فِيْهِ يجب غسله مرتين أو ثلاثاً كسائر النجاسات من غَيْر حدٍّ ، وأن الأمر بالغسل للتنجيس لا للتعبد ؛ لأن الجمادات لا يلحقها حكم العبادات ، والزيادة في العدد والتعفير بالتراب دليل عَلَى غلظ النجاسة ( ) .

وبنحو هَذَا القول : قَالَ الليث بن سعد وسفيان الثوري ؛ إلاَّ أنهما قيدا الغسل بطمأنينة القلب إِلَى زوال النجاسة ، سواء كَانَتْ الغسلات سبعاً أو أقل أو أكثر ( ) .

وإليه ذهب الإمامية ، فقالوا : يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثاً ، تَكُوْن الثانية مِنْهَا بالتراب ، وإن الكلب نجس ، لا يجوز التطهر بِمَا أفضل ، ويجب إراقته ( ) .

واستدل القائلون بالمذهب الأول بِمَا صح عن أبي هُرَيْرَةَ ، قال : قَالَ رَسُوْل الله : (( إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات )) . وفي رِوَايَة : (( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثُمَّ يغسله سبع مرات )) . وفي رِوَايَة : (( طهور إناء أحدكم إذا ولغ فِيْهِ الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب )) .

والحديث رَوَاهُ عَبْد الرزاق ( ) والحميدي ( ) وأحمد ( ) والبخاري ( ) ومسلم ( ) وأبو داود ( ) وابن ماجه ( ) والترمذي ( ) والنسائي ( ) وابن خزيمة ( ) .

واعترض القائلون بالمذهب الثاني عَلَى استدلال الجُمْهُوْر ، بأن أبا هُرَيْرَةَ – راوي الْحَدِيْث – أفتى بخلاف ما رَوَى، وَهُوَ الغسل ثلاثاً، فكان دليلاً عَلَى وجود النسخ ( ). فروى الطحاوي ( ) والدارقطني ( ) من طريق عَبْد الملك بن أبي سليمان العرزمي، عن عطاء ، عن أبي هُرَيْرَةَ – في الإناء يلغ فِيْهِ الكلب أو الهر – قَالَ: (( يغسل ثلاث مرات )).

وأجاب الجُمْهُوْر عن اعتراضهم : بأن هَذِهِ الرِّوَايَة تفرد بِهَا العرزمي ، ونص الحفاظ عَلَى خطئه فِيْهَا ، ومخالفته للثقات .

إذا رَوَى الدارقطني ( ) من طريق حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن مُحَمَّد بن سيرين ، عن أبي هُرَيْرَةَ – في الكلب يلغ في الإناء – قَالَ :(( يراق ويغسل سبع مرات )). قَالَ الدارقطني : (( صَحِيْح موقوف )) .

ومما يشد عضد هَذِهِ الرِّوَايَة أنها موافقة للمرفوع ، فظهر بِهَا أن عَبْد الملك بن أبي سليمان العرزمي أخطأ فِيْهَا ، وَقَدْ قَالَ عَنْهُ الإمام أحمد : (( ثقة يخطئ )) ( ). وَقَالَ الحَافِظ ابن حجر : (( صدوق لَهُ أوهام )) ( ) .

وَقَدْ رجّح الرِّوَايَة الموافقة للحديث المرفوع البيهقي ، فَقَالَ : (( تفرد بِهِ عَبْد الملك من أصحاب عطاء ، ثُمَّ من أصحاب أبي هُرَيْرَةَ ، والحفاظ الثقات من أصحاب عطاء وأصحاب أبي هُرَيْرَةَ يروون سبع مرات ، وفي ذَلِكَ دلالة عَلَى خطأ رِوَايَة عَبْد الملك بن أَبِي سليمان ، عن عطاء عن أبي هُرَيْرَةَ في الثلاث ، وعبد الملك لا يقبل مِنْهُ ما يخالف الثقات ، لمخالفته أهل الحفظ والثقة في بَعْض روايته ، تركه شعبة بن الحجاج ، وَلَمْ يحتج بِهِ البُخَارِيّ في صحيحه )) ( ) .

وَقَالَ ابن حجر : (( ورواية من رَوَى عَنْهُ موافقة فتياه لروايته أرجح من رِوَايَة من رَوَى عَنْهُ مخالفتها من حَيْثُ الإسناد ومن حَيْثُ النظر ، أما النظر فظاهر ، وأما الإسناد فالموافقة وردت من رِوَايَة حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن ابن سيرين ، عَنْهُ ، وهذا من أصح الأسانيد ، وأما المخالفة فمن رِوَايَة عَبْد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء ، وَهُوَ دُوْنَ الأول في القوة بكثير )) ( ) .

 

المبحث الخامس

مخالفة الْحَدِيْث للقياس

ذهب جمهور عُلَمَاء الأمة إِلَى القول بحجية القياس ، وأنه أحد أدلة الأحكام الشرعية ومصادرها في الفقه الإسلامي  ( ) .

والقياس هُوَ : حمل معلوم عَلَى معلوم في إثبات حكم لهما ، أو نفيه عنهما ، بأمرٍ جامع بَيْنَهُمَا من إثبات حكم أو صفة أو نفيهما عنهما  ( ) .

لذا كَانَ مبتنى القياس النظر والإستنباط من تصرفات الشارع وربط الأحكام بعللها، فإذا عارض خبر الواحد القياس ، فأي مِنْهُمَا يقدم موجبه عَلَى الآخر ؟

اشتهر عن الحنفية اشتراط عدم مخالفة خبر الواحد للقياس حَتَّى يصح العمل بِهِ كدليل مستقل ، والحق أن هَذَا الموطن لَيْسَ محل اتفاق بَيْنَهُمْ ، بَلْ هناك تفصيل في مذهبهم عَلَى النحو الآتي :

إذا تعارض خبر الآحاد مَعَ القياس فأكثر المتقدمين من الحنفية عَلَى تقديم الخبر وافق القياس أو خالفه ؛ لأن القياس اجتهاد ولا اجتهاد في مورد النص .

وأما الَّذِيْنَ قالوا بتقديم القياس عَلَى خبر الواحد فهم بَعْض المتقدمين مِنْهُمْ ، وتابعهم عَلَيْهِ كَثِيْر من المتأخرين ، ولكنهم لَمْ يقولوا بالرد بإطلاق ، بل قسموا الرُّوَاة على قسمين :

الأول : الرُّوَاة المعروفون بالضبط والفقه والاجتهاد ، كالخلفاء الأربعة والعبادلة ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت – رضي الله عَنْهُمْ – فهؤلاء تقبل أخبارهم باتفاق .

الثاني : الرُّوَاة الَّذِيْنَ اشتهروا بالرواية ، وَلَمْ يعرفوا بالفقه والاجتهاد والفتيا ، فإذا جاءوا بخبر الآحاد ، فإن وافق القياس قبل ، وإن خالف القياس ووافق قياساً آخر قبل أيضاً ، وإن خالف جَمِيْع الأقيسة ، فَقَالَ عيسى بن أبان( ) والقاضي أبو زيد الدبوسي( ) وتابعهما أكثر المتأخرين من الحنفية أنَّهُ لا يقبل  ( ) .

وَهُوَ قولٌ للمالكية ( ) .

وفصّل أبو الْحُسَيْن البصري( ) من المعتزلة تفصيلاً آخر ، فرأى أن القياس يقدّم عَلَى خبر الواحد في حالة ثبوت علة القياس بدليل قاطع ، وعلل ذَلِكَ بأن النص عَلَى العلة كالنص عَلَى حكمها ، فحينئذ القياس قطعي ، وخبر الآحاد ظني،والقطعي مقدم عَلَى الظني ( ).

واستدلوا بأن عرض خبر الواحد عَلَى القياس كَانَ من ضمن المناهج الَّتِي اتبعها الصَّحَابَة في نقد المرويات وتمحيص الأخبار ، فهذا ابن عَبَّاسٍ يرد عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ عندما حدّث بحديث : (( توضؤوا مِمَّا مست النار )) ، قائلاً : أنتوضأ من الدُّهن ، أنتوضأ من الحميم ؟ فَقَالَ أبو هُرَيْرَةَ : (( يا ابن أخي إذا سَمِعْت حديثاً عن رَسُوْل الله فَلاَ تضرب لَهُ الأمثال )) . ( )

فابن عَبَّاسٍ قَدْ توقف في قبول خبر أبي هُرَيْرَةَ وعارضه بالقياس .

وأجاب الجُمْهُوْر : بأن دعوى أن مِثْل هَؤُلاَءِ من الصَّحَابَة – كأبي هُرَيْرَةَ وأنس – ليسوا من أهل الفقه ، أمر فِيْهِ نظر طويل ، ولوا أمعنا النظر في مروياته وآرائه لعلمنا رجاحة عقليته الفقهية ، وإجابته لابن عَبَّاسٍ تدل عَلَى هَذَا دلالة لايشوبها لبس أو غموض.

وأمَّا حديث الوضوء مِمَّا مست النار، فَلَمْ يَكُنْ رد ابن عَبَّاسٍ لَهُ مستنداً إِلَى مخالفة القياس ، وإنما كَانَ الْحَدِيْث عِنْدَ ابن عَبَّاسٍ منسوخاً بحديث : (( أن النَّبِيّ أكل كتف شاة وصلى وَلَمْ يتوضأ )) ( ).

عَلَى أن أبا هُرَيْرَةَ لَمْ يَكُنْ منفرداً برواية حَدِيْث الوضوء مِمَّا مست النار ، إذ شاركه في روايته : أبو أيوب ( ) ، وأبو طلحة ( ) ، وزيد بن ثابت ( ) ، وأم حبيبة ( ) ، وعائشة ( ) ، وأبو موسى الأشعري ( ) ، وسهل( ) بن الحنظلية ( )، وأم سلمة ( )، وأنس بن مالك ( )، وعبد الله بن عمر ( ) ومعاذ بن جبل ( )، وعبد الله بن زيد ( ) ، وغيرهم؛ حَتَّى عدّوه من المتواتر ( ) .

فالراجح من ناحية النظر والدليل : ماذهب إِلَيْهِ جمهور الْعُلَمَاء ، لذا قَالَ ابن جَمَاعَة : (( والصحيح الَّذِي عَلَيْهِ أَئِمَّة الْحَدِيْث أو جمهورهم ، أن خبر الواحدالعدل المتصل في جَمِيْع ذَلِكَ مقبول وراجح عَلَى القياس المعارض لَهُ ، وبه قَالَ الشَّافِعِيّ وأحمد ابن حنبل وغيرهما من أَئِمَّة الْحَدِيْث والفقه والأصول ))( ).

غَيْر أن هَذَا الاختلاف في المواقف بشأن مخالفة خبر الواحد للقياس تَرَكَ أثراً في الإستنباطات الفقهية نلمسها جلية في الأمثلة الآتية :

 

النموذج الأول : الانتفاع بالعين المرهونة

اختلف الْعُلَمَاء في العين المرهونة ، هَلْ يجوز الانتفاع بِهَا ؟ عَلَى قولين :

الأول : يجوز للمرتهن الانتفاع بالعين المرهونة إذا كَانَت مركوباً أو محلوباً ، أذِن الراهن أم لَمْ يأذن .

وبه قَالَ إسحاق ( ) ، والحنابلة ( ) ، والظاهرية ( ) .

الثاني : لا يجوز الانتفاع بالعين المرهونة وبه قَالَ جمهور الفقهاء ، عَلَى تفصيل مختلف بَيْنَهُمْ عَلَى النحو الآتي :

قَالَ الحنفية : لَيْسَ للراهن ولا المرتهن الانتفاع بالمرهون مطلقاً ، لا بالسكنى ولا بالركوب ولا بغيرهما ، إلا بإذن كُلّ مِنْهُمَا للآخر .

وفي قَوْل لَهُمْ: لا يجوز الانتفاع للمرتهن ولو أذن الراهن ؛ لأنَّهُ ربا .

وَلَهمْ قَوْل آخر: إنْ شَرَطَهُ في العقد كَانَ رباً ، وإلا جاز للمرتهن الانتفاع بإذن الراهن  ( ) .

قَالَ المالكية : ما ينتج عن المرهون ملك للراهن ، والمرتهن نائب عَنْهُ في تحصيلها ، ويحق للمرتهن الانتفاع بِهَا بشروط هِيَ :

أن يشترط ذَلِكَ في صلب العقد .

أن تَكُوْن المدة معينة .

ألا يَكُوْن المرهون بِهِ دين قرض.

فإذا فاتهم الاشتراط في العقد ، ثُمَّ أذن الراهن للمرتهن بالانتفاع لَمْ يَجُزْ  ( ) .

3 – قَالَ الشافعية : لَيْسَ للمرتهن من المرهون إلا حقه في التوثق من دينه ، ويمنع من كُلّ تصرف أو انتفاع بالعين المرهونة ، وللراهن مِنْهَا كُلّ نفع لاينقص القيمة كالركوب والحلب والسكنى ونحوها ، وأما ما ينقص القيمة كالبناء في الأرض والغرس فِيْهَا فَلاَ يجوز إلا بإذن المرتهن  ( ) .

4-  قَالَ الزيدية : لَيْسَ للمرتهن إلا حق الحبس ، وإن استعمله فعليه الأجرة للراهن( ).

قَالَ الإمامية : لا يجوز تصرف كُلّ من الراهن والمرتهن بالعين المرهونة إلا بإذن من أحدهما للآخر  ( ) .

وَقَالَ أحمد في رِوَايَة : أن المرهون وإن كَانَ محلوباً أو مركوباً فَهُوَ متبرع بنفقته عَلَيْهِ، ولا يحل لَهُ الانتفاع مِنْهُ بشيء ( )   .

واستدل القائلون بالجواز بِمَا رَوَى أبو هُرَيْرَةَ أن رسول الله قَالَ : (( الظهر يركب بنفقته إذا كَانَ مرهوناً ، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كَانَ مرهوناً ، وعلى الَّذِي يركب ويشرب النفقة )) .

أخرجه ابن أبي شيبة ( ) ، وإسحاق بن راهويه ( ) ، وأحمد ( ) ، والبخاري ( ) ، وأبو داود ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والترمذي ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وابن الجارود ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن حبان ( ) ، والدارقطني ( ) ، والبيهقي ( ) ، والبغوي ( ) .

وأجاب الجُمْهُوْر عن هَذَا الْحَدِيْث : بأن الْحَدِيْث لَمْ ينص عَلَى تعيين المنتفع هَلْ هُوَ الراهن أَمْ المرتهن ، فإن الْحَدِيْث محتمل لكون المنفق هُوَ الراهن ، ويستخدم المرهون بحق ملكه لَهُ . ويحتمل أن يَكُوْن المرتهن ويكون انتفاعه عوضاً عن نفقته  ( ) .

واستدلوا أيضاً بِمَا رَوَاهُ سعيد بن المسيب عن أبي هُرَيْرَةَ ، أن رَسُوْل الله قَالَ : (( لايغلق الرهن –(ثلاثاً) – لصاحبه غنمه وَعَلَيْهِ غرمه )) ( )، ووجه الدلالة من الْحَدِيْث: أن المغنم والمغرم عَلَى الراهن، فدل هَذَا عَلَى أن النفقة عَلَى الرهن وكذا النتاج يَكُوْن لَهُ ، ووجب عَلَيْنا ان نؤول الْحَدِيْث الماضي .

وقالوا أيضاً إن هَذَا الْحَدِيْث مخالف للقياس من وَجْهَيْنِ :

الأول : أن فِيْهِ جواز الركب والشرب لغير مالك رقبة العين المرهونة من غَيْر إذن المالك .

الثاني : تضمين المرتهن المنتفع بالعين المرهونة عوض انتفاعه نفقة لا قيمة  ( ) .

وَقَالَ ابن عَبْد البر : (( هَذَا الْحَدِيْث عِنْدَ جمهور الفقهاء ترده أصول يجتمع عَلَيْهَا وآثار ثابتة لايختلف في صحتها ، وَقَدْ أجمعوا أن لَيْسَ الرهن وظهره للراهن ، ولا يخلو من أن يَكُوْن احتلاب المرتهن لَهُ بإذن الراهن ، أو بغير إذنه ، فإن كَانَ بغير إذنه ففي حَدِيْث ابن عمر عن النَّبِيّ : (( لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه )) ( ) ما يرده ويقضي بنسخه … الخ كلامه ))  ( ).

وادَّعى الطحاوي أن هَذِهِ الإباحة كَانَتْ قَبْلَ تحريم الربا ، ونسخت بتحريم الربا ، فَقَالَ : (( فلما حرم الربا ، حرمت أشكاله كلها ، وردت الأشياء المأخوذة إِلَى أبدالها المساوية لها ، وحرم بيع اللبن في الضروع، فدخل في ذَلِكَ النهي عن النفقة الَّتِي يملك بِهَا المنفق لبناً في الضروع ، وتلك النفقة فغير موقوف مقدارها ، واللبن كَذَلِكَ أيضاً .فارتفع بنسخ الربا أن تجب النفقة عَلَى المرتهن بالمنافع الَّتِي يجب لَهُ عوضاً مِنْهَا ، وباللبن الَّذِي يحتلبه فيشربه )) ( ).

وأجاب القائلون بالمذهب الأول عن دعوى النسخ هَذِهِ ،بأن شرط النسخ مَعْرِفَة التاريخ ، حَتَّى يعلم المتقدم من المتأخر والناسخ من المنسوخ ، وهذا متعذرٌ هنا ، فكان القول بالنسخ قَوْلاً بالاحتمال ، والاحتمال لا تؤسس عَلَيْهِ الأحكام  ( ) .

ثُمَّ إن الجمع بَيْنَ هَذِهِ الأحاديث ممكن ، وذلك بالقول أن نفقة الرهن تجب عَلَى الراهن مقابل الملك ، فإذا امتنع عن النفقة كَانَ من حق المرتهن أن ينفق عَلَى الرهن حفظاً لَهُ من التلف ، الَّذِي هُوَ إضاعة للمال ، وَقَدْ نهى الشرع عَنْهُ ، وبما أن نفقة المرتهن مال لَهُ، فيستحق العوض عَنْهُ ، ومادام الراهن يمتنع عن النفقة ، فإن للمرتهن أخذ العوض من مال الراهن وَلَوْ بغير إذنه ، والركوب وشرب اللبن والمنافع الَّتِي لا تلحق نقصاً أو ضرراً بالعين المرهونة عوض ، يستحقه المرتهن بدلاً عن نفقته  ( ).

 

النموذج الثاني : رد الشاة المصراة

اختلف الفقهاء في جواز رد الشاة المصراة إذا اطلع الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا العيب بَعْدَ الشراء عَلَى قولين :

الأول : لا يجوز رد الشاة المصراة ، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ ومحمد ، و أبو يوسف في رِوَايَة عَنْهُ  ( ) .

الثاني : يجوز ردها بعيب التصرية ، وبه  قَالَ جمهور الفقهاء ، ومنهم: الشافعية ( )، والمالكية ( ) ، والحنابلة ( ) ، وجمهور أهل الْحَدِيْث ( ) .

واختلفوا في تعيين وجوب رد الصاع ، أو ما ينوب عَنْهُ  ( ) .

واستدل القائلون بالجواز بحديث أبي هُرَيْرَةَ ، أن النَّبِيّ قَالَ : (( لا تصروا الإبل والغنم ، فمن ابتاعها بَعْد فإنه بخير النظرين بَعْدَ أن يحتلبها : إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعاً من تمر  )) ( ) .

وأجاب من قَالَ بعدم الجواز : بأن هَذَا الْحَدِيْث مخالف للقياس من وجوه :

إن رد المبيع بلا عيب ولا خلاف في صفة لا تقره أصول الشريعة ؛ وذلك لأن التصرية ليست من العيوب فإن البيع يقتضي سلامة المبيع ، وقلة اللبن لاتعدُّ من العيوب الَّتِي تعدم السلامة ؛ لأن اللبن ثمرة وبعدمه لا تنعدم صفة السلامة، فبقلته من باب أولى .

القاعدة أن الخراج بالضمان ، فاللبن الحادث عِنْدَ الْمُشْتَرِي غَيْر مضمون ، وَقَدْ نُصَّ عَلَى ضمانه .

إن الشيء المضمون ( اللبن ) مثلي ، والقاعدة أن المثليات تضمن بمثلها ، وَقَدْ ضمنه بغير المثل .

في الضمان إذا انتقل من المثل فإنه ينتقل إِلَى القيمة ، والتمر المذكور في الْحَدِيْث لَيْسَ قيمة ولا مثْلاً .

أن المال المضمون يقدر بقدره قلة وكثرة، والقدر منصوص عَلَيْهِ هنا وَهُوَ الصاع( ).

وأجيب عن الأول بأنه لَيْسَ في أصول الشريعة ما يدل عَلَى انحصار أسباب الرد بهذين الأمرين ، بَلْ إن الخيار يثبت للمشتري بالتدليس ، وذلك لأن الْمُشْتَرِي رأى الضرع مملوءاً باللبن، فظن أن ذَلِكَ عادتها ، فكأن البائع قَدْ شرط لَهُ ذَلِكَ ، فإذا تبين لَهُ خلاف ذَلِكَ ثبت لَهُ الرد ، لفقد الشرط المعنوي الَّذِي نوهنا بهُ .

وعن الثاني : فإن الخراج اسم للغلة، مِثْل : كسب العبد وأجرة الدابة ونحو ذَلِكَ. أما الولد واللبن فَلاَ يسمى خراجاً، والعامل المشترك بَيْنَهُمَا كونهما من الفوائد ، وإلا فإن الكسب الحادث والغلة لَمْ يكونا موجودين حال البيع ، بَلْ حدثا بَعْدَ القبض. وأما اللبن هنا فإنه كَانَ موجوداً حال العقد ، فكان جزءاً من المعقود عَلَيْهِ ، والصاع لَمْ يقدره الشارع عوضاً عن اللبن الحادث ، وإنما هُوَ عوض عن اللبن الَّذِي كَانَ موجوداً وقت العقد في الضرع ، فكان ضمانه من تمام العدل .

وعن الثالث : فإنه لا يمكن تضمينه بالمثل البتة ، فإن اللبن في الضرع محفوظ وغير عرضة للفساد ، فإذا حلب صار معرضاً للحموضة والفساد .

وعن الرابع : بأنا لَوْ وكلنا تقديره إليهما أو إِلَى أحدهما لكثر النـزاع ، فحسم الشارع النـزاع وحده بقدر لا يتعد أنَّهُ  قطعٌ للخصومة .

وعن الخامس فإن اللبن الحادث بَعْدَ العقد قَدْ اختلط بالموجود وقته ، ولا يعرف مقداره حَتَّى نوجب نظيره ، وَقَدْ يَكُوْن أكثر أو أقل ، فيفضي إِلَى الربا  ( ) .

 

المبحث السادس

مخالفة الْحَدِيْث لعمل أهل المدينة

من المعلوم أن المدينة النبوية كَانَتْ مهبط الوحي ومركز السلطة التشريعية والدنيوية في الحقبة الثانية من الدعوة النبوية، وَلَمْ يؤثر عن أحد من الصحابة سواء من المهاجرين أو الأنصار مِمَّنْ سكنها أنَّهُ نزح عَنْهَا في حياة رَسُوْل الله  .

وكانوا في حياتهم العامة عَلَى تماس مَعَ التشريعات والأحكام، يعيشون ظروفها ، ويفقهون عللها ، ويقومون بمهمة نشرها وتعليمها ، وهكذا ظلت أجيال الناس فِيْهَا تتلقى الأحكام جيلاً عن جيل ، وَهُوَ مؤدٍ في نهاية المطاف إلى اعتبار إجماع أهلها نقلاً بالتواتر للحكم المعمول بِهِ ( ) .

لذا اشترط جمهور المالكية للعمل بخبر الآحاد أن لا يَكُوْن مخالفاً لعمل أهل المدينة ( ) وتعللوا بِمَا قدمنا ذكره .

والحق أن الْحَدِيْث إذا صَحَّ لَمْ يَكُنْ لقول أحدٍ كائناً من كَانَ أن يعارض بِهِ ، والحجة في نقل المعصوم فَقَطْ ، ثمَّ إن أهل المدينة جزء من الأمة لا كلها ، فَلاَ ينبني عَلَى موافقتهم جواز مخالفة الأحاديث المقبولة ( ) .

وَقَدْ فند أدلتهم ابن حزم من وجوه حاصلها :

إن الخبر المسند الصَّحِيْح قَبْلَ العمل بِهِ ، أحق هُوَ أم باطل ؟ فإن قالوا: حق ، فسواء عمل بِهِ أهل المدينة أم لَمْ يعملوا ، لَمْ يزد الحقَ درجةً عملُهُم بِهِ وَلَمْ ينقصه إن لَمْ يعملوا بِهِ ، وإن قالوا باطل ، فإن الباطل لا ينقلب حقاً بعملهم بِهِ ، فثبت أن لا معنى لعمل أهل المدينة أو غيرهم .

العمل بالخبر الصَّحِيْح متى أثبت الله العمل بِهِ ، أقبل أن يعمل بِهِ أم بَعْدَ العمل بِهِ ؟ فإن قالوا : قَبْلَ أن يعمل بِهِ ، فَهُوَ كقولنا . وإن قالوا  : بَعْدَ أن يعمل بِهِ ، لزمهم عَلَى هَذَا أن العاملين بِهِ هم الَّذِيْنَ شرعوا الشريعة ، وهذا باطل .

نقول : عمل من تريدون ؟ عمل أمة مُحَمَّد كافة ، أم عمل عصر دُوْنَ عصر ، أم عمل رسول الله ، أم أبي بكر ، أم عمر ، أم عمل صاحب من سكان المدينة مخصوصاً ؟ فإن قالوا: عمل الأمة كلها ، فَلاَ يصح ؛ لأن الخلاف بَيْنَ الأمة مشتهر، وهم دائمو الرد عَلَى من خالفهم، فلو كَانَتْ الأمة مجمعة عَلَى هَذَا القول فعلى من يردون ؟! وإن قالوا : عصر دُوْنَ عصر ، فباطل أيضاً ؛ لأنَّهُ ما من عصر إلا وقَدْ وجد فيه خلاف ، ولا سبيل إِلَى وجود مسألة متفق عَلَيْهَا بَيْنَ أهل عصر ( ).

ونقول لَهُمْ: أهل المدينة الَّذِيْنَ جعلتم عملهم حجة رددتم بِهَا خبر المعصوم ، اختلفوا فِيْمَا بَيْنَهُمْ أم لا ؟ فإن قالوا : لا ، فإن الموطأ يشهد بخلاف هَذَا ، وإن قالوا : نعم ، قُلْنَا : فما الَّذِي جعل اتباع بعضهم أولى من بَعْض  ( ) .

 

النموذج الأول : خيار المجلس

يمكن تعريف خيار المجلس بأنه: حق العاقدين في إمضاء العقد أو رده ، منذ التعاقد  إِلَى التفرق أو التخاير ( ) .

والأكثرون عَلَى تسميته (( خيار المجلس )) ومنهم من يسميه (( خيار الْمُتَبَايِعَيْنِ ))( ).

فإذا أتم العاقدان عقد البيع من غَيْر أن يتفرقا وَلَمْ يختر أحدٌ مِنْهُمَا اللزوم ، فهل يعتبر العقد لازماً بمجرد هَذَا التمام ، أَمْ أن لكلا العاقدين الحق في فسخ العقد ما داما في مجلس البيع ؟

اختلف الفقهاء في ثبوت هَذَا الحق عَلَى قولين :

الأول : لا يثبت خيار المجلس ، والعقد لازم بالإيجاب والقبول ، إلا إذا تشارطا أو أحدهما إثبات الخيار .

وبهذا قَالَ : إبراهيم النخعي وأهل الكوفة ، وربيعة الرأي وطائفة من أهل المدينة ، وَهُوَ قَوْل الثوري في رِوَايَة عَبْد الرزاق عَنْهُ ( ) .

وإليه ذهب الحنفية ( ) ، والمالكية ( ) ، وأكثر الزيدية ( ) .

الثاني : خيار المجلس ثابت للمتعاقدين ، ولكل مِنْهُمَا الحق في فسخه مادام المجلس قائماً ، ومالم يختر أحدهما اللزوم .

روي هَذَا عن : عمر ، وعثمان ، وابن عمر ، وابن عَبَّاسٍ ، وأبي هُرَيْرَةَ ، وأبي برزة الأسلمي( ) ، وبه قَالَ : سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ، وشريح ، والشعبي، وعطاء ، وطاووس ، والزهري ، والأوزاعي ، وابن أبي ذئب في طائفة من أهل المدينة ، والثوري في "جامعه " ، والليث بن سعد ، وعبيد الله بن الحسن ، وداود الظاهري ، وسوّار( ) قاضي البصرة، وسفيان بن عيينة، وعبد الله بن المبارك ، وابن جريج ، ومعمر، ومسلم بن خالد الزنجي ( )، والدراوردي ( )، ويحيى القطان ، وعبد الرَّحْمَان بن مهدي ، وإسحاق ، وأبو عبيد ، وأبو ثور  ( ) .

وإليه ذهب الشافعية ( ) ، والحنابلة ( ) ، والظاهرية ( ) ، والإمامية ( ) ، وبعض الزيدية ( ) .

واستدل الجُمْهُوْر بأدلة متظافرة كثيرة مِنْهَا :

ما صَحَّ عن رَسُوْل الله أنَّهُ قَالَ : (( الْمُتَبَايِعَانِ كُلّ واحد مِنْهُمَا بالخيار عَلَى صاحبه ، ما لم يتفرقا ، إلا بيع الخيار )) ( ) .

 

وجه الدلالة من هَذَا الْحَدِيْث :

أن الْحَدِيْث مصرح بأن العقد بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ غَيْر لازم ما لم يحصل التفرق عن مجلس العقد ، أو يختار واحد مِنْهُمَا اللزوم .

وأجاب المالكية عن هَذَا الْحَدِيْث : بأنه مخالف لعمل أهل المدينة ، لذا قَالَ الإمام مالك عقب روايته لهذا الْحَدِيْث : (( وَلَيْسَ لهذا عندنا حد معروف ، ولا أمر معمول فِيْهِ )) ( ).

وَهُوَ خبر آحاد فَلاَ يقوى عَلَى مخالفة عملهم ( ) .

ونستطيع أن نرد قَوْل المالكية هَذَا ، من ثلاثة وجوه هِيَ :

أن اشتراط المالكية للعمل بخبر الآحاد : أن لا يَكُوْن مخالفاً لعمل أهل المدينة ، شرط تفردوا بِهِ ، فيكون لازماً لَهُمْ ولا يلزم غيرهم .

عَلَى فرض التسليم – جدلاً – بكون هَذَا الَّذِي اشترطوه شرطاً للعمل بخبر الآحاد، فما اشترطوه غَيْر متحقق في هَذِهِ المسألة ، فإنهم نصوا عَلَى أن إجماع أهل المدينة إذا عارضه خبر آحاد ، قدم الإجماع .

ودعوى إجماع أهل المدينة هنا منقوضة ، فَقَدْ سبق أن نقلنا القول بثبوت خيار المجلس عن : عمر وعثمان وابن عمر وأبي هُرَيْرَةَ وسعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب والدراوردي ، وهؤلاء جميعاً من أهل المدينة ، فكيف تصح دعوى إجماعهم ؟

حَتَّى إن ابن أبي ذئب لما قِيْلَ لَهُ أن مالكاً لا يعمل بهذا الْحَدِيْث قَالَ : (( هَذَا خبرٌ موطأٌ في المدينة )) ( )، يريد أنَّهُ منتشر .

3- وإذا أمعنا في التنـزل معهم، والتسليم بأن هَذَا الشرط الَّذِي اشترطوه صَحِيْح ، وأن إجماع أهل المدينة متحقق ، فإنه يخدش استدلالهم عدم كون الْحَدِيْث آحادياً ، وكيف يَكُوْن خبر آحاد وَقَدْ رَوَاهُ من الصَّحَابَة عدد غفير، وقفنا عَلَى رِوَايَة سبعة مِنْهُمْ،هم:

أ. سمرة بن جندب : وحديثه أخرجه : ابن أبي شيبة ( )، وأحمد ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والنسائي ( ) ، والطحاوي ( ) ، والبيهقي ( ) .

ب. عَبْد الله بن عَمْرو بن العاص : وحديثه عِنْدَ : أحمد ( ) ، وأبي داود ( ) ،  والترمذي( )، والنسائي ( )، والدارقطني ( )، والبيهقي ( )، وابن عَبْد البر( ) .

ج‍. ابن عَبَّاسٍ : وأخرج حديثه ابن حبان ( )، والبزار ( ) ، وأبو بكر( ) الإسماعيلي ( )، والبيهقي ( ) .

د. أبو هُرَيْرَةَ : حديثه عِنْدَ الطيالسي( )، وابن أبي شيبة ( )، وأحمد ( )، والطحاوي( )، والطبراني ( ) ، وابن عدي ( ) .

ه‍. عَبْد الله بن عمر : وَهُوَ أشهر طرق هَذَا الْحَدِيْث ، أخرجه : مالك ( )، والشافعي( )، وأحمد ( )، والبخاري ( )، ومسلم ( )، وأبو داود ( )، والترمذي ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والنسائي ( ) ، وغيرهم ( ) .

و. حكيم بن حزام ( ): عِنْدَ الشَّافِعِيّ ( )، والطيالسي( )، وأحمد ( ) ، والبخاري( )، ومسلم ( ) ، وأبي داود ( ) ، والترمذي ( ) ، والنسائي( ) ، وابن حبان ( ) ، والطبراني ( )، وغيرهم .

ز. أبو برزة الأسلمي : أخرجه الشَّافِعِيّ ( )، والطيالسي ( ) ، وابن أَبِي شيبة ( ) ، وأحمد ( )، وأبو داود ( )، وابن ماجه ( )، وبحشل ( )، والبزار ( ) ، وابن الجارود ( )، والروياني ( )، والطحاوي ( )، والدارقطني ( ) ، والبيهقي ( ) ، والخطيب البغدادي ( ) ، وابن عَبْد البر ( ).

وبهذا فإن الْحَدِيْث في أقل أحواله : مشهور ( ) ، والمشهور تختلف أحكامه عن الآحاد من حَيْثُ تخصيص الكِتَاب والزيادة عَلَيْهِ .

أما الحنفية فَقَدْ استدلوا بعمومات نصوص الكِتَاب العزيز مِنْهَا :

قوله تَعَالَى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ( ) .

وجه الدلالة : أن الله تَعَالَى أباح أكل المبيع إذا كَانَ عن رضى الطرفين ، والنص مطلق عن قيد التفرق عن مكان العقد .

قوله تَعَالَى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )) ( ) .

وجه الدلالة : أن الشارع – تبارك وتعالى – أوجب الوفاء بالعقود ، وعقد البيع بَعْدَ الإيجاب والقبول وقبل مفارقة المجلس أو التخيير يسمى عقداً أيضاً ، فيكون داخلاً في عموم هَذَا النص ، والقول بخلافه إبطال للنص .

وأجابوا عن الْحَدِيْث بأنه :

خبر آحاد مخالف لظاهر الكِتَاب فيجب تأويله ، فيحمل التفرق الوارد في الْحَدِيْث عَلَى التفرق بالأقوال لا بالأبدان ، جمعاً بَيْنَ النصوص  الواردة في هَذَا ( ) .

ونجيب عَنْهُ بِمَا يأتي :

أما كون الْحَدِيْث آحادياً : فَقَدْ أبطلنا ذَلِكَ في ما مضى ، وبينا أن الْحَدِيْث في أقل أحواله مشهور ، وللمشهور عِنْدَ الحنفية حكم المتواتر في جواز تخصيص عمومات الكِتَاب بِهِ ( ) .

وأما كون المراد التفرق بالأقوال : فَهُوَ خلاف المتبادر إِلَى الذهن من أن المراد التفرق بالأبدان ، ونضيف بأن من الْمُسلّمَات – إذا سرنا عَلَى أصول الحنفية – أن راوي الْحَدِيْث أعلم بتفسيره لذا ردوا – كَمَا سبق – حَدِيْث ولوغ الكلب ، وإذا حكّمنا هَذِهِ القاعدة هنا بانت الحجة عَلَيْهِمْ ، فهذا الْحَدِيْث من رِوَايَة ابن عمر –رضي الله عنهما–، وَقَدْ أخرج البُخَارِيّ  ( ) من طريق يَحْيَى بن سعيد، عن نافع قَالَ: (( وَكَانَ ابن عمر إذا اشترى شيئاً يعجبه فارق صاحبه )) . ورواه مُسْلِم ( ) من طريق ابن جريج ، عن نافع بلفظ : (( فكان إذا بايع رجلاً فأراد أن لا يقبله ، قام فمشى هنية ، ثُمَّ رجع  إِلَيْهِ )) .

كَمَا أن في بَعْض ألفاظ الْحَدِيْث من رِوَايَة ابن عمر وغيره من الصَّحَابَة    التصريح بِمَا يخالف تأويل الحنفية لهذا الْحَدِيْث .

لهذا ولغيره ، يبدو لنا رجاحة ما ذهب إِلَيْهِ الجُمْهُوْر .

 

المبحث السابع

مخالفة الْحَدِيْث للقواعد العامة في الفقه الإسلامي

لَمْ يشترط أحد من الأئمة المتقدمين للعمل بخبر الآحاد ، أن لا يخالف القواعد العامة، وذلك لأن القواعد العامة أصالة تؤسس عَلَى استقراء نصوص الشارع الحكيم ، ومن ثَمَّ تصاغ القاعدة بِمَا يتفق مَعَ مضامين النصوص .

إلا أننا وجدنا من خلال استقراء كتب الفقه أن المتأخرين من أصحاب مالك خرّجوا بَعْض المسائل عَلَى هَذَا الشرط ، وكأنهم فهموا من اجتهادات الإمام مالك أنَّهُ يشترط ذَلِكَ في خبر الآحاد لصحة العمل بمضمونه .

وعلى هَذَا فخبر الآحاد إذا خالف القواعد العامة فَلاَ يعمل بِهِ عندهم ، لأن القاعدة موطن اتفاق بَيْنَ الفقهاء من حَيْثُ المضمون الَّذِي يعبر عن فحوى عدد من النصوص عن الشارع ، فمخالفة خبر الآحاد لها مسقط للعمل بِهِ ، إذ يتضمن مخالفة تِلْكَ النصوص المتظافرة عَلَى إثبات ما تضمنته تِلْكَ القاعدة .

ويمكننا الإجابة عن هَذَا الشرط : بأن القاعدة مهما بلغت فَلاَ تعدو كونها تأسيساً عَلَى نصوص ، فَلاَ يمكن رد النص بِهَا ، والاحتكام حينئذٍ إِلَى النص ، والتعارض لا يَكُوْن مبطلاً للقاعدة ، بَلْ استثناء من مضمونها  ( ) .

 

أثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

حكم من أكل أو شرب ناسياً في نهار رَمَضَان

اختلف الفقهاء فيمن أكل أو شرب ناسياً في نهار رَمَضَان ، هَلْ يفسد صومه أم لا؟ عَلَى قولين :

الأول : لا يفسد صوم من أكل أو شرب ناسياً ، وَهُوَ قَوْل جمهور الفقهاء ، وإليه

ذهب الحنفية ( )، والشافعية ( )، والحنابلة ( )، والظاهرية ( )، والزيدية ( )، والإمامية ( ).

الثاني : يفسد صوم من أكل أو شرب ناسياً ، وَعَلَيْهِ القضاء ، وبه قَالَ ربيعة

الرأي ( ) ، والمالكية  ( ) ، والقاسمية من الزيدية ( ) .

الأدلة :

استدل القائلون بالمذهب الأول بأدلة عديدة ، مِنْهَا :

ما رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ - - أن رَسُوْل الله قَالَ : (( إذا نسي فأكل وشرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه )) .

رَوَاهُ عَبْد الرزاق ( )، وأحمد ( )، والدارمي ( )، والبخاري ( ) ، ومسلم ( )، وأبو داود ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والترمذي ( ) ، والنسائي ( ) ، وابن الجارود ( ) ،

وأبو يعلى ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، وابن حبان ( ) ، والطبراني ( ) ، والدارقطني ( ) ، والبيهقي ( ) ، والبغوي ( ) .

وجه الدلالة : أن النص ظاهر في أن الأكل والشرب بالنسبة للصائم ناسياً لا يؤثر في الصوم ، والنص مطلق من حَيْثُ عدم تقييد الصيام بكونه فرضاً أو نفلاً .

قَالَ ابن دَقِيْقِ العِيْدِ: (( عمدة من لَمْ يوجب القضاء هَذَا الْحَدِيْث وما في معناه أو ما يقاربه، فإنه أمرَ بالإتمام وسمى الَّذِي يتم صوماً، وظاهره حمله عَلَى الحقيقية الشرعية ، وإذا كَانَ صوماً وقع مجزئاً ، ويلزم من ذَلِكَ عدم وجوب القضاء )) ( ) .

ثُمَّ قَالَ: (( وإذا دار اللفظ بَيْنَ حمله عَلَى المعنى اللغوي والشرعي ، كَانَ حمله عَلَى الشرعي أولى )) ( ) .

وأجاب من قَالَ بالمذهب الثاني عن هَذَا الاستدلال بِمَا يأتي :

قالوا : هَذَا الْحَدِيْث خبر آحاد ، وَقَدْ عارض القاعدة العامة الَّتِي تقول : (( النسيان لا يؤثر في باب المأمورات )) ( ) . أي لا يؤثر من ناحية براءة ذمة المكلف مِنْهُ.

قَالَ ابن العربي( ) : (( أصل مالك في أن خبر الواحد إذا جاء بخلاف القواعد لَمْ يعمل بِهِ )) ( )

فما يفسد الصوم بعدمه عَلَى وجه العمد، فإنه يفسده عَلَى وجه النسيان،كَمَا في النية ( ) ، والصيام ركنه الإمساك ، فإذا فات الركن في العبادة وجب الإتيان بِهِ ، وَقَدْ تعذر هنا ، فاقتضى الحكم بفساد صومه .

قَالَ ابن دَقِيْقِ العِيْدِ : (( ذ هب مالك إِلَى إيجاب القضاء وَهُوَ القياس ، فإن الصوم قَدْ فات ركنه وَهُوَ من باب المأمورات ، والقاعدة تقتضي أن النسيان لايؤثر في باب المأمورات )) ( ) ، وأفاض الْقَاضِي ابن العربي في تأييد مذهب مالك ، فَقَالَ : (( هَذَا الْحَدِيْث صَحِيْح مليح ينظر إِلَى مطلقه دُوْنَ تثبت جَمِيْع فقهاء الأمصار ، وقالوا : من أفطر ناسياً لا قضاء عَلَيْهِ ، تعلقاً بقول النَّبِيّ في الصَّحِيْح: (( إنّ الله أطعمك وسقاك )).

وتطلّع مالك إِلَى المسألة من طريقها ، فأشرف عَلَيْهَا فرأى في مطلعها : أن عَلَيْهِ القضاء ؛ لأن الصوم عبارة عن الإمساك عن الأكل ، فَلاَ يوجد مَعَ الأكل لأنَّهُ ضده ، وإذا لَمْ يبق ركنه وحقيقته لَمْ يوجد ، وَلَمْ يَكُنْ ممتثلاً ولا قاضياً ما عَلَيْهِ ، ألا ترى أن مناقض شرط الصَّلاَة وَهُوَ الوضوء: الحدث ، إذا وجد سهواً أو عمداً أبطل الصَّلاَة ؛ لأن الأضداد لا جماع مَعَ أضدادها شرعاً ولاحساً،وَلَيْسَ لهذا الأصل معارض إلا الكلام في الصَّلاَة )) ( ).

حمل الْحَدِيْث عَلَى صوم التطوع دُوْنَ الفرض ، بحجة أن الْحَدِيْث لَمْ يقع فِيْهِ تعيين رَمَضَان ، فيصار إلى حمله عَلَى التطوع  ( ) .

حمل الْحَدِيْث عَلَى أمر الصائم الَّذِي تَكُوْن هَذِهِ حاله بإتمام صيام ذَلِكَ اليوم ، وسقوط الإثم عَنْهُ ، لَكِنْ يجب عَلَيْهِ قضاؤه  ( ) .

قَالَ ابن العربي : (( وهذا الْحَدِيْث يوافق القاعدة في رفع الإثم فقبل في ذَلِكَ ، ولا يوافقها في بقاء العبادة بَعْدَ ذهاب ركنها أشتاتاً فَلاَ يعمل بِهِ )) ( ) .

وأجيب عَنْهُمْ :

أما أولاً: فالقياس المذكور قياس غَيْر صَحِيْح؛ لكونه في مقابلة النص، ولا اجتهاد في مورد النص، وَقَدْ ذَكَرَ البرماوي في شرح العمدة: أن شرط القياس عدم مخالفة النص( ).

وكون الْحَدِيْث خبر واحد مخالف للقاعدة ، أمر فِيْهِ نظر ، وعلل هَذَا الحافظ ابن حجر  فَقَالَ : (( لأنَّهُ – يعني : الْحَدِيْث المذكور – قاعدة مستقلة بالصيام فمن عارضه بالقياس عَلَى الصَّلاَة أدخل قاعدة في قاعدة ، وَلَوْ فتح باب رد الأحاديث الصَّحِيْحَة بمثل هَذَا لما بقي من الْحَدِيْث إلا القليل )) ( ) .

وأما ثانياً: فَقَدْ ورد التصريح بتعيين رَمَضَان في بَعْض طرق الْحَدِيْث ، فأخرج ابن خزيمة ( )، ومن طريقه ابن حبان ( )، وأخرجه الطبراني ( )،

والدارقطني ( )، والحاكم ( )، ومن طريقه البيهقي ( ) ، كلهم من طريق مُحَمَّد

ابن عَبْد الله الأنصاري ، عن مُحَمَّد بن عَمْرو ( ) ، عن أبي سلمة بن عَبْد الرَّحْمَان ،

عن أبي هُرَيْرَةَ ، مرفوعاً : (( من أفطر في شهر رَمَضَان ناسياً ، فَلاَ قضاء عَلَيْهِ ولا كفارة )) ( ) .

وأما ثالثاً : فإن قوله في نهاية الْحَدِيْث : (( فإنما أطعمه الله وسقاه )) ، دليل عَلَى صحة صومه، فَهُوَ مشعر بأن الفعل الصادر مِنْهُ غَيْر مضاف إِلَيْهِ ، والحكم بكونه مفطراً يحتاج إِلَى إضافته إِلَيْهِ ( ) .

لذا قَالَ الخطابي( ): (( معناه أن النسيان ضرورة ، والأفعال الضرورية غَيْر مضافة

في الحكم إِلَى فاعلها وغير مؤاخذ بِهَا، والقياس مطرد إلا أن يكثر النسيان، فإنه إذا تتابع أخرج العبادة عن حد القربة ، وردها إِلَى حد العدم )) ( ) .

ثُمَّ إن الحكم بصحة صوم الصائم الآكل أو الشارب ناسياً يتفق مَعَ ما عهدناه من مبادئ التشريع وأصول الاستنباط عن الشارع الحكيم ، في عدم مؤاخذة المكلف في أبواب حقوق الله تَعَالَى إلا بِمَا فعله عن قصد ، ومصداق هَذَا قوله تَعَالَى : وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ( ) ، والنسيان لَيْسَ من كسب القلب ( ) . وَقَدْ ثبت عن رَسُوْل الله أنَّهُ قَالَ : (( وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عَلَيْهِ )) .

رَوَاهُ الطحاوي( )، وابن حبان ( ) ، والدارقطني( )، والحاكم ( ) ، والبيهقي ( ) .

والصوم داخل في عموم هَذَا الأصل .

ولهذا يبدو لي رجحان ما ذهب إِلَيْهِ جمهور الفقهاء .

 

 

المبحث الثامن

اختلاف الْحَدِيْث بسبب الاختصار

اختلف الناس في جواز اختصار الْحَدِيْث ، والاقتصار عَلَى بعضه ، وكانت لَهُمْ مذاهب في هَذَا :

الأول : المنع مطلقاً من اختصار الْحَدِيْث ، بناءاً عَلَى المنع من الرِّوَايَة بالمعنى ( ) ؛

لأن حذف بَعْض الْحَدِيْث ورواية بعضه رُبَّمَا أحدث الخلل فِيْهِ ، والمختصر لا يشعر ( ) .

الثاني : الجواز مطلقاً ، وبه قَالَ مجاهد ، ويحيى بن مَعِيْنٍ ، وغيرهما  ( ) .

قَالَ الحَافِظ العراقي : (( ينبغي تقييد الإطلاق بِمَا إذا لَمْ يَكُنِ المحذوف متعلقاً بالمأتي بِهِ تعلقاً يخل بالمعنى حذفه ، كالاستثناء والحال ونحو ذَلِكَ ، كَمَا سيأتي في القول الرابع . فإن كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ بلا خلاف ، وبه جزم أَبُو بكر الصيرفي( ) وغيره ، وَهُوَ واضح )) ( ) .

الثالث : إن لَمْ يَكُنْ رَوَاهُ عَلَى التمام مرة أخرى هُوَ أو غيره لَمْ يَجُزْ ، وإن كَانَ رَوَاهُ عَلَى التمام مرة أخرى هُوَ أو غيره جاز  ( ) .

الرابع : يجوز اختصار الحديث والاقتصار عَلَى بعضه إذا كَانَ فاعل ذَلِكَ عالماً عارفاً، وَكَانَ ما تركه متميزاً عمّا نقله غَيْر متعلق بِهِ ، بِحَيْثُ لا يختل البيان ، ولا تختلف الدلالة فِيْمَا نقله بترك ما تركه ( ) .

وهذا المذهب هُوَ الَّذِي صححه ابن الصَّلاَح وغيره ، وعلل ذَلِكَ بقوله : (( لأن الَّذِي نقله والذي تركه – والحالة هَذِهِ – بمنـزلة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر )) ( ).

وَقَدْ ترتب عَلَى اختصار بَعْض الرُّوَاة للأحاديث ، خلاف بَيْنَ الفقهاء في بَعْض جزئيات الفقه الإسلامي ، ونستطيع أن نمثل ذَلِكَ بِمَا يأتي :

رَوَى شعبة ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبيّ  قَالَ : (( لا وضوء إلا من صوت أو ريح )) ( ) .

هكذا رَوَى شعبة الْحَدِيْث مختصراً ، نبّه عَلَى ذَلِكَ حفاظ الْحَدِيْث ونقاده ، فأبو حاتم الرازي يَقُوْل : (( هَذَا وهم ، اختصر شعبة مَتْن هَذَا الْحَدِيْث ، فَقَالَ : (( لا وضوء إلا من صوت أو ريح ))، ورواه أصحاب سهيل عن سهيل ، عن أبيه ، عن أبي هُرَيْرَةَ ، عن النَّبِيّ قَالَ: (( إِذَا كَانَ أحدكم في الصَّلاَة فوجد ريحاً من نفسه فَلاَ يخرجن حَتَّى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً )) )) ( ).

وَقَالَ البَيْهَقِيّ : (( هَذَا مختصر )) ( ).

إلا أن الحَافِظ ابن التركماني قَالَ : (( لَوْ كَانَ الْحَدِيْث الأول مختصراً من الثاني ، لكان موجوداً في الثاني مَعَ زيادة ، وعموم الحصر المذكور في الأول لَيْسَ في الثاني ، بَلْ هما حديثان مختلفان )) ( ) .

وتابعه عَلَى هَذَا التعليل الشوكاني ، فَقَالَ : (( شعبة إمام حافظ واسع الرِّوَايَة ، وَقَدْ رَوَى هَذَا اللفظ بهذه الصيغة المشتملة عَلَى الحصر ، ودينه ، وإمامته ، ومعرفته بلسان العرب يرد ما ذكره أبو حاتم )) ( ) .

وأيّد هَذَا الشَّيْخ أبو إسحاق الحويني في تحقيقه لـ " منتقى " ابن الجارود ( ) .

وَإِذَا ذهبنا نستجلي حقيقة الأمر بطريق البحث العلمي المستند إِلَى حقائق الأمور وقواعد أصحاب هَذَا الفن، نجد أن أبا حاتم الرازي لَمْ يحكم بهذا الحكم من غَيْر بينة، إِذْ أشار في تضاعيف كلامه إِلَى أن مستنده في الحكم بوهم شعبة واختصاره للحديث : مخالفته لجمهور أصحاب سهيل ، وهذا هُوَ المنهج العلمي الَّذِي يتبعه أَئِمَّة الْحَدِيْث في مَعْرِفَة ضبط الرَّاوِي ، وذلك من خلال مقارنة روايته برواية غيره ، وهذا يقتضي جمع الطرق ، والحكم عن تثبت ، لا بالتكهن والتجويز العقلي الخلي عن البرهان والدليل .

وبغية الوصول إِلَى الحكم الصائب تتبعنا طرق هَذَا الْحَدِيْث ، فوجدنا سبعة من أصحاب سهيل رووه عن سهيل خالفوا في رواياتهم رِوَايَة شعبة ، وهم :

جرير بن عَبْد الحميد بن فرط الضبي ، عِنْدَ مُسْلِم ( ) ، والبيهقي ( ) .

حماد بن سلمة ، عِنْدَ : أَحْمَد ( ) ، والدارمي ( ) ، وأبي داود ( ) .

خالد بن عَبْد الله الواسطي ، عِنْدَ ابن خزيمة ( ) .

زهير بن معاوية ، عِنْدَ أبي عوانة ( ) .

عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي ، عِنْدَ التِّرْمِذِيّ ( ) ، وابن خزيمة ( )، وابن المنذر ( ).

مُحَمَّد بن جعفر ، عِنْدَ البَيْهَقِيّ ( ) .

يَحْيَى بن المهلب البجلي ، عِنْدَ الطبراني في " الأوسط " ( ) .

ورِوَايَة الجمع أحق أن تتبع ويحكم لها بالسلامة من الخطأ .

ولا يطعن هَذَا في إمامة شعبة ودينه ، فهذا أمر وهذا أمر آخر ، ومن ذا الَّذِي لا يخطئ .

ولا يشترط أن يَكُوْن لفظ الْحَدِيْث المختصر موجوداً في الْحَدِيْث المختصر مِنْهُ ، بَلْ يكفي وجود المعنى، إِذْ لربما اختصر الرَّاوِي الْحَدِيْث، ثُمَّ رَوَى اللفظ المختصر بالمعنى ، فَلاَ يبقى رابط بَيْنَهُمَا سوى المعنى ، وهذا ما نجده في حديثنا هَذَا ، وبه يندفع اعتراض ابن التركماني ومن قلّده .

 

 

المبحث التاسع

ورود حَدِيْث الآحاد فِيْمَا تعم بِهِ البلوى

يجدر بنا قَبْلَ الدخول في هَذِهِ المسألة أن نتعرف عَلَى المقصود من قَوْل الفقهاء : (( ما تعم بِهِ البلوى )) .

فمعناه عندهم : ما كثر وقوعه ويحتاج إلى العِلْم بِهِ جَمِيْع الناس ، وما كَانَتْ هَذِهِ صورته فإن الدواعي تدعو إِلَى أن ينقله العدد الجمّ فيكون بمثابة الخبر المتواتر أو المَشْهُوْر ، ووروده بخبر الآحاد ريبة توجب التوقف في قبول الخبر وهذا ما جنح إليه الحنفية ( ) .

واستدلوا بالآثار الَّتِي رويت عن صحابة رَسُوْل الله ، مِمَّا يدل ظاهرها عَلَى العمل بهذا الشرط ، ومن ذَلِكَ :

1. ماروي عن قبيصة بن ذؤيب قَالَ : جاءت الجدة إِلَى أبي بكر تسأله ميراثها ، قَالَ فَقَالَ لها : مالك في كتاب الله شيء ، ومالك في سنة رَسُوْل الله شيء ، فارجعي حَتَّى أسأل الناس ، فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة : حضرت رَسُوْل الله فأعطاها السدس ، فَقَالَ أبو بكر : هَلْ معك غيرك ؟ فقام مُحَمَّد بن مسلمة الأنصاري فَقَالَ مِثْل ما قَالَ المغيرة بن شعبة فأنفذه لها أبو بكر ( ) .

2. عن أبي سعيد الخدري قَالَ: استأذن أبو موسى عَلَى عمر ، فَقَالَ : السلام عليكم أأدخل ؟ قَالَ عمر: واحدة ، ثُمَّ سكت ساعة ، ثُمَّ قَالَ: السلام عليكم أأدخل ؟ قَالَ عمر : اثنان ، ثُمَّ سكت ساعة فَقَالَ : السلام عليكم أأدخل ؟ فَقَالَ عمر : ثلاث .

ثُمَّ رجع أبو موسى ، فَقَالَ عمر للبواب: ماصنع ؟ قَالَ : رجع . قَالَ : عَلِيّ بِهِ ، فلما جاءه قَالَ : ماهذا الَّذِي صنعت ؟ قَالَ: السنة ، قَالَ: السنة ؟ والله لتأتيني عَلَى هَذَا ببرهان أو بينة أو لأفعلن بك ، قَالَ : فأتانا ونحن رفقة من الأنصار : فَقَالَ : يا معشر الأنصار ألستم أعلم الناس بحديث رَسُوْل الله ؟ ألم يقل رَسُوْل الله : (( الاستئذان ثلاث ، فإن أذن لَكَ ، وإلا فارجع )) ، فجعل القوم يمازحونه ، قَالَ أبو سعيد : ثُمَّ رفعت رأسي إِلَيْهِ فقلت : فما أصابك في هَذَا من العقوبة فأنا شريكك . قَالَ : فأتى عمر فأخبره بِذَلِكَ ، فَقَالَ عمر : ما كنت علمت بهذا  ( ) .

ولا معارض من الصَّحَابَة لفعل الخليفتين ، فكان إجماعاً مِنْهُمْ عَلَى مضمون فعلهما ( ) .

وأجيب عن استدلالهم هذا :

بأن دعوى الإجماع منقوضة بفعل عدد من الصحابة ، إذ قبل كثير منهم أخبار الآحاد وقبلوها ، بل ورد هذا عن الخليفتين أميري المؤمنين اللذين استدلوا بفعلهما ، ومن ذلك :

1- قبل الخليفة أبو بكر حديث ابنته أم المؤمنين عائشة في قدر الثوب الذي كفن فيه رسول الله ، فروى البخاري ( ) ، ومسلم ( ) وغيرهما ( ) ، عن عائشة رضي الله عنها : (( دخلت على أبي بكر – رضي الله عنه – فقال : في كم كفنتم النبي ؟ قالت في ثلاثة أثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة  وقال لها : في أي يوم توفي رسول الله ؟ قالت : يوم الاثنين )) . وكلا الأمرين ( الكفن ، ويوم وفاته ) مِمَّا تعم بِهِ البلوى .

2- قَبْلَ الخليفة الفاروق أمير المؤمنين عمر خبر أم المؤمنين عَائِشَة –رضي الله عَنْهَا– في وجوب الغسل من التقاء الختانين ، فأخرج  الطحاوي ( )  من طريق عبيد الله بن عدي بن الخيار( ) ، قَالَ : تذاكر أصحاب النَّبِيّ  عند عمر بن الخطاب الغسل من الجنابة .

فقال بعضهم : إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل ، وقال بعضهم : إنما الماء من الماء .

فقال عمر – رضي الله عنه -:  قد اختلفتم عليَّ وأنتم أهل بدر الأخيار ، فكيف بالناس بعدكم ؟ فقال علي بن أبي طالب – رضي الله عنه -: يا أمير المؤمنين إن أردت أن تعلم ذلك فأرسل إلى أزواج النبي فسلهن عن ذلك .

فأرسل إلى عائشة –رضي الله عنها – فقالت:(( إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل )) . فقال عمر عند ذلك : لا أسمع أحداً يقول : الماء من الماء إلا جعلته نكالاً .

وهذا الأمر مما تعم به البلوى أيضاً . وغيرها من الحوادث والآثار التي تعزز في نفس الناظر قبول خبر الآحاد فيما تعم به البلوى أو في غيرها .

أما الحادثتان اللتان استدلوا بهما ، فيمكن الإجابة عنها :

بأن أبا بكر إنما توقف في خبر المغيرة، لأن ما أخبر عنه أمر مشهور، فأراد التثبت فيه ( ) .

وأما عمر فلأن أبا موسى أخبره الحديث عقب إنكاره عليه ، فأراد عمر الاستثبات في خبره لهذه القرينة ( ) .

فالراجح ما ذهب إليه جمهور أهل العلم من أن خبر الآحاد يعمل به وإن كان مما تعم به البلوى  إذا استوفى شروط القبول للاحتجاج به من حيث ثبوته عن رسول الله ، ذلك أن الأدلة الشرعية الدالة عَلَى وجوب العمل بخبر الآحاد لم تفرق بين عموم البلوى وغيرها .

أثره في اختلاف الفقهاء

النموذج الأول : نقض الوضوء بمس الذكر

اختلف الفقهاء في من مسَّ ذكره أو ما في معناه ، هل ينتقض وضوؤه أم لا ؟

وافترقوا على قولين :

الأول : إذا مس المتوضئ فرجه انتقض وضوؤه ، وعليه الوضوء من جديد ، وبه قال جمهور أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم، منهم: عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ابن عمر ، والبراء بن عازب ، وزيد بن خالد الجهني( )، وجابر بن عبد الله ، وأبو أيوب الأنصاري ، وزيد بن ثابت ، وعائشة ، وأم حبيبة ، وبسرة بنت صفوان( ) ، وعطاء بن أبي رباح ، وطاووس ، وعروة بن الزبير ، وسليمان بن يسار ، وأبان بن عثمان( ) ، والزهري ، ومجاهد ، ومكحول ، وجابر بن زيد ، والشعبي ، وعكرمة ، ومصعب بن سعد ( ) ، ويحيى بن أبي كَثِيْر ( )، وهشام بن عروة ، وأبو العالية ( )، وجماعة أهل الشام والمغرب ، وأكثر أهل الحديث .

وإليه ذهب الأوزاعي والليث بن سعد وداود الظاهري وإسحاق بن راهويه والطبري .

وَهُوَ رواية عن سعد  بن أبي وقاص ، وابن عباس ، وأبي هريرة ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والحسن ( ).

وهو مذهب الشافعية والظاهرية وجمهور المالكية ورواية عن الإمام أحمد ، على تفصيل بينهم ، نبينه فيما يأتي :

الشافعية: إذا مس رجل ذكر نفسه أو ذكر غيره ، صغيراً أو كبيراً ، حياً أو ميتاً ، قريباً أو أجنبياً ، وإن كان الذكر مقطوعاً من حي، بشرط أن يكون ببطن الكف أو بطن الأصابع أنقض وضوء اللامس ، والحكم نفسه بالنسبة للمرأة ، وينتقض أيضاً بمس حلقة الدبر في جديد مذهب الشَّافِعِيّ .

ولا ينقض الوضوء مس أنثييه أو إليتيه ، أو أعجازه ، أو عانته ، أو فرج بهيمة ، ويشترط في النقض عدم الحائل ، ولا يشترط العمد ، بَلْ يستوي فِيْهِ العامد والساهي( ).

الظاهرية : مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ بأي جزء من بدنه –عدا الفخذ والساق أو الرجل– عامداً انتقض وضوءه، وكذا المرأة إن تعمدت مس فرجها، ويتعدى هَذَا الحكم إِلَى مس فرج الغير صغيراً أو كبيراً ، حياً أو ميتاً ، مَحْرَمٍ أو غَيْر مَحْرَمٍ ، بأي جزء من بدن اللامس ، ويشترط في جَمِيْع ذَلِكَ عدم الحائل ، ولا يشترط وجود اللذة ( ) .

المالكية : قَالَ ابن عَبْد البر : (( اضطرب قَوْل مالك في إيجاب الوضوء مِنْهُ ، واختلف مذهبه فِيْهِ ))( ).

والذي وقفت عَلَيْهِ من أقوال المالكية في نقض الوضوء من مس الذكر ما يأتي :

1. قيّدها بعضهم وهم: إسماعيل بن إسحاق ، وابن بكير ، وابن المنتاب( )، وأبو الفرج( )، والأبهري( )، وسائر مالكية بغداد ، بوجود اللذة ، فإن مسه ملتذاً وجب عَلَيْهِ الوضوء ، وإن صلى وَلَمْ يتوضأ من مسه ، فعليه الإعادة سواء كَانَ في الوقت أو بعده . وإن لَمْ يلتذَّ بمسه فَلاَ شيء عَلَيْهِ ( ) .

2. ذهب أصبغ بن الفرج( ) وعيسى بن دينار مِنْهُمْ إِلَى إيجاب الوضوء مطلقاً ، وإن صلى بَعْدَ مسه من غَيْر وضوء فعليه الإعادة في الوقت أو بعده ( ) .

3. ورأى سحنون( ) والعتبي أن لا وضوء عَلَيْهِ مطلقاً ، ولا إعادة عَلَى من صلى بَعْدَ لمسه من غَيْر وضوء ، سواء في الوقت أم بعده ( ) .

4. وذهب ابن القاسم وأشهب،وابن وهب في رِوَايَة إِلَى أن عَلَيْهِ الوضوء من مس الذكر، فإن صلى بَعْدَ أن مسه من غَيْر وضوء، فعليه الإعادة ما دام في الوقت، فإن خرج الوقت فَلاَ إعادة عَلَيْهِ ( ) .

قَالَ العلاّمة خليل في مختصره الَّذِي أصبح عمدة المالكية – لا سيما المتأخرون – وَهُوَ يتكلم عن نواقض الوضوء : (( ومطلق مس ذكره المتصل )) ( ) .

قَالَ أبو عمر بن عَبْد البر : (( واستقر قوله ( وفي الاستذكار : والذي تقرر عَلَيْهِ المذهب عِنْدَ أهل المغرب من أصحابه ) أن لا إعادة عَلَى من صلى بَعْدَ أن مسه قاصداً وَلَمْ يتوضأ إلا في الوقت ، فإن خرج الوقت فَلاَ إعادة عَلَيْهِ )) ( ) .

رِوَايَة الإمام أحمد ( ): إذا مس الرجل ذكره انتقض وضوؤه ، ولا فرق بَيْنَ العامد والساهي ، وفي رِوَايَة عَنْهُ اشتراط التعمد ، ولا فرق بَيْنَ باطن الكف وظاهرها ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ نقض بمسه بذراعه ، وَعَنْهُ في رِوَايَة: عَلَيْهِ الوضوء ، ولا فرق في كُلّ هَذَا بَيْنَ ذكره وذكر غيره صغيراً أو كبيراً حياً أو ميتاً ، وفي الذكر المقطوع رِوَايَتَانِ . وأما حلقة الدبر ففيها رِوَايَتَانِ ، وفي شمول كُلّ هَذَا للمرأة رِوَايَتَانِ عَنْهُ : النقض وعدمه ، والأشهر عَنْهُ أن يَكُوْن اللمس من غَيْر حائل ( ) .

الثاني : لَيْسَ عَلَى من مس ذكره وضوء ، ووضوؤه صَحِيْح ، وبه قَالَ من الصَّحَابَة فمن بعدهم :

عَلِيّ وابن مسعود وعمار بن ياسر وحذيفة( ) وأبو الدرداء وعمران بن الحصين ( )

 

والنخعي وشريك والحسن بن حي ( ) ، وعبيد الله بن الحسن ، وَهُوَ رِوَايَة عن سعد بن أبي وقاص وأبي هُرَيْرَةَ وسعيد بن جبير وسعيد بن المسيب والحسن البصري ( ) .

قَالَ في الروض النضير : (( وَهُوَ المحفوظ عن أَئِمَّة أهل البيت )) ( ) .

وإليه ذهب: الحنفية ( )، والزيدية( )، والإمامية( )، وهُوَ رِوَايَة عن الإمام أحمد( ) ، وبه جزم ابن المنذر ( ) ، واختاره العُتقي وسحنون من المالكية ( ) .

الأدلة :

استدل من قَالَ بنقض الوضوء : مِن مس الذكر بجملة أدلة ، من بينها حَدِيْث بسرة بنت صفوان أن النَّبِيّ قَالَ : (( مَن مس ذكره فليتوضأ )) ( ) .

وَقَدْ رد الحنفية الاستدلال بهذا الْحَدِيْث من وَجْهَيْنِ :

الأول : الطعن في الْحَدِيْث من ناحية الثبوت  ( ) .

الثاني : الاعتراض عَلَيْهِ من حَيْثُ إن بسرة تفردت بنقله ، والفرض أن ينقله عدد كبير ؛ لتوافر الدواعي عَلَى نقله ( ) ، قَالَ السرخسي( ) : (( ما بال رَسُوْل الله لَمْ يقل هَذَا بَيْنَ يدي كبار الصَّحَابَة ،حَتَّى لَمْ ينقله أحد مِنْهُمْ ، وإنما قَالَهُ بَيْنَ يدي بسرة ؟وَقَدْ كَانَ رَسُوْل الله أشد حياءً من العذراء في خدرها )) ( ).

ويتفرع عن إيرادهم هَذَا الاعتراض بِمَا يأتي :

ورد في بَعْض الروايات أن مروان بعث شرطياً إلى بسرة ، فنقل الْحَدِيْث عَنْهَا وسمعه مِنْهُ عروة ، وهذا الشرطي مجهول . فتبين أن سَمَاع عروة عن طريق مجهول ، فَلاَ تقوم الحجة بإخباره .

أن هَذَا الْحَدِيْث يعارض حَدِيْث طلق( ) بن عَلِيّ الحنفي في تَرْك الوضوء من مسه ، وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيّ في حَدِيْث طلق : (( هَذَا الْحَدِيْث أحسن شيء روي في هَذَا الباب )) ( ) .

إن هَذَا الْحَدِيْث حَدِيْث آحاد ، وَقَدْ ورد فِيْمَا تعم بِهِ البلوى ، وهذه ريبة توجب التوقف في قبوله .

أنَّهُ تضمن حكماً يختص بالرجال ، وَقَدْ روته امرأة .

ونجيب عن هَذِهِ الاعتراضات بِمَا يأتي :

أما الأول : فإنه قَدْ ورد في بَعْض طرق الْحَدِيْث التصريح بأن عروة سمعه مباشرة من غَيْر واسطة من بسرة .

فأخرج أحمد ( )، وابن الجارود ( )، وابن حبان ( )، والدارقطني ( )، والحاكم ( )، والبيهقي في السنن ( ) ، وفي مَعْرِفَة السنن والآثار ( ) ، هَذَا الْحَدِيْث وفيه التصريح بسماع عروة من بسرة .

ولنسق رِوَايَة ابن الجارود ليتضح هَذَا ، فروى بإسناده عن هشام بن عروة ، عن أبيه، عن مروان بن الحكم، عن بسرة، أن النَّبِيّ قَالَ : (( من مس ذكره فليتوضأ )) . قَالَ عروة : سألت بسرة فصدقته .

ومن خلال التتبع للطرق الَّتِي روي بِهَا الْحَدِيْث ، نقف عَلَى ثلاث طرق للحديث من طريق عروة ، هِيَ :

عروة ، عن مروان ، عن بسرة .

تذاكر عروة ومروان نواقض الوضوء ، فأرسل مروان شرطياً إِلَى بسرة ،  فذكرت الْحَدِيْث . فتكون حقيقة الرِّوَايَة : عروة ، عن الشرطي ، عن بسرة .

عروة ، عن بسرة مباشرة .

وَقَدْ أجاد الحَافِظ ابن حبان في تفسير هَذَا التنوع قائلاً :

(( وأما خبر بسرة الَّذِي ذكرناه ، فإن عروة بن الزبير سمعه من مروان بن الحكم عن بسرة ، فَلَمْ يقنعه ذَلِكَ حَتَّى بعث مروان شرطياً لَهُ إلى بسرة فسألها ، ثُمَّ أتاهم فأخبرهم بمثل ما قالت بسرة ، فسمعه عروة ثانياً عن الشرطي عن بسرة ، ثُمَّ لَمْ يقنعه ذَلِكَ حَتَّى ذهب إِلَى بسرة فسمع منها . فالخبر عن عروة عن بسرة متصل لَيْسَ بمنقطع ، وصار مروان والشرطي كانهما عاريتان يسقطان من الإسناد )) ( )  .

وَقَالَ الحَافِظ ابن حجر: (( جزم ابن خزيمة وغير واحد من الأئمة: بأن عروة سمعه من بسرة )) ( ) .

وأسهب أبو عَبْد الله الحَاكِم في التدليل عَلَى هَذَا ، بعرض نفيس ( ) .

عَلَى أن الْحَدِيْث مروي عَنْهَا من غَيْر طريق عروة  ( ) .

وأما اعتراضهم الثاني :

فحديث طلق بن عَلِيّ الحنفي ، حَدِيْث صَحِيْح ، صححه جمع من الحفاظ النقاد ، مِنْهُمْ: عَمْرو بن عَلِيّ الفلاس( )، وعلي بن المديني، والطحاوي، وابن حبان ، والطبراني ، وابن حزم ( ) .

وَقَالَ الفلاس : (( هُوَ عندنا أثبت من حَدِيْث بسرة )) ( ) .

وَقَالَ ابن المديني : (( هُوَ عندنا أحسن من حَدِيْث بسرة )) ( ) .

وبيان طرق هَذَا الْحَدِيْث فِيْمَا يأتي :

فَقَدْ رَوَاهُ عن طلق ابنه قيس ، وقيس هَذَا تكلم فِيْهِ بغير حجة ، ووثقه أحمد وابن مَعِيْنٍ والعجلي وذكره ابن حبان في ثقاته ( ) .

وَقَدْ روي بأربع طرق :

رَوَاهُ ابن أبي شيبة ( )، وأبو داود ( )، والترمذي( )، والنسائي ( )،والدارقطني( )، وابن الجارود( )، والطحاوي( )، والبيهقي( )، من طريق ملازم بن عَمْرو، عن عَبْد الله بن بدر ، عن قيس بن طلق بن عَلِيّ ، عن أبيه ، مرفوعاً .

وعبد الله بن بدر : هُوَ ابن عميرة الحنفي السحيمي اليمامي ، جد ملازم بن عمر لأبيه ، وَقِيْلَ : لأمه  ( ) .

وثقه ابن مَعِيْنٍ وأبو زرعة والعجلي ( ) ، وذكره ابن حبان في الثقات ( ) ، وَقَالَ ابن حجر : (( كَانَ أحد الأشراف : ثقة )) ( ) .

وملازم بن عَمْرو : هُوَ ابن عَبْد الله بن بدر الحنفي السحيمي اليمامي ، وثقه أحمد وابن مَعِيْنٍ وأبو زرعة والنسائي ( ) ، وذكره ابن حبان في ثقاته ( ) ، وَقَالَ أبو حاتم : لابأس بِهِ صدوق ( ) ، وَقَالَ الحَافِظ ابن حجر : (( صدوق )) ( ) .

وانطلاقاً من هَذَا الطريق القوي صححه من صححه من الأئمة، وإليه يشير كلام الإمام التِّرْمِذِيّ ، إذ يَقُوْل بَعْدَ أن رَوَاهُ من هَذَا الطريق: (( وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث أيوب ابن عتبة( ) ، ومحمد بن جابر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه . وَقَدْ تكلم بَعْض أهل الْحَدِيْث في مُحَمَّد بن جابر وأيوب بن عتبة، وحديث ملازم بن عَمْرو، عن عَبْد الله بن بدر أصح وأحسن )) ( ) .

رَوَاهُ الطيالسي ( ) ، وأحمد ( ) ، والطحاوي ( ) ، والبيهقي ( ) ، من طرق عن أيوب بن عتبة ، عن قيس بن طلق ، عَنْهُ .

وأيوب : قَالَ أحمد : ضعيف ، وفي رِوَايَة: ثقة ، إلا أنَّهُ لا يقيم حَدِيْث يَحْيَى بن أبي كَثِيْر ، وَقَالَ ابن مَعِيْنٍ : لَيْسَ بالقوي ، ومرة : لَيْسَ بشيء ، ومرة: ضعيف ، ومرة: لَيْسَ حديثه بشيء ، ومرة : لا بأس بِهِ ، وَقَالَ الفلاس : ضعيف وَكَانَ سيء الحفظ ، وَهُوَ من أهل الصدق . وَقَالَ ابن المديني والجوزجاني( ) وابن عمار( ) ومسلم : ضعيف . وَقَالَ العجلي : يكتب حديثه وَلَيْسَ بالقوي . وَقَالَ البُخَارِيّ : هُوَ عندهم لين ( ) .

ومن تأمل أقوال هَؤُلاَءِ الأئمة يجد أنهم تكلموا فِيْهِ من جهة الحفظ لا من جهة العدالة ، وَعَلَيْهِ فحديثه قابل للارتقاء فِيْمَا إذا اعتضد بالمتابعات والشواهد ، وَهُوَ متابع في روايته عن قيس ، كَمَا يعلم من تفصيل هَذِهِ الطرق .

رَوَاهُ عَبْد الرزاق ( ) ، وأحمد ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والدارقطني ( ) ، والحازمي( )، وابن الجارود ( ) ، والطبراني في الكبير  ( ) ،من طرق عن مُحَمَّد بن جابر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه ، بِهِ .

ومحمد بن جابر : هُوَ ابن سيار السحيمي الحنفي الضرير ، ضعيف ، ضعفه غَيْر واحد من الأئمة ( ) .

رَوَاهُ ابن عدي ( ) من طريق عَبْد الحميد بن جعفر( )  ، عن أيوب بن مُحَمَّد العجلي ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه ، بِهِ .

وعبد الحميد بن جعفر ، وأيوب بن مُحَمَّد ، كلاهما متكلم فِيْهِ ( ) .

وإذا ضممنا هَذِهِ الطرق إِلَى بعضها ، ارتقى الْحَدِيْث إِلَى حيّز الاحتجاج ، عَلَى أن الطريق الأولى عِنْدَ انفرادها حجة قائمة .

وأما ما نقل عن الحافظين أبي حاتم وأبي زرعة الرازيين من تضعيفهم لهذا الْحَدِيْث، فالمتأمل لصيغة السؤال ، يجد أنهما لَمْ يعمما الحكم ، فَقَدْ قَالَ ابن أبي حاتم: (( سألت أبي وأبا زرعة عن حَدِيْث رَوَاهُ مُحَمَّد بن جابر ، عن قيس بن طلق ، عن أبيه ، أنَّهُ سأل رَسُوْل الله هَلْ في مس الذكر وضوء ، قَالَ : لا . فَلَمْ يثبتاه ، وقالا : قيس بن طلق لَيْسَ مِمَّنْ تقوم بِهِ الحجة ووهماه )) ( ) .

فالسؤال مقيد بطريق مُحَمَّد بن جابر ، وَهُوَ ضعيف اتفاقاً ، ولا جدال في كونه ضعيفاً فِيْمَا إذا تفرد ، فكيف بثلاث طرق أخرى إحداها حجة لَوْ انفردت !!

وأما غمزهما لقيس بن طلق ، فَلَمْ يوافقهما عَلَيْهِ أحد من النقاد ، وَقَدْ تقدم الكلام عَنْهُ . عَلَى أن الحَافِظ عَبْد الحق الإشبيلي( ) أورد هَذَا الْحَدِيْث في أحكامه الوسطى ( ) ساكتاً عَنْهُ وَهُوَ يقتضي صحته عنده ( ) . فتعقبه الحَافِظ ابن القطان قائلاً : (( والحديث مختلف فِيْهِ ، فينبغي أن يقال فِيْهِ : حسن )) ( ) .

فهذا أقل أحوال الْحَدِيْث ، وإلا فَهُوَ صَحِيْح .

أما وجه التوفيق بَيْنَ حديثي بسرة وطلق فسيأتي فِيْمَا بعد .

وأما الثالثة : فادعاء أنَّهُ خبر آحاد ادعاء منقوض فالحديث مروي من حَدِيْث ثمانية من الصَّحَابَة ، هم :

1. عَبْد الله بن عَمْرو:أخرجه أحمد( )،وابن الجارود( )،والطحاوي( )،والدارقطني( ) والبيهقي ( ) ، والحازمي ( ) ، من طريق عَمْرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده .

نقل التِّرْمِذِيّ عن البُخَارِيّ أنَّهُ قَالَ : (( حَدِيْث عَبْد الله بن عَمْرو في مس الذكر ، هُوَ عندي صَحِيْح )) ( ) .

2. زيد بن خالد الجهني : رَوَاهُ ابن أبي شيبة ( ) ، وأحمد ( ) ، والطحاوي ( ) ، والبزار ( ) ، والطبراني ( ) ، وابن عدي ( ) .

3. عَبْد الله بن عمر بن الخطاب : عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ( ) ، وفي إسناده : عَبْد الله بن عمر العمري ، ضعيف ( ).

وأخرجه أيضاً : الطحاوي ( ) والبزار ( ) والطبراني ( ) .

وفي إسناد الطحاوي والبزار : صدقة بن عَبْد الله ، ضعيف ( ) ، وهاشم بن زيد أيضاً ( ) . أما الطبراني ففي إسناده : العلاء بن سليمان الرقي ، ضعيف جداً ( ) .

ورواه الحَاكِم ( ) وفي إسناده : عَبْد العزيز بن أبان ، متروك متهم ( ) .

ورواه ابن عدي ( ) وفيه أيضاً : العلاء بن سليمان الرقي .

ورواه أيضاً ( ) وفيه : أيوب بن عتبة ، وَقَدْ تقدم بَيَان حاله ، وعبد الله بن أبي جعفر( ).

ومن مجموع هَذِهِ الطرق يتقوى الْحَدِيْث .

4. أبو هُرَيْرَةَ: بلفظ: (( إذا أفضى أحدكم بيده إِلَى فرجه ، حَتَّى لا يَكُوْن بينه حجاب ولا ستر فليتوضأ وضوءه للصلاة )) .

أخرجه الشَّافِعِيّ ( )، والبزار ( )، والطحاوي ( )، وابن حبان ( )، والطبراني( ) ، والحاكم ( )، وابن السكن ( )، وأحمد ( )، والدارقطني ( )، والبيهقي( )، والبغوي( )، والحازمي ( ) .

وَهُوَ حَدِيْث قوي ، تابع يزيدَ بنَ عَبْد الملك النوفليَّ ( ) عَلَى روايته نافعُ بنُ أبي نعيم ، قَالَ ابن حبان : (( احتجاجنا في هَذَا الخبر بنافع بن أبي نعيم دُوْنَ يزيد بن عَبْد الملك النوفلي )) ( ) .

قَالَ ابن عَبْد البر : (( كَانَ هَذَا الْحَدِيْث لا يعرف إلا ليزيد بن عَبْد الملك النوفلي هَذَا ، وَهُوَ مجتمع عَلَى ضعفه ، حَتَّى رَوَاهُ عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم – صاحب مالك – عن نافع بن أبي نعيم القارئ ( ) ، وَهُوَ إسناد صالح – إن شاء الله – ، وَقَدْ أثنى ابن مَعِيْنٍ عَلَى عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم في حديثه ووثقه ، وَكَانَ النسائي يثني عَلَيْهِ أيضاً في نقله عن مالك لحديثه ، ولا أعلمهم يختلفون في ثقته ، وَلَمْ يروِ هَذَا الْحَدِيْث عَنْهُ ، عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عَبْد الملك إلا أصبغ بن الفرج )) ( ) .

5. أم المؤمنين عَائِشَة مرفوعاً : (( ولفظ حديثها : ويل للذين يمسون فروجهم ثُمَّ يصلون ولا يتوضئون )) . رَوَاهُ الطحاوي ( ) والبزار ( ) والدارقطني ( ) واللفظ لَهُ .

6. أم المؤمنين أم حبيبة مرفوعاً : ولفظه : (( من مس ذكره فليتوضأ )) .

رَوَاهُ ابن أبي شيبة ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والترمذي ( ) ، والطحاوي ( ) ، وأبو يعلى ( ) والطبراني ( ) ، والبيهقي ( )، وابن عَبْد البر ( ) من طرق عن مكحول ، عن عنبسة بن أبي سُفْيَان( ) ، عن أم حبيبة ، بِهِ .

ونقل التِّرْمِذِيّ ( ) عن البُخَارِيّ أنَّهُ قَالَ : (( مكحول لَمْ يسمع من عنبسة )) .

ونقل أيضاً أن أبا زرعة استحسن الْحَدِيْث وعده محفوظاً .

لَكِن ابن أبي حاتم نقل في كتاب " المراسيل " ( ) ما يأتي :

(( سئل أبو زرعة عن حَدِيْث أم حبيبة في مس الفرج ، فَقَالَ : مكحول لَمْ يسمع من عنبسة بن أبي سُفْيَان شيئاً )) ( ) .

وَكَانَ الإمام أحمد يثبت هَذَا الْحَدِيْث ويصححه ( )، وكذا ابن مَعِيْنٍ فِيْمَا نقله ابن عَبْد البر ( ) .

7. جابر بن عَبْد الله الأنصاري مرفوعاً ، ولفظه : (( إذا مس أحدكم ذَكَرَهُ فعليه الوضوء )) .

روي من طريقين موصولاً ومرسلاً ، فأما الرِّوَايَة الموصولة فأخرجها : الشَّافِعِيّ في الأم ( ) ، وفي المسند ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والطحاوي ( ) ، والبيهقي ( ) ، والمزي ( ) وفي طرقهم : (( عقبة بن عَبْد الرَّحْمَان )) مجهول ( ) .

وأما الرِّوَايَة المرسلة فأخرجها : الشافعي في الأم ( ) وفي المسند ( ) والطحاوي ( ) والبيهقي ( ) عن ابن ثوبان  .

قَالَ الشَّافِعِيّ بَعْدَ أن رَوَاهُ : (( سَمِعْتُ غَيْر واحد من الحفاظ يرويه ولا يذكر فِيْهِ جابراً )) ( ).

وَقَالَ البُخَارِيّ:(( عقبة بن عَبْد الرَّحْمَان بن معمر( )، عن ابن ثوبان، رَوَى عَنْهُ ابن أبي ذئب مرسلاً عن النَّبِيّ في مس الذَّكَر. وَقَالَ بعضهم: عن جابر ولا يصح))( ).

وسأل ابن أبي حاتم أباه عن الرِّوَايَة الموصولة فأجابه قائلاً : (( هَذَا خطأ الناس يروونه عن ابن ثوبان عن النَّبِيّ مرسلاً لا يذكرون جابراً )) ( ) .

وبنحو هَذَا أعله الطحاوي في شرح المعاني ( ).

8. أبو أيوب الأنصاري مرفوعاً : ولفظ حديثه : (( مَن مس فرجه فليتوضأ )) .

رَوَاهُ ابن ماجه ( ) ، والطبراني ( )، وأعله الدَّارَقُطْنِيّ بأن المحفوظ رِوَايَة مكحول عن أم حبيبة ، أما روايته عن أبي أيوب فغير محفوظة ( ) .

وأَيّاً ما يَكُن الأمر فإن هَذَا الحكم قَدْ روي عن ثمانية من الصَّحَابَة ، بَعْض طرقهم صحيحة ، وبعضها قابل للاعتضاد ، فمجموعها يَكُوْن في أقل أحواله مشهور، والمشهور يعمل بِهِ عندهم فِيْمَا تعم بِهِ البلوى .

أما الرابع ، وَهُوَ كون الْحَدِيْث مِمَّا يختص حكمه بالرجال ، وَقَدْ نقلته امرأة ، فقول مردود ، فَقَدْ مضى بنا في عرض الآراء أن جمهور من يرى النقض من مس الفرج يسوى في الحكم بَيْنَ الرجل والمرأة ، ثُمَّ إن الْحَدِيْث قَدْ رَوَاهُ عددٌ من رجال الصَّحَابَة كَمَا تقدم .

ثُمَّ إن ديدن الصَّحَابَة كَانَ قبول أخبار النساء في أحكام تتعلق بالرجال فقبلوا خبر أم المؤمنين عَائِشَة – رضي الله عَنْها – في التقاء الختانين ونسخ بِهِ : (( الماء من الماء))( )، وَقَدْ خاطب الله تَعَالَى نساء رَسُوْله بقوله جل ذكره : وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ( ) ، وهذا أمر لهن بالبيان ، وفي ضمن ذَلِكَ أحكام قَدْ تختص بالرجال ( ) .

وبعد هَذَا النقاش الطويل ، فإن المحصلة النهائية كَانَتْ صحة حديثي بسرة وطلق ، فكيف نعمل فيهما ؟

قَالَ ابن عَبْد البر : (( والأصل أن الوضوء المجتمع عَلَيْهِ لا ينتقض إلا بإجماع أو سنَّة ثابتة ، غَيْر محتملة للتأويل ، فَلاَ عيب عَلَى القائل بقول الكوفيين ؛ لأن إيجابه عن الصَّحَابَة لَهُمْ فِيْهِ ما تقدم ذكره )) ( ) .

والجمهور عَلَى أن حَدِيْث بسرة ناسخ لحديث طلق ، وبه قَالَ ابن حبان ( ) والطبراني ( ) وابن حزم ( ) والبيهقي ( ) والحازمي ( ) وغيرهم ( ) .

 

الفصل الثَّالِث : الاختلاف في السَّنَد والمتن

 

وفيه ثمانية مباحث :

المبحث الأول : الاضطراب

المبحث الثاني : الاختلاف في الزيادات

المبحث الثالث : اختلاف الثقة مَعَ الثقات

المبحث الرابع : اختلاف الضعيف مَعَ الثقات

المبحث الخامس : الإدراج

المبحث السادس : الاختلاف بسبب خطأ الراوي

المبحث السابع : المقلوب

المبحث الثامن : الاختلاف بسبب التصحيف والتحريف

 

 

 

 

 

 

 

تمهيد

لما كَانَ الاختلاف أمراً وارداً في الحَدِيْث النبوي الشريف ؛ وَذَلِكَ للاختلاف في مقدار تيقظ الرواة ، وقوة قرائحهم ، وَكَذَلِكَ بسبب اختلاف بعضهم عن بَعْض في مدى اهتمامهم بمروياتهم وَكَذَلِكَ أمور أُخْرَى تَكُون أسباباً للاختلاف فرغنا من ذكرها في الفصل الأول . وَقَدْ بينا آنذاك أنَّ الاختلاف يَكُون في المَتْن و السَّنَد فَهُوَ لَيْسَ قاصراً عَلَى المَتْن حسب بَلْ هُوَ يشمل كليهما . لذا رأيت أنْ أذكر في هَذَا الفصل أنواع الاختلافات الَّتِي تَكُون في السَّنَد و المَتْن . وَقَدْ قسمته عَلَى أحد عشر مبحثاً .

 

المبحث الأول

الاضطراب

الاضطراب : في الحَدِيْث سنداً ومتناً أمرٌ حاصل وواقع بسبب اختلاف المواهب وما إلى غَيْر ذَلِكَ من الأسباب الَّتِي تجعل اضطراباً في المتون و الأسانيد ، والاضطراب يحصل من راوٍ واحدٍ ويحصل من عدة رواة ( )، والاضطراب يَكُون في الأعم الأغلب في المدارس المتأخرة ويندر جداً في المدارس المتقدمة ، وَذَلِكَ أن المدارس المتأخرة من شأنها التعدد زيادة على بعد الزمان وتقاصر الهمم .

 

المطلب الأول

تعريف المضطرب لغة واصطلاحاً

الحَدِيْث المضطرب( ) أحد أنواع علم الحَدِيْث ، و المضطرب : اسم فاعل من اضطَربَ ، مأخوذ لغةً من الاضطراب بمعنى : الحركة و الاختلاف ، يقال: اضطرب الموج، أي: ضرب بعضه بعضاً ، فَهُوَ مضطرب .

وأود التنبيه عَلَى أن الشائع تسميته ب‍ (( المضطرِب )) عَلَى وزن اسم الفاعل، هُوَ من باب الإسناد المجازي( ) ، لأن الاضطراب واقعٌ فِيهِ لا مِنْهُ ، إذ إنَّهُ اسم مكان ، فيظهر فِيهِ اضطراب الرَّاوِي أو الرواة ، فَهُوَ عَلَى الحقيقة : مضطرَب -بفتح الراء- وَلَوْ سمي كَذلِكَ لكان أظهر في المَعْنَى الاصطلاحي( )

والمضطرب من الحَدِيْث اصطلاحاً : هُوَ الذي تَخْتَلِف الرِّوَايَة فِيهِ ، فيرويه بعضهم على وجه ، وبعضهم عَلَى وجه آخر مخالفٍ لَهُ.

هكذا عرفه الحافظ ابن الصَّلاح( ) ، وَقَدْ استدرك عَلَيْهِ الإمام الزَّرْكَشِيّ بقوله : (( قَدْ يخرج مَا لو حصل الاضطراب من راوٍ واحدٍ . وَقَدْ يقال فِيهِ : نبنيه عَلَى دخوله من باب أولى ، فإنه أولى بالرد من الاختلاف بَيْنَ راويين))( ) .قُلْتُ : وهَذَا اعتراض متجهٌ ، لأن الاضطراب في الأعم الأغلب يحصل من راوٍ واحد ، وَهُوَ الَّذِي يوجه الغلط فِيهِ لِمَنْ اضطرب فِيهِ . أما الاضطراب من راويين فَهُوَ أقل ، وَكَذَلِكَ قَدْ يوجه الاضطراب لأحد الراويين أو للشيخ ، وربما كَانَ قَدْ حدّث بالوجهين .

وللزركشي اعتراض آخر فَقَدْ قَالَ : (( وينبغي أن يقال : ( عَلَى وجه يؤثر ) ليخرج مَا لَوْ روي الحَدِيْث عن رَجُل مرة ، وعن آخر أخرى …))( ) .

قُلْتُ: وَهُوَ اعتراض متجهٌ أيضاً ، لأن لَيْسَ كُلّ اختلاف قادحاً ، بَلْ القادح الَّذِي لا يحتمل التوفيق و الجمع ، بمعنى أن الرَّاوِي لَمْ يضبط الحَدِيْث فَهُوَ وإن كَانَ ثِقَة إلا أَنَّهُ ضَعِيْف في هَذَا الحَدِيْث خَاصَّة .

 

 

المطلب الثَّانِي

شرط الاضطراب

سبق أن ذكرت أن لَيْسَ كُلّ اختلاف اضطراباً ، بَلْ شرط الاضطراب أمران :

أحدهما : استواء وجوه الاختلاف ، فمتى رجح أَحَد الأقوال قدم وَلاَ يعل الراجح بالمرجوح عِنْدَ أهل النقد .

ثانيهما : أن يتعذر - مَعَ الاستواء – الجمع بينها عَلَى قواعد المُحَدِّثِيْنَ ، ويغلب عَلَى الظن أن ذَلِكَ الحافظ لَمْ يضبط ذَلِكَ الحَدِيْث بعينه فحينئذ يحكم عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَة وحدها بالاضطراب ، ويتوقف عن الحكم بصحة ذَلِكَ الحَدِيْث لِذلِكَ السبب ( ) .

وعلى هَذَا المَعْنَى يدور قَوْل الحافظ ابن الصَّلاح : (( وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان ( ) ، أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى ، بأن يَكُون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عَنْهُ ، أو غَيْر ذَلِكَ من وجوه الترجيحات المعتمدة ، فالحكم للراجحة ، وَلاَ يطلق عَلَيْهِ حينئذٍ وصف المضطرب ، وَلاَ له حكمه )) ( ). وَقَدْ أكد هَذَا المفهوم الإمام ابن دقيق العيد فَقَالَ : (( أشار بَعْض الناس إلى أن اختلاف الرواة في ألفاظ الحَدِيْث مِمَّا يمنع الاحتجاج بِهِ …فنقول هَذَا صَحِيْح لَكَن بشرط تكافؤ الروايات أو تقاربها ، أما إذا كَانَ الترجيح واقعاً في بعضها : إما لأن رواته أكثر أو أحفظ، فينبغي العَمَل بِهَا ، إذ الأضعف لا يكون مانعاً من العَمَل بالأقوى ، والمرجوح لا يدفع التمسك بالراجح ))( ).ويفهم مِمَّا سبق أن أحد الوجوه المختلفة إن كَانَ مروياً من طريق ضَعِيْف والآخر من طريق قوي فَلاَ اضطراب ، و العَمَل بالطريق القوي ، وإن لَمْ يَكُنْ كَذلِكَ ، فإن أمكن الجمع بَيْنَ تِلْكَ الوجوه بحيث يمكن أن يَكُون المتكلم باللفظين الواردين أراد مَعْنًى واحداً فَلاَ إشكال أيضاً ؛ مِثْل أن يَكُون في أَحَد الوَجْهَيْنِ : عن رَجُل وَفِي الوجه الآخر يُسَمَّى هَذَا الرجل فَقَدْ يَكُون هَذَا المسمى هُوَ ذَلِكَ المُبْهَم ، فَلاَ اضطراب إذن ولا تعارض ، وإن لَمْ يَكُنْ كَذلِكَ بأن يُسَمَّى مثلاً الرَّاوِي باسم معين في رِوَايَة وَيُسَمَّى باسم آخر في رِوَايَة أُخْرَى فهذا محل نظر ؛ إذ يتعارض فِيهِ أمران :

أحدهما : أَنَّهُ يجوز أن يَكُون الحَدِيْث عن الرجلين معاً .

والثاني : أن يغلب عَلَى الظن أن الرَّاوِي واحد واختلف فِيهِ . فههنا لا يخلو أن يَكُون الرجلان معاً ثقتين أولا ، فإن كَانَا ثقتين فههنا لا يضر الاختلاف عِنْدَ الكثير ؛ لأن الاختلاف كَيْفَ دار فَهُوَ عن ثِقَة ، وبعضهم يَقُول : هَذَا اضطراب يضرّ ، لأَنَّهُ يدل عَلَى قلة الضَّبْط ( ) .

ولخص هَذَا التفصيل الحافظ العراقي في منظومته المسماة"التبصرة والتذكرة" إذ قَالَ:

مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا

مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحِدٍ فَأزْيَدَا

 

في مَتْنٍ اوْ( ) في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ

فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ، أَمَّا إِنْ رَجَحْ

 

بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ  مُضْطَرِبَا

وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا( )

 

ويمكننا أن نقدّم مثالاً تطبيقياً عَلَى مَا لا يصح عَدُّهُ مضطرباً لرجحان بَعْض وجوه مروياته عَلَى بَعْض . فَقَدْ مَثَّل ابن الصَّلاح للاضطراب الواقع في السَّنَد قائلاً : (( ومن أمثِلتِه : ما رويناه عن إسماعيل بن أمية ( ) ، عن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد ابن حريث ( ) عن جده حريث( ) ، عن أبي هُرَيْرَة ، عن الرسول في المُصَلِّي : (( إذا لَمْ يجد عصاً ينصبها بَيْنَ يديه فليخط خطاً )) فرواه بشر ( ) بن المفضل ( ) ، وروح ( ) ابن القاسم ( )، عن إسماعيل هكذا ، ورواه سُفْيَان الثَّوْرِيّ ( ) عَنْهُ ، عن أبي عَمْرو ابن حريث ، عن أبيه ، عن أبي هُرَيْرَة . ورواه حميد ( ) بن الأسود ( )، عن إسماعيل ، عن أبي عَمْرو بن مُحَمَّد بن حريث بن سليم، عن أبيه( )، عن أبي هُرَيْرَة .

ورواه وهيب( )و( )عبد الوارث( )، عن إسماعيل، عن أبي عَمْرو بن حريث، عن جده حُريث( ). وَقَالَ عَبْد الرزاق( )، عن ابن جريج: سَمِعَ إسماعيل ، عن حريث بن عَمَّار ، عن أبي هُرَيْرَة . وفيه من الاضطراب أكثر مِمَّا ذكرناه( )، والله أعلم )) ( ) .

وَقَدْ أطال الحافظ العراقي النفس في ذكر أوجه الخلاف الواردة في هَذَا الحَدِيْث( )، وكأنه ينحو منحى ابن الصَّلاح في عدِّ هَذَا اضطراباً ، وَقَدْ تعقّب الحافظُ ابنُ حجر العسقلانيُّ الحافظين الجليلين ابن الصَّلاح و العراقي ، فَقَالَ : (( جَمِيْع من رَواهُ عن إسماعيل بن أمية، عن هَذَا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته. وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هُرَيْرَة بلا واسطة وإذا تحقق الأمر فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حقيقة الاضطراب ، لأن الاضطراب هُوَ : الاختلاف الَّذِي يؤثر قدحاً. واختلاف الرواة في اسم رَجُل لا يؤثر ؛ ذَلِكَ لأَنَّهُ إن كَانَ ذَلِكَ الرجل ثِقَة فَلاَ ضير ، وإن كَانَ غَيْر ثِقَة فضعف الحَدِيْث إنما هُوَ من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثِّقات في اسمه فتأمل ذَلِكَ . ومع ذَلِكَ كله فالطرق الَّتِي ذكرها ابن الصَّلاح ، ثُمَّ شَيْخُنَا قابلة لترجيح بعضها عَلَى بَعْض ، والراجحة مِنْها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلاً ورأساً))( ).

أقول: كلام الحافظ ابن حجر صواب، إذ إن الأصح عدم التمثيل بهذا الحَدِيْث ؛ لأن حريثاً مَجْهُوْل لا يعرف( ) ، وعلى فرض التسليم بصحبته –فيكون عدلاً- فإن الرَّاوِي عَنْهُ مَجْهُوْل لَمْ يرو عَنْهُ غَيْر إسماعيل بن أمية ، لذا فإن كلام الحَافِظ ابن حجر صواب ، فاختلافهم كَانَ في تسمية ذات وَاحِدَة فإن كَانَ ثِقَة لَمْ يضره الاختلاف في اسمه، وإن كَانَ غَيْر ثِقَة فَقَدْ ضعف لغير الاضطراب . و الحال هنا كَذلِكَ ( ) .

وعند تحقيقنا لكتاب " شرح التبصرة والتذكرة " للحافظ العراقي وقفنا عَلَى تعليقة جاءت في حاشية إحدى النسخ( ) نصها : (( هَذَا الحَدِيْث صححه الإمام أحمد ، وابن حبان ، وغيرهما من حَدِيث أبي هُرَيْرَة ، وكأنهم رأوا هَذَا الاضطراب لَيْسَ قادحاً )) .

أقول: تصحيح الإمام أحمد نقله عَنْهُ ابن عَبْد البر( )، أما تصحيح ابن حبان فَهُوَ أَنَّهُ خرجه في صَحِيْحَه ( )، وصححه كَذلِكَ ابن خزيمة ( )، وعلي بن المديني ( )، وَقَالَ ابن حجر : (( هُوَ حَسَن ))( ).

عَلَى أن آخرين قَدْ ضعفوا هَذَا الحَدِيْث مِنْهُمْ ابن عُيَيْنَةَ ( )، وَقَالَ السرخسي:    (( هَذَا الحَدِيْث شاذ )) ( ) . قَالَ ابن حجر : (( أشار إلى ضعفه سُفْيَان بن عيينة، و الشَّافِعيّ و البَغَوِيّ ، وغيرهم( ) )) . وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : (( وإن كَانَ جاء بِهِ حَدِيث وأخذ بِهِ أحمد بن حَنْبَل فَهُوَ ضَعِيْف )) ( ) . وضعفه كَذلِكَ النَّوَوِيّ ( ) .

 

أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

(حكم استتار المصلي بالخط إذا لَمْ يجد مَا ينصبه )

وَقَدْ ترتب عَلَى حكم من حكم باضطراب الحَدِيْث ، اختلاف فقهي في حكم سترة المصلي ، فالسُّترة -بالضم- مأخوذة من السِّتْر ، وَهِيَ في اللغة : مَا استترت بِهِ من شيء كائناً مَا كَانَ ، وكذا الستار و الستارة، و الجمع السَّتائر و السّتـَر( ) . وَفِي الاصطلاح الشرعي : هِيَ مَا يغرز أو ينصب أمام المصلي من عصا أو غَيْر ذَلِكَ ، أو مَا يجعله المصلي أمامه لمنع المارين بَيْنَ يديه( ) .

والسترة في الصَّلاَة مشروعه لمنع المارين ، قَالَ ابن عَبْد البر : (( السترة في الصَّلاَة سنة مسنونة معمول بِهَا ))( ) ، وَقَدْ وردت أحاديث صَحِيْحَة بِهَا( ) ، وَقَدِ اختلف أهل العِلْم فيمن لَيْسَ لديه شيء يجعله سترة لَهُ ، هَلْ يشرع لَهُ أن يخط خطاً ؟ فَقَدْ ذهب الأوزاعي( )، وسعيد بن جبير ( ) ، والإمام أحمد ( ) ، و الشَّافِعيّ في القديم ( )، وأبو ثور( ) إلى أن المصلي إذا لَمْ يجد مَا يستتر بِهِ يخط خطاً .

والحجة لَهمُ الحَدِيْث السابق ، قَالَ ابن عَبْد البر : (( هَذَا الحَدِيْث عِنْدَ أحمد بن حَنْبَل ، ومن قَالَ بقوله حَدِيث صَحِيْح ، وإليه ذهبوا ، ورأيت أن عَلِيّ بن المديني كَانَ يصحح هَذَا الحَدِيْث ويحتج بِهِ ))( ) .

وذهب آخرون إلى عدم مشروعية الخط في الصَّلاَة ، مِنْهُمُ : الليث بن سعد ( ) والإمام مَالِك ، وَقَالَ : (( الخط باطل )) ( ) . والإمام أبو حَنِيْفَة وأصحابه ( )، والإمام الشَّافِعيّ بمصر ، وَقَدْ قَالَ : (( لا يخط بين يديه خطاً إلا أن يَكُون في ذَلِكَ حَدِيث ثابت فيتبع )) ( ) .

 

المطلب الثَّالِث

حُكْمُ الحَدِيْثِ الْمُضْطَرِبِ

الحَدِيْث المضطرب ضَعِيْف ، لأن الاختلاف( ) فِيهِ دليل عَلَى عدم ضبط راويه ،

والضَّبْط أحد شروط صِحَّة الحَدِيْث الرئيسة( ) . وراوي الحَدِيْث المضطرب قَدْ فقد هَذَا الشرط ؛ فالحديث المضطرب إذن فاقد لأحد شروط الصِّحَّة فلهذا يعد الحَدِيْث المضطرب ضعيفاً ، قَالَ الحَافِظ ابن الصَّلاح: (( الاضطراب موجبٌ ضَعْفَ الحَدِيْث ، لإشعاره بأنه – أي : الرَّاوِي – لَمْ يضبط )) ( ) . وَقَالَ الحَافِظ العراقي : (( والاضطراب موجبٌ لضعف الحَدِيْث المضطرب لإشعاره بعدم ضبط راويه ، أو رواته ))( ) .

وما ذكرته هُوَ الأصل في حكم الحَدِيْث المضطرب؛لَكِنْ هَذَا لا يعني أن الاضطراب و الصِّحَّة لا يجتمعان أبداً؛بَلْ قَدْ يجتمعان، قَالَ الحافظ ابن حجر: (( إنَّ الاختلاف في الإسناد إذا كَانَ بَيْنَ ثقات متساوين ، وتعذر الترجيح ، فَهُوَ في الحقيقة لا يضر في قبول الحَدِيْث و الحكم بصحته،لأَنَّهُ عن ثِقَة في الجملة.ولكن يضر ذَلِكَ في الأصحية عِنْدَ التعارض -مثلاً-. فحديث لَمْ يختلف فِيهِ عَلَى راويه( ) -أصلاً- أصح من حَدِيث اختلف فِيهِ في الجملة، وإن كَانَ ذَلِكَ الاختلاف في نَفْسه يرجع إلى أمر لا يستلزم القدح ))( ) .

وَقَدْ شرح السيوطي كلام الحافظ ابن حجر فَقَالَ : (( وقع في كلام شيخ الإسلام السابق: أن الاضطراب قَدْ يجامع الصِّحَّة ؛ وَذَلِكَ بأن يقع الاختلاف في اسم رَجُل واحد و أبيه ونسبته ونحو ذَلِكَ ، ويكون ثِقَة . فيحكم للحديث بالصحة ولايضر الاختلاف فِيْمَا ذَكَرَ مَعَ تسميته مضطرباً ، وَفِي الصَّحِيْحَيْنِ أحاديث كثيرة بهذه المثابة ؛ وكذا جزم الزَّرْكَشِيّ بِذَلِكَ في مختصره ، فَقَالَ : قَدْ يدخل القلب و الشذوذ و الاضطراب في قِسْم الصَّحِيح و الحَسَن )) ( ) .

المطلب الرابع

أين يقع الاضطراب ؟

يقع الاضطراب في متن الحَدِيْث ، ويقع في الإسناد وَقَدْ يقع ذَلِكَ من راوٍ واحدٍ وَقَدْ يقع بَيْنَ رواة لَهُ جَمَاعَة ( ) .

وَقَدْ وجدت أحسن من فصل ذَلِكَ الحافظ العلائي فِيْمَا نقله عَنْهُ الحافظ ابن حجر فَقَدْ قَالَ : (( الاختلاف تارة في السَّنَد ، وتارة في المَتْن .

فالذي في السَّنَد يتنوع أنواعاً :

أحدها : تعارض الوَصْل و الإرسال .

ثانيها : تعارض الوقف والرفع .

ثالثها : تعارض الاتصال والانقطاع .

رابعها: أن يَرْوِي الحَدِيْث قوم –مثلاً- عن رَجُلٍ عن تابعي عن صَحَابِيّ ، ويرويه غيرهم عن ذَلِكَ الرجل عن تابعي آخر عن الصَّحَابيّ بعينه .

خامسها: زيادة رجلٍ في أحد الإسنادين .

سادسها: الاختلاف في اسم الرَّاوِي ونسبه، إذا كَانَ متردداً بَيْنَ ثِقَة وضعيف))( ).

ثُمَّ تكلم –رَحِمَهُ اللهُ- عن مَسالِك العُلَمَاء و اختلافهم في كيفية التعامل مَعَ هذِهِ الأنواع فَقَالَ : (( وإن المختلفين إما أن يَكُونوا متماثلين في الحفظ و الإتقان أم لا . فالمتماثلون إما أن يَكُون عددهم من الجانبين سَوَاء أم لا ، فإن استوى  عددهم مَعَ استواء أوصافهم وجب التوقف حَتَّى يترجح أحد الطريقين بقرينة من القرائن ، فمتى اعتضدت إحدى الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكم لَهَا .

ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ، وَلاَ ضابط لَهَا بالنسبة إلى جَمِيْع الأحاديث ، بَلْ كُلّ حَدِيث يقوم بِهِ ترجيح خاص لا يخفى عَلَى الممارس الفطن الَّذِي أكثر من جمع الطرق ؛ ولأجل هَذَا كَانَ مجال النظر في هَذَا أكثر من غيره . وإن كَانَ أحد المتماثلين أكثر عدداً فالحكم لَهُمْ عَلَى قَوْل الأكثر .

وَقَدْ ذهب قوم إلى تعليله -وإن كَانَ من وصل أو رفع أكثر- وَالصَّحِيح خِلاَف ذَلِكَ .

وأما غَيْر المتماثلين ، فإما أن يتساووا في الثِّقَة أو لا ، فإن تساووا في الثِّقَة ، فإن كان من وصل أو رفع أحفظ فالحكم لَهُ ، وَلاَ يلتفت إلى تعليل من علله بِذَلِكَ –أيضاً- [و]( ) إن كَانَ العكس ، فالحكم للمرسل و الواقف . وإن لَمْ يتساووا في الثِّقَة فالحكم للثقة ، وَلاَ يلتفت إلى تعليل من علله برواية غَيْر الثِّقَة إذا خالف))( ).

ثُمَّ قَالَ : (( هذِهِ جملة تقسيم الاختلاف ، وبقي إذا كَانَ رِجَال أحد الإسنادين أحفظ ورجال الآخر أكثر . فَقَدْ اختلف المتقدمون فِيهِ : فمنهم من يرى قَوْل الأحفظ أولى لإتقانه وضبطه . ومنهم من يرى قَوْل الأكثر أولى لبعدهم عن الوهم )) ( ) .

ثُمَّ قَالَ - بَعْدَ أن علل لما سبق - : (( وأما النَّوع الرابع : وهُوَ الاختلاف في السَّنَد فَلاَ يخلو: إما أن يَكُون الرجلان ثقتين أم لا . فإن كانا ثقتين فَلاَ يضر الاختلاف عِنْدَ الأكثر، لقيام الحجة بكل مِنْهما ، فكيفما دار الإسناد كَانَ عن ثقة ، وربما احتمل أن يَكُون الرَّاوِي سمعه مِنْهُمَا جميعاً ، وَقَدْ وَجَدَ ذَلِكَ في كَثِيْر من الحَدِيْث ، لَكِنْ ذَلِكَ يقوى حَيْثُ يَكُون الرَّاوِي مِمَّنْ لَهُ اعتناء بالطلب وتكثير الطرق )) ( ) .

ثُمَّ قَالَ : (( وأما مَا ذهب إليه كَثِيْر من أهلِ الحَدِيْث من أن الاختلاف دليل عَلَى عدم ضبطه في الجملة فيضر ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ رواته ثقات إلا أن يقوم دليل عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ الرَّاوِي المختلف عَلَيْهِ عَنْهُمَا جميعاً أو بالطريقتين جميعاً ؛ فَهُوَ رأي فِيهِ ضعف ، لأَنَّهُ كيفما دار كَانَ عَلَى ثِقَة ، وَفِي الصَّحِيْحَيْنِ من ذَلِكَ جملة أحاديث ، لَكِنْ لابُدَّ في الحكم بصحة ذَلِكَ سلامته من أن يَكُون غلطاً أو شاذاً .

وأما إذا كَانَ أحد الراويين المختلف فِيْهِمَا ضعيفاً لا يحتج بِهِ فههنا مجالٌ للنظر ، وتكون تِلْكَ الطَّرِيق الَّتِي سمي ذَلِكَ الضَّعِيف فِيْهَا ، وجعل الحَدِيْث عَنْهُ كالوقف أو الإرسال بالنسبة إلى الطريق الأخرى ، فكل ما ذكر هناك من الترجيحات يجيء هنا .

ويمكن أنْ يقال –في مِثْل هَذَا- يحتمل أن يَكُون الرَّاوِي إذا كَانَ مكثراً قَدْ سمعه مِنْهُمَا –أيضاً- كَمَا تقدم .

فإن قِيلَ: إذا كَانَ الحَدِيْث عنده عن الثِّقَة ، فَلِمَ يرويه عن الضَّعِيف ؟

فالجواب: يحتمل أَنَّهُ لَمْ يطلع عَلَى ضعف شيخه أو اطلع ( ) عَلَيْهِ ، ولكن ذكره اعتماداً عَلَى صِحَّة الحَدِيْث عنده من الجهة الأخرى .

وأما النَّوع الخامس : وَهُوَ زيادة الرجل بَيْنَ الرجلين في السند فسيأتي تفصيله في النَّوع السابع و الثلاثين - إن شاء الله - فَهُوَ في مكانه ( ).

وأما النَّوع السادس : وَهُوَ الاختلاف في اسم الرَّاوِي ونسبه فَهُوَ عَلَى أقسام أربعة:

القسم الأول : أن يبهم في طريق وَيُسَمَّى في أخرى ، فالظاهر أن هَذَا لا تعارض فِيهِ ؛ لأَنَّهُ يَكُون المُبْهَم في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ المعين في الأخرى ، وعلى تقدير أن يَكُون غيره ، فَلاَ تضر رِوَايَة من سماه وعرفه –إذا كَانَ ثِقَة- رواية من أبهمه .

القِسْم الثَّانِي : أن يَكُون الاختلاف في العبارة فَقَطْ ، و المَعْنَى بِهَا في الكل واحد، فإنَّ مِثْل هَذَا لا يعد اختلافاً –أيضاً- ولا يضر إذا كَانَ الرَّاوِي ثِقَة .

قُلْتُ (القائل ابن حجر): وبهذا يتبين أن تمثيل المصنف( ) للمضطرب بحديث أبي عَمْرو بن حريث لَيْسَ بمستقيم انتهى .

القِسْم الثَّالِث : أن يقع التصريح باسم الرَّاوِي ونسبه لَكَن مَعَ الاختلاف في سياق ذَلِكَ))( ) .

ثُمَّ ساق مثالاً لِذلِكَ ، ثُمَّ قَالَ : (( القِسْم الرابع : أن يقع التصريح بِهِ من غَيْر اختلاف لَكِنْ يَكُون ذَلِكَ من متفقين : أحدهما ثِقَة ، والآخر ضَعِيْف . أو أحدهما مستلزم الاتصال ، والآخر الإرسال كَمَا قدمناه ))( ) .

ولما كَانَ الاضطراب يقع في السَّنَد و المَتْن رأيت أن أفصّل الاضطراب الواقع في السَّنَد ؛ لأَنَّهُ الأهم و الأكثر تشعباً مَعَ بيان أمثلته ، ثُمَّ أسوق أثر ذَلِكَ في اختلاف الفُقَهَاء ثُمَّ الكلام عن اضطراب المَتْن . وَقَدْ جعلت كلاً مِنْهُمَا في نَوْعٍ مستقل :

القسم الأول

الاضطراب في السَّنَد

بالنظر لما تمتع بِهِ الإسناد من أهمية في حياة الأمة الإسلامية كونه من أهم خصائصها، فَقَدْ حضي بالاهتمام من حَيْثُ الحفاظ عَلَيْهِ والتنقير والتفتيش عن صَحِيْحه وضَعِيْفه،وَقَدِ اهتم السلف الصالح بحفظ مئات الألوف من الأسانيد،وبينوا قويها من سقيمها حَتَّى خرجوا لَنَا ببحوث ونتائج قلّ نظيرها . والسند كَمَا يَكُون مِنْهُ الصَّحِيح والأصح، ففيه الضَّعِيف والمعلول، والَّذِي تدخله العلة من الأسانيد كَثِيْر لَيْسَ بقليل، وَقَدْ رأيت أن أحسن من صنفها الحافظ العلائي( ). وسأفصل الكلام عن كُلّ نَوْع بكلام مستقل :

النَّوع الأول : تعارض الوَصْل والإرسال

الوَصْل هنا بمعنى الاتصال، والاتصال هُوَ أحد الشروط الأساسية في صِحَّة الحَدِيْث، بَلْ هُوَ أولها ، قَالَ العراقي في نظمه :

وَأَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ

إلى صَحِيْحٍ وَضَعِيْفٍ وَحَسَنْ

 

فَالأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسْنَادِ

بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطِ الْفُؤَادِ

 

عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا شُذُوْذِ

وَعِلَّةٍ قَادِحَةٍ فَتُوْذِي( )

 

وكل من عرّف الصَّحِيح أبتدأ أولاً بذكر الاتصال( )، والاتصال : هُوَ سَمَاع الحَدِيْث لكل راوٍ من الرَّاوِي الَّذِي يليه ( ) .

ويعرف الاتصال بتصريح الرَّاوِي بإحدى صيغ السَّمَاع الصريحة ، وَهِيَ حَدَّثَنَا ، وأخبرنا ، وأنبأنا ، وسمعت ، وَقَالَ لَنَا ، وغيرها من الصيغ .

وهذا هُوَ الأصل . وربما حصل التصريح في السَّمَاع في بَعْض الأسانيد ، لَكِنْ صيارفة الحَدِيْث ونقاده يحكمون بخطأ هَذَا التصريح ، ثُمَّ الحكم عَلَى الرِّوَايَة بالانقطاع ، قَالَ ابن رجب : (( وَكَانَ أحمد( ) يستنكر دخول التحديث في كَثِيْر من الأسانيد ، ويقول: هُوَ خطأ ، يعني ذكر السَّمَاع )) ( ). وَقَدْ بحث ابن رجب ذَلِكَ بحثاً واسعاً ، ثُمَّ قَالَ : (( وحينئذٍ ينبغي التفطن لهذه الأمور ، وَلاَ يغتر بمجرد ذكر السَّمَاع و التحديث في الأسانيد ، فَقَدْ ذكر ابن المديني : أن شُعْبَة وجدوا له غَيْر شيء يذكر فِيهِ الإخبار عن شيوخه ، ويكون منقطعاً )) ( ).

وأعود إلى التفصيل السابق ثُمَّ أقول: أما إذا كَانَتِ الرِّوَايَة بصيغة من الصيغ المحتملة، مِثْل: عن ، أو أن أو حدث ، أو أخبر ، أو قَالَ ، فحينئذٍ يَجِبُ توفر شرطين في الرَّاوِي لحمل هذِهِ الصيغة عَلَى الاتصال :

الشرط الأول : السلامة من التَّدْلِيْس ، أي : أن لا يَكُون من رَوَى هكذا مدلساً .

الشرط الثاني : المعاصرة وإمكان اللقاء ، وَقَدِ اكتفى بهذين الشرطين كثيرٌ من المُحَدِّثِيْنَ ، وأضاف عَلَي بن المديني و البُخَارِيّ وآخرون شرطاً ثالثاً ، وَهُوَ : ثبوت اللقاء وَلَوْ مرة وَاحِدَة ( ) .

والاتصال في السَّنَد لا يشترط أن يَكُون في طبقة وَاحِدَة فَقَطْ ، بَلْ يشترط أن يَكُون من أول السَّنَد إلى آخره ؛ فإذا اختل الاتصال في مَوْضِع من المواضع سمي السَّنَد منقطعاً ، وَكَانَ يطلق عَلَيْهِ في القرون المتقدمة مرسلاً ( )، ثُمَّ استقر الاصطلاح بعد عَلَى أن المُرْسَل هُوَ : مَا أضافه التَّابِعيّ إلى النَّبيّ ( ) .

ولما كَانَ الاتصال شرطاً للصحة فالانقطاع ينافي الصِّحَّة ، إذن الانقطاع أمارة من أمارات الضعف ؛ لأن الضَّعِيف مَا فَقَدْ شرطاً من شروط الصِّحَّة ( ) .

والانقطاع قَدْ يَكُون في أول السَّنَد ، وَقَدْ يَكُون في آخره، وَقَدْ يَكُون في وسطه، وَقَدْ يَكُون الانقطاع براوٍ واحد أو أكثر . وكل ذَلِكَ من نَوْع الانقطاع ، والذي يعنينا الكلام عَلَيْهِ هنا هُوَ الكلام عن الانقطاع في آخر الإسناد ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى بالمرسل عِنْدَ المتأخرين ، وَهُوَ مَا أضافه التَّابِعيّ إلى النَّبيّ ( ) .

لِذلِكَ فإن الحَدِيْث إذ روي مرسلاً مرة ، وروي مرة أخرى موصولاً ، فهذا يعد من الأمور الَّتِي تعلُّ بِهَا بَعْض الأحاديث ، ومن العلماء من لا يعدُّ ذَلِكَ علة ، وتفصيل الأقوال في ذَلِكَ عَلَى النحو الآتي :

القَوْل الأول : ترجيح الرِّوَايَة الموصولة عَلَى الرِّوَايَة المرسلة ؛ لأَنَّهُ من قبيل زيادة الثِّقَة ( ).

القَوْل الثَّانِي : ترجيح الرِّوَايَة المرسلة ( ) .

القَوْل الثَّالِث : الترجيح للأحفظ ( ) .

القَوْل الرابع : الاعتبار لأكثر الرواة عدداً ( ) .

القَوْل الخامس : التساوي بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ و التوقف ( ) .

هَذَا ما وجدته من أقوال لأهل العِلْم في هذِهِ المسألة ، وَهِيَ أقوال متباينةٌ مختلفة ، وَقَدْ أمعنت النظر في صنيع المتقدمين أصحاب القرون الأولى ، وأجلت النظر كثيراً في أحكامهم عَلَى الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها ، فوجدت بوناً شاسعاً بَيْنَ قَوْل المتأخرين وصنيع المتقدمين ، إذ إن المتقدمين لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث أول وهلة ، وَلَمْ يجعلوا ذَلِكَ تَحْتَ قاعدة كلية تطرد عَلَيْهَا جَمِيْع الاختلافات ، وَقَدْ ظهر لي من خلال دراسة مجموعة من الأحاديث الَّتِي اختلف في وصلها وإرسالها: أن الترجيح لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية ، لَكِنْ يختلف الحال حسب المرجحات والقرائن ، فتارة ترجح الرِّوَايَة المرسلة وتارة ترجح الرِّوَايَة الموصولة . وهذه المرجحات كثيرة يعرفها من اشتغل بالحديث دراية ورواية وأكثر التصحيح و التعليل ، وحفظ جملة كبيرة من الأحاديث، وتمكن في علم الرِّجَال وعرف دقائق هَذَا الفن وخفاياه حَتَّى صار الحَدِيْث أمراً ملازماً لَهُ مختلطاً بدمه ولحمه .

ومن المرجحات: مزيد الحفظ ، وكثرة العدد ، وطول الملازمة للشيخ . وَقَدْ يختلف جهابذة الحديث في الحكم عَلَى حَدِيث من الأحاديث ، فمنهم : من يرجح الرِّوَايَة المرسلة، ومنهم : من يرجح الرِّوَايَة الموصولة ، ومنهم : من يتوقف .

وسأسوق نماذج لِذلِكَ مَعَ بيان أثر ذَلِكَ في اختلاف الفُقَهَاء .

مثال ذَلِكَ : رِوَايَة مَالِك بن أنس ، عن زيد بن أسلم ( ) ، عن عطاء بن يسار( ) ؛ أن رَسُوْل الله قَالَ : (( إذا شك أحدكم في صلاته فَلَمْ يدرِ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً؟ فليصل رَكْعَة ، وليسجد سجدتين وَهُوَ جالس قَبْلَ التسليم ، فإن كَانَت الرَّكْعَة الَّتِي صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين ، وإن كَانَتْ رابعة فالسجدتين ترغيم للشيطان )) .

هَذَا الحَدِيْث رَواهُ هكذا عن مَالِك جَمَاعَة الرواة مِنْهُمْ :

سويد بن سعيد( ) .

عبد الرزاق بن همام( ) .

عبد الله بن مسلمة القعنبي( ).

عَبْد الله بن وهب( ).

عُثْمَان بن عُمَر( ) .

مُحَمَّد بن الحَسَن الشيباني( ) .

أبو مصعب الزُّهْرِيّ( ).

يَحْيَى بن يَحْيَى الليثي( ) .

فَهؤلاء ثمانيتهم رووه عن مَالِك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، بِهِ مرسلاً.

والحديث رَواهُ الوليد بن مُسْلِم( )، و يَحْيَى بن راشد( ) المازني( ) عن مَالِك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد ، بِهِ - متصلاً - . هكذا اختلف عَلَى الإمام مَالِك بن أنس في وصل هَذَا الحَدِيْث وإرساله ، والراجح فِيهِ الوَصْل ، وإن كَانَ رواة الإرسال أكثر وَهُوَ الصَّحِيح من رِوَايَة مَالِك( ) ، لما يأتي :

وَهُوَ أن الإِمَام مالكاً توبع عَلَى وصل هَذَا الحَدِيْث :

فَقَدْ رَواهُ فليح بن سليمان( )، وعبد العزيز بن عَبْد الله( ) بن أبي سلمة( )، وسليمان بن بلال( )، و مُحَمَّد( ) بن مطرف( )، و مُحَمَّد بن عجلان( ) خمستهم( ) رووه عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخُدْرِيّ، بِهِ متصلاً . وَقَدْ خالفهم جميعاً يعقوب بن عَبْد الرحمان( ) القَارّي ( )؛ فرواه عن زيد بن أسلم ، عن عطاء ، مرسلاً . لَكِنْ روايته لَمْ تقاوم أمام رِوَايَة الجَمْع ( ).

إذن فالراجح في رِوَايَة هَذَا الحَدِيْث الوَصْل لكثرة العدد وشدة الحفظ . قَالَ الحافظ ابن عَبْد البر:(( و الحَدِيْث مُتَّصِل مُسْنَد صَحِيْح، لا يضره تقصير من قصر بِهِ في اتصاله؛ لأن الَّذِيْنَ وصلوه حُفَّاظ مقبولةٌ زيادتهم( ) )) .

وَقَالَ في مَوْضِع آخر : (( قَالَ الأثرم: سألت أحمد بن حَنْبَل عن حَدِيث أبي سعيد في السهو ، أتذهب إليه ؟ قَالَ: نعم ، أذهب إِليهِ ، قلتُ: إنهم يختلفون في إسناده ، قَالَ: إِنَّمَا قصر بِهِ مَالِك ، وَقَدْ أسنده عدة ، مِنْهُمْ: ابن عجلان ، وعبد العزيز بن أبي سلمة( ))).

ثُمَّ إن هَذَا الحَدِيْث قَدْ تناوله الإمام العراقي الجهبذ أَبُو الحَسَن الدَّارَقُطْنِيّ في علله( ) وانتهى إلى ترجيح الرِّوَايَة المسندة .

 

 

أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء ( مَوْضِع سجود السهو )

 

اختلف الفُقَهَاء في مَوْضِع سجود السهو ؛ فذهب أكثر العُلَمَاء إِلَى تصحيح الرِّوَايَة الموصولة ، وأخذوا بالحَدِيْث السابق ، وقالوا: إن السجود كله قَبْلَ السلام، وَهُوَ قَوْل أكثر الفُقَهَاء ، وإليه ذهب الشَّافِعيّ( )، وأحمد في رِوَايَة( ) .

وحَدِيث أبي سعيد نَص صريح عَلَى أن السجود في الزيادة قَبْلَ السلام . واحتجوا لِذلِكَ أيضاً بما رَواهُ عبدالله بن بحينة( ) ؛ قَالَ : (( صلى لَنَا رَسُوْل الله رَكْعَتَيْنِ من بَعْض الصلوات. ثُمَّ قام فَلَمْ يجلس . فقام الناس مَعَهُ فَلَمَّا قضى صلاته ، ونظرنا تسليمه كبر فسجد سجدتين ، وَهُوَ جالس قَبْلَ التسليم ثُمَّ سلم( ))). وهذا صريح في أنَّ السجود من النقص يَكُون قَبْلَ السلام ...

وخالف في ذَلِكَ بَعْض الفُقَهَاء ، فذهبوا إلى أن سجود السهو كله بَعْدَ السلام ، روي هَذَا عن بَعْض السلف ، وإليه ذهب أَبُو حَنِيْفَة ( ).

والحجة لَهُمْ

1. ما صح عن زياد بن علاقة ، قَالَ:(( صلى بنا المغيرة بن شُعْبَة ؛ فنهض في الرَّكْعَتَيْنِ؛ فسبح بِهِ من خلفه ؛ فأشار إليهم: قوموا ؛ فلما فرغ من صلاته ، وسلم ، ثُمَّ سجد سجدتين للسهو ؛ فلما انصرف ،قَالَ:رأيت رسول الله يصنع كَمَا صنعت )) ( ).

وهذا الحَدِيْث صححه الإمام التِّرْمِذِي( ) وَقَالَ : (( و العَمَل عَلَى هَذَا عِنْدَ أهل العِلْم )) ثُمَّ قَالَ : (( ومن رأى قَبْلَ التسليم فحديثه أصح ( ) )) .

2. مَا صَحَّ عن أَبِي هُرَيْرَة : (( أن النَّبيّ انصرف من اثنتين فَقَالَ ذو اليدين( ) : أقصرت الصَّلاَة ،  أم نسيت يا رَسُوْل الله؟ فَقَالَ رَسُوْل الله : أصدق ذو اليدين ؟ فَقَالَ الناس : نعم ، فقام رَسُوْل الله فصلى اثنتين أخريين ، ثُمَّ سلم ، ثُمَّ كبر فسجد ... الحَدِيْث )) ( ).

وهذا دليل عَلَى أن السجود من الزيادة يَكُون بَعْدَ السلام؛ لأن النَّبيّ تكلم. وَفِي رِوَايَة مُسْلِم: ((أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاَة و السلام قام فدخل المنْزل )) ، والمشي والكلام زيادة( ).

3. مَا روي عن ثوبان ، عن النَّبيّ قَالَ : (( لكل سهوٍ سجدتان بَعْدَ السلام ))( ).

وهذا الحَدِيْث ضعفه البَيْهَقِيّ( ) . و أجيب : بأن إسماعيل إذا حدّث عن أهل بلده فروايته عَنْهُمْ صَحِيْحَة ، وهذا مِنْها( ) . إلا أن علة الحَدِيْث زُهَيْر بن سالم العنسي( ) قَالَ عَنْهُ الدَّارَقُطْنِيّ : (( حمصي منكر لَمْ يَسْمَع من ثوبان )) ( ).

وذهب بَعْض الفُقَهَاء إِلَى : أن السجود إذا كَانَ عن نقص في الصَّلاَة فمحله قَبْلَ السلام ، وإذا كَانَ زيادة فمحله بَعْدَ السلام ، وَهُوَ مَذْهَب مَالِك( ) وأحد قَوْلي الشَّافِعيّ( )، و إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن الإمام أحمد ( ) .

والحجة لَهُمْ : حَدِيث عَبْد الله بن بحينة السابق ؛ فإنّ النَّبيّ سجد لتركه التشهد الأول سجدتين قَبْلَ السلام ؛ وهذا من نقصٍ في الصَّلاَة ؛ فحملوا عَلَيْهِ كُلّ نقص ، وجعلوا السجود لأجله قَبْلَ السلام .

و استدلوا بحديث ذي اليدين ؛ فإن النَّبيّ سجد بَعْدَ السلام ، لما حصل في الصَّلاَة من زيادة الكلام و المشي ؛ فحملوا عَلَيْهِ كُلّ زيادة وجعلوا السجود لأجلها بَعْدَ السلام ( ) .

وذهب بعضهم إِلَى : أن السجود كله قَبْلَ السلام إلا في موضعين ، فيكون بَعْدَ السلام ، وهما : إذا سلم من نقص في صلاته ، أو تحرى الإمام فبنى عَلَى غالب ظنه .

وبذلك قَالَ أبو خيثمة ، وسليمان بن دَاوُد ، وَهُوَ رِوَايَة عن الإمام أحمد( )، واختاره بَعْض الشافعية( )، وَهُوَ مَذْهَب الظاهرية( ) . والحجة لَهُمْ : أن السجود إنما شرع لجبر خلل وقع في الصَّلاَة ؛ فالمعقول أن يَكُون محله قَبْلَ السلام ، ويستثنى من ذَلِكَ مَا ورد النص بأنه يَكُون بَعْدَ السلام ، وَقَدْ ورد ذَلِكَ في النقص ، وَهُوَ حَدِيث عبدالله بن بحينة . وفيما إذا تحرى الشاك فبنى عَلَى غالب ظنه ؛ وَذَلِكَ لما صَحَّ عن ابن مَسْعُود عن النَّبيّ : (( إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصَّوَاب ، وليتم عليه ثُمَّ ليسلم ثُمَّ يسجد سجدتين )) ( ) .

النَّوع الثَّانِي : تعارض الوقف و الرفع

الوقف: مَصْدَر للفعل وقف وَهُوَ مَصْدَر بمعنى المفعول ، أي مَوْقُوْف ( ) .

والمَوْقُوْف : هُوَ مَا يروى عن الصَّحَابَة من أقوالهم ، أو أفعالهم ونحوها فيوقف عَلَيْهِمْ وَلاَ يتجاوز بِهِ إلى رَسُوْل الله .( )

والرَّفْع : مَصْدَر للفعل رَفَعَ ، وَهُوَ مَصْدَر بمعنى المفعول ، أي : مَرْفُوْع( ) ، والمَرْفُوْع : هُوَ مَا أضيف إلى رَسُوْل الله خَاصَّة ( ).

والاختلاف في بَعْض الأحاديث رفعاً ووقفاً أمرٌ طبيعي ، وجد في كثيرٍ من الأحاديث ، و الحَدِيْث الواحد الَّذِي يختلف بِهِ هكذا محل نظر عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ ، وَهُوَ أن المُحَدِّثِيْنَ إذا وجدوا حديثاً روي مرفوعاً إلى النَّبيّ ، ثُمَّ نجد الحَدِيْث عينه قَدْ روي عن الصَّحَابيّ نفسه موقوفاً عَلَيْهِ ، فهنا يقف النقاد أزاء ذَلِكَ؛ لاحتمال كون المَرْفُوْع خطأً

من بَعْض الرواة و الصَّوَاب الوقف ، أو لاحتمال كون الوقف خطأ و الصَّوَاب الرفع ؛ إذ إن الرفع علة للموقوف و الوقف علة للمرفوع . فإذا حصل مِثْل هَذَا في حَدِيث ما ، فإنه يَكُون محل نظر وخلاف عِنْدَ العُلَمَاء وخلاصة أقوالهم فِيْمَا يأتي:

إذا كَانَ السَّنَد نظيفاً خالياً من بقية العلل ؛ فإنّ للعلماء فِيهِ الأقوال الآتية :

القَوْل الأول : يحكم للحديث بالرفع

لأن راويه مثبت وغيره ساكت، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي ؛ لأَنَّهُ علم ما خفي ، وَقَدْ عدوا ذَلِكَ أيضاً من قبيل زيادة الثِّقَة، وَهُوَ قَوْل كَثِيْر من المُحَدِّثِيْنَ ، وَهُوَ قَوْل أكثر أهل الفقه و الأصول( )، قَالَ العراقي: (( الصَّحِيح الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أن الرَّاوِي إذا رَوَى الحَدِيْث مرفوعاً وموقوفاً فالحكم للرفع ، لأن مَعَهُ في حالة الرفع زيادة ، هَذَا هُوَ المرجح عِنْدَ أهل الحَدِيْث )) ( ) .

القَوْل الثَّانِي: الحكم للوقف( ) .

القَوْل الثَّالِث : التفصيل

فالرفع زيادة ، و الزيادة من الثِّقَة مقبولة ، إلا أن يوقفه الأكثر ويرفعه واحد ، لظاهر غلطه ( ) .

والترجيح برواية الأكثر هُوَ الذي عَلَيْهِ العَمَل عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ؛ لأن رِوَايَة الجمع إذا كانوا ثقات أتقن وأحسن و أصح و أقرب للصواب ؛ لذا قَالَ ابن المبارك : (( الحفاظ عن ابن شهاب ثلاثةٌ : مَالِك ومعمر و ابن عيينة ، فإذا اجتمع اثنان عَلَى قولٍ أخذنا بِهِ ، وتركنا قَوْل الآخر )) ( ) .

قَالَ العلائي : (( إن الجماعة إذا اختلفوا في إسناد حَدِيث كَانَ القَوْل فِيْهِمْ للأكثر عدداً أو للأحفظ و الأتقن... ويترجح هَذَا أيضاً من جهة المَعْنَى ، بأن مدار قبول خبر الواحد عَلَى غلبة الظن ، وعند الاختلاف فِيْمَا هُوَ مقتضى لصحة الحَدِيْث أو لتعليله ، يرجع إلى قَوْل الأكثر عدداً لبعدهم عن الغلط و السهو ، وَذَلِكَ عِنْدَ التساوي في الحفظ والإتقان . فإن تفارقوا واستوى العدد فإلى قَوْل الأحفظ و الأكثر إتقاناً ، وهذه قاعدة متفق عَلَى العَمَل بِهَا عِنْدَ أهل الحَدِيْث )) ( ) .

القَوْل الرابع : يحمل المَوْقُوْف عَلَى مَذْهَب الرَّاوِي ، و المُسْنَد عَلَى أَنَّهُ روايته فَلاَ تعارض( ). وَقَدْ رجح الإمام النَّوَوِيّ من هذِهِ الأقوال القَوْل الأول( ) ، ومشى عَلَيْهِ في تصانيفه ، و أكثر من القَوْل بِهِ .

والذي ظهر لي – من صنيع جهابذة المُحَدِّثِيْنَ ونقادهم – : أنهم لا يحكمون عَلَى الحَدِيْث الَّذِي اختلف فِيهِ عَلَى هَذَا النحو أول وهلة ، بَلْ يوازنون ويقارنون ثُمَّ يحكمون عَلَى الحَدِيْث بما يليق بِهِ ، فَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة المرفوعة ، وَقَدْ يرجحون الرِّوَايَة الموقوفة ، عَلَى حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالروايات ؛ فعلى هَذَا فإن حكم المُحَدِّثِيْنَ في مِثْل هَذَا لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية مطردة تقع تحتها جَمِيْع الأحاديث ؛ لِذلِكَ فإن مَا أطلق الإمام النَّوَوِيّ ترجيحه يمكن أن يَكُون مقيداً عَلَى النحو الآتي :

الحكم للرفع – لأن راويه مثبت وغيره ساكت ، وَلَوْ كَانَ نافياً فالمثبت مقدم عَلَى النافي ؛ لأَنَّهُ علم مَا خفي - ، إلا إذَا قام لدى الناقد دليل أو ظهرت قرائن يترجح معها الوقف .

وسأسوق أمثلة لأحاديث اختلف في رفعها ووقفها متفرعة عَلَى حسب ترجيحات المُحَدِّثِيْنَ .

فمثال مَا اختلف في رفعه ووقفه وكانت كلتا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيْحَة :

حَدِيث عَلِيٍّ : (( ينضح من بول الغلام ، ويغسل بول الجارية )). قَالَ الإمام

التِّرْمِذِي : (( رفع هشام الدستوائي هَذَا الحَدِيْث عن قتادة وأوقفه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، وَلَمْ يرفعه )) ( ) .

وَقَالَ الحافظ ابن حجر : (( إسناده صَحِيْح إلا أَنَّهُ اختلف في رفعه ووقفه ، وَفِي وصله وإرساله ، وَقَدْ رجح البُخَارِيّ صحته وكذا الدَّارَقُطْنِيّ )) ( ) .

والرواية المرفوعة : رواها معاذ بن هشام ( )، قَالَ: حَدَّثَني أبي( )، عن قتادة ( )، عن أبي حرب بن أبي الأسود ( ) ، عن أبيه ( ) ، عن عَلِيّ بن أبي طالب ، مرفوعاً ( ) .

قَالَ البزار : (( هَذَا الحَدِيْث لا نعلمه يروى عن النَّبيّ ، إلا من هَذَا الوجه بهذا الإسناد ، وإنما أسنده معاذ بن هشام ، عن أبيه ، وَقَدْ رَواهُ غَيْر معاذ بن هشام ، عن قتادة، عن أبي حرب ، عن أبيه ، عن عَلِيّ ، موقوفاً )) ( ) .

أقول : إطلاق البزار في حكمه عَلَى تفرد معاذ بن هشام بالرفع غَيْر صَحِيْح إِذْ إن معاذاً قَدْ توبع عَلَى ذَلِكَ تابعه عَبْد الصمد بن عَبْد الوارث ( ) عِنْدَ أحمد ( ) ، والدارقطني ( ) ، لذا فإن قَوْل الدَّارَقُطْنِيّ كَانَ أدق حِيْنَ قَالَ : (( يرويه قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، رفعه هشام بن أبي عَبْد الله من رِوَايَة ابنه معاذ وعبدالصمد بن عَبْد الوارث ، عن هشام ، ووقفه غيرهما عن هشام )) ( ) .

والرواية الموقوفة : رواها يَحْيَى بن سعيد ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أبي حرب بن أبي الأسود ، عن أبيه ، عن عَلِيّ ، فذكره موقوفاً ( ) .

فالرواية الموقوفة إسنادها صَحِيْح عَلَى أن الحَدِيْث مرفوعٌ صححه جهابذة المُحَدِّثِيْنَ: البُخَارِيّ والدارقطني - كَمَا سبق - وابن خزيمة ( ) ، وابن حبان ( ) ، والحاكم( ) - وَلَمْ يتعقبه الذهبي – ، ونقل صاحب عون المعبود عن المنذري( ) قَالَ :  (( قَالَ البُخَارِيّ : سعيد بن أبي عروبة لا يرفعه وهشام يرفعه ، وَهُوَ حافظ )) ( ) .

أقول : هكذا صَحّح الأئمة رفع هَذَا الحَدِيْث ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ موقوفاً أيضاً ؛ وهذا يدل عَلَى أن الحَدِيْث إذا صَحَّ رفعه ، ووقفه ، فإن الحكم عندهم للرفع ، وَلاَ تضر الرِّوَايَة الموقوفة إلا إذا قامت قرائن تدل عَلَى أن الرفع خطأ .

 

 

أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء ( كيفية التطهر من بول الأطفال )

 

وما دمت قَدْ فصلت القَوْل في حَدِيث عَلِيّ مرفوعاً وموقوفاً فسأذكر اختلاف الفُقَهَاء في كيفية التطهر من بول الأطفال ( ) .

وقبل أن أذكر آراء الفُقَهَاء، أذكر جملة من الأحاديث المتعلقة بالمسألة لأحيل عَلَيْهَا عِنْدَ الإشارة إلى الأدلة طلباً للاختصار .

فأقول :

صَحَّ عن عائشة زوج النَّبيّ أَنَّهَا قَالَتْ : (( أتي النَّبيّ بصبي ، فبال عَلَى ثوبه ، فدعا النَّبيّ بماء فأتبعه إياه )) . رَواهُ مَالِك ( ) ، وزاد أحمد وَمُسْلِم وابن ماجه في روايتهم : (( وَلَمْ يغسله )) ( ) .

صَحَّ عن أم قيس ( ) بنت محصن ((  أَنَّهَا أتت بابن صَغِير لَهَا –لَمْ يأكل الطعام– إلى رَسُوْل الله ؛ فأجلسه في حجره ، فبال عَلَى ثوبه ؛ فدعا رَسُوْل الله بماءٍ ، فنضحه وَلَمْ يغسله )) . رَواهُ مَالِك ، والشيخان : البُخَارِيّ وَمُسْلِم ( ) .

حَدِيث عَلِيّ وَقَدْ سبق : (( ينضح من بول الغلام ، ويغسل من بول الجارية )) .

صَحَّ عن أبي السمح ( ) عن النَّبيّ قَالَ : (( يغسل من بول الجارية ، ويرش من بول الغلام )) .

أخرجه : أبو دَاوُد ( ) ، وابن ماجه ( ) ، وَالنَّسَائِيّ ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، والدارقطني ( ) ، والمزي ( ).

وَقَد اختلف الفُقَهَاء في الأحكام المستفادة من هذِهِ الأحاديث عَلَى مذاهب أشهرها مَا يأتي :

المذهب الأول :

يرى أن التطهير من بول الرضيع – كالتطهير من بول الكبير – إنما يَكُون بغسله ، وَلاَ فرق في ذَلِكَ بَيْنَ بول رضيع أكل الطعام أو لَمْ يأكل ، كَمَا أَنَّهُ لا فرق في ذَلِكَ بَيْنَ الذكر والأنثى . وإلى ذَلِكَ ذهب أبو حَنِيْفَة ، وَهُوَ المشهور عن مَالِك عَلَى خِلاَف بَيْنَهُمَا في كيفية الغسل الَّذِي يجزئ في التطهير من النجاسة ، فإن أبا حَنِيْفَة يشترط لتطهير النجاسة غَيْر المرئية تعدد مرات غسلها – ثلاثاً أو سبعاً والعصر بَعْدَ كُلّ غسلة ( )، وَلَمْ يشترط مَالِك أكثر من صب الماء عَلَى النجاسة بحيث يغمرها ، ويذهب لونها وطعمها ورائحتها وَلاَ يشترط لإزالة النجاسة إمرار اليد والعصر ، ونحو ذَلِكَ ( ) .

وَقَدْ حملوا : (( إتباع الماء )) و (( نضحه )) و (( رشه )) ، هذِهِ الألفاظ كلها حملوها عَلَى مَعْنَى الغسل ، وَقَدْ أفاض الطحاوي في إيراد الآثار الدالة عَلَى أن هذِهِ الألفاظ قَدْ تطلق ويراد بِهَا الغسل ( ) .

لَكِن هَذَا يؤخذ عَلَيْهِ : ان هذِهِ الألفاظ ، وإن كَانَتْ تطلق أحياناً عَلَى الغسل فإن الحال في مسألتنا هذِهِ لا يحتمل ذَلِكَ ؛ لأَنَّهُ يؤدي إِلَى تناقض تتنَزه عَنْهُ نصوص الشريعة ؛ فحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عَنْهَا قَدْ جاء بلفظ : (( فدعا النَّبيّ بماءٍ فأتبعه وَلَمْ يغسله )) فإذا جَعَلَ أتبعه بمعنى غسله فإن المَعْنَى حينئذ يَكُون فغسله وَلَمْ يغسله .

وَكَذَلِكَ حَدِيث أم قيس بنت محصن قَدْ جاء بلفظ : (( فنضحه وَلَمْ يغسله )) فلو حمل النضح عَلَى مَعْنَى الغسل لكان التقدير : فغسله وَلَمْ يغسله ، وهذا تناقض غَيْر معقول .

وأيضاً فإن النَّبيّ عطف الغسل عَلَى النضح في حَدِيث عَلِيّ ، وعطف الرش عَلَى الغسل في حَدِيث أبي السمح ، والعطف يَقْتَضِي المغايرة . فلو أريد بهما مَعْنَى واحدٌ ، لكان عبثاً يتنَزه عَنْهُ الشارع ( ) .

المذهب الثَّانِي :

نُسِبَ إلى الشَّافِعيّ قَوْلٌ : بأن بول الصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام طاهر . ونسبت رِوَايَة إلى الإمام مَالِك : أَنَّهُ لا يغسل بول الجارية وَلاَ الغلام قَبْلَ أن يأكلا الطعام .

لَكِنْ ذكر الباجي( ) أن هذِهِ الرِّوَايَة عن مَالِك شاذة ( ). وذكر النَّوَوِيّ أن نقل هَذَا القَوْل عن الشَّافِعيّ باطل( ) .

لِذلِكَ لا حاجة للتعليق عَلَى هَذَا المذهب .

المذهب الثَّالِث :

ينضح بول الطفل الرضيع الَّذِي لَمْ يأكل الطعام ، فإذا أكل الطعام كَانَ حكم بوله كحكم بول الكبير يغسل .

وَقَدْ فسّر هَذَا المذهب النضح : بأنه غمر مَوْضِع البول ومكاثرته بالماء مكاثرة لا يَبْلُغ جريانه وتردده وتقطره . فَهُوَ بمعنى الغسل الَّذِي سبق ذكره عن مَالِك ( ) .

وَقَدْ اعتمد هَذَا المذهب حَدِيث أم قيس بنت محصن ، فَقَدْ جاء بلفظ : ((أَنَّهَا أتت بابن لَهَا صَغِير لَمْ يأكل الطعام ... الخ )) .

وَقَد اعترض ابن حزم – القائل : بأن النضح يكفي في التطهير من بول الذكر كبيراً أو صغيراً – : بأن تخصيص ذَلِكَ بالصبي الَّذِي لَمْ يأكل لَيْسَ من كلام النَّبيّ ، لِذلِكَ فالحديث لا دلالة فِيهِ عَلَى هَذَا التحديد ( ) .

ويجاب عَلَى ذَلِكَ : بأنه نجاسة الأبوال المستتبعة لوجوب غسلها ، كُلّ ذَلِكَ مستيقن بالأحاديث العامة الدالة عَلَى ذَلِكَ ، كحديث ابن عَبَّاس في القبرين اللذين أخبر رَسُوْل الله أن صاحبيهما يعذبان ، وَقَالَ : (( أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستنْزه من البول )) . أخرجه البُخَارِيّ وَمُسْلِم ( ) .

وحديث أبي هُرَيْرَة مرفوعاً : (( استنْزهوا من البول ؛ فإن عامة عذاب القبر مِنْهُ )). رَواهُ أحمد ( )، وابن ماجه ( )، وابن خزيمة ( )، والدارقطني ( )، والحاكم ( )، وصححه البُخَارِيّ ( ) .

وحديث ابن عَبَّاس مرفوعاً : (( تَنَزهوا من البول ، فإن عامة عذاب القبْر مِنْهُ )) . أخرجه : البزار ( ) ، والطبراني ( ) ، والدارقطني ( ) ، والحاكم ( ) .

فنجاسة بول الآدمي ووجوب غسله كُلّ ذَلِكَ متيقن بهذه الأحاديث ، وتخصيص بول الصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام بالنضح متيقن بحديث أم قيس بنت محصن ، وما عدا ذَلِكَ مشكوك فِيهِ ، فَلاَ يترك اليقين للشك .

والاكتفاء بالنضح في التطهير من بول الرضيع خصه أحمد وجمهور الشافعية بالصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام ، أما بول الصبية فَلاَ يجزئ فِيهِ إلا الغسل ( ) .

أما الشَّافِعيّ نَفْسه فَقَدْ نَصَّ عَلَى جواز الرش عَلَى بول الصبي مَا لَمْ يأكل الطعام ، واستدل عَلَى ذَلِكَ بالحديث ، ثُمَّ قَالَ : (( وَلاَ يبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة ، وَلَوْ غسل بول الجارية كَانَ أحب إليَّ احتياطاً ، وإن رش عَلَيْهِ مَا لَمْ تأكل الطعام أجزأ ، إن شاء الله تَعَالَى )) ( ) .

وَقَدْ ذكر النَّوَوِيّ – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – أَنَّهُ لَمْ يذكر عن الشَّافِعيّ غَيْر هَذَا ( ) ، وَقَالَ البَيْهَقِيّ: (( والأحاديث المسندة في الفرق بَيْنَ بول الغلام والجارية في هَذَا الباب إذَا ضُمَّ بعضها إلى بَعْض قويت ، وكأنها لَمْ تثبت عِنْدَ الشَّافِعيّ – رَحِمَهُ اللهُ – حِيْنَ قَالَ : (( وَلاَ يتبين لي في بول الصبي والجارية فرق من السُّنَّة الثابتة )) ( ) .

وقول الشَّافِعيّ هَذَا مرويٌّ عن النخعي ، وَهُوَ رِوَايَة عن الأوزاعي ، ووجه لبعض الشافعية ، ووصفه النَّوَوِيّ : بأنه ضَعِيْف ( ).

وهنا يأتي دور حَدِيث عَلِيّ ومثله حَدِيث أبي السمح خادم النَّبيّ ، فهي أحاديث ثابتة ، وَقَدْ فرقت بَيْنَ بول الصبي وبين بول الصبية .

وَقَدْ ثبت هَذَا عِنْدَ أحمد ؛ لِذلِكَ أخذ بِهِ وفرق بَيْنَهُمَا في الحكم ، أما الشَّافِعيّ فَقَدْ صرح بأنه لَمْ يثبت عنده من السُّنَّة مَا يفرق بَيْنَهُمَا ؛ لِذلِكَ رأى أن النضح يكفي فِيْهِمَا – وإن كَانَ الأحب إليه غسل بول الصبي احتياطاً – ؛ وَلَوْ ثبت عِنْدَ الشَّافِعيّ هذِهِ الأحاديث لأخذ بِهَا ، فهذا هُوَ شأنه وشأن الفُقَهَاء كافة لا يتخطون السُّنَّة الثابتة عندهم إلى غيرها ، مَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عندهم معارض ؛ ولذلك أطبق أصحاب الشَّافِعيّ عَلَى الفرق في الحكم بَيْنَ بول الصبي والصبية لما ثبتت عندهم هذِهِ الأحاديث ( ) .

 

 

 

نموذج آخر : وهو مثال لما تترجح فِيهِ الرِّوَايَة الموقوفة

سبق أن ذكرت أن الحكم في اختلاف الرفع والوقف لا يندرج تَحْتَ قاعدة كلية ، فَقَدْ تترجح الرِّوَايَة الموقوفة ، وَقَدْ تترجح الرِّوَايَة المرفوعة ؛ وَذَلِكَ حسب المرجحات والقرائن المحيطة بالرواية ، وهذه المرجحات مختلفة متفاوتة ؛ إِذْ قَدْ تترجح رِوَايَة الأحفظ ، أو الأكثر أو الألزم ( ) ، وما إلى غَيْر ذَلِكَ من المرجحات الَّتِي يراها نقاد الحَدِيْث وصيارفته ، ومما رجحت فِيهِ الرِّوَايَة الموقوفة :

مَا رَواهُ عائذ بن حبيب ( ) ، قَالَ : حَدَّثَني عامر بن السِّمْط ( ) ، عن أبي الغَريف ( ) ، قَالَ : أُتي عَلِيٌّ بوَضوءٍ ، فمضمض واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه ثلاثاً وغسل يديه وذراعيه ثلاثاً ثلاثاً ، ثُمَّ مسح برأسه ، ثُمَّ غسل رجليه ، ثُمَّ قَالَ : هكذا رأيت رَسُوْل الله توضأ ، ثُمَّ قرأ شَيْئاً من القُرْآن ، ثُمَّ قَالَ : (( هَذَا لِمَنْ لَيْسَ بجنب ، فأما الجنب فَلاَ ، وَلاَ آية )) .

رَواهُ : الإِمَام أحمد بن حَنْبَل ( ) ، والبخاري في " تاريخه " ( ) ، وَالنَّسَائِيّ في "مُسْنَد عَلِيّ" ( ) ، وأبو يعلى( ) ، والضياء ( ) المقدسي ( ) ؛ جميعهم من طريق عائذ بن حبيب بهذا الإسناد .

والذي يهمنا من هَذَا الحَدِيْث طرفه الأخير .

وَقَدْ خولف عائذ في هَذَا الحَدِيْث ، فَقَدْ أخرجه ابن أبي شَيْبَة ( ) من طريق شريك ابن عَبْد الله النخعي . والدارقطني ( ) ، عن يزيد بن هارون( ) . والبيهقي ( ) ، عن الحَسَن بن صالح بن حي . وأخرجه البَيْهَقِيّ ( ) أيضاً ، عن خالد بن عَبْد الله( ) ؛ أربعتهم: ( شريك بن عَبْد الله، ويزيد بن هارون، والحسن بن صالح بن حي ، وخالد بن عَبْد الله )، رووه عن عامر بن السمط ( )، عن أبي الغَريف الهمداني، عن عَلِيّ بن أبي طَالِب ، موقوفاً .

فرواية الجمع أصح وأولى ؛ وَقَدْ صحح الإمام الدَّارَقُطْنِيّ الوقف ، فَقَالَ عقب الرِّوَايَة الموقوفة : (( هُوَ صَحِيْح عن عَلِيّ )) ( ) .

ومما يؤكد صِحَّة رِوَايَة الجمع أن عَبْد الرزاق ( ) أخرجه عن سُفْيَان الثَّوْرِيّ ، عن عامر الشَّعْبيّ ، وابن المنذر ( ) أخرجه عن إسحاق ، عن عامر السعدي ؛ كلاهما ( عامر الشَّعْبيّ وعامر السعدي ) عن أبي الغريف ، عن عَلِيّ بن أبي طالب ، بِهِ موقوفاً .

كُلّ هَذَا يؤكد خطأ عائذ بن حبيب في رفعه الحَدِيْث ؛ ولعل هَذَا مِمَّا أنكر عَلَيْهِ .

 

أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء ( حكم قِرَاءة القُرْآن للجنب )

اختلف العُلَمَاء في حكم قِرَاءة القُرْآن للجنب عَلَى قولين :

القَوْل الأول :

يحرم عَلَى الجنب قِرَاءة القُرْآن ، وَهُوَ مَذْهَب عامة عُلَمَاء المسلمين ، وبه قَالَ الحنفية ( ) ، والمالكية ( ) ، والشافعية ( ) ، والحنابلة ( ) .

الحجة لَهُمْ :

استدلوا بحديث عَلِيّ السابق مرفوعاً إلى النَّبيّ ؛ قَالَ ابن المنذر : (( احتج الذين كرهوا للجنب قِرَاءة القُرْآن بحديث عَلِيّ )) ( ) . وكأنهم قدموا الرفع عَلَى الوقف كَمَا هُوَ مَذْهَب جَمَاعَة من المُحَدِّثِيْنَ ؛ أو لما للحديث من شواهد قَدْ يتقوى بِهَا .

مَا رَوَى عَبْد الله بن سلمة ( )، عن عَلِيّ بن أبي طَالِب ، أنه قَالَ : (( كَانَ رَسُوْل الله يقرئنا القُرْآن عَلَى كُلّ حالٍ مَا لَمْ يَكُنْ جنباً )) . أخرجه بهذا اللفظ ابن أبي شَيْبَة ( ) ، والإمام أحمد ( ) ، والترمذي ( ) ، وَالنَّسَائِيّ ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وأخرجه غيرهم بلفظ مقارب ( ) .

قَالَ التِّرْمِذِي : (( حَدِيث عَلِيٍّ حديثٌ حسنٌ صحيحٌ )) ( ) .هكذا قَالَ الإمام التِّرْمِذِي ( ) -يرحمه الله- إلا أن جهابذة المُحَدِّثِيْنَ قَدْ ضعّفوا هَذَا الحَدِيْث ، قَالَ الإمام النَّوَوِيّ : (( خالف التِّرْمِذِي الأكثرون فضعفوا هَذَا الحَدِيْث ))( ) ؛ وَقَالَ البُخَارِيّ : (( قَالَ شُعْبَة عن عُمَرو بن مرة ( ) قَالَ : كَانَ عَبْد الله يحدثنا فنعرف وننكر، وكَانَ قَدْ كبر ))( ). وَقَالَ الخَطَّابِيّ : (( كَانَ أحمد يوهن هَذَا الحَدِيْث )) ( ). وَقَالَ البزار عقب

تخريجه الحَدِيْث : ((ذ وهذا الحَدِيْث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن عَلِيّ ، وَلاَ يروى عن عَلِيّ إلا من حَدِيث عَمْرو بن مرة ، عن عَبْد الله بن سلمة ، عن عَلِيّ ، وَكَانَ عَمْرو بن مرة يحدِّث عن عَبْد الله بن سلمة فَيَقُوْلُ : يعرف في حديثه وينكر )) ( ).

وَقَالَ البُخَارِيّ : (( عبد الله بن سلمة أبو العالية الكوفي لا يتابع في حديثه ))( )، وَقَالَ الشَّافِعيّ في (سُنَن حرملة):(( إن كَانَ هَذَا الحَدِيْث ثابتاً ، ففيه دلالة عَلَى تحريم القُرْآن عَلَى الجنب )) ، وَقَالَ في (جماع كِتَاب الطهور) :(( أهل الحَدِيْث لا يثبتونه ))( ).

قَالَ البَيْهَقِيّ : (( إنما قَالَ ذَلِكَ لأن عَبْد الله بن سلمة راويه كَانَ قَدْ تغير ، وإنما رَوَى هَذَا الحَدِيْث بعدما كبر ، قَالَه شُعْبَة ))( ). ومع كُلّ هَذَا فَقَدْ قَالَ الحافظ ابن حجر : (( الحق أَنَّهُ من قبيل الحَسَن ، يصلح للحجة ))( ). وعلى تقدير صلاحيته للاحتجاج ، فَلاَ حجة فِيهِ ؛ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نهيٌّ عن أن يقرأ الجنب القُرْآن ، وإنما هُوَ فعلٌ مِنْهُ عَلَيْهِ السلام لا يلزم ، وَلاَ بيّن أَنَّهُ إِنَّمَا يمتنع من قِرَاءة القُرْآن من أجل الجنابة ( ) .

وما روي عن ابن عُمَر عن النَّبيّ قَالَ : (( لا تقرأ الحائض وَلاَ الجنب شيئاً من القُرْآن )) .

أخرجه التِّرْمِذِي( )، وابن ماجه( )، و الدَّارَقُطْنِيّ( )، والبيهقي( )، و الخطيب( ). وَهُوَ حَدِيث ضَعِيْف لضعف إسناده فَهُوَ من رِوَايَة إِسْمَاعِيْل بن عياش ، عن موسى بن عُقْبَة ، عن نافع ، عن ابن عُمَر . و إسماعيل بن عياش منكر الحَدِيْث عن أهل الحجاز وأهل العراق ( )، وحديثه هَذَا عن أهل الحجاز؛ لأن موسى بن عقبة مدني ( ).

القَوْل الثَّانِي : يجوز للجنب قِرَاءة القُرْآن . وهذا القَوْل مرويٌّ عن ابن عَبَّاس( )، وسعيد بن المسيب ( )، و عكرمة ( )، وربيعة الرأي ( )، وسعيد بن جبير ( ). وَهُوَ قَوْل ابن حزم الظاهري ونقله عن دَاوُد وعامة أصحابهم( ).

واختاره ابن المنذر( ). و الحجة لهذا المذهب :

مَا صَحَّ أَنَّهُ عليه الصَّلاَة والسلام : ((كَانَ يذكر الله عَلَى كُلّ أحيانه )). أخرجه مسلم( )، وغيره( ).

قالوا : و القُرْآن ذكر.( )

قَالَ أبو بَكْر بن المنذر : (( فَقَالَ بعضهم: الذكر قَدْ يَكُون بقراءةِ القُرْآن و غيره ، فكلُّ ما وقع عَلَيْهِ اسم ذكر الله فغير جائز أن يمنع مِنْهُ أحدٌ( ) ، إذا كَانَ النَّبيّ لا يمتنع من ذكر الله عَلَى أحيانه ))( ).

وأجاب أصحاب المذهب الأول عن هَذَا : بأن المراد من الذكر غَيْر القُرْآن ، فَهُوَ المفهوم عند الإطلاق( ) .

ويجاب عن هَذَا : بأن التخصيص لا دليل عَلَيْهِ ، فالأصل العموم حَتَّى يأتي دليل يخصصه . ولذا قَالَ القرطبي( ) : (( أصل الذكر التنبه بالقلب للمذكور و التيقظ لَهُ ، وسمي الذكر باللسان ذكراً لأَنَّهُ دلالة عَلَى الذكر القلبي ؛ غَيْر أَنَّهُ لما كثر إطلاق الذكر عَلَى القَوْل اللساني صار هُوَ السابق للفهم))( ). فالتخصيص عرفي لا شرعي .

وقالوا أيضاً: لَمْ يصح دليل في منع المحدِث حدثاً أكبر من قِرَاءة القُرْآن ، و الأصل عدم التحريم . وَقَدْ خالف هذين المذهبين جَمَاعَة من الفُقَهَاء ففرقوا بَيْنَ القليل و الكثير ، و قالوا : تجوز قِرَاءة الآية و الآيتين . روي ذَلِكَ عن : عَبْد الله( ) بن مغفل( ) ، ومحمد الباقر( )، ورواية عن عكرمة( ) ، وسعيد بن جبير( ) .

وَقَدْ شدد ابن حزم النكير عَلَى هَذَا القَوْل ، وعدَّها أقوالاً فاسدة لا يعضدها دليل من قرآن أو سنة صَحِيْحَة وَلاَ سقيمة ، ولا من إجماع ، وَلاَ من قَوْل صاحب ، وَلاَ من قياس ، وَلاَ من رأي سديد ؛ لأن بَعْض الآية والآية قرآن بلا شك ، وَلاَ فرق بَيْنَ أن يباح لَهُ آية أو أن يباح لَهُ أخرى ، أو بَيْنَ أن يمنع من آية أو يمنع من أخرى( ).

ومما تنبغي الإشارة إِليهِ مَذْهَب الإمام مَالِك ، وَهُوَ أَنَّهُ أجاز قِرَاءة القُرْآن للحائض و النفساء دُوْنَ الجنب( ) .

والحجة للإمام مَالِك في تفريقه بَيْنَ الجنب ، وبين الحائض و النفساء : أن الحيض والنفاس مدتها طويلة  ؛ فلو منعناهما من قِرَاءة القُرْآن لتعرضتا لنسيانه( ).

وَقَدْ أجاب ابن حزم عن هَذَا فَقَالَ : (( هُوَ محال ؛ لأَنَّهُ إن كَانَتْ قراءتها للقرآن حراماً فَلاَ يبيحه لَهَا طول أمرها ، وإن كَانَ ذَلِكَ لَهَا حلالاً فَلاَ مَعْنَى للاحتجاج بطول أمرها ))( ).

 

 

النوع الثالث : تعارض الاتصال والانقطاع

تقدم الكلام بأن الاتصال شرط أساسيٌّ لصحة الحديث النبوي ، وعلى هذا فالمنقطع ضعيف لفقده شرطاً أساسياً من شروط الصحة ، وقد أولى المحدثون عنايتهم في البحث والتنقير في الأحاديث من أجل البحث عن توفر هذا الشرط من عدمه ؛ وذلك لما له من أهمية بالغة في التصحيح والتضعيف والتعليل . وتقدم الكلام أن ليس كل ما ورد فيه التصريح بالسماع فهو متصل ؛ إذ قَدْ يقع الخطأ في ذلك فيصرح بالسماع في غير ما حديث ، ثم يكشف الأئمة النقاد بأن هذا التصريح خطأ ، أو أن ما ظاهره متصل منقطع، وهذا ليس لكل أحد إنما هو لأولئك الرجال الذين أفنوا أعمارهم شموعاً أضاءت لنا الطريق من أجل معرفة الصحيح المتصل من الضعيف المنقطع .

إذن فليس كل ما ظاهره الاتصال متصلاً ، فقد يكون السند معللاً بالانقطاع .

وعليه فقد يأتي الحديث مرة بسند ظاهره الاتصال ، ويُروى بسند آخر ظاهره الانقطاع ، فيرجح تارة الانقطاع وأخرى الاتصال ، ويجري فيه الخلاف الذي مضى في زيادة الثقة . وأمثلة ذلك كثيرة .

منها : ما رواه أحمد بن منيع ( ) ، قال : حدثنا كثير بن هشام ( ) ، قال : حدثنا جعفر بن برقان ( ) ، عن الزهري ( ) ، عن عروة( ) ، عن عائشة ، قالت : كنت أنا وحفصة( ) صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه ، فجاء رسول الله    فبدرتني إليه حفصة ، وكانت ابنة أبيها ، فقالت: يا رسول الله ، إنا كنا صائمتين فعرض لنا طعام اشتهيناه فأكلنا منه ، قال : (( اقضيا يوماً آخر مكانه )) .

أخرجه الترمذي ( ) ، والبغوي ( ) ، وأخرجه غيرهما من طريق جعفر ( ).

هكذا روى هذا الحديث جعفر بن برقان، عن الزهري، عن عروة ، عن عائشة، متصلاً .

وقد توبع على روايته ، تابعه سبعة من أصحاب الزهري على هذه الرواية وهم :

صالح بن أبي الأخضر ( ) ، وهو ضعيف يعتبر به عند المتابعة ( ) .

سفيان بن حسين ( ) ، وهو ثقة في غير الزهري باتفاق العلماء ( ) .

صالح بن كيسان ( ) ، وهو ثقة ( ) .

إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ( ) ، وهو ثقة ( ) .

حجاج بن أرطأة ( ) ، وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس ( ) .

عبد الله بن عمر العمري ( ) ، وهو ضعيف ( ) .

يحيى بن سعيد ( ) .

فهؤلاء منهم الثقة ، ومنهم من يصلح حديثه للمتابعة ، قَدْ رووا الحديث أجمعهم ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، متصلاً ، إلا أنه قَدْ تبين بعد التفتيش والتمحيص والنظر أن رواية الاتصال خطأ ، والصواب : أنّه منقطع بين الزهري وعائشة ، وذكر عروة في الإسناد خطأ .

لذا قال الإمام النسائي عن الرواية الموصولة : (( هذا خطأ )) ( )، وقد فسّر المزي مقصد النسائي فقال : (( يعني أن الصواب حديث الزهري ، عن عائشة وحفصة مرسل ))( ) .

وقد نص كذلك الترمذي على أن رواية الاتصال خطأ ، والصواب أنه منقطع وذكر الدليل القاطع على ذلك ، فقال : (( روي عن ابن جريج ، قال : سألت الزهري ، قلت له : أَحدَّثَكَ عروة ، عن عائشة ؟ ، قال : لم أسمع عن عروة في هذا شيئاً ، ولكني سَمِعتُ في خلافة سليمان بن عبد الملك( ) من ناس عن بعض من سأل عائشة عن هذا الحديث )) ( ) .

ومن قبل سأل الترمذي شيخه البخاري فَقَالَ : (( سألت محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث ، فقال : لا يصح حديث الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ))( ) .

وحكم أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان بترجيح الرواية المنقطعة على الموصولة ( ) .

قلت: قَدْ رواه الثقات الأثبات من أصحاب الزهري منقطعاً ، وهم ثمانية أنفس:

مالك بن أنس ( ) ، وهو ثقة إمام أشهر من أن يعرف .

معمر بن راشد ( ) ، وهو ثقة ثبت فاضل ( ) .

عبيد الله بن عمر العمري ( ) ، وهو ثقة ثبت ( ) .

يونس بن يزيد الأيلي ( ) ، وهو ثقة أحد الأثبات ( ) .

سفيان بن عيينة ( ) ، وهو ثقة حافظ فقيه إمام حجة ( ) .

عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج ( ) ، وهو ثقة ( ) .

محمد بن الوليد الزبيدي ( ) ، وهو ثقة ثبت ( ) .

بكر بن وائل ( ) ، وهو صدوق ( ) .

فهؤلاء جميعهم رووه عن الزهري ، عن عائشة منقطعاً ، وروايتهم هذه هي المحفوظة ، وهي تخالف رواية من رواه متصلاً . وهذا يدلل أن المحدّثين ليس لهم في مثل هذا حكم مطرد ، بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيحات المحيطة بالرواية .

وللحديث طريق أخرى ( ) ، فقد أخرجه النسائي ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن حبان ( ) ، وابن حزم في المحلى ( ) ، من طريق جرير بن حازم ( ) ، عن يحيى بن سعيد الأنصاري ( ) ، عن عمرة ( ) ، عن عائشة .

هكذا الرواية وظاهرها الصحة ، إلا أن جهابذة المحدّثين قَدْ عدوها غلطاً من جرير بن حازم ، خطّأه في هذا أحمد بن حنبل ، وعلي بن المديني ، والبيهقي ( ) ، قال البيهقي : (( والمحفوظ عن يحيى بن سعيد ، عن الزهري ، عن عائشة ، مرسلاً )) ( ) .

ثم أسند البيهقي إلى أحمد بن منصور الرمادي( ) قال: قلت لعلي بن المديني: يا أبا الحسن تحفظ عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة ، قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين. فقال لي: من روى هذا ؟ قلت: ابن وهب ، عن جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد . قال : فضحك ، فقال : مثلك يقول هذا ! ، حدثنا : حماد بن زيد ، عن يحيى بن سعيد ، عن الزهري : أن عائشة وحفصة أصبحتا صائمتين .

وقد أشار النسائي كذلك إلى خطأ جرير ( ) .

فهؤلاء أربعة من أئمة الحديث أشاروا إلى خطأ جرير بن حازم في هذا الحديث ، وعدم إقامته لإسناده .

ولم يرتض ابن حزم على هذه التخطئة، وأجاب عن ذلك فقال: (( لم يتحقق علينا قول من قال أن جرير بن حازم أخطأ في هذا الخبر إلا أن هذا ليس بشيء ؛ لأن جريراً ثقة، ودعوى الخطأ باطل إلا أن يقيم المدعي له برهاناً على صحة دعواه ، وليس انفراد جرير بإسناده علة ؛ لأنه ثقة )) ( ) .

ويجاب على كلام ابن حزم : بأن ليس كل ما رواه الثقة صحيحاً ، بل يكون فيه الصحيح وغير ذلك؛ لذا فإن الشذوذ والعلة إنما يكونان في حديث الثقة ؛ فالعلة إذن هي معرفة الخطأ في أحاديث الثقات ، ثم إن اطباق أربعة من أئمة الحديث على خطأ جرير ، لم يكن أمراً اعتباطياً ، وإنما قالوا هذا بعد النظر الثاقب والتفتيش والموازنة والمقارنة . أما إقامة الدليل على كل حكم في إعلال الأحاديث، فهذا ربما لا يستطيع الجهبذ الناقد أن يعبر عنه إنما هو شيء ينقدح في نفسه تعجز عبارته عنه ( ) .

ثم إن التفرد ليس علة كما سبق أن فصلنا القول فيه في مبحث التفرد ، وإنما هو مُلقٍ لِلضوءِ على العِلّة ومواقع الخلل وكوامن الخطأ ، ثم إنا وجدنا الدليل على خطأ جرير ابن حازم ، إذ قَدْ خالفه الإمام الثقة الثبت حماد بن زيد ( ) ، فرواه عن يحيى بن سعيد ولم يذكر عمرة ( ) .

وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه الطبراني ( ) من طريق : يعقوب بن مُحَمَّد الزهري ، قال : حدثنا هشام بن عبد الله بن عكرمة بن عبد الرحمان ، عن الحارث بن هشام ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة .

قال الطبراني عقب روايته له : (( لم يرو هذا الحديث عن هشام بن عروة إلا هشام ابن عكرمة . تفرد به يعقوب بن مُحَمَّد الزهري )) .

قلت : هذه الرواية ضعيفة لا تصلح للمتابعة ، إذ فيها علتان :

الأولى : يعقوب بن مُحَمَّد الزهري ، فيه كلام ليس باليسير ، فقد قال فيه الإمام أحمد : (( ليس بشيء )) ، وَقَالَ مرة : (( لا يساوي حديثه شيئاً )) ، وَقَالَ الساجي : (( منكر الحديث )) ( ) .

والثانية : هشام بن عبد الله بن عكرمة ، قال ابن حبان : (( ينفرد عن هشام بن عروة بما لا أصل له من حديثه – كأنه هشام آخر – ، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد )) ( ) .

وللحديث طريق أخرى ، فقد أخرجه ابن أبي شيبة ( ) من طريق خصيف بن عبد الرحمان ، عن سعيد بن جبير : أن عائشة وحفصة … الحديث . وهو طريق ضعيف لضعف خصيف بن عبد الرحمان ، فقد ضعّفه الإمام أحمد ، وأبو حاتم ، ويحيى القطان ، على أن بعضهم قَدْ قواه ( ) .

وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه البزار ( ) ، والطبراني ( ) من طريق حماد بن الوليد ، عن عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر … الحديث . وهو طريق ضعيف ، قال الهيثمي : (( فيه حماد بن الوليد ضعفه الأئمة )) ( ) .

وللحديث طريق أخرى فقد أخرجه العقيلي( )، والطبراني( ) من طريق مُحَمَّد بن أبي سلمة المكي ، عن مُحَمَّد بن عمرو( ) ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، قال : أهديت لعائشة وحفصة … الحديث. وهو طريق ضعيف، قال الهيثمي: (( فيه مُحَمَّد بن أبي سلمة المكي ، وقد ضُعِّفَ بهذا الحديث )) ( ) .

خلاصة القول : إن الحديث لم يصح متصلاً ولم تتوفر فيه شروط الصحة ؛ فهو حديث ضعيف لانقطاعه ؛ ولضعف طرقه الأخرى ( ) .

 

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ( حكم من أفطر في صيام التطوع )

وما دمنا قَدْ تكلمنا بإسهاب عن حديث الزهري متصلاً ومنقطعاً ، وذكرنا طرقه وشواهده ، وبيّنا ما يكمن فيها من ضعف وخلل ، فسأتكلم عن أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ، فأقول : من شَرَعَ في صوم تطوع ، أو صلاة تطوع ولم يتم نفله ، هل يجب عليه القضاء أم لا ؟

اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال :

القول الأول :

ذهب بعض العلماء إلى أن النفل يجب على المكلف بالشروع فيه ، فإذا أبطل وجب عليه قضاؤه صوماً كان أم صلاةً أم غيرهما .

وهو مروي عن : ابن عباس ( ) ، وإبراهيم النخعي ( ) ، والحسن البصري ( ) ، وأنس( ) بن سيرين ( ) ، وعطاء ( ) ، ومجاهد ( ) ، والثوري ( ) ، وأبي ثور ( ) .

وهو مذهب الحنفية ( ) ، والمالكية ( )، والظاهرية ( ) .

 

والحجة لهذا المذهب :

قوله تَعَالَى : وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ( ) : قال الجصاص الحنفي : (( يحتج به في أن كل من دخل في قربة لا يجوز له الخروج منها قبل إتمامها ؛ لما فيه من إبطال عمله نحو الصلاة والصوم والحج وغيره )) ( ) .

وللشافعي جواب عن هذا فقال : (( المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض ، فنهي الرجل عن إحباط ثوابه . فأما ما كان نفلاً فلا ؛ لأنه ليس واجباً عليه ، فإن زعموا أن اللفظ عام فالعام يجوز تخصيصه ، ووجه تخصيصه أن النفل تطوع ، والتطوع يقتضي تخييراً )) ( ) .

جعلوا عمدة قولهم حديث الزهري السابق ، وكأنهم رجحوا الاتصال على الانقطاع ، أو أخذوا بالحديث لما له من طرق ، وجعل ابن حزم الظاهري عمدة قوله حديث جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة . ودافع عن زيادة جرير( ) . وقد تقدم الكلام بأن جريراً مخطئٌ في حديثه ، وقد ذكرنا كلام ابن حزم وأجبنا عنه .

القول الثاني :

ذهب فريق من الفقهاء إلى استحباب الإتمام ولا قضاء عليه ، وهو مذهب أكثر أهل العلم، وهو مروي عن : علي ( ) ، وعبد الله بن مسعود ( ) ، وعبد الله بن عمر ( ) ، وابن عباس ( ) ، وجابر بن عبد الله ( ) .

وإبراهيم النخعي ( ) ، ومجاهد ( ) ، والثوري ( ) ، وإسحاق ( ) .

وهو مذهب الشافعية ( ) ، والحنابلة ( ) .

والحجة لهم : وهو أن حديث الزهري لم يصح ، فهو ضعيف منقطع ، ولم يروا الآية دليلاً لذلك ، فقد احتجوا بجملة من الأحاديث ، منها :

حديث عائشة بنت طلحة ( )، عن عائشة أم المؤمنين ، قالت : دخل عَلَيَّ النبيُّ ذات يوم ، فقال : هل عندكم شيءٌ ؟ فقلنا : لا ، قال : فإني إذن صائم . ثم أتانا يوماً آخر ، فقلنا : يا رسول الله ، أهدي لنا حيس ( ) ، فقال : أَرينيه ، فلقد أصبحت صائماً ، فأكل )) . رواه مسلم ( ) .

عن أبي جحيفة ( ) قال : (( آخى النبي بين سلمان( ) وأبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء ، فرآى أم الدرداء( ) متبذلة ( )، فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء لَيْسَ لَهُ حاجة في الدنيا . فجاء أبو الدرداء فصنع لَهُ طعاماً ، فَقَالَ : كُلْ ، قَالَ: فإني صائم ، قَالَ: ما أنا بآكل حَتَّى تأكل ، قَالَ: فأكل ، فَلَمَّا كَانَ الليل ذهب أبو الدرداء يقوم ، فَقَالَ : نَمْ ، فنام ، ثُمَّ ذهب يقوم ، فَقَالَ: نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ من آخر الليل ، قَالَ سلمان : قم الآن ، فصليا ، فَقَالَ لَهُ سلمان : إن لربك عليك حقاً ، ولنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، فاعطِ كُلّ ذي حق حقه ، فأتى النَّبِيّ فذكر لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيّ : (( صدق سلمان )) . أخرجه البُخَارِيّ ( )، والترمذي ( )، وابن خزيمة ( ) ، والبيهقي ( ) .

فهذه أحاديث صحيحة أجازت لصائم النفل الإفطار ، ولم تأمره بقضاء .

حديث أم هانئ عن النبي قال : (( الصائم المتطوع أمين نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر )). أخرجه الإمام أحمد ( )، والترمذي ( )، والنسائي ( )، والدارقطني ( )، والبيهقي ( ) . قال الترمذي : (( في إسناده مقال )) ( ) .

القول الثالث :

التفصيل وهو مذهب المالكية ، قالوا : إن أفطر بعذر جاز ، وإن أفطر بغير عذر لزمه القضاء ( ) .

 

النوع الرابع

أن يروي الحديث قوم – مثلاً – عن رجلٍ عن تابعي عن صحابي ، ويرويه غيرهم

عن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه .

هذا أحد الأنواع الرئيسة التي تعتري اختلاف الأسانيد ، وهو من الاختلافات التي تومئ بعدم ضبط راويها ، وتخرج الحديث عن كونه عن رجل إلى رجل آخر ، وهنا نقف أمام أمرين ، وهما : هل أن الراوي أخطأ بهذا الاختلاف فالصواب عن أحدهما والآخر غلط ؟ أم أن هذا الراوي سمع الحديث من كلا الرجلين فتارة يحدّث به عن هذا ، وتارة يحدّث به عن الآخر ، وكلا هذين الراويين قَدْ سمعاه من هذا الصحابي عينه .

مثال ذلك : ما أخرجه الدارقطني ( ) ، من طريق سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير ( )، عن أبي هريرة رواية ( ) أنه قال : (( زكاة الفطر على الغني والفقير )).

فهذا الحديث مِمَّا اختلف فيه على الزهري .

فقد رواه سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ( ) .

والحديث أخرجه : عبد الرزاق ( ) ، وأحمد ( ) ، والبخاري ( ) ، والطحاوي( )، والدارقطني ( ) ، والبيهقي ( ) من طريق معمر ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، به . موقوفاً ثم قال : - يعني : معمراً  - : وبلغني أن الزهري كان يرويه إلى النبي .

والحديث اختلف فيه كثيراً على الزهري غير هذا الاختلاف سأفصل ذلك - إن شاء الله - في النوع السادس ، وأذكر أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء .

 

النوع الخامس : زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد

إن من الشروط الأساسية لصحة الحديث الضبط ، والزيادة والنقصان في سند من الأسانيد مع اتحاد المدار أمارة من أمارات عدم الضبط ، وعدم الضبط مخرج للحديث من حال الصحة إلى حال الضعف .

وعليه فإذا روي حديث بأسانيد متعددة ، وكان مدار الحديث على رجلٍ واحد ، وزيد في أحد الأسانيد رجلٌ ونقص من بقية الأسانيد ، ولم نستطع الترجيح بين الروايات؛ مما يدل على أن الخطأ من الذي دار عليه الإسناد ، فرواه مرة هكذا ، ومرة هكذا ، فتبين لنا أن هذا الراوي لم يضبط هذا الحديث ، فيحكم على الحديث بالاضطراب ، ويتوقف الاحتجاج به حتى نجد له ما يعضده من متابعات ، أو شواهد ترفعه من حال الضعف إلى حال القبول .

وأحياناً توجد زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد ، إلا أنّ الزيادة لا تقدح عند الأئمة إذا كان المزيد ثقة ؛ لأن الإسناد كيفما دار دار على ثقة . وقد تختلف أنظار المحدّثين في نحو مثل هذا فبعضهم يعد الزيادة قادحة وبعضهم لا يعدها قادحة .

ومما وردت فيه زيادة واختلفت أنظار المحدّثين فيها ، والراجح عدم القدح :

ما رواه بكير بن عبد الله ( )، عن سليمان بن يسار ( )، عن عبد الرحمان بن جابر ابن عبد الله ( ) ، عن أبي بردة( )  ، قال : كان النبي يقول : (( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حدٍ من حدود الله )) .

فهذا الحديث مداره على بكير بن عبد الله ( )، وهو هكذا من غير زيادة في إسناده وقد صححه من هذا الوجه الإمام البخاري ( ) ، والترمذي ( ) .

ورواه الليث بن سعد ( )، وهو ثقة ثبت ( )، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله ، به . وتابعه سعيد بن أبي أيوب( )، وهو ثقة ثبت( )، فهذه متابعة تامة لليث بن سعد .

وتابعه عبد الله بن لهيعة( ) متابعة نازلة فرواه عن بكير بن عبد الله ، به لكن قَدْ خولف الإمام الليث بن سعد .

خالفه زيد بن أبي أنيسة( ) - وهو ثقة( )- عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الرحمان بن جابر، عن أبيه( )، عن أبي بردة بن ينار … الْحَدِيْث ، فقد زاد زيد بن أبي أنيسة زيادة فأدخل جابر بن عبد الله بين عبد الرحمان وأبي بردة .

وقد توبع زيد بن أبي أنيسة على هذا متابعة نازلةً ، تابعه اثنان :

الأول : عمرو بن الحارث( ) ، وهو ثقة فقيه حافظ( ) .

الثاني : أسامة بن زيد( )، وهو صدوق يهم ( ).

فروياه عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمان بن جابر ، عن أبيه ، عن أبي بردة . هكذا روياه بزيادة:(( أبيه )) بين عبد الرحمان و أبي بردة فتابعا زيد بن أبي أنيسة .

هكذا حصلت الزيادة في أحد أسانيد الحديث ، ومداره على راوٍ واحد. وقد اختلفت وجهات نظر المحدّثين :

فقد صحّح الرواية بدون الزيادة الترمذي – كما سبق - ، و الدارقطني في العلل( )، و البخاري :

وصحح الرواية مع الزيادة البخاري – أيضاً – ومسلم وأبو حاتم( )، والدارقطني  في التتبع ( ). وقد حكم باضطراب الحديث الأصيلي( ) قال الحافظ:(( أدعى الأصيلي أن الحديث مضطرب ، فلا يحتج به لاضطرابه))( ).

وَقَالَ الشوكاني:(( تكلم في إسناده ابن المنذر والأصيلي من جهة الاختلاف فيه))( ).

ولم أجد النقل صريحاً عن ابن المنذر إلا أنه قال في الإشراف:(( لم نجد في عدد الضرب في التعزير خبراً عن رسولِ الله ثابتاً ))( ).

أقول: ما ذكر من إعلال الحديث بالاضطراب هو أمرٌ غير صحيح ؛ إذ إنَّهُ اختلاف غَيْر قادح فَهُوَ كيفما دار فَهُوَ عن ثقة ، وَقَدْ دافع الحَافِظ ابن حجر عن هَذَا الْحَدِيْث دفاعاً مجيداً ، فَقَالَ:(( لَمْ يقدح هَذَا الاختلاف عن الشيخين في صحة الْحَدِيْث؛ فإنه كيفما دار يدور على ثقة، ويحتمل أن يكون عبد الرحمان وقع له فيه ما وقع لبكير بن الأشج ( ) في تحديث عبد الرحمان بن جابر لسليمان بحضرة بكير ؛ ثم تحديث سليمان بكيراً به عن عبد الرحمان ، أو أن عبد الرحمان سمع أبا بردة لما حدّث به أباه ، وثبته فيه أبوه ، فحدّث به تارة بواسطة أبيه وتارة بغير واسطة … وقد اتفق الشيخان على تصحيحه ، وهما العمدة في التصحيح ))( ).

وللحديث شواهد فقد أخرجه عبد الرزاق( ) ، و البخاري( )، و النسائي في الكبرى( ) من طريق مسلم بن أبي مريم( )، عن عبد الرحمان بن جابر( )، عمن سمع النبي …الحديث  .

وقد أخرجه الحارث ( ) بن أبي أسامة ( ) ، من رواية عبد الله بن أبي بكر بن الحارث بن هشام ( ) رفعه . وقوّى الحافظ ابن حجر سنده إلا أنه مرسل( ) ، وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه ( )، إلا أنه لا يفرح به لتفرد عباد بن كثير الثقفي به ؛ وَهُوَ متروك ( ).

 

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ( مقدار التعزير )

وما دمنا قَدْ تكلمنا عن حديث أبي بردة بتفصيل ، وبينا الزيادة الواردة في بعض أسانيده ، وبينا أن هذه الزيادة لم تقدح عند الشيخين –وهما من هما في الحفظ والإتقان-؛ فسنذكر أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء .

فأقول أولاً: الْحَدِيْث أصلٌ في حد عقوبة التعزير المعينة بالجلد( ).

والتعزير لغة: مصدر عَزَرَ من العَزْر ، وهو الرد و المنع ، ويقال : عزر أخاه بمعنى نصره ؛ لأنَّهُ منع عدوه من أن يؤذيه ، ويقال : عزرته بمعنى : وقرّته ، وبمعنى أدبته ، فَهُوَ من أسماء الأضداد . وسميت العقوبة تعزيراً ؛ لأن من شأنها أن تدفع الجاني وترده عن ارتكاب الجرائم ، أو العودة إليها ( ) .

وفي الاصطلاح : هو عقوبة غير مقدرة شرعاً ، تجب حقاً لله ، أو لآدمي ، في كل معصية ليس فيها حدٌ ولا كفارة غالباً ( ). وقد اختلف الفقهاء في أعلى المقدار الذي يعاقب به من استحق التعزير بالجلد على أقوالٍ :

القول الأول: أن لا يزاد على عشر جلدات . وهو قول كثير من أهل العلم ، وبه قال الليث ( ) ، و أحمد في المشهور عَنْهُ ( ) وإسحاق ( ) ووجه عند الشافعية ( ) وبه قال الظاهرية ( ) .

وحجة أصحاب هذا القول هو حديث أبي بردة الذي سبق تفصيله وهو حديث صحيح ، ولم يقدح فيه إعلال الأصيلي وابن المنذر ( )، وقد أجاب عن الحديث و أظهر صحته الرافعي ( ) وابن حجر ( ).

وقد زعم بعض الشافعية: بأن الحديث منسوخ بإجْماع الصحابة على خلاف الْحَدِيْث ( ) . وقد أجاب عن ذلك ابن دقيق العيد ، فقال : (( وهذا ضعيف جداً ، لأنه يتعذر عليه إثبات إجماع الصحابة على العمل بِخلافه، وفعل بعضهم أو فتواه لا يدل على النسخ ))( ).

القول الثاني : لا يبلغ به الحد .

وفي تحديد المقصود من " لا يبلغ به الحد " ، مذاهب :

المذهب الأول : أن لا يبلغ بالتعزير أدنى حد مشروع ، فعلى هذا لا ينبغي أن يزاد الحد على تسعة و ثلاثين سوطاً ؛ لأن حد العبد في الخمر و القذف أربعون سوطاً . وإلى هَذَا ذهب أبو حَنِيْفَةَ ( ).

المذهب الثاني : يجب أن ينقص الجلد عن أقل حدود المعزَّر فلا يزاد العبد على تسعة عشر سوطاً ، و للحر أن لا يزاد على تسعة و ثلاثين سوطاً . وهذا هو المعتبر عند الشافعية ( ) .

المذهب الثالث: أدنى حد مشروع بالنسبة للحرِّ هو ثمانون سوطاً ، فلا يبلغ بالتعزير هذا المقدار ، وله أن يبلغ به تسعة وسبعين سوطاً .

وبه قال القاضي أبو يوسف ( ) في رواية النوادر عنه ، وزفر ( ) ، وحجته : أن اعتبار الحرية عند الناس هو الأصل ، و أقل حد للحر ثمانون جلدة .

المذهب الرابع : أن لا يتجاوز التعزير خمسة وسبعين سوطاً ، وهو قول ابن أبي ( ) ليلى ( ) ، و أحد قولي أبي يوسف ( )، ورواية عن الإمام مالك ( ) .

القول الثالث : يجوز أن يزاد التعزير على الحد إذا رأى الإمام ذلك ، و إن بلغ التعزير ما بلغ ، وهو قول الإمام مالك ( ) ، و أبي ثور ( ) ، و إحدى الروايات عن أبي يوسف ( )، وبه قال أبو جعفر الطحاوي ( ) وهو اختيار ابن تيمية ( )، وهو أن التعزير يكون بحسب كثرة الذنب في الناس و قلته و على حسب حال المذنب .

القول الرابع : أن لا يزاد في الجلد على عشرين سوطاً .

وهو المروي عن سيدنا عمر بن الخطاب في كتابه إلى أبي موسى الأشعري : (( أن لا يبلغ بنكالٍ فوق عشرين سوطاً )) ( )، وعنه رواية أخرى : أن لا يتعدَّى التعزير ثلاثين سوطاً ( ).

النموذج الثاني

حديث رِفاعة بن رافع الزُّرقي( ) ، قال: جاء رجل ورسول الله  في المسجد ، فصلى قريباً منه ، ثم انصرف  إليه ، فسلّم عليه ، فقال له رسول الله :(( أعِدْ صلاتك، فإنك لم تصل )) قال : فرجع ، فصلى نحواً مما صلى ثم انصرف إلى رسول الله ، فقال رسول الله :(( أعد صلاتك فإنك لم تصلِّ )) . فقال: يا رسول الله، كيف أصنعُ ؟ فقال:(( إذا استقبلت القبلة ، فكبر ، ثم أقرأْ بأم القرآن ، ثم أقرأ بما شئت ، فإذا ركعت ، فاجعل راحتيك على ركبتيك ، وامدد ظهرك ، فإذا رفعت رأسك ، فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ، فإذا سجدت ، فمكن سجودك ، فإذا رفعت رأسك ، فاجلس على فخذك اليسرى ، ثم اصنع ذلك في كل ركعة )).

هذا الحديث أخرجه الشَّافِعِيّ ( )، وعبد الرزاق ( )، وأحمد ( )، والدارمي ( )، والبخاري ( ) ، وأبو داود ( ) ، وابن ماجه ( ) ، و النسائي ( ) ، وابن الجارود ( )، والطحاوي ( )، وابن حبان ( )، والطبراني ( )، والدارقطني ( )، والحاكم ( )، والبيهقي ( ) ، وابن حزم ( ) من طريق علي بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه ، عن عمه رفاعة بن رافع ، فذكره .

وأخرجه الطيالسي ( ) ، وأبو داود ( ) ، والترمذي ( ) ، والنسائي ( ) ، وابن خزيمة ( )، والطحاوي ( )، والطبراني في " الكبير " ( ) ، والبيهقي ( )، والبغوي ( ) من طريق يحيى بن علي بن يحيى بن خلاّد ( ) ، عن أبيه ( ) ، عن جده ( ) ، عن رفاعة بن رافع ، فذكره . وأخرجه الطحاوي ( ) من طريق يحيى بن علي بن يحيى بن خلاّد ، عن أبيه ، عن جده رفاعة بن رافع ، فذكره .

وأخرجه الشافعي ( )، وأحمد ( )، والبخاري ( )، وأبو داود ( ) ، والطحاوي ( ) ، والطبراني ( ) ، من طريق علي بن يحيى ، عن رفاعة بن رافع ، فذكره ( ) .

هكذا اضطرب في هذا الحديث وزيد في إسناده ، وقد نوه على الاختلاف الطحاوي ( ) إلا أن هذا الحديث لم يقدح بصحته أحد – فيما أعلم – لصحته من حديث أبي هريرة ( ) ، على أن الإمام النووي صحح حديث رفاعة فقال : (( حديث رفاعة صحيح ، والطمأنينة واجبة في السجود عندنا وعند الجمهور )) ( ) .

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

( حكم الطمأنينة في الركوع والسجود ، وبين السجدتين ، والاعتدال من الركوع )

وما دمنا قَدْ تكلمنا عن تخريج حديث رفاعة بإسهاب ، فسأذكر ما له من أثر في اختلاف الفقهاء :

الطمأنينة في الركوع والسجود

اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :

الأول :

الطمأنينة في الركوع والسجود فرض فَمَنْ تَرَكَها فصلاته باطلة . وهو قول الإمام سعيد بن المسيب ( ) ، وإليه ذهب أحمد ( ) ، والشافعي ( ) ، وأبو يوسف ( ) ، وهو وجه للمالكية ( ).

ودليلهم حديث رفاعة ، وحديث أبي هريرة ولاسيما قوله للمسيء في صلاته : (( ارجع ، فصلِّ ؛ فإنكَ لم تُصلِّ )) ثم قوله بعد ذلك : (( اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً )) ( ) .

ووجه الدلالة : أن النبي جعل الصلاة الخالية من الطمأنينة كلا صلاة ، ثم أمره بعد ذلك بالطمأنينة في الركوع والسجود ، والأمر للوجوب ( ) .

الثاني :

إن الطمأنينة في الركوع والسجود واجبة وليست بفرض وهو قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن ( ) وهو وجه للمالكية ( ) . ودليلهم قوله تعالى :  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا ( ) ، وهو أمر لمطلق الركوع والسجود والركوع في اللغة هو الانحناء والميل والسجود هو التطأطؤ والخفض فإذا أتى بأصل الانحناء والوضع فقد امتثل لإتيانه بما ينطلق عَلَيْهِ الاسم فأما الطمأنينة فدوام على أصل الفعل والأمر بالفعل لا يقتضي الدوام ، وأما حديث الأعرابي – المسيء صلاته – فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخاً للكتاب ، ولكن يصلح مكملاً فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب ونفيه الصلاة على نفي الكمال وتمكن النقصان الفاحش الذي يوجب عدمها من وجه، وأمره بالإعادة على الوجوب جبراً للنقصان أو على الزجر من المعاودة إلى مثله . كالأمر بكسر دنان الخمر عند نزول تحريمها تكميلاً للغرض والحديث حجة عليهم ، لأن النبي مَكن الأعرابي من المضي في الصلاة في جميع المرات ولم يأمره بالقطع فلو لم تكن تلك الصلاة جائزة لكان الاشتغال بها عبثاً إذ الصلاة لا تمضي في فاسدها فينبغي أن لا يمكنه منه ( ) .

ورد صاحب " المغني " على دليل هذا الفريق بقوله : (( الآية حجة لنا لأن النبي فسّر الركوع بفعله وقوله فالمراد بالركوع ما بينه النبي ))( ).

أما تمكين النبي للأعرابي من إكمال الصلاة فهذا لا يقتضي صحتها ؛ لأن النبي قال له : (( إنك لم تصل )) .

أما كونه خبر آحاد فلا يصلح ناسخاً ، فهذا بعيد ؛ لأنه ليس نسخاً ، بل غاية ما فيه أنه مبين وشارح للآية الكريمة فلا تعارض بينه وبين الآية .

 

النوع السادس : الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف

 

الاختلاف في الأسانيد ملحظ مهم للرجل الذي يحب الكشف عن العلل الكامنة

في الأسانيد ؛ لأن الاختلافات تومئ إِلَى عدم ضبط الروايات وتخرج الْحَدِيْث غالباً من حيّز القبول إِلَى درجات الرد. والاختلافات الَّتِي تقدح في صحة الإسناد هِيَ الَّتِي يَكُوْن مدارها واحداً ، ومصدر خروجها واحداً، فإذا حصل الاختلاف على من هذا شأنه فهو أمر يهتم به العلماء غاية الاهتمام ؛ إذ هو يدلل على خلل طارئ من الأصل الذي روى الحديث أو من الرواة عنه . فإذا توبع الرواة على اختلاف رواياتهم فالحمل إذن على من دارت عليه الأسانيد ، فهو بلا شك حدث الجميع على أوجهٍ مختلفة متباينة فهو إذن فاقد لضبط الحديث في هذا الحديث خاصة ، وإن كان من الثقات الأثبات ومن أنواع تلك الاختلافات الكثيرة : الاختلاف في اسم الراوي ونسبه .

 

ومما اختلف الرواة فيه اختلافاً كبيراً

ما رواه الطحاوي ( ) من طريق عفان ومسدد ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله : (( أدوا زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، أو نصف صاع من بر – أو قال : قمح – عن كل إنسان صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو مملوك، غني أو فقير )) .

أقول : هذا الحديث هو حديث شيخ الزهري ثعلبة بن أبي صعير – كما في الرواية الآنفة - ، وقد اختلف في اسمه ونسبه اختلافاً كثيراً حتى إن بعض أهل العلم ضعّف الحديث به .

قال ابن حزم : (( هذا الحديث راجع إلى رجل مجهول الحال ، مضطرب عنه ، مختلف في اسمه ، مرة : عبد الله بن ثعلبة ، ومرة : ثعلبة بن عبد الله ، ولا خلاف في أن الزهري لم يلق ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة )) ( ) .

وَقَالَ الزيلعي في " نصب الراية " : (( حاصل ما يعلل به هذا الحديث أمران : أحدهما : الاختلاف في اسم أبي صُعَيْر، فقد تقدم من جهة أبي داود عن مسدد: ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صُعَيْر ، وكذلك أيضاً عن أبي داود في رواية بكر ابن وائل المتقدمة: ثعلبة بن عبد الله، أو قال: عبد الله بن ثعلبة على الشك، وعنده أيضاً من رواية محمد بن يحيى، وفيه الجزم بعبد الله بن ثعلبة بن أبي صُعَيْر، وكذلك رواية ابن جريج،وعند الدارقطني من رواية مسدد عن ابن أبي صُعَيْر، عن أبيه لم يسمه … )) ( ).

ولهذا الاختلاف الشديد مال الحافظ إلى التفريق وجعلهما اثنين فقال : (( هذا يقتضي أن يكون ثعلبة بن صُعَيْر غير ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، والله أعلم )) ( ) .

وقد حاولت جاهداً جمع طرق الحديث ، والتنقيب عن الاختلافات الواردة فيه ، وسأفصل ذلك ، فأقول :

الحديث سبق ذكره من رواية النعمان بن راشد ، وعنه حماد بن زيد وقد اختلف على هذا الطريق :

فقد أخرجه الإمام أحمد ( ) من طريق عفان بن مسلم ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه .

وأخرجه البخاري ( ) عن مسدد عن الزهري ، عن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه .

وأخرجه أبو داود ( ) ، عن سليمان بن داود ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير ، عن أبيه .

وأخرجه الفسوي ( )، عن أبي النعمان، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة ، عن أبيه .

وأخرجه ابن ( ) قانع ( )، قَالَ :حدثنا : الحسن بن المثنى ( )، قَالَ:حدثنا : عفان ، قَالَ: حدثنا : أحمد بن بشر المرثدي ( ) ، قَالَ :حدثنا : خالد بن خداش ( ) جميعاً ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه.

وأخرجه الدارقطني ( ) ، عن إسحاق بن أبي إسرائيل( ) ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن صعير أو عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن أبيه .

وأخرجه أيضاً ( )، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أو عن ثعلبة عن أبيه .

وأخرجه أيضاً ( )، عن سليمان بن حرب ( )، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه .

وأخرجه أيضاً ( ) ، عن مسدد ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير ، عن أبيه .

وأخرجه البيهقي ( ) ، عن مسدد عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه .

وأخرجه أيضاً ( ) ، عن سليمان بن داود ومسدد ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري -وفي رواية سليمان بن داود-، عن عبد الله بن ثعلبة ، وثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه .

والحديث رواه غير النعمان بن راشد ، عن الزهري ، وحصل فيه الاختلاف عينه في اسم راويه .

فقد أخرجه البخاري ( )، وأبو داود ( )، وابن أبي( ) عاصم ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن قانع ( ) ، والطبراني ( ) ، والحاكم ( ) ، وابن الأثير ( ) ، من طريق بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه .

وأخرجه أبو نعيم ( ) ، وابن حزم ( ) من طريق بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صُعير ، عن أبيه .

وأخرجه أبو نعيم ( ) من طريق بحر السقاء ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة ابن صعير ، عن أبيه .

ثم إن الحديث قَدْ اختلف فيه اختلافاً غير هذا ، واضطرب في إسناده فقد أخرجه الدارقطني ( ) من طريق سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير ، عن أبي هريرة ، به .

وأخرجه عبد الرزاق ( )، وأحمد( )، والبخاري( )، والطحاوي في شرح المعاني ( )، والدارقطني ( ) ، والبيهقي ( ) عن معمر ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، به موقوفاً ثم قال - يعني : معمراً - : وبلغني أن الزهري كان يرويه إلى النبي .

وأخرجه الدارقطني ( ) ، من طريق سليمان بن أرقم ( ) ، عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ( ) ، عن زيد بن ثابت .

وأخرجه عبد الرزاق ( ) ، والبخاري ( ) ، والدارقطني ( ) ، من طريق ابن جريج ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة ، عن النبي ( ) .

وأخرجه ابن أبي شيبة ( ) ، من طريق سفيان بن حسين ، والبخاري ( ) ، من طريق إبراهيم بن سعد الزهري ، والطحاوي ( ) ، والبيهقي ( ) كلاهما من طريق عبد الرحمان بن خالد وعقيل .

أربعتهم : ( سفيان وإبراهيم وعبد الرحمان وعقيل ) ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، به مرسلاً .

هذا ما استطعت جمعه من طرق الحديث ، وهذه الاختلافات الشديدة مضعفة للحديث للإشعار بعدم ضبط راويه .

والحديث لم يقتصر على الخلاف في سنده ، بل اختلف في متنه ، قال الدارقطني : (( واختلفوا أيضاً في متنه في حديث سفيان بن حسين عن الزهري صاعاً من القمح ، وكذلك قال النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه صاع من قمح عن كل إنسان ، وفي حديث الآخرين نصف صاع قمح، وأصحهما عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب مرسلاً )) ( ) .

قال ابن المنذر : (( لا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي يعتمد عليه ، ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه ، فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاعٍ منه يقوم مقام صاع من شعير وهم الأئمة )) ( ) .

وَقَالَ البيهقي : (( وقد وردت أخبار عن النبي في صاع من بر ، ووردت أخبار في نصف صاع ، ولا يصح شيء من ذلك ، وقد بينت علة كل واحد منهما في الخلافيات )) ( ) .

وَقَالَ ابن عبد البر: (( هذا نص في موضع الخلاف، إلا أنه لم يروه كبار أصحاب ابن شهاب ، ولا من يحتج بروايته منهم إذا انفرد )) ( ) .

 

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

لهذا الحديث أثر في الفقه الإسلامي ، إذ بنيت على هذا الحديث مسألتان فقهيتان ، وترتب في ضوء العمل بهذا الحديث ، وعدم العمل به خلاف فقهيٌّ بين أهل العلم . وسأسوق كل مسألة مفردة عن أختها .

المسألة الأولى : إجزاء نصف صاع من البر في صدقة الفطر

اختلف الفقهاء في إمكان إجزاء نصف صاع من البر في صدقة الفطر على قولين :

القول الأول : يجزئ نصف صاع من البر لصدقة الفطر

وهذا مرويٌّ عن : أبي بكر الصديق ( ) ، وعمر بن الخطاب ( ) ، وعثمان بن

 

 

عفان ( ) ، وأسماء ( ) بنت أبي بكر ( )، وعبد الله بن مسعود ( ) ، ومعاوية ( ) بن أبي سفيان ( )، والحكم ( )، وحماد ( )، وعبد الرحمان بن القاسم ( )، وسعد بن إبراهيم ( )، وعطاء ( ) ، ومجاهد ( ) ، وعروة بن الزبير ( ) ، وسعيد بن جبير ( ) ، وطاووس ( )، وعمر بن عبد العزيز ( )، وأبي سلمة بن عبد الرحمان ( )، وعبد الله ( ) ابن شداد ( )، وسعيد بن المسيب ( ) ، وغيرهم ( ).

وهو إحدى الروايتين عن : علي بن أبي طالب ( ) ، وعبد الله بن عباس ( ) ، وعبدالله( ) بن الزبير ( ) ، والحسن البصري ( ) . وذهب إلى ذلك أبو حنيفة ( ) .

والحجة لهم الحديث السابق الذكر والتفصيل .

القول الثاني : وهو أنه لا يجزئ في صدقة الفطر إلا صاع سواء كان من البر أو غيره

وهو المروي عن : عائشة ( ) ، وعبد الله بن عمر ( ) .

ومسروق ( ) ، ومحمد بن سيرين ( ) ، وأبي العالية ( ) ، وغيرهم ( ) .

وهي الرواية الثانية عن: علي بن أبي طَالِب ( )، وعبد الله بن عَبَّاسٍ ( )، وعبد الله بن الزبير ( ) ، والحسن البصري ( ) . وذهب إلى هذا الإمام مالك ( ) ، والشافعي ( ) ، وأحمد بن حنبل ( ) .

وهو أنهم لم يحتجوا بحديث ابن أبي صعير للاختلاف الكبير الذي حصل فيه ، واحتجوا لمذهبهم بما رواه زيد بن أسلم ، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري، قال : كُنّا نُخْرِجُ زَكَاة الفِطْرِ – إذْ كانَ فِينا رَسُولُ الله  - صَاعاً من طَعامٍ ، أو صَاعاً من شَعِيرٍ، أو صَاعاً من تَمْرٍ ، أو صاعاً من زَبيبٍ، أو صَاعاً من أقطٍ ، فلم نَزَلْ نُخْرِجهُ حتّى قَدِمَ معاويةُ المَدِينَةَ ، فَتَكَلّمَ ، فَكانَ فِيما كلَّمَ به النّاسَ: إنِي لأرَى مُدَّيْنِ من سَمْرَاءِ الشّامِ تَعْدلُ صَاعاً من تَمْرٍ . قال فأخذَ النَّاسُ بذلك. قال أبو سعيد : فلا أزالُ أخرجهُ كما كُنْتُ أخرجهُ ( ) .

وخالف ذلك كله ابن حزم – رحمه الله – فذهب إلى أنه لا يجزئ في زكاة الفطر إلا صاعٌ من التمر أو الشعير ، ولا يجزئ غيره ( ) .

وحجته تضعيفه لحديث ابن أبي صعير، واقتصاره على ما ورد في حديث ابن عمر: (( أن رسول الله فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير ، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، من المسلمين )) ( ) .

المسألة الثانية : إيجاب صدقة الفطر على الفقير والغني

اختلف الفقهاء في بيان ما إذا تجب زكاة الفطر على الفقير أم لا ؟

فقد ذهب أبو حنيفة إلى أن زكاة الفطر تفرض على المتمكن فقط ، ومعيار معرفة المتمكن لديه ، هو أن يملك مئتي درهمٍ ( ).

وحجته : قوله (( لا صدقة إلا عن ظهر غنىً )) ( ) .

أما الإمام مالك فقد نقلت عنه عدة روايات منها : (( أن زكاة الفطر واجبة على الذي له معيشة خمسة عشر يوماً ونحوه أو شهراً ونحوه )) ، وفي رواية قال : (( إنما هي زكاة الأبدان )) ، وفي رواية أخرى : (( إنها لا تجب على من ليس عنده )) ، وفي رواية أخرى: (( إنها واجبة على المحتاج أيضاً )) ، وفي رواية: (( إن من له أخذ زكاة الفطر فهي لا تجب عليه )) ، وفي رواية مشهورة عنه : (( إن زكاة الفطر واجبة على الفقير الذي يفضل عن قوته ، وقوت من يمونه صاعٌ كوجوبها على الغني )) ( ) .

وذهب الشافعي إلى أنه من كان عنده فضل عن قوته وقوت من يمونه، وما يوفي

به زكاته أداها عنه وعنهم، وإن لم يَكُنْ عنده إلا ما يؤدي عن بعضهم أداها عن

بعضهم، وإن لم يكن عنده سوى مؤونته ومؤونتهم في يومه فليس عليه ولا على من يمونه زكاة ( ).

وذهب إلى ذلك علي ، وأبو هريرة ، وعطاء ، وابن سيرين ( ) ، وأبو سليمان( )، وهي إحدى الروايات عن مالك كما تقدم .

وذهب الإمام أحمد إلى أن زكاة الفطر واجبة على كل من تلزمه مؤونة نفسه إذا فضل عنده عن قوته ، وقوت عياله يوم العيد ، وليلته صاعاً من أي صنف تجوز الزكاة منه ، فإن لم يفضل عنده إلا أقل من صاع فيؤديه في إحدى الروايتين عنه ، وفي الرواية الأخرى لا تجب عليه زكاة الفطر ( ) .

وذهب عبيد الله بن الحسن إلى أن من أصاب فضلاً عن غدائه وعشائه فعليه أن يأخذ ويعطي صدقة الفطر ( ) .

وهنا يأتي دور حديث ابن أبي صعير السابق الذكر والتفصيل ؛ فَهُوَ حجة لِمَنْ أوجب الصدقة عَلَى الفقير ؛ قال ابن قدامة : (( ولنا ما روي عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه ؛ أن رسول الله قال : (( أدوا صدقة الفطر … )) ( ) .

 

القسم الثاني

الاضطراب في المتن

سبق الكلام أن الاضطراب نوعان : اضطراب يقع في السند ، واضطراب يقع في المتن ، وقد شرحت الاضطراب الذي يعتري الأسانيد . أمّا هنا فسيكون الكلام على النوع الثاني ، وهو الاضطراب في المتن ؛ إذ كَمَا أن الاضطراب يَكُوْن في سند الْحَدِيْث فكذلك يَكُوْن في متنه . وذلك إذا وردنا حَدِيْث اختلف الرُّوَاة في متنه اختلافاً لا يمكن الجمع بَيْنَ رواياته المختلفة ، ولا يمكن ترجيح إحدى الروايات عَلَى البقية ، فهذا يعد اضطراباً قادحاً في صحة الْحَدِيْث ، أما إذا أمكن الجمع فَلاَ اضطراب ، وكذا إذا أمكن ترجيح إحدى الروايات عَلَى البقية ، فَلاَ اضطراب إذن فالراجحة محفوظة ( ) أو معروفة ( ) والمرجوحة شاذة ( ) أو منكرة ( ) .

وإذا كان المخالف ضعيفاً فلا تعل رِوَايَة الثقات برواية الضعفاء ( ) فمن شروط الاضطراب تكافؤ الروايات ( ) .

وقد لا يضر الاختلاف إذا كان من عدة رواة عن النبي ؛ لأن النَّبِيّ قَدْ يذكر الْجَمِيْع ، ويخبر كُلّ راوٍ بِمَا حفظه عن النَّبِيّ ( ) . وَلَيْسَ كُلّ اختلاف يوجب الضعف ( ) إنما الاضطراب الَّذِي يوجب الضعف هُوَ عِنْدَ اتحاد المدار، وتكافؤ الروايات، وعدم إمكان الجمع ، فإذا حصل هذا فهو اضطراب مضعف للحديث، يومئ إلى عدم حفظ هذا الراوي أو الرواة لهذا الحديث . قال ابن دقيق العيد : (( إذا اختلفت الروايات ، وكانت الحجة ببعضها دون بعضٍ توقف الاحتجاج بشرط تعادل الروايات ، أما إذا وقع الترجيح لبعضها ؛ بأن يكون رواتها أكثر عدداً أو أتقن حفظاً فيتعين العمل بالراجح ، إذ الأضعف لا يكون مانعاً من العمل بالأقوى ، والمرجوح لا يمنع التمسك بالراجح )) ( ) .

وَقَالَ الحافظ ابن حجر: (( الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطرباً إلا بشرطين : أحدهما استواء وجوه الاختلاف فمتى رجح أحد الأقوال قدم ، ولا يعل الصحيح بالمرجوح .

ثانيهما : مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد الْمُحَدِّثِيْن ، ويغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه ، فحينئذ يحكم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب ، ويتوقف عن الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك )) ( ) .

وَقَالَ المباركفوري : (( قَدْ تقرر في أصول الحديث أن مجرد الاختلاف ، لا يوجب الاضطراب، بل من شرطه استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجح أحد الأقوال قدم )) ( ).

وقد يكون هناك اختلاف ، ولا يمكن الترجيح إلا أنه اختلاف لا يقدح عند العلماء لعدم التعارض التام، مثل حديث الواهبة نفسها، وهو ما رواه أبو حازم ( )، عن سهل بن سعد ، قال : جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت : يا رسول الله ، إني قَدْ وهبت لك من نفسي ، فقال رجلٌ : زوجنيها ، قال : ((قَدْ زوجناكها بما معك من القرآن)).

فهذا الحديث تفرد به أبو حازم ( ) ، واختلف الرواة عنه فِيْهِ فبعضهم قال :

(( أنكحتُكها )) وبعضهم قال : (( زوجتكها )) ، وبعضهم قال : (( ملكتكها )) ، وبعضهم قال : (( مُلِّكْتَها )) وبعضهم قال: (( زوجناكها )) ، وبعضهم قال: (( فزوجه )) ، وبعضهم قال : (( أنكحتك )) ، وبعضهم قال : (( أملكتها )) ، وبعضهم قال : (( أملكتكها )) ، وبعضهم قال : (( زوجتك )) ، وبيان ذلك في الحاشية ( ) .

ومع هذا فلم يقدح هذا الاختلاف عند العلماء ، قال الحافظ ابن حجر: (( وأكثر هذه الروايات في الصحيحين ، فمن البعيد جداً أن يكون سهل بن سعد شهد هذه القصة من أولها إلى آخرها مراراً عديدة ، فسمع في كل مرة لفظاً غير الذي سمعه في الأخرى ( ) .

بل ربما يعلم ذلك بطريق القطع – أيضاً – فالمقطوع به أن النبي لم يقل هذه الألفاظ كلها في مرة واحدة تلك الساعة ، فلم يبق إلا أن يقال : إن النبي قال لفظاً منها، وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى )) ( ) .

 

أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء

لاختلاف هذه الروايات وتعددها أثر بارز في الفقه الإسلامي ، إذ بنيت على هذه الروايات اختلافات فقهية فيما يصح به عقد النكاح من ألفاظ التزويج،وعلى النحو الآتي:

أجمع العلماء على أن النكاح ينعقد بلفظ التزويج ، أو الإنكاح ، واختلفوا في انعقاد النكاح بغير ذلك من الألفاظ على مذاهب ، وهي :

 

المذهب الأول :

لا يجوز عقد النكاح إلا بلفظ الزواج أو الإنكاح ، أو التمليك أو الإمكان ، ولا يجوز بلفظ الهبة ، وهو مذهب داود الظاهري وابن حزم محتجين باختلاف الروايات الواردة في الحديث ، وقد ساق ابن حزم الروايات المختلفة ثم قال : (( كل ذلك صحيح )) ( ) ، ثم روى من طريق البخاري عن أنس بن مالك عن النَّبِيّ  : (( إنه كان إذا تكلّم بالكلمة أعادها ثلاثاً حتى تفهم عنه )) ( ) ، ثم قال : (( فصح أنها ألفاظ كلها قالها عليه الصلاة والسلام معلماً لنا ما ينعقد به النكاح )) ( ) .

المذهب الثاني

جواز عقد النكاح بأي لفظ دال على التمليك ، وهو مذهب الثوري ، والحسن بن صالح ، وأبي ثور ، وأبي عبيد ( )، وأبي حنيفة ( ) .

النموذج الأول

ما رواه الإمام أحمد بن حنبل ( ) ، عن أبي معاوية الضرير : محمد بن خازم ( ) ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ( ) ، عن أم سلمة: أن رسول الله أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر ( ) بمكة .

 

فهذا الحديث مضطرب المتن ، وقد اضطرب فيه على أبي معاوية ، ثم إن الحديث معل بالإرسال ، والصواب فيه الإرسال ، والوصل فيه خطأ أخطأ فيه أبو معاوية ، وسأتكلم عن اضطراب متنه ثم أشرح كيف أنه معل بالإرسال .

فأبو معاوية رواه عنه عدة من الرواة ، وقد تغير متن الحديث عند كل راوٍ من الرواة عن أبي معاوية فالحمل عليه إذن ، وبيان ذلك :

قَدْ روى الحديث أسد بن موسى ( ) عن أبي معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة ، قالت : أمرها رسول الله    أن توافي معه صلاة الصبح بمكة ( ) .

وقد روى الحديث أبو كريب( ): محمد بن العلاء ، عن أبي معاوية ، عن هشام، عن أبيه ، عن زينب ، عن أم سلمة ، قالت : أمرها رسول الله   أن توافي مكة صلاة الصبح يوم النحر ( ) .

ورواه عبد الله بن جعفر الرقي ( ) ، عن أبي معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة : أن النَّبِيّ   أمرها أن توافي معه يوم النحر بمكة ( ) .

ورواه أبو خيثمة : زهير بن حرب ( ) ، عن أبي معاوية ، قال : حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم سلمة : أن رسول الله   أمرها أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة ( ) .

ورواه محمد بن عَمْرو ( ) السوسي  ، عن أبي معاوية ، عن هشام ، عن أبيه ، عن زينب ، عن أم سلمة : أن النَّبِيّ  أمرها أن توافي الضحى معه بمكة يوم النحر ( ) .

ورواه يحيى بن يحيى النيسابوري ( ) ، عن أبي معاوية ، عن هشام ، عن أبيه ، عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة .

ورواه سعيد بن سليمان ، عن أبي معاوية ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن زينب بنت أم سلمة ، عن أم سلمة : أن رسول الله  أمرها أن توافيه صلاة الصبح بمكة يوم النحر ( ) : أن رسول الله أمرها أن توافي صلاة الصبح يوم النحر بمكة))( ).

هكذا اضطرب فيه أبو معاوية ، واختلف الرواة عنه فيه . قال ابن التركماني: (( مضطربٌ سنداً ومتناً )) ( ) .

وَقَالَ الطحاوي : (( تأملنا هذا الحديث ، فوجدناه إنما دار بهذا المعنى على أبي معاوية ، ووجدنا أبا معاوية قَدْ اضطرب فيه )) ( ) .

وحديث أبي معاوية معل بالإرسال - كما سبق - .

فقد رواه سفيان بن عيينة ( ) ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن أم سلمة

-رضي الله عَنْهَا - أن رسول الله أمرها أن تصلي الفجر بمكة يوم النحر ( ) .

ورواه وكيع بن الجراح  ، عن هشام ، عن أبيه : أن النَّبِيّ  أمر أم سلمة أن توافيه صلاة الصبح بمنى ( ) .

ورواه حماد بن سلمة ( )، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، أن يوم أم سلمة دار إلى يوم النحر ، فأمرها رسول الله ، فرمت الجمرة ، وصلت الفجر بمكة ( ) .

ورواه داود بن عبد الرحمان العطار ( )، وعبد العزيز الدراوردي ( ) مقرونين، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : دار رسول الله إلى أم سلمة يوم النحر فأمرها أن تعجل الإفاضة من جمع حتى تأتي مكة فتصلي بها الصبح ، وكان يومها فأحب أن توافقه وفي إحدى نسخ الشافعي : (( توافيه )) ( ) .

فهؤلاء ثقات تلامذة هشام : ( سفيان ، ووكيع ، وحماد ، وداود ، وعبد العزيز ) خمستهم رووه عن هشام ، عن أبيه مرسلاً ، وروايتهم أصح فهم أكثر عدداً ، والعدد أولى بالحفظ ( ) ، وقد نص إمام المعللين أبو الحسن الدارقطني على ترجيح الرواية المرسلة ( ) .

ونقل الأثرم عن الإمام أحمد أنه قال : (( لم يسنده غيره – يعني : أبا معاوية – وهو خطأ )) ( ) .

وهناك مناقشات أخرى لإعلال متن الحديث ذكرها ابن القيم ( ) .

وللحديث طريق أخرى ، فقد رواه الضحاك بن عثمان ( ) ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، أنها قالت : أرسل رسول الله   بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ، ثم مضت ، فأفاضت ، وكان ذلك اليوم الذي كان رسول الله  - يعني عندها - ( ) .

والحديث من هذا الوجه منكر أنكره الإمام أحمد وغيره ( ) .

 

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء

لحديث أبي معاوية أثر كبير في الفقه الإسلامي؛ فَهُوَ أصل لِمَنْ أجاز الرمي ليلاً ، وسأتكلم عن الرمي وبعض أحكامه ، ثُمَّ أفصل القول في حكم رمي جمرة العقبة ليلاً.

الرمي لغةً : يطلق بمعنى القذف ، وبمعنى الإلقاء ، يقال : رميت الشيء وبالشيء، إذا قذفته ( ) .

أما اصطلاحاً : فرمي الجمار ، وهو رمي الحصيات المعينة العدد في الأماكن

الخاصة بالرمي في منى – الجمرات – ، وليست الجمرة هي الشاخص – العمود – الذي يوجد في منتصف المرمى ، بل الجمرة هي المرمى المحيط بذلك الشاخص ، والجمرات التي ترمى ثلاث ، هي :

الجمرة الأولى : وتسمى الصغرى ، أو الدنيا ، وهي أول جمرة بعد مسجد الخيف بمنى، سميت (( دنيا )) من الدنو ، لأنها أقرب الجمرات إلى مسجد الخيف .

الجمرة الثانية : وتسمى الوسطى ، بعد الجمرة الأولى ، وقيل جمرة العقبة .

جمرة العقبة:وهي الثالثة،وتسمى أيضاً:((الجمرة الكبرى))،وتقع في آخر منى تجاه الكعبة.

وقد اتفق الفقهاء على أنّ رمي الجمار واجب من واجبات الحج قال الكاساني :

(( إن الأمة أجمعت على وجوبه )) ( ) .

ووقت رمي الجمار أربعة أيام لمن لم يتعجل ، هي : يوم النحر ، وثلاثة أيام بعده ، وتسمى أيام التشريق .

ويوم النحر ترمى جمرة العقبة وحدها ، وهنا يأتي دور حديث أبي معاوية ، وهو من أين يبدأ أول وقت الرمي ليوم النحر .

اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال :

القول الأول :

أول وقت الرمي يوم النحر الذي يجوز فيه الرمي، هو نصف الليل من ليلة النحر ، وهو قول عطاء ، وابن أبي ليلى ، وعكرمة ( ) بن خالد ( ) ، والشافعي ( ) ، وأحمد بن حنبل في أرجح الروايتين عنه ( ) .

وحجة هذا القول :

أولاً : حديث أبي معاوية السابق

قال الإمام الشافعي: (( أحب أن لا يرمي أحدٌ حتى تطلع الشمس ، ولا بأس عليه أن يرمي قبل طلوع الشمس ، وقبل الفجر إذا رمى بعد نصف الليل ؛ أَخْبَرَنَا داود( ) بن عَبْد الرحمان وعبد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي، عن هشام بن عروة، عن أبيه ، قَالَ: دار رَسُوْل الله يوم النحر إِلَى أم سلمة فأمرها أن تعجل الإفاضة من جمع حَتَّى ترمي الجمرة، وتوافي صلاة الصبح بمكة ، وَكَانَ يومها فأحب أن توافيه . أَخْبَرَنَا الثقة ( )،

 

 

عن هشام ، عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة ، عن أم سلمة ، عن النبي مثله )) ( ) .

قال البيهقي: (( كأن الشافعي –يرحمه الله– أخذه من أبي معاوية الضرير ، وقد رواه أبو معاوية موصولاً )) ( ) .

أقول : لا شك في أن الشافعي إنما أخذه من أبي معاوية ، فهو الذي تفرد بوصله هكذا ، وقد ذكر العلماء الحمل عليه فيه .

وقد شرح الطحاوي استنباط الشافعي من حديث أبي معاوية فقال : (( فاحتج الشافعي كما حكى لنا المزني عنه بهذا الحديث ، وَقَالَ : فيه ما قَدْ دل على أنه قَدْ أباحها أن تنفر من جمعٍ ، قبل طلوع الفجر؛ لأنه لا يمكن أن يكون ذلك منها مع موافاتها مكة ضحىً إلا وقد خرجت من جمع قبل طلوع الفجر لبعد ما بين مكة وجمعٍ، وفي ذلك ما قَدْ دل على أنها قَدْ كانت رمت الجمرة قبل طلوع الفجر .

قال أبو جعفر : وهذا قول لم نعلم أحداً من أهل العلم سواه قاله ( ) ، ولا ذهب إليه ، فكلهم على خلافه فيه، وعلى أنه ليس لأحد من الحاج أن يرمي جمرة العقبة في الليل قبل طلوع الفجر ، فتأملنا هذا الحديث ، فوجدناه إنما دار بهذا المعنى على أبي معاوية. ووجدنا أبا معاوية قَدْ اضطرب فيه … )) ( ) ثم دلل على ذلك .

 

ثانياً : ما صح عن عبد الله مولى أسماء

عن أسماء ، أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي ، فصلت ساعة ، ثُمَّ قالت : يا بني هل غاب القمر ؟ قلت : لا ، فصلت ساعة ثم قالت : هل غاب القمر ؟ قلت : نعم ، قالت : فارتحلوا ، فارتحلنا ومضينا ، حتى رمت الجمرة ، ثم رجعت فصلت الصبح في منْزلها، فقلت لها: هنتاه ( ) ما أرانا إلا قَدْ غَلَّسْنا ، قالت: يا بني، إن رسول الله أذن للظعن )) ( )

وقالوا : إن الأحاديث التي فيها النَّبِيّ  رمى بعد طلوع الشمس محمولة على الاستحباب ( ) .

القول الثاني

أول وقت الرمي في يوم النحر بعد طلوع الفجر من هذا اليوم ، فلا يجوز الرمي قبل هذا الوقت والمستحب بعد طلوع الشمس ، وذهب إلى هذا القول أبو حنيفة ( ) ، ومالك ( ) ، وإسحاق ، وابن المنذر ( ) ، والزيدية ( ) ، وهو رواية عن أحمد ( ) .

واحتج أصحاب هذا المذهب بما روي عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله  يقدِّم ضعفاء أهله بغلس ، ويأمرهم ، يعني : لا يرمون الجمرة حتى تطلع الشمس ( ) .

وبما رواه ابن عباس ، أن النَّبِيّ  كان يأمر نساءه وثقله صبيحة جمع أن يفيضوا مع أول الفجر بسواد ، ولا يرموا الجمرة إلا مصبحين )) ( ) .

وقد وفّق أصحاب هذا المذهب بين الحديثين بأن الأول وقت الاستحباب والثاني وقت الجواز ( ) .

 

القول الثالث

أول وقت الرمي في يوم النحر بعد طلوع الشمس ، ضحىً وهو قول مجاهد ، والثوري والنخعي ( ) ، والظاهرية ( ) .

واستدلوا بحديث ابن عباس السابق وفيه: (( لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس )).

قال ابن حزم : (( إنما نهى رسول الله عن رميها ما لم تطلع الشمس من يوم النحر )) وَقَالَ أيضاً : (( أما الرمي قبل طلوع الشمس فلا يجزئ أحداً لا امرأة ولا رجلاً )) ( ) .

النموذج الثَّانِي

مَا روي عن عَمَّار بن ياسر من أحاديث في صِفَة التيمم فَقَدْ ذكر بَعْض العُلَمَاء

أنَّ هَذَا من المضطرب ، وسأشرح ذَلِكَ بتفصيل :

فَقَدْ روى الزُّهْرِيّ، قَالَ: حَدَّثَني عبيد الله بن عَبْد الله، عن ابن عَبَّاس، عن عَمَّار بن ياسر؛ أن رَسُوْل الله    عَرَّسَ ( ) بأولات الجيش ومعه عَائِشَة فانقطع عِقدٌ لَهَا من جَزْعِ ظِفار، فحبس الناس ابتغاء عقدها ذَلِكَ، حَتَّى أضاء الفجر، وَلَيْسَ مَعَ الناس ماء فتغيظ عَلَيْهَا أبو بَكْر ، وَقَالَ : حبستِ الناس ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ ماءٌ ، فأنزل الله تَعَالَى عَلَى رسولهِ رخصة التَّطَهُّرِ بالصعيد الطيب ، فقام المسلمون مَعَ رَسُوْل الله فضربوا بأيديهم إِلَى الأرض ، ثُمَّ رفعوا أيديهم ، وَلَمْ يقبضوا من التراب شيئاً ، فمسحوا بِهَا وجوههم ، و أيديهم إِلَى المناكب ، ومن بطون أيديهم إِلَى الآباط ( ).

وَقَدْ ورد حَدِيث آخر لعمار في التيمم بلفظ : (( أن النَّبيّ  أمره بالتيمم للوجه والكفين )) ، وَفِي رِوَايَة : (( إنما يكفيك أن تَقُوْل بيديك هكذا : ثُمَّ ضرب الأرض ضربة وَاحِدَة ، ثُمَّ مسح الشمال عَلَى اليمين ، وظاهر كفيه ووجهه )) ، وَفِي رِوَايَة : ((ضرب النَّبيّ بكفيه الأرض ، ونفخ فِيْهما ، ثُمَّ مسح بهما وجهه وكفيه )) ، وَفِي رِوَايَة : (( ثُمَّ ضرب بيديه الأرض ضربة وَاحِدَة )) ، وَفِي رِوَايَة : (( وأمرني بالوجه والكفين ضربة وَاحِدَة )) ، وَفِي رِوَايَة : (( يكفيك الوجه و الكفان )) ( ).

فهذا الحَدِيْث يختلف عن الحَدِيْث الأول مِمَّا دعى بَعْض العُلَمَاء إلى الحكم عليه بالاضطراب ، قَالَ الإِمَام التِّرْمِذِي :(( ضعف بَعْض أهل العِلْم حَدِيث عَمَّار عن النَّبيّ   في التيمم للوجه و الكفين لما روي عَنْهُ حَدِيث المناكب و الآباط))( ).

وَقَالَ ابن عَبْد البـر : (( كُلّ مَا يروى في هَذَا الباب فمضطرب مختلف فِيهِ )) ( ). إلا أن بَعْض العُلَمَاء حاولوا أن يوفقوا بَيْنَ الحَدِيْث الأول والثَّانِي باعتبار التقدم و التأخر، وباعتبار أن الأول من فعلهم دُوْنَ النَّبيّ . قَالَ الأثرم : (( إِنَّمَا حكى فِيهِ فعلهم دُوْنَ النَّبيّ كَمَا حكى في الآخر أَنَّهُ أجنب ؛ فعلّمه عَلَيْهِ الصَّلاَة و السلام ))( ).

وَقَالَ ابن حبان :(( كَانَ هَذَا حَيث نزل آية التيمم قَبْلَ تعليم النَّبيّ عماراً كَيْفِيَّة التيمم ثُمَّ علمه ضربة وَاحِدَة للوجه والكفين لما سأل عمارٌ النبيَّ عن التيمم ))( ).

وذهب الحنفية إلى ترجيح روايته إلى المرفقين لحديثين أحدهما حَدِيث أبي أمامة الباهلي وحَدِيث الأسلع ( ).

وَقَالَ البَغَوِيّ : (( وما روي عن عَمَّار أَنَّهُ قَالَ: تيممنا إلى المناكب ، فَهُوَ حكاية فعله ، لَمْ ينقله عن رَسُوْل الله كَمَا حكى عن نَفْسه التمعك في حالة الجنابة ، فلما سأل النَّبيّ وأمره بالوجه والكفين انتهى إليه ، وأعرض عن فعله ))( ).

قُلْتُ : وما ذكر من توجيه عَلَى هَذَا النحو يشكل عَلَيْهِ أَنَّهُ ورد في الحَدِيْث الأول :(( فقام المسلمون مَعَ رَسُوْل الله فضربوا بأيديهم ...)).

 

أثر حَدِيثي عَمَّار في اختلاف الفُقَهَاء

لهذين الحديثين السابقين أثر في الفقه الاسلامي، فَقَدْ بنيت عَلَيْهما اجتهادات وأبين ذَلِكَ في مسألتين للفقهاء ، وسأبين ذَلِكَ في مسألتين :

المسألة الأولى : عدد ضربات التيمم

اختلف الفُقَهَاء – رحمهم الله – في عدد ضربات التيمم عَلَى قولين :

الأول : التيمم ضربة وَاحِدَة للوجه و الكفين .

روي هَذَا عن ابن عَبَّاس ( )، وعمار ( )، وعطاء ( )، وإسحاق ( )، ومكحول ( )، وداود بن عَلِيّ ( ) ، والأشهر عن الاوزاعي ( ) وَهُوَ إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن عَلِيّ ( ) ، والشَّعْبيّ ( ) ، وسعيد بن المسيب ( ) ، وإليه ذهب مَالِك ( ) وأحمد ( ) ، واختاره ابن المنذر ( ).

والحجة لهذا المذهب حَدِيث عَمَّار الثَّانِي و أسوق لفظه حَتَّى يظهر مِنْهُ الاستدلال قَالَ : (( بعثني رَسُوْل الله في حاجة فأجنبت ، فلم أجد الماء ، فتمرغت في الصعيد كَمَا تمرغ الدابة ، ثُمَّ أتيت النَّبيّ فذكرت ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ: إنما يكفيك أن تَقُوْل بيديك هكذا : ثُمَّ ضرب الأرض ضربة وَاحِدَة ، ثُمَّ مسح الشمال عَلَى اليمين ، وظاهر كفيه ووجهه )) . هَذَا لفظ رِوَايَة مُسْلِم ( ).

وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ : (( فضرب النَّبيّ بيده الأرض فمسح وجهه وكفيه ))( ).

وَفِي رِوَايَة أخرى قَالَ : (( يكفيك الوجه والكفين ( ) ))( ).

وَفِي أخرى : (( فمسح وجهه وكفيه وَاحِدَة )) .

واعترض عَلَى هَذَا الاستدلال : بأن المراد بِذَلِكَ : بيان صورة الضرب للتعليم ، وَلَيْسَ المراد بيان جَمِيْع مَا يحصل بِهِ التيمم( ).

وأجيب : بأن سياق القصة يدل عَلَى أَنَّ المراد بيان جَمِيْع ذَلِكَ ؛ لأن ذَلِكَ هُوَ الظاهر من قوله عَلَيْهِ الصَّلاَة والسلام : (( إِنَّمَا يكفيك أن تَقُوْل هكذا… )) وقوله في إحدى الروايات : (( يكفيك الوجه و الكفان )) صريح في ذَلِكَ ( ).

القَوْل الثَّانِي : التيمم ضربتان : ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة ( ) ، والشَّافِعيّ ( ). وَقَدْ روي ذَلِكَ عن ابن عُمَر ( ) ، وجابر ( ) ، والحَسَن  البصري ( ) ، وسالم ( ) ، وعبد العزيز بن أبي سلمة ( ) ، وطاووس ( ) ، والزُّهْرِيّ ( ) ، والثَّوْرِيّ ( ) ، والليث ( ) ، وَهُوَ رِوَايَة عن عَلِيّ ( ) ، والشعبي ( ) ، وابن المسيب ( ) ، والأوزاعي ( ) ، واستحب ذَلِكَ أبو ثور ( ).

والحجة لهذا القَوْل : من القُرْآن و السُّنَّة .

فالقرآن قوله تَعَالَى:   فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ( ) ، ثُمَّ ذكر الباري - جل شأنه - التيمم فَقَالَ : فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ( ).

وجه الاستدلال :

إن الله تَبَارَكَ و تَعَالَى ذكر أعضاء الوضوء الأربعة في صدر الآية ، ثُمَّ أسقط مِنْها عضوين في التيمم في آخرها ، فبقي العضوان في التيمم عَلَى ماذكرهما في الوضوء ؛ وَقَدْ ذَكَرَ في الوضوء:غسل اليدين إِلَى المرفقين؛فهما كَذلِكَ في التيمم؛إذ لَوْ اختلفا لبينهما( ).

أما السُّنَّة فما روي عن جابر عن النَّبيّ قَالَ :(( التيمم ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين )).

أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ ( )، والحَاكِم ( )، والبَيْهَقِيّ ( )، وَفِي إسناده عُثْمَان بن مُحَمَّد الأنماطي ( ) متكلم فِيهِ ( ) ، وَهُوَ معلول بالوقف قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ عقب تخريجه : (( الصَّوَاب مَوْقُوْف )) .

وما روي عن ابن عُمَر عن النَّبيّ قَالَ :(( التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين )). رَواهُ الطبراني ( ) ، والدَّارَقُطْنِيّ ( ) ، والحَاكِم ( ) ، وابن عدي ( ) من طريق عَلِيّ بن ظبيان ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عُمَر ، بِهِ . وَهُوَ حَدِيث ضَعِيْف لا يصح مرفوعاً لتفرد عَلِيّ بن ظبيان برفعه وَهُوَ ضَعِيْف قَالَ عَنْهُ النَّسَائِيّ : (( كوفيٌّ متروك الحَدِيْث )) ( ).

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : (( هكذا رَواهُ عَلِيّ بن ظبيان مرفوعاً ، ووقفه يَحْيَى القطان ، وهشيم وغيرهما )) ( ). وَكَذَلِكَ قَالَ الحَاكِم ( ) ، ومن قبلهم جميعاً أبو زرعة الرَّازِيّ ( ).

وحديث عَائِشَة -رضي الله عَنْهَا - قَالَتْ: (( لما نزلت آية التيمم ضرب رَسُوْل الله بيده عَلَى الأرض فمسح بِهَا وجهه ، وضرب بيده الأخرى ضربة فمسح بِهَا كفيه )).

أخرجه البزار ( ) ، وابن عدي ( ) من حَدِيث الحريش بن الخريت، عن ابن أبي ملكية، عن عائشة ، بِهِ .

أقول : قَدْ تفرد بِهِ الحريش نَصَّ عَلَيْهِ البزار ( ) ، والحريش ضَعِيْف قَالَ الهيثمي ( ) : (( رَواهُ البزار ، وفيه الحريش بن الخريت ضعفه أبو حاتم ، وأبو زرعة ، والبُخَارِيّ ))( ). وهذه الأحاديث ضعّفها ابن المنذر فَقَالَ: (( أما الأخبار الثَّلاثَة الَّتِي احتج بِهَا من رأى أن التيمم ضربتين ( ) ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين ، فمعلولة كلها ، لا يجوز أن يحتج بشيءٍ مِنْها ))( ).

 

المسألة الثانية : المقدار الواجب مسحه في التيمم

اختلف الفُقَهَاء في المقدار الواجب مسحه في فرض التيمم عَلَى أقوال :

القَوْل الأول : يَجِبُ مسح اليدين إلى الإبطين ، وَهُوَ مَذْهَب الإمام الزُّهْرِيّ ( )، وحجته : حَدِيث عَمَّار الأول السابق الذكر :(( تيممنا مَع رَسُوْل الله فمسحنا بوجوهنا وأيدينا إلى المناكب )).

وَقَدْ أجاب ابن حزم عَلَى هَذَا الاستدلال بقوله :(( هَذَا أثر صَحِيْح إلا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَص ببيان أن رَسُوْل الله أمر بِذَلِكَ ، فيكون ذَلِكَ حكم التيمم وفرضه ، وَلاَ نَص بيان بأنه عَلَيْهِ السلام عَلِمَ بِذَلِكَ فأقره ، فيكون ذَلِكَ ندباً مستحباً))( ).

ويجاب عَلَى قَوْل ابن حزم بأن الحَدِيْث ورد فِيهِ : (( مَعَ رَسُوْل الله )) فهذا يدل عَلَى أَنَّهُ حصل بعلم النَّبيّ ، ومثل هَذَا يعدُّ من قبيل المَرْفُوْع ، قَالَ ابن الصَّلاح: (( قَوْل الصَّحَابيّ : (( كنا نفعل كَذَا أو كنا نقول كَذَا )) إن لَمْ يضفه إلى زمان رَسُوْل الله فَهُوَ  من قبيل المَوْقُوْف ، وإن أضافه إلى زمان رَسُوْل الله ، فالذي قطع بِهِ أبو عَبْد الله بن البيع ( ) الحافظ ، وغيره من أهل الحَدِيْث وغيرهم أن ذَلِكَ من قبيل المَرْفُوْع )) ( ).

لَكِنْ سبق القَوْل عن الحَدِيْث بأن بعضهم أعله بالاضطراب ، وبعضهم جعله من اجتهاد عَمَّار قَبْلَ نزول آية التيمم ، والله أعلم .

القَوْل الثَّانِي: ذهب الحنفية إلى أن الواجب في التيمم المسح إلى المرفقين ( )، واحتجوا بأحاديث جابر وعائشة وابن عُمَر ، وَقَدْ سبق النقل في تضعيفها ، وبيان عللها ، واحتجوا كَذلِكَ . بحديث الربيع بن بدر ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأسلع( )، قَالَ: أراني كَيْفَ علّمه رَسُوْل الله التيمم ، فضرب بكفيه الأرض ، ثُمَّ نفضهما ، ثُمَّ مسح بِهما وجهه،ثُمَّ أَمَرَّ عَلَى لحيته،ثُمَّ أعادهُما إلى الأرض فمسح بهما الأرض، ثُمَّ دلك إحداهما بالأخرى، ثُمَّ مسح ذراعيه ظاهرهِما وباطنهما ))،هَذَا لفظ إِبْرَاهِيم الحربي، وقَالَ يَحْيَى بن إسحاق ( ) في حديثه: فأراني رَسُوْل الله كَيْفَ أمسح فمسحت، قَالَ : فضرب بكفيه الأرض ، ثُمَّ رفعهما لوجهه ، ثُمَّ ضرب ضربة أخرى فمسح ذراعيه باطنهما وظاهرهُما، حَتَّى مس بيديه المرفقين )). أخرجه الطبراني( )، والدَّارَقُطْنِيّ( )، والبيهقي( ).

قَالَ الهيثمي : (( فِيهِ الربيع بن بدر ، وَقَدْ أجمعوا عَلَى ضعفه )) ( ) .

قَالَ البَيْهَقِيّ : (( الربيع بن بدر ضَعِيْف إلا أَنَّهُ غَيْر مُنْفَرِد بِهِ )) ( ).

وَقَدْ ردَّ عَلَيْهِ ابن دقيق العيد ، فَقَالَ : (( قَوْل البَيْهَقِيّ : إنه لَمْ ينفرد بِهِ ، لا يكفي  في الاحتجاج حَتَّى ينظر مرتبته ، ومرتبة مشاركه ، فليس كُلّ من يوافق مَعَ غيره في الرِّوَايَة يَكُون موجباً للقوة و الاحتجاج ))( ).

واحتجوا كَذلِكَ بحديث أبي أمامة عن النَّبيّ قَالَ : (( التيمم ضربة للوجه ، وضربة لليدين إلى المرفقين )) ، قَالَ الهيثمي: (( رَواهُ الطبراني في الكبير ، وفيه جَعْفَر بن الزُّبَيْر( ) قَالَ شُعْبَة فِيهِ : وضع أربع مئة حَدِيث )) ( ) .

وَقَد احتجوا بالقياس قَالَ السرخسي :(( التيمم بدل عن الوضوء ، ثُمَّ الوضوء في اليدين إلى المرفقين ؛ فالتيمم كَذلِكَ ، وتقريره : أَنَّهُ سقط في التيمم عضوان أصلاً ، وبقي عضوان ، فيكون التيمم فِيْهَا كالوضوء في الكل ، كَمَا أن الصَّلاَة في السفر سقط مِنْهُ ركعتان كَانَ الباقي مِنْها بصفة الكمال ؛ ولهذا شرطنا الاستيعاب في التيمم ))( ).

أما الشافعية: فَقَدْ ذهبوا أيضاً إِلَى أن المسح إِلَى المرفقين ، وإِلَى دخول المرفقين في التيمم ( ). استدلالاً بقوله تَعَالَى : (( وأيديكم مِنْهُ ))( ) فقالوا : إطلاق اسم اليد يتناول المنكب فدخل الذراع في عموم الاسم ، ثُمَّ اقتصر في التيمم عَلَى تقييده بالوضوء بِهِ . وأخرج الشَّافِعيّ من حَدِيث الأعرج عن ابن الصِّمَّة ( ) ، قَالَ : إن رَسُوْل الله تيمم فمسح وجهه وذراعيه ( ).

إلا أن الحَدِيْث معلول بالانقطاع؛ لأن الأعرج ( ) لَمْ يَسْمَع من ابن الصِّمَّة ( ) ونقل أَبُو ثور ، والزعفراني ( ) ، عن الإِمَام الشَّافِعيّ في القديم أَنَّهُ قَالَ : إِلَى الكوعين . وَقَدْ ردّ النووي هَذَا النقل ( ).

القَوْل الثَّالِث: إن مسح اليدين إلى الرسغ روي هَذَا عن عَلِيّ ( ) ، وَهُوَ مَذْهَب الإمام أحمد ( )، و الزيدية ( ) ، والظاهرية ( ) . ودليلهم هُوَ أن مسح الكفين إلى الرسغ هُوَ أقل مَا يقع عَلَيْهِ اسم اليدين ، و استدلوا أيضاً بحديث عَمَّار الثَّانِي .

 

النموذج الآخر

أخرج الإمام أحمد ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، والخطيب في تاريخه ( ) من طريق :  روح ( ) ، قَالَ : حَدَّثَنَا ابن جريج ( ) ، قَالَ : أخبرني عَبْد الله بن مُسافع ( ) ، أن مصعب بن شَيْبَة ( ) أخبره ، عن عُقْبَة بن مُحَمَّد بن الحارث ( )، عن عَبْد الله بنجَعْفَر( )، عن النَّبيّ ، قَالَ:(( من شك في صلاته ، فليسجد سجدتين ، وَهُوَ جالس)). فهذا الحَدِيْث اختلف في لفظه الأخير ، فَقَدْ أخرجه النَّسَائِيّ ( ) من طريق حجاج ( ) وروح مقرونين ، عن ابن جريج ، عن عَبْد الله بن مسافع ، عن مصعب بن شَيْبَة ، عن عتبة بن مُحَمَّد ، عن عَبْد الله بن جَعْفَر ، بِهِ : قَالَ النَّسَائِيّ : (( قَالَ حجاج : (( بعدما يسلم )) ، وَقَالَ روح : (( وَهُوَ جالس )) ))( ).

وأخرجه النَّسَائِيّ ( ) أيضاً من طريق الوليد بن مُسْلِم وعبد الله بن المبارك فرّقهما؛ كلاهما (الوليد ، وابن المبارك) عن ابن جريج ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسافع ، عن عتبة ( ) بن مُحَمَّد ، عن عَبْد الله بن جَعْفَر ( )، بِهِ بلفظ : (( بعدما يسلم )) ، وَفِي بعضها : (( بَعْدَ التسليم )) . أخرجه أحمد ( ) ، وأبو دَاوُد ( ) ، و النَّسَائِيّ ( ) ، و البَيْهَقِيّ ( ) ، والمزي( ) من طريق حجاج ، و أخرجه أحمد ( ) عن روح .

كلاهما ( حجاج وروح ) عن ابن جريج ، عن عَبْد الله بن مسافع ، عن مصعب ابن شَيْبَة ، عن عتبة بن مُحَمَّد ، عن عَبْد الله بن جَعْفَر، به بلفظ: (( بعدما يسلم )) وَفِي بعضها : (( بَعْدَ أن يسلم )).

فهذا الحَدِيْث اضطرب في لفظه:(( وَهُوَ جالس)). ويفهم مِنْهُ أَنَّهُ قَبْلَ التسليم، والرِّوَايَة الأخرى: (( بعدما يسلم )).

 

أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

حكم الشك في عدد ركعات الصَّلاَة

من شك في صلاته فلم يدر أصلى اثنين أم ثلاثاً ، أو ثلاثاً أم أربعاً ، أو وَاحِدَة أم اثنتين فماذا يعمل ؟ حصل خِلاَف في ذَلِكَ بَيْنَ أهل العِلْم ، عَلَى أقوالِ:-

القَوْل الأول: ذهب جَمَاعَة من الفُقَهَاء إِلَى أن من شك في صلاته زيادة أو نقصاً في عدد الركعات يبني عَلَى غالب ظنه . وَهُوَ مرويٌّ عن أنس بن مَالِك ( ) ، وأبي زيد الأنصاري ( ) ، وإبراهيم النخعي ( ) ، و الحَسَن البصري ( ) ، وعطاء ( ). وَهُوَ مَذْهَب الظاهرية ( ). و الحجة لَهُمْ :

الحَدِيْث السابق .

وحديث أَبِي هُرَيْرَة مرفوعاً :(( إذا لَمْ يدر أحدكم كم صلى ثلاثاً أو أربعاً فليسجد سجدتين وَهُوَ جالس )) ( ).

وحديث ابن مَسْعُود مرفوعاً : (( إنما أنا بشرٌ ، فإذا نسيت فذكروني ، إذا أوهم أحدكم في صلاته فليتحر أقرب ذَلِكَ من الصَّوَاب ، ثُمَّ ليتم عَلَيْهِ ، ثُمَّ يسجد سجدتين ))( ).

القَوْل الثَّانِي : هُوَ قَوْل الإمام أحمد – التفصيل بَيْنَ الإمام و المأموم ، وَفِي كليهما رِوَايَتَانِ ، فنقل الأثرم عَنْهُ أن الإمام يبني عَلَى غالب الظن ، وفيه رِوَايَة أخرى البناء عَلَى اليقين ، وَهِيَ الَّتِي صححها أبو الخطاب ( ) ، أما إذا كَانَ منفرداً أو مأموماً فيبني عَلَى اليقين وفيه رِوَايَة أخرى أَنَّهُ يبني عَلَى غلبة الظن ( ) .

القَوْل الثَّالِث:- وَهُوَ قَوْل أبي حَنِيْفَة –إن كَانَ شكه في ذَلِكَ مرة ، بطلت صلاته، وإن كَانَ الشك يعتاده ويتكرر لَهُ ، يبني عَلَى غالب الظن بحكم التحري ، فإن لَمْ يقع لَهُ ظن بنى عَلَى الأقل ( ).

و الحجة لهذا المذهب : مَا روي من حَدِيث عَبْد الرحمان بن عوف مرفوعاً: (( إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر واحدةً صلى أو اثنتين فليبن عَلَى وَاحِدَة، فإن لَمْ يدر ثنتين صلى أو ثلاثاً فليبن عَلَى ثنيتين ، فإن لَمْ يدر ثلاثاً صلى أو أربعاً فليبن عَلَى ثلاث، وليسجد سجدتين قَبْلَ أن يسلم ))( )، قَالَ التِّرْمِذِي عَنْهُ:(( هَذَا حَدِيث حَسَن صَحِيْح))( ). وَقَدْ شدد ابن حزم النكير عَلَى هَذَا القَوْل ( ).

القَوْل الرابع : قالوا : من شك في صلاته فلم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً ، فعليه أن يبني عَلَى مَا استيقن .

وهذا القَوْل مروي عن أبي بَكْر، وعمر، وابن مَسْعُود ( )، وعلي بن أبي طَالِب ( )، وابن عُمَر ( ) ، وابن عَبَّاس ( ) ، وبه قال سعيد بن جبير ( )، وعطاء ( )، والأوزاعي ( )، والثَّوْرِيّ ( )، وإليه ذهب المالكية ( )، والشافعية ( ).

والحجة لأصحاب هَذَا القَوْل : مَا صَحَّ عن أبي سعيد الخُدْرِيّ ؛ أن رَسُوْل الله قَالَ : (( إذا شك أحدكم في صلاته فَلَمْ يدركم صلى فليبنِ عَلَى اليَقِيْن ، حَتَّى إذا استيقن أن قَدْ أتم فليسجد سجدتين )) ( ) .

 

 

المبحث الثاني : الاختلاف في الزيادات

تمهيد :

الزيادات الواقعة في المتون أو الأسانيد لَها أهمية بالغة عِنْدَ عُلَمَاء الحَدِيْث ؛ إذ أن لَهَا عندهم مجال نظرٍ وبحثٍ واسع . وَلَمْ يَكُنْ أمرها عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ اعتباطياً ، ثُمَّ إن الزيادات الواردة في المتون أو الأسانيد قَدْ كشفت عن قدرات المتكلمين فِيْهَا ، وأبانت عن قدرات محدّثي الأمة وصيارفة الحَدِيْث في النقد و التعليل و الكشف و التصحيح والتضعيف .

والزيادات الواردة في بَعْض الأماكن دُوْنَ بَعْض نَوْع من أنواع الاختلاف سَوَاء كَانَ في المَتْن أم في السَّنَد. ومَعْرِفَة الزيادات هِيَ إحدى قضايا علل الحَدِيْث الَّتِي مرجعها إلى الاختلاف بالروايات. واختلاف الرواة في بَعْض الأحايين سنداً أو متناً أمرٌ طبيعيٌّ ولا غرابة فِيهِ ، إذ إن الرواة يبعد أنْ يكونوا جميعاً في مستوى واحد من التيقظ و الضَّبْط والحفظ ، وليسوا في مستوى واحد من الاهتمام و التثبت والدقة . واختلاف المقدار قَدْ يَكُون مداه طويلاً من حِيْن تلقي الأحاديث من أصحابها إلى حِيْنَ أدائها ، إذ إن شرط الضَّبْط أن يَكُون من حِيْن التحمل إلى حِيْن الأداء ( )، وما دامت المواهب متفاوتة حفظاً وضبطاً فإن الاختلاف في الزيادات واردٌ لا محالة . فالرواة مِنْهُمْ من بَلَغَ أعلى مراتب الحفظ و الإتقان ، ومنهم دُوْنَ ذَلِكَ ومنهم أدنى بكثير  .

ثُمَّ إن الرواة كثيراً مَا يشتركون في سَمَاع الحَدِيْث الواحد من شيخ واحد ، فحين يحدِّثون بهذا الحَدِيْث بَعْدَ فترة من الزمن يَكُون الاختلاف بينهم بحسب مقدار حفظهم وتيقظهم وتثبتهم .

عَلَى أن أحد الرواة الثِّقات لَوْ زاد زيادة لَمْ تكن عِنْدَ البقية فإن ذَلِكَ لا يَقْدَح بصدقه وعدالته وضبطه ، قَالَ الحافظ ابن حجر: (( إن الواحد الثِّقَة إذا كَانَ في مجلس جَمَاعَة، ثُمَّ ذكر عن ذَلِكَ المجلس شيئاً لا يمكن غفلتهم عَنْهُ ، وَلَمْ يذكره غيره، إن ذَلِكَ لا يَقْدَح في صدقه ))( ).

إلاّ إذا كثر ذَلِكَ مِنْهُ فإنه مجال بحث ونظر عِنْدَ المُحَدِّثِيْنَ ، فمن أكثر من ذَلِكَ فَهُوَ مكثر من المخالفة ، وكثرة المخالفة منافية للضبط ، إذ إن الضَّبْط يعرف بموافقة الرَّاوِي للثقات الضابطين( ). ومن ذَلِكَ مَا نقل عن الإمام أحمد بن حَنْبَل في ترجمة حجاج بن أرطاة ، فَقَدْ قَالَ أبو طالب عن أحمد بن حَنْبَل: كَانَ من الحفاظ. قِيلَ: فَلِمَ لَيْسَ هُوَ عِنْدَ الناس بذاك ؟ قَالَ: لأن في حديثه زيادة عَلَى حَدِيث الناس ، لَيْسَ يكاد لَهُ حديثٌ إلا فِيهِ زيادة ( ).

ثُمَّ إن مَعْرِفَة الزيادات تَكُون بجمع الطرق و الأبواب( ) والزيادات الَّتِي هِيَ مجال نظر وبحث إنما هِيَ الَّتِي تَكُون من بَعْدِ الصَّحَابَة ، أما من الصَّحَابَة فهي مقبولة اتفاقاً ( ).

والزيادات في الأحاديث تَكُون من الثِّقات ومن الضعفاء ، و الزيادة من الضَّعِيف غَيْر مقبولة ؛ لأن حديثه مردود أصلاً سَوَاء زاد أم لَمْ يزد ( ) . أما الزيادة من الثِّقَة فهي مجال بحثنا هنا .

وَقَدْ قسمت الْحَدِيْث عَنْهَا في مطالب .

المطلب الأول : تعريفها

وزيادة الثِّقَة : هِيَ مَا يتفرد بِهِ الثِّقَة في رِوَايَة الحَدِيْث من لفظة أو جملة في السَّنَد  أو المَتْن .

 

المطلب الثَّانِي : أقسام زيادة الثِّقَة

فعلى هَذَا التعريف هِيَ تنقسم قِسْمَيْن :

القِسْم الأول : الزيادة في السَّنَد ، وكثيراً مَا يَكُون اختلاف الرواة في وصل الحَدِيْث وإرساله ، وكذا في رفعه ووقفه أو زيادة راو( ).

والقسم لثاني : وَهِيَ أن يَرْوِي أحدُ الرواة زيادة لفظة أو جملة في متن الحَدِيْث لا يرويها غيره( ).

وما دمتُ قدمتُ إضاءة عن زيادة الثِّقَة ، فسأتكلم عن مذاهب العُلَمَاء في رد  زيادة الثِّقَة أو قبولها.

 

المطلب الثَّالِث : حكم زيادة الثقة

إن الزيادة في المَتْن إذا جاءت من الثِّقَة فَلاَ تخرج الرِّوَايَة عن ثلاثة أمور :

أن يختلف المجلس ، أي مجلس السَّمَاع فتقبل الرِّوَايَة الزائدة إذا اختلف المجلس لاحتمال سَمَاع الرَّاوِي لهذه الزيادة في مجلس لَمْ يَكُنْ فِيهِ أحدٌ مِمَّنْ سَمِعَ الحَدِيْث في المجلس الأول ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ : (( زعم الأبياري وابن الحاجب والهندي وغيرهم أَنَّهُ لا خِلاَف في هَذَا القِسْم ، وَلَيْسَ كَذلِكَ ))( ).

أن لا يعلم الحال هَلْ تعدد المجلس أم اتحد ، فألحقها الأبياري بالتي قبلها أي تقبل بلا خلاف ، وَقَالَ الهندي :(( ينبغي أن يَكُون فِيْهَا خِلاَف يترتب عَلَى الخلاف في الاتحاد و أولى بالقبول ؛ لأن المقتضي لتصديقه حاصل والمعارض لَهُ غَيْر محقق ))( ) ، وَقَالَ الآمدي : حكمه حكم المتحد وأولى بالقبول؛ نظراً إِلَى احتمال التعدد ، وأشار أبو الْحُسَيْن في " المعتمد " ( ) إلى التوقف والرجوع إلى الترجيح ثُمَّ قَالَ : والصَّحِيح أن يقال : يَجِبُ حمل الخبرين عَلَى أنهما جريا في مجلسين . وَقَالَ ابن دقيق العيد قِيلَ: إن احتمل تعدد المجلس قبلت الزيادة اتفاقاً وهذا فِيهِ نظر في بَعْض المواضع ( ).

أما إذا اتحد المجلس فَقَدْ اختلف في قبول الزيادة عَلَى عدّة أقوال ، مِنْها :-

قِيلَ تقبل مطلقاً سَوَاء كَانَتْ الزيادة من الرَّاوِي بأن يرويها مرة ويتركها مرة أو من غيره ، وسواء تعلق بِهَا حكم شرعي أم لا ، وسواء غيرت الحكم الثابت أم لا ، وسواء أوجبت نقصاً ثبت بخبر لَيْسَ في تِلْكَ الزيادة أم لا ، وسَوَاء كثر الساكتون عَنْهَا أم لا ، وهذا مَا ذهب إِليهِ جُمْهُور الفُقَهَاء والمُحَدِّثِيْنَ والأصوليين كَمَا صرح بِذَلِكَ الْخَطِيْب ( ). وَقَالَ السخاوي:(( وجرى عَلَيْهِ النَّوَوِيّ في مصنفاته وَهُوَ ظاهر تصرف مُسْلِم في صحيحه ))( ) ، وَهُوَ أيضاً مَا ذهب إِليهِ الحَاكِم ( ) ، وابن حزم ( ) ، و أَبُو إسحاق ( ) الشيرازي ( ) ،

وإمام الحرمين ( ) ، والغزالي ( )، وابن الصَّلاح ( )، وغيرهم( ) وذهبوا إلى أن الرَّاوِي إذا انفرد برواية خبر واحَد دُوْنَ الثقات قُبِلَ ذَلِكَ الخبر مِنْهُ، فكذلك الزيادة ؛ لأَنَّهُ عدل .

وَقِيلَ : لا تقبل الزيادة مطلقاً وهذا مَا نقل عن معظم الحنفية ، وعزاه السمعاني لبعض أهل الحَدِيْث، وَقَالَ الشَّافِعيّ (( من تناقض القَوْل الجمع بَيْنَ قبول رِوَايَة القِرَاءة الشاذة في القُرْآن ورد الزيادة الَّتِي ينفرد بِهَا بَعْض الرواة، وحق القُرْآن أن ينقل تواتراً بخلاف الأخبار . وما كَانَ أصله التواتر وقبل فِيهِ زيادة الواحد ، فلأن يقبل فِيهِ مَا سواه الآحاد أولى )) وحكاه الْقَاضِي عَبْد الوهاب ( ) عن أبي بَكْر الأبْهري وغيره من أصحابهم ( ).

وَقِيلَ: لا تقبل من الثِّقَة إذا كَانَتْ من جهته ، أي أَنَّهُ رَواهُ ناقصاً ثُمَّ رَواهُ بالزيادة ، وتقبل من غيره من الثِّقات ، وَهُوَ قَوْل جَمَاعَة من الشافعية كَمَا حكاه الخطيب( ).

ذهب ابن دقيق العيد إلى أَنَّهُ إذا اتحد المجلس فالقول للأكثر ، سَوَاء كانوا رواة الزيادة أو غيرهم ، تغليباً لجانب الكثرة فإنها عن الخطأ أبعد، فإن استووا قُدِّمَ الأحفظ والأضبط ، فإن استووا قُدِّمَ المثبت عَلَى النافي، وَقِيلَ: النافي؛ لأن الأصل عدمها . والتحقيق أن الزيادة إن نافت المزيد عَلَيْهِ أحتج للترجيح لتعذر الجمع... وإن لَمْ تنافه لَمْ يحتج إلى الترجيح ، بَلْ يعمل بالزيادة إذا أثبتت كَمَا في المطلق و المقيد( ).

قَالَ أبو نصر بن الصباغ ( ) : (( إذَا رَوَى خبراً واحداً راويان فذكر أحدهما زيادة في خبره لَمْ يروها الآخر ، نظرت فإن رويا ذَلِكَ عن مجلسين كَانَا خبـرين وعمل بهما وإن رويا ذَلِكَ عن مجلس واحد فَهُوَ خبر واحد ، فإن كَانَ الَّذِي نقل الزيادة واحداً والباقون جَمَاعَة لا يجوز عَلَيْهِمْ الوهم ، سقطت الزيادة ؛ لأَنَّهُ لايجوز أن يَسْمَع جَمَاعَة كلاماً واحداً فيحفظ الواحد ويهم الجماعة ، وإن كَانَ الذين نقلوا الزيادة عدداً كبيراً ، فالزيادة مقبولة، وإن كَانَ الَّذِي رَوَى الزيادة واحداً والذي سكت عَنْهَا واحداً أيضاً فإن كَانَ الَّذِي رَوَى الزيادة معروفاً بقلة الضَّبْط كَانَ مَا رَواهُ المعروف بالضبط أولى ، وإن كَانَا ضابطين ثقتين كَانَ الأخذ بالزيادة ))( ).

وَقَالَ الآمدي ( ) : (( إن كَانَ من لَمْ يرو الزيادة قَدْ انتهوا إلى عدد لا يتصور في العادة غفلة مثلهم عن سَمَاع تِلْكَ الزيادة وفهمها ، فَلاَ يخفى إن تطرق الغلط و السهو إلى واحد فِيْمَا نقله من الزيادة يَكُون أولى من تطرق ذَلِكَ إلى العدد المفروض فيجب  ردها ، وإن لَمْ ينتهوا إلى هَذَا الحد فَقَدْ اتفق جَمَاعَة الفُقَهَاء و المتكلمين عَلَى وجوب قبول الزيادة، خلافاً لجماعة من المُحَدِّثِيْنَ و لأحمد بن حَنْبَل في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ )) ( ).

وذهب إلى هَذَا القَوْل ابن الحاجب ( ) والقرافي وغيرهما ( )، وَقَالَ أبو الخطاب الكلوذاني : (( إن كَانَ ناقل الزيادة جَمَاعَة كثيرة فالزيادة مقبولة والواحد قَدْ وهم ، وإن كَانَ راوي الزيادة واحداً وراوي النقصان واحداً قدّم أشهرهما بالحفظ والضَّبْط والثِّقَة ، وإن كَانَا سواءً في جَمِيْع ذَلِكَ فذكر شَيْخُنَا ( ) عن أحمد رِوَايَتَيْنِ : أحدهما : أن الأخذ بالزيادة أولى ، قَالَهُ في رِوَايَة أحمد بن قاسم و الميموني( ) ، وبه قَالَ عامة الفُقَهَاء والمتكلمين. والأخرى الزيادة مطروحة . أومأ إليه في رِوَايَة المروذي و أبي طالب ، وبه قَالَ جَمَاعَة من أصحاب الحَدِيْث . وَلَيْسَ هذِهِ الرِّوَايَة في هذِهِ الصورة ، وإنما قالها أحمد في جَمَاعَة رووا حديثاً انفرد أحدهم بزيادة ، فرجح رِوَايَة الجماعة ، فأما فِيْمَا ذكرنا من هذِهِ الصورة فَلاَ أعلم عَنْهُ مَا يدل عَلَى اطراح الزيادة ))( ) .

إذَا كَانَت الزيادة تغير إعراب الباقي كانا متعارضين فتردُّ الزيادة ، وَهُوَ مَاذهب إِليهِ الأكثرون كَمَا حكاه الهندي ( )، وَقَالَ الرازي : (( الرواي الواحد إذَا رَوَى الزيادة  مرة وَلَمْ يروها غَيْر تِلْكَ المرة ، فإن أسندهما إلى مجلسين قبلت الزيادة ، سَوَاء غيرت إعراب الباقي أو لَمْ تغير ، وإن أسندهما إلى مجلس واحد ، فالزيادة إن كَانَتْ مغيرة للإعراب تعارضت روايتاه كَمَا تعارضتا من راويين وإن لَمْ تغير الإعراب فإما أن تَكُون روايته للزيادة مرات أقل من مرات الإمساك أو بالعكس ، أو يتساويان : فإن كَانَتْ مرات الزيادة أقل من مرات الإمساك : لَمْ تقبل الزيادة ؛ لأن حمل الأقل عَلَى السهو أولى من حمل الأكثر عَلَيْهِ ، اللهم إلا أن يَقُول الرَّاوِي: إني سهوت تِلْكَ المرات وتذكرت في هذِهِ المرة . فهنا يرجح المرجوح عَلَى الراجح لأجل هَذَا التصريح ، وان كَانَتْ مرات الزيادة أكثر : قبلت لا محالة … و أما أن يتساويا قبلت الزيادة لما بيّنا : أن هَذَا السهو أولى من ذَلِكَ . واللهُ أَعْلَمُ))( ) . وقبلها الْقَاضِي عَبْد الجبار( ) إذَا أثرت في المَعْنَى دُوْنَ اللفظ وَلَمْ يقبلها إذَا أثرت في إعراب اللفظ.( )

إنها لا تقبل إلا إذَا أفادت حكماً شرعياً فإذا لَمْ تفد حكماً شرعياً لَمْ تعتبر حكاه الْقَاضِي عَبْد الوهاب وحكاه ابن القشيري ( ) ، فَقَالَ : (( وَقِيلَ: إنما تقبل إذَا اقتضت فائدةً جديدةً )) ( ).

إنها تقبل إذَا رجعت إلى لفظ لا يتضمن حكماً زائداً كَمَا حكاه ابن القشيري أو كَانَتْ في اللفظ دُوْنَ المَعْنَى كَمَا حكاه الْقَاضِي أبو بكر( ).

الوقف ؛ لأن في كُلّ واحد من الاحتمالات بعداً و الأصل وإن كَانَ عدم الصدور، لَكِنْ الأصل أيضاً صدق الرَّاوِي . وَإِذَا تعارضا وجب التوقف . حكاه الهندي( ) .

إذَا كَانَ راوي الزيادة ثِقَة وَلَمْ يشتهر بنقل الزيادة ولكن كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى طريق الشذوذ قبلت كرواية مَالِك (( من المُسْلِمِيْنَ ))( ) في صدقة الفطر ، وإن اشتهر بكثرة الزيادات مَعَ اتحاد المجلس وَلَمْ يَكُنْ هناك امتياز بسماع فاختلفوا فِيهِ ، فمذهب الأصوليين قبول زيادته ، ومذهب المُحَدِّثِيْنَ ردها للتهمة. قَالَهُ أَبُو الحَسَن الأبياري( ).

قَالَ الْقَاضِي عَبْد الوهاب المالكي : (( إذَا انفرد بَعْض رواة الحَدِيْث بزيادة وخالفهم بقية الرواة ، فعن مَالِك وأبي فرج من أصحابنا تقبل إن كَانَ ثِقَة ضابطاً ( ). وَقِيلَ : إنَّهَا تقبل إذَا كَانَ راويها حافظاً عالماً بالأخبار، فإذا لَمْ يَكُنْ يلحق من لَمْ يَرْوِ الزيادة بالحفظ لَمْ تقبل وَهُوَ قَوْل ابن خزيمة ( ). واشترط الْخَطِيْب ( ): أن يَكُون راوي الزيادة حافظاً متقناً ، وَقَالَ الصَّيْرَفِيّ : (( إن كُلّ من لَوْ أنفرد بحديث يقبل ، فإن زيادته مقبولة وإن خالف الحفاظ ))( ).

قَالَ ابن حبان : (( و أما زيادة الألفاظ في الروايات فإنا لا نقبل شيئاً مِنْها إلا عمّن كَانَ الغالب عَلَيْهِ الفقه حَتَّى يعلم أَنَّهُ كَانَ يَرْوِي الشيء ويعلمه حَتَّى لا يشك فِيهِ أَنَّهُ أزاله عن سننه أو غيرّه عن معناه أم لا ؛ لأن أصحاب الحَدِيْث الغالب عَلَيْهِمْ حفظ الأسامي والأسانيد دُوْنَ المتون، والفُقَهَاء الغالب عَلَيْهِمْ حفظ المتون وأحكامها وأداؤها بالمعنى دُوْنَ حفظ الأسانيد وأسماء المُحَدِّثِيْنَ ، فإذا رفع محدّث خبراً وَكَانَ الغالب عَلَيْهِ الفقه لَمْ أقبل رفعه إلا من كِتَابه ؛ لأَنَّهُ لا يعلم المُسْنَد من المُرْسَل وَلاَ المَوْقُوْف من المُنْقَطِع وإنما همته إحكام المَتْن فَقَطْ ، وَكَذَلِكَ لا أقبل عن صاحب حَدِيث حافظ متقن أتى بزيادة لفظة في الخبر ؛ لأن الغالب عَلَيْهِ إحكام الإسناد وحفظ الأسامي والإغضاء عن المتون ومَا فِيْهَا من الألفاظ إلا من كتابه ، هَذَا هُوَ الاحتياط في قبول الزيادات في الألفاظ ))( ) .

وَقَدْ ذهب الزَّرْكَشِيّ ( ) إلى أن الزيادة تقبل بشروط وَهِيَ :

أن لا تَكُون منافية لأصل الخبر .

أن لا تَكُون عظيمة الوقع بحيث لا يذهب عَلَى الحاضرين علمها ونقلها و أما مَا يجل خطره فبخلافه .

أن لا يكذبه الناقلون في نقل الزيادة .

أن لا يُخَالِف الأحفظ و الأكثر عدداً فإن خالف فظاهر كلام الشَّافِعيّ-رَحِمَهُ اللهُ- في " الأم " ( ) إنَّهَا مردودة فَقَالَ : (( إنما يدل عَلَى غلط المحدّث أن يُخَالِف غيره مِمَّنْ هُوَ أحفظ مِنْهُ أو أكثر مِنْهُ ))( ).

وَقَدْ عقّب العلائي عَلَى كلام الشَّافِعيّ هَذَا بقوله : (( فأشار الشَّافِعيّ رَحْمةُ اللهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إلى أن هذِهِ الزيادة الَّتِي زادها مَالِك رَحِمَهُ اللهُ في الحَدِيْث لَمْ يُخَالِف فِيْهَا من هُوَ أحفظ مِنْهُ وَلاَ أكثر عدداً فَلاَ يَكُون غلطاً ، وَفِي ذَلِكَ إشارة ظاهرة إلى أن الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ و الأكثر عدداً أَنَّهَا تَكُون مردودة ، وَلَمْ يفرق بَيْنَ بلوغهم إلى حد يمتنع عَلَيْهِمْ الغفلة و الذهول وبين غيره ، بَل اعتبر مطلق الأكثرية الزيادة في الحفظ ))( ).

أما أئمة الحَدِيْث كيحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمان بن مهدي وعلي بن المديني وأحمد بن حَنْبَل ، ويحيى بن معين ، والبُخَارِيّ ، والتِّرْمِذِي ، والنَّسَائِيّ ، وأبي حاتم ، وأبي زرعة الرازيين ، والدَّارَقُطْنِيّ ، وغيرهم كُلّ هَؤُلاَء يَقْتَضِي تصرفهم من الزيادة قبولاً ورداً الترجيح بالنسبة إلى مَا يقوى عِنْدَ الواحد مِنْهُمْ في كُلّ حَدِيث ، وَلاَ يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جَمِيْع الأحاديث ( ).

من هَذَا العرض يتبين أن كثيراً من الفُقَهَاء و الأصوليين وفريقاً من المُحَدِّثِيْنَ قَدْ أطلقوا القَوْل بقبول زيادة الثِّقَة وجنحوا لِذلِكَ في كَثِيْر من الأحيان ، و المرجوع إليه في مِثْل هذِهِ الأمور المُحَدِّثُوْنَ لا غيرهم ، فَقَدْ كَانَ المُحَدِّثُوْنَ يحكمون عَلَى كُلّ رِوَايَة بما يناسبها ، وهم المعوّل عَلَيْهِمْ في مَعْرِفَة أحكام زيادة الثِّقَة ، فيجب الرجوع إليهم وحدهم لكونها من ضمن تخصصاتهم النقدية ، وليست هِيَ من تخصصات غيرهم .

ونظر المُحَدِّثِيْنَ يختلف في الحكم عَلَى الأحاديث؛ إِذْ إن زيادة الثِّقَة عندهم مِنْهَا ما هُوَ مقبول ، ومنها مَا هُوَ مردود تبعاً للقرائن المحيطة بِهَا ، والقرائن هِيَ الَّتِي تجعل الحكم مختلفاً من حَدِيْث لآخر فمن القرائن مَا يدل عَلَى أن الزيادة تَكُون أحياناً مدرجة في الحَدِيْث ، أو أَنَّهَا من قَوْل أحد رُوَاة الإسناد أو من حَدِيث آخر . قَالَ الحَافِظ ابن حجر :(( مَا تفرد بَعْض الرُّوَاة بزيادة فِيهِ دُوْنَ من هُوَ أكثر عدداً أو اضبط مِمَّنْ لَمْ يذكرها ، فهذا يؤثر التعليل بِهِ ، إلا إن كَانَتْ الزيادة منافية بِحَيْثُ يتعذر الجمع . أما إن كَانَتِ الزيادة لا منافاة فِيْهَا بِحَيْثُ تَكُون كالحديث المستقل فَلاَ ، اللَّهُمَّ إلا إن وضح بالدلائل القوية أن تِلْكَ الزيادة مدرجة في المَتْن من كلام بَعْض رواته ، فما كَانَ من هَذَا القِسْم فَهُوَ مؤثر ))( ) .

وربما تَكُون الزيادة غَيْر صَحِيْحَة لأمر آخر رُبَّمَا لا يفصح عَنْهُ المحدّث كَمَا لا يستطيع أنْ يفصح الجوهري عن زيف الزائف( ).

وربما قبل المُحَدِّثُوْنَ الزيادة الواقعة في بَعْض المتون أو الأسانيد لقرائن تخص ذَلِكَ ومرجحات خَاصَّة ، وَهِيَ كثيرة ، قَالَ العلائي : (( ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ، وَلاَ ضابط لَهَا بالنسبة إلى جَمِيْع الأحاديث ، بَلْ كُلّ حَدِيث يقوم بِهِ ترجيح خاص . وإنما ينهض بِذَلِكَ الممارس الفطن الَّذِي أكثر من الطرق والروايات ؛ ولهذا لَمْ يحكم المتقدمون في هَذَا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة ، بَلْ يختلف نظرهم بحسب مَا يقوم عندهم في كُلّ حَدِيث بمفرده ))( ).

وَقَدْ توهم من ظن أنَّ النقاد موقفهم واحدٌ في كُلّ الزيادات؛ إِذْ إن النقاد إذَا كانوا قَدْ نصوا في بَعْض المناسبات عَلَى قبول زيادة الثِّقَة أو الأوثق ، بحيث يخيل إلى القارئ المتعجل أن موقفهم في ذَلِكَ هُوَ القبول المطلق ، فَهُوَ تخيل غَيْر صَحِيْح، إِذْ إن عمل النقاد النقدي المتمثل في رد الزيادة مرة وقبولها أخرى بغض النظر عن حال الرَّاوِي الثِّقَة أو الأوثق يَكُون ذَلِكَ كافياً للتفسير بأن ذَلِكَ لَيْسَ حكماً مطرداً مِنْهُمْ ، و إنما قبلوا في حال الرَّاوِي الثِّقَة الَّذِي زاد في الحَدِيْث زيادة بَعْدَ تأكدهم من سلامته من جَمِيْع الملابسات الدالة عَلَى احتمال الخطأ و الوهم أو النسيان ، ويؤكد هَذَا المَعْنَى الحَاكِم النيسابوري قائلاً:(( الحجة فِيهِ عندنا الحفظ و الفهم و المَعْرِفَة لا غَيْر ))( ).

لَكِن الخطيب البغدادي – فِيْمَا أعلم – هُوَ أول المُحَدِّثِيْنَ في النقل عن الْجُمْهُور بقبول زيادة الثِّقَة ورجح ذَلِكَ فَقَالَ : (( والَّذِي نختاره من هذِهِ الأقوال : أن الزيادة الواردة مقبولة عَلَى كُلّ حال معمول بِهَا إذَا كَانَ راويها عدلاً ومتقناً ضابطاً ))( ).

وَقَدْ ناقشه ابن رجب الحنبلي فِيْمَا استدل بِهِ فَقَالَ: (( وذكر في الكفاية حكاية عن البُخَارِيّ : أَنَّهُ سُئل عن حَدِيث أبي إسحاق ( ) في النكاح بلا ولي( )-قَالَ : الزيادة من الثقة مقبولة و إسرائيل ( ) ثِقَة . وهذه الحكاية – إن صحت – فإن مراده الزيادة في هَذَا الحَدِيْث ، وإلا فمن تأمل كِتَاب " تأريخ البُخَارِيّ " ( ) تبين لَهُ قطعاً أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يرى أن زيادة كُلّ ثِقَة في الإسناد مقبولة ، وهكذا الدَّارَقُطْنِيّ يذكر في بَعْض المواضع : (( أن الزيادة من الثِّقَة مقبولة )) ، ثُمَّ يرد في أكثر( ) المواضع زياداتٍ كثيرةٍ من الثِّقات، ويرجح الإرسال عَلَى الإسناد ( )، فدل عَلَى أن مرادهم زيادة الثِّقَة في مِثْل تِلْكَ المواضع الخاصة، وَهِيَ إذَا كَانَ الثِّقَة مبرزاً في الحفظ ))( ) وهذا الكلام تحقيق جدٌ لصنيع جهابذة المُحَدِّثِيْنَ في الحكم عَلَى زيادة الثِّقَة ؛ إِذْ أن الَّذِي ينظر في صنيع الأئمة السابقين و المختصين في  هَذَا الشأن يراهم لا يقبلونها مطلقاً وَلاَ يردونها مطلقاً، بَلْ مرجع ذَلِكَ عندهم إِلَى القرائن والترجيح: فتقبل تارة وترد أخرى . ويتوقف فِيْها أحياناً ؛ قَالَ الحافظ ابن حجر : ((والمنقول عن أئمة الحَدِيْث المتقدمين–كعبد الرحمان بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حَنْبَل ، ويَحْيَى بن معين ، وعَلِيّ بن المديني ، والبُخَارِيّ ، وأَبِي زرعة ، وأَبِي حاتم ، والنَّسَائِيّ ، والدَّارَقُطْنِيّ وغيرهم – اعتبار الترجيح فِيْمَا يتعلق بالزيادة وغيرها، وَلاَ يعرف عن أحد مِنْهُمْ إطلاق قبول الزيادة ))( ) .

وهذا هُوَ الصَّوَاب وَهُوَ الرأي المختار المتوسط الَّذِي هُوَ بَيْنَ القبول والرد، فيكون حكم الزيادة حسب القرائن المحيطة بِهَا حسب مَا يبدو للناقد العارف بعلل الحَدِيْث وأسانيده وأحوال الرواة بَعْدَ النظر في ذَلِكَ أما الجزم بوجه من الوجوه من غَيْر نظر إلى عمل النقاد فذلك فِيهِ مجازفة كبيرة ، قَالَ الزيلعي:(( من الناس من يقبل الزيادة مطلقاً ، ومنهم من لا يقبلها ، و الصَّحِيح التفصيل ، وَهُوَ أَنَّهَا تقبل في مَوْضِع دُوْنَ موضع ، فتقبل إذَا كَانَ الرَّاوِي الَّذِي رواها ثِقَة حافظاً ثبتاً والَّذِي لَمْ يذكرها مِثْلَهُ أو دونه في الثِّقَة ...، وتقبل في مَوْضِع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذَلِكَ حكماً عاماً فَقَدْ غلط، بَلْ كُلّ زيادة لَهَا حكم يخصها ))( ).

 

المطلب الرابع

نماذج من زيادة الثِّقَة ، و أثرها في اختلاف الفُقَهَاء

النموذج الأول

مَثَّل ابن الصَّلاح لزيادة الثِّقَة بمثالين

الأول:- قَالَ ابن الصَّلاح-:(( مثاله مَا رَواهُ مَالِك ، عن نافع ، عن ابن عمر: أن رَسُوْل الله فرض زكاة الفطر من رمضان عَلَى كُلِّ حرٍ أو عَبْد ، ذكر أو أنثى من المسلمين فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكاً تفرد من بَيْنَ الثِّقات بزيادة قوله:(( من المُسْلِمِيْنَ ))( ) وروى عبيد الله بن عُمَر ، وأيوب ، وغيرهما هَذَا الحَدِيْث ، عن نافع ، عن ابن عُمَر دُوْنَ هذِهِ الزيادة ))( ). ورغم أن لفظة : (( من المُسْلِمِيْنَ )) لا تندرج تَحْتَ مَوْضُوْع زيادة الثِّقَة ، و إنما ذكرناها لأن ابن الصَّلاح مَثّل بِهَا ، فهي لا تخلو من أثر الفقه الإسلامي ، وسأشرح ذَلِكَ .

 

 

أثر الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

حكم دفع صدقة الفطر عن الكافر

اختلف الفُقَهَاء رحمهم الله أيجب عَلَى المُسْلِم أداء زكاة الفطر عمن تلزمه نفقته كزوجة أو مملوك أو قريب إذَا كانوا غَيْر مسلمين أم لا ؟

القَوْل الأول : لا يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ و إِلَيْهِ ذهب مَالِك ( ) والشافعي ( ) وأحمد ( ) والزيدية ( ) وَهُوَ الْمَرْوِيّ عن عَلِيّ ( ) وجابر ( ) والحَسَن ( ) وأَبِي ثور ( ) وسعيد بن المسيب ( ) ودليلهم حَدِيث ابن عُمَر :(( أن رَسُوْل الله فرض زكاة الفطر من رَمَضَان عَلَى كُلّ حر أو عَبْد ذَكَرَ أو أنثى من المُسْلِمِيْنَ ))( ).

وجه الدلالة :وَهُوَ أن زيادة : (( من المُسْلِمِيْنَ )) خصصت صدقة الفطر الواجبة فهي تجب عَلَى المسلمين لا غَيْر .

القَوْل الثَّانِي : يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ و إليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ ( ) والظاهرية ( ) وَهُوَ المروي عن ابن عَبَّاس ( ) وأبي هُرَيْرَة ( ) وابن عُمَر ( ) وعمر بن عَبْد العزيز ( ) وعطاء ( ) وإِبْرَاهِيم النخعي ( ) وسفيان الثوري ( ) وإسحاق ( ) وابن المبارك ( ).

ودليلهم مَا روي عن عَبْد الله بن ثعلبة ( ) قَالَ : خطب رَسُوْل الله الناس قَبْلَ الفطر بيوم أو يومين، فَقَالَ :(( أدوا صاعاً من بر أو قمح بَيْنَ اثنين أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ، عن كُلّ حر و عَبْد ، وصغير وكبير ))( ). ووجه الدلالة أن النَّبيّ أمر بإخراج الصدقة عن العبد من غَيْر أن يفرق بَيْنَ مُسْلِم و غيره .

و أجيب بأن إطلاق حَدِيث عَبْد الله بن ثعلبة مُقَيَّد بحديث عَبْد الله بن عُمَر فَقَدْ جاء عن البُخَارِيّ مُقَيَّداً بقوله : (من المسلمين) .

و استدلوا بما روي عن ابن عَبَّاس قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله : (( صدقة الفطر عن كُلّ صغير  وكبير ، ذكر وأنثى يهودي أو نصراني ، حر أو مملوك، نصف صاع من بر أو صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير )) ( ) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: (( سلام الطويل متروك الحَدِيْث، وَلَمْ يسنده غيره )) .

قُلْتُ : لذا فحديث ابن عَبَّاس غَيْر صالح للاحتجاج به( ).

المثال الثَّانِي : -قَالَ ابن الصَّلاح- : (( ومن أمثلة ذَلِكَ : حَدِيث : (( جعلت لَنَا الأرض مسجداً وجعلت ترتبتها لَنَا طهوراً ))( ) فهذه الزيادة تفرد بِهَا أبو مَالِك : سعد بن طارق الأشجعي( ) ، وسائر الروايات لفظها:((وجعلت لَنَا الأرض مسجداً وطهوراً))( ) فهذا وما أشبهه يُشبهُ القِسْم الأول من حَيْثُ إن مَا رَواهُ الجماعة عام وما رَواهُ المنفرد بالزيادة مخصوص ، وَفِي ذَلِكَ مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف بِهَا الحكم ، ويشبه أيضاً القِسْم الثَّانِي من حَيْثُ إنه لا منافاة بَيْنَهُمَا ))( ).

وهذا من الحافظ ابن الصَّلاح نظر دقيق و عميق إذَ لَيْسَ في الحَدِيْث زيادة ذكرها راوٍ لَمْ يذكرها بقية الرواة عن نَفْس المدار و اتحاد المخرج. إذ إن أبا مَالِك قَدْ تفرد بجملة الحَدِيْث عن ربعي ، وتفرد ربعي( ) عن حذيفة بِهِ ، إلا أن في هَذَا الحَدِيْث زيادة عَلَى مَا ذكر في أحاديث أخر عن صحابة آخرين و للحافظ ابن حجر تعقيب عَلَى صنيع ابن الصَّلاح فَقَدْ قَالَ :(( هَذَا التمثيل لَيْسَ بمستقيم أيضاً ؛ لأن أبا مَالِك قَدْ تفرد بجملة الحَدِيْث عن ربعي بن حراش كَمَا تفرد برواية جملته ربعي عن حذيفة . فإن أراد أن لفظة (تربتها) زائدة في هَذَا الحَدِيْث عَلَى باقي الأحاديث في الجملة ، فإنه يرد عَلَيْهِ : أَنَّهَا في حَدِيث عَلِيّ أيضاً ... و إن أراد : أن أبا مَالِك تفرد بِهَا ، و أن رفقته عن ربعي لَمْ يذكروها كَمَا هُوَ ظاهر كلامه ، فليس بصحيح ))( ).

ومع مراد ابن الصَّلاح أياً كَانَ فإن لهذا الحَدِيْث وزيادته أثراً في الفقه الإسلامي.

 

اختلف الفُقَهَاء فِيْمَا يجوز بِهِ التيمم عَلَى قولين :

لا يصح إلا بتراب لَهُ غبار يعلق باليد ، وبهذا قَالَ ابن عَبَّاس ( ) ، والشَّافِعيّ ( )، وأحمد ( )، وإسحاق ( )، وأبو يوسف ( )، وابن المنذر ( ) ، ودَاوُد ( ) ، والزيدية ( ). وروي عن ابن عَبَّاس ، وإسحاق اشتراط أن يَكُون التراب عذباً ( ).

يجوز التيمم بكل ماكان من جنس الأرض : وبهذا قَالَ حماد بن سليمان ( )، و أبو حَنِيْفَة ( )، ومُحَمَّد ( )، ويحيى بن سعيد ( )، وَقَالَ مَالِك : يجوز بكل مَا كَانَ وجه الأرض ( ). وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْرِيّ: إن كَانَ في ثوبك أو سرجك أو بردعتك تراب أو عَلَى شجر فتيمم بهِ ( ).

يصح حَتَّى بالثلج : وبه قَالَ كُلّ من مَالِك( )، و الأوزاعي( )، و الثَّوْرِيّ( )، وَفِي رِوَايَة عن مَالِك يصح بكل مَا كَانَ متصلاً بالأرض من النبات( ).

يجوز التيمم بالرمل : وَهُوَ رِوَايَة عن الشَّافِعيّ ( ) ، وأبي يوسف ( ) ، وأحمد ( ) ، والأوزاعي ( ) ، و أبي ثور ( ).

ومذهب ابن حزم أن الأرض قسمان تراب وغير تراب فأما التراب فالتيمم بِهِ جائز إن كَانَ في موضعه من الأرض أما غَيْر التراب من الحصى أو الصفا أو الرخام أو الرمل أو الزرنيخ أو الجص أو الثلج فإن كَانَ في الأرض غَيْر مزال عَنْهَا إلى شيء آخر فجائز التيمم بِهِ وإن كَانَ مزالاً عَنْهَا فَلاَ يجوز التيمم به( ).

 

 

 

مثال آخر للزيادة المقبولة بسبب كثرة الرواة

رَوَى عَبْد الأعلى ( )، عن عبيد الله ( ) بن عُمَر، عن نافع أن عَبْد الله بن عُمَر كَانَ إذَا دخل في الصَّلاَة كبر ورفع يديه، وإذَا ركع رفع يديه ، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ الله لِمَنْ حمده رفع يديه ،وَإِذَا قام من الركعتين رفع يديه، رفع ( ) ذَلِكَ ابن عُمَر إلى النَّبيّ  .

هكذا رَواهُ الإِمَام البُخَارِيّ ( ) وابن حزم ( ) من طريق عياش ( ) ، وأبو دَاوُد ( )، والبيهقي ( ) من طريق نصر بن عَلِيّ ( ) ، والبيهقي ( )، والبغوي ( ) من طريق إسماعيل بن بشر بن مَنْصُوْر ( ) ؛ ثلاثتهم (عياش ، ونصر بن عَلِيّ ، و إسماعيل بن بشر) رووه عن عَبْد الأعلى من هَذَا الوجه .

وَقَدْ خولف عَبْد الأعلى في هَذَا الحَدِيْث مرتين : خولف في رفعه وخولف بذكر زيادة : (( وَإِذَا قام من الركعتين رفع يديه ))( ).

فَقَدْ خالفه عَبْد الله بن إدريس ( ) وعَبْد الوهاب الثقفي ( )، والمعتمر بن سليمان( ) فرووه عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عُمَر موقوفاً .

وَقَدْ خولف عَبْد الأعلى لعدم ذكر الزيادة خالفه الإِمَام مَالِك( )فرواه عن نافع ، عن ابن عُمَر موقوفاً ، بدون ذكر الزيادة .

وخالفه أيضاً حماد بن سلمة ( ) وإبراهيم بن طهمان ( ) فروياه عن أيوب السختياني ، ورواه ابن طهمان عن موسى بن عُقْبَة .

ورواه صالح بن كيسان ( ) ؛ ثلاثتهم ( أيوب ، وموسى ، و صالح) ، عن نافع ، عن ابن عُمَر مرفوعاً ، بدون ذكر الزيادة .

إلا أن عَبْد الأعلى لَمْ ينفرد بالحديث ، فَقَدْ توبع عَلَيْهِ متابعات تامة ونازلة ، تابعه عَلَى الرفع و الزيادة محارب بن دثار ( ) فرواه عن عَبْد الله بن عُمَر . وتوبع عَلَى ذكر الزيادة أيضاً ، لَكِنْ من طرق موقوفة عَلَى ابن عُمَر ، تابعه ابن جريج ( )، والليث بن سعد ( ) متابعة نازلة عن نافع إلا أنهم رووه موقوفاً . وَقَدْ توبع عَبْد الأعلى بذكر الزيادة و الرفع فرواه معتمر بن سليمان ( )، عن عبيد الله بن عَبْد الله ، عن الزُّهْرِيّ ، عن سالم، عن ابن عُمَر، بِهِ .

وعبد الوهاب الثقفي ( )، عن عبيد الله ، عن الزُّهْرِيّ ، عن نافع ، عن ابن عمر ، بِهِ . ثُمَّ إن لحديث عَبْد الأعلى بزيادته شواهد من حَدِيث أبي حميد الساعدي ( )، والإِمَام عَلِيّ ( ) ، و أبي هُرَيْرَةَ ( ).

وهناك شاهد أخرجه أبو داود ( )، قَالَ : حَدَّثَنَا قتيبة بن سعيد ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن لهيعة ، عن أبي هبيرة ( )، عن ميمون المكي ( )، أَنَّهُ رأى عَبْد الله بن الزُّبَيْر وصلى بهم يشير بكفيه حِيْنَ يقوم ، وحين يركع ، وحين يسجد ، وحين ينهض للقيام ، فيقوم فيشير بيديه ، فانطلقت إلى ابن عَبَّاس فقلت: إني رأيت ابن الزُّبَيْر صلى صلاة لَمْ أر أحداً يصليها، فوصفت لَهُ هذِهِ الإشارة ، فَقَالَ: إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رَسُوْل الله فاقتد بصلاة عَبْد الله بن الزُّبَيْر .

وابن لهيعة وإن كَانَ فِيهِ مقال ، إلا أن رِوَايَة قتيبة بن سعيد عَنْهُ جيدة ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الإمام المبجل أحمد بن حَنْبَل ( ) .

وَقَدْ اعترض عَلَى هَذَا الحَدِيْث صاحب عون المعبود فَقَالَ : (( هَذَا يدل عَلَى مشروعية الرفع عِنْدَ القيام من السجود ، لَكِنَّهُ مَعَ ضعفه معارض بحديث ابن عُمَر المروي في صَحِيْح البُخَارِيّ ، وفيه : (( ولايفعل ذَلِكَ حِيْنَ يسجد وَلاَ حِيْنَ يرفع رأسه من السجود )) ))( ) .

لَكِن الَّذِي يبدو لي : أن لا معارضة بَيْنَ الحديثين فيحمل حَدِيث ابن الزُّبَيْر عَلَى العموم ، وحديث ابن عُمَر مخصص لَهُ فخرج من العموم إلى الخصوص ، وهذا أولى من ادعاء التعارض .

 

أثر هَذَا الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

حكم رفع اليدين في الصَّلاَة

هناك مواضع متعددة ترفع فِيْهَا الأيدي في الصَّلاَة حصل بَيْنَ العُلَمَاء خِلاَف كبير في مشروعيتها ، وسأبحث هَذَا في مسائل :

المسألة الأولى : رفع اليدين عِنْدَ الركوع وعند الرفع مِنْهُ

اختلف الفُقَهَاء في هَذَا عَلَى قولين :

القَوْل الأول: تُرْفَعُ اليدان عِنْدَ الركوع و عِنْدَ الرفع مِنْهُ . وَهُوَ قَوْل أبي بَكْر ، وعمر ، وعلي ، وأنس ، وأبي سعيد الخُدْرِيّ ، وجابر بن عَبْد الله، وابن عَبَّاس ، وأبي هُرَيْرَة ، وأبي موسى الأشعري، وابن عُمَر ، وعبد الله بن عَمْرو ، ووائل بن حُجر ، وأبي قتادة الأنصاري ، وأَبِي الدرداء ، وسهل بن سعد ، وأبي أسيد ، ومالك بن الحويرث ، ومحمد بن مسلمة ، وعَبْد الله بن الزُّبَيْر ، وعقبة بن عامر ، وعبد الله بن جابر البياضي ، وأم الدرداء ، وأَبِي حميد الساعدي ، وأبي قلابة ، وابن الزُّبَيْر ، والحَسَن البصري ، وابن عينية ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، ونافع ، وسالم بن عَبْد الله ، وسعيد بن جبير ، وعبيد الله بن عُمَر ، وقتادة ، ومكحول ، وابن سيرين ، والليث بن سعد ، والقاسم بن مُحَمَّد ، وعَبْد الله بن المبارك ، وأصحابه وهم (عَلِيّ بن حسين ، وعبد الله بن عُمَر ، ويَحْيَى بن يَحْيَى)، والأوزاعي، وعمر بن عَبْد العزيز، وإسحاق، وأبي ثور ، والنُّعْمَان بن أبي عياش ، وعبد الله بن دينار ، وابن أبي نجيح ، والحَسَن بن مُسْلِم ، وقيس بن سعد ، وعلي بن عَبْد الله ، وهشام بن الحَسَن ، ومعتمر بن سليمان ، ومحمد بن جرير الطبري، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، ويحيى القطان ، وعَبْد الرحمان بن مهدي ، وإسماعيل بن عُلية ، وعُمَر بن هارون ، والنضر بن شميل ، والحميدي ، والبُخَارِيّ ، ومحدثي أهل بخارى وهم ( عيسى بن موسى ، وكعب بن سعيد ، ومحمد بن سلام، وعَبْد الله بن مُحَمَّد المسندي ) ، وجرير بن عَبْد الحميد ، وابن وهب ، ومحمد بن نصر المروزي ، وعَبْد الرحمان بن سابط، والربيع ، ومُحَمَّد بن نمير، ويَحْيَى بن معين ، وعَلِيّ بن المديني، وابني عَبْد الله بن عَبْد الحكم ( ) وإليه ذهب الشَّافِعيّ ( ) وأحمد ( ) وابن حزم ( ) وَهُوَ رِوَايَة عن مَالِك ( ) واستدلوا بحديث ابن عُمَر المتقدم ( ).

قَالَ الشَّافِعيّ: (( وَقَدْ رَوَى هَذَا سوى ابن عُمَر اثنا عشر رجلاً عن النَّبيّ )) ( ).

وذكر العراقي أَنَّهُ مرويٌ عن رَسُوْل الله من حَدِيث خمسين صحابياً( ).

القَوْل الثَّانِي: لا ترفع اليدان عِنْدَ الركوع و عِنْدَ الرفع مِنْهُ، و إنما ترفعان عِنْدَ تكبيرة الإحرام فَقَطْ .

وَهُوَ قَوْل أبي بَكْر في رِوَايَة ، وعمر في رِوَايَة ، وعلي ، وابن مَسْعُود ، وابن عُمَر في رِوَايَة ، وابن عَبَّاس في رِوَايَة ، والثَّوْرِيّ ، والشَّعْبيّ ، والنخعي، وابن أبي ليلى ، والحَسَن بن صالح بن حيّ ، والأسود ، وعلقمة ، وخيثمة ، وقيس بن أبي حازم ، وأَبِي إسحاق السَّبِيْعِيّ ( ) ، وإِليهِ ذهب أبو حَنِيْفَة وأصحابه ( )، وَهُوَ رِوَايَة عن مَالِك ( ) وَهُوَ مَذْهَب أهل الكوفة ( ).

واستدلوا بحديث جابر بن سمرة ( ) قَالَ : (( خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُوْل الله فَقَالَ : مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس أسكنوا في الصَّلاَة ))( ).

وبما روي عن ابن مَسْعُود أَنَّهُ قَالَ : (( ألا أصلي بكم صلاة النَّبيّ فصلى وَلَمْ يرفع يديه إلا في أول مرة ))( ).

وَقَالَ البُخَارِيّ مُعلقاً عَلَى حَدِيث جابر بن سمرة: (( فإنما كَانَ هَذَا في التشهد لا في القيام كَانَ يُسلم بعضهم عَلَى بَعْض فنهى النَّبيّ عن رفع الأيدي في التشهد ، وَلاَ يحتج بهذا من لَهُ حظ من العِلْم هَذَا مَعْرُوف مَشْهُور لا اختلاف فِيهِ ، وَلَوْ كَانَ كَمَا ذهب إليه لكان رفع الأيدي في أول التكبيرة و أيضاً تكبيرات العيد منهياً عَنْهَا ؛ لأَنَّهُ لَمْ يستثنِ رفعاً دُوْنَ رفع وَقَدْ ثبت حَدِيث ))( ).

أما حَدِيْث ابن مسعود فضعفه عَبْد الله بن المبارك فَقَالَ : (( لَمْ يثبت )) ( ).

وَقَالَ أبو حاتم الرازي : (( هَذَا خطأ )) ( ).

وَقَالَ أبو داود : (( لَيْسَ هُوَ بصحيح عَلَى هَذَا اللفظ )) ( ) .

إلا أن الزيدية أنكروا رفع اليدين عِنْدَ الإحرام ( ).

المسألة الثانية : هَلْ ترفع اليدان في مَوْضِع آخر ، وَهُوَ عِنْدَ القيام من التشهد الأول إلى الركعة الثالثة ، عَلَى قولين

القَوْل الأول : ترفع اليدان عِنْدَ القيام من الركعتين .

وهذا القَوْل رَواهُ الإِمَام عَلِيّ ، و أبو حميد الساعدي في عَشْرَة من أصحاب النَّبيّ فِيْهِمْ أبو قتادة ( ). وَهُوَ قَوْل ابن عُمَر ( ) ، وعطاء ( ) ، والبخاري ( ) .

وإليه ذهب بَعْض أصحاب الشَّافِعيّ ( ) ، وَهُوَ رِوَايَة عن الإِمَام أحمد ( ) ، وابن حزم ( ). مستدلين بزيادة عَبْد الأعلى السابقة الذكر والتفصيل وخالف في ذَلِكَ جَمَاعَة من أهل العِلْم ( ) فلم يروا رفع اليدين في هَذَا الموضع .

المسألة الثالثة : رفع اليدين عِنْدَ السجود وعند الرفع مِنْهُ .

وَقَد اختلف الفُقَهَاء في ذَلِكَ عَلَى قولين :

القَوْل الأول : ترفع اليدان عِنْدَ السجود و عِنْدَ الرفع مِنْهُ .

وَهُوَ قَوْل أنس ، وابن عُمَر ، وابن عَبَّاس ، ونافع ، وعطاء ، وطاووس ، وأيوب ، والحَسَن ، وابن سيرين ( )، وهُوَ رِوَايَة عن الإِمَام أحمد ( )، وإليه ذهب ابن حزم ( ). وَهُوَ قَوْل بَعْض أهل الحَدِيْث وَقَدْ جاءت بِذَلِكَ آثار لا تثبت( ). و استدلوا بحديث وائل بن حجر ( ).

وَقَالَ ابن عَبْد البـر في التمهيد :(( زيادة وائل بن حجر في حديثه رفع اليدين بَيْنَ السجدتين قَدْ عارضه في ذَلِكَ ابن عُمَر بقوله : (( وَكَانَ لا يرفع بَيْنَ السجدتين )) ، والسنن لا تثبت إذَا تعارضت وتدافعت ، ووائل بن حجر إنما رآه أياماً قليلة في قدومه عَلَيْهِ ، و ابن عُمَر صحبه إِلَى أن تُوُفِّي فحديث ابن عُمَر أصح عندهم و أولى أن يُعمل بِهِ ))( ).

القَوْل الثَّانِي: لا ترفع اليدان عِنْدَ السجود وعند الرفع مِنْهُ وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور( ).

المسألة الرابعة : إلى أين ترفع اليدان ، وَفِي ذَلِكَ أقوال :

القَوْل الأول: ترفع اليدان إلى حذو المنكبين .

وَهُوَ قَوْل عُمَر ، وأبي هُرَيْرَة ، وابن عُمَر ، وعبد الله بن الزُّبَيْر ، وأم الدرداء ، وسالم ، ونافع ، ومحمد بن سيرين ، وطاووس ، وعطاء ، والقاسم ، ومكحول ، وإسحاق ( ) . وَهُوَ المشهور عن مَالِك ( ) ، وإليه ذهب الشَّافِعيّ ( ) ، وَهُوَ المشهور عن أحمد ( ). و استدلوا بحديث ابن عمر ( ) .

القَوْل الثَّانِي : ترفع اليدان إلى حذو الأذنين .

وَهُوَ قَوْل عطاء ، ووهب بن منبه ( ) ، وأبي جَعْفَر ، وإبراهيم ، والثَّوْرِيّ ( ).

وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة ( ) ، وروي ذَلِكَ عن أحمد ( ) ، وَهُوَ قَوْل ابن حبيب من المالكية ( ). واستدلوا بحديث وائل ( ).

القَوْل الثَّالِث : ترفع اليدان إلى الصدر .

وَهُوَ قَوْل للإمام مالك ( ) ورواية عن الإِمَام أحمد ( ).

القَوْل الرابع : التخيير بَيْنَ رفع اليدين إلى الأذنين أو المنكبين .

وَهُوَ رِوَايَة عن الإِمَام أحمد ( )، وحكاه ابن المنذر عن بَعْض أهل الحَدِيْث واستحسنه ( ).

القَوْل الخامس : ترفع اليدان حَتَّى تجاوزا الرأس في تكبيرة الافتتاح .

هَذَا القَوْل حكاه العبيدي عن طاووس ، وَهُوَ قَوْل ابنه ، وهذا باطل لا أصل لَهُ( ).

فائدة :

ويجمع الشَّافِعيّ بَيْنَ هذِهِ الأحاديث فيقول : يجعل كفيه حذو منكبيه ، و إبهاميه عِنْدَ شحمة أذنيه ، ورؤوس أصابعه عِنْدَ فروع أذنيه ( ).

مثال مَا حقق فِيهِ أنَّ الزيادة خطأ :

مَا أخرجه عَبْد الرزاق ( ) ، قَالَ : أخبرنا معمر ، عن ثابت وقتادة ، عن أنس ، قَالَ : (( نظر بَعْض أصحاب النَّبيّ وضوءاً فلم يجده ، فَقَالَ النَّبيّ : ها هنا ماءٌ فرأَيت النَّبيّ وضع يده في الإناء الَّذِي فِيهِ الماءُ ، ثُمَّ قَالَ: توضئوا ( ) بسم الله ، فرأيت الماءَ يفور من بَيْنَ أصابعه ، والقوم يتوضئون ، حَتَّى توضئوا من عِنْدَ آخرهم)) .

ومعمر شيخ عَبْد الرزاق هُوَ معمر بن راشد الأزدي ثِقَة ثبت فاضل ( )، وشيخاه في هَذَا الحَدِيْث ثابت بن أسلم البناني وَهُوَ ثِقَة عابد ( )، وقتادة بن دعامة السدوسي وَهُوَ ثِقَة ثبت ( ). إلا أن معمر بن راشد قَدْ أخطأ بذكر زيادة : (( بسم الله )) في الحَدِيْث ؛ إِذْ إن الجمع من الرواة عن ثابت وقتادة لَمْ يذكروا هذِهِ الزيادة الَّتِي تفرد بِهَا معمر مِمَّا يدل عَلَى خطئه ووهمه بِهَا ، وشرْح ذَلِكَ فِيْمَا يأتي :

أخرج الحَدِيْث ابن سعد ( )، وأحمد ( )، وعَبْد بن حميد ( )، والفريابي ( )، وأبو يعلى ( )، وابن حبان ( ) من طريق سليمان بن المغيرة ( ) .

وأخرجه ابن سعد ( ) ، وأحمد ( ) ، وعبد بن حميد ( ) ، والبُخَارِيّ ( ) ، ومسلم ( ) ، والفريابي ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، وابن حبان ( ) ، والبَيْهَقِيّ ( )، من طريق حماد بن زيد .

وأخرجه ابن سعد ( )، وأحمد ( ) من طريق حماد بن سلمة ( ).

فهؤلاء ثلاثتهم ( سليمان ، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة ) رووه عن ثابت عن أنس ، بِهِ . وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الزيادة . وَكَذَلِكَ رَوَى الحَدِيْث عن قتادة جَمَاعَة لَمْ يذكروا فِيهِ الزيادة .

فَقَدْ أخرج الحَدِيْث أحمد ( )، والبُخَارِيّ ( )، ومسلم ( )، وأبو يعلى ( )، واللالكائي ( )، والبَغَوِيّ ( ) من طريق سعيد بن أبي عروبة ( ).

وأخرجه أحمد ( ) ، والفريابي ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، وابن حبان ( )، وأبو نُعَيْم ( ) من طريق همام بن يَحْيَى . و أخرجه مُسْلِم ( ) من طريق هشام الدستوائي.

وأخرجه أبو يعلى ( ) من طريق شُعْبَة بن الحَجَّاج. فهؤلاء أربعتهم (سعيد بن أبي عروبة ، وهمام ، وهشام، وشعبة) رووه عن قتادة عن أنس بِهِ ، وَلَمْ يذكروا هذِهِ الزيادة .

إذن فليس من المعقول أن يغفل جَمِيْع الرواة من أصحاب ثابت وقتادة فيغيب عَنْهُمْ حفظ هذِهِ الزيادة ، ثُمَّ يحفظها معمر بن راشد .

ثُمَّ إن ثابتاً وقتادة قَدْ توبعا عَلَى رِوَايَة الحَدِيْث ، وَلَيْسَ فِيهِ ذكر الزيادة ؛ تابعهما عَلَيْهِ إسحاق بن عبدالله ( )- وَهُوَ ثِقَة حجة ( ) - وحميد الطويل ( ) وَهُوَ ثِقَة ( ) والحسن البصري ( ) .

فغياب زيادة : (( بسم الله )) عِنْدَ هذِهِ الكثرة يسلط الضوء عَلَى أن الوهم في ذكرها من معمر ، والله أعلم .

 

أثر الحَدِيْث في اختلاف الفُقَهَاء

حكم التسمية في ابتداء الوضوء

اختلف الفُقَهَاء - رحمهم الله تَعَالَى - في حكم التسمية عِنْدَ الوضوء عَلَى قولين

القَوْل الأول : التسمية واجبة ، وَهُوَ قَوْل الحسن ( ) ، والإمام أحمد في إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ ( ) ، وإسحاق بن راهويه ( ) ، والزيدية ( ) .

ودليلهم زيادة معمر السابقة الذكر والتفصيل .

وما روي عن رَسُوْل الله أَنَّهُ قَالَ: (( لاصلاة إلا بوضوء ، وَلاَ وضوء لِمَنْ لَمْ يذكر اسم الله عَلَيْهِ ))( ) .

فإن تركها ساهياً ففي المسألة قولان :

الأول : لا تسقط بالسهو، وَهُوَ إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن الإمام أحمد ( ) ،

الثَّانِي : تسقط بالسهو ، وَهُوَ إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن الإمام أحمد ( )، وَهُوَ المروي عن إسحاق بن راهويه ( ) ؛ وإن تركها عمداً بطلت طهارته ، وَهُوَ إحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن الإمام أحمد ( ) .

القَوْل الثَّانِي: التسمية سنة ، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة ( )، ومالك ( )، والشافعي( )، وإحدى الرِّوَايَتَيْنِ عن الإمام أحمد ( ) ، والظاهرية ( ) ، والحسن ( ) ، والثوري ( ) ، وأبوعبيد( ).

فإن سها سمى متى ذكر ، وإن كَانَ قَبْلَ أن يكمل الوضوء. وإن ترك التسمية ناسياً أو عامداً لَمْ يفسد وضوؤه ( ).

 

مثال آخر للزيادة الشاذة بسبب كثرة المخالفة :

روى حماد بن زيد ( ) ، عن هشام بن حسان ( ) ، عن محمد بن سيرين ، عن    أبي هريرة حديث ذي اليدين ، وذكر فيه زيادة : ((كبر)) ، فَقَالَ : ((كبر ثم كبر وسجد ))( ).

 

وقد تفرد حماد بن زيد بذكر هذه الزيادة عن هشام بن حسان .

إذ إن هشيمَ بن بشير ( ) -وهو ثقة ( )-، ووهيب بن خالد ( ) -وهو ثقة ( )-، وحماد بن أسامة ( ) -وهو ثقة ( )-، وعبد الله بن بكر السهمي ( ) -وهو ثقة ( ) -، وأبا خالد الأحمر ( ) - وهو صدوق يخطئ ( ) - ، وأبا بكر بن عياش ( ) - وهو ثقة عابد إلا أنه لما كبر ساء حفظه وكتابه صحيح ( ) - .

فهؤلاء ستتهم ( هشيم ، ووهيب ، وحماد ، وعبد الله ، وأبو خالد ، وأبو بكر ) رووا هذا الحديث عن هشام بن حسان لم يذكروا الزيادة .

ثُمَّ إن الحديث قد رواه جماعة عن محمد بن سيرين ، منهم : أيوب السختياني ( ) -وهو ثقة ثبت حجة ( ) - ، وعبد الله بن عون ( ) - وهو ثقة ثبت فاضل من أقران أيوب في العلم والعمل والسن ( ) - ، ويزيد بن إبراهيم ( ) - وهو ثقة ثبت ( ) - ،  وسلمة بن علقمة ( ) - وهو ثقة ( ) - ، وقتادة بن دِعامة ( ) - وهو ثقة ثبت ( ) - ، وخالد الحذاء ( ) - وهو ثقة ( ) - ، ويحيى بن عتيق ( ) - وهو ثقة ( ) - ، ويونس بن عبيد ( ) - وهو ثقة ثبت ( ) - ، وعاصم الأحول ( ) - وهو ثقة ( ) - ، وحبيب ابن الشهيد ( ) - وهو ثقة ( ) - ، وحميد الطويل ( ) - وهو ثقة ( ) -، وسعيد بن أبي عروبة ( ) - وهو ثقة ( ) - ، وسفيان بن حسين ( ) - وهو ثقة ( ) - ، وأشعث ابن سوار ( ) - وهو ضعيف ( ) - ، وقرة بن خالد ( ) - وهو ثقة ( ) - ، وحماد بن سلمة ( ) - وهو ثقة ( ) - .

فهؤلاء جميعهم رووه عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، ولم يذكروا الزيادة ، قال أبو داود : (( روى هذا الحديث أيضاً حبيب بن الشهيد ، وحميد ، ويونس ، وعاصم الأحول ، عن محمد ، عن أبي هريرة لم يذكر أحد منهم ما ذكره حماد بن زيد ، عن هشام أنه كبر ثم كبر وسجد ، وروى حماد بن سلمة ، وأبو بكر بن عياش هذا الحديث عن هشام لم يذكروا عنه هذا الذي ذكره حماد بن زيد أنه كبر ثم كبر )) ( ) .

وقال البيهقي : (( تفرد به حماد بن زيد عن هشام )) ( ) ، وأشار إلى نحو هذا العلائي ( ) .

فتفرد حماد أمام هذا الجمع الغفير إمارة على أن زيادته خطأ ، إذ ليس من المعقول أن يغفل عنها الجمع من تلامذة هشام، وليس من المعقول أن يغفل عنها الجمع من تلامذة مُحَمَّد بن سيرين .

ثم إن الحديث رواه جماعة عن أبي هريرة غير ابن سيرين ، لم يذكر أحد منهم هذه الزيادة التي انفرد بها حماد ، مما يؤكد وهمه بها .

فقد رواه عن أبي هريرة : أبو سُفْيَان ( ) مولى ابن أبي أحمد ( ) ، وأبو سلمة منفرداً ( ) ، وضمضم( ) بن جوس ( ) ، وسعيد بن المسيب ، وأبو بكر بن عبد الرحمان ، وأبو سلمة ، وعبيد الله بن عبد الله أربعتهم مقرونين ( ) ، وأبو سلمة ، وأبو بكر بن سليمان ( ) مقرونين ( ) ، وأبو سلمة ، وسعيد بن المسيب ، وعبيد الله بن عبد الله ثلاثتهم مقرونين ( ) ، وسعيد بن المسيب ، وأبو سلمة ، وأبو بكر بن عبد الرحمان ، وأبو بكر بن سليمان مقرونين ( ) ، وسعيد بن أبي سعيد المقبري ( ) ، وسعيد بن المسيب ( ) ، وأبو بكر بن عبد الرحمان وأبو سلمة وعبيد الله بن عبد الله ثلاثتهم مقرونين( ) .

فهؤلاء جميعهم رووه عن أبي هريرة ، لم يذكروا ما ذكره حماد من زيادة تكبيرة الإحرام لسجود السهو مما يؤكد الجزم بوهمه – رحمه الله - .

 

أثر زيادة حماد في اختلاف الفقهاء

هل يشترط لسجود السهو تكبيرة التحريم ؟

ذهب جمهور العلماء إلى عدم اشتراط تكبيرة الإحرام قبل سجود السهو ( ) .

وذهب الزيدية ( )، ومالك في رواية عنه( )، وهو وجه عند الشافعية( ) إلى اشتراط تكبيرة الإحرام لسجود السهو مستدلين بزيادة حماد السابقة، قال القرطبي: (( ما يتحلل منه بسلام لابد له من تكبيرة إحرام ، ويؤيده ما رواه أبو داود من طريق حماد بن زيد ، عن هشام بن حسان ، عن ابن سيرين في هذا الحديث قال: فكبر ثم كبر وسجد للسهو )) ( ).

وقد يختلف النقاد في زيادة من الزيادات فيقبلها بعضهم دون بعض .

مثال ذلك: ما رواه ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله ، قال:

(( كان معاذ يصلي مع النبي العشاء ، ثم ينطلق إلى قومه فيصليها ، هي له تطوع ، وهي لهم مكتوبة )) ( ) .

قال الحافظ ابن حجر: (( هو حديث صحيح رجاله رجال الصحيح، وقد صرح( ) ابن جريج في رواية عبد الرزاق ( ) بسماعه فيه فانتفت تهمة تدليسه )) ( ) .

أقول : إن ابن جريج قد تفرد في هذا الحديث بزيادة جملة : (( هي له تطوع ، وهي لهم مكتوبة )) ، فقد روي هذا الحديث من طريق سفيان بن عيينة –وهو ثقة ( )– عن عمرو بن دينار ، عن جابر ، به ( ) ، دون ذكر الزيادة التي انفرد بها ابن جريج .

وقد أعلّ الطحاوي الزيادة في حديث ابن جريج فقال : (( فكان من الحجة للآخرين عليهم أن ابن عيينة قد روى هذا الحديث عن عمرو بن دينار كما رواه ابن جريج ، وجاء به تاماً وساقه أحسن من سياق ابن جريج ، غير أنه لم يقل فيه هذا الذي قاله ابن جريج )) ( ) .

وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا فقال : (( تعليل الطحاوي له بأن ابن عيينة ساقه عن عمرو أتم من سياق ابن جريج، ولم يذكر هذه الزيادة ليس بقادح، في صحته ؛ لأن ابن جريج أسن وأجل من ابن عيينة وأقدم أخذاً عن عمرو منه ، ولو لم يكن كذلك فهي زيادة من ثقة حافظ ليست منافية لرواية من هو أحفظ منه ولا أكثر عدداً، فلا معنى للتوقف في الحكم بصحتها )) ( ) .

أقول : لكن سفيان بن عيينة لم ينفرد بعدم ذكر الزيادة فقد تابعه عدد من الرواة على عدم ذكرها ؛ فيكون ابن جريج مخالفاً بذكر هذه الزيادة ، إذ روى الحديث الجم الغفير دون ذكر هذه الزيادة .

فقد روى الحديث شعبة بن الحجاج ( )، وأيوب السختياني ( )، وحماد بن زيد ( )، وسليم( ) بن حيان ( ) ، ومنصور( ) بن زاذان ( ) ، وهشام الدستوائي ( ) ؛ فهؤلاء جميعهم رووه عن عَمْرو بن دينار ، عن جابر ، بِهِ . دون ذكر الزيادة .

ثُمَّ إن الحديث روي عن جابر من غير طريق عمرو بن دينار، فقد رواه أبو الزبير( ) ومحارب بن دثار ( ) ، وعبيد الله ( ) بن مقسم ( ) ، ولم يذكروا هذه الزيادة مما يجعل الحكم مختلفاً عند النقاد .

أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء ( اختلاف نية المأموم مع الإمام )

اختلف الفقهاء في جواز اختلاف نية المأموم مع الإمام ، على مذهبين :

المذهب الأول : وهو جواز اختلاف نية المأموم مع الإمام ، أي يجوز أن يصلي المتنفل خلف المفترض ، والمفترض خلف المتنفل ، والمفترض خلف المفترض لفرض آخر . وعلى هذا المذهب جماهير الصحابة كما أشار إليه الماوردي ( ) – منهم : عمر ، وابن عمر ، وأبو الدرداء ( ) ، وأنس ( ) – .

وذهب إلى ذلك من التابعين : طاووس ( ) ، وعطاء ( ) .

وبه قال : الأوزاعي ( ) ، والشافعي ( ) ، وسليمان بن حرب ( ) ، وإسحاق بن راهويه ( ) ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ( ) .

وهو ما ذهب إليه ابن المنذر ( ) ، والظاهرية ( ) ، والزيدية ( ) .

والحجة لهم : حديث معاذ السابق بزيادة ابن جريج .

المذهب الثاني : وهو أنه لا يجوز أن تختلف نية الإمام والمأموم ، فلا يجوز أن يقتدي المفترض بمتنفل ، ولا مفترض بمفترض بفرض آخر .

ذهب إلى ذلك جمهور التابعين بالمدينة والكوفة ( ) ، ومنهم : سعيد بن المسيب ، والحسن البصري ( ) .

وإليه ذهب الثوري ( ) ، وأبو حنيفة ( ) ، ومالك ( ) .

وهو الرواية الأخرى عن الإمام أحمد ( ) .

واستدلوا بحديث أبي هريرة عن رسول الله قال : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه )) ( ) .

ولم يأخذوا بزيادة ابن جريج ، ويجاب عن الحديث الذي استدلوا به : بأن هذا الاختلاف مصروف إلى اختلاف يخل بالصلاة كسبق الإمام بالركوع أو السجود أو ما أشبه بذلك .

وبقيت هناك مسألة : وهي صلاة المتنفل خلف المفترض ، وهي جائزة بالاتفاق ، نقل ذلك ابن عبد البر فقال : (( وقد أجمعوا أنه جائز أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة إن شاء الله )) ( ) ، لكن ينقض هذا النقل ما ذكره الماوردي ( ) - وتبعه عليه النووي ( ) - أن شعبة ، وأبا قلابة ، والحسن ، والزهري ، ويحيى بن سعيد وفي رواية عن مالك : ذهبوا إلى أن اختلاف النية بين الإمام والمأموم غير جائزة إطلاقاً ، أي إنه لا يجوز أن يصلي المتنفل خلف المفترض ، ولا المفترض خلف المتنفل ، ولا المفترض خلف المفترض لفرض آخر ، إلا أني لم أقف على رواية مالك في كتب مذهبه .

ثم إن هذا النقل يناقض أيضاً ما ذهب إليه ابن عبد البر كما تقدم ، وما حرره ابن قدامة إذ قال : (( ولا يختلف المذهب في صحة صلاة المتنفل وراء المفترض ، ولا نعلم بين أهل العلم فيه اختلافاً )) ( ) .

أقول : إن صحت زيادة ابن جريج فالمذهب الأول أصح ، وقد وضّح ذلك ابن حجر ( ) ، وصحح هذه الزيادة وردّ كل ما يعارض المذهب الأول .

 

النموذج الثاني

ما رواه حماد بن سلمة ، عن أبي الزبير ، عن جابر : (( أنه نهى عن ثمن الكلب والسِّنَّوْرِ ، إلا كلب الصيد )) .

وردت هذه الزيادة (( إلا كلب صيد )) في حديث حماد بن سلمة ( ) ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله ، وحماد ثقة ( ) .

إلا أنه اختلف عليه في رفعه ووقفه .

فقد رواه عن حماد مرفوعاً كل من ( أبي نعيم ( ) ، سويد بن عمرو ( )، وحجاج ابن محمد ( ) ، والهيثم بن جميل ( ) ) جميعهم رووه مرفوعاً ، وفيه ذكر الزيادة .

ورواه عبد الواحد بن غياث ( ) ، عن حماد موقوفاً ، وفيه ذكر الزيادة .

ورواه عبيد الله بن موسى ( ) ، بالشك عن حماد ، وفيه ذكر الزيادة .

ومع اتساع الخلاف في رواية حماد فقد خولف حماد في روايته للزيادة .

فقد خالفه ( معقل بن عبيد الله ( )، وابن لهيعة ( ) ) كلاهما عن أبي الزبير ، عن جابر بدون ذكر الزيادة .

وللحديث طرق أخرى عن جابر بدون ذكر الزيادة :

فقد رواه أبو سفيان ( ) ، وعطاء ( ) ، وشرحبيل ( ) ثلاثتهم عن جابر دون ذكر الزيادة ، مما يدل على خطأ حماد في ذكرها إذ ليس من المعقول أن يغفل عنها الرواة في جميع الطبقات ويحفظها حماد .

إلا أن بعض العلماء يعد هذه الزيادة زيادة ثقة يتعين قبولها ، فقد قال ابن التركماني : (( هذا إسناد جيد ، فظهر أن الحديث صحيح ، والاستثناء زيادة على أحاديث النهي عن ثمن الكلب فوجب قبولها )) .

وقد ضعّف ابن حبان هذه الزيادة فقال : (( هذا الخبر بهذا اللفظ لا أصل له ، ولا يجوز ثمن الكلب المعلم ولا غيره )) ( ) . وكذلك البيهقي فقال : (( الأحاديث الصحاح عن النبي في النهي عن ثمن الكلب خالية من هذا الاستثناء ، وإنما الاستثناء في الأحاديث الصحاح في النهي عن الاقتناء ، ولعله شبه على من ذكر في حديث النهي عن ثمنه من هؤلاء الرواة الذين هم دون الصحابة والتابعين والله أعلم )) ( ) .

 

أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء : حكم بيع الكلب المعلم

اختلف الفقهاء في حكم بيع الكلب :

فقد ذهبت جماعة من أهل العلم إلى جواز بيع كلب الصيد دون غيره ، روي هذا عن جابر بن عبد الله ( ) ، وأبي هريرة ( ) .

وعطاء ( ) ، وزيد( ) بن علي ( ) ، والنخعي ( ) .

والحجة لهم زيادة حماد السابقة  .

أما الإمام أبو حنيفة فيجوز عنده بيع الكلب معلماً كان أو غير معلم في رواية الأصل ( ) . وعن أبي يوسف ( ) لا يجوز بيع الكلب العقور ؛ واستدلوا بأن الكلب منفعة يجوز بيعه .

أما الإمام مالك فقد قال : (( أكره ثمن الكلب الضاري وغير الضاري لنهي رسول الله عن ثمن الكلب )) ( ) .

وقد وضّح ابن عبد البر ذلك فقال : (( وقد اختلف أصحاب مالك واختلفت الرواية عنده في ثمن الكلب الذي أبيح اتخاذه ، فأجاز مرة ثمن الكلب الضاري، ومنع منه أخرى ، ووجه إجازة بيع ما أبيح اتخاذه من الكلاب ؛ لأن الْحَدِيْث الَّذِي ورد بالنهي عن ثمن الكلب ، فمن نذر مَعَهُ حلوان الكاهن ، ومهر البغي ، وهذا لا يباح شيء مِنْهُ عَلَى أنَّهُ الكلب الَّذِي لا يجوز اتخاذه ، والله أعلم ؛ لأن من الكلاب ما أبيح اتخاذه ، والانتفاع به ، فذلك جائز بيعه )) ( ) .

وعند الإمام مالك أن من قتل كلب صيد أو ماشية أو زرع فعليه قيمته ( ) .

وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يجوز بيع الكلب سواء كان معلماً أو غير معلم ، ولا ضمان على متلفه .

روي هذا عن أبي هريرة ( ) ، والحسن البصري ( ) ، ومحمد بن سيرين ( ) ، والحكم بن عتيبة ( ) ، وحماد بن أبي سليمان ( ) ، وربيعة الرأي ( ) ، والأوزاعي ( ) ، وابن أبي ليلى ( ) .

وإليه ذهب الشافعي ( ) ، وأحمد ( ) ، وهو مذهب الظاهرية ( ) .

واستدلوا بالحديث دون ذكر الزيادة وكأنها شاذة عندهم ؛ لذا لم يعملوا بها ، وقالوا أيضاً : بأن الكلب حيوان نجس لا يجوز بيعه كالخنْزير .

وقد تكون الزيادة محتملة القبول والرد ، مثال ذلك : ما روى عبد العزيز بن

مُحَمَّد ( ) ، عن صفوان بن سُليم ( ) ، عن عطاء بن يسار ( ) ، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله : (( غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم كغسل الجنابة )). هكذا رواه ابن حبان ( ) ، عن أبي يعلى ( ) ، عن محمد بن أبي بكر المُقَدَّمي ( ) .

وقد خولف عبد العزيز بن محمد في ذكر الزيادة ، خالفه ( مالك ( ) ، وسفيان بن عيينة ( ) ، وأبو علقمة الفروي ( ) ، وأسامة بن زيد ( ) ، وعبد الرحمان ابن زيد ( )، وبكر بن وائل ( )، والفضيل بن عياض ( )، وعبد الرحمان بن إسحاق ( ) )، فرووه عن صفوان بن سليم ( )، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري. دون ذكر الزيادة " كغسل الجنابة " .

وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة ( ) .

قال ابن حزم في المحلى( ):(( وكل غسل ذكرنا فللمرء أن يبدأ به من رجليه أو من أي أعضائه شاء ، حاشا غسل الجمعة والجنابة ، فلا يجزئ فيهما إلا البداءة بغسل الرأس أولاً ثم الجسد ، فإن انغمس في ماء فعليه أن ينوي البداءة برأسه ثم بجسده ولابد )) .

واستدل بقول رسول الله : (( حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوماً ، يغسل رأسه وجسده )) ( ).

وقوله : (( ابدؤا بما بدأ الله به )) ( )، وقد بدأ عليه السلام بالرأس قبل الجسد . وقال تعالى : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى ( ). فصح أن ما ابتدأ به رسول الله في نطقه فعن وحي أتاه من عند الله تعالى، فالله تعالى هو الذي بدأ بالذي بدأ به رسول الله .

وقد يختلف الراوي في زيادة فيذكرها مرة ويهملها مرة .

مثال ذلك ما رواه أيوب ( )، عن أبي قلابة ( )، عن أنس بلفظ : (( أمر رسول الله بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة )) ومن هذا الوجه أخرجه أبو عوانة ( ) من طريق سماك بن عطية ( ) ، والطحاوي ( ) من طريق عمرو الجزري ( ) ، وأبو عوانة ( )، وابن حبان ( ) من طريق شعبة ( ) ، وأبو داود ( )، وأبو يعلى ( )، وأبو عوانة ( ) من طريق وهيب ( )، والدارقطني ( ) من طريق خارجة ( )، ومسلم ( )، وأبو يعلى ( )، والبيهقي ( ) من طريق عبد الوارث ( ) ، وابن أبي شيبة ( ) ، وأحمد ( ) ، ومسلم ( ) ، والنسائي ( ) وفي الكبرى له ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، والدارقطني ( ) ، والحاكم ( ) ، والبيهقي ( ) من طريق عبد الوهاب الثقفي ( ) .

سبعتهم ( سماك ، وعمرو ، وشعبة ، ووهيب ، وخارجة ، وعبد الوارث ، وعبد الوهاب ) عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، به . وتابعه خالد الحذاء ( ) ، وسليمان التيمي ( ) متابعة تامة ، وقتادة ( ) متابعة نازلة إلا أن أيوب روى الحديث بالسند والمتن السابقين وزاد فيه : (( إلا الإقامة )) ( ) ، ورواها عنه كل من ، معمر ( ) ، وسماك ( ) ، وإسماعيل بن علية ( ) .

وله شواهد من حديث عبد الله بن عمر ( ) ، وعبد الله بن زيد ( ) .

أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء : كيفية الإقامة

اختلف الفقهاء في الإقامة كيف هي على ثلاثة مذاهب :

المذهب الأول :

يذهب إلى أن الإقامة هي كالأذان إلا أن فيها زيادة (( قد قامت الصلاة )) مرتين ، وهذا ما ذهب إليه بعض الصحابة منهم: علي بن أبي طالب ( )، وثوبان ( )، وعبد الله بن زيد الأنصاري ( ) ، وسلمة بن الأكوع ( ) ، وهو رواية عن بلال ( ) ، وأبي محذورة ( ) ، وذهب إلى ذلك أيضاً أبو العالية ( ) ، والنخعي ( ) ، ومجاهد ( ) ، وأبو حنيفة ( ) ، والثوري ( ) ، وعبد الله بن المبارك ( ) ، وهو مذهب الزيدية ( ) ، واستدلوا بحديث أبي محذورة( ) : (( أن النبي علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة )) ( ) ، وذهبوا إلى أن حديث أبي محذورة ناسخ لحديث بلال .

المذهب الثاني :

وهو يذهب إلى أن ألفاظ الإقامة مفردة ، وقوله : (( قد قامت الصلاة )) مرة واحدة أيضاً . وهو مذهب الليث بن سعد ( ) ، ومالك ( ) ، وقال الماوردي : (( وبه قال الشافعي في القديم )) ( ) ، واستدلوا بحديث أنس ، قال : (( أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة )) ( ) .

المذهب الثالث :

قالوا: لفظ الإقامة مفرد إلا قوله: (( قد قامت الصلاة )) فإنه يقوله مرتين ، وروي من فعل بعض الصحابة منهم: عمر ( )، وعبد الله بن عمر ( )، وأنس ( )، وهو رواية عن بلال ( )، وأبي محذورة ( ) - رضي الله عنهم - ، وهو ما ذهب إليه عروة بن الزبير ( )، وسعيد بن المسيب ( )، وعمر بن عبد العزيز ( )، والحسن ( )، ومحمد بن سيرين ( )، ومكحول( )، والزهري( )، والأوزاعي ( )، والشافعي( )، وابن حزم الظاهري ( ).

وفضّل هذا المذهب إسحاق بن راهويه ( ) ، وأحمد بن حنبل ( ) ، وداود بن علي الظاهري ( ) ، ومحمد بن جرير الطبري ( ) ، إلا أنهم أجازوا أن تكون الإقامة مثنى مثنى أو إفرادها إلا (( قد قامت الصلاة )) فإنها مرتان على كل حال وهذا ما أشار إليه ابن عبد البر ( ) .

قال ابن حجر : (( وقد أنكر أحمد على من ادعى النسخ بحديث أبي محذورة ، واحتج بأن النبي رجع إلى المدينة وأقرّ بلالاً على إفراده الإقامة وعلمه سعد القرظ فأذن به بعده كما رواه الدارقطني والحاكم )) ( ) .

وقد تُرَدُّ الزيادة للاختلاف فيها وشدة فرديتها ، مثال ذلك حديث مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل بن حجر ، قال : صليت مع رسول الله ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره .

فقد ورد حديث وائل بن حجر وفيه وضع اليمين على الشمال من طرق عن ( بعض أهل بيت عبد الجبار ، وأم عبد الجبار، وعلقمة بن وائل ( )، وعبد الجبار بن وائل ( ) ، وكليب بن شهاب) خمستهم رووه عن وائل بن حُجر( ) . زاد مؤمل ( ) في روايته عن سفيان الثوري ، عن عاصم بن كليب ( ) ، عن أبيه كليب بن شهاب ( ) جملة : (( على صدره )) .

إلا أن مؤملاً اضطرب في روايته عن سفيان فرواه مرة (( على صدره )) ( )، ومرة (( عند صدره )) ( ) ، ومرة بدون ذكر الزيادة ( ) .

وتابع مؤملاً في روايته على صدره متابعة نازلة ، إبراهيم بن سعيد الجوهري ( ) ، عن محمد بن حجر ، عن سعيد بن عبد الجبار بن وائل ، عن أبيه ، عن أمه ، عن وائل .

إلا أنها متابعة ضعيفة ، فمحمد بن حجر قال عنه البخاري : كوفي ، فيه بعض النظر ( ) ، وسعيد بن عبد الجبار بن وائل بن حجر قال عنه البخاري : فيه نظر ، وقال النسائي : ليس بالقوي ، وقال ابن عدي : ليس له كثير حديث ، وقال ابن حجر : ضعيف ( ) .

ورواية مؤمل مع شدة فرديتها ، واضطرابه فيها لا تصح لشدة مخالفته بها الرواة عن سفيان الثوري ، والرواة عن عاصم بن كليب ، والرواة عن وائل بن حجر .

فقد رواه عن سفيان ، عبد الله( ) بن الوليد ( )، ومحمد بن يوسف الفريابي ( ) ، كلاهما عن سفيان دون ذكر الزيادة .

 

ورواه عن عاصم بن كليب ( عبد الله بن إدريس ( ) ، وشعبة بن الحجاج ( ) ، وزائدة ( ) بن قدامة ( ) ، ومحمد( ) بن فضيل ( ) ، وزهير( ) بن معاوية ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، وقيس بن الربيع ( ) ، وأبو الأحوص ( ) ، وعبد الواحد بن زياد ( ) ،وبشر بن المفضل ( ) ، وأبو إسحاق ( ) ) جميعهم رووه عن عاصم بن كليب ، عن كليب دون ذكر الزيادة .

ورواه عن وائل ( بعض أهل بيته ( )، وعلقمة بن وائل منفرداً ( )، وعبد الجبار بن وائل ( ) ، وعلقمة بن وائل ، ومولى لهم مقرونين ( ) ) جميعهم رووه عن وائل بن حجر دون ذكر الزيادة .

فزيادة في هذا المنتهى من المخالفة لا يمكن قبولها ، لاسيما وأن مدار زيادة مؤمل على سفيان الثوري ، ومذهب سفيان في هذه المسألة وضع اليدين تحت السرة ( ) ، فلو كانت هذه الزيادة ثابتة من طريقه لما خالفها . ويضاف إلى هذا أنني لم أجد نقلاً قوياً عن أحد من السلف يقول بوضع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر ؛ فهي زيادة أيضاً مخالفة بعدم عمل أهل العِلْم بِهَا ، والله أعلم .

 

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء ( موضع اليدين عند القيام في الصَّلاَة )

اختلف الفقهاء في ذَلِكَ عَلَى مذاهب :

المذهب الأول : توضع اليدان تحت السرة .

ذهب إلى ذلك أبو هريرة ( )، وأنس بن مالك ( )، والإمام علي بن أبي طالب ( ) - في رواية عنه – رضي الله عنهم جميعاً .

وهو مذهب الإمام أبي حنيفة ( )، وأحمد ( ) -في رواية عنه-، وسفيان الثوري ( )، وإسحاق بن راهويه ( ) ، وأبي إسحاق ( ) من أصحاب الشافعي ، وأبي مجلز ( ) ، والنخعي ( ) .

المذهب الثاني : توضعان فوق السرة وتحت الصدر .

وهو مذهب الجمهور ، قاله النووي( ) -رحمه الله-. وبه قال سعيد بن جبير( )،

 

 

والشافعي ( ) ، وهو رواية عن مالك ( ) ، ورواية عن أحمد ( ) .

بل هو رواية أخرى عن علي بن أبي طالب ، كما قال النووي ( ) .

المذهب الثالث : التخيير : ( تحت السرة أو فوقها  )

وهو قول ثالث للإمام أحمد( ) ، وهو مذهب الأوزاعي ( ) ، وعطاء ( ) ، وابن المنذر ( ).

وقال ابن حبيب ( ) : ليس لذلك موضع معروف .

 

المذهب الرابع : الإرسال .

وهو مذهب ابن الزبير ( ) ، والحسن البصري ( ) ، والنخعي ( ) ، فيما رواه عنهم ابن المنذر ( ) ، وهو المروي أيضاً عن ابن سيرين ( ) .

وهو مذهب مالك ( ) في رواية عنه في المشهور من مذهبه ( ) ، وإلا فقد اضطرب النقل عنه في هذا .

وهو مذهب الليث بن سعد ( ) ، وابن جريج ( ) ، وعطاء ( ) ، والقاسمية ( ) ، والناصرية ( ) ، والباقر ( ) .

بقي أن نقول إن المؤيد بالله ( ) ، والإمام يحيى ( ) ، ذهبا إلى القول بالإرسال مع قولهما أنه يكره وضع اليمين على اليسار ولا تفسد الصلاة إذا ما وضعها هكذا .

أما الهادوية ( ) فقد ذهبوا إِلَى القول بالإرسال وأنه تبطل الصلاة إذا وضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة .

المذهب الخامس : توضعان على الصدر .

نسبه القرطبي للإمام علي ( ) ، ولا يصح عنه ( ) ، ونسبه المرغيناني للشافعي ( ) ، ولا يصح عنه ( ) ، ونسبه الألباني لإسحاق بن راهويه ( ) ، ولا يصح عنه ( ) .

وهذا المذهب اختاره الصنعاني( )، والمباركفوري ( )، وصاحب "عون المعبود" ( )، والشوكاني ( ) .

واحتجوا بزيادة مؤمل .

وقد لا تقبل الزيادة لقرينة دالة على عدم صحة هذه الزيادة .

مثال ذلك :

زيادة التشهد في سجود السهو في حديث عمران بن الحصين( ) جاءت من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن أشعث بن عبد الملك( ) ، عن محمد بن سيرين ، عن خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب( ) ، عن عمران بن الحصين (( أن النبي صلى بهم فسها ، فسجد سجدتين ، ثم تشهد ، ثم سلم )) ( ) .

قال الترمذي : (( حسن غريب )) ( ) ، وقال الحاكم : (( صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إنما اتفقا على حديث خالد الحذاء ، عن أبي قلابة وليس فيه ذكر التشهد لسجدتي السهو )) ( ) .

قال العلائي : (( أشعث هذا هو ابن عبد الملك الحمراني ، وثّقه يحيى بن سعيد القطان ، والنسائي وغيرهما ، وقال أبو حاتم الرازي : لا بأس به ، وقال يحيى بن معين : خرج حفص بن غياث إلى عبادان ، فاجتمع إليه البصريون، فقالوا: لا تحدثنا عن أشعث ابن عبد الملك ، ولم يخرج الشيخان له شيئاً في كتابيهما ، لكن البخاري ذكره تعليقاً ، وقد ذكره ابن عدي في كتابه الكامل في الضعفاء ، لكنه لم يذكر شيئاً يدل على تليينه ، أكثر من قول أهل البصرة هذا وفي كونه تضعيفاً نظر لو انفرد ، فكيف به مع توثيق يحيى بن سعيد القطان وغيره )) ( ) .

ولكن أشعث قد خالف الحفاظ الثقات في هذه الزيادة ، فقد قال ابن حجر :

(( المحفوظ عن ابن سيرين في حديث عمران ليس فيه ذكر التشهد . وروى السراج من طريق سلمة بن علقمة أيضاً في هذه القصة : ( قلت لابن سيرين : فالتشهد ؟ فقال : لم أسمع في التشهد شيئاً )) ( ) . كما روي عن ابن سيرين أنه سئل عن التسليم في السهو ؟ فقال: (( لم أحفظ عن أبي هريرة، ولكن نبئت أن عمران بن الحصين قال: ثم سلم ))( )، فلم يذكر التشهد . ولكن قال محمد بن سيرين : (( أحب إلي أن يتشهد )) ( ) .

والحديث مروي من طرق عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة ، عن أبي المهلب ، عن عمران بن حصين، دون ذكر الزيادة. رواه إسماعيل بن إبراهيم بن علية ( )، والمعتمر بن سليمان ( ) ، وشعبة بن الحجاج ( ) ، وعبد الوهاب الثقفي ( ) ، ويزيد بن زريع ( ) ، ومسلمة بن محمد ( ) ، وحماد بن زيد ( ) ، ووهب بن بقية ( ) ، ووهيب ( ) ، وهشيم بن بشير ( ) جميعهم عن خالد الحذاء ، به دون ذكر الزيادة . قال البيهقي :

(( تفرد به أشعث الحمراني وقد رواه شعبة ووهيب وابن علية، والثقفي، وهشيم ، وحماد ابن زيد ، ويزيد بن زريع وغيرهم عن خالد الحذاء لم يذكر أحد منهم ما ذكر أشعث  عن محمد عنه ، ورواه أيوب ، عن محمد قال : أخبرت عن عمران فذكر السلام دون التشهد ، وفي رواية هشيم ذكر التشهد قبل سجدتين وذلك يدل على خطأ أشعث فيما رواه )) ( ) . وقال العلائي : (( هذا لو كان أشعث مقاوماً لمن ذكر ، فكيف وهو دونهم في الإتقان والحفظ بكثير وقد مس أيضاً ، وهذا وحده كاف في رد زيادة التشهد )) ( ) .

وقال ابن عبد البر : (( أما التشهد في سجدتي السهو فلا أحفظه من وجه صحيح عن النبي )) ( ) .

 

أثر هذه الزيادة في اختلاف الفقهاء

اختلف الفقهاء في سجود السهو . هل فيه تشهد وسلام أم لا ؟

فذهب أنس بن مالك ( ) ، والشعبي ( ) ، والحسن ( ) ، وعطاء ( ) إِلَى أنَّهُ

لا تشهد ولا سلام في سجود السهو .

في حين ذهب عمار بن ياسر ( ) ، وسعد بن أبي وقاص ( ) -رضي الله عنهما- ، وابن أبي ليلى ( ) إلى أن فيه تسليماً ولم يذكروا شيئاً عن التشهد .

وذهب عبد الله بن مسعود ( ) ، وقتادة ( ) ، والحكم ( ) ، وحماد ( ) ، والنخعي ( ) ، والزيدية ( ) ، والظاهرية ( ) إلى أن في سجود السهو تشهداً وتسليماً ، وهو مذهب أبي حنيفة إذ قال: (( كل سهو وجب في الصلاة عن زيادة أو نقصان فإن الإمام إذا تشهد سلم ثم سجد سجدتي السهو ثم يتشهد ويسلم ، وليس شيء من السهو يجب سجوده قبل السلام )) ( ) .

وذهب مالك ( )، والشافعي ( )، وإسحاق ( )، وأحمد ( )، واختاره الشوكاني( ) إلى أنه إذا سجد سجدتي السهو بعد السلام ، فإنه يتشهد بعدها ويسلم ، أما إذا سجد سجدتي السهو قبل السلام فيجزيه التشهد الأول . وفي رواية عن مالك ( ) يتشهد إذا سجد قبل التسليم أيضاً. وقال ابن حجر: (( أما قبل السلام فالجمهور على أنَّهُ لا يعيد التشهد ، وحكى ابن عبد البر ، عن الليث أنه يعيده ، وعن البويطي ، عن الشافعي مثله وخطّأه في هذا النقل فإنه لا يعرف ، وعن عطاء ( ) يتخير ، واختلف فيه عند المالكية )) ( ) ، واستدلوا على هذا بحديث عبد الله بن مسعود ، عن النبي قال : (( إذا كنت في الصلاة ، فشككت في ثلاث أو أربع، وأكثر ظنك على أربع تشهدت ثم سجدت سجدتين ، وأنت جالس قبل أن تسلم، ثم تشهدت أيضاً ثم سلمت )) ( )، وحديث المغيرة بن شعبة: (( أن النبي تشهد بعد أن رفع رأسه من سجدتي      السهو ))( )، قال ابن المنذر: (( لا أحسب التشهد في سجود السهو يثبت )). وقال ابن حجر: (( فقد يقال: إن الأحاديث الثلاثة في التشهد باجتماعها ترتقي إلى درجة الحسن، قال العلائي : وليس ذلك ببعيد، وقد صح ذلك عن ابن مسعود من قوله أخرجه ابن أبي شيبة( ) )) ( ). وقال الشوكاني : (( اعلم أن المراد بالتشهد المذكور في سجود السهو هو التشهد المعهود في الصلاة لا كما قاله الإمام المهدي في البحر أنه الشهادتان في الأصح لعدم وجدان ما يدل على الاقتصار على البعض من التشهد الذي ينصرف إليه مطلق التشهد )) ( ) .

ومثال ذلك أَيْضاً :

ما رواه علي بن عبد الله البارقي الأزدي ( )، عن ابن عمر ، عن النبي : (( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى )). أخرجه: الطيالسي( )، وابن أبي شيبة ( )، وأحمد( )، والدارمي ( ) ، والبخاري في التاريخ الكبير ( ) ، وأبو داود ( ) ، وابن ماجه ( )، والترمذي ( ) ، والنسائي ( ) ، وابن الجارود ( ) ، وابن خزيمة ( )، والطحاوي ( )، وابن حبان ( ) ، وابن عدي ( ) ، والدارقطني ( ) ، وابن حزم ( ) ، والبيهقي ( ) ، والخطيب ( ) ، وابن عبد البر ( ) .

وقد خالف الأزدي غيره من الرواة عن ابن عمر فزاد كلمة (( النهار )) وجمع  الرواة عن ابن عمر لا يذكرون هذه الكلمة ، وهم :

أنس بن سيرين ، أخرجه : أحمد ( ) ، والبخاري ( ) ، ومسلم ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والترمذي ( ) ، والنسائي ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، والطبراني ( ) ، وأبو نعيم ( ) ، والبغوي ( ) .

حميد بن عبد الرحمان ، أخرجه : النسائي ( ) ، وأبو عوانة ( ) .

سعد بن عبيدة ، أخرجه : الطبراني ( ) .

سالم بن عبد الله بن عمر ، أخرجه : الشافعي ( )، وعبد الرزاق ( ) ، والحميدي ( ) ، وابن أبي شيبة ( ) ، وأحمد ( ) ، والبخاري ( ) ، ومسلم ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والنسائي ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وابن الجارود ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، وابن حبان ( ) ، والطبراني ( ) ، وأبو نعيم ( ) ، والبيهقي ( ) ، والخطيب ( ) ، والبغوي ( ) .

طاووس ، أخرجه : الشافعي ( )، وعبد الرزاق ( )، والحميدي ( ) ، وابن أبي شيبة ( ) ، وأحمد ( ) ، ومسلم ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والنسائي ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، والطحاوي ( ) ، والطبراني ( ) ، وأبو نعيم ( ) ، والبيهقي ( ) .

عبد الله بن دينار ، أخرجه : الشافعي ( ) ، وعبد الرزاق ( ) ، والحميدي( )، وابن أبي شيبة ( )، وابن ماجه( )، وابن خزيمة ( )، والطحاوي( )، والبيهقي ( ) ، وابن عبد البر ( ) .

عبد الله بن شقيق( ) ، أخرجه : ابن أبي شيبة ( ) ، وأحمد ( ) ، ومسلم ( ) ، وأبو داود ( ) ، والنسائي ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن حبان ( ) ، والطبراني ( ) ، وأبو نعيم ( ) ، والبيهقي ( ) .

عبيد الله بن عبد الله، أخرجه: مسلم( )، وأبو عوانة ( )، وأبو نعيم ( )، والبيهقي ( ) .

عقبة بن حريث( )، أخرجه: أحمد ( )، ومسلم ( )، وأبو عوانة ( )، وأبو نعيم ( ) ، والبيهقي ( ) .

عقبة بن مُسْلِم ( ) ، أخرجه : الطحاوي ( ) .

عطية بن سعد( )، أخرجه : أحمد ( )، والطرسوسي ( )، وابن قانع ( )، وأبو نعيم ( ) .

القاسم بن محمد ، أخرجه : البخاري ( ) ، والنسائي ( ) .

محمد بن سيرين ، أخرجه : عبد الرزاق ( ) ، وأحمد ( )، وابن الأعرابي ( )، والطبراني ( ) .

نافع ، أخرجه : ابن أبي شيبة ( ) ، وأحمد ( ) ، والدارمي ( ) ، والبخاري ( ) ، والطرسوسي ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والترمذي ( ) ، والنسائي ( ) ، وأبو يعلى ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن قانع ( ) ، وابن حبان ( ) ، والطبراني ( ) ، والخطيب ( ) ، وابن عبد البر ( ) ، والبغوي ( ) .

أبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف ، أخرجه : الحميدي ( ) ، وأحمد ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والنسائي ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، وابن حبان ( ) .

أبو مجلز ( لاحق بن حميد ) ( ) ، أخرجه : ابن ماجه ( ) .

نافع وعبد الله بن دينار مقرونين ، أخرجه : مالك ( ) ، والشافعي ( ) ، والبخاري ( ) ، ومسلم ( ) ، وأبو داود ( ) ، والنسائي ( ) ، وأبو عوانة ( ) ، والطحاوي ( ) ، وأبو نعيم ( ) ، والبيهقي ( ) ، والبغوي ( ) .

سالم بن عبد الله بن عمر وحميد بن عبد الرحمان  مقرونين ، أخرجه : عبد ( ) الرزاق ( ) ، وأحمد ( ) ، ومسلم ( ) ، والنسائي ( ) ، وأبو عونة ( ) ، والطحاوي ( ) ، وأبو نعيم ( ) .

أبو سلمة بن عبد الرحمان بن عوف ونافع مقرونين، أخرجه: أحمد ( )، والطرسوسي ( ) ، والنسائي ( ) ، والطحاوي ( ) .

والمتأمل الناظر يجد الأزدي قد خالف جميع الرواة عن ابن عمر إذ قال الترمذي: (( والصحيح ما روي عن ابن عمر أن النبي قال: (( صلاة الليل مثنى مثنى ))، وروى الثقات عن عبد الله بن عمر عن النبي ولم يذكروا فيه صلاة النهار )) ( ) .

وقال النسائي : (( هذا الحديث عندي خطأ والله تعالى أعلم )) ( ) ، وقال أيضاً : (( هَذَا إسناد جيد ولكن أصحاب ابن عمر خالفوا علياً الأزدي … )) ( ) .

وقال البيهقي : إن البخاري قد سئل عن حديث يعلى بن عطاء أصحيح هو ؟

فقال : نعم . قال أبو عبد الله وقال سعيد بن جبير كان ابن عمر لا يصلي أربعاً لا يفصل بينهن إلا المكتوبة ( ) .

وقال ابن عبد البر : (( لم يقله أحد عن ابن عمر غيره وأنكروه عليه )) ( ) وساق ابن عبد البر بسنده عن مضر بن محمد أنه قال : (( سألت يحيى بن معين عن صلاة الليل والنهار فقال: صلاة النهار أربعاً لا يفصل بينهن فاصل ، وصلاة الليل ركعتين، فقلت له: إن أبا عبد الله أحمد بن حنبل يقول صلاة الليل والنهار مثنى مثنى ، فقال : بأي حديث ؟ فقلت : بحديث شعبة ، عن يعلى بن عطاء ، عن عَلِيّ الأزدي ، عن ابن عمر أن النَّبِيّ قَالَ: (( صلاة الليل والنهار مثنى مثنى )) فَقَالَ: ومن عَلِيّ الأزدي حَتَّى أقبل مِنْهُ هَذَا ))( ).

وقال ابن تيمية : (( فهذا الحديث يرويه الأزدي عن علي بن عبد الله البارقي ، عن ابن عمر ( ) ، وهو خلاف ما رواه الثقات المعروفون عن ابن عمر فإنهم رووا ما في الصحيحين أنه سئل عن صلاة الليل فقال : (( صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خفت الفجر فاوتر بواحدة ))  )) ( ) .

وقد أفاض ابن تيمية في تضعيف هذه الزيادة في مجموعة فتاويه ( ) .

وقال الزيلعي: (( والحديث في الصحيحين من حديث جماعة عن ابن عمر ليس فيه ذكر النهار ( ) )) ( ) .

أثر الحديث في اختلاف الفقهاء ( كيف تصلى نافلة النهار ) ؟

اختلف العلماء في نافلة النهار كيف تصلى على مذهبين :

المذهب الأول : وهو أن تصلى مثنى مثنى ، وهو ما ذهب إليه سعيد بن جبير ( ) ، والحسن البصري ( ) ، وحماد بن أبي سليمان ( ) ، ومالك ( ) ، والشافعي ( ) ، وهو ما فضّله أحمد ( ) ، وداود ( ) ، وابن المنذر ( ) .

قال الشافعي - رحمه الله - : (( صلاة الليل والنهار من النافلة سواء يسلم في كل ركعتين ، هكذا جاء الخبر عن النبي في صلاة الليل ، وقد يروى عنه خبر يثبت أهل الحديث مثله في صلاة النهار ، ولو لم يثبت كان إذ أمر رسول الله في صلاة الليل أن يسلم من كل ركعتين كان معقولاً في الخبر عنه أنه أراد والله تعالى أعلم الفرق بين الفريضة والنافلة ، ولا تختلف النافلة في الليل والنهار كما لا تختلف المكتوبة في الليل والنهار؛ لأنها موصولة كلها )) ( ) .

وقال أيضاً : (( وهكذا ينبغي أن تكون النافلة في الليل والنهار )) ( ) .

المذهب الثاني: أنها تصلى أربعاً وهو ما ذهب إليه ابن عمر ( )، وأبو حنيفة ( )، إذ ذهب إلى أنه يصلى في نفل النهار أربعاً بتسليمة أو اثنتين، والأفضل أربع، والأوزاعي( )، وأبو يوسف ( ) ، ومحمد ( ) ، وإسحاق ( ) ، واستدلوا بحديث أبي أيوب الأنصاري عن النبي أنه قال : (( أربع قبل الظهر لا يسلم فيهن تفتح لهن أبواب السماء )) ( ) ، وأجاز ذلك أحمد ( )، وقال ابن قدامة في المغني : (( وحديث أبي أيوب يرويه عبيد الله بن معتب وهو ضعيف، ومفهوم الحديث المتفق عليه يدل على جواز الأربع لا على تفضيلها، وأما حديث البارقي فإنه تفرد بزيادة لفظة النهار من بين سائر الرواة ، وقد رواه عن ابن عمر نحو خمسة عشر نفساً لم يقل ذلك أحد سواه وكان ابن عمر يصلي أربعاً فيدل ذلك على ضعف روايته أو على أن المراد بذلك الفضيلة مع جواز غيره والله تعالى أعلم )) ( ) .

 

المبحث الثالث

اختلاف الثقة مع الثقات ، وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

إن الاختلافات الواردة في المتن أو الإسناد تتفرع أنواعاً متعددة ، لكل نوع اسمه الخاص به ، ومن تلك الاختلافات هو أن يخالف الثقة ثقات آخرين ، مثل هذه المخالفة تختلف ، ربما تكون من ثقة يخالف ثقة آخر ، أو من ثقة يخالف عدداً من الثقات ، وإذا كان المخالف واحداً وليس جمعاً فيشترط فيه أن يكون أوثق ممن حصل فيه الاختلاف ، وهذا النوع من المخالفة يطلق عليه عند علماء المصطلح الشاذ ( )، وهو: أن يخالف الثقة من هو أوثق منه عدداً أو حفظاً .

وهذا التعريف مأخوذ من تعريف الشافعي للشاذ ، فقد روي عن يونس بن عبد الأعلى ( )، قال: قال لي الشافعي -رحمه الله-: (( ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره ، إنما الشاذ : أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس )) ( ) .

والشاذ في اللغة : المنفرد ، يقال : شذّ يَشُذُّ ويشِذُّ – بضم الشين وكسرها – أي : انفرد عن الجمهور ، وشذَّ الرجلُ: إذا انفرد عن أصحابه. وكذلك كل شيء منفرد فهو شاذ. ومنه: هو شاذ من القياس، وهذا مما يشذ عن الأصول،وكلمة شاذة…وهكذا ( ).

إذن : الشذوذ هو مخالفة الثقة للأوثق حفظاً أو عدداً ، وهذا هو الذي استقر عليه الاصطلاح ( ) ، قال الحافظ ابن حجر : (( يختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف رواية من هو أرجح منه )) ( ) .

ثم إن مخالفة الثقة لغيره من الثقات أمر طبيعي إذ إن الرواة يختلفون في مقدار حفظهم وتيقظهم وتثبتهم من حين تحملهم الأحاديث عن شيوخهم إلى حين أدائها . وهذه التفاوتات الواردة في الحفظ تجعل الناقد البصير يميز بين الروايات ، ويميز الرواية المختلف فيها من غير المختلف فيها ، والشاذة من المحفوظة ، والمعروفة من المنكرة .

ومن الأمثلة لحديث ثقة خالف في ذلك حديث ثقة أوثق منه :

ما رواه معمر بن راشد ( )، عن يحيى بن أبي كثير( )، عن عبد الله بن أبي قتادة( )، عن أبيه ( ) ، قال : (( خرجت مع رسول الله زمن الحديبية ، فأحرم أصحابي ولم أحرم ، فرأيت حماراً فحملت عليه ، فاصطدته ، فذكرت شأنه لرسول الله ، وذكرت أني لم أكن أحرمت ، وأني إنما اصطدته لك ؟ فأمر النَّبِيّ أصحابه فأكلوا ، وَلَمْ يأكل مِنْهُ حِيْنَ أخبرته أني اصطدته لَهُ )) ( ) .

فهذا الحديث يتبادر إلى ذهن الناظر فيه أول وهلة أنه حديث صحيح، إلا أنه بعد البحث تبين أن معمر بن راشد – وهو ثقة – قد شذ في هذا الحديث فقوله : (( إنما اصطدته لك )) ، وقوله : (( ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته له )). جملتان شاذتان شذ بهما معمر بن راشد عن بقية الرواة .

قال ابن خزيمة : (( هذه الزيادة : (( إنما اصطدته لك )) ، وقوله : (( ولم يأكل منه حين أخبرته أني اصطدته لك )) ، لا أعلم أحداً ذكره في خبر أبي قتادة غير معمر في هذا الإسناد ، فإن صحت هذه اللفظة فيشبه أن يكون أكل من لحم ذلك الحمار قبل [أن] ( ) يعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله، فلما أعلمه أبو قتادة أنه اصطاده من أجله امتنع من أكله بعد إعلامه إياه أنه اصطاده من أجله ؛ لأنه قد ثبت عنه أنه قد أكل من لحم ذلك الحمار )) ( ) .

هكذا جزم الحافظ ابن خزيمة بتفرد معمر بن راشد بهاتين اللفظتين ، وهو مصيب في هذا ، إلا أنه لا داعي للتأويل الأخير لجزمنا بعدم صحة هاتين اللفظتين – كما سيأتي التدليل عليه - .

وقال أبو بكر بن زياد النيسابوري ( ) - شيخ الدارقطني - : (( قوله : " اصطدته لك " ، وقوله: " ولم يأكل منه " ، لا أعلم أحداً ذكره في هذا الحديث غير معمر )) ( ).

وقال البيهقي: (( هذه لفظة غريبة لم نكتبها إلا من هذا الوجه ، وقد روينا عن أبي حازم بن دينار ، عن عبد الله بن أبي قتادة في هذا الحديث أن النبي أكل منها ، وتلك الرواية أودعها صاحبا الصحيح ( ) كتابيهما دون رواية معمر وإن كان الإسنادان صحيحين )) ( ) .

وقال ابن حزم : (( لا يخلو العمل في هذا من ثلاثة أوجه . إما أن تغلب رواية الجماعة ( ) على رواية معمر لا سيما وفيهم من يذكر سماع يحيى من أبي قتادة ( ) ، ولم يذكر معمرا ، أو تسقط رواية يحيى بن أبي كثير جملة ؛ لأنه اضطرب عليه ( ) ، ويؤخذ برواية أبي حازم وأبي محمد وابن موهب الذين لم يضطرب عليهم؛ لأنه لا يشك ذو حسٍّ أن إحدى الروايتين وهم ، إذ لا يجوز أن تصح الرواية في أنه عليه السلام أكل منه ، وتصح الرواية في أنه عليه السلام لم يأكل منه ، وهي قصة واحدة في وقت واحد في مكان واحد في صيد واحد )) ( ) .

وسأشرح الآن شذوذ رواية معمر ، فأقول :

خالف معمر رواية الجمع عن يحيى ، فقد رواه هشام الدستوائي ( ) – وهو ثقة ثبت ( )-، وعلي بن المبارك ( ) -وهو ثقة ( )-، ومعاوية بن سلام ( ) -وهو ثقة ( )-، وشيبان بن عبد الرحمان ( ) -وهو ثقة ( )-، فهؤلاء أربعتهم رووه عن يحيى بن أبي كثير ، ولم يذكروا هاتين اللفظتين .

كما أن الحديث ورد من طريق عبد الله بن أبي قتادة من غير طريق يحيى بن أبي كثير ، ولم تذكر فيه اللفظتان مما يؤكد ذلك شذوذ رواية معمر بتلك الزيادة ؛ فَقَدْ رَوَاهُ عثمان بن عَبْد الله بن موهب ( ) – وَهُوَ ثقة ( ) - ، وأبو حازم سلمة بن دينار ( ) - وهو ثقة ( ) - ، وعبد العزيز بن رفيع ( ) –وهو ثقة ( )- ، وصالح بن أبي حسان ( ) – وهو صدوق ( ) - ؛ فهؤلاء أربعتهم رووه عن عبد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، ولم يذكروا هاتين اللفظتين ، كما أن هذا الحديث روي من طرق أخرى عن أبي قتادة ، وليس فيه هاتان اللفظتان : فقد رواه نافع مولى أبي قتادة ( ) -وهو ثقة ( )-، وعطاء بن يسار ( ) - وهو ثقة ( ) - ، ومعبد بن كعب بن مالك ( ) - وهو ثقة ( ) - ، وأبو صالح مولى التوأمة ( ) - وهو مقبول ( ) - فهؤلاء أربعتهم رووه دون ذكر اللفظتين اللتين ذكرهما معمر ، وهذه الفردية الشديدة مع المخالفة تؤكد شذوذ رواية معمر لعدم وجودها عند أحدٍ من أهل الطبقات الثلاث .

والذي يبدو لي أن السبب في شذوذ رواية معمر بن راشد دخول حديث في حديث آخر ؛ فلعله توهم بما رواه هو عن الزهري، عن عروة، عن يحيى بن عبد الرحمان ابن حاطب، عن أبيه أنه اعتمر مع عثمان في ركب ، فأهدي له طائر ، فأمرهم بأكله ، وأبى أن يأكل ، فقال له عمرو بن العاص : أنأكل مما لست منه آكلاً ، فقال : إني لست في ذاكم مثله ، إنما اصطيد لي وأميت باسمي ( ) .

فربما اشتبه عليه هذا الحديث بالحديث السابق ، والله أعلم .

 

أثر رِوَايَة معمر في اختلاف الفقهاء ( أكل المحرم من لحم الصيد )

اختلف العلماء رحمهم الله في هذه المسألة على ثلاثة أقوال :

القول الأول : ما صاده الحلال للمحرم أو من أجله لا يجوز له أكله ، وما لم يصد له ولا من أجله فلا بأس بأكله .

وهذا هو الصحيح عن عثمان في هذا الباب ( ) ، وهو قول عطاء في رواية ، وإسحاق ، وأبي ثور ( ) .

وبه قال مالك ( ) ، والشافعي ( ) ، وأحمد ( ) ، والزيدية ( ) .

واستدلوا بحديث معمر السابق وبحديث جابر عن النبي قال : (( لحم صيد البر لكم حلال وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم )) ( ) .

القول الثاني : يحرم أكل لحم الصيد للمحرم على كل حال .

وهذا قول علي ، وابن عمر ، وابن عباس ، ومعاذ ، وزيد ، وعائشة ، وطاووس ، وجابر بن زيد ، والليث ، والثوري ، وإسحاق، وداود بن علي، وأبي بكر بن داود ( ).

وبه قال الهادوية من الزيدية ( ) .

واستدلوا بعموم قوله تعالى : (( وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُما )) ( ) .

وبحديث الصعب بن جَثَّامة أنه أهدى لرسول الله حمار وحش بالأبواء أو بودَّان ، فرده عليه ، وقال : (( لم نرده عليك إلا أنا حرم )) ( ) .

القول الثالث : يحل للمحرم أكل ما صاده الحلال إذا لم يعنه ، حتى ولو صاده من أجله .

وهذا قول عمر بن الخطاب ، وعثمان بن عفان في رواية ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، والزبير بن العوام ، وكعب الأحبار ، وطلحة ، وأبي ذر ، وابن عمر في رواية ، وعطاء في رواية ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والليث في رواية ( ) .

وبه قال الحنفية ( ) ، والظاهرية ( ) .

 

 

المبحث الرابع

اختلاف الضعيف مع الثقات وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

إذا خولف الثقة في حَدِيْث من الأحاديث فهنا مسألة يأخذها النقاد بنظر الاعتبار فيوازنون ويقارنون بَيْنَ المختلفين فإذا خولف الثقة من قِبَلِ ثقة آخر فيحكم حينئذٍ لرواية من الروايات بحكم يليق بِهَا وكذا تأخذ المقابلة الحكم بالضد أما إذا خولف الثقة برواية ضعيف من الضعفاء ، فلا يضر حينئذٍ الاختلاف لرواية الثقة ؛ إذ إن رِوَايَة الثقات لا تعل برواية الضعفاء ( ) ؛ فرواية الثقة معروفة ورواية الضعيف منكرة فعلى هَذَا المنكر من الْحَدِيْث هُوَ : المنفرد المخالف لما رَوَاهُ الثقات ( ) قَالَ الإمام مُسْلِم : (( وعلامة المنكر في حَدِيْث المحدّث إذا ما عرضت روايته للحديث عَلَى رِوَايَة غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته روايتهم أو لَمْ تكد توافقها )) ( ) .

وعليه فإن رِوَايَة الضعيف شبه لا شيء أمام رِوَايَة الثقات الأثبات ولا تعل الرِّوَايَة الصحيحة بالرواية الضعيفة ، وَقَدْ وجدنا خلال البحث والسبر أن بعض العلماء قَدْ عملوا بأحاديث بعض الضعفاء وَهِيَ مخالفة لرواية الثقات ، ومثل هَذَا يحمل عَلَى حسن ظنهم برواية الضعيف وعلى عدم اطلاعهم عَلَى رِوَايَة الثقات .

مثال ذَلِكَ :

ما رَوَاهُ أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي ( )، قَالَ: حَدَّثَنِي ابن وهب ( )، قَالَ: أخبرني يحيى بن أيوب( )، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري( )، عن أبيه ( ) (( أن الصعب بن جَثامة ( ) أهدى للنبي عجز حمار وحش ، وَهُوَ بالجُحْفَة ( ) فأكل مِنْهُ وأكل القوم )) ( ) .

فهذا الْحَدِيْث مخالف لرواية الثقات ، وفيه راويان فيهما مقال :

الأول : يحيى بن أيوب الغافقي :

فهو وإن حسّن الرأي فِيْهِ  جَمَاعَة من الْمُحَدِّثِيْنَ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ  آخرون ، فَقَدْ ضعّفه أبو زرعة ( )، والعقيلي ( )، وَقَالَ أحمد : كَانَ سيء الحفظ ( )، وَقَالَ أبو حاتم : (( محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج بِهِ )) ( )، وَقَالَ النسائي: (( ليس بذاك القوي )) ( )، وَقَالَ ابن سعد : (( منكر الْحَدِيْث )) ( )، وَقَالَ الذهبي: (( حديثه فِيْهِ  مناكير ))( )، وَقَالَ ابن القطان : (( هُوَ ممن قَدْ علمت حاله ، وأنه لا يحتج بِهِ لسوء حفظه )) ( ) ، وَقَالَ : (( يحيى بن أيوب يضعف )) ( ) ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : (( في بعض حديثه اضطراب )) ( ) ، وَقَدْ ضعفه ابن حزم ( ) .

 

الثاني : يحيى بن سليمان الجعفي :

قَالَ عَنْهُ أبو حاتم : (( شيخ )) ( ) ، وَقَالَ النسائي : (( ليس بثقة )) ( ) .

وذكره ابن حبان في " الثقات " وَقَالَ : (( ربما أغرب )) ( ).

ومع تفرد هذين الراويين بهذا الْحَدِيْث فَقَدْ خالفا الثقات في روايته قَالَ ابن القيم عن هَذِهِ الرِّوَايَة : (( غلط بلا شك ، فإن الواقعة واحدة ، وَقَد اتفق الرُّوَاة أنه لَمْ يأكل مِنْهُ، إلا هَذِهِ الرِّوَايَة الشاذة المنكرة )) ( ) .

والرواية المعروفة الصَّحِيْحة هِيَ ما وردت برواية الجم الغفير عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عَبْد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عَبْد الله بن عَبَّاسٍ ، عن الصعب بن جثامة الليثي ، أنه أهدى لرسول الله حماراً وحشياً وَهُوَ بالأبواء ( ) ، أو بودان ( )، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قَالَ: (( إنا لَمْ نرده عليك إلا أنا حرم )) ( ).

أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء

هَذِهِ الرِّوَايَة المخالفة لرواية الثقات كانت إحدى الأدلة لِمَنْ قَالَ بجواز أكل لحم الصيد للمحرم إذا لَمْ يعنه ، حَتَّى وَلَوْ صاده من أجله ، وَقَدْ سبق تفصيل المسألة في المبحث السابق فانظرها هناك .

المثال الآخر :

تفرد أبو هلال مُحَمَّد بن سليم( ) بحَدِيْث ، عن عَبْد الله بن سوادة ( ) ، عن أنس بن مالك من بني عَبْد الله بن كعب ، قَالَ : (( أغارت علينا خيل رَسُوْل الله ، فأتيت رَسُوْل الله وَهُوَ يتغدى فَقَالَ : (( أدن فكل )) قلت : إني صائم ، قَالَ : (( اجلس أحدثك عن الصوم أو الصيام ، إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة وعن المسافر والحامل والمرضع الصوم ، أو الصيام … )) .

رَوَاهُ بهذه الرِّوَايَة : ابن أبي شيبة ( ) ، وابن سعد ( ) ، وأحمد ( ) ، وعبد بن حميد( ) ، وأبو داود ( ) ، وابن ماجه ( ) ، والفسوي ( ) ، وابن أَبِي عاصم ( ) ، وعبد الله بن أحمد ( ) ، وابن خزيمة ( )، والطحاوي ( )، وابن قانع ( ) ، والطبراني ( ) ، وابن عدي ( ) ، وأبو نعيم ( ) ، والبيهقي ( ) ، والمزي ( ).

ورواه الترمذي ( ) من هَذَا الطريق دون أن يذكر ( عن المسافر ) الثانية وهذه اللفظة – أي : ( عن المسافر ) – منكرة وذلك لتفرد أبي هلال بِهَا وَهُوَ : مُحَمَّد بن سليم الراسبي ، وثقه أبو داود ( ) ، وَكَانَ عَبْد الرحمان يحدّث عَنْهُ ، ولكن كَانَ يحيى لا يحدث عَنْهُ ( ) ، وَقَالَ ابن سعد : (( فِيْهِ  ضعف )) ( ) ، وَقَالَ أحمد : (( احتمل حديثه )) ( ) ، وأورده البخاري في " الضعفاء الصغير " ( ) ، وَقَالَ أبو حاتم : (( محله الصدق وَلَمْ يَكُنْ بذاك المتين )) ( ) ، وَقَالَ أبو زرعة : (( لين )) ( ) ، وَقَالَ النسائي : (( ليس بقوي )) ( ) ، وساق لَهُ ابن عدي في " الكامل " ( ) عدداً من المناكير ثُمَّ قَالَ : (( ولأبي هلال غَيْر ما ذكرت ، وفي بعض رواياته ما لا يوافقه الثقات عليه )) ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : (( ضعيف )) ( ) ، وأورده ابن حبان في " المجروحين " ( ) ، وَقَالَ : (( وَكَانَ أبو هلال شيخاً صدوقاً ، إلا أنه كَانَ يخطئ كثيراً من غَيْر تعمد حَتَّى صار يرفع المراسيل ولا يعلم … وأكثر ما كَانَ يحدث من حفظه، فوقع المناكير في حديثه من سوء حفظه ، وَقَالَ ابن حجر : (( صدوق فِيْهِ  لين )) )) ( ).

فَقَدْ رَوَاهُ وهيب بن خالد ، عن عَبْد الله بن سوادة ، عن أبيه ، عن أنس ، بِهِ عِنْدَ النسائي ( ) ، والفسوي ( ) ، والبيهقي ( ) .

ورواه سفيان الثوري ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك القشيري ، بِهِ عِنْدَ البخاري في " تاريخه " ( ) ، والنسائي ( ) ، وابن خزيمة ( )، والطبري ( )، والبيهقي ( ) .

وروي من طرق أخرى عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن رجل من بني عامر ، عن أنس في بعض الروايات، عن أبي قلابة، عن رجل قَالَ: حَدَّثَنِي قريب لي يقال لَهُ أنس بن مالك، بِهِ عِنْدَ عَبْد الرزاق ( )، وأحمد ( ) ، والبخاري في " تاريخه " ( ) ، والنسائي ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، والطبراني ( ) ، وللحديث طرق أخرى ( ) .

كُلّ هَذِهِ الروايات ليس فِيْهَا لفظة (( عن المسافر )) الَّتِيْ في رِوَايَة أَبِي هلال ، كَمَا ويكفي لرد هَذِهِ الزيادة حذف الترمذي لها مع أنها ثابتة من طريقه وَقَدْ حسن الْحَدِيْث بدونها ( ) .

وَقَدْ وجدت لأبي هلال متابعة عَلَى روايته عِنْدَ الطبراني ( ) من طريق أشعث بن سوار، عن عَبْد الله بن سوادة، عن أنس بن مالك القشيري ، بِهِ ، وهذه المتابعة لا تعضد رِوَايَة أبي هلال لضعف أشعث بن سوار فَقَدْ ضعّفه أحمد بن حَنْبَل ( )، وأبو زرعة ( ) ، والنسائي ( ) ، والدارقطني ( ) .

 

أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء ( حكم صوم المسافر )

إِذَا سافر المكلف في رَمَضَان سفراً تتغير بِهِ الأحكام الشرعية ، فهل إن فطره من صومه رخصة أم حتم ؟ اختلف الفقهاء في هَذَا عَلَى ثلاثة أقوال :

القول الأول :

لا يجوز للمسافر صوم رَمَضَان في سفره ، وَلَوْ صامه لَمْ يصح وَعَلَيْهِ قضاؤه . وإلى هَذَا ذهب الظاهرية ( ) ، والإمامية ( ) .

القول الثاني :

إن إفطار المسافر في رَمَضَان رخصة ، إن شاء أفطر وإن شاء صام ، لَكِن الفطر أفضل . وإليه ذهب أحمد ( ).

القول الثالث :

إن الفطر رخصة ، والصيام أفضل بشرط عدم الضرر والتلف . وبه قَالَ جمهور الفقهاء . وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ ( ) ، ومالك ( ) ، والشافعي ( ) ، والزيدية ( ).

واستدل أصحاب المذهب الأول بزيادة (( المسافر )) الثانية في حَدِيْث أبي هلال ، وَقَدْ بينا نكارة هَذِهِ اللفظة فَلَمْ يصح الاحتجاج بِهَا ( ).

 

 

 

 

 

المبحث الخامس : الإدراج ، وأثره في اختلاف الفقهاء

وفيه خَمسة مطالب :

 

المطلب الأول : تعريفه .

المطلب الثاني : أنواعه .

المطلب الثالث : كيف يقع الإدراج أو أسباب وقوع الإدراج

المطلب الرابع : طرق الكشف عن الإدراج .

المطلب الخامس : حكم الإدراج .

 

 

المطلب الأول : تعريفه

المُدْرَجُ لغة – بضم الميم وفتح الراء - : اسم مفعول من ( أدرج ) ، تقول : أدرجت الكتاب إذا طويته ، وتقول : أدرجت الميت في القبر إذا أدخلته فِيْهِ  ، وتقول : أدرجت الشيء في الشيء إذا أدخلته فِيْهِ  وضمنته إيّاه ( ) .

قَالَ ابن فارس: (( الدال والراء والجيم أصل واحد يدل عَلَى مُضِيِ الشيء والمُضِيِّ في الشيء )) ( ) .

ودَرَجَ الشيءَ في الشيء : أدخله في ثناياه ( )، ومنه : الدَّرَجة وَهِيَ المرقاة ؛ لأنها توصل إلى الدخول في الشيء حسياً أو معنوياً ، فهي من باب تسمية السبب بنتيجته .

وفي اصطلاح الْمُحَدِّثِيْنَ : هُوَ ما كانت فِيْهِ  زيادة ليست مِنْهُ .

أو هُوَ الْحَدِيْث الَّذِيْ يعرف أن في سنده أو متنه زيادة ليست مِنْهُ ، وإنما من أحد الرُّوَاة من غَيْر توضيح لهذه الزيادة ( ) .

 

العلاقة بَيْنَ المعنى اللغوي والاصطلاحي :

وجدنا أن معنى الفعل الثلاثي المجرد ( دَرَجَ ) يدور عَلَى أمرين :

طوي الشيء .

إدخال الشيء في الشيء .

وكأنَّ المُدْرِج طوى البيان ، فَلَمْ يوضّح تفصيل الأمر في الْحَدِيْث . أو كأنه أدخل الْحَدِيْث في الْحَدِيْث ، فالاستعمال الاصطلاحي باقٍ عَلَى الوضع اللغوي الأول ، وَلَمْ يخرج إلى المجاز .

 

المطلب الثاني : أنواعه

يتفق الباحثون والكتّاب في مجال علوم الْحَدِيْث عَلَى جعل المدرج عَلَى أنواع . لَكِنْ تقسيمهم لهذه الأنواع يختلف زيادة ونقصاً ، كَمَا يختلف باعتبار الحيثيات الَّتِيْ ينبني عَلَيْهَا ذَلِكَ التقسيم .

وهكذا نجد الحافظ ابن الصَّلاَحِ يصدر كلامه عن المدرج بقوله : (( وَهُوَ أقسام ، مِنْهَا ما أدرج في حَدِيْث رَسُوْل الله من كلام بعض رواته بأن يذكر الصَّحَابِيّ أو مَنْ بعده عقيب ما يرويه من الْحَدِيْث كلاماً من عِنْدَ نفسه ، فيرويهِ مَنْ بعده موصولاً بالحديث غَيْر فاصل بينهما بذكر قائله ، فيلتبس الأمر فِيْهِ عَلَى من لا يعلم حقيقة الحال ، ويتوهم أن الجميع عن رَسُوْل الله ))( ) .

فنراه قيّد وقوع الإدراج بكونه عقب الْحَدِيْث ، والحق أن هَذَا التنظير خلاف الواقع ، وإذا كَانَ غالب الإدراج أن يقع عقب الْحَدِيْث ، فليس هَذَا مسوغاً لحصر الإدراج بِهِ ، فنجد أنه قَدْ يقع في أول الْحَدِيْث كَمَا يقع وسطه وآخره . زدْ على أنه يقع في الإسناد أَيْضاً لا كَمَا يوهم كلام ابن الصَّلاَحِ من انحصاره بالمتن فَقَطْ . وعلى هَذَا يدل صنيع الْخَطِيْب البغدادي في كتابه " الفصل للوصل المدرج في النقل " ( ) .

وتأسيساً عَلَى ما مضى يمكننا أن نقسم الإدراج من حَيْثُ مكان وقوعه إلى نوعين:

النوع الأول : الإدراج في الْمَتْن .

النوع الثاني : الإدراج في السند .

 

النوع الأول : الإدراج في الْمَتْن :

وَهُوَ أن تقع الزيادة في متن الْحَدِيْث دون إسناده .

ويمكن تقسيم هَذَا النوع باعتبار مكان وقوعه من الْمَتْن إلى ثلاثة أقسام ( ):

أن يقع الإدراج في أول الْمَتْن .

أن يقع الإدراج في وسط الْمَتْن .

أن يقع الإدراج في آخر الْمَتْن .

فمثال ما وقع الإدراج في أول الْمَتْن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة عن رَسُوْل الله :

(( أسبغوا الوضوء ، ويل للأعقاب من النار )) .

فرواه الْخَطِيْب البغدادي في كتابه " الفصل " ( ) من طريق أبي قطن وشبابة –فرّقهما– عن شعبة ، عن مُحَمَّد بن زياد ، عن أبي هُرَيْرَة ، بِهِ .

فقوله : (( أسبغوا الوضوء )) مدرج من كلام أبي هُرَيْرَة ، نص عَلَى هَذَا الْخَطِيْب وغيره فَقَالَ : (( وَهِمَ أبو قطن عمرو بن الهيثم وشبابة بن سوار في روايتهما هَذَا الْحَدِيْث عن شعبة عَلَى ما سقناه ، وذلك أن قوله: (( أسبغوا الوضوء )) كلام أبي هُرَيْرَة ، وقوله: (( ويل للأعقاب من النار )) كلام النَّبِيّ ))( ) .

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث عن شعبة عامة أصحابه فبينوا أن هَذِهِ الزيادة من كلام

أبي هُرَيْرَة ، وهم :

آدم بن أبي إياس ، عِنْدَ البخاري ( ) .

حجاج بن مُحَمَّد ، عِنْدَ أَحْمَد ( ) .

أبو داود الطيالسي ، كَمَا في " مسنده " ( ) .

عاصم بن علي( ) ، عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

علي بن الجعد( ) ، عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

عيسى بن يونس( ) ، عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

غندر( ) ، عِنْدَ أَحْمَد ( ) .

معاذ بن معاذ ( ) ، عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

النضر بن شميل ( )، عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

هاشم بن القاسم ، عِنْدَ الدارمي ( ) .

هشيم بن بشير ، عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

وكيع بن الجراح ، عِنْدَ أَحْمَد ( ) ، ومسلم ( ) ، والخطيب ( ).

وهب بن جرير ، عِنْدَ الْخَطِيْب في " الفصل " ( ) .

يحيى بن سعيد ، عِنْدَ أَحْمَد ( ).

يزيد بن زريع( ) ، عِنْدَ النسائي ( ) .

وَقَدْ رَوَاهُ البخاري –كَمَا مضى– من طريق آدم بن أبي إياس ، عن شعبة ، عن مُحَمَّد بن زياد ( ) ، عن أبي هُرَيْرَة ، قَالَ : أسبغوا الوضوء ، فإن أبا القاسم قَالَ : (( ويل للأعقاب من النار ))

فهؤلاء خمسة عشر نفساً من أصحاب شعبة اتفقوا عَلَى جعل قوله : (( أسبغوا الوضوء )) من كلام أبي هُرَيْرَة، في حين أخطأ أبو قطن وشبابة فأدرجاه في الْحَدِيْث ( ).

وهذا القسم أقل الأقسام وروداً ، وَهُوَ قليل جداً ، الأمر الَّذِيْ دفع الحافظ ابن حجر لأن يقول: (( وفتشت ما جمعه الْخَطِيْب في المدرج، ومقدار ما زدت عليه مِنْهُ فَلَمْ أجد لَهُ مثالاً آخر إلا ما جاء في بعض طرق حَدِيْث بسرة الآتي من رواية مُحَمَّد بن دينار ( )، عن هشام بن حسان )) ( ) .

وهذا يناقض قَوْل ابن الجلال المحلي وَهُوَ يتحدث عن الإدراج في أول الْحَدِيْث :

(( وَهُوَ أكثر مِمَّا في وسطه ؛ لأن الرَّاوِي يقول كلاماً يريد أن يستدل عليه بالحديث فيأتي بلا فصل ، فيتوهم أن الكل حَدِيْث )) ( ) .

ومثال ما وقع الإدراج في وسطه ما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ في " سننه " ( ) من طريق عَبْد الحميد بن جعفر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن بسرة بنت صفوان ، قالت : سَمِعْتُ رَسُوْل الله يقول : (( مَنْ مَسّ ذَكَرَهُ ، أو أنثييه أَوْ رفغه فليتوضأ )) .

فَقَدْ أدرج عَبْد الحميد بن جعفر ذكر (( الأنثيين والرفغ )) في الْحَدِيْث المرفوع، قال الدَّارَقُطْنِيّ : (( والمحفوظ أن ذَلِكَ من قول عروة غَيْر مرفوع )) ( ) .

وَقَالَ الْخَطِيْب البغدادي : (( وذكر الأنثيين والرفغين ليس من كلام رَسُوْل الله ، وإنما من قول عروة بن الزبير فأدرجه الرَّاوِي في متن الْحَدِيْث وَقَدْ بيّن ذَلِكَ حماد بن زيد وأيوب السختياني في روايتهما عن هشام )) ( ) .

فوهم عَبْد الحميد بن جعفر وأدرج كلام عروة في الحديث، في حين اقتصر الثقات من أصحاب هشام عَلَى ذكر (( الذَّكَر )) ، وهم :

أبو أسامة حماد بن أسامة، وروايته عِنْدَ الترمذي ( )، وابن خزيمة ( )، وابن الجارود( )، والطبراني ( ) .

إِسْمَاعِيْل بن عياش، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ( ).

أنس بن عياض( )، عِنْدَ البيهقي ( ) .

أيوب السختياني ، وسيأتي التفصيل في طريقه .

حماد بن زيد ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ( )، والطبراني ( ) ، والحاكم ( ) ، والخطيب ( ).

حماد بن سلمة ، عِنْدَ الطبراني ( ) .

ربيعة بن عثمان ( ) ، عِنْدَ ابن حبان ( ) ، والطبراني ( ) ، والحاكم ( ) .

سعيد بن عَبْد الرَّحْمَان ( ) ، عِنْدَ البيهقي ( ) .

سفيان بن سعيد الثوري ، عِنْدَ ابن حبان ( ) ، والدارقطني ( ) ، والطبراني ( ) .

شعيب بن إسحاق ( )، عِنْدَ ابن حبان ( ) ، والدارقطني ( ) ، والحاكم ( ) ، والبيهقي ( ).

عَبْد الله بن إدريس ، عِنْدَ ابن ماجه ( ) ، والطبراني ( ) .

علي بن المبارك ( ) ، عِنْدَ ابن حبان ( ).

علي بن مسهر ، عِنْدَ الطبراني ( ) .

عنبسة بن عَبْد الواحد ( ) ، عِنْدَ الْحَاكِم ( ) ، والبيهقي ( ) .

المنذر بن عَبْد الله ( ) ، عِنْدَ الْحَاكِم ( ) .

وهيب بن خالد ، عِنْدَ الطبراني ( ).

يحيى بن سعيد القطان ، عِنْدَ الطبراني ( ) .

يزيد بن سنان ( ) ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ( ) .

فهؤلاء ثمانية عشر نفساً من أصحاب هشام رووه عَنْهُ مقتصرين عَلَى (( الذَّكَر )) من غَيْر إدراج للرفغ والأنثيين في المرفوع مِنْهُ .

أما رِوَايَة أيوب الَّتِيْ أرجأنا الكلام عَنْهَا ، فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث عن أيوب يزيد بن زريع ، واختلف عَلَى يزيد في روايته وأكثر الرُّوَاة عَنْهُ يروونه عَنْهُ ، عن أيوب ، عن هشام من غَيْر إدراج وهم :

أَحْمَد بن عبيد الله العنبري ( ) ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ( ) .

أَحْمَد بن المقدام ( ) ، عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيّ ( ) .

عبيد الله بن عمر ( ) القواريري ( ) .

عمرو بن علي ، عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

لذا عدَّ الْخَطِيْب أيوب ممن بَيّنَ الإدراج في الْحَدِيْث ( ) .

في حين أن أبا كامل الجحدري رَوَاهُ عن يزيد بن زريع ، عن أيوب مدرجاً ، كَمَا أخرجه الطبراني ( ) ، فعاد الْخَطِيْب فعدّ أيوب ممن أدرج الْحَدِيْث ( ) .

فالذي يترجح رِوَايَة الجمع عن أيوب ، فيعدّ أيوب ممن بيّن الإدراج ، وبالتالي فتترجح رِوَايَة الجمع ممن بَيّنَ الإدراج في روايتهم عن هشام بن عروة ، ويؤيد هَذَا قَوْل الْخَطِيْب : (( رَوَى كافة أصحاب هشام بن عروة عَنْهُ حَدِيْث الوضوء من مس الذكر خاصة ، وَلَمْ يذكر أحد مِنْهُمْ الأنثيين والرفغين في روايته )) ( ) .

وَقَدْ حكم الْخَطِيْب البغدادي عَلَى عَبْد الحميد بن جعفر بتفرده بالإدراج عن هشام بن عروة ( ). واعترض عليه الحافظ العراقي برواية أبي كامل الجحدري ( ) الَّتِيْ مضى الكلام عَلَيْهَا ، وبرواية ابن جريج ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن مروان ، عن بسرة بلفظ : (( إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه )) ( ).

والذي يبدو أن حكم الْخَطِيْب حكم مقيد لا مطلق ، والمقيد ذهني إِذْ أنه عنى التفرد من طريق يعتد بِهَا ، أما هاتان الطريقان فلا اعتماد عليهما لما يأتي :

أما رِوَايَة أبي كامل فَقَدْ بينا أنه خالف فِيْهَا جمهور الرُّوَاة عن أيوب ، فلا يلتفت إِلَيْهَا . وأما رِوَايَة ابن جريج فَقَدْ حكم الدَّارَقُطْنِيّ والحافظ ابن حجر عَلَيْهَا بالإدراج أَيْضاً ( ) .

وهناك طريقان آخران عن هشام بن عروة ورد فيهما الإدراج ( ) :

فَقَدْ رَوَى مُحَمَّد بن دينار ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن بسرة هَذَا الْحَدِيْث مدرجاً ، وروايته أخرجها : الطبراني ( ) ، والدارقطني ( ) .

ومحمد بن دينار ليس ممن يعتمد عَلَى حفظه ( ) .

وروى هشام بن حسان ، عن هشام بن عروة ، عن أَبِيْهِ ، عن بسرة مدرجاً. وَقَدْ رَوَاهُ عن هشام هكذا مدرجاً اثنان من أصحابه هما ( ) :

عَبْد الأعلى بن عَبْد الأعلى ، حَيْثُ رَوَاهُ ابن شاهين في كتاب " الأبواب " من طريق ابن أبي داود ويحيى بن صاعد –كلاهما– عن مُحَمَّد بن بشار ، عن عَبْد الأعلى ، عن ابن حسان ( ) .

ورواه الدَّارَقُطْنِيّ في " العلل " ( ) من طريق عَبْد الله بن بزيع ، عن هشام بن حسان ، بِهِ .

والظاهر أن هشام بن حسان لَمْ يضبط الْحَدِيْث جيداً ، إِذْ رَوَاهُ يزيد بن هارون عَنْهُ بلفظ: (( إذا مس أحدكم ذكره ، أو قَالَ : فرجه ، أو قَالَ : أنثييه ، فليتوضأ )) رَوَاهُ ابن شاهين( ) في كتاب " الأبواب "( ) ، والدارقطني في " العلل " ( ) .

قَالَ ابن حجر : (( فتردده يدل عَلَى أنه ما ضبطه )) ( ) .

وَقَدْ رَوَاهُ عمار بن عمر ، عن هشام بن حسان ، من غَيْر إدراج ، وروايته أخرجها الطبراني في " الكبير " ( ) ، والدارقطني في " العلل " ( ) .

فانتهت نتيجة البحث إلى ضعف المتابع الأول ، وعدم ضبط الثاني ( ) .

وَقَدْ كَانَ لهذا الْحَدِيْث أثر في اختلاف الفقهاء تقدم الكلام عَنْهُ في الفصل الثاني المبحث الثالث : ما تعم بِهِ البلوى ، ولا نريد إعادته بغية عدم الإطالة .

ومثال ما وقع الإدراج في آخر الْحَدِيْث: ما رَوَاهُ زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر ( ) ، عن القاسم بن مخيمرة ( )، عن علقمة ، عن عَبْد الله بن مسعود أن رَسُوْل الله علّمه التشهد في الصلاة ، فَقَالَ : (( قل : التحيات لله .. فذكر الْحَدِيْث )). وفي آخره : (( أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رَسُوْل الله ، فإذا قلت هَذَا فَقَدْ قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد )) ( ) .

فزيادة : ((  فإذا قلت هَذَا … )) إلى نهاية الرِّوَايَة ، مدرجة من قَوْل ابن مسعود ، أدرجها زهير بن معاوية في روايته عن الحسن بن الحر ، نصَّ عَلَى هَذَا جمع من الحفاظ مِنْهُمْ : الدَّارَقُطْنِيّ ( ) ، والحاكم ( ) ، والبيهقي ( )، والخطيب البغدادي ( )، ونقل النووي في " الخلاصة " اتفاق الحفاظ عَلَى إدراجها ( ) .

واستدل الحافظ ابن الصلاح عَلَى الإدراج بقوله : (( ومن الدليل عليه أن الثقة الزاهد( ) عَبْد الرحمان بن ثابت بن ثوبان ( ) ، رَوَاهُ عن راويه الحسن بن الحر كذلك ، واتفق حسين الجعفي( ) وابن عجلان وغيرهما في روايتهم عن الحسن بن الحر عَلَى ترك ذكر هَذَا الكلام في آخر الْحَدِيْث ، مع اتفاق كُلّ من رَوَى التشهد عن علقمة – وعن غيره – عن ابن مسعود عَلَى ذَلِكَ ، ورواه شبابة ، عن أبي خيثمة ففصله أَيْضاً )) ( ) .

وهذا كلام مجمل بيانه فِيْمَا يأتي :

أولاً : رَوَاهُ عَبْد الرحمان بن ثابت بن ثوبان ، عن الحسن بن الحر ، بسند زهير بن معاوية، وفَصَل نهاية الرِّوَايَة وبيّن أنها من قَوْل ابن مسعود ، وروايته عِنْدَ ابن حبان( ) ، والطبراني ( )، والدارقطني ( ) ، والحاكم ( ) ، والبيهقي ( ) ، والخطيب البغدادي ( ) .

ثانياً : رَوَاهُ حسين الجعفي وابن عجلان واتفقا عَلَى عدم ذكر هذا الكلام في نهاية الرِّوَايَة. ورواية حسين أخرجها ابن أبي شيبة( )، وأحمد( )، وابن حبان( )، والطبراني( )، والدارقطني ( ) ، والخطيب ( ) .

وأما رِوَايَة ابن عجلان فأخرجها الطبراني ( ) ، والدارقطني ( )، والخطيب ( ).

ثالثاً : إن الرُّوَاة عن زهير بن معاوية اختلفوا عليه في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث،فرواه كُلّ من:

أحمد بن عَبْد الله بن يونس اليربوعي ( ) .

أبو داود الطيالسي ( ) .

عاصم بن علي ( ).

عَبْد الله بن مُحَمَّد( ) النفيلي ( ) .

علي بن الجعد ( ) .

مالك بن إسماعيل( ) النهدي ( ) .

موسى بن داود ( ) الضبي ( ) .

أبو النضر هاشم بن القاسم ( ) .

يحيى بن أبي بكير( ) الكرماني ( ).

يحيى بن يحيى النيسابوري ( ) .

عشرتهم عَنْهُ مدرجاً .

ورواه شبابة بن سوار( ) ، عَنْهُ – أعني : زهير بن معاوية – ففصله وبين أنه من قَوْل عَبْد الله بن مسعود ، وروايته عِنْدَ: الدَّارَقُطْنِيّ ( )، والبيهقي ( )، والخطيب ( ).

وهذا النوع من الإدراج هُوَ الغالب من حَيْثُ وقوعه في متون الأحاديث ( ) .

أثره في اختلاف الفقهاء ( حكم التشهد والسلام )

اختلف الفقهاء في حكم التشهد والسلام عَلَى مذهبين :

المذهب الأول :

ذهب بَعْض الفقهاء إِلَى أن التشهد والسلام ليسا بفرضين . وبه قَالَ جمع من السلف ، وإليه ذهب أبو حَنِيْفَةَ ( ) ، لكنه يَقُوْل بوجوبهما وترك الواجب عنده لا ينبني عَلَيْهِ بطلان الصَّلاَة ، فإن تركه عامداً كَانَ آثماً ، وإن تركه ناسياً جبره بسجود السهو .

وحجتهم الزيادة الواردة في الْحَدِيْث السابق ، فقالوا : إنها زيادة مرفوعة وليست مدرجة ( ) .

المذهب الثاني :

ذهب جمهور الفقهاء إِلَى القول بفرضيتهما ( ) . واستدلوا :

بِمَا روي عن عَبْد الله بن مسعود ، قَالَ : (( كنا نقول قَبْلَ أن يفرض التشهد : السلام عَلَى الله السلام عَلَى جبريل وميكائيل. فَقَالَ رَسُوْل الله : لا تقولوا هكذا فإن الله هُوَ السلام ، وَلَكِنْ قولوا : التحيات لله … الْحَدِيْث )) ( ) .

ووجه الدلالة من هَذَا الْحَدِيْث أمران :

قوله : ((قَبْلَ أن يفرض التشهد )) فدل ذَلِكَ عَلَى أن التشهد فرض .

قوله : (( قولوا : التحيات )) أمر ، والأمر يقتضي الوجوب .

استدلوا أَيْضاً بِمَا روي عن عَلِيّ ، عن النَّبِيّ قَالَ : (( مفتاح الصَّلاَة الطهور ، وتحريمها التكبير ، وتحليلها التسليم )) ( ).

قَالَ التِّرْمِذِيّ عقب روايته لَهُ: (( هَذَا الْحَدِيْث أصح شيء في الباب وأحسن )).

 

النوع الثاني : أن يقع الإدراج في السند دون الْمَتْن

ويمكن أن نجعل هَذَا النوع عَلَى خمسة أقسام ( ):

القسم الأول :

أن يَكُوْن الْمَتْن مختلف الإسناد بالنسبة إلى أفراد رواته ، فيرويه راوٍ واحد عَنْهُمْ ، فيحمل بعض رواياتهم عَلَى بعض ولا يميز بينها .

ومثاله ما رَوَاهُ عَبْد الرحمان بن مهدي ومحمد بن كثير العبدي، عن سفيان الثوري، عن منصور والأعمش وواصل الأحدب( ) ، عن أبي وائل ، عن عمرو بن شرحبيل( ) ، عن ابن مسعود ، قُلْتُ : (( يا رَسُوْل الله أي الذنب أعظم ؟ … الْحَدِيْث )) ( ) .

فَقَدْ أدرج عَبْد الرحمان بن مهدي ومحمد بن كثير في هَذَا السند ، إِذْ إن منصوراً والأعمش يرويانه عن أبي وائل ، عن عمرو بن شرحبيل ، عن ابن مسعود ، أما واصل فيرويه عن أبي وائل ، عن ابن مسعود لا يذكر فِيْهِ  عمرو بن شرحبيل .

وَقَدْ رَوَاهُ عن واصل بن حيان الأسديِّ الأحدبِ جَمَاعَة من الرُّوَاة مِنْهُمْ :

سعيد بن مسروق ( ) : عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

شعبة بن الحجاج : وروايته عِنْدَ : الطيالسي ( ) ، وأحمد ( ) ، والترمذي ( ) ، والنسائي ( ) ، والخطيب ( ) .

مالك بن مِغْوَل ( ) : عِنْدَ : النسائي في " الكبرى " ( ) ، والخطيب ( )، قَالَ ابن حجر: (( أخرجه ابن مردويه من طريق مالك بن مغول بإسقاط أبي ميسرة )) ( ).

مهدي بن ميمون( ) : عِنْدَ : أحمد ( ) ، والخطيب ( ) .

فَلَمْ يذكروا في روايتهم عن واصل عمرو بن شرحبيل ، وإنما عمرو مذكور في رِوَايَة منصور والأعمش . وَقَدْ بيّن الإسنادين يحيى بن سعيد القطان في روايته ، فأخرج : البخاري ( ) ، والدارقطني ( ) ، والخطيب ( ) ، من طرق عن يحيى بن سعيد القطان ، عن سفيان ، قَالَ : حَدَّثَنَا منصور والأعمش ، عن أبي وائل ، عن أبي ميسرة ، عن عَبْد الله . قَالَ سفيان : وحدثني واصل ، عن أبي وائل ، عن عَبْد الله ، بِهِ ( ) .

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : (( قَالَ لنا أبو بكر النيسابوري : هكذا رَوَاهُ يحيى ، وَلَمْ يذكر في حَدِيْث واصل عمرو بن شرحبيل ورواه عَبْد الرَّحْمَان بن مهدي ومحمد بن كَثِيْر فجمعا بَيْنَ واصل ومنصور والأعمش ، عن أبي وائل ، عن عَمْرو بن شرحبيل ، عن عَبْد الله ، فيشبه أن يَكُوْن الثوري جمع بَيْنَ الثلاثة لعبد الرحمن بن مهدي ولابن كثير فجعل  إسنادهم واحداً ، وَلَمْ يذكر بينهم خلافاً ، وحمل حَدِيْث واصل عَلَى حَدِيْث الأعمش ومنصور ، وفصله يحيى بن سعيد فجعل حَدِيْث واصل عن أبي وائل، عن عَبْد الله –وَهُوَ الصواب– ؛ لأن شعبة ومهدي بن ميمون روياه عن واصل ، عن أبي وائل ، عن عَبْد الله كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى ، عن الثوري ، عَنْهُ، والله أعلم ))( ).

القسم الثاني :

أن يَكُوْن متن الْحَدِيْث عِنْدَ الرَّاوِي بإسناد إلا طرفاً مِنْهُ فإنه عنده بإسناد آخر ، فيدرجه من رَوَاهُ عَنْهُ عَلَى الإسناد الأول ويسوق الْمَتْن تاماً ، ولا يذكر الإسناد الثاني .

مثاله : ما رَوَاهُ سفيان بن عيينة وزائدة بن قدامة ، عن عاصم بن كليب ، عن

أبيه ، عن وائل بن حجر – وذكر حَدِيْث صفة صلاة النَّبِيّ - وفي آخره : (( ثُمَّ جئتهم بَعْدَ ذَلِكَ في زمان فِيْهِ برد شديد فرأيتهم يحركون أيديهم من تحت الثياب ))( ).

فقوله: ((ثُمَّ جئتهم بَعْدَ ذَلِكَ…)) من رِوَايَة عاصم بن كليب ، عن عَبْد الجبار بن وائل ، عن بعض أهله ، عن وائل بن حجر ، وممن رَوَاهُ عَلَى هَذِهِ الشاكلة فميز بَيْنَ جزأي الْمَتْن :

زهير بن معاوية : وروايته عِنْدَ : أحمد ( ) ، والطبراني ( ) ، والخطيب ( ) .

شجاع بن الوليد : عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

ومما يقوي الحكم بالإدراج في إسناد هَذَا الْحَدِيْث أن أحد عشر راوياً وهم : سفيان الثوري، وشعبة ، وأبو الأحوص ، وأبو عوانة ، وخالد بن عَبْد الله ( )، وصالح بن عمر ، وعبد الواحد بن زياد ، وجرير بن عَبْد الحميد ، وبشر بن المفضل ، وعبيدة بن حميد ( ) ، وعبد العزيز بن مُسْلِم ، رووا هَذَا الْحَدِيْث عن عاصم وَلَمْ يتطرقوا إلى ذكر هَذَا الإدراج ( ) .

قَالَ الحافظ موسى بن هارون الحمال : (( وذلك – يعني رِوَايَة سفيان وزائدة – عندنا وَهم ، وإنما أدرج عليه ، وَهُوَ من رِوَايَة عاصم ، عن عَبْد الجبار بن وائل ، عن بعض أهله ، عن وائل ، هكذا رَوَاهُ مبيناً زهير بن معاوية وأبو بدر شجاع بن الوليد ، فميزا قصة تحريك الأيدي من تحت الثياب وفصلاها من الْحَدِيْث وذكرا إسنادهما كَمَا

ذكرنا )). ثُمَّ قَالَ : (( وهذه رِوَايَة مضبوطة ، اتفق عليه زهير وشجاع بن الوليد ، وهما أثبت لَهُ رِوَايَة ممن رَوَى (( رفع الأيدي من تحت الثياب )) عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل )) ( ) .

القسم الثالث :

أن يَكُوْن المتنان مختلفي الإسناد ، فيدرج بعض الرُّوَاة شَيْئاً من أحدهما في الآخر ولا يَكُوْن ذَلِكَ الشيء من رِوَايَة ذَلِكَ الرَّاوِي .

مثاله : ما رَوَاهُ أبو مُحَمَّد سعيد بن أبي مريم الحكم بن مُحَمَّد المصري ( )، عن مالك، عن الزهري ، عن أنس ، أن رَسُوْل الله قَالَ: (( لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، ولا تنافسوا ، وكونوا عباد الله إخواناً … الْحَدِيْث )) ، رَوَاهُ من هَذِهِ الطريق : الْخَطِيْب ( ) ، وابن عَبْد البر ( ) .

قَالَ الحافظ حمزة بن مُحَمَّد الكناني( ) : (( لا أعلم أحداً قَالَ في هَذَا الْحَدِيْث عن مالك : (( ولا تنافسوا )) غَيْر سعيد بن أبي مريم )) ( ).

فسعيد أدرج لفظ : (( ولا تنافسوا )) من متن حَدِيْث آخر ، رَوَاهُ مالك ، عن أبي الزناد( ) ، عن الأعرج ، عن أبي هُرَيْرَة مرفوعاً : (( إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الْحَدِيْث ، ولا تجسسوا ، ولا تحسسوا ، ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا )) .

والحديثان عَلَى الصواب عِنْدَ رواة " الموطأ " كافة  مِنْهُمْ :

أحمد بن أبي بكر( ) : عِنْدَ ابن حبان ( ).

إسحاق بن عيسى الطباع : عِنْدَ أحمد ( ).

إسماعيل بن أبي أويس ( ) : عِنْدَ البخاري في " الأدب المفرد " ( ).

جويرية بن أسماء ( ) : عِنْدَ الْخَطِيْب في " الفصل " ( ) .

روح بن عبادة : عِنْدَ أحمد ( ) .

سويد بن سعيد الحدثاني : كَمَا في " الموطأ " بروايته ( ) .

عَبْد الرحمان بن القاسم : كَمَا في " موطئه " ( ).

عَبْد الله بن مسلمة القعنبي : عِنْدَ : أبي داود ( ) ، وأبي نعيم ( ) ، والخطيب ( ).

عَبْد الله بن وهب : عِنْدَ الطحاوي في " شرح المشكل " ( ) .

عَبْد الله بن يوسف التنيسي : عِنْدَ البخاري ( ) .

الفضل بن دكين : عِنْدَ ابن عَبْد البر ( ) .

قتيبة بن سعيد : عِنْدَ : أبي أحمد الْحَاكِم ( ) ، والخطيب ( )، والعلائي ( ) .

مُحَمَّد بن الحسن : كَمَا في " موطئه " ( ) .

مُحَمَّد بن سليمان المصيصي ( لوين ) ( ) : عِنْدَ أبي أحمد الْحَاكِم ( ) .

أبو مصعب الزهري : كَمَا في " الموطأ " بروايته ( ).

معن بن عيسى القزاز : عِنْدَ الْخَطِيْب ( ).

يحيى بن بكير : عِنْدَ العلائي ( ) .

يحيى بن يحيى الليثي : كَمَا في " موطئه " ( ) .

يحيى بن يحيى النيسابوري : عِنْدَ مُسْلِم ( ) .

وَلَمْ ينفرد مالك بهذا الحديث ، بَلْ تابعه متابعة تامة عليه :

سفيان بن عيينة وابن أبي ذئب وزمعة عِنْدَ : الطيالسي ( )، وسفيان وحده عِنْدَ : الحميدي ( )، وأحمد ( )، ومسلم ( )، والترمذي ( )، وأبي يعلى ( ) .

شعيب بن أبي حمزة : عِنْدَ : أحمد ( )، والبخاري ( ) .

مُحَمَّد بن الوليد الزبيدي( ) : عِنْدَ مُسْلِم ( ) .

معمر بن راشد : عِنْدَ : عَبْد الرزاق ( )، وأحمد ( ) ، ومسلم ( ) .

فظهر أن الحديثين اختلطا عَلَى سعيد بن أبي مريم فأدرج من متن الثاني لفظاً في الْمَتْن الأول بإسناد الأول ( ) .

 

القسم الرابع :

أن يَكُوْن الْمَتْن عِنْدَ راوٍ إلا جزءاً مِنْهُ ، فإنه لَمْ يسمعه من شيخه فِيْهِ، وإنما سمعه من واسطة بينه وبين شيخه ، فيدرج الرُّوَاة الجزء من الْحَدِيْث من غَيْر تفصيل ( ) .

مثاله : الْحَدِيْث الَّذِيْ رَوَاهُ إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير( ) ، عن حميد الطويل ، عن أنس في قصة العرنيين ، وأن رَسُوْل الله قَالَ لَهُمْ: (( لَوْ خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها )) ( ) .

فلفظه: (( وأبوالها )) لَمْ يسمعها حميد من أنس مباشرة ، وإنما سمعها من قتادة ، عن أنس ، فأدرجها إسماعيل في الْمَتْن الأول بإسناد الْحَدِيْث الأول من غَيْر تفصيل ، قَالَ الحافظ الْخَطِيْب البغدادي: (( هكذا رَوَى إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير الأنصاري جميع هَذَا الْحَدِيْث عن حميد الطويل ، عن أنس بن مالك ، وفيه لفظة واحدة لَمْ يسمعها حميد عن أنس ، وإنما رواها عن قتادة عن أنس ، وَهِيَ قوله : (( وأبوالها )) )) ( ) .

وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث عَلَى الصواب ففصل رِوَايَة قتادة عدة رواة من أصحاب حميد ، مِنْهُمْ :

ابن أَبِي عدي( ) : عِنْدَ : أَحْمَد ( )، والنسائي ( )، والخطيب ( ) .

بشر بن المفضل : عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

خالد بن الحارث ( ) : عِنْدَ النسائي ( ) .

عَبْد الله بن بكر السهمي( ) : عِنْدَ الطحاوي ( )، والخطيب ( ) .

مروان بن معاوية الفزاري( ) : عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

معتمر بن سليمان : عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

يزيد بن هارون : عِنْدَ أحمد ( )، وأبي عوانة ( )، والبغوي ( )، والخطيب ( ) .

قَالَ الحافظ ابن حجر : (( كلهم يقول فِيْهِ: (( فشربتم من ألبانها )) قَالَ حميد : قَالَ قتادة ، عن أنس – رضي الله تَعَالَى عَنْهُ – : (( وأبوالها )) فرواية إسماعيل عَلَى هَذَا فِيْهَا إدراج وتسوية )) ( ).

وأصرح الروايات في هَذَا رِوَايَة أبي عوانة من طريق يزيد بن هارون ، عن حميد ، وفيه : (( قَالَ حميد : قَالَ قتادة : (( وابوالها )) ، لَمْ أسمعه أنا من أنس )) ( ) .

هكذا مثّل الْخَطِيْب البغدادي ( ) وابن حجر ( ) لهذا النوع بهذا المثل ، واستدرك بعضهم ( ) بأن إسماعيل بن جعفر متابع تابعه :

عَبْد الوهاب بن عَبْد المجيد الثقفي : كَمَا عِنْدَ ابن ماجه ( ).

وعبد الله بن عمر : عِنْدَ : النسائي ( )، وأبي عوانة ( ).

وهشيم بن بشير الواسطي : عِنْدَ مُسْلِم ( ) .

والذي يبدو لي أن هَذِهِ الطرق لا يصح استدراكها عَلَى هذين الحافظين لما يأتي :

أما متابعة عَبْد الله بن عمر، فعبد الله بن عمر: ضعيف ، ضعفه أحمد والعقيلي وابن معين وابن المديني ويحيى بن سعيد وصالح جزرة والنسائي وابن سعد والترمذي وابن حبان والدارقطني وأبو أحمد الْحَاكِم ( ) .

وأما متابعة هشيم، فإنما رَوَاهُ هشيم عن حميد وثابت وقتادة ثلاثتهم مقرونين، فلعله حمل رِوَايَة بعض عَلَى بعض وَلَمْ يفصّل فِيْهَا .

فَلَمْ تبق إلا رِوَايَة عَبْد الوهاب ، ويتخرّج أمرها عَلَى محملين :

الأول: إنها وإن تابع فِيْهَا عَبْد الوهاب إسماعيل بن جعفر فكل منهما لا يقوى عَلَى مقاومة خلاف أصحاب حميد وهم سبعة أنفس . وهذا أقوى المحملين .

الثاني : أن تصح فيصير الحمل حينئذ عَلَى حميد ، فكأنه كَانَ يبين لبعض الرُّوَاة الأمر، ويجمله لبعضهم . والله أعلم .

القسم الخامس :

أن يسوق المحدّث إسناده فَقَطْ من غَيْر أن يذكر الْمَتْن ، ثُمَّ يقطعه قاطع فيذكر كلاماً فيظن بعض من سمعه أن ذَلِكَ الكلام هُوَ متن الإسناد ( ) .

ومثاله الْحَدِيْث الَّذِيْ رَوَاهُ ثابت بن موسى( ) الزاهد ، عن شريك القاضي ، عن الأعمش ، عن أَبِي سفيان ، عن جابر مرفوعاً : (( من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار )) ( ) .

قَالَ الْحَاكِم : (( هَذَا ثابت بن موسى الزاهد دخل عَلَى شريك بن عَبْد الله القاضي والمستملي بَيْنَ يديه، وشريك يقول: حَدَّثَنَا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله وَلَمْ يذكر الْمَتْن، فلما نظر إلى ثابت بن موسى قَالَ: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار. وإنما أراد بِذَلِكَ ثابت بن موسى لزهده وورعه، فظن ثابت بن موسى أنه رَوَى الْحَدِيْث مرفوعاً بهذا الإسناد، فكان ثابت بن موسى يحدِّث بِهِ عن شريك ، عن الأعمش، عن أَبِي سفيان، عن جابر، وليس لهذا الْحَدِيْث أصل إلا من

هَذَا الوجه، وعن قوم من المجروحين سرقوه من ثابت بن موسى فرووه عن شريك ))( ).

قَالَ الحافظ العراقي : (( فعلى هَذَا هُوَ من أقسام المدرج )) ( ) .

 

 

المطلب الثالث

أسباب وقوع الإدراج

إن الباعث للراوي عَلَى الإدراج يختلف من شخص لآخر ، ومن حَدِيْث إلى حَدِيْث غيره ، ما بَيْنَ بيان لتفسير كلمة ، أَوْ استنباط لحكم ، أَوْ قلة ضبط .

ويمكننا أن نجمل سبب وقوع الإدراج فِيْمَا يأتي ( ) :

أن يريد الرَّاوِي تفسير بعض الألفاظ الغريبة الواردة في متن الْحَدِيْث ، فيحملها عَنْهُ بعض الرُّوَاة من غَيْر تفصيل لتفسير تِلْكَ الألفاظ .

مثاله : حَدِيْث عقيل( ) ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة أم المؤمنين في قصة بدء الوحي، وفيه: (( وَكَانَ يخلو بغار حراء فيتحنث فِيْهِ، وَهُوَ التعبد … )) ( ) .

فقوله : (( وَهُوَ التعبد )) مدرج من كلام الزهري في الْحَدِيْث ( ) .

أن يقصد الرَّاوِي إثبات حكم ويستدل عليه بالحديث المرفوع .

ومثاله ما سبق ( ) في حَدِيْث أَبِي هُرَيْرَة : (( أسبغوا الوضوء ، ويل للأعقاب من النار )) .

أن يريد الرَّاوِي بيان حكم يُستَنبطُ من كلام النَّبِيّ .

ومثاله ما تقدم ( ) في حَدِيْث بسرة بنت صفوان رضي الله عَنْهَا : (( مَنْ مس ذكره أو رفغه أو أنثييه فليتوضأ )) .

قَالَ السيوطي : (( فعروة لمّا فهم من لفظ الخبر أن سبب نقض الوضوء مظنة الشهوة جعل حكم ما قرب من الذكر كذلك فَقَالَ ذَلِكَ ، فظن بعض الرُّوَاة أنه من صلب الخبر فنقله مدرجاً فِيْهِ  ، وفهم الآخرون الحال ففصلوا )) ( ) .

اختصار الْحَدِيْث والرواية بالمعنى .

الخطأ الناشئ عن عدم ضبط الرَّاوِي لمروياته .

 

المطلب الرابع

طرق الكشف عن الإدراج

لَمْ يَكُن النقد الحديثي في وقت من أوقاته عبارة عن إلقاء للكلام عَلَى عواهنه ،

بَلْ هُوَ أمر في غاية العسر ، تحكمه القرائن وتقويه المرجحات وتسنده أقوال أئمة هَذَا الشأن .

ولا ريب أن الكشف عن الْحَدِيْث المعل بأية علة كانت يفتقر إلى اطلاع واسع وخبرة بالرجال ودراية بأقوال النقاد وملاحظة مواضع كلامهم ، ومن هنا كَانَ الحكم عَلَى حَدِيْث ما بالإدراج شَيْئاً ليس بالهين .

لذا نجد الإمام ابن دقيق العيد يضعف الحكم بالإدراج عَلَى الْحَدِيْث إذا كَانَ

اللفظ المدرج في أثناء متن الْحَدِيْث ، ويضعف أكثر إذا كَانَ قَبْلَ اللفظ المرفوع ، أو معطوفاً عليه بواو العطف ( ) .

 

ويعلل هَذَا الضعف بقوله : (( لما فِيْهِ  من اتصال هَذِهِ اللفظة بالعامل الَّذِيْ هُوَ من لفظ الرسول )) ( ) .

والحق أنه إذا قامت قرائن ومرجحات تقوي في نفس الناقد الحكم عَلَى تِلْكَ  اللفظة بالإدراج فلا مانع من ذَلِكَ ، وفي هَذَا يقول الحافظ ابن حجر : (( وفي الجملة إذا قام الدليل عَلَى إدراج جملة معينة بحيث يغلب عَلَى الظن ذَلِكَ ، فسواء كَانَ في الأول أو الوسط أَو الآخر ، فإن سبب ذَلِكَ الاختصار من بعض الرُّوَاة بحذف أداة التفسير أَو التفصيل ، فيجيء مَن بعده فيرويه مدمجاً من غَيْر تفصيل فيقع ذَلِكَ ))( ).

وَقَد وضع العلماء جملة من القواعد الَّتِيْ يعرف بِهَا كون الْحَدِيْث مدرجاً ، يمكننا حصرها فِيْمَا يأتي :

1. أن يَكُوْن لفظه مِمَّا تستحيل إضافته إلى النَّبِيّ  .

مثاله: حَدِيْث عَبْد الله بن المبارك، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري،عن سعيد بن المسيب،عن أبي هُرَيْرَة قَالَ:قَالَ رَسُوْل الله : (( للعبد المملوك أجران، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك )) ( ).

فقوله : (( والذي نفسي بيده … الخ الْحَدِيْث )) ، مِمَّا تستحيل نسبته إلى النَّبِيّ إِذْ لا يجوز في حقه أن يتمنى الرِّق ، وأيضاً لَمْ تكن لَهُ أم يبرها ، ولما فتشنا وجدناه مدرجاً من كلام أبي هُرَيْرَة .

فَقَدْ أخرجه البخاري ( ) عن بشر بن محمد( )، عن عَبْد الله بن المبارك، عن يونس، عن الزهري ، عن أبي هُرَيْرَة ، بِهِ . فأدرج كلام أبي هُرَيْرَة في المرفوع ، وفصل القدر المدرج ثلاثة من الرُّوَاة عن ابن المبارك هم :

إِبْرَاهِيْم بن إسحاق الطالقاني : عِنْدَ أحمد ( ) .

عبدان المروزي( ) : عِنْدَ البيهقي ( ) .

حبان بن موسى المروزي( ) : عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

كَمَا أن ابن المبارك متابع في روايته عن يونس متابعة تامة ، تابعه :

أبو صفوان الأموي( ) : عِنْدَ مُسْلِم ( ) .

سليمان بن بلال : عِنْدَ البخاري في " الأدب المفرد " ( ) .

عَبْد الله بن وهب : عِنْدَ مُسْلِم ( )، وأبي عوانة ( )، والخطيب ( ) .

عثمان بن عمر( ) : عِنْدَ أحمد ( ) ، وأبي عوانة ( ) .

فظهر أن هَذَا الجزء من الْمَتْن مدرج في حَدِيْث رَسُوْل الله من كلام أبي هُرَيْرَة، قَالَ الْخَطِيْب : (( وقول النَّبِيّ هُوَ: (( للعبد الصالح أجران )) فَقَطْ ، وما بَعْدَ ذَلِكَ إنما هُوَ كلام أبي هُرَيْرَة )) ( ) .

2. أن يرد التصريح من الصَّحَابِيّ بأنه لَمْ يَسْمَع تِلْكَ الجملة من النَّبِيّ

مثاله : ما رواه أحمد بن عَبْد الجبار العطاردي( ) ، عن أبي بكر بن عياش( ) ،

 

عن عاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش( )، عن عَبْد الله بن مسعود ، عن النَّبِيّ : (( من مات وَهُوَ لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة، ومن مات وَهُوَ يشرك بالله شَيْئاً دخل النار ))( ).

فأحمد بن عَبْد الجبار وهم في هَذَا الْحَدِيْث ، فأدرج الجملة الثانية في المرفوع من الْحَدِيْث وَهُوَ الجملة الأولى ، قَالَ الْخَطِيْب : (( هكذا رَوَى هَذَا الْحَدِيْث أحمد بن عَبْد الجبار العطاردي ، عن أبي بكر بن عياش ، ووهم في إسناده وفي متنه .

أما الوهم في إسناده فإن عاصماً إنما كَانَ يرويه عن أبي وائل شقيق بن سلمة ، عن عَبْد الله ، لا عن زر ، وَقَدْ رَوَاهُ كذلك عن أبي بكر : أسود بن عامر( ) شاذان ، وأبو هشام مُحَمَّد بن يزيد الرفاعي( )، وأبو كريب مُحَمَّد بن العلاء الهمداني ، ووافقهم حماد ابن شعيب( ) والهيثم بن جهم( ) والد عثمان بن الهيثم المؤذن ، فروياه عن عاصم، عن أبي وائل كذلك.

وأما الوهم في متن الْحَدِيْث : فإن العطاردي في روايته جعله كله كلام النَّبِيّ وليس كذلك ، وإنما الفصل في ذكر من مات مشركاً قَوْل رَسُوْل الله ، والفصل الثاني في ذكر من مات غَيْر مشرك قَوْل عَبْد الله بن مسعود )) ( ) .

وَقَدْ رَوَاهُ جمع من الرُّوَاة عن أبي بكر بن عياش وميزوا بَيْنَ الفصلين ، وهم :

أبوكريب مُحَمَّد بن العلاء : عِنْدَ الْخَطِيْب في " الفصل " ( ) .

الأسود بن عامر ( شاذان ) : عِنْدَ : أحمد ( ) ، ومن طريقه الْخَطِيْب ( ) .

مُحَمَّد بن يزيد أبو هاشم الرفاعي : عِنْدَ أبي يعلى ( ) ، والخطيب ( ).

ثُمَّ إن أبا بكر بن عياش متابع عليه في روايته عن عاصم ، تابعه :

حماد بن شعيب : عند الْخَطِيْب ( ).

الهيثم بن جهم : عِنْدَ الْخَطِيْب أَيْضاً ( ) .

أبو أيوب الإفريقي( ) : عِنْدَ الطبراني في " الكبير " ( ) و " الأوسط "( ) .

ورواه أحمد بن يونس ، عن أبي بكر بن عياش مقتصراً عَلَى اللفظ المرفوع ( ) .

ولفظ الْحَدِيْث كَمَا رَوَاهُ أحمد ( ) من طريق أسود بن عامر : قَالَ عَبْد الله : سَمِعْتُ رَسُوْل الله يقول: (( من جعل لله نداً جعله الله في النار )) ، وَقَالَ: وأخرى أقولها لَمْ أسمعها مِنْهُ : من مات لا يجعل لله نداً أدخله الله الجنة .

3. أن يفصِّل بعض الرُّوَاة فيبينوا المدرج ويَفْصِلُوه عن الْمَتْن المرفوع ، ويضيفوه إلى قائله :

مثاله : ما رَوَاهُ عَبْد الله بن خيران ( )، عن شعبة ، عن أنس بن سيرين ، أنه سَمِعَ ابن عمر رضي الله تَعَالَى عنهما يقول : طلقت امرأتي وَهِيَ حائض ، فذكر عمر ذَلِكَ للنبي فَقَالَ : (( مُرهُ فليراجعها ، فإذا طهرت فليطلقها )) قَالَ : فتحتسب بالتطليقة ؟ قَالَ : فمه ( ) .

قَالَ الْخَطِيْب: (( والصواب أن الاستفهام من قَوْل أنس بن سيرين ، وأن جوابه من قول ابن عمر )) ( ) .

وَقَدْ بيّن ذَلِكَ جَمَاعَة الرُّوَاة عن شعبة ، وهم :

بهز بن أسد( ) : وروايته عِنْدَ أحمد ( ) ، ومسلم ( ).

الحجاج بن منهال( ) : عِنْدَ الطحاوي ( ) .

خالد بن الحارث : عِنْدَ مُسْلِم ( ) .

سليمان بن حرب : عِنْدَ البخاري ( ) .

مُحَمَّد بن جعفر ( غندر ) : عِنْدَ  أحمد ( )، ومسلم ( )، والخطيب ( ) .

النضر بن شميل المازني عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

يحيى بن سعيد القطان : عِنْدَ الْخَطِيْب ( ) .

يزيد بن هارون : عِنْدَ ابن الجارود ( ) .

فظهر أن عَبْد الله بن خيران أدرج سؤال ابن سيرين وجواب ابن عمر لَهُ في الْحَدِيْث وجعل صورة الكل كأنه مرفوع .

ولفظ الْحَدِيْث كَمَا أخرجه أحمد ( ) من طريق مُحَمَّد بن جعفر ( غندر ) ، عن شعبة ، عن أنس بن سيرين ، أنه سَمِعَ ابن عمر قَالَ : طلقت امرأتي وَهِيَ حائض ، فأتى عمر النَّبِيّ فأخبره ، فَقَالَ : (( مُره فليراجعها ، ثُمَّ إذا طهرت فليطلقها )) .

قُلْتُ لابن عمر : أحسب تِلْكَ تطليقة ؟ قَالَ : فمه !!

إلا أن الحَافِظ ابن حجر استدرك عَلَى حكمنا عَلَى الْحَدِيْث بالإدراج موافقة لهذه القاعدة الثالثة بأن البت بالحكم هنا لَيْسَ لَهُ قوة البت بالحكم في النوعين الماضيين ، فَقَالَ: (( والحكم عَلَى هَذَا القسم الثالث بالإدراج يَكُوْن بحسب غلبة ظن المحدّث الحَافِظ الناقد، ولا يوجب القطع بِذَلِكَ خلاف القسمين الأولين ، وأكثر هَذَا الثالث يقع تفسيراً لبعض الألفاظ الواقعة في الْحَدِيْث كَمَا في أحاديث الشغار والمحاقلة والمزابنة )) ( ) .

 

المطلب الخامس : حكم الإدراج

اتضح لنا فِيْمَا مضى أن الإدراج علة يعل بِهَا الْحَدِيْث ، سواء وقعت في الْمَتْن أو الإسناد ، لذا فتعمد الإدراج حرام ( )، بَلْ هُوَ أمر قادح في عدالة الرَّاوِي، لا سيما إذا انبنى عَلَى ذَلِكَ شيء من الأحكام العلمية أَوْ العملية ، قَالَ الإمام أبو المظفر السمعاني : (( وأما من يدلس في المتون فهذا مطرح الْحَدِيْث مجروح العدالة، وَهُوَ مِمَّنْ يحرف الكلم عن مواضعه وإن كَانَ ملحقاً بالكذابين وَلَمْ يقبل حديثه )) ( ) .

إلا أن الحافظ السيوطي رأى أن تفسير الغريب الَّذِيْ يقع في متن الْحَدِيْث غَيْر ممنوع ، واستدل بفعل الزهري وغيره من أساطين الرِّوَايَة لَهُ ( ) . والذي أراه أن لا بأس بهذا الاستثناء لا سيما إذا أتي بفصل يبين المدرج ، والله أعلم .

 

المبحث السادس

الاختلاف بسبب خطأ الراوي

الخطأ في رِوَايَة الثقات أمرٌ وارد ، إِذْ لا يلزم من رِوَايَة الثقة أن تكون صواباً ، إِذ الأصل فِيْهَا الصواب والخطأ طارئٌ محتمل ، فالراوي الثقة مهما بلغ أعلى مراتب الضبط والإتقان فالخطأ في روايته يبقى أمراً محتملاً وليس بعيداً، ومعرفة الخطأ في حَدِيْث الثقة لا يتمكن من مَعْرِفَته إلا الأئمة الجامعون ، وَقَدْ يطلع الجهبذ من أئمة الْحَدِيْث عَلَى حَدِيْث ما فيحكم عليه بخطأ راويه الثقة مع أن ظاهر الْحَدِيْث السلامة من هَذِهِ العلة القادحة ، لَكِن العالم الفهم لا يحكم بِذَلِكَ عن هوى بَلْ يترجح لديه أن أحد الرُّوَاة قَدْ أخطأ في  هَذَا الْحَدِيْث ، وذلك للقرائن الَّتِيْ تحيط بالحديث ، ومثل هَذِهِ الْمَعْرِفَة لا تتضح لكل أحد ، بَلْ هِيَ لِمَنْ منحه الله فهماً دقيقاً واطلاعاً واسعاً وإدراكاً كبيراً ومعرفة بعلل الأسانيد ومتونها ومشكلاتها وغوامضها ، ومعرفة واسعة بطرق الْحَدِيْث ومخارجه ، وأحوال الرُّوَاة وصفاتهم.

وما دام إدراك الخطأ في حَدِيْث الثقة أمراً خفياً لا يتمكن مِنْهُ كُلّ أحد ، ولا ينكشف لكل ناقد فإن بعضاً من أخطاء الثقات قَدْ ظن بِهَا جَمَاعَة من القوم صحيحة لظاهر ثقة رجالها واتصال إسنادها وظاهر خلوها من العلة ، وَقَدْ أخذوا بتلك الأحاديث وعملوا بِهَا تحسيناً لظنهم بأولئك الرُّوَاة الثقات فحصل اختلاف بَيْنَ الأحاديث مِمَّا أدى إلى اختلاف في الفقه الإسلامي .

مثال ذَلِكَ : حَدِيْث وائل بن حجر في الجهر بآمين بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة في الصلاة .

فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيْث: سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل ( ) ، عن حجر بن العنبس ( ) ، عن وائل بن حجر ، قَالَ : (( سَمِعْتُ النَّبِيّ قرأ : غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ فَقَالَ : آمين و مد بِهَا صوته )) ( ) .

وَقَدْ أخطأ الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج ، في هَذَا الْحَدِيْث فخالف سفيان في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث إِذْ رَوَاهُ عن سلمة بن كهيل ، عن حجر أبي العنبس ، عن علقمة بن وائل ، عن وائل ، قَالَ : (( صلى بنا رَسُوْل الله فلما قرأ : غَيْر المغضوب عليهم ولا الضالين قَالَ : آمين وأخفى بِهَا صوته )) ( ) .

فَقَدْ خالف شعبة سفيان في سند الْحَدِيْث :

عندما أضاف علقمة .

أبدل حجر بن عنبس بـ : ( حجر أبو العنبس ) .

خالفه في الْمَتْن فَقَالَ : (( خفض بِهَا صوته ))

قَالَ الإمام الترمذي : (( سَمِعْتُ مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيْل – البخاري – يقول : (( حَدِيْث سفيان الثوري ، عن سلمة بن كهيل في هَذَا الباب أصح من حَدِيْث شعبة ، وشعبة أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث في مواضع ، قَالَ : (( عن سلمة بن كهيل ، عن حجر أبي العنبس ، وإنما هُوَ حجر بن عنبس ، عن وائل بن حجر ، ليس فِيْهِ  علقمة ، وَقَالَ :

(( وخفض بِهَا صوته )) وَالصَّحِيْح أنه جهر بِهَا )) وسألت أبا زرعة فَقَالَ : (( حَدِيْث سفيان أصح من حَدِيْث شعبة ، وَقَدْ رَوَاهُ العلاء بن صالح( ) )) ( ) .

وَقَدْ عقّب الحافظ البيهقي عَلَى قَوْل هذين الجهبذين فَقَالَ : (( أما خطؤه في متنه فبين ، وأما قوله : (( حجر أبو العنبس )) فكذلك ذكره مُحَمَّد بن كثير عن الثوري ( ) ، وأما قوله : عن علقمة فَقَدْ بين في روايته أن حجراً سمعه من علقمة ، وَقَدْ سمعه أَيْضاً من وائل نفسه ( ) ، وَقَدْ رَوَاهُ أبو الوليد الطيالسي عن شعبة نحو رِوَايَة الثوري )) ( ) .

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : (( كَذَا قَالَ شعبة وأخفى بِهَا صوته ، ويقال : إنه وهم فِيْهِ  ؛ ولأن سفيان الثوري ومحمد بن سلمة بن كهيل ، وغيرهما رووه عن سلمة ، فقالوا: ورفع صوته بآمين ، وَهُوَ الصواب )) ( ).

والذي يهمنا في مجال بحثنا هُوَ خطأ الإمام شعبة بقوله : (( أخفى بِهَا صوته )) ، والمرجح هنا هُوَ رِوَايَة سفيان ، وعند الاختلاف من غَيْر مرجحات فرواية سفيان أقوى من رِوَايَة شعبة ؛ إِذْ قَالَ شعبة نفسه : (( سُفْيَان أحفظ مني )) ، وَقَالَ لَهُ رجل: وخالفك سُفْيَان قَالَ: (( دمغتني )) ، وَقَالَ يحيى بن سعيد القطان: (( ليس أحدٌ أحب إليّ من شعبة ، ولا يعدله عندي ، وإذا خالفه سفيان أخذت بقول سفيان )) ( ). وَقَالَ البيهقي : (( لا أعلم اختلافاً بَيْنَ أهل العلم بالحديث أن سفيان وشعبة إذا اختلفا فالقول قَوْل سفيان ))( ).

وَقَدْ احتج ابن قيم الجوزية ( ) بترجيح رِوَايَة سفيان بخمس حجج :

الأولى : قَوْل العلماء السابق في ترجيح رِوَايَة سفيان .

الثانية : متابعة العلاء بن صالح ( ) ، ومحمد بن سلمة بن كهيل ( ) لسفيان في روايتيهما عن سلمة بن كهيل ( ) .

الثالث : هُوَ أن أبا الوليد الطيالسي رَوَى عن شعبة في الْمَتْن بنحو حَدِيْث الثوري ، إذن فَقَد اختلف عَلَى شعبة في روايته فَقَالَ البيهقي: (( فيحتمل أن يَكُوْن تنبه لِذَلِكَ فعاد إلى الصواب في متنه ، وترك ذكر ذَلِكَ عن علقمة في إسناده )) .

الرابع : هُوَ أن رِوَايَة الرفع متضمنة لزيادة ، وكانت هَذِهِ الزيادة أولى بالقبول .

الخامس: هِيَ أن هَذِهِ الرِّوَايَة موافقة ومفسرة لحديث أبي هُرَيْرَة : (( إذا أمن الإمام فأمنوا )) ( ).

ثُمَّ إن الْحَدِيْث ورد من طريق علقمة بن وائل ( ) ، وعبد الجبار بن وائل ( ) ، وكليب بن شهاب ( ) ؛ ثلاثتهم رووه عن وائل بن حجر بنحو رِوَايَة سُفْيَان ، وهذا كله يدل عَلَى أن شعبة قَدْ أخطأ في هَذَا الْحَدِيْث .

 

أثر الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء

قَوْل الإمام (( آمين )) بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة  :

اختلف العلماء رحمهم الله في هَذِهِ المسألة عَلَى ثلاثة أقوال :

القَوْل الأول : إن الإمام يقول (( آمين )) بَعْدَ قِرَاءة الفاتحة وكذلك المأموم :

وهذا قَوْل جمهور الصَّحَابَة والتابعين ( ) .

 

وإليه ذهب أبو حَنِيْفَة في رِوَايَة وَهِيَ الأشهر ( ) ، ومالك في رِوَايَة المدنيين عَنْهُ ( )، والشافعي ( ) ، وأحمد ( ) ، والظاهرية ( ) .

واستدلوا بحديث سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة بن عَبْد الرحمان ، عن أبي هُرَيْرَة أن النَّبِيّ قَالَ : (( إذا أمَّن الإمام ، فأمنوا ؛ فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة ، غفر لَهُ ما تقدم من ذنبه )) وَهُوَ حَدِيْث صَحِيْح ، سيأتي تفصيل تخريجه .

القَوْل الثاني : إن الإمام لا يقول (( آمين )) بَلْ يقتصر قولها عَلَى المأموم فَقَطْ :

وهذا قَوْل أبي حَنِيْفَة في رِوَايَة مُحَمَّد بن الحسن عَنْهُ ( ) ، ومالك في رِوَايَة ابن القاسم والمصريين عَنْهُ ( ) .

واستدلوا بحديث سُمي مولى أبي بكر بن عَبْد الرحمان( ) ، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيْرَة ، أن رَسُوْل الله قَالَ : (( إذا قَالَ الإمام غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ ، فقولوا : آمين ، فإنه مَنْ وافق قوله قَوْل الملائكة غفر لَهُ ما تقدم من ذنبه )).

قَالَ ابن عَبْد البر : (( في هَذَا الْحَدِيْث دليل عَلَى أن الإمام لا يقول : (( آمين )) ))( ).

القَوْل الثالث : إن الإمام والمأموم لا يقولان : (( آمين )) :

وهذا قَوْل الزيدية ( ) ، والإمامية ( ).

واستدلوا بقوله لِمَنْ شمت العاطس في الصلاة : (( إن هَذِهِ الصلاة لا يصلح فِيْهَا شيءٌ من كلام الناس )) ( ) .

الجهر بـ (( آمين )) للإمام :

اختلف العلماء رحمهم الله في هَذِهِ المسألة عَلَى قولين :

القَوْل الأول : إن الإمام يجهر بـ (( آمين )) :

وهذا قَوْل غَيْر واحد من أهل العِلْم من أصحاب النَّبِيّ والتابعين ومن بعدهم( ).

وإليه ذهب مالك في رِوَايَة المدنيين عَنْهُ( )، والشافعي( )، وأحمد( )، وابن حزم( ).

واستدلوا بحديث أبي هُرَيْرَة أن رَسُوْل الله قَالَ : (( إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإنه مَن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر الله لَهُ ما تقدم من ذنبه )) ( ).

وحديث بلال قَالَ : قَالَ النَّبِيّ : (( لا تسبقني بآمين )) ( ).

وحديث وائل بن حجر : (( أن النَّبِيّ كَانَ يجهر بـ : آمين )) ( ) .

 

القَوْل الثاني : إن الإمام يُسر بِهَا :

وهذا قَوْل عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وعبد الله بن مسعود ( ).

وبه قَالَ أبو حَنِيْفَة ( ) ، ومالك في رِوَايَة بعض المدنيين عَنْهُ ( ) .

واستدلوا بحديث وائل بن حجر من طريق شعبة ( ) .

قَالَ الزيلعي: (( ولأنه دعاء فيكون مبناه عَلَى الإخفاء ولأنه لَوْ جهر به عقيب الجهر بالقرآن لأوهم أنها من القرآن فيمنع مِنْهُ دفعاً للإيهام ولهذا لَمْ تكتب في المصاحف ))( ).

وَقَالَ الشَّافِعِيّ في " الجديد " : (( إن المأموم لا يجهر بـ : آمين )) ( ) .

 

 

المبحث السابع : المقلوب ، وأثره في اختلاف الفقهاء

وفيه ثلاثة مطالب :

المطلب الأول : تعريفه .

المطلب الثاني : أنواعه .

المطلب الثالث : أسباب القلب .

 

المطلب الأول : تعريفه

المقلوب : اسم مفعول من ( قَلَبَ ) ، ومعناه : تحويل الشيء عن وجهه ، وقَلَبَه يَقلِبُه قَلْباً ، وَقَدْ انقلب وقَلَب الشيء وقَلَّبه .

تقول : قلبت الشيء فانقلب : إذا كببته ، وقلّبه بيده تقليباً ، وكلام مقلوب : ليس عَلَى وجهه ، والقَلْبُ : صرفك إنساناً تَقْلِبُه عن وجهه الَّذِيْ يريد ، وقلّب الأمور : بحثها ونظر في عواقبها ، ومنه قوله تَعَالَى : وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ ( ) ، وتَقلَّب في الأمور والبلاد : تصرف فِيْهَا كيفما شاء ، وفي التنْزيل : فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ ( ) .

وَقَالَ ابن فارس : (( القاف واللام والباء أصلان صحيحان : أحدهما يدل عَلَى خالص الشيء وشريفه ، والآخر عَلَى ردِّ شيء من جهة إلى جهة )) .

ومنه المثل العربي : (( (( أَقْلِبْ قَلاّب )) يضرب لِمَنْ تفرط مِنْهُ سقطة ، فيتلافاها بقلبها إلى غَيْر معناها )) ( ) .

أما في الاصطلاح : فهو الْحَدِيْث الَّذِيْ أبدل فِيْهِ  راويه شَيْئاً بآخر في السند أو في الْمَتْن عمداً أو سهواً ( ) .

 

العلاقة بَيْنَ المعنى اللغوي والاصطلاحي :

نلاحظ أن معنى القلب متوافر في المعنى الاصطلاحي ، فهو في اللغة تغيير الشيء عن وجهه ، فسميَ بِهِ هَذَا الفعل في الاصطلاح فكأن الرَّاوِي قلب الْحَدِيْث وأخرجه عن وجهه الصَّحِيْح ، عمداً كَانَ فعله أم سهواً .

 

المطلب الثاني : أنواعه

القلب يقع تارة في الْمَتْن وتارة في السند وتارة فيهما ، وعليه فيمكننا جعله عَلَى ثلاثة أنواع ( ) :

الأول : القلب في الْمَتْن .

الثاني : القلب في الإسناد .

الثالث : القلب في الْمَتْن والإسناد .

 

النوع الأول : القلب في المتن

وَهُوَ أن يقع الإبدال في متن الْحَدِيْث لا في سنده ، وَهُوَ قسمان ( ) :

الأول : أن يبدل في متن الْحَدِيْث بالتقديم والتأخير :

بحيث يَكُوْن التغيير إما بتقديم جملة عَلَى جملة ، أو كلمة عَلَى جملة ، فإما أن يزيد لفظاً من خارج الْحَدِيْث فهو مدرج لا مقلوب .

مثاله : ما روي من طريق علي بن عثمان اللاحقي( ) ، عن حماد بن سلمة ، عن مُحَمَّد بن زياد ، عن أبي هُرَيْرَة قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله : (( ذروني ما تركتكم ، فإنما أهلك من كَانَ قبلكم اختلافهم عَلَى أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوه، وإذا نهيتكم عن شيءٍ فاجتنبوه ما استطعتم )) ( ) .

فهذا الْحَدِيْث مقلوب في متنه . والذي تفرد بقلبه عن حماد بن سلمة هُوَ علي بن عثمان اللاحقي، إذ روي هَذَا الْحَدِيْث من طريق وكيع( )،وعبد الرحمان بن مهدي( ) كلاهما عن حماد بن سلمة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله : (( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كَانَ قبلكم بسؤالهم، واختلافهم عَلَى أنبيائهم،   فإذا أمرتكم بأمر فاتبعوه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه )) فالصواب الرِّوَايَة الثانية ، وتابع حماد بن سلمة عَلَى الرِّوَايَة الثانية عن مُحَمَّد بن زياد : شعبة ( )، والربيع بن مُسْلِم( ) القرشي( ) فرووه عن مُحَمَّد بن زياد ، عن أبي هُرَيْرَة برواية الثانية .

كَمَا أن علي بن عثمان اللاحقي قَدْ قلب الإسناد والمتن في موقع آخر فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث عن حماد بن سلمة ، عن أيوب وهشام ، عن مُحَمَّد بن سيرين ، عن أبي هُرَيْرَة برواية الأولى المقلوبة الْمَتْن فَقَدْ خالف هنا وكيعاً ، وعبد الرحمان بن مهدي الَّذِيْنَ روياه عن حماد بن سلمة، عن مُحَمَّد بن زياد، عن أبي هُرَيْرَة ، برواية الثانية كما مَرَّ، فعلي بن عثمان خالف هنا من هم أحفظ مِنْهُ عدداً وحفظاً أَيْضاً وخالفهم هنا في السند والمتن، كَمَا أن هَذَا الْحَدِيْث لَمْ يروَ من طريق مُحَمَّد بن سيرين ، عن أبي هُرَيْرَة ، إلا من رواية علي بن عثمان، فَقَدْ روي من عدة تابعين عن أبي هُرَيْرَة وليس فِيْهِمْ مُحَمَّد بن سيرين( ).

ومثاله : ما سبق في نوع المدرج ( ) في حَدِيْث عَبْد الله بن مسعود ، إِذْ روي مقلوباً من طريق أبي معاوية ، عن الأعمش ، عن شقيق بن سلمة ، عن عَبْد الله بن مسعود، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله كلمة وقلت أخرى، قَالَ رَسُوْل الله : (( من مات لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة )) قَالَ: وقلت أنا : من مات يشرك بالله شَيْئاً دخل النار ( ).

فَقَدْ خالف أَبُو معاوية بقية الرُّوَاة عن الأعمش ، إِذْ رَوَاهُ عَنْهُ :

أبو حمزة السكري( ) : عِنْدَ البخاري ( ).

حفص بن غياث : عِنْدَ البخاري ( ) ، وابن منده ( ).

شعبة : عِنْدَ الطيالسي ( )، وأحمد ( )، والنسائي ( )، وابن خزيمة ( )، والشاشي ( )، والخطيب ( ).

عَبْد الله بن نمير( ) : عِنْدَ أحمد ( )، ومسلم ( ) ، وابن خزيمة ( ) ، والشاشي ( )، وابن منده ( ).

عَبْد الواحد بن زياد : عِنْدَ البخاري ( ) ، وابن منده ( ) .

وكيع بن الجراح : عِنْدَ أحمد ( ) ، ومسلم ( ) ، وابن منده ( ) .

جميعهم عن الأعمش ، عن شقيق ، عن عَبْد الله بن مسعود قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله : (( من مات يشرك بالله شَيْئاً دخل النار )) وقلت أنا : من مات لا يشرك بالله شَيْئاً دخل الجنة .

أضف إلى ذَلِكَ أن عاصم بن أبي النجود ( ) ، وسيار ( ) ، والمغيرة ( )، رووا هَذَا الْحَدِيْث عن شقيق ، عن عَبْد الله بن مسعود باللفظ الصَّحِيْح .

وبهذا يَكُوْن أبو معاوية قَدْ خالف الرُّوَاة الأكثر مِنْهُ عدداً في رِوَايَة هَذَا الْحَدِيْث مقلوباً ، لذا قَالَ ابن خزيمة : (( وشعبة وابن نمير أولى بمتن الخبر من أبي معاوية وتابعهما أَيْضاً سيار أبو الحكم( ) ، عن أبي وائل ، عن عَبْد الله )) ( ) .

وَقَالَ الحافظ ابن حجر نقلاً عن الإسماعيلي: (( إنما المحفوظ أن الَّذِيْ قلبه أبو معاوية وحده ، وبذلك جزم ابن خزيمة في " صحيحه " ، والصواب رِوَايَة الجماعة )) ( ). ثُمَّ قَالَ: (( وهذا هُوَ الَّذِيْ يقتضيه النظر ؛ لأن جانب الوعيد ثابت بالقرآن وجاءت السنة عَلَى وفقه ، فلا يحتاج إلى استنباط ، بخلاف جانب الوعد فإنه في محل البحث إِذْ لا يصح حمله عَلَى ظاهره )) ( ) .

الثاني : أن يبدل الرَّاوِي عامداً سند متنٍ

بأن يجعله لمتن آخر ، ويجعل للمتن الأول سنداً آخر ، ودافع هَذَا الفعل أحد أمرين ( ) :

1. إما بقصد الإغراب وفاعل ذَلِكَ داخل في صنف الوضاعين ملحقاً بالكذابين ( ) .

مثاله : ما رواه عمرو بن خالد الحراني( ) ، عن حماد بن عمرو النصيبي( ) ، عن الأعمش، عن أبي صالح ، عن أبي هُرَيْرَة مرفوعاً : (( إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤوهم بالسلام … الْحَدِيْث )) ( ) .فهذا  حَدِيْث قلبه حماد بن عمرو فجعله عن الأعمش، عن أبي صالح ، وإنما هُوَ مشهور بسهيل بن أبي صالح ، عن أبيه أبي صالح ( ) ، هكذا رَوَاهُ الناس ، عن سهيل ، مِنْهُمْ :

أبو بكر بن عياش : عِنْدَ الطحاوي ( ) .

جرير بن عَبْد الحميد : عِنْدَ مُسْلِم ( ) ، والبيهقي ( ) .

خالد بن عَبْد الله( ) : عِنْدَ ابن النجار ( ) .

زهير بن معاوية : عِنْدَ أحمد ( ) ، وابن الجعد ( ) ، وأبي عوانة ( ) .

سفيان الثوري: عِنْدَ عَبْد الرزاق( )، وأحمد ( ) ، والبخاري في " الأدب "( )، ومسلم ( ) ، وأبي عوانة ( ) ، وأبي نعيم ( ) ، والبيهقي ( ) .

سليمان بن بلال : عِنْدَ أبي عوانة ( ) .

شعبة بن الحجاج: عِنْدَ الطيالسي ( )، وأحمد ( )، ومسلم ( )، وأبي داود ( ) ، وأبي عوانة ( ) ، والطحاوي ( ) ، وابن حبان ( ) .

عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي:عِنْدَ مُسْلِم( )،والترمذي( )،وأبي عوانة( ).

معمر بن راشد : عِنْدَ عَبْد الرزاق ( ) ، وأحمد ( ) ، وأبي عوانة ( ) ، والبغوي ( ).

الوضاح بن يزيد اليشكري أبو عوانة : عِنْدَ أبي عوانة ( ) ، وابن حبان( ).

وهيب بن خالد : عِنْدَ البخاري في " الأدب " ( ) ، وأبي عوانة ( ) .

يحيى بن أيوب : عِنْدَ الطحاوي ( ) .

يحيى بن سعيد : عِنْدَ أبي عوانة ( ) .

 

2. أن يَكُوْن بقصد الامتحان لمعرفة حفظ الشيخ وضبطه .

مثاله : ما وقع للإمام البخاري – رحمه الله – لما قدم بغداد ، فأراد أهل الْحَدِيْث اختبار حفظه ، فعمدوا إلى مئة حَدِيْث فقلبوا أسانيدها ، وجعلوا أسانيد هَذِهِ لمتون تِلْكَ ، ثُمَّ دفعوها إلى عشرة رجال لكل رجل عشرة أحاديث ، فلما جاء البخاري وجلس للإملاء، وَكَانَ المجلس غاصاً بأصحاب الْحَدِيْث والفقهاء، قام لَهُ رجل من العشرة فسأله عن حَدِيْث من تِلْكَ الأحاديث ، فَقَالَ البخاري: لا أعرفه ، فسأله عن الآخر فَقَالَ : لا أعرفه، إلى تمام العشرة، ثُمَّ قام الثاني فالثالث حَتَّى نهاية العشرة ، والبخاري لا يزيد عَلَى قوله : لا أعرفه، فكان من حضر المجلس من الفهماء يلتفت بعضهم إلى بعض ، ويقولون: الرجل فهم. ومن كَانَ مِنْهُمْ غَيْر ذَلِكَ يقضي عَلَى البخاري بالعجز والتقصير وقلة الفهم .

فلما علم أنهم فرغوا التفت إلى الأول مِنْهُمْ فَقَالَ : أما حديثك الأول فهو كَذَا ، وحديثك الثاني كَذَا حَتَّى أتم العشرة ، ثُمَّ أقبل عَلَى الثاني فالثالث ، ورد المتون كلها إلى أسانيدها ، وأسانيدها إلى متونها ، فأقرّ لَهُ الناس بالحفظ وأذعنوا لَهُ بالفضل ( ).

وَكَانَ الحافظ العراقي لا يتعجب من رد البخاري الخطأ إلى الصواب لسعة معرفته واطلاعه ، وإنما كَانَ يعجب من حفظ الأحاديث المقلوبة عَلَى الموالاة من مرة واحدة ( ) .

وَقَدْ وقع نحو هَذَا الامتحان لعدد من الْمُحَدِّثِيْنَ مِنْهُمْ : أبان بن عياش اختبره شعبة ( ) ، وأبو نعيم الفضل بن دكين امتحنه يحيى بن معين ( ) ، وأبو جعفر العقيلي ( ) ، ومحمد بن عجلان ( ) ، وغيرهم .

وفي جواز قلب الأحاديث لامتحان حفظ المشايخ خلاف ، إِذْ لَمْ يرتضيه بعض الْمُحَدِّثِيْنَ مثل : حرمي بن عمارة ( ) ، ويحيى بن سعيد القطان ( ) ، قَالَ الحافظ العراقي: (( وهذا يفعله أهل الْحَدِيْث كثيراً، وفي جوازه نظر إلا أنه إذا فعله أهل الْحَدِيْث لا يستقر حديثاً )) ( ) ، فجوازه إذن مشروط بالبيان ( ) .

وَقَدْ يَكُوْن بالتقديم والتأخير في اسم الرَّاوِي مثل: كعب بن مرة( )، فيجعل : مرة ابن كعب ( ) .

3. الثالث : أن يقع في الإسناد والمتن معاً

مثاله: ما رواه الْحَاكِم في "مَعْرِفَة علوم الْحَدِيْث" ( ) من طريق المنذر بن عَبْد الله الحزامي، عن عَبْد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ( )، عن عَبْد الله بن دينار، عن ابن عمر ، أن رَسُوْل الله كَانَ إذا افتتح الصلاة قَالَ : (( سبحانك اللهم تبارك اسمك وتعالى جدك … )) .

فهذا الْحَدِيْث مقلوب سنداً ومتناً، أما سنداً فإن عَبْدالعزيز بن أبي سلمة يرويه عن عَبْد الله بن الفضل( )، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع( )، عن علي بن أبي طالب.

وأما القلب في الْمَتْن فإن لفظ حَدِيْث عَبْد العزيز : أن النَّبِيّ كَانَ إذا استفتح الصلاة يكبر ثُمَّ يقول : (( وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين … )) .

هكذا رَوَاهُ حجين ( )، وأبو غسان مالك ( ) بن إِسْمَاعِيْل ( ) عن عَبْد العزيز بن أَبِي سلمة.

ورواه أَيْضاً :

أحمد بن خالد( ) : عِنْدَ ابن خزيمة ( ) ، والطحاوي ( ).

 

 

أبو سعيد( ) : عِنْدَ أحمد ( ) ، وابن حزم ( ).

عَبْد الله بن رجاء : عِنْدَ الطحاوي ( ) .

عَبْد الله بن صالح : عِنْدَ الطحاوي ( ) .

أربعتهم ، عن عَبْد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ، عن عَبْد الله بن الفضل والماجشون كلاهما، عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي، بِهِ عَلَى الصواب .

ورواه أَيْضاً :

أبو داود الطيالسي : في " مسنده " ( ) ، ومن طريقه الترمذي ( ).

أَبُو صالح عَبْد الله بن صالح ( كاتب الليث( ) ) : عِنْدَ ابن الجارود ( ) ، وابن خزيمة ( ).

أبو النضر هاشم بن قاسم : عِنْدَ أحمد ( ) ، ومسلم ( ) ، وابن حبان ( ) .

أبو الوليد : عِنْدَ الترمذي ( ) .

حجاج بن منهال : عِنْدَ ابن الجارود ( ) ، وابن خزيمة ( ) .

حجين : عِنْدَ أحمد ( ) ، وابن خزيمة ( ) .

سويد بن عمرو الكلبي( ) : عِنْدَ ابن أبي شيبة ( ).

عَبْد الرحمان بن مهدي: عِنْدَ مُسْلِم( )،والنسائي( )،وأبي يعلى( )،وابن حزم( ).

معاذ بن معاذ بن نصر : عِنْدَ أبي داود ( ) .

يحيى بن حسان : عِنْدَ الدارمي ( ) ، والطحاوي ( ).

يزيد بن هارون : عِنْدَ الدارقطني ( ) .

جميعهم ، عن عَبْد العزيز بن أَبِي سلمة ، عن يعقوب الماجشون منفرداً ، عن الأعرج ، عن عبيد الله ، عن علي ، بِهِ ( ) .

 

المطلب الثالث

أسـباب القـلب

مِمَّا لا شك فِيْهِ أن قابليات الرُّوَاة تتفاوت ما بَيْنَ إتقان وضبط وتعاهد للمحفوظ ، ثُمَّ إنهم مختلفون في ما ركزه الله فِيْهِمْ من العدالة أو ضدها ، وعليه فَقَد اختلفت دوافع القلب في المرويات تبعاً لهذا التفاوت ، ويمكن أن نجعل جملة الأسباب الَّتِيْ تؤدي بوقوع القلب في حَدِيْث الرُّوَاة ثلاثة ، هِيَ ( ) :

1. رغبة الرَّاوِي في إيقاع الغرابة في حديثه ليُرَغِّبَ الناس

حَتَّى يظنوا أنه يروي ما ليس عِنْدَ غيره فيقبلوا عَلَى التحمل مِنْهُ . عَلَى نحو ما وقع في حَدِيْث حماد بن عمرو النصيبي الَّذِيْ سقناه قَبْلَ قليل ( ) .

 

ولهذا السبب كره أهل الْحَدِيْث تتبع الغرائب ، قَالَ الإمام أحمد : (( لا تكتبوا هَذِهِ الأحاديث الغرائب فإنها مناكير وعامتها عن الضعفاء )) ( ) .

 

2. الإمعان في التثبت من حال المحدِّث أحافظ هُوَ أم غَيْر حافظ ؟ وهل يفطن لما وقع في الْحَدِيْث من القلب أم لا ؟

فإن تبين لَهُ أنه حافظ متيقظ يطمئن القلب في الْحَدِيْث عَنْهُ ، أقبل عَلَى التحمل عَنْهُ ، وإن تبين لَهُ خلاف ذَلِكَ ، بأن كانت فِيْهِ  غفلة أو بلادة ذهن أعرض عَنْهُ وتركه .

كَمَا وقع للبخاري والعقيلي والفضل بن دكين ومحمد بن عجلان والمزي وغيرهم – مِمَّا أسلفنا ذكرهم – ( ).

3. خطأ الرَّاوِي وغلطه

بأن يقع القلب في حديثه من باب السهو لا العمد ، وهذا النوع راويه معذور فِيْهِ ؛ لأنه لَمْ يقصد إيقاعه ، إلا أنه إذا كثر في حديثه استحق الترك ( ).

مثاله : الْحَدِيْث الَّذِيْ رَوَاهُ جرير بن حازم ، عن ثابت البناني ، عن أنس قَالَ : قَالَ رَسُوْل الله : (( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حَتَّى تروني )) ( ).

فهذا الْحَدِيْث انقلب إسناده عَلَى جرير، وإنما هُوَ مشهور ليحيى بن أبي كثير ، عن عَبْد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، عن النَّبِيّ  ، هكذا رَوَاهُ الجمع ، عن يحيى بن أبي كثير مِنْهُمْ :

أبان : عِنْدَ أبي داود ( ) .

حجاج بن أَبِي عثمان الصواف( ) : عِنْدَ مُسْلِم ( ) ، وابن خزيمة ( )، وأبي عوانة ( )، وابن حبان ( ) ، وأبي نعيم في " المستخرج " ( ) .

شيبان ( ): عِنْدَ البُخَارِيّ ( )، ومسلم ( )، وأبي عوانة ( )، وأبي نعيم في "المستخرج"( ).

علي بن المبارك ( ) : عِنْدَ البخاري ( ) ، وأبي عوانة ( ) ، وابن حبان ( ) .

معاوية بن سلام ( ) : عِنْدَ ابن خزيمة ( ).

معمر : عِنْدَ عَبْد الرزاق ( ) ، وابن أبي شيبة ( ) ، ومسلم ( ) ، والترمذي ( )، وأبي عوانة ( ) ، وابن حبان ( ) ، وأبي نعيم في " المستخرج " ( ).

 

 

هشام: عِنْدَ البُخَارِيّ ( )، والدارمي ( )، وأبي نعيم في "مستخرجه"( )، والبيهقي( ).

همام : عِنْدَ الدارمي ( ) .

قَالَ الترمذي: (( سألت محمداً عن هَذَا الْحَدِيْث فَقَالَ : هُوَ حَدِيْث خطأ ، أخطأ فِيْهِ جرير بن حازم . ذكروا أن الحجاج الصوّاف كَانَ عِنْدَ ثابت البناني ، وجرير بن حازم في المجلس ، فحدّث الحجاج ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن عَبْد الله بن أبي قتادة ، عن أبيه ، عن النَّبِيّ قَالَ : (( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حَتَّى تروني )) ، فوهم فِيْهِ  جرير بن حازم فظن أن ثابتاً حدّثه عن أنس بهذا )) ( ) .

 

أثر القلب في اختلاف الفقهاء

( المصلي عِنْدَ نزوله من الركوع إلى السجود ، هل يَكُوْن عَلَى يديه أم ركبتيه ؟ )

اختلاف الفقهاء في ذَلِكَ عَلَى قولين :

الأول : توضع الركبتان قَبْلَ اليدين عِنْدَ النّزول إلى السجود .

وبه قَالَ : مُسْلِم( )  بن يسار ( )، وسفيان الثوري ( ) ، والشافعي ( ) ، وأحمد في رِوَايَة ( ) ، وإسحاق بن راهويه ( ) ، وَهُوَ مذهب أهل الكوفة مِنْهُمْ : أبو حَنِيْفَة ( ) ، وإبراهيم النخعي ( ).

ونقله الترمذي عن أكثر أهل العلم ( ) ، وَهُوَ مروي عن عمر بن الخطاب ( )، وابنه ( ) ، واختاره ابن القيم وغيره ( ) .

وحجتهم في ذَلِكَ : ما رواه يزيد بن هارون ، عن شريك القاضي، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه ، عن وائل بن حجر ، قَالَ : (( رأيت رَسُوْل الله إذا سجد يضع ركبتيه قَبْلَ يديه ، وإذا نهض رفع يديه قَبْلَ ركبتيه )) .

رَوَاهُ : الدارمي( )، وأبو داود( )، وابن ماجه( )، والترمذي ( )، والنسائي ( )، وابن خزيمة ( )، والطحاوي ( )، وابن حبان ( )، والطبراني ( )، والدارقطني ( )، والبيهقي( )، والخطيب ( ) ، والحازمي ( ) .

 

الثاني : توضع اليدان قَبْلَ الركبتين في السجود

وبه قَالَ : الأوزاعي ( ) ، ومالك ( )، وأحمد في الرِّوَايَة الأخرى ( )، وَهُوَ مذهب أصحاب الْحَدِيْث ( ) .

وَقَالَ ابن حزم : وضع اليدين قَبْلَ الركبتين فرض ( ). وَهُوَ مذهب العترة ( ).

واحتجوا : بما رَوَاهُ عَبْد العزيز بن مُحَمَّد الدراوردي ، قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحسن( )، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله   : (( إذا سجد أحدكم فلا يبرك كَمَا يبرك البعير ، وليضع يديه قَبْلَ ركبتيه )) .

أخرجه أحمد ( )، والبخاري في "التاريخ الكبير" ( )، وأبو داود ( )، والنسائي( )، والطحاوي( )،والدارقطني( )، والبيهقي( )،والحازمي( )، وابن حزم( )، والبغوي( ).

 

مناقشة الأدلة :

احتج القائلون بالمذهب الأول بحديث وائل بن حجر ، وأجاب بعضهم ( ) عن دليل أصحاب القَوْل الثاني بأن أعله بمجموعة علل مِنْهَا :

إنه معارض ( ) لحديث وائل بن حجر ، وحديث وائل أثبت ، قَالَهُ الخطابي ( ) .

إن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة مقلوب ، انقلب لفظه عَلَى بعض الرُّوَاة ، والصواب فِيْهِ : (( وليضع ركبتيه قَبْلَ يديه )) .

فَقَدْ رَوَى الْحَدِيْث أبو بكر بن أَبِي شيبة ( ) فَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن فضيل ، عن عَبْد الله بن سعيد( ) ، عن جده ، عن أبي هُرَيْرَة ، عن النَّبِيّ قَالَ : (( إذا سجد أحدكم فليبتدئ بركبتيه قَبْلَ يديه ولا يبرك بروك الفحل )) .

ثُمَّ إن ما حكاه أبو هُرَيْرَة عن فعل رَسُوْل الله يؤيد ما رَوَاهُ ابن أبي شيبة عَنْهُ، فرواه ابن أبي داود ( ) قَالَ: حَدَّثَنَا يوسف بن عدي( ) ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابن فضيل ، عن عَبْد الله بن سعيد ، عن أبي هُرَيْرَة ، عن النَّبِيّ أنه كَانَ إذا سجد بدأ بركبتيه قَبْلَ يديه .

عَلَى فرض التسليم بكون حَدِيْث أبي هُرَيْرَة محفوظاً ، فهو منسوخ بحديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه بلفظ : (( كنا نضع اليدين قَبْلَ الركبتين ، فأُمرنا بوضع الركبتين قَبْلَ اليدين )) ( ) .

حَدِيْث أبي هُرَيْرَة مضطرب في متنه ؛ لأن من الرُّوَاة من يقول فِيْهِ : وليضع يديه قَبْلَ ركبتيه ، ومنهم من يقول العكس ، ومنهم من يقول : وليضع يديه عَلَى ركبتيه ، ومنهم من يحذف هَذِهِ الجملة أصلاً .

إن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة معلٌ ، فَقَدْ تَكَلَّمَ النقاد في رواته ، قَالَ البخاري : (( مُحَمَّد بن عَبْد الله بن الحسن لا يتابع عليه ، ولا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا ؟ )) ( ) .

إن لحديث وائل بن حجر شواهد ، وأما حَدِيْث أبي هُرَيْرَة فليس كذلك .

إن ركبة البعير ليست في يده وإن أطلقوا عَلَى اللتين في اليدين اسم الركبة فإنما هُوَ للتغليب ، أما القَوْل بأن ركبتي البعير في يديه فلا يعرف عن أهل اللغة .

 

والجواب عَلَى هَذِهِ العلل فِيْمَا يأتي :

أما قولهم أنه معارض لحديث وائل ، فإن حَدِيْث وائل ضعيف ، فإنه ليس يروى في الدنيا بإسناد إلا من طريق شريك ، وتفرد بِهِ يزيد بن هارون .

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : (( تفرد بِهِ يزيد عن شريك ، وَلَمْ يحدث بِهِ عن عاصم بن كليب غَيْر شريك ، وشريك ليس بالقوي فِيْمَا يتفرد بِهِ )) ( ) .

وَقَالَ الترمذي : (( لا نعرف أحداً رَوَاهُ غَيْر شريك )) ( ) .

وشريك يخطئ كثيراً( ) لا يحتج بتفرده فكيف وَقَدْ خالف هماماً، إِذْ رَوَاهُ همام،عن شقيق، قَالَ:حَدَّثَنِي عاصم بن كليب، عن أبيه، عن النَّبِيّ بنحو حَدِيْث شريك( ).

قَالَ البيهقي : (( قَالَ عفان : هَذَا الْحَدِيْث غريب )) ( ) .

وشقيق : مجهول لا يعرف ( ) ، سكت عَنْهُ ابن أبي حاتم ( ) ، وَقَالَ ابن حجر : (( مجهول )) ( ) .

ومع ذَلِكَ نجد هماماً خالف شريكاً فأرسل الْحَدِيْث ، وأسنده شريك ، قَالَ البيهقي : (( هَذَا حَدِيْث يُعدُّ في أفراد شريك القاضي ، وإنما تابعه همام من هَذَا الوجه مرسلاً . هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تَعَالَى )) ( ) .

لذا قَالَ الحازمي في " الاعتبار " : (( والمرسل هُوَ المحفوظ )) ( ) .

وعليه فحديث وائل فِيْهِ  علتان موجبتان لضعفه : الأولى : ضعف شريك ، والثانية : مخالفته لهمام في روايته .

أما قوله بأن الْحَدِيْث مقلوب فما هُوَ إلا من باب التجويز العقلي ، وَلَوْ فتحنا هَذَا الباب ما سلم لنا شيء من الأخبار ، وَقَدْ رده الشيخ علي القاري فَقَالَ : (( وقول ابن القيم أن حَدِيْث أبي هُرَيْرَة انقلب متنه عَلَى راويه فِيْهِ  نظر ، إِذْ لَوْ فتح هَذَا الباب لَمْ يَبْقَ اعتماد عَلَى رِوَايَة راوٍ مع كونها صحيحة )) ( ).

واستدلاله عليه بما رَوَاهُ ابن أبي شيبة وابن أبي داود لا يصلح سنداً لقوله ، ففي كلا إسنادهما : عَبْد الله بن سعيد بن أبي شيبة المقبري ، كَانَ القطان وابن مهدي لا يحدّثان عَنْهُ . وَقَالَ يحيى القطان : جلست إلى عَبْد الله بن سعيد بن أبي سعيد مجلساً فعرفت فِيْهِ  ، يعني : الكذب . وَقَالَ أحمد : منكر الْحَدِيْث متروك الْحَدِيْث . وَقَالَ أبو أحمد الْحَاكِم : ذاهب الْحَدِيْث ( ) .

أما القَوْل بالنسخ فَقَدْ سبقه إِلَيْهِ ابن خزيمة ( )، والخطابي ( )، والحديث الَّذِيْ استدلوا بِهِ عَلَى النَّسْخ رَوَاهُ ابن خزيمة والبيهقي من طريق إِبْرَاهِيْم بن إِسْمَاعِيْل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، عن جده ، عن سلمة ، عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه فذكره .

وهذا الْحَدِيْث بهذا السند لا يصلح لإثبات حكم فضلاً عن نسخ غيره ، إِذْ إن فِيْهِ راويين ضعيفين :

الأول : إِبْرَاهِيْم بن إِسْمَاعِيْل . قَالَ ابن حبان ( ) وابن نمير ( ): (( في روايته عن أبيه بعض المناكير )) .

الثاني : أبوه إِسْمَاعِيْل بن يحيى . قَالَ الأزدي والدارقطني : (( متروك )) ( ) .

قَالَ الحازمي: (( أما حَدِيْث سعد ففي إسناده مقال ، وَلَوْ كَانَ محفوظاً لدل عَلَى النَّسْخ ، غَيْر أن المحفوظ عن مصعب ، عن أبيه حَدِيْث نسخ التطبيق )) ( ) .

وَقَالَ ابن حجر : (( وهذا لَوْ صح لكان قاطعاً للنّزاع ، ولكنه من أفراد إِبْرَاهِيْم ابن إِسْمَاعِيْل بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه ، وهما ضعيفان )) ( ) .

وأما قولهم باضطراب متنه ، فإن الَّذِيْ اتفقت عليه كلمة الْمُحَدِّثِيْنَ أن شرط الاضطراب تساوي أوجه الرِّوَايَة من غَيْر ترجيح ( ) ، فإن ترجحت إحدى الروايات بوجه من وجوه الترجيح المعتبرة انتفى الاضطراب ( ) .

وإذا علمنا مِمَّا مضى أن حَدِيْث مُحَمَّد بن فضيل ، عن عَبْد الله بن سعيد ، عن أبي هُرَيْرَة ، لا تقوم الحجة بِهِ ، وذلك لضعف عَبْد الله بن سعيد ، فكيف تتساوى وجوه الرِّوَايَة ؟!

أما دعوى إعلال النقاد لَهُ ، فليس في كلام الإمام البخاري ما يدل عَلَى إعلاله لَهُ ، فغاية مراد الإمام البخاري من قوله هَذَا تشخيص حالة التفرد ، وذلك لاهتمامهم بناحية التفرد – كَمَا مضى بنا عِنْدَ كلامنا عن التفرد – .

ومحمد بن عَبْد الله الملقب بالنفس الزكية ( ) ثقة ( ) ، لذا قَالَ ابن التركماني : (( وثّقه النسائي وقول البخاري (( لا يتابع عَلَى حديثه )) ليس بصريح في الجرح فلا يعارض توثيق النسائي )) ( ) .

وأما قوله : (( لا أدري أسمع من أبي الزناد أم لا ؟ )) .

فإنما يتأتى الإعلال بِهِ عَلَى شرط الإمام البخاري رحمه الله من عدم الاكتفاء بالمعاصرة ، أما الجمهور فعلى مذهب الإمام مُسْلِم من الاكتفاء بالمعاصرة مع إمكان اللقاء ( ) ، وما في أيدينا تطبيق لهذه القاعدة ، فأبو الزناد – عَبْد الله بن ذكوان – مدنيٌّ عاش في الْمَدِيْنَة ومات فِيْهَا سنة ( 130 ه‍ ) ( )، ومحمد بن عَبْد الله مدنيٌّ أَيْضاً عاش في الْمَدِيْنَة ، وخرج بالمدينة عَلَى أبي جعفر المنصور ، واستولى عَلَى الْمَدِيْنَة سنة ( 145 ه‍ ) وفيها قتل ( ) .

فالمعاصرة موجودة ، وإمكان اللقاء قريب بَلْ هُوَ شبه المتحقق ، حَتَّى إننا نجد الذهبي في " السير " ( ) يقول : (( حدّث عن نافع وأبي الزناد )) .

دعوى وجود الشواهد لحديث وائل ، فهي دعوى عارية عن المفهوم عِنْدَ التحقيق العلمي ، إِذْ ذكروا لَهُ أربعة شواهد هِيَ :

الأول : ما روي من طريق العلاء بن إسماعيل العطار ، عن حفص بن غياث ، عن عاصم الأحول ، عن أنس : (( رأيت رَسُوْل الله انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه )) .

رَوَاهُ : الدَّارَقُطْنِيّ ( )، وابن حزم ( )، والحاكم ( ) ، والبيهقي ( ) ، والحازمي( ).

قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : (( تفرد بِهِ العلاء بن إِسْمَاعِيْل ، عن حفص بهذا الإسناد )) ( ) وبنحوه قَالَ البيهقي ( )والعلاء مجهول لا يعرف ( ) ، قَالَ ابن حجر : (( قَالَ البيهقي في " الْمَعْرِفَة " تفرد بِهِ العلاء بن إِسْمَاعِيْل العطار وَهُوَ مجهول )) ( ). وسأل ابن أَبِي حاتم أباه عن هَذَا الْحَدِيْث فَقَالَ : (( حَدِيْث منكر )) ( ) .

وأيضاً فَقَدْ خالف العلاء عمر بن حفص( ) –وَهُوَ من أثبت الناس في أبيه-( )، فرواه عن أبيه ، عن الأعمش ، عن إِبْرَاهِيْم ، عن أصحاب عَبْد الله : علقمة والأسود قالا: حفظنا عن عمر في صلاته أنه خرَّ بَعْدَ ركوعه عَلَى ركبتيه قَبْلَ يديه( ). فجعله من مسند عمر لا من مسند أنس .

قَالَ ابن حجر : (( وخالفه عمر بن حفص بن غياث – وَهُوَ من أثبت الناس في أبيه ، فرواه عن أبيه ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة وغيره ، عن عمر موقوفاً عليه ، وهذا هُوَ المحفوظ )) ( ) .

الثاني : حَدِيْث سعد بن أبي وقاص ، وَقَدْ قدمنا الكلام عليه ( ) .

الثالث : ما رواه البيهقي ( ) من طريق مُحَمَّد بن حجر ، عن سعيد بن عَبْد الجبار بن وائل ، عن أمه ، عن وائل بن حجر : (( صليت خلف النَّبِيّ ثُمَّ سجد فكان أول ما وصل إلى الأرض ركبتاه )) .

وَهُوَ سند ضعيف: مُحَمَّد بن حجر، قَالَ البخاري: (( فِيْهِ  نظر )) ( ) ، وَقَالَ ابن حبان : (( يروي عن عمه سعيد بن عَبْد الجبار ، عن أبيه – وائل بن حجر – بنسخة منكرة ، فِيْهَا أشياء لها أصول من حَدِيْث رَسُوْل الله ، وليس من حَدِيْث وائل بن حجر ، وفيها أشياء من حَدِيْث وائل بن حجر مختصرة جاء بِهَا عَلَى التقصي وأفرط فِيْهِ، ومنها أشياء موضوعة ليس يشبه كلام رَسُوْل الله لا يجوز الاحتجاج بِهِ ))( ).

وفيه أَيْضاً : سعيد بن عَبْد الجبار ، قَالَ النسائي : (( ليس بالقوي )) ( ) .

أما قوله بأن ركبتي البعير ليست في يديه ، وأنه لا يعرف عن أهل اللغة ذَلِكَ ، فمنقوض بتصريح كبار أئمة اللغة بأن ركبتي البعير في يديه مِنْهُمْ: الأزهري ( ) ، وابن سيده ( ) ، وابن منظور ( ) ، وغيرهم ( ) .

 

المبحث الثامن

الاختلاف بسبب التصحيف والتحريف

التصحيف والتحريف من الأمور الطارئة الَّتِيْ تقع في الْحَدِيْث سنداً أو متناً عِنْدَ بعض الرُّوَاة ، وَهُوَ من الأمور المؤدية إلى الاختلاف في الْحَدِيْث . فيحصل لبعض الرُّوَاة أوهام تقع في السند أَوْ في الْمَتْن بتغيير النقط أو الشكل أو الحروف .

وهذا النوع من الخطأ يسمى عِنْدَ الْمُحَدِّثِيْنَ بـ ( التصحيف والتحريف ) .

والتصحيف هُوَ : تغيير في نقط الحروف أو حركاتها مع بقاء صورة الخط ( ) .

والتحريف : هُوَ العدول بالشيء عن جهته ، وحرَّف الكلام تحريفاً عدل بِهِ عن جهته ، وَقَدْ يَكُوْن بالزيادة فِيْهِ  ، أو النقص مِنْهُ ، وَقَدْ يَكُوْن بتبديل بعض كلماته ، وَقَدْ يَكُوْن بجعله عَلَى غَيْر المراد مِنْهُ ؛ فالتحريف أعم من التصحيف ( ) .

ولابد من الإشارة إلى أن المتقدمين كانوا يطلقون المصحف والمحرف جميعاً عَلَى شيء واحد ، ولكن الحافظ ابن حجر جعلهما شيئين وخالف بينهما ، فَقَدْ قَالَ : (( إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق فإن كَانَ ذَلِكَ بالنسبة إلى النقط فالمصحف ، وإن كَانَ بالنسبة إلى الشكل فالمحرّف )) ( ) .

وعلى هَذَا فالتصحيف هُوَ الَّذِيْ يَكُوْن في النقط ؛ أي في الحروف المتشابهة الَّتِيْ تختلف في قراءتها مثل : الباء والتاء والثاء ، والجيم والحاء المهملة والخاء المعجمة ، والدال المهملة والذال المعجمة ، والراء والزاي .

ومعرفة هَذَا الفن من فنون علم الْحَدِيْث لَهُ أهمية كبيرة ( ) ؛ وذلك لما فِيْهِ من

تنقية الأحاديث النبوية مِمَّا شابها في بعض الألفاظ سواء كَانَ في متونها أم في رجال أسانيدها .

وعندما كثر التصحيف والتحريف بَيْنَ الناس شرع الحفاظ من أهل الْحَدِيْث بتصنيف كتب : ( التصحيف والتحريف ) وكتب ( المؤتلف والمختلف ) ( )، وهذا الفن فن جليل لما يحتاج إِلَيْهِ من الدقة والفهم واليقظة ، وَلَمْ ينهض بِهِ إلا الحفاظ الحاذقون قَالَ ابن الصَّلاَحِ : (( هَذَا فن جليل إنما ينهض بأعبائه الحذاق من الحفاظ )) ( ) .

والسبب في وقوع التصحيف والإكثار مِنْهُ إنما يحصل غالباً للآخذ من الصحف وبطون الكتب ، دون تلق للحديث عن أستاذ من ذوي الاختصاص ؛ لِذَلِكَ حذر أئمة الْحَدِيْث من عمل هَذَا شأنه ، قَالَ سعيد بن عَبْد العزيز التنوخي ( ) : (( لا تحملوا العلم عن صحفي ، ولا تأخذوا القرآن من مصحفي )) ( ).

 

أقسام التصحيف

للتصحيف بحسب وجوده وتفرعه أقسام . ينقسم إِلَيْهَا وَهِيَ ستة أنواع :

القسم الأول : التصحيف في الإسناد :

مثاله : حَدِيْث شعبة ، عن العوام بن مراجم ( )، عن أبي عثمان النهدي ( )، عن عثمان بن عفان، قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله : (( لتؤدنَّ الحقوق إلى أهلها…الْحَدِيْث ))( ).

وَقَدْ صحف فِيْهِ  يحيى بن معين ، فَقَالَ : (( ابن مزاحم )) – بالزاي والحاء – وصوابه : (( ابن مراجم )) – بالراء المهملة والجيم – ( ).

ومنه ما رواه الإمام أحمد ( ) ، من طريق شعبة ، قَالَ : حَدَّثَنَا مالك بن عرفطة – قَالَ ( ) : وإنما هُوَ خالد بن علقمة – قَالَ : سَمِعْتُ عَبْد خير يحدّث ، عن عائشة ، عن النَّبِيّ : (( أنه نهى عن : الدباء ( ) ، والحنتم ( ) ، والمزفت ( ) )) .

وَقَدْ أخطأ الإمام شعبة بن الحجاج فصحف في هَذَا الاسم فَقَالَ : (( مالك بن عرفطة )) ، وصوابه: (( خالد بن علقمة )) كَمَا نبه عَلَى ذَلِكَ الإمام أحمد –كَمَا سبق–( ) وَقَدْ رَوَاهُ أبو عوانة ، عن شعبة ، فأخطأ فِيْهِ كذلك فِيْمَا أخرجه الْخَطِيْب في موضح أوهام الجمع والتفريق ( ).

ثُمَّ رجع إلى الصواب فِيْمَا أخرجه عَنْهُ الْخَطِيْب في " تاريخ بغداد " ( ) وَقَالَ : (( عن شعبة ، عن خالد بن علقمة ، عن عَبْد خير ، بِهِ )) .

 

القسم الثاني : التصحيف في الْمَتْن :

ومثاله حَدِيْث أنس مرفوعاً: (( ثُمَّ يخرج من النار من قَالَ : لا إله إلا الله ، وَكَانَ في قلبه من الخير ما يزن ذرة )) ( ).

قَالَ ابن الصَّلاَحِ : (( قَالَ فِيْهِ  شعبة : (( ذُرَةً )) – بالضم والتخفيف – ونسب فِيْهِ  إلى التصحيف )) ( )

ومثّل ابن الصَّلاَحِ لتصحيف الْمَتْن بمثال آخر فَقَالَ : (( وفي حَدِيْث أبي ذر : (( تعين الصانع )) ، قَالَ فِيْهِ  هشام بن عروة – بالضاء المعجمة – وَهُوَ تصحيفٌ ، والصواب ما رواه الزهري: (( الصانع )) – بالصاد المهملة – ( ) ضد الأخرق ( ) )) ( ).

القسم الثالث : تصحيف البصر :

وَهُوَ سوء القراءة بسبب تشابه الحروف والكلمات وهذا يحصل في الأعم لِمَنْ يأخذ من الصحف دون تلقٍ .

مثاله: ما رواه ابن لهيعة عن كتاب موسى بن عقبة إِلَيْهِ بإسناده عن زيد بن ثابت: (( أن رَسُوْل الله احتجم في المسجد )) قَالَ ابن الصَّلاَحِ: (( إنما هُوَ بالراء: (( احتجر في المسجد بخص أو حصير حجرة يصلي فِيْهَا )) ( ) فصحّفه ابن لهيعة ؛ لكونه أخذه من كتاب بغير سَمَاع )) ( ).

وَقَالَ الإمام مُسْلِم : (( هَذِهِ رِوَايَة فاسدة من كُلّ جهة . فاحشٌ خطؤها في الْمَتْن والإسناد ، وابن لهيعة المصحف في متنه ، المغفل في إسناده )) ( ).

وَقَدْ وصف السخاوي تصحيف البصر بأنه الأكثر ( ).

 

القسم الرابع : تصحيف السمع :

ويحدث بسبب تشابه مخارج الكلمات في النطق فيختلط الأمر عَلَى السامع فيقع في التصحيف أَوْ التحريف .

نحو حَدِيْث لـ : (( عاصم الأحول )) ، رَوَاهُ بعضهم فَقَالَ : (( عن واصل الأحدب )) وَقَدْ ذَكَرَ الإمام الدَّارَقُطْنِيّ أنَّهُ من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر  قَالَ ابن الصَّلاَحِ : (( كأنه ذهب – والله أعلم – إلى أن ذَلِكَ مِمَّا لا يشتبه من حَيْثُ الكتابة ، وإنما أخطأ فِيْهِ  سمع من رَوَاهُ )) ( ) .

 

القسم الخامس : تصحيف اللفظ

ومثاله ما ورد عن الدَّارَقُطْنِيّ : أن أبا بكر الصولي ( ) أملى في الجامع حَدِيْث أبي أيوب : (( من صام رمضان وأتبعه ستّاً من شوال )) ( ) ، فَقَالَ فِيْهِ : (( شيئاً )) – بالشين والياء – ( ) .

قَالَ ابن الصَّلاَحِ : (( تصحيف اللفظ وَهُوَ الأكثر )) ( ) .

 

القسم السادس : تصحيف المعنى دون اللفظ :

مثاله: قَوْل مُحَمَّد بن المثنى ( ): (( نحن قوم لنا شرف، نحن من عَنَزة )) ( ) قَالَ ابن الصَّلاَحِ : (( يريد ما روي : (( أن النَّبِيّ صلى إلى عنـزة )) ( ) فتوهم أنه صلى إلى قبيلتهم ، وإنما العنـزة هاهنا حربة نصبت بَيْنَ يديه فصلى إليها )) ( ) .

 

الخاتمة في خلاصة نتائج البحث

 

الاختلافات الحديثية سواء أكَانَتْ في الإسناد أم في الْمَتْن ؟ من القضايا الَّتِي أدلى بِهَا الْمُحَدِّثُوْنَ لها أهمية كبيرة .

الاختلافات مِنْهَا ما يؤثر في صحة الْحَدِيْث ، ومنها ما لا يؤثر، ومرجع ذَلِكَ إِلَى نظر النقاد وصيارفة الْحَدِيْث .

بَعْض الاختلافات تؤثر في حفظ الرَّاوِي وضبطه ، وتقدح في مروياته وصحة الاعتماد عَلَيْهَا والاستدلال بِهَا .

الاختلاف و الاضطراب بَيْنَهُمَا عموم وخصوص فكل مضطرب مختلف وَلَيْسَ كُلّ مختلف مضطرب .

يراد بالاضطراب في الأعم الأغلب الاختلاف القادح .

لا يمكن الحكم في الاضطراب والاختلاف إلا بجمع الطرق والنظر والموازنة والمقارنة .

إن مَعْرِفَة الخطأ في حَدِيْث الضعيف يحتاج إِلَى دقة وجهد كبير كَمَا هُوَ الحال في مَعْرِفَة الخطأ في حَدِيْث الثقة .

التفرد بحد ذاته لَيْسَ علة ، وإنما يَكُوْن أحياناً سبباً من أسباب العلة ، ويلقي الضوء عَلَى العلة ويبين ما يكمن في أعماق الراوية من خطأ و وهم .

المجروحون جرحاً شديداً – كالفساق و المتهمين و المتروكين – لا تنفعهم المتابعات إذ إن تفردهم يؤيد التهمة عِنْدَ الباحث الناقد الفهم .

مَعْرِفَة الاختلافات في المتون و الأسانيد داخل في علم العلل الَّذِي هُوَ كالميزان لبيان الخطأ والصواب و الصَّحِيْح و المعوج .

أولى الفقهاء جانب النقد الحديثي اهتماماً خاصاً ، وذلك من خلال تتبعهم لأقوال النقاد ، واستعمالها أداة في تفنيد أدلة الخصوم ، وَهُوَ دليل واضح عَلَى عمق الثقافة الحديثية عندهم ، وعلى قوة الربط بَيْنَ هذين العلمين الشريفين .

لما تقدم يبدو لي من المهم جداً تشجيع الدراسات الَّتِي تربط بَيْنَ الفقه ومصادره، وخصوصاً تِلْكَ الَّتِي تربط بينه وبين علوم الْحَدِيْث المختلفة .

 

 

Abstract

 

The science of honorable Hadith, is one of the noblest Al-Shareha sciences, rather it is the noblest one at all after the study of the Holy Quran which is the root of the right way. Thus we find the mohdtheen waste their ages in the following Hadith ways and criticizing as well as studying. Till, they exaggerate to the extent in searching, criticizing and testing the different sources its ways and illness. Thus the scientific knowledge of Hadith illness is the major part and its field which the mohdtheen skills and criticism are shown in.

That is why Hadith science has strong correlation with the Islamic Philology, because we find a greater part of Philology come from Hadith that is why Hadith is one of the main sources to the Islamic Philology. It is known that there are many differences in Hadith, and these differences are divided into the source and the body, and some of them are taken part between the body and the source. These differences have great role in the difference of Philologist. Thus I have the motive to collect these differences and make indexes and arranging with the scientific rule to every type of these differences, then I mention the arbitrator summary of Hadith after making reference to the savant. Afterwards I remember what you are arranged on these differences from difference in the standpoints of the jurists and their views a result of this new difference.

From here combining Hadith science with the science of religious law arrived, and I gave little this binding by that you were remembered with a suitable detailing, a sample or more clearing an egoistic of this difference is in the difference of the jurists.

Thus, the thesis falls into four chapters:

The thesis is published with an introduction to show the nature of difference as well as other cases that are relative to it. This chapter falls into four sections:

Section one: I defined the 'difference' philologically and terminologically.

Section two: I mention the disparity between the 'difference'.

Section three: I explain the types of difference.

Section four: I discuss the reasons of differences, it falls into four demands:

Demand one: I discuss the realizing of difference.

Demand two: I mention the importance of difference in the source & body.

Demand three: I discuss how to discover the difference.

Demand four: I discuss the operative difference and the inoperative differences.

Chapter one: I devoted it to discuss the differences in source and it has an introduction and two sections:

In the introduction, I discuss the definition of source philologically and terminologically and I show the importance of source.

Section one: I explain fraud and its effect in the difference of Hadith and its effect in the jurist difference.

Section two: I discuss the alienated and their effects on Hadith difference, and its effect in the jurist difference.

Chapter two : devoted to the differences in the body, and it falls in eight sections:

Section one: I discuss the Hadith story in sense, and its effect in the jurist difference.

Section two: I show the difference of Hadith to the Holy Quran, and its effect in the jurist difference.

Section three: I explain the difference of Hadith to another strong one, and its effect in the jurist difference.

Section four: I talk about the difference of Hadith legal opinion narrator and its effect in the jurist difference.

Section five: I discuss the contradiction of Hadith to the analogy, and its effect in the jurist difference.

Section six: I talk about the difference of Hadith to the work of people in al-Madeina, and its effect in the jurist difference.

Section seven: I talk about the difference of Hadith to the general rules and its effect in the jurist difference.

Section eight: I explain the difference of Hadith because of the abbreviation, and its effect in the jurist difference.

Chapter three: I devoted it to the participated differences between source and body, and it falls into eleven sections:

Section one: I discuss the influence of doubt in the difference of Hadith and its effect in the jurist difference.

Section two: I tackle the sickness and its relevance.

Section three: I elaborate the types of sickness in source .

Section four : I discuss the sickness in the body .

Section five: I devoted it to the addition in the source and body.

Section six: I show the difference between trust with trust.

Section seven: I explain the difference debilitated with trust.

Section eight: I explain in details the implication.

Section nine: I discuss the difference because of the narrator.

Section ten: I mention the difference because of the topple.

Section eleven: I discuss the difference because of distortion .

And I explicate all Hadith in the thesis, via authentic books of Hadith which narrators use. I explicate in details in some places, because the subject needs that; since the differences in the source and body can not be realized without gathering the methods of Hadith from its own sources. .

I arrange in the explication according to date of death, and I depend on authentic versions of printed books. I exert a lot of offers to explain the level of each Hadith in the thesis following imams sayings and depending on the Hadith rules which is established by great imam figures.

I translate to the mentioned figures in the thesis when it is mentioned for the first time.

The summary sums up the findings of the thesis.

 

ثبت المراجع

 

إتحاف ذوي الرسوخ : كتبه الشَّيْخ حماد بن مُحَمَّد الأنصاري ، مكتبة المعلا ، الكويت ، الطبعة الأولى ، 1406ه‍ –1985م .

إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف الكتب العشرة: لابن حجر العسقلاني (ت852 ه‍) تحقيق وإخراج : لجنة من المختصين نشر الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1992 – 1998م .

الآثار : لمحمد بن الحسن الشيباني (ت189ه‍ ) ، إدارة القرآن ، باكستان .

أثر علل الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء: ماهر ياسين فحل ، دار عمار ، الأردن ، الطبعة الأولى، 2000 م .

الآحاد والمثاني ، لابن أبي عاصم (ت287ه‍) ، تحقيق: الدكتور باسم فيصل أحمد، دار الراية،  السعودية –الرياض ، الطبعة الأولى ، 1411ه‍-1991م .

الأحاديث المختارة : تصنيف الشَّيْخ ضياء الدين المقدسي (ت643ه‍ ) تحقيق : عَبْد الملك بن عَبْد الله بن دهيش ، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، الطبعة الأولى ، 1410ه‍ –1990م .

الإحسان في تقريب صَحِيْح ابن حبان : للأمير ابن بلبان الفارسي ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الأولى ،  1988م .

الإحكام : لابن دَقِيْقِ العِيْدِ (ت702ه‍) ، تحقيق : العلامة أحمد مُحَمَّد شاكر ، عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1374ه‍ –1955م .

إحكام الأحكام : لسيف الدين الآمدي ( ت 631ه‍ ) ، مؤسسة الحلبي وشركاؤه ، القاهرة 1967م .

الأحكام السلطانية : لعلي بن مُحَمَّد بن حبيب الماوردي (ت450ه‍) ، وبهامشه أقباس الأنام في تخريج أحاديث الأحكام ، بغداد ، 1409ه‍ –1989م .

إحكام الفصول في أحكام الأصول : للباجي ( ت 474ه‍ ) ، تحقيق : عَبْد الله الجبوري ، مؤسسة الرسالة . الرباط ، الطبعة الأولى ، 1989م .

الإحكام في أصول الأحكام :لابن حزم الأندلسي ( ت456ه‍)، قدم لَهُ الدكتور إحسان عَبَّاسٍ ، منشورات دار الأفاق الجديدة/بيروت ط1/1400ه‍ – 1980م .

أحكام القرآن : للجصاص (ت370ه‍) ، دار الكِتَاب العربي، بيروت –لبنان ، الطبعة الأولى ، 1335 .

الأحكام الوسطى : للأشبيلي (ت582ه‍ ) ، تحقيق : حمدي السلفي ، وصبحي السامرائي ، مكتبة الرشد ، السعودية –الرياض ، 1416ه‍-1995م .

أخبار أصفهان:لأبي نُعَيْم الأصفهاني (ت430ه‍) ، طبع بمطبعة بريل في مدينة ليدن ، 1931 م .

اختصار علوم الْحَدِيْث : للحافظ ابن كَثِيْر (ت774ه‍) ، شرح وتعليق : أحمد شاكر وناصر الدين الألباني ، تحقيق : عَلِيّ بن حسن بن عَلِيّ ، دار العاصمة ، السعودية –الرياض،النشرة الأولى ، 1415 ه‍ .

اختلاف الْحَدِيْث : للشافعي (204ه‍) ، تحقيق : الأستاذ مُحَمَّد أحمد عَبْد العزيز ، دار الكتب العلمية ، بيروت –لبنان ، الطبعة الأولى 1406ه‍ – 1986م .  .

الإختيار لتعليل المختار : لابن مودود الموصلي (ت683ه‍) ، تعليق:الشَّيْخ مَحْمُوْد أبي دقيقة ، دار الكتب العلمية ، بيروت –لبنان .

أخلاق النَّبِيّ : لأبي الشَّيْخ (ت369ه‍) ، تحقيق : أحمد مُحَمَّد مرسي ، مكتبة النهضة ، القاهرة ، 1972م .

أدب الإملاء والاستملاء : لأبي سعد السمعاني ( ت 562 ه‍ ) ، طبع بمطبعة بريل في مدينة ليدن ، 1952 م .

الأدب المفرد : للبخاري ( ت 256 ه‍ ) ، نشره : قصي محب الدين الخطيب ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 1955م .

إرشاد الساري : لشهاب الدين القسطلاني (923ه‍) ، دار احياء التراث العربي ، بيروت – لبنان .

إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق: للنووي (ت 676 ه‍)، تحقيق: عبد الباري فتح الله السلفي ، دار البشائر الإسلامية،بيروت ، الطبعة الأولى ، 1987م .

إرشاد الفحول : للشوكاني (1255ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد صبحي بن حسن حلاق ، دار ابن كَثِيْر ، دمشق وبيروت ، الطبعة الأولى ، 1421ه‍ –2000م .

الإرشاد في مَعْرِفَة علماء الْحَدِيْث: لأبي يعلى الخليلي (ت 446ه‍)، تحقيق: د. مُحَمَّد سعيد بن عمر إدريس ، مكتبة الرشد ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1989 م.

إرواء الغليل : للألباني ، بأشراف : مُحَمَّد زهير الشاويش ، المكتب الإسلامي ، بيروت ودمشق ، الطبعة الثانية ، 1405ه‍ – 1985م .

أساس البلاغة : للزمخشري ، دار صادر ، بيروت - لبنان ، 1979 م .

أسباب اختلاف المحدّثين : الدكتور خلدون الأحدب ، الدار السعودية للنشر والتوزيع .

أسباب اختلاف الفقهاء : للدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، الدار العربية للطباعة ، الطبعة الأولى ، 1396ه‍ 1976م .

الاستبصار : لمحمد بن الحسن الطوسي (ت460ه‍) ، تعليق : مُحَمَّد بن جعفر شمس الدين ، دار التعارف ، بيروت –لبنان ، 1412ه‍ –1991م .

الاستذكار : لابن عَبْد البر (463ه‍) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1421ه‍ – 2001 م .

الاستيعاب : لابن عَبْد البر ، مطبوع بهامش الإصابة ، دارصادر بيروت.

أسد الغابة في معرفة الصحابة : لعز الدين بن الأثير ( ت 630ه‍ ) ، تحقيق : محمد إبراهيم البنا وجماعة ، دار الشعب ، القاهرة .

أسماء المدلسين : للسيوطي ( ت 911ه‍ ) مطبوع ضمن ثلاث رسائل في علوم الحديث ، تحقيق : علي حسن علي عبد الحميد ، الوكالة العربية للتوزيع والنشر ، الزرقاء .

الأسماء والصفات : للبيهقي ( ت 458 ه‍ ) ، تحقيق : محمد زاهد الكوثري ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان .

أسهل المدارك إِلَى فقه الإمام مالك : جمعه أبو بكر بن حسن الكشناوي ، الطبعة الثانية ، دار الفكر ، بيروت – لبنان .

الإشراف : لأبي بكر مُحَمَّد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري (ت318ه‍) ، قدم لَهُ وخرج أحاديثه : عَبْد الله عمر البارودي ، دار الفكر ، بيروت – لبنان ، 1414ه‍ – 1993م .

الإصابة في تمييز الصَّحَابَة : لابن حجر العسقلاني ( ت 852ه‍ ) ، دار صادر ، بيروت .

أصول اعتقاد أهل السُّنَّة : لأبي القاسم اللالكائي ( ت418ه‍) : تحقيق : الدكتور أحمد سعد حمدان .

أصول الْحَدِيْث: للدكتور مُحَمَّد عجاج الْخَطِيْب ، دار الفكر الْحَدِيْث – لبنان،الطبعة الأولى ، 1386ه‍ – 1967م .

أصول الفقه : للسرخسي ( ت 490ه‍ ) ، تحقيق : أبي الوفاء الأفغاني ، دار الْمَعْرِفَة للطباعة والنشر – بيروت – لبنان .

أصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديد : للدكتور مصطفى إبراهيم الزلمي ، الطبعة الخامسة ، 1999م . طبع في شركة الخنساء – بغداد .

أطراف الغرائب والأفراد : لابن طاهر المقدسي (ت507ه‍) ، تحقيق ، مَحْمُوْد مُحَمَّد نصار والسيد يوسف ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ،1419ه‍ – 1998م .

الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار: للحازمي ( ت 584 ه‍ ) ، دار احياء التراث  العربي، بيروت ، لبنان .

الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد : للبيهقي ( ت 458ه‍ ) ، تحقيق : أحمد عصام الكاتب ، دار الآفاق الجديدة ، الطبعة الأولى ، 1981م .

إعلاء السنن : للتهانوي (ت1394ه‍ ) ، تحقيق : حازم الْقَاضِي ، دار الكتب العلمية ،  بيروت ، - لبنان ، الطبعة الأولى ، 1418ه‍ – 1997م .

الأعلام : للزركلي ( 1976م ) ، الطبعة الثالثة ، 1389ه‍ – 1969م .

إعلام الموقعين : لابن قيم الجوزية (ت751ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد محيي الدين عَبْد الحميد ، دار الفكر ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 1374ه‍ – 1955م ، والطبعة الثانية في 1397ه‍ – 1977م .

الإغتباط : لإبراهيم بن مُحَمَّد بن خليل (ت841ه‍) ، تحقيق فواز أحمد زمرلي ، دار الكِتَاب العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1408ه‍ – 1988م .

الإفصاح : لأحمد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ الهيتمي (ت973ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد شكور المياديني ، دار عمار ، الأردن – عمان ، 1406 ه‍ .

الأفعال : لابن القطاع (ت515ه‍) ، عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1403ه‍ – 1983م .

الاقتراح في بيان الاصطلاح : لابن دقيق العيد (ت 702ه‍)، تحقيق: د . قحطان عبد الرحمان الدوري ، مطبعة الإرشاد - بغداد ، 1402ه‍ – 1982م .

الإقناع في الفقه الشافعي : لعلي بن مُحَمَّد بن حبيب الماوردي (ت450ه‍) ، تحقيق : خضر مُحَمَّد خضر ، مكتبة دار العروبة ، الكويت – الصفاة ، الطبعة الأولى ،1402ه‍ – 1982م .

الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب : لابن ماكولا ( ت 475ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1411ه‍ – 1990م .

إكمال المعلم بفوائد مسلم : للقاضي عياض ( ت 544ه‍ ) ، تحقيق : د . يَحْيَى إسماعيل ، دار الوفاء ، مصر ، الطبعة الأولى ، 1419ه‍ – 1998 م .

ألفية السيوطي في علم الحديث : للسيوطي ( ت 911ه‍ ) ، شرح : أحمد محمد شاكر ، دار المعرفة ، بيروت ، لبنان .

الإلزامات والتتبع : للدارقطني (ت385ه‍) ، تحقيق : الشَّيْخ أبي عَبْد الرَّحْمَان مقبل بن هادي الوادعي ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية ، 1405ه‍ – 1985م .

الإلماع : للقاضي عِيَاض بن موسى اليحصبي (ت544ه‍) ، تحقيق : السَّيِّد أحمد صقر ، دار التراث ( القاهرة) ، والمكتبة العتيقة ( تونس) ، 1398ه‍ –1978م .

الأم : للإمام الشَّافِعِيّ (ت 204ه‍) ، أشرف عَلَى طبعه وتصحيحه : مُحَمَّد زهري النجار ، الناشر : مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، مصر ، 1381ه‍–1961م .

الأموال : لابن زنجويه (ت251ه‍) ، تحقيق : شاكر ذيب فياض ، الرياض .

الأنساب: لأبي سعد السمعاني (ت 562 ه‍) ، وضع حواشيه : مُحَمَّد عَبْد القادر عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1419ه‍ – 1998 م .

الانصاف : للمرداوي (ت885ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد حامد الفقي ، الطبعة الأولى ، 1374ه‍ – 1955 م .

أنيس الفقهاء : لقاسم بن عَبْد الله بن أمير القونوي (ت978ه‍) تحقيق : د. أحمد عَبْد الرزاق الكبيسي ، دار الوفاء ، جدة ، الطبعة الأولى ، 1406 ه‍ .

الأوسط : لابن المنذر ( ت318ه‍) ، تحقيق : د. أبي حماد صغير أحمد بن مُحَمَّد حنيف ، دار طيبة ، السعودية – الرياض ، الطبعة الأولى ، 1405ه‍ – 1985م .

أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك : لابن هشام الأنصاري ( ت 761ه‍ ) ، تحقيق : عبد المتعال الصعيدي ، دار العلوم الحديثة ، بيروت – لبنان 1402ه‍ – 1982م .

الإيمان : لابن منده ، تحقيق : علي بن محمد الفقيهي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت، 1406ه‍.

الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث : أحمد محمد شاكر ، مكتبة محمد علي صبيح ، مصر ، الطبعة الثالثة ، ونسخة بتحقيق : علي بن حسن بن علي الأثري ، دار العاصمة ، الرياض الطبعة الأولى ، 1415ه‍ ، وهي التي أحلنا إليها بالجزء  والصفحة .

البحر الَّذِي زخر :للسيوطي (ت911ه‍) ، تحقيق : أنيس أحمد ، الطبعة الأولى ، مكتبة الغرباء الأثرية ، السعودية ، 1420ه‍ – 1999 م ، ونسختنا الخطبة الخاصة عن دار صدام برقم (8638/1) .

البحر الرائق : لزين بن إبراهيم بن مُحَمَّد (ت970ه‍) ، دار الْمَعْرِفَة ، بيروت .

البحر الزخار : للإمام أحمد بن يَحْيَى المرتضى (ت840ه‍) ، وبهامشه كتاب جواهر الأخبار والآثار ، تحقيق : مُحَمَّد بن يَحْيَى الصعدي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1366ه‍ – 1947م  .

البحر المحيط في أصول الفقه : للزركشي ( ت 794ه‍ ) ، حرّره : عمر سليمان الأشقر ، منشورات وزارة الأوقاف، الكويت ، الطبعة الأولى ، 1409ه‍ – 1988 م .

بدائع الصنائع : للإمام علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني (ت587ه‍) ، دار الكِتَاب العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية ، 1402ه‍ – 1982م .

بدائع الفوائد : لابن قيم الجوزية (ت751ه‍) ، بدون تاريخ ودار النشر .

بداية المجتهد : للإمام أبي الوليد مُحَمَّد بن أحمد القرطبي (ت595ه‍) ، دار الفكر .

البداية والنهاية : لابن كثير ( ت 774 ه‍ ) ، مكتبة المعارف ، بيروت و مكتبة النصر ، الرياض ، 1966 م .

بذل المجهود في حل أبي داود : خليل أحمد السهارنفوري ( ت 1346ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان .

البرهان في أصول الفقه : لإمام الحرمين الجويني (ت478ه‍ ) ، تحقيق : د. عبد العظيم محمود الديب ، دار الوفاء للطباعة والنشر ، المنصورة –مصر، الطبعة الثانية (1418ه‍–1997م).

بغية الباحث : للإمام عَلِيّ بن سليمان الهيثمي (ت807ه‍) ، تحقيق : الدكتور حسين أحمد صالح الباكري ، الطبعة الأولى ، السعودية ، 1413ه‍ – 1992م .

بغية الملتمس في تاريخ أهل الأندلس : أحمد بن يَحْيَى الضبي ( ت 599 ه‍) ، دار الكِتَاب العربي ، القاهرة ، 1967 م .

بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة : للسيوطي (911 ه‍ ) ، تحقيق : محمد أبي الفضل إبراهيم ، المكتبة العصرية ، بيروت .

بلغة السالك : لأحمد مُحَمَّد ( ت1241ه‍) ، دار الْمَعْرِفَة ، بيروت ، 1398ه‍ .

بلوغ المرام : لابن حجر العسقلاني (ت852ه‍) ، تقديم وتصحيح : إبراهيم عسر ، دار العلوم الحديثة ، بيروت – لبنان ، ومكتبة الشرق الجديد ، العراق – بغداد .

البيان والتحصيل : لأبي الوليد ابن رشد القرطبي (ت520ه‍) ، تحقيق : د. مُحَمَّد حجي ، دار الغرب الإسلامي، الطبعة الأولى 1404 ه‍ - 1984م .

بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام : لابن القطان الفاسي (ت 628ه‍)، تحقيق : الحسين آيت سعيد ، دار طيبة،الرياض، الطبعة الأولى ، 1418ه‍ – 1997 م .

تاج العروس من جواهر القاموس : للسيد محمد مرتضى الزبيدي ( ت 1205 ه‍ ) ، طبعة قديمة أعادت نشرها دار صادر - بيروت .

التاج والإكليل : لمحمد بن يوسف العبدري (ت897ه‍) ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الثانية 1398ه‍ .

تاريخ الإسلام ووفيات مشاهير الأعلام : للذهبي ( ت748 ه‍) تحقيق : د. عمر عَبْد السلام تدمري ، الناشر : دار الكِتَاب العربي – بيروت ، الطبعة الأولى .

تاريخ بغداد : للخطيب البغدادي (463 ه‍ ) ، دار الكِتَاب العربي ، بيروت – لبنان، وَقَدْ رجعت إِلَى طبعة دار الغرب ، المطبوعة عام 2001.

تاريخ جرجان : للسهمي ( ت 427 ه‍ ) ، د.محمد عبد المعيد خان ، عالم الكتب، بيروت ، لبنان ، الطبعة الثالثة ، 1401 ه‍ - 1981 م .

تاريخ خليفة بن خياط ( ت 240 ه‍ ) ، تحقيق : أكرم ضياء العمري ، مطبعة الآداب ، النجف ، 1386 ه‍ – 1967 م .

تاريخ الرسل والملوك : للطبري ( ت310 ه‍ ) ، تحقيق : محمد أبي الفضل إبراهيم ، دار المعارف - القاهرة ، 1971 م .

التاريخ الصغير : للبخاري ( ت 256 ه‍ ) ، تحقيق : محمود إبراهيم زايد ، دار الوعي ، حلب ، 1397 ه‍ 1977 م .

تاريخ عثمان بن سعيد الدارمي عن يحيى بن معين ( ت 280 ه‍ ) ، تحقيق : د. أحمد محمد نور سيف ، دار المأمون ، دمشق .

التاريخ الكبير : للبخاري ( ت256 ه‍ ) ، دار إحياء الثراث العربي، بيروت ، لبنان .

تاريخ مدينة دمشق : لابن عساكر ( ت571 ه‍ ) ، دراسة وتحقيق : محب الدين أبي سعيد عمر بن غرامة العمروي ، دار الفكر ، بيروت ، لبنان ، 1415 ه‍ – 1995م .

تاريخ واسط : لبحشل ( أسلم بن سهل الواسطي ت 292 ه‍ ) ، تحقيق : كوركيس عواد ، مطبعة المعارف ، بغداد ، 1387 ه‍ – 1967 م .

التبصرة في أصول الفقه : لأبي إسحاق الشيرازي ( ت 476ه‍ ) ، تحقيق : محمد حسن هيتو، دار الفكر ، بيروت ، 1400ه‍ –1980م .

تبيين الحقائق : لفخر الدين عثمان بن عَلِيّ الزيلعي ، دار الْمَعْرِفَة ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية .

التبيين في أسماء المدلسين : إبراهيم بن مُحَمَّد بن سبط الطرابلسي (ت841ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد إبراهيم الموصلي ، مؤسسة الريان ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1414 ه‍ – 1994 م .

تجريد أسماء الصحابة : للذهبي ( ت 748ه‍ ) ، دار المعرفة ، بيروت – لبنان .

التحرير : للكمال بن الهمام ، مطبوع بهامش كتاب " تيسير التحرير " لأمير بادشاه ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، القاهرة ، 1350 ه‍ .

تحرير تقريب التهذيب : لابن حجر العسقلاني (ت 852ه‍ ) تأليف : د . بشار عواد معروف والشيخ شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1417ه‍ – 1997م .

تحفة الأحوذي : للإمام أبي العلى المباركفوري (ت1353ه‍) ، صححه : عَبْد الرَّحْمَان مُحَمَّد عثمان ، دار الفكر .

تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف : للمزي ( ت 742ه‍ ) صححه وعلّق عليه : عبد الصمد شرف الدين ، دار القيمة – الهند ، 1965م ، ورجعنا إِلَى طبعة دار الغرب الإسلامي المطبوعة عام 1999 م بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف  .

التحفة اللطيفة في تأريخ المدينة الشريفة : لمحمد بن عَبْد الرَّحْمَان السخاوي ، (ت902ه‍) ، ط أسعد طرا بزوني الْحُسَيْن ، 1399ه‍ – 1979 م .

تدريب الرَّاوِي في شرح تقريب النواوي : للسيوطي (ت911 ه‍ ) ، تحقيق : عَبْد الوهاب عَبْد اللطيف ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الثالثة ، 1409ه‍ – 1989م .

تذكرة الحفاظ: للذهبي ( ت 748ه‍ ) ، تحقيق: المعلمي ، دار إحياء التراث العربي، بيروت ، لبنان .

ترتيب المدارك وتقريب المسالك لمعرفة أعلام مذهب مالك : للقاضي عياض ( ت 544 ه‍) ، تحقيق : د. أحمد بكير محمود ، دار مكتبة الحياة ، بيروت ، ودار مكتبة الفكر - ليبيا ، 1387ه‍ – 1967م .

تسمية من أخرج عنه البخاري ومسلم وما انفرد كل واحد : لأبي عبد الله الحاكم (ت405ه‍) تحقيق : كمال يوسف الحوت ، مؤسسة الكتب الثقافية ودار الجنان، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1407 ه‍ .

تصحيفات المحدثين : لأبي أحمد العسكري ( ت 382 ه‍ ) ، تحقيق : د. محمود أحمد ميرة ، المطبعة العربية الحديثة ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1402 ه‍ .

التعاريف : لمحمد بن عَبْد الرؤوف (ت 1031ه‍) ، تحقيق : الدكتور مُحَمَّد رضوان الداية ، دار الفكر المعاصر ، الطبعة الأولى ، 1410 ه‍ .

تعريف أهل التقديس : لابن حجر العسقلاني (ت852ه‍) ، تحقيق : الدكتور عاصم بن عَبْد الله الفربوتي ، مكتبة المنار ، الأردن ، الطبعة الأولى ، 1983م .

التعريفات : أبو الحسن علي بن محمد بن علي الجرجاني ( ت 816 ه‍ ) ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد - العراق .

التعليق المغني : لشمس الحق آبادي ، نشر السُّنَّة ، ملتان – باكستان .

التعليقات الأثرية عَلَى المنظومة : قدم لها وعلق عَلَيْهَا : عَلِيّ حسن عَلِيّ عَبْد الحميد ، المكتبة الإسلامية ،عمان ، الطبعة الأولى ، 1403ه‍ – 1982 م .

تغليق التعليق : لابن حجر العسقلاني (ت852ه‍) ، تحقيق : سعيد عَبْد الرَّحْمَان موسى ، المكتب الإسلامي -بيروت ودمشق- ، ودار عمار ، الأردن – عمان - الطبعة الأولى ، 1405ه‍ – 1985م .

تفسير البغوي ( معالم التنْزيل ) : للحسين بن مسعود البغوي (ت516ه‍) ، تحقيق : عَبْد الرزاق المهدي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى، 1420ه‍–2000م .

التقريب : للإمام النووي (ت676ه‍) ، تحقيق : د. عَبْد اللطيف هميم وماهر ياسين فحل ، 1422ه‍ – 2001 م ، منضد عَلَى الحاسوب ،وطبعة دار الملاح بتحقيق الدكتور مصطفى الخن .

تقريب التهذيب : لابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه‍ ) ، تحقيق : مُحَمَّد عوامة ، ط1.

التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن صلاح : للعراقي ( ت 806 ه‍ ) حققه : عبد الرحمان محمد عثمان، المكتبة السلفية، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1389ه‍– 1969م .

التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير: لابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه‍ ) ، تحقيق: د. شعبان محمد إسماعيل،مكتبة ابن تيمية، القاهرة ،واستخدمنا طبعة دار الكتب العلمية1998 المحققة من قَبْلَ عادل عَبْد الموجود وعلي مُحَمَّد معوض .

التلويح عَلَى التوضيح : لمسعود بن عمر التفتازاني (ت792ه‍) ، ضبطه وخرج أحاديثه : الشَّيْخ زكريا عميرات ،دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى1416ه‍ – 1996م .

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد : لابن عبد البر (ت 463 ه‍) ، تحقيق : مصطفى بن أحمد العلوي ومحمد عَبْد الكبير البكري ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية ، الطبعة الثانية ، 1402ه‍ – 1982م .

التمييز : لمسلم بن الحجاج ( ت 261 ه‍ ) ،   تحقيق د . محمد مصطفى الأعظمي ، مطبوعات جامعة الرياض _17_

تنقيح التحقيق : لابن عَبْد الهادي الحنبلي (ت744ه‍) ، تحقيق : أيمن صالح شعبان ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1419ه‍ ، 1998م .

تنقيح الفصول في اختصار المحصول في الأصول: للقرافي (ت684ه‍) تحقيق: طه عَبْد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1393ه‍– 1973 م .

التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل : للمعلمي اليماني ( ت 1386ه‍ )، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني ومحمد عبد الرزاق حمزة ، دار الكتب السلفية ، القاهرة ، توزيع : دار الباز ، عباس أحمد الباز ، مكة المكرمة

تنوير الحوالك شرح موطأ مالك : للسيوطي (ت911ه‍)،دار الندوة الجديدة،بيروت-لبنان .

تهذيب الأحكام : لمحمد بن الحسن الطوسي ، علق عَلَيْهِ : مُحَمَّد بن جعفر شمس الدين ، دار التعارف والمطبوعات ، بيروت – لبنان ، 1412ه‍ ، 1992م .

تهذيب الأسماء واللغات : للنووي ( ت 676ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

تهذيب التهذيب : لابن حجر العسقلاني (ت852ه‍) ، مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية حيد آباد الدكن ، الطبعة الأولى ، 1325ه‍ .

تهذيب سنن أبي داود : لابن قيم الجوزية ( ت 751 ه‍ ) ، تحقيق : أحمد شاكر ومحمد حامد الفقي ، مطبعة أنصار السُّنَّة المحمدية ، القاهرة ، 1367ه‍ .

التهذيب في فقه الإمام الشَّافِعِيّ : لأبي مُحَمَّد الْحُسَيْن بن مسعود بن مُحَمَّد البغوي (ت516ه‍)، تحقيق : الشَّيْخ عادل أحمد عَبْد الموجود والشيخ عَلِيّ معوض ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 1418ه‍ – 1997م .

تهذيب الكمال في أسماء الرجال : للمزي ( ت 742ه‍ ) ، تحقيق : د. بشار عواد معروف مؤسسة الرسالة ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1400ه‍ –1980م . والطبعة الأخيرة في 1998 م ذات المجلدات الثماني ، وإليها العزو عِنْدَ الإطلاق .

تهذيب اللغة : للأزهري ( ت 370 ه‍ ) ، تحقيق : عبد السلام هارون ، الدار المصرية للتأليف والترجمة ، القاهرة ، 1384ه‍ – 1964م .

توثيق النصوص : للدكتور موفق بن عَبْد الله بن عَبْد القادر ، دار البشائر الإسلامية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1414ه‍ 1993 م .

توجيه النظر : لطاهر الجزائري الدمشقي (ت1338ه‍) ، اعتناء عَبْد الفتاح أبي غدة ، مكتب المطبوعات الإسلامية ، حلب ، 1416ه‍ – 1995م .

التوحيد : لابن خزيمة (ت311ه‍) ، راجعه وعلق عَلَيْهِ مُحَمَّد خليل هراس ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، 1403ه‍ – 1983م .

توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار : للأمير الصنعاني ( ت 1182ه‍ ) تحقيق : مُحَمَّد محيي الدين عَبْد الحميد ، مطبعة السعادة ، مصر ، الطبعة الأولى ، 1366ه‍ .

تيسير التحرير : لمحمد أمين المعروف بأمير بادشاه ، دار الفكر

الثقات : للعجلي (ت261ه‍) ، تحقيق : عَبْد العليم عَبْد العظيم البستوي ، مكتبة الدار ، ، الطبعة الأولى – المدينة المنورة 1405ه‍ – 1985م.

الثقات : لابن حبان البستي ( ت 354 ه‍ ) ، دار الفكر ، بيروت .

الثمر الداني : لصالح عَبْد السميع الأزهري ، المكتبة الثقافية ، بيروت .

جامع الأصول في أحاديث الرسول  : لمجد الدين بن الأثير (ت 606ه‍ ) تحقيق : عبد القادر الأرناؤوط ، مطبعة الملاح ، الطبعة الأولى ، 1969م .

جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله : لابن عبد البر ( ت463 ه‍ ) تحقيق : عبد الرحمان محمد عثمان ، المكتبة السلفية ، بالمدينة المنورة ، مطبعة العاصمة، القاهرة الطبعة الثانية ، 1968 م .

جامع البيان في تفسير القرآن : للطبري (ت310 ه‍ ) ، دار المعرفة للطباعة والنشر ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية ،1392 ه‍ – 1972 م .

جامع التحصيل في أحكام المراسيل : للعلائي ( ت 761 ه‍) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، عالم الكتب ، الطبعة الثانية ، 1407 ه‍ – 1986 م .

الجامع الصحيح (صحيح البخاري ) : للبخاري ( ت 256 ه‍ ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان ، وهي التي أحلنا إليها بالجزء والصفحة أما الرقم فهو من فتح الباري .

الجامع الصحيح (صحيح مسلم ) : مسلم بن الحجاج ( ت 261 ه‍ ) ، تحقيق وترقيم : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار الحديث ، القاهرة ، وهي الطبعة التي أحلنا إليها بالرقم أما الجزء والصفحة فهو للطبعة الإستانبولية المطبوعة عام 1263 ه‍.

الجامع الكبير : للترمذ ي ( ت 279 ه‍ ) ، تحقيق: د بشار عواد معروف ، دار الغرب الإسلامي، بيروت ،1996(كَذَا)م .

الجامع لأحكام القرآن : للقرطبي ( ت 671 ه‍ ) ، مطبوعات دار الشعب ، مصر .

الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع : للخطيب البغدادي ( ت 463ه‍ ) تحقيق: د. محمود الطحان ، مكتبة المعارف ، الرياض ، 1403ه‍ – 1983م .

الجامع : لمعمر بن راشد ( ت150 ه‍ ) ، مطبوع في آخر مصنف عبد الرزاق .

الجرح والتعديل : لابن أبي حاتم (ت327 ه‍ ) ، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن - الهند ، الطبعة الأولى ، 1371 ه‍ – 1952 م .

جزء رفع اليدين : للبخاري (ت256ه‍) ، تصنيف : بديع الدين شاه الراشدي السندي ، مؤسسة الكتب الثقافية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1409 ه‍ – 1989م .

الجعديات : لعلي بن الجعد (ت230ه‍) ، تحقيق : الدكتور عَبْد المهدي بن عَبْد القادر ، مكتبة الفلاح .

جمع الجوامع ( بشرح الجلال المحلي ) : تاج الدين بن السبكي ( ت771 ه‍ ) ، والشرح لجلال الدين محمد بن محمد المحلي ( ت 864 ه‍ ) ، مطبعة مصطفى الحلبي 1349 ه‍.

جواهر البلاغة : أحمد الهاشمي ، المكتبة التجارية الكبرى بمصر ، 1379ه‍ – 1960م .

الجوهر النقي : لعلي بن عثمان المارديني (ت745ه‍) ، المطبوع مَعَ السنن الكبرى للبيهقي .

حاشية الأجهوري عَلَى شرح الزرقاني : لعطية الله بن عطية البرهاني الأجهوري ، طبعة الحلبي ، مصر ، 1368 ه‍ .

حاشية البجيرمي عَلَى منهج التجريد لنفع العبيد : للشيخ سليمان بن عمر بن مُحَمَّد ، مكتبة مصطفى البابي الحلبي – القاهرة ، الطبعة الأخيرة ، 1369 ه‍ – 1950 م .

حاشية الدسوقي : لمحمد بن عرفة الدسوقي ، تحقيق : مُحَمَّد عليش ، دار الفكر ، بيروت .

حاشية رد المحتار : لمحمد أمين الشهير بابن عابدين ، دار الفكر ، 1399ه‍ – 1979م .

حاشية الرهوني : لمحمد بن أحمد الرهوني ، دار الفكر بيروت ، الطبعة الأولى ، 1398ه‍ – 1978م .

حاشية الطحطاوي عَلَى مراقي الفلاح : لأحمد بن مُحَمَّد بن إسماعيل الطحطاوي (ت1231ه‍) ، مكتبة البابي الحلبي ، مصر ، الطبعة الثالثة ، 1318ه‍ .

حاشية العدوي :لعَلِيّ الصعيدي العدوي المالكي ، تحقيق : يوسف الشَّيْخ مُحَمَّد البقاعي ، دار الفكر ، بيروت ، 1412ه‍.

حاشية ابن القيم عَلَى سنن أبي داود : لمحمد بن أبي بكر أيوب الزرعي (ت751ه‍) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1415ه‍ – 1995م .

الحاوي الكبير : لعلي بن مُحَمَّد الماوردي (ت450ه‍) ، تحقيق : الدكتور مَحْمُوْد مطرجي ، دار الفكر ، بيروت – لبنان ، 1414ه‍ – 1994م .

الحجة عَلَى أهل المدينة : لمحمد بن الحسن الشيباني (ت189ه‍ ) ، تعليق : مهدي حسن الكيلاني ، عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1403ه‍ – 1983م .

الْحَدِيْث المعلل : خليل إبراهيم ملا خاطر ، دار الوفاء ، جدة – المملكة العربية السعودية ، الطبعة الثانية 1407ه‍ .

الْحَدِيْث المعلول قواعد وضوابط : حمزة المليباري ، دار ابن حزم ، الطبعة الأولى ، 1416ه‍ – 1996 م .

حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة : لجلال الدين السيوطي (ت911ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد أبي الفضل إبراهيم ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1967م .

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : لأبي نُعَيْم الأصفهاني ( ت430 ه‍ ) ، المكتبة السلفية .

الخلاصة : للنووي ، نسختنا الخطية الخاصة المصورة عن الأصل المحفوظ بالمكتبة السعيدية بالهند .

الخلاصة : لصفي الدين الخزرجي (ت923ه‍) مكتبة المطبوعات الإسلامية ، بيروت – لبنان .

خلاصة البدر المنير تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير: لابن الملقن (ت804ه‍)، تحقيق : حمدي عَبْد المجيد السلفي ، دار الرشد ، الرياض ، الطبعة الأولى .

خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال : لصفي الدين الخزرجي ( ت 923 ه‍) مكتبة المطبوعات الإسلامية ، بيروت ، لبنان ، حلب – سورية .

خلق أفعال العباد : للبخاري ( ت 256 ه‍ ) ، مكة المكرمة ، 1990م .

الدرر الكامنة في أعيان المئة الثامنة : لابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه‍ ) ، بعناية : سالم الكرنكوي الألماني ، مطبعة دائرة المعارف ،حيدرآباد الدكن ، الهند ، 350 ه‍ .

درة الحجال : لأبي العباس أحمد بن مُحَمَّد المكناسي (ت1025ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد الأحمدي أبي النور ، دار التراث ، القاهرة مَعَ المكتبة العتيقة بتونس ، الطبعة الأولى ، 1390ه‍ – 1970م.

دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة : للبيهقي ( ت 458 ه‍ ) ، تحقيق : الدكتور عَبْد المعطي قلعجي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1985م.

دلائل النبوة : لأبي بكر جعفر بن مُحَمَّد الفريابي (ت301ه‍) : تحقيق : عامر حسن صبري ، دار حراء ، مكة المكرمة ، الطبعة الأولى ، 1406 ه‍ .

دليل الطَّالِب : لمرعي بن يوسف الحنبلي ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1389ه‍ .

دول الإسلام : للحافظ الذهبي (ت748ه‍) ، تحقيق : فهيم مُحَمَّد شلتوت ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، 1974 م .

الديباج : لعبد الرَّحْمَان بن أبي بكر أبي الفضل السيوطي (ت911ه‍) ، تحقيق : أبي إسحاق الحويني ، دار ابن عفان ، السعودية ، 1416ه‍ – 1996م .

ديوان الإمام الشافعي ( ت 204 ه‍ ) : جمع وتعليق : محمد عفيف الزعبي – مكتبة الشرق الجديد ، بغداد ، الطبعة الأولى ، 1988م .

ديوان الضعفاء والمتروكين : للذهبي ( ت 748 ه‍ ) ، تحقيق : لجنة من العلماء بإشراف الناشر ، دار القلم ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1988م .

ذيل تاريخ بغداد : لابن النجار ( ت 643 ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان .

الرحلة في طلب الْحَدِيْث : للخطيب البغدادي ( ت 463 ه‍ ) تحقيق : نور الدين عتر  دار الكتب العلمية ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 1975م .

رحمة الأمة : لمحمد بن عَبْد الرَّحْمَان الدمشقي ، مكتبة سعد ، الطبعة الأولى ، بغداد 1990م .

الرسالة : للإمام الشَّافِعِيّ ، تحقيق : أحمد مُحَمَّد شاكر ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، الطبعة الأولى ، 1358ه‍ . وطبعتنا الجديدة المطبوعة في دار الكتب العلمية 2002م .

رسالة أَبِي داود إِلَى أهل مكة : لأبي داود السجستاني (ت275ه‍) ، مطبوع في مقدمة الجزء الأول من بذل المجهود في حل أبي داود للسهارنفوري (ت1346ه‍) ، دار الكتب العلمية ، بيروت .

الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة : للسيد محمد بن جعفر الكتاني، دار الفكر ، دمشق ، الطبعة الثالثة ، 1964م .

الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين: لأبي يعلى مُحَمَّد بن الْحُسَيْن الفراء (ت526ه‍) نسختنا الخطية الخاصة .

الروض البسام بترتيب وتخريج فوائد تمام : لجاسم بن سليمان الدوسري، دار البشائر الإسلامية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1410ه‍ – 1989م.

روضة الطالبين : للنووي ( ت 676 ه‍ ) ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، لبنان .

الروض النضير : للقاضي شرف الدين الْحُسَيْن بن أحمد سياغي (ت1211ه‍)، مكتبة المؤيد ، الطائف ، الطبعة الثانية ، 1388 ه‍ .

زاد المعاد في هدي خير العباد : لابن قيم الجوزية ( ت 751 ه‍ ) ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثالثة عشرة ، 1986 م .

سبل السلام شرح بلوغ المرام : للأمير الصنعاني ( ت 1182ه‍ ) ، دار الفكر ، بيروت

سلسلة الأحاديث الصحيحة : محمد ناصر الدين الألباني – المكتب الإسلامي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثالثة ، 1983م .

سلسلة الأحاديث الضعيفة : لمحمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ودمشق ، الطبعة الخامسة ، 1405 – 1985م .

السنن : للدارقطني ( ت 385ه‍ ) ، مكتبة المتنبي ، القاهرة .

السنن : لأبي داود السجستاني ( ت 275 ه‍ ) ، مراجعة : محمد محي الدين عبد الحميد ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان .

السنن : للدارمي (ت 255ه‍)، تحقيق: عبد الله هاشم اليماني،دار المحاسن،القاهرة، 1966م .

السنن : لسعيد بن منصور (ت 227 ه‍)،تحقيق:حبيب الرحمن الأعظمي،طبع الهند،1387ه‍ .

السنن : لابن ماجه القزويني ( ت 275 ه‍ ) ،تحقيق د. بشارعواد معروف، دار الجيل ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1998م .

السنن الصغرى : للإمام أحمد بن الْحُسَيْن البَيْهَقِيّ (ت458ه‍) ، تحقيق : د. مُحَمَّد ضياء الرَّحْمَان الأعظمي ، مكتبة الدار بالمدينة المنورة ، الطبعة الأولى 1989 م .

السنن الكبرى : للنسائي ( ت 303ه‍ ) تحقيق : الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري وسيد كسروي : دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1991 م .

السنن الكبرى : للبيهقي (ت 458 ه‍)، مطبعة دائرة المعارف النظامية ، حيدرآباد الدكن ، الهند، الطبعة الأولى، 1344 ه‍ .

السنن المأثورة : للإمام مُحَمَّد بن إدريس الشَّافِعِيّ (ت204ه‍) ، تعليق : الدكتور عَبْد المعطي أمين قلعجي ، مكة المكرمة .

السنن ( المجتبى ) : للنسائي بشرح السيوطي وحاشية السندي، دار الْحَدِيْث ، القاهرة ، 1407ه‍ – 1987م.

السُّنَّة ومكانتها في التشريع الإسلامي : للدكتور مصطفى السباعي، الطبعة الثانية، 1396ه‍ ، المكتب الإسلامي .

سؤالات ابن الجنيد للإمام يحيى بن معين ، تحقيق : د. أحمد محمد نور سيف ، مكتبة الدار ، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1988م .

سؤالات أبي داود للإمام أحمد بن حنبل في جرح الرواة ، تحقيق : زياد محمد منصور، مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1414 ه‍ .

سؤالات البرذعي لأبي زرعة : لعبيد الله بن عَبْد الكريم الرازي أبي زرعة ، تحقيق : الدكتور سعدي الهاشمي ، دار الوفاء ، مصر – المنصورة ، الطبعة الثانية ، 1409ه‍ .

سؤالات ابن محرز : تحقيق : عَلِيّ حسن عَلِيّ عَبْد الحميد ، دار عمار ، الأردن – عمان

سير أعلام النبلاء : للذهبي ( ت 748 ه‍ ) ، تحقيق : جماعة بإشراف شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الرابعة ، 1986م .

السيل الجرار : للشوكاني (ت1250ه‍) ، تحقيق : مَحْمُوْد إبراهيم زايد، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1405ه‍ – 1985م .

الشافي العي : للسيوطي (ت911ه‍ ) منضد عَلَى الحاسوب بتحقيقنا عن النسخة الخطية الفريدة في العالم الَّتِي بخط ابن الديبع عن الأصل المحفوظ بمكتبة أوقاف بغداد.

الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح : للأبناسي ( ت 802 ه‍ ) ، تحقيق: صلاح فتحي هلل ، مكتبة الرشد ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1998م .

شذرات الذهب في أخبار من ذهب: لابن عماد الحنبلي ( ت 1089ه‍ ) ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت .

شرائع الإسلام : لجعفر بن الحسن (ت676ه‍) ، تحقيق : عَبْد الْحُسَيْن مُحَمَّد عَلِيّ .

شرح ألفية الأثر : للسيوطي (ت911ه‍) ، تحقيق : أنيس بن أحمد بن طاهر ، مكتبة الغرباء الأثرية ، السعودية ، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1420ه‍ – 1999م .

شرح ألفية العراقي : للسيوطي ( ت 911 ه‍ ) القسم الأول – تحقيق : عبد الله كريم عليوي الناصري – رسالة ماجستير من كلية العلوم الإسلامية – جامعة بغداد، منضدة على الحاسوب ، 2000 م .

شرح ألفية العراقي : للسيوطي ( ت 911 ه‍ ) ، القسم الثاني ، تحقيق : حسن عَلِيّ- رسالة ماجستير من كلية العلوم الإسلامية- جامعة بغداد ، منضدة عَلَى الحاسوب ، 2000م .

شرح التبصرة والتذكرة : للحافظ عَبْد الرحيم بن الْحُسَيْن العراقي (806ه‍) ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، وطبعتنا بتحقيق : الدكتور عَبْد اللطيف هميم و ماهر ياسين فحل ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، 1423ه‍ – 2002م .

شرح الدردير مَعَ حاشية الدسوقي : لأحمد بن مُحَمَّد بن أحمد العدوي (ت1201ه‍) ، دار الفكر ، بيروت .

شرح الديباج المذهب : لإبراهيم بن عَلِيّ بن مُحَمَّد اليعمري ، دار الكتب العلمية ، بيروت .

شرح زيد بن أرسلان : لمحمد بن أحمد الرملي الأنصاري (ت1004ه‍) ، دار الْمَعْرِفَة ، بيروت .

شرح الزرقاني : لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني (ت1122ه‍) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1411ه‍ .

شرح الزركشي عَلَى مَتْن الخِرَقِيّ : لمحمد بن عَبْد الله الزركشي (ت794ه‍) ، تحقيق : الدكتور عَبْد الملك بن عَبْد الله بن دهيش ، دار خضر ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية ، 1418ه‍ – 1997 م .

شرح السُّنَّة ، للبغوي ( ت 516 ه‍ ) ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، المكتب الإسلامي ، الطبعة الثانية ، 1983م .

شرح شرح النخبة : لعلي بن سلطان القاري ، مطبعة أخوات دار السلطنة السنية العثمانية ، 1327ه‍ .

شرح صَحِيْح مُسْلِم : للنووي ( ت 676 ه‍ ) ، تحقيق : عَبْد الله أحمد أبي زينة – دار الشعب ، القاهرة .

الشرح الصغير : للدردير : لأحمد بن مُحَمَّد بن أحمد العدوي (ت1201ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد محيي الدين عَبْد الحميد ، الطبعة الثالثة ، 1385ه‍ ، مطبعة المدني – القاهرة .

شرح العقيدة الطحاوية : لعلي بن عَلِيّ بن مُحَمَّد بن أبي العز الدمشقي (ت792ه‍) ، تحقيق : الدكتور عَبْد الله بن عَبْد المحسن ، وشعيب الأرنؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت .

شرح علل الترمذي : لابن رجب ( 795 ه‍ ) ، تحقيق : د. همام عبد الرحيم سعيد، مكتبة المنار ، الزرقاء – الأردن ، الطبعة الأولى ، 1987م وورجعت أيضاً إِلَى طبعة السَّيِّد صبحي السامرائي، مطبعة العاني بغداد .

شرح العناية عَلَى الهداية : لمحمد بن مَحْمُوْد البابرتي (ت786ه‍) ، تحقيق : سعد الله عيسى ، المطبعة الكبرى الأميرية – مصر ، الطبعة الأولى ، 1315ه‍ .

شرح فتح القدير : لابن همام (ت681ه‍) ، مكتبة المثنى – بغداد .

شرح الْقَاضِي زكريا عَلَى المنهج وحاشية الجمل : للشيخ زكريا الأنصاري ، دار الفكر .

الشرح الكبير : لابن قدامة المقدسي (ت682ه‍) ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

شرح الكرماني عَلَى صَحِيْح البُخَارِيّ : للكرماني (ت786ه‍) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1356ه‍ – 1937 م ، والطبعة الثانية ، 1401ه‍ – 1981م .

شرح ما يقع فِيْهِ التصحيف : لأبي أحمد العسكري ، تحقيق : عَبْد العزيز أحمد ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي – القاهرة .

شرح مختصر ابن الحاجب : لمحمود بن عَبْد الرَّحْمَان الأصفهاني (ت749ه‍) ، تحقيق : الدكتور مُحَمَّد مظهر بقا ، دار المدني ، جدة ، الطبعة الأولى ، 1406ه‍ – 1986م .

شرح مشكل الآثار : للطحاوي ( ت 321 ه‍ ) ، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 1987م .

شرح معاني الآثار : الطحاوي ( ت 321ه‍ ) ، تحقيق : محمد جاد الحق ، مطبعة الأنوار المحمدية – مصر .

شرح النْزهة ملا عَلِيّ القاري : لابن حجر العسقلاني (ت852ه‍) ، دار الكتب العلمية ، بيروت 1978م ، وَهِيَ طبعة مصورة عَلَى الطبعة المطبوعة في استانبول سنة : 1327ه‍ .

شرف أصحاب الْحَدِيْث : للخطيب البغدادي ( ت 463ه‍ ) ، تحقيق : د . مُحَمَّد سعيد خطيب أوغلي ، مطبعة جامعة أنقرة – تركيا ، الطبعة الأولى ، 1971 م .

الشريعة : لمحمد بن الْحُسَيْن الآجري (ت360ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد حامد الفقي ، مطبعة السُّنَّة المحمدية ، مصر ، الطبعة الأولى ، 1369ه‍ – 1950م .

شعب الإيمان : للبيهقي (ت458ه‍)، تحقيق : مُحَمَّد السعيد بن بسيوني، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1421ه‍ – 2000م .

شمائل النبي : للإمام الترمذي ( ت 279 ه‍ ) ، تحقيق وتخريج : ماهر ياسين فحل، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 2000 م .

صبح الأعشى في صناعة الإنشا ، للقلقشندي ، دار الكتب المصرية ، 1340 ه‍ .

الصحاح : للجوهري (ت393ه‍) ، تحقيق : أحمد عَبْد الغفور ، دار للعلم للملايين ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية ، 1979 م .

صَحِيْح ابن حبان (ت354ه‍) ، ترتيب الأمير علاء الدين الفارسي (ت739ه‍) ، دار الفكر بيروت ، الطبعة الأولى ، 1417ه‍ – 1996م ، وطبعة مؤسسة الرسالة المسماة : ( الإحسان تقريب صَحِيْح ابن حبان ) بتحقيق : شعيب الأرنؤوط  .

صَحِيْح ابن خزيمة ( ت 311ه‍ ) ، تحقيق : مُحَمَّد مصطفى الأعظمي ، شركة الطباعة العربية ، الرياض ، الطبعة الثانية ، 1981م .

صَحِيْح مُسْلِم : ينظر الجامع الصَّحِيْح .

صفة صلاة النَّبِيّ : لمحمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ودمشق ، الطبعة الحادية عشر 1403ه‍ – 1983م .

الضعفاء الصغير : للإمام البُخَارِيّ (ت256ه‍) ، طبع ضمن كتاب المجموع في الضعفاء .

الضعفاء الكبير : للعقيلي ( ت 322 ه‍ ) ، تحقيق: عبد المعطي قلعجي ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية ، 1998م .

الضعفاء والمتروكين : للنسائي ( ت 303 ه‍ )، مطبوع ضمن المجموع في الضعفاء والمتروكين ، تحقيق : عبد العزيز السيروان ، دار القلم ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 1985 م .

الضعفاء والمتروكين : للدارقطني (ت385ه‍) ، تحقيق : موفق بن عَبْد الله بن عَبْد القادر ، مكتبة المعارف ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1404ه‍ – 1984م .

الضوء اللامع : للإمام شمس الدين مُحَمَّد بن عَبْد الرَّحْمَان السخاوي (ت902ه‍) ، مكتبة الحياة – بيروت .

طبقات خليفة بن خياط ( ت 240 ه‍ ) رواية أبي عمران بن موسى التستري ، تحقيق : سهيل زكار ، دمشق ، 1966م .

طبقات الحنابلة : لأبي الْحُسَيْن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن أبي يعلى الحنبلي (ت526ه‍) ، وضع حواشيه : أسامة بن حسن ، وحازم عَلِيّ بهجت ،دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1417ه‍ – 1997م .

طبقات الحنفية : لعبد القادر بن أبي الوفاء (ت775ه‍) ، أمير مُحَمَّد كَتَبَ خانه ، كراتشي .

طبقات الشافعية : للأسنوي ( ت 772 ه‍ ) ، تحقيق : عَبْد الله الجبوري ، مطبعة الإرشاد ، بغداد  الطبعة الأولى ، 1390 ه‍ – 1970 م .

طبقات الشافعية : لابن قاضي شهبة ( ت 851 ه‍ ) ، تحقيق : د. الحافظ عبد العليم خان ، مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن ، الهند ، الطبعة الأولى ،  1978 م .

طبقات الشافعية الكبرى : لتاج الدين بن السبكي (ت771 ه‍)، تحقيق: محمود محمد الطناحي وعبد الفتاح الحلو ، مطبعة عيسى البابي الحلبي ، القاهرة ، الطبعة  الأولى ، 1964م .

الطبقات الكبرى : لابن سعد (ت 230 ه‍) ، دار التحرير ، بالقاهرة ، 1388ه‍.

الطبقات الكبرى : لابن سعد ( ت 230 ه‍ ) ( القسم المتمم ) ، تحقيق : زياد محمد منصور، المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية ، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1983 م.

طبقات المحدّثين بأصفهان : لأبي الشيخ ( ت369 ه‍ ) ، تحقيق : عبد الغفور البلوشي ، منشورات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، 1400 ه‍ .

طبقات المدلسين : لابن حجر العسقلاني ( ت 852ه‍ ) ، تحقيق: الدكتور عاصم بن عبد الله القريوتي ، مكتبة المنار – الأردن ، الطبعة الأولى ، 1983م .

طبقات المفسرين : للسيوطي ( ت 911 ه‍ ) ، راجعه لجنة من العلماء ، دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان .

طرح التثريب في شرح التقريب : للحافظ العراقي (ت 806 ه‍ ) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت - لبنان .

ظفر الأماني : للكنوي ( ت 1304 ه‍ ) ، تحقيق : تقي الدين الندوي ، دار القلم ، الإمارات ، دبي ، الطبعة الأولى ، 1995م .

عارضة الأحوذي بشرح جامع الترمذي : لابن العربي المالكي ( ت 543 ه‍ ) ،  تحقيق : جمال مرعشلي ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1997 م .

العبر في خبر من غبر : للذهبي ( ت 748 ه‍ ) ، دار الكتب العلمية – بيروت .

العلل : لابن المديني ( ت 234 ه‍ ) ، تحقيق : محمد مصطفى الأعظمي ، نشر المكتب الإسلامي ، 1392 ه‍ – 1972 م .

العلل للإمام أحمد (رِوَايَة عَبْد الله ): أحمد بن مُحَمَّد بن حنبل(ت241ه‍)، المكتبة الإسلامية ، استانبول – تركيا ، 1987 .

علل التِّرْمِذِيّ الكبير : (ت279ه‍) ، تحقيق : السَّيِّد صبحي السامرائي ، والسيد أبي المعاطي النوري ومحمود خليل الصعيدي ، عالم الكتب ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1409ه‍ – 1989م .

علل التِّرْمِذِيّ الصغير : المطبوع في آخر الجامع الكبير للترمذي .

علل الحديث : لابن أبي حاتم ( ت 327 ه‍ ) ، مكتبة المثنى ، بغداد .

العلل المتناهية في الأحاديث الواهية ، لابن الجوزي ( ت 597ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1983م ، ونسختنا الخطية الخاصة المصورة عن دار الكتب المصرية برقم (394) حَدِيْث .

العلل الواردة في الأحاديث النبوية : للدارقطني ( ت 385 ه‍ ) ، تحقيق : د. محفوظ الرحمان زين الله ، دار طيبة ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1985م ، ونسختنا الخطية الخاصة المصورة عن دار الكتب المصرية برقم (394) حديث .

العلل ومعرفة الرجال : للإمام أحمد بن حنبل ( ت 241 ه‍ ) ، برواية المروذي ، تحقيق : د. وصي الله بن محمد عباس ، الدار السلفية ، بومباي – الهند ، الطبعة الأولى 1988م .

العلم : لأبي خيثمة ( ت 234 ه‍ ) ، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1983 م .

عمدة القاري شرح صحيح البخاري : بدر الدين العيني ( ت 855 ه‍ ) ، مصورة بيروت عن الطبعة المنيرية بمصر .

العواصم والقواصم في الذبّ عن سنة أبي القاسم : لابن الوزير اليماني (ت 840ه‍)، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة ، الطبعة الثانية ، 1992م .

عوالي مالك : للحاكم ( ت 405 ه‍ ) ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت .

عون المعبود شرح سنن أبي داود : للعظيم آبادي ، مصورة عن الطبعة الهندية في دار الكتاب العربي ، بيروت - لبنان .

الغرائب و الأفراد : للدارقطني (ت385ه‍)، ترتيب: الإمام مُحَمَّد بن طاهر بن عَلِيّ المقدسي ، تحقيق : مَحْمُوْد مُحَمَّد مَحْمُوْد والسيد يوسف ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1419ه‍ – 1998م .

غريب الْحَدِيْث : لأبي سليمان حمد بن مُحَمَّد الخطابي (ت388ه‍) ، تحقيق : عَبْد الكريم إبراهيم العزباوي ، مركز البحث العلمي ، جامعة أم القرى – مكة المكرمة ، 1402م .

غريب الْحَدِيْث : لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي (224ه‍)، دار الكِتَاب العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1384 ه‍ – 1964م .

غوث المكدود شرح منتقى ابن الجارود (ت307ه‍) ، تأليف : أبي إسحاق الحويني الأثري ، دار الكِتَاب العربي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1408ه‍ – 1988م .

الغوث المسجم في شرح لامية العجم : خليل بن أيبك الصفدي ، دار الكتب العلمية ، بيروت .

الفتاوى الهندية : المسماة بالفتاوى العالمكيرية . طبع بالمطبعة الميمنية ، مصطفى البابي الحلبي – مصر .

فتح الباري شرح صحيح البخاري : لابن حجر العسقلاني ( 852 ه‍ ) ، ترقيم : محمد فؤاد عبد الباقي ، دار الفكر ، بيروت – لبنان ، 1379ه‍ .

فتح الباقي على ألفية العراقي : زكريا الأنصاري ( ت 925ه‍ ) ، مطبوع بذيل شرح التبصرة لكلا الطبعتين الفاسية والبيروتية ، وطبعتنا المحققة المطبوعة في دار الكتب العلمية 2002 م .

الفتح الرباني : تأليف أحمد عَبْد الرَّحْمَان البنا الشهير بالساعاتي ، دار الْحَدِيْث ، القاهرة .

فتح العزيز في شرح الوجيز : للرافعي ( ت 623 ه‍ ) ، مطبوع مع المجموع .

فتح العلام : للعلامة أبي الخير نور الحسن خان ، دار صادر ، بيروت .

فتح القادر المغيث شرح منظومة البيقوني في علم الْحَدِيْث : تأليف عَبْد القادر بن جلال الدين المحلي (ت1184ه‍) نسختنا الخطية الخاصة المصورة عن الأصل المحفوظ بدار الكتب المصرية .

فتح المغيث شرح ألفية الْحَدِيْث : للسخاوي ( ت 902 ه‍ ) ، تحقيق : عَبْد الرحمان مُحَمَّد عثمان ، الطبعة الثانية ، 1968م ، وَكَذَلِكَ استخدمنا طبعة دار الكتب العلمية .

الفروع : مُحَمَّد بن مفلح المقدسي أبو عَبْد الله ( ت762ه‍) ، تحقيق : أبي الزهراء حازم الْقَاضِي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، بيروت ، 1418ه‍ .

فروع الكافي : مُحَمَّد بن يعقوب الكليني (ت329ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد جعفر شمس الدين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت –لبنان ، 1413ه‍ – 1993 م .

الفصل للوصل المدرج في النقل:للخطيب البغدادي (ت463ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد مطر الزهراني ، دار الهجرة ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1418ه‍ ، واستخدمت أيضاً المحققة من قَبْلَ عَبْد السميع مُحَمَّد الأنيس، وَهِيَ رسالة دكتوراه من كلية العلوم الإسلامية – جامعة بغداد، منضدة عَلَى الكومبيوتر.

الفصول في الأصول : للجصاص ( ت 370 ه‍ ) ، تحقيق : د. عجيل جاسم ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، السعودية ،  الطبعة الأولى 1405ه‍ – 1985م .

فقه الإمام الأوزاعي : تأليف الدكتور عَبْد الله مُحَمَّد الجبوري ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ، 1397ه‍ – 1977م .

فقه الإمام سعيد بن المسيب : إعداد العلامة الدكتور هاشم جميل عَبْد الله ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ، الطبعة الأولى ، 1394ه‍ – 1974م .

الفقيه والمتفقه : للخطيب البغدادي ( ت 463 ه‍ ) ، تحقيق : إسماعيل الأنصاري – المكتبة العلمية المدينة المنورة .

الفهرست : لابن خير الأشبيلي (ت575ه‍) ، تحقيق : فرنسشكه قداره زيدين ، وخليان بارة طرغوة ، مطبعة فوحش – سرقسطة ، الطبعة الثانية،1382ه‍– 1963م .

الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط للحديث النبوي الشريف : المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية ، مؤسسة آل البيت للطباعة والنشر  ، عمان ، سنة 1991م .

فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت : لعبد العلي الأنصاري ( ت 1225 ه‍ ) ، مطبوع بهامش المستصفى للغزالي ، المطبعة الأميرية ، 1322 ه‍ .

الفواكه الدواني : أحمد بن غنيم النفراوي المالكي (ت1125ه‍) ، دار الفكر ، بيروت ، 1415ه‍ .

القاموس المحيط : للفيروزآبادي ( ت 817 ه‍ ) ، مؤسسة الحلبي وشركائه ، القاهرة.

القبس في شرح الموطا : لأبي بكر بن العربي المعافري (ت543ه‍) ، تحقيق : الدكتور مُحَمَّد عَبْد الله ولد كريم ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1992 م .

القصيدة الموشمة بالأسماء المؤنثة السماعية لابن الحاجب (ت 646ه‍ ): تحقيق وشرح الدكتور طارق نجم عَبْد الله ، مكتبة المنار – الأردن الزرقاء .‍

القراءة خلف الإمام : للإمام البُخَارِيّ (ت256ه‍) ، تحقيق وتخريج : سعيد زغلول ، دار الْحَدِيْث ، خلف الجامع الأزهر ، 8 حارة المدرسة .

قواطع الأدلة في أصول الفقه : لأبي المظفر السمعاني ( ت 489ه‍ ) ، تحقيق : مركز البحوث والدراسات ، مكة المكرمة ، الطبعة الأولى ، 1998م .

قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث : للقاسمي ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1979م .

قواعد الفقه : مُحَمَّد عميم الإحسان المجدوي البركتي : الصدف ببلشرز، كراتشي ، الطبعة الأولى ، 1407ه‍ – 1986م .

القوانين الفقهية : للكلبي ( ت741ه‍) ، دار الكِتَاب العربي ، بيروت ، الطبعة الثانية ، 1409ه‍ – 1989م .

الكاشف في مَعْرِفَة من لَهُ رِوَايَة في الكتب الستة : للذهبي ( ت 748 ه‍ ) ، تحقيق : مُحَمَّد عوامة ، دار القبلة ، الطبعة الأولى ، 1992م .

الكافي في فقه أهل المدينة : للقرطبي (ت463ه‍) ، تحقيق الدكتور مُحَمَّد مُحَمَّد أحيد ولد ماريك الموريتاني ، مطبعة حسان ، القاهرة ، 1399ه‍ – 1979م .

الكامل في التاريخ : لابن الأثير (ت630ه‍) ، دار الكِتَاب العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية ، 1387ه‍ – 1967م.

الكامل في ضعفاء الرجال : لابن عدي الجرجاني ( ت 365 ه‍ )، تحقيق: لجنة من المختصين، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1984م . والطبعة المحققة بإشراف أبي سُنَّةُ ، دار الكتب العلمية ، الطبعة الأولى ، 1997م ، وإليها العزو عِنْدَ الإطلاق .

كشاف القناع : للعلامة مَنْصُوْر بن يونس البهوتي (ت1051ه‍) ، مطبعة الحكومة بمكة – السعودية ، 1394ه‍ .

كشف الأستار عن زوائد البزار عَلَى الكتب الستة : للهيثمي ( ت 807 ه‍ ) ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي ، الطبعة الثانية ، 1984م .

كشف الأسرار للبزدوي : للإمام علاء الدين عَبْد العزيز أحمد البُخَارِيّ (ت730ه‍) أعادت تصويره بالأوفسيت دار الكتب العربية ، بيروت ، 1394ه‍ – 1974م .

كشف الأسرار شرح المصنف عَلَى المنار : لأبي البركات النسفي ( ت 710 ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1406 ه‍ – 1986 م .

الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث : برهان الدين الحلبي ( ت 841 ه‍ ) ، تحقيق : صبحي السامرائي ، مطبعة العاني ، بغداد .

كفاية الأخيار : للدمشقي الشَّافِعِيّ ، الشؤون الدينية ، قطر ، الطبعة الثالثة .

كفاية الطَّالِب : أبو الحسن المالكي ، تحقيق : يوسف الشَّيْخ مُحَمَّد البقاعي ، دار الفكر ، بيروت ، 1412ه‍ .

الكفاية في علم الرِّوَايَة : للخطيب البغدادي ( ت 463 ه‍ ) ، تحقيق : مُحَمَّد الحَافِظ التيجاني، مطبعة السعادة مصر ، ( وَقَدْ أحلنا إليها بالحرف ت ) ، واستخدمنا الطبعة الهندية المطبوعة بحيدرآباد ، 1357 ه‍ ، ورمزنا لها بالحرف ( ه‍ ) .

الكنى والأسماء : للدولابي ( ت 310 ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت - لبنان ، الطبعة الأولى 1403ه‍ -1983 م .

الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات: لابن الكيال (ت 939 ه‍)، تحقيق : عبد القيوم عبد رب النبي ، دار المأمون للتراث ، الطبعة الأولى ، 1401ه‍ .

اللباب في تهذيب الأنساب : لعز الدين بن الأثير ( ت 630 ه‍ ) ، مكتبة المثنى ، بغداد .

اللباب في شرح الكِتَاب : للشيخ عَبْد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني الحنفي ، تحقيق : مُحَمَّد محيي الدين عَبْد الحميد ، مطبعة المدني ، القاهرة ، الطبعة الرابعة ، 1383ه‍ – 1963م .

لحظ الألحاظ : لابن فهد المكي ، دار التراث العربي ، بيروت .

لسان العرب : للعلامة ابن منظور (ت711ه‍) ، قدم لَهُ العلامة الشَّيْخ عَبْد الله العلايلي ، دار لسان العرب ، بيروت .

لسان الميزان:لابن حجر العسقلاني (ت852 ه‍)،مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت-لبنان.

لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف:لابن رجب الحنبلي (ت 795 ه‍ ) ، دار الجيل ، بيروت ، 1341ه‍ .

اللمع في أصول الفقه : لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476 ه‍) ، دار الكتب العلمية، بيروت ، لبنان ، الطبعة الأولى ، 1985م .

ما لا يسع المحدث جهله : للميانشي (ت581ه‍) ، تحقيق : صبحي السامرائي ، شركة الطبع والنشر الأهلية – بغداد ، 1387ه‍ – 1967م .

المبدع : إبراهيم بن مُحَمَّد الحنبلي أبو إسحاق (ت884 ه‍) ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، 1400ه‍ .

المبسوط : لشمس الدين السرخسي (ت490 ه‍) ، دار الْمَعْرِفَة بيروت ، لبنان، الطبعة الثالثة ، 1398ه‍ – 1978م .

المجتبى = السنن .

المجروحين من المحدّثين والضعفاء والمتروكين : لابن حبان ( ت 354 ه‍ ) ، تحقيق : محمد إبراهيم زايد ، دار الوعي ، حلب ، 1396ه‍ .

مجمع البحرين في زوائد المعجمين : للهيثمي ( ت 807 ه‍ ) ، نسختنا المصورة عن المكتبة الظاهرية ، دمشق ، ورجعت إِلَى النسخة المطبوعة بتحقيق مُحَمَّد حسن مُحَمَّد الشَّافِعِيّ ، توزيع مكتبة عَبَّاسٍ الباز، مكة المكرمة ، طبع دار الكتب العلمية ، بيروت -لبنان ، 1419 ه‍-1998 م .

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد : للهيثمي ( ت 807 ه‍) ، دار الكِتَاب العربي ، بيروت، لبنان ، الطبعة الثالثة ، 1982م .

المجموع شرح المهذب : للنووي ( ت 676 ه‍ ) ، شركة العلماء ، مصر .

مجموعة الفتاوى الكبرى : لابن تيمية ( ت 728 ه‍ ) ،تحقيق : عامر الجزار وأنور الباز ،  دار الجيل ، الطبعة الأولى ، 1997م.

المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي : للرامهرمزي ( ت 360ه‍ ) ، تحقيق : د. محمد عجاج الخطيب ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1971م .

المحرر : لابن عطية الأندلسي (ت542 ه‍) ، تحقيق : عَبْد الله بن إبراهيم الأنصاري والسيد عَبْد العال السَّيِّد إبراهيم ، الدوحة ، الطبعة الأولى ، 1404ه‍ – 1984 م .

المحصول في علم الأصول : للرازي ( ت 606 ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1988م ، واستخدمنا طبعة بتحقيق وتخريج : طه جابر العلواني ، جامعة الإمام مُحَمَّد بن سعود ، الطبعة الأولى ، 1980م .

المحكم والمحيط الأعظم : لابن سيده ( ت 458 ه‍ ) ، تحقيق : د. مراد كامل ، شركة مصطفى البابي الحلبي ، مصر ، الطبعة الأولى ، 1972 م .

المحلى : لابن حزم ( ت 456 ه‍ ) ، دار الفكر ، بيروت – لبنان .

المختارة : للعلامة ضياء الدين الحنبلي المقدسي (ت643ه‍) ، تحقيق : عَبْد الملك بن عَبْد الله بن دهيش ، مكتبة النهضة الحديثة ، مكة المكرمة ، الطبعة الأولى ، 1410ه‍ – 1990م .

مختصر الخِرَقِيّ : لأبي القاسم عمر بن الْحُسَيْن الخِرَقِيّ (ت334 ه‍) ، تحقيق : زهير الشاويش ، المكتب الإسلامي ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1403ه‍ .

مختصر خليل : خليل بن إسحاق بن موسى المالكي ، تحقيق : أحمد عَلِيّ حركات ، دار الفكر ، بيروت ، 1415ه‍ .

مختصر الطحاوي : مطبعة دار الكِتَاب العربي بمصر ، 1370ه‍.

المختصر في علم الأثر : لمحيي الدين الكافيجي ( ت 879 ه‍ ) ، د. عَلِيّ زوين ، دار الرشد ، الرياض ، 1987 م .

مختصر المزني : لكتاب الأم ، دار الْمَعْرِفَة ، بيروت – لبنان .

المختلطين : صلاح الدين أبو سعيد العلائي ( ت761ه‍) ، تحقيق وتعليق : الدكتور فوزي عَبْد المطلب وعلي عَبْد الباسط مزيد ، مكتبة الخانجي ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1417ه‍– 1996م .

مختلف الْحَدِيْث بَيْنَ الْمُحَدِّثِيْنَ والأصوليين والفقهاء:د. أسامة بن عَبْد الله خياط ، دار الفضيلة ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1421ه‍ – 2001م .

المدخل إِلَى الإكليل:للحاكم ( ت 405 ه‍ ) ، تحقيق : جيمس ربسون ، 1953م ، ورجعت إِلَى الطبعة المحققة من قَبْلَ الدكتور فؤاد عبد المنعم أحمد المطبوع في المكتبة التجارية – مكة المكرمة .

المدونة الكبرى : لمالك بن أنس ( ت 179 ه‍ ) رواية سحنون ( ت 240 ه‍ ) ، عن عبد الرحمن بن القاسم ( ت 191 ه‍ ) ، دار صادر ، بيروت .

مرآة الجنان : تأليف الإمام أبي مُحَمَّد عَبْد الله بن أسعد اليافعي اليمني المكي (ت768ه‍) ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1417ه‍ – 1997م .

المراسيل : لأبي داود السجستاني (ت275ه‍)، تحقيق : شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة 1988م .

المراسيل : لابن أبي حاتم ( ت 327 ه‍ ) ، تحقيق : شكر الله بن نعمة الله قوجاني ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1982 م .

مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع : لصفي الدين البغدادي ( ت 739ه‍ ) تحقيق : علي محمد البجاوي ، دار إحياء الكتب العربية ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1954 م .

مرقاة المفاتيح : لعلي القاري (ت 1014ه‍) ، المكتبة الامدادية – الباكستان .

مسائل من الفقه المقارن : العلامة الدكتور هاشم جميل عَبْد الله ، مطبعة جامعة بغداد ، الطبعة الأولى ، 1409ه‍ – 1989م .

مسائل أحمد بن حنبل (رِوَايَة عَبْد الله ) ، تحقيق : الدكتور عَلِيّ سليمان مهنا ، مكتبة الدار – المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1406ه‍ – 1986م .

مسائل ابن هانيء : إسحاق بن إبراهيم بن هانيء النيسابوري (ت 275ه‍) ، تحقيق : زهير الشاويش ، المكتب الإسلامي ، بيروت ودمشق ، الطبعة الأولى ، 1400 ه‍ .

المستخرج : لأبي نُعَيْم الأصبهاني (ت430ه‍) قدم لَهُ : الدكتور كمال عَبْد العظيم العناني ، تحقيق : مُحَمَّد حسن مُحَمَّد حسن إسماعيل الشَّافِعِيّ ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1417ه‍ – 1996م .

المستدرك عَلَى الصحيحين : للحاكم ( ت 405 ه‍ ) ، وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي ( ت 748 ه‍ )، الناشر مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب، طبع بيروت، شركة علاء الدين.

المستصفى من علم الأصول : للغزالي ( ت 505 ه‍ ) ، المطبعة الأميرية ، ببولاق ، مصر ، الطبعة الأولى ، 1324ه‍ .

المسح عَلَى الجوربين : مُحَمَّد جمال الدين القاسمي ، تحقيق : محمد ناصر الدين الألباني ، المكتب الإسلامي ، بيروت ودمشق ، 1406ه‍ – 1986م ، الطبعة الخامسة .

مسند إسحاق بن راهويه : للإمام إسحاق بن إبراهيم المروزي (ت238ه‍) ، تحقيق : الدكتور عَبْد الغفور عَبْد الحق البلوشي ، مكتبة الإيمان ، المدينة المنورة – السعودية ، الطبعة الأولى ، 1412ه‍ – 1991م .

المسند : لأبي داود الطيالسي ( ت 204 ه‍ ) ، دار الْمَعْرِفَة ، بيروت – لبنان .

مسند الإمام زيد:للإمام زيد بن عَلِيّ بن الْحُسَيْن بن عَلِيّ بن أبي طَالِب (ت 122ه‍) ، دار مكتبة الحياة ، بيروت – لبنان ، 1996م .

المسند : للشافعي ( ت 204 ه‍ ) ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، والطبعة الثانية نتحقيق الدكتور عَبْد اللطيف هميم وماهر ياسين فحل ، منضد عَلَى الحاسوب ، يسر الله طبعه ونشره .

مسند الصَّحَابَة:المعروف بمسند الروياني للإمام الحَافِظ أبي بكر الروياني (ت307 ه‍ ) ، تخريج : أبي عَبْد الرَّحْمَان صلاح بن مُحَمَّد بن عويضة ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1417ه‍– 1997م .

مسند عَبْد الله بن عمر : للطرسوسي (ت 273ه‍) ، تحقيق : أحمد راتب عرموش ، دار النفائس ، بيروت ، الطبعة الأولى 1393 ه‍ – 1973م والطبعة الرابعة 1403ه‍ – 1983م .

المسند : للحميدي ( ت 219 ه‍ ) ، تحقيق : حبيب الرحمن الأعظمي،عالم الكتب بيروت، مكتبة المتنبي ، القاهرة .

المسند : لأحمد بن حنبل ( ت 241 ه‍ )  ، المطبعة الميمنية ، مصر ، وإليها العزو عند الإطلاق ، واستخدمنا طبعة أحمد شاكر ، مكتبة التراث الإسلامي ، وطبعة شعيب الأرناؤوط ، مؤسسة الرسالة .

المسند : عبد بن حميد ( ت 249 ه‍ ) ، وهو المنتخب من مسنده ، تحقيق : صبحي السامرائي ومحمود محمد خليل ، عالم الكتب ، 1988 م .

المسند : لأبي بكر البزار ( ت 292 ه‍ ) ، وهو المسمى بـ (( البحر الزخار )) ، تحقيق : محفوظ الرحمان زين الله ، مؤسسة علوم القرآن ، الطبعة الأولى ، 1998 م .

المسند : لأبي يعلى الموصلي ( ت 307 ه‍ ) ، تحقيق وتخريج : حسين سليم أسد – دار المأمون للتراث ، الطبعة الأولى ، 1987 م .

المسند : لأبي عوانة الإسفراييني ( ت 310 ه‍ ) ،طبع مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد - الهند ، 1966 م .

المسند : للشاشي ( 335 ه‍ ) ، تحقيق : محفوظ الرحمان زين الله ، مكتبة العلوم والحكم ، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1410 ه‍ .

مسند ابن الجعد : لأبي الحسن الجوهري ، تحقيق : عبد المهدي عبد الهادي ، مكتبة الفلاح ، الكويت ، 1405 ه‍ – 1985 م .

مسند الشاميين : للطبراني ( ت 360 ه‍ ) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، مؤسسة الرسالة ، بيروت ، 1405 ه‍ .

مشاهير علماء الأمصار : من تصنيف مُحَمَّد بن حبان البستي (ت 354ه‍) ، مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر ، القاهرة ، 1379ه‍ – 1959م .

مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه : للبوصيري (ت840 ه‍ )، نسختنا المصورة عن حلب واستخدمت النسخة المطبوعة بتحقيق مُحَمَّد الكشناوي ، عن الدار العربية ، الطبعة الأولى ، بيروت – لبنان ، 1983 م .

المصباح المنير : الفيومي – أحمد بن مُحَمَّد بن عَلِيّ المقري ( ت 770ه‍) – مصطفى البابي الحلبي بمصر .

المصنف:عبد الرزاق الصنعاني ( ت 211 ه‍ ) ، تحقيق : حبيب الرحمان الأعظمي ، مطابع دار القلم ، بيروت ، 1970م .

المصنف : لابن أبي شيبة ( ت 235 ه‍ )، المطبعة العزيزية،حيدرآباد الدكن، الهند 1386 ه‍ .

معالم السنن : للخطابي ( ت 388ه‍ ) ، المطبعة العلمية ، حلب ، الطبعة الأولى ، 1932 م .

المعتمد في الأصول : لأبي الحسين البصري (ت 436 ه‍) ، تحقيق : محمد حميد الله، دمشق ، 1385 ه‍ – 1965 م .

معجم الأدباء : لياقوت الحموي ( ت 852 ه‍ ) ، دار المأمون ، الطبعة الأخيرة .

المعجم الأوسط:للطبراني ( ت 360 ه‍ ) ، تحقيق : محمود الطحان ،مكتبة المعارف ، الرياض ، الطبعة الأولى .

معجم ابن الأعرابي : لابن الأعرابي (ت 340ه‍) ، تحقيق : عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني،دار ابن الجوزي ، السعودية ، الطبعة الأولى ، 1418 ه‍ – 1997 م .

معجم البلدان: ياقوت الحموي (ت626ه‍) ، دار صادر مَعَ دار بيروت ، 1968م .

معجم شيوخ أبي بكر الإسماعيلي : للحافظ أبي بكر الإسماعيلي (ت371ه‍) ، تحقيق : عبد الله عمر البارودي ، دار الفكر ، بيروت – لبنان ، 1414ه‍ – 1993م .

معجم الصحابة : لابن قانع ( ت 351 ه‍ ) ، تحقيق : صلاح بن سالم المصراتي ، مكتبة الغرباء الأثرية ، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1418 ه‍ .

المعجم الصغير : للطبراني (ت 360 ه‍) ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، 1983 م .

معجم القراءات القرآنية : د. أحمد مختار عمر ود. عبد العال سالم مكرم ، مطبوعات جامعة الكويت ، الطبعة الثانية ، 1988 م .

المعجم الكبير : للطبراني ( ت 360 ه‍ ) ، تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفي ، مطبعة الزهراء الحديثة ، الموصل  - العراق ، الطبعة الثانية .

معجم متن اللغة : للعلامة الشيخ مُحَمَّد رضا ( ت 1953م) منشورات دار مكتبة الحياة ، بيروت – لبنان ، 1377ه‍ – 1958م .

المعجم المختص بالمحدّثين : للذهبي ( ت 748 ه‍ ) ، نسختنا المصورة عن النسخة المخطوطة في المكتبة الناصرية .

معجم مقاييس اللغة : لابن فارس ( ت 395 ه‍ ) ، تحقيق : عبد السلام هارون ، دار الفكر للطباعة والنشر ، 1979م .

معجم المؤلفين : عمر رضا كحالة ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، 1957 م .

المعجم الوسيط : صنعة جماعة من المختصين ، دار أمواج للطباعة والنشر ، بيروت - لبنان ، الطبعة الثانية ، 1987 م .

معرفة أنواع علم الحديث: لابن الصلاح (ت 643ه‍) ، تحقيق الدكتور عَبْد اللطيف هميم وماهر ياسين فحل ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1423ه‍– 2002م . وطبعة نور الدين عتر ، المكتبة العلمية بالمدينة المنورة ، 1386ه‍ – 1966م . المسماة باسم (( علوم الحديث )) .

مَعْرِفَة السنن والآثار: للبيهقي (ت 458ه‍)،تحقيق:سيد كسروي،دار الكتب العلمية،2001 م.

معرفة الصحابة : لأبي نعيم ( ت 430 ه‍ ) ، تحقيق : محمد راضي بن حاج عثمان ، مكتبة الدار ، المدينة المنورة ، الطبعة الأولى ، 1988 م .

معرفة علوم الحديث : للحاكم ( ت 405 ه‍ ) ، دار الآفاق الجديدة ، بيروت – لبنان ، الطبعة الثانية ، 1979 م .

المعرفة والتاريخ : للفسوي (ت277 ه‍)، تحقيق: د. أكرم ضياء العمري ، بغداد  1394ه‍ .

المغني في الضعفاء : للذهبي : تحقيق : نور الدين عتر ، مصورة دولة قطر .

المغني لابن قدامة : ابن قدامة (ت630ه‍) ، دار الكتب العلمية ، بيروت لبنان .

مغني المحتاج شرح المنهاج : للخطيب الشربيني (ت 977ه‍)، مطبعة مصطفى محمد، 1958م.

المفاريد : لأبي يعلى الموصلي (ت307ه‍) ، تحقيق : عبد الله بن يوسف الجديع ، القاهرة ، الطبعة الأولى 1988 م .

المفصل في أحكام المرأة: تأليف الدكتور عبد الكريم زيدان ، مؤسسة الرسالة، بيروت ، الطبعة الأولى 1413ه‍ – 1993 م .

المقاصد الحسنة : للسخاوي ( ت 902 ه‍ ) ، صححه وعلق عَلَيْهِ : عبد الله مُحَمَّد الصديق ، مكتبة الخانجي ، مصر .

مقاييس اللغة : لأبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت 395ه‍) ، تحقيق : عبد السلام مُحَمَّد هارون ، دار الفكر ، 1399 ه‍ – 1979م .

المقنع في علوم الحديث : لابن الملقن (ت 804 ه‍ ) ، تحقيق : عبد الله بن يوسف الجديع ، دار فواز للنشر ، السعودية ، الطبعة الأولى ، 1992 م .

المقنع في فقه الإمام أحمد : للإمام موفق الدين ابن قدامة المقدسي ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

منار السبيل : إبراهيم بن مُحَمَّد بن خويان (ت 1353ه‍) ، تحقيق عصام القلعجي ، مكتبة المعارف ، الرياض ، الطبعة الثانية ، 1405ه‍ .

مناقب الشَّافِعِيّ : للبيهقي ( ت 458 ه‍ ) ، تحقيق : أحمد صقر ، مكتبة التراث ، القاهرة ، الطبعة الأولى ، 1391ه‍ – 1971 م .

مناهج المحدثين في رِوَايَة الحديث بالمعنى : تأليف د. عبد الرزاق بن خليفة الشايجي ود. السيد مُحَمَّد السيد نوح ، دار ابن حزم بيروت – لبنان، الطبعة الأولى، 1419ه‍ .

المناهل السلسلة في الأحاديث المسلسلة : مُحَمَّد عبد الباقي الأيوبي ، دار الكتب العلمية، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1403 ه‍ – 1983 م .

المنتقى شرح الموطأ : للإمام الباجي (ت 494ه‍) ، دار الكِتَاب العربي ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1332 ه‍ .

المنتظم في تاريخ الملوك والأمم:لابن الجوزي (ت597ه‍) ، الدار الوطنية للتوزيع والنشر، بغداد .

المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله : لابن الجارود ( ت307 ه‍ ) ، تحقيق : عبدالله عمر البارودي ، مؤسسة الكتب العلمية ودار الجنان ، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى ، 1408ه‍ – 1988م .

المنتقى من السنن المسندة عن رسول الله : لابن الجارود (ت307 ه‍) ، تحقيق : عبد الله هاشم اليماني المدني ، مطبعة الفجالة ، القاهرة ، 1382ه‍– 1963م.

منتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل : لابن الحاجب ، الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى 1405 ه‍ .

المنثور في القواعد : لمحمد بن بهادر الزركشي (ت794 ه‍) ، تحقيق : د. تيسير فائق أحمد مَحْمُوْد ، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الكويت،الطبعة الثانية،1405 ه‍ .

المنفردات والوحدان : لمسلم بن الحجاج ( ت 261 ه‍ ) ، بيروت – لبنان .

من لا يحضره الفقيه : أبو جعفر الصدوق بن بابويه القمي (ت381ه‍) ، تحقيق : مُحَمَّد جعفر شمس الدين ، دار التعارف للمطبوعات ، بيروت – لبنان ، 1411ه‍ – 1990م .

المنهج الأحمد : الإمام محيي الدين المقدسي الحنبلي (ت928ه‍) ، تحقيق : مصطفى عَبْد القادر أحمد عطا ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1420ه‍ – 1999م .

منهج النقد في علوم الْحَدِيْث : د. نور الدين عتر ، دار الفكر ، بيروت ، الطبعة الثالثة ، 1401ه‍ – 1981م .

المنهل الرَّاوِي من تقريب النواوي   = التقريب .

المهذب : للفيروز آبادي الشيرازي (ت 476ه‍) ، وبذيل صحائفه : النظم المستعذب في شرح غريب المهذب : لمحمد بن أحمد بن بطال الركبي ، مطبعة الحلبي – مصر ، الطبعة الثانية 1379ه‍– 1959م .

المؤتلف والمختلف : للدارقطني ( ت 385 ه‍ ) ، تحقيق : موفق بن عَبْد الله بن عَبْد القادر ، دار الغرب الإسلامي،بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1386ه‍ – 1966 م .

موارد الظمآن : للحافظ نور الدين الهيثمي (ت 807ه‍) ، تحقيق مُحَمَّد عَبْد الرزاق حمزة ، دار الكتب العلمية ، بيروت – لبنان .

الموازنة بَيْنَ المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها : د. حمزة المليباري ، المكتبة المكية ، مكة المكرمة ، ودار ابن حزم ، بيروت ، الطبعة الأولى ، 1416 ه‍ .

الموافقات : تصنيف العلامة أبي إسحاق الشاطبي (ت 790ه‍) ، تحقيق : مشهور بن حسن سلمان ، دار ابن عفان ، السعودية ، الطبعة الأولى ، 1417ه‍ – 1997م .

الموسوعة الفقهية : وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، الكويت ، مطبعة الموسوعة الفقهية ، الطبعة الثالثة ، 1407ه‍ – 1986م .

موضح أوهام الجمع والتفريق : للخطيب البغدادي ( ت 463 ه‍ ) ، مطبعة دار المعارف العثمانية - حيدرآباد الدكن - الهند ، 1378ه‍ – 1959م .

الموضوعات : لابن الجوزي (ت 597ه‍) ، تحقيق : عَبْد الرَّحْمَان بن عثمان ، دار الفكر ، الطبعة الثانية ، 1403ه‍– 1983م .

الموطأ : مالك بن أنس ( ت 179 ه‍ ) رِوَايَة سويد بن سعيد الحدثاني ، تحقيق : عَبْد المجيد التركي – دار الغرب الإسلامي ، 1995م .

الموطأ : مالك بن أنس (ت 179ه‍ ) رواية عبد الرحمان بن قاسم ، وتلخيص : القابسي ، دار الشروق ، 1988 م .

الموطأ : مالك بن أنس ( ت 179ه‍ ) رواية عبد الله بن مسلمة القعنبي ، تحقيق : عبد المجيد التركي دار الغرب الإسلامي ، 1999 م .

الموطأ : مالك بن أنس ( ت 179 ه‍ ) رواية محمد بن الحسن ، تحقيق : عبد الوهاب عبد اللطيف ، المكتبة العلمية ( بدون تاريخ ولا مكان الطبع ) .

الموطأ : مالك بن أنس ( ت 179 ه‍ ) رواية أبي مصعب الزهري ، تحقيق : د. بشار عواد معروف ومحمود محمد خليل ،مؤسسة الرسالة ، بيروت – لبنان ، 1992م .

الموطأ : مالك بن أنس ( ت 179 ه‍ ) رواية يحيى بن يحيى الليثي الأندلسي، تحقيق: د. بشار عواد معروف ، دار الغرب الإسلامي، بيروت– لبنان ، الطبعة الأولى ، 1996م (كَذَا) .

الموطأ : مالك بن أنس ( ت 179 ه‍ ) رواية ابن زياد ، تحقيق : محمد الشاذلي النيفر دار الغرب الإسلامي ، الطبعة الرابعة ، 1982 م .

الموقظة في علم الحديث : للذهبي ( ت 748 ه‍ ) ، تحقيق : عبد الفتاح أبي غدة ، مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب .

موقف الإمامين البُخَارِيّ ومسلم من اشتراط المعاصرة : خالد مَنْصُوْر عَبْد الله الدريس ، مكتبة الرشد ، السعودية ، الطبعة الأولى ، 1417ه‍– 1997م .

ميزان الأصول : الإمام علاء الدين شمس النظر السمرقندي ، تحقيق : الدكتور عَبْد الملك عَبْد الرَّحْمَان السعدي ، مطبعة الخلود ، الطبعة الأولى ، 1407ه‍ – 1987م . والطبعة الأخرى بتحقيق د. مُحَمَّد زكي ، إصدار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقطر ، الطبعة الثانية ، 1997م .

ميزان الإعتدال في نقد الرجال : للذهبي ( ت 748ه‍ ) ، تحقيق : علي محمد البجاوي ، دار المعرفة ، بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى ، 1382ه‍ – 1963م .

النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة : لابن تغري بردي ( ت 874ه‍ ) ، مطابع كوستاتسوماس – القاهرة .

نخبة الفكر : أحمد بن عَلِيّ بن حجر العسقلاني (ت852ه‍) ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت .

نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر : لابن حجر العسقلاني ( ت852 ه‍ ) ، تعليق : نور الدين عتر ، المكتبة العلمية ، المدينة المنورة .

نزهة النظر شرح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر : لابن حجر العسقلاني ( ت852  ه‍ ) ،  تحقيق: علي حسن الحلبي، دار ابن الجوزي، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1413ه‍-1992م .

نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية : للزيلعي ( ت 762 ه‍) مع حاشية بغية الألمعي في تخريج الزيلعي ، دار إحياء التراث العربي ، بيروت ، لبنان ، الطبعة الثانية، 1393ه‍ – 1973م .

نظم العقيان : لجلال الدين السيوطي (ت911ه‍) ، تحقيق : د. فليب حتي ، المكتبة العلمية ، بيروت – لبنان ، 1927 م .

نظم الفرائد لما تضمنه حديث ذي اليدين من الفوائد : للعلائي ( ت 763 ه‍ ) ، تحقيق : كامل شطيب الراوي ، مطبعة الأمة – بغداد ، 1406ه‍ – 1986م .

النفح الشذي في شرح جامع الترمذي : لابن سيد الناس اليعمري ( ت 734 ه‍ ) ، دراسة وتحقيق : د . أحمد معبد عبد الكريم ، دار العاصمة ، الرياض ، 1409ه‍ .

نكت الزركشي : لمحمد بن جمال الدين الزركشي (ت 794ه‍) ، تحقيق : زين العابدين بن مُحَمَّد بلا فريج ، أضواء السُّنَّة ، الرياض ، الطبعة الأولى ، 1998م .

النكت الظراف على تحفة الأشراف: لابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه‍ ) ، تحقيق: عَبْد الصمد شرف الدين ، مطبوع مَعَ تحفة الأشراف طبعة الهند .

النكت على كتاب ابن الصلاح : لابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه‍ ) ، تحقيق : د. ربيع بن هادي عمير ، دار الراية ، الرياض ، السعودية ، الطبعة الثانية ، 1408ه‍ – 1988 م .

النكت الوفية لما في شرح الألفية : للبقاعي ( ت 885 ه‍ ) ، مخطوط في مكتبة الأوقاف العامة في بغداد تحت رقم ( 1750 ) .

نهاية السول في شرح منهاج الأصول: للإسنوي ( 772 ه‍ ) ، عالم الكتب ، بيروت،1982م .

النهاية في غريب الحديث والأثر : لابن الأثير ( ت 606 ه‍ ) ، تحقيق : طاهر أحمد الزاوي ، ومحمود محمد الطناحي ، المكتبة العلمية ، بيروت – لبنان .

نهاية المحتاج : للشيخ شمس الدين مُحَمَّد بن أبي العباس الرملي ، المكتبة الإسلامية ، طبع دار إحياء التراث العربي ، بيروت – لبنان .

نور الإيضاح : لحسن الوفائي الشربنلالي أبي الأخلاص ، دار الحكمة ، دمشق ، 1985م .

نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار  شرح منتقى الأخبار: للشوكاني (ت 1255ه‍ )، دار الجيل ، بيروت – لبنان .

الهادي: تأليف شيخ الإسلام موفق الدين بن قدامة المقدسي الحنبلي (ت630ه‍) ، دار العباد ، بيروت .

الهداية (فقه حنفي ) : تأليف شيخ الإسلام برهان الدين الرشداني المرغيناني (ت 593ه‍) ، مطبعة الحلبي ، مصر ، الطبعة الأخيرة .

الهداية:للكلوذاني : نسختنا الخطية الخاصة المصورةعن الأصل المحفوظ بمكتبة أوقاف بغداد ،وَقَدْ أنهينا تحقيقه وتنضيده ، نسأل الله أن ييسر طبعه ونشره  .

هدي الساري مقدمة فتح الباري : لابن حجر العسقلاني ( ت 852 ه‍ ) ، تحقيق : عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، دار الفكر ، بيروت .

الوافي بالوفيات : ابن أيبك الصفدي ( ت 764 ه‍ ) ، اعتناء : هلموت ريتر ، دار فراتز شتايز – فيسبادت ، الطبعة الثانية ، 1381ه‍ – 1961م .

الوسيط للغزالي : أبو حامد الغزالي (ت505ه‍) ، تحقيق : الدكتور : عَلِيّ محيي الدين القرداغي ، إدارة الشؤون الإسلامية ، دولة قطر ، الطبعة الأولى ، 1414ه‍ – 1993م .

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان : لابن خلكان ( ت 681 ه‍ )، تحقيق: د. إحسان عباس ، دار صادر – بيروت .

 

 

 

 

فهرس الموضوعات

 

الموضوع  الصفحة

المقدمة

المبحث الأول : الاختلاف لغة واصطلاحاً

المطلب الأول : تعريف الاختلاف لغة

المطلب الثاني : تعريف الاختلاف اصطلاحاً

المبحث الثاني : الفرق بَيْنَ الاضطراب والاختلاف

المبحث الثالث : أنواع الاختلاف

المبحث الرابع : أسباب الاختلاف

المبحث الخامس : مَعْرِفَة الاختلاف ودخوله في علم العلل

المبحث السادس : أهمية مَعْرِفَة الاختلافات في المتون والأسانيد

المبحث السابع : الكشف عن الاختلاف

المبحث الثامن : الاختلاف القادح والاختلاف غَيْر القادح

الفصل الأول : الاختلاف في السند

التمهيد

تعريف الإسناد لغة واصطلاحاً

أهمية الإسناد

المبحث الأول : أثر التدليس في اختلاف الْحَدِيْث

المبحث الثاني : أثر التفرد في اختلاف الْحَدِيْث ، وأثر ذَلِكَ في اختلاف الفقهاء

الفصل الثاني : الاختلاف في الْمَتْن

المبحث الأول : رواية الْحَدِيْث بالمعنى

المبحث الثاني : مخالفة الْحَدِيْث للقرآن الكريم

المبحث الثالث : مخالفة الْحَدِيْث لحديث أقوى مِنْهُ

المبحث الرابع : مخالفة الْحَدِيْث لفتوى راويه أو عمله

المبحث الخامس : مخالفة الْحَدِيْث للقياس

المبحث السادس : مخالفة الْحَدِيْث لعمل أهل المدينة

المبحث السابع : مخالفة الْحَدِيْث للقواعد العامة في الفقه الإسلامي

حكم من أكل أو شرب ناسياً في نهار رَمَضَان

المبحث الثامن : اختلاف الْحَدِيْث بسبب الاختصار

المبحث التاسع : ورود حَدِيْث الآحاد فِيْمَا تعم بِهِ البلوى

نقض الوضوء بمس الذكر

الفصل الثالث : الاختلاف في السند والمتن

التمهيد

المبحث الأول : الاضطراب

المطلب الأول : تعريف المضطرب لغة واصطلاحاً

المطلب الثاني : شرط الاضطراب

حكم استتار المصلي بالخط إذا لم يجد ماينصبه

المطلب الثالث : حكم الحديث المضطرب

المطلب الرابع : أين يقع الاضطراب ؟

القسم الأول : الاضطراب في السند

النوع الأول : تعارض الوصل والإرسال

موضوع سجود السهو

النوع الثاني : تعارض الوقف والرفع

كيفية التطهر من بول الأطفال

حكم قراءة القرآن للجنب

النوع الثالث : تعارض الاتصال والانقطاع

حكم من أفطر في صيام التطوع

النوع الرابع : أن يروي الحديث قوم -مثلاً- عن رجل عن تابعي عن صحابي ، ويرويه غيرهم عن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه

النوع الخامس : زيادة رجل في أحد الأسانيد

مقدار التعزير

حكم الطمأنينة في الركوع والسجود وبين السجدتين ، والاعتدال من الركوع .

النوع السادس : الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين الثقة والضعيف.

إجزاء نصف صاع من البر في صدقة الفطر

القسم الثاني : الاضطراب في المتن

عدد ضربات التيمم

المقدار الواجب مسحه في التيمم

حكم الشك في عدد ركعات الصلاة

المبحث الثاني : الاختلاف في الزيادات

المطلب الأول : تعريفها

المطلب الثاني : أقسام زيادة الثقة

المطلب الثالث : حكم زيادة الثقة

المطلب الرابع : نماذج من زيادة الثقة، وأثرها في اختلاف الفقهاء

حكم دفع صدقة الفطر عن الكافر

حكم رفع اليدين في الصلاة

حكم التسمية في ابتداء الوضوء

هل يشترط لسجود السهو تكبيرة التحريم ؟

اختلاف نية المأموم مع الإمام

حكم بيع الكلب المعلم

كيفية الإقامة

موضع اليدين عند القيام في الصلاة

كيف تصلى نافلة النهار

المبحث الثالث: اختلاف الثقة مع الثقات ، وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء .

أكل المحرم من لحم الصيد

المبحث الرابع : اختلاف الضعيف مع الثقات وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء

حكم صوم المسافر

المبحث الخامس : الإدراج وأثره في اختلاف الفقهاء

المطلب الأول : تعريفه

المطلب الثاني : أنواعه

حكم التشهد والسلام

المطلب الثالث : أسباب وقوع الإدراج

المطلب الرابع : طرق الكشف عن الإدراج

المطلب الخامس : حكم الإدراج

المبحث السادس : الاختلاف بسبب خطأ الراوي

قَوْل الإمام ( آمين ) بعد قراءة الفاتحة

المبحث السابع : المقلوب أثره في اختلاف الفقهاء

المطلب الأول : تعريفه

المطلب الثاني : أنواعه

المطلب الثالث : أسباب القلب

أثر القلب في اختلاف الفقهاء

المبحث الثامن : الاختلاف بسبب التصحيف و التحريف

خلاصة نتائج البحث

ثبت المراجع 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق