مقدمة المؤلف الحمد لله الذي أحلنا محلة الفهم وحلانا حلية العلم وملكنا عقال العقل وزيننا بنطق المنطق ونعوذ به من كدر صفاء الفكر وعكر ذهن الذهن وصلى الله على المبعوث بجوامع الكلم إلى أعقل الأمم وعلى جميع أتباعه والسائرين في منهاج أتباعه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فإن أجل الأشياء موهبة العقل فإنه الآلة في تحصيل معرفة الإله وبه تضبط المصالح وتلحظ العواقب وتدرك الغوامض وتجمع الفضائل ولما كان العقلاء يتفاوتون في موهبة العقل ويتباينون في تحصيل ما يتقنه من التجارب والعلم أحببت أن اجمع كتاباً في أخبار الأذكياء الذين قويت فطنتهم وتوقد ذكاؤهم لقوة جوهرية عقولهم وفي ذلك ثلاثة أغراض أحدها معرفة أقدارهم بذكر أحوالهم والثاني تلقيح الباب السامعين إذا كان فيهم نوع استعداد لنيل تلك المرتبة وقد ثبت أن رؤية العاقل ومخالطته تفيد ذا اللب فسماع أخباره تقوم مقام رؤيته كما قال الرضى:
فاتني أن أرى الديار بطرفي ... فلعلي أعي الديار بسمعي
وقد أنبأنا جماعة من أشياخنا قالوا أخبرنا مضر بن محمد قال سعت يحيى بن أكثم يقول سمعت المأمون يقول لإبراهيم لا شيء أطيب من النظر في عقول الرجال. والثالث تأديب المعجب برأيه إذا سمع أخبار من تعسر عليه لحاقه والله الموفق
باب في ذكر تراجم أبواب الكتاب
وهي ثلاثة وثلاثون بابا ً
الباب الأول في ذكر فضل العقل الباب الثاني في ذكر ماهية العقل ومحله الباب الثالث في بيان معنى الذهن والفهم والذكاء الباب الرابع في ذكر العلامات التي يستدل بها على ذكاء الذكي الباب الخامس في سياق المنقول عن الأنبياء المتقدمين مما يدل على قوة الفطنة الباب السادس في سياق المنقول من ذلك عن الأمم السالفة الباب السابع في سياق المنقول من ذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلم الباب الثامن في سياق المنقول من ذلك عن أصحاب نبينا عليه الصلاة والسلام الباب التاسع في سياق المنقول من ذلك عن الخلفاء الباب العاشر في سياق المنقول من ذلك عن الوزراء الباب الحادي عشر في سياق المنقول من ذلك عن السلاطين والأمراء والحجاب والشرطة الباب الثاني عشر في سياق المنقول من ذلك عن القضاة الباب الثالث عشر في سياق المنقول من ذلك عن كبار علماء هذه الأمة وفقهائها الباب الرابع عشر في سياق المنقول من ذلك عن العباد والزهاد الباب الخامس عشر في سياق المنقول من ذلك عن العرب وعلماء العربية الباب السادس عشر في ذكر من احتال بذكائه لبلوغ غرض الباب السابع عشر فيمن احتال فانعكس عليه مقصوده الباب الثامن عشر فيمن وقع في آفة فتخلص بالحيلة منها الباب التاسع عشر في ذكر من استعمل بذكائه المعاريض الباب العشرون في ذكر من فلج على خصمه بالجواب المسكت الباب الحادي والعشرون فيمن غلب من العوام بذكائه كبار الرؤساء الباب الثاني والعشرون في أقوال وأفعال صدرت من أوساط الناس وعوامهم تدل على قوة الذكاء الباب الثالث والعشرون في طرف من أحوال الشعراء والمداحين الباب الخامس والعشرون في طرف من حيل المحاربين الباب السادس والعشرون في طرف من فطن المتطببين الباب السابع والعشرون في طرف من فطن المتطفلين الباب الثامن والعشرون في طرف من فطن المتلصصين الباب التاسع والعشرون في طرف من أخبار فطناء الصبيان الباب الثلاثون في طرف من فطن عقلاء المجانين الباب الحادي والثلاثون في طرف من أخبار النساء المتفطنات الباب الثاني والثلاثون فيما ذكر عن الحيوان البهيم مما يشبه ذكاء الآدميين الباب الثالث والثلاثون في ذكر ما ضربته العرب والحكماء مثلاً على ألسنة الحيوان.
الباب الأول
في ذكر فضل العقل
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد والقزاز قالا أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال أنا محمد بن أحمد بن رزق قال حدثنا جعفر بن محمد الخلدي قال حدثنا الحرث بن أبي أسامة قال حدثنا داود بن المجبر قال حدثنا عباد بن كثير عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه دخل على عائشة فقال يا أم المؤمنين أرأيت الرجل يقل قيامه ويكثر رقاده على عائشة فقال يا أم المؤمنين أرأيت الرجل يقل قيامه ويكثر رقاده وآخر يكثر قيامه ويقل رقاده أيهما أحب إليك قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني عنه فقال أحسنهما عقلا، قلت يا رسول الله أسألك عن عبادتهما فقال يا عائشة إنما يسئلان عن عقولهما فمن كان أعقل كان أفضل في الدنيا والآخرة. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال أخبرنا أبو أحمد الحسين بن علي النيسابوري قال حدثنا محمد بن المسيب قال حدثنا موسى بن سليمان قال حدثنا بقية قال حدثنا عبد الله ابن عمرو عن اسحق بن عبد الله بن أبي فروة عن نافع عن ابن عمر قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعجبوا بإسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة عقله. أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أخبرنا عبد القادر بن محمد بن يوسف قال أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الملك بن بشر قال أخبرنا علي بن عمر الدار قطنى قال حدثنا القاضي أبو طاهر محمد بن أحمد بن نصر قال حدثنا جعفر الفيريابي قال حدثنا أبو مروان هشام بن خالد الأزرق قال حدثنا الحسن بن يحيى الخشني عن أبي عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أول شيء خلقه الله القلم ثم خلق النور وهي الدواة ثم قال هل أكتب قال وما أكتب قال اكتب ما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة ثم خلق العقل وقال وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك ممن أبغضت.
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أخبرنا ابن المبارك بن عبد الجبار قال أخبرنا أحمد بن الحرث قال حدثنا جدي محمد بن عبد الكريم قال حدثنا الهيثم ابن عدي قال حدثنا الأعمش عن عمر وبن مرة عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن عباس قال لما خلق الله العقل قال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل قال وعزتي ما خلقت خلقاً قط أحسن منك فبك أعطي وبك آخذ وبك أعاقب.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أحمد بن أحمد الحداد قال أنبأنا أبو نعمي أحمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن أحمد بن علي قال حدثنا الرث عن أبي أسامة قال حدثنا داود بن المجبر قال حدثنا عباد كثير عن إدريس عن وهب بن منبه قال إني وجدت فيما انزل الله على أنبيائه أن الشيطان لم يكابد شيئاً أشد عليه من مؤمن عاقل وأنه يكابد مائة جاهل فيستجرهم حتى يركب رقابهم فينقادون له حيث شاء ويكابد المؤمن العاقل فيتصعب عليه حتى لا ينال منه شيئاً من حاجته وقال وهب لإزالة الجبل صخرة صخرة وحجراً حجراً أيسر على الشيطان من مكايدة المؤمن العاقل لأنه إذا كان مؤمناً عاقلاً ذا بصيرة فهو أثقل على الشيطان من الجبال وأصعب من الحديد وأنه ليزاوله بكل حيلة فإذا لم يقدر أن يستنزله قال يا ويله ماله ولهذا لا طاقة له بهذا ويرفضه ويتحول إلى الجاهل فيستأتسره ويتمكن من قياده حتى يسلمه إلى الفضائح التي يتعجلها في عاجل الدنيا كالجلد والرجم والحلق وتسخيم الوجوه والقطع والصلب وإن الرجلين ليستويان في أعمال البر ويكون بينهما كما بين المشرق والمغرب أو أبعد إذا كان أحدهما أعقل من الآخر.
أنبأنا يحيى بن ثابت عن بندار قال أخبرنا أبي قال أخبرنا أبي على بن دوما قال أخبرنا محمد بن جعفر قال أخبرنا الحسن بن علي القطان قال أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار قال أنبأنا اسحق بن بشر القرشي قال أخبرنا إدريس عن جده وهب بن منبه أن لقمان عليه السلام قال لابنه يا بني اعقل عن الله عز وجل فإن أعقل الناس عن الله عز وجل أحسنهم عملاً وإن الشيطان ليفر من العاقل وما يستطيع أن يكابده يا بني ما عبد الله بشيء أفضل من العقل.
أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال أخبرنا أحمد بن أحمد قال أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا عبدي الله بن محمد العيشي قال حدثنا وهيب قال أخبرنا الجريري عن أبي العلاء عن طرف أنه قال ما أوتي عبد بعد الإيمان أفضل من العقل.
أخبرنا محمد قال أخبرنا أحمد قال أخبرنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا علي قال حدثنا محمد بن الحسن بن الطفيل قال حدثنا محمد بن أبي السرى قال حدثنا داود عن خليد بن دعلج قال سمعت معاوية بن قرة يقول إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون ويصومون وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم.
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أخبرنا صاعد بن سيار قال أخبرنا أحمد بن سهل الفروجي قال أخبرنا إسحاق بن إبراهيم الحفاظ إجازة قال أخبرنا الحسن بن أحمد الفقيه قال أخبرنا عبد الله بن ضريس عن أبي زكريا قال إن الرجل ليتلذذ في الجنة بقدر عقله.
الباب الثاني
في ذكر ماهية العقل ومحله نقل إبراهيم الحربي عن أحمد بن حنبل أنه قال العقل غريزة ومثله عن الحرب المحاسبي. وروى عن المحاسبي أيضاً أنه قال هو نور وقال آخرون هو قوة يفصل بها بين حقائق المعلومات وقال قوم هو نوع من العلوم الضرورية وهو العلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات وقال آخرون هو جوهر بسيط وقال آخرون هو جسم شفاف وسئل إعرابي عن العقل فقال لب اغتنمته بتجريب واعلم أن التحقيق في هذا أن يقال هنا الاسم أعنى العقل ينطلق بالاشتراك على أربعة معان أحدها الوصف الذي يفارق به الإنسان البهائم وهو الذي استعد لقبول العلوم النظرية وتدبير الصناعات الخفية الفكرية وهو الذي أراده من قال غريزة وكأنه نور يقذف في القلب يستعذبه لإدراك الأشياء والثاني ما وضع في الطباع من العلم بجواز الجائزات واستحالة المستحيلات والثالث علوم تستفاد من التجارب تسمى عقلاً والرابع أن منتهى قوته الغريزية إلى أن نقمع الشهوة الداعية إلى اللذة العاجلة والناس يتفاوتون في هذه الأحوال إلا في القسم الثاني الذي هو العلم الضروري وقد شرحنا هذا وذكرنا فضائل العقل في كتابنا المسمى بمنهاج القاصدين وهذه الإشارة تكفي ههنا فصل وما اشتقاق هذا الاسم أعني العقل فقال ثعلب أصله الامتناع يقال عقلت الناقة إذا منعتها من السير وعقل بطن الرجل إذا حبس فصل وأما محله فنقل الفضل بن زياد عن أحمد أن محله الدماغ وهو قول أبي حنيفة وذهب جماعة من أصحابنا إلى أنه في القلب كما يروى عن الشافعي واستدلوا بقوله تعالى فتكون لهم قلوب يعقلون بها وقوله تعالى لمن كان له قلب أي عقل فعبر بالقلب عنه لأنه محله.
الباب الثالث
في بيان معنى الذهن والفهم والذكاء حد الذهن قوة النفس المهيأة المستعدة لاكتساب الآراء وحد الفهم جودة التهيئ لهذه القوة وحد الذكاء جودة حدس من هذه القوة تقع في زمان قصير غير ممهل فيعلم الذكي معنى القول عند سماعه وقال بعضهم حد الذكاء سرعة الفهم وحدته والبلادة جموده وقال الزجاج الذكاء في اللغة تمام الشيء ومنه الذكاء في السن وهو تمام السن ومنه الذكاء في اللغة تمام الشيء ومنه الذكاء في السن هو تمام السن ومنه الذكاء في الفهم وهو أن يكون فهماً تاماً سريع القبولِ وذكيت النار إذا أتممت إشعالها. أخبرنا أبو غالب أحمد ابن الحسن بن البناء وحدثنا عنه المبارك بن علي قال أخبرنا القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين قال أخبرنا إسماعيل بن سويد قال أخبرنا أبو بكر بن الأنياري قال قولهم فلان ذكي معناه كامل الفطنة تامها من قول العرب قد ذكت النار تذكو إذا تم وقودها ويقال أذكيتها إنا إذا أتممت وقودها ويقال مسك ذكي إذا كان تام الطيب كامل نفاذ الربح.
قال جميل:
صادت فؤادي بعينيها ومبتسم ... كأنه حين أبدته لنا برد
عذب كان ذكي المسك خالطه ... والزنجبيل وماء المزن والشهد
ويقال قد ذكيت الشاة إذا أتممت ذبحها وبلغت الحد الواجب فيه قال الشاعر:
نعم هو ذكاها وأنت أضعتها ... والهاك عنها خرفة وفطيم
والعرب تقول جرى المذكيات غلاب أي جرى المسان مغالبة وذلك أن المذكية من الخيل وهي التي تمت قوتها وشبابها تحمل على الخشن من الأرض للثقة بقوتها وصلابتها وأنها ليست كالجذاع والصغار التي تطلب لها الرخاوة من الأرض لضعفها وصغرها فإنها لا تثبت ثبات المذكيات وبعضها يقول جرى المذكيات غلاء والغلاء جمع غلوة وهو مدى الرمقة قال الشاعر في الذي الذكاء معناه تمام الفطنة:
سهم الفؤاد ذكاؤه ما مثله ... عند العزيمة في الأنام ذكاء
وقال زهير في الذكاء الذي معناه تمام السن:
ويفضلها إذا اجتهدت عليه ... تمام السن منه والذكاء
والذكاء في هذين المعنيين ممدود والذكاء تمام اتقاد النار مقصور يكتب بالألف. قال الشاعر
وتضرم في القلب اضطراماً كأنه ... ذكا النار ترفيه الرياح النوافخ
ويقال مسك ذكي ومسك ذكية والذي يذكر المسك يذكر والذي يؤنث يقول ذهبت إلى الرائحة أنشدنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء.
لقد عاجلتني بالسباب وثوبها ... جديد ومن أثوابها المسك تنفح
وقد أراد به رائحة المسك قال ابن الأنباري أخبرني أبي قال أخبرنا أبو عفان المهزمي قال المسك والعنبر يؤنثان ويذكران.
الباب الرابع
في ذكر العلامات التي يستدل بها على عقل العاقل
وذكاء الذكي قال مؤلف الكتاب هذه العلامات تنقسم قسمين أحدها من حيث الصورة والثاني من حيث المعنى والأحوال والأفعال.
ذكر القسم الأول
قال الحكماء الخلق المعتدل والبنية المتناسبة
دليل على قوة العقل وجودة الفطنة وإذا غلظت الرقبة دلت على قوة الدماغ ووفوره ومن كانت عينه تتحرك بسرعة وحدة فهو مكار محتال لص وأحمد العيون الشهل وإذا لم تكن الشهلاء شديدة البريق ولا يظهر عليها صفرة ولا حمرة دلت على طبع جيد وإذا كانت العين صغيرة غائرة فصاحبها مكار حسود ومن كان نحيف الوجه فهو فهم مهتم بالأمور واللطف في التحاف القصار أظهر و المعتدلون في الطول صالحوا الحال.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أخبرنا أحمد بن أحمد قال أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا الحسين بن علي بن نصر قال حدثنا محمد بن عبد الكريم قال حدثنا الهيثم بن عدي قال حدثنا ابن عياش قال حدثنا الشعبي قال حدثني عجلاً قال لي زياد أدخلت على رجلاً عاقلاً قلت أتاه برجل حسن الوجه مديد القامة فصيح اللسان قلت ادخل فدخل فقال زياد يا هذا إني قد أردت مشاورتك في أمر فما عندك قال أني حاقن ولا رأي لحاقن قال يا عجلان أدخله المتوضأ فلما خرج قال إني جائع ولا رأي لجائع قال يا عجلان أئته بالطعام فأتى به فطعم ثم قال سل عما بدا لك فما سأله عن شيء إلا وجد عنده بعض ما يريد أخبرنا المحمد أن ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا أخبرنا حمد بن أحمد قال أخبرنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا عثمان بن محمد قال أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى قال سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول من وجدت فيه خمس خصال رجيت له السعادة ولو قبل موته بساعتين قيل ما هي قال استواء الخلق وخفة الروح وغزارة العقل وصفاء التوحيد وطيب المولد.
ذكر القسم الثاني
وهو الاستدلال على عقل العاقل بالأفعال والأقوال قال المؤلف يستدل على عقل العاقل بسكوته وسكونه وخفض بصره وحركاته في أماكنها اللائقة بها ومراقبته للعواقب فلا تستفزه شهوة عاجلة عقباها ضرر وتراه ينظر في الفضاء فيتخير الأعلى والأحمد عاقبة من مطعم ومشرب وملبس وقول وفعل ويترك ما يخاف ضرره ويستعد لما يجوز وقوعه.
أنبأنا يحيى بن ثابت بن بندار قال أخبرنا أبي قال أخبرنا الحسن بن الحسين دوماً قال أخبرنا إسماعيل بن عيسى العطار قال أخبرنا أبو حذيفة إسحاق ابن بشر القرشي قال أخبرنا جعفر بن الحرث عن شهر بن حوشب قال. قال أبو الدرداء أبو حذيفة أنبئكم بعلامة العاقل يتواضع لمن فوقه ولا يزدري من دونه يمسك الفضل من منطقة يخالق الناس بأخلاقهم ويحتجر الإيمان فيما بينه وبين ربه عز وجل فهو يمشي في الدنيا بالتقية والكتمان.
قال القرشي وأخبرني إدريس عن جده وهب بن منبه أن لقمان قال لابنه يا بني ما يتم عقل امرئ حتى يكون فيه عشر خصال الكبر منه مأمون والرشد فيه مأمول يصيب من الدنيا القوت وفضل ماله مبذول، التواضع أحب إليه من الشرف والذل، أحب إليه من العز لا يسام من طلب الفقه طول دهره ولا يتبرم من طلب الحوائج من قبله يستكثر قليل المعروف من غيرها ويستقل كثير المعروف من نفسه والخصلة العاشرة التي بها مجده وأعلى ذكره أن يرى جميع أهل الدنيا خيراً منه وأنه شرهم وإن رأى خيراً منه سره ذلك وتمنى أن يلحق به وأن رأى شراً منه قال لعل هذا ينجو وأهلك أنا فهنالك حين استكمل العقل قال القرشي وأخبرني عثمان بن عبد الرحمن عن مكحول أن لقمان قال لأبنه غاية الشرف والسؤدد حسن العقل ومن حسن عقله غطى ذلك جميع ذنوبه واصلح ذلك مساويه ورضى عنه مولاه. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد الدربندي قال أخبرنا محمد بن بكر الوراق قال حدثنا أبو أحمد علي بن محمد بن عبد الله المروزي قال حدثنا شهاب بن الحسن العكبري قال سمعت الأصمعي يقول سمعت إبان بن جرير يقول قال الملهب بن أبي صفرة يعجبني أن أرى عقل الكريم زائداً على لسانه ولا يعجبني أن أرى لسانه زائداً على عقله.
الباب الخامس
في سياق المنقول من ذلك عن الأنبياء
المتقدمين مما يدل على قوة الفطنة معلوم أن فطن الأنبياء فوق الفطن ولكنا أحببنا أن لا نخلى كتابنا هذا من شيء عنهم فمن المنقول عن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أنبأنا محمد بن عبد الملك قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا أبو الحسين بن زرقويه قال أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق قال أخبرنا الحسن بن علي القطان قال أخبرنا إسماعيل بن عيسى قال أخبرنا أبو حذيفة اسحق بن بشر عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال لما رأت سارة إبراهيم قد شغف بأم إسماعيل غارت غيرة شديدة وحلفت لتقطعن عضوا من أعضاء هاجر فبلغ ذلك هاجر فلبست درعا وجرت ذيلها فهي أول نساء العالمين جرت الذيل وإنما فعلت ذلك لتعفى أثرها في الطريق على سارة فقال إبراهيم هل لك في خير أن فعلت ذلك لتعفى عنها وترضى بقضاء الله عز وجل قالت وكيف لي بما قد حلفت قال اخفضيها فتكون سنة النساء وتبر يمينك قالت افعل فخفضتها فمضت السنة للنساء بالخفض منها أخبرنا عبد الله قال أنبأنا الداوودي قال أخبرنا ابن أعين قال حدثنا الفريري قال حدثنا البخاري قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن أيوب السختياني وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة يزيد أحدهما على الآخر عن سعيد بن جبير قال قال ابن عباس لما شب إسماعيل تزوج امرأة فقالت خرج يبتغي لنا ثم سألها عن عيشهم فقالت نحن بشر في ضيق وشدة وشكت إليه فقال فإذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام وقولي له يغير عتبة بابه فلما جاء فأخبرته قال ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقك الحق بأهلك.
قال المؤلف وهذا الحديث يدل على فطنة إسماعيل أيضاً ومن المنقول عن سليمان عليه الصلاة والسلام أخبرنا عبد الله بن محمد قال أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب قال أخبرنا أبو بكر بن مالك قال أخبرنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا يونس قال حدثنا ليث عن محمد بن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال خرجت امرأتان ومعهما صبيان فعدا الذئب على أحدهما فأخذتا يختصمان في الصبي الباقي فاختصما إلى داود عليه الصلاة والسلام فقضى به للكبرى منهما فمرتا على سليمان عليه السلام فقال ما أمركما فقصتا عليه القصة فقال ائتوني بالسكين اشق الغلام بينكما فقالت الصغرى اشتقه قال نعم قالت لا تفعل حظي منه لها فقال هو ابنك فقضى به لها أخرجاه في الصحيحين.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أخبرنا أحمد بن أحمد الحداد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا الحسن بن محمد بن علي قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن سنان قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت عبد الله بن عبيد بن عمير يقول بعث سليمان عليه السلام إلى ما روى من مردة الجن فأتى به وراء الحائط فوقع بين يدي سليمان أخذ عودا فذرعه بذراعه ورمى به وراء الحائط فوقع بني يدي سليمان فقال ما هذا فأخبر بما صنع المارد قال أتدرون ما أراد قالوا لا قال يقول اصنع ما شئت فإنك تصير إلى مثل هذا من الأرض.
أخبرنا محمد بن عبد الباقي أخبرنا أحمد بن أحمد قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سليمان بن أحمد قال حدثنا محمد بن هارون بن بكار الدمشقي قال حدثنا سعيد بن داود عليه السلام يسعى في موكبه إذ مر بامرأة تصيح بابنها يالدين فوقف سليمان وقال إن دين الله ظاهر فأرسل إلى المرأة فسألها فقالت أن زوجها سافر وله شريك فزعم شريكه أنه مات وأوى أن ولدت غلاماً أن اسميه يالدين فأرسل إلى الشريك فاعترف أنه قتله فقتله سليمان عليه السلام.
حدثنا محمد بن كعب القرظي قال جاء رجل إلى سليمان النبي صلى الله عليه وسلّم فقال يا نبي الله إن لي جيرانا يسرقون أوزي فنادى الصلاة جامعة ثم خطبهم فقال في خطبته وأحدكم يسرق أوز جاره ثم يدخل المسجد والريش على رأسه فمسح رجل برأسه فقال سليمان خذوه فإنه صاحبكم ومن المنقول عن عيسى عليه السلام أن إبليس جاء إليه فقال له الست تزعم أنه لا يصيبك إلا ما كتب الله لك قال بلى قال فارم بنفسك من هذا الجبل فإنه إن قدر لك السلامة تسلم فقال له يا معلون إن الله عز وجل إن يختبر عباده وليس للعبد أن يختبر ربه عز وجل.
الباب السادس
في سياق المنقول من ذلك عن الأمم السالفة فمن المنقول عن لقمان حدثنا مكحول أن لقمان الحكيم كان عبداً نوبياً أسود وكان قد أعطاه لله تعالى الحكمة وكان لرجل من بني إسرائيل اشتراه بثلاثين مثقالاً ونش يعنى نصف مثقال وكان يعمل له وكان مولاه يعلب بالنرد يقامر عليه وكان على بابه نهر جار فلعب يوماً بالنرد على أن من قمر صاحبه شرب الماء الذي في النهر كله أو افتدي منه وإن هو قمر صاحبه فعل به مثل ذلك قال فقمر سيد لقمان فقال له القامر أشرب ما في النهر وإلا فافتد منه قال فسلني الفداء قال عينيك أفقؤهما أو جميع ما تملك قال أمهلني يومي هذا قال لك ذلك قال فأمسى كئيباً حزيناً إذ جاءه لقمان وقد حمل حزمة على ظهره فسلم على سيده ثم وضع ما معه ورجع إلى سيديه وكان سيده إذا رآه عبث به ويسمع من الكلمة الحكيمة فيعجب منه فلما جلس إليه قال لسيده ما لي أراك كئيباً حزيناً فاعرض عنه فقال له الثانية مثل ذلك فاعرض عنه ثم قال له الثالثة مثل ذلك فاعرض عنه فقال له أخبرني فلعل لك عندي فرجاً فقص عليه القصة فقال له لقمان لا تغتم فإن لك عندي فرجاً قال وما هو قال إذا أتاك الرجل فقال لك اشرب ما في النهر فقل له اشرب ما بين ضفتي النهر أو المد فإنه سيقول لك اشرب ما بين الضفتين فإنه لا يستطيع أن يحبس عنك المد وتكون قد خرجت مما ضمنت له فعرف سيده أنه قد صادق فطابت نفسه فلما أصبح جاءه الرجل فقال له فلي بشرطي قال له نعم اشرب ما بين الضفتين أو المد قال لا بل ما بين الضفتين قال فاحبس عني المد قال كيف أستطيع قال فخصمه قال فاعتقه مولاه.
حدثنا محمد بن إسحاق قال، قال لقمان لابنه يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره ومن ذلك ما نقل عن عبد الله ابن عامر الأزدي في الاحتيال للسلامة من سيل العمر حدثنا الضحاك عن ابن عباس لقد كان لسبأ في مساكنهم آية قال كانت لا تنقطع عنهم جنتهم شتاء ولا صيفاً فكفروا ما أنعم الله عليهم فأرسل عليهم سبيل العرم فسلط على الردم الذي بنوه على غير شربهم جرذاً له مخاليب وأنياب من حديد فأول من علم بذلك عبد الله بن عامر الأزدي فانطلق نحو الردم فرأى الجرذ يحفر بمخاليب من حديد ويقرض بأنياب من حديد فانصرف إلى أهله فأخبر امرأته وأراها ذلك وأرسل إلى بنيه فقال هل ترون ما رأينا قالوا نعم قال فإن هذا الأمر ليس لنا إليه سبيل اضمحلت الحيل فيه لأن الأمر لله وقد أذن في هلاكه فأتى بهرة والجرذ يحفر ولا يكترث بالهرة فلما رأت الهرة ذلك ولت هاربة فقال عبد الله احتالوا لأنفسكم قالوا يا أبت كيف نحتال قال إني محتال لكم بحيلة قال فدعا أصغر بنيه ثم قال له إذا جلست اليوم في المجلس وكان الناس يجتمعون إليه وينتهون إلى رأيه فإذا اجتمعوا أمرت أصغركم بأمر فليفعل عنه فإذا شتمته فليهم إلى فليلطمني ولا تتغيروا أنتم عليه فإذا رأى الجلساء أنكم لم تتغيروا على أخيكم لم يجسر أحد منهم أن يتغير عليه فاحلف أنا عند ذلك يميناً لا كفارة لها إن لا أقيم بني أظهر قوم قام إلى أصغر بني فلطمني فلم يتغيروا عليه لذلك قالوا تفعل فلما راح الناس إليه أمر ابنه ببعض أمره فلهى عنه ثم أمره فلهى عنه فشتمه فقام إليه فلطم وجهه فعجبوا من جرأة ابنه فنكسوا رؤوسهم وظنوا أن ولده يتغيرون عليه فلما لم يتغير أحد منهم قال الشيخ فحلف أن يتحول عنهم ويستبدلوا بداره فلا يقيم بين أظهر قوم لم يتغيروا على ابنه فقام القوم معتذرين وقالوا إما كنا ظننا أن ولدك لا يتغيرون فذلك الذي منعنا قال قد سبق منى ما ترون وليس إلى غير التحويل سبيل فعرض ضياعه على البيع وكان الناس يتنافسون فيها واحتمل بثقله وعياله فتحول عنهم فلم يلبث القوم إلا قليلاً حتى أتى الجرذ على الردم فاستأصله فلم يفاجئ القوم ليلة بعدما هدأت العيون إذا هم بالسيل قد اقبل فاحتمل أنعامهم وأموالهم وخرب ديارهم وقد جاءت أخبار عن القدماء ستراها في أبوابها إن شاء الله تعالى.
الباب السابع
في سياق المنقول من ذلك عن نبينا صلى الله عليه وسلّم
كلمات تدل على قوة الفطنة الفطرية
فأما ما حصل له بتلقي الوحي وتثقيفه فذلك كثير وليس هو مرادنا ههنا إنما المراد القسم الأول أخبرنا حارثة بن مضرب عن علي عليه السلام قال لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر وجدنا عندها رجلين رجلاً من قريش ومولى لعقبة بن أبي معيط فأما القرشي فأفلت وأما مولى عقبة فأخذناه فجعلنا نقول له كم القوم فيقول هم والله كثير عددهم شديد باسهم فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه حتى انتهوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له كم القوم فقال هم والله كثير عددهم شديد باسهم فجهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره كم هم فأبى ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله كم ينحرون من الجزر فقال عشراً لكل يوم فقال رسول الله القوم ألف كل جزور لمائة وتبعها أخبرنا كعب بن مالك قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يردي غزاة يغزوها الأورى بغيرها أخرجاه في الصحيحين أخبرنا أبو سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يا أيها الناس إن الله عز وجل يعرض بالخمر سينزل فيها أمر فمن كان عنده منها شيء فليبعه فلينتفع به قال فما لبثنا إلا يسيراً حتى قال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشربه ولا يبيع فاستقبل الناس بما كان عندهم منها طرق المدينة فسفكوها انفرد بإخراجه مسلم أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أحدث أحدكم في الصلاة فليأخذ بأنفه ثم لينصرف حدثنا أبو هريرة قال، قال رجل يا رسول الله لي جار يؤذيني فقال انطلق واخرج متاعك إلى الطريق فانطلق فأخرج متاعه فاجتمع الناس عليه فقالوا ما شأنك قال لي جار يؤذيني فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال انطرق واخرج متاعك إلى الطريق فجعلوا يقولون اللهم العنه اللهم أخزه فبلغه فأتاه فقال ارجع إلى منزلك فوالله لا أؤذيك.
حدثنا زيد بن سالم أن رجلاً قال لحذيفة يا حذيفة نشكو إلى الله صحبتكم رسول الله أدركتموه ولم ندركه ورأيتموه ولم نره فقال حذيفة ونحن نشكو إلى الله إيمانكم به ولم تروه والله ما تدري يا ابن أخي لو أدركته كيف كنت تكون لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الخندق في ليلة باردة مظلمة مطيرة وقد نزل أبو سفيان وأصحابه بالعرصة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم أدخله الله الجنة فما قام منا أحد ثم قال من رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيق إبراهيم يوم القيامة فوالله ما قام منا أحد فقال من رجل يذهب فيعلم لنا علم القوم جعله الله رفيقي يوم القيامة فوالله ما قام أحد منا فقال أبو بكر يا رسول الله ابعث حذيفة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا حذيفة فقلت لبيك يا رسول الله بأبي أنت وأمي فقال هل أنت ذاهب فقلت والله ما بي أن أقتل ولكنني أخشى أن أوسر فقال إنك لت تؤسر فقلت مرني يا رسول الله بما شئت فقال اذهب حتى تدخل بني ظهراني القوم فات قريشاً فقل يا معشر قريش إنما يريد الناس إذا كان غداً أن يقولوا أين قريش أين قادة الناس أين رؤوس الناس فيقدمونكم فتصلون القتال فيكون القتل بكم ثم ائت قيساً قل يا معشر قيس إنما يريد الناس إذا كان غداً أن يقولوا أين أحلاس الخيل أين الفرسان فيقدمونكم فتصلون القتال فيكون القتل بكم فانطلقت حتى دخلت بين ظهراني القوم فجعلت اصطلي معهم على نيرانهم وجعلت أبث ذلك الحديث الذي أمرني به حتى إذا كان وجاء السحر قام أبو سفيان فدعا اللات والعزي وأشرك ثم قال لينظر كل رجل من جليسه ومعي رجل منهم يصطلي على النار فوثبت عليه فأخذت بيده مخافة أن يأخذني فقلت من أنت فقال أنا فلان بن فلان فقلت أولى فلما دنا الصبح نادوا أين قريش أين رؤوس الناس فقالوا هات الذي أتينا به البارحة أين بنو كنانة أين الرماة فقالوا هات الذي أتيتنا به البارحة فتخاذلوا وبعث الله عليهم تلك الليلة الريح فما تركت لهم بناء إلا هدمته ولا إناء إلا أكفاته حتى لقد رأيت أبا سفيان وثب على جمل له معقول فجعل يسحبه ولا يستطيع أن يقوم فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أخبره عن أبي سفيان فجعل يضحك حتى بدت نواجذه وجعلت أنظر إلى أنيابه.
عن عاصم الأحوال عن الحسن أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل قد قتل حميماً له فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أتأخذ الدية قال لا قال أفتعفو قال لا قال اذهب فاقتله فلما جاوزه الرجل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا فتركه وهو يجر نسعه في عنقه قال ابن قتيبة لم يرد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مثل في المأثم واستيجاب النار أن قتله وكيف يريد هذا وقد أباح الله عز وجل قتله بالقصاص ولكن كره رسول الله أن يقتص وأحب له العفو فعرض تعريضاً أوهمه به أنه إن قتله كان مثله في الإثم ليعفو عنه وكان مراده أنه يقتل نفساً كما قتل الأول نفساً فهذا قاتل وهذا قاتل فقد استويا في قاتل وقاتل إلا أن الأول ظالم والآخر مقتص قال مؤلف الكتاب وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا كثير خصوصاً في المعاريض فلنقتصر على هذه النبذة.
الباب الثاني
في سياق المنقول من ذلك عن أصحاب نبينا
رضي الله عنهم أجمعين فمن المنقول عن أبي بكر الصديق رضى الله عنه حدثنا ثابت عن أنس قال لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رسول الله يركب وأبو بكر رديفه وكان أبو بكر يعرف الطريق لاختلافه إلى الشام فكان يمر بالقوم فيقولون من هذا بين يديك يا أبا بكر فيقول هاد يهديني.
حدثنا الحسن قال لما خرج رسول الله صلى عليه وسلم وأبو بكر من الغار لم يستقبلهما أحد يعرف أبا بكر إلا قال له من هذا معك يا أبا بكر فيقول دليل يدلني الطريق وصدق والله أبو بكر.
حدثنا الحسن قال لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الناس فقال إن الله خير عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله عز وجل قال فبكى أبو بكر فعجبنا من بكائه أن خبر رسول الله عن عبد خير فكان رسول الله عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به ومن المنقول عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه حدثنا اسلم عن أبيه قال قدمت على عمر بن الخطاب حلل من اليمن فقسمها بين الناس فرأى فيها حلة رديئة فقال كيف أصنع بهذه إذا أعطيتها أحد لم يقبلها إذا رأى هذا العيب فيها قال فأخذها فطواها فجعلها تحت مجلسه واخرج طرفها ووضع الحلل بين يديه فجعل يقسم بين الناس قال فدخل الزبير بن العوام وهو تلك الحال قال فجعل ينظر إلى تلك الحلة فقال له ما هذه الحلة قال عمر دع هذه عنك قال ما هيه ما هيه ما شأنها قال دعها عنك قال فأعطينيها قال إنك لا ترضاها قال بلى قد رضيتها فلما توثق منه واشترط عليه أن يقبلها ولا يردها رمى إليه فلما أخذها الزبير ونظر إليها إذا هي رديئة فقال لا أريدها فقال عمر أيهات قد فرغت منها فأجازها عليه وأبى أن يقبلها منه.
حدثنا بريد بن جرير عن أبيه عن عمر قال له والناس يتحامون العراق وقال الأعظم سر بقومك فما قد غلبت عليه فلك ربعه فلما جمعت الغنائم غنائم جلولاً ادعى جرير أنه له ربع ذلك كله فكتب سعد إلى عمر بذلك فكتب عمر صدق جرير قد قلت ذلك له فإن شاء أن يكون قاتل هو وقومه على جعل فأعطوه جعله وأن يكون إنما قاتل لله ولدينه ولحبيبه فهو رجل من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم فلما قدم الكتاب على سعد أخبر جرير بذلك فقال جرير صدق أمير المؤمنين لا حاجة لي به بل أنا رجل من المسلمين.
أخبرنا نافع عن ابن عمر قال بينما عمر رضى الله عنه جالس إذ رأى رجلاً فقال قد كنت مرة ذات فراسة وليس لي رأي إن لم يكن هذا الرجل ينظر ويقول في الكهانة شيا أدعوه لي فدعوه فقال هل كنت تنظر وتقول في الكهانة شيئاً قال نعم. وقد روينا عن عمر رضى الله عنه أنه خرج يعس المدينة بالليل فرأى ناراً موقدة في خباء فوقف وقال يا أهل الضوء وكره أن يقول يا أهل النار وهذا من غاية الذكاء وروينا عنه أنه قال لرجل عرس هل كان فقال لا أطال الله بقاك فقال عمر قد علمتم فلم تتعلموا هلا قلت لا وأطال الله بقاك ومن المنقول عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن أبي البختري قال جاء رجل إلى علي بن أبي طالب فاطره وكان بغضه فقال له أني ليس كما تقول وإنا فوق ما في نفسك حدثنا عبد الله بن سلمة قال سمعت علياً يقول بمسكن لا أغسل رأسي بغسل حتى آتي البصر وأحرقها وأسوق الناس بعصاي إلى مصر قال فأتيت أبا مسعود البدري فأخبرته أن علياً يورد الأمور مواردها لا يحسنون يصدرونها على رجل أصلع إنما رأسه مثل الطست إنما حوله مغيبات أو قال شعيرا أخبرنا سماك بن حرب عن حنبش بن المعتمر أن رجلين أتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه حتى نجتمع فلبثا حولاً فجاء أحدهما إليها فقال إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير فأبت وقالت إنكما قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه فلست بدافعتها إليك فثقل عليها بأهلها وجيرانها فلم يزالوا بها حتى دفعتها إليه ثم لبثت حولا فجاء الآخر فقال ادفعي إلي الدنانير فقالت إن صاحبك جاءني فزعم أنك مت فدفعتها إليه فاختصما إلى عمر بن الخطاب فأراد أن يقضي عليها فقالت أنشدك الله أن تقضي بيننا أرفعنا إلي علي فرفعهما إلى علي عرف أنهما قد مكرا بها فقال أليس قد قلتما لا تدفعيها إلا واحد منا دون صاحبه قال بلى قال فإن مالك عندنا فاذهب فجيء بصاحبك حتى ندفعها إليكما.
أخبرنا محمد بن أبيه عن علي أنه جيء برجل حلف فقال امرأته طالق ثلاثاً إن لم يطأها في شهر رمضان نهاراً فقل تسافر بها ثم لتجامعها نهاراً ومن المنقول عن الحسن بن علي عليهما السالم قال مؤلف الكتاب قرأت بخط أبي الوفاء بن عقيل قال لما جيء بابن ملجم إلى الحسن قال له أريد أن أسارك بكلمة فأبى الحسن وقال إنه يريد أن يعض أذني فقال ابن ملجم والله لو مكنني منها لأخذتها من صماخة قال ابن عقيل انظر إلى حسن رأى هذا السيد الذي قد نزل به من المصيبة الفادحة ما يذهل الخلق وتقصيه إلى هذا الحد وانظر إلى ذلك اللعين كيف لم يشغله حاله عن استرداد غشه ومن المنقول عن الحسين عليه السلام أخبرنا إبراهيم بن رياح الموصلي قال يروي أن رجلاً ادعى على الحسين بن علي مالا وقدمه إلى القاضي فقال الحسين ليحلف على ما ادعى ويأخذه فقال الرجل والله الذي لا إله إلا هو فقال قل والله والله والله إن هذا الذي تدعيه لك قبلي ففعل الرجل وقام فاختلف رجلاه وسقط ميتاً فقيل للحسين في ذلك فقال كرهت أن يمجد الله فيحلم عنه ومن المنقول عن العباس عليه السلام أخبرنا أبو رزين قال سئل العباس أنت أكبر أم النبي صلى الله عليه وسلم فقال هو أكبر مني وأنا ولدت قبله أخبرنا عكرمة عن ابن عباس قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغ من بدر عليك العير ليس دونها شيء فناداه العباس بن عبد المطلب وهو أسير في وثاقه أنه لا يصلح لحك قال ولم قال لأن الله تعالى إنما وعدك إحدى الطائفتين وقد أعطاك ما وعدك.
أخبرنا مجاهد قال قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه إذ وجد ريحاً فقال ليقم صاحب هذه الريح فليتوضأ فاستحيا الرجل ثم قال ليقم صاحب هذه الريح فيتوضأ فإن الله لا يستحي من الحق فقال العباس إلا نقوم يا رسول الله فليتوضأ فإن الله لا يستحي من الحق فقال العباس إلا نقوم مرسلاً ووصله عنه محمد بن مصعب القرساني فقال مجاهد عن ابن عباس وقد جرى مثل هذه القضية عند عمر رضى الله عنه عن الشعبي أن عمر كان في بيت ومعه جرير بن عبد الله فوجد عمر ريحاً فقال عزمت على صاحب هذه الريح أن قام فتوضأ فقال جرير يا أمير المؤمنين أو يتوضأ القوم جميعاً فقال عمر رحمك الله نعم السيد كنت في الجاهلية ونعم السيد أنت في الإسلام.
ومن المنقول عن عبد الله بن جعفر أخبرنا أبو مليك قال، قال ابن الزبير لابن جعفر أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأنت وابن عباس فقال نعم فحملنا وتركك أخرجاه في الصحيحين وقد روى لنا هذا بالعكس عن عبد الله ابن أبي مليكة قال، قال عبد الله بن جعفر لابن الزبير أتذكر إذ تلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأنت وابن عباس قال نعم فحملنا وتركك، انفرد بإخراج هذا مسلم قال مؤلف الكتاب والظاهر أنه انقلب على الراوي وعلى هذا تكون الغبطة لابن الزبير ومن المنقول عن عبد الله بن رواحة حدثنا عكرمة مولى ابن عباس أن عبد الله بن رواحة كان مضطجعاً إلى جنب امرأة فخرج إلى الحجرة فواقع جارية له فاستنبهت المرأة فلم تره فخرجت فإذا هو على بطن الجارية فرجعت فأخذت شفرة فلقيها ومعها الشفرة فقال لها مهيم فقالت مهيم أما أني لو وجدتك حيث كنت لو جئتك بها قال وأين، قالت على بطن الجارية قال ما كنت قالت بلى قال فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقرأ أحدنا القرآن وهو جنب فقالت اقرأ فقال:
أتانا رسول الله يتلو كتابه ... كما لاح منشور من الصبح ساطع
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا ... به موقنات أن ما قال واقع
يبيت بجافي جنبه عن فراشه ... إذا استثقلت بالكافرين المضاجع
قالت آمنت بالله وكذبت بصري قال فغدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فضحك حتى بدت نواجذه ومن المنقول عن محمد بن مسلمة عن عمر بن دينار سمع جابراً يقول قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لكعب بن الأشرف إنه قد أذى الله ورسوله فقال له محمد بن مسلمة أتحب أن أقتله يا رسول الله قال نعم قال إنا له يا رسول الله فائذن لي أن أقول قال قل فأتاه محمد بن سلمة فقال إن هذا الرجل قد أخذنا بالصدقة وقد عنانا وقد مللنا منه قال الخبيث لما سمعها والله لتملنه أو لتملن منه وقد علمت أن أمركم سيصير إلى هذا قال أنا لا نستطيع أن نسلمه حتى ننظر ما يفعل وأنا نكره بعد أن تبعنا حتى ننظر إلى أي شيء يصير أمره وقد جئت لتسلفني تمراً قال نعم على أن ترهنوني نسائكم قال محمد أنرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب قال فأولادكم قال فيعير الناس أولادنا بأنا رهناهم بوسق أو وسقين وربما قال فيسب ابن أحدنا فيقال برهن وسق أو وسقين قال فأي شيء ترهنوني قال نرهنك اللامة يعني السلاح قال نعم فواعده أن يأتيه فرجع محمد إلى أصحابه فاقبل وأقبل معه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة وجاء معه برجلين آخرين فقال أني مستمكن من رمته فإذا أدخلت يدي في رأسه فدونكم الرجل فجاؤوه ليلاً فأمر أصحابه فقاموا في ظل النخل وأتاه محمد فناداه فقالت امرأته أين يخرج هذه الساعة قال إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة فنزل إليه ملتحفاً في ثوب واحد وينفح منه ريح الطيب فقال محمد ما أحسن جسدك وأطيب ريحك قال إن عندي ابنة فلان وهي أعطر العرب قال أفتأذن لي أن أشمه قال نعم قال فأدخل محمد يده في رأسه فشمه ثم قال أتأذن لي أن أشمه أصحابي قال نعم فأدخلها في رأسه ثم شبك يده في رأسه قبضاً ثم قال لأصحابه دونكم عدو الله فخرجوا عليه فقتلوه ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره وعن عكرمة عن ابن عباس قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابي إلى رجل من اليهود ليقتله فقال يا رسول الله إني لن أستطيع ذلك إلا أن تأذن لي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما الحرب خدعة فاصنع ما تريد قال مؤلف الكتاب قتل وقد روينا عن الضحاك في اغتيالهم أبا رافع اليهودي ما يقارب هذه القصة فلم نر التطويل بذكرها.
ومن المنقول عن سويبط بن سعد بن حملة وقد شهد بدراً عن وهب نب عبد الله بن زمعة قال أخبرتنا أم سملة قالت خرج أبو بكر في تجارة إلى بصرى قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعام ومعه نعيمان وسويبط بن حملة وكانا قد شهدا بدراً وكان نعيمان على الزاد وكان سويبط رجلاً مزاحاً فقال النعيمان أطعمني قال حتى تجيء أبو بكر قال أما لأغيظنك قال فمروا بقوم فقال لهم سويبط أتشترون مني عبداً لي قالوا نعم قال إنه عبد له كلام وهو قائل لكم أني حر فإن كنتم إذا قال لكم هذه المقالة تركتموه فلا تفسدوا على عبدي قالوا لا بل نشتريه منك قال فاشتروه بعشر قلائص قال ثم أتوه فوضعوا في عنقه عمامة أو حبلاً فقال نعيمان إن هذا يستهزئ بكم إني حر ولست بعبد فقالوا أخبرنا بخبرك فانطلقوا به فجاء أبو بكر فأخبره بذلك فاتبع القوم فرد عليهم القلائص وأخذ نعيمان فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبروه فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من حولا.
ومن المنقول عن معاوية بن أبي سفيان أخبرنا المدائني عن ربيعة ابن ناجد قال قيل لمعاوية بن أبي سفيان ما بلغ من عقلك قال ما وثقت بأحد قط وقال ثعلب نظر معاوية يوم صفين إلى إحدى جنبتي عسكره وقد مالت فلمها فاستوت ثم نظر إلى الجنبة الأخرى وقد مالت فلمحها فاستوت فقال له رجل من أصابه أهذا كنت دبرته من زمن عثمان فقال هذا والله كنت دبرته منذ زمن عمر رضى الله عنهم قال مؤلف الكتاب وبلغنا أن رجلاً جاء إلى حاجب معاوية فقال له قل له على الباب أخوك لأبيك وأمك ثم قال له ما أعرف هذا ثم قال أئذن له فدخل فقال له أي الأخوة أنت فقال ابن آدم وحواء فقال يا غلام أعطه درهماً فقال تعطى أخاك لأبيك وأمك درهما فقال لو أعطيت كل أخ لي من آدم وحواء ما بلغ إليك هذا ومن المنقول عن حذيفة بن اليمان حدثنا كعب القرظي قال قال فتى منا لحذيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم قال والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض قال حذيفة دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بالخندق قال اذهب فاجلس في القوم فانظر ماذا يفعلون فذهبت فدخلت في القوم والريح تفعل في جنود الله عز وجل ما تفعل لا تقر لهم قدراً ولا ناراً ولا ماء فقام أبو سفيان ابن حرب فقال يا معشر قريش لينظر كل امرئ من يجالس فقال حذيفة فأخذت بيد الرجل الذي إلى جنبي فقلت له من أنت فقال أنا فلان بن فلان ومن المنقول عن المغيرة ابن شعبة عن أبي إسحاق عن أبي الخليل قال أخبرنا علي قال كان للمغيرة رمح فكنا إذا خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة خرج به معه فيركزه فيمر الناس عليه فيحملونه فقلت لئن أتيت على النبي صلى الله عليه وسلم لأخبرته فقال إنك إن فعلت لم ترفع ضالة.
حدثنا زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه استعمل المغيرة بن شعبة على البحرين فكرهوه وأبغضوه قال فعزل عنهم قال فخافوا أن يرد عليهم فقال دهقانهم إن فعلتم ما أمركم لم يرد علينا قالوا أمرنا بأمرك قال تجمعون مائة ألف درهم حتى أذهب بها إلى عمر وأقول إن المغيرة أختار هذا فدفعه لي قال فدعا عمر المغيرة فقال ما يقول هذا قال كذب أصلحك الله إنما كانت مائتي ألف قال فما حملك على ذلك قال العيال والحاجة قال فقال عمر للعلج مات قول قال لا والله لأصدقنك أصلحك الله والله ما دفع إلي قليلاً ولا كثيراً قال فقال عمر للمغيرة ما أردت إلى هذا العلج قال الخبيث كذب علي فأحببت أن أخزيه.
حدثنا مسلم ابن صبيح الكوفي قال سمعت أبي يقول خطب المغيرة بن شعبة وفتى من العرب امرأة وكان الفتى طريراً جميلاً فأرسلت إليها المرأة فقالت إنكما قد خطبتماني ولست أجيب أحد منكما دون أن أراه وأسمع كلامه فأحضرا إن شئتما فحضرا فأجلستهما بحيث تراهما وتسمع كلامهما فلما رآه المغيرة نظر إلى جماله وشبابه وهيئته يئس منها وعلم أنها لن تؤثره عليه فأقبل على الفتى فقال له لقد أوتيت جمالاً حسناً وبياناً فهل عندك سوى ذلك قال نعم فعدد محاسنه ثم سكت فقال له المغيرة كيف حسابك قال ما يسقط على منه شيء وإني لاستدرك منه أدق من الخردلة فقال له المغيرة لكنني أضع البدرة في زاوية البيت فينفقها أهلي على ما يريدون فما أعلم نفادها حتى يسألوني غيرها فقالت المرأة والله لهذا الشيخ الذي لا يحاسبني أحب إلي من هذا الذي يحصي علي مثل صغير الخردل فتزوجت المغيرة.
ومن المنقول عن عمرو بن العاص قال ابن الكلبي لما فتح عمرو بن العاص قيسارية سار حتى نزل على غزة فبعث إليه علجها أن أرسل إلى رجلاً من أصحابك أكلمه ففكر عمرو فقال ما لهذا العلج أحد غيري فقام حتى دخل على العلج فكلمه فسمع كلاماً لم يسمع مثله قط فقال له العلج حدثني هل من أصحابك أحد مثلك قال لا تسأل عن هواني عندهم إذا بعثوني إليك وعرضوني لما عرضوني فلا يدرون ما تصنع بي قال فأمر له بجائزة وكسوة، وبعث إلى البواب إذا مر بك فاضرب عنقه وخذ ما معه. فمر برجل من النصارى من غسان فعرفه، فقال يا عمرو قد أحسنت الدخول فأحسن الخروج فرجع فقال له الملك ما ردك إلينا قال نظرت فيما أعطيتني فلم أجد ذلك ليسع بني عمي فأردت أن آتيك بعشرة منهم تعطيهم هذه العطية فيكون معروفك عند عشرة خيراً من أن يكون عند واحد قال صدقت أعجل بهم وبعث إلى البواب خلة سبيله. فخرج عمرو وهو يلتفت، حنى إذا أمن قال: لا عدت لمثلها أبداً. فلما صالحه عمرو ودخل عليه العلج فقال له أنت هو.. قال على ما كان من غدرك.
ومن المنقول عن خزيمة بن ثابت عن الزهري قال أخبرنا عمارة بن خزيمة الأنصاري أن عمه حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرساً من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي، فيساومون الفرس لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم للإعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي صلى الله عليه وسلم فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلا بعته. فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أليس قد ابتعته منك؟ قال لا. فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم والأعرابي وهما يتراجعان. فطفق الإعرابي يقول: هلم شهيداً يشهد أني قد بايعتك، فمن جاء من المسلمين قال للإعرابي ويلك إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقاً حتى جاء خزيمة فاستمع لمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعة الإعرابي. فطفق الإعرابي يقول: هلم شهيداً يشهد أني قد بايعتك. فقال خزيمة أنا اشهد أنك قد بايعته. فأقبل النبي على خزيمة فقال بم تشهد، فقال بتصديقك يا رسول الله فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين. وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة لم تشهد ولم تكن معنا؟ قال: يا رسول الله أنا أصدقك بخبر السماء أفلا أصدقك بما تقول.
ومن المنقول عن الحجاج بن علاط عن معمر بن ثابت النباني قال: حدثنا أنس بن مالك رضي الله عنهم قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر قال الحجاج بن علاط يا رسول الله إن لي بمكة مالاً وإن لي بها أهلاً وإني أريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلت منك أو قلت شيئاً، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول أريد أن أشتري من غنائم محمد وأصحابه فإنهم قد استبيحوا وأصيبت أموالهم، وفشا ذلك بمكة فانقمع المسلمون وأظهر المشركون سروراً وفرحاً قال وبلغ الخبر العباس بن عبد المطلب فعقر وجعل لا يستطيع أن يقوم قال معمر وأخبرني عثمان الجزري عن مقسم قال فأخذ أبنا له كان يشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له قم واستلقي، فوضعه على صدره وجعل يقول حبي قثم ذي الأنف الأشم ثم أرسل غلاماً له إلى الحجاج بن علاط فقال له ويلك ماذا جئت به وماذا تقول ما وعد الله خير مما جئت به قال فقال الحجاج بن علاط اقرأ علي ابن الفضل السلام وقل له ليخل لي في بعض بيوته لأتيه فإن الخبر على ما يسره. قال فجاء غلامه فلما بلغ الباب قال ابشر يا أبا الفضل. قال فوثب العباس فرحاً حتى قبل بين عينيه فأخبره ما قال الحجاج فاعتقه. قال ثم جاء الحجاج فأخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد افتتح خيبر وغنم أموالهم وجرت سهام الله في أموالهم واصطفى صفية بنت حيي واتخذها لنفسه خيرها أن يعتقها وتكون زوجة أو تلحق بأهلها فاختارت أن يعتقها وتكون زوجة ولكني جئت لما لي كان ههنا أردت أن أجمعه فاذهب به، فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لي أن أقول ما شئت فأخف عني ثلاثاً ثم أذكر ما بدا لك قال فجمعت امرأته ما كان عندها من حلي ومتاع فدفعته إليه ثم انشمر به فلما كان بعد ثلاث أتى العباس امرأة الحجاج فقال ما فعل زوجك فأخبرته أن قد ذهب يوم كذا وكذا وقالت لا يحزنك الله يا أبا الفضل لقد شق علينا الذي بلغك قال أجل لا يحزنني الله، ولم يكن بحمد الله إلا ما أحببنا، فتح الله خيبر على رسوله، وجرت سهام الله في أموالهم واصطفى رسول الله صفية لنفسه فإن كان لك حاجة في زوجك فالحقي به. قالت أظنك والله صادقاً، قال فإني والله صادق والأمر على ما أخبرتك. قال ثم ذهب حتى أتى مجالس قريش وهم يقولون إذا مر بهم لا يصيبك إلى خير يا أبا الفضل. قال لم يصبني إلى خير بحمد الله لقد أخبرني الحجاج بن علاط أن خيبر فتحها الله على رسوله وجرت سهام الله فيهم واصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية لنفسه. وقد سألني أن أخفي عنه ثلاثاً وإنما جاء ليأخذ ماله وما كان له من شيء ههنا ثم ذهب. فرد الله الكآبة التي كانت بالمسلمين على المشركين وخرج المسلمون ممن كان دخل بيته مكتئباً حتى دخل أبو الفضل العباس فأخبرهم الخبر فسر المسلمون ورد الله تعالى ما كان من كآبة أو غيظ أو حزن على المشركين.
ومن المنقول عن نعيم بن مسعود قال أخبرنا ابن اسحق قال بينما الناس على خوفهم يوم الأحزاب أتى نعيم بن مسعود رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثني رجل عن عبد الله بن كعب بن مالك قال جاء نعيم بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني قد أسلمت ولم يعلم بي أحد من قومي، مرني أمرك. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت منا رجل واحد فحدث عنا ما استطعت فإنما الحرب خدعة. فانطلق نعيم حتى أتى بني قريظة فقال لهم يا معشر قريظة، وكان لهم نديماً في الجاهلية، إني لكم نديم وصديق، قد عرفتم ذلك، قالوا صدقت. قال تعلمون والله ما أنتم وقريش وغطفان من محمد بمنزلة واحدة، إن البلد لبلدكم به أموالكم ونساءكم وأبنائكم، وإن قريشاً وغطفان بلادهم غيرها، وإنما جاؤوا حتى نزلوا معكم فإن رأوا فرصة انتهزوها وإن رأوا غير ذلك رجعوا إلى بلادهم وأموالهم ونسائهم وأبنائهم وخلوا بينكم وبين الرجل فلا طاقة لكم به، فإن هم فعلوا ذلك فلا تقاتلوا معهم حتى تأخذوا منهم رهناً من أشرافهم تستوثقون به ولا تبزحوا حتى تناجزوا محمد. فقالوا لقد أشرت برأي ونصح، ثم ذهب إلى قريش فأتى أبا سفيان وأشراف قريش فقال يا معشر قريش، إنكم قد عرفتم ودي إياكم وفراقي محمد أو دينه، وإني قد جئتكم بنصيحة فاكتموا علي. فقالوا نفعل ما أنت عندنا بمتهم فقال تعلمون أن بني قريظة من يهود قد ندموا على ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد بعثوا إليه إلا يرضيك أن نأخذ لك من القوم رهناً من أشرافهم فندفعهم إليك فنضرب أعناقهم ثم نكون معك حتى نخرجهم من بلادك فقال بلى فإن بعثوا إليكم يسألونكم نفراً من رجالكم فلا تعطوهم قد علمتم أني رجل منكم قالوا صدقت فقال لهم كما قال لهذا الحي من قريش فلما أصبحوا بعث إليهم أبو سفيان عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش أن أبا سفيان يقول كلم يا معشر يهود إن الكراع والخف قد هلكا إنا لسنا بدار مقام فاخرجوا إلى محمد حتى نناجزه فبعثوا إليه أن اليوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئاً ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً من رجالكم نستوثق بهم، لا تذهبوا وتدعونا حتى نناجز محمداً فقال أبو سفيان قد ولله حذرنا نعيم فبعث إليهم أبو سفيان أنا لا نعطيكم رجلاً واحداً فإن شئتم تخرجوا فتقاتلوا وإن شئتم فاقعدوا فقالت يهود هذا ولله الذي قال لنا نعيم والله ما أراد القوم إلا أن يقاتلوا محمداً فإن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا مضوا إلى بلادهم وخلوا بيننا وبين الرجل فبعثوا إليهم إنا والله لا نقاتل معكم حتى تعطونا رهناً فأبوا فبعث الله تعالى الريح على أبي سفيان وأصحابه وغطفان فخذلهم الله عز وجل.
ومن المنقول عن الأشعب بن قيس عن الهيثم بن عدي قال أخبرنا ابن عباس قال خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب على الحسن انبه أم عمران بنت سعيد بن قيس الهمداني فقال فوقى أمير ذو إمرة يعنى أمها فقال قم فأمرها فخرج من عنده ولقيه الأشعث بن قيس بالباب فأخبره الخبر فقال ما تريد إلى الحسن يفخر عليها ولا ينصفها ويسيء إليها فيقول ابن رسول الله وابن أمير المؤمنين ولكن هل لك في ابن عمها فهي له وهو لها قال ومن ذلك قال محمد بن الأشعث قال قد زوجته ودخل الأشعث على أمير المؤمنين علي عليه السلام فقال يا أمير المؤمنين خطبت على الحسن ابنة سعيد قال نعم قال فهل كل في أشرف منها بيتاً وأكرم منها حسباً وأتم منها جمالاً وأكثر مالاً قال ومن هي قال جعدة بنت الأشعث بن قيس قال قد قاولنا رجلاً قال ليس إلى ذلك الذي قاولته سبيل قال إنه قد فارقني ليوامر أمها فقال قد زوجها من محمد بن الأشعث قال متى قال الساعة بالباب قال فزوج الحسن جعدة فلما لقي سعيد الاشعث قال يا أعور خدعتني قال أنت أعور خبيث حيث تستشيرني في ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألست أحمق ثم جاء الأشعث إلى الحسن فقال يا أبا محمد ألا تزور أهلك فلما أراد ذلك قال لا تمشي والله إلا على اردية قومي فقدمت له كندة سماطين وجعلت له أرديتها من بابه إلى باب الأشعث! ومن المنقول عن وحشي بن حرب عن بعد الله بن الفضل عن سليمان بن يسار قال حدثنا جعفر بن عمر والضمري قال خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار قال حدثنا جعفر بن عمر والضمري قال خرجت مع عبيد الله بن عدي بن الخيار فقال لي هل لك في وحشي فجئنا حتى وقفنا عيه فسلمنا فرد السلام وعبيد الله معتجر بعمامته ما يرى وحشي إلا عينيه ورجليه فقال عبد الله يا وحشي أتعرفني فنظر إليه ثم قال لا والله على أني أعلم أن عدي بن الخيار تزوج امرأة فولدت له غلاماً فاسترضعه فحملت ذلك الغلام مع أمه فناولتها إياه فكأني نظرت إلى قدميه.
الباب التاسع
في سياحة المنقول من ذلك عن الخلفاء
رضي الله عنهم قال مؤلف الكتاب قد ذكرنا طرفاً عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي والحسن والحسين ومعاوية وابن الزبير ونحن نذكر طرفا مما نقل إلينا عمن بعدهم من الخلفاء والله الموفق فمن المنقول عن عبد الملك بن مروان أخبرنا ابن أخي الأصمعي عن عمه قال وجه عبد الملك بن مروان عامر الشعبي إلى ملك الروم في بعض الأمر له فاستكثر الشعبي فقال له من أهل بيت الملك أنتَ قال لا فلما أراد الرجوع إلى عبد الملك حمله رقعة لطيفة وقال إذا رجعت إلى صاحبك أبلغته جميع ما يحتاج إلى معرفته من ناحيتنا فادفع إليه هذه الرقعة فلما صار الشعبي إلى عبد الملك ذكر ما أحتاج إلى ذكره ونهض من عنده فلما خرج ذكر الرقعة فرجع فقال يا أمير المؤمنين أنه حملني إليك رقعة نسيتها حتى خرجت وكانت في آخر ما حملني فدفعها إليه ونهض فقرأها عبد الملك قال فأمر برده فقال أعلمت ما في هذه الرقعة قال فيها عجبت من العرب كيف ملكت غير هذا أفتدري لم كتب إلي بمثل هذا فقال لا فقال حسدني عليك فأراد أن يغريني بقتلك فقال الشعبي لو كان رآك يا أمير المؤمنين ما تسكثرني فبلغ ذلك ملك الروم ففكر في عبد الملك فقال لله أبوه والله ما أردت إلا ذلك! ومن المنقول عن هشام بن عبد الملك قال هشام لمؤدب ولده إذا سمعت منه الكلمة العوراء في المجلس بين جماعة فلا تؤنبه لتخجله وعسى أن ينصر خطاه فيكون نصر للخطأ أقبح من ابتدائه به ولكن احفظها عليه فإذا خلا فرده عنها ومن المنقول عن السفاح أخبرنا سعيد الباهلي عن أبيه قال حدثني من حضر مجلس السفاح وهو أحسد ما كان لبني هاشم والشيعة ووجوه الناس فدخل عبد الله بن حسين بن حسن ومعه مصحف فقال يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف فأشفق الناس أن يجعل السفاح بشيء إليه ولا يريدون ذلك في شيخ بنى هاشم أو يعيا لجوابه فيكون ذلك نقصاً عليه وعارا فأقبل إليه غير مغضب ولا منزعج فقال أن جدك علياً كان خيراً مني وأعدل ولي هذا الأمر فأعطى جديك الحسن والحسين وكانا خيراً منك شيئاً وكان الواجب أن أعطيك مثله فإن كنت فعلت فقد أنصفتك وإن كنت زدتك فما هذا جزائي منك فما رد عبد الله إليه جواباً وانصرف والناس يعجبون من جوابه له.
وروى ثعلب عن ابن الأعرابي قال أول خطبة خطبها السفاح في قرية يقال لها العباسية فلما صار إلى موضع الشهادة من الخطبة قال رجل من آل أبي طالب في عنقه مصحف فقال أذكرك الله الذي ذكرته إلا أنصفتني من خصمي وحكمت بيني وبينه بما في هذا المصحف فقال له ومن ظلمك قال أبو بكر الذي منع فاطمة فدكا قال وهل كان بعده أحد قال نعم من قال عمر قال على ظلمكم قال نعم قال وهل كان بعده أحد قال نعم قال من قال عثمان قال وأقام على ظلمكم قال نعم قال وهل كان بعده أحد قال نعم قال علي قال وأقام على ظلمكم قال فاسكت الرجل وجعل يلتفت إلى ورائه يطلب مخلصاً فقال له والله الذي لا إله إلا هو لولا أنه أول مقام قمته ثم لم أكن تقدمت إليك في هذا قبل لأخذت الذي فيه يعناك أقعد وأقبل على الخطبة! ومن المنقول عن المنصور قال إسماعيل بن محمد قال دخل ابن هرمة على أبي جعفر فانشده فقال سل حاجتك قال تكتب إلى عاملك بالمدينة متى وجدني سكران لا يحدني قال هذا حد ولا سبيل إلى إبطاله قال مالي حاجة غير ذلك قال أكتب إلى عاملنا بالمدينة من أتاك بابن هرمة وهو سكران فاجلده ثمانين واجلد الذي جاء به مائة قالة فكان الشرطة يعمرون به وهو سكران فيقول من يشتري ثمانين بمائة فيمرون ويتركونه وبلغنا عن المنصور أنه جلس في إحدى قباب مدينته فرأى رجلاً ملهوفاً مهموماً يجول في الطرقات فأرسل من أتاه به سأله عن حاله فأخبره الرجل أنه خرج في تجارة فأفاد مالاً وأنه رجع بالمال إلى منزله فدفعه إلى أهله فذكرت امرأته أن المال سرق من بيتها ولم تر نقباً ولا تسليقاً فقال له المنصور منذ كم تزوجتها قال منذ سنة قال أفبكروا تزوجتها قال لا قال فلها ولد من سواك قالا قال فشبابة هي أم مسنة قال بل حديثة فدعا له المنصور بقارورة طيب كان تخذه له حاد الرائحة غريب النوع فدفعها إليه وقال له تطيب من هذا الطيب فإنه يذهب همك فلما خرج الرجل من عند المنصور قال المنصور قال المنصور لأربعة من ثقاته ليقعد على كل باب من أبواب المدينة واحد منكم فمن مر بكم فشممتم منه رائحة هذا الطيب وأشمهم منه فليأتني به وخرج الرجل بالطيب فدفعه إلى امرأته وقال لها وهبه لي أمير المؤمنين فلما شمته بعثت إلى رجل كانت تحبه وقد كانت دفعت المال إليه فقالت له تطيب من هذا الطيب فإن أمير المؤمنين وهبه لزوجي فتطيب منه الرجل ومن مجتاز ببعض أبواب المدينة فشم الموكل بالباب رائحة الطيب منه فأخذه مجتازاً ببعض أبواب المدينة فشم الموكل بالباب رائحة الطيب منه فأخذه فأتى به المنصور فقال له المنصور من أين استفدت هذا الطيب فإن رائحته غريبة معجبة قال اشتريته قال أخبرنا ممن اشتريته فتلجلج الرجل وخلط كلامه فدعا المنصور صاحب شرطته فقال له خذ هذا الرجل إليك فإن أحضر كذا وكذا من الدنانير فخله يذهب حيث شاء وأن امتنع فاضربه ألف سوط من غير مؤامرة فلما خرج من عنده دعا صاحب شرطته فقال هول عليه وجرده ولا تقدمن بضربه حتى تؤامرني فخرج صاحب شرطته فلما جرده وسجنه أذعن برد الدنانير وأحضرها بهيئتها فاعلم المنصور بذلك فدعا صاحب الدنانير فقال له رأيتك إن رددت عليك الدنانير بهيئتها أتحكمني في امرأتك قال نعم قال فهذه دنانيرك وقد طلقت المرأة عليك وخبره خبرها عن يعقوب بن جعفر أنه قال ومما يعرف ويؤثر من ذكاء المنصور أنه دخل مدينة فقال للربيع اطلب لي رجلاً يعرفني دور الناس فإني أحب أن أعرف ذلك فجاء برجل يعرفه إلا أنه لا يبدؤه حتى يسأله المنصور فلما فارقه أمر له بألف درهم فطالب بها الرجل الربيع فقال ما قال لي شيئاً وأنا أهب لك ألفاً من عندي وسيركب فاذكر فركب معه فجعل يعرفه الدور ولا يرى موضعاً للكلام فلما أراد المنصور أن يفارقه قال له الرجل شعر:
واراك تفعل ما تقول وبعضم ... مدق اللسان يقول ما لا يفعل
ثم إنه أراد الإمضاء فضحك وقال يا ربيع أعطه الألف درهم الذي وعدته وألفاً آخر وعن مبارك الطبري قال سمعت أبا عبيد الله تقول خلا أبو جعفر يوماً مع يزيد بن أبي أسيد فقال يا يزيد بن أبي أسيد فقال يا يزيد ما ترى في قتل أبي مسلم فقال أرى أن تقتله وتقرب إلى الله بدنة فوالله لا يصفوا ملكك ولا تهنأ بعيش ما بقي فنفر مني بقرة ظننت أنه سيأتي على ثم قال قطع الله لسانك واشمت بك عدوك أتشير علي بقتل انصر الناس لنا وأثقلهم على عدونا أما والله لولا حفظي لما سلف منك وأن أعدها هفوة من هفواتك لضربت عنقك قم لا أقام الله رجليك قال فقمت وقد أظلم بصري وتمنيت أن تسيخ الأرض بي فلما كان بعد قتله قال لي يا يزيد أتذكر يوم شاورتك قلت نعم قال فوالله لقد كان ذلك رأياً وما لا شك فيه ولكن خشيت أن يظهر منك فتفسد مكيدتي ومن المنقول عن المهدي عن القاسم بن محمد بن خلاد عن علي بن صالح قال كنت عند المهدي ودخل عليه شريك بن عبد الله القاضي فأراد أن يبخره فقال الخادم بالعود الذي يلهى به فوضعه في حجر شريك فقال شريك ما هذا يا أمير المؤمنين قال هذا أخذه صاحب العسس البارحة فأحببت أن يكون كسره على يد القاضي فقال جزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين فكسره ثم أفاضوا في حديث حتى نسى الأمر ثم قال المهدي لشريك ما تقول في رجل أمر وكيلاً له أن يأتي بشيء بعينه فأتى بغيره فتلف ذلك الشيء فقال يضمن يا أمير المؤمنين فقال للخادم أضمن ما تلف بقضيته.
ومن المنقول عن محمد بن الفضل قال أخبرنا بعض أهل الأدب عن حسن الوصيف قال قعد المهدي قعوداً عاماً للناس فدخل رجل وفي يده نعل ملفوفة في منديل فقال يا أمير المؤمنين هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهديتها لك فقال هاتها فدفعها إليه فقبل باطنها ووضعها على عينيه وأمر للرجل بعشرة آلاف درهم فلما أخذها وانصرف قال لجلسائه أترون أني لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرها فضلاً عن أن يكون لبسها ولو كذبناه قال للناس أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها على وكان من يصدقه أكثر ممن يدفع خبره إذا كان من شأن العامة ميلها إلى أشكالها والنصرة للضعيف على القوى وإن كان ظالماً اشترينا لسانه وقبلنا هديته وصدقنا قوله ورأينا الذي فعلنا انجح وارجح ومن المنقول عن المأمون رحمه الله قال المبرد حدثني عمارة بن عقيل قال ابن أبي حفصة الشاعر أعلمت أن أمير المؤمنين يعنى المأمون لا يبصر الشعر فقلت من ذا يكون أفرس منه وأنا لننشداول البيت فيسبق آخره من غير أن يكون سمعه قال فإني أنشدته بيتا أجدت فيه فلم أره تحرك له وهذا البيت فاسمعه.
أضحى إمام الهدى المأمون مشتغلا بالدين والناس بالدنيا مشاغيل فقلت له ما زدته على أن جعلته عجوزا في محرابها في يدها مسبحة فمن يقوم بأمر الدنيا إذا كان مشغولاً عنها وهو المطوق لها إلا قلت كما قال عمك جرير لعبد العزيز بن الوليد.
فلا هو في الدنيا مضيع نصيبه ... ولا عرض الدنيا عن الدين شاغله
قال مؤلف الكتاب وبلغنا أن حسنا اللؤلؤي كان يحدث المأمون والمأمون يومئذ أمير فنعس المأمون فقال له اللؤلؤي نمت أيها الأمير فاستيقظ المأمون وقال سوقى والله يا غلام خذ بيده قال مؤلف الكتاب قلت وإنما قال ذلك لأن هؤلاء إنما يريدون الحديث ليناموا عليه فكان إيقاظه غفلة عما يراد من الحديث وسوء أدب ومن المنقول عن المعتضد بالله عن أبي عبد الله محمد بن حمدون قال لي المعتضد بالله ليلة وقد قدم له عشاء لقمني وكان الذي قدم له فراريج ودراريج فلقمته من صدر فروج فقال لا لقمني من فخذه فلقمته لقماً ثم قال هات من الدراريج فلقمته من أفخاذها فقال ويلك هوذا تتنادر علي هات من صدورها فقلت يا مولاي ركبت القياس فضحك فقلت إلى كم أضحكك ولا تضحكني قال فشل المطرح وخذ ما تحته قال فشلته فإذا دينار واحد فقلت آخذها قال نعم فقلت بالله هو ذا تتنادر أنت الساعة على خليفة يجيز نديمه بدينار فقال ويلك لا أحد لك في بيت المال حقاً أكثر من هذا ولا تسمح نفسي أن أعطيك من مالي شيئاً ولكن هو ذا احتال لك بحيلة تأخذ فيها خمسة آلاف دينار فقبلت يده فقال إذا كان غد وجاءني القاسم يعني ابن عبيد الله فهو ذا إسارك خبر تقع عيني عليه سراراً طويلاً التفت فيه إليك كالمغضب وأنظر أنت إليه من خلال ذلك كالمتخالس لي نظر المترائي فإذا خرجت خاطبك جميل وأخذك إلى دعوته ويسألك عن حالك فاشك الفقر والخلة وقلة حظك مني وثقل ظهرك بالدين والعيال وخذ ما يعطيك واطلب كل ما تقع عينك عليه فإنه لا يمنعك حتى تستوفي الخمسة آلاف دينار فإذا أخذتها فيسألك عما جرى بيننا فاصدقه وإياك أن تكذبه وعرفه أن ذاك حيلة مني عليه حتى وصل إليك هذا وحدثه كله بالحديث كله على شرحه وليكن أخبارك إياه بذلك بعد امتناع شديد وإخلاف منه بالطلاق والعتاق أن تصدقه وبعد أن تخرج من داره كل ما يعطيك إياه تجعله في بيتك فلما كان الغد حضر القاسم فحين رآه ابتدأ يسارني وجرت القصة على ما وضعني عليه فخرجت فإذا القاسم في الدهليز ينتظرني فقال يا أبا محمد ما هذا الجفاء لا تجيئني ولا تزورني ولا تسألني حاجة فاعتذرت إليه باتصال الخدمة علي ما يقنعني إلا أن تزورني اليوم وتتفرج فقلت أنا خادم الوزير فأخذني إلى طيارة وجعل يسألني عن حلي وأخباري وأشكو إليه الخلة والإضاقة والدين والبنات وجفاء الخليفة وإمساك يده ويتوجع ويقول يا هذا مالي لك ولن نضيف عليك ما يتسع على أن نجاوزك نعمة حصلت لي لو عرفتني لعاونتك على إزالة هذا كله عنك فشكرته وبلغنا داره فصعد ولم ينظر في شيء وقال هذا يوم احتاج أن اختص فيه بالسرور بأبي محمد فلا يقطعني أحد عنه وأمر كتابه بالتشاغل بالأعمال ولها بي في دار الخلوة وجعل يحادثني ويبسطني وقدمت الفاكهة فجعل يلقمني بيده وجاء الطعام فكان هذا سبيله فلما جلس للشرب وقع لي بثلاثة آلاف دينار فأخذتها للوقت وأحضر ثياباً وطيباً ومركوباً فأخذت ذلك كله وما بين يدي صينية فضة فيها مغسل فضة وخردادي بلوروكوز وقدح بلور فأمر بحمله إلى طيارتي وأقبلت كلما رأيت شيئاً حسناً له قيمة وافرة طلبته وحمل إلى فرشا نفسياً وقال هذا للبنات فلما تقوض أهل المجلس خلا بي وقال يا أبا محمد أنت عالم بحقوق أبي عليك ومودتي لك فقلت أنا خادم الوزير فقال أريد أن أسألك عن شيء وتحلف لي أنك تصدقني عنه فقلت السمع والطاعة فأحلفني بالله وبالطلاق والعتاق على الصدق ثم قال لي بأي شيء سارك الخليفة اليوم في أمري فصدقته عن كل ما جرى حرفاً بحرف فقال فرجت عني ولكون هذا هكذا مع سلامة نيته أسهل على فشكرته وانصرفت إلى بيتي فلما كان من الغد باكرت المعتضد بالله فقال هات حديثك فسقته عليه فقال احفظ الدنانير ولا يقع لك أني أعمل مثلها بسرعة.
أنبأنا أبو بكر بن محمد بن عبد الباقي عن القاسم علي بن المحسن عن أبيه قال بلغني أن المعتضد بالله كان يوماً جالساً في بيت يبنى له يشاهد الصناع فرأى في جملتهم غلاماً أسود منكر الخلقة شديد المزح يصعد على السلاليم مرقاتين مرقاتين ويحمل ضعف ما يحملونه فأنكر أمره فأحضره وسأله عن سبب ذلك فلجلج فقال لابن حمدون وكان حاضراً أي شيء يقع لك في أمره فقال ومن هذا حتى صرفت فكرك إليه ولعله لا عيال له فهو خالي القلب قال ويحك قد خمنت في أمره تخميناً ما أحسبه باطلاً إما أن يكون معه دنانير قد ظفر بها دفعة من غير وجهها أو يكون لصاً يتستر بالعلم في الطين فلاحاه ابن حمدون في ذلك فقال علي بالأسود فأحضر، وقال مقارع فضربه نحو مائة مقرعة وقرره وحلف أن لم يصدقه ضرب عنقه وأحضر السيف والنطع فقال الأسود لي الأمان فقال لك الأمان إلا ما يجب عليك فيه من حد فلم يفهم ما قال له وظن أنه قد أمنه فقال أنا كنت أعمل في اتاتين الآجر سنين وكنت منذ شهور هناك جالساً فاجتاز بي رجل في وسطه هميان فتبعه فجاء إلى بعض الأتاتين فجلس وهو لا يعلم مكاني فحل الهميان وأخرج منه ديناراً فتأملته فإذا كله دنانير فثاورته وكتفته وسددت فاه وأخذت الهميان وحملته على كتفي وطرحته في نقرة الأتون وطينته فلما كان بعد ذلك أخرجت عظامه فطرحتها في دجلة والدنانير معي يقوي بها قلبي فأمر المعتضد من أحضر الدنانير من منزله وإذاً على الهميان مكتوب لفلان بن فلان فنودي في البلدة باسمه فجاءت امرأة قال هذا زوجي ولي منه هذا الطفل خرج في وقت كذا ومعه هميان فيه ألف دينار فغاب إلى الآن فسلم الدنانير إليها وأمرها أن تعتد وضرب عنق الأسود وأمر أن تحمل جثته إلى الأتون.
قال المحسن وبلغني أن المعتضد بالله قام في الليل لحاجة فرأى بعض الغلمان المردان قد نهض من ظهر غلام أمرد ودب على أربعته حتى اندس بين الغلمان فجاء المعتضد فجعل يضع يده على فؤاد واحد بعد واحد إلى أن وضع يده على فؤاد ذلك الفاعل فإذا به يخفق خفقاناً شديداً فركزه برجله فقعد واستدعى آلات العقوبة فاقر فقتله قال المحسن وبلغنا عن المعتضد بالله أن خادماً من خدمه جاء يوماً فأخبره أنه كان قائماً على شاطئ الدجلة في دار الخليفة فرأى صياداً وقد طرح شبكته فثقلت بشيء فجذبها فأخرجها فإذا فيها جراب وأنه قدره مالاً فأخذه وفتحه فإذا فيه آجر وبين الآجر كف مخضوبة بحناء قال فأحضر الجراب والكف والأجر فهال المعتضد ذلك وقال قل للصياد يعاود طرح الشبكة فوق الموضع وأسفله وما قاربه قال ففعل فخرج جراب آخر فيه رجل قال فطلبوا فلم يخرج شيء آخر فاغتم المعتضد فقال معي في البلد من يقتل إنساناً ويقطع أعضاؤه ويفرقه ولا أعرف به ما هذا ملك قال وأقام يومه كله ما طعم طعاماً فلما كان من الغد أحضر ثقة له وأعطاه الجراب فارغاً وقال له طف به على كل من يعمل الجرب ببغداد فإن عرفه منهم رجل فسله على من باعه فإذا دلك عليه فسله المشتري من اشتراه منه على خبره أحدا قال فغاب الرجل وجاءه بعد ثلاثة أيام فزعم أنه لم يزل في الدباغين وأصحاب الجرب إلى أن عرف صانعه وسأل عنه فذكر أنه باعه على عطار بسوق يحيى وأنه مضى إلى العطار وعرضه عليه فقال ويحك كيف وقع هذا الجراب في يدك فقلت أو تعرفه فقال نعم اشترى منى فلان الهاشمي منذ ثلاثة أيام عشرة جرب لا أدري لأي شيء أرادها وهذا منها فقلت له ومن فلان الهاشمي فقال رجل من ولد على بن ريطه من ولد المهدي يقال له فلان عظيم إلا أنه شر الناس وأظلمهم وأفسدهم لحرم المسلمين وأشدهم تشوقاً إلى مكايدهم وليس في الدنيا من ينهي خبره إلى المعتضد خوفاً من شره ولفرط تمكنه من الدولة والمال ولم يزل يحدثني وأنا أسمع أحاديث له قبيحة إلى أن قال فحسبك أنه كان يعشق منذ سنين فلانة المغنية جارية فلانة المغنية وكانت كالدينار المنقوش وكالقمر الطالع في غاية حسن الغناء فساوم مولاتها فيها فلم تقاربه فلما كان منذ أيام بلغه أن سيدتها تريد بيعها على مشتر قد حضر بذل فيها ألوف دنانير فوجه إليها لا أقل من أن تنفذيها إلى لتودعني فأنقذتها إليه بعد أن أنفذ إليها حذرها لثلاثة أيام فلما انقضت الأيام الثلاثة غصبها عليها وغيبها عنها فما يعرف لها خبر وادعى أنها هربت من داره وقالت الجيران أنه قتلها وقال قوم لا بل هي عنده وقد أقامت سيدتها عليها المأتم وجاءت وصاحت على بابه وسودت وجهها فلم ينفعها شيء فلما سمع المعتضد سجد شكراً لله تعالى على انكشاف الأمر له وبعث في الحال من كبس على الهاشمي وأحضر المغنية وأخرج اليد والرجل إلى الهاشمي فلما رآهما انتقع لونه وأيقن بالهلاك واعترف فأمر المعتضد بدفع ثمن الجارية إلى مولاتها من بيت المال وصرفها ثم حبس الهاشمي فيقال أنه قتله ويقال مات في الحبس.
قال عبد الله محمد بن أحمد بن حمدون قال كنت قد حلفت وعاهدت الله أن لا أعقد مالا من القمار وأنه لا يقع في يدي منه شيء إلا صرفته في ثمن شمع يحترق أو نبيذ يشرب أو جذر مغنيه فجلست يوماً ألاعب المعتضد فقمرته بسبعين ألف درهم فنهض المعتضد يصلي قبل العصر ركعتان من قبل أن يأمر لي بها فجلست أفكر وأندم على ما حلفت عليه وقلت كم اشترى من هذه السبعين ألف شمعاً وشراباً وكم أجذر وما كانت هذه العجلة في اليمين ولو لم أكن حلفت كنت الآن قد اشتريت بها ضيعة وكانت اليمين بالطلاق والعتاق وصدقة الملك فلما سلم من السجود قال لي في أي شيء تفكرت فقلت خير فقال بحياتي أصدقني فصدقته فقال وعندك أني أريد أن أعطيك سبعين ألفاً من القمار فقلت أفتصغر قال نعم قد صعرت قم ولا تفكر في هذا قال ودخل في صلاة الفرض فلحقني الغم أعظم من الأول وندمت على فوت المال وجعلت ألوم نفسي لم صدقته فلما فرغ من صلاته قال لي يا أبا عبد الله بحياتي أصدقني عن هذا الفكر الثاني فصدقته فقال أما القمار فقد قلت أني صغرت ولكني أهب لك سبعين ألفاً من مالي ولا يكون على إثم في دفعها إليك وعليك إثم في أخذها وتخرج من يمينك فتشتري بها ضيعة حلالاً فقبلت يده وأخذت المال فاعتقدت به ضيعة والله أعلم .
الباب العاشر
في سياق المنقول من ذلك عن الوزراء قال ابن الموصلي حدثني أبي قال أتيت يحيي بن خالد بن برمك فشكوت إليه ضيقة اليد فقال ويحك وما أصنع بك ليس عندنا في هذا الوقت شيء ولكن عليك ههنا أمر أدلك عليه فتكن فيه رجلاً قد جاءني خليفة صاحب مصر يسألني أن أستهدي صاحبه شيئاً وقد أبيت ذلك فالح علي وقد أبلغني أنك قد أعطيت بجاريتك فلانة آلاف دنانير فهو ذا استهديه إياها وأخبره أنها قد أعجبتني وإياك أن تنقصها ثلاثين ألف دينار فلم يزل يساومني حتى بذل لي عشرين ألف دينار فلما سمعتها ضعف قلبي عن ردها فبعتها وقبضت العشرين ألفاً، ثم صرت إلى يحيى بن خالد، فقال لي كيف صنعت في بيعك الجارية؟ فأخبرته فقلت والله ما ملكت نفسي أن أجبت إلى العشرين ألفاً حين سمعتها. فقال: إنك لخسيس وهذا خليفة صاحب فارس قد جاءني في مثل هذا فخذ جاريتك فإذا ساومك فلا تنقصها من خمسين ألف دينار فإنه لا بد أن يشتريها منك بذلك. قال فجاءني الرجل فاستمعت عليه خمسين ألف دينار فلم يزل يساومني حتى أعطاني ثلاثين ألف دينار فضعف قلبي عن ردها ولم أصدق بها فأوجبتها له بها ثم صرت إلى يحيى ابن خالد فقال لي بكم بعت الجارية فأخبرته، فقال لي ويحك ألم تؤدبك الأولى عن الثانية قلت ضعفت والله عن رد شيء لم أطمع فيه. فقال هذه جاريتك فخذها إليك. قال فقلت جارية أفدت بها خمسين ألف دينار ثم أملكها أشهدك أنها حرة وأني قد تزوجتها.
أخبرنا أبو بكر محمد بن يحيى النديم قال: قال يحيى بن خالد ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها: الهدية والكتاب والرسول. وبلغنا أن المنصور كان يعجب بيحيى بن خالد ويجود رأيه وكان يقول ولد الآباء أبناء وولد خالد ابن برمك آباء. وكان يحيى يقول لابنه جعفر يا بني خذ من كل أدب طرفا فإنه من جهل شيئاً عاداه وأنا أكره أن تكون عدو الشيء من الأدب. وكان يقول من بلغ رتبه فتاه فيها أخبر أن محله دونها. وقال له رجل والله لانت أحلم من الأحنف. فقال ما نقرب إلى ما أعطاني فوق حقي وبلغنا عن الرشيد أنه رأى يوماً في داره حزمة خيزران فقال له لوزيره الفضل بن الربيع ما هذه؟ فقال عروق الرماح يا أمير المؤمنين، ولم يرد أن يقول الخيزران لموافقته اسم أم الرشيد. وقال الفضل إياكم ومخاطبة الملوك بما يقتضي الجواب فإنهم أن أجابوكم شق عليهم وأن لم يجيبوكم شق عليكم. قال ثعلب: قلت للحسن بن سهل وقد كثر عطاؤها على اختلال حاله ليس في السرف خير، فقال: بل ليس في الخير سرف. فرد اللفظ واستوفى المعنى ورأى الفتح بن خاقان في لحية المتوكل شيئاً فلم يمسه بيده، ولا قال له شيئاً، ولكنه نادى يا غلام مرآة أمير المؤمنين فجيء بها. فقال بل بها وجه حتى أخذ ذلك الشيء بيده.
حدثنا أبو علي بن مقلة قال: كنت أكتب لأبي الحسن بن الفرات أخدم بين يديه فأول شيء برزق عشرة دنانير في كل شهر وهو يخلف أخاه في ديوان السواد ثم زادت حاله فرقاني إلى ثلاثين ديناراً في كل شهر، فكنت كذلك معه إلى أن تقلد الوزارة الأولى فحصل رزقي خمسمائة دينار في كل شهر، ثم أمر بقبض ما في دور المخالفين الذين بايعوا ابن المعتز وكانت أمتعتهم تقبض وتحمل إليها فيراها وينفذها إلى خزائن المقتدر. فجاؤوه يوماً بصندوقين، فقالوا له: هذان وجدناهما في دار ابن المعتز، فقال: أفعلمتم ما فيهما؟ قالوا نعم جرائد من بايعه من الناس بأسمائهم وأنسابهم فقال لا تفتح ثم قال: يا غلمان هاتوا ناراً فجاء الفراشون بفحم وأمرهم فأججوا النار، وأقبل علي وعلى من كان حاضراً، فقال والله لو رأيت من هذين الصندوقين ورقة واحدة لظن كل من له فيها اسم أني قد عرفته فتفسد نيات العالم كلهم علي وعلى الخليفة وما هذا رأي حرقوهما، قال فطرحا بأقفالهما في النار فلما احترقا بحضرته أقبل علي فقال يا أبا علي قد أمنت كل من جنى وبايع ابن المعتز وأمرني الخليفة بأمانة فأكتب للناس للأمان مني ولا يلتمس منك أحد أماناً كائناً من كان إلا كتبته له وجئني به لا وقع فيه فقد أفردتك لهذا العمل. ثم قال لمن حضر أشيعوا ما قلته حتى يأنس المستترون بأبي علي ويكاتبونه في طلب الأمان فشكرناه ودعت الجماعة له وشاع الخبر وكتبت الأمانات فكتب في ذلك مائة ألف أو نحوها.
حدثنا ابن المحسن عن أبيه قال سمعت أبا القاسم الحسن بن علي بن مقلة يقول: كان أبو علي بن مقلة يوماً يأكل فلما رفعت المائدة ففتح الدواة واستمد منها نقطة على الصفرة حتى لم يبق لها أثر وقال ذاك أثر شهوة، وهذا أثر صناعتي، ثم أنشد:
إنما الزعفران عطر العذارى ... ومداد الدواة عطر الرجال
قال أبو بكر الصولي: قال لي المكتفي بالله وقد أنشدته أنت أشعر من فلان فقلت لأنعامك على ترى ذلك والأقفلان أشعر مني، فلما خرجنا قال لي القاسم بن عبيد الله رددت على أمير المؤمنين لأنه قال شيئاً فقلت لا فقلت من أين لي هذا الفهم، وذكر أن ملكاً كانت أسراره تظهر كثيراً إلى عدوه فيبطل تدبيره على العدو فبلغ ذلك منه فشكا إلى أحد نصحائه وقال له أن جماعة يطلعون على أسرار لي لا بد من إظهارها لهم ولست أدري أيهم يظهرها وأكره أن أنال البريء منهم بما يستحق الخائن فدعا بكتاب فكتب فيه أخباراً من أخبار المملكة وجعلها كذباً كلها ثم دعا برجل، رجل كل واحد دون صاحبه ممن كان يفشي الملك إليه سره فقال للملك أخبر كل واحد منهم بخبر على حدة لا يظهر عليه سائر أصحابه وأمر كل واحد بستر ما أسررت إليه وأكتب على كل خبر اسم صاحبه فلم يلبث أن أظهر الخونة ما أفشى إليهم وانكتمت أخبار الناصحين فعرف الملك من يفشي سره فحذره. قيل رفعت إلى فخر الملك وزير السلطان قصة رجل سعى برجل فكتب عليها السعاية قبيحة وإن كانت نصيحة فإن كنت أخرجتها بالنصح فخسرانك فيها أكثر من الربح، وأنا لا أدخل في محظور ولا أسمع قول مهتوك في مستور ولولا أنك في خفارة شيبتك لقابلتك على جريرتك مقابلة تشبه أفعالك وتردع أمثالك فاستر على نفسك هذا العيب واتق من يعلم الغيب فإن الله للصالح والطالح بالمرصاد. وقال الوزير أبو منصور بن جهير يوماً لولد أبي نصر بن الصناع استعمل بآداب وإلا كنت صناعاً بغراب.
الباب الحادي عشر
في سياق المنقول من ذلك عن السلاطين
والأمراء والحجاب والشرطة قال المؤلف بلغني أن رجلاً قدم إلى بغداد للحج وكان معه عقد من الحب يساوي ألف دينار فاجتهد في بيعه فلم ينفق فجاء إلى عطار موصوف بالخير فأودعه إياه ثم حج وعاد فأتاه بهدية فقال له العطار من أنت وما هذا فقال أنا صاحب العقد الذي أودعتك، فما كلمه حتى رفسه رفسة رماه عن دكانه، وقال تدعي علي مثل هذه الدعوى، فاجتمع الناس وقالوا للحاجي ويلك هذا رجل خير ما لحقت من تدعي عليه إلا هذا، فتحير الحاجي وتردد إليه فما زاده إلا شتماً وضربا فقيل له لو ذهبت إلى عضد الدولة فله في هذه الأشياء فراسة فكتب قصته وجعلها على قصبة ورفعها لعضد الدولة فصاح به فجاء فسأله عن حاله فأخبره بالقصة فقال اذهب إلى العطار غداً، واقعد على دكانه، فإن منعك فاقعد على دكان تقابله، من الصبح إلى المغرب ولا تكلمه، وافعل هكذا ثلاثة أيام فإني أمر عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلم عليك فلا تقم لي ولا تزدني على رد السلام وجواب ما أسألك عنه فإذا انصرفت فأعد عليه ذكر العقد ثم أعلمني ما يقول لك فإن أعطاكه فجيء به إلي. قال فجاء إلى دكان العطار ليجلس فمنعه، فجلس بمقابلته ثلاثة أيام فلما كان اليوم الرابع اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم، فلما رأى الخراساني وقف وقال سلام عيكم فقال الخرساني ولم يتحرك: وعليكم السلام، فقال يا أخي تقدم فلا تأتي إلينا ولا تعرض حوائجك علينا، فقال كما اتفق ولم يشبعه الكلام وعضد الدولة يسأله ويستخفي وقد وقف ووقف العسكر كله والعطار قد أغمي عليه من الخوف، فلما انصرف التفت العطار إلى الحاجي فقال ويحك متى أودعتني هذا العقد، وفي أي شيء كان ملفوفاً، فذكرني لعلي أذكره، فقال من صفته كذا وكذا، فقام وفتش ثم نقض جرة عنده فوضع العقد فقال قد كنت نسيت، ولو لم تذكرني الحال ما ذكرت. فأخذ العقد ثم قال وأي فائدة لي في أن أعلم عضد الدولة ثم قال في نفسه لعله يريد أن يشتريه فذهب إليه فأعلمه، فبعث به مع الحاجب إلى دكان العطار فعلق العقد في عنق العطار وصلبه بباب الدكان ونودي عليه هذا جزاء من استودع فجحد. فلما ذهب النهار أخذ الحاجب العقد فسلمه إلى الحاجي وقال اذهب.
وقال المؤلف أيضاً بلغني عن عضد الدولة أنه كان في بعض أمرائه شاب تركي وكان يقف عند روزنة ينظر إلى امرأة فيها فقالت المرأة لزوجها قد حرم علي هذا التركي أن أتطلع في الروزنة، فإنه طول النهار ينظر إليها وليس فيها أحد فلا يشك الناس أن لي معه حديثاً، وما أدري كيف أصنع. فقال زوجها أكتبي إليه رقعة وقولي فيها لا معنى لوقوفك فتعال إلي بعد العشاء، إذا غفل الناس في الظلمة فإني خلف الباب ثم قام وحفر حفرة طويلة خلف الباب ووقف له، فلما جاء التركي فتح له الباب فدخل فدفعه الرجل فوقع في الحفرة وطموا عليه،، وبقي أياماً لا يدري ما خبره، فسأل عنه عضد الدولة فقيل له ما لنا فيه خبر فما زال يعمل فكره إلى أن بعث يطلب مؤذن المسجد المجاور لتلك الدار فأخذه أخذاً عنيفاً في الظاهر ثم قال له هذه مائة دينار خذها وامتثل ما آمرك إذا رجعت إلى مسجدك فإذن الليلة واقعد في المسجد فأول من يدخل عليك ويسألك عن سبب أنفاذي إليك فأعلمني به فقال نعم. ففعل ذلك، فكان أول من دخل ذلك الشيخ فقال له قلبي إليك ولا شيء أراد منك عضد الدولة؟ فقال ما أراد مني شيئاً وما كان إلى الخبر، فلما أصبح أخبر عضد الدولة بالحال فبعث إلى الشيخ فأحضره، ثم قال له ما فعل التركي فقال صدقك لي امرأة ستيرة مستحسنة كان يراصدها ويقف تحت روزنتها فضجت من خوف الفضيحة بوقوفه، ففعلت به كذا وكذا، فقال اذهب في دعة الله فما سمع الناس ولا قلنا.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمداني في تاريخه أنه بلغ إلى عضد الدولة خبر قوم من الأكراد يقطعون الطريق ويقيمون في جبال شاقة فلا يقدر عليهم، فاستدعى أحد التجار ودفع إليه بغلاً عليه صندوقان فيهما حلوى قد شيبت بالسم وأكثر طيبها وترك في الظروف الفاخرة وأعطاه دنانير وأمره أن يسير مع القافلة ويظهر أن هذه هدية لإحدى نساء أمراء الأطراف. ففعل التاجر ذلك وسار أمام القافلة، فنزل القوم وأخذوا الأمتعة والأموال وانفرد أحدهم بالبغل وصعد به مع جماعتهم إلى الجبل وبقي المسافرون عراة لما فتح الصندوقين وجد الحلوى يضوع طيبها ويدهش منظرها ويعجب ريحها، وعلم أنه لا يمكنه الاستبداد بها، فدعا أصحابه فرأوا ما لم يروه أبداً قبل ذلك فأمعنوا في الأكل عقيب مجاعة فانقلبوا فهلكوا عن آخرهم فبادر التجار إلى أخذ أموالهم وأمتعتهم وسلاحهم واستردوا المأخوذ عن آخره، فلم أسمع بأعجب من هذه المكيدة، محت أثر العاتين شوكة المفسدين.
وقال مؤلف الكتاب وحدثت أن بعض التجار قدم من خراسان ليحج فتأهب للحج وبقي معه من ماله ألف دينار لا يحتاج إليها، فقال أن حملتها خاطرت بها وأن أودعتها خفت جحد المودع، فمضى إلى الصحراء، فرأى شجرة خروع فحفر تحتها ودفنها ولم يره أحد، ثم خرج إلى الحج وعاد فحفر المكان فمل يجد شيئاً، فجعل يبكي ويلطم وجهه، فإذا سئل عن حاله قال الأرض سرقت مالي، فلما كثر ذلك منه قيل له لو قصدت عضد الدولة، فإن له فطنة، فقال: أو يعلم الغيب؟ فقيل له: لا بأس بقصده. فأخبره بقصته فجمع الأطباء وقال لهم هل داويتم في هذه السنة أحداً بعروق الخروع؟ فقال أحدهم: أنا داويت فلاناً وهو من خواصك. فقال علي به فجاء، فقال له هل تداويت في هذه السنة بعروق الخروع؟ قال نعم. قال من جاءك له؟ قال فلان الفراش قال علي به، فلا جاء قال من أين أخذت عروق الخروع؟ فقال من المكان الفلاني، فقال اذهب بهذا معك فأره المكان الذي أخذت منه. فذهب معه بصاحب المال إلى تلك الشجرة وقال من هذه الشجرة أخذت فقال الرجل ههنا والله تركت ما لي فرجع إلى عضد الدولة فأخبره فقال للفراش هلم بالمال، فتلكأ فأوعده فأحضر المال. وروى أبو الحسن بن هلال بن المحسن الصابي قال حكى السلامي الشاعر قال دخلت على عضد الدولة فمدحته فأجزل عطيتي من الثياب والدنانير وبين يديه حسام خرواني فرآني ألحظه، فرمى به إلي وقال خذه فقلت وكل خير عندنا من عنده. فقال عضد الدولة ذاك أبوك فبقيت متحير لا أدري ما أراد، فجئت أستاذي فشرحت له الحال فقال ويحك قد أخطأت عظيمة لأن هذه الكلمة لأبي نواس يصف كلبا حيث يقول:
أنعت كلباً أهله في كده ... قد سعدت جدودهم بجده
وكل خير عنده من عنده
قال: فعدت متوشحاً بكساء فوقفت بين يدي الملك فقال: ما لك فقلت حممت الساعة. فقال هل تعرف سبب حماك؟ قلت نظرت في ديوان أبي نواس فقال لا تخف لا بأس عليك من هذه الحما فسجدت بين يديه وانصرفت. وروى أبو الحسن بن هلال ابن الحسن الصابي في تاريخه قال حدثني بعض التجار وقال كنت في المعسكر، واتفق أن ركب السلطان جلال الدولة يوماً إلى صيد على عادته فلقيه سوادي يبكي فقال مالك؟ فقال لقيني ثلاثة غلمان أخذوا حمل بطيخ كان معي وهو بضاعتي. فقال امض إلى المعسكر فهناك قبة حمراء فاقعد عندها ولا تبرح إلى آخر النهار، فأنا أرجع وأعطيك ما يغنيك، فلما عاد السلطان، قال لبعض شرائه قد اشتهيت بطيخاً ففتش العسكر وخيمهم على شيء منه ففعل وأحضر البطيخ فقال عند من رأيتموه؟ فقل في خيمة فلان الحاجب. فقال أحضروه. فقال له: من أين هذا البطيخ فقال الغلمان جاؤوا به. فقال أريدهم الساعة فمضى وقد أحس بالشر فهرب الغلمان خوفاً من أن يقتلوا وعاد فقال: قد هربوا لما علموا بطلب السلطان لهم. فقال أحضروا السوادي، فأحضر فقال له هذا بطيخك الذي أخذ منك؟ قال نعم. قال فخذه وهذا الحاجب مملوك لي وقد سلمته إليك ووهبته لك حتى يحضر الذين أخذوا منك البطيخ، ووالله لئن أخليته لأضربن رقبتك. فأخذ السوادي بيد الحاجب فأخرجه فاشترى الحاجب نفسه بثلاثمائة دينار فعاد السوادي إلى السلطان وقال يا سلطان قد بعت المملوك الذي وهبته لي بثلاثمائة دينار فقال قد رضيت بذلك قال نعم قال اقبضها وامض مصاحباً السلامة.
قال الصابي وحكى لي من كان حاضراً باصفهان: قال جاء إليه تركماني قد لزم يد تركماني، فلما دخلا إليه قال هذا وجدته قد ابتنى بابنتي وأريد أن أقتله بعد إعلامك به قال لا بل تزوجها به ونعطي المهر من خزائننا، فقال لا أقنع إلا بقتله. فقال هاتوا السيف، فجيء به فسله وقال للأب تعال، فلما قرب منه أعطاه السيف وأمسك بيده الجفن وأمره أن يعيد السيف إلى الجفن، فكلما رام الرجل ذاك قلب السلطان المجفن ولم يمكنه من إدخال السيف، فقال يا سلطان ما تدعني فقال كذلك ابنتك لو لم ترد ما فعل بها هذا فإن كنت تريد قتله لأجل فعله فاقتلهما جميعاً، ثم أحضر من زوجه بها وأعطاه المهر من خزانته.
حدثنا الأصمعي قال وفد فلان بن أبي بردة على عمر بن عبد العزيز وهو بحاضرة، فلزم سارية من المسجد يصلي إليها بحسن الركوع الخشوع وعمر بن عبد العزيز ينظر إليه فقال عمر للعلاء بن المغيرة وكان خصيصاً بعمر. فقال له العلاء بن المغيرة: أنا آتيك يا أمير المؤمنين بخبره فأتاه وهو يصلي بين المغرب والعشاء فقال له اشفع صلاتك فإن لي حاجة فلما سلم من صلاته قال له العلاء تعرف منزلتي وموضعي من أمير المؤمنين فإني أن أشرت عليك أني وليك العراق ما تجعل لي قال عمالتي سنة، وكان مبلغها عشرين ومائة ألف. قال فاكتب لي على ذلك خطاً فقام من وقته فكتب له خطاً بذلك فحمل ذلك الخط إلى عمر بن عبد العزيز فلما قرأه كتب إلى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وكان والياً على الكوفة: أما بعد فان بلال غرنا بالله فكدنا نغتر به ثم سبكناه فوجدناه حبثاً كله. قال مؤلف الكتاب وبلغنا أن رجلا وعظ أميراً فأنفذ إليه الأمير مالاً قبله فلما عاد الرسول قال الأمير كلنا صياد ولكن الشباك تختلف وقيل لما خطب السفاح يوم بويع سقطت العصا من يده فتضير من ذلك فقام بعض أصحابه فأخذها ومسحها ودفعها إليه ثم أنشد:
فألقت عصاها واستقرث بها النوى ... كما قر عيناً بالأياب المسافر
فسر بذلك وسرى عنه وأكرمه.
نزل أمير بقرية فاحتاج إلى المزين يمسح شعره فجاء الأمير وحده إليه وقال أنا حاجب هذا الأمير الذي قد نزل بكم فامسح شعري فإن كنت حاذقاً جاء الأمير فمسحت شعره وإنما فعل ذلك لئلا يعلم أنه الأمير فينزعج فيجرحه.
حدثني عمر بن عثمان قال دخل المنصور أمير المؤمنين قصراً فرأى في جداره كتاباً:
ومالي لا أبكي بعين حزينة ... وقد قربت للظاعنين حمول
وتحته مكتوب ايه ايه قال أبو عمر ويرى أه أه، فقال المنصور أي شيء ايه ايه، فقال له الربيع وهو إذ ذاك تحت يدي أبي الخصيب الحاجب يا أمير المؤمنين إنه لما كتب البيت أحب أن يخبر أنه يبكي، فقال له: الله ما كان أظرفه فكان هذا أول ما ارتفع به الربيع. قال المؤلف نقلت من خط أبي الوفاء بن عقيل قال دخل هاشمي على المنصور فاستدناه ودعا بغدائه وقال أدنه، فقال قد تغديت، فكف عنه فلما خرج دفع الربيع في قفاه فوافقه الحجاب فدخل عمومته فشكا إلى المنصور فقال الربيع هذا الفتى كان يسلم من بعيد وينصرف فأدناه أمير المؤمنين واستجلسه ثم أذن له في الغداء، فقال له قد تغديت قول من يظن أن الغداء عند أمير المؤمنين لا يصلح إلا لسد الخلة ومثل هذا لا يكون أدبه بالقول ولكن بالفعل.
حدثنا المدايني عن غياث بن إبراهيم أن معن بن زائدة دخل على أبي جعفر أمير المؤمنين فقارب في خطوه، فقال له أبو جعفر كبرت سنك يا معن، فقال في طاعتك يا أمير المؤمنين قال وأنك لجلد قال على أعدائك، قال وإن فيك لبقية، قال هي لك.
حدثنا أبو الفضل الربيع قال: حدثني أبي قال قال المأمون لعبد الله بن طاهر أيما أطيب مجلسي أو منزلك قال ما عدلت به يا أمير المؤمنين. قال ليس لي إلى هذا، إنما ذهبت إلى الموافقة في العيش واللذة، قال منزلي يا أمير المؤمنين. قال ولم ذلك قال لأني فيه مالك وأنا ههنا مملوك.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمداني أن أحمد بن طولون جلس يوماً في متنزه له يأكل فرأى سائلاً في ثوب خلق فوضع يده في رغيف ودجاجة وفرخ وقطع لحم وقطعة فالوذج، وأمر بعض الغلمان بمناولته، فرجع الغلام وذكر أنه ما هش له، فقال ابن طولون للغلام: جئني به فمثل به بين يديه فاستنطقه فأحسن الجواب ولم يضطرب من هيبته، فقال له أحضرني الكتب التي معك واصدقني عمن بعث بك فقد صح عندي أنك صاحب خبر، واستحضر السياط فاعترف له بذلك فقال بعض من حضر هذا والله السحر، فقال أحمد ما هو بسحر، ولكنه قياس صحيح رأيت سوء حال هذا فوجهت إليه بطعام يسر إلى أكله الشبعان فما هش له ولا مد يده فأحضره فتلقاني بقوة جأش، فلما رأيت رثائة حاله وقوة جنانه علمت أنه صاحب خبر. ورأى ابن طولون يوماً حمالاً يحمل صندوقاً وهو يضطرب تحته فقال لو كان هذا الاضطراب من ثقل المحمول لغاصت عنقه وأنا أرى عنقه بارزة، وما هذا إلا من خوف ما يحمل، فأمر بحط الصندوق فوجد فيه جارية قد قتلت وقطعت، فقال أصدقني عن حالها فقال أربعة نفر في الدار الفلانية أعطوني هذه الدنانير وأمروني بحمل هذه المقتولة. فضرب الحمال مائتي ضربة بعصا، وأمر بقتل الأربعة. وكان ابن طولون يبكر ويخرج فيسمع قراءة الأئمة في المحاريب فدعا بعض أصحابه يوماً وقال امض إلى المسجد الفلاني، وأعط أمامه هذه الدنانير. قال فمضيت فجلست مع الإمام وباسطته حتى شكا أن زوجته ضربها الطلق ولم يكن معه ما يصلح به شأنها وأنه صلى فغلط مراراً في القراءة فعدت إلى ابن طولون فأخبرته، فقال صدق، لقد وقفت أمس فرأيته يغلط كثيراً علمت شغل قبله.
حدثنا سهل بن محمد السجستاني قال وفد علينا عامل من أهل الكوفة لم أرى في عمال السلطان بالبصرة أبرع منه، فدخلت مسلماً عليه، فقال يا سجستاني من أعلمكم بالبصرة أبرع منه، فدخلت مسلماً عليه، فقال يا سجستاني من أعلمكم بالبصرة قال الزيادي أعلمنا بعلم الأصمعي والمازني أعلمنا بالنحو وهلال الرأي أفقهنا والشادكوني أعلمنا بالحديث وأنا رحمك الله أنسب إلى علم القرآن وابن الكلبي من أكتبنا للشروط، قال فقال لكاتبه إذا كان غد فاجمعهم إلي، قال فجمعنا قال أيكم المازني قال أبو عثمان ها أنذا يرحمك الله، قال هل يجزى في الظهاري عتق عبد أعور، فقال المازني لست صاحب فقه، أنا صاحب عربية، فقال يا زيادي كيف تكتب بين بعل وامرأة خالعها زوجها على الثلث من صداقها قال ليس هذا من علمي هذا من علم هلال الرأي، قال يا هلال كم أسند ابن عون عن الحسن قال ليس هذا من علمي هذا من علم الشادكوني، قال يا شادكوني من قرأ ألا أنهم يثنون صدورهم، قال ليس هذا من علمي هذا من علم أبي حاتم فقال يا أبا حاتم كيف تكتب كتاباً إلى أمير المؤمنين تصف فيه خصاصة أهل البصرة وما أصابهم في الثمرة وتسأله لهم النظر بالبصرة قال لست رحمك الله صاحب بدعة وكتابة أنا صاحب قرآن قال ما اقبح بالرجل يتعاطى بالعلم خمسين سنة لا يعرف إلا فنا واحداً حتى إذا سئل من غيره لم يجل فيه ولم يمر لكن عالمنا بالكوفة الكسائي لو سئل عن هذا كله لأجاب.
نظر بعض العمال في ديوانه إلى رجل يصغي إلى سرة فأمر بضربه وحبسه. فقال كاتب الحبس كيف اكتب قصته قال اكتب استرق السمع فاتبعه شهاب ثابت ووجد أعمى مع عمياء فلم يدر الكاتب كيف يكتب قصتها فقال صاحب الربع أكتب ظلمات بعضها فوق بعض.
قال الحسين بن الحسن بن أحمد بن يحيى الواثقي قال كان جدي يتقلد شرطة بغداد للمكتفي بالله فعمل اللصوص في أيامه عملة عظيمة فاجتمع التجار وتظلموا إلى المكتفي بالله فألزمه بإحضار اللصوص أو غرامة المال فتحير حتى كان يركب وحده ويطوف بالليل والنهار إلى أن اجتاز يوماً في زقاق خال في بعض أطراف بغداد فدخله فوجد منكراً ووجد فيه زقاقاً لا ينفذ فدخله فرأى على بعض أبواب دور الزقاق شوك سمكة كبيرة وعظم الصلب وتقدير ذاك أن تكون السمكة فيها مائة وعشرون رطلاً، فقال لواحد من أصحاب المسالخ ويحك ما ترى عظام هذه السمكة كم تقدر ثمنها قال دينار، فقال أهل هذا الزقاق لا تحمل أحوالهم شراء مثل هذه السمكة لأنه زقاق بين الاحتلال إلى جانب الصحراء لا ينزله من معه شيء يخافه أو له مال ينفق منه مثل هذه النفقة وما هي إلا بلية يجب أن يكشف عنها فاستبعد الرجل هذا وقال هذا فكر بعيد، فقال اطلبوا امرأة من الدرب أكلمها، فدق بابا غير الباب الذي عليه الشوك واستسقى ماء فخرجت عجوز ضعيفة، فما زال يطلب شربة بعد شربة وهي تسقيهم والواثقي في خلال ذلك يسأل عن الدرب وأهله وهي تخبره غير عارفة بعواقب ذلك إلى أن قال لها فهذه الدار من يسكنها وأومأ إلى التي عليها عظام السمك فقالت والله ما ندري على الحقيقة من سكانها إلا أن فيها خمسة شباب أعفار كأنهم تجار قد نزلوا منذ شهر لا نراهم يخرجون نهاراً إلا كل مدة طويلة، وأنا نرى الواحد منهم يخرج في الحاجة ويعود سريعاً وهم طول النهار يجتمعون فيأكلون ويشربون ويلعبون بالشطرنج والنرد ولهم صبي يخدمهم، وإذا كان الليل انصرفوا إلى دارهم لهم في الكرخ. ويدعون الصبي في الدار يحفظها، فإذا كان سحراً بليل جاؤوا ونحن نيام لا نعقل بهم وقت مجيئهم. قال فقطع الوالي استسقاء الماء ودخلت العجوز وقال للرجل هذه صفة لصوص أم لا فقال: توكلوا بحوالي الدار ودعوني على بابها قال وأنفذ في الحال واستدعى عشرة من الرجال وأدخلهم إلى سطوح الجيران ودق هو الباب فجاء الصبي ففتح فدخل والرجال معه فما فاتهم من القوم أحد وحملهم إلى مجلس الشرطة وقررهم فكانوا هم أصحاب الخيانة بعينها ودلوا على باقي أصحابهم فتبعهم الواثقي وكان يفتخر بهذه القصة.
قال مؤلف الكتاب وبلغنا عن بعض ولاة مصر أنه كان يلعب بالحمام فتسابق هو وخادم له فسبقه الخادم فبعث الأمير إلى وزيره ليعلم الحال فكره الوزير أن يكتب إليه أنك قد سبقت ولم يدر كيف يكنى عن ذلك، فكان ثم كاتب فقال أن رأيت أن تكتب شعراً.
يا أيها الملك الذي جده ... لكل جد قاهر غالب
طائرك السابق لكنه ... أتى وفي خدمته حاجب
فاستحسن ذلك وأمر له بجائزة وكتب به. قال الشيخ حدثني أبو محمد عبد الله بن علي المقري قال كان حاجب باب ابن النسوي ذكياً فسمع في بعض ليالي الشتاء صوت برادة فأمر بكبس الدار فأخرجوا رجلاً وامرأة فقيل له من أين علمت هذا قال في الشتاء لا يبرد الماء وإنما هذه علامة بين هذين، وبه حدثني أبو حكيم إبراهيم بن دينار الفقيه قال حدثني أبي قال جيء إلى ابن النسوي برجلين قد اتهما بالسرقة فأقامهما بين يديه ثم قال شربة ماء فجاء بها فأخذ يشرب ثم ألقاها من يده عمداً فوقعت فانكسرت فانزعج أحد الرجلين لانكسارها وثبت الآخر فقال للمنزعج اذهب أنت وقال للآخر رد ما أخذت فقيل له من أين علمت، فقال اللص قوي القلب لا ينزعج وهذا المنزعج بريء لأنه لو تحركت في البيت فأرة لا زعجته ومنعته أن يسرق وبه ذكر بعض مشايخنا أن رجلاً من جيران ابن النسوي كان يصلي بالناس دخل على ابن النسوي في شفاعة وبين يديه صحن فيه قطايف فقال له ابن النسوي كل فامتنع فقال كأنني بك وأنت تقول من أين لابن النسوي شيء حلال ولكن كل فما أكلت قط أحل من هذا فقال بحكم المداعبة من أين لك شيء لا يكون فيه شبهة فقال إن أخبرتك تأكل، قال نعم فقال كنت منذ ليال في مثل هذا الوقت فإذا الباب يدق فقالت الجارية من؟ فقالت امرأة تستأذن فإذن لها فدخلت فأكبت على قدمي تقبلها فقلت ما حاجتك قالت لي زوج ولي منه ابنتان لواحدة اثنتا عشرة سنة وللأخرى أربع عشرة سنة وقد تزوج علي وما يقربني والأولاد يطلبونه فيضيق صدري لأجلهم وأريد أن يجعل ليلة لي ولتلك ليلة، فقلت لها ما صناعته؟ فقالت خباز قلت وأين دكانه قالت بالكرخ ويعرف بفلان بن فلان فقلت وأنت بنت من؟ فقالت بنت فلان، قلت فما اسم بناتك، قالت فلانة وفلانة... قلت أنا أرده إليك إن شاء الله تعالى فقالت هذه شقة قد غزلتها أنا وابنتاي، وأنت في حل منها. قلت خذي شقتك وانصرفي. فمضت فبعث إليه اثنين وقلت أحضراه ولا تزعجاه. فأحضراه وقد طار عقله فقلت لا بأس عليك إنما استدعيتك لأعطيك كر طعام وعمالته تقيمه خبزاً للرحالة فسكن روعه وقال ما أريد له عمالة قلت بلى صديق مخسر عدو مبني أنت مني وإلي كيف هي زوجتك فلانة تلك بنت عمي وكيف بناتها فلانة وفلانة فقال بكل خير، قلت الله الله لا أحتاج أن أوصيك بها لا تضيق صدرها فقبل يدي، فقلت امض إلى دكانك وأن كان لك حاجة فالموضع بحكمك فانصرف. فلما كان في هذه الليلة جاءت المرأة فدخلت وهذا الصحن معها وأقسمت علي بالله أن لا أردها وقالت قد جمعت شملي وشمل أولادي وهذا والله من ثمن غزلي فبالله لا ترده فقبلته فهل هو حلال؟ فقال والله ما في الدنيا أحل من هذا قال فكل، فأكل.
كان لأحمد بن خصيب وكيل له في ضياعه فرمى إليه بخيانة فعزم على القبض عليه والإساءة إليه فهرب فكتب إليه أحمد يؤنسه ويحلف له على بطلان ما اتصل إليه ويأمره بالرجوع إلى عمله فكتب إليه:
أنالك عبد سامع ومطيع ... وإني لما تهوى إليك سريع
ولكن لي كفا أعيش بفضلها ... فما أشترى إلا بها وأبيع
أأجعلها تحت الرحائم أبتغي ... خلاصاً لها إني إذا لرقيع
حدثنا أبو سهل بن زياد قال كان شاعر له ضويعة فهجا عاملها وبلغه ذلك فأمسك عنه فلما كان وقت الغلة ركب العامل إلى البيدر فقسمها وحلم غلة الشاعر أصلاً فجاء الشاعر إليه يشكو فقال يا هذا ليس بيننا، هجوتنا بالشعر ونحن نهجوك بالشعير فقد استوت الحال بيننا وبينك. قال الشيخ وحدثني ابن شبيب المشرف بالمحرز أنه لقي الخليفة المستنجد فقال له الخليفة أين شتيت قال عندك يا أمير المؤمنين وأراد الخليفة تصحيف ابن شبيب وأراد هو تصحيف عبدك. وكان بعض العمال واقفاً على رأس أمير فأخذه البول فخرج فلما جاء قال أين كنت قال أصوب الرأي يعني أنه لا رأى لحاقن حدثني بعض الشيوخ قال سرق من رجل خمسمائة دينار فحمل المتهومين إلى الوالي فقال الوالي أنا ما أضرب أحداً منكم بل عندي خيط ممدود في بيت مظلم فأدخلوا فليمر كل منكم يده عليه من أول الخيط إلى آخره ويلف يده في كمه ويخرج فإن الخيط يلف على يد الذي سرق وكان قد سود الخيط بسخام فدخلوا فكلهم جريده على الخيط في الظلمة إلا واحد منهم فلما خرجوا نظر إلى أيديهم مسودة إلا واحد فالزمه بالمال فأقربه.
الباب الثاني عشر
في سياق المنقول من ذلك عن القضاة حدثنا الشعبي قال جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقالت أشكو إليك خير أهل الدنيا إلا رجل سبقه بعمل أو عمل مثل عمله يقوم الليل حتى يصبح ويصوم النهار حتى يمسي ثم أخذها الحياء فقالت أقلني يا أمير المؤمنين فقال جزاك الله خيراً فقد أحسنت الثناء قد أقلتك فلما ولت قال كعب بن سور يا أمير المؤمنين لقد أبلغت إليك في الشكوى فقال ما اشتكت قال زوجها قال علي بالمرأة وزوجها فجيء بهما فقال لكعب اقض بينهما قال أأقضي وأنت شاهد قال أنك قد فطنت ما لم أفطن إليه قال فإن الله يقول فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع صم ثلاثة أيام وأفطر عندها يوماً وقم ثلاث ليال وبت عندها ليلة فقال عمر لهذا أعجب إلي من الأول مزحله بدابة وبعثه قاضياً لأهل البصرة.
أخبرنا مجالد بن سعيد قال، قلت للشعبي يقال في المثل أن شريحا أدهى من الثعلب وأحيل فما هذا فقال لي في ذلك أن شريحاً خرج أيام الطاعون إلى النجف وكان إذا قام يصلي يجيء ثعلب فيقف تجاهه فيحاكيه ويخيل بين يديه فيشغله عن صلاته فلما طال ذلك عليه نزع قميصه فجعله على قصبة وأخرج كميه وجعل قلنسوته وعمامته عليه فأقبل الثعلب فوقف على عادته فأتى شريح من خلفه فأخذه بغتة فلذلك يقال هو أدهى من الثعلب وأحيل.
أخبرنا مجالد عن العشبي قال شهدت شريحاً أو جاءته امرأة تخاصم رجلاً فأرسلت عينيها فبكت فقلت يا أبا أمية ما أظن هذه البائسة إلا مظلومة فقال يا شعبي إن أخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون حدثنا شيخ من قريش قال عرض شريح ناقة يبيعها فقال له المشتري يا أبا أمية كيف لبنها قال أحلب في أي إناء شئت قال كيف الوطء قال افرش ونم قال كيف نجاؤها قال إذا رأيتها في الإبل عرفت مكانها على سوطك فقال كيف قوتها قال احمل على الحائط ما شئت فاشتراها فلم ير شيئاً مما وصف فرجع إليه فقال لم أر فيها شيئاً مما وصفتها به قال ما كذبتك قال اقلني قال نعم. قال القرشي وحدثني أبو القاسم السلمي عن غير واحد من أشياخه قال إن شريحاً خرج من عند زياد وهو مريض فأرسل إليه مسروق بن الأجدع رسولاً يسأله كيف وجدت الأمير قال تركته يأمر وينهي قال يأمر بالوصية وينهي عن النياحة قال الشيخ وقد روينا أن عدي بن أرطاة أتى شريحاً وهو في مجلس القضاء فقال لشريح أين أنت قال بينك وبين الحائط قال اسمع مني قال لهذا جلست مجلسي قال إني رجل من أهل الشام قال الحبيب القريب قال وتزوجت امرأة من قومي قال بارك الله لك بالرفاء والبنين قال وشرطت لأهلها أن لا أخرجها قال الشرط أملك قال وأريد الخروج قال في حفظ الله قال اقض بيننا قال قد فعلت.
حدثنا صالح بن أحمد العجلي قال حدثني أبي قال دخل علي أياس بن معاوية ثلاثة نسوة فقال أما واحدة فمرضع والأخرى بكر والثالثة ثيب فقيل له بن علمت قال أما المرضع فإنها لما قعدت أمسكت ثديها بيدها وأما البكر فلما دخلت لم تلتفت إلى أحد وأما الثيب فلما دخلت رمقت بعينها يميناً وشمالاً.
أخبرنا أبو الحسن القيسي قال استودع رجل رجلاً من أبناء الناس مالاً وكان أمينا لا بأس به وخرج المستودع إلى مكة فلما رجع طلبه فجحده فأتى أياساً فأخبره فقال له إياس أعلم أنك أتيتني قال لا قال فنازعته عند أحد قال لا لم يعلم أحد بهذا قال فانصرف واكتم أمرك ثم عد إلي بعد يومين فمضى الرجل فدعا إياس أمينه ذلك فقال قد حضر مال كثير أريد أن أسلمه إليك أفحصين منزلك قال نعم قال فأعده موضعاً للمال وقوماً يحملونه وعاد الرجل إلى إياس فقال له انطلق إلى صاحبك فاطلب المال فإن أعطاك فذاك وأن جحدك فقل له أني أخبر القاضي فأتى الرجل صاحبه فقال مالي وإلا أتيت القاضي وشكوت إليه وأخبرته ما جرى فدفع إليه ماله فرجع الرجل إلى إياس فقال قد أعطاني المال وجاء الأمين إلى أياس فزبره وانتهره وقال لا تقربني يا خائن. وذكر الجاحظ أن إياس بن معاوية نظر إلى صدع في أرض فقال تحت هذا دابة فنظروا فإذا حية فقيل له من أين علمت قال رأيت ما بين الآجرتين نديا من بني جميع تلك الرحبة فعلمت أن تحتها شيئاً يتنفس. قال الجاحظ وحج إياس فسمع نباح كلب فقال هذا كلب مشدود ثم سمع نباحه فقال قد أرسل فانتهزوا إلى الماء فسألوهم فكان كما قال فقيل له من أين علمت قال كان بناحه وهو موثق يسمع من مكان واحد ثم سمعته يقرب مرة ويبعد أخرى ومر إياس ليلة بماء فقال اسمع صوت كلب غريب فقيل له كيف عرفته قال بخضوع صوته وشدة نباح الآخرين فسألوا فإذا كلب غريب والكلاب تنبحه.
حدثنا أبو سهل قال لم يشرك في القضاء بين أحد قط إلا بين عبد الله بن الحسن العنبري وبني عمر بن عامر على قضاء البصرة وكانا يجتمعان جميعاً في المجلس وينظران جميعاً بين الناس قال فتقدم إليهما قوم في جارية لا تثيب فقال فيها عمر بن عامر هذه ضئيلة وقال عبيد الله بن الحسن كل خالف ما عليه الخلقة فهو عيب.
أخبرنا يزيد بن هارون قال تقلد القضاء في بواسط رجل ثقة كثير الحديث فجاء رجل فاستودع بعض الشهود كيساً مختوماً ذكر أن فيه ألف دينار فلما حصل الكيس عند الشاهد وطالة غيبة الرجل قدر أنه قد هلك فهم بإنفاق المال ثم دبر وفتق الكيس من أسفله وأخذ الدنانير وجعل مكانها دارهم وأعاد الخياطة كما كانت وقدر أن الرجل وافى وطلب الشاهد بوديعته فأعطاه الكيس بختمه فلما حصل في منزله فض ختمه فصادف في الكيس دراهم فرجع إلى الشاهد فقال له عافاك الله أردد على مالي فإني استودعتك دنانير والذي وجدت دراهم مكانها فأنكره ذلك واستعدي عليه القاضي المقدم ذكره فأمر بإحضار الشاهد مع خصمه فلما حضرا سأل الحاكم منذ كم أودعته هذا الكيس قال منذ خمس عشرة سنة فأخذ القاضي الدراهم وقرأ سككها فإذا هي دراهم إليها ما قد ضرب منذ سنتين وثلاث ونحوها فأمره أن يدفع الدنانير إليه فدفعها إليه وأسقطه وقال له يا خائن ونادى مناديه إلا أن فلان بن فلان القاضي قد أسقط فلان بن فلان الشاهد فاعلموا ذلك ولا يغترن به أحد بعد اليوم فباع الشاهد أملاكه في بواسط وخرج عنها هاربا فلم يعلم له خبر ولا أحس منه أثر.
أخبرنا أبو محمد القرشي قال استودع رجل رجلاً مالاُ ثم طلبه فجحده فخاصمه إلى إياس بن معاوية فقال الطالب إني دفعت المال إليه قال ومن حضر قال دفعته في مكان كذا وكذا ولم يحضرنا أحد قال فأي شيء في ذلك الموضع قال شجرة قال فانطلق إلى ذلك الموضع وانظر الشجرة فلعل الله تعالى يوضح لك هناك ما يتبين به حقك لعلك دفنت مالك عند الشجرة ونسيت فتتذكر إذا رأيت الشجرة فمضى الرجل قال إياس للمطلوب اجلس حتى يرجع خصمك فجلس واياس يقضي وينظر إليه ساعة ثم قال له يا ذا أترى صاحبك بلغ موضع الشجرة الذي ذكر قال لا قال يا عدو الله إنك لخائن قال أقلني أقالك الله فأمر من يحتفظ به حتى جاء الرجل فقال له إياس قد أقر لك بحقك فخذه.
حدثنا ابن السماك قال اختصم إلى قاضي القضاة الشامي يوماً رجلان وهو بجامع المنصور فقال أحدهما أني أسلمت إلى هذا عشرة دنانير فقال للأخر ما تقول قال ما أسلم إلى شيئاً فقال للطالب هل لك بينة قال لا قال ولا سلمتها إليه بعين أحد قال لا لم يكن هناك إلا الله عز وجل قال فأين سلمتها إليه قال بمسجد بالكرخ فقال للمطلوب أتحلف قال نعم قال للطالب قم إلى ذلك المسجد الذي سلمتها إليه فيه وائتني بورقة من مصحف لأحلفه بها فمضى الرجل واعتقل القاضي الغريم فلما مضت ساعة التفت القاضي إليه فقال تظن أنه قد بلغ ذلك المسجد فقال لا ما بلغ إليه فكان هذا كالإقرار فالزمه بالذهب فأقربه.
حدثنا أبو العيناء قال ما رأيت في الدنيا أقوم على أدب من ابن أبي داود ما خرجت من عنده يوماً فقال يا غلام خذ بيده بل كان يقول يا غلام اخرج معه فكنت افتقد هذه الكلمة عليه فلا يخل بها ولا اسمعها من غيره. ذكر أبو علي عيسى بن محمد الطوماري أنه سمع أبا حازم القاضي سمعت أبي يقول ولي يحيى بن أكثم قضاء البصرة وسنة عشرون أو نحوها فقال له أحدهم كم سنو القاضي قال فعلم أنه قد استصغر فقال له أنا أكبر من عتاب بن أسيد الذي وجه به النبي صلى الله عليه وسلم قاضياً على أهل مكة يوم الفتح وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجه به النبي صلى الله عليه وسلم قاضياً على أهل اليمن وأنا أكبر من كعب بن سور الذي وجه به عمر بن الخطاب قاضياً على أهل البصرة.
حدثنا ابن الليث قال باع رجل من أهل خراسان جمالاً بثلاثين ألف درهم من مرزبان المجوسي وكيل أم جعفر فمطله بثمنها وحبسه فطال ذلك على الرجل فأتى بعض أصحاب حفص بن غياث فشاوروه فقال اذهب إليه فقل له أعطني ألف درهم وأحيل عليك بالمال الباقي واخرج إلى خراسان فإذا فعل هذا فأنني حتى أشاور عليك ففعل الرجل فأتى مرزبان فأعطاه ألف درهم فرجع إلى الرجل فأخبره فقال عد إليه فقل له إذا ركبت غداً فطريقك على القاضي فأحضر وأوكل رجلاً بقبض المال وأخرج فإذا جلس إلى القاضي فادع عليه بما بقي لك من المال ففعل ذلك فحسبه القاضي فأخرجته أم جعفر وقالت لهارون قاضيك حبس وكيلي فمره لا ينظر في الحكم فأمر لها بالكتاب وبلغ حفصاً الخبر فقال للرجل أحضر لي شهوداً حتى أسجل لك على المجوسي قبل ورود كتاب أمير المؤمنين فحضر فقال للرجل مكانك فلما فرغ من السجل أخذ الكتاب فقرأه وقال للخادم اقرأ على أمير المؤمنين السلام وأخبره أن كتابه ورد وقد أنقذت الحكم.
حدثنا المدايني قال كان المطلب بن محمد الحنظبي على قضاء مكة وكان عند امرأة قد مات عندها أربع أزواج فمرض مرض الموت فجلست عند رأسه تبكي وقالت إلى من توصي بي قال إلى السادس الشقي. قال المؤلف وبلغنا أن رجلاً جاء إلى أبي حازم فقال له أن الشيطان يأتيني فيقول إنك قد طلقت زوجتك فيشككني فقال له أوليس قد طلقتها قال لا قال ألم تأتيني أمس فطلقتها عندي فقال والله ما جئتك إلا اليوم ولا طلقتها بوجه من الوجوه قال فاحلف للشيطان إذا جاءك كما حلفت لي وأنت في عافية. قال أبو محمد يحيى بن محمد بن سليمان بن فهد الأزدي حدثني من أثق به أن قاضياً من القضاة سألته زوجته أن يبتاع لها جارية فتقدم إلى النخاسين بذلك فحملوا إليه عدة جوار فاستحسن أحدهن فأشار على زوجته بها قال ابتاعها لك من مالي فقالت مالي إليه حاجة ولكن خذ هذه الدنانير فابتعها لي بها وأعطته مائة دينار فأخذها فعزلها في مكان وخرج فاشتراها لنفسه وأعطى ثمنها من ماله وكتب عهدتها باسمه واعلم الجارية بذلك سراً واستكتمها فكانت زوجته تستخدمها فإذا أصاب خلوة من زوجته وطئ على الجارية فاتفق يوماً أنها صادفته فوقها فقالت له ما هذا يا شيخ سوءزان أما تتقي الله أما أنت من قضاة المسلمين فقال أما الشيخ فنعم وأما الزنا فمعاذ الله وأخرج عهدة الجارية باسمه عرفها الحيلة وأخرج دنانيرها بختمها فعرفت صحة ذلك ولم تزل تداريه حتى باعها.
أخبرنا التنوخي عن أبيه قال سمعت قاضي القضاة بالسائب يقول كان ببلدنا همدان رجل مستور فأحب القاضي قبول قوله فسأله عنه فزكى له سراً وجهراً فراسله في حضور المجلس ليقبل قوله وأمر بأخذ خطه في كتب ليحضر فيقيم الشهادة فيها وجلس القاضي وحضر الرجل مع الشهود فلما أراد إقامة الشهادة لم يقبله القاضي فسئل القاضي عن سبب ذلك فقال انكشف لي أنه مراء فلم يسعني قبول قوله فقيل له وكيف، قال كان يدخل إلي في كل يوم فاعد خطواته من حيث تقع عيني عليه من داري إلى مجلسي فلما دعوته اليوم للشهادة جاء فعددت خطاه من ذلك المكان فإذا هي قد زادت خطوتين أو ثلاثاً فعلمت أنه متصنع فلم أقبله.
قال أبو بكر الصولي حدثنا أبو العيناء قال كان الأفشين يحسد أبا دلف ويبغضه للفروسية والشجاعة فاحتال عليه حتى شهد عليه عنده بخيانة وقتل فأحضر السياف فبلغ ابن أبي داود فركب مع من حضر من عدوله فدخل على الأفشين ثم قال أني رسول أمير المؤمنين إليك وقد أمرك أن لا تحدث في القاسم بن عيسى حدثا حتى تحمله إليه مسلماً ثم التفت إلى العدول فقال اشهدوا أني قد أديت الرسالة عن أمير المؤمنين إليه فلم يقدم الأفشين عليه وسار ابن أبي داود إلى المعتصم فقال يا أمير المؤمنين لقد أديت عنك رسالة لم تقلها لي ما أعتد بعمل خير خير منها وإني لأرجو لك الجنة بها ثم أخبره الخبر فصوب به رأيه ووجه من أحضر القاسم فأطلقه ووهب له وعنف الأفشين فيما عزم عليه. قال ابن قتيبة شهد الفرزدق عند بعض القضاة فقال قد أجزنا شهادة أبي فراس وزيدونا فقيل له حين انصرف والله ما أجاز شهادتك. تقدم رجلان إلى أبي ضمضم القاضي فادعى أحدهما على الآخر طنبوراً وأنكر المدعي عليه فقال المدعي لي بينة فجاء برجلين فشهدا فقال المدعي عليه أيها القاضي سلهما عن صناعتها فقال أحدهما أنا نباذ وقال الآخر هو قواد فالتفت القاضي إلى المدعي عليه فقال له أتريد على طنبور أعدل من هذين قم فأعطه طنبورا. اختصهم رجلان في شاة وكل واحد منهما قد أخذ بإذنها فجاء رجل فقالا قد رضينا بحكمك يرجع فيما أحكم به فحلفا فقال خلياها فخلياها فأخذ بأذنها وساقها فجعلا ينظران إليه ولا يقدران على كلامه.
قال المؤلف بلغنا عن أبي عمر القاضي أنه قلد بعض الأعيان القضاء فذكر عنده بأشياء لا تليق بالقضاء فأراد صرفه فعوتب على ذلك وقيل له أن صح عندك ما رمى به فاعزله فقال ما صح عندي ولا بد من صرفه قيل ولم ذاك قال أليس قد احتمل عرضه أن يقال فيه مثل هذا وتشبهت صورته بصورة من إذا رمى بهذا يغاران يشك فيه والقضاء أرق من هذا فصرفه دخل أحمد بن أبي داود على الواثق فقال له كان عندي الساعة محمد بن عبد الملك الزيات فذكرك بكل قبيح فقال الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي أحوجه إلى الكذب عن قول الصدق على ورغبتي عنه. تقدم رجل إلى بعض القضاة ليشهد في كتاب بمهر فقال له القاضي ما اسمك قال المسيب فقال اليوم لا.
الباب الثالث عشر
في سياق المنقول من ذلك عن علماء هذه الأمة وفقهائها
فمن المنقول عن الشعبي قال مجاهد دخل الشعبي الحمام فرأى داود الأزدي بلا مئزر فغمض عينيه فقال داود متى عميت يا أبا عمر وقال منذ هتك الله سترك ودخل الشعبي على عبد الملك بن مروان قال منذ هتك الله سترك ودخل الشعبي على عبد الملك بن مروان الماء البارد ثم قال كم عطاك فقلت ألفي درهم فجعل يسار أهل الشام ويقول لحن العراقي ثم قال كم عطاؤك لأرد قولي فيغلطني فقلت ألفاً درهم فقال ألم تقل ألفي درهم فقلت لحنت يا أمير المؤمنين فلحنت لأني كرهت أن تكون راجلاً وأكون فارساً فقال صدقت واستحيا من المنقول عن ابراهيم النخعي قال الشيخ حدثنا المبارم بن علي قال حدثنا جرير عن مغيرة قال كان ابراهيم إذا طلبه إنسان لا يحب أن يلقاه وخرجت الخادم فقالت اطلبوه في المسجد قال القرشي حدثني الأعمش عن إبراهيم قال أتاه رجل فقال إني ذكرت رجلاً بشيء فبلغه عني فكيف لي أن أعتذر إليه قال تقول والله أن والله ليعلم ما قلت من ذلك من شيء. قال إبراهيم بن هاشم عن رجل قد سماه قال كنا إذا خرجنا من عند إبراهيم يقول إن سئلتم عني فقولوا لا ندري أين هو فإنكم إذا أخرجتم لا تدرون أين أكون ومن المنقول عن الأعمش أخبرنا جرير قال جئنا الأعمش يوماً فوجدناه قاعداً في ناحية فجلسنا في ناحية أخرى وفي الموضع خليج من ماء المطر فجاء رجل عليه سواد فلما بصر بالأعمش وعليه فروة حقيرة قال قم عبرني هذا الخليج وجذب بيده فأقامه وركبه وقال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين فمضى به الأعمش حتى توسط به الخليج ثم رمى به وقال وقل رب أنزلني منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين ثم خرج وترك المسود يتخبط في الماء.
حدثنا أبو بكر بن عياش قال كان الأعمش إذا صلى الفجر جاءه القراء فقرؤوا عليه وكان أبو حصين أمامهم فقال الأعمش يوماً أن أبا حصين يتعلم القراءة منا لا يقوم من مجلسه كل يوم حتى يفرغ ويتعلم بغير شكر ثم قال لرجل ممن يقرأ عليه إن أبا حصين يكثر أن يقرأ بالصافات في صلاة الفجر فإذا كان غدا فاقرأ على الصافات واهمز الحوت فلما كان من الغد قرأ عليه الصافات وهمز الحوت ولم يأخذ عليه الأعمش فلما كان بعد يومين أو ثلاثة قرأ أبو حصين بالصافات في الفجر فلما بلغ الحوت همز فلما فرغوا من صلاتهم ورجع الأعمش إلى مجلسه دخل عليه بعض إخوانه فقال له الأعمش يا أبا فلان لو صليت معنا الفجر لعلمت ما لفي الحوت من هذا المحراب فعلم أبو الحصين ما الذي فعل به فأمر بالأعمش فسحب حتى أخرج من المسجد قال وكان أبو حصين عظيم القدر في قومه من بني أسد.
أخبرنا أبو الحسن المدايني قال جاء رجل إلى الأعمش فقال يا أبا محمد اكتريت حماراً بنصف درهم فأتيتك لا سألك عن حديث كذا وكذا فقال أكثر بالنصف وارجع ومن المنقول عن أبي حنيفة رضى الله تعالى عنه أخبرنا ابن المبارك قال رأيت أبا حنيفة في طريق مكة وشوى لهم فصيل ثمين فاشتهوا أن يأكلوه بخل فلم يجدوا شيا يصبون فيه الخل فتحيروا فرأيت أبا حنيفة وقد حفر في الرمل حفرة وبسط عليها السفرة وسكب الخل على ذلك الموضع فأكلوا الشواء بالخل فقالوا له تحسن كل شيء فقال عليكم بالشرك فإن هذا شيء ألهمته لكم فضلاً من الله عليكم.
حدثنا محمد بن الحسن قال دخل اللصوص على رجل فأخذوا متاعه واستحلفوه بالطلاق ثلاثا أن لا يعلم أحداً قال فاصبح الرجل وهو لا يرى اللصوص يبيعون متاعه وليس يقدر أن يتكلم من أجل يمينه فجاء الرجل يشاور أبا حنيفة فقال له أبو حنيفة أحضرني أمام حيك والمؤذن والمستورين منهم فأحضره إياهم فقال لهم أبو حنيفة هل تحبون أن يرد الله على هذا متاعه قالوا نعم قال فاجمعوا كل ذي فجر عندكم وكل متهم فأدخلوهم في دار أو في مسجد ثم أخرجوا وأحداً واحداً فقولوا هذا لصك فإن كان ليس بلصه وإن كان لصه فليسكت فإذا سكت فاقبضوا عليه ففعلوا ما أمرهم به أبو حنيفة فرد الله عليه جميع ما سرق منه.
حدثنا حسين الأشقر قال كان بالكوفة رجل من الطالبين من خيارهم فمر بأبي حنيفة فقال له أين تريد قال أريد ابن أبي ليلى قال فإذا رجعت ناحب أن أراك وكانوا يتبركون بدعائه فمضى إلى ابن أبي ليلى ثلاثة أيام وإذ رجع مر بأبي حنيفة فدعاه وسلم عليه فقال له أبو حنيفة ما جاء بك ثلاثة أيام إلى ابن أبي ليلى فقال شيء كتمته الناس فأملت أن يكون لي عنده فرج فقال أبو حنيفة قل ما هو قال أني رجل موسر وليس لي من الدنيا إلا ابن كلما زوجته امرأة طلقها وإن اشتريت له جارية اعتقها قال فما لي ما عندي في هذا شيء فقال أبو حنيفة اقعد عندي حتى أخرجك من ذلك فقرب إليه ما حضر عنده فتغدى عنده ثم قال له ادخل أنت وابنك إلى السوق فأي جارية أعجبته ونالت يدك ثمنها فاشترها لنفسك لا تشترها له ثم زوجها منه فإن طلقها رجعت إليك وإن اعتقها لم يجز عتقه وإن ولدت ثبت نسبه إليك قال وهذا جائز قال نعم هو كما قلت فمر الرجل إلى ابن أبي ليلى فأخبره فقال هو كما قال لك، وعن أبي يوسف قال دعا المنصور أبا حنيفة، فقال الربيع حاجب المنصور وكان يعادي أبا حنيفة يا أمير المؤمنين هذا أبو حنيفة يخالف جدك كان عبد الله بن عباس يقول إذا حلف على اليمين ثم استثنى بعد ذلك بيوم أو يومين جاز الاستثناء وقال أبو حنيفة لا يجوز الاستثناء إلا متصلاً باليمين فقال أبو حنيفة يا أمير المؤمنين إن الربيع يزعم أن ليس لك في رقاب جندك بيعة قال وكيف قال يحلفون لك ثم يرجعون إلى منازلهم فيتثنون فتبطل أيمانهم فضحك المنصور وقال يا ربيع لا تعرض لأبي حنيفة فلما خرج أبو حنيفة قال له الربيع أردت أن تشيط بدمي قال لا ولكنك أردت أن تشيط بدمي فخلصتك وخلصت نفسي.
حدثنا عبد الواحد بن غياث قال كان أبو العباس الطوسي سيء الرأي في أبي حنيفة وكان أبو حنيفة يعرف ذلك فأقبل عليه فقال يا أبا حنيفة إن أمير المؤمنين يدعو الرجل منا فيأمره بضرب عنق الرجل لا يدري ما هو أيسعه أن يضرب عنقه فقال يا أبا العباس أمير المؤمنين يأمر بالحق أو الباطل قال بالحق قال انفذ الحق حيث كان ولا تسأل عنه ثم قال أبو حنيفة لمن قرب منه إن هذا أراد أن يوثقني فربطته. حدثنا علي بن عاصم قال دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره فقال للحجام تتبع مواضع البياض لا تزد قال ولم، قال لأنه يكثر فتتبع مواضع السواد لعله يكثر.
حدثنا يحيى بن جعفر قال سمعت أبا حنيفة يقول احتجت إلى ماء بالبادية فجاءني أعرابي ومعه قربة من ماء فأبى أن يبيعها إلا بخمسة دراهم فدفعت إليه خمسة دراهم وقبضت القربة ثم قلت يا أعرابي ما رأيك في السويق فقال هات فأعطيته سويقاً ملتوياً بالزيت فجعل يأكل حتى امتلأ ثم عطش فقال شربة قلت بخمسة دراهم فلم أنقصه من خمسة دراهم على قدح من ماء فاسترددت الخمسة وبقي معي الماء.
حدثنا عبد المحسن ابن علي قال ذكر أبو حنيفة وفطنته فقال استودع رجل من الحجاج رجلاً بالكوفة وديعة فحج ثم رجع فطلب وديعته فأنكر المستودع وجعل يحلف له فانطلق الرجل إلى أبي حنيفة يشاوره فقال لا تعلم أحداً بجحوده قال وكان المستودع يجالس أبا حنيفة فخلا به وقال له أن هؤلاء قد بعثوا يستشيروني في رجل يصلح للقضاء فهل تنشط فتمانع الرجل قليلاً وأقبل أبو حنيفة يرغبه فانصرف على ذلك وهو طمع ثم جاء صاحب الوديعة فقال له أبو حنيفة اذهب إليه وقل له أحسبك نسيتني أودعتك في وقت كذا والعلامة كذا قال فذهب الرجل فقال له فدفع إليه الوديعة فلما رجع المستودع قال أبو حنيفة أني نظرت في أمرك فأردت أن أرفع قدرك ولا اسميك حتى يحضر ما هو أجل من هذا.
حدثنا ابن الوليد قال كان في جوار أبي حنيفة فتى يعتني مجلس أبي حنيفة ويكثر الجلوس عنده فقال يوماً لأبي حنيفة أني أريد التزويج إلى فلان من أهل الكوفة وقد خطبت إليهم وقد طلبوا مني من المهر فوق وسعي وطاقتي وقد تعلقت نفسي بالتزويج فقال أبو حنيفة فاستخر الله تعالى وأعطهم ما يطلبونه منك فأجابهم إلى ما طلبوه فلما عقدوا النكاح بينهم وبينه جاء إلى أبي حنيفة فقال له أني قد سألتهم أن يأخذوا مني البعض وليس في وسعي الكل وقد أبوا أن يحملوها إلا بعد وفاء الدين كله فماذا ترى قال احتل وافترض حتى تدخل بأهلك فإن الأمر يكون أسهل عليك من تشدد هؤلاء القوم ففعل ذلك واقرضه أبو حنيفة فيمن اقرضه فلما دخل بأهله وحملت إليه قال أبو حنيفة ما عليك أن تظهر أنك تريد الخروج عن هذا البلد إلى موضع بعيد وأنك تريد أن تسافر بأهلك معك فاكترى الرجل جملين وجاء بهما وأظهر أنه يريد الخروج إلى خراسان في طلب المعاش وأنه يريد حمل أهله معه فاشتد ذلك على أهل المرأة وجاؤوا إلى ابن حنيفة ليسألوه ويستعينوه في ذلك فقال لهم أبو حنيفة له أن يخرجها ليسألوه ويستعينوه في ذلك فقال لهم أبو حنيفة له أن يخرجها إلى حيث شاء قالوا له ما يمكننا أن ندعها تخرج فقال لهم أبو حنيفة فأرضوه بأن تردوا عليه ما أخذتموه منه فأجابوه إلى ذلك فقال أبو حنيفة للفتى أن القوم قد سمحوا أن يردوا عليك ما أخذوه منك من المهر ويبرؤك منه فقال له الفتى وأنا أريد منهم شيئاً آخر فوق ذلك فقال أبو حنيفة أيما أحب إليك أن ترضى بهذا الذي بذلوه لك وإلا أقرت المرأة لرجل يدين لا يمكنك أن تحملها ولا تسافر بها حتى تقضي ما عليها من الدين قال فقال الرجل الله الله لا يسمعوا بهذا فلا آخذ منهم شيا فأجاب إلى الجلوس وأخذ ما بذلوه من المهر.
أخبرنا أحمد بن الدقاق قال بلغني أن رجلاً من أصحاب أبي حنيفة أراد أن يتزوج فقال أهل المرأة نسأل عنه أبا حنيفة فأوصاه أبو حنيفة فقال إذا دخلت علي فضع يدك على ذكرك ففعل ذلك فلما سألوه عنه قال قد رأيت في يده ما قيمته عشرة آلاف درهم. وبلغنا أن رجلاً جاء إلى أبي حنيفة فشكا له أنه دفن مالاً في موضع ولا يذكر الموضع فقال أبو حنيفة ليس هذا فقهاً فاحتال لك فيه ولكن اذهب فصل الليلة إلى الغداة فإنك ستذكره إن شاء الله تعالى ففعل الرجل ذلك فلم يمض إلا أقل من ربع الليل حتى ذكر الموضع فجاء إلى أبي حنيفة فأخبره فقال قد علمت أن الشيطان لا يدعك تصلي حتى تذكر فهلا أتممت ليلتك شكر الله عز وجل ومن المنقول عن ابن عون قال أبو بكر القرشي حدثنا ابن مثنى أن ابن عون كان في جيش فخرج رجل من المشركين فدعا للبراز فخرج إليه ابن عون وهو متلثم فقتله لم اندس فجهد الوالي أن يعرفه فمل يقدر عليه فنادى مناديه أعزم على من قتل هذا المشرك إلا جاءني فجاءه ابن عون فقال وما على الرجل أن يقول أنا قتلته. وعن يحيى بن يزيد قال جاء شرطي يطلب رجلاً من مجلس ابن عون فقال يا أبا عون فلاناً رأيته قال ما في كل الأيام يأتينا فذهب وتركه ومن المنقول عن هشام بن الكلبي أخبرنا محمد بن أبي السرى قال قال لي هشام بن الكلبي حفظت ما لم يحفظ أحد ونسيت ما لم ينسه أحد كان لي عم يعاتبني على حفظ القرآن فدخلت بيتاً وحلفت أن لا أخرج منه حتى أحفظ القرآن فحفظته في ثلاثة أيام ونظرت يوماً في المرآة فقبضت على لحيتي لآخذ ما دون القبضة فأخذت ما فوق القبضة ومن المنقول عن عمارة بن حمزة بلغنا عن عمارة بن حمزة أنه دخل على المنصور فجلس على مرتبته المرسومة له فقام رجل فقال مظلوم يا أمير المؤمنين فقال من ظلمك قال عمارة غصبني ضيعتي فقال المنصور قم يا عمارة فاجلس مع خصمك قال ما هو لي بخصم قال وكيف وهو يتظلم منك قال إن كانت لي فقد تركتها له ولا أقوم من مجلس شرفني أمير المؤمنين بالرفعة فيه فاجلس في أدناه بسبب ضيعة ومن المنقول عن ابن المبارك رضى الله عنه قال ابن حميد قال عطس رجل عند ابن المبارك فلم يحمد الله فقال له ابن المبارك أي شيء يقول العاطس إذا عطس قال الحمد لله قال يرحمك الله.
ومن المنقول عن أبي يوسف رحمه الله تعالى حدثنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال حدثني أبي قال كان عند الرشيد جارية من جواريه وبحضرته عقد جوهر فأخذ يقلبه ففقده فاتهمها فسأله عن ذلك فأنكرت فحلف بالطلاق والعتاق والحج لتصدقته فأقامت على الإنكار وهو متهم لها وخاف أن يكون قد حنث في يمينه فاستدعى أبا يوسف وقص عليه القصة فقال أبو يوسف بتخليني مع الجارية وخادم معنا حتى أخرجك من يمينك ففعل ذلك فقال لها أبو يوسف إذا سألك أمير المؤمنين عن العقل فأنكريه فإذا أعاد عليك السؤال فقولي قد أخذته فإذا أعاد عليك الثالثة فأنكري وخرج فقال للخادم لا تقل لأمير المؤمنين ما جرى وقال للرشيد سلها يا أمير المؤمنين ثلاث دفعات متواليات عن العقد فإنها تصدقك فدخل الرشيد فسألها فأنكر أول مرة وسألها الثانية فقالت تصدقك فدخل الرشيد فسألها فأنكرت أول مرة وسألها الثانية فقالت نعم قد أخذته فقال أي شيء تقولين فقالت والله ما أخذته ولكن هكذا قال لي أبو يوسف فخرج إليه فقال ما هذا قال يا أمير المؤمنين قد خرجت من يمينك لأنها أخبرتك أنها قد أخذته وأخبرتك أنها لم تأخذه فلا يخلو أن تكون صادقة في أحد القولين وقد خرجت أنت من يمينك فسر ووصل أبا يوسف فلما كان بعد مدة وجد العقد وبلغنا أن الرشيد قال لأبي يوسف ما تقول في الفالوذج واللورينج أيها أطيبن فقال يا أمير المؤمنين لا أقضي بين غائبين عني فأمر بإحضارهما فجعل أبو يوسف يأكل من هذا لقمة ومن ذاك أخرى حتى نصف جاميهما ثم قال يا أمير المؤمنين ما رأيت خصمين أجدل منهما كلما أردت أن أسجل لأحدهما أدلى الآخر بحجة.
ومن المنقول عن يزيد بن هارون قال أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان قال قال لي يزيد بن هارون أنت أثقل عندي من نصف رحى البزر قلت يا أبا خالد لم لم تقل من الرحى كله فقال أنه إذا كان صحيحاً تدحرج وإذا كان نصفاً لم يرفع إلا بجهد ومن المنقول عن الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه حدثنا الحسن بن الصياح قال لما أن قدم الشافعي إلى بغداد وأوفق عقد الرشيد للأمين والمأمون على العهد قال فبكر الناس ليهنوا الرشيد فجلسوا في دار العامة ينتظرون الأذن فجعل الناس يقولون كيف ندعو لهما فإنا إذا فعلنا ذلك كان دعاء على الخليفة وإن لم ندعو لهما كان تقصيراً قال فدخل الشافعي فجلس فقيل له في ذلك الله الموفق فلما إذن دخل الناس فكان أول متكلم فقال:
لا قصراً عنها ولا بلغنها ... حتى يطول على يديك طولها
قال عبد العزيز بن أبي رجاء سمعت الربيع يقول مرض الشافعي فدخلت عليه فقلت يا أبا عبد الله قوى الله ضعفك فقال يا أبا محمد والله لو قوى الله ضعفي على قوتي أهلكني قلت يا أبا عبد الله ما أردت إلا الخير لو دعوت الله ما أردت إلا الخير فقال لو دعوت الله على لعلمت أنك لم ترد إلا الخير قال المؤلف من فقه الشافعي رضى الله عنه أنه أخذ بظاهر اللفظ فعلم أنه إذا نوى الضعف حصل الأذى وقد جاءني حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم رجلاً دعاء فقال قل اللهم قوفي رضاك ضعفي إلا أن معناه قوماً ضعف وفي هذا نوع تجوز والربيع تجوز والشافعي قصد الحقيقة.
حدثنا الربيع قال رأيت الشافعي وقد جاءه رجل يسأله عن مسألة فقال من أهل صنعاء أنت قال نعم قال فلعلك حداد قال نعم. حدثنا حرملة بن يحيى قال سمعت الشافعي وقد سأله رجل فقال حلفت بالطلاق أن أكلت هذه الثمرة أو رميت بها قال تأكل نصفها وترمي نصفها.
قال المؤلف وهذا المنقول عن الشافعي هو قول أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه وقد ذكر أصحابنا من جنس هذه المسألة كثيراً لا يكاد يتنبه له في الفتوى إلا الفطن فتذكر منه ههنا مسائل لأن ذكر مثل هذا ينبه الفطن فمنها إذا قال لزوجته وهي في ماء أن أقمت في هذا الماء فأنت طالق وأن خرجت منه فأنت طالق فإننا ننظر فإن كان الماء جارياً ولا نية له لم تطلق سواء خرجت أو أقامت وإن كان راكداً فالحيلة أن تحمل في الحال مكرهة فإن كانت على سلم فقال لها إن صعدت فيه أو نزلت أو أقمت أو رميت نفسك أو حطك أحد فأنت طالق فإنها تنتقل إلى سلم آخر فإن أكل رطباً كثيراً قم قال أنت طالق إن لم تخبريني بعدد ما أكلت فخلاصها أن تعد من واحد إلى عدد يتحقق إن ما أكله قد دخل فيه فإن أكل رطباً فقال لها أنت طالق إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت وقد اختلط فإنها تفرد كل نواة على حدة فإن قال لها أنت طالق أن لم تصدقيني هل سرقت مني أم لا فإنها إذا قالت سرقت ما سرقت لم تطلق فإن كان له ثلاث زوجات فاشترى لهن خمارين فاختصمن عليهما قال أنتن طوالق إن لم تختمر كل واحدة منكن عشرين يوماً في هذا الشهر فالوجه أن تختمر الكبرى والوسطى بالخمارين عشرة أيام ثم تدفع الكبرى الخمار إلى الصغرى ويبقى خمار الوسطى إلى تمام عشرين يوماً ثم تأخذ الكبرى خمار الوسطى إلى تمام الشهر مسألة إذا سافر بالنسوة سفراً قدره ثلاثة فراسخ ومعه بغلان فاختصمن على الركوب فحلف بالطلاق لتركبن كل واحدة منكن فرسخين فتركب الكبرى والوسطى فرسخاً ثم تنزل الوسطى وتركب الكبرى مكانها وتركب الصغرى مكان الوسطى إلى تمام المسافة وتركب الوسطى مكان الكبرى عند تمام الفرسخين والله أعلم مسألة إذا حمل إلى بيته ثلاثين قارورة عشرة ملأى وعشرة في كل واحدة نصفها وعشرة فرغ ثم قال انتن طوالق إن لم أقسمها بينكن بالسوية من غير أن استعين على القسمة بميزان ولا مكيال فإنه يملأ خمساً من المنصفات بالخمس الآخر ثم يدفع إلى كل واحدة خمسة مملوءة وخمسة فرغاً فإن رأى مع زوجته إناء فيه ماء فقال اسقنيه فامتنعت فحلف بالطلاق لا شربت هذا الماء ولا أرقيته ولا تركتيه في الإناء ولا فعل غير ذلك فالحيلة أن تطرح في الإناء ثوباً يشرب الماء ثم يجفف في الشمس فإن حلف رجل إن امرأته بعثت إليه قد حرمت عليك وتزوجت بغيرك وأوجبت عليك أن تبعث بالمملوك في تجارة فمات الأب فإن البنت ترثه وينفسخ نكاح العبد وتقضي العدة وتتزوج برجل فتبعث إليه أنفذ لي المال الذي معك فهو لي.
فإن كان له زوجتان أحدهما في الغرفة والأخرى في الدار فصعد في الدرجة فقالت كل واحدة إلي فحلف لا صعدت إليك ولا نزلت إليك ولا أقمت مكاني ساعتي هذه فإن التي في الدار تصعد والتي في الغرفة تنزل وله أن يصعد أو ينزل إلى أيتهما شاء، فإن حلف على زوجته لا أدخل بيتك بارية ولا وطئتك إلا على بارية فوطئها في البيت ولم يحنث فوجهه أن يحمل إلى بيته قصباً وينسج له الصانع بارية في البيت ويطأها عليه فإن حلف لا بد أن يطأ زوجته نهار يوم ولا يغتسل فيه من جنابة مع قدرته على استعمال الماء ولا تفوته الصلاة في الجماعة مع الإمام فإنه يصلي مع الإمام الفجر والظهر والعصر ومن يطأ بعد العصر فإذا غربت الشمس اغتسل وصلى مع الإمام فإن حلف إني رأيت رجلاً يصلي أمام بنفسين وهو صائم فالتفت عن يمينه فنظر إلى قوم يتحدثون فحرمت عليه امرأته وبطل صومه ووجب جلد المأمومين ونقض الجامع فهذا رجل تزوج بامرأة قد غاب زوجها وشهد المأمومان بوفاته وأنه وصى بداره أن تجعل مسجداً وكان مقيماً صائماً فالتفت فرأى زوج المرأة قد قدم والناس يقولون خرج يوم الصوم وجاء يوم العيد وهو لم يعلم بأن هلال شوال قد رؤى إلى جانبه ماء وعلى ثوبه نجاسة فإن المرأة تحرم عليه بقدوم زوجها وصومه يبطل بكون اليوم عيداً وصلاته تبطل برؤية الماء ويجلد الرجلان لكونهما شاهدي زور ويجد نقض المسجد لأن الوصية ما صحت والدار لمالكها، فإن كان عنده تمر وتين وزبيب ووزن الجميع عشرين رطلاً فحلف أنه باع التمر كل رطل بنصف درهم والتين كل رطل بدرهمين والزبيب كل رطل بثلاثة دراهم فجاء ثمن الجميع عشرين درهماً فإنه قد كان الثمر أربع عشرة رطلا والتين خمسة أرطال والزبيب رطل واحد.
ومن المنقول عن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي قال محمد بن يحيى النديم حدثنا المبرد قال سأل المأمون يحيى بن المبارك عن شيء فقال لا وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين فقال لله درك ما وضعت واوقط موضعاً أحسن منها في هذا الموضع ووصله وجمله ومن المنقول عن أبي العيناء أخبرنا محمد بن يحيى قال حدثنا أبو العيناء قال، قال المتوكل قد أردتك لمجالستي فقلت لا أطيق ذلك ولا أقول هذا جهلاً بمالي في هذا المجلس من الشرف ولكنني محجوب والمحجوب تختلف إشارته ويخفى عليه الإيماء ويجوز أن يتكلم بكلام غضبان ووجهك راض وبكلام راض ووجهك غضبان ومتى لم أميز هذين هلكت قال صدقت ولكن تلزمنا فقلت لزوم الفرض الواجب فوصلني بعشرة آلاف درهم.
قال وروى أن المتوكل قال أشتهي أن أنادم أبا العيناء لولا أنه ضرير فقال أبو العيناء أن عفاني أمير المؤمنين من رؤية الهلال ونقش الخواتم فإن أصلح وبلغنا عن أبي العيناء أنه شكا تأخر رزقه إلى عبد الله بن سليمان فقال ألم يكن كتبنا لك إلى فلان فما فعل في رأيك قال جرني على شوك المطل قال أنت اخترته قال وما علي وقد اختار موسى قومه سبعين رجلاً فما كان فيهم رشيد فأخذتهم الرجفة واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي سرح كاتباً فلحق بالكفار مرتداً واختار على أبا موسى فحكم عليه.
شكا بعض الوزراء كثرة الأشغال فقال أبو العيناء لا رآني الله يوم فراغك وقيل لأبي العيناء بقي من يلقى قال نعم في البئر وسأل أبو العيناء عن حماد بن زيد بن درهم وعن عماد بن سلمة ابن دينار فقال بينهما في القدر ما بين أبوابهما في الصرف ومن المنقول عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري حدثنا غلام لابن المرزوق البغدادي قال كان مولاي مكرماً لي فاشترى جارية وزوجنيها فأحببتها حباً شديداً وأبغضتني بغضاً شديداً عظيماً وكانت تنافرني دائماً واحتملها إلى أن أضجرتني يوماً فقلت لها أنت طالق ثلاثاً أن خاطبتيني بشيء إلا خاطبتك بمثله فقد أفسدك احتمالي لك فقالت لي في الحال أنت طالق ثلاثا بتاتاً قال فأبلست ولم أدر ما أجيبها به خوفاً أن أقول لها مثل ما قالت فتصير بذلك طالقاً مني فأرشدت إلى أبي جعفر الطبري فأخبرته بما جرى فقال أقم معها بعد أن تقول لها أنت طالق ثلاثاً أن أنا طلقتك فتكون قد خاطبتك به فوفيت بيمينك ولم تطلقها ولا تعاود الإيمان. ومن المنقول عن علي بن عيسى الربيع أنه كان يمشي على دجلة فرأى الرضى والمرتضى في سفينة ومعهما عثمان بن جنى فقال من أجب أحوال الشريفين أن يكون عثمان جالساً بينهما وعلي يمشي على الشط بعيداً عنهما.
ومن المنقول عن أبي الوفاء بن عقيل رضي الله عنه حدثني أزهر بن عبد الوهاب قال جاء رجل إلى ابن عقيل فقال إني كلما انغمس في النهر غمستين وثلاثاً لا أتيقن أنه قد غمسني الماء ولا أني قد تطهرت فكيف أصنع قال له لا تصل فقيل له كيف قلت هذا قال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى ينتبه وعن المجنون حتى يفيق ومن ينغمس في النهر مرة أو مرتين أو ثلاثاً ويظن أنه ما اغتسل فهو مجنون.
قال حدثني أبو حكيم ابراهيم بن دينار عن ابن عقيل قال بلغني أن السلطان محمد بن علي عزم على القدوم إلى بغداد فخرجت متطيلساً فجلست على تل في طريقه فلما وصل سأل عني فقيل هذا ابن عقيل فانحرف فنزل وجلس معي وقال كنت أحب أن ألقاك وسألني عن مسائل في الطهارة ثم قال لخادمه أي شيء معك فأخرج خمسين دينار فقال تقبل هذه فقلت لست بمحتاج فإن أمير المؤمنين لا يحوجني إلى أحد ولا أقبلها فلما انصرفت إلى المنزل إذا خادم قد جاءني بمال من عند الخليفة وشكر فعلى قال وأنا علمت إن ثم من هو عين للخليفة يخبره بما جرى، وبلغني عن ابن عقيل أنه تعوق يوماً فاستوحشوا له فقال أنا صليت عند المنارة وإنما عنى صناديق بيته ومنارة بيته ومن المنقول عن بعض الفقهاء إن رجلاً قال له إذا نزعت ثيابي ودخلت النهر اغتسل أتوجه إلى القبلة أم إلى غيرها قال توجه إلى ثيابك التي نزعتها.
الباب الرابع عشر
في سياق المنقول من ذلك عن العباد والزهاد
حدثنا جعفر الخلدي قال سمعت الجنيد يقول: سمعت السري يقول اعتللت بطرسوس علة الذرب فدخل على هؤلاء القراء يعودوني فجلسوا فأطالوا فآذاني جلوسهم ثم قالوا إن رأيت أن تدعو الله فمددت يدي فقلت اللهم علمنا أدب العيادة حدثنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي قال سمعت يوسف بن الحسين يقول قيل لي إن ذا النون يعرف اسم الله الأعظم فدخلت مصر وخدمته سنة ثم قلت يا أستاذي أني قد خدمتك وقد وجب حقي عليك وقيل لي أنك تعرف اسم الله الأعظم وقد عرفتني ولا تجد له موضعاً مثلي فأحب أن تعلمني إياه قال فسكت عني ذو النون ولم يجبني وكأنه أومأ إلي أنه يخبرني قال، فتركني بعد ذلك ستة أشهر ثم أخرج لي من بيته طبقاً ومكبة مشدوداً في منديل وكان ذو النون يسكن الجيزة فقال تعرف فلاناً صديقنا من الفسطاط قلت نعم قال فأحب أن تؤدي هذا إليه قال فأخذت الطبق وهو مشدود وجعلت أمشي طول الطريق وأنا متفكر فيه مثل ذي النون يوجه إلى فلان بهدية ترى أي شيء هي فلم أصبر إلى أن بلغت الجسر فحللت المنديل ورفعت المكبة فإذا فارة قفزت من الطبق ومرت قال فاغتظت غيظاً شديداً وقلت ذو النون يسخر بي ويوجه مع مثلي فارة فرجعت على ذلك الغيظ فلما أن رآني عرف ما في وجهي فقال يا أحمق إنما جربناك ائتمنتك على فارة فخنتني أفأئتمنك على اسم الله الأعظم مر عني فلا أراك.
الباب الخامس عشر
في سياق المنقول من ذلك عن العرب
وعلماء العربية
حدثنا علي بن المغيرة قال لما حضرت نزار بن معد الوفاة قسم ماله بين بنيه وهم أربعة مضر وربيعة وإياد وأنمار فقال يا بني هذه القبة الحرماء وهي من آدم وما أشبهها من المال لمضر فسمي مضر الحمراء وهذا الخباء الأسود وما أشبه من المال لربيعة فأخذ خيلادهما فسمى ربيعة الفرس وهذه الخادم وما أشبه من المال لربيعة فأخذ خيلادهما فسمى ربيعة الفرس وهذه الخادم وما أشبهها من المال لأياد وكانت الخادم شمطاء فأخذ إياد البلق وهذه البدرة والمجلس لأنمار يجلس فيه فأخذ أنمار ما صار له وقال لهم إن أشكل الأمر عليكم في ذلك واختلفتم في القسمة فعليكم بالأفعى الجرهمي فاختلفوا فتوجهوا إلى الأفعى فبينما هم يسيرون إذ رأى مضر كلاء قد رعى إياد وهو ابتر وقال أنمار وهو شرود فلم يسيروا إلا قليلاً حتى لقيهم رجل توضع به راحلته فسألهم عن البعير فقال مضر هو أعور قال نعم قال ربيعة هو أزور قال نعم قال إياد هو ابتر قال نعم قال أنمار هو شرود قال نعم هذه والله صفة بعيري دلوني عليه فحلفوا له أنهم ما رأوه فلزمهم وقال كيف أصدقكم وأنتم تصفون بعيري بصفته فساروا حتى قدموا على نجران فنزلوا بالأفعى الجرهمي فنادى صاحب البعير أصحاب بعيري وصفوا لي صفته ثم قالوا لم نره فقال الجرهمي كيف وصفتموه ولم تروه فقال مضر رأيته يرعى جانباً ويدع جانباً فعرفت أنه أعور وقال ربيعة رأيت إحدى يديه ثابتة الأثر والأخرى فاسدة الأثر فعرفت أنه أفسدها بشدة وطئته لا زوراره وقال إياد عرفت بتره باجتماع بعره ولو كان ذيالاً لمصع بعره به وقال أنمار عرفت أنه شرود أنه كان يرعى في المكان الملتف نبته ثم يجوز إلى مكان آخر أرق منه وأخبث فقال الشيخ ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه ثم سألهم من هم فأخبروه فرحب بهم وقال تحتاجون إلي وأنتم كما أرى فدعا فلهم بطعام فأكل وأكلوا وشرب وشربوا فقال مضر لم أر كاليوم خمراً أجود لو لا أنها على قبر وقال ربيعة لم أر كاليوم مضر لم أر كاليوم خمراً أجود لولا أنها على قبر وقال ربيعة لم أر كاليوم لحماً أطيب لولا أنه ربي بلبن كلبة وقال إياد لم أر كاليوم رجلاً سرياً لولا أنه ليس لأبيه الذي يدعي له وقال أنمار لم أر كاليوم كلاماً أنفع من حاجتنا فلما سمع صاحبهم كلامهم فقال ما هؤلاء إلا شياطين فسأل أمه فأخبرته أنها كانت تحت ملك ولا يولد له ولد فكرهت أن يذهب الملك فأسكنت رجلاً نزل بهم من نفسها فوطئها وقال للقهرمان للخمر التي شربناها ما أمرها قال من حبة غرستها على قبر أبيك وسأل الراعي عن اللحم ما أمره فقال شاة أرضعناها من لبن كلبة ولم يكن ولد في الغنم شيء غيرها فأتاهم فقال قصوا قصتكم فقصوا عليه ما وصى به أبوهم وما كان من اختلافهم فقال ما أشبه القبة الحرماء من مال فهو لمضر فصارت له الدنانير والغبل وهن حمر فسميت مضر الحمراء وما أشبه الخباء الأسود من دابة ومال فهو لربيعة فصارت له الخيل ويه دعم فسمي ربيعة الفرس وما أشبه الخادم وكانت شمطاء من مال فيه بلق فهو لإياد فصارت له الماشية البلق من الخيل والبقر وقضى لأنمار بالدراهم والأرض فساروا من عنده على ذلك قال مؤلف الكتاب واعلم أن العرب تضرب المثل للذكي بالدهاء فيقولون ادعى من قيس بن زهير وهو سيد عبس وكان شديد الذكاء ومن كلامه أربعة لا يطاقون عبد ملك ونذل شبع وأمة ورثت وقبيحة تزوجت.
عن الشعبي قال خرج عمرو بن معد يكرب يوماً حتى انتهت إلى حي فإذا بفرس مشدودة ورمح مركوز وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجته فقلت له خذ حذرك فإن قاتلك قال ومن أنت قلت عمرو بن معد يكرب قال يا أبا ثور ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك وأنا في بئر فأعطني عهداً إنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري فأعطيته عهداً أن لا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره فخرج من المواضع الذي كان فيه حتى أحتبي بسيفه وجلس فقلت له ما هذا قال ما أنا براكب فرسي ولا مقاتلك فإن كنت نكثت عهداً فأنت أعلم فتركته ومضيت فهذا أحيل من رأيت.
عن أبي حاتم الأصمعي قال حدثنا شيخ من بني العنبرة قال أسرت بني شيبان رجلاً من بني العنبر فقال لهم أرسل إلى أهلي ليفدوني قالوا ولا تكلم الرسول إلا بين أيدينا فجاؤوه برسول فقال له ائت قومي فقل لهم أن الشجر قد أورق وأنا لنساء قد اشتكت ثم قال له أتعقل قال نعم اعقل قال فما هذا وأشار بيده فقال هذا الليل قال أراك تعقل انطلق فقل لأهلي عروا جملي الأصهب واركبوا ناقتي الحمراء وسلوا حراثة عن أمري فأتاهم الرسول فأرسلوا إلى حارثة فقص عليهم الرسول القصة فلما خلا معهم قال أما قوله أن الشجر قد أورق فإنه يريد أن القوم قد تسلحوا وقوله أن النساء قد اشتكت فإنه يريد أنها قد اتخذت الشكا للغزور وهي الأسقية وقوله هذا الليل يريد يأتوكم مثل الليل أو في الليل وقوله عروا جملي الأصهب يريد ارتحلوا عن الصمان وقوله اركبوا ناقتي يريد اركبوا الدهناء فلما قال لهم ذلك تحملوا من مكانهم فأتاهم القوم فلم يجدوا منهم أحد.
قال مؤلف الكتاب وبلغني عن أبي الأعرابي قال أسرت طيء رجلاً شاباً من العرب فقدم عليه أبوه وعمه ليفدياه فاشتطوا عليهما في الفداء فأعطيا به عطية لم يرضوها فقال أبوه لا والذي جعل الفرقدين يصبحان ويمسيان على جبل طيئ لا أزيدكم على ما أعطيتكم ثم انصرفا فقال الأب لقد ألقيت إلى ابني كلمة لئن كان فيه خير لينجون فما لبث أن جاء وطرد قطعة من أبلهم فذهب بها كأنه قال له الزم الفرقدين على جبل طيئ فإنهما طالعان عليه ولا يغيبان عنه.
حدثنا ابن الأعرابي عن بعض مشايخه أن رجلاً من بني تميم كانت له ابنة جميلة وكان غيوراً فابتنى لها في داره صومعة وجعلها فيها وزوجها من أكفائه من بني عمها وأن فتى من كنانة مر بالصومعة فنظر إليها ونظرت إليه فاشتد وجد كل واحد منهما بصاحبه ولم يمكنه الوصول إليها وأنه افتعل بيتاً من الشعر ودعا غلاماً من الحي فعلمه البيت وقال له ادخل هذه الدار وانشد كأنك لاعب ولا ترفع رأسك ولا تصوبه ولا تومئ في ذلك إلى أحد ففعل الغلام ما أمر به وكان زوج الجارية قد أزمع على سفر يوم أو يومين فأنشد الغلام يقول:
لحى الله من يلحي على الحب أهله ... ومن يمنع النفس اللجوج هواها
قال فسمعت الجارية ففهمت فقالت:
إلا إنما بين التفرق ليلة ... وتعطى هوس العاشقين مناها
قال فسمعت الأم ففهمت فأنشأت تقول:
إلا إنما تعنون ناقة رحلكم ... فمن كان ذا نوق لديه رعاها
قال فسمع الأبد فأنشأ يقول:
فأنا سنرعاها ونوثق قيدها ... ونطرد عنها الوحش حين أتاها
فسمع الزوج ففهم فأنشأ يقول:
سمعت الذي قلتم فها أنا مطلق ... فتاتكم مهجورة لبلاها
قال فطلقها الزوج وخطبها ذلك الفتى وأرغبهم في المهر فتزوجها.
حدثنا العتبي قال اشتد الحر عندنا بالبصرة ليلة وركدت الريح فقيل لإعرابي كيف هواؤكم البارحة قال امسك كأنه يستمع. حدثنا الربيع قال سمعت الشافعي يقول وقف إعرابي على قوم فقال رحمكم الله أني من أبناء سبيل وأفضاء سفر فرحم الله امرأ أعطى من سعة وواسى من كفاف فأعطاه رجل درهماً فقال له آجرك الله من غير أن يبتليك عن ابن الأعرابي قال، قال رجل من الأعراب لأخيه أتشرب الخازر من اللبن ولا تتنحنح فقال نعم فتجاعلا جعلاً فلما شربه أذاه فقال كبش أملح ونبت أقبح وأنا فيه أسجح فقال أخوه قد تنحنحت فقال من تنحنح فلا أفلح.
حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي قال قدم إعرابي من أهل البادية على رجل من أهل البادية على رجل من أهل الحضر قال فأنزله وكان عنده دجاج كثير وله امرأة وابنان وابنتان منهما قال فقلت لامرأتي اشوي لي دجاجة وقدميها لنا نتغدى بها فلما حضر الغداء جلسنا جميعاً أنا وامرأتي وابناي وابنتاي والأعرابي قال فدفعنا إليه الدجاجة فقلنا اقسمها بيننا نريد بذلك أن نضحك منه قال لا أحسن القسمة فإن رضيتم بقسمتي قسمت بينكم قلنا فإنا نرضى قال فأخذ رأس الدجاجة فقطعه ثم ناولنيه وقال الرأس للرئيس ثم قطع الجناحين قال والجناحان للابنين ثم قطع الساقين فقال والساقان للابنتين ثم قطع الزمكي وقال العجز للعجوز ثم قال الزور للزائر فأخذ الدجاجة بأسرها فلما كان من الغد قلت لامرأتي أشوي لنا خمس دجاجات فلما حر الغداء قلنا اقسم بيننا قال أظنكم وجدتم من قسمتي أمس قلنا لا لم نجد فاقسم بيننا فقال شفعا أو وتراً قلنا وتراً قال نعم أنت وامرأتك ودجاجة ثلاثة ورمى بدجاجة ثم قال وابناك ودجاجة ثلاثة ورمى الثانية ثم قال وابنتاك ودجاجة ثلاثة ثم قال وأبناك ودجاجة ثلاثة ورمى الثانية ثم قال وابنتاك ودجاجة ثلاثة ثم قال وأنا ودجاجتان ثلاثة فأخذ الدجاجتين فرآنا ونحن ننظر إلى دجاجتيه قال ما تنظرون لعلكم كرهتم قسمتي الوتر ما تجيء إلا هكذا قلنا فاقسمها شفعا قال فقبضهن إليه ثم قال أنت وابناك ودجاجة أربعة ورمى إليه بدجاجة والعجوز وابنتاها ودجاجة أربعة ورمى إليهن بدجاجة ثم قال وأنا وثلاث دجاجات أربعة وضم إليه ثلاث دجاجات ثم رفع رأسه إلى السماء وقال الحمد لله أنت فهمتها لي.
قال قيل لأعرابي كيف أصبحت قال أصبحت وأرى كل شيء مني في إدبار وإدباري في إقبال.
حدثني مهدي بن سابق قال اقبل أعرابي يريد رجلاً وبين يدي الرجل طبق تين فلما أبصر الإعرابي غطى التين بكسائه والإعرابي يلاحظه فجلس بين يديه فقال له الرجل هل تحسن من القرآن شيئاً قال نعم فاقرأ فقرأ والزيتون وطور سينين قال الرجل فأين التين قال التين تحت كسائك.
حدثنا عيسى بن عمر قال ولي إعرابي البحرين فجمع يهودها وقال ما تقولون في عيسى بن مريم قالوا نحن قتلناه وصلبناه قال فقال الإعرابي لا جرم فهل أديتم ديته فقالوا لا فقال والله لا تخرجون من عندي حتى تؤدوا إلي ديته فما خرجوا حتى دفعوها له.
حدثنا ابن قتيبة قال كان أبو العاج على حوالي البصرة فأتى برجل من النصارى فقال ما اسمك فقال بندار شهر بندار فقال أنتم ثلاثة وحزية واحدة لا والله العظيم فأخذ منه ثلاث حتى حزى قال وولى تبالة فصعد المنبر فما حمد الله ولا أثنى عليه حتى قال أن الأمير ولاتي بلدكم وأني والله ما أعرف من الحق موضع صوتي هذا ولن أوتي بظالم ولا مظلوم إلا أوجعتهما ضرباً فكانوا يتعاطون الحق بينهم ولا يرتفعون إليه.
قال روى أن أعرابياً جاء إلى عمرو بن عبيد فقال له أن ناقتي سرقت فادع الله أن يردها علي فقال اللهم أن ناقة هذا الفقير سرقت ولم ترد سرقتها اللهم أرددها عليه فقال الأعرابي يا شيخ الآن ذهبت ناقتي ويئست منها قال وكيف قال لأنه إذا أراد أن لا تسرق فسرقت لم آمن أن يريد رجوعها فلا ترجع ونهض من عنده منصرفاً.
استأذن حاجب بن زرارة على كسرى فقال له الحاجب من أنت قال أنا رجل من العرب فإذن له فلما وقف بين يديه قال له من أنت قال سيد العرب قال ألم تقل للحاجب أنا رجل منهم فلما وصلت إلى الملك سدتهمم فقال كسرى زه احشوافاه درا، قال الجاحظ قال رجل لأعرابي أتهمز إسرائيل قال أني أذن لرجل سوء قال تجر فلسطين، قال أني إذن لقوي، قال كتب أبو صاعد الشاعر إلى الغنوى رقعة فيها:
رأيت في النوم إني مالك فرساً ... ولي نصيف وفي كفي دنانير
فقال قوم لهم علم ومعرفة ... رأيت خيراً وللأحلام تفسير
أقصص منامك في دار الأمير تجد ... تحقيق ذاك وللفال التباشير
فلما قرأها كتب في ظهرها أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين.
قال أنشد رجل أبا عثمان المازني شعراً له قال كيف تراه، قال أراك قد عملت عملاً بإخراج هذا من جوفك لأنك لو تركته لأورثك الشك.
قيل نزل إعرابي في سفينة فاحتاج إلى البراز فصاح الصلاة الصلاة فقربوا إلى الشط فخرج فقضى حاجته ثم رجع قال ادفعوا فعليكم بعد وقت. وقف أعرابي على قوم فسألهم عن أسمائهم فقال أحدهم اسمي وثيق وقال الآخر منيع وقال الآخر اسمي ثابت وقال الآخر أسمي شديد فقال الأعرابي ما أظن الأقفال عملت إلا من أسمائكم.
قال هشام بن عبد الملك يوماً لأصحابه من يسبني ولا يفحش وهذا المطرف له وكان فيهم أعرابي فقال القه يا أحول فقال خذه قاتلك الله، وقف أبو العيناء على باب صاعد فقيل له هو يصلي فانصرف وعاد فقيل له في الصلاة فقال لكل جديد لذة.
سئل الحسن لأي شيء استحب صوم أيام البيض فقال لا أدري فقال أعرابي في حلقته لكني أدري قال وما هو قال لأن القمر لا ينكسف إلا فيهن فأحب الله عز وجل أن لا يحدث في السماء أمر ألا حدثت له في الأرض عبادة.
حضر إعرابي مائدة سليمان بن عبد الملك فجعل يمد يديه فقال له الحاجب كل مما بين يديك فقال من أجدب انتجع فشق ذلك على سليمان وقال لا يعد إلينا. ودخل إعرابي آخر فمد يديه فقال له الحاجب كل مما يليك فقال من أخصب تخير فأعجب ذلك سليمان وقضى حوائجه.
حدث ابن المدبر قال انفرد الرشيد وعيسى بن جعفر بن المنصور والفضل بن الربيع في طريق الصيد فلقوا إعرابياً فصيحاً فولع به عيسى إلى أن قال له يا ابن الزانية فقال له بئسما قلت قد وجب عليك ردها أو العوض فارض بهذين المليحين بحكمان بيننا قال عيسى قد رضيت فقالا للأعرابي خذ منه دانقين عوضاً من شتمك فقال هذا الحكم قال نعم قال فهذا درهم خذوه وأمكم جميعاً زانية وقد أرجحت لكم بدل ما وجب لي عليكم فغلب عليهم الضحك وما كان لهم سرور في ذاك النهار إلا حديث الأعرابي وضمه الرشيد إلى خاصته. سمع إعرابي رجلاً يروي عن ابن عباس أنه قلا من نوى حجة وعاقه عنها عائق كتبت له فقال الأعرابي ما وقع العام كراء أرخص من هذا.
نظر إعرابي إلى البدر في رمضان فقال سمنت فأهزلتني أراني الله فيك السل. ودعا إعرابي على عامل فقال صب الله عليك الصادات يعني الصفع والصرف والصلب. وقال إعرابي اللهم من ظلمني مرة فاجزه ومن ظلمني مرتين فأحزني وأجزه ومن ظلمني ثلاث مرات فاجزني ولا تجزه وقال إعرابي لامرأته أين بلغت قدركم قالت قد قام خطيبها تعنى الغليان. وقف المهدي على عجوز من العرب فقال لها ممن أنت فقالت من طيئ فقال ما منع طياً أن يكون فيهم آخر مثل حاتم فقالت مسرعة الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك فعجب من سرعة جوابها وأمر لها بصلة. وقال الأصمعي سألت إعرابية عن ولدها كنت أعرفه مات والله قد آمنني الله بفقده المصائب ثم قالت:
وكنت أخاف الدهر ما كان باقياً ... فلما تولى مات خوفي من الدهر
سمع ابن الإعرابي رجلاً يقول أتوسل إليكم بعلي ومعاوية فقال فقال له جمعت بين ساكنين.
حدثنا محمد بن سعد قال كان الهرمزان من أهل فارس فلما انقضى أمر جلولاً خرج يزد جرد من حلوان إلى أصبهان ثم أتى اصطخر ووجهه الهرمزان إلى بلدة تستر فضبطها وتحصن في القلعة وحاصرهم أبو موسى ثم أهل القلعة على حكم عمر فبعث أبو موسى بالهرمزان وعنه اثنا عشر أسيراً من العجم عليهم الديباج ومناطق الذهب وأسورة الذهب فقدم بهم المدينة في زيهم ذلك فجعل الناس يعجبون فأتوا بهم منزل عمر فلم يصادفوه فجعلوا يطلبونه فقال الهرمزان بالفارسية قد ضل ملككم فقيل لهم هو في المسجد فدخلوا فوجدوه نائماً متوسداً رداءه فقال الهرمزان إن هذا ملككم قالوا هذا الخليفة قال أماله حاجب ولا حارس قالوا الله حارسه حتى يأتي عليه أجله فقال الهرمزان هذا الملك الهني فقال عمر الحمد لله الذي أذله هذا وشيعته بالإسلام فاستسقى الهرمزان فقال عمر لا يجمع عليك القتل والعطش فدعا له بماء فأمسك بيده فقال عمر اشرب لا بأس عليك أني غير قاتلك حتى تشربه فرمى بالإناء من يده فأمر عمر بقتله فقال أولم تؤمني قال وكيف قال قلت لي لا بأس عليك فقال الزبير وأنس وأبو سعيد صدق فقال عمر قاتله الله أخذ أمانا ولا أشعر ثم أسلم بعد ذلك الهرمزان. عن عيد الملك بن عمير قال سمعت المغيرة بن شعبة يقول ما خدعني قط غير غلام من بني الحرث بن كعب فإني ذكرت امرأة منهم وعندي شاب من بني الحرث فقال أيها الأمير أنه لا خير لك فيها فقلت ولم قال رأيت رجلا يقبلها فأقمت أياماً ثم بلغني أن الفتى تزوج بها فأرسلت إليه فقلت ألم تعلمني انك رأيت رجلا يقبلها قال بلى رأيت أباها يقبلها فإذا ذكرت الفتى وما صنع غمني ذلك.
قال الهيثم وأخبرنا الفرات بن الأخنف بن مرح العبدي عن أبيه أن رجلا خكب إلى قوم فقالوا ما تعالج قال أبيع الدواب فزوجوه صم سألوا عنه فإذا هو يبيع السنانير فخاصموه إلى شريح فقال السنانير دواب وأنقذ تزويجه. أخبرنا الأصمعي أن محمد بن الحنيفة أراد أن يقدم الكوفة أيام المختار فقال المختار حين بلغه ذلك أن في المهدي علامة يضربه رجل في السوق بالسيف فلا يظهر فلما بلغ ذلك محمد أقام ولم يقدم الكوفة.
أخبرنا داود بن الرشيد قال قلت للهيثم بن عدي بأي شيء استحق سعيد بن عثمان أن ولاه المهدي القضاء وأنزله منه تلك المنزلة الرفيعة قال أن خبره في اتصاله بالمهدي ظريف فإن أحببت شرحته لك قال قلت والله قد أحببت ذلك قال أعلم أنه وافى الربيع الحاجب حين أفضت الخلافة إلى المهدي فقال استأذن على أمير المؤمنين فقال له الربيع من أنت وما حاجتك قال أنا رجل قد رأيت لأمير المؤمنين رؤيا صالحة وقد أحببت أن تذكروني له فقال له الربيع يا هذا أن القوم لا يصدقون ما يرونه لأنفسهم فيكف ما يراه لهم غيرهم، فاحتل بحيلة هي أرد عليك من هذه فقال له إن لم تخبره بمكاني سألت من يوصلني إليه فأخبرته أني سألتك الأذن عليه فلم تفعل فدخل الربيع على المهدي فقال له يا أمير المؤمنين أنكم قد أطعمتم الناس في أنفسكم على المهدي فقال له يا أمير المؤمنين أنكم قد أطمعتم الناس في أنفسكم فقد احتالوا لكم بكل ضرب قال له هكذا صنع الملوك فما ذاك، قال رجل بالباب يزعم أنه قد رأى لأمير المؤمنين رؤيا حسنة وقد أحب أن يقصها عليه فقال له المهدي ويحك يا ربيع أني والله أرى الرؤيا لنفسي فلا تصح لي فيكف إذا ادعاها من لعلة قد افتعلها قال والله قلت له مثل هذا فلم يقبل قال هات الرجل فأدخل إليه سعيد بن عبد الرحمن وكان له رؤية وجمال ومروءة ظاهرة ولحية عظيمة ولسان فقال له المهدي هات بارك الله عليك ماذا رأيت قال رأيت يا أمير المؤمنين آتيا أتاني في منامي فقال لي أخبر أمير المؤمنين المهدي أنه يعيش ثلاثين سنة في الخلافة وآية ذلك أنه يرى في ليلته هذه في منامه كأنه يقلب يواقيت ثم يعدها فيجدها ثلاثين ياقوتة كأنها قد وهبت له فقال المهدي ما أحسن ما رأيت ونحن نمتحن رؤياك في ليلتنا المقبلة على ما أخبرتنا به فإن كان الأمر على ما ذكرته أعطيناك ما تريد وإن كان الأمر بخلاف ذلك لعلمنا أن الرؤيا ربما صدقت وربما اختلفت قال له سعيد يا أمير المؤمنين فما أنا أصنع الساعة إذا صرت إلى منزلي وعيالي فأخبرتهم إني كنت عند أمير المؤمنين ما أحب وأحلف له بالطلاق أني قد صدقت فأمر له بعشرة آلاف درهم وأمر أن يؤخذ منه كفيل ليحضره من غد ذلك اليوم فقبض المال وقيل من يكفل بك فمد عينيه إلى خادم فرآه حسن الوجه والزي فقال هذا يكفل بي فقال له المهدي أتكفل به فاحمر وخجل وقال نعم وكفله وانصرف فلما كان في تلك الليلة رأى المهدي ما ذكره له سعيد حرفاً حرفاً وأصبح سعيد في الباب واستأذن فأذن له فلما وقعت عين المهدي عليه قال أين مصداق ما قلت لنا قال له سعيد وما رأى أمير المؤمنين شيئاً فضجع في جوابه فقال سعيد امرأتي طالق إن لم تكن رأيت شيئاً قال له المهدي ويحك ما أجرأك على الحلف بالطلاق قال لأنني أحلف على صدق قال له المهدي فقد والله رأيت مبيناً فقال له سعيد الله أكبر فأنجز يا أمير المؤمنين ما وعدتني قال له حبا وكرامة ثم أمر له بثلاثة آلاف دينار وعشرة تخوت ثياب من كل صنف وثلاثة مراكب من أنفس دوابه محلاة فأخذ ذلك وانصرف فلحق به الخادم الذيكان كفل به وقال له سألتك بالله هل كان لهذه الرؤيا التي ذكرتها من أصل قال له سعيد لا والله قال الخادم كيف وقد رأى أمير المؤمنين ما ذكرته له قال هذه من المخاريق الكبار التي لا يأبه لها أمثالكم وذلك أني لما ألقيت إليه هذا الكلام خطر بباله وحدث به نفسه وأسر به قلبه وشغل به فكره فساعة نام خيل له ما حل في قلبه وما كان شغل به فكره في المنام قال له الخادم فقد حلفت بالطلاق قال طلقت واحدة وبقيت معي على اثنتين فأرد في مهر عشرة دراهم وأتخلص وأحصل على عشرة آلاف درهم وثلاثة آلاف دينار وعشرة تخوت من أصناف الثياب وثلاثة مراكب قال فبهت الخادم في وجهه وتعجب من ذلك فقال له سعيد قد صدقتك وجعلت صدقي لك مكافآتك على كفالتك بي فاستر على ذلك ففعل ذلك فطلبه المهدي لمنادمته فنادمه وحظي عنده وقلده القضاء على عسكر المهدي فلم يزل كذلك حتى مات المهدي قال مؤلف الكتاب هكذا رويت لنا هذه الحكاية.
عن عاصم الأحول قال حدثنا سمير أن رجلاً خطب امرأة وتحته أخرى فقالوا لا نزوجك حتى تطلق قال اشهدوا أني قد طلقت ثلاثاً فزوجوه وأقام على امرأته وادعى القوم الطلاق فقال لهم كيف قلت قالوا قلنا لا نزوجك حتى تطلق ثلاثاً فقلت اشهدوا أني قد طلقت ثلاثاً فقال أما تعلمونه أنه كان تحتي فلانة بنت فلان فطلقتها قالوا بلى قال فقد طلقت ثلاثاً قالوا ما هذا أردنا فلما وفد شقيق بن ثور إلى عثمان وقدم علينا شقيق أخبر أنه سأل عثمان عن ذلك فجعلها نية.
عن عوف بن مسلم النحوي عن أبيه قال خرج عمر بن محمد صاحب السند وأصحابه يسيرون في بلاد الشرك فرأوا شيخاً ومعه غلام وقد كان العدو ندر بهم فهربوا فقال عمر يا شيخ دلنا على قومك وأنت آمن من قال أخاف أن دللتك أن يسعى بي هذا الغلام إلى الملك فيقتلني وكلن أقتل هذا الغلام حتى أدلك فضرب عنق الغلام فقال الشيخ إنما كرهت أن لم أخبرك أنا أن يخبرك الغلام فالآن قد أمنت والله لو كانوا تحت قدمي ما رفعتها فضرب عنقه.
حدثنا الحسن بن عمارة قال أتيت الزهري بعد أن ترك الحديث فقلت أما أن تحدثني وأما أن أحدثك فقال حدثني فقلت حدثني الحكم بن عتبة عن يحيى بن الجزار قال سمعت علياً عليه السلام يقول ما أخذ الله عز وجل على أهل الجهل أني تنظموا حتى أخذ على أهل العلم أن يعلموا قال فحدثني أربعين حديثاً. حدثنا الحميدي قال كنا عن سفيان بن عيينة فحدثنا بحديث زمزم أنه لما شرب له فقام رجل من المجلس ثم عاد فقال له أبا محمد أليس الحديث بصحيح الذي حدثنا به في زمزم أنه لما شرب له فقال سفيان نعم فقال أني قد شربت الآن دلوا من زمزم على أن تحدثني بمائة حديث فقال سفيان أقعد فحدثه بمائة حديث.
حدثنا ابن أبي ذر قال كان الحاج إذا ورد جلس سفيان عيينة بباب بني هاشم على موضع عال ليرى الناس فجاء رجل من أصحاب الحديث فقعد بين يديه فقال يا أبا محمد حدثني فحدثه أحاديث فقال زدني فزاده فقال زدني فزاده فدفعه في صدره فوقع إلى الوادي فتفاشى ذلك فاجتمع الحاج وقال سفيان بن عيينة قتل رجلاً من الحاج فلما كثر ذلك أشفق سفيان فنزل إلى الرجل فترك رأسه في حجره وقال مالك أي شيء أصابك فلم يزل يركض رجليه ويزيد من فيه قال وكثر الضجيج سفيان بن عيينة قتل رجلاً فقال له قم ويلك أما ترى الناس يقولون فقال له وهو يخفي صوته لا والله أقوم حتى تحدثني مائة حديث عن الزهري وعمرو بن دينار ففعل فقال.
قال المحسن بن علي التنوخي عن أبيه قال حججت في موسم اثنين وأربعين فرأيت مالاً عظيماً وثياباً كثيرة تفرق في المسجد الحرام فقلت ما هذا فقالوا بخراسان رجل صالح عظيم النعمة والمال يقال له على الزراد انفذ عام أول مالاً وثياباً إلى ههنا مع ثقة له وأمره أن يعتبر قريشاً فمن وجده منها حافظاً للقرآن دفع إليه كذا وكذا ثومباً قال فحضر الرجل عام أول فلم يجد في قريش البتة أحداً يحفظ القرآن إلا رجلاً واحداً من بين هاشم فأعطاه قسطه وتحدث الناس بالحديث ورد باقي المال إلى صاحبه فلما كان في هذه السنة عاد بالمال والثياب فوجد خلقاً عظيماً من جميع بطون قريش قد حفظوا القرآن وتسابقوا إلى تلاوته بحضرته وأخذوا الثياب والدراهم فقد فنيت وبقي منهم من لم يأخذ وهم يطالبونه قال فقلت لقد توصل هذا الرجل إلى رد فضائل قريش عليها بما يشكره الله سبحانه له.
حدثنا إبراهيم بن عبد الله قال كنت في بيت عمتي ولها بنون فسألت عنهم فقالوا قد مضوا إلى عبد الله بن داود فابطؤا ثم جاؤوا يذمونه وقالوا طلبناه في منزله فلم نجده وقالوا هو في بستينة له فقصدناه وسلمنا عليه وسألناه أن يحدثنا فقال متعت بكم أنا في شغل عن هذا هذه البستينة لي فيها معاش وتحتاج أن تسقى وليس لنا من يسقيها فقلنا نحن ندير الدولاب ونسقيها فقال إن حضرتكم نية فافعلوا فأدرنا الدولاب حتى سقينا البستان ثم قلنا له حدثنا الآن فقال متعت بكم ليس لي نية في أن أحدثكم وأنت كانت لكم نية تؤجرون عليها.
أخبرنا علي بن الحسن عن أبيه قال أخبرني جماعة من شيوخ بغداد أنه كان بها في طرف الجسر سائلان أعميان أحدهما يتوسل بأمير المؤمنين علي والآخر بمعاوية ويتعصب لهما الناس ويجمعان القطع فإذا انصرفا فيقتسمان القطع وكانا يحتالان بذلك على الناس.
حدثنا عبد الواحد بن محمد الموصلي قالا حدثنا بعض فتيان الموصلي قال لما قتل ناصر الدولة أبا بكر بن رايق الموصلي نهب الناس داره بالموصل فدخلت لأنهب فوجدت كيساً فيه أكثر من ألف دينار فأخذته وخفت أن أخرج وهو معي كذلك فيبصرني بعض الجند فيأخذه مني فطفت الدار فوقعت على لمطبخ فمدت إلى قدرة كبيرة فيها سكباج فطرحت الكيس فيها وحملتها على يدي فكل من استقبلني نظر أني ضعيف قد حملني الجوع على أخذ تلك القدرة التي سلمت إلى منزلي.
وحدثني أبو الحسن بن عباس القاضي قال رأيت صديقاً على بعض زوارق الجسر ببغداد جالساً في يوم شديد الريح وهو يكتب رقعة فقلت ويحك في هذا الموضع وهذا الوقت قال أريد أن أزور على رجل مرتعش ويدي لا تساعدني فتعمدت الجلوس ههنا لتحرك الزورق بالموج في هذه الريح فجيء خطى مرتعشاً فيشبه خطه.
قال المحسن وحدثني أبو الطيب بن عبد المؤمن قال خرج بعض خذاق المكيدين من بغداد إلى حمص ومعه امرأته فلما حصل بها قال أن هذا بلد حماقة وأريد أن أعمل حيلة فتساعديني فقالت شانك قال كوني بموضعك ولا تجتازي بي البتة فإذا كان كل يوم فخذي لي ثلثي رطل زبيب وثلثي رطل لوز أنيا فاجنيه واجعليه وقت الهاجرة على آجرة جديدة نظيفة لا عرفها في الميضاة الفلانية وكانت قريبة من الجامع ولا تزيدين على هذا شيئاً ولا تمري بناحيتي فقالت افعل وجاء هو فاخرج جبة صوف كانت معه فلبسها وسراويل صوف ومئزراً وجعله على رأسه ولزم اسطوانة يمر الناس عليها فصلى نهاره أجمع وليلته أجمع لا يستريح إلا في الأوقات المحظور فيها الصلاة فإذا جلس فيها سبح ولم ينطق بلفظه فتنبه على مكانه وروعى مدة ووضعت العيون عليه فإذا هو لا يقطع الصلاة ولا يذوق الطعام فتحير أهل البلد في أمره وكان لا يخرج من الجامع إلا في وقت الهاجرة في كل يوم دفعة إلى تلك الميضا فيبول فيها ويعد إلى الآجرة وقد عرفها وعليها ذاك المعجبون وقد صار منحلاً وصرته صورة الغائط فمن يدخل ويخرج لا يشك أنه غائط فيأكله فيقيم أوده ويرجع فإذا كان وقت صلاة العتمة أو في الليل شرب من الماء قدر كفايته وأهل حمص يظنون أنه لا يطعم الطعام ولا يذوق الماء فعظم شأنه عندهم فقصدوه وكلموه فلم يجبهم وأحاطوا به فلم يلتفت واجتهدوا في خطابه فلزم الصمت فزاد مجلة عندهم حتى أنهم كانوا يتمسحون بمكانه ويأخذون التراب من موضعه ويحملون إليه المرضى والصبيان فيمسح بيده عليهم فلما رأى منزلته وقد بلغت إلى ذلك وكان قد مضى على هذا السمت سنة اجتمع مع امرأته في الميضاة قوال إذا كان يوم الجمعة حين يصلي الناس فتعالي فاعلق بي والطمي وجهي وقولي يا عدو الله يا فاسق قتلت ابني ببغداد وهربت إلى ههنا تتعبد وعبادتك مضروب بها وجهك ولا تفارقيني واظهري أنك تريدين قتلي بابنك فإن الناس سيجتمعون إليك وأمنهم أنا من أذيتك واعترف باني قتلته وتبت وجئت إلى ههنا للعبادة والتوبة والندم على ما كان مني فاطلبي قودي بإقراري وحملي إلى السلطان فيعرضون عليك الدية فلا تقبليها حتى يبذلوا لك عشر ديات أو ما استوى لك بحسب ما ترين من زيادتهم وحرصهم فإذا تناهت أعطيتهم في افتدائي إلى حد يقع لك أنهم لا يزيدون بعده شيئاً فاقبلي الفداء منهم واجمعي المال وخذيه واخرجي من يومك إلى بغداد ولا تقيمي بالبلد فإني سأهرب وأتبعك فلما كان من الغد جاءت المرأة فتعلقت به وفعلت به ما قال فقام أهل البلد ليقتلوها وقالوا يا عدوة الله هذا من الأبدال هذا قوم العالم هذا قطب الوقت فأومأ إليهم أن اصبروا ولا تناولوها بشر فصبروا وأوجز في صلاته ثم سلم وتمرغ في الأرض طويلاً ثم قال أيها الناس هل سمعتم لي كلمة منذ أقمت عندكم تائباً مما ذكرته وقد كنت رجلاً في دفع وخسارة فقتلت ابن هذه المرأة وتبت وجئت إلى ههنا للعبادة وكنت محدثاً نفسي بالرجوع لها لتقتلني خوفاً من أن تكون توبتي ما صحت وما زلت أدعو الله أن يقبل توبتي ويمكنها مني إلى أن أجيبت دعوتي باجتماعي بها وتمكينها من قودي فدعوها تقتلني واستودعكم الله قال فارتفعت الضجة والبكاء وهو مار إلى وإلى البلد ليقتله بابنها فقال الشيوخ يا قوم لقد ضللتم عن مداواة هذه المحنة وحراسة بلدكم بهذا العبد الصالح فارفقوا بالمرأة واسألوها قبول الدية نجمعها من أموالنا فطافوا بها وسألوها فقالت لا أفعل فقالوا خذي ديتين فقالت شرة من ابني بألف دية فما زالوا حتى بلغوا عشر ديات فقالت اجمعوا المال فإذا رأيته وطاب قلبي بقبوله فعلت وإلا قتلت القاتل فجمعوا مائة ألف درهم وقالوا خذيها فقالت لا أريد إلا قتل قاتل ابني في نفسي أثر فاقبل الناس يرمون ثيابهم وأرديتهم وخواتيمهم والنساء حليهن فأخذت ذلك وأبرأته من الدم وانصرفت وأقام الرجل بعد ذلك في الجامع أياماً يسيرة حتى علم أنها قد بعدت ثم هرب في بعض الليالي وطلب فلم يوجد ولا عرف له خبر حتى انكشف لهم أنه كان حيلة بعد مدة طويلة.
قال كان بالكوفة امرأة قد ضاق بزوجها المعاش فقالت له لو خرجت فضربت في البلاد وطلبت من فضل الله تعالى فخرج إلى الشام فكسب ثلاثمائة درهم فاشترى بها ناقة فارهة وكانت زعرة فأضجرته واغتاظ منها ومن زوجته حيث أمرته بالخروج فحلف بالطلاق ليبيعها يوم يدخل الكوفة بدرهم ثم ندم وأخبر زوجته فعمدت إلى سنور فعلقتها في عنق الناقة وقالت أدخلها السوق وناد عليها من يشتري هذا السنور بثلاثمائة درهم والناقة بدرهم ولا فرق بينهما ففعل فجاء إعرابي يدور حول الناقة ويقول ما أحسنك ما أفرهك لولا هذا السنور الذي في عنقك. وبلغنا عن أبي دلامة أنه دخل على المهدي فأنشده قصيدة فقال له سلني حاجتك فقال يا أمير المؤمنين تهب لي كلباً فغضب وقال أقول لك سلني حاجتك فتقول تهب لي كلباً فقال يا أمير المؤمنين الحاجة لي أم لك قال لا بل لك قال فإني أسألك أن تهب لي كلب صيد فأمر له بكلب فقال يا أمير المؤمنين هبني خرجت إلى الصيد أعدو على رجلي فأمر له بدابة فقال يا أمير المؤمنين فمن يقوم عليها فأمر له بغلام فقال يا أمير المؤمنين فهبني قصدت صيدا وأتيت به المنزل فمن يطبخه فأمر له بجارية فقال يا أمير المؤمنين هؤلاء أين يبيتون فأمر لهم بدار فقال يا أمير المؤمنين قد صيرت في عنقي كفاً أي جمعاً من عيال فمن أين ما يتقوت به هؤلاء قال فإن أمير المؤمنين قد أقطعك ألف جريب عامر وألف جريب غامراً قال أما العامر فقد عرفته فما الغامر قال الخراب الذي لا شيء فيه قال من ألقي جريب واحداً عامراً قال من أين قال من بيت المال فقال المهدي حولوا المال وأعطوه جريباً فقال يا أمير المؤمنين إذا حولوا منه المال صار غامر فضحك منه وأرضاه.
كان نصراني يختلف إلى الضحاك بن مزاحم فقال له يوماً لم لا تسلم قال لأني أحب الخمر ولا اصبر عنها قال فأسلم واشربها فاسلم فقال له الضحاك إنك قد أسلمت الآن فإن شربت حد دناك وأن رجعت عن الإسلام قتلناك.
وروى ضمرة عن شودب قال كان لرجل جارية فوطئها سراً ثم قال لأهله أن مريم كانت تغتسل في هذه الليلة فاغتسلوا فاغتسل هو واغتسل أهله قال الجاحظ كان رجل يرقى الضرس يسخر بالناس ليأخذ منهم شيئاً وكان يقول للذي يرقيه إياك أن يخطر على قلبك الليلة ذكر القرد فيبيت وجعاً فيبكر إليه فيقول لعلك ذكرت القرد فيقول نعم فيقول من ثم لم تنفع الرقية.
وبلغنا عن عقبة الأزدي أنه أتى بجارية قد جنت في الليلة التي أراد أهلها أن يدخلوها إلى زوجها فعزم عليها فإذا هي قد سقطت فقال لأهلها أخلو بي فقال لها اصدقيني عن نفسك وعلى خلاصك فقالت أنه قد كان لي صديق وأنا في بيت أهلي وأنهم أرادوا أن يدخلوا بي على زوجي ولست ببكر فخفت الفضيحة فهل عند حيلة في أمري فقال نعم ثم خرج إلى أهلها فقال إن الجني قد أجابني إلى الخروج منها فاختاروا من أي عضو تحبون أن أخرجه من أعضائها واعلموا أن العضو الذي يخرج منه الجني لا بد أن يهلك ويفسد فإن خرج من عينها عميت وإن خرج من رجلها عرجت وإن خرج من فرجها ذهبت عذرتها فقال أهلها ما نجد شيئاً أهون من ذهاب عذرتها فأخرج الشيطان من فرجها فأوهم أنه قد فعل ودخلت المرأة على زوجها.
لطم رجل الأحنف بن قيس فقال له لم لطمتني قال جعل لي جعل أن لطم سيد بيني تميم قال ما صنعت شيئاً عليك بحارثة بن قدامة فإنه سيد بني تميم فانطلق فلطمه فقطع يده وذلك ما أراده الأحنف. قال الشيخ حكى لنا أبو محمد الخشاب النحوي قال حاز بعض الحاكة على طبيب فرآها يصف لهذا النقوع ولهذا التمر هندي فقال من لا يحسن مثل هذا فرجع إلى زوجته فقال اجعلي عمامتي كبيرة فقالت ويحك أي شيء قد طرأ لك قال أريد أن أكون طبيباً قالت لا تفعل فإنك تقتل الناس فيقتلوك قال لا بد فخرج أول يوم فقعد يصف للناس فحصل قراريط فجا فقال لزوجته أنا كنت أعمل كل يوم بحبة فانظري إيش يحصل فقالت لا تفعل قال لا بد كان في اليوم الثاني اجتازت جارية فرأته فقالت لسيدتها وكانت شديدة المرض اشتهيت هذا الطبيب الجديد يداويك قالت ابعثي إليه فجاء وكانت المريضة قد انتهى مرضها ومعها ضعف فقال علي بدجاجة مطبوخة فجيء بها فأكلت فقويت ثم استقامت فبلغ هذا إلى السلطان فجاء به فشكا إليه مرضاً يشتكيه فاتفق أنه وصف له شيئاً أصلح به فاجتمع إلى السلطان هذا قد صلحت على يديه وصلحت الجارية على يديه وصلحت الجارية على يديه فلا أقبل قولكم قالوا فنجربه بمسائل قال افعلوا فوضعوا له مسائل وسألوه عنا فقال أن أجبتكم عن هذه المسائل لم تعلموا جوابها لأن الجواب لهذه المسائل لا يعرفه إلا طبيب ولكن أليس عندكم مارستان قالوا بلى قال أليس فيه مرضى لهم مدة قالوا بلى قال فأنا أداويهم حتى ينهض الكل قال أليس فيه مرضى لهم مدة قالوا بلى قال فأنا أداويهم حتى ينهض الكل في عافية في ساعة واحدة فهل يكون دليل على علمي أقوى من ذلك قالوا لا فجاء إلى باب المارستان وقال اقعدوا لا يدخل معي أحد ثم دخل وحده وليس معه إلى قيم المارستان فقال للقيم أنك والله إن تحدثت بما أعمل صلبتك وإن سكت أغنيتك قال ما انطق قال فأحلفه بالطلاق ثم قال عندك في هذا المارستان زيت قال نعم قال هاته فجاء منه بشيء كثير فصبه في قدر كبير ثم أوقد تحته فلما اشتد غليانه صاح بجماعة المرضى فقال لأحدهم أنه لا يصلح لمرضك إلا أن تنزل إلى هذا القدر فتقعد في هذا الزيت فقال المريض الله الله في أمري قال لا بد قال أنا قد شفيت وإنما كان بي قليل من صداع قال ايش يقعدك في المارستان وأنت معافى قال لا شيء قال فاخرج وأخبرهم فخرج يعدو ويقول شفيت بإقبال هذا الحكيم ثم جاء إلى آخر فقال لا يصلح لمرضك إلا أن تقعد في هذا الزيت فقال الله الله أنا في عافية قال لا بد قال لا تفعل وأخبر الناس بأنك في عافية فخرج يعدو ويقول شفيت ببركة الحكيم وما زال على هذا الوصف حتى أخرج الكل شاكرين له والله الموفق.
بلغنا أن امرأة كان لها عشيق فحلف عليها أن لم تحتالي حتى أطأك بمحضر من زوجك لم أكلمك فوعدته أو تفعل ذلك فواعدها يوماً وكان في دارهم نخلة طويلة فقالت لزوجها أشتهي أصعد هذه النخلة فاجتني من رطبها بيدي فقال افعلي فلما صارت في رأس النخلة أشرفت على زوجها يا فاعل من هذه المرأة التي معك ويلك أما تستحي تجامعها بحضرتي وأخذت تشتمه وتصيح وهو يحلف أنه وحده وما معه أحد فنزلت فجعلت تخاصمه ويحلف بطلاقها أنه ما كان إلا وحده ثم قال لها اقعدي حتى أصعد أنا فلما صار في رأس النخلة استدعت صاحبها فوطئها فأطلع الزوج فرأى ذلك فقال لها جعلت فداك لا يكون في نفسك شيء مما رميتيني به فإن كل من يصعد هذه النخلة يرى مثل ما رأيت.
وذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أن الفرزدق مر بامرأة وعليه ثوب وشي فتعرض لها فقالت جاريتها ما أحسن هذا البرد فقال هل لك أن أقبل مولاتك وأهب لها هذا البرد فقالت الجارية لمولاتها ماذا يضرك من هذا الإعرابي الذي لا يعرفه الناس فأذنت له فقبلها وأعطاها البرد ثم قال للجارية اسقني ماء فجاءته الجارية بماء في قدح زجاج ولما وضعته في يده ألقاه من يده فانكسر فقعد الفرزدق مكانه إلى أن جاء صاحب الدار فقال يا أبا فراس ألك حاجة قال لا ولكني استسقيت من هذه الدار ماء فأتيت بقدح من زجاج فوقع الإناء من يدي فانكسر فأخذوا بردي رهناً فدخل الرجل فشتم أهله وقال ردوا على الفرزدق برده.
الباب السابع عشر
في ذكر من احتال فانعكس عليه مقصوده
حدثنا ابراهيم قال ما أسن معاوية اعتراه أرق وكان إذا هو نام أيقظته النواقيس فلما أصبح ذات يوم ودخل الناس عليه قال يا معشر العرب هل فيكم من يفعل ما أمره به وأعطيه ثلاث ديات أعجلها له وديتين إذا رجع فقام فتى من غسان فقال أنا يا أمير المؤمنين قال تذهب بكتابي إلى ملك الروم فإذا صرت على بساطه أذنت قال ثم ماذا قال فقط قال لقد كلفت صغيراً وأعطيت كثيراً فلما خرج وصار على بساط قيصر أذن فحارت البطارقة واخترطوا سيوفهم فسبق إليه ملك الروم فجثى عليه وجعل يسألهم بحق عيسى وبحقه عليهم حتى كفوا ثم ذهب به إلى سريره حتى صعد به ثم جعله بين رجليه فقال يا معشر البطارقة إن معاوية قد أسن ومن أسن أرق وقد آذنته النواقيس فأراد أن يقتل هذا على الآذان فيقتل من ببلاده على ضرب النواقيس وبالله ليرجعن إليه على خلاف ما ظن فكساه وجمله فلما رجع إلى معاوية قال له أوقد جئتني سالماً قال أما من قبلك فلا. ويقال ما ولى المسلمين أحداً وملك الروم مثله أن حازماً وأن عاجزاً وكان الذي ملكه على عهد عمر بن الخطاب هو الذي دون لهم الدواوين ودوخ لهم العدو وكان الذي على عهد معاوية يشبه معاوية في حزمه وعمله.
حدثنا رجل من الجند قال خرجت من بعض بلدان الشام أريد قرية من قراها فلما صرت في الطريق وقد سرت عدة فراسخ تعبت وكنت على دابة وعليها خرجي ورحلي وقد قرب المساء فإذا بحصن عظيم وفيه راهب في صومعة فنزل إلي واستقبلني وسألني المبيت عنده وأن يضيفني ففعلت فلما دخلت الدير لم أجد فيه غيري فأخذ بدابتي وجعل رحلي في بيت وطرح للدابة الشعير وجاءني بماء حار وكان الزمان شديد البرد والثلج يسقط وأوقد بين يدي نار عظيمة وجاء بطعام طيب فأكلت ومضت قطعة من الليل فأردت النوم فسألته عن طريق النوم ثم سألته عن طريق المستراح فدلني على طريقه وكان في غرفة فمشيت فلما صرت على باب المستراح إذا بارية عظيمة فلما صارت رجلاي عليها نزلت فإذا أنا الليلة يسقط سقوطاً عظيماً فصحت فما كلمني فقمت وقد تجرح بدني إلا أني سالم فجئت فاستظللت بطاق عند باب الحصن من الثلج فإذا حجارة لو جاءتني وتمكنت من دماغي طحنته فخرجت أعدو وأصيح فشتمني فعلمت أن ذلك من جانبه وطمع في رحلي فلما خرجت وقع الثلج على وبل ثيابي ونظرت فإذا أنا تالف بالبرد والثلج فولد لي الفكر أن طلبت حجراً فيه نحو ثلاثين رطلاً فوضعته على عاتقي وأقلت أعدو في الصحراء شوطاً طويلاً حتى أتعب فإذا تعبت وحميت وعرقت طرحت الحجر وجلست استريح فإذا سكنت وأخذني البرد تناولت الحجر وسعيت كذلك إلى الغداة فلما كان قبل طلوع الشمس وأنا خلف الحصن إذ سمعت صوت باب الدير قد فتح وإذا أنا بالراهب وأنا خلف الحصن إذ سمعت صوت باب الدير قد فتح وإذا أنا بالراهب قد خرج وجاء إلى الموضع الذي قد سقطت منه فلما لم يرني قال يا قوم ما فعل وأنا أسمعه وأظنه المشوم قد رأى بقربه قرية فقام يمشي إليها كيف أعمل قال وأقبل يمشي فخالفته أنا إلى الباب ودخلت الحصن وقد مشى هو من ذاك المكان يطلبني حوالي الحصن فحصلت أنا خلف الحصن وقد كان في وسطي سكين لم يعلم بها الراهب فوقفت خلف الباب فطاف الراهب فلما لم يقف لي على أثر عاد ودخل وأغلق الباب فحين خفت أن يراني ثرت إليه وجاءته بالسكين فصرعته وذبحته وأغلقت باب الحصن وصعدت إلى الغرفة واصطليت بنار كانت موقودة هناك وطرحت علي من تلك الثياب وفتحت خرجي ولبست منه ثياباً وأخذت كساء الراهب فنمت فيه فما أفقت إلا قريب العصر ثم انتبهت فطفت الحصن حتى وقعت على طعام فأكلت وسكنت نفسي ووقعت بمفاتيح بيوت الحصن وأقبلت أفتح بيتاً بيتاً وإذا بأموال عظيمة من عين وورق وأمتعة وثياب وآلات ورحال قوم وإخراجهم وحمولاتهم وإذا الراهب من عادته تلك الحال مع كل من يجتازه وحيداً ويتمكن منه فلم ادر كيف أعمل في ثقل المال فلبست من ثياب الراهب شيئاً ووقفت في صومعته أياماً أترآى لمن يجتاز بي في الموضع من بعيد لئلا يشكوا في أني أنا هو فإذا قربوا لم أبرز لهم وجهي إلى أن خفي خبري ثم نزعت تلك الثياب وأخذت جوالقين مما كان في الدير من تلك الأمتعة وملاتهما مالاً وجعلتهما على الدابة وسقتها إلى أقرب قربة كانت واكتريت فيها منزلاً ولم أزل أنقل منه الصامت حتى حملته كله عدة أحمال وحمير ورجالة وجئت بهم دفعة واحدة وحملت كل ما قدرت عليه أحمال وحمير ورجالة وجئت بهم دفعة واحدة وحلمت كل ما قدرت عليه وسرت في قافلة عظيمة لنفسي بغنيمة هائلة حتى قدمت بلدي وقد حصل لي عشرة آلاف درهم ودنانير كثيرة مع فيمة لا متعة وغصت في الأرض فما عرف خبري.
عن علي بن الحسن عن أبيه حدثنا جماعة عن أهل جند نيسابور فيهم كتاب وتجار وغير ذلك أنه كان عندهم في سنة نيف وأربعين وثلاثمائة شاب من كتاب النصارى وهو ابن أبي الطيب القلانسي فخرج إلى بعض شأنه في الرستاق فأخذته الأكراد وعذبوه وطالبوه أن يشتري نفسه منهم فلم يفعل وكتب إلى أهله أنفذوا لي أربعة دراهم أفيون واعلموا أني أشربها فتحلقني سكتة فلا تشك إلى الأكراد أني قدمت فيحملوني إليكم وسوكوني بالأيارج فأني أفيق وكان الفتى متخلقاً وقد سمع أنه من شرب أفيوناً اسكت فإذا دخل الحمام وضرب وسوك بالايارج برئ فلم يعلم مقدار الشربة من ذلك فشرب أربعة دراهم فلم يشك الأكراد في موته فلفوه في شيء وأنفذوه إلى أهله فلما حصل عندهم أدخلوه الحمام وضربوه وسوكوه فما تحرك وأقام في الحمام أياً ورآه أهل الطب فقالوا قد تلف كم شرب أفيواً قالوا وزن أربعة دراهم فقالوا لهم هذا الوشوى في جهنم ما عاش إنما يجوز أن يفعل هذا بمن شرب أربعة دوانيق أفيونا أو وزن درهم أو حواليه فأما هذا فقد مات فلم يقبل أهله ذلك فتركوه في الحمام حتى أراح وتغير فدفنوه وانعكست الحيلة على نفسه.
قال المحسن وقد روى قديماً مثل هذا أن بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري كان في حبس الحجاج وكان يعذبه وكان كل من مات من الحبس رفع خبره إلى الحجاج فيأمر بإخراجه وتسليمه إلى أهله فقال بلال للسجان خذ مني عشرة آلاف درهم واخرج اسمي إلى الحجاج في الموتى فإذا أمرك بتسليمي إلى أهلي هربت في الأرض فلم يعرف الحجاج خبري وإن شئت أن تهرب معي فافعل وعلى غناك أبداً فأخذ السجان المال ورفع اسمه في الموتى فقال الحجاج مثل هذا لا يجوز أن يخرج إلى أهله حتى رآه هاته فعاد إلى بلال فقال اعهد قال وما الخبر قال أن الحجاج قال كيت وكيت فإن لم أحضرك إليه ميتاً قتلني وعلم أني أردت الحيلة عليه ولا بد أن أقتلك خنقاً فبكى بلال وسأله أن لا يفعل فلم يكن إلى ذلك طريق فأوصى وصلى فأخذه السجان وخنقه وأخرجه إلى الحجاج فلما رآه ميتاً وقال سلمه إلى أهله فأخذوه وقد اشترى القتل لنفسه بعشرة آلاف درهم ورجعت الحيلة عليه.
وذكر ابن حرير وغيره أن المنصور دفع عبد الله بن علي إلى عيسى بن موسى سراً بالليل قال يا عيسى أن هذا أراد أن يزيل نعمتي ونعمتك وأنت ولي عهدي بعد المهدي والخلافة صائرة إليك فخذه فاضرب عنقه وإياك أن تخور أو تضعف ثم كتب إليه ما فعلت فيما أمرتك به فكتب إليه قد أنفذت ما أمرتني به فلم يشك في أنه قتله وكان عيسى قد أخبر كاتبه بالحال فقال إنما أرد قتلك لأنه أرمك أن تقتله سراً ثم يدعيه عليك علانية فيقيدك به قال فما الرأي قال أن تستره في منزلك فإن طلبه منك علانية أظهرته علانية ثم إن المنصور دس على عمومته مني حركهم على مسألة عن عبد الله بن علي ويطمعهم في أنه سيفعل وكلموه ورافعوه فقال علي بعيسى بن موسى فأتاه فقال يا عيسى قد علمت أني دفعت إليك عبد الله بن علي وقد كلموني فيه فأتني به فقال يا أمير المؤمنين لم تأمرني بقتله ثم قال فادفعه إلينا تقيده قال شأنكم به فخرجوه إلى الراحبة واجتمع الناس فشهر أحدهم سيفه وتقدم إلى عيسى ليضربه فقال له عيسى أقاتلي أنت قال أي والله قال ردوني إلى أمير المؤمنين فردوه فقال إنما أردت بقتله أن تقتلني هذا عمك حي سوى فأتاه به.
حدثنا الحارثي قال اجتزت ببغداد في أيام المقتدر وأنا حدث مع جماعة من مجان أصحاب الحديث وإذا بخادم خصي جالس على دكه في الطريق وبين يديه أدوية ومكاحل ومباضع وعلى رأسه مظلة خرق كما يكون الطبيب فقلت لأصحابنا ما هذا فقالوا خادم طبيب يصف للناس ويعالج ويأخذ الدراهم وهذا من عجائب بغداد فقلت أنا أحب أن أخاطبه لأنظر كيف فهمه فقال واحد منهم فهمه لا أدري ولكن نحب أن تعبث به فتقدم إليه وتغاشى وتماوت وتمارض وقال يا أستاذ يا أستاذ دفعات فضجر الخادم وقال قولي لأشفاك الله ايش أصابك أي طاعون ضربك قال فقال له يا أستاذ أجد ظلمة في أحشائي ومغصاً في أطراف شعري وما آكله اليوم يخرج غداً مثل الجيفة فصف لي صفة لما أنا فيه قال وكان الخادم قد اعد الجواب فقال أما ما تجدين من مغص في أطراف شعرك فاحلقي رأسك ولحيتك حتى يذهب مغصك وأما ظلمة في أحشائك فعلقي على باب حجرك قنديلاً يضيء مثل الساباط وأما ما تأكليه اليوم يخرج غداء مثل الجيفة فكلي خراك واربحي النفقة قال فعطعط بنا العامة القيام وضحكوا بنا وانقلب الطنز الذي أردنا بالخادم وصار طنزا بنا فصار أقصى أرادتنا الهرب فهربنا.
حدثنا الحسين بن عثمان وغيره أن عضد الدولة بعث القاضي أبا بكر الباقلاني في رسالة إلى ملك الروم فلما ورد مدينته عرف الملك خبره وبين له محله من العلم فأفكر الملك في أمره ولعم أنه لا يفكر له إذا دخل عليه كما جرى رسم الرعية أن يقبل الأرض بين يدي الملك فنتجت له الفكرة أن يضع سريره الذي يجلس عليه وراء باب لطيف لا يمكن أحد أن يدخل منه إلا راكعاً ليدخل القاضي منه على تلك الحال عوضاً من تفكيره بين يديه فلما وصل القاضي إلى نكان فطن بالقصة فأراد ظهره وحنى رأسه ودخل من الباب وهو يمشي إلى خلفه وقد استقبل الملك بدبره حتى صار بين يديه رفع رأسه ونصب وجهه وأدار وجهه حينئذ إلى الملك فعلم الملك من فطنته وهابه.
وقد روينا أن مزينة أسرت ثابتاً أبا حسان الأنصاري وقالوا لا نأخذ فداءه إلا تيساً فغضب قومه وقالوا لا تفعل هذا فأرسل إليهم أعطوهم ما طلبوا فلما جاؤوا بالتيس قال أعطوهم أخاهم وخذوا أخاكم فسموا مزينة التيس فصار لهم لعباً وعبثاً، كان مهيار الشاعر الحي والمطرز الشاعر كوسجا فمر أبا بي الحسن الجهرمي فقال:
اضرط على الكوسج والألحى ... وزدهما أن غضبا سلحاً
وأراد أن يتهما فاق لله المطرز فيكف وقع لك أن تذكر علي بن أبي علي حاجب القادر بالله والحسن بن أحمد صاحب القادر بعد عي بن أبي علي وكان علي أحلى والحسن كوسجاً فانزعج الجهرمي وخاف أن يبلغه ذلك فيقابل عليه فكتب إلى مهيار الديلمي يستعطفه:
أبا السحن أصفح أن مثلي من جنى ... ومثلك من أعفى من العدو وعفا
أئن طوحت بي هفوة قلت جفوة ... وحملت سمعي من عتابك ما حفا
حدثني أبو بكر الخطاط قال كان رجل فقيه خطه في غاية الرداءة فكان الفكهاء من عيبهم إياه فمر يوماً بمجلد يباغ فيه خط أردأ من خطه فبالغ في ثمنه فاشتراه بدينار وقيراط وجاء به ليحتج عليهم إذا قرؤوه فلما حضر معهم أخذوا يذكرون قبح خطه فقال لهم قد وجدت أقبح من خطي وبالغت في ثمنه حتى أتخلص من عيبكم فأخرجه فتصفحوه وإذا في آخره اسمه وأنه كتبه في شبابه فخجل من ذلك. قال كان بالبصرة مغنية حذرها خمس دنانير وكانت مفرط في حسن الصورة والغناء إلا أنها بدوية تقلب القاف كافاً فدعيت لبعض أمراء البصرة فغنت ومالي لا أبكي وأندب. فجاء في كلامه وأندب ناكتي فقال الأمير وزناً خمسة دنانير فإذا كنت تندبيننا فما نريد أن تقيمي عندنا فصرفها وقد خجلت والله أعلم.
الباب الثامن عشر
في ذكر من وقع في آفة فتخلص منها بالحيلة ذكر أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه استعمل رجلاً من قريش على عمل فبلغه أنه قال:
استني شربة ألذ عليها ... واسق بالله مثلها ابن هشام
فأشخصه إليه وذكر أنه إنما أشخصه من أجل البيت فضم إليه آخر فلما قدم عليه قال الست القائل:
اسقني شربة ألذ عليها ... واسق بالله مثلها ابن هشام
قال نعم يا أمير المؤمنين
لعله عسلاً بارداً بماء سحاب ... أنني لا أحب شرب المدام
قال الله قال الله قال ارجع إلى عملك.
قال حدثني عبيد رواية الأعشى قال خرج النعمان إلى ظهر الحيرة وكان معشباً وكانت العرب تسميه خد العذراء فيه نبت الشيخ والقيصوم والخزامي والزعفران وشقائق النعمان والأقحوان فمر بالشقائق فأعجبته فقال من نزع من هذا شيئاً فانزعوا كفه قال فسميت شقائق النعمان قال فإنه ليسير فيها فانتهى إلى وهدة في طرف النجف وإذا شيخ يخصف نعلاً فوقف عليه وقد سبق أصحابه فقال ممن أنت يا شيخ قال من بكر بن وائل فقال يا شيخ مالك ههنا قال طرد النعمان الرعاة فأخذوا يميناً وشمالاً ووجدت وهدة خالية فنتجت الإبل وولدت الغنم وسالت السمن فقال أو ما تخاف النعمان قال وما أخاف منه والله لربما لمست بيدي هذه ما بين سرة أمه وعانتها كأنه أرنب جاءم قال أنت أيها الشيخ قال نعم قال فهاج وجهه غضباً وطلعت أوائل خيله فقالوا حييت أبيت اللعن قال وحسر عن رأسه فإذا خرزات ملكه فقال النعمان أيها الشيخ كيف قلت قال أبيت اللعن لا يهولنك ذاك والله لقد علمت العرب أنه ليس بين لأبتيها أكذب مني فضحك ثم مضى. قال طلب الحجاج الحكم بن أيوب بن جبر بن حبيب فخشي أن يجيء به فيعاقبه فقال تركته يتحرك رأسه يصب في حلقه الماء والله لئن حمل على سرير لتكونن عورة فقيل له انصرف.
حدثنا محمد بن قتيبة في حديث عبد الله بن مسعود أنه ذكر بني إسرائيل وتحريفهم وتغييرهم وذكر عالماً كان فيهم عرضوا عليه كتاباً اختلقوه على الله عز وجل فأخذوا ورقة فيها كتاب الله عز وجل ثم جعلها في قرن ثم علقه في عنقه ثم لبس عليه الثياب فقالوا أتؤمن بهذا قال فأومأ بيده إلى صدره وقال آمنت بهذا الكتاب يعنى الكتاب الذي في القرن فلما حضره الموت نبشوه فوجدوا القرن والكتاب فقالوا إنما عنى هذا. وعن الأصمعي عن أبيه قال أتى عبد الملك بن مروان برجل كان مع بعض من خرج عليه فقال اضربوا عنقه فقال يا أمير المؤمنين ما كان هذا جزائي منك قال وما جزاؤك قال والله ما خرجت مع فلان إلا بالنظر لك وذلك أني رجل مشؤوم ما كنت مع رجل قط إلا غلب وهزم وقد بان لك صحة ما ادعيت وكنت لك خيراً من مائة ألف معك فضحك وخلى سبيله، قال اسحق بن إبراهيم الموصلي قال شبيب بن شبة دخل خالد بن صفوان التميمي على أبي العباس وليس عنده أحد فقال يا أمير المؤمنين إني والله ما زلت منذ قلدك الله خلافته اطلب أن أصير إلى مثل هذا الموقف في هذه الخلوة فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر إلى مثل هذا الموقف في هذه الخلوة فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر بإمساك الباب حتى إفراغ فعل قال فأمر الحاجب بذلك قال يا أمير المؤمنين إني فكرت في أمرك وأجلت الفكر فيك فلم أر أحداً له مثل قدرك اتساعاً في الاستمتاع بالنساء منك ولا بأضيق فيهن عيشاً إنك ملكت نفسك امرأة من نساء العالمين واقتصرت عليها فإن مرضت وإن غابت غبت وإن عركت وحرمت يا أمير المؤمنين نفسك من التلذذ بأطراف الجواري ومعرفة اختلاف أحوالهم والتلذذ بما يشتهى منهن أن منهن يا أمير المؤمنين الطويلة التي تشتهي لجسمها والبيضاء التي تحب لروعتها والسمراء اللعساء والصفراء العجزاء ومولدات المدينة والطائفة واليمامة ذوات الألسن العذبة والجواب الحاضر وبنات سائر الملوك وما يشتهى من نظافتهن وتخلل خالد بلسانه فاطنب في صفات ضروب الجواري وشوقه إليهن فملا فرغ قال ويحك والله ما سلك مسامعي كلام أحسن من هذا فأعد على كلامك فقد وقع مني موقعاً فأعاد عليه خالد كلامه بأحسن مما ابتدأه ثم انصرف وبقي أبو العباس مفكراً فدخلت عليه أم سلمة وكان قد حلف أن لا يتخذ عليها ووفى فلما رأته مفكراً قالت أني لأذكرك يا أمير المؤمنين فهل حدث شيء نكرهه وأتاك خبر أرتعت له قال لا فلم نزل تستخبره حتى أخبرها بمقالة خالد قالت فما قلت لابن الفاعلة فقال لها ينصحني وتشتميه فخرجت إلى مواليها فأمرتهم بضرب خالد فخرجت من الدار مسروراً بما ألقيت إلى أمير المؤمنين ولم اشك في الصلة فبينما أنا واقف أقبلوا يسألون عني فحققت الجائزة فقلت لهم ها أنا ذا فاستبق إلى أحدهم بخشبة فغمزت برذوني ولحقين فضرب كفه وركضت ففتهم واستخفيت في منزلي أياماً ووقع في قلبي أني أتيت من قبل أم سلمة فما أشعر إلا بقوم قد هجموا علي وقالوا أجب أمير المؤمنين فسبق إلى قلبي أنه الموت فقلت إنا لله وإن إليه راجعون لم أردم شيخ أضيع من دمي فركبت إلى دار المؤمنين فلقيته خالياً فنظرت في المجلس بينا عليه ستور رقاق وسمعت حساً خلف الستر فقال ويحك وصفت لأمير المؤمنين صفة فأعدها فقلت نعم يا أمير المؤمنين أعلمتك أن لنساء أكثر من واحدة الأضر وتنغص فقال له أبو العباس لم يكن هذا العرب إنما اشتقت اسم الضرتين من الضرر وإن أحد لم يكن عنده من في الحديث قال بلى يا أمير المؤمنين وأخبرتك أن الثلاث من النساء كأنهن في القدر يغلي عليهن قال برئت من قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كنت سمعت هذا منك ولأمر في حديثك قال وأخبرتك أن الأربع من النساء شر مجموع لصاحبه بشيبه وبهر منه قال لا والله ما سمعت هذا منك قلت بلى والله قال أفتكذبني قلت أفتقتلني نعم والله يا أمير المؤمنين إن أبكار الإماء رجال إلا أنه ليست لهن خصي قال خالد فسمعت ضحكاً من خلف الستر ثم قلت نعم والله وأخبرتك أن عندك ريحانة قريش وأنت تطمح بعينك إلى النساء والجواري قال فقيل من وراء الستر صدقت والله يا عماه بهذا حدثته ولكنه غير حديثك ونطق من لسانك فقال أبو العباس مالك قاتلك الله قال وانسللت فبعثت إلى أم سلمة بعشرة آلاف درهم وبرذون وتخت ثياب قال حدثني رجل من بني نوفل بن عبد مناف قال لما أصاب نصيب من المال ما أصاب وكان
عنده أم محجن وكانت سوداء اشتاق إلى البياض فتزوج امرأة سرية بيضاء فغضبت أم محجن وغارت عليه فقال لها والله يا أم محجن ما مثلي يغار عليه أني شيخ كبير وما مثلك يغار أنك لعجوز كبيرة وما أحد أكرم علي منك ولا أوجب حقاً فجوزي هذا الأمر ولا تكدريه على فرضيت وقرت ثم قال لها بعد ذلك هل لك أن أجمع إليك زوجتي الجديدة فهو أصلح لذات البين وألم للأشعث وأبعد للشماتة فقالت نعم أفعل وأعطاها دينار وقال لها أني أكره أن ترى بك خصاصة أن تفضل عليك فاعملي لها إذا أصبحت عندك غداً بهذا الدينار ثم أتى زوجته الجديدة فقال لها إني أردت أن أجمعك إلى أم محجن غداً وهي مكرمتك وأكره أن تفضل عليك أم محجن فخذي هذا الدينار فاعدي لها به إذا أصبحت عندها غداً لئلا ترى بك خصاصة ولا تذكري لها الدينار ثم أتى صاحباً له يستنصحه فقال إني أريد أن أجمع زوجتي الجديدة إلى أم محجن غداً فأتني مسلماً فإني سأستجلسك للغداء فإذا تغذيت فسلني عن أحبهما إلي فإني سانفروا أعظم ذلك فإذا أبيت عليك أن لا أخبرك فاحلف علي فملا كان الغد زارت زوجته الجديدة لأم محجن ومر به صديقه فاستجلسه فلما تغذيا أقبل الرجل عليه فقال يا أبا محجن أحب أن تخبرني عن أحب زوجتيك إليك فقال سبحان الله أتسألني عن هذا وهما يسمعان ما سأل عن مثل هذا أحد قال فإني أقسم عليك لتخبرني فوالله لا عذرتك ولا أقيل إلا ذاك قال أما إذا فعلت فأحبهما إلى صاحبة الدينار والله لا أريد على هذا شيئاً فأعرضت كل واحدة منهما تضحك ونفسها مسرورة وهي تظن أنه عناها بذلك القول.نده أم محجن وكانت سوداء اشتاق إلى البياض فتزوج امرأة سرية بيضاء فغضبت أم محجن وغارت عليه فقال لها والله يا أم محجن ما مثلي يغار عليه أني شيخ كبير وما مثلك يغار أنك لعجوز كبيرة وما أحد أكرم علي منك ولا أوجب حقاً فجوزي هذا الأمر ولا تكدريه على فرضيت وقرت ثم قال لها بعد ذلك هل لك أن أجمع إليك زوجتي الجديدة فهو أصلح لذات البين وألم للأشعث وأبعد للشماتة فقالت نعم أفعل وأعطاها دينار وقال لها أني أكره أن ترى بك خصاصة أن تفضل عليك فاعملي لها إذا أصبحت عندك غداً بهذا الدينار ثم أتى زوجته الجديدة فقال لها إني أردت أن أجمعك إلى أم محجن غداً وهي مكرمتك وأكره أن تفضل عليك أم محجن فخذي هذا الدينار فاعدي لها به إذا أصبحت عندها غداً لئلا ترى بك خصاصة ولا تذكري لها الدينار ثم أتى صاحباً له يستنصحه فقال إني أريد أن أجمع زوجتي الجديدة إلى أم محجن غداً فأتني مسلماً فإني سأستجلسك للغداء فإذا تغذيت فسلني عن أحبهما إلي فإني سانفروا أعظم ذلك فإذا أبيت عليك أن لا أخبرك فاحلف علي فملا كان الغد زارت زوجته الجديدة لأم محجن ومر به صديقه فاستجلسه فلما تغذيا أقبل الرجل عليه فقال يا أبا محجن أحب أن تخبرني عن أحب زوجتيك إليك فقال سبحان الله أتسألني عن هذا وهما يسمعان ما سأل عن مثل هذا أحد قال فإني أقسم عليك لتخبرني فوالله لا عذرتك ولا أقيل إلا ذاك قال أما إذا فعلت فأحبهما إلى صاحبة الدينار والله لا أريد على هذا شيئاً فأعرضت كل واحدة منهما تضحك ونفسها مسرورة وهي تظن أنه عناها بذلك القول.
قال حدثني القاضي أبو الحسين بن عتبة قال كانت لي ابنة عم موسرة وتزوجتها فلم أوترها لشيء من الجمال ولكني كنت استعين بمالها وأتزوج سراً فإذا فطنت بذلك هجرتني وطرحتني وضيقت علي إلى أن أطلق من تزوجتها ثم تعود إلي فطال ذلك علي وتزوجت صبية حسناء موافقة لطباعي مساعدة على اختياري فمكثت معي مدة يسيرة وسعي بها إلى ابنة عمي فأخذت في المناكدة والتضييق علي فلم يسهل علي فراق تلك الصبية فقلت لها استعيري من كل جارة قطعة من أفخر ثيابها حتى يتكامل لك خلقة تامة الجمال وتبخري بالعنبر واذهبي إلى ابنة عمي فابكي بين يديها واكثري من الدعاء لها والتضرع إليه إلى أن تضجريها فإذا سألتك عن حالك فقولي لها أن ابن عمي قد تزوجني وفي كل وقت يتزوج على واحدة ينفق مالي عليها وأريد أن تسألي القاضي معونتي وإنصافي منه فإني أقدمه إليه، فإنها سترفعك إلي ففعلت فلما دخلت عليها واتصل بكاؤها رحمتها وقالت لها فالقاضي شر من زوجك وهكذا يفعل بي وقامت فدخلت علي وأنا في مجلس لي وهي غضبى ويد الصبية في يدها فقالت هذه المؤمة حالها مثل حالي فاسمع مقالها واعتمد إنصافها فقلت ادخلا فدخلتا جميعاً فقلت لها ما شأنك قالت فذكرت ما وافقها عليه فقلت لها هل اعترف ابن عمك بأنه قد تزوج عليك فقالت لا والله وكيف يعترف بما يعلم أني لا أقاره عليه قلت فشاهدت أنت هذه المرأة وقفت على مكانها وصورتها فقالت لا والله فقلت يا هذه اتقي الله ولا تقبلي شيئاً سمعته فإن الحساد كثير والطلاب لإفساد النساء كثير والحيل والتكذيب فهذه زوجتي قد ذكر لها أن تزوجت عليها ولك زوجة لي وراء هذا الباب طالق ثلاثاً، فأما ابنة عمي فقبلت رأسي وقالت قد علمت أنه مكذوب عليك أيها القاضي ولم يلزمني حنث لاجتماعهما بحضرتي. حدثنا الأصمعي قال أتى المنصور برجل ليعاقبه على شيء بلغه عنه فقال له يا أمير المؤمنين الانتقام عدل والتجاوز فضل ونحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين فعفا عنه.
حدثنا أبو الحسن المدايني أن أحمد بن سميط أسر خمسمائة فأتى بهم المختار فقتل مائتين وأربعين وحبس بعضاً ومن على بعض فكان ممن حبس من الأسرى سراقة بن مرداس البارقي ثم أمر بقتله فقال لا والله لا تقتلني حتى أنقض معك داري حجراً حجراً قال وما يدريك قال الأخبار الصادقة التي جاءت بها الكتب الناطقة فاقبل المختار على عبد الله بن كامل وعلى أبي عمرة فقال من يظهر أسرارنا فأمر بتخليته فقال سراقة أنا قد أسرنا قوم لا نراهم قال هم هؤلاء وهم شرط الله قال لا والله لقد أسرنا قوم عليهم عمائم حمر على خيل بلق تطير بين المساء والأرض قال هذه الملائكة فاعلم الناس ذلك يا سراقة قال فصعدت منارة وأعلمت الناس وحلفت لهم فحلى سبيلي.
حدثنا ابن عياض قال استؤمن لعباس بن سهل بن سعد الساعدي من مسلم بن عقبة يوم الحرة فأبى أن يؤمنه فأتوه به ودعا بالغداء فقال عباس أصلح الله الأمير والله لكأنهما جفنة أبيك كان يخرج عليه مطرف حرة حتى يجلس بفنائها ثم يضع حفنته بين يدي من حضر قال صدقت كان كذلك أن آمن فقيل للعباس كان أبوه كما قلت قال لا والله لقد رأيته في عناء بحرة ما نخاف على ركابنا ومتاعنا أن يسرقه غيره.
حدثنا دريد عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال بعث إلي الرشيد فدخلت فإذا صبية فقال من هذه الصبية فقلت لا أدري قال هذه مواسة بنت أمير المؤمنين فدعوت لها وله وقال نعم فقبل رأسها فوضعت كمي على رأسه وقبلت كمي فقال والله يا أصمعي لو أخطأتها لقتلتك أعطوه عشرة آلاف درهم.
حدثنا ابن البهلول أن أبا حذيفة واصل بن عطاء خرج يريد سفراً في رهط فاعترضهم جيش من الخوارج فقال واصل لا ينطقن أحد ودعوني معهم فقصدهم واصل فلما قربوا بدأ الخوارج ليوقعوا فقال كيف تستحلون هذا ما تدرون من نحن ولا لأي شيء جئنا فقالوا نعم فما أنتم، قال قوم من المشركين جئناكم لنسمع كلام الله قال فكفوا عنهم وبدأ رجل منهم يقرأ عليهم القرآن فلما امسك قال واصل قد سمعنا كلام الله فأبلغنا مأمنا حتى ننظر فيه وكيف ندخل في الدين فقال هذا واجب سيروا فسرنا والخوارج والله معنا يحمونا فراسخ حتى قربنا إلى بلد لا سلطان لهم عليه فانصرفوا قال أبو اسحق الجمهي لما صرف الحجاج قال لغلام له تعال نتنكر وننظر ما لنا عند الناس فتنكروا وخرجا فمرا على المطلب غلام أبي لهب فقالا يا هذا أي شيء غير الحجاج قال على الحجاج لعنة الله قالا فمتى يخرج قال اخرج الله روحه من بين جنبيه ما يدريني قال اتعرفني قال لا قال أنا الحجاج بن يوسف قال المطلب أتعرفين أنت قالا قال أنا المطلب غلام أبي لهب معروف أصرع في كل شهر ثلاثة أيام أولها اليوم فتركه ومضى.
وحكى أبو الحسن بن هلال الصابي أن الحجاج انفرد يوماً من عسكره فمر ببستاني يسقي ضيعته فقال كيف حالكم مع الحجاج فقال لعنه الله المبيد البر الحقود عجل الله الانتقام منه فقال له أتعرفني قال لا قال أنا الحجاج فرأى أن دمه قد طاح فرفع عصا كانت معه فقال أتعرفني قال لا قال أنا أبو ثور المجنون وهذا يوم صرعي وأزبد وأرغى وهاج وأراد أن يضرب رأسه بالعصى فضحك منه وانصرف.
وبلغنا أن الحجاج انفرد يوماً عن عسكره فلقي أعرابياً فقال يا وجه العرب كيف الحجاج قال ظلم غاشم قال فهلا شكوته إلى عبد الملك فقال لعنه الله أظلم منه وأغشم فأحاط به العسكر فلقال اركبوا البدوي فاركبوه فسأل عنه فقالوا هو الحجاج فركض من الفرس خلف وقال يا حجاج قال مالك قال السر الذي بيني وبينك لا يطلع عليه أحد فضحك وخلاه ولقي الحجاج أعرابياً بفلاة فسأل عن نفسه وعن عماله وسعاته فأخبر بكل ما يكره فقال له أنا الحجاج قتلني الله إن لم أقتلك قال فأين حق الاسترسال قال أولى لك ما أحسن ما تخلصت وخلى سبيله قال كان أبو الحسين بن السماك يتكلم على الناس بجامع المدينة وكان لا يحسن من العلوم شيئاً غلا ما شاء الله وكان مطبوعاً يتكلم على مذهب الصوفية فكتبت إليه ما يقول السادة الفقهاء في رجل مات وخلف كذا وكذا ففتحها فتأملها فقرأ ما تقول السادة الفقهاء في رجل مات فلما رآها في الفرائض رماها من يده وقال أنا أتكلم على مذاهب قوم إذا ماتوا لم يخلفوا شيئاً فعجب الحاضرون من حدة خاطره.
ويحكى أن مزيداً كان يدخل على بعض ولاة المدينة فأبطأ عليه ذات يوم ثم جاء فقال ما أبطأك عني قال جارة لي كنت أهواها منذ حين فظفرت بها ليلتي وتمكنت منها فغضب الوالي وقال والله لآخذنك بإقرار فلما رأى الجد منه قال فاسمع تمام حديثي قال وما هو قال فلما أصبحت خرجت أطلب مفسراً يفسر لي رؤياي فلم أقدر عليه إلى الساعة قال ذلك في المنام رأيت قال نعم فسكن غضبه وقد روينا عن أبي الفضل الربيع عن أبيه قال، قال المأمون يوماً وهو مغضب لأبي دلف أنت الذي يقول فيك الشاعر:
إنا الدنيا أبو دلف ... بين بادية ومحتضره
فإذا ولى أبو دلف ... ولت الدنيا على أثره
فقال يا أمير المؤمنين شهادة زور وقول عزور وملق معتاف وطلب عرف واصدق منه ابن أخت لي حيث يقول:
دعيني أجوب الأرض في طلب الغنى ... فلا الكرخ الدنيا ولا الناس قاسم
فضحك المأمون وسكن غضبه وروى أن عزة وبثينة اجتمعتا فتحدثتا فاقبل كثير فقالت بثينة أتحبين أن أبين لك أن كثير غير صادق في محبتك قالت نعم قالت ادخلي الخباء فدخلت فدنا كثير فوقف على بثينة فسلم عليها فقالت له ما تركت عزة فيك مستمعاً لأحد فقال كثير والله لو أن عزة أمة لوهبتها لك فقالت إن كنت صادقاً فقل في هذا شعراً فأنشأ يقول.
رمتني على عمد بثينة بعدما ... تولى شبابي وارجحن شبابها
بعينين نجلاوين لو رقرقتهما ... لنؤ الثريا لاستهل سحابها
فبادرت عزة وكشفت الحجاب وقالت له يا فاسق قد سمعت البيتين فقال لهال فاسمعي الثالث قالت وما هو قال
ولكنما ترمين نفساً سقيمة ... لعزة منها صفوها ولبابها
فاستحسنت عذره.
وذكر أبو هلال العسكري أن رجلاً كانت له صديقة لها زوج غائب وكان يأتيها على طمأنينة فقدم زوجها فدخل فرأى الرجل نائماً فظنه المرأة فأخذ برجليه فوثب إلى السيف وكان في جيرانه معاوية بن ستار فنادى يا معاوية هل وفيت فتوهم الزوج أنه جعل له على ما فعل وعلم معاوية أنه مكروب فقال نعم وتعليت فخلاه الزوج وحكى أبو الحسن بن الصابي أن مغنية غنت بين يدي المهدي
ما نقموا من بني أمية إلا ... أنهم يسفهون إذ غضبوا
فقيل لها غلطت فقالت غلطي يذكرني هذا البيت فأصلحته بما سمعتم.
الباب التاسع عشر
في ذكر من استعمل بذكائه المعاريض أخبرنا سعيد بن المسيب أن عائشة رضي الله عنها سئلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح قالت نهم كان عندي عجوز فدخل ورسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ادع الله أن يجعلني من أهل الجنة قال إن الجنة لا تدخلها العجائز وسمع النداء فخرج ودخل وهي تبكي فقال مالها قالوا إنك حدثتها أن الجنة لا يدخلها العجائز قال إن الله يحولهن أبكاراً عرباً أتراباً. قال وحدثنا الحرث بن نوفل أن العباس بن عبد المطلب قال يا رسول الله ما ترجو لأبي طالب قال كل خير أرجو من ربي.
وحدثنا القرشي قال دخلت امرأة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من زوجك فسمته له فقال الذي في عينيه بياض فرجعت فجعلت تنظر إلى زوجها قال ما لك قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجك فلان قلت نعم قال الذي في عينيه بياض قال أوليس البياض في عيني أكثر من السواد.
حدثنا أنس بن مالك قال جاء رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستحمله قال أنا حاملك على ولد ناقة قال يا رسول الله وما أصنع بولد ناقة قال وهل تلد الإبل إلا النوق.
حدثنا محمد بن سلمى عن محمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر نزل قريباً منها ثم ركب هو ورجل من أصحابه قال ابن إسحاق حدثني محمد بن يحيى بن حبان أنه وقف على شيخ فسأله عن قريش وعن محمد وأصحابه وما بلغه عنهم فقال الشيخ لا أخبركما حتى تخبراني من أنتما فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخبرتنا أخبرناك قال وذاك بذاك ثم قال الشيخ أنه بلغني أن محمداً وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدقني الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا بالمكان الذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغنا أن قريشاً خرجوا يوم كذا وكذا فإن كان صدقني الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا بالمكان الذي به قريش فلما فرغ من خبره قال فمن أنتم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء العراق قال أحمد بن علي أوهمه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه من العراق فكان العراق يسمى ماء وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم من العراق أنه خلق من نطفة ماء عن ابن أبي الزناد قال كان عند أسماء بنت أبي بكر قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قتل عبد الله بن الزبير ذهب القميص فيما ذهب وفيما انتهت فقالت أسماء للقميص أشد على من قتل عبد الله فوجد القميص عند رجل من أهل الشام فقال لا أرده أو تستغفر لي أسماء فقيل لها قالت كيف أستغفر لقاتل عبد الله قالوا أفليس يرد القميص قالت قولوا له فليجيء فجاء بالقميص ومعه عبد الله بن عروة فقالت ادفع القميص إلى عبد الله فدفعه قالت قبضت يا عبد الله قال نعم قالت غفر الله لك يا عبد الله وإنما عنت عبد الله بن عروة عن حجر المدري قال، قال لي علي رضي الله عنه كيف بك إذا أمرت أن تلعنني قلت أو كائن ذلك قال نعم قلت كيف أصنع قال الغني ولا تتبرأ مني قال فقام محمد بن يوسف إلى جنب المنبر يوم الجمعة فقال له العن علياً فقال إن الأمير أمرني أن ألعن علياً محمد بن يوسف العنوه لعنه الله فلقد تفرق أهل المسجد وما فهمها إلا رجل واحد.
قال قامت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة فقام صعصعة بن سرحان فتكلم فقال المغيرة أرجوه فأقيموه على المصطبة فليلعن علياً فقال لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب فأخبره بذلك فقال أقسم بالله لتقيدنه فخرج فقال إن هذا يا أبي إلا علي بن أبي طالب فالعنوه ولعنه الله فقال المغيرة أخرجوه أخرج الله نفسه. قال كلم رجل عيسى بن موسى في شيء وعنده عبد الله بن شبرمة القاضي فقال عيسى للرجل من يعرفك قال ابن شبرمة قال أتعرفه قال إني لا أعلم أن له شرفاً وبيتاً وقدماً فلما خرج ابن شبرمة سئل عن ذلك فقال اعلم أن له أذنين مشقوقتين وأن له بيتاً يأوي إليه وأن له قدماً يطأ بها.
قال ضرب الحجاج عبد الرحمن بن أبي ليلى وأقامه للناس ومعه رجل يحثه ويقول العن علياً فيقول اللهم العن الكذابين ثم يسكت ويقول آه علي بن أبي طالب ثم يسكت ثم يقول المختار بن الزبير.
حدثنا المبارك قال بينما الحجاج جالس إذ أقبل رجل مقارب الخلق أفجع ذو غدربين فلما رآه الحجاج قال مرحباً بأبي غادية فلم يرحب به حتى أجلسه على سريره ثم قال له أنت قاتل ابن سمنة قال نعم قال كيف قال صنعت كذا وفعلت كذا حتى قتلته قال الحجاج لأهل الشام من سره أن ينظر إلى رجل عظيم الباع يوم القيامة فلينظر إلى هذا الذي قتل ابن سمنة ثم ساره أبو غادية فسأله شيئاً فأبى عليه فقال أبو غادية نعطي لهم الدنيا ثم نسألهم منها شيئاً فلا يعطونا وتزعم أنه عظيم الباع يوم لقيمة قال أجل والله إن من كان ضرسه مثل أحد وفخذه مثل وقان وساقه البيضاء ومجلسه ما بين المدينة إلى الزبيد لعظيم الباع يوم القيامة والله لو أن عمار بن سمنة قتله أهل الأرض لدخلوا كلهم النار. قال القرشي قال كان مطرف بن عبد الله خرج مع ابن الأشعث فأتى به إلى الحجاج بعد ذلك فقال له الحجاج يا مطرف أكفرت قال لا ولكن كانت حيرة ولو نصرنا الحق وأهله كان خير لنا.
قال القرشي وحدثنا أبو جعفر المديني فال خرج فوم من الخوارج بالبصرة فلقوا شيخاً أبيض الرأس واللحية فقالوا له من أنت قال أعهد إليكم من اليهود بشيء أو بدا لكم في قتل أهل الدية قالوا اذهب عنا إلى النار.
أخبرنا أبو العباس أحمد بن يعقوب قال كان يحيى بن أكثم يحسد حسداً شديداً وكان مفنناً فكان إذا نظر إلى رجل يحفظ الفقه سأله عن الحديث وإذا رآه يحفظ الحديث سأله عن النحو وإذا رآه يعلم النحو سأله عن الكلام ليخجله ويقطعه فدخل إليه رجل من أهل خراسان ذكي حافظ فناظره فرآه مفنناً فقال له نظرت في الحديث قال نعم قال فما تحفظ من الأصول قال احفظ حديث شريك عن أبي إسحاق عن الحرث أن علياً رجم لوطياً فامسك فلم يكلمه. قال، قال رجل لهشام بن عمرو القوطي كم تعد قال من واحد إلى ألف ألف وأكثر قال لم أرد هذا قال فما أردت قال كم تعد من السن قال اثنين وثلاثين سنة عشر من أعلى وستة عشر من أسفل قال لم أرد هذا قال فما رأيت قال كم لك من السنين قال ما لي منها شيء كلها لله عزّ وجلّ قال فما سنك قال عظم قال فابن كم أنت قال ابن اثنين أب وأم قال فكم أتى عليك قال لو أتى علي شيء لقتلني قال فكيف أقول قال قل كم مضى من عمرك. وثب رجلان على بعض الملوك في ومن الإسكندر فقال الإسكندر أن من قتل هذا عظيم الفعال ولو ظهر لنا جازيناه بما يستحق ورفعناه على الناس فلما بلغهما ذلك ظهرا فقال الإسكندر أنا نجازيكما بما تستحقان فما يستحق من قتل سيده ورافع قدره فغدر به إلا القتل وأما رفعكما على الناس فإني سأصلبكما على أطول خشب يمكنني. روى أن رجلين من آل فرعون سعيا برجل مؤمن إلى فرعون فأحضره فرعون وأحضرهما وقال للساعيين من ربكما قالا أنت فقال للمؤمن من ربك قال ربي ربهما فقال فرعون سعيتما برجل على ديني لأقتله فقتلهما قالوا فذلك قوله تعالى فوقاه الله سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب.
حدثنا إسحاق بن هانئ قال كنا عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه في منزله ومعنا المروزي ومهنى بن يحيى الشامي فدق داق الباب وقال المروزي ههنا فكان المروزي كره أن يعلم موضعه فوضع مهني بن يحيى إصبعيه في راحته وقال ليس المروزي ههنا فضحك أحمد ولم ينكر عليه ذلك. بلغني عن أبي بكر الخلال قال أبو بكر المروزي جاء مهنى بن يحيى الشامي إلى أبي عبد الله ومعه أحاديث فقال يا أبا عبد الله معي هذه الأحاديث وأريد أن أخرج فحدثني بها فقال متى تريد أن تخرج قال الساعة اخرج فحدثه بها وخرج فلما كان من الغد أو بعد جاء إلى أبي عبد الله فقال له أبو عبد الله أليس قلت لي اخرج الساعة قال، قلت لك إني أخرج الساعة من بغداد إنما قلت اخرج من زقاقك عن مصعب الزبيري قال أتى العريان بشاب سكران فقال له من أنت فقال شعراً.
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره ... فمنهم قيام حولها وقعود
فقال لبعض شرطه سل عن هذا فسأل عنه فقال هو ابن صاحب باقلا قلت وفي رواية أخرى زيادة.
ترى الناس أفواجاً إلى ضوء ناره ... فمنهم قيام حولها وقعود
فظنه كبير القدر فخلى به فإذا هو ابن باقلاوى. أتى الحرث بن مسكين أيام المحنة وابن داود يمتحن الناس بخلق القرآن فقال للحارث أشهد أن القرآن مخلوق فقال أشهد أن هذه الأربعة مخلوقة وبسط أصابعه الأربع فقال التوراة والإنجيل والزبور والفرقان فعرض وكنى وتخلص من القتل. قال شيخنا عبد الوهاب الأنماطي كان أحمد بن عبد المحسن الوكيل إذا حمل إليه محضر كتب فيه يحل صدره فيكتب فيه فقيل له كيف تكتب خلاف الأول فقال أنا أكتب ما ذكر صحيح ومقصودي نفي الصحة.
الباب العشرون
في ذكر من فلج على خصمه في المناظرة
بالجواب المسكت حدثنا خبيب عن عبد الرحمن بن خبيب عن أبيه عن جده خبيب بن يسار قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزواً أنا ورجل من قومي ولم نسلم فقلنا إنا لنستحي أن يشهد قومنا مشهداً لا نشهده معهم قال وأسلمتما قلنا لا قال فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين قال فأسلمنا وشهدنا معه فقتلت رجلاً وضربني ضربة فتزوجت ابنته لعد ذلك فكانت تقول لا عدمت رجلاً وشحك هذا الوشاح فأقول لها لا عدمت رجلاً عجل أباك إلى النار. عن إبراهيم بن جعفر بن محمود الأشهلي عن أبيه قال كان حويطب بن عبد العزى قد بلغ مائة وعشرين سنة ستين في الجاهلية وستين في الإسلام فلما ولي مروان بن الحكم المدينة دخل عليه حويطب فقال له مروان ما نيتك فأخبره فقال له تأخر إسلامك أيها الشيخ حتى سبقك الأحداث فقال والله لقد هممت بالإسلام غير مرة وكل ذلك يعوقني عنه أبوك وينهاني ويقول تدع دين آبائك لدين محمد فأسكت مروان وندم على ما كان قال مروان لحبيش بن دلجة أظنك أحمق، فقال أحمق ما يكون الشيخ إذا عمل بظنه.
حدثنا محمد بن زكريا قال حضرت مجلساً فيه عبيد الله بن محمد بن عائشة التميمي وفيه جعفر بن القاسم الهاشمي فقال لابن عائشة ههنا آية نزلت في بتي هاشم خصوصاً قال وما هي قال قوله تعالى وإنه لذكر لك ولقومك فقال ابن عائشة قومه قريش وهي لنا معكم قال بل هي لنا خصوصاً قال فخذ معها وكذب به قومك وهو الحق قال فسكت جعفر فلم يجد جواباً. قال المصنف غفر الله له وروينا أن معاوية قال لعبد الله ابن عامر أن لي عندك حاجة تقضيها قال نعم ولي إليك حاجة أتقضيها قال نعم قال سل حاجتك قال أريد أن تهب لي دورك وضياعك بالطائف قد فعلت فسل حاجتك قال أن تردها علي قال قد فعلت. وافتخر قوم من اليمن عند هشام بن عبد الملك فقال لخالد بن صفوان أجبهم فقال هم بين حائك برد ودابغ جلد وسايس قرد وملكتهم امرأة ودلت عليهم هدهد وغرفتهم فارة. قال، قال غيلان لعبد الرحمن أنشدك الله أترى الله بحي أن يعصى ربيعة أنشدك الله أترى الله يعصى قسراً فكان ربيعة لقم غيلان حجراً. أنشدك الله أترى الله يعصى قسراً فكان ربيعة ألقم عيلان حجراً. قال وقف رجل بين يدي المأمون قد جنا جناية فقال له والله لأقتلنك فقال الرجل يا أمير المؤمنين تان علي فإن الرفق نصف العفو قال وكيف أن تلقاه قاتلاً قال فخلى سبيله. قال المنصور ولي يحيى بن أكثم قضاء البصرة وهو ابن إحدى وعشرين سنة قال فاستزرى بن الناس واستضعفوه فامتحنوه فقالوا كم سن القاضي قال سن عتاب بن أسيد حيث ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة. كان النظام لا يكتم سراً فأسر إليه يونس التمار سراً فأذاعه فلامه فقال النظام للناس سلوه هل أذعت سراً مرة أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً فلمن الذنب الآن فلم يرضى أن يشاركه في الذنب حتى سار الذنب كله لصاحب السر.
قال كان أصحاب المبرد إذا اجتمعوا واستأذنوا يخرج الإذن فيقول إن كان فيكم أبو العباس الزجاج وإلا انصرفوا فحضروا مرة ولم يكن الزجاج فيهم فقال لهم ذلك فانصرفوا وثبت رجل منهم فقال عثمان للآذن قل لأبي العباس انصرف القوم كلهم إلا عثمان فإنه لا ينصرف فعاد الآذن إليه وأخبره فقال له إن عثمان إذا كان نكرة انصرف ونحن لا نعرفك فانصرف راشداً. قال قال رجل من أهل الحجاز لرجل من أهل العلم خرج من عندنا قال نعم إلا أنه لم يرجع إليكم قال تكلم شاب يوماً عند الشعبي فقال الشعبي ما سمعنا بهذا فقال الشاب كل العلم سمعت قال لا قال فشطره قال لا قال فاجعل هذا في الشطر الذي لم تسمعه فأقحم الشعبي وقال عبد الله بن سليمان بن الأشعث سمعت أبي يقول كان هارون الأعور يهودياً فأسلم وحسن إسلامه وحفظ القرآن وضبطه وحفظ النحو فناظره إنسان يوماً في مسألة فغلبه هارون فلم يدر المغلوب ما صنع فقال له أنت كنت يهودياً فأسلمت فقال له هارون أفبئس ما صنعت أيضاً والله الموفق.
قبال مالك بن سليمان كان لإبراهيم بن طهمان جراية من بيت المال فسئل عن مسألة في مجلس الخليفة فقال لا أدري فقالوا له تأخذ في كل شهر كذا وكذا ولا تحسن مسألة فقال إنما آخذ على ما أحسن ولو أخذت على ما لا أحسن لفتي بيت المال ولا يفتى ما لا أحسن فأعجب الخليفة جوابه وأمر له بجائزة فاخرة وزاد في جرايته قال أبو العباس المبرد ضاف رجل قوماً فكرهوه فقال الرجل لامرأته كيف لنا أن نعلم مقدار مقامه فقالت ألقِ بيننا شراً حتى نتحاكم إليه ففعلا فقالت للضيف بالذي يبارك لك في غدوك غداً أينا أظلم فقال الضيف والذي يبارك لي في مقامي عندكم شهراً ما أعلم.
قال ابن خلف حدثني بعض أصحابنا قال بلغني أن الرشيد خرج يوماً متنزهاً وانفرد عن عسكره والفضل بن الربيع خلفه فإذا هو بشيخ قد ركب حماراً له وفي يده لجام كأنه مبعر محشو فنظر إليه فإذا هو رطب العينين فغمز الفضل عليه فقال له الفضل أين تريد قال حائطاً لي قال هل لك أن أدلك على شيء تداوي به عينيك فتذهب هذه الرطوبة قال ما أحوجني إلى ذلك قال له خذ عيدان الهواء وغبار الماء وورق الكماة فصيره في قشر جوزة واكتحل به فإنه يذهب عنك ما تجد قال فاتكأ على قربوسة فضرط ضرطة طويلة ثم قال تأخذ هذه أجرة لوصفتك فإن نفعتنا زدناك قال فاستضحك الرشيد حتى كاد أن يسقط عن ظهر دابته قال الجاحظ قال المهدي لشريك القاضي وعيسى بن موسى عنده لو شهد عندك عيسى كنت تقبله وأراد لن يضرب بينهما فقال شريك من سألت عنه لا يسأل عن عيسى غير أمير المؤمنين فإن زكيته قبلته فقلبها عليه. قال أبو بكر بن محمد كان لي أخ يجيد الشعر فقال له رجل منهم وقد حسدوه على شعره ما أدري ما معنى أعجمي يقول الشعر فقال له رجل دب إلى أمه عربي فقال له وكذلك يلزم في قياس قولك إذا لم يقل العربي شعراً فقد دب إلى أمه أعجمي غضب رجل على رجل فقال له ما أغضبك قال شيء تنقله إلى الثقة عنك فقال له لو كان ثقة ما تم. قال أبو الحسن بن المأمون قال، قال المأمون ليحيى بن أكثم من الذي يقول وهو يعرض به:
قاضٍ برى الحد في الزناء ولا ... يرى على من يلوط من باس
قال أو ما يعرف أمير المؤمنين من قاله، قال لا، قال. يقوله الفاجر أحمد بن أبي نسيم الذي يقول:
حاكمنا يرتشي وقاضينا ... يلوط والرأس شر ما رأس
لا أحسب الجور ينقضي وعلى ... السلامة وآل من آل عباس
قال فأقحم المأمون وسكت خجلاً وقال ينبغي أن بنفي أحمد بن أبي نعيم إلى السند. قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن شهاب العطار قال روى يعقوب الشحام قال، قال لي أبو الهذيل بلغني أن رجلاً يهودياً قدم البصرة وقد قطع وغلب عامة متكليميهم فقلت لعني امضي إلى هذا اليهودي كلمه فقال يا بني قد غلب جماعة متكلمي البصرة فقلت لا بد فأخذ بيدي فدخلنا على اليهودي فوجدته يقرر الناس الذين يكلمونه نبوة موسى عليه السلام ثم يجحد نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم فيقول نحن على ما اتفقنا عليه من نبوة موسى إلى أن نتفق على غيره فنقربه فدخلت إليه فقلت له أسألك أو تسألني فقال يا بني أو ما ترى ما أفعله بمشايخك فقلت دع عنك هذا واختر قال بل أسألك أخبرني أليس موسى نبياً من أنبياء الله قد صحت نبوته وثبت دليله تقر بهذا أو تجحده فتخالف صاحبك فقلت له أن الذي سألتني عنه من أمر موسى عندي على أمرين أحدهما أني أقر بنبوة موسى الذي أخبر بصحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأمرنا باتباعه وبشر نبوته فإن كان عن هذا تسألني فأنا مقر بنبوته وإن كان الذي سألتني عنه لا يقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولم يأمر باتباعه ولا بشر به فلست أعرفه ولا أقر بنبوته وهو عندي شيطان مخزي فتحير مما قلت له فقال لي فما تقول في التوراة فقلت أمر التوراة أيضاً عندي على وجهين إن كانت التوراة التي أنزلت على موسى الذي أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فهي التوراة الحق وإن كانت الذي تدعيه فباطل وأنا غير مصدق بها فقال احتاج أن أقول لك شيئاً بيني وبينك فظنت أنه يقول شيئاً من الخير فتقدمت إليه فسارني وقال أمك كذا وكذا وأم الذي علمك لا يكني وقد رأى أني أثب به فيقول وثبوا علي فأقبلت على من كان في المجلس فقلت أعزكم الله أليس قد أجبته قالوا نعم فقلت أليس عليه أن يرد جوابي فقالوا نعم فقلبت إنه لما سارني شتمني بالشتم الذي يوجب الحد وشتم من علمني وأنه ظن أني أثب به فيدعي أنا أثبناه وقد عرفتكم شأنه فأخذته الأيدي بالنعال فخرج هارباً من البصرة وقد كان له بها دين كثير فتركه وخرج هارباً لما لحقه من الانقطاع.
قال لما دخل الجماز على المتوكل قال له إني أريد أن أستبريك فقال الجماز بحيضة أو بحيضتين فضحك الجماعة منه فقال له الفتح قد كلمت أمير المؤمنين فيك حتى ولاك جزيرة القرود فقال له الجماز أفلست في السمع والطاعة أصلحك الله فحصر الفتح وأسكت فأمر له المتوكل بعشرة آلاف درهم فأخذها وانحدر فمات فرحاً بها. قال العتبي دخل الوليد بن زيد على هشام بن عبد الملك وعلى الوليد عمامة وشيء فقال له الوليد بكم أخذت عمامتك قال بألف درهم فقال هشام عمامة بألف يستكثر ذلك فقال الوليد إنها لأكرم أطرافي يا أمير المؤمنين وقد اشتريت جارية بعشرة آلاف درهم لأخس أطرافك.
كان معن بن زائدة يذكر عنه قلة دين فبعث إلى ابن عياش بألف دينار وكتب إليه بعثت إليك بألف دينار بها دينك فاقبض الثمن واكتب بالتسليم فكتب إليه قد قبضت وبعتك ديني ما خلا التوحيد لعلمي بزهدك فيه.
حدثنا يمون بن المزرع قال كان أبي والجماز يمشيان وأنا خلفهما بالعشى فممرنا بإمام وهو ينتظر من يمر عليه فيصلي معه فلما رآنا أقام الصلاة مبادراً فقال له الجماز دع عنك هذا فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يتلقى الجلب. أخبرنا ابن الأعرابي عن الأصمعي قال اجتزت في بعض سكك الكوفة فإذا برجل قد خرج من حبس على كتفه جرة وهو ينشد ويقول:
وأكرم نفسي أنني أن أهنتها ... وحقك لم تكرم على أحد بعدي
فقلت له تكرمت بمثل هذا فقال نعم واستغني عن سفلة مثلك إذا سالمته يقول صنع الله لك فقلت تراه عرفني فأسرعت فصاح بي يا أصمعي فالتفت إليه فقال:
لنقل الصخر من قلل الجبال ... أحب إلي من منن الرجال
يقول الناس كسب فيه عار ... وكل العار في ذل السؤال
حدثنا أبو الطيب بن هرثمة قال كنت مجتازاً ببغداد ومخنث يمشي فرأته امرأة وكان حسن البدن فقالت ليت علي شحم هذا المخنث فقال لها المخنث مع بغاي فشتمته فقال لها كيف صار تأخذين الجيد وتدعين الرديء. ودخل رجل إلى الحمام فرأى مخنثاً بين يدي حطمي فقال الرجل أعطني منه قليلاً فأبى فقال الرجل كل قفيز بدرهم فقال المخنث كل أربعة أقفزة بدرهم احسب حسابك كم يصيبك بلا شيء.
قال طراد بن محمد أن يهودياً ناظر مسلماً أظنه قال في مجلس المرتضي فقال اليهودي إيش أقول أقول في قوم سماهم الله مدبرين يعني النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم حنين فقال المسلم فإذا كان موسى أدبر منهم قال له كيف قال لأن الله تعالى قال ولى مدبراً ولم يعقب وهؤلاء ما قال فيهم ولم يعقبوا فسكت. قال نصر بن سيار قلت لأعرابي هل أتخمت قط فقال أما من طعامك وطعام أبيك فلا فيقال أن نصر أحم من هذا الجواب أياماً.
قال رجل من اليهود لعلي بن أبي طالب ما دفنتم نبيكم حتى قالت الأنصار منا أمير ومنكم أمير فقال له علي عليه السلام أنتم ما جفت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة.
حبلت امرأة يزيد فقالت له وكان قبيح الصورة الويل لك أن كان يشبهك فقال لها والويل لك إن لم يشبهني. رأى رجل من الأعاجم رجلاً أعور فقال قد حان خروج الدجال فقال إنه يخرج من بلاد الأعاجم لا العرب. جاز أبو بكر بن قانع بالكرخ في زمن الرفض فقالت له امرأة يا سيدي أبا بكر فقال لها لبيك يا عائشة فقالت كان اسمي عائشة قال فيقتلوني وحدي أريد أن يضربون رقابنا جميعاً.
ظفر رجل بخصمه في حرب فقال له ما تراني اصنع بك فقال مهلاً فما أمكنك الله مني إلا لشأن حلمك. قيل لأبي الأسود اشهد معاوية بدراً فقال نعم من ذاك الجانب كان أبو الحسن المتيم الصوفي يسكن الرصافة وكان مطبوعاً مضاحكاً وكان يتولع برجل شاهد فيه غفلة يعرف بأبي عبد الله اليكا قال ابن المتيم فلقيته يوماً فسلمت عليه وصحت به اشهد علي فاجتمع الناس علينا فقال بم أشهد فقلت بأن الله إله واحد لا إله إلا هو وأن محمد عبده ورسوله وأن الجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور فقال ابشر يا أبا الحسن سقط عنك الجزية وصرت أخاً من إخواننا فضحك الناس وانقلب الولع بي.
قال الشيخ سمعت بعض أصدقائي يحكي أن رجلاً كان يشرب ليلة الجمعة فنهاه بعض العوام وقال له هذه ليلة عظيمة فقال له الرجل في مثل هذه الليلة يرفع القلم فقال العامي ولكن يكتب بصوفة قال فاتعظ الرجل ولم يرجع بعد إلى شرب الخمر. وقفت امرأة قبيحة على عطار ماجن فلما نظر إليها قال وإذا الوحوش حشرت فقالت وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه. استأجر رجل غلاماً ليخدمه فقال له كم أجرتك قال شبع بطني فقال له سامحني فقال أصوم الاثنين والخميس.
شكا جماعة من الصالحين ضرر الأتراك إلى أمير المؤمنين فقال لهم أنتم تعتقدون أن هذا بقضاء الله فكيف أدفع قضاء الله فقال له أحدهم صاحب القضاء قال ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض فأفحم أمير المؤمنين.
الباب الحادي والعشرون
في ذكر من غلب من العوام بذكائه كبار الرؤساء حدثني رجل من أهل الرقة عن عبد الملك بن عمير قال أخذ زياد رجلاً من الخوارج فأفلت منه فأخذ خاله فقال إن جئت بأخيك وإلا ضربت عنقك قال أرأيت إن جئت بكتاب من أمير المؤمنين تخلي سبيلي قال نعم قال فأنا آتيك بكتاب من العزيز الرحيم وأقيم عليه شاهدين إبراهيم وموسى عليهما السلام أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى أن لا تزر وازرة وزر أخرى قال زياد خلوا سبيله هذا رجل لقن حجته. قال يموت بن المزرع قال لنا الجاحظ ما غلبني أحد قط إلا رجل وامرأة فأما الرجل فإني كنت مجتازاً في بعض الطرق فإذا أنا برجل قصير بطين كبير الهامة طويل اللحية منزر بمئزر وبيده مشط يسقي به شقه ويمشطها به فقلت في نفسي رجل قصير بطين الحي فاستزريته فقلت أيها الشيخ قد قلت فيك شعراً فترك المشط من يده وقال: قل، فقلت:
كأنك صعوة في أصل حش ... أصاب الحش طش بعد رش
فقال لي اسمع جواب ما قلت فقلت هات فقال:
كأنك كندر في ذنب كبش ... يدلدل هكذا والكبش يمشي
وأما المرأة فكنت مجتازاً ببعض الطرقات فإذا أنا بامرأتين وكنت راكباً على حمارة فضرطت الحمارة فقالت إحداهما للأخرى وهي حمارة الشيخ تضرط فغاظني قولها فاحندت ثم قلت لها إنه ما حملتني أنثى قط إلا وضرطت فضربت بيدها على كتف الأخرى وقالت كانت أم هذا منه تسعة أشهر على جهد جهيد.
لقي بعض الأكاسرة في موكبه رجلاً أعور فحبسه فلما نزل خلاه وقال تطيرت منك قال أنت أشام مني لأنك خرجت من منزلك ولقيتني فما رأيت إلا خيراً وخرجت من منزلي فلقيتك فحبستني فلم يعد بعدها يتطير. عن الأصمعي قال، قال الوليد بن عبد الملك لبديح خذ بنا في المنى فوالله لأغلبنك قال لا تغلبني قال بلى لأفعلن وقال فستعلم قال الوليد فإني أريد أتمنى ضعف ما تتمنى أنت فهات قال فإني أتمنى سبعين كفلاً من العذاب ويلعنني الله لعناً كثيراً فقال غلبتني قبحك الله قال مرض مولى لسعيد بن العاص ولم يكن له من يخدمه ويقوم بأمره فبعث إلى سعيد بن العاص فلما أتاه قال له ليس لي وارث غيرك وههنا ثلاثون ألف درهم مدفونة فإذا أنا مت فخذها فقال سعيد حين خرج من عنده ما أرانا إلا قد أسأنا إلى مولانا وقصرنا في تعاهده فتعاهده كل التعاهد ووكل به من يخدمه فلما مات اشترى له كفناً بثلاثمائة درهم وشهد جنازته فلما رجع إلى البيت حفر البيت كله فلم يجد شيئاً وجاء صاحب الكفن يطالب بثمن الكفن فقال لقد هممت أن أنبش عليه وأسلبه كفنه. أتى الحجاج برجل ليقتله وبيده لقمة فقال والله لا أكلتها حتى أقتلك قال أو خير من ذلك تطعمينها ولا تقتلني فتكون قد بررت في يمينك ومننت علي فقال ادن مني فأطعمه إياها وخلاه. وأتى الحجاج برجل من الخوارج فأمر بضرب عنقه فاستنظره يوماً قال ما تريد بذلك قال أؤمل عفو الأمير مع ما تجري به المقادير فاستحسن قوله وخلاه.
وبلغنا عن عمرو بن العاص أنه منع أصحابه ما كان يصل إليهم فقام إليه رجل فقال أيها الأمير اتخذ جنداً من حجارة لا تأكل ولا تشرب فقال له عمرو أخسا أيها الكلب فقال له الرجل أنا من جندك فإذا كنت كلباً فأنت أمير الكلاب وقائدها.
قال المتوكل يوماً لجلسائه أتدرون ما الذي نقم المسلمون من عثمان قالوا لا قال أشاء منها أنه قام أبو بكر دون مقام الرسول بمرقاة ثم ومقام عمر دون مقام أبي بكر بمرقاة فصعد عثمان ذروة المنبر فقال عباد ما أحد أعظم منه عليك يا أمير المؤمنين من عثمان قال وكيف ويلك قال لأنه صعد ذروة المنبر فلو أنه كلما قام خليفة نزل عمن تقدمه منت أنت تخطبنا من بئر جلولاً فضحك المتوكل ومن حوله قال رجل لغلامه يا فاجر فقال الغلام أتولى القوم منهم قال الربيع كنت قائماً على رأس المنصور إذ أتى بخارجي قد هزم له جيوشاً فأقامه ليضرب عنقه ثم قال له يا ابن الفاعلة مثلك يهزم الجيوش فقال له الخارجي ويلك وسوءة لك بيني وبينك أمس القتل والسيف، واليوم القذف والسب وما كان يؤمنك أن أرد عليك وقد يئست من الحياة فلا تستقبلها أبداً فاستحى المنصور وأطلقه.
وقال الصاحب بن عباد ما أخجلني غير ثلاثة منهم أبو الحسين البهديني فإنه كان في نفر من جلسائي فقلت له وقد أكثر من أكل المشمش لا تأكله فإنه يلطخ المعدة فقال ما يعجبني ما يطب الناس على مائدته وأخر قال لي وقد جئت من دار السلطان وأنا ضجر من أمر عرض لي من أين أقبلت فقلت من لعنة الله فقال رد الله غربتك فأحسن علي إساءة الأدب وصبي مستحسن داعبته فقلت لبيك تحتي فقال مع ثلاثة أخر يعني في رفع جنازتي فأخجلني قال رجل شربت البارحة فاحتجت إلى القيام لإراقة الماء كأنني جدي فقال له عامي لم تصغر نفسك يا سيدنا.
الباب الثاني والعشرون
في ذكر أقوال وأفعال صدرت من أواسط الناس
وعوامهم تدل على قوة الذكاء حدثنا يحيى المرزوي قال كنت آكل مع الرشيد يوماً فرفع رأسه إلى خادم فكلمه بالفارسية فقلت له يا أمير المؤمنين إن كنت تريد أن تسر إليه شيئاً فإني أفهم بالفارسية فاستحسن الرشيد ذلك مني وقال ليس نطوي سراً. قال عاد أبو عمر الضرير رجلاً من أصحابه فأخذت أمة بيده فصعدت به فلما أراد أن ينزل جاءت فأخذت بيده فقال رديني إلى مولاك فردنه فقال إن جاريتك أخذت بيدي حين صعدت وهي بكر ثم أخذت بيدي الساعة وهي ثيب فسأل عن ذلك فأخبر أن ابناً للرجل افترشها. قال مصعب بن عبد الله قال مالك بن أنس صلى بعض الشطار خلف رجل فلما قرأ ارتج عليه فلم يدر ما يقول فجعل يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وجعل يردد ذلك مراراً فقال الشاطر من خلفه ما للشيطان ذنب إلا أنك ما تحسن تقرأ.
قال محمد بن عبد الرحمن دعا مغن مرة أخاً له فأقعده إلى العصر فلم يطعمه شيئاً فاشتد جوعه فأخذه مثل الجنون فأخذه صاحب البيت العود وقال له بحياتي أي صوت تشتهي أن أسمعك قال صوت المقلي أخبرنا الجماز قال سمعت واحد يقول لا آخر قد رمد بأي شيء تداوي عينيك قال بالقرآن ودعاء الوالدة فقال اجعل معهما شيئاً من أنزروت قال أبو الحسن علي بن هشام بن عبيد الله الكعب المعروف أبوه بأبي قيراط قال سمعت حامد بن العباس يقول ربما انتفع الإنسان في نكبته بالرجل الصغير أكثر من منفعته بالرجل الكبير فمن ذلك أن إسماعيل بن بلبل لما حبسني جعلني في يد بواب كان يخدمه فكان رجلاً حراً فأحسنت إليه وبررته وكان ذلك البواب يدخل لي مجلس الخاصة ولا ينكر عليه لسابق خدمته فجاءني في بعض الليالي وقال قد حرر الوزير علي ابن الفرات وقال ما يكسر المال على حامد غيرك ولا بد من الجد في مطالبته بباق مصادرته وسيدعو بك الوزير غداً إلى حضرته ويهددك فشغل ذلك قلبي فقلت له هل عندك من رأي فقال اكتب رقعة إلى رجل من معامليك تعرف شحه والتمس منه لعاليك ألف درهم يقرضك إياها واسأله أن يجيبك على ظهر الرقعة لترجع إليك لتخرجها فإنه لشحه يردك بعذر احتفظ بالرقعة فإذا طالبك أخرجتها إليه وقلت له قد أفضت حالي إلى هذا فأخرجتها على غير مواطئة فلعل ذلك ينفعك ففعلت ما قال وجاءني الجواب بالرد كما حسبنا فلما كان من الغد أخرجني الوزير وطالبني فأخرجت الرقعة فقرأها فلان واستحى وكان ذلك سبب خفة أمري وزوال محنتي.
قال عيسى بن محمد الطوماري سمعت أبا عمرو محمد بن يوسف القاضي يقول اعتل أبي علة شهوراً فانتبه ذات ليلة فدعا بي وبأخوتي وقال لنا رأيت في النوم كأن قائلاً يقول كل لا واشرب لا فإنك تبرأ فلم ندر تفسيره. وكان بباب الشام رجل يعرف بأبي علي الخياط حسن المعرفة بعبارة الرؤية فجئنا به فقص عليه المنام فقال ما أعرف تفسيره ولكني أقرأ كل ليلة نصف القرآن فأخلوني الليلة حتى أقرأ رسمي وأتفكر فلما كان من الغد جاءنا فقال مررت على هذه الآية لا شرقية ولا غربية فنظرت إلى لا. وهي تردد فيها اسقوه زيتاً وأطعموه زيتاً، ففعلنا وكانت سبب عافيته.
قال حدثنا الأصمعي قال رأيت رجلاً قاعداً على قصر أوس في الطاعون، يعد الموتى في كوز، فعد أول يوم عشرين ومائة ألف، فلما كان في اليوم الثاني عد خمسين ومائة ألف، فمر قوم بميتهم وهو يعد فلما رجعوا، إذا عند الكوز غيره فسألوه عنه فقالوا لهم هو في الكوز. حكى جعفر البرني قال مررت بسائل على الجسر وهو يقول مسكيناً ضريراً فدفعت إليه قطعة وقلت يا هذا لم نصبت قال فديتك بإضمار ارحموا. حدثنا أبو عثمان الخالدي قال علمت قصيدة أمدح سيف الدولة أبا الحسن أبن حمدان وعرضتها على جماعة أتعرف ما عندهم فيها، إذ حضر مخنث وأنا أقرؤها فلما انتهيت إلى قولي:
وأنكرت شيبة في الرأس واحدة ... فعاد يسخطها ما كان يرضيها
قال هذا غلط، قلت ما هو، قال تقول للأمير في الرأس واحدة ألا قلت في الرأس طالعة أو لائحة فعجبت من فطنته وجودة خاطره. روى سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه قال كان فتيان من قريش يرمون فرمى منهم من ولد أبي بكر وطلحة فقرطس فقال أنا بن القرنين فرمى آخر من ولد عثمان فقرطس فقال أنا ابن الشهيد ورمى رجل من الموالي فقرطس فقال أنا ابن من سجدت له الملائكة فقالوا له من هو فقال آدم. قال المبرد قدم بعض البصريين من أصحاب أبي هذيل بغداد قال فلقيت مخنثين لهما أيد منزلا وكان هذا الرجل في نهاية القبح فقال أحدهما بالله من أين أنت قلت من البصرة فأقبل على الآخر وقال لا إله إلا الله يا أخنى كل شيء من الدنيا حتى هذا كانت القرود تجيء من اليمن صارت تجيء من البصرة.
بلغنا عن أبي الحرث أنه كان يهوى جارية يتعرس بطيفها، فشكا حاله إلى محمد بن منصور فاشتراها له وأنفذها إليه فلم يساعده ما معه عليها فبكر إليه فقال كيف كانت ليلتك قال شر ليلة صار ما عندي قرشياً من بني أمية قال كيف ذاك قال صار كما قال الأخطل:
شمس العداوة حتى تستفاد لهم ... وأعظم الناس أحلاماً إذ قدروا
فضحك محمد بن منصور مضى إلى الفضل وجعفر فأخبرهما وكان خبره حديثهم عامة يومهم. شكا أصحاب هشام إلى أسلم بن الأحنف احتباس أرزاقهم فدخل على هشام فقال يا أمير المؤمنين لو أن منادياً نادى يا مفلس ما بقي أحد من أصحابك إلا التفت فضحك وأمر بصلة أرزاقهم. عربد هاشمي على قوم فشكوه إلى عمه فأراد عمه أن يتناوله بالأدب فقال إني أسأت وليس معي عقلي فلا نسيء إلي ومعك عقلك فصفح عنه. قال قدم وفد من العراق على سليمان بن عبد الملك فقام رجل منهم فقال يا أمير المؤمنين ما أتيناك رغبة ولا رهبة قال فلم جئتم قال نحن وفد الشكر، أما الرغبة فقد وصلت إلينا في رحالنا وأما الرهبة فقد أمناها بعدلك ولقد حببت إلينا الحياة وهونت علينا الموت فأما تحبيبك إلينا الحياة فلما انتشر من عدلك وأما تهوينك علينا الموت فلما نثق منك فيمن تخلف من أعقابنا عليك، فوصله وأحسن جائزته وجوائز أصحابه.
حدثنا أبو الحسن المدايني قال بعض العلماء كان لنا صديق من أهل البصرة وكان ظريفاً أديباً فوعدنا أن يدعونا إلى منزله فكان يمر بنا فكلما رأيناه قلنا متى هذا الوعد إن كنتم صادقين فيسكت إلى أن اجتمع ما يريده فمر بنا فأعدنا عليه القول فقال انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون. ذكر هلال بن المحسن أن رجلاً كان يقال له أبو العجب لم ير مثله فيما كان يعمل من الشعبذة دخل يوماً إلى دار المقتدر بالله فرأى خادماً من خواصه يبكي على بلبل مات له فقال له ما عليك أيها الأستاذ إن أحييته فقال ما تريد فأخذ البلبل الميت فأدخله كمه وأدخل رأسه وأخرج بعد ساعة بلبلاً حياً فماجت الدار وعجب الحاضرون فاستدعاه علي بن عيسى وقال والله إن لم تصدقني عن حقيقة الأمر لأضربن عنقك، فقال إني شاهدت الخادم يبكي على بلبله فطمعت بما آخذه منه فمضيت في الحال إلى السوق وابتعت بلبلاً وخبأته في كمي وعدت إلى الخادم فقلت ما قلته وأخذت البلبل الميت وأدخلت رأسه في كمي وأكلته وأخرجت الحي فلم يشك أنه بلبله وهذا رأس الميت.
أحضر رجل بين يدي المأمون قد أذنب فقال له أنت الذي فعلت كذا وكذا قال نعم أنا ذاك يا أمير المؤمنين الذي أسرف على نفسه واتكل على عفوك فعفا عنه. قال بعض الأدباء لصديق له أنت والله بستان الدنيا فقال الآخر أنت النهر الذي يشرب منه ذلك البستان.
تظلم أهل الكوفة من عاملها إلى المأمون فقال ما علمت في عمالي أعدل منه فقال رجل من القوم يا أمير المؤمنين فقد لزمك أن تجعل لسائر البلدان نصيباً من عدله حتى تكون قد ساويت بين رعاياك في حسن النظر، فأما نحن فلا تخصنا منه بأكثر من ثلاث سنين فضحك المأمون وأمر بصرفه. دعا بعض الظرفاء قوماً فجاؤوا ومعهم طفيلي ففطن الرجل به وأراد أن يعلمهم أنه قد فطن فقال ما أدري لمن أشكر لكم أن دعوتكم فجئتم أو لهذا الذي تجشم من غير أن دعوته.
قال يموت بن المزرع قال لي سهل بن صدقة يوماً وكانت بيننا مداعبة ضربك الله باسمك فقلت له مسرعاً أحوجك الله إلى اسم أبيك.
مر رجل من الأذكياء برجل قائم في الطريق قال ما وقوفك قال انتظر إنساناً فقال يطول قيامك إذن. تقدم رجل سيئ الأدب إلى حجام فقال له تقدم يا ابن الفاعلة وأصلح شاربي فقال له إن كان خطابك للناس كذا فعن قليل تسترح منه. حضر خياط عند بعض الأتراك ليفصل له قباء فأخذ يفصل والتركي ينظر إليه فلم يتهيأ له أن يسرق منه شيا فضرط فضحك التركي حتى استلقى فأخرج الخياط من الثوب ما أراد فجلس التركي وقال يا خياط ضرطة أخرى فقال لا يجوز يضيق القباء. قال رجل لرجل بكم ابتعت هذه الشاة فقال أخذتها بستة وهي خير من سبعة وقد أعطيت بها ثمانية فإن كانت من حاجتك بتسعة فزن عشرة. تزوج أعمى امرأة فقالت له لو رأيت حسني وبياضي لعجبت فقال لو كنت كما تقولين ما تركك لي البصراء.
قال رجل لبعض المياسير وعدتني وعداً فأنجزه لي فقال ما أذكر هذا الوعد فقال صدقت أنت لا تذكره لأن من تعد مثلي كثير وأنا لا أنسى لأن من أسأله بمثلك قليل فقال أحسنت وقضى حاجته. كان رجل في دار بأجرة وكان خشب السقف يتفرقع كثيراً فلما جاء رب الدار يطالبه بالأجرة قال له اصلح هذا السقف فإنه يتفرقع قال لا بأس عليك فإنه يسبح الله قال أخشى أن تدركه الرأفة فيسجد.
وقف قوم على مزيد وهو يطبخ قدراً فأخذ أحدهم قطعة لحم فأكلها وقال يا مزيد تحتاج القدر إلى الخل وأخذ آخر قطعة لحم فأكلها وقال تحتاج القدر إلى إبزار وأخذ آخر قطعة لحم وقال يحتاج القدر إلى ملح فأخذ الطباخ قطعة لحم وقال تحتاج القدر إلى لحم فتضاحكوا منه وانصرفوا. قال رجل لأعرابي ما اسمك فقال فرأت بن البحرين الفياض قال فما كنيتك قال أبو الغيث قال بأبي أنت ينبغي أن نلقي فيك زورقاً وإلا غرقنا. قال سعيد بن مسلم لبعض جلسائه في بستانه ما أحسن هذا البستان قال أنت أحسن منه لأنه يؤتى أكله كل عام مرة وأنت تؤتي أكلك كل يوم.
قام رجل على رأس ملك فقال له لم قمت قال لا قعد فولاه دخل مخنث على العريان بن الهيثم وهو أمير المؤمنين بالكوفة فقال يا عدو الله أتتخنث وأنت شيخ فقال مكذوب علي كما كذب على الأمير أعزه الله فاستوى جالساً وقال وما قيل في، قال يسمونك العريان وأنت صاحب عشرين جبة فضحك وخلى سبيله رمى رجل عصفوراً فأخطأه فقال له رجل أحسنت فغضب وقال أتهزأ بي قال لا ولكن أحست إلى العصفور.
قال جعفر بن يحيى البرمكي لبعض ندمائه اشتهي والله أن أرى إنساناً تليق به النعمة فقال له الرجل أنا أريك ذاك عياناً فقال هات فأخذ المرآة فقربها من وجهه قص قاص فقال إذا مات العبد وهو سكران دفن وهو سكران وحشر وهو سكران فقال رجل في طرف الحلقة هذا والله نبيذ جيد يساوي الكوز منه عشرين درهماً نظر الأصبهاني إلى أبي هفان يسار رجلاً فقال فيم تكذبان قال في مدحك كان رجل من الظرف مع الرشيد في سفره إلى خراسان فلما علا عقبة ماسدان قال الرشيد الحمد لله الذي أخرجنا من الدنيا سالمين اجتاز بالناشيء البغدادي قصاب يبيع لحم بقر هزيل وهو يقول أين من حلف لا يغبن فقال له الناشىء حتى تحنثه قال تاب مخنث فلقيه مخنث آخر فقال من أين تأكل قال من بقية ذاك الكسب فقال لحم الخنزير طرياً أطيب منه قديداً وقال رأى عبادة المخنث ثغر دابة فمط ذنبها وقال هذه تمشي على استحياء أطعم رجل من جدي أربعة أيام فقال له هذا الجدي موته أطول عمراً منه في حياته اجتمع قوم في دعوة وفيهم رجل له محبوب في الجماعة فلما ناموا قام المحب فأطفأ السراج وأخذ بيده حتى أن رآه أحد وضع المخدة تحت رأسه وقام فلما بلغ إلى المكان خرجت جارية بشمعة فالصق المخدة بالحائط واتكأ عليها يغط، فقالت الجارية ويحك تنام وتغط قائماً فقال لها إيش عليك مني كيفما أردت أن أنام نمت.
دخل رجل ذكي إلى المسجد يصلي فسرقوا نعله فتركوها في كنيسة بجوار المسجد فجعل يفتش عليها فرآها في الكنيسة فقال ويحك لما أسلمت أنا تهودت أنت، قال بعض الأذكياء إذا رأيت رجلاً من صلاة الغداة على باب داره وهو يقول وما عند الله خير وأبقى فاعلم أن في جواره وليمة لم يدع إليها وإذا رأيت قوماً يخرجون من مجلس القاضي وهو يقولون وما شهدنا إلا بما علمنا فاعلم أن شهادتهم لم تقبل وإذا تزوج الرجل فسئل عن حاله فإن قال ما رغبنا إلا في الصلاح فاعلم أن زوجته قبيحة، قال الشيخ حكي لنا أن بعض الناس ضاف رجلاً فانتبه صاحب الدار بالليل فسمع ضحك الرجل من الغرفة فصاح به فلان قال لبيك قال أنت كنت في الدار فما الذي رقاك إلى الغرفة قال تدحرجت قال الناس يتدحرجون من فوق إلى أسفل فكيف تدحرجت أنت قال فمن هذا أضحك.
قال رجل لرجل إن لطمتك لطمة لأبلغن بك المدينة فقال له فأحب إن تردفها بأخرى لعل الله تعالى أن يرزقني الحج على يديك، قال صبي ليهودي يا عم قف حتى أصفعك قال أنا مستعجل اصفع أخي قال رجل لبعض المغنين ما تعرف الثقيل الأول ولا الثقيل الثاني فقال وكيف لا أعرفهما وأنا أعرفك وأعرف أباك، نظر أبو الفضل الهمداني إلى رجل طويل بارد فقال قد أقبل ليل الشتاء، رؤي فقير في قرية فقيل له ما تصنع فقال ما صنع موسى والخضر عليهما السلام يعني استطعما أهلها وسئل بعض السوقة عن سوقهم فقال مثل سوق الجنة يعني أنه لا بيع فيه ولا شراء. قال شتم رجلاً من العوام فقال له إيش قلت لك فأوهمه أنه يسأل أي شيء قلته لك حتى تشتمني وإنما أراد أي شيء قلته فهو لك وهذا من عجيب الفطنة، جاءت جارية رجل إليه وهو في الموت بشيء يشربه فكرهه فقالت له يا سيدي غمض عينيك وخذه فقال كذا افعل بشرى لي أني أموت.
قال رجل لرجل بأي وجه تلقاني وقد فعلت كذا وكذا قال بالوجه الذي ألقى به ربي عز وجل وذنوبي إليه أكثر من ذنوبي إليك، تكلم بعض القصائص قال في السماء ملك يقول كل يوم لدوا للموت وابنو للخراب فقال بعض الأذكياء اسم ذلك الملك أبو العتاهية، قال استدعي رجل مغنيين فلما هما بالغناء قال أحدهما للآخر اتبعني قال لا بل أنت اتبعني قال لا بل أنت اتبعني فلما طال هذا بينهما قال صاحب البيت اتبعاني جميعاً. قال قدم طباخ إلى بعض الأذكياء طبقاً وعليه رغيفان ثم قال له إيش تشتهي أجيئك به فقال خبزاً، وحكى أيضاً إن بعض المحتسبين جاز يوماً على رجل ينادي على الخبيص رطلين بحبة فقال له ويحك الدبس يباع رطل بحبة والشيرج رطل بقيراط فكيف تبيع أنت الخبيص رطلين بحبة فقال يا سيدنا ما في الخبيص شيء من اللذين ذكرت قال فبع الآن كيف شئت والله الموفق.
الباب الثالث والعشرون
في احترازات الأذكياء قال الشيخ رضي الله عنه روينا عن العباس بن عبد المطلب أنه سئل أيما أكبر أنت أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر وأنا ولدت قبله، وروينا عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال لبعض أهل المدينة أنا أسن أن أنت فقال له لا أذكر ليلة زفت أمك المباركة على أبيك الطيب وهذا الاحتراز مليح لأنه لم يقل أمك الطيبة. قال ابن عرابة المؤدب حكي لي محمد بن عمر الصبي أنه حفظ ابن المعتز وهو يؤدبه والنازعات وقال له إذا سألك أمير المؤمنين أبوك في أي شيء أنت فقل له في السورة التي تلي عبس ولا تقل أنا في النازعات قال فسأله أبوه في أي شيء أنت قال في السورة التي تلي عبس فقال من علمك هذا قال مؤدبي قال فأمر له بعشرة آلف درهم. قال عبد الواحد بن نصر المخزومي قال أخبرني من أثق به أنه خرج في طريق الشام مسافراً يمشي وعليه مرقعة وهو في جماعة نحو الثلاثين رجلاً كلهم على هذه الصفة فصحبنا في بعض الطريق رجل شيخ حسن الهيئة معه حمار فأره يركبه ومعه بغلان عليهما رجل وقماش ومتاع فاخر فقلنا له يا هذا إنك لا تفكر في خروج الأعراب علينا فإنه لا شيء معنا يؤخذ وأنت لا تصلح لك صحبتنا مع ما معك فقال يكفينا الله ثم سار ولم يقبل منا وكان إذا نزل يأكل استدعي أكثرنا فأطعمه وسقاه وإذا عيي الواحد منا أركبه على أحد بغليه وكانت جماعة تخدمه وتكرمه وتتدبر برأيه إلى أن بلغنا موضعاً فخرج علينا نحو ثلاثين فارساً من الأعراب فتفرقنا عليهم وما نعناهم فقال الشيخ لا تفعلوا فتركناهم ونزل فجلس وبين يديه سفرته ففرشها وجلس يأكل وأظلتنا الخيل فلما رأوا الطعام دعاهم إليه فجلسوا يأكلون ثم حل رحله وأخرج منه حلوى كثيرة وتركها بين يدي الأعراب فلما أكلوا وشبعوا جمدت أيديهم وخدرت أرجلهم ولم يتحركوا فقال لنا أن الحلو مبنج أعددته لمثل هذا وقد تمكن منهم وتمت الحيلة ولكن لا يفك البنج إلا أن تصفعوهم فافعلوا فإنهم لا يقدرون لكم على ضرر وسير ففعلوا فما قدروا على الامتناع فعلمنا صدق قوله وأخذنا أسلحتهم وركبنا دوابهم وسرنا حواليه في موكب ورماحهم على أكتافنا وسلاحهم علينا فما نجتاز بقوم ألا يظنونا من أهل البادية فيطلبون النجاة منا حتى بلغنا ما مننا.
حدثنا أبو محمد عبد الله ابن علي المقري قال دفن رجل مالاً في مكان وترك عليه طابقاً وتراباً كثيراً ثم ترك فوق ذلك خرقة فيها عشرون ديناراً وترك عليها أتراباً كثيراً ومضى فلما احتاج إلى الذهب كشف عن العشرين فلم يجدها فكشف عن الباقي فوجده فحمد الله على سلامة ماله وإنما فعل ذلك خوفاً أن يكون قد رآه أحد وكذلك كان فأنه لما جاءه الذي رآه وجد العشرين فأخذها ولم يعتقد أن شيئاً آخر، حدثني بعض المشايخ أن رجلاً يهودياً كان معه مال فاحتاج إلى دخول الحمام وخاف أن ينكسر سبته إن حمله معه فدخل إلى خزانة الحمام فحفر ودفنه ثم دخل إلى الحمام وخرج فبحث عنه فلم يجده فسكت ولم يخبر أحداً لا زوجته ولا ولداً ولا صديقاً فجاءه بعد أيام رجل فقال كيف أنت من شغل قلبك فلزمه وقال رد مالي لي فقالوا له من أين علمت قال رآني لما دفنته مخلوق ولا حدثت به مخلوقاً قال إن هذا أخذه ما قال كيف أنت من شغل قلبك.
أقسام الكتاب 1 2 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق