Translate ***

الأربعاء، 2 يناير 2019

التحقق التاريخي لنزول سورة الطلاق {سورة الأحزاب ← ثم 9 سور ← ثم نزلت سورة الطلاق← وبعدها البينة← فالحشر ←فسورة النور}

التحقق التاريخي لنزول سورة الطلاق {سورة الأحزاب ← ثم 9 سور قرآنية ← ثم نزلت سورة الطلاق← وبعدها البينة← فالحشر ←فسورة النور} 
 

 
سورة البقرة
سورة الأنفال
سورة آل عمران
سورة الأحزاب(
العام الخامس او السادس )
سورة الممتحنة
سورة النساء
سورة الزلزلة
سورة الحديد
سورة محمد
سورة الرعد
سورة الرحمن
سورة الإنسان
سورة الطلاق(
نزلت
بعد الاحزاب بتسع سور قرانية 9. يعني ان لم نتجاوز نقول انها نزلت بعد العام الخامس أو السادس الهجري وربما في العام السابع الهجري        )
سورة البينة
سورة الحشر
سورة النور

سورة الحج
غزوة بني المُصطلق أو غزوة المريسيع [  قلت المدون : وقعت في العام الخامس الهجري(5هـ) باتفاق كل أصحاب المغازي الا ابن اسحاق قال وقوعها في العام السادس الهجري6هـ ]وقدل عليها نزول سورة الحشر التي نزلت بعد نزول سورة الطلاق ثم سورة البينة ثم سورة الحشر وهذا يعني أن سورة الطلاق نزلت مواكبة لنزول سورة الحشر اي في العام الخامس أو السادس الهجري قال المباركفوري  كانت هذه الغزوة في شعبان سنة خمس عند عامة أهل المغازي، وسنة ست على قول ابن إسحاق‏.‏ 
 
قلت المدون والذي يميز غزوة بني المصطلق هو ظهور المنافقين بنشاط جديد ناخر في قلب المجتمع المسلم وتفاعلت [ سورالحشر وسوة الأحزاب وسورة النور في خضم هذه الأحداث الصادرة من عبد الله بن أبي بن سلول ومن ورائهم  قطيع من المنافقين وهذه السور نزلت بالترتيب التاريخي كالاتي

سورة الأحزاب(العام الخامس او السادس)
سورة الممتحنة
سورة النساء
سورة الزلزلة
سورة الحديد
سورة محمد
سورة الرعد
سورة الرحمن
سورة الإنسان
سورة الطلاق(
نزلت بعد الاحزاب بتسع سور قرانية يعني ان لم نتجاوز نقول انها نزلت بعد العام الخامس أو السادس الهجري وربما في العام السابع الهجري
)
سورة البينة
سورة الحشر
سورة النور
 

 
 والمحقق الناظر الي تقارب نزول سور [سورة الأحزاب ( العام الخامس او السادس) ثم سورة سورة الطلاق(نزلت بعد الاحزاب بتسع سور قرانية يعني ان لم نتجاوز ونقول انها نزلت بعد العام الخامس أو السادس الهجري وربما في العام السابع الهجري) ثم سورة الحشر/سورة النور ] سيعلم قطعا أن سورة الطلاق نزلت في جلجلة نزول هذه السور وفي حناياها زمنا أي ابان العامين الخامس والسادس الهجري وربما السابع الهجري
قال المباركفوري: في كتابه الرحيق المختوم:
 
 وهذه الغزوة وإن لم تكن طويلة الذيل، عريضة الأطراف من حيث الوجهة العسكريـة، إلا أنها وقعـت فيـها وقـائـع أحدثـت البلبلـة والاضطـراب فـي المجتمـع الإسلامي، وتمخضت عن افتضاح المنافقين، والتشريعات التعزيرية التي أعطت المجتمع الإسلامي صورة خاصة من النبل والكرامة وطهارة النفوس‏.‏ ونسرد الغزوة أولاً، ثم نذكر تلك الوقائع‏.‏ [ قلت المدون وأضيف أنها كانت أيضا سببا لنزول عدة سور:
1.  تفضح فيها سلوكيات المنافقين وعلي رأسهم ابن ابي بن سلول رأسهم
2.  كما أن نزول هذه السور كان بيانا شافيا لتحقق المؤمنين ومعرفتهم بتاريخ نزول عدة سور من القرآن الكريم غاية في الأهمية مثل سورة الطلاق التي نزل فيها تبديل شرعة الطلاق كاملة[إلا قليلا] من وجهها الأول المنزل سابقا في سورة البقرة الي الوجهة المحكمة المستيقنة دلالة وتاريخا لنهاية تشريعات الطلاق التي بدلها الله وأحكمها في سورة الطلاق
3.   كما أنه لم نكن نقدر علي معرفة البعد التاريخي لنزول سورة الطلاق بغير حدوث هذه الواقعة(غزوة بني المصطلق) والتي تضمنت نزول السورة السابقة عليها واللاحقة بعدها← فالسابقة عليها هي{سورة الأحزاب ← ثم 9 سور ← ثم نزلت سورة الطلاق← وبعدها البينة← فالحشر ←فسورة النور}  والتي لا تقل أهمية عن هذه الغزوات التي نزلت هي في حناياها]
 
قال المباركفوري:
كانت هذه الغزوة في شعبان سنة خمس عند عامة أهل المغازي، وسنة ست على قول ابن إسحاق‏.
وسببها أنه بلغه صلى الله عليه وسلم أن رئيس بني المصطلق الحارث بن أبي ضِرَار سار في قومه ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث بُرَيْدَة بن الحصيب الأسلمي لتحقيق الخبر، فأتاهم، ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه، ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر‏.‏
وبعد أن تأكد لديه صلى الله عليه وسلم صحة الخبر ندب الصحابة، وأسرع في الخروج، وكان خروجه لليلتين خلتا من شعبان، وخرج معه جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها، واستعمل على المدينة زيد بن حارثة، وقيل‏:‏ أبا ذر، وقيل‏:‏ نُمَيْلَة بن عبد الله الليثي، وكان الحارث بن أبي ضرار قد وجه عينًا ؛ ليأتيه بخبر الجيش الإسلامي، فألقي المسلمون عليه القبض وقتلوه‏.‏
ولما بلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم وقتله عينه، خافوا خوفاً شديداً وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المُرَيْسِيع ـ بالضم فالفتح مصغراً، اسم لماء من مياههم في ناحية قُدَيْد إلى الساحل ـ فتهيأوا للقتال‏.‏ وَصَفَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وراية المهاجرين مع أبي بكر الصديق، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فحملوا حملة رجل واحد، فكانت النصرة وانهزم المشركون، وقتل من قتل، وسبى رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء والذراري والنعم والشاء، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، قتله رجل من الأنصار ظناً منه أنه من العدو‏.‏
كذا قال أهل المغازي والسير، قال ابن القيم‏:‏ هو وَهْم، فإنه لم يكن بينهم قتال، وإنما أغار عليهم على الماء فسبي ذراريهم وأموالهم، كما في الصحيح أغار رسول صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وذكر الحديث‏.‏ انتهي‏.‏
وكان من جملة السبي‏:‏ جُوَيْرِيَة بنت الحارث سيد القوم، وقعت في سهم ثابت ابن قيس، فكاتبها، فـأدي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجهـا، فأعـتق المسلـمون بسبـب هـذا التزويـج مـائـة أهـل بيـت مـن بنـي المصطلق قـد 🍀
غزوة بني المصطلق وقعت احداثها في سنة 5 عند عامة اهل المغازي لكن ابن اسحاق قال في سنة 6 من الهجرة ( الرحيق المختوم )
فيها نزلت سور المنافقون التي نزلت بعد ( سورة المنافقون بعد سورة الحج وقبل سورة المجادلة) ثم نزلت سورة الطلاق← وبعدها البينة← فالحشر ←فسورة النور
 
🍀{سورة الأحزاب ← ثم 9 سور ← ثم نزلت سورة الطلاق← وبعدها البينة← فالحشر ←فسورة النور}🍀🍀
ونزل في شانه ايضا من سورة الحشر ( الاية 11 - )
🍀🍀
والاية من 12-20 من سورة الاحزاب 
 
ونزل في شأن حادثة الافك التي وقعت في هذه الغزوة غزوة بني المصطلق (سنة 5 عند عامة اهل المغازي او 6 عند ابن اسحاق ) في سورة النور ( ان الذين جاؤا بالافك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم ...الايات )
................
الرحيق المختوم مع زيادات
غزوة بني قريظة
وفي اليوم الذي رجع فيه رسول الله إلى المدينة، جاءه جبريل عليه السلام عند الظهر، وهو يغتسل في بيت أم سلمة، فقال: أو قد وضعت السلاح؟ فإن الملائكة لم تضع أسلحتهم، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم، فانهض بمن معك إلى بني قريظة، فإني سائر أمامك أزلزل بهم حصونهم، وأقذف في قلوبهم الرعب، فسار جبريل في موكبه من الملائكة.
فأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم مؤذنا فأذن في الناس: من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة. واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، وأعطى الراية علي بن أبي طالب، وقدّمه إلى بني قريظة فسار علي حتى إذ دنا من حصونهم سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وخرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم في موكبه من المهاجرين والأنصار، حتى نزل على بئر من آبار قريظة يقال لها بئر أنا، وبادر المسلمون إلى امتثال أمره، ونهضوا من فورهم، وتحركوا نحو قريظة، وأدركتهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصليها إلا في بني قريظة كما أمرنا، حتى أن رجالا منهم صلوا العصر بعد العشاء الآخرة، وقال بعضهم: لم يرد منا ذلك، وإنما أراد سرعة الخروج، فصلوها في الطريق، فلم يعنف واحدة من الطائفتين.
هكذا تحرك الجيش الإسلامي نحو بني قريظة أرسالا، حتى تلاحقوا بالنبي صلّى الله عليه وسلم، وهم ثلاثة آلاف، والخيل ثلاثون فرسا، فنازلوا حصون بني قريظة، وفرضوا عليهم الحصار.
ولما اشتد عليهم الحصار عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاث خصال: 1.إما أن يسلموا، ويدخلوا مع محمد صلّى الله عليه وسلم في دينه، فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم- وقد قال لهم: والله لقد تبين لكم أنه لنبي مرسل، وأنه الذي تجدونه في كتابكم- 2.وإما أن يقتلوا ذراريهم ونساءهم بأيديهم، ويخرجوا إلى النبي صلّى الله عليه وسلم بالسيوف مصلتين، يناجزونه حتى يظفروا بهم، أو يقتلوا عن آخرهم،3.
وإما أن يهجموا على رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأصحابه، ويكبسوهم يوم السبت؛ لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه، فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث،
(1/256)
وحينئذ قال سيدهم كعب بن أسد (في انزعاج وغضب) : ما بات رجل منكم منذ ولدته أمة ليلة واحدة من الدهر حازما.
ولم يبق لقريظة بعد رد هذه الخصال الثلاث إلا أن ينزلوا على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، 
 
 لكنهم أرادوا أن يتصلوا ببعض حلفائهم من المسلمين، لعلهم يتعرفون ماذا سيحل بهم إذا نزلوا على حكمه، 
 
فبعثوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن أرسل إلينا أبا لبابة نستشيره،   وكان حليفا لهم، وكانت أمواله وولده في منطقتهم، فلما رأوه قام إليه الرجال، 
 
 وجهش النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرق لهم، وقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟ 
 قال: نعم! وأشار بيده إلى حلقه، يقول إنه الذبح، 
 
 ثم علم من فوره أنه خان الله ورسوله فمضى على وجهه، ولم يرجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حتى أتى المسجد النبوي بالمدينة، فربط نفسه بسارية المسجد، وحلف أن لا يحله إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بيده، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبدا. 
 فلما بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم خبره- وكان قد استبطأه- قال: أما أنه لو جاءني لا ستغفرت له، أما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.
وبرغم ما أشار إليه أبو لبابة قررت قريظة النزول على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، 
 ولقد كان باستطاعة اليهود أن يتحملوا الحصار الطويل؛ لتوفر المواد الغذائية والمياه والآبار ومناعة الحصون، ولأن المسلمين كانوا يقاسون البرد القارس والجوع الشديد وهم في العراء، مع شدة التعب الذي اعتراهم؛ لمواصلة الأعمال الحربية من قبل بداية معركة الأحزاب، إلا أن حرب قريظة كانت حرب أعصاب، 
 فقد قذف الله في قلوبهم الرعب، وأخذت معنوياتهم تنهار، وبلغ هذا الانهيار إلى نهايته أن تقدم علي بن أبي طالب، والزبير بن العوام، وصاح على: يا كتيبة الإيمان، والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم.
 
وحينئذ بادروا إلى النزول على حكم رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم باعتقال الرجال، 
 فوضعت القيود في أيديهم تحت إشراف محمد بن سلمة الأنصاري، 
 وجعلت النساء والذراري بمعزل عن الرجال في ناحية، 
 
 وقامت الأوس إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج، وهؤلاء موالينا، فأحسن فيهم، فقال: ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ قالوا: بلى، قال: فذاك إلى سعد بن معاذ. قالوا: قد رضينا. (1/257)
 
فأرسل إلى سعد بن معاذ، وكان في المدينة، لم يخرج معهم؛ للجرح الذي كان أصاب أكحله في معركة الأحزاب، فأركب حمارا، وجاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فجعلوا يقولون وهم كنفيه: يا سعد، أجمل في مواليك فأحسن فيهم، فإن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قد حكمك لتحسن فيهم، وهو ساكت لا يرجع إليهم شيئا، فلما أكثروا عليه قال: لقد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فلما سمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعى إليهم القوم.
 
ولما انتهى سعد إلى النبي صلّى الله عليه وسلم قال للصحابة: قوموا إلى سيدكم. فلما أنزلوه قالوا:
يا سعد، إن هؤلاء القوم قد نزلوا على حكمك. قال: وحكمي نافذ عليهم؟ قالوا: نعم.
قال: وعلى المسلمين؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من ههنا؟ - وأعرض بوجهه، وأشار إلى ناحية رسول الله صلّى الله عليه وسلم إجلالا له وتعظيما- قال: نعم وعليّ.
قال: فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتسبى الذرية، وتقسم الأموال، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سماوات.
 
وكان حكم سعد في غاية العدل والإنصاف، فإن بني قريظة بالإضافة إلى ما ارتكبوا من الغدر الشنيع- كانوا قد جمعوا لإبادة المسلمين ألفا وخمسمائة سيف، وألفين من الرماح، وثلاثمائة درع، وخمسمائة ترس وحجفة، حصل عليها المسلمون بعد فتح ديارهم.
 
وأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحبست بنو قريظة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار، وحفرت لهم خنادق في سوق المدينة، ثم أمر بهم فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالا أرسالا، وتضرب في تلك الخنادق أعناقهم. فقال من كان بعد في الحبس لرئيسهم كعب بن أسد:
 
ما تراه يصنع بنا؟ فقال: أفي كل موطن لا تعقلون أما ترون الداعي لا ينزع؟ 
 والذاهب منكم لا يرجع؟ هو والله القتل. 
 وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة، فضربت أعناقهم.
 
وهكذا تم استئصال أفاعي الغدر والخيانة، الذين كانوا قد نقضوا الميثاق المؤكد، وعاونوا الأحزاب على إبادة المسلمين في أحرج ساعة كانوا يمرون بها في حياتهم- وكانوا قد صاروا بعملهم هذا من أكابر مجرمي الحروب الذين يستحقون المحاكمة والإعدام-.
 
وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير، وأحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي الله عنها، 
 كان قد دخل مع بني قريظة في حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان؛ وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه حينما جاء يثيره على الغدر والخيانة أيام (1/258)
 
غزوة الأحزاب، فلما أتي به- وعليه حلة قد شقها من كل ناحية بقدر أنملة لئلا يسلبها- مجموعة يداه إلى عنقه بحبل، قال لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: أما والله ما لمت نفسي في معاداتك، ولكن من يغالب الله يغلب. 
 
 ثم قال: أيها الناس، لا بأس بأمر الله، كتاب وقدر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل، ثم جلس فضربت عنقه.
وقتل من نسائهم امرأة واحدة، كانت قد طرحت الرحا على خلاد بن سويد فقتلته، فقتلت لأجل ذلك.
وكان قد أمر رسول الله بقتل من أنبت، وترك من لم ينبت، فكان ممن لم ينبت عطية القرظي، فترك حيا، فأسلم، وله صحبة.
واستوهب ثابت بن قيس الزبير بن باطا وأهله وماله- وكانت للزبير يد عند ثابت- فوهبهم له، فقال ثابت بن قيس: قد وهبك رسول الله صلّى الله عليه وسلم إليّ، ووهب لي مالك وأهلك فهم لك.
 
فقال الزبير بعد أن علم بمقتل قومه: سألتك بيدي عندك يا ثابت إلا ألحقتني بالأحبة، فضرب عنقه، وألحقه بالأحبة من اليهود، واستحيا ثابت- من ولد الزبير بن باطا- عبد الرحمن بن الزبير، فأسلم، وله صحبة. واستوهبت أم المنذر سلمى بنت قيس النجارية رفاعة بن سموأل القرظي، فوهبه لها، فاستحيته، فأسلم، وله صحبة.
وأسلم منهم تلك الليلة نفر من قبل النزول، فحقنوا دماءهم وأموالهم وذراريهم. وخرج تلك الليلة عمرو- وكان رجلا لم يدخل مع بني قريظة في غدرهم برسول الله صلّى الله عليه وسلم- فرآه محمد بن مسلمة قائد الحرس النبوي، فخلى سبيله حين عرفه، فلم يعلم أين ذهب.
وقسم رسول الله صلّى الله عليه وسلم أموال بني قريظة بعد أن أخرج منها الخمس، فأسهم للفارس ثلاثة أسهم، سهمان للفرس وسهم للفارس، وأسهم للراجل سهما واحدا، وبعث من السبايا إلى نجد تحت إشراف سعد بن زيد الأنصاري، فابتاع بها خيلا وسلاحا.
واصطفى رسول الله صلّى الله عليه وسلم لنفسه من نسائهم ريحانة بنت عمرو بن خناقة، فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه، هذا ما قاله ابن إسحاق «1» وقال الكلبي: إنه صلّى الله عليه وسلم أعتقها، وتزوجها سنة 6 هـ، وماتت مرجعه من حجة الوداع فدفنها بالبقيع «2» .
__________
(1)
انظر ابن هشام 2/ 245.
(2)
تلقيح فهوم أهل الأثر ص 12.
(1/259)
ولما أتم أمر قريظة أجيبت دعوة العبد الصالح سعد بن معاذ رضي الله عنه- التي قدمنا ذكرها في غزوة الأحزاب- وكان النبي صلّى الله عليه وسلم قد ضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما تم أمر قريظة انتقضت جراحته. قالت عائشة: فانفجرت من لبته فلم يرعهم- وفي المسجد خيمة من بني غفار- إلا والدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا يأتينا من قبلكم، فإذا سعد يغذوا جرحه دما، فمات منها «1» .
وفي الصحيحين عن جابر أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ «2» . وصحح الترمذي من حديث أنس: قال: لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون: ما أخف جنازته، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «إن الملائكة كانت تحمله» «3» .
قتل في حصار بني قريظة رجل واحد من المسلمين، وهو خلاد بن سويد، الذي طرحت عليه الرحى امرأة من قريظة، ومات في الحصار أبو سنان بن محصن أخو عكاشة.
أما أبو لبابة، فأقام مرتبطا ست ليال، تأتيه امرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة، ثم يعود فيرتبط بالجذع، ثم نزلت توبته على رسول الله صلّى الله عليه وسلم سحرا، وهو في بيت أم سلمة، فقامت على باب حجرتها، وقالت لي: يا أبا لبابة أبشر فقد تاب الله عليك، فثار الناس ليطلقوه، فأبى أن يطلقه أحد إلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فلما مر النبي صلّى الله عليه وسلم خارجا إلى صلاة الصبح أطلقه.
وقعت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة 5 هـ، ودام الحصار خمسا وعشرين ليلة «4» .
وأنزل الله تعالى في غزوة الأحزاب وبني قريظة آيات من سورة الأحزاب، علق فيها على أهم جزئيات الوقعة بين حال المؤمنين والمنافقين، ثم تخذيل الأحزاب، ونتائج الغدر من أهل الكتاب.
__________
(1)
صحيح البخاري 2/ 591.
(2)
صحيح البخاري 1/ 536، وصحيح مسلم 2/ 294، وجامع الترمذي 2/ 225.
(3)
جامع الترمذي 2/ 225.
(4)
ابن هشام 2/ 237، 238، وانظر لتفصيل هذه الغزوة ابن هشام 2/ 233 إلى 273 وصحيح البخاري 2/ 590، 591، زاد المعاد 2/ 72، 73، 74، مختصر سيرة الرسول للشيخ عبد الله النجدي ص 287، 288، 289، 290.
(1/260)
غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع (في شعبان سنة 6 هـ)
وهذه الغزوة وإن لم تكن طويلة الذيل، عريضة الأطراف، من حيث الوجهة العسكرية؛ إلا أنها وقعت فيها وقائع أحدثت البلبلة والاضطراب في المجتمع الإسلامي، وتمخضت عن افتضاح المنافقين، والتشريعات التعزيرية التي أعطت المجتمع الإسلامي صورة خاصة من النبل والكرامة وطهارة النفوس. ونسرد الغزوة أولا، ثم نذكر تلك الوقائع.
كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست من الهجرة على أصح الأقوال «1» . وسببها أنه بلغه صلّى الله عليه وسلم أن رئيس بني المصطلق الحارث بن أبي ضرار سار في قومه ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله، فبعث بريدة بن الحصيب الأسلمي؛ لتحقيق الخبر فأتاهم، ولقي الحارث بن أبي ضرار وكلمه ورجع إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره الخبر.
وبعد أن تأكد لديه صلّى الله عليه وسلم صحة الخبر ندب الصحابة، وأسرع في الخروج، وكان خروجه لليلتين خلتا من شعبان، وخرج معه جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها، واستعمل على
__________
(1)
والدليل على ذلك ما ثبت في حديث الإفك من أن القضية كانت بعد ما أنزل الحجاب، وآية الحجاب نزلت في شأن زينب، وزينب إذ ذاك كانت تحته، فإنه صلّى الله عليه وسلم سألها عن عائشة فقالت: أحمي سمعي وبصري. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم، وأما ما وقع في حديث الإفك من أن سعد بن معاذ وسعد بن عبادة تنازعا في أصحاب الإفك، ومعلوم أن سعد بن معاذ مات عقب غزوة بني قريظة، فالظاهر أن هذا وهم الراوي، فقد روى ابن إسحاق حديث الإفك عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة، فلم يذكر فيه سعد بن معاذ بل ذكر أسيد بن حضير، قال أبو محمد بن حزم: وهذا هو الصحيح الذي لا شك فيه، وذكر سعد بن معاذ وهم (وانظر زاد المعاد 2/ 115) والعجب من محمد الغزالي أنه نسب إلى ابن القيم أنه يعتبر هذه الغزوة من حوادث السنة الخامسة (فقه السيرة ص 223) مع أن كلامه في الهدي (2/ 115) يأبى عن ذلك.
(1/262)
المدينة زيد بن حارثة، وقيل أبا ذر، وقيل نميلة بن عبد الله الليثي، وكان الحارث بن ضرار قد وجه عينا؛ ليأتيه بخبر الجيش الإسلامي، فألقى المسلمون عليه القبض وقتلوه.
ولما بلغ الحارث بن أبي ضرار ومن معه مسير رسول الله صلّى الله عليه وسلم وقتله عينه، خافوا خوفا شديدا، وتفرق عنهم من كان معهم من العرب، وانتهى رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المريسيع- بالضم فالفتح مصغرا، اسم لماء من مياههم في ناحية قديد إلى الساحل- فتهيؤوا للقتال، وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلم أصحابه، وراية المهاجرين مع أبي بكر الصديق، وراية الأنصار مع سعد بن عبادة، فتراموا بالنبل ساعة، ثم أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم فحملوا حملة رجل واحد، فكانت النصرة. وانهزم المشركون، وقتل من قتل، وسبى رسول الله صلّى الله عليه وسلم النساء والذراري والنعم والشاء، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل واحد، قتله رجل من الأنصار ظنا منه أنه من العدو.
كذا قال أهل المغازي والسير، قال ابن القيم: وهو وهم، فإنه لم يكن بينهم قتال، وإنما أغار عليهم على الماء فسبى ذراريهم وأموالهم كما في الصحيح: أغار رسول الله صلّى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وذكر الحديث «1» انتهى.
وكان من جملة السبي جويرية بنت الحارث سيد القوم، وقعت في سهم ثابت بن قيس فكاتبها، فأدى عنها رسول الله صلّى الله عليه وسلم وتزوجها، فأعتق المسلمون بسبب هذا التزويج مائة أهل بيت من بني المصطلق قد أسلموا، وقالوا: أصهار رسول الله صلّى الله عليه وسلم «2» .
وأما الوقائع التي حدثت في هذه الغزوة؛ فلأجل أن مبعثها كان هو رأس النفاق عبد الله بن أبي وأصحابه؛ نرى أن نورد أولا شيئا من أفعالهم في المجتمع الإسلامي.
دور المنافقين قبل غزوة بني المصطلق:
قدمنا مرارا أن عبد الله بن أبي كان يحنق على الإسلام والمسلمين، ولا سيما على رسول الله صلّى الله عليه وسلم حنقا شديدا. لأن الأوس والخزرج كانوا قد اتفقوا على سيادته، وكانوا ينظمون له الخرز؛ ليتوجوه إذ دخل فيهم الإسلام، فصرفهم عن ابن أبي، كان يرى أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم هو الذي استلبه ملكه.
__________
(1)
وانظر صحيح البخاري كتاب العتق 1/ 345، وانظر أيضا فتح الباري 7/ 341.
(2)
زاد المعاد 2/ 112، 113، ابن هشام 2/ 289، 290، 294، 295.
(1/263)
وقد ظهر حنقه هذا وتحرقه منذ بداية الهجرة قبل أن يتظاهر بالإسلام، وبعد أن تظاهر به.
ركب رسول الله صلّى الله عليه وسلم مرة على حمار؛ ليعود سعد بن عبادة، فمر بمجلس فيه عبد الله بن أبي، فخمر ابن أبي أنفه وقال: لا تغبروا علينا. ولما تلا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على المجلس القرآن، قال:
اجلس في بيتك، ولا تغشنا في مجلسنا «1» .
وهذا قبل أن يتظاهر بالإسلام، ولما تظاهر به بعد بدر، لم يزل إلا عدوا لله ولرسوله وللمؤمنين، ولم يكن يفكر إلا في تشتيت المجتمع الإسلامي، وتوهين كلمة الإسلام، وكان يوالي أعداءه، وقد تدخل في أمر بني قينقاع كما ذكرنا، وكذلك جاء في غزوة أحد من الشر والغدر والتفريق بين المسلمين، وإثارة الارتباك والفوضى في صفوفهم بما مضى.
وكان من شدة مكر هذا المنافق وخداعه بالمؤمنين، أنه كان بعد التظاهر بالإسلام، يقوم كل جمعة حين يجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلم للخطبة، فيقول: هذا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بين أظهركم، أكرمكم الله وأعزكم به، فانصروه، وعزروه، واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس، فيقوم رسول الله صلّى الله عليه وسلم ويخطب، وكان من وقاحة هذا المنافق أنه قام في يوم الجمعة التي بعد أحد- مع ما ارتكبه من الشر والغدر الشنيع- قام ليقول ما كان يقوله من قبل، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه، وقالوا له: اجلس أي عدو الله، لست لذلك بأهل، وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرا أن قمت أشدد أمره، فلقيه رجل من الأنصار بباب المسجد فقال: ويلك، ارجع يستغفر لك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي «2» .
وكانت له اتصالات ببني النضير يؤامر معهم ضد المسلمين، حتى قال لهم: لئن أخرجتم لنخرجن معكم، ولئن قوتلتم لننصرنكم.
وكذلك فعل هو وأصحابه في غزوة الأحزاب من: إثارة القلق والاضطراب، وإلقاء الرعب والدهشة في قلوب المؤمنين ما قد قص الله تعالى في سورة الأحزاب وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً إلى قوله يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ
__________
(1)
ابن هشام 1/ 584، 587. صحيح البخاري 2/ 924، وصحيح مسلم 2/ 9.
(2)
ابن هشام 2/ 105.
(1/264)
يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا.
بيد أن جميع أعداء الإسلام من اليهود والمنافقين والمشركين كانوا يعرفون جيدا أن سبب غلبة الإسلام ليس هو التفوق المادي، وكثرة السلاح والجيوش والعدد؛ وإنما السبب هي القيم والأخلاق والمثل التي يتمتع بها المجتمع الإسلامي، وكل من يمت بصلة إلى هذا الدين، وكانوا يعرفون أن منبع هذا الفيض إنما هو رسول الله صلّى الله عليه وسلم، الذي هو المثل الأعلى- إلى حد الإعجاز- لهذه القيم.
كما عرفوا بعد إدارة دفة الحروب طيلة خمس سنين، أن القضاء على هذا الدين وأهله لا يمكن بطريق استخدام السلاح، فقرروا أن يشنوا حربا دعائية واسعة ضد هذا الدين من ناحية الأخلاق والتقاليد، وأن يجعلوا شخصية الرسول أول هدف لهذه الدعاية. ولما كان المنافقون هم الطابور الخامس في صفوف المسلمين، ولكونهم سكان المدينة، كان يمكن لهم الاتصال بالمسلمين واستفزاز مشاعرهم كل حين. تحمل فريضة الدعاية هؤلاء المنافقون، وعلى رأسهم ابن أبي.
وقد ظهرت خطتهم هذه جلية بعد غزوة الأحزاب، حينما تزوج رسول الله صلّى الله عليه وسلم بأم المؤمنين زينب بنت جحش، بعد أن طلقها زيد بن حارثة، كان من تقاليد العرب أنهم كانوا يعتبرون المتبنى مثل الابن الصلبي، فكانوا يعتقدون حرمة حليلة المتبنى على الرجل الذي تبناه، فلما تزوج النبي صلّى الله عليه وسلم بزينب وجد المنافقون ثلمتين- حسب زعمهم- لإثارة المشاغب ضد النبي صلّى الله عليه وسلم.
الأولى: أن زوجته هذه كانت زوجة خامسة، والقرآن لم يكن أذن في الزواج بأكثر من أربع نسوة، فكيف صح له هذا الزواج؟
الثانية: أن زينب كانت زوجة ابنه- متبناه- فالزواج بها من أكبر الكبائر، حسب تقاليد العرب- وأكثروا من الدعاية في هذا السبيل، واختلقوا قصصا وأساطير، قالوا: إن محمدا رآها بغتة، فتأثر بحسنها فشغفه حبا، وعلقت بقلبه، وعلم بذلك ابنه زيد فخلى سبيلها لمحمد، وقد نشروا هذه الدعاية المختلقة نشرا بقيت آثاره في كتب التفسير والحديث إلى هذا الزمان، وقد
(1/265)
أثرت تلك الدعاية أثرا قويا في صفوف الضعفاء حتى نزل القرآن بالآيات البينات، فيها شفاء لما في الصدور، وينبىء عن سعة نشر هذه الدعاية أن الله استفتح سورة الأحزاب بقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (33: 1) .
وهذه إشارات عابرة، وصورة مصغرة مما اقترفه المنافقون قبل غزوة بني المصطلق، وكان النبي صلّى الله عليه وسلم يكابد كل ذلك بالصبر واللين والتلطف، وكان عامة المسلمين يحترزون عن شرهم، أو يتحملونه بالصبر، إذ كانوا قد عرفوهم بافتضاحهم مرة بعد أخرى، حسب قوله تعالى:
أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (9: 126) .
دور المنافقين في غزوة بني المصطلق:
ولما كانت غزوة بني المصطلق، وخرج فيها المنافقون مثلوا قوله تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ فقد وجدوا متنفسين للتنفس بالشر فأثاروا الارتباك الشديد في صفوف المسلمين، والدعاية الشنيعة ضد النبي صلّى الله عليه وسلم، وهاك بعض التفصيل عنها.
1.
قول المنافقين: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَ
كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الغزو مقيما على المريسيع، ووردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير يقال له جهجاه الغفاري، فازدحم هو وسنان بن وبر الجهني على الماء، فاقتتلا، فصرخ الجهني: يا معشر الأنصار. وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ دعوها فإنها منتنة. وبلغ ذلك عبد الله بن أبي بن سلول فغضب- وعنده رهط من قومه، فيهم زيد بن أرقم غلام حدث- وقال: أو قد فعلوها، قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من حضره فقال لهم: هذا
(1/266)
ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.
فأخبر زيد بن أرقم عمه بالخبر، فأخبر عمه رسول الله صلّى الله عليه وسلم وعنده عمر، فقال عمر: مر عباد بن بشر فليقتله. فقال: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟ لا، ولكن أذن بالرحيل. وذلك في ساعة لم يكن يرتحل فيها، فارتحل الناس، فلقيه أسيد بن حضير فحياه، وقال: لقد رحلت في ساعة منكرة؟ فقال له: أو ما بلغك ما قال صاحبكم؟ يريد ابن أبي، فقال: وما قال؟ قال: زعم أنه إن رجع إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، قال:
فأنت يا رسول الله، تخرجه منها إن شئت، هو والله الذليل وأنت العزيز، ثم قال: يا رسول الله، ارفق به، فوالله لقد جاءنا الله بك، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه، فإنه يرى أنك استلبته ملكا.
ثم مشى بالناس يومهم ذلك حتى أمسى، وليلتهم حتى أصبح، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس، ثم نزل بالناس، فلم يلبثوا أن وجدوا مس الأرض، فوقعوا نياما. فعل ذلك؛ ليشغل الناس عن الحديث.
أما ابن أبي فلما علم. أن زيد بن أرقم بلغ الخبر جاء إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وحلف بالله ما قلت ما قال، ولا تكلمت به، وقال من حضر من الأنصار: يا رسول الله، عسى أن يكون الغلام قد أوهم في حديثه، ولم يحفظ ما قال الرجل، فصدقه، قال زيد: فأصابني هم لم يصبني مثله قط، فجلست في بيتي، فأنزل الله إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ إلى قوله هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا إلى لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ، فأرسل إليّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقرأها عليّ، ثم قال: إن الله قد صدقك «1» .
وكان ابن هذا المنافق- وهو عبد الله بن عبد الله بن أبي- رجلا صالحا من الصحابة الأخيار، فتبرأ من أبيه، ووقف له على باب المدينة، واستل سيفه، فلما جاء ابن أبي قال له:
والله لا تجوز من ههنا حتى يأذن لك رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فإنه العزيز وأنت الذليل، فلما جاء
__________
(1)
انظر صحيح البخاري 1/ 499، 2/ 727، 728، 729، وابن هشام 2/ 290، 291، 292.
(1/267)
النبي صلّى الله عليه وسلم أذن له، فخلى سبيله، وكان قد قال عبد الله بن عبد الله بن أبي: يا رسول الله إن أردت قتله فمرني بذلك، فأنا والله أحمل إليك رأسه «1» .
2.
حديث الافك:
وفي هذه الغزوة كانت قصة الإفك، وملخصها أن عائشة رضي الله عنها كانت قد خرج بها رسول الله صلّى الله عليه وسلم معه في هذه الغزوة بقرعة أصابتها، وكانت تلك عادته مع نسائه، فلما رجعوا من الغزوة نزلوا في بعض المنازل، فخرجت عائشة لحاجتها، ففقدت عقدا لأختها كانت أعارتها إياه، فرجعت تلتمسه في الموضع الذي فقدته فيه في وقتها، فجاء النفر الذين كانوا يرحلو هودجها فظنوها فيه فحملوا الهودج، ولا ينكرون خفته؛ لأنها رضي الله عنها كانت فتية السن يغشها اللحم الذي كان يثقلها، وأيضا فإن النفر لما تساعدوا على حمل الهودج لم ينكروا خفن؟؟
ولو كان الذي حمله واحدا أو اثنين لم يخف عليهما الحال، فرجعت عائشة إلى منازلهم، أصابت العقد، فإذا ليس به داع ولا مجيب، فقعدت في المنزل، وظنت أنهم سيفقدونها فيرجعون في طلبها، والله غالب على أمره، يدبر الأمر فوق عرشه كما يشاء، فغلبتها عيناها، فنامت، فلم تستيقظ إلا بقول صفوان بن المعطل: إنا لله وإنا إليه راجعون، زوجة رسول الله صلّى الله عليه وسلم؟ - وكان صفوان قد عرس في أخريات الجيش لأنه كان كثير النوم، فلما رآها عرفها، وكان يراها قبل نزول الحجاب، فاسترجع وأناخ راحلته، فقربها إليها، فركبتها، وما كلمها كلمة واحدة، ولم تسمع منه إلا استرجاعه، ثم سار بها يقودها، حتى قدم بها، وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة، فلما رأى ذلك الناس تكلم كل منهم بشاكلته، وما يليق به، ووجد الخبيث عدو الله ابن أبي متنفسا، فتنفس من كرب النفاق والحسد الذي بين ضلوعه، فجعل يستحكي الإفك، ويستوشيه، ويشيعه، ويذيعه، ويجمعه، ويفرقه، وكان أصحابه يتقربون به إليه، فلما قدموا المدينة أفاض أهل الإفك في الحديث، ورسول الله صلّى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم، ثم استشار أصحابه- لما استلبث الوحي طويلا- في فراقها، فأشار عليه علي رضي الله عنه أن يفارقها، ويأخذ غيرها، تلويحا لا تصريحا، وأشار عليه أسامة وغيره بإمساكها، وأن لا يلتفت إلى كلام الأعداء. فقام على المنبر يستعذ من عبد الله بن أبي، فأظهر أسيد بن حضير
__________
(1)
نفس المصدر الأخير، ومختصر السيرة للشيخ عبد الله النجدي ص 277.
(1/268)
سيد الأوس رغبته في قتله، فأخذت سعد بن عبادة- سيد الخزرج وهي قبيلة ابن أبي- الحمية القبلية، فجرى بينهما كلام تثاور له الحيان، فخفضهم رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى سكتوا وسكت.
أما عائشة؛ فما رجعت مرضت شهرا، وهي لا تعلم عن حديث الإفك شيئا، سوى أنها كانت لا تعرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلم اللطف الذي كانت تعرفه حين تشتكي، فلما نقهت خرجت مع أم مسطح إلى البراز ليلا، فعثرت أم مسطح في مرطها، فدعت على ابنها، فاستنكرت ذلك عائشة منها، فأخبرتها الخبر، فرجعت عائشة واستأذنت رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ لتأتي أبويها وتستيقن الخبر، ثم أتتهما بعد الإذن حتى عرفت جلية الأمر، فجعلت تبكي، فبكت ليلتين ويوما، لم تكن تكتحل بنوم، ولا يرقأ لها دمع، حتى ظنت أن البكاء فاتق كبدها، وجاء رسول الله صلّى الله عليه وسلم في ذلك، فتشهد وقال: أما بعد يا عائشة، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه، ثم تاب إلى الله تاب الله عليه.
وحينئذ قلص دمعها، وقالت لكل من أبويها أن يجيبا، فلم يدريا ما يقولان، فقالت: والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم، وصدقتم به، فلئن قلت لكم: إني بريئة- والله يعلم أني بريئة- لا تصدقوني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر- والله يعلم إني منه بريئة- لتصدقني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف. قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ.
ثم تحولت واضطجعت، ونزل الوحي ساعته، فسرّي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: يا عائشة، أما الله فقد برأك، فقالت لها أمها: قومي إليه..
فقالت عائشة- إدلالا ببراءة ساحتها، وثقة بمحبة رسول الله صلّى الله عليه وسلم-: والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله.
والذي أنزله الله بشأن الإفك هو قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ. العشر الآيات.
وجلد من أهل الإفك مسطح بن أثاثة، وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، جلدوا ثمانين، ولم يحد الخبيث عبد الله بن أبي مع أنه رأس أهل الإفك، والذي تولى كبره، إما لأن
(1/269)
الحدود تخفيف لأهلها، وقد وعده الله بالعذاب العظيم في الآخرة، وإما للمصلحة التي ترك لأجلها قتله «1» .
وهكذا وبعد شهر أقشعت سحابة الشك والارتياب والقلق والاضطراب عن جو المدينة، وافتضح رأس المنافقين افتضاحا لم يستطع أن يرفع رأسه بعد ذلك، قال ابن إسحاق: وجعل بعد ذلك إذا أحدث الحدث كان قومه هم الذين يعاتبونه ويأخذونه ويعنفونه. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لعمر: كيف ترى يا عمر؟ أما والله لو قتلته يوم قلت لي اقتله لأرعدت له أنف، ولو أمرتها اليوم بقتله لقتلته. قال عمر: قد والله علمت لأمر رسول الله صلّى الله عليه وسلم أعظم بركة من أمري «2» .
__________
(1)
صحيح البخاري 1/ 364، 2/ 696، 697، 698، زاد المعاد 2/ 113، 114، 115 وابن هشام 2/ 297 إلى 307.
(2)
ابن هشام 2/ 293.
(1/270)
العبر والدلالات
1-
تدلنا معالجة النبي صلّى الله عليه وسلم للمشكلة التي استغلها عبد الله بن أبيّ سلول، بالشكل الذي علمناه، على مدى ما قد آتاها الله من براعة فائقة في سياسة الأمور وتربية الناس والتغلب على مشاكلهم، فقد استقبل الأمر بصدر أرحب من ذلك، فلم يعالج الأمر بعاطفة متأثرة، وإنما ترك الحكمة هي التي تدبر، فأمر القوم بالمسير في وقت لم يكونوا يعتادونه، كي ينشغلوا بالسير عن الاجتماع على المحادثة والكلام، واستمر معهم في السير بقية اليوم والليل كله وصدرا من اليوم الثاني، كي لا يدع لهم مجالا يفرغ فيه المنافقون للخوض في الحديث الباطل، فما أن حطوا رحالهم حتى ذهبوا في سبات عميق.
حتى لما وصل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى المدينة، وانتظر الناس شدة منه على المنافقين، لذلك جاء عبد الله بن عبد الله بن أبي سلول يعرض على الرسول صلّى الله عليه وسلم أن يتولى هو قتل أبيه إذا كان يرد أن يحكم بذلك، ولكنه فوجىء بما لم يكن يتوقع، حينما سمع من النبي صلّى الله عليه وسلم: «بل نترفق به، ونحسن صحبته ما بقي معنا» .
وكان من نتيجة هذه الحكمة أن ترك المنافقون رئيسهم وتخلى عنه قومه، وراحوا يعنفونه ويفضحون أمره إذا ما أراد أن يتصرف بشيء مؤذ.
2-
قصة الإفك، كانت إحدى المحن التي تعرض لها رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ولقد كانت هذه الأذية أشد في وقعها على نفسه من كل المحن السابقة.
ومرة أخرى تجلت الحكمة الإلهية لتظهر حقيقة رسول الله صلّى الله عليه وسلم وبشريته وإنسانيته، وذلك في تأخير نزول الوحي معلقا على هذه الحادثة، كاشفا لحقيقتها، فاضحا أمر المنافقين.
فكانت الحكمة الإلهية متجهة إلى إبراز شخصية النبي صلّى الله عليه وسلم، وإظهارها صافية غير مشوبة، فقد استقبل النبي صلّى الله عليه وسلم هذه الشائعة كما يستقبل مثلها أي بشر من الناس، ليس له اطلاع على غيب مكنون، ولا ضمير مجهول، فاضطرب كما يضطربون، وشكّ كما يشكّون، وأخذ يقلّب الرأي على وجوهه، ويستشير أهل الرأي من أصحابه.
فهو بشر من الناس، والوحي ليس تحت تصرفه، يأتي إليه عندما يطلب، كل ذلك حكمة بالغة للتدليل على عدم الغلو في شخص النبي صلّى الله عليه وسلم، وعدم الركون إلى كلام المشككين في حقيقة الوحي.
(1/272)
...................

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق