Translate ***

الخميس، 3 مايو 2018

7 /17الروض الأنف بُشْرَى فَتْحِ مَكّةَ وَتَعْجِيلُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ الي(وَذَكَرَ خُطْبَةَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَفِيهَا ذِكْرُ الدّيَاتِ وَذِكْرُ قَتِيلِ الْخَطَأِ وَذِكْرُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَتَغْلِيظِ الدّيَةِ فِيهِ وَهِيَ أَنْ يُقْتَلَ الْقَتِيلُ بِسَوْطِ أَوْ عَصًا ، فَيَمُوتَ)



الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْبَى رَدّ أُمّ كُلْثُومٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَاجَرَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْت عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ فِي تِلْكَ الْمُدّةِ فَخَرَجَ أَخَوَاهَا عُمَارَةُ وَالْوَلِيدُ ابْنَا عُقْبَةَ حَتّى قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْأَلَانِهِ أَنْ يَرُدّهَا عَلَيْهِمَا بِالْعَهْدِ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ فِي الْحُدَيْبِيَةِ ، فَلَمْ يَفْعَلْ أَبَى اللّهُ ذَلِكَ .
حَوْلَ آيَةِ الْمُهَاجِرَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ دَخَلْت عَلَيْهِ وَهُوَ يَكْتُبُ كِتَابًا إلَى ابْنِ أَبِي هُنَيْدَةَ ، صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَكَتَبَ إلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ اللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنّ إِلَى الْكُفّارِ لَا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنّ أُجُورَهُنّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } [ ص 63 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاحِدَةُ الْعَصْمِ عِصْمَةٌ وَهِيَ الْحَبْلُ وَالسّبَبُ . قَالَ عَشِيّ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
إلَى الْمَرْءِ قَيْسٍ نُطِيلُ السّرَى ... وَنَأْخُذُ مِنْ كُلّ حَيّ عِصَمْ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } قَالَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ : إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
كَانَ صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ فَلَمّا هَاجَرَ النّسَاءُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ أَبَى اللّهُ أَنْ يُرْدَدْنَ إلَى الْمُشْرِكِينَ إذَا هُنّ اُمْتُحِنّ بِمِحْنَةِ الْإِسْلَامِ فَعُرِفُوا أَنّهُنّ إنّمَا جِئْنَ رَغْبَةً فِي الْإِسْلَامِ وَأَمَرَ بِرَدّ صَدَقَاتِهِنّ إلَيْهِمْ إنْ احْتَبَسْنَ عَنْهُمْ إنْ هُمْ رَدّوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَاقَ مِنْ حَبَسُوا عَنْهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ { ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فَأَمْسَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ وَرَدّ الرّجَالَ وَسَأَلَ الّذِي أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ أَنْ يَسْأَلَ مِنْ صَدَقَاتِ نِسَاءِ مَنْ حَبَسُوا مِنْهُنّ وَأَنْ يَرُدّوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ الّذِي يَرُدّونَ عَلَيْهِمْ إنْ هُمْ فَعَلُوا ، وَلَوْلَا الّذِي حَكَمَ اللّهُ بِهِ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ لَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّسَاءَ كَمَا رَدّ الرّجَالَ وَلَوْلَا الْهُدْنَةُ وَالْعَهْدُ الّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ لَأَمْسَكَ النّسَاءَ وَلَمْ يَرْدُدْ لَهُنّ صَدَاقًا ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَصْنَعُ بِمَنْ جَاءَهُ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ قَبْلَ الْعَهْدِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَأَلْت الزّهْرِيّ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ وَقَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فِيهَا : { وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتّقُوا اللّهَ الّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ } فَقَالَ يَقُولُ إنْ فَاتَ أَحَدًا مِنْكُمْ أَهْلُهُ إلَى الْكُفّارِ وَلَمْ تَأْتِكُمْ امْرَأَةٌ تَأْخُذُونَ بِهَا مِثْلَ الّذِي يَأْخُذُونَ مَعَكُمْ فَعَرَضُوهُمْ فِي فَيْءٍ إنْ أَصَبْتُمُوهُ فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ } . . . إلَى قَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } كَانَ مِمّنْ طَلّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، طَلّقَ امْرَأَتَهُ [ ص 64 ] قُرَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَتَزَوّجَهَا بَعْدَهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا بِمَكّةَ وَأُمّ كُلْثُومٍ بِنْتَ جَرْوَلَ أُمّ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ الْخُزَاعِيّةَ فَتَزَوّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ ، رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ وَهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا .
بُشْرَى فَتْحِ مَكّةَ وَتَعْجِيلُ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ بَعْضَ مَنْ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ : أَلَمْ تَقُلْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّك تَدْخُلُ مَكّةَ آمِنًا ؟ قَالَ " بَلَى ، أَفَقُلْت لَكُمْ مِنْ عَامِي هَذَا ؟ " قَالُوا : لَا ، قَالَ فَهُوَ كَمَا قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ
Sمِنْ مَوَاقِفِ عُمَرَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ
فَصْلٌ
[ ص 61 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَمْ تَعِدْنَا أَنّا تَأْتِي الْبَيْتَ وَنَطُوفُ بِهِ ؟ فَقَالَ " نَعَمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . كَانَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ أُرِيَ ذَلِكَ فِي مَنَامِهِ وَرُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤْيَا بِالْحَقّ } [ الْفَتْحُ 27 ] الْآيَةُ وَيُسْأَلُ عَنْ قَوْلِهِ { إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ } مَا فَائِدَةُ هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ وَهُوَ خَبَرٌ وَاجِبٌ ؟ وَفِي الْجَوَابِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا : أَنّهُ رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ آمِنِينَ لَا إلَى نَفْسِ الدّخُولِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنّ الْوَعْدَ بِالْأَمَانِ قَدْ انْدَرَجَ فِي الْوَعْدِ بِالدّخُولِ . الثّانِي : أَنّهُ وَعْدٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى التّفْصِيلِ إذْ لَا يَدْرِي كُلّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ هَلْ يَعِيشُ إلَى ذَلِكَ أَمْ لَا ، فَرَجَعَ الشّكّ إلَى هَذَا الْمَعْنَى ، لَا إلَى الْأَمْرِ الْمَوْعُودِ بِهِ وَقَدْ قِيلَ إنّمَا هُوَ تَعْلِيمٌ لِلْعِبَادِ أَنْ يَقُولُوا هَذِهِ الْكَلِمَةَ ويستعملونها فِي كُلّ فِعْلٍ مُسْتَقْبَلٍ أَعْنِي : إنْ شَاءَ اللّهُ .
بَيْعَةُ الشّجَرَةِ وَأَوّلُ مَنْ بَايَعَ
فَصْلٌ
[ ص 62 ] وَذَكَرَ بَيْعَةَ الشّجَرَةِ ، وَسَبَبَهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَوّلَ مَنْ بَايَعَ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ أَنّ أَوّلَ مَنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرّضْوَانِ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ الْأَسَدِيّ . وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ : أَوّلُ مَنْ بَايَعَ أَبُو سِنَانٍ وَاسْمُهُ وَهْبُ بْنُ مِحْصَنٍ أَخُو عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْأَسَدِيّ ، وَقَالَ الْوَاقِدِيّ : كَانَ أَبُو سِنَانٍ أَسَنّ مِنْ أَخِيهِ عُكّاشَةَ بِعَشْرِ سِنِينَ شَهِدَ بَدْرًا ، وَتُوُفّيَ يَوْمَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَيُرْوَى أَنّهُ حِينَ قَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُبْسُطْ يَدَك أُبَايِعْك ، قَالَ عَلَامَ تُبَايِعُنِي ؟ قَالَ عَلَى مَا فِي نَفْسِك يَا رَسُولَ اللّهِ وَأَمّا سِنَانٌ ابْنُهُ فَهُوَ أَيْضًا بَدْرِيّ ، مَاتَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ وَأَمّا مُبَايَعَتُهُمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ الشّجَرَةِ ، وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ جَابِرٍ وَأَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ فِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ فَبَايَعُوهُ فِي قَوْلِ جَابِرٍ عَلَى أَنْ لَا يَفِرّوا . قَالَ وَلَمْ يُبَايِعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ . وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ : بَايَعَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ التّرْمِذِيّ : وَكِلَا الْحَدِيثِينَ صَحِيحٌ لِأَنّ بَعْضَهُمْ بَايَعَ عَلَى أَنْ لَا يَفِرّوا ، وَلَمْ يَذْكُرُوا الْمَوْتَ وَبَعْضَهُمْ قَالَ أُبَايِعُك عَلَى الْمَوْتِ .
مَا قَالَهُ أَبُو جَنْدَلٍ
فَصْلٌ
[ ص 63 ] قَالَهُ أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلٍ أَيّامَ كَوْنِهِ مَعَ أَبِي بَصِيرٍ بِسَيْفِ الْبَحْرِ [ ص 64 ]
أَبْلِغْ قُرَيْشًا عَنْ أَبِي جَنْدَلٍ ... أَنّا بِذِي الْمَرْوَةِ فَالسّاحِلِ
فِي مَعْشَرٍ تَخْفُقُ أَيْمَانُهُمْ ... بِالْبِيضِ فِيهَا وَالْقَنَا الذّابِلِ
يَأْبَوْنَ أَنْ تَبْقَى لَهُمْ رُفْقَةٌ ... مِنْ بَعْدِ إسْلَامِهِمْ الْوَاصِلِ
أَوْ يَجْعَلُ اللّهُ لَهُمْ مَخْرَجًا ... وَالْحَقّ لَا يُغْلَبُ بِالْبَاطِلِ
فَيَسْلَمُ الْمَرْءُ بِإِسْلَامِهِ ... أَوْ يُقْتَلُ الْمَرْءُ وَلَمْ يَأْتَلِ
ذِكْرُ الْمَسِيرِ إلَى خَيْبَرَ فِي الْمُحَرّمِ سَنَةَ سَبْعٍ
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
[ ص 65 ] قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْمَدِينَةِ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ، ذَا الْحِجّةِ وَبَعْضَ الْمُحَرّمِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ ثُمّ خَرَجَ فِي بَقِيّةِ الْمُحَرّمِ إلَى خَيْبَرَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ نُمَيْلَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِيّ ، وَدَفَعَ الرّايَةَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَكَانَتْ بَيْضَاءَ .
Sغَزْوَةُ خَيْبَرَ
[ ص 65 ] ذَكَرَ الْبَكْرِيّ أَنّ أَرْضَ خَيْبَرَ سُمّيَتْ بِاسْمِ رَجُلٍ مِنْ الْعَمَالِيقِ . نَزَلَهَا وَهُوَ خَيْبَرُ بْنُ قَانِيَةَ بْنِ مَهْلَايِلَ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْوَطِيحِ ، وَهُوَ مِنْ حُصُونِهَا أَنّهُ سُمّيَ بِالْوَطِيحِ بْنِ مَازِنٍ رَجُلٌ مِنْ ثَمُودَ وَلَفْظُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْوَطْحِ وَهُوَ مَا تَعَلّقَ بِالْأَظَافِرِ وَمَخَالِبِ الطّيْرِ مِنْ الطّينِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ بْنِ نَصْرِ بْنِ دَهْرٍ الْأَسْلَمِيّ أَنّ أَبَاهُ حَدّثَهُ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَقُولُ فِي مَسِيرِهِ إلَى [ ص 66 ] خَيْبَرَ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ وَهُوَ عَمّ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ ، وَكَانَ اسْمُ الْأَكْوَعِ سِنَانٌ انْزِلْ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ فَخُذْ لَنَا مِنْ هَنَاتِك، قَالَ فَنَزَلَ يَرْتَجِزُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
وَاَللّهِ لَوْلَا اللّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلَا تَصَدّقْنَا وَلَا صَلّيْنَا
إنّا إذَا قَوْمٌ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا
[ ص 67 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْحَمُك اللّهُ ؛ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ : وَجَبَتْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ أَمْتَعْتنَا بِهِ فَقُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ شَهِيدًا ، وَكَانَ قَتْلُهُ فِيمَا بَلَغَنِي ، أَنّ سَيْفَهُ رَجَعَ عَلَيْهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ فَكَلَمَهُ كَلْمًا شَدِيدًا ، فَمَاتَ مِنْهُ فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ شَكّوا فِيهِ وَقَالُوا : إنّمَا قَتَلَهُ سِلَاحُهُ حَتّى سَأَلَ ابْنُ أَخِيهِ سَلَمَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ النّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهُ لَشَهِيدٌ وَصَلّى عَلَيْهِ فَصَلّى عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ .
Sشَرْحُ هَنَةٍ وَالْحُدَاءِ
[ ص 66 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ خُذْ لَنَا مِنْ هَنَاتِك . الْهَنَةُ كِنَايَةٌ عَنْ كُلّ شَيْءٍ لَا تَعْرِفُ اسْمَهُ أَوْ تَعْرِفُهُ فَتُكَنّي عَنْهُ وَأَصْلُ الْهَنَةِ هَنْهَةٌ وَهَنْوَةٌ . قَالَ الشّاعِرُ
[ أَرَى ابْنَ نَزَارٍ قَدْ جَفَانِي وَقَلّنِي ] ... عَلَى هَنَوَاتٍ شَأْنُهَا مُتَتَابِعُ
وَفِي الْبُخَارِيّ : أَنّ رَجُلًا قَالَ لِابْنِ الْأَكْوَعِ أَلَا تَنْزِلُ فَتُسْمِعَنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ صَغّرَهُ بِالْهَاءِ وَلَوْ صَغّرَهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ قَالَ هَنَوَاتٍ لَقَالَ هُنَيّاتِك ، وَإِنّمَا أَرَادَ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ يَحْدُوَ بِهِمْ وَالْإِبِلُ تُسْتَحَثّ بِالْحِدَاءِ وَلَا يَكُونُ الْحِدَاءُ إلّا بِشِعْرِ أَوْ رَجَزٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَوّلَ مَنْ سَنّ حُدَاءَ الْإِبِلِ وَهُوَ مُضَرُ بْنُ نَزَارٍ ، وَالرّجَزُ شِعْرٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَرِيضًا ، وَقَدْ قِيلَ لَيْسَ بِشِعْرِ وَإِنّمَا هِيَ أَشْطَارُ أَبْيَاتٍ وَإِنّمَا الرّجَزُ الّذِي هُوَ شِعْرٌ سُدَاسِيّ الْأَجْزَاءِ نَحْوَ مَقْصُورَةِ ابْنِ دُرَيْدٍ أَوْ رُبَاعِيّ الْأَجْزَاءِ نَحْوَ قَوْلِ الشّاعِرِ
يَا مُرّ يَا خَيْرَ أَخ ... نَازَعْت دَرّ الْحَلْمَةِ
وَاحْتَجّ مَنْ قَالَ فِي مَشْطُورِ الرّجَزِ أَنّهُ لَيْسَ بِشِعْرِ أَنّهُ قَدْ جَرَى عَلَى لِسَانِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَ لَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ الشّعْرُ وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ أَنْشَدَ هَذَا الرّجَزَ الّذِي قَالَهُ ابْنُ الْأَكْوَعِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ أَيْضًا إمّا مُتَمَثّلًا وَإِمّا مُنْشِئًا :
هَلْ أَنْتَ إلّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ ... وَفِي سَبِيلِ اللّهِ مَا لَقِيت
وَفِي هَذَا الرّجَزِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مِمّا وَقَعَ فِي الْبُخَارِيّ وَغَيْرِهِ فَاغْفِرْ فِدَاءً لَك مَا أَبْقَيْنَا
[ ص 67 ] تَتَبّعْنَا مِنْ الْخَطَايَا ، مِنْ قَفَوْت الْأَثَرَ وَاقْتَفَيْته . وَفِي التّنْزِيلِ { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الْإِسْرَاءُ 36 ] ، وَأَمّا قَوْلُهُ مَا أَبْقَيْنَا ، أَيْ مَا خَلّفْنَا مِمّا اكْتَسَبْنَا ، أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ مَا أَبْقَيْنَا مِنْ الذّنُوبِ فَلَمْ نُحَقّقْ التّوْبَةَ مِنْهُ كَمَا يَنْبَغِي . وَقَوْلُهُ فِدَاءً لَك قَدْ قِيلَ إنّ الْخِطَابَ لِلنّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَيْ اغْفِرْ لَنَا تَقْصِيرَنَا فِي حَقّك وَطَاعَتِك ، إذْ لَا يُتَصَوّرُ أَنْ يُقَالَ لِلّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ وَذَلِكَ أَنّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ فِدَاءً لَك أَيْ فِدَاءً لَك أَنْفُسُنَا وَأَهْلُونَا ، وَحُذِفَ الِاسْمُ الْمُبْتَدَأُ لِكَثْرَةِ دَوْرِهِ فِي الْكَلَامِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ وَإِنّمَا يَفْدِي الْإِنْسَانُ بِنَفْسِهِ مَنْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ .
اسْتِعْمَالُ الْكَلِمَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا
وَأَقْرَبُ مَا قِيلَ فِيهِ مِنْ الْأَقْوَالِ إلَى الصّوَابِ أَنّهَا كَلِمَةٌ يُتَرْجَمُ بِهَا عَنْ مَحَبّةٍ وَتَعْظِيمٍ فَجَازَ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا مَنْ لَا يَجُوزُ فِي حَقّهِ الْفِدَاءُ وَلَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ قَصْدًا لِإِظْهَارِ الْمَحَبّةِ وَالتّعْظِيمِ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَصْلُ الْكَلِمَةِ مَا ذَكَرْنَا ، فَرُبّ كَلِمَةٍ تُرِكَ أَصْلُهَا ، وَاسْتُعْمِلَتْ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ أَوّلَ كَمَا جَاءُوا بِلَفْظِ الْقَسَمِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقَسَمِ إذَا أَرَادُوا تَعَجّبًا وَاسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيّ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إنْ صَدَقَ وَمُحَالٌ أَنْ يَقْصِدَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَسَمَ بِغَيْرِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، لَا سِيّمَا بِرَجُلِ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ وَإِنّمَا هُوَ تَعَجّبٌ مِنْ قَوْلِ الْأَعْرَابِيّ وَالْمُتَعَجّبُ مِنْهُ هُوَ مُسْتَعْظَمٌ وَلَفْظُ الْقَسَمِ فِي أَصْلِ وَضْعِهِ لِمَا يُعَظّمُ فَاتّسَعَ فِي اللّفْظِ حَتّى قِيلَ عَلَى الْوَجْهِ . وَقَالَ الشّاعِرُ
فَإِنْ تَكُ لَيْلَى اسْتَوْدَعَتْنِي أَمَانَةً ... فَلَا وَأَبِي أَعْدَائِهَا لَا أَخُونُهَا
[ ص 68 ] بِأَبِي أَعْدَائِهَا ، وَلَكِنّهُ ضَرْبٌ مِنْ التّعَجّبِ وَقَدْ ذَهَبَ أَكْثَرُ شُرّاحِ الْحَدِيثِ إلَى النّسْخِ فِي قَوْله : أَفْلَحَ وَأَبِيهِ قَالُوا : نَسَخَهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَهَذَا قَوْلٌ لَا يَصِحّ ، لِأَنّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ يَحْلِفُ قَبْلَ النّسْخِ بِغَيْرِ اللّهِ وَيُقْسِمُ بِقَوْمِ كُفّارٍ وَمَا أَبْعَدَ هَذَا مِنْ شِيمَتِهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تَاللّهِ مَا فَعَلَ هَذَا قَطّ ، وَلَا كَانَ لَهُ بِخُلُقِ . وَقَالَ قَوْمٌ رِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ مُصَحّفَةٌ وَإِنّمَا هُوَ أَفْلَحَ وَاَللّهِ إنْ صَدَقَ . وَهَذَا أَيْضًا مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَاعْتِرَاضٌ عَلَى الْأَثْبَاتِ الْعُدُولِ فِيمَا حَفِظُوا ، وَقَدْ خَرّجَ مُسْلِمٌ فِي كِتَابِ الزّكَاةِ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِرَجُلِ سَأَلَهُ أَيّ الصّدَقَةِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ وَأَبِيك لَأُنْبِئك أَوْ قَالَ لَأُخْبِرَنّكَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَخَرّجَ فِي كِتَابِ الْبِرّ وَالصّلَةِ قَوْلَهُ لِرَجُلِ سَأَلَهُ مَنْ أَحَقّ النّاسِ بِأَنْ أَبَرّهُ أَوْ قَالَ أَصْلُهُ ؟ فَقَالَ وَأَبِيك لَأُنْبِئكَ صِلْ أُمّك ، ثُمّ أَبَاك ثُمّ أَدْنَاك فَأَدْنَاك فَقَالَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كَمَا تَرَى وَأَبِيك ، فَلَمْ يَأْتِ إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ إذًا فِي رِوَايَتِهِ بِشَيْءِ إمْرٍ وَلَا بِقَوْلِ بِدْعٍ وَقَدْ حَمَلَ عَلَيْهِ فِي رِوَايَتِهِ رَجُلٌ مِنْ عُلَمَاءِ بِلَادِنَا وَعُظَمَاءِ مُحَدّثِيهَا ، وَغَفَلَ - عَفَا اللّهُ عَنْهُ - عَنْ الْحَدِيثَيْنِ اللّذَيْنِ تَقَدّمَ ذِكْرُهُمَا ، وَقَدْ خَرّجَهُمَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجّاجِ . وَفِي تَرَاجِمِ أَبِي دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي مُصَنّفِهِ مَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ كَانَ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالنّسْخِ وَأَنّ الْقَسَمَ بِالْآبَاءِ كَانَ جَائِزًا ، وَاَلّذِي ذَكَرْنَاهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْحَلِفِ بِالْآبَاءِ كَمَا قَدّمْنَا ، وَلَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ وَأَبِي ، وَإِنّمَا قَالَ وَأَبِيهِ أَوْ وَأَبِيك بِالْإِضَافَةِ إلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ أَوْ الْغَائِبِ وَبِهَذَا الشّرْطِ يَخْرُجُ عَنْ مَعْنَى الْحَلِفِ إلَى مَعْنَى التّعَجّبِ الّذِي ذَكَرْنَاهُ .
[ ص 68 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُعَتّبِ بْنِ عَمْرٍو : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ " قِفُوا " ، ثُمّ قَالَ اللّهُمّ رَبّ السّمَوَاتِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبّ الْأَرَضِينَ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبّ الشّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبّ الرّيَاحِ وَمَا أَذْرَيْنَ فَإِنّا نَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا ، وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرّهَا وَشَرّ أَهْلِهَا وَشَرّ مَا فِيهَا ، أَقَدِمُوا بِسْمِ اللّهِ . قَالَ وَكَانَ يَقُولُهَا عَلَيْهِ السّلَامُ لِكُلّ قَرْيَةٍ دَخَلَهَا . [ ص 69 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا غَزَا قَوْمًا لَمْ يُغِرْ عَلَيْهِمْ حَتّى يُصْبِحَ فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا أَمْسَكَ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ . فَنَزَلْنَا خَيْبَرَ لَيْلًا ، فَبَاتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا أَصْبَحَ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا ، فَرَكِبَ وَرَكِبْنَا مَعَهُ فَرَكِبْت خَلْفَ أَبِي طَلْحَةَ وَإِنّ قَدَمِي لَتَمَسّ قَدَمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَقْبَلَنَا عُمّالُ خَيْبَرَ غَادِينَ قَدْ خَرَجُوا بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْجَيْشَ قَالُوا : مُحَمّدٌ وَالْخَمِيسُ مَعَهُ فَأَدْبَرُوا هِرَابًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ ، إنّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنَا هَارُونُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ بِمِثْلِهِ . [ ص 70 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى خَيْبَرَ سَلَكَ عَلَى عِصْرٍ فَبُنِيَ لَهُ فِيهَا مَسْجِدٌ ثُمّ عَلَى الصّبْهَاءِ ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَيْشِهِ حَتّى نَزَلَ بِوَادٍ يُقَالُ لَهُ الرّجِيعُ ، فَنَزَلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَطَفَانَ ، لِيَحُولَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَنْ يَمُدّوا أَهْلَ خَيْبَرَ ، وَكَانُوا لَهُمْ مُظَاهِرِينَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَبَلَغَنِي أَنّ غَطَفَانَ لَمّا سَمِعَتْ بِمَنْزِلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ جَمَعُوا لَهُ ثُمّ خَرَجُوا لِيُظَاهِرُوا يَهُودَ عَلَيْهِ حَتّى إذَا سَارُوا مَنْقَلَةً سَمِعُوا خَلْفَهُمْ فِي أَمْوَالِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ حِسّا ظَنّوا أَنّ الْقَوْمَ قَدْ خَالَفُوا إلَيْهِمْ فَرَجَعُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَأَقَامُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَخَلّوْا بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ خَيْبَرَ . وَتَدَنّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَمْوَالَ يَأْخُذُهَا مَالًا مَالًا ، وَيَفْتَتِحُهَا حِصْنًا حِصْنًا ، فَكَانَ أَوّلُ حُصُونِهِمْ اُفْتُتِحَ حِصْنَ نَاعِمٍ ، وَعِنْدَهُ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ مِنْهُ رَحًا فَقَتَلَتْهُ ثُمّ الْقَمُوصِ ، حِصْنِ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ سَبَايَا ، مِنْهُنّ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، وَكَانَتْ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَبِنْتَيْ عَمّ لَهَا ، فَاصْطَفَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ لِنَفْسِهِ . وَكَانَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ قَدْ سَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ فَلَمّا أَصْفَاهَا لِنَفْسِهِ أَعْطَاهُ ابْنَتَيْ عَمّهَا ، وَفَشَتْ السّبَايَا مِنْ خَيْبَرَ فِي الْمُسْلِمِينَ .Sالْإِسْنَادُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ أَشْرَفَ عَلَى خَيْبَرَ ، وَقَالَ فِي إسْنَادِهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ [ أَبِي ] مَرْوَانَ وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ لِأَنّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ مَعْرُوفٌ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ يُكَنّى أَبَا مُصْعَبٍ قَالَهُ الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ وَبَعْضُ مَنْ [ ص 69 ] السّيرَةَ يَقُولُ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ مَرْوَانَ الْأَسْلَمِيّ وَالصّحِيحُ مَا قَدّمْنَاهُ .
الْمَكَاتِلُ
فَصْلٌ وَذَكَرَ حَدِيثَ أَنَسٍ حِينَ اسْتَقْبَلَتْهُمْ عُمّالُ خَيْبَرَ بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ الْمَكَاتِلُ جَمْعُ مِكْتَلٍ وَهِيَ الْقُفّةُ الْعَظِيمَةُ سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِتَكَتّلِ الشّيْءِ فِيهَا ، وَهُوَ تَلَاصُقُ بَعْضِهِ بِبَعْضِ وَالْكُتْلَةُ وَمِنْ التّمْرِ وَنَحْوِهِ فَصِيحَةٌ وَإِنْ ابْتَذَلَتْهَا الْعَامّةُ .
خَرِبَتْ خَيْبَرُ
وَقَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَآهُمْ اللّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ . فِيهِ إبَاحَةُ التّفَاؤُلِ وَقُوّةٌ لِمَنْ اسْتَجَازَ الرّجَزَ وَقَدْ قَدّمْنَا فِي ذَلِكَ قَوْلًا مُقْنِعًا ، وَذَلِكَ أَنّهُ رَأَى الْمَسَاحِيّ وَالْمَكَاتِلَ وَهِيَ مِنْ آلَةِ الْهَدْمِ ، وَالْحَفْرِ مَعَ أَنّ لَفْظَ الْمِسْحَاةِ مِنْ سَحَوْت الْأَرْضَ إذَا قَشّرْتهَا ، فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى خَرَابِ الْبَلْدَةِ الّتِي أَشْرَفَ عَلَيْهَا ، وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ قَالَ حِينَ ذَكَرَ الْمَسَاحِيّ كَانُوا يُؤْتُونَ الْمَاءَ إلَى زَرْعِهِمْ مَعْنَاهُ يَسُوقُونَ . وَالْأَتِيّ هِيَ الصّافِيَةُ .
الْخَمِيسُ
وَقَوْلُ الْيَهُودِ : مُحَمّدٌ وَالْخَمِيسُ سُمّيَ الْجَيْشُ الْعَظِيمُ خَمِيسًا ، لِأَنّ لَهُ سَاقَةً وَمُقَدّمَةً وَجَنَاحَيْنِ وَقَلْبًا ، لَا مِنْ أَجْلِ تَخْمِيسِ الْغَنِيمَةِ فَإِنّ الْخُمُسَ مِنْ سُنّةِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ كَانَ الْجَيْشُ يُسَمّى خَمِيسًا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الشّاهِدَ عَلَى ذَلِكَ فِيمَا تَقَدّمَ . [ ص 70 ]
تَدَنّي الْحُصُونِ
وَقَوْلُهُ يَتَدَنّى الْحُصُونَ أَيْ يَأْخُذُ الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى .
مَا نَهَى عَنْهُ الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي خَيْبَرَ
وَأَكَلَ الْمُسْلِمُونَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ مِنْ حُمُرِهَا ، فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَهَى النّاسَ عَنْ أُمُورٍ سَمّاهَا لَهُمْ . [ ص 71 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ ضَمْرَةَ الْفَزَارِيّ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَلِيطٍ عَنْ أَبِيهِ . قَالَ أَتَانَا نَهْيُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ وَالْقُدُورُ تَفُورُ بِهَا ، فَكَفَأْنَاهَا عَلَى وُجُوهِهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مَكْحُولٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَاهُمْ يَوْمَئِذٍ عَنْ أَرْبَعٍ عَنْ إتْيَانِ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا ، وَعَنْ أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيّ وَعَنْ أَكْلِ كُلّ ذِي نَابٍ مِنْ السّبَاعِ وَعَنْ بَيْعِ الْمَغَانِمِ حَتّى تُقَسّمَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَلَامُ بْنُ كِرْكِرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ وَلَمْ يَشْهَدْ جَابِرٌ خَيْبَرَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ نَهَى النّاسَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ أَذِنَ لَهُمْ فِي أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ . [ ص 72 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ مَوْلَى تُجِيبَ ، عَنْ حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ قَالَ غَزَوْنَا مَعَ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ الْمَغْرِبَ فَافْتَتَحَ قَرْيَةً مِنْ قُرَى الْمَغْرِبِ يُقَالُ لَهَا : جَرْبَةُ فَقَامَ فِينَا خَطِيبًا ، فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ إنّي لَا أَقُولُ فِيكُمْ إلّا مَا سَمِعْت مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَقُولُهُ فِينَا يَوْمَ خَيْبَرَ ، قَامَ فِينَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا ، وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَةً مِنْ السّبْيِ حَتّى يَسْتَبْرِئَهَا ، وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتّى يُقْسَمَ وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَرْكَبَ دَابّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى إذَا أَعْجَفَهَا رَدّهَا فِيهِ وَلَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَلْبَسَ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدّهُ فِيهِ [ ص 73 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنّهُ حَدّثَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَنْ نَبِيعَ أَوْ نَبْتَاعَ تِبْرَ الذّهَبِ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ وَتِبْرَ الْفِضّةِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ وَقَالَ ابْتَاعُوا تِبْرَ الذّهَبِ بِالْوَرِقِ الْعَيْنِ ، وَتِبْرَ الْفِضّةِ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَدَنّى الْحُصُونَ وَالْأَمْوَالَ .
Sحُكْمُ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَالْخَيْلِ
وَذِكْرُ نَهْيِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَنّهُ نَهَى عَلَيْهِ السّلَامُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَأَرْخَصَ لَهُمْ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ أَمّا الْحُمُرُ الْأَهْلِيّةُ فَمُجْتَمَعٌ عَلَى تَحْرِيمِهَا إلّا شَيْئًا يُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وَعَائِشَةَ وَطَائِفَةٍ مِنْ التّابِعِينَ . [ ص 71 ] أَبَاحَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيّ مُحَرّمًا عَلَى طَاعِمٍ } [ الْأَنْعَامُ 145 ] الْآيَةُ وَهِيَ مَكّيّةٌ وَحَدِيثُ النّهْيِ عَنْ الْحُمُرِ كَانَ بِخَيْبَرِ فَهُوَ الْمُبَيّنُ لِلْآيَةِ وَالنّاسِخُ لِلْإِبَاحَةِ وَمِنْ حُجّتِهِمْ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَجُلِ اسْتَفْتَاهُ فِي أَكْلِ الْحِمَارِ الْأَهْلِيّ يُقَالُ فِي اسْمِهِ غَالِبُ بْنُ أَبْحَرَ الْمُزَنِيّ : أَطْعِمْ أَهْلَك مِنْ سَمِينِ مَالِك وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ حَدِيثُ النّهْيِ مَعَ أَنّهُ مُحْتَمِلٌ لِتَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ الرّجُلُ مِمّنْ أَصَابَتْهُ مَسْغَبَةٌ شَدِيدَةٌ فَأُرْخِصَ لَهُ فِيهِ أَوْ يَكُونَ ذَلِكَ مَنْسُوخًا بِالتّحْرِيمِ عَلَى أَنّ بَعْضَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ زَادَ فِيهِ بَيَانًا ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلرّجُلِ إنّمَا نُهِيت عَنْ حَوَالِي الْقَرْيَةِ أَوْ جَوّالِي الْقَرْيَةِ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي الرّوَايَةِ وَأَمّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي إبَاحَةِ الْخَيْلِ فَصَحِيحٌ وَيُعَضّدُهُ حَدِيثُ أَسْمَاءَ أَنّهَا قَالَتْ ضَحّيْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِفَرَسِ وَقَالَ بِإِبَاحَةِ لُحُومِ الْخَيْلِ الشّافِعِيّ وَاللّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَذَهَبَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيّ إلَى كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ نَهَى عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَالْبِغَالِ وَالْخَيْلِ وَقَدْ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَحَدِيثُ الْإِبَاحَةِ أَصَحّ غَيْرَ أَنّ مَالِكًا رَحِمَهُ اللّهُ نَزَعَ بِآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللّهِ وَهِيَ أَنّ اللّهَ جَلّ ذِكْرُهُ ذَكَرَ الْأَنْعَامَ فَقَالَ { وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } ثُمّ ذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَقَالَ { لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } هَذَا انْتِزَاعٌ حَسَنٌ . وَوَجْهُ الدّلِيلِ مِنْ الْآيَةِ أَنّهُ قَالَ { وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ } [ النّحْلُ 5 ] فَذَكَرَ الدّفْءَ وَالْمَنَافِعَ وَالْأَكْلَ ثُمّ أَفْرَدَ [ ص 72 ] بِلَامِ الْعِلّةِ وَالنّسَبِ فَقَالَ { لِتَرْكَبُوهَا } أَيْ لِهَذَا سَخّرْتهَا لَكُمْ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدّى مَا سُخّرَتْ لَهُ وَأَمّا نَهْيُهُ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْجَلّالَةِ وَعَنْ رُكُوبِهَا ، فَهِيَ الّتِي تَأْكُلُ الْجَلّةَ وَهُوَ الرّوْثُ وَالْبَعْرُ وَفِي السّنَنِ لِلدّارَقُطْنِيّ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ نَهَى عَنْ أَكْلِ الْجَلّالَةِ حَتّى تُعْلَفَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهَذَا نَحْوٌ مِمّا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ كَانَ لَا يَأْكُلُ الدّجَاجَ الْمُخَلّاةَ حَتّى تُقْصَرَ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ . ذَكَرَهُ الْهَرَوِيّ .
الْوَرِقُ
وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ نَهْيَهُ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ عَنْ بَيْعِ الْفِضّةِ بِالْفِضّةِ وَإِبَاحَةِ بَيْعِ الذّهَبِ بِالْوَرِقِ فَدَلّ عَلَى أَنّ الْوَرِقَ وَالْفِضّةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَقَدْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ فَقَالَ الرّقَةُ وَالْوَرِقُ مَا كَانَ سِكّةً مَضْرُوبَةً فَإِنْ كَانَ حُلِيّا أَوْ حُلِيّةً ، أَوْ نُقَرًا لَمْ يُسَمّ وَرِقًا ، يُرِيدُ بِهَذِهِ التّفْرِقَةِ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي حُلِيّ الْفِضّةِ وَالذّهَبِ لِأَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ ذَكَرَ الزّكَاةَ قَالَ فِي الرّقَةِ الْخُمْسُ وَحِينَ ذَكَرَ الرّبَا قَالَ الْفِضّةُ بِالْفِضّةِ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَفِي أَحَادِيثَ سِوَاهُ قَدْ تَتَبّعْتهَا مَا يَدُلّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ مِنْهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي صِفَةِ الْحَوْضِ يَصُبّ فِيهِ مِيزَابَانِ مِنْ [ ص 73 ] وَفِي حَدِيثِ عَرْفَجَةَ حِينَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ قَالَ فَاِتّخَذْت أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ الْحَدِيثُ فِي شَوَاهِدَ كَثِيرَةٍ تَدُلّ عَلَى أَنّ الْفِضّةَ تُسَمّى وَرِقًا عَلَى أَيّ حَالٍ كَانَتْ . وَقَوْلُهُ بِالذّهَبِ الْعَيْنِ وَالْوَرِقِ الْعَيْنِ يُرِيدُ النّقْدَ لِأَنّ الْغَائِبَ تُسَمّى ضِمَارًا ، كَمَا قَالَ وَعَيْنُهُ كَالْكَالِئِ الضّمَارِ وَسُمّيَ الْحَاضِرُ عَيْنًا لِمَوْضِعِ الْمُعَايَنَةِ فَالْعَيْنُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ عِنْته أَعِينُهُ إذَا أَبْصَرْته بِعَيْنِك ، وَسُمّيَ الْمَفْعُولُ بِالْمَصْدَرِ وَنَحْوٌ مِنْهُ الصّيْدُ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ [ ص 74 ] أَصِيدُ وَقَدْ جَاءَ فِي التّنْزِيلِ { لَا تَقْتُلُوا الصّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } الْمَائِدَةُ 95 ] فَسَمّاهُ بِالْمَصْدَرِ وَلَعَلّك أَنْ تَلْحَظَ مِنْ هَذَا الْمَطْلَعِ مَعْنَى الْعَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } [ طَه : 39 ] فَقَدْ أَمْلَيْنَا فِيهَا ، وَفِي مَسْأَلَةِ الْيَدِ مَسْأَلَتَيْنِ لَا يُعْدَلُ بِقِيمَتِهِمَا الدّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا .
مَتَى حُرّمَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ ؟
[ ص 75 ] أَكْلِ الْحُمُرِ تَنْبِيهٌ عَلَى إشْكَالٍ فِي رِوَايَةُ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، فَإِنّهُ قَالَ فِيهَا : نَهَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَهَذَا شَيْءٌ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السّيَرِ وَرُوَاةِ الْأَثَرِ أَنّ الْمُتْعَةَ حُرّمَتْ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدٍ فَقَالَ فِيهِ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَهَى عَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ عَامَ خَيْبَرَ ، وَعَنْ الْمُتْعَةِ فَمَعْنَاهُ عَلَى هَذَا اللّفْظِ وَنَهَى عَنْ الْمُتْعَةِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهُوَ إذًا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَقَعَ فِي لَفْظِ ابْنِ شِهَابٍ ، لَا فِي لَفْظِ مَالِكٍ لِأَنّ مَالِكًا قَدْ وَافَقَهُ عَلَى لَفْظِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ رُوَاةِ ابْنِ شِهَابٍ ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ فَأَغْرَبُ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ إنّ ذَلِكَ كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، ثُمّ رِوَايَةُ الْحَسَنِ أَنّ ذَلِكَ كَانَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ وَالْمَشْهُورُ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ رِوَايَةُ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ ذَلِكَ كَانَ عَامَ الْفَتْحِ . وَقَدْ خَرّجَ مُسْلِمٌ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا حَدِيثٌ آخَرُ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ أَنّ تَحْرِيمَ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ كَانَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ ، وَمَنْ قَالَ مِنْ الرّوَاةِ كَانَ فِي غَزْوَةِ أَوْطَاسٍ ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَنْ قَالَ عَامَ الْفَتْحِ فَتَأَمّلْهُ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ .
شَأْنُ بَنِي سَهْمٍ
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حَدّثَهُ بَعْضُ أَسْلَمَ : أَنّ بَنِي سَهْمٍ مِنْ أَسْلَمَ أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ جُهِدْنَا وَمَا بِأَيْدِينَا مِنْ شَيْءٍ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْئًا يُعْطِيهِمْ إيّاهُ فَقَالَ اللّهُمّ إنّك قَدْ عَرَفْت حَالَهُمْ وَأَنْ لَيْسَتْ بِهِمْ قُوّةٌ وَأَنْ لَيْسَ بِيَدِي شَيْءٌ أُعْطِيهِمْ إيّاهُ فَافْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُصُونِهَا عَنْهُمْ غِنَاءً وَأَكْثَرَهَا طَعَامًا وَوَدَكًا فَغَدَا النّاسُ فَفَتَحَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَمَا بِخَيْبَرِ حِصْنٌ كَانَ أَكْثَرَ طَعَامًا وَوَدَكًا مِنْهُ .
مَقْتَلُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ مَا افْتَتَحَ وَجَازَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا جَازَ انْتَهَوْا إلَى حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسّلَالِمِ ، وَكَانَ آخِرَ حُصُونِ أَهْلِ خَيْبَرَ افْتِتَاحًا ، فَحَاصَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ ، يَا مَنْصُورُ ، أَمِتْ أَمِتْ . [ ص 74 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ خَرَجَ مَرْحَبٌ الْيَهُودِيّ مِنْ حِصْنِهِمْ قَدْ جَمَعَ سِلَاحَهُ يَرْتَجِزُ وَهُوَ يَقُولُ
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَبُ ... شَاكِي السّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرّبُ
أَطْعَنُ أَحْيَانًا وَحِينًا أَضْرِبُ ... إذَا اللّيُوثُ أَقْبَلَتْ تَخَرّبُ
إنّ حِمَايَ لِلْحِمَى لَا يُقْرَبُ
وَهُوَ يَقُولُ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقَالَ
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي كَعْبُ ... مُفَرّجُ الْغُمّى جَرِيءٌ صُلْبُ
إذْ شَبّتْ الْحَرْبُ تَلَتْهَا الْحَرْبُ ... مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ
نَطَؤُكُمْ حَتّى يَذِلّ الصّعْبُ ... نُعْطِي الْجَزَاءَ أَوْ يَفِيءَ النّهْبُ
بِكَفّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ :
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي كَعْبُ ... وَأَنّنِي مَتَى تَشِبّ الْحَرْبُ
مَاضٍ عَلَى الْهَوْلِ جَرِيءُ صُلْبُ ... مَعِي حُسَامٌ كَالْعَقِيقِ عَضْبُ
بِكَفّ مَاضٍ لَيْسَ فِيهِ عَتْبُ ... نَدُكّكُمْ حَتّى يَذِلّ الصّعْبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمَرْحَبٌ مِنْ حِمْيَرَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ لِهَذَا ؟ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا وَاَللّهِ الْمَوْتُورُ الثّائِرُ قُتِلَ أَخِي بِالْأَمْسِ فَقَالَ فَقُمْ إلَيْهِ " اللّهُمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ . قَالَ فَلَمّا دَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ دَخَلَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ عُمْرِيّةٌ مِنْ شَجَرِ الْعُشْرِ فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَلُوذُ بِهَا مِنْ صَاحِبِهِ كُلّمَا لَاذَ بِهَا مِنْهُ اقْتَطَعَ صَاحِبُهُ بِسَيْفِهِ مَا دُونَهُ مِنْهَا ، حَتّى بَرَزَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ وَصَارَتْ بَيْنَهُمَا كَالرّجُلِ الْقَائِمِ مَا فِيهَا فَنَنٌ ثُمّ حَمَلَ مَرْحَبٌ عَلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَهُ فَاتّقَاهُ بِالدّرَقَةِ فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيهَا ، فَعَضّتْ بِهِ فَأَمْسَكَتْهُ وَضَرَبَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَتّى قَتَلَهُ [ ص 75 ]
مَقْتَلُ يَاسِرٍ أَخِي مَرْحَبٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ مَرْحَبٍ أَخُوهُ يَاسِرٌ وَهُوَ يَقُولُ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَزَعَمَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ خَرَجَ إلَى يَاسِرٍ فَقَالَتْ أُمّهُ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : يَقْتُلُ ابْنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ بَلْ ابْنُك يَقْتُلُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ فَخَرَجَ الزّبَيْرُ فَالْتَقَيَا ، فَقَتَلَهُ الزّبَيْرُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ : أَنّ الزّبَيْرَ كَانَ إذَا قِيلَ لَهُ وَاَللّهِ إنْ كَانَ سَيْفُك يَوْمَئِذٍ لَصَارِمًا عَضْبًا ، قَالَ وَاَللّهِ مَا كَانَ صَارِمًا ، وَلَكِنّي أَكْرَهْته .
شَأْنُ عَلِيّ يَوْمَ خَيْبَرَ
[ ص 76 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ الْأَسْلَمِيّ عَنْ أَبِيهِ سُفْيَانَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِرَايَتِهِ وَكَانَتْ بَيْضَاءَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، إلَى بَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ ، فَقَاتَلَ فَرَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتْحٌ وَقَدْ جُهِدَ ثُمّ بَعَثَ الْغَدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ ، فَقَاتَلَ ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَكُ فَتْحٌ وَقَدْ جُهِدَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِفَرّارِ . قَالَ يَقُولُ سَلَمَةُ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ وَهُوَ أَرْمَدُ فَتَفَلَ فِي عَيْنِهِ ثُمّ قَالَ خُذْ هَذِهِ الرّايَةَ فَامْضِ بِهَا حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْك . قَالَ يَقُولُ سَلَمَةُ فَخَرَجَ وَاَللّهِ بِهَا يَأْنِحُ يُهَرْوِلُ هَرْوَلَةً وَإِنّا لَخَلْفَهُ نَتْبَعُ أَثَرَهُ حَتّى رَكّزَ رَايَتَهُ فِي رَضْمٍ مِنْ حِجَارَةٍ تَحْتَ الْحِصْنِ فَاطّلَعَ إلَيْهِ يَهُودِيّ مِنْ رَأْسِ الْحِصْنِ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ يَقُولُ الْيَهُودِيّ . عَلَوْتُمْ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى مُوسَى ، أَوْ كَمَا قَالَ . قَالَ فَمَا رَجَعَ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ . [ ص 77 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ تَعَالَى عَنْهُ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرَايَتِهِ فَلَمّا دَنَا مِنْ الْحِصْنِ خَرَجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ فَقَاتَلَهُمْ فَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَطَاحَ تُرْسُهُ مِنْ يَدِهِ فَتَنَاوَلَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ وَهُوَ يُقَاتِلُ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ حِينَ فَرَغَ فَلَقَدْ رَأَيْتنِي فِي نَفَرٍ سَبْعَةٍ مَعِي ، أَنَا ثَامِنُهُمْ نَجْهَدُ عَلَى أَنْ نَقْلِبَ ذَلِكَ الْبَابَ فَمَا نَقْلِبُهُ .
أَمْرُ أَبِي الْيُسْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ الْأَسْلَمِيّ ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ أَبِي الْيُسْرِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ وَاَللّهِ إنّا لَمَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرِ ذَات عَشِيّةً إذْ أَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ تُرِيدُ حِصْنَهُمْ وَنَحْنُ مُحَاصِرُوهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ رَجُلٌ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ ؟ قَالَ أَبُو الْيُسْرِ فَقُلْت : أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَافْعَلْ قَالَ فَخَرَجْت أَشْتَدّ مِثْلَ الظّلِيمِ فَلَمّا نَظَرَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُوَلّيًا قَالَ اللّهُمّ أَمْتِعْنَا بِهِ قَالَ فَأَدْرَكْت الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَتْ أُولَاهَا الْحِصْنَ فَأَخَذْت شَاتَيْنِ مِنْ أُخْرَاهَا ، فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدِي ، ثُمّ أَقْبَلْت بِهِمَا أَشْتَدّ كَأَنّهُ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ حَتّى أَلْقَيْتهمَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَبَحُوهُمَا فَأَكَلُوهُمَا ، فَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ مِنْ آخِرِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلَاكًا ، فَكَانَ إذَا حَدّثَ هَذَا الْحَدِيثَ بَكَى ، ثُمّ قَالَ " أُمْتِعُوا بِي ، لَعَمْرِي ، حَتّى كُنْت مِنْ آخِرِهِمْ هَلَكًا
S[ ص 76 ] لَأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ : فَبَاتَ النّاسُ يَدُوكُونَ أَيّهُمْ يُعْطَاهَا وَمَعْنَاهُ مِنْ الدّوكَةِ وَالدّوْكَةِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ .
عَلِيّ وَدُعَاءُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَذَكَرَ أَنّ عَلِيّا - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - انْطَلَقَ بِالرّايَةِ يَأْنِحُ وَفِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ يَؤُجّ ، فَمَنْ رَوَاهُ يَأْنِحُ فَهُوَ مِنْ الْأَنِيحِ وَهُوَ عُلُوّ النّفَسِ يُقَالُ فَرَسٌ أَنْوَحُ مِنْ هَذَا ، وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - أَنّهُ رَأَى رَجُلًا يَأْنِجُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ بَرَكَةٌ مِنْ اللّهِ فَقَالَ بَلْ هُوَ عَذَابٌ عَذّبَك بِهِ . وَمَنْ رَوَاهُ يَؤُجّ ، فَمَعْنَاهُ يُسْرِعُ يُقَالُ أَجّتْ النّاقَةُ تَؤُجّ إذَا أَسْرَعَتْ فِي مَشْيِهَا ، وَزَادَ الشّيْبَانِيّ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ حِينَ ذَكَرَ أَنّ عَلِيّا كَانَ أَرْمَدَ وَأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تَفَلَ فِي عَيْنَيْهِ فَبَرَأَ قَالَ فَمَا وَجِعَتْ عَيْنُهُ حَتّى مَضَى سَبِيلُه قَالَ وَكَانَ عَلِيّ يَلْبَسُ الْقَبَاءَ الْمَحْشُوّ الثّخِينَ فِي شِدّةِ الْحَرّ فَلَا يُبَالِي بِالْحَرّ وَيَلْبَسُ الثّوْبَ الْخَفِيفَ فِي شِدّةِ الْبَرْدِ فَلَا يُبَالِي بِالْبَرْدِ وَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - دَعَا لَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ حِينَ رَمِدَتْ عَيْنُهُ أَنْ يَشْفِيَهُ اللّهُ وَأَنْ يُجَنّبَهُ الْحَرّ وَالْبَرْدَ فَكَانَ ذَلِكَ .
صَاحِبُ الْمَغَانِمِ وَابْنُ مُغَفّلٍ
فَصْلٌ
[ ص 77 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ حِينَ احْتَمَلَ جِرَابَ الشّحْمِ وَأَرَادَ صَاحِبُ الْمَغَانِمِ أَخْذَهُ مِنْهُ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ صَاحِبِ الْمَغَانِمِ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنّهُ قَالَ كَانَ عَلَى الْمَغَانِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ هَكَذَا وَجَدْته فِي بَعْضِ كُتُبِ الْفِقْهِ مَرْوِيّا عَنْ ابْنِ وَهْبٍ ، وَلَمْ يَتّصِلْ لِي بِهِ إسْنَادٌ .
صَفِيّةُ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَمُوصَ ، حِصْنَ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ أُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، وَبِأُخْرَى مَعَهَا ، فَمَرّ بِهِمَا بِلَالٌ وَهُوَ الّذِي [ ص 78 ] صَفِيّةَ صَاحَتْ وَصَكّتْ وَجْهَهَا وَحَثَتْ التّرَابَ عَلَى رَأْسِهَا ؛ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَعْزِبُوا عَنّي هَذِهِ الشّيْطَانَةَ وَأَمَرَ بِصَفِيّةَ فَحِيزَتْ خَلْفَهُ وَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ فَعَرَفَ الْمُسْلِمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِبِلَالِ فِيمَا بَلَغَنِي حِينَ رَأَى بِتِلْكَ الْيَهُودِيّةِ مَا رَأَى : أَنُزِعَتْ مِنْك الرّحْمَةُ يَا بِلَالُ ، حِينَ تَمُرّ بِامْرَأَتَيْنِ عَلَى قَتْلَى رِجَالِهِمَا ؟ وَكَانَتْ صَفِيّةُ قَدْ رَأَتْ فِي الْمَنَامِ وَهِيَ عَرُوسٌ بِكِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ أَنّ قَمَرًا وَقَعَ فِي حِجْرِهَا ، فَعَرَضَتْ رُؤْيَاهَا عَلَى زَوْجِهَا ، فَقَالَ مَا هَذَا إلّا أَنّك تُمَنّينَ مَلِكَ الْحِجَازِ مُحَمّدًا ، فَلَطَمَ وَجْهَهَا لَطْمَةً خَضّرَ عَيْنَهَا مِنْهَا . فَأَتَى بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِهَا أَثَرٌ مِنْهُ فَسَأَلَهَا مَا هُوَ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ هَذَا الْخَبَرَ .
Sالصّفِيّ وَالْمِرْبَاعُ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ وَأُمّهَا بُرْدَةَ بِنْتَ سَمَوْأَلٍ أُخْتَ رِفَاعَةَ بْنِ سَمَوْأَلٍ [ ص 78 ] عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ صَفِيّةُ مِنْ الصّفِيّ وَالصّفِيّ مَا يَصْطَفِيهِ أَمِيرُ الْجَيْشِ لِنَفْسِهِ قَالَ الشّاعِرُ [ عَبْدُ اللّهِ بْنُ غَنَمَةَ الضّبّيّ يُخَاطِبُ بِسْطَامَ بْنِ قَيْسٍ ] :
لَك الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصّفَايَا ... [ وَحُكْمُك وَالنّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ ]
فَالْمِرْبَاعُ رُبْعُ الْغَنِيمَةِ . وَالصّفِيّ مَا يُصْطَفَى لِلرّئِيسِ وَكَانَ هَذَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنُسِخَ الْمِرْبَاعُ بِالْخُمْسِ وَبَقِيَ أَمْرُ الصّفِيّ .
مَصْدَرُ أَمْوَالِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَوَاجُهُ مِنْ صَفِيّةَ
وَكَانَتْ أَمْوَالُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ مِنْ الصّفِيّ وَالْهَدِيّةِ تُهْدَى إلَيْهِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ لَا فِي الْغَزْوِ مِنْ بِلَادِ الْحَرْبِ وَمِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ وَرَوَى يُونُسُ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَمّعٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ حَدّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قَالَ حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّضِيرِ كَانَ فِي حِجْرِ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ مِنْ رَهْطِهَا يُقَالُ لَهُ رَبِيعٌ عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ قَالَتْ مَا رَأَيْت أَحَدًا قَطّ أَحْسَنَ خُلُقًا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ رَأَيْته رَكِبَ بِي مِنْ خَيْبَرَ حِينَ أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَتِهِ لَيْلًا فَجَعَلْت أَنْعَسُ فَيَضْرِبُ رَأْسِي مُؤَخّرَةُ الرّحْلِ فَيَمَسّنِي بِيَدِهِ وَيَقُولُ " يَا هَذِهِ مَهْلًا يَا ابْنَةَ حُيَيّ " ، حَتّى إذَا جَاءَ الصّهْبَاءَ ، قَالَ " أَمَا إنّي أَعْتَذِرُ إلَيْك يَا صَفِيّةُ مِمّا صَنَعْت بِقَوْمِك ، إنّهُمْ قَالُوا لِي : كَذَا ، وَقَالُوا لِي : كَذَا " . وَحَدِيثُ [ ص 79 ] صَفِيّةَ يُعَارِضُهُ فِي الظّاهِرِ الْحَدِيثُ الْآخَرُ عَنْ أَنَسٍ أَنّهَا صَارَتْ لِدِحْيَةَ فَأَخَذَهَا مِنْهُ وَأَعْطَاهُ سَبْعَةَ أَرْأُسٍ وَيُرْوَى أَنّهُ أَعْطَاهُ بِنْتَيْ عَمّهَا عِوَضًا مِنْهَا ، وَيُرْوَى أَيْضًا أَنّهُ قَالَ لَهُ خُذْ رَأْسًا آخَرَ مَكَانهَا وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنّمَا أَخَذَهَا مِنْ دِحْيَةَ قَبْلَ الْقَسْمِ وَمَا عَوّضَهُ مِنْهَا لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الْبَيْعِ وَلَكِنْ عَلَى جِهَةِ النّفْلِ وَالْهِبَةِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . غَيْرَ أَنّ بَعْضَ رُوَاةِ الْحَدِيثِ فِي الْمُسْنَدِ الصّحِيحِ يَقُولُونَ فِيهِ إنّهُ اشْتَرَى صَفِيّةَ مِنْ دِحْيَةَ وَبَعْضُهُمْ يَزِيدُ فِيهِ بَعْدَ الْقَسْمِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . وَكَانَ أَمْرُ الصّفِيّ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ إذَا غَزَا فِي الْجَيْشِ اخْتَارَ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقَسْمِ رَأْسًا وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا قَعَدَ وَلَمْ يَخْرُجْ مَعَ الْجَيْش ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ صَفِيّ ، ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَأَمْرُ الصّفِيّ بَعْدَ الرّسُولِ عَلَيْهِ السّلَامُ لِإِمَامِ الْمُسْلِمِينَ فِي قَوْلِ أَبِي ثَوْرٍ وَخَالَفَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا : كَانَ خُصُوصًا لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ .
صَدَاقُ صَفِيّةَ
وَقَوْلُهُ أَعْتَقَهَا ، وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا ، هُوَ صَحِيحٌ فِي الْعَقْلِ وَقَالَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمَنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ تَأَوّلَهُ خُصُوصًا بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ مَنْسُوخًا ، وَمِمّنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُ لَا يَرَوْنَ مُجَرّدَ الْعِتْقِ يُغْنِي عَنْ صَدَاقٍ .
بَقِيّةُ أَمْرِ خَيْبَرَ
[ ص 79 ] وَأُتِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ وَكَانَ عِنْدَهُ كَنْزُ بَنِي النّضِيرِ فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَجَحَدَ أَنْ يَكُونَ يَعْرِفُ مَكَانَهُ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي رَأَيْت كِنَانَةَ يُطِيفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ كُلّ غَدَاةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِكِنَانَةَ " أَرَأَيْت إنْ وَجَدْنَاهُ عِنْدَك ُ أَأَقْتُلُك ؟ " قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخَرِبَةِ فَحُفِرَتْ فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَعْضَ كَنْزِهِمْ ثُمّ سَأَلَهُ عَمّا بَقِيَ فَأَبَى أَنْ يُؤْذِيَهُ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ ُ فَقَالَ عَذّبْهُ حَتّى تَسْتَأْصِلَ مَا عِنْدَهُ فَكَانَ الزّبَيْرُ يَقْدَحُ بِزَنْدِ فِي صَدْرِهِ حَتّى أَشْرَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمّ دَفَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ بِأَخِيهِ مَحْمُودِ بْنِ مَسْلَمَةَ
صُلْحُ خَيْبَرَ
وَحَاصَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ فِي حِصْنَيْهِمْ الْوَطِيحِ وَالسّلَالِمِ ُ حَتّى إذَا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ سَأَلُوهُ أَنْ يُسَيّرَهُمْ وَأَنْ يَحْقِنَ لَهُمْ دِمَاءَهُمْ فَفَعَلَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ حَازَ [ ص 80 ] الشّقّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةَ وَجَمِيعَ حُصُونِهِمْ إلّا مَا كَانَ مِنْ ذَيْنِك الْحِصْنَيْنِ . [ ص 81 ] فَدَك قَدْ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا ُ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُسَيّرَهُمْ وَأَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُخَلّوا لَهُ الْأَمْوَالَ فَفَعَلَ . وَكَانَ فِيمَنْ مَشَى بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخُو بَنِي حَارِثَةَ فَلَمّا نَزَلَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَلَى [ ص 82 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُعَامِلَهُمْ فِي الْأَمْوَالِ عَلَى النّصْفِ وَقَالُوا : نَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ وَأَعْمَرُ لَهَا ؛ فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّصْفِ عَلَى أَنّا إذَا شِئْنَا أَنْ نُخْرِجَكُمْ أَخَرَجْنَاكُمْ فَصَالَحَهُ أَهْلُ فَدَك عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَتْ خَيْبَرُ فَيْئًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ فَدَكُ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَنّهُمْ لَمْ يَجْلِبُوا عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ .
Sحَنَشٌ الصّنْعَانِيّ
[ ص 80 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ حَنَشٍ الصّنْعَانِيّ عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ . هُوَ حَنَشُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ السّبَائِيّ جَاءَ إلَى الْأَنْدَلُسِ مَعَ مُوسَى بْنِ نَصِيرٍ وَهُوَ الّذِي ابْتَنَى جَامِعَ سَرَقُسْطَةَ وَأَسّسَ جَامِعَ قُرْطُبَةَ أَيْضًا ُ فِيمَا ذَكَرُوا ُ وَتَوَهّمَ الْبُخَارِيّ أَنّهُ حَنَشُ بْنُ عَلِيّ وَأَنّ الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِ أَبِيهِ وَقَدْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ فَقَالَ حَنَشُ بْنُ عَلِيّ السّبَائِيّ مِنْ صَنْعَاءِ الشّامِ ُ وَمِنْهَا أَبُو الْأَشْعَثِ الصّنْعَانِيّ ُ وَحَنَشُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ السّبَائِيّ مِنْ صَنْعَاءِ الْيَمَنِ ُ وَكِلَاهُمَا يَرْوِي عَنْ عَلِيّ فَمِنْ هَهُنَا دَخَلَ الْوَهْمُ عَلَى الْبُخَارِيّ ُ هَكَذَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ ُ وَيُرْوَى عَنْ عَلِيّ أَيْضًا حَنَشُ بْنُ رَبِيعَةَ ُ وَحَنَشُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَهُمَا غَيْرُ هَذَيْنِ .
وَطْءٌ مَنْهِيّ عَنْهُ
وَفِيهِ أَنّ لَا تُوطَأَ حَامِلٌ مِنْ السّبَايَا حَتّى تَضَعَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّهُ نَظَرَ إلَى أَمَةٍ مُجِحّ أَيْ مُقْرِبٍ فَسَأَلَ عَنْ صَاحِبِهَا ُ فَقِيلَ إنّهُ يُلِمّ بِهَا ُ فَقَالَ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . فَهَذَا وَجْهٌ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَحِلّ لِامْرِئِ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ مَعْنَى إتْيَانِ الْحَبَالَى مِنْ السّبَايَا ُ فَإِنْ فَعَلَ فَالْوَلَدُ مُخْتَلَفٌ فِي إلْحَاقِهِ بِهِ فَقَالَ مَالِكٌ وَالشّافِعِيّ : لَا يَلْحَقُ بِهِ وَقَالَ اللّيْثُ يَلْحَقُ بِهِ لِقَوْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَيْفَ يَسْتَعْبِدُهُ وَقَدْ غَذّاهُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ
عَلِيّ يَقْتُلُ مَرْحَبًا
فَصْلٌ وَمِمّا يَتّصِلُ بِقِصّةِ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْكِتَابِ قَوْلُ عَلِيّ
أَنَا الّذِي سَمّتْنِي أُمّي حَيْدَرَهْ ... أَضْرِبُ بِالسّيْفِ رُءُوسَ الْكَفَرَهْ
أَكِيلُهُمْ بِالصّاعِ كَيْلَ السّنْدَرَهْ
أَيْ أَجْزِيهِمْ بِالْوَفَاءِ وَالسّنْدَرَةُ شَجَرَةٌ يُصْنَعُ مِنْهَا مَكَايِيلُ عِظَامٌ .
حَيْدَرَةُ
[ ص 81 ] رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ سَمّتْنِي أُمّي حَيْدَرَهْ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَحَدُهَا : أَنّ اسْمَهُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدّمَةِ أَسَدٌ ُ وَالْأَسَدُ هُوَ الْحَيْدَرَةُ . الثّانِي : أَنّ أُمّهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَسَدٍ حِينَ وَلَدَتْهُ كَانَ أَبُوهُ غَائِبًا ُ فَسَمّتْهُ بِاسْمِ أَبِيهَا أَسَدٍ ُ فَقَدِمَ أَبُوهُ فَسَمّاهُ عَلِيّا . الثّالِثُ أَنّهُ لُقّبَ فِي صِغَرِهِ بِحَيْدَرَةَ لِأَنّ الْحَيْدَرَةَ الْمُعْتَلِي لَحْمًا مَعَ عَظْمِ بَطْنٍ وَكَذَلِكَ كَانَ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُ اللّصُوصِ حِينَ فَرّ مِنْ سِجْنِهِ الّذِي كَانَ يُسَمّى نَافِعًا ُ وَقِيلَ فِيهِ يَافِعٌ أَيْضًا بِالْيَاءِ
وَلَوْ أَنّي مَكَثْت لَهُمْ قَلِيلًا ... لَجَرّونِي إلَى شَيْخٍ بِطِينِ
مِنْ حُصُونِ خَيْبَرَ
وَذَكَرَ شَقّا وَالنّطَاةَ وَشَقّ بِالْفَتْحِ أَعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ اللّغَةِ كَذَلِكَ قَيّدَهُ الْبَكْرِيّ . وَذَكَرَ وَادِيَ خَاصٍ مِنْ أَرْضِ خَيْبَرَ . وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ إنّمَا هُوَ وَادِي خَلْصٍ بِاللّامِ وَالْأَوّلُ تَصْحِيفٌ . وَقَالَ الْبَكْرِيّ : هُوَ خَلْصٌ بِاللّامِ وَأَنْشَدَ الْبَكْرِيّ لِخَالِدِ بْنِ عَامِرٍ
وَإِنّ بِخَلْصٍ خَلْصِ آرَةَ بُدّنًا ... نَوَاعِمَ كَالْغِزْلَانِ مَرْضَى عُيُونُهَا
الشّاةُ الْمَسْمُومَةُ
[ ص 83 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْدَتْ لَهُ
زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ امْرَأَةُ سَلَامِ بْنِ مِشْكَمٍ شَاةً مَصْلِيّةً وَقَدْ سَأَلَتْ أَيّ عُضْوٍ مِنْ الشّاةِ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ فَقِيلَ لَهَا : الذّرَاعُ فَأَكْثَرَتْ فِيهَا مِنْ السّمّ ثُمّ سَمّتْ سَائِرَ الشّاةِ ثُمّ جَاءَتْ بِهَا ؛ فَلَمّا وَضَعَتْهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَنَاوَلَ الذّرَاعَ فَلَاكَ مِنْهَا مُضْغَةً فَلَمْ يُسِغْهَا ُ وَمَعَهُ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ُ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا كَمَا أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّا بِشْرٌ فَأَسَاغَهَا ؛ وَأَمّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَفَظَهَا ُ ثُمّ قَالَ إنّ هَذَا الْعَظْمَ لَيُخْبِرنِي أَنّهُ مَسْمُومٌ ثُمّ دَعَا بِهَا ُ فَاعْتَرَفَتْ فَقَالَ " مَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ ؟ " قَالَتْ بَلَغْت مِنْ قَوْمِي مَا لَمْ يَخَفْ عَلَيْك . فَقُلْت : إنْ كَانَ مَلَكًا اسْتَرَحْت مِنْهُ وَإِنْ كَانَ نَبِيّا فَسَيُخْبَرُ قَالَ فَتَجَاوَزَ عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَاتَ بِشْرٌ مِنْ أَكْلَتِهِ الّتِي أَكَلَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَرْوَانُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى ُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَالَ فِي مَرَضِهِ الّذِي تُوُفّيَ فِيهِ وَدَخَلَتْ أُمّ بِشْرٍ بِنْتُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ تَعُودُهُ يَا أُمّ بِشْرٍ إنّ هَذَا الْأَوَانَ وَجَدْت فِيهِ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ الْأَكْلَةِ الّتِي أَكَلْت مَعَ أَخِيك بِخَيْبَرِ . قَالَ فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَيَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَاتَ شَهِيدًا ُ مَعَ مَا أَكْرَمَهُ اللّهُ بِهِ مِنْ النّبُوّةِ .
Sالشّاةُ الْمَسْمُومَةُ
فَصْلٌ
[ ص 83 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ الشّاةِ الْمَسْمُومَةِ وَأَكْلَ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ مِنْهَا ُ وَفِيهِ أَنّ الذّرَاعَ كَانَتْ تُعْجِبُهُ لِأَنّهَا هَادِي الشّاةِ وَأَبْعَدُهَا مِنْ الْأَذَى ُ فَلِذَلِكَ جَاءَ مُفَسّرًا فِي هَذَا اللّفْظِ . فَأَمّا الْمَرْأَةُ الّتِي سَمّتْهُ فَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : صَفَحَ عَنْهَا ُ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنّهُ قَتَلَهَا ُ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى ُ أَنّهُ قَتَلَهَا وَصَلَبَهَا ُ وَهِيَ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ سَلَامٍ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَهِيَ أُخْتُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيّ ُ وَرَوَى أَيْضًا مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ . وَوَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ الرّوَايَتَيْنِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ صَفَحَ عَنْهَا ُ أَوّلَ لِأَنّهُ كَانَ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ فَلَمّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ قَتَلَهَا ُ وَذَلِكَ أَنّ بِشْرًا لَمْ يَزَلْ مُعْتَلّا مِنْ تِلْكَ الْأَكْلَةِ حَتّى مَاتَ مِنْهَا بَعْدَ حَوْلٍ وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ مَا زَالَتْ أَكْلَةُ خَيْبَرَ تُعَادّنِي ُ فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي وَكَانَ يَنْفُثُ مِنْهَا مِثْلَ عَجْمِ الزّبِيبِ . وَتُعَادّنِي ُ أَيْ تَعْتَادُنِي الْمَرّةَ بَعْدَ [ ص 84 ] الْمَرّةِ ُ قَالَ الشّاعِرُ
أُلَاقِي مِنْ تَذَكّرِ آلِ لَيْلَى ... كَمَا يَلْقَى السّلَيْمُ مِنْ الْعِدَادِ
وَالْأَبْهَرُ عِرْقٌ مُسْتَبْطَنُ الْقَلْبِ . قَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ
وَلِلْفُؤَادِ وَجِيبٌ تَحْتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الْوَلِيدِ وَرَاءَ الْغَيْبِ بِالْحَجَرِ
وَقَدْ رَوَى مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فِي جَامِعِهِ عَنْ الزّهْرِيّ أَنّهُ قَالَ أَسْلَمَتْ فَتَرَكَهَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ مَعْمَرٌ هَكَذَا قَالَ الزّهْرِيّ : أَسْلَمَتْ وَالنّاسُ يَقُولُونَ قَتَلَهَا ُ وَأَنّهَا لَمْ تُسْلِمْ وَفِي جَامِعِ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ أَيْضًا أَنّ أُمّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ قَالَتْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمَرَضِ الّذِي مَاتَ مِنْهُ مَا تَتّهِمُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّي لَا أَتّهِمُ بِبِشْرِ إلّا الْأَكْلَةَ الّتِي أَكَلَهَا مَعَك بِخَيْبَرِ فَقَالَ وَأَنَا لَا أَتّهِمُ بِنَفْسِي إلّا ذَلِكَ فَهَذَا أَوَانُ قَطَعَتْ أَبْهَرِي . [ ص 85 ]
رُجُوعُ الرّسُولِ إلَى الْمَدِينَةِ
[ ص 84 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ انْصَرَفَ إلَى وَادِي الْقُرَى فَحَاصَرَ أَهْلَهُ لَيَالِيَ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ .
مَقْتَلُ غُلَامٍ لِلرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ سَالِمٍ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُطِيعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فَلَمّا انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى نَزَلْنَا بِهَا أَصِيلًا مَعَ مَغْرِبِ الشّمْسِ وَمَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غُلَامٌ لَهُ أَهْدَاهُ لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ ثُمّ الضّبِينِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : جُذَامٌ أَخُو لَخْمٍ . قَالَ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَضَعُ رَحْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقُلْنَا : هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلّا ُ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ إنّ شَمْلَتَهُ الْآنَ لَتَحْتَرِقُ عَلَيْهِ فِي النّارِ كَانَ غَلّهَا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ خَيْبَرَ قَالَ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَصَبْت شِرَاكَيْنِ لِنَعْلَيْنِ لِي قَالَ فَقَالَ يُقَدّ لَك مِثْلُهُمَا مِنْ النّارِ .
أَمْرُ ابْنِ مُغَفّلٍ وَالْجِرَابِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُغَفّلٍ الْمُزَنِيّ ُ قَالَ أَصَبْت مِنْ فَيْءِ خَيْبَرَ جِرَابَ شَحْمٍ فَاحْتَمَلْته عَلَى عَاتِقِي إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي . قَالَ فَلَقِيَنِي [ ص 85 ] فَأَخَذَ بِنَاحِيَتِهِ وَقَالَ هَلُمّ هَذَا نَقْسِمُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ قُلْت : لَا وَاَللّهِ لَا أُعْطِيكَهُ قَالَ فَجَعَلَ يُجَابِذُنِي الْجِرَابَ . قَالَ فَرَآنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ نَصْنَعُ ذَلِكَ . قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضَاحِكًا ُ ثُمّ قَالَ لِصَاحِبِ الْمَغَانِمِ لَا أَبَا لَك خَلّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ قَالَ فَأَرْسَلَهُ فَانْطَلَقْت بِهِ إلَى رَحْلِي وَأَصْحَابِي فَأَكَلْنَاهُ .
أَبُو أَيّوبَ يَحْرُسُ الرّسُولَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْلَةَ بِنَائِهِ بِصَفِيّةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أَعْرَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَفِيّةَ بِخَيْبَرِ أَوْ بِبَعْضِ الطّرِيقِ وَكَانَتْ الّتِي جَمّلَتْهَا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَشَطَتْهَا وَأَصْلَحَتْ مِنْ أَمْرِهَا أُمّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ . فَبَاتَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قُبّةٍ لَهُ وَبَاتَ أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ أَخُو بَنِي النّجّارِ مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ يَحْرُسُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُطِيفُ بِالْقُبّةِ حَتّى أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَى مَكَانَهُ قَالَ مَا لَك يَا أَبَا أَيّوبَ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ خِفْت عَلَيْك مِنْ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَكَانَتْ امْرَأَةً قَدْ قَتَلَتْ أَبَاهَا وَزَوْجَهَا وَقَوْمَهَا وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرِ فَخِفْتهَا عَلَيْك فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ اللّهُمّ احْفَظْ أَبَا أَيّوبَ كَمَا بَاتَ يَحْفَظُنِي
بِلَالٌ يَغْلِبُهُ النّوْمُ وَهُوَ يَرْقُبُ الْفَجْر
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ لَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ فَكَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ قَالَ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ مَنْ رَجُلٌ يَحْفَظُ عَلَيْنَا الْفَجْرَ لَعَلّنَا نَنَامُ ؟ قَالَ بِلَالٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَحْفَظُهُ عَلَيْك . فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَزَلَ النّاسُ فَنَامُوا وَقَامَ بِلَالٌ يُصَلّي فَصَلّى مَا شَاءَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ أَنْ يُصَلّيَ ثُمّ اسْتَنَدَ إلَى بَعِيرِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْفَجْرَ يَرْمُقُهُ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ فَنَامَ فَلَمْ يُوقِظْهُمْ إلّا مَسّ الشّمْسِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوّلَ أَصْحَابِهِ هَبّ فَقَالَ مَاذَا صَنَعْت بِنَا يَا بِلَالُ ؟ " قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَخَذَ بِنَفْسِي الّذِي أَخَذَ بِنَفْسِك قَالَ " صَدَقْت " ثُمّ اقْتَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعِيرَهُ غَيْرَ كَثِيرٍ ثُمّ أَنَاخَ فَتَوَضّأَ وَتَوَضّأَ النّاسُ ثُمّ أَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ الصّلَاةَ فَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ فَلَمّا سَلّمَ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ إذَا نَسِيتُمْ الصّلَاةَ فَصَلّوهَا إذَا ذَكَرْتُمُوهَا " فَإِنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ { وَأَقِمِ الصّلَاةَ لِذِكْرِي }
شِعْرُ ابْنِ لُقَيْمٍ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ
[ ص 86 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي قَدْ أَعْطَى ابْنَ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيّ حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ مَا بِهَا مِنْ دَجَاجَةٍ أَوْ دَاجِنٍ وَكَانَ فَتْحُ خَيْبَرَ فِي صَفَرٍ فَقَالَ ابْنُ لُقَيْمٍ الْعَبْسِيّ فِي خَيْبَرَ :
رُمِيَتْ نَطَاةُ مِنْ الرّسُولِ بِفَيْلَقِ ... شَهْبَاءَ ذَاتِ مَنَاكِبٍ وَفِقَارِ
وَاسْتَيْقَنَتْ بِالذّلّ لَمّا شُيّعَتْ ... وَرِجَالُ أَسْلَمَ وَسْطَهَا وَغِفَارِ
صَبَحَتْ بَنِي عَمْرِو بْنِ زُرْعَةَ غَدْوَةً ... وَالشّقّ أَظْلَمَ أَهْلُهُ بِنَهَارِ
جَرّتْ بِأَبْطَحِهَا الذّيُولَ فَلَمْ تَدَعْ ... إلّا الدّجَاجَ تَصِيحُ فِي الْأَسْحَارِ
وَلِكُلّ حِصْنٍ شَاغِلٍ مِنْ خَيْلِهِمْ ... مِنْ عَبْدِ أَشْهَل أَوْ بَنِي النّجّارِ
وَمُهَاجِرِينَ قَدْ اعْلِمُوا سَمّاهُمْ ... فَوْقَ الْمَغَافِرِ لَمْ يَنُوا لِفِرَارِ
وَلَقَدْ عَلِمْت لَيَغْلِبَنّ مُحَمّدٌ ... وَلَيَثْوِيَنّ بِهَا إلَى أَصْفَارِ
فَرّتْ يَهُودٌ يَوْمَ ذَلِكَ فِي الْوَغَى ... تَحْتَ الْعَجَاجِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَرّتْ كَشَفَتْ كَمَا تُفَرّ الدّابّةُ بِالْكَشَفِ عَنْ أَسْنَانِهَا يُرِيدُ كَشَفَتْ عَنْ جُفُونِ الْعُيُونِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ يُرِيدُ الْأَنْصَارَ .
Sالْحَالُ وَالْمَعْرِفَةُ لَفْظًا
فَصْلٌ وَذَكَرَ فِي أَشْعَارِ خَيْبَرَ قَوْلَ الْعَبْسِيّ . وَفِي آخِرِهِ
فَرّتْ يَهُودُ يَوْمَ ذَلِكَ فِي الْوَغَى ... تَحْتَ الْعَجَاجِ غَمَائِمَ الْأَبْصَارِ
وَهُوَ بَيْتٌ مُشْكِلٌ غَيْرَ أَنّ فِي بَعْضِ النّسَخِ وَهِيَ قَلِيلَةٌ عَنْ ابْنِ هِشَامٍ أَنّهُ قَالَ فَرّتْ فَتَحَتْ مِنْ قَوْلِك : فَرَرْت الدّابّةَ إذَا فَتَحْت فَاهَا . وَغَمَائِمُ الْأَبْصَارِ هِيَ مَفْعُولُ فَرّتْ وَهِيَ جُفُونُ أَعْيُنِهِمْ هَذَا قَوْلٌ وَقَدْ يَصِحّ أَنْ يَكُونَ فَرّتْ مِنْ الْفِرَارِ وَغَمَائِمُ الْأَبْصَارِ مِنْ صِفَةِ الْعَجَاجِ وَهُوَ الْغُبَارُ وَنَصْبُهُ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْعَجَاجِ وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الْمَعْرِفَةِ عِنْدَ مَنْ لَيْسَ بِشَاذّ فِي النّحْوِ . وَلَا مَاهِرٍ فِي الْعَرَبِيّةِ وَأَمّا عِنْدَ أَهْلِ التّحْقِيقِ فَهُوَ نَكِرَةٌ لِأَنّهُ لَمْ يُرِدْ الْغَمَائِمَ حَقِيقَةً وَإِنّمَا أَرَادَ مِثْلَ الْغَمَائِمِ فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ بِمُنْجَرِدِ قَيْدِ الْأَوَابِدِ هَيْكَلِ
[ ص 82 ] نَكِرَةٌ لِأَنّهُ أَرَادَ مِثْلَ الْقَيْدِ وَلِذَلِكَ نَعَتَ بِهِ مُنْجَرِدًا أَوْ جَعَلَهُ فِي مَعْنَى مُقَيّدٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عَبْدَةَ بْنِ الطّبِيبِ تَحِيّةُ مَنْ غَادَرْته غَرَضَ الرّدَى
فَنَصَبَ غَرَضًا عَلَى الْحَالِ وَأَصَحّ الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا } [ طَه : 131 ] أَنّهُ حَالٌ مِنْ الْمُضْمَرِ الْمَخْفُوضِ لِأَنّهُ أَرَادَ التّشْبِيهَ بِالزّهْرَةِ مِنْ النّبَاتِ وَمِنْ هَذَا النّحْوِ قَوْلُهُمْ جَاءَ الْقَوْمُ الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ انْتَصَبَ عَلَى الْحَالِ وَفِيهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ وَهُوَ مِنْ بَابِ مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ التّشْبِيهِ وَذَلِكَ أَنّ الْجَمّاءَ هِيَ بَيْضَةُ الْحَدِيدِ تُعْرَفُ بِالْجَمّاءِ وَالصّلْعَاءِ فَإِذَا جُعِلَ مَعَهَا الْمِغْفَرُ فَهِيَ غَفِيرٌ فَإِذَا قُلْت : جَاءُوا الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ فَإِنّمَا أَرَدْت الْعُمُومَ وَالْإِحَاطَةَ بِجَمِيعِهِمْ أَيْ جَاءُوا جَيْئَةً تَشْمَلُهُمْ وَتَسْتَوْعِبُهُمْ كَمَا تُحِيطُ الْبَيْضَةُ الْغَفِيرُ بِالرّأْسِ فَلَمّا قَصَدُوا مَعْنَى التّشْبِيهِ دَخَلَ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ كَمَا تَقَدّمَ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ تَفَرّقُوا أَيْدِيَ سَبَا وَأَيَادِيَ سَبَا أَيْ مِثْلَ أَيْدِي سَبَا فَحَسُنَتْ فِيهِ الْحَالُ لِذَلِكَ وَاَلّذِي قُلْنَاهُ فِي مَعْنَى الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ رَوَاهُ أَبُو حَاتِمٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَكَانَ عَلَامَةً بِكَلَامِ الْعَرَبِ وَلَمْ يَقَعْ سِيبَوَيْهِ عَلَى هَذَا الْغَرَضِ فِي مَعْنَى الْجَمّاءِ فَجَعَلَهَا كَلِمَةً شَاذّةً عَنْ الْقِيَاسِ وَاعْتَقَدَ فِيهَا التّعْرِيفَ وَقَرَنَهَا بِبَابِ وَحْدَهُ وَفِي بَابِ وَحْدَهُ أَسْرَارٌ قَدْ أَمْلَيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَمَسْأَلَةُ وَحْدَهُ تَخْتَصّ بِبَابِ وَحْدَهُ وَهَذَا الّذِي ذَكَرْنَا مِنْ التّنْكِيرِ بِسَبَبِ التّشْبِيهِ إنّمَا يَكُونُ إذَا شَبّهْت الْأَوّلَ بِاسْمِ مُضَافٍ وَكَانَ التّشْبِيهُ بِصِفَةِ مُتَعَدّيَةٍ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ كَقَوْلِهِ قَيْدِ الْأَوَابِدِ أَيْ مُقَيّدَ الْأَوَابِدِ وَلَوْ قُلْت : مَرَرْت بِامْرَأَةِ الْقَمَرُ عَلَى التّشْبِيهِ لَمْ يَجُزْ لِأَنّ الصّفَةَ الّتِي وَقَعَ بِهَا التّشْبِيهُ غَيْرُ مُتَعَدّيَةٍ إلَى الْقَمَرِ فَهَذَا شَرْطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمِمّا يَحْسُنُ فِيهِ التّنْكِيرُ وَهُوَ مُضَافٌ إلَى مَعْرِفَةٍ اتّفَاقُ اللّفْظَيْنِ كَقَوْلِهِ لَهُ صَوْتٌ صَوْتٌ الْحِمَارِ وَزَئِيرٌ زَئِيرُ الْأَسَدِ فَإِنْ قُلْت : فَمَا بَالُ الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ جَازَ فِيهَا الْحَالُ وَلَيْسَتْ بِمُضَافَةِ ؟ قُلْنَا : لَمْ تَقُلْ الْعَرَبُ جَاءَ الْقَوْمَ الْبَيْضَةُ فَيَكُونُ مِثْلَ مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِك : مَرَرْت بِهَذَا الْقَمَرِ وَإِنّمَا قَالُوا : الْجَمّاءَ الْغَفِيرُ بِالصّفَةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا هِيَ حَالٌ مِنْهُ وَتِلْكَ الصّفَةُ الْجَمَمُ وَهُوَ الِاسْتِوَاءُ وَالْغَفْرُ وَهِيَ التّغْطِيَةُ فَمَعْنَى الْكَلَامِ جَاءُوا جَيْئَةً مُسْتَوِيَةً لَهُمْ مُوعِبَةً لِجَمِيعِهِمْ فَقَوِيَ مَعْنَى التّشْبِيهِ بِهَذَا الْوَصْفِ فَدَخَلَ التّنْكِيرُ لِذَلِكَ وَحَسُنَ النّصْبُ عَلَى الْحَالِ وَهِيَ حَالٌ مِنْ الْمَجِيءِ .
حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الْغِفَارِيّةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَشَهِدَ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَرَضَخَ لَهُنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْفَيْءِ وَلَمْ يَضْرِبْ لَهُنّ بِسَهْمِ . [ ص 87 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ قَدْ سَمّاهَا لِي قَالَتْ أَتَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَرَدْنَا أَنْ نَخْرُجَ مَعَك إلَى وَجْهِك هَذَا وَهُوَ يَسِيرُ إلَى خَيْبَرَ فَنُدَاوِيَ الْجَرْحَى وَنُعِينَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَعْنَا فَقَالَ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ . قَالَتْ فَخَرَجْنَا مَعَهُ وَكُنْت جَارِيَةً حَدَثَةً فَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ لَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الصّبْحِ وَأَنَاخَ وَنَزَلْت عَنْ حَقِيبَةِ رَحْلِهِ وَإِذَا بِهَا دَمٌ مِنّي وَكَانَتْ أَوّلَ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا قَالَتْ فَتَقَبّضْت إلَى النّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْت فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بِي وَرَأَى الدّمَ قَالَ مَا لَك ؟ لَعَلّك نُفِسْت قَالَتْ قُلْت : نَعَمْ قَالَ فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِك ثُمّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ فَاطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا ثُمّ اغْسِلِي بِهِ مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدّمِ ثُمّ عُودِي لِمَرْكَبِك . قَالَتْ فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ رَضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ وَأَخَذَ هَذِهِ الْقِلَادَةَ الّتِي تَرَيْنَ فِي عُنُقِي فَأَعْطَانِيهَا وَعَلّقَهَا بِيَدِهِ فِي عُنُقِي فَوَاَللّهِ لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا . قَالَتْ فَكَانَتْ فِي عُنُقِهَا حَتّى مَاتَتْ ثُمّ أَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَهَا . قَالَتْ وَكَانَتْ لَا تَطْهُرُ مِنْ حَيْضَةٍ إلّا جَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا وَأَوْصَتْ بِهِ أَنْ يُجْعَلَ فِي غُسْلِهَا حِينَ مَاتَتْ
Sحَوْلَ حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الْغِفَارِيّةِ
[ ص 86 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ الْغِفَارِيّةِ الّتِي شَهِدَتْ خَيْبَرَ ُ وَلَمْ يُسَمّهَا ُ وَقَدْ يُقَالُ اسْمُهَا لَيْلَى وَيُقَالُ هِيَ امْرَأَةُ أَبِي ذَرّ الْغِفَارِيّ وَقَوْلُهَا : رَضَخَ لِي رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَصْلُ الرّضْخِ أَنْ تَكْسِرَ مِنْ الشّيْءِ الرّطْبِ كِسْرَةً فَتُعْطِيَهَا وَأَمّا الرّضْحُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَكَسْرُ الْيَابِسِ الصّلْبِ قَالَ الشّاعِرُ كَمَا تَطَايَرَ عَنْ مِرْضَاحِهِ الْعَجَمُ
مِنْ أَحْكَامِ الْمَاءِ
[ ص 87 ] أَجْعَلَ فِي طَهُورِي مِلْحًا . فِيهِ رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنّ الْمِلْحَ فِي الْمَاءِ إذَا غَيّرَ طَعْمَهُ صَيّرَهُ مُضَافًا طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهّرٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ قَوْلَهُ وَمِنْ طَرِيقِ النّظَرِ أَنّ الْمُخَالِطَ لِلْمَاءِ إذَا غَلَبَ عَلَى أَحَدِ أَوْصَافِهِ الثّلَاثَةِ الطّعْمِ أَوْ اللّوْنِ أَوْ الرّائِحَةِ كَانَ حُكْمُ الْمَاءِ كَحُكْمِ الْمَخَالِطِ لَهُ فَإِنْ كَانَ طَاهِرًا غَيْرَ مُطَهّرٍ كَانَ الْمَاءُ بِهِ كَذَلِكَ وَإِذَا كَانَ لَا طَاهِرًا وَلَا مُطَهّرًا كَالْبَوْلِ كَانَ الْمَاءُ لِمُخَالَطَتِهِ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ الْمَخَالِطُ لَهُ طَاهِرًا مُطَهّرًا كَالتّرَابِ كَانَ الْمَاءُ طَاهِرًا مُطَهّرًا وَالْمِلْحُ إنْ كَانَ مَاءً جَامِدًا فَهُوَ فِي الْأَصْلِ طَاهِرٌ مُطَهّرٌ وَإِنْ كَانَ مَعْدِنِيّا تُرَابِيّا فَهُوَ كَالتّرَابِ فِي مُخَالَطَةِ الْمَاءِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ نَاقِلًا لِلْمَاءِ عَنْ حُكْمِ الطّهَارَةِ وَالتّطْهِيرِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ فِي السّيرَةِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اغْتَسَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ جَفْنَةٍ فِيهَا مَاءٌ وَكَافُورٌ وَمَحْمَلُ هَذِهِ الرّوَايَةِ عِنْدِي إنْ صَحّتْ عَلَى أَنّهُ قَصَدَ بِهَا التّطَيّبَ وَأَنّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذِهِ الرّوَايَةِ مُتَعَلّقٌ لِتَرْخِيصِهِ .
شُهَدَاءُ خَيْبَرَ
[ ص 88 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمّ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، ثُمّ مِنْ حَلْفَائِهِمْ رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَثَقِيفُ بْنُ عَمْرٍو ، وَرِفَاعَةُ بْنُ مَسْرُوحٍ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْهُبَيْبِ ، وَيُقَالُ ابْنُ الْهَبِيبِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، بْنِ أُهَيْبِ بْنِ سُحَيْمِ بْنِ غَيْرَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ حَلِيفٌ لِبَنِي أَسَدٍ ، وَابْنُ أُخْتِهِمْ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمّ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ، مَاتَ مِنْ الشّاةِ الّتِي سُمّ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفُضَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ . وَمِنْ الْأَوْسِ ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ . وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ ؛ وَعُرْوَةُ بْنُ مُرّةَ بْنِ سُرَاقَةَ ، وَأَوْسُ بْنُ الْقَائِدِ وَأُنَيْفُ بْنُ حَبِيبٍ وَثَابِتُ بْنُ أَثْلَةَ ، وَطَلْحَةُ . وَمِنْ بَنِي غِفَارٍ : عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ ، رُمِيَ بِسَهْمِ . [ ص 89 ] أَسْلَمَ : عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ ، وَالْأَسْوَدُ الرّاعِي ، وَكَانَ اسْمُهُ أَسْلَمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَسْوَدُ الرّاعِي مِنْ أَهْلِ خَيْبَرَ . وَمِمّنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، مِنْ بَنِي زُهْرَةَ مَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارَةِ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَوْسُ بْنُ قَتَادَةَ .
أَمْرُ الْأَسْوَدِ الرّاعِي فِي حَدِيثِ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيث الْأَسْوَدِ الرّاعِي ، فِيمَا بَلَغَنِي : أَنّهُ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ لِبَعْضِ حُصُونِ خَيْبَرَ ، وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ كَانَ فِيهَا أَجِيرًا لِرَجُلِ مِنْ يَهُودَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اعْرِضْ عَلَيّ الْإِسْلَامَ فَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ - وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحَقّرُ أَحَدًا أَنْ يَدْعُوَهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَعْرِضَهُ عَلَيْهِ - فَلَمّا أَسْلَمَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت أَجِيرًا لِصَاحِبِ هَذِهِ الْغَنَمِ وَهِيَ أَمَانَةٌ عِنْدِي ، فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَا ؟ قَالَ اضْرِبْ فِي وُجُوهِهَا فَإِنّهَا سَتَرْجِعُ إلَى رَبّهَا - أَوْ كَمَا قَالَ - فَقَالَ الْأَسْوَدُ فَأَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصَى فَرَمَى بِهَا فِي وُجُوهِهَا ، وَقَالَ ارْجِعِي إلَى صَاحِبِك ، فَوَاَللّهِ لَا أَصْحَبُك أَبَدًا ، فَخَرَجَتْ مُجْتَمِعَةً كَأَنّ سَائِقًا يَسُوقُهَا ، حَتّى دَخَلَتْ الْحِصْنَ ثُمّ تَقَدّمَ إلَى ذَلِكَ الْحِصْنِ لِيُقَاتِلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَهُ حَجَرٌ فَقَتَلَهُ وَمَا صَلّى لِلّهِ صَلَاةً قَطّ ، فَأُتِيَ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوُضِعَ خَلْفَهُ وَسُجّيَ بِشَمْلَةِ كَانَتْ عَلَيْهِ فَالْتَفَتَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ثُمّ أَعْرَضَ عَنْهُ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ أَعْرَضْت عَنْهُ ؟ قَالَ إنّ مَعَهُ الْآنَ زَوْجَتَيْهِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ [ ص 90 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنّهُ ذَكَرَ لَهُ أَنّ الشّهِيدَ إذَا مَا أُصِيبَ تَدَلّتْ ( لَهُ ) زَوْجَتَاهُ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ عَلَيْهِ تَنْفُضَانِ التّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَتَقُولَانِ تَرّبَ اللّهُ وَجْهَ مَنْ تَرّبَك ، وَقَتَلَ مَنْ قَتَلَك
Sمِنْ شُهَدَاءِ خَيْبَرَ
[ ص 88 ] وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرِ أَبَا الضّيّاحِ بْنَ ثَابِتٍ وَلَمْ يُسَمّهِ وَقَالَ الطّبَرِيّ : اسْمُهُ النّعْمَانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ ، وَقَالَ غَيْرُهُ اسْمُهُ عُمَيْرٌ . وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ عَامِرَ بْنَ الْأَكْوَعِ ، وَهُوَ الّذِي رَجَعَ عَلَيْهِ سَيْفُهُ فَقَتَلَهُ فَشَكّ النّاسُ فِيهِ فَقَالُوا : قَتَلَهُ سِلَاحُهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ جَاهِدٌ مُجَاهِدٌ ، وَقَلّ عَرَبِيّ ، مُشَابِهًا مِثْلَهُ وَفِي رِوَايَةٍ مَشَى بِهِ مِثْلُهُ وَيُرْوَى أَيْضًا : نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ كُلّ هَذَا يُرْوَى فِي الْجَامِعِ الصّحِيحِ وَهَذَا اضْطِرَابٌ مِنْ رُوَاةِ الْكِتَابِ فَمَنْ قَالَ مَشَى بِهَا مِثْلَهُ فَالْهَاءُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَدِينَةِ ، كَمَا تَقُولُ لَيْسَ بَيْنَ لَابَتَيْهَا مِثْلُ فُلَانٍ يُقَالُ هَذَا فِي الْمَدِينَةِ ، وَفِي الْكُوفَةِ ، وَلَا يُقَالُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ حَوْلَهُ لَابَتَانِ أَيْ حَرّتَانِ وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْهَاءُ عَائِدَةً عَلَى الْأَرْضِ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ { كُلّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } [ الرّحْمَنُ 26 ] .
الْحَالُ مِنْ النّكِرَةِ
[ ص 89 ] النّكِرَةِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا دَلّتْ عَلَى تَصْحِيحِ مَعْنًى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ فَصَلّى خَلْفَهُ رِجَالٌ قِيَامًا . الْحَالُ هَاهُنَا مُصَحّحَةٌ لِفِقْهِ الْحَدِيثِ أَيْ صَلّوْا فِي هَذِهِ الْحَالِ وَمَنْ احْتَجّ فِي الْحَالِ مِنْ النّكِرَةِ بِقَوْلِهِمْ وَقَعَ أَمْرٌ فَجْأَةً فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا ، لِأَنّ فَجْأَةً لَيْسَ حَالًا مِنْ أَمْرٍ إنّمَا هُوَ حَالٌ مِنْ الْوُقُوعِ كَمَا تَقُولُ جَاءَنِي رَجُلٌ مَشْيًا ، فَلَيْسَ مَشْيًا حَالٌ مِنْ رَجُلٍ كَمَا تَوَهّمُوا ، وَإِنّمَا هِيَ حَالٌ مِنْ الْمَجِيءِ لِأَنّ الْحَالَ هِيَ صَاحِبُ الْحَالِ وَتَنْقَسِمُ أَقْسَامًا : حَالٌ مِنْ فَاعِلٍ كَقَوْلِك : جَاءَ زَيْدٌ مَاشِيًا ، وَحَالٌ مِنْ الْفِعْلِ كَقَوْلِك : جَاءَ زَيْدٌ مَشْيًا وَرَكْضًا ، وَحَالٌ مِنْ الْمَفْعُولِ كَقَوْلِك : جَاءَنِي الْقَوْمُ جَالِسًا ، فَهِيَ صِفَةُ الْمَفْعُولِ فِي وَقْتِ وُقُوعِ الْفِعْلِ عَلَيْهِ أَوْ صِفَةُ الْفَاعِلِ فِي وَقْتِ وُقُوعِ الْفِعْلِ مِنْهُ أَوْ صِفَةُ الْفِعْلِ فِي وَقْتِ وُقُوعِهِ وَنَعْنِي بِالْفِعْلِ الْمَصْدَرَ .
أَمْرُ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ ، كَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَجّاجَ بْنَ عِلَاطٍ السّلَمِيّ ، ثُمّ الْبَهْزِيّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ لِي بِمَكّةَ مَالًا عِنْدَ صَاحِبَتِي أُمّ شَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي طَلْحَةَ - وَكَانَتْ عِنْدَهُ لَهُ مِنْهَا مُعَرّضُ بْنُ الْحَجّاجِ وَمَالٌ مُتَفَرّقٌ فِي تُجّارِ أَهْلِ مَكّةَ ، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَذِنَ لَهُ قَالَ إنّهُ لَا بُدّ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ مِنْ أَنْ أَقُولَ قَالَ قُلْ قَالَ الْحَجّاجُ فَخَرَجْت حَتّى إذَا قَدِمْت مَكّةَ وَجَدْت بِثَنِيّةِ الْبَيْضَاءِ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ يَتَسَمّعُونَ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُونَ عَنْ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ بَلَغَهُمْ أَنّهُ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ ، وَقَدْ عَرَفُوا أَنّهَا قَرْيَةُ الْحِجَازِ ، رِيفًا وَمَنَعَةً وَرِجَالًا ، فَهُمْ يَتَحَسّسُونَ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُونَ الرّكْبَانَ فَلَمّا رَأَوْنِي قَالُوا : الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ - قَالَ وَلَمْ يَكُونُوا عَلِمُوا بِإِسْلَامِي ، عِنْدَهُ وَاَللّهِ الْخَبَرُ - أَخْبِرْنَا يَا أَبَا مُحَمّدٍ فَإِنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّ الْقَاطِعَ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ ، وَهِيَ بَلَدُ يَهُودَ وَرِيفُ الْحِجَازِ ، قَالَ قُلْت : قَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ وَعِنْدِي مِنْ الْخَبَرِ مَا يَسُرّكُمْ قَالَ فَالْتَبَطُوا بِجَنْبَيْ نَاقَتِي يَقُولُونَ إيه يَا حَجّاجُ قَالَ قُلْت : هُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ يَسْمَعُوا بِمِثْلِهَا قَطّ ، وَقُتِلَ أَصْحَابُهُ قَتْلًا لَمْ تَسْمَعُوا بِمِثْلِهِ قَطّ ، وَأُسِرَ مُحَمّدٌ أَسْرًا ، وَقَالُوا : لَا نَقْتُلُهُ حَتّى نَبْعَثَ بِهِ إلَى أَهْلِ مَكّةَ ، فَيَقْتُلُوهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ كَانَ أَصَابَ مِنْ رِجَالِهِمْ . قَالَ فَقَامُوا وَصَاحُوا بِمَكّةَ وَقَالُوا : قَدْ جَاءَكُمْ الْخَبَرُ ، وَهَذَا مُحَمّدٌ إنّمَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ [ ص 91 ] قَالَ قُلْت : أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي بِمَكّةَ وَعَلَى غُرَمَائِي ، فَإِنّي أُرِيدُ أَنْ أَقْدَمَ خَيْبَرَ ، فَأُصِيبَ مِنْ فَلّ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التّجّارُ إلَى مَا هُنَالِكَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مِنْ فَيْءِ مُحَمّدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ قَالَ فَقَامُوا فَجَمَعُوا لِي مَالِي كَأَحَثّ جَمْعٍ سَمِعْت بِهِ . قَالَ وَجِئْت صَاحِبَتِي فَقُلْت ، مَالِي ، وَقَدْ كَانَ لِي عِنْدَهَا مَالٌ مَوْضُوعٌ لِعَلِيّ أَلْحَقُ بِخَيْبَرِ فَأُصِيبُ مِنْ فُرَصِ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التّجّارُ قَالَ فَلَمّا سَمِعَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ الْخَبَرَ ، وَجَاءَهُ عَنّي ، أَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ إلَى جَنْبِي وَأَنَا فِي خَيْمَةٍ مِنْ خِيَامِ التّجّارِ فَقَالَ يَا حَجّاجُ مَا هَذَا الْخَبَرُ الّذِي جِئْت بِهِ ؟ قَالَ فَقُلْت : وَهَلْ عِنْدَك حِفْظٌ لِمَا وَضَعْت عِنْدَك ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ قُلْت : فَاسْتَأْخِرْ عَنّي حَتّى أَلْقَاك عَلَى خَلَاءٍ فَإِنّي فِي جَمْعِ مَالِي كَمَا تَرَى ، فَانْصَرَفَ عَنّي حَتّى أَفْرَغَ . قَالَ حَتّى إذَا فَرَغْت مِنْ جَمْعِ كُلّ شَيْءٍ كَانَ لِي بِمَكّةَ وَأَجْمَعْت الْخُرُوجَ لَقِيت الْعَبّاسَ فَقُلْت : احْفَظْ عَلَيّ حَدِيثِي يَا أَبَا الْفَضْلِ ، فَإِنّي أَخْشَى الطّلَبَ ثَلَاثًا ، ثُمّ قُلْ مَا شِئْت ، قَالَ أَفْعَلُ . قُلْت : فَإِنّي وَاَللّهِ لَقَدْ تَرَكْت ابْنَ أَخِيك عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ يَعْنِي صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ وَلَقَدْ افْتَتَحَ خَيْبَرَ ، وَانْتَثَلَ مَا فِيهَا ، وَصَارَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا حَجّاجُ ؟ قَالَ قُلْت : إي وَاَللّهِ فَاكْتُمْ عَنّي ، وَلَقَدْ أَسْلَمْت وَمَا جِئْت إلّا لِآخُذَ مَالِي ، فَرَقًا مِنْ أَنْ أُغْلَبَ عَلَيْهِ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثٌ فَأَظْهِرْ أَمْرَك ، فَهُوَ وَاَللّهِ عَلَى مَا تُحِبّ ، قَالَ حَتّى إذَا كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ لَبِسَ الْعَبّاسُ حُلّةً لَهُ وَتَحَلّقَ وَأَخَذَ عَصَاهُ ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى الْكَعْبَةَ ، فَطَافَ بِهَا ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا : يَا أَبَا الْفَضْلِ هَذَا وَاَللّهِ التّجَلّدُ لِحَرّ الْمُصِيبَةِ ، قَالَ كَلّا ، وَاَللّهِ الّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ لَقَدْ افْتَتَحَ مُحَمّدٌ خَيْبَرَ وَتُرِكَ عَرُوسًا عَلَى بِنْتِ مَلِكِهِمْ وَأَحْرَزَ أَمْوَالَهُمْ وَمَا فِيهَا فَأَصْبَحَتْ لَهُ وَلِأَصْحَابِهِ قَالُوا : مَنْ جَاءَك بِهَذَا الْخَبَرِ ؟ قَالَ الّذِي جَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ وَلَقَدْ دَخَلَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمًا ، فَأَخَذَ مَالَهُ فَانْطَلَقَ لِيَلْحَقَ بِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ فَيَكُونَ مَعَهُ . قَالُوا : يَا لَعِبَادِ [ ص 92 ] لَكَانَ لَنَا وَلَهُ شَأْنٌ قَالَ وَلَمْ يَنْشَبُوا أَنْ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ بِذَلِكَ .
Sحَدِيثُ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ
[ ص 90 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ : وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ إسْلَامِهِ خَبَرًا عَجِيبًا اتّفَقَ لَهُ مَعَ الْجِنّ ، وَهُوَ وَالِدُ نَصْرِ بْنِ حَجّاجٍ الّذِي حَلَقَ عُمَرُ رَأْسَهُ وَنَفَاهُ مِنْ الْمَدِينَةِ لَمّا سَمِعَ قَوْلَ الْمَرْأَةِ فِيهِ
أَلَا سَبِيلَ إلَى خَمْرٍ فَأَشْرَبَهَا ... أَمْ لَا سَبِيلَ إلَى نَصْرِ بْنِ حَجّاجِ
وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ هِيَ الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ هَمّامٍ وَيُقَالُ إنّهَا أُمّ الْحَجّاجِ بْنِ يُوسُفَ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ : يَا ابْنَ الْمُتَمَنّيَةِ وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النّاسِ لِمّةً وَوَجْهًا ، فَأَتَى الشّامَ ، فَنَزَلَ عَلَى أَبِي الْأَعْوَرِ السّلَمِيّ فَهَوِيَتْهُ امْرَأَتُهُ وَهَوَاهَا ، وَفَطِنَ أَبُو الْأَعْوَرِ لِذَلِكَ بِسَبَبِ يَطُولُ ذِكْرُهُ فَابْتَنَى لَهُ قُبّةً فِي أَقْصَى الْحَيّ فَكَانَ بِهَا ، فَاشْتَدّ ضَنَاهُ بِالْمَرْأَةِ حَتّى مَاتَ كَلَفًا بِهَا ، وَسُمّيَ الْمُضْنَى وَضُرِبَتْ بِهِ الْأَمْثَالُ . وَذَكَرَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ لَهُ خَبَرَهُ بِطُولِهِ . [ ص 91 ] وَيُقَالُ لَهُ الْعُلْطَةُ أَيْضًا ، وَقَوْلُهُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا بُدّ لِي أَنْ أَقُولَ فَقَالَ لَهُ " قُلْ " ، يَعْنِي التّكَذّبَ فَأَبَاحَهُ لَهُ لِأَنّهُ مِنْ خُدَعِ الْحَرْبِ وَقَالَ الْمُبَرّدُ إنّمَا صَوَابُهُ أَتَقَوّلُ إذا أَرَدْت مَعْنَى التّكَذّبِ وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى حَبِيبٌ فَقَالَ
بِحَسْبِ امْرِئِ أَثْنَى عَلَيْك بِأَنّهُ ... يَقُولُ وَإِنْ أَرْبَى فَلَا يَتَقَوّلُ
أَيْ يَقُولُ الْحَقّ إذَا مَدَحَك ، وَإِنْ أَفْرَطَ فَلَيْسَ إفْرَاطُهُ بِتَقَوّلِ .
تَفْسِيرُ أَوْلَى لَك
[ ص 92 ] وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِ حَجّاجٍ أَنْ قُرَيْشًا قَالَتْ حِينَ أَفْلَتَهُمْ أَوْلَى لَهُ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا : الْوَعِيدُ وَفِي التّنْزِيلِ { أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى } [ الْقِيَامَةُ 34 ] ، فَهِيَ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ مِنْ وَلِيَ أَيْ قَدْ وَلِيَهُ الشّرّ ، وَقَالَ الْفَارِسِيّ : هِيَ اسْمُ عِلْمٍ وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِفْ وَجَدْت هَذَا فِي بَعْضِ مَسَائِلِهِ وَلَا تَتّضِحُ لِي الْعَلَمِيّةُ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَإِنّمَا هُوَ عِنْدِي كَلَامٌ حُذِفَ مِنْهُ وَالتّقْدِيرُ الّذِي تَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ الشّرّ أَوْ الْعُقُوبَةِ أَوْلَى لَك ، أَيْ أَلْزَمُ لَك ، أَيْ إنّهُ يَلِيك ، وَهُوَ أَوْلَى لَك ، مِمّا فَرَرْت مِنْهُ فَهُوَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَلَمْ يَنْصَرِفْ لِأَنّهُ وَصْفٌ عَلَى وَزْنِ أَفْعَلَ وَقَوْلُ الْفَارِسِيّ هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ تَبّا لَهُ غَيْرَ أَنّهُ جَعَلَهُ عَلَمًا لِمَا رَآهُ غَيْرَ مُنَوّنٍ .
شِعْرُ حَسّانَ عَنْ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ قَوْلُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ :
بِئْسَمَا قَاتَلَتْ خَيَابِرُ عَمّا ... جَمَعُوا مِنْ مَزَارِعٍ وَنَخِيلِ
كَرِهُوا الْمَوْتَ فَاسْتُبِيحَ حِمَاهُمْ ... وَأَقَرّوا فِعْلَ اللّئِيمِ الذّلِيلِ
أَمِنْ الْمَوْتِ يَهْرُبُونَ فَإِنّ الْ ... مَوْتَ مَوْتُ الْهُزَالِ غَيْرُ جَمِيلِ
حَسّانُ يَعْتَذِرُ عَنْ أَيْمَنَ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، وَهُوَ يَعْذُرُ أَيْمَنَ ابْنَ أُمّ أَيْمَنَ بْنِ عُبَيْدٍ ، وَكَانَ قَدْ تَخَلّفَ [ ص 93 ] خَيْبَرَ ، وَهُوَ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَيْمَنَ مَوْلَاةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهِيَ أُمّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، فَكَانَ أَخَا أُسَامَةَ لِأُمّهِ
عَلَى حِينِ أَنْ قَالَتْ لِأَيْمَن أُمّهُ ... جَبُنْت وَلَمْ تَشْهَدْ فَوَارِسَ خَيْبَرِ
وَأَيْمَنُ لَمْ يَجْبُنْ وَلَكِنّ مُهْرَهُ ... أَضَرّ بِهِ شُرْبُ الْمَدِيدِ الْمُخَمّرِ
وَلَوْلَا الّذِي قَدْ كَانَ مِنْ شَأْنِ مُهْرِهِ ... لَقَاتَلَ فِيهِمْ فَارِسًا غَيْرَ أَعْسَرِ
وَلَكِنّهُ قَدْ صَدّهُ فِعْلُ مُهْرِهِ ... وَمَا كَانَ مِنْهُ عِنْدَهُ غَيْرَ أَيْسَرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَأَنْشَدَنِي :
وَلَكِنّهُ قَدْ صَدّهُ شَأْنُ مُهْرِهِ ... وَمَا كَانَ لَوْلَا ذَاكُمْ بِمُقَصّرِ
Sأُمّ أَيْمَنَ
فَصْلٌ وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ فِي ابْنِ أُمّ أَيْمَنَ وَاسْمُ أَبِيهِ عُبَيْدٌ ، وَاسْمُ أُمّهِ أُمّ أَيْمَنَ بَرَكَةٌ وَهِيَ أُمّ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، يُقَالُ لَهَا : أُمّ الظّبَاءِ قَالَ الْوَاقِدِيّ : اسْمُهَا بَرَكَةُ بِنْتُ ثَعْلَبَةَ [ بْنِ عَمْرِو بْنِ حِصْنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَسْلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ النّعْمَانِ ] وَكَانَتْ أُمّةُ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ أُمّ أَيْمَنَ أُمّي بَعْدَ أُمّي وَيُقَالُ كَانَتْ لِآمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُمّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهِيَ الّتِي هَاجَرَتْ عَلَى قَدَمَيْهَا مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَيْسَ مَعَهَا أَحَدٌ ، وَذَلِكَ فِي حَرّ شَدِيدٍ فَعَطِشَتْ فَسَمِعَتْ حَفِيفًا فَوْقَ رَأْسِهَا ، فَالْتَفَتَتْ فَإِذَا دَلْوٌ قَدْ أُدْلِيَتْ لَهَا مِنْ السّمَاءِ فَشَرِبَتْ مِنْهَا ، فَلَمْ تَظْمَأْ أَبَدًا ، وَكَانَتْ تَتَعَهّدُ الصّوْمَ فِي حَمّارَةِ الْقَيْظِ لِتَعْطَشَ فَلَا [ ص 93 ] وَكَانَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَزُورُهَا ، وَكَانَ الْخَلِيفَتَانِ يَزُورَانِهَا بَعْدَهُ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قِصّتِهَا عَنْ أُمّ شَرِيكٍ الدّوْسِيّةِ أَنّهَا عَطِشَتْ فِي سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدْ مَاءً إلّا عِنْدَ يَهُودِيّ وَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلّا أَنْ تَدِينَ بِدِينِهِ فَأَبَتْ إلّا أَنْ تَمُوتَ عَطَشًا ، فَدُلِيَتْ لَهَا دَلْوٌ مِنْ السّمَاءِ فَشَرِبَتْ ثُمّ رُفِعَتْ الدّلْوُ وَهِيَ تَنْطُرُ . ذَكَرَ خَبَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ فِي السّيرَةِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ، وَهُوَ أَطْوَلُ مِمّا ذَكَرْنَاهُ . وَقَوْلُ حَسّانَ
وَأَيْمَنُ لَمْ يَجْبُنْ وَلَكِنّ مُهْرَهُ ... أَضَرّ بِهِ شُرْبُ الْمَدِيدِ الْمُخَمّرِ
الْمَدِيدُ وَقَعَ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَلَكِنْ أَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَنْ ابْنِ دُرَيْدٍ الْمَرِيدُ بِرَاءٍ وَالْمَرِيسُ أَيْضًا ، وَهُوَ تَمْرٌ يُنْقَعُ ثُمّ يُمْرَسُ وَأَنْشَدَ مُسْنَفَاتٍ تُسْقَى ضَيَاحَ الْمَرِيدِ
شِعْرُ نَاجِيَةَ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيّ
يَا لَعِبَادِ اللّهِ فِيمَ يُرْغَبُ ... مَا هُوَ إلّا مَأْكَلٌ وَمَشْرَبُ
وَجَنّةٌ فِيهِ نَعِيمٌ مُعْجِبُ
وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيّ أَيْضًا :
أَنَا لِمَنْ أَنْكَرَنِي ابْنُ جُنْدُبِ ... يَا رُبّ قَرْنٍ فِي مَكَرّي أَنْكَبِ
طَاحَ بِمَغْدَى أَنْسُرٍ وَثَعْلَبِ
[ ص 94 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ قَوْلُهُ " فِي مَكَرّي " ، و " طَاحَ بِمَغْدَى " .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ
وَنَحْنُ وَرَدْنَا خَيْبَرًا وَفُرُوضَهُ ... بِكُلّ فَتًى عَارِي الْأَشَاجِعِ
مِذْوَدِ جَوَادٍ لِذِي الْغَايَاتِ لَا وَاهِنِ الْقُوَى ... جَرِيءٍ عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي كُلّ مَشْهَدِ
عَظِيمِ رَمَادِ الْقِدْرِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ... ضُرُوبٍ بِنَصْلِ الْمَشْرَفِيّ الْمُهَنّدِ
يَرَى الْقَتْلَ مَدْحًا إنْ أَصَابَ شَهَادَةً ... مِنْ اللّهِ يَرْجُوهَا وَفَوْزًا بِأَحْمَدِ
يَذُودُ وَيَحْمِي عَنْ ذِمَارِ مُحَمّدٍ ... وَيَدْفَعُ عَنْهُ بِاللّسَانِ وَبِالْيَدِ
وَيَنْصُرُهُ مِنْ كُلّ أَمْرٍ يَرِيبُهُ ... يَجُودُ بِنَفْسِ دُونَ نَفْسِ مُحَمّدِ
يُصَدّقُ بِالْأَنْبِيَاءِ بِالْغَيْبِ مُخْلِصًا ... يُرِيدُ بِذَاكَ الْفَوْزَ وَالْعِزّ فِي غَدٍ
أَبُو أَيّوبَ فِي حِرَاسَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
[ ص 94 ] وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي أَيّوبَ حِينَ بَاتَ يَحْرُسُهُ حَرَسَك اللّهُ يَا أَبَا أَيّوبَ كَمَا بِتّ تَحْرُسُ نَبِيّهُ .
قَالَ الْمُؤَلّفُ فَحَرَسَ اللّهُ أَبَا أَيّوبَ بِهَذِهِ الدّعْوَةِ حَتّى إنّ الرّومَ لَتَحْرُسُ قَبْرَهُ وَيَسْتَسْقُونَ بِهِ وَيَسْتَصِحّونَ وَذَلِكَ أَنّهُ غَزَا مَعَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ سَنَةَ خَمْسِينَ فَلَمّا بَلَغُوا الْقُسْطَنْطِينَةَ مَاتَ أَبُو أَيّوبَ هُنَالِكَ وَأَوْصَى يَزِيدَ أَنْ يَدْفِنَهُ فِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْ مَدِينَةِ الرّومِ ، فَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ وَمَشَوْا بِهِ حَتّى إذَا لَمْ يَجِدُوا مَسَاغًا ، دَفَنُوهُ فَسَأَلَتْهُمْ الرّومُ عَنْ شَأْنِهِمْ فَأَخْبَرُوهُمْ أَنّهُ كَبِيرٌ مِنْ أَكَابِرِ الصّحَابَةِ فَقَالَتْ الرّومُ لِيَزِيدَ مَا أَحْمَقَك وَأَحْمَقَ مَنْ أَرْسَلَك أَأَمِنْت أَنْ نَنْبُشَهُ بَعْدَك ، فَنُحَرّقَ عِظَامَهُ فَأَقْسَمَ لَهُمْ يَزِيدُ لَئِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَنَهْدِمَنّ كُلّ كَنِيسَةٍ بِأَرْضِ الْعَرَبِ ، وَلَنَنْبِشَنّ قُبُورَهُمْ فَحِينَئِذٍ حَلَفُوا لَهُمْ بِدِينِهِمْ لَيُكْرِمُنّ قَبْرَهُ وَلَيَحْرُسُنّهُ مَا اسْتَطَاعُوا ، فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ ، قَالَ بَلَغَنِي أَنّ الرّومَ يَسْتَسْقُونَ بِقَبْرِ أَبِي أَيّوبَ رَحِمَهُ اللّهُ فَيُسْقَوْنَ .
ذِكْرُ مَقَاسِمِ خَيْبَرَ وَأَمْوَالِهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ الْمَقَاسِمُ عَلَى أَمْوَالِ خَيْبَرَ عَلَى الشّقّ وَنَطَاةَ وَالْكَتِيبَةِ ، فَكَانَتْ الشّقّ وَنَطَاةُ فِي سُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ خُمُسَ اللّهِ وَسَهْمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَهْمَ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَطُعْمَ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَطُعْمَ رِجَالٍ مَشَوْا بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ أَهْلِ فَدَك بِالصّلْحِ مِنْهُمْ مُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، أَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ شَعِيرٍ وَثَلَاثِينَ وَسْقًا مِنْ تَمْرٍ وَقُسّمَتْ خَيْبَرُ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ، مَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ ، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا ، وَلَمْ يَغِبْ عَنْهَا إلّا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ فَقَسَمَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَسَهْمِ مَنْ حَضَرَهَا ، وَكَانَ وَادِيَاهَا ، وَادِي السّرِيرَةِ ، وَوَادِي خَاصٍ ، وَهُمَا اللّذَانِ قُسِمَتْ عَلَيْهِمَا خَيْبَرُ ، وَكَانَتْ نَطَاةُ وَالشّقّ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، نَطَاةُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ وَالشّقّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، وَقُسّمَتْ الشّقّ وَنَطَاةُ عَلَى أَلْفِ سَهْمٍ وَثَمَانِمِائَةِ سَهْمٍ .
مَنْ قُسّمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ
وَكَانَتْ عِدّةُ الّذِينَ قُسّمَتْ عَلَيْهِمْ خَيْبَرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلْفَ سَهْمٍ وَثَمَانَمِائَةِ سَهْمٍ بِرِجَالِهِمْ وَخَيْلِهِمْ الرّجَالُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْخَيْلُ مِائَتَا فَارِسٍ ، فَكَانَ لِكُلّ فَرَسٍ سَهْمَانِ وَلِفَارِسِهِ سَهْمٌ وَكَانَ لِكُلّ رَاجِلٍ سَهْمٌ فَكَانَ لِكُلّ سَهْمٍ رَأْسٌ جُمِعَ إلَيْهِ مِائَةُ رَجُلٍ فَكَانَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا جُمَعٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَفِي يَوْمِ خَيْبَرَ عَرّبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَرَبِيّ مِنْ الْخَيْلِ وَهَجّنَ الْهَجِينَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَأْسًا ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيّ ، أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَهْمُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَسَهْمُ نَاعِمٍ وَسَهْمُ بَنِي بَيَاضَةَ ، وَسَهْمُ بَنِي عُبَيْدٍ ، وَسَهْمُ بَنِي حِزَامٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ وَعُبَيْدٌ السّهّامُ . [ ص 96 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ عُبَيْدٌ السّهّامُ لِمَا اشْتَرَى مِنْ السّهَامِ يَوْمَ خَيْبَرَ ، وَهُوَ عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ ، أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَهْمُ سَاعِدَةَ وَسَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ ، وَسَهْمُ النّجّارِ وَسَهْمُ حَارِثَةَ ، وَسَهْمُ أَوْسٍ . فَكَانَ أَوّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ بِنَطَاةَ سَهْمَ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ ، وَهُوَ الْخَوْعُ وَتَابَعَهُ السّرَيْرُ ، ثُمّ كَانَ الثّانِي سَهْمَ بَيَاضَةَ ، ثُمّ كَانَ الثّالِثُ سَهْمَ أُسَيْدٍ ثُمّ كَانَ الرّابِعُ سَهْمَ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ كَانَ الْخَامِسُ سَهْمَ نَاعِمٍ لِبَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَمُزَيْنَةَ وَشُرَكَائِهِمْ وَفِيهِ قُتِلَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، فَهَذِهِ نَطَاةُ . ثُمّ هَبَطُوا إلَى الشّقّ ، فَكَانَ أَوّلُ سَهْمٍ خَرَجَ مِنْهُ سَهْمَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ ، أَخِي بَنِي الْعَجْلَانِ وَمَعَهُ كَانَ سَهْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ سَهْمُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، ثُمّ سَهْمُ سَاعِدَةَ ، ثُمّ سَهْمُ النّجّارِ ، ثُمّ سَهْمُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهُ عَلَيْهِ ثُمّ سَهْمُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ ، ثُمّ سَهْمُ غِفَارٍ وَأَسْلَمَ ، ثُمّ سَهْمُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، ثُمّ سَهْمَا سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدٍ وَبَنِيّ حَرَامٍ ثُمّ سَهْمُ حَارِثَةَ ثُمّ سَهْمُ عُبَيْدٍ السّهّامِ ، ثُمّ سَهْمُ أَوْسٍ وَهُوَ سَهْمُ اللّفِيفِ جُمِعَتْ إلَيْهِ جُهَيْنَةُ وَمَنْ حَضَرَ خَيْبَرَ مِنْ سَائِرِ الْعَرَبِ ، وَكَانَ حَذْوَهُ سَهْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي كَانَ أَصَابَهُ فِي سَهْمِ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ . [ ص 97 ] ثُمّ قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَتِيبَةَ ، وَهِيَ وَادِي خَاصٍ ، بَيْنَ قَرَابَتِهِ وَبَيْنَ نِسَائِهِ وَبَيْنَ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ وَنِسَاءٍ أَعْطَاهُمْ مَعَهَا ، فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِفَاطِمَة ابْنَتِهِ مِائَتَيْ وَسْقٍ وَلِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مِائَتَيْ وَسْقٍ وَخَمْسِينَ وَسْقًا مِنْ نَوَى ، وَلِعَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ مِائَتَيْ وَسْقٍ وَلِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِائَةَ وَسْقٍ وَأَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِلصّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَابْنَيْهِ مِائَةَ وَسْقٍ لِلصّلْتِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ وَسْقًا ، وَلِأَبِي نَبِقَةَ خَمْسِينَ وَسْقًا وَلِرُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِقَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأَبِي الْقَاسِمِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِبَنَاتِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِهِ الْحُصَيْنِ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِبَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ سِتّينَ وَسْقًا ، وَلِابْنِ أَوْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ وَابْنِ إلْيَاسَ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ رُمَيْثَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِنُعَيْمِ بْنِ هِنْدٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِبُحَيْنَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِعُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ الْحَكَمِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِجُمَانَةِ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِابْنِ الْأَرْقَمِ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ الزّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِابْنِ أَبِي خُنَيْسٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ طَالِبٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِأَبِي بَصْرَةَ عِشْرِينَ وَسْقًا ، وَلِنُمَيْلَةَ الْكَلْبِيّ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِعَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبٍ وَابْنَتَيْهِ تِسْعِينَ وَسْقًا ، لَابْنَيْهِ مِنْهَا أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ حَبِيبٍ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِمَلْكُو بْنِ عَبْدَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِنِسَائِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبْعَمِائَةِ وَسْقٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَمْحٌ وَشَعِيرٌ وَتَمْرٌ وَنَوًى وَغَيْرُ ذَلِكَ قَسَمَهُ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ وَكَانَتْ الْحَاجَةُ فِي بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَكْثَرَ وَلِهَذَا أَعْطَاهُمْ أَكْثَرَ . [ ص 98 ]
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ ذِكْرُ مَا أَعْطَى مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءَهُ مِنْ قَمْحِ خَيْبَرَ
قَسَمَ لَهُنّ مِائَةَ وَسْقٍ وَثَمَانِينَ وَسْقًا ، وَلِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَةً وَثَمَانِينَ وَسْقًا ، وَلِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِلْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ رُمَيْثَةَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ . شَهِدَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ وَعَبّاسٌ وَكَتَبَ .
وَصَاةَ الرّسُولِ عِنْدَ مَوْتِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ مَوْتِهِ إلّا بِثَلَاثِ أَوْصَى لِلرّهَاوِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ ، وَلِلدّارِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ ، وَلِلسّبَائِيّين ، وللأشعريين بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ مِنْ خَيْبَرَ ، وَأَوْصَى بِتَنْفِيذِ بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، وَأَلّا يُتْرَكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ . [ ص 99 ]
أَمْرُ فَدَك فِي خَبَرِ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ قَذَفَ اللّهُ الرّعْبَ فِي قُلُوبِ أَهْلِ فَدَك حِينَ بَلَغَهُمْ مَا أَوْقَعَ اللّهُ تَعَالَى بِأَهْلِ خَيْبَرَ ، فَبَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَالِحُونَهُ عَلَى النّصْفِ مِنْ فَدَك ، فَقَدِمَتْ عَلَيْهِ رُسُلُهُمْ بِخَيْبَرِ أَوْ بِالطّائِفِ ، أَوْ بَعْدَمَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَقَبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ فَكَانَتْ فَدَكُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِصَةً لِأَنّهُ لَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ .
تَسْمِيَةُ النّفَرِ الدّارِيّينَ الّذِينَ أَوْصَى لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ
وَهُمْ بَنُو الدّارِ بْنِ هَانِئِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ نُمَارَةَ بْنِ لَخْمٍ ، الّذِينَ سَارُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الشّامِ : تَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ وَنُعَيْمُ بْنُ أَوْسٍ أَخُوهُ وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ ، وَعَرَفَةُ بْنُ مَالِكٍ ، سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ الرّحْمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَزّةُ بْنُ مَالِكٍ ، وَأَخُوهُ مُرّانُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَرْوَانُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَفَاكِهُ بْنُ نُعْمَانَ ، وَجَبَلَةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هِنْدِ بْنُ بَرّ ، وَأَخُوهُ الطّيّبُ بْنُ بَرّ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ .
Sقَسْمُ أَمْوَالِ خَيْبَرَ وَأَرَاضِيهَا
[ ص 95 ] أَرْضُهَا ، فَقَسَمَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَخْرَجَ الْخُمُسَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ وَقَدْ تَقَدّمَ الْكَلَامُ فِي مَعْنَى : { فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ } وَمَا مَعْنَى لِسَهْمِ اللّهِ وَسَهْمِ الرّسُولِ وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَمّا صَمَدْنَا إلَيْهِ لَذَكَرْنَا سِرّا [ ص 96 ] { فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى } بِاللّامِ وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ فِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقَالَ { وَلِلرّسُولِ } وَقَالَ فِي أَوّلِ السّورَةِ { قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ } وَقَالَ فِي آيَةِ الْفَيْءِ مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلَمْ يَقُلْ رَسُولِهِ وَكُلّ هَذَا لِحِكْمَةِ وَحَاشَا لِلّهِ أَنْ يَكُونَ حَرْفٌ مِنْ التّنْزِيلِ خَالِيًا مِنْ حِكْمَةٍ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ : قَسَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْضَ خَيْبَرَ أَثْلَاثًا أَثْلَاثًا ، السّلَالِمُ وَالْوَطِيحُ وَالْكَتِيبَةُ ، فَإِنّهُ تَرَكَهَا لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ وَمَا يَعْرُوهُمْ وَفِي هَذَا مَا يُقَوّي أَنّ الْإِمَامَ مُخَيّرٌ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ إنْ شَاءَ قَسَمَهَا أَخْذًا بِقَوْلِ اللّهِ سُبْحَانَهُ { وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } الْآيَةُ فَيُجْرِيهَا مَجْرَى الْغَنِيمَةِ وَإِنْ شَاءَ وَقَفَهَا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - أَخْذًا بِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى } إلَى قَوْلِهِ { وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ } فَاسْتَوْعَبَتْ آيَةُ الْفَيْءِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ فَسَمّى آيَةَ الْقُرَى فَيْئًا وَسَمّى الْأُخْرَى غَنِيمَةً فَدَلّ عَلَى افْتِرَاقِهِمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا افْتَرَقَا فِي التّسْمِيَةِ وَكَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ مِنْهُمْ مَنْ يَرَى قَسْمَ الْأَرْضِ كَمَا فَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرِ وَهُوَ قَوْلُ الشّافِعِيّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهَا وَقْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِبَيْتِ مَالِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ بِتَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ افْتَرَقَ رَأْيُ [ ص 97 ] فَكَانَ رَأْيُ الزّبَيْرِ الْقَسْمَ فَكَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ حِينَ افْتَتَحَ مِصْرَ فِي قَسْمِهَا فَكَتَبَ عَمْرٌو بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنْ دَعْهَا ، وَلَا تَقْسِمْهَا ، حَتّى يُجَاهِدَ مِنْهَا حَبَلُ الْحَبَلَةِ وَقَدْ شَرَحْنَا هَذِهِ الْكَلِمَةَ فِي الْمَبْعَثِ قَبْلَ هَذَا بِأَجْزَاءِ وَكَذَلِكَ اسْتَأْمَرَ عُمَرُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - الصّحَابَةَ فِي قَسْمِ أَرْضِ السّوَادِ حِينَ اُفْتُتِحَتْ فَكَانَ رَأْيُ عَلِيّ مَعَ رَأْيِ عُمَرَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا - أَنْ يَقِفَهَا ، وَلَا يَقْسِمَهَا ، وَأَرْضُ السّوَادِ أَوّلُهَا مِنْ تُخُومِ الْمَوْصِلِ مَدَامِعُ الْمَاءِ إلَى عَبّادَانَ مِنْ السّاحِلِ عَنْ يَسَارِ دِجْلَةَ ، وَفِي الْعَرْضِ مِنْ جِبَالِ حُلْوَانَ إلَى الْقَادِسِيّةِ مُتّصِلًا بِالْعُذَيْبِ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ ، كَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَكَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ دَلَعَ الْبَرّ لِسَانَهُ فِي السّوَادِ لِأَنّ الْأَرْضَ الْقَادِسِيّةَ كَلِسَانِ فِي الْبَرِيّةِ دَاخِلٌ فِي سَوَادِ الْعِرَاقِ ، حَكَاهَا الطّبَرِيّ . [ ص 98 ] سَارَ عُمَرُ إلَى الشّامِ ، وَكَانَ بِالْجَابِيَةِ شَاوَرَ فِيمَا افْتَتَحَ مِنْ الشّامِ : أَيَقْسِمُهَا ؟ فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ إنْ قَسَمْتهَا لَمْ يَكُنْ لِمَنْ يَأْتِي بَعْدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ أَوْ نَحْوَ هَذَا ، فَأَخَذَ بِقَوْلِ مُعَاذٍ فَأَلَحّ عَلَيْهِ بِلَالٌ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَطَلَبُوا الْقَسْمَ فَلَمّا أَكْثَرُوا ، قَالَ اللّهُمّ اكْفِنِي بِلَالًا وَذَوِيهِ فَلَمْ يَأْتِ الْحَوْلُ ، وَمِنْهُمْ عَلَى الْأَرْضِ عَيْنٌ تَطْرِفُ وَكَانَتْ أَرْضُ الشّامِ كُلّهَا عَنْوَةٌ إلّا مَدَائِنَهَا ، فَإِنّ أَهْلَهَا صَالَحُوا عَلَيْهَا ، وَكَذَلِكَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ فَتَحَهَا عُمَرُ صُلْحًا بَعْدَ أَنْ وَجّهَ إلَيْهَا خَالِدَ بْنَ ثَابِتٍ الْفَهْمِيّ فَطَلَبُوا مِنْهُ الصّلْحَ فَكَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ وَهُوَ بِالْجَابِيَةِ ، فَقَدِمَهَا ، وَقَبِلَ صُلْحَ أَهْلِهَا . وَأَرْضُ السّوَادِ كُلّهَا عَنْوَةٌ إلّا الْحِيرَةَ فَإِنّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ صَالَحَ أَهْلَهَا ، وَكَذَلِكَ أَرْضُ بَلَقْيَا أَيْضًا صُلْحٌ وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا : اللّيسُ . وَأَرْضُ خُرَاسَانَ عَنْوَةٌ إلّا تِرْمِذَ فَإِنّهَا قَلْعَةٌ مَنِيعَةٌ وَقِلَاعٌ سِوَاهَا ، وَأَمّا أَرْضُ مِصْرَ ، فَكَانَ اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَدْ اقْتَنَى بِهَا مَالًا وَعَابَ ذَلِكَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ أَيّوبَ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، لِأَنّ أَرْضَ الْعَنْوَةِ لَا تُشْتَرَى ، وَكَانَ اللّيْثُ يَرْوِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، أَنّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا ، وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ حَقّ لِأَنّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا أَوّلَ ثُمّ انْتَكَثَتْ بَعْدُ فَأُخِذَتْ عَنْوَةً فَمِنْ هَاهُنَا نَشَأَ الْخِلَافُ فِي أَمْرِهَا ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَقَدْ احْتَجّ مَنْ قَالَ بِالْقَسْمِ فِي أَرْضِ الْعَنْوَةِ بِأَنّ عُمَرَ لَمْ يَقِفْ أَرْضَ السّوَادِ [ ص 99 ] أَرْضَاهُمْ وَرَوَوْا أَنّ أُمّ كُرْزٍ الْبَجَلِيّةَ سَأَلَتْ سَهْمَ أَبِيهَا فِي أَرْضِ السّوَادِ وَأَبَتْ أَنْ تَتْرُكَهُ فَيْئًا ، حَتّى أَعْطَاهَا عُمَرُ رَاحِلَةً وَقَطِيفَةً حَمْرَاءَ وَثَمَانِينَ دِينَارًا ، وَكَذَلِكَ رَوَوْا عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْبَجَلِيّ فِي سَهْمِهِ بِأَرْضِ الْعِرَاقِ نَحْوًا مِنْ هَذَا ، وَقَالَ مَنْ يَحْتَجّ لِلْفَرِيقِ الْآخَرِ إنّمَا تَرَضّى عُمَرُ جَرِيرًا ، لِأَنّهُ كَانَ نَفَلَهُ تِلْكَ الْأَرْضَ فَكَانَتْ مِلْكًا لَهُ حَتّى مَاتَ وَكَذَلِكَ أُمّ كُرْزٍ كَانَ سَهْمُ أَبِيهَا نَفْلًا أَيْضًا ، جَاءَتْ بِذَلِكَ كُلّهِ الْآثَارُ الثّابِتَةُ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ .
أَبُو نَبِقَةَ
وَذَكَرَ فِيمَنْ قَسَمَ لَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ أَبَا نَبِقَةَ قَسَمَ لَهُ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَاسْمُهُ عَلْقَمَةُ بْنُ الْمُطّلِبِ وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَلْقَمَةَ ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ هُوَ مَجْهُولٌ وَقَالَ ابْنُ الْفَرَضِيّ أَبُو نَبِقَةَ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَاسْمُ أَبِي نَبِقَةَ عَبْدُ اللّهِ وَمِنْ وَلَدِهِ مُحَمّدُ بْنُ الْعَلَاءِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي نَبِقَةَ وَمِنْ وَلَدِهِ أَبُو الْحُسَيْنِ الْمُطّلِبِيّ إمَامُ مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، وَهُوَ يَحْيَى بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي نَبِقَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . [ ص 100 ]
أُمّ الْحَكَمِ
وَذَكَرَ فِيهِمْ أُمّ الْحَكَمِ وَهِيَ بِنْتُ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أُخْتُ ضُبَاعَةَ هَكَذَا قَالَ أُمّ الْحَكَمِ وَالْمَعْرُوفُ فِيهَا أَنّهَا أُمّ حَكِيمٍ وَكَانَتْ تَحْتَ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، وَأَمّا أُمّ حَكَمٍ فَهِيَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ وَهِيَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَقُلْت : إنّ ابْنَ إسْحَاقَ إيّاهَا أَرَادَ لَكِنّهَا لَمْ تَشْهَدْ خَيْبَرَ ، وَلَا كَانَتْ أَسْلَمَتْ بَعْدُ .
أُمّ رِمْثَةَ وَغَيْرُهَا
وَذَكَرَ فِيمَنْ قَسَمَ لَهُ أُمّ رِمْثَةَ وَلَا تُعْرَفُ إلّا بِهَذَا الْخَبَرِ ، وَشُهُودِهَا فَتْحَ خَيْبَرَ . وَذَكَرَ بُحَيْنَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ . وَبُحَيْنَةُ تَصْغِيرُ بَحْنَةٍ وَهِيَ نَخْلَةٌ مَعْرُوفَةٌ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَفْظُهَا مِنْ الْبَحُونَةِ وَهِيَ جُلّةُ التّمْرِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ الْفَقِيهِ وَهُوَ ابْنُ مَالِكِ بْنِ الْقِشْبِ الْأَزْدِيّ . [ ص 101 ]
الْقَسْمُ لِلنّسَاءِ مِنْ الْمَغْنَمِ
وَفِي قَسْمِهِ لِهَؤُلَاءِ النّسَاءِ حُجّةٌ لِلْأَوْزَاعِيّ لِقَوْلِهِ إنّ النّسَاءَ يُقْسَمُ لَهُنّ مَعَ الرّجَالِ فِي الْمَغَازِي ، وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا يَرَوْنَ لِلنّسَاءِ مَعَ الرّجَالِ قَسْمًا ، وَلَكِنْ يُرْضَخُ لَهُنّ مِنْ الْمَغْنَمِ أَخْذًا بِحَدِيثِ أُمّ عَطِيّةَ قَالَتْ كُنّا نَغْزُو مَعَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَنُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَنُمَرّضُ الْمَرْضَى وَيُرْضَخُ لَنَا مِنْ الْمَغْنَمِ .
[ ص 100 ] فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، يَبْعَثُ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ خَارِصًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَيَهُودَ فَيَخْرُصُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا قَالُوا : تَعَدّيْت عَلَيْنَا ؛ قَالَ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا ، فَتَقُولُ يَهُودُ بِهَذَا قَامَتْ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَإِنّمَا خَرَصَ عَلَيْهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَامًا وَاحِدًا ، ثُمّ أُصِيبَ بِمُؤْتَةِ يَرْحَمُهُ اللّهُ فَكَانَ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ ابْنِ خَنْسَاءَ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، هُوَ الّذِي يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ . فَأَقَامَتْ يَهُودُ عَلَى ذَلِكَ لَا يَرَى بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ بَأْسًا فِي مُعَامَلَتِهِمْ حَتّى عَدَوْا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَهْلٍ ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ ، فَقَتَلُوهُ فَاتّهَمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَحَدّثَنِي أَيْضًا بَشِيرُ بْنُ يَسَارٍ ، مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ أُصِيبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ بِخَيْبَرِ وَكَانَ خَرَجَ إلَيْهَا فِي أَصْحَابٍ لَهُ يَمْتَارُ مِنْهَا تَمْرًا ، فَوُجِدَ فِي عَيْنٍ قَدْ كُسِرَتْ عُنُقُهُ ثُمّ طُرِحَ فِيهَا ؛ قَالَ فَأَخَذُوهُ فَغَيّبُوهُ ثُمّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرُوا لَهُ شَأْنَهُ فَتَقَدّمَ إلَيْهِ أَخُوهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ ، وَمَعَهُ ابْنَا عَمّهِ حُوَيّصَةُ وَمُحَيّصَةُ ابْنَا مَسْعُودٍ ، وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا ، وَكَانَ صَاحِبَ الدّمِ وَكَانَ ذَا قَدَمٍ مِنْ الْقَوْمِ ، فَلَمّا تَكَلّمَ قَبْلَ ابْنَيْ عَمّهِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكُبْرُ الْكُبْرُ . [ ص 101 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كَبّرْ كَبّرْ - فِيمَا ذَكَرَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ - فَسَكَتَ فَتَكَلّمَ حُوَيّصَةُ وَمُحَيّصَةُ ، ثُمّ تَكَلّمَ هُوَ بَعْدُ فَذَكَرُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتْلَ صَاحِبِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ "أَتُسَمّونَ قَاتِلَكُمْ ثُمّ تَحْلِفُونَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَنُسَلّمَهُ إلَيْكُمْ ؟ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كُنّا لِنَحْلِفَ عَلَى مَا لَا نَعْلَمُ قَالَ " أَفَيَحْلِفُونَ بِاَللّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ثُمّ يَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ ؟ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كُنّا لِنَقْبَلَ أَيْمَانَ يَهُودَ مَا فِيهِمْ مِنْ الْكُفْرِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى إثْمٍ قَالَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ قَالَ سَهْلٌ فَوَاَللّهِ مَا أَنْسَى بَكْرَةً مِنْهَا حَمْرَاءَ ضَرَبَتْنِي وَأَنَا أَحُوزُهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدِ بْنِ قَيْظِيّ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَيْمُ اللّهِ مَا كَانَ سَهْلٌ بِأَكْثَرَ عِلْمًا مِنْهُ وَلَكِنّهُ كَانَ أَسَنّ مِنْهُ وَإِنّهُ قَالَ لَهُ وَاَللّهِ مَا هَكَذَا كَانَ الشّأْنُ وَلَكِنّ سَهْلًا أَوْهَمَ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْلِفُوا عَلَى مَا لَا عِلْمَ لَكُمْ بِهِ وَلَكِنّهُ كَتَبَ إلَى يَهُودِ خَيْبَرَ حِينَ كَلّمَتْهُ الْأَنْصَارُ : إنّهُ قَدْ وُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَبْيَاتِكُمْ فَدُوهُ فَكَتَبُوا إلَيْهِ يَحْلِفُونَ بِاَللّهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا . فَوَدَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ مِثْلَ حَدِيثِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ بُجَيْدٍ إلّا أَنّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ دُوهُ أَوْ ائْذَنُوا بِحَرْبِ . فَكَتَبُوا يَحْلِفُونَ بِاَللّهِ مَا قَتَلُوهُ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ قَاتِلًا ، فَوَدَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِ [ ص 102 ]
عُمَر يُجْلِي يَهُودَ خَيْبَرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَأَلْت ابْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ : كَيْفَ كَانَ إعْطَاءُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَهُودَ خَيْبَرَ نَخْلَهُمْ حِينَ أَعْطَاهُمْ النّخْلَ عَلَى خَرْجِهَا ، أَبَتّ ذَلِك لَهُمْ حَتّى قُبِضَ أَمْ أَعْطَاهُمْ إيّاهَا لِلضّرُورَةِ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ ؟ . فَأَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عِنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ وَكَانَتْ خَيْبَرُ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمّسَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَنَزَلَ مَنْ نَزَلَ مِنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلَاءِ بَعْدَ الْقِتَالِ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنْ شِئْتُمْ دَفَعْت إلَيْكُمْ هَذِهِ الْأَمْوَالَ عَلَى أَنْ تَعْمَلُوهَا ، وَتَكُونُ ثِمَارُهَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَأُقِرّكُمْ مَا أَقَرّكُمْ اللّهُ فَقَبِلُوا ، فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ يَعْمَلُونَهَا . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ، فَيَقْسِمُ ثَمَرَهَا ، وَيَعْدِلُ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرْصِ فَلَمّا تَوَفّى اللّهُ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقَرّهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ تَعَالَى عَنْهُ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى الْمُعَامَلَةِ الّتِي عَامَلَهُمْ عَلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تُوُفّيَ ثُمّ أَقَرّهَا عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ صَدْرًا مِنْ إمَارَتِهِ ثُمّ بَلَغَ عُمَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي وَجَعِهِ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ فِيهِ لَا يَجْتَمِعَن بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ فَفَحَصَ عُمَرُ ذَلِكَ حَتّى بَلَغَهُ الثّبْتُ فَأَرْسَلَ إلَى يَهُودَ فَقَالَ " إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ أَذِنَ فِي جَلَائِكُمْ " ، قَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " لَا يَجْتَمِعَن بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْيَهُودِ فَلْيَأْتِنِي بِهِ أُنْفِذْهُ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ [ ص 103 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْيَهُودِ ، فَلْيَتَجَهّزْ لِلْجَلَاءِ فَأَجْلَى عُمَرُ مَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ خَرَجْت أَنَا وَالزّبَيْرُ وَالْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ إلَى أَمْوَالِنَا بِخَيْبَرِ نَتَعَاهَدُهَا ، فَلَمّا قَدِمْنَا تَفَرّقْنَا فِي أَمْوَالِنَا ، قَالَ فَعُدِيَ عَلَيّ تَحْتَ اللّيْلِ وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى فِرَاشِي ، فَفُدِعَتْ يَدَايَ مِنْ مِرْفَقِي ، فَلَمّا أَصْبَحْت أَسْتَصْرِخُ عَلَيّ صَاحِبَايَ فَأَتَيَانِي فَسَأَلَانِي : مَنْ صَنَعَ هَذَا بِك ؟ فَقُلْت : لَا أَدْرِي ؛ قَالَ فَأَصْلَحَا مِنْ يَدَيّ ثُمّ قَدِمَا بِي عَلَى عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ هَذَا عَمَلُ يَهُودَ ثُمّ قَامَ فِي النّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَنّا نُخْرِجُهُمْ إذَا شِئْنَا ، وَقَدْ عَدَوْا عَلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، فَفَدِعُوا يَدَيْهِ كَمَا قَدْ بَلَغَكُمْ مَعَ عَدْوِهِمْ عَلَى الْأَنْصَارِيّ قَبْلَهُ لَا نَشُكّ أَنّهُمْ أَصْحَابُهُ لَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوّ غَيْرُهُمْ فَمَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِخَيْبَرِ فَلْيَلْحَقْ بِهِ فَإِنّي مُخْرِجٌ يَهُودَ فَأَخْرَجَهُمْ
قِسْمَةُ عُمَرَ لِوَادِي الْقُرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَكْنَفٍ ، أَخِي بَنِي حَارِثَةَ ، قَالَ لَمّا أَخْرَجَ عُمَرُ يَهُودَ مِنْ خَيْبَرَ رَكِبَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَخَرَجَ مَعَهُ جُبَارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ ابْنِ خَنْسَاءَ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، وَكَانَ خَارَصَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَحَاسَبَهُمْ - وَيَزِيدُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُمَا قَسَمَا خَيْبَرَ بَيْنَ أَهْلِهَا ، عَلَى أَصْلِ جَمَاعَةِ السّهْمَانِ الّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا . وَكَانَ مَا قَسَمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ مِنْ وَادِي الْقُرَى ، لِعُثْمَانِ بْنِ عَفّانَ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ خَطَرٌ وَلِعُمَرِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ خَطَرٌ وَلِعَامِرِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ خَطَرٌ وَلِعَمْرِو بْنِ سُرَاقَةَ خَطَرٌ وَلِأَشْيَمَ خَطَرٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ وَلِأَسْلَمَ وَلِبَنِي جَعْفَرٍ خَطَرٌ وَلِمُعَيْقِيبٍ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ اللّهِ بْنِ الْأَرْقَم ِ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ اللّهِ وَعُبَيْدِ اللّهِ خَطَرَانِ وَلِابْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ خَطَرٌ وَلِابْنِ [ ص 104 ] الْبُكَيْرِ خَطَرٌ وَلِمُعْتَمِرِ خَطَرٌ وَلِزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ خَطَرٌ وَلِأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ خَطَرٌ وَلِمُعَاذِ ابْنِ عَفْرَاءَ خَطَرٌ وَلِأَبِي طَلْحَةَ وَحَسَنٍ خَطَرٌ وَلِجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ خَطَرٌ وَلِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَاب ٍ خَطَرٌ وَلِمَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو خَطَرٌ وَلِابْنِ حُضَيْرٍ خَطَرٌ وَلِابْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَطَرٌ وَلِسَلَامَةِ بْنِ سَلَامَةَ خَطَرٌ وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي شَرِيكٍ خَطَرٌ وَلِأَبِي عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ خَطَرٌ وَلِمُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ خَطَرٌ وَلِعُبَادَةَ بْنِ طَارِقٍ خَطَرٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ لِقَتَادَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلِجَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ نِصْفُ خَطَرٍ وَلِابْنَيْ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ نِصْفُ خَطَرٍ وَلِابْنِ حَزَمَةَ وَالضّحّاكِ خَطَرٌ فَهَذَا مَا بَلَغَنَا مِنْ أَمْرِ خَيْبَرَ وَوَادِي الْقُرَى وَمَقَاسِمِهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْخَطَرُ النّصِيبُ . يُقَالُ أَخْطَرَ لِي فُلَانٌ خَطَرًا .
ذِكْرُ قُدُومِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِنْ الْحَبَشَةِ وَحَدِيثُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْحَبَشَةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الْأَجْلَحِ عَنْ الشّعْبِيّ : أَنّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ فَتْحِ خَيْبَرَ ، فَقَبّلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَالْتَزَمَهُ وَقَالَ مَا أَدْرِي بِأَيّهِمَا أَنَا أُسَرّ : بِفَتْحِ خَيْبَرَ ، أَمْ بِقُدُومِ جَعْفَرٍ ؟ [ ص 105 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مَنْ أَقَامَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّجَاشِيّ عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، فَحَمَلَهُمْ فِي سَفِينَتَيْنِ فَقَدِمَ بِهِمْ عَلَيْهِ وَهُوَ بِخَيْبَرِ بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ . مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيّةُ وَابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَكَانَتْ وَلَدَتْهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . قُتِلَ جَعْفَرٌ بِمُؤْتَةِ مِنْ أَرْضِ الشّامِ أَمِيرًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفِ بْنِ أَسْعَدَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ هُمَيْنَةُ بِنْتُ خَلَفٍ - وَابْنَاهُ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ وَأُمّهُ بِنْتُ خَالِدٍ وَلَدَتْهُمَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . قُتِلَ خَالِدٌ بِمَرْجِ الصّفّرِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ بِأَرْضِ الشّامِ ؟ وَأَخُوهُ عَمْرُو بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُحَرّثٍ الْكِنَانِيّ ، هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . قُتِلَ عَمْرٌو بِأَجْنَادِينَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَلِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ يَقُولُ أَبُوهُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ أَبُو أُحَيْحَةُ
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي عَنْك يَا عَمْرُو سَائِلًا ... إذَا شَبّ وَاشْتَدّتْ يَدَاهُ وَسُلّحَا
أَتَتْرُكُ أَمْرَ الْقَوْمِ فِيهِ بَلَابِلُ ... تَكَشّفَ غَيْظًا كَانَ فِي الصّدْرِ مُوجَحَا
وَلِعَمْرِو وَخَالِدٍ يَقُولُ أَخُوهُمَا أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، حِينَ أَسْلَمَا وَكَانَ أَبُوهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ هَلَكَ بِالظّرَيْبَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الطّائِفِ ، هَلَكَ فِي مَالٍ لَهُ بِهَا :
أَلَا لَيْتَ مَيْتًا بِالظّرَيْبَةِ شَاهِدُ ... لِمَا يَفْتَرِي فِي الدّينِ عَمْرٌو وَخَالِدُ
أَطَاعَا بِنَا أَمْرَ النّسَاءِ فَأَصْبَحَا ... يُعِينَانِ مِنْ أَعْدَائِنَا مَنْ نُكَايِدُ
[ ص 106 ] خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، فَقَالَ
أَخِي مَا أَخِي لَا شَاتِمٌ أَنَا عِرْضَهُ ... وَلَا هُوَ مِنْ سُوءِ الْمَقَالَةِ مُقْصِرُ
يَقُولُ إذَا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ أُمُورُهُ ... أَلَا لَيْتَ مَيْتًا بِالظّرَيْبَةِ يُنْشَرُ
فَدَعْ عَنْك مَيْتًا قَدْ مَشَى لِسَبِيلِهِ ... وَأَقْبِلْ عَلَى الْأَدْنَى الّذِي هُوَ أَفْقَرُ
وَمُعَيْقِيبُ بْنُ أَبِي فَاطِمَةَ خَازِنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ عَلَى بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ إلَى آلِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ؟ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ ، حَلِيفُ آلِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : الْأَسْوَدُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : جَهْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ مَعَهُ ابْنَاهُ عَمْرُو بْنُ جَهْمٍ وَخُزَيْمَةُ بْنُ جَهْمٍ وَكَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَرْمَلَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْأَسْوَدِ هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَابْنَاهُ لَهَا . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : عَامِرُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ وَعُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ هُذَيْلٍ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ : الْحَارِثُ بْنُ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ وَقَدْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جُبَيْلَةَ هَلَكَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ : عُثْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ أُهْبَانَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ ، مَحْمِيّةُ بْنُ الْجَزْءِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ ، كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَهُ عَلَى خُمُسِ الْمُسْلِمِينَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ : أَبُو حَاطِبِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ؟ وَمَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ عَمْرَةُ بِنْتُ السّعْدِيّ بْنِ وَقْدَانَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . رَجُلَانِ . [ ص 107 ] وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرَانَ بْنِ مَالِكٍ : الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطٍ . رَجُلٌ . وَقَدْ كَانَ حَمَلَ مَعَهُمْ فِي السّفِينَتَيْنِ نِسَاءً مِنْ نِسَاءِ مَنْ هَلَكَ هُنَالِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . فَهَؤُلَاءِ الّذِينَ حَمَلَ النّجَاشِيّ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الْضّمْرِي ّ فِي السّفِينَتَيْنِ فَجَمِيعُ مَنْ قَدِمَ فِي السّفِينَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا .
Sالْمُصَافَحَةُ وَالْمُعَانَقَةُ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ قُدُومَ أَصْحَابِ السّفِينَةِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَفِيهِمْ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْتَزَمَهُ وَقَبّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَقَدْ احْتَجّ بِهَذَا الْحَدِيثِ الثّوْرِيّ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ فِي جَوَازِ الْمُعَانَقَةِ وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنّهُ خُصُوصٌ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ سُفْيَانُ مِنْ حَمْلِ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ أَظْهَرُ وَقَدْ الْتَزَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ مَكّةَ . [ ص 102 ] وَأَمّا الْمُصَافَحَةُ بِالْيَدِ عِنْدَ السّلَامِ فَفِيهَا أَحَادِيثُ مَعَهَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ تَمَامُ تَحِيّتِكُمْ الْمُصَافَحَةُ وَمَعَهَا حَدِيثٌ آخَرُ أَنّ أَهْلَ الْيَمَنِ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ صَافَحُوا النّاسَ بِالسّلَامِ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ أَهْلَ الْيَمَنِ قَدْ سَنّوا لَكُمْ الْمُصَافَحَةَ ثُمّ نَدَبَ إلَيْهَا بِلَفْظِ لَا أَذْكُرُهُ الْآنَ غَيْرَ أَنّ مَعْنَاهُ تَنْزِلُ عَلَيْهَا مِائَةُ رَحْمَةٍ تِسْعُونَ مَعَهَا لِلْبَادِئِ وَعَنْ مَالِكٍ فِيهَا رِوَايَتَانِ الْإِبَاحَةُ وَالْكَرَاهَةُ وَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ الْكَرَاهِيَةِ فِي ذَلِكَ .
وَلَدُ جَعْفَرٍ وَالنّجَاشِيّ
وَكَانَ جَعْفَرٌ قَدْ وُلِدَ لَهُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ مُحَمّدٌ وَعَوْنٌ وَعَبْدُ اللّهِ وَكَانَ النّجَاشِيّ قَدْ وُلِدَ لَهُ مَوْلُودٌ يَوْمَ وُلِدَ عَبْدُ اللّهِ فَأَرْسَلَ إلَى جَعْفَرٍ يَسْأَلُهُ كَيْفَ أَسْمَيْت ابْنَك ؟ فَقَالَ أَسْمَيْته عَبْدَ اللّهِ فَسَمّى النّجَاشِيّ ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ وَأَرْضَعَتْهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ امْرَأَةُ جَعْفَرٍ مَعَ ابْنِهَا عَبْدِ اللّهِ فَكَانَا يَتَوَاصَلَانِ بِتِلْكَ الْأُخُوّةِ . [ ص 103 ]
ضَبْطُ أَجْنَادِينَ
وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ سَعِيدٍ ، وَأَنّهُ اُسْتُشْهِدَ بِأَجْنَادِينَ هَكَذَا تَقَيّدَ فِي الْأَصْلِ بِكَسْرِ الدّالِ وَفَتْحِ أَوّلِهِ وَكَذَا سَمِعْت الشّيْخَ الْحَافِظَ أَبَا بَكْرٍ يَنْطِقُ بِهِ وَقَيّدْنَاهُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ طَاهِرٍ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ إجْنَادِينَ بِكَسْرِ أَوّلِهِ وَفَتْحِ الدّالِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اسْتَعْجَمَ أَجْنَادِينَ بِفَتْحِ أَوّلِهِ وَفَتْحِ الدّالِ وَقَالَ كَأَنّهُ تَثْنِيَةُ أَجْنَادٍ . [ ص 104 ]
الْقَادِسِيّةُ وَيَوْمُ الْهَرِيرِ
وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ التّيْمِيّ ، وَأَنّهُ قُتِلَ بِالْقَادِسِيّةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ وَالْقَادِسِيّةُ آخِرُ أَرْضِ الْعَرَبِ ، وَأَوّلُ أَرْضِ السّوَادِ وَفِي أَيّامِهَا قُتِلَ رُسْتُمُ مَلِكُ الْفُرْسِ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيّامهَا يُسَمّى يَوْمَ الْهَرِيرِ وَكَانَ قَدْ أَقْبَلَ بِالْفِيَلَةِ وَجُمُوعٍ لَمْ يُسْمَعْ بِمِثْلِهَا ، وَالْمُسْلِمُونَ فِي عَدَدٍ دُونِ الْعَشْرِ مِنْ عَدَدِ الْمَجُوسِ فَكَانَ الظّفَرُ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ الْأَمِيرُ عَلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، وَخَبَرُهَا طَوِيلٌ يَشْتَمِلُ عَلَى أَعَاجِيبَ مِنْ فَتْحِ اللّهِ تَعَالَى عَلَى هَذِهِ الْأُمّةِ اسْتَقْصَاهَا سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي كِتَابِ الْفُتُوحِ ثُمّ الطّبَرِيّ بَعْدَهُ وَسُمّيَتْ الْقَادِسِيّةُ بِرَجُلِ مِنْ الْهَرَةِ وَكَانَ كِسْرَى قَدْ أَسْكَنَهُ بِهَا اسْمُهُ قَادِسٌ وَقِيلَ وَسُمّيَتْ بِقَوْمِ نَزَلُوهَا مِنْ قَادِسٍ وَقَادِسٌ بِخُرَاسَانَ ، وَأَمّا الْقَادِسُ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فَمِنْ أَسْمَاءِ السّفِينَةِ .
عَنْ بَعْضِ الْقَادِمِينَ مِنْ الْحَبَشَةِ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ فِيمَنْ قَدِمَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ هِشَامَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ مِهْشَمٌ وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ هِشَامًا . هَذَا فِيمَنْ قَدِمَ [ ص 105 ] الْحَبَشَةِ غَيْرَ أَنّهُ قَالَ فِيهِ هَاشِمٌ وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ ، وَلَا أَبُو مَعْشَرٍ فِي الْقَادِمِينَ مِنْ الْحَبَشَةِ .
وَكَانَ مِمّنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَلَمْ يَقْدَمْ إلّا بَعْدَ بَدْرٍ وَلَمْ يَحْمِلْ النّجَاشِيّ فِي السّفِينَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّ ، أَسَدُ خُزَيْمَةَ ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَابْنَتُهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ اللّهِ وَبِهَا كَانَتْ تُكَنّى أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ وَكَانَ اسْمُهَا رَمْلَةَ . خَرَجَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُهَاجِرًا ، فَلَمّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ تَنَصّرَ بِهَا وَفَارَقَ الْإِسْلَامَ وَمَاتَ هُنَالِكَ نَصْرَانِيّا ، فَخَلّفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى امْرَأَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ خَرَجَ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُسْلِمًا ، فَلَمّا قَدِمَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ تَنَصّرَ قَالَ فَكَانَ إذَا مَرّ بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَتّحْنَا وَصَأْصَأْتُمْ أَيْ قَدْ أَبْصَرْنَا وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ الْبَصَرَ وَلَمْ تُبْصِرُوا بَعْدُ . وَذَلِكَ أَنّ وَلَدَ الْكَلْبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ عَيْنَيْهِ لِلنّظَرِ صَأْصَأَ قَبْلَ ذَلِكَ فَضَرَبَ ذَلِكَ لَهُ وَلَهُمْ مَثَلًا : أَيْ أَنّا قَدْ فَتّحْنَا أَعْيُنَنَا فَأَبْصَرْنَا ، وَلَمْ تَفْتَحُوا أَعْيُنَكُمْ فَتُبْصِرُوا ، وَأَنْتُمْ تَلْتَمِسُونَ ذَلِكَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، وَهُوَ أَبُو أُمَيّةَ بِنْتُ قَيْسٍ الّتِي كَانَتْ مَعَ أُمّ حَبِيبَةَ ؟ وَامْرَأَتُهُ بَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ مَوْلَاةُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، كَانَتَا ظِئْرَيْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ فَخَرَجَا بِهِمَا مَعَهُمَا حِينَ هَاجَرَا إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ . رَجُلَانِ . [ ص 108 ] وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : يَزِيدُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ، قُتِلَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهِيدًا ، وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : أَبُو الرّومِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَفِرَاسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . رَجُلَانِ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ : الْمُطّلِبُ بْنُ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ ( بْنِ ) الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَلَدَتْ لَهُ هُنَالِكَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْمُطّلِبِ فَكَانَ يُقَالُ إنْ كَانَ لَأَوّلُ رَجُلٍ وَرِثَ أَبَاهُ فِي الْإِسْلَامِ رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ ، قُتِلَ بِالْقَادِسِيّةِ مَعَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبٍ : هَبّارُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ؟ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُفْيَانَ ، قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ بِالشّامِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يُشَكّ فِيهِ أَقُتِلَ ثَمّ أَمْ لَا ؟ وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 109 ] وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ : حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، وَابْنَاهُ مُحَمّدٌ وَالْحَارِثُ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُجَلّلِ هَلَكَ حَاطِبٌ هُنَالِكَ مُسْلِمًا ، فَقَدِمَتْ امْرَأَتُهُ وَابْنَاهُ وَهِيَ أُمّهُمَا ، فِي إحْدَى السّفِينَتَيْنِ وَأَخُوهُ خَطّابُ بْنُ الْحَارِثِ ، مَعَهُ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ هَلَكَ هُنَالِكَ مُسْلِمًا ، فَقَدِمَتْ امْرَأَتُهُ فُكَيْهَةُ فِي إحْدَى السّفِينَتَيْنِ ؟ وَسُفْيَانُ بْنُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ وَابْنَاهُ جُنَادَةُ وَجَابِرٌ وَأُمّهُمَا مَعَهُ حَسِنَةَ وَأَخُوهُمَا لِأُمّهِمَا شُرَحْبِيلُ ابْنُ حَسِنَةَ وَهَلَكَ سُفْيَانُ وَهَلَكَ ابْنَاهُ جُنَادَةُ وَجَابِرٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . سِتّةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ الشّاعِرُ هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَقَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَهُوَ رَسُولُ ( رَسُولِ ) اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى كِسْرَى ، وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ ، وَبِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ ، وَأَخٌ لَهُ مِنْ أُمّهِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، يُقَالُ لَهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو ، قُتِلَ بِأَجْنَادِينَ فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَسَعِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ ، قُتِلَ عَامَ الْيَرْمُوكِ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَالسّائِبُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ ، جُرِحَ بِالطّائِفِ [ ص 110 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقُتِلَ يَوْمَ فِحْلٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَيُقَالُ قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ ، يُشَكّ فِيهِ وَعُمَيْرُ بْنُ رِئَابِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ مِهْشَمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، قُتِلَ بِعَيْنِ التّمْرِ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، مُنْصَرَفَةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ ، فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُوَيْجِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَعَدِيّ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ هَلَكَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . رَجُلَانِ . وَقَدْ كَانَ مَعَ عَدِيّ ابْنُهُ النّعْمَانُ بْنُ عَدِيّ فَقَدِمَ النّعْمَانُ مَعَ مَنْ قَدِمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، فَبَقِيَ حَتّى كَانَتْ خِلَافَةَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، فَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مَيْسَانَ ، مِنْ أَرْضِ الْبَصْرَةِ ، فَقَالَ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ وَهِيَ
أَلَا هَلْ أَتَى الْحَسْنَاءَ أَنّ حَلِيلَهَا ... بِمَيْسَانَ يُسْقَى فِي زُجَاجٍ وَحَنْتَمِ
إذَا شِئْت غَنّتْنِي دَهَاقِينُ قَرْيَةٍ ... وَرَقّاصَةٌ تَجْذُو عَلَى كُلّ مَنْسِمِ
فَإِنْ كُنْت نَدْمَانِي فَبِالْأَكْبَرِ اسْقِنِي ... وَلَا تَسْقِنِي بِالْأَصْغَرِ الْمُتَثَلّمِ
لَعَلّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ يَسُوءُهُ ... تَنَادُمُنَا فِي الجَوْسَقِ الْمُتَهَدّمِ
[ ص 111 ] قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ إنّ ذَلِكَ لَيَسُوءُنِي ، فَمَنْ لَقِيَهُ فَلْيُخْبِرْهُ أَنّي قَدْ عَزَلْته ، وَعَزَلَهُ . فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ اعْتَذَرَ إلَيْهِ وَقَالَ وَاَللّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا صَنَعْت شَيْئًا مِمّا بَلَغَك أَنّي قُلْته قَطّ ، وَلَكِنّي كُنْت امْرِئِ شَاعِرًا ، وَجَدْت فَضْلًا مِنْ قَوْلٍ فَقُلْت فِيمَا تَقُولُ الشّعَرَاءُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ وَأَيْمُ اللّهِ لَا تَعْمَلْ لِي عَلَى عَمَلٍ مَا بَقِيت ، وَقَدْ قُلْت مَا قُلْت وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ : سَلِيطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْبَلِ بْنِ عَامِرٍ ، وَهُوَ كَانَ رَسُولَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ الْحَنَفِيّ بِالْيَمَامَةِ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ : عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ غَنْمِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادٍ ، وَسَعْدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ ظَرِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ ، وَعِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . فَجَمِيعُ مَنْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَقْدَمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ ، وَمَنْ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَمَنْ لَمْ يَحْمِلْ النّجَاشِيّ فِي السّفِينَتَيْنِ أَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ رَجُلًا . وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ جُمْلَةِ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ وَمِنْ أَبْنَائِهِمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ : مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ ، مَاتَ بِهَا نَصْرَانِيّا . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ . وَمِنْ بَنِي جُمَ حَ : حَاطِبُ بْنُ الْحَارِثِ وَأَخُوهُ حَطّابُ بْنُ الْحَارِثِ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسٍ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : عُرْوَةُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حُرْثَانَ بْنِ عَوْفٍ وَعَدِيّ بْنُ نَضْلَةَ . سَبْعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ أَبْنَائِهِمْ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ . رَجُلٌ .
Sوَذَكَرَ فِيمَنْ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حُذَافَةَ وَأَنّهُ الّذِي أَرْسَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى كِسْرَى . وَذَكَرَ أَيْضًا سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو ، وَأَنّهُ كَانَ رَسُولَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ الْحَنَفِيّ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ . [ ص 106 ] فَأَمّا كِسْرَى فَهُوَ أبرويز بْنُ هُرْمُزَ بْنِ أَنُوشِرْوَانَ وَمَعْنَى أبرويز الْمُظَفّرُ فِيمَا ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ ، وَهُوَ الّذِي كَانَ غَلَبَ الرّومَ ؛ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي قِصّتِهِمْ { الم غُلِبَتِ الرّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ } وَأَدْنَى الْأَرْض هِيَ بُصْرَى وَفِلَسْطِينُ ، وَأَذْرِعَاتُ مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، قَالَهُ الطّبَرِيّ . [ ص 107 ]
مِنْ رُسُلِ النّبِيّ إلَى الْمُلُوكِ وَالرّؤَسَاءِ
وَذَكَرَ أَبُو رِفَاعَةَ وَثِيمَةُ بْنُ مُوسَى بْنِ الْفُرَاتِ ، قَالَ قَدِمَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُذَافَةَ عَلَى كِسْرَى قَالَ يَا مَعْشَرَ الْفُرْسِ إنّكُمْ عِشْتُمْ بِأَحْلَامِكُمْ لِعِدّةِ أَيّامِكُمْ بِغَيْرِ نَبِيّ وَلَا كِتَابٍ وَلَا تَمَلّكٍ مِنْ الْأَرْضِ إلّا مَا فِي يَدَيْك ، وَمَا لَا تَمْلِكُ مِنْهَا أَكْثَرُ وَقَدْ مَلَكَ قَبْلَك مُلُوكٌ أَهْلُ دُنْيَا وَأَهْلُ [ ص 108 ] فَأَخَذَ أَهْلُ الْآخِرَةِ بِحَظّهِمْ مِنْ الدّنْيَا ، وَضَيّعَ أَهْلُ الدّنْيَا حَظّهُمْ مِنْ الْآخِرَةِ فَاخْتَلَفُوا فِي سَعْيِ الدّنْيَا ، وَاسْتَوَوْا فِي عَدْلِ الْآخِرَةِ وَقَدْ صَغّرَ هَذَا الْأَمْرَ عِنْدَك أَنّا أَتَيْنَاك بِهِ وَقَدْ وَاَللّهِ جَاءَك مِنْ حَيْثُ خِفْت ، وَمَا تَصْغِيرُك إيّاهُ بِاَلّذِي يَدْفَعُهُ عَنْك ، وَلَا تَكْذِيبُك بِهِ بِاَلّذِي يُخْرِجُك مِنْهُ وَفِي وَقْعَةِ ذِي قَارٍ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ فَأَخَذَ الْكِتَابَ فَمَزّقَهُ ثُمّ قَالَ لِي مُلْكٌ هَنِيءٌ لَا أَخْشَى أَنْ أُغْلَبَ عَلَيْهِ وَلَا أُشَارَكَ فِيهِ وَقَدْ مَلَكَ فِرْعَوْنُ بَنِي إسْرَائِيلَ ، وَلَسْتُمْ بِخَيْرِ مِنْهُمْ فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَمْلِكَكُمْ وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ فَأَمّا هَذَا الْمُلْكُ فَقَدْ عَلِمْنَا أَنّهُ يَصِيرُ إلَى الْكِلَابِ وَأَنْتُمْ أُولَئِكَ تَشْبَعُ بُطُونُكُمْ وَتَأْبَى عُيُونُكُمْ فَأَمّا وَقْعَةُ ذِي قَارٍ فَهِيَ بِوَقْعَةِ الشّامِ . فَانْصَرَفَ عَنْهُ عَبْدُ اللّهِ . وَإِنّمَا خَصّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَبْدَ اللّهِ بْنَ حُذَافَةَ بِإِرْسَالِهِ إلَى كِسْرَى ، لِأَنّهُ كَانَ يَتَرَدّدُ عَلَيْهِمْ كَثِيرًا وَيَخْتَلِفُ إلَى بِلَادِهِمْ وَكَذَلِك سَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو كَانَ يَخْتَلِفُ إلَى الْيَمَامَةِ ، قَالَ وَثِيمَةُ لَمّا قَدِمَ سَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو الْعَامِرِيّ عَلَى هَوْذَةَ وَكَانَ كِسْرَى قَدْ تَوَجّهَ قَالَ يَا هَوْذَةُ إنّك سَوّدَتْك أَعْظُمٌ حَائِلَةٌ وَأَرْوَاحٌ فِي النّارِ وَإِنّمَا السّيّدُ مَنْ مُنّعَ بِالْإِيمَانِ ثُمّ زُوّدَ التّقْوَى ، وَإِنّ قَوْمًا سَعِدُوا بِرَأْيِك فَلَا تَشْقَ بِهِ وَإِنّي آمِرُك بِخَيْرِ مَأْمُورٍ بِهِ وَأَنْهَاك عَنْ شَرّ [ ص 109 ] وَأَنْهَاك عَنْ عِبَادَةِ الشّيْطَانِ فَإِنّ فِي عِبَادَةِ اللّهِ الْجَنّةَ وَفِي عِبَادَةِ الشّيْطَانِ النّارَ فَإِنْ قَبِلْت نِلْت مَا رَجَوْت ، وَأَمِنْت مَا خِفْت ، وَإِنْ أَبَيْت فَبَيْنَنَا وَبَيْنَك كَشْفُ الْغِطَاءِ وَهَوْلُ الْمَطْلَعِ فَقَالَ هَوْذَةُ يَا سَلِيطُ سَوّدَنِي مَنْ لَوْ سَوّدَك شَرُفْت بِهِ وَقَدْ كَانَ لِي رَأْيٌ أَخْتَبِرُ بِهِ الْأُمُورَ فَفَقَدْته فَمَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِي هَوَاءٌ فَاجْعَلْ لِي فُسْحَةً يَرْجِعُ إلَيّ رَأْيِي ، فَأُجِيبُك بِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ . قَالَ وَمِنْ شِعْرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُذَافَةَ فِي رِسَالَتِهِ إلَى كِسْرَى وَقُدُومِهِ عَلَيْهِ
أَبَى اللّهُ إلّا أَنّ كِسْرَى فَرِيسَةٌ ... لِأَوّلِ دَاعٍ بِالْعِرَاقِ مُحَمّدَا
تَقَاذَفَ فِي فُحْشِ الْجَوَابِ مُصَغّرًا ... لِأَمْرِ الْعَرِيبِ الْخَائِضِينَ لَهُ الرّدَى
فَقُلْت لَهُ أَرْوِدْ فَإِنّك دَاخِلٌ ... مِنْ الْيَوْمِ فِي الْبَلْوَى وَمُنْتَهَبٌ غَدَا
فَأَقْبِلْ وَأَدْبِرْ حَيْثُ شِئْت ، فَإِنّنَا ... لَنَا الْمُلْكُ فَابْسُطْ لِلْمُسَالَمَةِ الْيَدَا
وَإِلّا فَأَمْسِكْ قَارِعًا سِنّ نَادِمٍ ... أَقَرّ يُذِلّ الْخَرْجَ أَوْ مُتْ مُوَحّدَا
سَفِهْت بِتَمْزِيقِ الْكِتَابِ وَهَذِهِ ... بِتَمْزِيقِ مُلْكِ الْفُرْسِ يَكْفِي مُبَدّدَا
[ ص 110 ] وَقَالَ هَوْذَةُ بْنُ عَلِيّ فِي شَأْنِ سَلِيطٍ
أَتَانِي سَلِيطُ وَالْحَوَادِثُ جَمّةٌ ... فَقُلْت لَهُمْ مَاذَا يَقُولُ سَلِيطُ ؟
فَقَالَ الّتِي فِيهَا عَلَيّ غَضَاضَةٌ ... وَفِيهَا رَجَاءٌ مُطْمِعٌ وَقُنُوطُ
فَقُلْت لَهُ غَابَ الّذِي كُنْت أَجْتَلِي ... بِهِ الْأَمْرَ عَنّي فَالصّعُودُ هُبُوطُ
وَقَدْ كَانَ لِي وَاَللّهُ بَالِغُ أَمْرِهِ ... أَبَا النّضْرِ جَأْشٌ فِي الْأُمُورِ رَبِيطُ
فَأَذْهَبَهُ خَوْفُ النّبِيّ مُحَمّدٍ ... فَهَوْذَةُ فَهّ فِي الرّجَالِ سَقِيطُ
فَأَجْمَعُ أَمْرِي مِنْ يَمِينٍ وَشَمْأَلٍ ... كَأَنّي رُدُودٌ لِلنّبَالِ لَقِيطُ
فَأَذْهَبَ ذَاكَ الرّأْيَ إذْ قَالَ قَائِلٌ ... أَتَاك رَسُولٌ لِلنّبِيّ خَبِيطُ
رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ رَاكِبُ نَاضِحٍ ... عَلَيْهِ مِنْ أَوْبَارِ الْحِجَازِ غَبِيطُ
سَكَرْت وَدَبّتْ فِي الْمَفَارِقِ وَسْنَةٌ ... لَهَا نَفَسٌ عَالِي الْفُؤَادِ غَطِيطُ
أُحَاذِرُ مِنْهُ سَوْرَةٌ هَاشِمِيّةٌ ... فَوَارِسُهَا وَسْطَ الرّجَالِ عَبِيطُ
فَلَا تُعَجّلْنِي يَا سَلِيطُ فَإِنّنَا ... نُبَادِرُ أَمْرًا وَالْقَضَاءُ مُحِيطُ
[ ص 111 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمُلُوكِ وَمَا قَالُوا وَمَا قِيلَ لَهُمْ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللّهُ
مُهَاجِرَاتُ الْحَبَشَةِ
[ ص 112 ] هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ مِنْ النّسَاءِ مَنْ قَدِمَ مِنْهُنّ وَمَنْ هَلَكَ هُنَالِكَ سِتّ عَشْرَةَ امْرَأَةً سِوَى بَنَاتِهِنّ اللّاتِي وَلَدْنَ هُنَالِكَ مَنْ قَدِمَ مِنْهُنّ وَمَنْ هَلَكَ هُنَالِكَ وَمَنْ خَرَجَ بِهِ مَعَهُنّ حِينَ خَرَجْنَ . مِنْ قُرَيْشٍ ، مِنْ بَنِي هَاشِمٍ : رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ : أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ وَمَعَهَا ابْنَتُهَا حَبِيبَةُ خَرَجَتْ بِهَا مِنْ مَكّةَ ، وَرَجَعَتْ بِهَا مَعَهَا . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ ، قَدِمَتْ مَعَهَا بِزَيْنَبِ ابْنَتِهَا مِنْ أَبِي سَلَمَةَ وَلَدَتْهَا هُنَالِكَ .
وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : رَيْطَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ جُبَيْلَةَ هَلَكَتْ بِالطّرِيقِ وَبِنْتَانِ لَهَا كَانَتْ وَلَدَتْهُمَا هُنَالِكَ عَائِشَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ هَلَكْنَ جَمِيعًا ، وَأَخُوهُنّ مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مَاءٍ شَرِبُوهُ فِي الطّرِيقِ وَقَدِمَتْ بِنْتٌ لَهَا وَلَدَتْهَا هُنَالِكَ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَلَدِهَا غَيْرُهَا ، يُقَالُ لَهَا : فَاطِمَةُ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو : رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ .
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : لَيْلَى بِنْتُ أَبِي حَثْمَةَ بْنِ غَانِمٍ .
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : سَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسٍ ، وَسَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَابْنَةُ الْمُجَلّلِ وَعَمْرَةُ بِنْتُ السّعْدِيّ بْنِ وَقْدَانَ ، وَأُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو . [ ص 113 ] وَمِنْ غَرَائِبِ الْعَرَبِ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ الْخَثْعَمِيّةُ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُحَرّثٍ الْكِنَانِيّةُ وَفُكَيْهَةُ بِنْتُ يَسَارٍ ، وَبَرَكَةُ بِنْتُ يَسَارٍ وَحَسِنَةُ أُمّ شُرَحْبِيلَ ابْنِ حَسِنَةَ . وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ وُلِدَ مِنْ أَبْنَائِهِمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ . وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ : مُحَمّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ ، وَأُخْتُهُ أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ .
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْأَسَدِ
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ أَزْهَرَ .
وَمِنْ بَنِي تَيْمٍ : مُوسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدٍ ، وَأَخَوَاتُهُ عَائِشَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَزَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ . الرّجَالُ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ وَسَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُطّلِبِ ، وَمُوسَى بْنُ الْحَارِثِ . وَمِنْ النّسَاءِ خَمْسٌ أَمَةُ بِنْتُ خَالِدٍ وَزَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ ، وَعَائِشَةُ وَزَيْنَبُ وَفَاطِمَةُ بَنَاتُ الْحَارِثِ بْنِ خَالِدِ بْنِ صَخْرٍ .
حَدِيثُ النّوْمِ عَنْ الصّلَاةِ
[ ص 112 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ نَوْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنْ الصّلَاةِ مَقْفَلَهُ مِنْ خَيْبَرَ ، وَهَذِهِ الرّوَايَةُ أَصَحّ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ كَانَ ذَلِكَ فِي غَزَاةِ حُنَيْنٍ ، وَمَنْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ لِلْحَدِيثِ كَانَ ذَلِكَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُخَالِفِ لِلرّوَايَةِ الْأُولَى ، وَأَمّا رِوَايَةُ ابْنِ إسْحَاقَ لِلْحَدِيثِ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ مُرْسَلًا ، فَهَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِ الزّهْرِيّ ، وَرَوَاهُ عَنْهُ صَالِحُ بْنُ أَبِي الْأَخْضَرِ ، وَقَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَهُ التّرْمِذِيّ ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : قَدْ رَوَاهُ [ ص 113 ] الزّهْرِيّ مُسْنَدًا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَمَعْمَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبَانِ الْعَطّارِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْهُ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ مُسْنَدًا أَيْضًا ، وَذَكَرَ فِيهِ هُوَ وَأَبَانُ الْعَطّارُ أَنّهُ أَذّنَ وَأَقَامَ فِي تِلْكَ الصّلَاةِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْوَادِي ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَذَانَ مِنْ رُوَاةِ الْحَدِيثِ إلّا قَلِيلٌ .
عُمْرَةُ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ
[ ص 114 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ عُمَيْرٍ أَقَامَ بِهَا شَهْرَيْ رَبِيعٍ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَشَوّالًا ، يَبْعَثُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فِي غَزْوِهِ وَسَرَايَاهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الّذِي صَدّهُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضَاءِ مَكَانُ عُمْرَتِهِ الّتِي صَدّوهُ عَنْهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُوَيْفَ بْنَ الْأَضْبَطِ الدّيلِيّ . وَيُقَالُ لَهَا عُمْرَةُ الْقِصَاصِ لِأَنّهُمْ صَدّوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ مِنْ سَنَةِ سِتّ فَاقْتَصّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ فَدَخَلَ مَكّةَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ الّذِي صَدّوهُ فِيهِ مِنْ سَنَةِ سَبْعٍ . وَبَلَغَنَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي ذَلِكَ { وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } [ الْبَقَرَةِ 194 ] . [ ص 115 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ مِمّنْ كَانَ صُدّ مَعَهُ فِي عُمْرَتِهِ تِلْكَ وَهِيَ سَنَةُ سَبْعٍ فَلَمّا سَمِعَ بِهِ أَهْلُ مَكّةَ خَرَجُوا عَنْهُ وَتَحَدّثَتْ قُرَيْشٌ بَيْنَهَا أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي عُسْرَةٍ وَجَهْدٍ وَشِدّةٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ صَفّوا لَهُ عِنْدَ دَارِ النّدْوَةِ لِيَنْظُرُوا إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْجِدَ اضْطَبَعَ بِرِدَائِهِ وَأَخْرَجَ عَضُدَهُ الْيُمْنَى ، ثُمّ قَالَ رَحِمَ اللّهُ امْرِئِ أَرَاهُمْ الْيَوْمَ مِنْ نَفْسِهِ قُوّةً ثُمّ اسْتَلَمَ الرّكْنَ ، وَخَرَجَ يُهَرْوِلُ وَيُهَرْوِلُ أَصْحَابُهُ مَعَهُ حَتّى إذَا وَارَاهُ الْبَيْتُ مِنْهُمْ وَاسْتَلَمَ الرّكْنَ الْيَمَانِيّ ، مَشَى حَتّى يَسْتَلِمَ الرّكْنَ الْأَسْوَدَ ، ثُمّ هَرْوَلَ كَذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى سَائِرَهَا . فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ كَانَ النّاسُ يَظُنّونَ أَنّهَا لَيْسَتْ عَلَيْهِمْ . وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا صَنَعَهَا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ لِلّذِي بَلَغَهُ عَنْهُمْ حَتّى إذَا حَجّ حَجّةَ الْوَدَاعِ فَلَزِمَهَا ، فَمَضَتْ السّنّةُ بِهَا .
Sعُمْرَةُ الْقَضِيّةِ
[ ص 114 ] وَيُقَالُ لَهَا : عُمْرَةُ الْقِصَاصِ وَهَذَا الِاسْمُ أَوْلَى بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { الشّهْرُ الْحَرَامُ بِالشّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ } [ الْبَقَرَةِ 194 ] وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهَا نَزَلَتْ فَهَذَا الِاسْمُ أَوْلَى بِهَا ، وَسُمّيَتْ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ لِأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَاضَى قُرَيْشًا عَلَيْهَا ، لَا [ ص 115 ] قَضَى الْعُمْرَةَ الّتِي صُدّ عَنْ الْبَيْتِ فِيهَا ، فَإِنّهَا لَمْ تَكُ فَسَدَتْ بِصَدّهِمْ عَنْ الْبَيْتِ بَلْ كَانَتْ عُمْرَةً تَامّةً مُتَقَبّلَةً حَتّى إنّهُمْ حِينَ حَلَقُوا رُءُوسَهُمْ بِالْحِلّ احْتَمَلَتْهَا الرّيحُ فَأَلْقَتْهَا فِي الْحَرَمِ ، فَهِيَ مَعْدُودَةٌ فِي عُمَرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهِيَ أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَعُمْرَةُ الْقَضَاءِ وَعُمْرَةُ الْجِعْرَانَةِ ، وَالْعُمْرَةُ الّتِي قَرَنَهَا مَعَ حَجّهِ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ فَهُوَ أَصَحّ الْقَوْلَيْنِ أَنّهُ كَانَ قَارِنًا فِي تِلْكَ الْحَجّةِ وَكَانَتْ إحْدَى عُمَرِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي شَوّالٍ كَذَلِكَ رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ وَأَكْثَرُ الرّوَايَاتِ أَنّهُنّ كُنّ كُلّهُنّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إلّا الّتِي قَرَنَ مَعَ حَجّهِ كَذَلِكَ رَوَى الزّهْرِيّ ، وَانْفَرَدَ مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ بِأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ قَارِنًا ، وَأَنّ عُمَرَهُ كُنّ أَرْبَعًا بِعُمْرَةِ الْقِرَانِ . وَأَمّا حَجّاتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَدْ رَوَى التّرْمِذِيّ أَنّهُ حَجّ ثَلَاثَ حَجّاتٍ ثِنْتَيْنِ بِمَكّةَ وَوَاحِدَةً بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ حَجّةُ الْوَدَاعِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ فِي الْحَقِيقَةِ إلّا حَجّةُ الْوَدَاعِ وَإِنْ كَانَ حَجّ مَعَ النّاسِ إذْ كَانَ بِمَكّةَ كَمَا رَوَى التّرْمِذِيّ ، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْحَجّ عَلَى سُنّةِ الْحَجّ وَكَمَالِهِ لِأَنّهُ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ وَكَانَ الْحَجّ مَنْقُولًا عَنْ وَقْتِهِ كَمَا تَقَدّمَ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ فَقَدْ ذَكَرَ أَنّهُمْ كَانُوا يَنْقُلُونَهُ عَلَى حَسَبِ الشّهُورِ الشّمْسِيّةِ وَيُؤَخّرُونَهُ فِي كُلّ سَنَةٍ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَهَذَا هُوَ الّذِي مَنَعَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ يَحُجّ مِنْ الْمَدِينَةِ ، حَتّى كَانَتْ مَكّةُ دَارَ إسْلَامٍ وَقَدْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَحُجّ مَقْفَلَهُ مِنْ تَبُوكَ ، وَذَلِكَ بِإِثْرِ فَتْحِ مَكّةَ بِيَسِيرِ ثُمّ ذَكَرَ أَنّ بَقَايَا الْمُشْرِكِينَ يَحُجّونَ وَيَطُوفُونَ عُرَاةً فَأَخّرَ الْحَجّ حَتّى نَبَذَ إلَى كُلّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ وَذَلِكَ فِي [ ص 116 ] حَجّ فِي السّنَةِ الْعَاشِرَةِ بَعْدَ امّحَاءِ رُسُومِ الشّرْكِ وَانْحِسَامِ سِيَرِ الْجَاهِلِيّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ إنّ الزّمَانَ قَدْ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللّهُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ .
حُكْمُ الْعُمْرَةِ
وَالْعُمْرَةُ وَاجِبَةٌ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَر َ وَابْنِ عَبّاسٍ ، وَقَالَ الشّعْبِيّ : لَيْسَتْ بِوَاجِبَةِ وَذُكِرَ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا : { وَأَتِمّوا الْحَجّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ } [ الْبَقَرَةِ 196 ] بِالرّفْعِ لَا يَعْطِفُهَا عَلَى الْحَجّ . وَقَالَ عَطَاءٌ هِيَ وَاجِبَةٌ إلّا عَلَى أَهْلِ مَكّةَ ، وَيَكْرَهُ مَالِكٌ أَنْ يَعْتَمِرَ الرّجُلُ فِي الْعَامِ مِرَارًا ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ ، وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْإِبَاحَةِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيّ وَابْنِ عَبّاسٍ وَعَائِشَةَ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ قَالُوا : يَعْتَمِرُ الرّجُلُ فِي الْعَامِ مَا شَاءَ .
[ ص 116 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ دَخَلَ مَكّةَ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ دَخَلَهَا وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ يَقُولُ
خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... خَلّوا فَكُلّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ
يَا رَبّ إنّي مُؤْمِنٌ بِقَيْلِهِ ... أَعْرِفُ حَقّ اللّهِ فِي قَبُولِه
نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ ... كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ... وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ
[ ص 117 ] لِعَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ رَوَاحَةَ إنّمَا أَرَادَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكُونَ لَمْ يُقِرّوا بِالتّنْزِيلِ وَإِنّمَا يُقْتَلُ عَلَى التّأْوِيلِ مَنْ أَقَرّ بِالتّنْزِيلِ .
Sتَفْسِيرُ شِعْرِ عَمّارٍ
وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَهُوَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ ... نَحْنُ قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ
كَمَا قَتَلْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
[ ص 117 ] فَالْيَوْمَ أَشْرَبُ غَيْرَ مُسْتَحْقِبِ
وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا فِي الْكَلَامِ إذَا اتّصَلَ بِضَمِيرِ الْجَمْعِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَمْرٍو أَنّهُ كَانَ يَقْرَأُ يَأْمُرْكُمْ وَيَنْصُرْكُمْ وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ الْأَخِيرَانِ هُمَا لِعَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، قَالَهُمَا يَوْمَ صِفّينَ وَهُوَ الْيَوْمُ الّذِي قُتِلَ فِيهِ عَمّارٌ قَتَلَهُ أَبُو الْغَادِيَةِ الْفَزَارِيّ وَابْنُ جَزْءٍ اشْتَرَكَا فِيهِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ أَبِي الْحَجّاجِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ حَرَامٌ وَكَانَ الّذِي زَوّجَهُ إيّاهَا الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَتْ جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى أُخْتِهَا أُمّ الْفَضْلِ وَكَانَتْ أُمّ الْفَضْلِ تَحْتَ الْعَبّاسِ فَجَعَلَتْ أُمّ الْفَضْلِ أَمْرَهَا إلَى الْعَبّاسِ فَزَوّجَهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ وَأَصْدَقَهَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ ثَلَاثًا ، فَأَتَاهُ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ وَكّلَتْهُ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ ؛ فَقَالُوا لَهُ إنّهُ قَدْ انْقَضَى أَجَلُك ، فَاخْرُجْ عَنّا ؛ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا عَلَيْك لَوْ تَرَكْتُمُونِي فَأَعْرَسْت بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ وَصَنَعْنَا لَكُمْ طَعَامًا فَحَضَرْتُمُوهُ ؟ [ ص 118 ] قَالُوا : لَا حَاجَةَ لَنَا فِي طَعَامِك ، فَاخْرُجْ عَنّا . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَلّفَ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ عَلَى مَيْمُونَةَ أَتَاهُ بِهَا بِسَرِفِ فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُنَالِكَ ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ فِي ذِي الْحِجّةِ . [ ص 119 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ { لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤْيَا بِالْحَقّ لَتَدْخُلُنّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصّرِينَ لَا تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا } يَعْنِي خَيْبَرَ .Sحُكْمُ الزّوَاجِ لِلْمُحْرِمِ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ تَزَوّجَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِمَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْهِلَالِيّةِ ، وَأُمّهَا هِنْدُ بِنْتُ عَوْفٍ الْكِنَانِيّةُ إلَى آخِرِ قِصّتِهَا ، وَفِيهِ أَنّ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى ، قَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ اُخْرُجْ عَنّا ، وَقَدْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَبْتَنِيَ بِمَيْمُونَةَ فِي مَكّةَ ، وَيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا ، فَقَالَ لَهُ [ ص 118 ] حُوَيْطِبٌ لَا حَاجَةَ لَنَا بِطَعَامِك فَاخْرُجْ عَنّا ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ " يَا عَاضّا بِبَظْرِ أُمّهِ أَرْضُك وَأَرْضُ أُمّك ؟ هِيَ دُونَهُ ؟ فَأَسْكَتَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَرَجَ وَفَاءً لَهُمْ بِشَرْطِهِمْ وَابْتَنَى بِهَا بِسَرِفِ وَبِسَرِفِ ، كَانَتْ وَفَاتُهَا رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا حِينَ مَاتَتْ وَذَلِكَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتّينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتّ وَسِتّينَ وَصَلّى عَلَيْهَا ابْنُ عَبّاسٍ ، وَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمّ ، وَكِلَاهُمَا ابْنُ أُخْتٍ لَهَا ، وَيُقَالُ فِيهَا نَزَلَتْ { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ } [ الْأَحْزَابِ : 50 ] فِي أَحَدِ الْأَقْوَالِ وَذَلِكَ أَنّ الْخَاطِبَ جَاءَهَا ، وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا ، فَقَالَتْ الْبَعِيرُ وَمَا عَلَيْهِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاخْتَلَفَ النّاسُ فِي تَزْوِيجِهِ إيّاهَا أَكَانَ مُحْرِمًا أَمْ حَلَالًا ، فَرَوَى ابْنُ عَبّاسٍ أَنّهُ تَزَوّجَهَا مُحْرِمًا ، وَاحْتَجّ بِهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ فِي تَجْوِيزِ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ وَخَالَفَهُمْ أَهْلُ الْحِجَازِ ، وَاحْتَجّوا بِنَهْيِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ أَنْ يُنْكِحَ الْمُحْرِمُ أَوْ يَنْكِحَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِيهِ أَوْ يَخْطُبَ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ وَعَارَضُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ بِحَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمّ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَال وَخَرّجَ الدّارَقُطْنِيّ وَالتّرْمِذِيّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي رَافِعٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالِ . وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ تَزَوّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ كَرِوَايَةِ ابْنِ عَبّاسٍ .
وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مِنْ حَدِيثِ مَسْرُوقٍ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ تَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَيْمُونَةُ فَنِكَاحُهَا أَرَادَتْ وَهُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ وَخَرّجَ الْبُخَارِيّ حَدِيثَ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَلَمْ يَعْقِلْهُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ غَلِطَ ابْنُ عَبّاسٍ أَوْ قَالَ وَهِمَ مَا تَزَوّجَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا وَهُوَ حَلَالٌ وَلَمّا أَجْمَعُوا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تَزَوّجَهَا مُحْرِمًا ، وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُحَدّثِينَ غَيْرَ ذَلِكَ اسْتَغْرَبْت اسْتِغْرَابًا شَدِيدًا مَا رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي السّنَنِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْأَسْوَدِ يَتِيمِ عُرْوَةَ وَمِنْ طَرِيقِ مَطَرٍ الْوَرّاقِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَزَوّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ حَلَالٌ فَهَذِهِ الرّوَايَةُ عَنْهُ مُوَافِقَةٌ لِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فَقِفْ عَلَيْهَا ، فَإِنّهَا غَرِيبَةٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَقَدْ كَانَ مِنْ شُيُوخِنَا رَحِمَهُمْ اللّهُ مَنْ يَتَأَوّلُ قَوْلَ ابْنِ عَبّاسٍ : تَزَوّجَهَا مُحْرِمًا أَيْ [ ص 119 ] الْبَلَدِ الْحَرَامِ ، وَذَلِكَ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ رَجُلٌ عَرَبِيّ فَصِيحٌ فَتَكَلّمَ بِكَلَامِ الْعَرَبِ ، وَلَمْ يُرِدْ الْإِحْرَامَ بِالْحَجّ وَقَدْ قَالَ الشّاعِرُ
قَتَلُوا ابْنَ عَفّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... وَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولَا
وَذَلِكَ أَنّ قَتْلَهُ كَانَ فِي أَيّامِ التّشْرِيقِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَأَرَادَ ذَلِكَ ابْنُ عَبّاسٍ ، أَوْ لَا .
ذِكْرُ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ
[ ص 120 ] الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَمَقْتَلُ جَعْفَرٍ وَزَيْدٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ ذِي الْحِجّةِ وَوُلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُحَرّمَ وَصَفَرًا وَشَهْرَيْ رَبِيعٍ وَبَعَثَ فِي جُمَادَى الْأُولَى بَعْثَهُ إلَى الشّامِ الّذِينَ أُصِيبُوا بِمُؤْتَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ [ ص 121 ] بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْثَهُ إلَى مُؤْتَةَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَقَالَ إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النّاسِ فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى النّاسِ . فَتَجَهّزَ النّاسُ ثُمّ تَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ وَدّعَ النّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ . فَلَمّا وَدّعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ مَنْ وَدّعَ مِنْ أُمَرَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَكَى ، فَقَالُوا : مَا يُبْكِيك يَا ابْنَ رَوَاحَةَ ؟ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا بِي حُبّ الدّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ وَلَكِنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ يَذْكُرُ فِيهَا النّارَ { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبّكَ حَتْمًا مَقْضِيّا } [ مَرْيَمَ : 71 ] ، فَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ صَحِبَكُمْ اللّهُ وَدَفَعَ عَنْكُمْ وَرَدّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ :
لَكِنّنِي أَسْأَلُ الرّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزّبَدَا
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجْهِزَةً ... بِحِرْبَةِ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا
حَتّى يُقَالَ إذَا مَرّوا عَلَى جَدَثِي ... أَرْشَدَهُ اللّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ الْقَوْمَ تَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ فَأَتَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَدّعَهُ ثُمّ قَالَ
فَثَبّتَ اللّهُ مَا أَتَاك مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَاَلّذِي نُصِرُوا
إنّي تَفَرّسْت فِيك الْخَيْرَ نَافِلَةً ... اللّهُ يَعْلَمُ أَنّي ثَابِتُ الْبَصَرِ
أَنْتَ الرّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلُهُ ... وَالْوَجْهُ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ
[ ص 122 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ
أَنْتَ الرّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالْوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ أَزْرَى بِهِ الْقَدَرُ
فَثَبّتَ اللّهُ مَا أَتَاك مِنْ حَسَنٍ ... فِي الْمُرْسَلِينَ وَنَصْرًا كَاَلّذِي نُصِرُوا
إنّي تَفَرّسْت فِيك الْخَيْرَ نَافِلَةً ... فَرَاسَةً خَالَفَتْ فِيك الّذِي نَظَرُوا
يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
Sغَزْوَةُ مُؤْتَةَ
[ ص 120 ] أَرْضِ الْبَلْقَاءِ مِنْ الشّامِ ، وَأَمّا الْمُوتَةُ بِلَا هَمْزٍ فَضَرْبٌ مِنْ الْجُنُونِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ وَفَسّرَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ فَقَالَ " نَثْفُهُ الشّعْرُ وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ وَهَمْزُهُ الْمُوتَةُ " .
تَفْسِيرُ { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا }
[ ص 121 ] ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ قَوْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ حِينَ ذَكَرَ قَوْلَ اللّهِ تَعَالَى : { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا } [ مَرْيَمَ : 71 ] فَلَسْت أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ وَقَدْ تَكَلّمَ الْعُلَمَاءُ فِيهَا بِأَقْوَالِ مِنْهَا أَنّ الْخِطَابَ مُتَوَجّهٌ إلَى الْكُفّارِ عَلَى الْخُصُوصِ وَاحْتَجّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ : وَإِنْ مِنْهُمْ إلّا وَارِدُهَا ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْوُرُودُ هَهُنَا هُوَ الْإِشْرَافُ عَلَيْهَا وَمُعَايَنَتُهَا ، وَحَكَوْا عَنْ الْعَرَبِ : وَرَدْت الْمَاءَ فَلَمْ أَشْرَبْ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْوُرُودُ هَهُنَا هُوَ الْمُرُورُ عَلَى الصّرَاطِ لِأَنّهُ عَلَى مَتْنِ جَهَنّمَ أَعَاذَنَا اللّهُ مِنْهَا ، وَرُوِيَ أَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَجْمَعُ الْأَوّلِينَ وَالْآخِرِينَ فِيهَا ، ثُمّ يُنَادِي مُنَادٍ خُذِي أَصْحَابَك وَدَعِي أَصْحَابِي وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْوُرُودُ أَنْ يَأْخُذَ الْعَبْدُ بِحَظّ مِنْهَا ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الدّنْيَا بِالْحُمّيّاتِ فَإِنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ الْحُمّى كِيرٌ مِنْ جَهَنّمَ وَهُوَ حَظّ كُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ النّارِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ الْقَوْمُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا وَدّعَهُمْ وَانْصَرَفَ عَنْهُمْ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ :
خَلَفَ السّلَامُ عَلَى امْرِئِ وَدّعْته
فِي النّخْلِ خَيْرَ مُشَيّعٍ وَخَلِيلِ
ثُمّ مَضَوْا حَتّى نَزَلُوا مَعَانَ ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، فَبَلَغَ النّاسُ أَنّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ ، مِنْ أَرْضِ الْبَلْقَاءِ ، فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ الرّومِ ، وَانْضَمّ إلَيْهِمْ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَالْقَيْنِ وَبَهْرَاءِ وَبَلِيّ مِائَةُ أَلْفٍ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِيّ ثُمّ أَحَدُ إرَاشَةَ يُقَالُ لَهُ مَالِكُ بْنُ زَافِلَةَ . فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا عَلَى مَعَانَ لَيْلَتَيْنِ يُفَكّرُونَ فِي أَمْرِهِمْ وَقَالُوا : نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوّنَا ، فَإِمّا أَنْ يَمُدّنَا بِالرّجَالِ وَإِمّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَنَمْضِي لَهُ . قَالَ فَشَجّعَ النّاسَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَقَالَ يَا قَوْمِ وَاَللّهِ إنّ الّتِي تَكْرَهُونَ لَلّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشّهَادَةَ وَمَا نُقَاتِلُ النّاسَ بِعَدَدِ وَلَا قُوّةٍ لَا كَثْرَةٍ مَا نُقَاتِلُهُمْ إلّا بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ فَانْطَلِقُوا فَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا ظُهُورٌ وَإِمّا شَهَادَةٌ . قَالَ فَقَالَ النّاسُ قَدْ وَاَللّهِ صَدَقَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَمَضَى النّاسُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي مَحْبِسِهِمْ ذَلِكَ [ ص 123 ]
جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ أَجَإٍ وَفَرْعٍ ... تُغَرّ مِنْ الْحَشِيشِ لَهَا الْعُكُومُ
حَذَوْنَاهَا مِنْ الصّوّانِ سِبْتًا ... أَزَلّ كَأَنّ صَفْحَتَهُ أَدِيمُ
أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ ... فَأَعْقَبَ بَعْدَ فَتْرَتِهَا جُمُومُ
فَرُحْنَا وَالْجِيَادُ مُسَوّمَاتٌ ... تَنَفّسُ فِي مَنَاخِرِهَا السّمُومُ
فَلَا وَأَبِي مَآبَ لَنَأْتِيَنّهَا ... وَإِنْ كَانَتْ بِهَا عَرَبٌ وَرُومُ
فَعَبّأْنَا أَعِنّتَهَا فَجَاءَتْ ... عَوَابِسَ وَالْغُبَارُ لَهَا بَرِيمُ
بِذِي لَجَبٍ كَأَنّ الْبَيْضَ فِيهِ ... إذَا بَرَرَتْ قَوَانِسُهَا النّجُومُ
فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طَلّقَتْهَا ... أَسَنّتْهَا فَتَنْكِحُ أَوْ تَئِيمُ
[ ص 124 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : " وَيُرْوَى : جَلَبْنَا الْخَيْلَ مِنْ آجَامٍ قُرْحٍ " ، وَقَوْلُهُ " فَعَبّأْنَا أَعِنّتَهَا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
Sشَرْحُ شِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ
[ ص 122 ] وَذَكَرَ شِعْرَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ وَفِيهِ تُقَرّ مِنْ الْحَشِيشِ لَهَا الْعُكُومُ
تُقَرّ : أَيْ يُجْمَعُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَالْعُكُومُ جَمْعُ عِكْمٍ . [ ص 123 ] مِنْ الْغُبَارِ لَهَا بَرِيمٌ
الْبَرِيمُ خَيْطٌ تَحْتَزِمُ بِهِ الْمَرْأَةُ وَالْبَرِيمُ أَيْضًا : لَفِيفُ النّاسِ وَأَخْلَاطُهُمْ وَيُقَالُ هُمْ بَرِيمَانِ أَيْ لَوْنَانِ مُخْتَلِطَانِ . وَفِيهِ أَقَامَتْ لَيْلَتَيْنِ عَلَى مَعَانٍ
قَالَ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ مُعَانُ بِضَمّ الْمِيمِ وَجَدْته فِي الْأَصْلَيْنِ وَأَصْلَحَهُ عَلَيْنَا الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللّهُ - حِينَ السّمَاعِ مَعَانَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ بِضَمّ الْمِيمِ وَقَالَ هُوَ اسْمُ جَبَلٍ وَالْمَعَانُ أَيْضًا : حَيْثُ تُحْبَسُ الْخَيْلُ وَالرّكَابُ وَيَجْتَمِعُ النّاسُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَمْعَنْت النّظَرَ أَوْ مِنْ الْمَاءِ الْمَعِينِ فَيَكُونُ وَزْنُهُ فَعَالًا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْعَوْنِ فَيَكُونُ وَزْنُهُ مَفْعَلًا ، وَقَدْ جَنّسَ الْمَعَرّي بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فَقَالَ
مَعَانٌ مِنْ أَحِبّتِنَا مَعَانُ ... تُجِيبُ الصّاهِلَاتِ بِهَا الْقِيَانِ
وَقَوْلُهُ فَرَاضِيَةُ الْمَعِيشَةِ طَلّقَتْهَا
أَيْ الْمَعِيشَةُ الْمَرْضِيّةُ وَبَنَاهَا عَلَى فَاعِلَةٍ لِأَنّ أَهْلَهَا رَاضُونَ لِأَنّهَا فِي مَعْنَى صَالِحَةٍ وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْ الْقَوْلِ فِي هَذَا الْمَعْنَى .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَضَى النّاسُ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حُدّثَ عَنْ [ ص 125 ] زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ كُنْت يَتِيمًا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي حِجْرِهِ ، فَخَرَجَ بِي فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ مُرْدِفِي عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَسِيرُ لَيْلَةً إذَا سَمِعْته وَهُوَ يَنْشُدُ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ
إذَا أَدّيْتنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ
فَشَأْنُك أَنْعُمٌ وَخَلَاك ذَمّ ... وَلَا أَرْجِعْ إلَى أَهْلِي وَرَائِي
وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي ... بِأَرْضِ الشّامِ مُشْتَهِيَ الثّوَاءِ
وَرَدّك كُلّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ ... إلَى الرّحْمَنِ مُنْقَطِعَ الْإِخَاءِ
هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ ... وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءُ
فَلَمّا سَمِعْتهنّ مَعَهُ بَكَيْت . قَالَ فَخَفَقَنِي بِالدّرّةِ وَقَالَ مَا عَلَيْك يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللّهُ شَهَادَةً وَتَرْجِعُ بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرّحْلِ قَالَ ثُمّ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي بَعْضِ سَفَرِهِ ذَلِكَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ
يَا زَيْدُ زَيْدَ الْيَعْمَلَاتِ الذّبّلِ ... تَطَاوَلَ اللّيْلُ هُدِيت فَانْزِلْ
S[ ص 124 ] وَخَلَاك ذَمّ ، أَيْ فَارَقَك الذّمّ ، فَلَسْت بِأَهْلِ لَهُ وَقَدْ أَحْسَنَ فِي قَوْلِهِ فَشَأْنُك أَنْعُمٌ وَخَلَاك ذَمّ
بَعْدَ قَوْلِهِ إذَا بَلَغَتْنِي ، وَأَحْسَنَ أَيْضًا مَنْ اتّبَعَهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى ، كَقَوْلِ أَبِي نُوَاسٍ وَإِذَا الْمَطِيّ بِنَا بَلَغْنَ مُحَمّدًا فَظُهُورُهُنّ عَلَى الرّجَالِ حَرَامُ وَكَقَوْلِ الْآخَرِ
نَجَوْتِ مِنْ حَلّ وَمِنْ رِحْلَةٍ ... يَا نَاقُ إنْ قَرّبْتنِي مِنْ قُثَمْ
وَقَدْ أَسَاءَ الشّمّاخُ حَيْثُ يَقُولُ
إذَا بَلّغْتنِي وَحَمَلْتِ رَحْلِي ... عَرَابَةَ فَاشْرَقِي بِدَمّ الْوَتِينِ
وَيَذْكُرُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ هَانِئٍ أَنّهُ كَانَ يَشْنَؤُهُ إذْ ذَكَرَ هَذَا الْبَيْتَ وَذَكَرَ مُهَلْهِلُ بْنُ يَمُوتَ بْنِ الْمُزْرِعِ عَنْ أَبِي تَمّامٍ أَنّهُ قَالَ كَانَ الْحَسَنُ يَشْنَأُ الشّمّاخَ وَأَنَا أَلْعَنُهُ مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ هَذَا . وَقَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْغِفَارِيّةِ بِئْسَ مَا جَزَيْتِيهَا يَشُدّ الْغَرَضَ الْمُتَقَدّمَ وَيَشْهَدُ لِصِحّتِهِ . وَقَوْلُهُ مُسْتَنْهِي الثّوَاءِ مُسْتَفْعِلٌ مِنْ النّهَايَةِ وَالِانْتِهَاءِ أَيْ حَيْثُ انْتَهَى مَثْوَاهُ وَمَنْ رَوَاهُ مُشْتَهِيَ الثّوَاءِ أَيْ لَا أُرِيدُ رُجُوعًا . [ ص 125 ] حَذَوْنَاهَا مِنْ الصّوّانِ سِبْتًا
أَيْ حَذَوْنَاهَا نِعَالًا مِنْ حَدِيدٍ جَعَلَهُ سِبْتًا لَهَا ، مَجَازًا . وَصَوّانٌ مِنْ الصّوْنِ أَيْ يَصُونَ حَوَافِرَهَا ، أَوْ أَخْفَافَهَا ، إنْ أَرَادَ الْإِبِلَ فَهُوَ فَعّالٌ مِنْ الصّوْنِ فَقَدْ كَانُوا يَحْذُونَهَا السّرِيحَ وَهُوَ جِلْدٌ يَصُونَ أَخْفَافَهَا ، وَأَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالصّوّانِ يَبِيسَ الْأَرْضِ أَيْ لَا سِبْتَ لَهُ إلّا ذَلِكَ وَوَزْنُهُ فَعَلَانٌ مِنْ قَوْلِهِمْ نَخْلَةٌ خَاوِيَةٌ أَيْ يَابِسَةٌ وَأَنْشَدَ أَبُو عَلِيّ
قَدْ أُوبِيَتْ كُلّ مَاءٍ فَهْيَ صَاوِيَةٌ ... مَهْمَا تُصِبْ أُفُقًا مِنْ بَارِقٍ تَشِمُ
وَيَشْهَدُ لِمَعْنَى الصّوّانِ هُنَا قَوْلُ النّابِغَةِ الذّبْيَانِيّ
يَرَى وَقْعُ الصّوّانِ حَدّ نُسُورِهَا ... فَهُنّ لِطَافٌ كَالصّعَادِ الذّوَابِلِ
وَعَيْنُ الْفِعْلِ فِي صَوّانٍ وَلَامُهُ وَاوٌ وَأَدْخَلَ صَاحِبُ الْعَيْنِ فِي بَابِ الصّادِ وَالْوَاوِ وَالْيَاءِ هَذَا اللّفْظَ فَقَالَ صَوِيَ يَصْوِي : إذَا يَبِسَ وَنَخْلَةٌ صَاوِيَةٌ وَلَوْ كَانَ مِمّا لَامُهُ يَاءً لَقِيلَ فِي صَوّانٍ صَيّانٍ كَمَا قِيلَ طَيّانُ وَرَيّانُ وَلَكِنْ لَمّا انْقَلَبَتْ الْوَاوُ يَاءً مِنْ أَجْلِ الْكَثْرَةِ تَوَهّمَ الْحَرْفَ مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ . [ ص 126 ] هَلْ أَنْتَ إلّا نُطْفَةٌ فِي شَنّةِ
النّطْفَةُ الْقَلِيلُ فِي الْمَاءِ وَالشّنّةُ السّقَاءُ الْبَالِي ، فَيُوشِكُ أَنْ تُهْرَاقَ النّطْفَةُ وَيَنْخَرِقَ السّقَاءُ ضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِنَفْسِهِ فِي جَسَدِهِ .
لِقَاءُ الرّومِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَمَضَى الْعَبّاسُ حَتّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ جُمُوعُ هِرَقْلَ ، مِنْ الرّومِ وَالْعَرَبِ ، بِقَرْيَةِ مِنْ قُرَى الْبَلْقَاءِ يُقَالُ لَهَا : مَشَارِفُ ، ثُمّ دَنَا الْعَدُوّ ، وَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا مُؤْتَةُ ، فَالْتَقَى النّاسُ عِنْدَهَا ، فَتَعَبّأَ لَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ عُبَادَةُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ مَالِكٍ .
مَقْتَلُ ابْنِ حَارِثَةَ
[ ص 126 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ الْتَقَى النّاسُ وَاقْتَتَلُوا ، فَقَاتَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بِرَايَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ .
إمَارَةُ جَعْفَرٍ وَمَقْتَلُهُ
ثُمّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا . حَتّى إذَا أَلْحَمَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ، فَعَقَرَهَا ، ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ . فَكَانَ جَعْفَرٌ أَوّلَ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَقَرَ فِي الْإِسْلَامِ . وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ قَالَ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ، ثُمّ عَقَرَهَا ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَهُوَ يَقُولُ
يَا حَبّذَا الْجَنّةُ وَاقْتِرَابُهَا ... طَيّبَةٌ وَبَارِدٌ شَرَابُهَا
وَالرّومُ رُومٌ قَدْ دَنَا عَذَابُهَا ... كَافِرَةٌ بَعِيدَةٌ أَنْسَابُهَا
عَلَيّ إنْ لَاقَيْتهَا ضِرَابُهَا [ ص 127 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخَذَ اللّوَاءَ بِيَمِينِهِ فَقُطِعَتْ فَأَخَذَهُ بِشِمَالِهِ فَقُطِعَتْ فَاحْتَضَنَهُ بِعَضُدَيْهِ حَتّى قُتِلَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ ابْنُ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَأَثَابَهُ اللّهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ . وَيُقَالُ إنّ رَجُلًا مِنْ الرّومِ ضَرَبَهُ يَوْمَئِذٍ ضَرْبَةً فَقَطَعَهُ نِصْفَيْنِ .
اسْتِشْهَادُ جَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ
[ ص 128 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ فَلَمّا قُتِلَ جَعْفَرٌ أَخَذَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ الرّايَةَ ثُمّ تَقَدّمَ بِهَا ، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَتَرَدّدُ بَعْضَ التّرَدّدِ ثُمّ قَالَ
أَقْسَمْت يَا نَفْسُ لَتَنْزِلَنّهْ ... لَتَنْزِلَن أَوْ لَتُكْرَهَنّهْ
إنْ أَجْلَبَ النّاسُ وَشَدّوا الرّنّهْ ... مَا لِي أَرَاك تَكْرَهِينَ الْجَنّهْ
قَدْ طَالَ مَا قَدْ كُنْت مُطْمَئِنّهْ ... هَلْ أَنْتِ إلّا نُطْفَةٌ فِي شَنّهْ
[ ص 129 ] وَقَالَ أَيْضًا :
يَا نَفْسُ إلّا تُقْتَلِي تَمُوتِي ... هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلِيَتْ
وَمَا تَمَنّيْت فَقَدْ أُعْطِيَتْ ... إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيَتْ
يُرِيدُ صَاحِبَيْهِ زَيْدًا وَجَعْفَرًا ثُمّ نَزَلَ . فَلَمّا نَزَلَ أَتَاهُ ابْنُ عَمّ لَهُ بِعِرْقِ مِنْ لَحْمٍ فَقَالَ شُدّ بِهَذَا صُلْبَك ، فَإِنّك قَدْ لَقِيت فِي أَيّامِك هَذِهِ مَا لَقِيت ، فَأَخَذَهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ انْتَهَسَ مِنْهُ نَهْسَةً ثُمّ سَمِعَ الْحَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النّاسِ فَقَالَ وَأَنْتَ فِي الدّنْيَا ثُمّ أَلْقَاهُ مِنْ يَدِهِ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَتَقَدّمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ .
عَمَلُ خَالِدٍ
ثُمّ أَخَذَ الرّايَةَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ اصْطَلِحُوا عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ قَالُوا : أَنْتَ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ . فَاصْطَلَحَ النّاسُ عَلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، فَلَمّا أَخَذَ الرّايَةَ دَافَعَ الْقَوْمَ وَحَاشَى بِهِمْ ثُمّ انْحَازَ وَانْحِيزَ عَنْهُ حَتّى انْصَرَفَ بِالنّاسِ .
تَنَبّؤُ الرّسُولِ بِمَا حَدَثَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أُصِيبَ الْقَوْمُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي : أَخَذَ الرّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا ثُمّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا قَالَ ثُمّ صَمَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تَغَيّرَتْ وُجُوهُ الْأَنْصَارِ ، وَظَنّوا أَنّهُ قَدْ كَانَ فِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بَعْضُ مَا يَكْرَهُونَ ثُمّ قَالَ ثُمّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَاتَلَ بِهَا حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا ، ثُمّ قَالَ لَقَدْ رُفِعُوا إلَيّ فِي الْجَنّةِ ، فِيمَا يَرَى النّائِمُ عَلَى سُرَرٍ مِنْ ذَهَبٍ فَرَأَيْت فِي سَرِيرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ ازْوِرَارًا عَنْ سَرِيرَيْ صَاحِبَيْهِ فَقُلْت : عَمّ هَذَا ؟ فَقِيلَ لِي : مَضَيَا وَتَرَدّدَ عَبْدُ اللّهِ بَعْضَ التّرَدّدِ ثُمّ مَضَى
حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى جَعْفَرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أُمّ عِيسَى الْخُزَاعِيّةِ عَنْ أُمّ جَعْفَرِ بِنْتِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ جَدّتِهَا [ ص 130 ] أَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ ، قَالَتْ لَمّا أُصِيبَ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ دَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ دَبَغْت أَرْبَعِينَ مَنًا - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : أَرْبَعِينَ مَنِيئَةً - وَعَجَنْت عَجِينِي ، وَغَسَلْت بَنِيّ وَدَهَنْتهمْ وَنَظّفْتهمْ . قَالَتْ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتِينِي بِبَنِيّ جَعْفَرٍ قَالَتْ فَأَتَيْته بِهِمْ فَتَشَمّمَهُمْ وَذَرِفَتْ عَيْنَاهُ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا يُبْكِيك ؟ أَبَلَغَك عَنْ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ ؟ قَالَ ( نَعَمْ أُصِيبُوا هَذَا الْيَوْمَ . قَالَتْ فَقُمْت أَصِيحُ وَاجْتَمَعَتْ إلَيّ النّسَاءُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ لَا تُغْفِلُوا آلَ جَعْفَرٍ مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا لَهُمْ طَعَامًا فَإِنّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ لَمّا أَتَى نَعْيُ جَعْفَرٍ عَرَفْنَا فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُزْنَ . قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ النّسَاءَ عَنّيْنَنَا وَفَتَنّنَا ، قَالَ فَارْجِعْ إلَيْهِنّ فَأَسْكِتْهُنّ . قَالَتْ فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ - قَالَ تَقُولُ وَرُبّمَا ضَرّ التّكَلّفُ أَهْلَهُ - قَالَتْ قَالَ فَاذْهَبْ فَأَسْكِتْهُنّ فَإِنّ أَبَيْنَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ قَالَتْ وَقُلْت فِي نَفْسِي : أَبْعَدَك اللّهُ فَوَاَللّهِ مَا تَرَكْت نَفْسَك وَمَا أَنْتَ بِمُطِيعِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ وَعَرَفْت أَنّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَحْثِيَ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ الْعُذْرِيّ ، الّذِي كَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ الْمُسْلِمِينَ قَدْ حَمَلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ رَافِلَةَ فَقَتَلَهُ فَقَالَ قُطْبَةُ بْنُ قَتَادَةَ :
طَعَنَتْ ابْنَ زَافِلَةَ بْنَ الْإِرَ ... اشِ بِرُمْحِ مَضَى فِيهِ ثُمّ انْحَطَمْ
ضَرَبْت عَلَى جِيدِهِ ضَرْبَةً ... فَمَالَ كَمَا مَالَ غُصْنُ السّلَمْ
وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمّهِ ... غَدَاةَ رَقُوقَيْنَ سَوْقَ النّعَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " ابْنَ الْإِرَاشِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . وَالْبَيْتُ الثّالِثُ عَنْ خَلّادِ بْنِ قُرّةَ ؟ وَيُقَالُ مَالِكِ بْنِ رَافِلَةَ .
كَاهِنَةُ حَدَسٍ
[ ص 131 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَتْ كَاهِنَةٌ مِنْ حَدَسٍ حِينَ سَمِعَتْ بِجَيْشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلًا ، قَدْ قَالَتْ لِقَوْمِهَا مِنْ حَدَسٍ - وَقَوْمُهَا بَطْنٌ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو غَنْمٍ - أُنْذِرُكُمْ قَوْمًا خُزْرًا - يَنْظُرُونَ شَزْرًا ، وَيَقُولُونَ الْخَيْلَ تَتْرَى ، وَيُهْرِيقُونَ دَمًا عَكْرًا . فَأَخَذُوا بِقَوْلِهَا ، وَاعْتَزَلُوا مِنْ بَيْنِ لَخْمٍ ، فَلَمْ تَزَلْ بَعْدُ أَثْرِي حَدَسٍ . وَكَانَ الّذِينَ صَلَوْا الْحَرْبَ يَوْمَئِذٍ بَنُو ثَعْلَبَةَ بَطْنٌ مِنْ حَدَسٍ فَلَمْ يَزَالُوا قَلِيلًا بَعْدُ . فَلَمّا انْصَرَفَ خَالِدٌ بِالنّاسِ أَقْبَلَ بِهِمْ قَافِلًا .
Sعَقْرُ جَعْفَرٍ فَرَسَهُ وَمَقْتَلُهُ
وَأَمّا عَقْرُ جَعْفَرٍ فَرَسَهُ وَلَمْ يَعِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَدَلّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ إذَا خِيفَ أَنْ يَأْخُذَهَا الْعَدُوّ ، فَيُقَاتِلَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يَدْخُلْ هَذَا فِي بَابِ النّهْيِ عَنْ تَعْذِيبِ الْبَهَائِمِ وَفِعْلِهَا عَبَثًا غَيْرَ أَنّ أَبَا دَاوُدَ خَرّجَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ حَدّثَنَا النّفَيْلِيّ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ ابْنِ عَبّادٍ يَعْنِي : يَحْيَى بْنَ عَبّادٍ عَنْ أَبِيهِ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ حَدّثَنِي أَبِي الّذِي أَرْضَعَنِي ، وَهُوَ أَحَدُ بَنِي مُرّةَ بْنِ عَوْفٍ ، وَكَانَ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ غَزَاةِ مُؤْتَةَ ، قَالَ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى جَعْفَرٍ حِينَ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ فَعَقَرَهَا ، ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ . [ ص 127 ] قَالَ أَبُو دَاوُدَ : وَلَيْسَ هَذَا الْحَدِيثُ بِالْقَوِيّ وَقَدْ جَاءَ فِيهِ نَفْيٌ كَثِيرٌ عَنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي جَعْفَرٍ فَأَثَابَهُ اللّهُ بِذَلِكَ جَنَاحَيْنِ فِي الْجَنّةِ يَطِيرُ بِهِمَا حَيْثُ شَاءَ وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ وَقَالَ دَخَلْت الْجَنّةَ الْبَارِحَةَ فَرَأَيْت جَعْفَرًا يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ وَجَنَاحَاهُ مُضَرّجَانِ بِالدّمِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُثِلَ لِي جَعْفَرٌ وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي خَيْمَةٍ مِنْ دَرّ عَلَى أَسِرّةٍ فَرَأَيْت زَيْدًا وَعَبْدَ اللّهِ وَفِي أَعْنَاقِهِمَا صُدُودٌ وَرَأَيْت جَعْفَرًا مُسْتَقِيمًا . فَقِيلَ لِي : إنّهُمَا حِينَ غَشِيَهُمَا الْمَوْتُ أَعْرَضَا بِوُجُوهِهِمَا ، وَمَضَى جَعْفَرٌ فَلَمْ يَعْرِضْ وَسَمِعَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَاطِمَةَ حِينَ جَاءَ نَعْيُ جَعْفَرٍ تَقُولُ وَاعَمّاهُ فَقَالَ عَلَى مِثْلِ جَعْفَرٍ فَلْتَبْكِ الْبَوَاكِي وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ مَا احْتَذَى النّعَالَ وَلَا رَكِبَ الْمَطَايَا بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَفْضَلُ مِنْ جَعْفَرٍ وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ : كُنْت إذَا سَأَلْت عَلِيّا حَاجَةً فَمَنَعَنِي أُقْسِمُ عَلَيْهِ بِحَقّ جَعْفَرٍ فَيُعْطِينِي
مَعْنَى الْجَنَاحَيْنِ
وَمِمّا يَنْبَغِي الْوُقُوفُ عَلَيْهِ فِي مَعْنَى الْجَنَاحَيْنِ أَنّهُمَا لَيْسَا كَمَا يَسْبِقُ إلَى الْوَهْمِ عَلَى مِثْلِ جَنَاحَيْ الطّائِرِ وَرِيشِهِ لِأَنّ الصّورَةَ الْآدَمِيّةَ أَشْرَفُ الصّوَرِ وَأَكْمَلُهَا ، وَفِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ إنّ اللّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ تَشْرِيفٌ لَهُ عَظِيمٌ وَحَاشَا لِلّهِ مِنْ التّشْبِيهِ وَالتّمْثِيلِ وَلَكِنّهَا عِبَارَة عَنْ صِفَةٍ مَلَكِيّةٍ وَقُوّةٍ رُوحَانِيّةٍ أُعْطِيَهَا جَعْفَرٌ كَمَا أُعْطِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ وَقَدْ قَالَ اللّهُ تَعَالَى [ ص 128 ] لِمُوسَى : { وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ } [ طَه : 33 ] فَعَبّرَ عَنْ الْعَضُدِ بِالْجَنَاحِ تَوَسّعًا ، وَلَيْسَ ثَمّ طَيَرَانٌ فَكَيْفَ بِمَنْ أُعْطِيَ الْقُوّةَ عَلَى الطّيَرَانِ مَعَ الْمَلَائِكَةِ أَخْلِقْ بِهِ إذًا : أَنْ يُوصَفَ بِالْجَنَاحِ مَعَ كَمَالِ الصّورَةِ الْآدَمِيّةِ وَتَمَامِ الْجَوَارِحِ الْبَشَرِيّةِ وَقَدْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي أَجْنِحَةِ الْمَلَائِكَةِ لَيْسَتْ كَمَا يُتَوَهّمُ مِنْ أَجْنِحَةِ الطّيْرِ وَلَكِنّهَا صِفَاتٌ مَلَكِيّةٌ لَا تُفْهَمُ إلّا بِالْمُعَايَنَةِ وَاحْتَجّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } [ فَاطِرِ 1 ] فَكَيْفَ تَكُونُ كَأَجْنِحَةِ الطّيْرِ عَلَى هَذَا ، وَلَمْ يُرَ طَائِرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَجْنِحَةٍ وَلَا أَرْبَعَةٌ فَكَيْفَ بِسِتّمِائَةِ جَنَاحٍ كَمَا جَاءَ فِي صِفَةِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ ، فَدَلّ عَلَى أَنّهَا صِفَاتٌ لَا تَنْضَبِطُ كَيْفِيّتُهَا لِلْفِكْرِ وَلَا وَرَدَ أَيْضًا فِي بَيَانِهَا ، خَبَرٌ فَيَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهَا ، وَلَا يُفِيدُنَا عِلْمًا إعْمَالُ الْفِكْرِ فِي كَيْفِيّتِهَا ، وَكُلّ امْرِئِ قَرِيبٌ مِنْ مُعَايَنَةِ ذَلِكَ . فَإِمّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الّذِينَ { تَتَنَزّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنّةِ الّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ } وَإِمّا أَنْ يَكُونَ مِنْ الّذِينَ تَقُولُ لَهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَهُمْ بَاسِطُو أَيْدِيَهُمْ { أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ } .
فَضْلُ ابْنِ رَوَاحَةَ
وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا ذَكَرَ مِنْ فَضَائِلِهِ . وَذَكَرَ قَوْلَهُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَثَبّتَ اللّهُ مَا آتَاك مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَاَلّذِي نُصِرُوا
وَرَوَى غَيْرُهُ [ ص 129 ] أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ لَهُ قُلْ شِعْرًا تَقْتَضِبُهُ اقْتِضَابًا ، وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْك ، فَقَالَ مِنْ غَيْرِ رَوِيّةٍ إنّي تَفَرّسْت فِيك الْخَيْرَ
الْأَبْيَاتِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ فَثَبّتَ اللّهُ مَا آتَاك مِنْ حَسَنٍ
فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنْتَ فَثَبّتَك اللّهُ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ فَضْلُ زَيْدٍ [ ص 130 ] أَحَدٌ مِنْ الصّحَابَة بِاسْمِهِ سِوَاهُ وَقَدْ بَيّنّا النّكْتَةَ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْأَعْلَامِ فَلْيُنْظَرْ هُنَالِكَ .
كَيْفَ تَلَقّى الْجَيْشَ ؟
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا دَنَوْا مِنْ حَوْلِ الْمَدِينَةِ تَلَقّاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَالَ وَلَقِيَهُمْ الصّبْيَانُ يَشْتَدّونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقْبِلٌ مَعَ الْقَوْمِ عَلَى دَابّةٍ فَقَالَ خُذُوا الصّبْيَانَ فَاحْمِلُوهُمْ ، وَأَعْطُونِي ابْنَ جَعْفَرٍ . فَأُتِيَ بِعَبْدِ اللّهِ فَأَخَذَهُ فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ . قَالَ وَجَعَلَ النّاسُ يَحْثُونَ عَلَى الْجَيْشِ التّرَابَ وَيَقُولُونَ يَا فُرّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ؟ قَالَ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسُوا بِالْفُرّارِ وَلَكِنّهُمْ الْكُرّارُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ بَعْضِ آلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ : وَهُمْ أَخْوَالُهُ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ [ ص 132 ] قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ لِامْرَأَةِ سَلَمَةَ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ الْمُغِيرَةِ مَا لِي لَا أَرَى سَلَمَةَ يَحْضُرُ الصّلَاةَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَخْرُجَ كُلّمَا خَرَجَ صَاحَ بِهِ النّاسُ يَا فُرّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ حَتّى قَعَدَ فِي بَيْتِهِ فَمَا يَخْرُجُ
شِعْرُ قَيْسٍ فِي الِاعْتِذَارِ عَنْ تَقَهْقُرِ خَالِدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ قَالَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ النّاسِ وَأَمْرِ خَالِدٍ وَمُخَاشَاتِهِ بِالنّاسِ وَانْصِرَافِهِ بِهِمْ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحّرِ الْيَعْمُرِيّ ، يَعْتَذِرُ مِمّا صَنَعَ يَوْمَئِذٍ وَصَنَعَ النّاسُ
فَوَاَللّهِ لَا تَنْفَكّ نَفْسِي تَلُومُنِي ... عَلَى مَوْقِفِي وَالْخَيْلُ قَابِعَةٌ قُبْلُ
وَقَفْت بِهَا لَا مُسْتَجِيرًا فَنَافِذًا ... وَلَا مَانِعًا مَنْ كَانَ حُمّ لَهُ الْقَتْلُ
عَلَى أَنّنِي آسَيْت نَفْسِي بِخَالِدِ ... أَلَا خَالِدٌ فِي الْقَوْمِ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ
وَجَاشَتْ إلَيّ النّفْسُ مِنْ نَحْوِ جَعْفَرٍ ... بِمُؤْتَةِ إذْ لَا يَنْفَعُ النّابِلَ النّبْلُ
وَضَمّ إلَيْنَا حَجْزَتَيْهِمْ كِلَيْهِمَا ... مُهَاجِرَةٌ لَا مُشْرِكُونَ وَلَا عُزْلُ
فَبَيّنَ قَيْسٌ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ فِي شِعْرِهِ أَنّ الْقَوْمَ حَاجَزُوا وَكَرِهُوا الْمَوْتَ وَحَقّقَ انْحِيَازَ خَالِدٍ بِمَنْ مَعَهُ . [ ص 133 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَأَمّا الزّهْرِيّ فَقَالَ فِيمَا بَلَغَنَا عَنْهُ أَمّرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَفَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَتّى قَفَلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
Sرُجُوعُ أَهْلِ مُؤْتَةَ
[ ص 131 ] وَذَكَرَ رُجُوعَ أَهْلِ مُؤْتَة َ وَمَا لَقَوْا مِنْ النّاسِ إذْ قَالُوا لَهُمْ يَا فُرّارُ فَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَرِوَايَةُ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُمْ قَالُوا لِلنّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَحْنُ الْفَرّارُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالَ " بَلْ أَنْتُمْ الْكَرّارُونَ وَقَالَ لَهُمْ أَنَا فِئَتُكُمْ يُرِيدُ أَنّ مَنْ فَرّ مُتَحَيّزًا إلَى فِئَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ وَإِنّمَا جَاءَ الْوَعِيدُ فِيمَنْ فَرّ عَنْ الْإِمَامِ وَلَمْ يَتَحَيّزْ إلَيْهِ أَيْ لَمْ يَلْجَأْ إلَى حَوْزَتِهِ فَيَكُونُ مَعَهُ فَالْمُتَحَيّزُ مُتَفَيْعِلٌ مِنْ الْحَوْزِ وَلَوْ كَانَ وَزْنُهُ مُتَفَعّلًا ، كَمَا يَظُنّ بَعْضُ النّاسِ لَقِيلَ فِيهِ مُتَحَوّزٌ . وَرُوِيَ أَنّ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابِهِ فِي بَعْضِ أَيّامِ الْقَادِسِيّةِ ، قَالَ هَلّا تَحَيّزُوا إلَيْنَا ، فَإِنّا فَيْئَةٌ لِكُلّ مُسْلِمٍ . [ ص 132 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مُخَاشَاةَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بِالنّاسِ يَوْمَ مُؤْتَة َ . وَالْمُخَاشَاةُ الْمُحَاجَزَةُ وَهِيَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْخَشْيَةِ لِأَنّهُ خَشِيَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لِقِلّةِ عَدَدِهِمْ فَقَدْ قِيلَ كَانَ الْعَدُوّ مِائَتَيْ أَلْفٍ مِنْ الرّومِ ، وَخَمْسِينَ أَلْفًا مِنْ الْعَرَبِ ، وَمَعَهُمْ مِنْ الْخُيُولِ وَالسّلَاحِ مَا لَيْسَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَفِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْعَدُوّ مِائَةَ أَلْفٍ وَخَمْسِينَ أَلْفًا ، وَقَدْ قِيلَ إنّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَبْلُغْ عَدَدُهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَمَنْ رَوَاهُ حَاشَى بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ مِنْ الْحَشَى ، وَهِيَ النّاحِيَةُ وَفِي رِوَايَةِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبُغَ عَنْ ابْنِ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ حَاشَى بِهِمْ فَقَالَ مَعْنَاهُ انْحَازَ بِهِمْ وَشِعْرُ قُطْبَةَ بْنِ قَتَادَةَ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ قَدْ كَانَ ثَمّ ظَفَرٌ وَمَغْنَمٌ لِقَوْلِهِ
وَسُقْنَا نِسَاءَ بَنِي عَمّهِ ... غَدَاةَ رَقُوقَيْنَ سَوْقَ النّعَمْ
وَفِي هَذَا الشّعْرِ أَنّهُ قَتَلَ رَئِيسًا مِنْهُمْ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ رَافِلَةَ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ ، فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَأَخَذَ خَالِدٌ الرّايَةَ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَخْبَرَ أَنّهُ قَدْ كَانَ ثَمّ فَتْحٌ وَفِي الرّايَةِ الْأُخْرَى حِينَ قِيلَ لَهُمْ يَا فُرّارُ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ قَدْ كَانَ ثَمّ مُحَاجَزَةٌ وَتَرْكٌ لِلْقِتَالِ حَتّى قَالُوا : نَحْنُ الْفَرّارُونَ فَقَالَ لَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا تَقَدّمَ فَاَللّهُ أَعْلَمُ .
طَعَامُ التّعْزِيَةِ وَغَيْرِهَا
[ ص 133 ] وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَمَرَ أَنْ يُصْنَعَ لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامٌ فَإِنّهُمْ قَدْ شُغِلُوا بِأَمْرِ صَاحِبِهِمْ وَهَذَا أَصْلٌ فِي طَعَامِ التّعْزِيَةِ وَتُسَمّيهِ الْعَرَبُ الْوَضِيمَةَ كَمَا تُسَمّي طَعَامَ الْعُرْسِ الْوَلِيمَةَ وَطَعَامَ الْقَادِمِ مِنْ السّفَرِ النّقِيعَةَ وَطَعَامَ الْبِنَاءِ الْوَكِيرَةَ وَكَانَ الطّعَامُ الّذِي صُنِعَ لِآلِ جَعْفَرٍ فِيمَا ذَكَرَ الزّبَيْرُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ فَعَمَدَتْ سَلْمَى مَوْلَاةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ ثُمّ آدَمَتْهُ بِزَيْتِ وَجَعَلَتْ عَلَيْهِ فُلْفُلًا ، قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَأَكَلْت مِنْهُ وَحَبَسَنِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ إخْوَتِي فِي بَيْتِهِ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ .
شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا بَكَى بِهِ أَصْحَابَ مُؤْتَةَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلُ حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ : [ ص 134 ] [ ص 135 ]
تَأَوّبَنِي لَيْلٌ بِيَثْرِبَ أَعْسَرُ ... وَهُمْ إذَا مَا نَوّمَ النّاسُ مُسْهِرُ
لِذِكْرَى حَبِيبٍ هَيّجْت لِي عِبْرَةً ... سُفُوحًا وَأَسْبَابُ الْبُكَاءِ التّذَكّرُ
بَلَى إنّ فِقْدَانَ الْحَبِيبِ بَلِيّةٌ ... وَكَمْ مِنْ كَرِيمٍ يُبْتَلَى ثُمّ يَصْبِرُ
رَأَيْت خِيَارَ الْمُؤْمِنِينَ تَوَارَدُوا ... شَعُوبَ وَخَلْفًا بَعْدَهُمْ يَتَأَخّرُ
فَلَا يُبْعِدَن اللّهُ قَتْلَى تَتَابَعُوا ... بِمُؤْتَةِ مِنْهُمْ ذُو الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ
وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللّهِ حِينَ تَتَابَعُوا ... جَمِيعًا وَأَسْبَابُ الْمَنِيّةِ تَخْطِرُ
غَدَاةَ مَضَوْا بِالْمُؤْمِنِينَ يَقُودُهُمْ ... إلَى الْمَوْتِ مَيْمُونُ النّقِيبَةِ أَزْهَرُ
أَغَرّ كَضَوْءِ الْبَدْرِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... أَبِيّ إذَا سِيمَ الظّلَامَةِ مِجْسَرُ
فَطَاعَنَ حَتّى مَالَ غَيْرَ مُوَسّدٍ ... لِمُعْتَرِكِ فِيهِ قَنَا مُتَكَسّرُ
فَصَارَ مَعَ الْمُسْتَشْهِدِينَ ثَوَابَهُ ... جِنَانٌ وَمُلْتَفّ الْحَدَائِقِ أَخْضَرُ
وَكُنّا نَرَى فِي جَعْفَرٍ مِنْ مُحَمّدٍ ... وَفَاءً وَأَمْرًا حَازِمًا حِينَ يَأْمُرُ
فَمَا زَالَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... دَعَائِمُ عِزّ لَا يَزُلْنَ وَمَفْخَرُ
هُمْ جَبَلُ الْإِسْلَامِ وَالنّاسُ حَوْلَهُمْ ... رِضَامٌ إلَى طَوْدٍ يَرُوقُ وَيَقْهَرُ
بَهَالِيلُ مِنْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمّهِ ... عَلِيّ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ
وَحَمْزَةُ وَالْعَبّاسُ مِنْهُمْ وَمِنْهُمْ ... عَقِيلٌ وَمَاءُ الْعُودِ مِنْ حَيْثُ يُعْصَرُ
بِهِمْ تُفْرَجُ اللّأْوَاءُ فِي كُلّ مَأْزِقٍ ... عِمَاسٍ إذَا مَا ضَاقَ بِالنّاسِ مَصْدَرُ
هُمْ أَوْلِيَاءُ اللّهِ أَنْزَلَ حُكْمَهُ ... عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ ذَا الْكِتَابُ الْمُطَهّرُ
Sمِنْ شِعْرِ حَسّانٍ فِي رِثَاءِ جَعْفَرٍ
وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانٍ يَرْثِي جَعْفَرًا : تَأَوّبَنِي لَيْلٌ بِيَثْرِبَ أَعْسَرُ
أَعْسَرُ بِمَعْنَى : عَسِرٍ وَفِي التّنْزِيلِ يَوْمُ عَسِرٌ [ الْقَمَرِ 8 ] ، وَفِيهِ أَيْضًا : عَسِيرٌ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ فَمَنْ قَالَ عَسِرَ [ يَعْسَرُ ] قَالَ عَسِيرٌ بِالْيَاءِ وَمَنْ قَالَ عَسِرَ يَعْسَرُ قَالَ فِي الِاسْمِ عَسِرٌ وَأَعْسَرُ مِثْلَ حَمِقٌ وَأَحْمَقُ . [ ص 134 ]
بَهَالِيلُ مِنْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمّهِ ... عَلِيّ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ
الْبَهَالِيلُ جَمْعُ بُهْلُولٍ وَهُوَ الْوَضِيءُ الْوَجْهِ مَعَ طُولٍ . وَقَوْلُهُ مَعَهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ فَدَعَا بِهِ بَعْضُ النّاسِ لَمّا أَضَافَ أَحْمَدَ الْمُتَخَيّرَ إلَيْهِمْ وَلَيْسَ بِعَيْبِ لِأَنّهَا لَيْسَتْ بِإِضَافَةِ تَعْرِيفٍ وَإِنّمَا هُوَ تَشْرِيفٌ لَهُمْ حَيْثُ كَانَ مِنْهُمْ وَإِنّمَا ظَهَرَ الْعَيْبُ فِي قَوْلِ أَبِي نُوَاسٍ
كَيْفَ لَا يُدْنِيك مِنْ أَمَلٍ ... مَنْ رَسُولُ اللّهِ مِنْ نَفَرِهِ
لِأَنّهُ ذَكَرَ وَاحِدًا ، وَأَضَافَ إلَيْهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ مَا عِيبَ عَلَى الْأَعْشَى :
شَتّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا ... وَيَوْمُ حَيّانَ أَخِي جَابِرِ
وَكَانَ حَيّانُ أَسَنّ مِنْ جَابِرٍ وَأَشْرَفَ فَغَضِبَ عَلَى الْأَعْشَى حَيْثُ عَرّفَهُ بِجَابِرِ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِ مِنْ أَجْلِ الرّوِيّ فَلَمْ يَقْبَلْ عُذْرَهُ وَوَجَدْت فِي رِسَالَةِ الْمُهَلْهَلِ بْنِ يَمُوتَ بْنِ الْمُزْرِعِ قَالَ قَالَ عَلِيّ بْنُ الْأَصْفَرِ وَكَانَ مِنْ رُوَاةِ أَبِي نُوَاسٍ قَالَ لَمّا عَمِلَ أَبُو نُوَاسٍ أَيّهَا الْمُنْتَابُ عَلَى عُفُرِهِ
أَنْشَدَنِيهَا فَلَمّا بَلَغَ قَوْلَهُ
كَيْفَ لَا يُدْنِيك مِنْ أَمَلٍ ... مَنْ رَسُولُ اللّهِ مِنْ نَفَرِهِ
وَقَعَ لِي أَنّهُ كَلَامٌ مُسْتَهْجَنٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ إذْ كَانَ حَقّ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ يُضَافَ [ ص 135 ] أَحَدٍ ، فَقُلْت لَهُ أَعَرَفْت عَيْبَ هَذَا الْبَيْتِ ؟ قَالَ مَا يَعِيبُهُ إلّا جَاهِلٌ بِكَلَامِ الْعَرَبِ ، وَإِنّمَا أَرَدْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ الْقَبِيلِ الّذِي هَذَا الْمَمْدُوحُ مِنْهُ أَمَا سَمِعْت قَوْلَ حَسّانِ بْنِ ثَابِتِ شَاعِرِ دِينِ الْإِسْلَامِ
وَمَا زَالَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... دَعَائِمُ عِزّ لَا نُرَامُ وَمَفْخَرُ
بَهَالِيلُ مِنْهُمْ جَعْفَرٌ وَابْنُ أُمّهِ ... عَلِيّ وَمَعَهُمْ أَحْمَدُ الْمُتَخَيّرُ
وَقَوْلُهُ
بِهِمْ تُفْرَجُ اللّأْوَاءُ فِي كُلّ مَأْزِقٍ ... عِمَاسٍ . . ... الْمَأْزِقُ الْمَضِيقُ مِنْ مَضَائِقِ الْحَرْبِ وَالْخُصُومَةِ وَهُوَ مِنْ أَزَقْت الشّيْءَ إذَا ضَيّقْته ، وَفِي قِصّةِ ذِي الرّمّةِ قَالَ سَمِعْت غُلَامًا يَقُولُ لِغِلْمَةِ قَدْ أَزَقْتُمْ هَذِهِ الْأُوقَةَ حَتّى جَعَلْتُمُوهَا كَالْمِيمِ ثُمّ أَدْخَلَ مَنْجَمَهُ يَعْنِي : عَقِبَةً فِيهَا ، فَنَجْنَجَهُ حَتّى أَفْهَقَهَا ، أَيْ حَرّكَهُ حَتّى وَسّعَهَا . وَالْعِمَاسُ الْمُظْلِمُ وَالْأَعْمَسُ الضّعِيفُ الْبَصَرُ وَحُفْرَةٌ مُعَمّسَةٌ أَيْ مُغَطّاةٌ قَالَ الشّاعِرُ
فَإِنّك قَدْ غَطّيْت أَرْجَاءَ هُوّةٍ ... مُعَمّسَةٍ لَا يُسْتَبَانُ تُرَابُهَا
بِثَوْبِك فِي الظّلْمَاءِ ثُمّ دَعَوْتنِي ... فَجِئْت إلَيْهَا سَادِرًا لَا أَهَابُهَا
أَنْشَدَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ فِي خَبَرٍ لِزُرَارَةَ بْنِ عُدُسٍ .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ قَتْلَى مُؤْتَةَ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : [ ص 136 ] [ ص 137 ]
قَامَ الْعُيُونُ وَدَمْعُ عَيْنِك يَهْمُلُ ... سَحّا كَمَا وَكَفَ الطّبَابُ الْمُخْضِلُ
فِي لَيْلَةٍ وَرَدَتْ عَلَيّ هُمُومُهَا ... طَوْرًا أَخِنّ وَتَارَةً أَتَمَلْمَلُ
وَاعْتَادَنِي حُزْنٌ فَبِتّ كَأَنّنِي ... بِبَنَاتِ نَعْشٍ وَالسّمَاكِ مُوَكّلُ
وَكَأَنّمَا بَيْنَ الْجَوَانِحِ وَالْحَشَى ... مِمّا تَأَوّبَنِي شِهَابٌ مُدْخَلُ
وَجْدًا عَلَى النّفَرِ الّذِينَ تَتَابَعُوا ... يَوْمًا بِمُؤْتَة ِ أُسْنِدُوا لَمْ يُنْقَلُوا
صَلّى الْإِلَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ فِتْيَةٍ ... وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسَبّلُ
صَبَرُوا بِمُؤْتَة ِ لِلْإِلَهِ نُفُوسَهُمْ ... حَذَرَ الرّدَى وَمَخَافَةَ أَنْ يَنْكُلُوا
فَمَضَوْا أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ كَأَنّهُمْ ... فُنُقٌ عَلَيْهِنّ الْحَدِيدُ الْمُرْفَلُ
إذْ يَهْتَدُونَ بِجَعْفَرِ وَلِوَائِهِ ... قُدّامَ أَوّلِهِمْ فَنِعْمَ الْأَوّلُ
حَتّى تَفَرّجَتْ الصّفُوفُ وَجَعْفَرٌ ... حَيْثُ الْتَقَى وَعْثُ الصّفُوفِ مُجَدّلُ
فَتَغَيّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ ... وَالشّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ
قَرْمٌ عَلَا بُنْيَانُهُ مِنْ هَاشِمٍ ... فَرْعًا أَشَمّ وَسُؤْدُدًا مَا يُنْقَلُ
قَوْمٌ بِهِمْ عَصَمَ الْإِلَهُ عِبَادَهُ ... وَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْكِتَابُ الْمُنْزَلُ
فَضَلُوا الْمَعَاشِرَ عِزّةً وَتَكَرّمًا ... وَتَغَمّدَتْ أَحْلَامُهُمْ مَنْ يَجْهَلُ
لَا يُطْلِقُونَ إلَى السّفَاهِ حُبَاهُمْ ... وَيُرَى خَطِيبُهُمْ بِحَقّ يَفْصِلُ
بِيضُ الْوُجُوهِ تُرَى بُطُونُ أَكُفّهُمْ ... تَنْدَى إذَا اعْتَذَرَ الزّمَانُ الْمُمْحِلُ
وَبِهَدْيِهِمْ رَضِيَ الْإِلَهُ لِخَلْقِهِ ... وَبِجَدّهِمْ نُصِرَ النّبِيّ الْمُرْسَلُ
Sحَوْلُ شِعْرِ كَعْبٍ
وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبٍ وَفِيهِ سَحّا كَمَا وَكَفَ الطّبَابُ الْمُخْضِلُ
[ ص 136 ] جَمْعُ طِبَابَةٍ وَهِيَ سَيْرٌ بَيْنَ خَرَزَتَيْنِ فِي الْمَزَادَةِ فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مُحْكَمٍ وَكَفَ مِنْهُ الْمَاءُ وَالطّبَابُ أَيْضًا : جَمْعُ طَبّةٍ وَهِيَ شِقّةٌ مُسْتَطِيلَةٌ . وَقَوْلُهُ طَوْرًا أَخِنّ . الْخَنِينُ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ حَنِينٌ بِبُكَاءِ فَإِذَا كَانَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ فَلَيْسَ مَعَهُ بُكَاءٌ وَلَا دَمْعٌ .
الِاسْتِقَاءُ لِلْقُبُورِ عِنْدَ الْعَرَبِ
وَقَوْلُهُ وَسَقَى عِظَامَهُمْ الْغَمَامُ الْمُسْبِلُ
يَرُدّ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنّمَا اسْتَسْقَتْ الْعَرَبُ لِقُبُورِ أَحِبّتِهَا لِتَخْصَبَ أَرْضُهَا فَلَا يَحْتَاجُونَ إلَى الِانْتِقَالِ عَنْهَا لِمَطْلَبِ النّجْعَةِ فِي الْبِلَادِ . وَقَالَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ فَهَذَا كَعْبٌ يَسْتَسْقِي لِعِظَامِ الشّهَدَاءِ بِمُؤْتَة ِ وَلَيْسَ مَعَهُمْ وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْآخَرِ
سَقَى مُطْغِيَاتِ الْمَحْلِ جُودًا وَدِيمَةً ... عِظَامَ ابْنِ لَيْلَى حَيْثُ كَانَ رَمِيمُهَا
فَقَوْلُهُ حَيْثُ كَانَ رَمِيمُهَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَيْسَ مُقِيمًا مَعَهُ وَإِنّمَا اسْتِسْقَاؤُهُمْ لِأَهْلِ الْقُبُورِ اسْتِرْحَامٌ لَهُمْ لِأَنّ السّقْيَ رَحْمَةٌ وَضِدّهَا عَذَابٌ . وَقَوْلُهُ كَأَنّهُمْ فُنُقٌ جَمْعُ : فَنِيقٍ وَهُوَ الْفَحْلُ كَمَا قَالَ الْآخَرُ وَهُوَ طُخَيْمٌ
مَعِي كُلّ فَضْفَاضِ الرّدَاءِ كَأَنّهُ ... إذَا مَا سَرَتْ فِيهِ الْمُدَامُ فَنِيقُ
[ ص 137 ]
فَتَغَيّرَ الْقَمَرُ الْمُنِيرُ لِفَقْدِهِ ... وَالشّمْسُ قَدْ كَسَفَتْ وَكَادَتْ تَأْفِلُ
قَوْلُهُ حَقّ ، لِأَنّهُ إنْ كَانَ عَنَا بِالْقَمَرِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَعَلَهُ قَمَرًا ، ثُمّ جَعَلَهُ شَمْسًا ، فَقَدْ كَانَ تَغَيّرَ بِالْحُزْنِ لِفَقْدِ جَعْفَرٍ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْقَمَرَ نَفْسَهُ فَمَعْنَى الْكَلَامِ وَمَغْزَاهُ حَقّ أَيْضًا ، لِأَنّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ تَعْظِيمُ الْحُزْنِ وَالْمُصَابِ وَإِذَا فُهِمَ مَغْزَى الشّاعِرِ فِي كَلَامِهِ وَالْمُبَالِغُ فِي الشّيْءِ فَلَيْسَ بِكَذِبِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ أَمّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ أَرَادَ بِهِ الْمُبَالَغَةَ فِي شِدّةِ أَدَبِهِ لِأَهْلِهِ فَكَلَامُهُ كُلّهُ حَقّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي مِثْلِ قَوْلِ الشّاعِرِ [ طُفَيْلٍ الْغَنَوِيّ ] :
إذَا مَا غَضِبْنَا غَضْبَةً مُضَرِيّةً ... هَتَكْنَا حِجَابَ الشّمْسِ أَوْ قَطَرَتْ دَمًا
قَالَ إنّمَا أَرَادَ فَعَلْنَا فِعْلَةً شَنِيعَةً عَظِيمَةً فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِهَتْكِ حِجَابِ الشّمْسِ وَفُهِمَ مَقْصِدُهُ فَلَمْ يَكُنْ كَذِبًا ، وَإِنّمَا الْكَذِبُ أَنْ يَقُولَ فَعَلْنَا ، وَهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ، وَقَتَلْنَا وَهُمْ لَمْ يَقْتُلُوا .
شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
[ ص 138 ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
وَلَقَدْ بَكَيْت وَعَزّ مَهْلَكُ جَعْفَرٍ ... حِبّ النّبِيّ عَلَى الْبَرّيّةِ كُلّهَا
وَلَقَدْ جَزِعْت وَقُلْت حِينَ نُعِيت لِي ... مَنْ لِلْجِلَادِ لَدَى الْعُقَابِ وَظِلّهَا
بِالْبِيضِ حِينَ تُسَلّ مِنْ أَغْمَادِهَا ... ضَرْبًا وَإِنْهَالِ الرّمَاحِ وَعَلّهَا
بَعْدَ ابْنِ فَاطِمَةَ الْمُبَارَكِ جَعْفَرٍ ... خَيْرِ الْبَرّيّةِ كُلّهَا وَأَجَلّهَا
رُزْءًا وَأَكْرَمَهَا جَمِيعًا مُحْتَدّا ... وَأَعَزّهَا مُتَظَلّمًا وَأَذَلّهَا
لِلْحَقّ حِينَ يَنُوبُ غَيْرَ تَنَحّلٍ ... كَذِبًا وَأَنْدَاهَا يَدًا وَأَقَلّهَا
فُحْشًا وَأَكْثَرِهَا إذَا مَا يُحْتَدَى ... فَضْلًا وَأَبْذَلِهَا نَدَى وَأَبَلّهَا
بِالْعُرْفِ غَيْرَ مُحَمّدٍ لَا مِثْلُهُ ... حَيّ مِنْ أَحْيَاءِ الْبَرّيّةِ كُلّهَا
Sمِنْ شِعْرِ حَسّانٍ فِي رِثَاءِ جَعْفَرٍ
[ ص 138 ] وَذَكَرَ أَبْيَاتِ حَسّانٍ وَفِي بَعْضِهَا تَضْمِينٌ نَحْوَ قَوْلِهِ وَأَذَلّهَا ، ثُمّ قَالَ فِي أَوّلِ بَيْتٍ آخَرَ لِلْحَقّ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي بَيْتٍ آخَرَ وَأَقَلّهَا ، وَقَالَ فِي الّذِي بَعْدَهُ فُحْشًا ، وَهَذَا يُسَمّى التّضْمِينُ . وَذَكَرَ قُدَامَةُ فِي كِتَابِ نَقْدِ الشّعْرِ أَنّهُ عَيْبٌ عِنْدَ الشّعَرَاءِ وَلَعَمْرِي إنّ فِيهِ مَقَالًا ، لِأَنّ آخِرَ الْبَيْتِ يُوقَفُ عَلَيْهِ فَيُوهِمُ الذّمّ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ وَأَذَلّهَا ، وَكَذَلِكَ وَأَقَلّهَا ، وَقَدْ غَلَبَ الزّبْرِقَانُ عَلَى الْمُخَبّلِ السّعْدِيّ وَاسْمُهُ كَعْبٌ بِكَلِمَةِ قَالَهَا الْمُخَبّلُ أَشْعَرَ مِنْهُ وَلَكِنّهُ لَمّا قَالَ يَهْجُوهُ
وَأَبُوك بَدْرٌ كَانَ يَنْتَهِزُ الْخُصْيَ ... وَأَبِي الْجَوَادُ رَبِيعَةُ بْنِ قِتَالِ
وَصَلَ الْكَلَامَ بِقَوْلِهِ وَأَبِي ، وَأَدْرَكَهُ بُهْرٌ أَوْ سُعْلَةٌ فَقَالَ لَهُ الزّبْرِقَانُ فَلَا بَأْسَ إذًا ، فَضُحِكَ مِنْ الْمُخَبّلِ وَغَلَبَ عَلَيْهِ الزّبْرِقَانُ وَإِذَا كَانَ هَذَا مَعِيبًا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ فَأَحْرَى أَنْ يُعَابَ فِي آخِرِهِ إذَا كَانَ يُوهِمُ الذّمّ وَلَا يَنْدَفِعُ ذَلِكَ الْوَهْمُ إلّا بِالْبَيْتِ الثّانِي ، فَلَيْسَ هَذَا مِنْ التّحْصِينِ عَلَى الْمَعَانِي وَالتّوَقّي لِلِاعْتِرَاضِ .
شِعْرُ حَسّانٍ فِي بُكَاءِ ابْنِ حَارِثَةَ وَابْنِ رَوَاحَةَ
[ ص 139 ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي يَوْمِ مُؤْتَةَ يَبْكِي زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ :
عَيْنِ جُودِي بِدَمْعِك الْمَنْزُورِ ... وَاذْكُرِي فِي الرّخَاءِ أَهْلَ الْقُبُورِ
وَاذْكُرِي مُؤْتَةَ وَمَا كَانَ فِيهَا ... يَوْمَ رَاحُوا فِي وَقْعَةِ التّغْوِيرِ
حِينَ رَاحُوا وَغَارُوا ثُمّ زَيْدٌ ... نِعْمَ مَأْوَى الضّرِيكِ وَالْمَأْسُورِ
حِبّ خَيْرِ الْأَنَامِ طُرّا جَمِيعًا ... سَيّدَ النّاسِ حُبّهُ فِي الصّدُورِ
ذَاكُمْ أَحْمَدُ الّذِي لَا سِوَاهُ ... ذَاكَ حُزْنِي لَهُ مَعًا وَسُرُورِي
إنّ زَيْدًا قَدْ كَانَ مِنّا بِأَمْرِ ... لَيْسَ أَمْرَ الْمُكَذّبِ الْمَغْرُورِ
ثُمّ جُودِي لِلْخَزْرَجِيّ بِدَمْعِ ... سَيّدًا كَانَ تَمّ غَيْرَ نَزُورِ
قَدْ أَتَانَا مِنْ قَتْلِهِمْ مَا كَفَانَا ... فَبِحُزْنِ نَبِيتُ غَيْرَ سُرُورِ
[ ص 140 ] وَقَالَ شَاعِرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ :
كَفَى حُزْنًا أَنّي رَجَعْت وَجَعْفَرٌ ... وَزَيْدٌ وَعَبْدُ اللّهِ فِي رَمْسِ أَقْبُرِ
قَضَوْا نَحْبَهُمْ لَمّا مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخُلِفْت لِلْبَلْوَى مَعَ الْمُتَغَبّرِ
ثَلَاثَةُ رَهْطٍ قُدّمُوا فَتَقَدّمُوا ... إلَى ِرْدٍ مَكْرُوهٍ مِنْ الْمَوْتِ أَحْمَرِ
S[ ص 139 ] عَيْنِ جُودِي بِدَمْعِك الْمَنْزُورِ
النّزْرُ الْقَلِيلُ وَلَا يَحْسُنُ هَهُنَا ذِكْرُ الْقَلِيلِ وَلَكِنّهُ مَنْ نَزَرْت الرّجُلَ إذَا أَلَحَجْت عَلَيْهِ وَنَزَرْت الشّيْءَ إذَا اسْتَنْفَدْته ، وَمِنْهُ قَوْلُ عُمَرَ - رَحِمَهُ اللّهُ - نَزَرْت رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْأَصَحّ فِيهِ التّخْفِيفُ قَالَ الشّاعِرُ
فَخُذْ عَفْوَ مَنْ تَهْوَاهُ لَا تَنْزُرَنهُ ... فَعِنْدَ بُلُوغِ الْكَدَرِ نَقّ الْمَشَارِبَ
وَقَوْلُهُ يَوْمَ رَاحُوا فِي وَقْعَةِ التّغْوِيرِ
هُوَ مَصْدَرُ غَوّرْت إذَا تَوَسّطَ الْقَائِلَةَ مِنْ النّهَارِ وَيُقَالُ أَيْضًا : أَغْوَرُ فَهُوَ مُغْوِرٌ وَفِي حَدِيثِ الْإِفْكِ مُغْوِرِينَ فِي نَحْرِ الظّهِيرَةِ وَإِنّمَا صَحّتْ الْوَاوُ فِي مُغْوِرٍ وَفِي أَغْوَرَ مِنْ هَذَا ، لِأَنّ الْفِعْلَ بُنِيَ فِيهِ عَلَى الزّوَائِدِ كَمَا يُبْنَى اسْتَحْوَذَ وَأُغِيلَتْ الْمَرْأَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ أَغَارَ عَلَى الْعَدُوّ وَلَا أَغَارَ الْحَبْلَ .
شُهَدَاءُ مُؤْتَةَ
وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ : مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِم ٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ : وَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَعَبّادُ بْنُ قَيْسٍ . وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : الْحَارِثُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَسَافِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ . وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّار ِ سُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ ابْنِ خَنْسَاءَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ مُؤْتَةَ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ . مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ : أَبُو كُلَيْبٍ وَجَابِرٌ ابْنَا عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولٍ وَهُمَا لِأَبٍ وَأُمّ . وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ أَفْصَى : عَمْرٌو وَعَامِرٌ ابْنَا سَعْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبّادِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَفْصَى . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَبُو كِلَابٍ وَجَابِرٌ ابْنَا عَمْرٍو .
S[ ص 140 ] وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَة ِ أَبَا كُلَيْبِ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ . وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فِيهِ أَبُو كِلَابٍ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَهُمْ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يُعْرَفُ فِي الصّحَابَةِ أَحَدٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو كُلَيْبٍ .
ذِكْرُ الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ الْمَسِيرَ إلَى مَكّةَ وَذِكْرُ فَتْحِ مَكّةَ
فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ
قَالَ [ ص 141 ] ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ بَعْثِهِ إلَى مُؤْتَة َ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا . ثُمّ إنّ بَنِي بَكْرِ بْنَ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ عَدَتْ عَلَى خُزَاعَةَ ، وَهُمْ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ بِأَسْفَلِ مَكّةَ يُقَالُ لَهُ الْوَتِيرُ ، وَكَانَ الّذِي هَاجَ مَا بَيْنَ بَنِي بَكْرٍ وَخُزَاعَةَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي الْحَضْرَمِيّ وَاسْمُهُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ - وَحِلْفُ الْحَضْرَمِيّ يَوْمَئِذٍ إلَى الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ - خَرَجَ تَاجِرًا ، فَلَمّا تَوَسّطَ أَرْضَ خُزَاعَةَ ، عَدَوْا عَلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا مَالَهُ فَعَدَتْ بَنُو بَكْرٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُ فَعَدَتْ خُزَاعَةُ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ عَلَى بَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنِ الدّيلِيّ - وَهُمْ مَنْخِرُ بَنِي كِنَانَةَ وَأَشْرَافُهُمْ - سَلْمَى وَكُلْثُومٌ وَذُؤَيْبٌ - فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَةَ عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي الدّيلِ ، قَالَ كَانَ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ رَزْنٍ يُؤَدّونَ فِي الْجَاهِلِيّةِ دِيَتَيْنِ دِيَتَيْنِ وَنُودِيَ دِيَةً دِيَةً لِفَضْلِهِمْ فِينَا . [ ص 142 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَيْنَا بَنُو بَكْرٍ وَخُزَاعَةَ عَلَى ذَلِكَ حَجَزَ بَيْنَهُمْ الْإِسْلَامُ وَتَشَاغَلَ النّاسُ بِهِ . فَلَمّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ ، كَانَ فِيمَا شَرَطُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَرَطَ لَهُمْ كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ عُلَمَائِنَا : أَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ فَلْيَدْخُلْ فِيهِ فَدَخَلَتْ بَنُو بَكْرٍ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَدَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ اغْتَنَمَهَا بَنُو الدّيلِ مِنْ بَنِي بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَأَرَادُوا أَنْ يُصِيبُوا مِنْهُ ثَأْرًا بِأُولَئِكَ النّفَرِ الّذِينَ أَصَابُوا مِنْهُمْ بِبَنِي الْأَسْوَدِ بْنِ رِزْنٍ فَخَرَجَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ فِي بَنِي الدّيلِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ قَائِدُهُمْ وَلَيْسَ كُلّ بَنِي بَكْرٍ تَابَعَهُ حَتّى بَيْتِ خُزَاعَةَ وَهُمْ عَلَى الْوَتِيرِ ، مَاءٍ لَهُمْ فَأَصَابُوا مِنْهُمْ رَجُلًا ، وَتَحَاوَزُوا وَاقْتَتَلُوا ، وَرَفَدَتْ بَنِي بَكْرٍ قُرَيْشٌ بِالسّلَامِ وَقَاتَلَ مَعَهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ مَنْ قَاتَلَ بِاللّيْلِ مُسْتَخْفِيًا ، حَتّى حَازُوا خُزَاعَةَ إلَى الْحَرَمِ ، فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ قَالَتْ بَنُو بَكْرٍ يَا نَوْفَلُ إنّا قَدْ دَخَلْنَا الْحَرَمَ ، إلَهَك إلَهَك ، فَقَالَ كَلِمَةٌ عَظِيمَةٌ لَا إلَهَ لَهُ الْيَوْمَ يَا بَنِي بَكْرٍ أَصِيبُوا ثَأْرَكُمْ فَلَعَمْرِي إنّكُمْ لَتَسْرِقُونَ فِي الْحَرَمِ ، أَفَلَا تُصِيبُونَ ثَأْرَكُمْ فِيهِ وَقَدْ أَصَابُوا مِنْهُمْ لَيْلَةَ بَيّتُوهُمْ بِالْوَتِيرِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مُنَبّهٌ وَكَانَ مُنَبّهٌ رَجُلًا مَفْئُودًا خَرَجَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يُقَالُ لَهُ تَمِيمُ بْنِ أَسَدٍ ، وَقَالَ لَهُ مُنَبّهٌ يَا تَمِيمُ اُنْجُ بِنَفْسِك ، فَأَمّا أَنَا فَوَاَللّهِ إنّي لَمَيّتٌ قَتَلُونِي أَوْ تَرَكُونِي لَقَدْ أَنّبْت فُؤَادِي ، وَانْطَلَقَ تَمِيمٌ فَأَفْلَتَ وَأَدْرَكُوا مُنَبّهًا فَقَتَلُوهُ فَلَمّا دَخَلَتْ خُزَاعَةُ مَكّةَ ، لَجَئُوا إلَى دَارِ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَدَارِ مَوْلًى لَهُمْ يُقَالُ لَهُ رَافِعٌ فَقَالَ تَمِيمُ بْنُ أَسَدٍ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبّهٍ .
شِعْرُ تَمِيمٍ فِي الِاعْتِذَارِ مِنْ فِرَارِهِ عَنْ مُنَبّهٍ
[ ص 143 ]
لَمّا رَأَيْت بَنِي نُفَاثَةَ أَقْبَلُوا ... يَغْشَوْنَ كُلّ وَتِيرَةٍ وَحِجَابِ
صَخْرًا وَرَزْنًا لَا عَرِيبَ سِوَاهُمْ ... يُزْجُونَ كُلّ مُقَلّصٍ خِنّابِ
وَذَكَرْت ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا ... فِيمَا مَضَى مِنْ سَالِفِ الْأَحْقَابِ
وَنَشَيْتُ رِيحَ الْمَوْتِ مِنْ تِلْقَائِهِمْ ... وَرَهِبْت وَقْعَ مُهَنّدٍ قَضّابِ
وَعَرَفْت أَنّ مَنْ يَثْقُفُوهُ يَتْرُكُوا ... لَحْمًا لِمُجْرِيَةِ وَشِلْوَ غُرَابِ
قَوّمْت رِجْلًا لَا أَخَافُ عِثَارَهَا ... وَطَرَحْت بِالْمَتْنِ الْعَرَاءِ ثِيَابِي
وَنَجَوْت لَا يَنْجُو نَجَائِي أَحْقَبُ ... عِلْجٌ أَقَبّ مُشَمّرُ الْأَقْرَابِ
تَلْحَى وَلَوْ شَهِدَتْ لَكَانَ نَكِيرُهَا ... بَوْلًا يَبُلّ مَشَافِرَ الْقَبْقَابِ
الْقَوْمُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْت مُنَبّهًا ... عَنْ طِيبِ نَفْسٍ فَاسْأَلِي أَصْحَابِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى لِحَبِيبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ( الْأَعْلَمِ ) الْهُذَلِيّ وَبَيْتُهُ " وَذَكَرْت ذَحْلًا عِنْدَنَا مُتَقَادِمًا " عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَقَوْلُهُ " خِنّابِ " و " عِلْجٌ أَقَبّ مُشَمّرُ الْأَقْرَابِ " عَنْهُ أَيْضًا .
Sبَدْءُ فَتْحِ مَكّةَ
ذَكَرَ [ ص 141 ] وَذَكَرَ الشّيْخُ الْحَافِظُ أَبُو بَحْرٍ أَنّ أَبَا الْوَلِيدِ أَصْلَحَهُ رِزْنًا بِكَسْرِ الرّاءِ قَالَ وَالرّزْنُ نُقْرَةٌ فِي حَجَرٍ يُمْسِكُ الْمَاءَ وَفِي كِتَابِ الْعَيْنِ الرّزْنُ أَكَمَةٌ تُمْسِكُ الْمَاءَ وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ وَذَكَرَ أَنّ بَنِي رِزْنٍ مِنْ بَنِي بَكْرٍ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ الدّئِلُ وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْقَوْلَ فِيهِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ وَمَا قَالَهُ اللّغَوِيّونَ وَالنّسّابُونَ وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ كُلّ دِيلٍ فِي الْعَرَبِ ، وَكُلّ دُوَلٍ وَالْحَمْدُ لِلّهِ . [ ص 142 ]
حَوْلَ شِعْرِ تَمِيمٍ
وَذَكَرَ شِعْرَ تَمِيمِ بْنِ أَسَدٍ ، وَفِيهِ يُزْجُونَ كُلّ مُقَلّصٍ خِنّابِ [ ص 143 ] وَقَعَ ذَلِكَ فِي الْجَمْهَرَةِ وَيُقَالُ الْخِنّابُ الْوَاسِعُ الْمَنْخِرَيْنِ وَالْخِنّابَةُ جَانِبُ الْأَنْفِ وَفِي الْعَيْنِ الْخِنّابُ الرّجُلُ الضّخْمُ وَهُوَ الْأَحْمَقُ أَيْضًا ، وَالْمُقَلّصُ مِنْ الْخَيْلِ الْمُنْضَمّ الْبَطْنِ وَالْقَوَائِمِ وَإِنْ قُلْت : الْمُقَلّصُ بِكَسْرِ اللّامِ فَهُوَ مِنْ قَلَصَتْ الْإِبِلُ إذَا شَمّرَتْ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ . وَفِيهِ ظِلّ عُقَابِ وَهِيَ الرّايَةُ وَكَانَ اسْمُ رَايَةِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْعُقَابَ وَالدّلِيلُ عَلَى أَنّهُ يُقَالُ لِكُلّ رَايَةٍ عُقَابٌ قَوْلُ قَطَرِيّ بْنِ الْفُجَاءَةِ وَيُكَنّى أَبَا نَعَامَةَ رَئِيسَ الْخَوَارِجِ :
يَا رُبّ ظِلّ عُقَابٍ قَدْ وَفَيْت بِهَا ... مُهْرِي مِنْ الشّمْسِ وَالْأَبْطَالُ تَجْتَلِدُ
وَفِيهِ يَبُلّ مَشَافِرَ الْقَبْقَابِ الْقَبْقَابُ أَرَادَ بِهِ الْفَرْجَ وَالْقَبْقَبُ وَالْقَبْقَابُ الْبَطْنُ أَيْضًا .
شِعْرُ الْأَخْزَرِ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْأَخْزَرُ بْنُ لُعْطٍ الدّيلِيّ فِيمَا كَانَ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ فِي تِلْكَ الْحَرْبِ [ ص 144 ]
أَلَا هَلْ أَتَى قُصْوَى الْأَحَابِيشِ أَنّنَا ... رَدَدْنَا بَنِي كَعْبٍ بِأَفْوَقَ نَاصِلِ
حَبَسْنَاهُمْ فِي دَارَةِ الْعَبْدِ رَافِعٍ ... وَعِنْدَ بُدَيْلٍ مَحْبِسًا غَيْرَ طَائِلِ
بِدَارِ الذّلِيلِ الْآخِذِ الضّيْمِ بَعْدَمَا ... شَفَيْنَا النّفُوسَ مِنْهُمْ بِالْمَنَاصِلِ
حَبَسْنَاهُمْ حَتّى إذَا طَالَ يَوْمُهُمْ ... نَفَخْنَا لَهُمْ مِنْ كُلّ شِعْبٍ بِوَابِلِ
نُذَبّحْهُمُ ذَبْحَ التّيُوسِ كَأَنّنَا ... أُسُودٌ تَبَارَى فِيهُمُ بِالْقَوَاصِلِ
هُمْ ظَلَمُونَا وَاعْتَدَوْا فِي مَسِيرِهِمْ ... وَكَانُوا لَدَى الْأَنْصَابِ أَوّلَ قَاتِلِ
كَأَنّهُمْ بِالْجِزْعِ إذْ يَطْرُدُونَهُمْ ... قَفَا ثَوْرَ حَفّانُ النّعَامِ الْجَوَافِلِ
بُدَيْلٌ يَرُدّ عَلَى الْأَخْزَرِ
فَأَجَابَهُ [ ص 145 ] بُدَيْلُ بْنُ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَجَبّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بَدِيلُ ابْنِ أُمّ أَصْرَمَ ، فَقَالَ
تَفَاقَدَ قَوْمٌ يَفْخَرُونَ وَلَمْ نَدَعْ ... لَهُمْ سَيّدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَافِلِ
أَمِنْ خِيفَةِ الْقَوْمِ الْأُلَى تَزْدَرِيهِمْ ... تُجِيزُ الْوَتِيرَ خَائِفًا غَيْرَ آيِلِ
وَفِي كُلّ يَوْمٍ نَحْنُ نَحْبُو حِبَاءَنَا ... لِعَقْلِ وَلَا يُحْبَى لَنَا فِي الْمَعَاقِلِ
وَنَحْنُ صَبَحْنَا بِالتّلَاعَةِ دَارَكُمْ ... بِأَسْيَافِنَا يَسْبِقْنَ لَوْمَ الْعَوَاذِلِ
وَنَحْنُ مَنَعْنَا بَيْنَ بَيْضٍ وَعِتْوَدٍ ... إلَى خَيْفِ رَضْوَى مِنْ مَجَرّ الْقَنَابِلِ
وَيَوْمَ الْغَمِيمِ قَدْ تَكَفّتَ سَاعِيًا ... عُبَيْسٌ فَجَعْنَاهُ بِجَلْدِ حُلَاحِلِ
أَإِنْ أَجْمَرْت فِي بَيْتِهَا أُمّ بَعْضِكُمْ ... بِجُعْمُوسِهَا تَنْزُونَ أَنْ لَمْ نُقَاتِلْ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ مَا إنْ قَتَلْتُمْ ... وَلَكِنْ تَرَكْنَا أَمْرَكُمْ فِي بَلَابِلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 146 ] خَيْفِ رَضْوَى " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
شِعْرُ حَسّانٍ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ كِنَانَةَ وَخُزَاعَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
لَحَا اللّهُ قَوْمًا لَمْ نَدَعْ مِنْ سَرَاتِهِمْ ... لَهُمْ أَحَدًا يَنْدُوهُمُ غَيْرَ نَاقِبِ
أَخُصْيَيْ حِمَارٍ مَاتَ بِالْأَمْسِ نَوْفَلًا ... مَتَى كُنْت مِفْلَاحًا عَدُوّ الْحَقَائِبِ
Sحَوْلَ شِعْرِ الْأَخْزَرِ
وَذَكَرَ قَوْلَ الْأَخْزَرِ وَفِيهِ قَفَا ثَوْرَ حَفّانُ النّعَامِ الْجَوَافِلِ قَفَا ثَوْرَ [ ص 144 ] وَقَفَا ظَرْفٌ لِلْفِعْلِ الّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ قَفَا ثَوْرَ وَلَمْ يُنَوّنْ لِأَنّهُ اسْمُ عَلَمٍ مَعَ ضَرُورَةِ الشّعْرِ وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَلَى هَذَا فِيمَا قَبْلُ وَلَوْ قَالَ قَفَا ثَوْرَ بِنَصْبِ الرّاءِ وَجَعَلَهُ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ لَمْ يَبْعُدْ لِأَنّ مَا لَا تَنْوِينَ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ مُعْرَبٍ بِأَلِفِ وَلَامٍ وَلَا إضَافَةٍ فَلَا يَدْخُلُهُ الْخَفْضُ لِئَلّا يُشْبِهَ مَا يُضِيفُهُ الْمُتَكَلّمُ إلَى نَفْسِهِ وَقَفَا ثَوْرَ بِهَذَا اللّفْظِ تَقَيّدَ فِي الْأَصْلِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْبَرْقِيّ فِي شَرْحِ هَذَا الْبَيْتِ أَنّهُ بِفَاثُورَ لِأَنّهُ قَالَ الْفَاثُورُ سَبِيكَةُ الْفِضّةِ وَكَأَنّهُ شَبّهَ الْمَكَانَ بِالْفِضّةِ لِنِقَائِهِ وَاسْتِوَائِهِ فَإِنْ كَانَتْ الرّوَايَةُ كَمَا قَالَ فَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ وَالْفَاثُورُ خِوَانٌ مِنْ فِضّةٍ وَيُقَالُ . إبْرِيقٌ مِنْ فِضّةٍ قِيلَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ جَمِيلٍ وَصَدْرٍ كَفَاثُورِ اللّجَيْنِ وَجِيدُ وَفِي قَوْلِ لَبِيَدٍ
حَقَائِبُهُمْ رَاحٌ عَتِيقٌ وَدَرْمَكٌ ... وَمِسْكٌ وَفَاثُورِيّةٌ وَسُلَاسِلُ
وَكَمَا قَالَ الْبَرْقِيّ : أَلْفَيْته فِي نُسَخٍ صَحِيحَةٍ سِوَى نُسْخَةِ الشّيْخِ وَإِنْ صَحّ مَا فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ فَهُوَ كَلَامٌ حُذِفَ مِنْهُ وَمَعْنَاهُ قَفَا فَاثُورَ ، وَحَسُنَ حَذْفُ الْفَاءِ الثّانِيَةِ كَمَا حَسُنَ حَذْفُ اللّامِ الثّانِيَةِ فِي قَوْلِهِمْ عُلَمَاءُ بَنِي فُلَانٍ لَا سِيّمَا مَعَ ضَرُورَةِ الشّعْرِ وَتَرْكِ الصّرْفِ لِأَنّهُ جَعَلَهُ اسْمَ بُقْعَةٍ وَمِنْ الشّاهِدِ عَلَى أَنّ فَاثُورَ اسْمُ بُقْعَةٍ قَوْلُ لَبِيَدٍ
وَيَوْمَ طَعَنْتُمْ فَاسْمَعَدّتْ وُفُودُكُمْ ... بِأَجْمَادِ فَاثُورٍ كَرِيمِ مُصَابِرِ
أَيْ أَنَا كَرِيمٌ مُصَابِرٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْبَكْرِيّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ اخْتِلَافًا ، وَقَالَ هُوَ اسْمُ جَبَلٍ يَعْنِي فَاثُورَ ، وَقَالَ ابْنُ مُقْبِلٍ
حَيّ مَحَاضِرُهُمْ شَتّى وَجَمْعُهُمْ ... دَوْمُ الْإِيَادِ وَفَاثُورٌ إذَا انْتَجَعُوا
وَقَالَ لَبِيدٌ [ ص 145 ]
وَلَدَى النّعْمَانِ مِنّي مَوْطِنٌ ... بَيْنَ فَاثُورِ آفَاقٍ فَالدّخَلْ
وَحَقّانُ النّعَامِ صِغَارُهَا ، وَهُوَ مَرْفُوعٌ لِأَنّهُ خَبَرُ كَأَنّ . حَوْلُ شِعْرِ بُدَيْلٍ وَذَكَرَ شِعْرَ بُدَيْلِ ابْنِ أُمّ أَصْرَمَ ، وَفِيهِ غَيْرُ آيِلٍ هُوَ فَاعِلٌ مِنْ آلَ إذَا رَجَعَ وَلَكِنّهُ قَلَبَ الْهَمْزَةَ الّتِي هِيَ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ يَاءً لِئَلّا تَجْتَمِعَ هَمْزَتَانِ وَكَانَتْ الْيَاءُ أَوْلَى بِهَا لِانْكِسَارِهَا . وَفِيهِ ذِكْرُ عُيَيْسٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْكِتَابِ عُبَيْسٌ بِالْبَاءِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ مِنْ أَسْفَلَ . وَفِيهِ
أَإِنْ أَجْمَرْت فِي بَيْتِهَا أُمّ بَعْضِكُمْ ... بِجُعْمُوسِهَا ....... ... [ ص 146 ]
شِعْرُ عَمْرٍو الْخُزَاعِيّ لِلرّسُولِ يَسْتَنْصِرُهُ وَرَدّهُ عَلَيْهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا تَظَاهَرَتْ بَنُو بَكْرٍ وَقُرَيْشٌ عَلَى خُزَاعَةَ ، وَأَصَابُوا مِنْهُمْ مَا أَصَابُوا ، وَنَقَضُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ بِمَا اسْتَحَلّوا مِنْ خُزَاعَةَ ، وَكَانَ فِي عَقْدِهِ وَعَهْدِهِ خَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ ، ثُمّ أَحَدُ بَنِي كَعْبٍ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا هَاجَ فَتْحَ مَكّةَ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانِيّ النّاسِ فَقَالَ [ ص 147 ]
يَا رَبّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا ... حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الْأَتْلَدَا
قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدًا ... ثُمّتَ أَسْلَمْنَا فَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
فَانْصُرْ هَدَاك اللّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا ... وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ قَدْ تَجَرّدَا ... إنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبّدَا
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدًا ... إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُوَكّدَا ... وَجَعَلُوا لِي فِي كَدَاءٍ رُصّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْت أَدْعُو أَحَدًا ... وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدَا
هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدًا ... وَقَتَلُونَا رُكّعًا وَسُجّدَا
يَقُولُ قُتِلْنَا وَقَدْ أَسْلَمْنَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى أَيْضًا : فَانْصُرْ هَدَاك اللّهُ نَصْرًا أَيّدَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى أَيْضًا : نَحْنُ وَلَدْنَاك فَكُنْت وَلَدًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " نُصِرْت يَا عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ " ثُمّ عُرِضَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنَانٌ مِنْ السّمَاءِ فَقَالَ إنّ هَذِهِ السّحَابَةَ لَتَسْتَهِلّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ [ ص 148 ]
ابْنُ وَرْقَاءَ يَشْكُو إلَى الرّسُولِ بِالْمَدِينَةِ
ثُمّ خَرَجَ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ خُزَاعَةَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَأَخْبَرُوهُ بِمَا أُصِيبَ مِنْهُمْ وَبِمُظَاهَرَةِ قُرَيْشٍ بَنِي بَكْرٍ عَلَيْهِمْ ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إلَى مَكّةَ ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلنّاسِ " كَأَنّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ قَدْ جَاءَكُمْ لِيَشُدّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدّةِ " . وَمَضَى بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ وَأَصْحَابُهُ حَتّى لَقَوْا أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بِعُسْفَانَ قَدْ بَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشُدّ الْعَقْدَ وَيَزِيدَ فِي الْمُدّةِ وَقَدْ رَهِبُوا الّذِي صَنَعُوا . فَلَمّا لَقِيَ أَبُو سُفْيَانَ بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ قَالَ مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْت يَا بُدَيْلُ ؟ وَظَنّ أَنّهُ قَدْ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ تَسَيّرْت فِي خُزَاعَةَ فِي هَذَا السّاحِلِ ، وَفِي بَطْنِ هَذَا الْوَادِي ، قَالَ أَوَ مَا جِئْت مُحَمّدًا ؟ قَالَ لَا ؛ فَلَمّا رَاحَ بُدَيْلٌ إلَى مَكّةَ ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَئِنْ جَاءَ بُدَيْلٌ الْمَدِينَةَ لَقَدْ عَلَفَ بِهَا النّوَى فَأَتَى مَبْرَكَ رَاحِلَتِهِ فَأَخَذَ مِنْ بَعْرِهَا فَفَتّهُ فَرَأَى فِيهِ النّوَى ، فَقَالَ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَ بُدَيْلٌ مُحَمّدًا .
Sحَوْلَ شِعْرِ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ
وَذَكَرَ أَبْيَاتِ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ وَفِيهَا : قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدًا يُرِيدُ أَنّ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أُمّهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَكَذَلِكَ قُصَيّ أُمّهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ سَعْدٍ الْخُزَاعِيّةُ وَالْوُلْدُ بِمَعْنَى الْوَلَدِ . وَقَوْلُهُ ثُمّتَ أَسْلَمْنَا ، هُوَ مِنْ السّلْمِ لِأَنّهُمْ لَمْ يَكُونُوا آمَنُوا بَعْدُ غَيْرَ أَنّهُ قَالَ رُكّعًا وَسُجّدَا ، فَدَلّ عَلَى أَنّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ صَلّى لِلّهِ فَقُتِلَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 147 ] وَذَكَرَ فِيهِ الْوَتِيرَ ، وَهُوَ اسْمُ مَاءٍ مَعْرُوفٍ فِي بِلَادِ خُزَاعَةَ ، وَالْوَتِيرُ فِي اللّغَةِ الْوَرْدُ الْأَبْيَضُ وَقَدْ يَكُونُ مِنْهُ بَرّيّ ، فَمُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَاءُ سُمّيَ بِهِ وَأَمّا الْوَرْدُ الْأَحْمَرُ فَهُوَ الْحَوْجَمُ وَيُقَالُ لِلْوَرْدِ كُلّهِ جَلّ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَكَأَنّ لَفْظَ الْحَوْجَمِ مِنْ الْحَجْمَةِ وَهِيَ حُمْرَةٌ فِي الْعَيْنَيْنِ يُقَالُ مِنْهُ رَجُلٌ أَحْجَمُ .
أَبُو سُفْيَانَ يُحَاوِلُ الْمُصَالَحَةَ
ثُمّ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَلَمّا ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَوَتْهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا بُنَيّةُ مَا أَدْرِي أَرَغِبْت بِي عَنْ هَذَا الْفِرَاشِ أَمْ رَغِبْت بِهِ عَنّي ؟ قَالَ بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَنْتَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ نَجِسٌ وَلَمْ أُحِبّ أَنْ تَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ أَصَابَك يَا بُنَيّةُ بَعْدِي شَرّ . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَلّمَهُ لَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا ، ثُمّ ذَهَبَ إلَى أَبِي بَكْرٍ ، فَكَلّمَهُ أَنْ يُكَلّمَ لَهُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ ثُمّ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَكَلّمَهُ فَقَالَ أَأَنَا أَشْفَعُ لَكُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ فَوَاَللّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلّا الذّرّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ . ثُمّ خَرَجَ فَدَخَلَ عَلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَضِيَ عَنْهَا ، وَعِنْدَهَا حَسَنُ بْنُ عَلِيّ غُلَامٌ يَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهَا ، فَقَالَ يَا عَلِيّ ، إنّك أَمَسّ الْقَوْمِ بِي رَحِمًا ، وَإِنّي قَدْ جِئْت فِي حَاجَةٍ فَلَا أَرْجِعَن كَمَا جِئْت خَائِبًا ، فَاشْفَعْ لِي إلَى رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَزَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَمْرٍ مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُكَلّمَهُ فِيهِ . فَالْتَفَتَ إلَى فَاطِمَةَ فَقَالَ يَا ابْنَةَ مُحَمّدٍ ، هَلْ لَك أَنْ تَأْمُرِي بُنَيّك هَذَا فَيُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ فَيَكُونَ سَيّدَ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ ؟ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا بَلَغَ بُنَيّ ذَاكَ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ وَمَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ [ ص 149 ] اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ إنّي أَرَى الْأُمُورَ قَدْ اشْتَدّتْ عَلَيّ فَانْصَحْنِي ؛ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ لَك شَيْئًا يُغْنِي عَنْك شَيْئًا ، وَلَكِنّك سَيّدُ بَنِي كِنَانَةَ فَقُمْ فَأَجِرْ بَيْنَ النّاسِ ثُمّ الْحَقْ بِأَرْضِك ؛ قَالَ أَوَ تَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنّي شَيْئًا ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا أَظُنّهُ وَلَكِنّي لَا أَجِدُ لَك غَيْرَ ذَلِكَ . فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْت بَيْنَ النّاسِ . ثُمّ رَكِبَ بَعِيرَهُ فَانْطَلَقَ فَلَمّا قَدِمَ عَلَى قُرَيْشٍ ، قَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ جِئْت مُحَمّدًا فَكَلّمْته ، فَوَاَللّهِ مَا رَدّ عَلَيّ شَيْئًا ، ثُمّ جِئْت ابْنَ أَبِي قُحَافَةَ فَلَمْ أَجِدْ فِيهِ خَيْرًا ، ثُمّ جِئْت ابْنَ الْخَطّابِ فَوَجَدْته أَعْدَى الْعَدُوّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَعْدَى الْعَدُوّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ جِئْت عَلِيّا فَوَجَدْته أَلْيَنَ الْقَوْمِ وَقَدْ أَشَارَ عَلَيّ بِشَيْءِ صَنَعْته ، فَوَاَللّهِ مَا أَدْرِي هَلْ يُغْنِي ذَلِكَ شَيْئًا أَمْ لَا ؟ قَالُوا : وَبِمَ أَمَرَك ؟ قَالَ أَمَرَنِي أَنْ أُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ فَفَعَلْت ، قَالُوا : فَهَلْ أَجَازَ ذَلِكَ مُحَمّدٌ ؟ قَالَ لَا ، قَالُوا : وَيْلَك وَاَللّهِ إنْ زَادَ الرّجُلُ عَلَى أَنْ لَعِبَ بِك ، فَمَا يُغْنِي عَنْك مَا قُلْت . قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا وَجَدْت غَيْرَ ذَلِكَ
Sمَا قَالَ عُمَرُ لِأَبِي سُفْيَانَ وَمَعْنَاهُ
وَذَكَرَ قَوْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَوَاَللّهِ لَوْ لَمْ أَجِدْ إلّا الذّرّ لَجَاهَدْتُكُمْ بِهِ وَهُوَ كَلَامٌ مَفْهُومُ الْمَعْنَى ، وَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ بِكَذِبِ وَإِنْ كَانَ الذّرّ لَا يُقَاتَلُ بِهِ وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ " وَاَللّهِ لَيَمُرّن بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِك " ، يَعْنِي الْجَدْوَلَ وَهُوَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لَا يُعَدّ كَذِبًا ، لِأَنّهُ جَرَى فِي كَلَامِهِمْ كَالْمَثَلِ . [ ص 148 ] فَاطِمَةَ لِأَبِي سُفْيَانَ وَذَكَرَ قَوْلَ فَاطِمَةَ وَاَللّهِ مَا بَلَغَ بُنَيّ أَنْ يُجِيرَ بَيْنَ النّاسِ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ هَذَا مُحْتَجّا [ ص 149 ] أَجَازَ أَمَانَ الصّبِيّ وَجِوَارَهُ وَمَنْ أَجَازَ جِوَارَ الصّبِيّ إنّمَا أَجَازَهُ إذَا عَقَلَ الصّبِيّ ، وَكَانَ كَالْمُرَاهِقِ . وَقَوْلُهَا : وَلَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ " يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُم " ، فَمَعْنَى هَذَا - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - كَالْعَبْدِ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ جِوَارُهُ فِيمَا قَلّ مِثْلَ أَنْ يُجِيرَ وَاحِدًا مِنْ الْعَدُوّ أَوْ نَفَرًا يَسِيرًا ، وَأَمّا أَنْ يُجِيرَ عَلَى الْإِمَامِ قَوْمًا يُرِيدُ الْإِمَامُ غَزْوَهُمْ وَحَرْبَهُمْ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى الْإِمَامِ وَهَذَا هُوَ الّذِي أَرَادَتْ فَاطِمَةُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَأَمّا جِوَارُ الْمَرْأَةِ وَتَأْمِينُهَا فَجَائِزٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ إلّا سَحْنُونٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ فَإِنّهُمَا قَالَا : هُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْإِمَامِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِأُمّ هَانِئٍ " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت يَا أُمّ هَانِئٍ " ، وَرُوِيَ مَعْنَى قَوْلِهِمَا عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ . وَأَمّا جِوَارُ الْعَبْدِ فَجَائِزٌ إلّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ .
الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعِدّ لِفَتْحِ مَكّةَ
وَأَمَر َ [ ص 150 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْجِهَازِ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُجَهّزُوهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ابْنَتِهِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، وَهِيَ تُحَرّكُ بَعْضَ جِهَازِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَيْ بُنَيّةُ أَأَمَرَكُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تُجَهّزُوهُ ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَتَجَهّزَ قَالَ فَأَيْنَ تَرَيْنَهُ يُرِيدُ ؟ قَالَتْ ( لَا ) وَاَللّهِ مَا أَدْرِي . ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْلَمَ النّاسَ أَنّهُ سَائِرٌ إلَى مَكّةَ ، وَأَمَرَهُمْ بِالْجِدّ وَالتّهَيّؤِ وَقَالَ اللّهُمّ خُذْ الْعُيُونَ وَالْأَخْبَارَ عَنْ قُرَيْشٍ حَتّى نَبْغَتَهَا فِي بِلَادِهَا فَتَجَهّزَ النّاسُ .
حَسّانُ يُحَرّضُ النّاسَ
فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ النّاسَ وَيَذْكُرُ مُصَابَ رِجَالِ خُزَاعَةَ :
عَنَانِي وَلَمْ أَشْهَدْ بِبَطْحَاءِ مَكّةَ ... رِجَالُ بَنِي كَعْبٍ تُحَزّ رِقَابُهَا
بِأَيْدِي رِجَالٍ لَمْ يَسُلّوا سُيُوفَهُمْ ... وَقَتْلَى كَثِيرٌ لَمْ تُجَنّ ثِيَابُهَا
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ تَنَالَن نُصْرَتِي ... سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَخْزُهَا وَعُقَابُهَا
وَصَفْوَانُ عَوْدٌ حَنّ مِنْ شُفْرِ اسْتِهِ ... فَهَذَا أَوَانُ الْحَرْبِ شُدّ عُصَابُهَا
فَلَا تَأْمَنَنّا يَا ابْنَ أُمّ مُجَالِدٍ ... إذَا اُحْتُلِبَتْ صِرْفًا وَأَعْصَلَ نَابُهَا
وَلَا تَجْزَعُوا مِنّا فَإِنّ سُيُوفَنَا ... لَهَا وَقْعَةٌ بِالْمَوْتِ يُفْتَحُ بَابُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُ حَسّانٍ بِأَيْدِي رِجَالٍ لَمْ يَسُلّوا سُيُوفَهُمْ يَعْنِي قُرَيْشًا ، " وَابْنَ أُمّ مُجَالِدٍ " يَعْنِي عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ .
كِتَابُ حَاطِبٍ إلَى قُرَيْشٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ [ ص 151 ] قَالُوا : لَمّا أَجْمَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسِيرَ إلَى مَكّةَ كَتَبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ كِتَابًا إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِاَلّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَمْرِ فِي السّيْرِ إلَيْهِمْ ثُمّ أَعْطَاهُ امْرَأَةً زَعَمَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَنّهَا مِنْ مُزَيْنَةَ ، وَزَعَمَ لِي غَيْرُهُ أَنّهَا سَارّةُ مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُبَلّغَهُ قُرَيْشًا ، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا ثُمّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا ، ثُمّ خَرَجَتْ بِهِ وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ فَبَعَثَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، فَقَالَ أَدْرَكَا امْرَأَةً قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ بِكِتَابِ إلَى قُرَيْشٍ ، يُحَذّرُهُمْ مَا قَدْ أَجْمَعْنَا لَهُ فِي أَمْرِهِمْ فَخَرَجَا حَتّى أَدْرَكَاهَا بِالْخُلَيْقَةِ خُلَيْقَةِ بَنِي أَبِي أَحْمَدَ فَاسْتَنْزَلَاهَا ، فَالْتَمَسَاهُ فِي رَحْلِهَا ، فَلَمْ يَجِدَا شَيْئًا ، فَقَالَ لَهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : إنّي أَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا كُذِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا كُذِبْنَا ، وَلَتُخْرِجَن لَنَا هَذَا الْكِتَابَ أَوْ لَنَكْشِفَنّكِ فَلَمّا رَأَتْ الْجِدّ مِنْهُ قَالَتْ أَعْرِضْ فَأَعْرَضَ فَحَلّتْ قُرُونَ رَأْسِهَا ، فَاسْتَخْرَجَتْ الْكِتَابَ مِنْهَا ، فَدَعَتْهُ إلَيْهِ فَأَتَى بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَاطِبًا ، فَقَالَ " يَا حَاطِبُ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا " ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَمَا وَاَللّهِ إنّي لَمُؤْمِنٌ بِاَللّهِ وَرَسُولِهِ مَا غَيّرْت وَلَا بَدّلْت ، وَلَكِنّي كُنْت امْرِئِ لَيْسَ لِي فِي الْقَوْمِ مِنْ أَصْلٍ وَلَا عَشِيرَةٍ ، وَكَانَ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلَدٌ وَأَهْلٌ فَصَانَعْتهمْ [ ص 152 ] فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ فَإِنّ الرّجُلَ قَدْ نَافَقَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " وَمَا يُدْرِيك يَا عُمَرُ لَعَلّ اللّهَ قَدْ اطّلَعَ إلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ " فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ، فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي حَاطِبٍ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا عَدُوّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدّةِ } إلَى قَوْلِهِ { قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتّى تُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَحْدَهُ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . الْمُمْتَحِنَةِ .
Sحَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ وَمَا كَانَ فِي كِتَابِهِ
فَصْلٌ [ ص 150 ] وَذَكَرَ كِتَابَ حَاطِبٍ إلَى قُرَيْشٍ ، وَهُوَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَالْبَلْتَعَةُ فِي اللّغَةِ التّظَرّفُ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَاسْمُ أَبِي [ ص 151 ] بَلْتَعَةَ عَمْرٌو ، وَهُوَ لَخْمِيّ ، فِيمَا ذَكَرُوا ، وَمِنْ ذُرّيّتِهِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ [ بْنِ زِيَادٍ ] الْأَنْدَلُسِيّ الّذِي رَوَى الْمُوَطّأَ عَنْ مَالِكٍ ، وَهُوَ زِيَادُ شَبْطُونَ وَكَانَ قَاضِي طُلَيْطِلَةَ وَكَانَ شَبْطُونُ زَوْجًا لِأُمّهِ فَصُرِفَ بِهِ رَحِمَهُ اللّهُ وَقَدْ قِيلَ إنّهُ كَانَ فِي الْكِتَابِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَوَجّهَ إلَيْكُمْ بِجَيْشِ كَاللّيْلِ يَسِيرُ كَالسّيْلِ وَأُقْسِمُ بِاَللّهِ لَوْ سَارَ إلَيْكُمْ وَحْدَهُ لَنَصَرَهُ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنّهُ مُنْجِزٌ لَهُ مَا وَعَدَهُ وَفِي تَفْسِيرِ [ يَحْيَى ] بْنِ سَلّامٍ أَنّهُ كَانَ فِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ حَاطِبٌ أَنّ النّبِيّ مُحَمّدًا قَدْ نَفَرَ إمّا إلَيْكُمْ وَإِمّا إلَى غَيْرِكُمْ فَعَلَيْكُمْ الْحَذَرَ .
تَصْحِيفُ هُشَيْمٍ لِخَاخٍ
وَذَكَرَ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ أَدْرَكُوهَا بِرَوْضَةِ خَاخٍ بِخَاءَيْنِ مَنْقُوطَتَيْنِ وَكَانَ هُشَيْمٌ يَرْوِيهِ حَاجٍ بِالْحَاءِ وَالْجِيمِ وَهُوَ مِمّا حُفِظَ مِنْ تَصْحِيفِ هُشَيْمٍ ، وَكَذَلِكَ كَانَ يَرْوِي : سَدّادًا مِنْ عَوْنِ [ بْنِ أَبِي شَدّادٍ ] بِفَتْحِ السّينِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ يَقُولُ فِيهِ بَرْزَةُ بِالزّايِ وَفَتْحِ الْبَاءِ فِي تَصْحِيفِ كَثِيرٍ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ ثَبْتٌ مُتّفَقٌ عَلَى عَدَالَتِهِ عَلَى أَنّ الْبُخَارِيّ ، قَدْ ذَكَرَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ أَيْضًا أَنّهُ قَالَ فِيهِ حَاجٍ كَمَا قِيلَ عَنْ هُشَيْمٍ ، فَاَللّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ مِنْ رِوَايَةِ الشّيْبَانِيّ أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَيّ أَبُو بَكْرٍ وَأَنَا أُغَرْبِلُ حِنْطَةً لَنَا ، فَسَأَلَنِي وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ أَكْلُهُمْ لِلْبُرّ وَإِنْ كَانَ أَغْلَبُ أَحْوَالِهِمْ أَكْلَ الشّعِيرِ وَلَا يُقَالُ حِنْطَةٌ إلّا لِلْبُرّ . [ ص 152 ]
تَفْسِيرُ { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدّةِ }
فَصْلٌ وَذَكَرَ قَوْلَ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فِي حَاطِبٍ { تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدّةِ } أَيْ تَبْذُلُونَهَا لَهُمْ وَدُخُولُ الْبَاءِ وَخُرُوجُهَا عِنْدَ الْفَرّاءِ سَوَاءٌ وَالْبَاءُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ لَا تُزَادُ فِي الْوَاجِبِ وَمَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنْ الْبَصْرِيّينَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ النّصِيحَةَ بِالْمَوَدّةِ قَالَ النّحّاسُ مَعْنَاهُ تُخْبِرُونَهُمْ بِمَا يُخْبِرُ بِهِ الرّجُلُ أَهْلَ مَوَدّتِهِ وَهَذَا التّقْدِيرُ إنْ نَفَعَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَمْ يَنْفَعْ فِي مِثْلِ قَوْلِ الْعَرَبِ : أَلْقَى إلَيْهِ بِوِسَادَةِ أَوْ بِثَوْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُقَالُ إذًا إنْ أَلْقَيْت تَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنْ تُرِيدَ وَضْعَ الشّيْءِ فِي الْأَرْضِ فَتَقُولَ أَلْقَيْت السّوْطَ مِنْ يَدِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَالثّانِي : أَنْ تُرِيدَ مَعْنَى الرّمْيِ بِالشّيْءِ فَتَقُولَ أَلْقَيْت إلَى زَيْدٍ بِكَذَا : أَرْمَيْته بِهِ وَفِي الْآيَةِ إنّمَا هُوَ إلْقَاءٌ بِكِتَابِ وَإِرْسَالٌ بِهِ فَعَبّرَ عَنْ ذَلِكَ بِالْمَوَدّةِ لِأَنّهُ مِنْ أَفْعَالِ أَهْلِ الْمَوَدّةِ فَمِنْ ثَمّ حَسُنَتْ الْبَاءُ لِأَنّهُ إرْسَالٌ بِشَيْءِ فَتَأَمّلْهُ .
قَتْلُ الْجَاسُوسِ
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى قَتْلِ الْجَاسُوسِ فَإِنّ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ دَعْنِي فَلْأَضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " وَمَا يُدْرِيك يَا عُمَرُ لَعَلّ اللّهَ اطّلَعَ إلَى أَصْحَابِ بَدْرٍ " ، الْحَدِيثَ فَعَلّقَ حُكْمَ الْمَنْعِ مِنْ قَتْلِهِ بِشُهُودِ بَدْرٍ فَدَلّ عَلَى أَنّ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ فِعْلِهِ وَلَيْسَ بِبَدْرِيّ أَنّهُ يُقْتَلُ . زَادَ الْبُخَارِيّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ قَالَ فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - وَقَالَ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ يَعْنِي حِينَ سَمِعَهُ يَقُولُ فِي أَهْلِ بَدْرٍ مَا قَالَ وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ أَنّ حَاطِبًا قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ كُنْت عَزِيزًا فِي قُرَيْشٍ ، وَكَانَتْ أُمّي بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ فَأَرَدْت أَنْ يَحْفَظُونِي فِيهَا أَوْ نَحْوَ هَذَا ، ثُمّ فَسّرَ الْعَزِيزَ وَقَالَ هُوَ الْغَرِيبُ .
خُرُوجُ الرّسُولِ فِي رَمَضَانَ
قَالَ [ ص 153 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَفَرِهِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ حُصَيْنِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ خَلَفٍ الْغِفَارِيّ وَخَرَجَ لِعَشْرِ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَامَ النّاسُ مَعَهُ حَتّى إذَا كَانَ بِالْكُدَيْدِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَأَمَجٍ أَفْطَرَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَضَى حَتّى نَزَلَ مَرّ الظّهْرَانِ فِي عَشْرَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَسَبّعَتْ سُلَيْمٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَلّفَتْ سُلَيْمٌ وَأَلّفَتْ مُزَيْنَةُ . وَفِي كُلّ الْقَبَائِلِ عَدَدٌ وَإِسْلَامٌ وَأَوْعَبَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، فَلَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ الظّهْرَانِ ، وَقَدْ عُمّيَتْ الْأَخْبَارُ عَنْ قُرَيْشٍ ، فَلَمْ يَأْتِهِمْ خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَدْرُونَ مَا هُوَ فَاعِلٌ وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللّيَالِي أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ يَتَحَسّسُونَ الْأَخْبَارَ وَيَنْظُرُونَ هَلْ يَجِدُونَ خَبَرًا أَوْ يَسْمَعُونَ بِهِ وَقَدْ كَانَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ لَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : لَقِيَهُ بِالْجُحْفَةِ مُهَاجِرًا بِعِيَالِهِ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُقِيمًا بِمَكّةَ عَلَى سِقَايَتِهِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ رَاضٍ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَدْ لَقِيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْضًا بِنِيقِ الْعُقَابِ ، فِيمَا بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ ، فَالْتَمَسَا الدّخُولَ عَلَيْهِ فَكَلّمَتْهُ أُمّ سَلَمَةَ فِيهِمَا ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ ابْنُ عَمّك وَابْنُ عَمّتِك [ ص 154 ] قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا ، أَمّا ابْنُ عَمّي فَهَتَكَ عِرْضِي ، وَأَمّا ابْنُ عَمّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الّذِي قَالَ لِي بِمَكّةَ مَا قَالَ . قَالَ فَلَمّا خَرَجَ الْخَبَرُ إلَيْهِمَا بِذَلِكَ وَمَعَ أَبِي سُفْيَانَ بُنَيّ لَهُ . فَقَالَ وَاَللّهِ لَيَأْذَنَن لِي أَوْ لَآخُذَن بِيَدِيّ بُنَيّ هَذَا ، ثُمّ لَنَذْهَبَنّ فِي الْأَرْضِ حَتّى نَمُوتَ عَطَشًا وَجَوْعًا ، فَلَمّا بَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَقّ لَهُمَا ، ثُمّ أَذِنَ لَهُمَا ، فَدَخَلَا عَلَيْهِ فَأَسْلَمَا وَأَنْشَدَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ قَوْلَهُ فِي إسْلَامِهِ وَاعْتَذَرَ إلَيْهِ مِمّا كَانَ مَضَى مِنْهُ فَقَالَ
لَعَمْرُك إنّي يَوْمَ أَحْمِلُ رَايَةً ... لِتَغْلِبَ خَيْلُ اللّاتِي خَيْلَ مُحَمّدِ
لَكَالْمُدْلِجِ الْحَيْرَانِ أَظْلَمَ لَيْلُهُ ... فَهَذَا أَوَانِي حِينَ أُهْدِي وَأَهْتَدِي
هَدَانِي هَادٍ غَيْرُ نَفْسِي وَنَالَنِي ... مَعَ اللّهِ مَنْ طَرّدْتُ كُلّ مُطَرّدِ
أَصُدّ وَأَنْأَى جَاهِدًا عَنْ مُحَمّدٍ ... وَأُدْعَى وَإِنْ لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمّدِ
هُمْ مَا هُمْ مَنْ لَمْ يَقُلْ بِهَوَاهُمْ ... وَإِنْ كَانَ ذَا رَأْيٍ يُلَمْ وَيُفَنّدْ
أُرِيدُ لِأَرْضِيهِمْ وَلَسْت بِلَائِطِ ... مَعَ الْقَوْمِ مَا لَمْ أُهْدَ فِي كُلّ مَقْعَدِ
فَقُلْ لِثَقِيفِ لَا أُرِيدُ قِتَالَهَا ... وَقُلْ لِثَقِيفِ تِلْكَ غَيْرِي أَوْعِدِي
فَمَا كُنْت فِي الْجَيْشِ الّذِي نَالَ عَامِرًا ... وَمَا كَانَ عَنْ جَرّا لِسَانِي وَلَا يَدِي
قَبَائِلُ جَاءَتْ مِنْ بِلَادٍ بَعِيدَةٍ ... نَزَائِعَ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدَدِ
[ ص 155 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى " وَدَلّنِي عَلَى الْحَقّ مَنْ طَرّدْتُ كُلّ مُطَرّدِ " . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَزَعَمُوا أَنّهُ حِينَ أَنْشَدَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلَهُ " وَنَالَنِي مَعَ اللّهِ مَنْ طَرّدْتُ كُلّ مُطَرّدِ " ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي صَدْرِهِ وَقَالَ " أَنْتَ طَرّدْتَنِي كُلّ مُطَرّدِ " .
Sعَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ
وَذَكَرَ [ ص 153 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأُمّ سَلَمَةَ حِينَ اسْتَأْذَنَتْهُ فِي أَخِيهَا عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُمَيّةَ وَأَمّا ابْنُ عَمّتِي وَصِهْرِي فَهُوَ الّذِي قَالَ لِي بِمَكّةَ مَا قَالَ يَعْنِي حِينَ قَالَ لَهُ وَاَللّهِ لَا آمَنْت بِك حَتّى تَتّخِذَ سُلّمًا إلَى السّمَاءِ فَتَعْرُجَ فِيهِ وَأَنَا أَنْظُرُ ثُمّ تَأْتِيَ بِصَكّ وَأَرْبَعَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَك أَنّ اللّهَ قَدْ أَرْسَلَك وَقَدْ تَقَدّمَتْ هَذِهِ الْقِصّةُ . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ هُوَ أَخُو أُمّ سَلَمَةَ لِأَبِيهَا ، وَأُمّهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأُمّ سَلَمَةَ أُمّهَا عَاتِكَةُ بِنْتُ جِذْلِ الطّعَانِ وَهُوَ عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ الْفِرَاسِيّ ، وَاسْمُ أَبِي أُمَيّةَ حُذَيْفَةُ وَكَانَتْ عِنْدَهُ أَرْبَعُ عَوَاتِكَ قَدْ ذَكَرْنَا مِنْهُنّ هَهُنَا ثِنْتَيْنِ . [ ص 154 ]
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِهِ وَقَصِيدَتِهِ
وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ أَوْ لَآخُذَن بِيَدِ بُنَيّ هَذَا ، ثُمّ لَنَذْهَبَنّ فِي الْأَرْضِ . لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ اسْمَ ابْنِهِ ذَلِكَ وَلَعَلّهُ أَنْ يَكُونَ جَعْفَرًا ، فَقَدْ كَانَ إذْ ذَاكَ غُلَامًا مُدْرِكًا ، وَشَهِدَ مَعَ أَبِيهِ حُنَيْنًا ، وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَلَا عَقِبَ لَهُ . وَذَكَرَ الزّبَيْرَ لِأَبِي سُفْيَانَ وَلِذَا يُكَنّى أَبَا الْهِيَاجِ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ لَا أَدْرِي : أَهُوَ جَعْفَرٌ أَمْ غَيْرُهُ وَمَاتَ أَبُو سُفْيَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا تَبْكُنّ عَلَيّ فَإِنّي لَمْ أَنْتَطِفْ بِخَطِيئَةِ مُنْذُ أَسْلَمْت ، وَمَاتَ مِنْ ثُؤْلُولٍ حَلَقَهُ الْحَلّاقُ فِي حَجّ فَقَطَعَهُ مَعَ الشّعْرِ فَنَزَفَ مِنْهُ وَقِيلَ فِي اسْمِ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ وَقِيلَ بَلْ الْمُغِيرَةُ أَخُوهُ قَالَ الْقُتَبِيّ : إخْوَتُهُ الْمُغِيرَةُ وَنَوْفَلٌ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَرَبِيعَةُ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . [ ص 155 ] فُعْلَلٍ وَقَوْلُهُ نَزَائِعَ جَاءَتْ مِنْ سِهَامٍ وَسُرْدَدِ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُرْدَدِ بِضَمّ أَوّلِهِ وَإِسْكَانِ ثَانِيهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ سِيبَوَيْهِ وَيَعْقُوبُ وَبِفَتْحِ الدّالِ ذَكَرَهُ غَيْرُهُمَا ، وَهُمَا مَوْضِعَانِ مِنْ أَرْضِ عَكّ وَذَلِكَ أَنّ سِيبَوَيْهِ مِنْ أَصْلِهِ أَنّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَامِ فُعْلَلٌ بِالْفَتْحِ وَحَكَاهُ الْكُوفِيّونَ فِي جُنْدُبٍ وَسُرْدَدٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَلَا يَنْبَغِي أَيْضًا عَلَى أَصْلِ سِيبَوَيْهِ أَنْ يَمْتَنِعَ الْفَتْحُ فِي سُرْدَدٍ لِأَنّ إحْدَى الدّالَيْنِ زَائِدَةٌ مِنْ أَجْلِ الضّعِيفِ وَإِنّمَا الّذِي يَمْتَنِعُ فِي الْأَبْنِيَةِ مِثْلُ جُعْفُرٍ بِضَمّ أَوّلِهِ وَفَتْحِ ثَانِيهِ فَمِثْلُ سُرْدَدٍ وَالسّودَدِ وَالْحُولَلِ جَمْعُ حَائِلٍ ، وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ طُحْلُبٍ وَيُرْفَعُ وَجُؤْذَرٍ فَهُوَ دَخِيلٌ فِي الْكَلَامِ وَلَا يُجْعَلُ أَصْلًا ، وَلَا يَمْتَنِعُ أَيْضًا جُنْدَبٌ بِفَتْحِ الدّالِ لِأَنّ النّونَ زَائِدَةٌ .
عَوْدٌ إلَى أَبِي سُفْيَانَ
وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ رَضِيعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَرْضَعَتْهُمَا حَلِيمَةُ وَكَانَ آلَفَ النّاسِ لَهُ قَبْلَ النّبُوّةِ لَا يُفَارِقُهُ فَلَمّا نُبّئَ كَانَ أَبْعَدَ النّاسِ عَنْهُ وَأَهْجَاهُمْ لَهُ إلَى أَنْ أَسْلَمَ ، فَكَانَ أَصَحّ النّاسِ إيمَانًا ، وَأَلْزَمَهُمْ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِأَبِي سُفْيَانَ هَذَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَنْتَ يَا أَبَا سُفْيَانَ كَمَا قِيلَ كُلّ الصّيْدِ فِي جَوْفِ الْفَرَا " ، وَقِيلَ بَلْ قَالَهَا لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَالْأَوّلُ أَصَحّ .
قِصّةُ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى يَدِ الْعَبّاسِ
فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ الطّهْرَانِ قَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَقُلْت : وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ ، وَاَللّهِ لَئِنْ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ عَنْوَةً قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ فَيَسْتَأْمِنُوهُ إنّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ إلَى آخِرِ الدّهْرِ . قَالَ فَجَلَسْت عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَيْضَاءِ فَخَرَجْت عَلَيْهَا . قَالَ حَتّى جِئْت الْأَرَاكَ ، فَقُلْت : لَعَلّي أَجِدُ بَعْضَ الْحَطّابَةِ أَوْ صَاحِبَ لَبَنٍ أَوْ ذَا [ ص 156 ] مَكّةَ ، فَيُخْبِرُهُمْ بِمَكَانِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَخْرُجُوا إلَيْهِ فَيَسْتَأْمِنُوهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً . قَالَ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَسِيرُ عَلَيْهَا ، وَأَلْتَمِسُ مَا خَرَجْت لَهُ إذْ سَمِعْت كَلَامَ أَبِي سُفْيَانَ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَهُمَا يَتَرَاجَعَانِ وَأَبُو سُفْيَانَ يَقُولُ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ نِيرَانًا قَطّ وَلَا عَسْكَرًا قَالَ يَقُولُ بُدَيْلٌ هَذِهِ وَاَللّهِ خُزَاعَةُ حَمَشَتْهَا الْحَرْبُ . قَالَ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ خُزَاعَةُ أَذَلّ وَأَقَلّ مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ نِيرَانَهَا وَعَسْكَرَهَا ، قَالَ فَعَرَفْت صَوْتَهُ فَقُلْت : يَا أَبَا حَنْظَلَةَ فَعَرَفَ صَوْتِي ، فَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ قَالَ مَا لَك ؟ فِدَاك أَبِي وَأُمّي قَالَ قُلْت : وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ وَاَللّهِ . قَالَ فَمَا الْحِيلَةُ ؟ فِدَاك أَبِي وَأُمّي ؟ قَالَ قُلْت وَاَللّهِ لَئِنْ ظَفِرَ بِك لَيَضْرِبَن عُنُقَك ، فَارْكَبْ فِي عَجُزِ هَذِهِ الْبَغْلَةِ حَتّى آتِي بِك رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَأْمَنَهُ لَك ؛ قَالَ فَرَكِبَ خَلْفِي وَرَجَعَ صَاحِبَاهُ قَالَ فَجِئْت بِهِ كُلّمَا مَرَرْت بِنَارِ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا : مَنْ هَذَا ؟ فَإِذَا رَأَوْا بَغْلَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عَلَيْهَا ، قَالُوا : عَمّ رَسُولِ اللّهِ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتّى مَرَرْت بِنَارِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ وَقَامَ إلَيّ فَلَمّا رَأَى أَبَا سُفْيَانَ عَلَى عَجُزِ الدّابّةِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ عَدُوّ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَمْكَنَ مِنْك بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ ثُمّ خَرَجَ يَشْتَدّ نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَكَضْت الْبَغْلَةَ فَسَبَقْته بِمَا تَسْبِقُ الدّابّةُ الْبَطِيئَةُ الرّجُلَ الْبَطِيءَ قَالَ فَاقْتَحَمْت عَنْ الْبَغْلَةِ فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ قَدْ أَمْكَنَ اللّهُ مِنْهُ بِغَيْرِ عَقْدٍ وَلَا عَهْدٍ [ ص 157 ] قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ أَجَرْته ، ثُمّ جَلَسْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذْت بِرَأْسِهِ فَقُلْت : وَاَللّهِ لَا يُنَاجِيهِ اللّيْلَةَ دُونِي رَجُلٌ فَلَمّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِي شَأْنِهِ قَالَ قُلْت : مَهْلًا يَا عُمَرُ فَوَاَللّهِ أَنْ لَوْ كَانَ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْت هَذَا ، وَلَكِنّك قَدْ عَرَفْت أَنّهُ مِنْ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَ مَهْلًا يَا عَبّاسُ فَوَاَللّهِ لَإِسْلَامُك يَوْمَ أَسْلَمْت كَانَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ لَوْ أَسْلَمَ ، وَمَا بِي إلّا أَنّي قَدْ عَرَفْت أَنّ إسْلَامَك كَانَ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ إسْلَامِ الْخَطّابِ لَوْ أَسْلَمَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " اذْهَبْ بِهِ يَا عَبّاسُ إلَى رَحْلِك ، فَإِذَا أَصْبَحْت فَأْتِنِي بِهِ " ، قَالَ فَذَهَبْت بِهِ إلَى رَحْلِي ، فَبَاتَ عِنْدِي ، فَلَمّا أَصْبَحَ غَدَوْت بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنّهُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ " قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي مَا أَحْلَمَك وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك ، وَاَللّهِ لَقَدْ ظَنَنْت أَنْ لَوْ كَانَ مَعَ اللّهِ إلَهٌ غَيْرُهُ لَقَدْ أَغْنَى عَنّي شَيْئًا بَعْدُ قَالَ " وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ ؟ " قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَحْلَمَك وَأَكْرَمَك وَأَوْصَلَك أَمّا هَذِهِ وَاَللّهِ فَإِنّ فِي النّفْسِ مِنْهَا حَتّى الْآنَ شَيْئًا . فَقَالَ لَهُ الْعَبّاسُ وَيْحَك أَسْلِمْ وَاشْهَدْ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ قَبْلَ أَنْ تُضْرَبَ عُنُقُك . قَالَ فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ فَأَسْلَمَ قَالَ الْعَبّاسُ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ يُحِبّ هَذَا الْفَخْرَ فَاجْعَلْ لَهُ شَيْئًا ، قَالَ " نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَلَمّا ذَهَبَ لِيَنْصَرِفَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " يَا عَبّاسُ احْبِسْهُ بِمَضِيقِ الْوَادِي عِنْدَ خَطْمِ الْجَبَلِ حَتّى تَمُرّ بِهِ جُنُودُ اللّهِ فَيَرَاهَا " . قَالَ فَخَرَجْت حَتّى حَبَسْته بِمَضِيقِ الْوَادِي ، حَيْثُ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَحْبِسَهُ . عَرْضُ الْجَيْشِ قَالَ وَمَرّتْ الْقَبَائِلُ عَلَى رَايَاتِهَا ، كُلّمَا مَرّتْ قَبِيلَةٌ قَالَ يَا عَبّاسُ مَنْ هَذِهِ ؟ فَأَقُولُ سُلَيْمٌ فَيَقُولُ مَا لِي وَلِسُلَيْمِ ثُمّ تَمُرّ الْقَبِيلَةُ فَيَقُولُ يَا عَبّاسُ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ فَأَقُولُ مُزَيْنَةُ ، فَيَقُولُ مَا لِي وَلِمُزَيْنَةَ حَتّى نَفِدَتْ الْقَبَائِلُ مَا تَمُرّ بِهِ قَبِيلَةٌ إلّا يَسْأَلُنِي عَنْهَا ، فَإِذَا أَخْبَرْته بِهِمْ قَالَ مَا لِي وَلِبَنِي فُلَانٍ حَتّى مَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ [ ص 158 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهَا الْخَضْرَاءُ لِكَثْرَةِ الْحَدِيدِ وَظُهُورِهِ فِيهَا . قَالَ الْحَارِثُ بْنُ حَمْزَةَ الْيَشْكُرِيّ :
ثَمّ حُجْرًا أَعْنِي ابْنَ أُمّ قَطَامٍ ... وَلَهُ فَارِسِيّةٌ خَضْرَاءُ
يَعْنِي الْكَتِيبَةَ ، وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ :
لَمّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ ... بِكَتِيبَةِ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَجِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ قَدْ كَتَبْنَاهَا فِي أَشْعَارِ يَوْمِ بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ لَا يُرَى مِنْهُمْ إلّا الْحَدَقُ مِنْ الْحَدِيدِ فَقَالَ سُبْحَانَ اللّهِ يَا عَبّاسُ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ قُلْت : هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ؛ قَالَ مَا لِأَحَدِ بِهَؤُلَاءِ قِبَلٌ وَلَا طَاقَةٌ وَاَللّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيك الْغَدَاةَ عَظِيمًا ، قَالَ قُلْت : يَا أَبَا سُفْيَانَ إنّهَا النّبُوّةُ . قَالَ فَنَعَمْ إذَنْ
S[ ص 156 ] بُدَيْلٍ حَمَشَتْهُمْ الْحَرْبُ يُقَالُ حَمَشْت الرّجُلَ إذَا أَغْضَبْته ، وَحَمَشْت النّارَ أَيْضًا إذَا أَوْقَدْتهَا ، وَيُقَالُ . حَمَسْت بِالسّينِ . عَنْ إسْلَامِ سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَذَكَرَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ أَنّ الْعَبّاسَ لَمّا احْتَمَلَهُ مَعَهُ إلَى قُبّتِهِ فَأَصْبَحَ عِنْدَهُ رَأَى النّاسَ وَقَدْ ثَارُوا إلَى ظُهُورِهِمْ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا أَبَا الْفَضْلِ مَا لِلنّاسِ أَأُمِرُوا فِيّ بِشَيْءِ ؟ قَالَ لَا ، وَلَكِنّهُمْ قَامُوا إلَى الصّلَاةِ فَأَمَرَهُ الْعَبّاسُ فَتَوَضّأَ ثُمّ انْطَلَقَ بِهِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي الصّلَاةِ كَبّرَ فَكَبّرَ النّاسُ بِتَكْبِيرِهِ ثُمّ رَكَعَ فَرَكَعُوا ، ثُمّ رَفَعَ فَرَفَعُوا ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ طَاعَةَ قَوْمٍ جَمَعَهُمْ مِنْ هَهُنَا وَهَهُنَا ، وَلَا فَارِسَ الْأَكَارِمِ وَلَا الرّومِ ذَاتِ الْقُرُونِ بِأَطْوَعَ مِنْهُمْ لَهُ وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْعُزّى ؟ فَسَمِعَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ وَرَاءِ الْقُبّةِ فَقَالَ لَهُ نَخْرَا عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَيْحَك يَا عُمَرُ إنّك رَجُلٌ فَاحِشٌ دَعْنِي مَعَ ابْنِ عَمّي ، فَإِيّاهُ أُكَلّمُ [ ص 157 ] وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي سُفْيَانَ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيك الْغَدَاةَ عَظِيمًا ، وَقَوْلَ الْعَبّاسِ لَهُ إنّهَا النّبُوّةُ قَالَ شَيْخُنَا أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللّهُ إنّمَا أَنْكَرَ الْعَبّاسُ عَلَيْهِ أَنْ ذَكَرَ الْمُلْكَ مُجَرّدًا مِنْ النّبُوّةِ مَعَ أَنّهُ كَانَ فِي أَوّلِ دُخُولِهِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِلّا فَجَائِزٌ أَنْ يُسَمّى مِثْلُ هَذَا مُلْكًا ، وَإِنْ كَانَ لِنَبِيّ فَقَدْ قَالَ اللّهُ تَعَالَى فِي دَاوُدَ { وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ } [ ص : 20 ] وَقَالَ سُلَيْمَان . [ ص 158 ] { وَهَبْ لِي مُلْكًا } [ ص : 35 ] غَيْرَ أَنّ الْكَرَاهِيَةَ أَظْهَرُ فِي تَسْمِيَةِ حَالِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُلْكًا لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُيّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيّا عَبْدًا ، أَوْ نَبِيّا مَلِكًا ، فَالْتَفَتَ إلَى جِبْرِيلَ ، فَأَشَارَ إلَيْهِ أَنْ تَوْضَعْ فَقَالَ بَلْ نَبِيّا عَبْدًا أَشْبَعُ يَوْمًا ، وَأَجُوعُ يَوْمًا وَإِنْكَارُ الْعَبّاسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ يُقَوّي هَذَا الْمَعْنَى ، وَأَمْرُ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهُ يَكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يُسَمّى مَلِكًا ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَدِيثٍ آخَرَ " يَكُونُ بَعْدَهُ خُلَفَاءُ ثُمّ يَكُونُ أُمَرَاءُ ثُمّ يَكُونُ مُلُوكٌ ثُمّ جَبَابِرَةٌ " ، وَيُرْوَى : ثُمّ يَعُودُ الْأَمْرُ بَزَيْزِيّا ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَالَ الْخَطّابِيّ : إنّمَا هُوَ بِزّيزَيّ ، أَيْ قَتْلٌ وَسَلْبٌ .
أَبُو سُفْيَانَ يُحَذّرُ أَهْلَ مَكّةَ
قَالَ قُلْت : النّجَاءَ إلَى قَوْمِك ، حَتّى إذَا جَاءَهُمْ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، هَذَا مُحَمّدٌ قَدْ جَاءَكُمْ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ فَقَامَتْ إلَيْهِ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، فَأَخَذَتْ بِشَارِبِهِ فَقَالَتْ اُقْتُلُوا الْحَمِيتَ الدّسِمَ الْأَحْمَسَ قُبّحَ [ ص 159 ] قَالَ وَيْلَكُمْ لَا تَغُرّنكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ فَإِنّهُ قَدْ جَاءَكُمْ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فَمَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ قَالُوا : قَاتَلَك اللّهُ وَمَا تُغْنِي عَنّا دَارُك ، قَالَ وَمَنْ أَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَهُوَ آمِنٌ فَتَفَرّقَ النّاسُ إلَى دُورِهِمْ وَإِلَى الْمَسْجِدِ
Sقَوْلُ هِنْدٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ
وَقَوْلُ هِنْدٍ : اُقْتُلُوا الْحَمِيتَ الدّسِمَ الْأَحْمَسَ . الْحَمِيتُ الزّقّ ، نَسَبَتْهُ إلَى الضّخْمِ وَالسّمَنِ وَالْأَحْمَسُ أَيْضًا الّذِي لَا خَيْرَ عِنْدَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ عَامٌ أَحْمَسُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَطَرٌ وَزَادَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي حَدِيثِهِ أَنّهَا قَالَتْ يَا آلَ غَالِبٍ اُقْتُلُوا الْأَحْمَقَ فَقَالَ لَهَا أَبُو سُفْيَانَ [ ص 159 ] لَتُسْلِمَن أَوْ لَأَضْرِبَن عُنُقَك وَفِي إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ قَبْلَ هِنْدٍ وَإِسْلَامُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدّتِهَا ، ثُمّ اسْتَقَرّا عَلَى نِكَاحِهِمَا وَكَذَلِكَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مَعَ امْرَأَتِهِ حُجّةٌ لِلشّافِعِيّ فَإِنّهُ لَمْ يُفَرّقْ بَيْنَ أَنْ تُسْلِمَ قَبْلَهُ أَوْ يُسْلِمَ قَبْلَهَا ، مَا دَامَتْ فِي الْعِدّةِ . وَفَرّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَا فِي الْمُوَطّأِ وَغَيْرِهِ .
وُصُولُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى ذِي طُوًى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا انْتَهَى إلَى ذِي طُوًى وَقَفَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُعْتَجِرًا بِشِقّةِ بُرْدٍ حِبَرَةٍ حَمْرَاءَ ، وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيَضَعُ رَأْسَهُ تَوَاضُعًا لِلّهِ حِينَ رَأَى مَا أَكْرَمَهُ اللّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ حَتّى إنّ عُثْنُونَهُ لَيَكَادُ يَمَسّ وَاسِطَةَ الرّحْلِ .
إسْلَامُ وَالِدِ أَبِي بَكْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَتْ لَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذِي طُوًى قَالَ أَبُو قُحَافَةَ لِابْنَةِ مِنْ أَصْغَرِ وَلَدِهِ أَيْ بُنَيّةُ اظْهَرِي بِي عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ قَالَتْ وَقَدْ كُفّ بَصَرُهُ قَالَتْ فَأَشْرَفَتْ بِهِ عَلَيْهِ فَقَالَ أَيْ بُنَيّةُ مَاذَا تَرَيْنَ ؟ قَالَتْ أَرَى سَوَادًا مُجْتَمِعًا ، قَالَ تِلْكَ الْخَيْلُ قَالَتْ وَأَرَى رَجُلًا يَسْعَى بَيْنَ يَدَيْ ذَلِكَ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا ، قَالَ أَيْ بُنَيّةُ ذَلِكَ [ ص 160 ] قَالَتْ قَدْ وَاَللّهِ انْتَشَرَ السّوَادُ قَالَتْ فَقَالَ قَدْ وَاَللّهِ إذَنْ دُفِعَتْ الْخَيْلُ فَأَسْرِعِي بِي إلَى بَيْتِي ، فَانْحَطّتْ بِهِ وَتَلَقّاهُ الْخَيْلُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَيْتِهِ قَالَتْ وَفِي عُنُقِ الْجَارِيَةِ طَوْقٌ مِنْ وَرِقٍ فَتَلَقّاهَا رَجُلٌ فَيَقْتَطِعُهُ مِنْ عُنُقِهَا ، قَالَتْ فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ ، وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ أَتَى أَبُو بَكْرٍ بِأَبِيهِ يَقُودُهُ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ هَلّا تَرَكْت الشّيْخَ فِي بَيْتِهِ حَتّى أَكُونَ أَنَا آتِيهِ فِيهِ ؟ " قَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ هُوَ أَحَقّ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْك مِنْ أَنْ تَمْشِيَ إلَيْهِ أَنْتَ قَالَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ مَسَحَ صَدْرَهُ ثُمّ قَالَ لَهُ " أَسْلِمْ " فَأَسْلَمَ قَالَتْ فَدَخَلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَكَأَنّ رَأْسَهُ ثَغَامَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " غَيّرُوا هَذَا مِنْ شَعْرِهِ ثُمّ قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِيَدِ أُخْتِهِ وَقَالَ أُنْشِدُ اللّهَ وَالْإِسْلَامَ طَوْقَ أُخْتِي ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، قَالَتْ فَقَالَ أَيْ أُخَيّة ، احْتَسِبِي طَوْقَك ، إنّ الْأَمَانَةَ فِي النّاسِ الْيَوْمَ لَقَلِيلٌ
Sإسْلَامُ أَبِي قُحَافَةَ
وَذَكَرَ إسْلَامُ أَبِي قُحَافَةَ وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ عَامِرٍ وَاسْمُ أُمّهِ قَيْلَةُ بِنْتُ أَذَاةَ . وَقَوْلُهُ لِبِنْتِ لَهُ وَهِيَ أَصْغَرُ وَلَدِهِ يُرِيدُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَصْغَرُ أَوْلَادِهِ الّذِينَ لِصُلْبِهِ وَأَوْلَادِهِمْ لِأَنّ أَبَا قُحَافَةَ لَمْ يَعِشْ لَهُ وَلَدٌ ذَكَرٌ إلّا أَبُو بَكْرٍ وَلَا تُعْرَفُ لَهُ بِنْتٌ إلّا أُمّ فَرْوَةَ الّتِي أَنْكَحَهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ تَحْتَ تَمِيمٍ الدّارِيّ فَهِيَ هَذِهِ الّتِي ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ قِيلَ كَانَتْ لَهُ بِنْتٌ أُخْرَى تُسَمّى قُرَيْبَةَ تَزَوّجَهَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَالْمَذْكُورَةُ فِي حَدِيثِ أَبِي قُحَافَةَ هِيَ إحْدَى هَاتَيْنِ عَلَى هَذَا ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 160 ] وَكَانَ رَأْسُهُ ثَغَامَةً وَالثّغَامُ مِنْ نَبَاتِ الْجِبَالِ وَهُوَ مِنْ الْجَنَبَةِ وَأَشَدّ مَا يَكُونُ بَيَاضًا إذَا أَمْحَلَ وَالْحَلِيّ مِثْلُهُ يُشَبّهُ بِهِ الشّيْبُ قَالَ الرّاجِزُ وَلِمّتِي كَأَنّهَا حَلِيّةٌ
حُكْمُ الْخِضَابِ
وَقَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَيْبِ أَبِي قُحَافَةَ " غَيّرُوا هَذَا " مِنْ شَعْرِهِ هُوَ عَلَى النّدْبِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ لِمَا دَلّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ عَنْهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ لَمْ يُغَيّرْ شَيْبَهُ وَقَدْ رَوَى مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ خَضَبَ . وَقَالَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ إنّمَا كَانَتْ شَيْبَاتٍ يَسِيرَةً يُغَيّرُهَا بِالطّيبِ . وَقَالَ أَنَسٌ لَمْ يَبْلُغْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَدّ الْخِضَابِ وَفِي الْبُخَارِيّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ أَرَتْنِي أُمّ سَلَمَةَ شَعْرًا مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَوْهَبٍ قَالَ بَعَثَنِي أَهْلِي بِقَدَحِ إلَى أُمّ سَلَمَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ اطّلَعْت فِي الْجُلْجُلِ فَرَأَيْت شَعَرَاتٍ حُمْرًا ، وَهَذَا كَلَامٌ مُشْكِلٌ وَشَرْحُهُ فِي مُشْكِلِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرّاحِ قَالَ كَانَ جُلْجُلًا مِنْ فِضّةٍ صُنِعَ صِيوَانًا لِشَعَرَاتِ كَانَتْ عِنْدَهُمْ مِنْ شَعْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ كَانَ مَخْضُوبَ الشّيْبِ وَقَدْ صَحّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يَكُنْ بَلَغَ أَنْ يَخْضِبَ إنّمَا كَانَتْ شَعَرَاتٍ تُعَدّ . [ ص 161 ] كَانَ عِنْدَهُ شَيْءٌ مِنْ شَعْرِهِ تِلْكَ الشّعَرَاتِ لِيَكُونَ أَبْقَى لَهَا ، كَذَلِكَ قَالَ الدّارَقُطْنِيّ فِي أَسْمَاءِ رِجَالِ الْمُوَطّأِ لَهُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَخْضِبُ بِالْحِنّاءِ وَالْكَتَمِ وَكَانَ عُمَرُ يَخْضِبُ بِالصّفْرَةِ وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَخْضِبُ بِالْخِطْرِ وَهُوَ الْوَسْمَةُ وَأَمّا الصّفْرَةُ فَكَانَتْ مِنْ الْوَرْسِ أَوْ الْكُرْكُمِ وَهُوَ الزّعْفَرَانُ وَالْوَرْسُ يَنْبُتُ بِالْيَمَنِ يُقَالُ لِجَيّدِهِ بَادِرَةُ الْوَرْسِ وَمِنْ أَنْوَاعِهِ الْعَسْفُ وَالْحَبَشِيّ وَهُوَ آخِرُهُ وَيُقَالُ مِنْ الْحِنّاءِ حَنّا شَيْبَهُ وَرَقّنَهُ وَجَمْعُ الْحِنّاءِ حِنّانٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ قَالَ الشّاعِرُ
وَلَقَدْ أَرُوحُ بِلِمّةِ فَيْنَانَةٍ ... سَوْدَاءَ قَدْ رُوِيَتْ مِنْ الْحِنّانِ
مِنْ كِتَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَزِيدُ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ فِي شَيْبِ أَبِي قُحَافَةَ وَجَنّبُوهُ السّوَادَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَةِ الْخِضَابِ بِالسّوَادِ مِنْ أَجْلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَمِنْ أَجْلِ حَدِيثٍ آخَرَ جَاءَ فِي الْوَعِيدِ وَالنّهْيِ لِمَنْ خَضَبَ بِالسّوَادِ وَقِيلَ أَوّلُ مَنْ خَضَبَ بِالسّوَادِ فِرْعَوْنُ ، وَقِيلَ أَوّلُ مَنْ خَضَبَ بِهِ مِنْ الْعَرَبِ عَبْدُ الْمُطّلِبِ ، وَتَرَخّصَ قَوْمٌ فِي الْخِضَابِ بِالسّوَادِ مَعَهُمْ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ اخْضِبُوا بِالسّوَادِ فَإِنّهُ أَنْكَى لِلْعَدُوّ وَأَحَبّ لِلنّسَاءِ وَقَالَ ابْنُ بَطّالٍ فِي الشّرْحِ إذَا كَانَ الرّجُلُ كَهْلًا لَمْ يَبْلُغْ الْهَرَمَ جَازَ لَهُ الْخِضَابُ بِالسّوَادِ لِأَنّ فِي ذَلِكَ مَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ الْإِرْهَابِ عَلَى الْعَدُوّ وَالتّحَبّبِ إلَى النّسَاءِ وَأَمّا إذَا قَوّسَ وَاحْدَوْدَبَ فَحِينَئِذٍ يُكْرَهُ لَهُ السّوَادُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَبِي قُحَافَةَ غَيّرُوا شَيْبَهُ وَجَنّبُوهُ السّوَادَ .
جُيُوشُ الْمُسْلِمِينَ تَدْخُلُ مَكّةَ
[ ص 161 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ فَرّقَ جَيْشَهُ مِنْ ذِي طُوًى ، أَمَرَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النّاسِ مِنْ كُدًى ، وَكَانَ الزّبَيْرُ عَلَى الْمُجَنّبَةِ الْيُسْرَى ، وَأَمَرَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ فِي بَعْضِ النّاسِ مِنْ كَدَاءٍ . [ ص 162 ]
الْمُهَاجِرُونَ وَسَعْدٌ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ سَعْدًا حِينَ وَجّهَ دَاخِلًا ، قَالَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمُ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ فَسَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اسْمَعْ مَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، مَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَدْرِكْهُ فَخُذْ الرّايَةَ مِنْهُ فَكُنْ أَنْتَ الّذِي تَدْخُلُ بِهَا
Sكَدَاءُ وَكُدًى
فَصْلٌ
وَذَكَرَ كَدَاءَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَالْمَدّ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكّةَ ، وَكُدًى وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ عَرَفَةَ وَبِمَكّةَ مَوْضِعٌ ثَالِثٌ يُقَالُ كُدَا بِضَمّ الْكَافِ وَالْقَصْرِ وَأَنْشَدُوا فِي كَدَاءٍ وَكُدًى :
أَقْفَرَتْ بَعْدَ عَبْدِ شَمْسٍ كَدَاءُ ... فَكُدَيّ فَالرّكْنُ وَالْبَطْحَاءُ
وَالْبَيْتُ لِابْنِ قَيْسٍ الرّقَيّاتِ يَذْكُرُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ الْعَامِرِيّينَ رَهْطَ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو . [ ص 162 ]
مَوْقِفُ إبْرَاهِيمَ بِكَدَاءَ
وَبِكَدَاءَ وَقَفَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ دَعَا لِذُرّيّتِهِ بِالْحَرَمِ كَذَلِكَ رَوَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، فَقَالَ { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } فَاسْتُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ وَقِيلَ لَهُ أَذّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجّ يَأْتُوك رِجَالًا ، أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ يَأْتُوك ، وَلَمْ يَقُلْ يَأْتُونِي ، لِأَنّهَا اسْتِجَابَةٌ لِدَعْوَتِهِ فَمِنْ ثَمّ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - اسْتَحَبّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَتَى لِمَكّةَ أَنْ يَدْخُلَهَا مِنْ كَدَاءَ ، لِأَنّهُ الْمَوْضِعُ الّذِي دَعَا فِيهِ إبْرَاهِيمُ بِأَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ .
مَوْقِفُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سَعْدٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ نَزْعَ الرّايَةِ مِنْ سَعْدٍ حِينَ قَالَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ . وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي الْخَبَرِ أَنّ ضِرَارَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ يَوْمَئِذٍ شِعْرًا حِينَ سَمِعَ قَوْلَ سَعْدٍ اسْتَعْطَفَ فِيهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قُرَيْشٍ ، وَهُوَ مِنْ أَجْوَدِ شِعْرٍ لَهُ
يَا نَبِيّ الْهُدَى إلَيْك لَجَا ح ... يّ قُرَيْشٍ وَلَاتَ حِينَ لَجَاءِ
حِينَ ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ سَعَةُ الْأَرْ ... ضِ وَعَادَاهُمْ إلَهُ السّمَاءِ
وَالْتَقَتْ حَلْقَتَا الْبِطَانِ عَلَى الْقَ ... وْمِ وَنُودُوا بِالصّيْلَمِ الصّلْعَاءِ
إنّ سَعْدًا يُرِيدُ قَاصِمَةَ الظّهْ ... رِ بِأَهْلِ الْحَجُونِ وَالْبَطْحَاءِ
خَزْرَجِيّ لَوْ يَسْتَطِيعُ مِنْ الْغَيْ ... ظِ رَمَانَا بِالنّسْرِ وَالْعَوّاءِ
فَلَئِنْ أَقْحَمَ اللّوَاءَ وَنَادَى ... يَا حُمَاةَ اللّوَاءِ أَهْلَ اللّوَاءِ
لَتَكُونَن بِالْبِطَاحِ قُرَيْشٌ ... بُقْعَةُ الْقَاعِ فِي أَكُفّ الْإِمَاءِ
فَحِينَئِذٍ انْتَزَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّايَةَ مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِيمَا ذَكَرُوا ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَمَدّ فِي هَذَا الشّعْرِ الْعَوّاءَ وَأَنْكَرَ الْفَارِسِيّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ مَدّهَا ، وَقَالَ لَوْ مُدّتْ لَقِيلَ فِيهَا : الْعَيّاءُ كَمَا [ ص 163 ] قِيلَ فِي : الْعَلْيَاءِ لِأَنّهَا لَيْسَتْ بِصِفَةِ كَالْعَشْوَاءِ قَالَ وَإِنّمَا هِيَ مَقْصُورَةٌ كَالشّرْوَى وَالنّجْوَى ، وَغَفَلَ عَنْ وَجْهٍ ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ الْقَالِي ، فَإِنّهُ قَالَ عَنْ مَدّ الْعَوّاءِ فَهِيَ عِنْدَهُ فَعّالٌ مِنْ عَوَيْت الشّيْءَ إذَا لَوَيْت ظَرَفَهُ وَهَذَا حَسَنٌ جِدّا لَا سِيّمَا ، وَقَدْ صَحّ مَدّهَا فِي الشّعْرِ الّذِي تَقَدّمَ وَغَيْرِهِ وَالْأَصَحّ فِي مَعْنَاهَا : أَنّ الْعَوّاءَ مِنْ الْعَوّةِ وَالْعَوّةُ هِيَ الدّبُرُ فَكَأَنّهُمْ سَمّوْهَا بِذَلِكَ لِأَنّهَا دُبُرُ الْأَسَدِ مِنْ الْبُرُوجِ .
كَيْفَ دَخَلَ الْجَيْشُ مَكّةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 163 ] عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ فِي حَدِيثِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَدَخَلَ مِنْ اللّيطِ ، أَسْفَلَ مَكّةَ ، فِي بَعْضِ النّاسِ وَكَانَ خَالِدٌ عَلَى الْمُجَنّبَةِ الْيُمْنَى ، وَفِيهَا أَسْلَمُ وَسُلَيْمٌ وَغِفَارٌ وَمُزَيْنَةُ وَجُهَيْنَةُ وَقَبَائِلُ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ . وَأَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ بِالصّفّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَنْصِبُ لِمَكّةَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَذَاخِرَ ، حَتّى نَزَلَ بِأَعْلَى مَكّةَ وَضُرِبَتْ لَهُ هُنَالِكَ قُبّتُهُ .
الّذِينَ تَعَرّضُوا لِلْمُسْلِمِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ وَعِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَسُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو كَانُوا قَدْ جَمَعُوا نَاسًا بِالْخَنْدَمَةِ لِيُقَاتِلُوا ، وَقَدْ كَانَ حِمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ ، أَخُو بَنِي بَكْرٍ يُعِدّ سِلَاحًا قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُصْلِحُ مِنْهُ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ لِمَاذَا تُعِدّ مَا أَرَى ؟ قَالَ لِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ قَالَتْ وَاَللّهِ مَا أَرَاهُ يَقُومُ لِمُحَمّدِ وَأَصْحَابِهِ شَيْءٌ قَالَ وَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أُخْدِمَك بَعْضَهُمْ ثُمّ قَالَ
إنْ يُقْبِلُوا الْيَوْمَ فَمَا لِي عِلّةٌ ... هَذَا سِلَاحٌ كَامِلٌ وَأَلَهْ
وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ السّلّهْ
ثُمّ شَهِدَ الْخَنْدَمَةَ مَعَ صَفْوَانَ وَسُهَيْلِ وَعِكْرِمَةَ ، فَلَمّا لَقِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، نَاوَشُوهُمْ شَيْئًا مِنْ قِتَالٍ فَقَتَلَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ ، أَحَدَ بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ ، وَخُنَيْسَ بْنَ خَالِدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَصْرَمَ ، حَلِيفُ بَنِي مُنْقَذٍ ، وَكَانَا فِي خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ [ ص 164 ] خُنَيْسُ بْنُ خَالِدٍ قَبْلَ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ ، فَجَعَلَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ بَيْنَ رِجْلَيْهِ ثُمّ قَاتَلَ عَنْهُ حَتّى قُتِلَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ
قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ مِنْ بَنِي فِهِرْ ... نَقِيّةَ الْوَجْهِ نَقِيّةَ الصّدِرْ
لَأَضْرِبَن الْيَوْمَ عَنْ أَبِي صَخِرْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ خُنَيْسٌ يُكَنّى أَبَا صَخْرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : خُنَيْسُ بْنُ خَالِدٍ مِنْ خُزَاعَةَ . [ ص 165 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ بَكْرٍ قَالَا : وَأُصِيبَ مِنْ جُهَيْنَةَ سَلَمَةُ بْنُ الْمَيْلَاءِ مِنْ خَيْلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، وَأُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ نَاسٌ قَرِيبٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا ، أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، ثُمّ انْهَزَمُوا ، فَخَرَجَ حِمَاسٌ مُنْهَزِمًا حَتّى دَخَلَ بَيْتَهُ ثُمّ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَغْلِقِي عَلَيّ بَابِي ، قَالَتْ فَأَيْنَ مَا كُنْت تَقُولُ ؟ فَقَالَ [ ص 166 ]
إنّكِ لَوْ شَهِدْت يَوْمَ الْخَنْدَمَهْ ... إذْ فَرّ صَفْوَانُ وَفَرّ عِكْرِمَهْ
وَأَبُو يَزِيدَ قَائِمٌ كَالْمُوتِمَهْ ... واستقبلتهم بِالسّيُوفِ الْمُسْلِمَهْ
يَقْطَعْنَ كُلّ سَاعِدٍ وَجُمْجُمَهْ ... ضَرْبًا فَلَا يُسْمَعُ إلّا غَمْغَمَهْ
لَهُمْ نَهِيتٌ خَلْفَنَا وَهَمْهَمَهْ ... لَمْ تَنْطِقِي فِي اللّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ قَوْلَهُ " كَالْمُوتِمَهْ " وَتُرْوَى لِلرّعَاشِ الْهُذَلِيّ .
شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ
وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ وَحُنَيْنٍ وَالطّائِفِ ، شِعَارُ الْمُهَاجِرِينَ يَا بَنِي عَبْدِ الرّحْمَنِ وَشِعَارُ الْخَزْرَجِ : يَا بَنِي عَبْدِ اللّهِ وَشِعَارُ الْأَوْسِ : يَا بَنِي عُبَيْدِ اللّهِ .
Sخُنَيْسُ بْنُ خَالِدٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ خُنَيْسَ بْنَ خَالِدٍ وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ : خُنَيْسٌ مِنْ خُزَاعَةَ ، لَمْ يَخْتَلِفُوا عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ خُنَيْسٌ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ وَالنّونِ وَأَكْثَرُ مَنْ أَلّفَ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ يَقُولُ الصّوَابُ فِيهِ حُبَيْشٌ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ وَالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ وَكَذَلِكَ فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ عَنْ [ ص 164 ] أَبِي الْوَلِيدِ أَنّ الصّوَابَ فِيهِ حُبَيْشٌ وَأَبُوهُ خَالِدٌ هُوَ الْأَشْعَرُ بْنُ حُنَيْفٍ وَقَدْ رَفَعْنَا نَسَبَهُ عِنْدَ ذِكْرِ أُمّ مَعْبَدٍ لِأَنّهَا بِنْتُهُ وَهُوَ بِالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ وَأَمّا الْأَسْعَرُ بِالسّينِ الْمُهْمَلَةِ فَهُوَ الْأَسْعَرُ الْجُعْفِيّ ، وَاسْمُهُ " مَرْثَدُ بْنُ عِمْرَانَ وَسُمّيَ الْأَسْعَرُ لِقَوْلِهِ
فَلَا يَدْعُنِي قَوْمِي لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ ... لَئِنْ أَنَا لَمْ أَسْعَرْ عَلَيْهِمْ وَأُثْقِبِ
يَعْنِي بِمَالِكِ مَذْحِجٍ . وَذَكَرَ الرّجَزَ الّذِي لِكُرْزِ قَدْ عَلِمَتْ صَفْرَاءُ مِنْ بَنِي فِهِرْ
أَشَارَ بِقَوْلِهِ صَفْرَاءَ إلَى صُفْرَةِ الْخَلُوقِ وَقِيلَ بَلْ أَرَادَ مَعْنَى : قَوْلِ امْرِئِ الْقَيْسِ
كَبِكْرِ مُقَانَاةِ الْبَيَاضُ بِصُفْرَةِ ... غَذَاهَا نَمِيرُ الْمَاءِ غَيْرَ مُحَلّلِ
وَكَقَوْلِ الْأَعْشَى :
نُرْضِيك مِنْ دَلّ وَمِنْ ... حُسْنٍ مُخَالِطُهُ غَرَارَة
حَمْرَاءُ غَدْوَتهَا ، وَصَفْرَ ... اءُ الْعَشِيّةِ كَالْعَرَارَةِ
وَقَوْلُهُ مِنْ بَنِي فِهِرْ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَكَذَلِكَ الصّدِرْ فِي الْبَيْتِ الثّانِي ، وَأَبُو صَخْرٍ هَذَا عَلَى مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الْوَقْفِ عَلَى مَا أَوْسَطُهُ سَاكِنٌ فَإِنّ مِنْهُمْ مَنْ يَنْقُلُ حَرَكَةَ لَامِ الْفِعْلِ إلَى عَيْنِ الْفِعْلِ فِي الْوَقْفِ وَذَلِكَ إذَا كَانَ الِاسْمُ مَرْفُوعًا أَوْ مَخْفُوضًا ، وَلَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فِي النّصْبِ وَعِلَلُهُ مُسْتَقْصَاةٌ فِي النّحْوِ .
حَوْلَ لِمَاذَا وَمُوتِمَةِ
وَذَكَرَ خَبَرَ حِمَاسٍ وَقَوْلَ امْرَأَتِهِ لَهُ لِمَاذَا تُعِدّ السّلَاحَ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُهَا مِنْ أَجْلِ تَرْكِيبِ ذَا مَعَهَا ، وَالْمَعْرُوفُ فِي مَا إذَا كَانَتْ اسْتِفْهَامًا مَجْرُورَةً أَنْ تُحْذَفَ مِنْهَا الْأَلِفُ فَيُقَالُ لِمَ وَبِمَ قَالَ ابْنُ السّرّاجِ الدّلِيلُ عَلَى أَنّ ذَا جُعِلَتْ مَعَ مَا اسْمًا وَاحِدًا أَنّهُمْ اتّفَقُوا عَلَى إثْبَاتِ الْأَلِفِ مَعَ حَرْفِ الْجَرّ فَيَقُولُونَ لِمَاذَا فَعَلْت ، وَبِمَاذَا جِئْت ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ سِيبَوَيْهِ . [ ص 165 ]
حَوْلَ رَجَزَيْ حِمَاسٍ
وَقَوْلُهُ وَذُو غِرَارَيْنِ سَرِيعُ السّلّهْ
بِكَسْرِ السّينِ هُوَ الرّوَايَةُ يُرِيدُ الْحَالَةَ مِنْ سَلّ السّيْفِ وَمَنْ أَرَادَ الْمَصْدَرَ فَتَحَ . وَقَوْلُهُ وَأَبُو يَزِيدَ قَائِمٌ كَالْمُوتِمَهْ
يُرِيدُ الْمَرْأَةَ لَهَا أَيْتَامٌ وَالْأَعْرَفُ فِي مِثْلِ هَذَا مُوتِمٌ ثُمّ مُطْفِلٌ وَجَمْعُهَا مَيَاتِمُ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ الْمُوتِمَةُ الْأُسْطُوَانَةُ وَهُوَ تَفْسِيرٌ غَرِيبٌ وَهُوَ أَصَحّ مِنْ التّفْسِيرِ الْأَوّلِ لِأَنّهُ تَفْسِيرُ رَاوِي الْحَدِيثِ فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ هَذَا يَكُونُ لَفْظُ الْمُوتِمَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ وَتَمّ وَأَتَمّ إذَا ثَبَتَ لِأَنّ الْأُسْطُوَانَةَ تَثْبُتُ مَا عَلَيْهَا ، وَيُقَالُ فِيهَا عَلَى هَذَا مُوتِمَةٌ بِالْهَمْزِ وَتُجْمَعُ مَآتِمُ وَمُوتِمَةٌ بِلَا هَمْزٍ وَتُجْمَعُ مَوَاتِمُ . وَقَوْلُهُ وَأَبُو يَزِيدَ بِقَلْبِ الْهَمْزَةِ مِنْ أَبُو أَلِفًا سَاكِنَةً فِيهِ حُجّةٌ لِوَرْشِ [ وَاسْمُهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ حَيْثُ أَبْدَلَ الْهَمْزَةَ أَلِفًا سَاكِنَةً وَهِيَ مُتَحَرّكَةٌ وَإِنّمَا قِيَاسُهَا عِنْدَ النّحْوِيّينَ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ بَيْنَ . وَمِثْلُ قَوْلِهِ وَأَبُو يَزِيدَ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ : فَارْعَيْ فَزَارَةَ لَا هَنَاكِ الْمَرْتَعُ
وَإِنّمَا هُوَ هَنَأَكِ بِالْهَمْزِ وَتَسْهِيلِهَا بَيْنَ بَيْنَ فَقَلْبُهَا أَلِفًا عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ الْمَعْرُوفِ فِي النّحْوِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ فِي الْمِنْسَاةِ وَهِيَ الْعَصَا ، وَأَصْلُهَا الْهَمْزُ لِأَنّهَا مِفْعَلَةٌ مِنْ نَسَأْت ، وَلَكِنّهَا فِي التّنْزِيلِ كَمَا تَرَى ، وَأَبُو يَزِيدَ الّذِي عَنَى فِي هَذَا الْبَيْتِ هُوَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو خَطِيبُ قُرَيْشٍ . [ ص 166 ] قَالَ ابْنُ الْأَسْلَتِ
كَأَنّهُمْ أُسْدٌ لَدَى أَشْبُلٍ ... يَنْهِتْنَ فِي غِيلٍ وَأَجْزَاعِ
وَالْغَمْغَمَةُ أَصْوَاتٌ غَيْرُ مَفْهُومَةٍ مِنْ اخْتِلَاطِهَا .
طَرَفٌ مِنْ أَحْكَامِ أَرْضِ مَكّةَ
وَنَذْكُرُ هَاهُنَا طَرَفًا مِنْ أَحْكَامِ أَرْضِ مَكّةَ ، فَقَدْ اُخْتُلِفَ هَلْ افْتَتَحَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا ، لِيَبْتَنِيَ عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمُ هَلْ أَرْضُهَا مِلْكٌ لِأَهْلِهَا أَمْ لَا ؟ وَذَلِكَ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ يَأْمُرُ بِنَزْعِ أَبْوَابِ دُورِ مَكّةَ إذَا قَدِمَ الْحَاجّ ، وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى عَامِلِهِ بِمَكّةَ أَنْ يُنْهِيَ أَهْلَهَا عَنْ كِرَاءِ دُورِهَا إذَا جَاءَ الْحَاجّ فَإِنّ ذَلِكَ لَا يَحِلّ لَهُمْ . وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللّهُ - إنْ كَانَ النّاسُ لَيَضْرِبُونَ فَسَاطِيطَهُمْ بِدُورِ مَكّةَ لَا يَنْهَاهُمْ أَحَدٌ ، وَرُوِيَ أَنّ دُورَ مَكّةَ كَانَتْ تُدْعَى السّوَائِبُ ، وَهَذَا كُلّهُ مُنْتَزَعٌ مِنْ أَصْلَيْنِ أَحَدُهُمَا : قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي } [ الْحَجّ 25 ] وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : الْحَرَمُ كُلّهُ مَسْجِدٌ وَالْأَصْلُ الثّانِي : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَخَلَهَا عَنْوَةً غَيْرَ أَنّهُ مَنّ عَلَى [ ص 167 ] يُقَاسُ عَلَيْهَا غَيْرُهَا مِنْ الْبِلَادِ كَمَا ظَنّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فَإِنّهَا مُخَالِفَةٌ لِغَيْرِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : مَا خَصّ اللّهُ بِهِ نَبِيّهُ فَإِنّهُ قَالَ { قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ } [ الْأَنْفَالِ 1 ] وَالثّانِي فِيمَا خَصّ اللّهُ تَعَالَى بِهِ مَكّةَ فَإِنّهُ جَاءَ لَا تَحِلّ غَنَائِمُهَا ، وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا ، وَهِيَ حَرَمُ اللّهِ تَعَالَى وَأَمْنُهُ فَكَيْفَ تَكُونُ أَرْضُهَا أَرْضَ خَرَاجٍ فَلَيْسَ لِأَحَدِ افْتَتَحَ بَلَدًا أَنْ يَسْلُكَ بِهِ سَبِيلَ مَكّةَ ، فَأَرْضُهَا إذًا وَدُورُهَا لِأَهْلِهَا ، وَلَكِنْ أَوْجَبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ التّوْسِعَةَ عَلَى الْحَجِيجِ إذَا قَدِمُوهَا ، وَلَا يَأْخُذُوا مِنْهُمْ كِرَاءً فِي مَسَاكِنِهَا ، فَهَذَا حُكْمُهَا فَلَا عَلَيْك بَعْدَ هَذَا ، فُتِحَتْ عَنْوَةً أَوْ صُلْحًا ، وَإِنْ كَانَتْ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ أَنّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً .
الْهُذَلِيّ الْقَتِيلُ
وَذَكَرَ الْهُذَلِيّ الّذِي قُتِلَ وَهُوَ وَاقِفٌ فَقَالَ أَقَدْ فَعَلْتُمُوهَا يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ ، وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ فِي السّنَنِ أَنّ النّبِيّ قَالَ لَوْ كُنْت قَاتِلَ مُسْلِمٍ بِكَافِرِ لَقَتَلْت خِرَاشًا بِالْهُذَلِيّ يَعْنِي بِالْهُذَلِيّ قَاتِلَ ابْنِ أَثْوَعَ وَخِرَاشٌ هُوَ قَاتِلُهُ وَهُوَ مِنْ خُزَاعَةَ .
مَنْ أَمَرَ الرّسُولُ بِقَتْلِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ عَهِدَ إلَى أُمَرَائِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا مَكّةَ ، أَنْ لَا يُقَاتِلُوا إلّا مَنْ قَاتَلَهُمْ إلّا أَنّهُ قَدْ عَهِدَ فِي نَفَرٍ سَمّاهُمْ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ وَإِنْ وُجِدُوا تَحْتَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ . [ ص 167 ] أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِ لِأَنّهُ قَدْ كَانَ أَسْلَمَ ، وَكَانَ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيَ فَارْتَدّ مُشْرِكًا رَاجِعًا إلَى قُرَيْشٍ ، فَفَرّ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ ، وَكَانَ أَخَاهُ لِلرّضَاعَةِ فَغَيّبَهُ حَتّى أَتَى بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ اطْمَأَنّ وَأَهْلُ مَكّةَ ، فَاسْتَأْمَنَ لَهُ فَزَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَمَتَ طَوِيلًا ، ثُمّ قَالَ " نَعَمْ " ، فَلَمّا انْصَرَفَ عَنْهُ عُثْمَانُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمَنْ حَوْلَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ لَقَدْ صَمَتّ لِيَقُومَ إلَيْهِ بَعْضُكُمْ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : فَهَلّا أَوْمَأْت إلَيّ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ " إنّ النّبِيّ لَا يَقْتُلُ بِالْإِشَارَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدُ فَوَلّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بَعْضَ أَعْمَالِهِ ثُمّ وَلّاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بَعْدَ عُمَرَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ خَطَلٍ ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ غَالِبٍ : إنّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهِ أَنّهُ كَانَ مُسْلِمًا ، فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُصَدّقًا ، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَكَانَ مَعَهُ مَوْلًى لَهُ يَخْدُمُهُ وَكَانَ مُسْلِمًا ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا ، وَأَمَرَ الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ لَهُ تَيْسًا ، فَيَصْنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا ، فَعَدَا عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمّ ارْتَدّ مُشْرِكًا . وَكَانَ لَهُ قَيْنَتَانِ فَرْتَنَى وَصَاحِبَتُهَا وَكَانَتَا تُغَنّيَانِ بِهِجَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِمَا مَعَهُ . [ ص 168 ] وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ بْنِ قُصَيّ ، وَكَانَ مِمّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَمَلَ فَاطِمَةَ وَأُمّ كُلْثُومٍ ، ابْنَتَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَكّةَ يُرِيدُ بِهِمَا الْمَدِينَةَ ، فَنَخَسَ بِهِمَا الْحُوَيْرِثَ بْنَ نُقَيْذٍ فَرَمَى بِهِمَا إلَى الْأَرْضِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِقْيَسُ بْنُ حُبَابَةَ [ أَوْ ضَبَابَةَ أَوْ صُبَابَةَ ] وَإِنّمَا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِ لِقَتْلِ الْأَنْصَارِيّ الّذِي كَانَ قَتَلَ أَخَاهُ خَطَأً وَرُجُوعُهُ إلَى قُرَيْشٍ مُشْرِكًا وَسَارّةُ مَوْلَاةٌ لِبَعْضِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ . وَكَانَتْ سَارّةُ مِمّنْ يُؤْذِيهِ بِمَكّةَ فَأَمّا عِكْرِمَةُ فَهَرَبَ إلَى الْيَمَنِ ، وَأَسْلَمَتْ امْرَأَتُهُ أُمّ حَكِيمِ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ . فَاسْتَأْمَنَتْ لَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ فَخَرَجَتْ فِي طَلَبِهِ إلَى الْيَمَنِ ، حَتّى أَتَتْ بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ . وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ خَطَلٍ ، فَقَتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيّ وَأَبُو بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيّ ، اشْتَرَكَا فِي دَمْعٍ وَأَمّا مِقْيَسُ بْنُ حُبَابَةَ فَقَتَلَهُ نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَتْ أُخْتُ مِقْيَسٍ فِي قَتْلِهِ
لَعَمْرِي لَقَدْ أَخْزَى نُمَيْلَةَ رَهْطُهُ ... وَفَجّعَ أَضْيَافَ الشّتَاءِ بِمِقْيَسِ
فَلِلّهِ عَيْنًا مَنْ رَأَى مِثْلَ مِقْيَسٍ ... إذَا النّفَسَاءُ أَصْبَحَتْ لَمْ تُخَرّسْ
[ ص 169 ] قَيْنَتَا ابْنِ خَطَلٍ فَقُتِلَتْ إحْدَاهُمَا ، وَهَرَبَتْ الْأُخْرَى ، حَتّى اُسْتُؤْمِنَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدُ فَأَمّنَهَا . وَأَمّا سَارّةُ فَاسْتُؤْمِنَ لَهَا فَأَمّنَهَا ، ثُمّ بَقِيَتْ حَتّى أَوْطَأَهَا رَجُلٌ مِنْ النّاسِ فَرَسًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بِالْأَبْطَحِ فَقَتَلَهَا . وَأَمّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ فَقَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ .
Sهَلْ تُعِيذُ الْكَعْبَةُ عَاصِيًا
فَصْلٌ
[ ص 168 ] وَذَكَرَ قِصّةَ ابْنِ خَطَلٍ ، وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِهِ هِلَالٌ وَقَدْ قِيلَ هِلَالٌ كَانَ أَخَاهُ وَكَانَ يُقَالُ لَهُمَا : الْخَطَلَانِ وَهُمَا مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ ، وَأَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَقُتِلَ وَهُوَ مُتَعَلّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَفِي هَذَا أَنّ الْكَعْبَةَ لَا تُعِيذُ عَاصِيًا ، وَلَا تَمْنَعُ مِنْ إقَامَةِ حَدّ وَاجِبٍ وَأَنّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } إنّمَا مَعْنَاهُ الْخَبَرُ عَنْ تَعْظِيمِ حُرْمَةِ الْحَرَمِ فِي الْجَاهِلِيّةِ نِعْمَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنّاس } إلَى آخِرِ الْآيَةِ [ الْمَائِدَةِ 97 ] فَكَانَ فِي ذَلِكَ قِوَامٌ لِلنّاسِ وَمَصْلَحَةٌ لِذُرّيّةِ إسْمَاعِيلَ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُمْ قُطّانُ الْحَرَمِ ، وَإِجَابَةً لِدَعْوَةِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ حَيْثُ يَقُولُ اجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النّاسَ تَهْوِي إلَيْهِمْ وَعِنْدَمَا قَتَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ابْنَ خَطَلٍ قَالَ لَا يُقْتَلُ قُرَشِيّ صَبْرًا بَعْدَ هَذَا كَذَلِكَ قَالَ يُونُسُ فِي رِوَايَتِهِ .
أُمّ هَانِئٍ تُؤَمّنُ رَجُلَيْنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ أَبِي مُرّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، أَنّ أُمّ هَانِئِ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ قَالَتْ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَكّةَ ، فَرّ إلَيّ رَجُلَانِ مِنْ أَحْمَائِي ، مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ، وَكَانَتْ عِنْدَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّ ، قَالَتْ فَدَخَلَ عَلَيّ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَخِي ، فَقَالَ وَاَللّهِ لَأَقْتُلَنهُمَا ، فَأَغْلَقْت عَلَيْهِمَا بَابَ بَيْتِي ، ثُمّ جِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بِأَعْلَى مَكّةَ ، فَوَجَدْته يَغْتَسِلُ مِنْ جَفْنَةٍ إنّ فِيهَا لَأَثَرَ الْعَجِينِ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ بِثَوْبِهِ فَلَمّا اغْتَسَلَ أَخَذَ ثَوْبَهُ فَتَوَشّحَ بِهِ ثُمّ صَلّى ثَمَانِي رَكَعَاتٍ مِنْ الضّحَى ثُمّ انْصَرَفَ إلَيّ فَقَالَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا يَا أُمّ هَانِئٍ مَا جَاءَ بِك ؟ " فَأَخْبَرْته خَبَرَ الرّجُلَيْنِ وَخَبَرَ عَلِيّ فَقَالَ " قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت ، وَأَمّنّا مَنْ أَمّنْت ، فَلَا يَقْتُلْهُمَا [ ص 170 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ .
Sصَلَاةُ الْفَتْحِ
فَصْلٌ
[ ص 169 ] وَذَكَرَ صَلَاةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ أُمّ هَانِئٍ وَهِيَ صَلَاةُ الْفَتْحِ تُعْرَفُ بِذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَانَ الْأُمَرَاءُ يَصِفُونَهَا إذَا افْتَتَحُوا بَلَدًا . قَالَ الطّبَرِيّ : صَلّى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، حِينَ افْتَتَحَ الْمَدَائِنَ ، وَدَخَلَ إيوَانَ كِسْرَى ، قَالَ فَصَلّى فِيهِ صَلَاةَ الْفَتْحِ قَالَ وَهِيَ ثَمَانِي رَكَعَاتٍ لَا يُفْصَلُ بَيْنَهَا ، وَلَا تُصَلّى بِإِمَامِ فَبَيّنَ الطّبَرِيّ سُنّةَ هَذِهِ الصّلَاةِ وَصِفَتَهَا ، وَمِنْ سُنّتِهَا أَيْضًا أَنْ لَا يُجْهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَالْأَصْلُ مَا تَقَدّمَ مِنْ صَلَاةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَدِيثِ أُمّ هَانِئٍ وَذَلِكَ ضُحًى .
أُمّ هَانِئٍ
وَأُمّ هَانِئٍ اسْمُهَا : هِنْدٌ تُكَنّى بِابْنِهَا هَانِئِ بْنِ هُبَيْرَةَ وَلَهَا ابْنٌ مِنْ هُبَيْرَةَ اسْمُهُ يُوسُفُ وَثَالِثٌ وَهُوَ الْأَكْبَرُ اسْمُهُ جَعْدَةُ وَقِيلَ إيّاهُ عَنَتْ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ زَعَمَ ابْنُ أُمّي عَلَى أَنّهُ قَاتِلٌ رَجُلًا أَجَرْته فُلَانُ بْنُ هُبَيْرَةَ وَقَدْ قِيلَ فِي اسْمِ أُمّ هَانِئٍ فَاخِتَةُ .
عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدٍ
فَصْلٌ
[ ص 170 ] وَذَكَرَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ يُكَنّى أَبَا يَحْيَى ، وَكَانَ كَاتَبَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ثُمّ ارْتَدّ وَلَحِقَ بِمَكّةَ ثُمّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَعُرِفَ فَضْلُهُ وَجِهَادُهُ وَكَانَ عَلَى مَيْمَنَةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ حِينَ افْتَتَحَ مِصْرَ ، وَهُوَ الّذِي افْتَتَحَ إفْرِيقِيّةَ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَغَزَا الْأَسَاوِدَ مِنْ النّوْبَةِ ثُمّ هَادَنَهُمْ الْهُدْنَةَ الْبَاقِيَةَ إلَى الْيَوْمِ فَلَمّا خَالَفَ مُحَمّدَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - اعْتَزَلَ الْفِتْنَةَ وَدَعَا اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنْ يَقْبِضَهُ وَيَجْعَلَ وَفَاتَهُ بِأَثَرِ صَلَاةِ الصّبْحِ فَصَلّى بِالنّاسِ الصّبْحَ وَكَانَ يُسَلّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَلَمّا سَلّمَ التّسْلِيمَةَ الْأُولَى عَنْ يَمِينِهِ وَذَهَبَ لِيُسَلّمَ الْأُخْرَى ، قُبِضَتْ نَفْسُهُ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ بِعُسْفَانَ وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِي حِصَارِ عُثْمَانَ
أَرَى الْأَمْرَ لَا يَزْدَادُ إلّا تَفَاقُمًا ... وَأَنْصَارُنَا بِالْمَكّتَيْنِ قَلِيلُ
وَأَسْلَمْنَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ وَالْهَوَى ... إلَى أَهْلِ مِصْرَ وَالذّلِيلُ ذَلِيلُ
نُمَيْلَةُ
وَأَمّا نُمَيْلَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فَهُوَ لَيْثِيّ أَحَدُ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثٍ صَحِبَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَهِدَ كَثِيرًا مِنْ مَشَاهِدِهِ وَغَزَوَاتِهِ .
عَنْ ابْنِ نُقَيْذٍ وَالْقَيْنَتَيْنِ
وَأَمّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ الّذِي أَمَرَ بِقَتْلِهِ مَعَ ابْنِ خَطَلٍ ، فَهُوَ الّذِي نَخَسَ بِزَيْنَبِ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَدْرَكَهَا ، هُوَ وَهَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، فَسَقَطَتْ عَنْ دَابّتِهَا ، وَأَلْقَتْ جَنِينَهَا . وَأَمّا الْقَيْنَتَانِ اللّتَانِ أَمَرَ بِقَتْلِهِمَا ، وَهُمَا سَارّةُ وَفَرْتَنَى فَأَسْلَمَتْ فَرْتَنَى ، وَآمَنَتْ سَارّةُ وَعَائِشَةُ إلَى زَمَنِ عُمَرَ رَحِمَهُ اللّهُ ثُمّ وَطِئَهَا فَرَسٌ فَقَتَلَهَا .
طَوَافُ الرّسُولِ بِالْكَعْبَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا نَزَلَ مَكّةَ ، وَاطْمَأَنّ النّاسُ خَرَجَ حَتّى جَاءَ الْبَيْتَ فَطَافَ بِهِ سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرّكْنَ بِمِحْجَنِ فِي يَدِهِ فَلَمّا قَضَى طَوَافَهُ دَعَا عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ ، فَأَخَذَ مِنْهُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ ، فَفُتِحَتْ لَهُ فَدَخَلَهَا ، فَوَجَدَ فِيهَا حَمَامَةً مِنْ عِيدَانٍ فَكَسَرَهَا بِيَدِهِ ثُمّ طَرَحَهَا ، ثُمّ وَقَفَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ وَقَدْ اسْتَكَفّ لَهُ النّاسُ فِي الْمَسْجِدِ . [ ص 171 ]
خُطْبَتُهُ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَامَ عَلَى بَابِ الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ أَلَا كُلّ مَأْثُرَةٍ أَوْ دَمٍ أَوْ مَالٍ يُدَعّى فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَاتَيْنِ إلّا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجّ أَلَا وَقَتِيلَ الْخَطَأِ شِبْهِ الْعَمْدِ بِالسّوْطِ وَالْعَصَا ، فَفِيهِ الدّيَةُ مُغَلّظَةً مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ أَرْبَعُونَ مِنْهَا فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا . يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيّةِ وَتَعَظّمَهَا بِالْآبَاءِ النّاسُ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ } [ الْحُجُرَاتِ 13 ] . الْآيَةَ كُلّهَا . ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا تَرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ فِيكُمْ ؟ قَالُوا : خَيْرًا ، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ قَالَ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ
Sعَنْ الدّيَاتِ فِي خُطْبَةِ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَصْلٌ[ ص 171 ] وَذَكَرَ خُطْبَةَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَفِيهَا ذِكْرُ الدّيَاتِ وَذِكْرُ قَتِيلِ الْخَطَأِ وَذِكْرُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَتَغْلِيظِ الدّيَةِ فِيهِ وَهِيَ أَنْ يُقْتَلَ الْقَتِيلُ بِسَوْطِ أَوْ عَصًا ، فَيَمُوتَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْعِرَاقِ : أَنْ لَا قَوَدَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَالْمَشْهُورُ عَنْ الشّافِعِيّ أَنّ فِيهِ الدّيَةَ مُغَلّظَةً أَثْلَاثًا ، وَلَيْسَ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ إلّا قَوَدٌ فِي عَمْدٍ فِي خَطَإِ تُؤْخَذُ أَخْمَاسًا عَلَى مَا فَسّرَ الْفُقَهَاءُ وَهُوَ قَوْلُ اللّيْثِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ إنّ الْقَوَدَ لَا يَكُونُ إلّا بِالسّيْفِ وَاحْتَجّوا بِأَثَرِ يُرْوَى عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا أَنْ لَا قَوَدَ إلّا بِحَدِيدَةِ وَعَنْ عَلِيّ مَرْفُوعًا أَيْضًا : لَا قَوَدَ إلّا بِالسّيْفِ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا قَوَدَ إلّا بِحَدِيدَةِ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى أَبِي مُعَاذٍ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ بِإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَدُورُ عَلَى الْمُعَلّى بْنِ هِلَالٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ وَكَذَلِكَ حَدِيثُ عَلِيّ لَا تَقُومُ بِإِسْنَادِهِ حُجّةٌ وَحُجّةُ الْآخَرِينَ فِي أَنّ الْقَاتِلَ يُقْتَلُ بِمَا قَتَلَ بِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } [ الْبَقَرَةِ 194 ] ، وَحَدِيثُ الْيَهُودِيّ الّذِي رَضَخَ رَأْسَ الْجَارِيَةِ عَلَى أَوْضَاحٍ لَهَا ، فَأَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُرْضَخَ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ
..↢↢

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق