1.سورة الاخلاص

............................................................................................................... *

  القرآن الكريم مكتوبا كاملا

110. ب مم.

·  تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث

Translate ***

15.موقع جادو

باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود  /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج  طبيعة 1. / /طلبعة 3.

الثلاثاء، 1 مايو 2018

8.المغازي

8 المغازي للواقدي من الشاملة


من الشاملة
وَمِنْ مُزَيْنَةَ رَجُلَانِ وَهْبُ بْنُ قَابُوسٍ وَابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ قَابُوسٍ [ ص 301 ]
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا : عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ; وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ وَعِمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكَنِ ; وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ قَتَلَهُ أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ حَرْبٍ ; وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ ، قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ; وَرِفَاعَةُ ابْنُ وَقْشٍ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ; وَالْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ خَطَأً وَيُقَالُ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ قَتَلَهُ خَطَأً وَصَيْفِيّ بْنُ قَيْظِيّ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَالْحَبَابُ بْنُ قَيْظِيّ وَعَبّادُ بْنُ سَهْلٍ ، قَتَلَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ .
وَمِنْ أَهْلِ رَاتِجَ ، وَهُمْ إلَى عَبْدِ الْأَشْهَلِ إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ ابْنِ زَعُورَاءَ بْنِ جُشَمٍ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ; وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ ، قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ; وَحَبِيبُ بْنُ قِيَمٍ .
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ : أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَهُوَ أَبُو الْبَنَاتِ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُقَاتِلُ ثُمّ أَرْجِعُ إلَى بَنَاتِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَ اللّهُ عَزّ وَجَل
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ : حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ ، قَتَلَهُ الْأَسْوَدُ ابْنُ شَعُوبٍ .
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ : أَنِيسُ بْنُ قَتَادَةَ ، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ ابْنُ شَرِيق ٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ أَمِيرُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى [ ص 302 ] الرّمَاةِ قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ .
وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ : خَيْثُمَةُ أَبُو سَعْدٍ قَتَلَهُ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ .
وَمِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ ، قَتَلَهُ ابْنُ الزّبَعْرَى .
وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ : سَبِيقُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هَيْشَةَ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ - ثَمَانِيَةٌ .
وَمِنْ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَتَلَهُ صَفْوَانُ ابْنُ أُمَيّةَ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . وَأَوْسُ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبٍ - أَرْبَعَةٌ .
وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ وَهُمْ بَنُو خَدِرَةَ : مَالِكُ بْنُ سِنَانِ بْنِ الْأَبْجَرِ وَهُوَ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، قَتَلَهُ غُرَابُ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعْدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمّارِ بْنِ الْأَبْجَرِ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ - ثَلَاثَةٌ .
وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ : ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُمَيْلَةَ وَحَارِثَةُ بْنُ عَمْرٍو ; وَنَفْثُ بْنُ فَرْوَةَ بْنِ الْبَدِيّ - ثَلَاثَةٌ .
وَمِنْ بَنِي طَرِيفٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ ; وَقَيْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَطَرِيفٌ وَضَمْرَةُ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ .
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، مِنْ بَنِي سَالِمٍ ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ [ ص 303 ] الْعَجْلَانِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ وَالْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنُ نَضْلَةَ ، قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ السّلَمِيّ ; وَالنّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ قَتَلَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ; وَعَبَدَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . وَمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ قَتَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ غِيلَةً .
حَدّثَنِي الْيَمَانُ بْنُ مَعَنٍ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ قَالَ دُفِنَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَوْمَأُحُدٍفِي قَبْرٍ وَاحِدٍ - نُعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَالْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ وَعَبَدَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ .
وَكَانَتْ قِصّةُ مُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ أَنّ حُضَيْرَ الْكَتَائِبِ جَاءَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَكَلّمَ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ ، وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَأَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ - وَيُقَالُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ - فَقَالَ تَزُورُونِي فَأَسْقِيكُمْ مِنْ الشّرَابِ وَأَنْحَرُ لَكُمْ وَتُقِيمُونَ عِنْدِي أَيّامًا . قَالُوا : نَحْنُ نَأْتِيك يَوْمَ كَذَا وَكَذَا . فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ جَاءُوهُ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا وَسَقَاهُمْ الْخَمْرَ وَأَقَامُوا عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ حَتّى تَغَيّرَ اللّحْمُ وَكَانَ سُوَيْدٌ يَوْمئِذٍ شَيْخًا كَبِيرًا . فَلَمّا مَضَتْ الثّلَاثَةُ الْأَيّامِ قَالُوا : مَا نُرَانَا إلّا رَاجِعِينَ إلَى أَهْلِنَا . فَقَالَ حُضَيْرٌ مَا أَحْبَبْتُمْ إنْ أَحْبَبْتُمْ فَأَقِيمُوا ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ فَانْصَرِفُوا . فَخَرَجَ الْفِتْيَانُ بِسُوَيْدٍ يَحْمِلَانِهِ حَمْلًا مِنْ الثّمْلِ فَمَرّوا لَاصِقَيْنِ بِالْحَرّةِ حَتّى كَانُوا قَرِيبًا مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ - وَهِيَ وِجَاهَ بَنِي سَالِمٍ إلَى مَطْلَعِ الشّمْسِ . فَجَلَسَ سُوَيْدٌ وَهُوَ يَبُولُ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ سُكْرًا ; فَبَصُرَ بِهِ إنْسَانٌ مِنْ الْخَزْرَجِ ، فَخَرَجَ حَتّى أَتَى الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ فَقَالَ هَلْ لَك فِي الْغَنِيمَةِ الْبَارِدَةِ ؟ قَالَ مَا هِيَ ؟ قَالَ سُوَيْدٌ أَعَزْلُ لَا سِلَاحَ مَعَهُ ثَمِلٌ قَالَ فَخَرَجَ الْمُجَذّرُ [ ص 304 ] بْنُ ذِيَادٍ بِالسّيْفِ صَلْتًا ، فَلَمّا رَآهُ الْفَتَيَانِ وَلّيَا ; وَهُمَا أَعَزَلَانِ لَا سِلَاحَ مَعَهُمَا - وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - فَانْصَرَفَا سَرِيعَيْنِ . وَثَبَتَ الشّيْخُ وَلَا حَرَاكَ بِهِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ مُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ فَقَالَ قَدْ أَمْكَنَ اللّهُ مِنْك فَقَالَ مَا تُرِيدُ بِي ؟
قَالَ قَتْلَك . قَالَ فَارْفَعْ عَنْ الطّعَامِ وَاخَفْضِ عَنْ الدّمَاغِ وَإِذَا رَجَعْت إلَى أُمّك فَقُلْ إنّي قَتَلْت سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ . وَكَانَ قَتْلُهُ هَيّجَ وَقْعَةَ بُعَاثَ ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ وَمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ فَشَهِدَا بَدْرًا فَجَعَلَ الْحَارِثُ يَطْلُبُ مُجَذّرًا لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ أَتَاهُ الْحَارِثُ مِنْ خَلْفِهِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
فَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ثُمّ خَرَجَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، فَلَمّا رَجَعَ مِنْ حَمْرَاءِ الْأَسَد ِ ِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَأَخْبَرَهُ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ قَتَلَ مُجَذّرًا غِيلَةً وَأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ .
فَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى قُبَاءٍ فِي الْيَوْمِ الّذِي أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ فِي يَوْمٍ حَارّ وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمًا لَا يَرْكَبُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى قُبَاءٍ ; إنّمَا كَانَتْ الْأَيّامُ الّتِي يَأْتِي فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبَاءَ يَوْمَ السّبْتِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ .
فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ صَلّى فِيهِ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يُصَلّيَ وَسَمِعَتْ الْأَنْصَارُ فَجَاءَتْ تُسَلّمُ عَلَيْهِ وَأَنْكَرُوا إتْيَانَهُ فِي تَلِك السّاعَةِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُ وَيَتَصَفّحُ النّاسَ حَتّى طَلَعَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ فِي مِلْحَفَةٍ مُوَرّسَةٍ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ [ ص 305 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَا عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ فَقَالَ لَهُ قَدِمَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ بِمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ فَإِنّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ .
فَأَخَذَهُ عُوَيْمٌ فَقَالَ الْحَارِثُ دَعْنِي أُكَلّمْ رَسُولَ اللّهِ فَأَبَى عُوَيْمٌ عَلَيْهِ فَجَابَذَهُ يُرِيدُ كَلَامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ وَدَعَا بِحِمَارِهِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ الْحَارِثُ يَقُولُ قَدْ وَاَللّهِ قَتَلْته يَا رَسُولَ اللّهِ . وَاَللّهِ مَا كَانَ قَتْلِي إيّاهُ رُجُوعًا عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَا ارْتِيَابًا فِيهِ وَلَكِنّهُ حَمِيّةَ الشّيْطَانِ وَأَمْرٌ وُكِلْت فِيهِ إلَى نَفْسِي . وَإِنّي أَتُوبُ إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمّا عَمِلْت ، وَأُخْرِجُ دِيَتَهُ وَأَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَأُعْتِقُ رِقْبَةً وَأُطْعِمُ سِتّينَ مِسْكِينًا ; إنّي أَتُوبُ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجَعَلَ يُمْسِكُ بِرِكَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَنُو الْمُجَذّرِ حُضُورٌ لَا يَقُولُ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْئًا حَتّى إذَا اسْتَوْعَبَ كَلَامَهُ قَالَ قَدّمْهُ يَا عُوَيْمُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدِمَهُ عُوَيْمُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ . وَيُقَالُ إنّ خُبَيْبَ بْنَ يِسَافٍ نَظَرَ إلَيْهِ حَيْنَ ضَرَبَ عُنُقَهُ فَجَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ يَفْحَصُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حِمَارِهِ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَخَبّرَهُ بِذَلِكَ فِي مَسِيرِهِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُوَيْمًا فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
يَا حَارِ فِي سِنَةٍ مِنْ نَوْمِ أَوّلِكُمْ أَمْ كُنْت وَيْلَك مُغْتَرّا بِجِبْرِيلَ [ ص 306 ] وَأَنْشَدَنِي مُجَمّعُ بْنُ يَعْقُوبَ وَأَشْيَاخُهُمْ أَنّ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ قَالَ عِنْدَ مَقْتَلِهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ
أَبْلِغْ جُلَاسًا وَعَبْدَ اللّهِ مَأْلُكَةً

وَإِنْ كَبِرَتْ فَلَا تَخْذُلْهُمَا حَارِ
اُقْتُلْ جِدَارَةَ إمّا كُنْت لَاقِيَهَا

وَالْحَيّ عَوْفًا عَلَى عُرْفٍ وَإِنْكَارِ
وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ : عَنْتَرَةُ مَوْلَى بَنِي سَلِمَةَ قَتَلَهُ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ .
وَمِنْ بَلْحُبْلَى : رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرٍو .
وَمِنْ بَنِي حَرَامٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ ; وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ ; وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، قَتَلَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ جَعُونَةَ - ثَلَاثَةٌ . وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ : الْمُعَلّى بْنُ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ رُسْتُمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ .
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ : ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ ابْنِ شَرِيقٍ .
وَمِنْ بَنِي النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادٍ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ، قَتَلَهُ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ ; وَابْنُهُ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو ; وَسَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو ; وَعَامِرُ بْنُ مُخَلّدٍ . وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ : أَبُو أُسَيْرَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرِو ابْنِ مَالِكٍ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَعَمْرُو بْنُ مُطَرّفِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرٍو
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ ، وَهُمْ بَنُو مُغَالَةَ أَوْسُ بْنُ حَرَامٍ .
[ ص 307 ] وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ : أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ ضَمْضَمَ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ .
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ : قَيْسُ بْنُ مُخَلّدٍ وَكَيْسَانُ مَوْلَاهُمْ وَيُقَالُ عَبْدٌ لَهُمْ لَمْ يَعْتِقْ .
وَمِنْ بَنِي دِينَارٍ : سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ وَالنّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ، وَهُمَا ابْنَا السّمَيْرَاءِ بِنْتِ قَيْسٍ .
اُسْتُشْهِدَ مِنْ بَنِي النّجّارِ اثْنَا عَشَرَ .

(1/301)




تَسْمِيَةُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ .
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ : طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَحْمِلُ لِوَاءَهُمْ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ; وَمُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ; وَالْحَارِثُ بْنُ طَلْحَةَ قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَكِلَابُ بْنُ طَلْحَةَ قَتَلَهُ الزّبَيْرُ ابْنُ الْعَوّامِ وَالْجُلَاسُ بْنُ طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ; وَأَرْطَاةُ بْنُ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَقَاسِطُ بْنُ [ ص 308 ] شُرَيْحِ بْنِ عُثْمَانَ - ثُمّ حَمَلَهُ صُؤَابٌ - فَيُقَالُ قَتَلَهُ قُزْمَانُ ; وَأَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ قَتَلَهُ قُزْمَانُ .
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ : أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَسِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْخُزَاعِيّ وَاسْمُ عَبْدِ الْعُزّى عَمْرُو بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبّاسِ بْنِ سُلَيْمٍ وَهُوَ ابْنُ أُمّ أَنْمَارٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ هِشَامُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامٍ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ; وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْعُقَيْلِيّ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ . حَدّثْنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِيّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَقْبَلَ قُزْمَانُ يَشُدّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَلَقّاهُ خَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاجِلٌ فَاضْطَرَبَا بِأَسْيَافِهِمَا . فَيَمُرّ بِهِمَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَحَمَلَ الرّمْحَ عَلَى قُزْمَانَ ، فَسَلَكَ الرّمْحُ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ شَطَبَ الرّمْحَ وَمَضَى خَالِدٌ وَهُوَ يَرَى أَنّهُ قَدْ قَتَلَهُ . فَضَرَبَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَهُمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَطَعَنَهُ أُخْرَى فَلَمْ يُجْهِزْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَالَا يَتَجَاوَلَانِ حَتّى قَتَلَ قُزْمَانُ خَالِدَ بْنَ الْأَعْلَمِ وَمَاتَ قُزْمَانُ مِنْ جِرَاحَةٍ بِهِ مِنْ سَاعَتِهِ . وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ - خَمْسَةٌ .
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : عُبَيْدُ بْنُ حَاجِزٍ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّبِ قَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ .
وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ : أَبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ وَهُوَ [ ص 309 ] أَبُو عَزّةَ أَخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسِيرًا يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يَأْخُذْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ أَسِيرًا غَيْرَهُ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ ، مُنّ عَلَيّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ وَلَا تَرْجِعْ إلَى مَكّةَ تَمْسَحْ عَارِضَيْك تَقُولُ سَخِرْت بِمُحَمّدٍ مَرّتَيْنِ ثُمّ أَمَرَ بِهِ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ الْوَاقِدِيّ : وَسَمِعْنَا فِي أَسْرِهِ غَيْرَ ذَلِكَ . حَدّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ قَالَ لَمّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ نَزَلُوا بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فِي أَوّلِ اللّيْلِ سَاعَةً ثُمّ رَحَلُوا وَتَرَكُوا أَبَا عَزّةَ نَائِمًا مَكَانَهُ حَتّى ارْتَفَعَ النّهَارُ وَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ مُسْتَنْبِهٌ يَتَلَدّدُ وَكَانَ الّذِي أَخَذَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَمَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ َمنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ : خَالِدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ وَأَبُو الشّعْثَاءِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ وَأَبُو الْحَمْرَاءِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ وَغُرَابُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ .
قَالُوا : فَلَمّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَمْوَاتِهِمْ فَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِيمَنْ أُتِيَ بِهِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوّلًا ; صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسّلُهُ لِأَنّ حَمْزَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ جُنُبًا ذَلِكَ الْيَوْمَ . وَلَمْ يُغَسّلْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّهَدَاءَ ، وَقَالَ لُفّوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَجِرَاحِهِمْ فَإِنّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِجُرْحِهِ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ رِيحُ مِسْكٍ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضَعُوهُمْ أَنَا الشّهِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَة فَكَانَ حَمْزَةُ أَوّلَ مَنْ كَبّرَ عَلَيْهِ [ ص 310 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعًا .
ثُمّ جَمَعَ إلَيْهِ الشّهَدَاءَ ، فَكَانَ كُلّمَا أُتِيَ بِشَهِيدٍ وَضَعَ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَصَلّى عَلَيْهِ وَعَلَى الشّهَدَاءِ ، حَتّى صَلّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ مَرّةً لِأَنّ الشّهَدَاءَ سَبْعُونَ . وَيُقَالُ كَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ فَيُصَلّي عَلَيْهِمْ ثُمّ يَرْفَعُ التّسْعَةَ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ وَيُؤْتَى بِتِسْعَةٍ آخَرِينَ فَيُوضَعُونَ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَيُصَلّي عَلَيْهِمْ حَتّى فَعَلَ ذَلِكَ سَبْعَ مَرّاتٍ . وَيُقَالُ كَبّرَ عَلَيْهِمْ تِسْعًا وَسَبْعًا وَخَمْسًا .
وَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَابْنُ عَبّاسٍ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، يَقُولُونَ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدٌ . فَقَالَ أَبُو بَكْر ٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَيْسُوا إخْوَانَنَا ; أَسْلَمُوا كَمَا أَسْلَمْنَا ، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا ؟ قَالَ بَلَى ، وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يَأْكُلُوا مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَلَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي . فَبَكَى أَبُو بَكْر ٍ وَقَالَ إنّا لَكَائِنُونَ بَعْدَك ؟
وَحَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ لَمْ يُصَلّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَحَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِثْلَهُ .

(1/308)




وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ احْفِرُوا ، وَأَوْسِعُوا ، وَأَحْسِنُوا ، وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ وَقَدّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَدّمُونَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فِي الْقَبْرِ . وَكَانَ مِمّنْ يُعْرَفُ أَنّهُ دُفِنَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ وَالنّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ فِي [ ص 311 ] قَبْرٍ وَاحِدٍ . فَلَمّا وَارَوْا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبُرْدَةٍ تُمَدّ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ فَجَعَلَتْ الْبُرْدَةُ إذَا خَمّرُوا رَأْسَهُ بَدَتْ قَدَمَاهُ وَإِذَا خَمّرُوا رِجْلَيْهِ تَنْكَشِفُ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَطّوا وَجْهَهُ وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْحَرْمَلَ فَبَكَى الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ عَمّ رَسُولِ اللّهِ لَا نَجِدُ لَهُ ثَوْبًا فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَفْتَتِحُ - يَعْنِي الْأَرْيَافَ وَالْأَمْصَارَ - فَيَخْرُجُ إلَيْهَا النّاسُ ثُمّ يُبْعَثُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ إنّكُمْ بِأَرْضِ حِجَازٍ جَرْدِيّةٍ [ الْجَرْدِيّةُ الّتِي لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْجَارِ ] وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَصْبِرُ وَاحِدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدّتِهَا إلّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا - أَوْ شَهِيدًا - يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَالُوا : وَأَتَى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ فَقَالَ حَمْزَةُ - أَوْ رَجُلٌ آخَرُ - لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إلّا بُرْدَةٌ وَكَانَا خَيْرًا مِنّي
وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَهُوَ مَقْتُولٌ فِي بُرْدَةٍ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُك بِمَكّةَ وَمَا بِهَا أَحَدٌ أَرَقّ حُلّةً وَلَا أَحْسَنَ لِمّةً مِنْك ; ثُمّ أَنْتَ شَعِثُ الرّأْسِ فِي بُرْدَةٍ . ثُمّ أَمَرَ بِهِ يُقْبَرُ وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ أَخُوهُ أَبُو الرّومِ ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرْمَلَةَ
وَنَزَلَ فِي قَبْرِ حَمْزَةَ عَلِيّ ، وَالزّبَيْرُ وَأَبُو بَكْر ٍ ، وَعُمَرُ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ عَلَى حُفْرَتِهِ . وَكَانَ النّاسُ أَوْ عَامّتُهُمْ قَدْ حَمَلُوا قَتَلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدُفِنَ بِبَقِيعِ الْجَبَلِ مِنْهُمْ عِدّةٌ عِنْدَ دَارِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْيَوْمَ بِالسّوقِ سُوقِ الظّهْرِ وَدُفِنَ بِبَنِي سَلِمَةَ بَعْضُهُمْ وَدُفِنَ مَالِكُ بْنُ سِنَانَ فِي مَوْضِعِ أَصْحَابِ الْعَبَاءِ الّذِي عِنْدَ دَارِ نَخْلَةَ . ثُمّ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُدّوا الْقَتْلَى إلَى مَضَاجِعِهِمْ وَكَانَ النّاسُ قَدْ دَفَنُوا قَتَلَاهُمْ فَلَمْ يُرَدّ أَحَدٌ إلّا رَجُلًا وَاحِدًا أَدْرَكَهُ الْمُنَادِي وَلَمْ يُدْفَنْ وَهُوَ شَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيّ ، كَانَ حُمِلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَبِهِ رَمَقٌ فَأُدْخِلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي اللّهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ابْنُ عَمّي يُدْخَلُ عَلَى غَيْرِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْمِلُوهُ إلَى أُمّ سَلَمَةَ . فَحُمِلَ إلَيْهَا فَمَاتَ عِنْدَهَا ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ نَرُدّهُ إلَى أُحُدٍ ، فَدُفِنَ هُنَاكَ كَمَا هُوَ فِي ثِيَابِهِ الّتِي مَاتَ فِيهَا ، وَكَانَ قَدْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً . وَلَكِنّهُ لَمْ يُذَقْ شَيْئًا ، وَلَمْ يُصَلّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يُغَسّلْهُ [ ص 312 ]
قَالُوا : وَكَانَ مَنْ دُفِنَ هُنَاكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنّمَا دُفِنَ فِي الْوَادِي .
وَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ إذَا سُئِلَ عَنْ تِلْكَ الْقُبُورِ الْمُجْتَمِعَةِ بِأُحُدٍ يَقُولُ قَوْمٌ مِنْ الْأَعْرَابِ كَانُوا زَمَانَ الرّمَادَةِ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ هُنَاكَ فَمَاتُوا فَتِلْكَ قُبُورُهُمْ .
وَكَانَ عَبّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيّ يُنْكِرُ تِلْكَ الْقُبُورِ وَيَقُولُ إنّمَا هُمْ قَوْمٌ مَاتُوا زَمَانَ الرّمَادَةِ . وَكَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ يَقُولَانِ لَا نَعْرِفُ تِلْكَ الْقُبُورِ الْمُجْتَمِعَةِ إنّمَا هِيَ قُبُورُ نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ; وَقُبُورٌ مَنْ قُبُورِ الشّهَدَاءِ قَدْ غُيّبَتْ لَا نَعْرِفُهُمْ بِالْوَادِي وَبِالْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا ، إلّا أَنّا نَعْرِفُ قَبْرَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَقَبْرَ [ ص 313 ] سَهْلِ بْنِ قَيْسٍ ، وَقَبْرَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ .
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَزُورُهُمْ فِي كُلّ حَوْلٍ وَإِذَا تَفَوّهَ الشّعْبَ رَفَعَ صَوْتَهُ فَيَقُولُ السّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ ثُمّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كُلّ حَوْلٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ثُمّ مُعَاوِيَةُ حَيْنَ مَرّ حَاجّا أَوْ مُعْتَمِرًا

(1/311)




وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَيْتَ أَنّي غُودِرْت مَعَ أَصْحَابِ الْجَبَلِ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَأْتِيهِمْ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَالثّلَاثَةِ فَتَبْكِي عِنْدَهُمْ وَتَدْعُو وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَذْهَبُ إلَى مَالِهِ بِالْغَابَةِ فَيَأْتِي مِنْ خَلْفِ قُبُورِ الشّهَدَاءِ فَيَقُولُ السّلَامُ عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا ، ثُمّ يُقْبِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ أَلَا تُسَلّمُونَ عَلَى قَوْمٍ يَرُدّونَ عَلَيْكُمْ السّلَامَ ؟ لَا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلّا رَدّوا عَلَيْهِ السّلَامَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَدَعَا ، وَقَرَأَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلًا أَشْهَدُ أَنّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا رَدّوا عَلَيْه [ ص 314 ]
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ فَيَدْعُو وَيَقُولُ لِمَنْ مَعَهُ لَا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلّا رَدّوا عَلَيْهِ السّلَامَ فَلَا تَدَعُوا السّلَامَ عَلَيْهِمْ وَزِيَارَتَهُمْ
وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ يُحَدّثُ أَنّهُ كَانَ يَذْهَبُ مَعَ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ فِي الْأَشْهُرِ إلَى أُحُدٍ ، فَيُسَلّمَانِ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ أَوّلَهَا ، وَيَقِفَانِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ قَبْرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ مَعَ قُبُورِ مَنْ هُنَاكَ .
وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَذْهَبُ فَتُسَلّمُ عَلَيْهِمْ فِي كُلّ شَهْرٍ فَتَظَلّ يَوْمَهَا ; فَجَاءَتْ يَوْمًا وَمَعَهَا غُلَامَهَا نَبْهَانُ فَلَمْ يُسَلّمْ فَقَالَتْ أَيْ لُكَعُ أَلَا تُسَلّمُ عَلَيْهِمْ ؟ وَاَللّهِ لَا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلّا رَدّوا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَكَانَ أَبُو هَرِيرَةَ يُكْثِرُ الِاخْتِلَافَ إلَيْهِمْ .
وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو إذَا رَكِبَ إلَى الْغَابَةِ فَبَلَغَ ذُبَابَ ، عَدَلَ إلَى قُبُورِ الشّهَدَاءِ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ ثُمّ رَجَعَ إلَى ذُبَابَ حَتّى اسْتَقْبَلَ الطّرِيقَ - طَرِيقَ الْغَابَةِ - وَيَكْرَهُ أَنْ يَتّخِذَهُمْ طَرِيقًا ، ثُمّ يُعَارِضُ الطّرِيقَ حَتّى يَرْجِعَ إلَى طَرِيقِهِ الْأُولَى .
وَكَانَتْ فَاطِمَةُ الْخُزَاعِيّةُ قَدْ أَدْرَكَتْ تَقُولُ رَأَيْتنِي وَغَابَتْ الشّمْسُ بِقُبُورِ الشّهَدَاءِ وَمَعِي أُخْتٌ لِي ، فَقُلْت لَهَا : تَعَالَيْ نُسَلّمُ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ وَنَنْصَرِفُ . قَالَتْ نَعَمْ . فَوَقَفْنَا عَلَى قَبْرِهِ فَقُلْنَا : السّلَامُ عَلَيْك يَا عَمّ رَسُولِ اللّهِ . فَسَمِعْنَا كَلَامًا رَدّ عَلَيْنَا : وَعَلَيْكُمَا السّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ . قَالَتَا : وَمَا قُرْبَنَا أَحَدٌ مِنْ النّاسِ
قَالُوا : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ دَفْنِ أَصْحَابِهِ دَعَا بِفَرَسِهِ فَرَكِبَهُ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ عَامّتُهُمْ جَرْحَى ، وَلَا مِثْلَ لِبَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَمَعَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً فَلَمّا كَانُوا بِأَصْلِ الْحَرّةِ قَالَ اصْطَفّوا فَنُثْنِيَ عَلَى اللّهِ فَاصْطَفّ النّاسُ صَفّيْنِ خَلْفَهُمْ النّسَاءُ ثُمّ دَعَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 315 ] اللّهُمّ لَك الْحَمْدُ كُلّهُ اللّهُمّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْت ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت ، وَلَا هَادِيَ لِمَنْ أَضَلَلْت ، وَلَا مُضِلّ لِمَنْ هَدَيْت ، وَلَا مُقَرّبَ لِمَا بَاعَدْت ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرّبْت اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُك مِنْ بَرَكَتِك وَرَحْمَتِك وَفَضْلِك وَعَافِيَتِك اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُك النّعِيمَ الْمُقِيمَ الّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُك الْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ وَالْغِنَاءَ يَوْمَ الْفَاقَةِ عَائِذًا بِك اللّهُمّ مِنْ شَرّ مَا أَعْطَيْتنَا وَشَرّ مَا مَنَعْت مِنّا اللّهُمّ تَوَفّنَا مُسْلِمِينَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيّنْهُ فِي قُلُوبِنَا ، وَكَرّهْ إلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرّاشِدِينَ اللّهُمّ عَذّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الّذِينَ يُكَذّبُونَ رَسُولَك وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِك اللّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رِجْسَك وَعَذَابَك إلَهَ الْحَقّ آمِينَ وَأَقْبَلَ حَتّى نَزَلَ بِبَنِي حَارِثَةَ يَمِينًا حَتّى طَلَعَ عَلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى قَتَلَاهُمْ فَقَالَ لَكِنّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ [ ص 316 ]
فَخَرَجَ النّسَاءُ يَنْظُرْنَ إلَى سِلَامَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَتْ أُمّ عَامِرٍ الْأَشْهَلِيّةُ تَقُولُ قِيلَ لَنَا قَدْ أَقْبَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ فِي النّوْحِ عَلَى قَتَلَانَا . فَخَرَجْنَا فَنَظَرْت إلَيْهِ فَإِذَا عَلَيْهِ الدّرْعُ كَمَا هِيَ فَنَظَرْت إلَيْهِ فَقُلْت : كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ . وَخَرَجَتْ أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - وَهِيَ كَبْشَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ - تَعْدُو نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاقِفٌ عَلَى فَرَسِهِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ أُمّي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْحَبًا بِهَا فَدَنَتْ حَتّى تَأَمّلَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ أَمّا إذْ رَأَيْتُك سَالِمًا ، فَقَدْ أَشْوَتْ الْمُصِيبَةُ . فَعَزّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ ابْنِهَا ، ثُمّ قَالَ يَا أُمّ سَعْدٍ أَبْشِرِي وَبَشّرِي أَهْلِيهِمْ أَنّ قَتَلَاهُمْ قَدْ تَرَافَقُوا فِي الْجَنّةِ جَمِيعًا - وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا - وَقَدْ شَفَعُوا فِي أَهْلِيهِمْ . قَالَتْ رَضِينَا يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهِمْ بَعْدَ هَذَا ؟ ثُمّ قَالَتْ اُدْعُ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَنْ خُلّفُوا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ أَذْهِبْ حُزْنَ قُلُوبِهِمْ وَاجْبُرْ مُصِيبَتَهُمْ وَأَحْسِنْ الْخَلَفَ عَلَى مَنْ خُلّفُوا . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلّ أَبَا عَمْرٍو الدّابّةَ . فَخَلّى الْفَرَسَ وَتَبِعَهُ النّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ با أَبَا عَمْرٍو ، إنّ الْجِرَاحَ فِي أَهْلِ دَارِك فَاشِيَةٌ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَجْرُوحٌ إلّا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْحُهُ كَأَغْزَرِ مَا كَانَ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ فَمَنْ كَانَ مَجْرُوحًا فَلْيَقِرّ فِي دَارِهِ وَلْيُدَاوِ جُرْحَهُ وَلَا يَبْلُغُ مَعِي بَيْتِي عَزْمَةً مِنّي . فَنَادَى فِيهِمْ سَعْدٌ عَزْمَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلّا يَتّبِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَرِيحٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَتَخَلّفَ كُلّ مَجْرُوحٍ فَبَاتُوا يُوقِدُونَ النّيرَانَ وَيُدَاوُونَ الْجِرَاحَ وَإِنّ فِيهِمْ لَثَلَاثِينَ جَرِيحًا . وَمَضَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مَعَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ ثُمّ رَجَعَ إلَى نِسَائِهِ فَسَاقَهُنّ وَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ إلّا جَاءَ بِهَا إلَى بَيْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَكَيْنَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ . وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ النّوُمِ لِثُلُثِ اللّيْلِ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ عَلَى حَمْزَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَضِيَ اللّهُ عَنْكُنّ وَعَنْ أَوْلَادِكُنّ وَأَمَرَنَا أَنْ نُرَدّ إلَى مَنَازِلِنَا . قَالَتْ فَرَجَعْنَا إلَى بُيُوتِنَا بَعْدَ لَيْلٍ مَعَنَا رِجَالُنَا ، فَمَا بَكَتْ مِنّا امْرَأَةٌ قَطّ إلّا بَدَأَتْ بِحَمْزَةَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا [ ص 317 ]

(1/314)







وَيُقَالُ إنّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ جَاءَ بِنِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ ، وَجَاءَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بِنِسَاءِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَرَدْت هَذَا وَنَهَاهُنّ الْغَدَ عَنْ النّوْحِ أَشَدّ النّهْيِ
وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَغْرِبَ بِالْمَدِينَةِ وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ عِنْدَ نَكْبَةٍ قَدْ أَصَابَتْ أَصْحَابَهُ وَأُصِيبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفْسِهِ . فَجَعَلَ ابْنُ أُبَيّ وَالْمُنَافِقُونَ مَعَهُ يَشْمَتُونَ وَيُسَرّونَ بِمَا أَصَابَهُمْ وَيُظْهِرُونَ أَقْبَحَ الْقَوْلِ .
وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَامّتُهُمْ جَرِيحٌ وَرَجَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَهُوَ جَرِيحٌ فَبَاتَ يَكْوِي الْجِرَاحَةَ بِالنّارِ حَتّى ذَهَبَ اللّيْلُ وَجَعَلَ أَبُوهُ يَقُولُ مَا كَانَ خُرُوجُك مَعَهُ إلَى هَذَا الْوَجْهِ بِرَأْيٍ عَصَانِي مُحَمّدٌ وَأَطَاعَ الْوِلْدَانَ وَاَللّهِ لَكَأَنّي كُنْت أَنْظُرُ إلَى هَذَا . فَقَالَ ابْنُهُ الّذِي صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ .
وَأَظْهَرَتْ الْيَهُودُ الْقَوْلَ السّيّئَ فَقَالُوا : مَا مُحَمّدٌ إلّا طَالِبُ مُلْكٍ مَا أُصِيبَ هَكَذَا نَبِيّ قَطّ ; أُصِيبَ فِي بَدَنِهِ وَأُصِيبَ فِي أَصْحَابِهِ وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يُخَذّلُونَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ وَيَأْمُرُونَهُمْ بِالتّفَرّقِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ كَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ عِنْدَنَا مَا قُتِلَ . حَتّى سَمِعَ [ ص 318 ] عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فِي أَمَاكِنَ فَمَشَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَسْتَأْذِنَهُ فِي قَتْلِ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عُمَرُ إنّ اللّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ وَمُعِزّ نَبِيّهُ وَلِلْيَهُودِ ذِمّةٌ فَلَا أَقْتُلُهُمْ . قَالَ فَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ شَهَادَةَ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ وَإِنّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ تَعَوّذًا مِنْ السّيْفِ فَقَدْ بَانَ لَهُمْ أَمْرُهُمْ وَأَبْدَى اللّهُ أَضْغَانَهُمْ عِنْدَ هَذِهِ النّكْبَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُهِيت عَنْ قَتْلِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ . يَا ابْنَ الْخَطّابِ . إنّ قُرَيْشًا لَنْ يَنَالُوا مِنّا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ حَتّى نَسْتَلِمَ الرّكْنَ
قَالُوا : فَكَانَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلّ جُمُعَةٍ شَرَفًا لَهُ لَا يُرِيدُ تَرْكَهُ . فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أُحُدٍ إلَى الْمَدِينَةِ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَامَ ابْنُ أُبَيّ فَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَدْ أَكْرَمَكُمْ اللّهُ بِهِ اُنْصُرُوهُ وَأَطِيعُوهُ . فَلَمّا صَنَعَ بِأُحُدٍ مَا صَنَعَ قَامَ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ . فَقَامَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا : اجْلِسْ يَا عَدُوّ اللّهِ وَقَامَ إلَيْهِ أَبُو أَيّوبَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ ، وَكَانَا أَشَدّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِمّنْ حَضَرَ وَلَمْ يَقُمْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَجَعَلَ أَبُو أَيّوبَ يَأْخُذُ بِلِحْيَتِهِ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ يَدْفَعُ فِي رَقَبَتِهِ وَيَقُولَانِ لَهُ لَسْت لِهَذَا الْمَقَامِ بِأَهْلٍ فَخَرَجَ بَعْدَ مَا أَرْسَلَاهُ وَهُوَ يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَهُوَ يَقُولُ كَأَنّمَا قُلْت هُجْرًا ; قُمْت لِأَشُدّ أَمْرَهُ فَلَقِيَهُ مُعَوّذُ بْنُ عَفْرَاءَ فَقَالَ مَا لَك ؟ قَالَ قُمْت ذَلِكَ الْمَقَامَ الّذِي كُنْت أَقَوْمُ أَوّلًا ، فَقَامَ إلَيّ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي ، فَكَانَ أَشَدّهُمْ عَلَيّ عُبَادَةُ وَخَالِدُ بْنُ زَيْدٍ . فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَيَسْتَغْفِرَ لَك رَسُولُ اللّهِ . فَقَالَ [ ص 319 ] وَاَللّهِ مَا أَبْغِي يَسْتَغْفِرُ لِي . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ
الْآيَةُ . قَالَ وَلَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى ابْنِهِ جَالِسٌ فِي النّاسِ مَا يَشُدّ الطّرْفَ إلَيْهِ فَجَعَلَ يَقُولُ أَخَرَجَنِي مُحَمّدٌ مِنْ مِرْبَدِ سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ .








(1/318)




مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ بِأُحُدٍ قَالَ الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ أُمّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، قَالَتْ قَالَ أَبِي الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدّثْنَا عَنْ أُحُدٍ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي عُدّ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ فَكَأَنّك حَضَرْتنَا : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ إلَى آخِرِ الْآيَةِ . قَالَ غَدَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ فَجَعَلَ يَصُفّ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ كَأَنّمَا يُقَوّمُ بِهِمْ الْقِدَاحَ إنْ رَأَى صَدْرًا خَارِجًا قَالَ تَأَخّرْ وَفِي قَوْلِهِ إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا إلَى آخِرِ الْآيَةِ . قَالَ هُمْ بَنُو سَلِمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ ، هَمّوا أَلّا يَخْرُجُوا مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، ثُمّ عَزَمَ لَهُمَا فَخَرَجُوا
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ ، يَقُولُ قَلِيلٌ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبَضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ; فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ مَا أَبْلَاكُمْ بِبَدْرٍ مِنْ الظّفَرِ . إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ هَذَا يَوْمُ أُحُدٍ ; [ ص 320 ] أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا . . الْآيَةُ كَانَ نَزَلَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى أُحُدٍ : إنّي مُمِدّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى لَكُمْ قَالَ فَلَمْ يَصْبِرُوا وَانْكَشَفُوا فَلَمْ يُمَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَلَكٍ وَاحِدٍ يَوْمَ أُحُدٍ . وَقَوْلُهُ مُسَوّمِينَ قَالَ مُعْلِمِينَ . وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى لَكُمْ لِتَسْتَبْشِرُوا بِهِمْ وَلِتَطْمَئِنّوا إلَيْهِمْ . لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ يَقُولُ نُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا وَيَنْقَلِبُونَ خَائِبِينَ . لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ قَالَ يَعْنِي الّذِينَ انْهَزَمُوا يَوْمَ أُحُدٍ . وَيُقَالُ نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ حَيْنَ رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بِهِ مِنْ الْمَثْلِ فَقَالَ لَأُمَثّلَنّ بِهِمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . وَيُقَالُ نَزَلَ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ رُمِيَ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلَ يَقُولُ كَيْفَ يَفْلَحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيّهِمْ ؟
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ، قَالَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ إذَا حَلّ حَقّ أَحَدِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ غَرِيمَهُ أَخّرَهُ عَنْهُ وَأَضْعَفَهُ عَلَيْهِ . وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبّكُمْ قَالَ التّكْبِيرَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فَيُقَالُ الْجَنّةُ فِي السّمَاءِ الرّابِعَةِ . الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ قَالَ السّرّاءُ الْيُسْرُ وَالضّرّاءُ الْعُسْرُ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ يَعْنِي عَمّنْ آذَاهُمْ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ مَا أُوتِيَ إلَيْهِمْ . وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّا اللّهُ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ فَكَانَ يُقَالُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ تَوْبَةٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ . هَذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ مِنْ الْعَمَى ; وَهُدًى مِنْ الضّلَالَةِ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتّقِينَ وَلَا تَهِنُوا يَقُولُ فِي [ ص 321 ] قِتَالِ الْعَدُوّ وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَنْ أُصِيبَ مِنْكُمْ بِأُحُدٍ مِنْ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ يَقُولُ قَدْ أَصَبْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ ضِعْفَ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ بِأُحُدٍ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ يَعْنِي جِرَاحٌ فَقَدْ مَسّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ يَعْنِي جِرَاحَ يَوْمِ بَدْرٍ ; وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ يَقُولُ لَهُمْ دَوْلَةٌ وَلَكُمْ دَوْلَةٌ وَالْعَاقِبَةُ لَكُمْ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا يَقُولُ مَنْ قَاتَلَ [ مَعَ ] نَبِيّهِ وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَلِيُمَحّصَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي يَبْلُوهُمْ - الّذِينَ قَاتَلُوا وَثَبَتُوا ; وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ يَعْنِي مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَأَبْلَى فِيهِ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ مَنْ يَصْبِرُ يَوْمئِذٍ . وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ قَالَ السّيُوفُ فِي أَيَدِي الرّجَالِ كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَخَلّفُوا عَنْ بَدْرٍ فَكَانُوا هُمْ الّذِينَ أَلَحّوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخُرُوجِ إلَى أُحُدٍ فَيُصِيبُونَ مِنْ الْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَلّى مِنْهُمْ مَنْ وَلّى . وَيُقَالُ هُوَ فِي نَفَرٍ كَانُوا تَكَلّمُوا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ فَقَالُوا : لَيْتَنَا نَلْقَى جَمْعًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَإِمّا أَنْ نَظْفَرَ بِهِمْ أَوْ نُرْزَقَ الشّهَادَةَ . فَلَمّا نَظَرُوا إلَى الْمَوْتِ يَوْمَ أُحُدٍ هَرَبُوا . وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ إلَى آخِرِ الْآيَةِ .
قَالَ إنّ إبْلِيسَ تَصَوّرَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي صُورَةِ جُعَالَ بْنِ سُرَاقَةَ الثّعْلَبِيّ فَنَادَى « إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ » فَتَفَرّقَ النّاسُ فِي كُلّ وَجْهٍ فَقَالَ عُمَرُ : إنّي أَرْقَى فِي الْجَبَلِ كَأَنّي أُرْوِيّةً حَتّى انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ . . الْآيَةُ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ يَقُولُ تَوَلّى . [ ص 322 ] وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابًا مُؤَجّلًا يَقُولُ مَا كَانَ لَهَا أَنْ تَمُوتَ دُونَ أَجَلِهَا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أُبَيّ حَيْنَ رَجَعَ بِأَصْحَابِهِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا فَأَخْبَرَهُ اللّهُ أَنّهُ كِتَابٌ مُؤَجّلٌ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا يَقُولُ مَنْ يَعْمَلْ لِلدّنْيَا نُعْطِهِ مِنْهَا مَا يَشَاءُ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ يَقُولُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ قَالَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا يَقُولُ مَا اسْتَسْلَمُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا ضَعُفَتْ نِيّاتُهُمْ وَمَا اسْتَكَانُوا يَقُولُ مَا ذَلّوا لِعَدُوّهِمْ وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ يُخْبِرُ أَنّهُمْ صَبَرُوا . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إلَى قَوْلِهِ وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ يَقُولُ أَعْطَاهُمْ النّصْرَ وَالظّفَرَ وَأَوْجَبَ لَهُمْ الْجَنّةَ فِي الْآخِرَةِ .
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا يَرُدّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ يَقُولُ إنْ تُطِيعُوا الْيَهُودَ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا يَخْذُلُونَكُمْ تَرْتَدّوا عَنْ دِينِكُمْ . بَلِ اللّهُ مَوْلَاكُمْ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ يَتَوَلّاكُمْ . سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُصِرْت بِالرّعْبِ شَهْرًا أَمَامِي وَشَهْرًا خَلْفِي
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ وَالْحِسّ الْقَتْلُ يَقُولُ الّذِي خَبّرَكُمْ أَنّكُمْ إنْ صَبَرْتُمْ أَمَدّكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَهَنْتُمْ عَنْ الْعَدُوّ وَتَنَازَعْتُمْ يَعْنِي اخْتِلَافَ الرّمَاةِ حَيْثُ وَضَعَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعْصِيَتَهُمْ وَتَقَدّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلّا تَبْرَحُوا وَلَا تُفَارِقُوا مَوْضِعَكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تُعِينُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نَغْنَمُ فَلَا تُشْرِكُونَا ; مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ يَعْنِي هَزِيمَةَ الْمُشْرِكِينَ وَتَوَلّيْتُمْ هَارِبِينَ [ ص 323 ] مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا يَعْنِي الْعَسْكَرَ وَمَا فِيهِ مِنْ النّهْبِ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ الّذِينَ ثَبَتُوا مِنْ الرّمَاةِ وَلَمْ يَغْنَمُوا - عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ . فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ الدّنْيَا حَتّى سَمِعْت هَذِهِ الْآيَةَ
قَالَ ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ يَقُولُ حَيْثُ كَانَتْ الدّوْلَةُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ لِيَرْجِعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَقْتُلُوا مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ وَيَجْرَحُوا مَنْ جُرِحُوا مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ يَعْنِي عَمّنْ وَلّى يَوْمئِذٍ مِنْكُمْ وَمَنْ أَرَادَ مَا أَرَادَ مِنْ النّهْبِ فَعَفَا عَنْ ذَلِكَ كُلّهِ .
إِذْ تُصْعِدُونَ يَعْنِي فِي الْجَبَلِ تَهْرُبُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ كَانُوا يَمُرّونَ مُنْهَزِمِينَ يَصْعَدُونَ إلَى الْجَبَلِ وَرَسُولُهُمْ يُنَادِيهِمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنَا رَسُولُ اللّهِ إلَيّ إلَيّ فَلَا يَلْوِي عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَعَفَا ذَلِكَ عَنْهُمْ . فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ فَالْغَمّ الْأَوّلُ الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ وَالْغَمّ الْآخِرُ حَيْنَ سَمِعُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قُتِلَ فَأَنْسَاهُمْ الْغَمّ الْآخِرُ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْغَمّ الْأَوّلِ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ .
وَيُقَالُ الْغَمّ الْأَوّلُ حَيْثُ صَارُوا إلَى الْجَبَلِ بِهَزِيمَتِهِمْ وَتَرْكِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْغَمّ الْآخِرُ [ حَيْنَ ] تَفَرّعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَعَلَوْهُمْ مِنْ فَرْعِ الْجَبَلِ فَنَسُوا الْغَمّ الْأَوّلَ .
وَيُقَالُ غَمّا بِغَمّ بَلَاءً عَلَى أَثَرِ بَلَاءٍ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ يَقُولُ لِئَلّا تَذْكُرُوا مَا فَاتَكُمْ مِنْ نَهْبِ مَتَاعِهِمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ أَوْ جُرِحَ . ثُمّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُعَاسًا إلَى قَوْلِهِ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قَالَ الزّبَيْرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ سَمِعْت هَذَا الْقَوْلَ مِنْ مُعَتّبِ بْنِ قُشَيْرٍ ، وَقَدْ وَقَعَ عَلَيّ [ ص 324 ] النّعَاسُ وَإِنّي لَكَالْحَالِمِ أَسْمَعُهُ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَنّهُ صَاحِبُ هَذَا الْكَلَامِ .
قَالَ اللّهُ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدّ مِنْ أَنْ يَصِيرُوا إلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ يَقُولُ يُخْرِجُ أَضْغَانَهُمْ وَغِشّهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ يَقُولُ مَا يُكِنّونَ مِنْ نُصْحٍ أَوْ غِشّ . إِنّ الّذِينَ تَوَلّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنّمَا اسْتَزَلّهُمُ الشّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا يَعْنِي مَنْ انْهَزَمَ يَوْمَ أُحُدٍ ، يَقُولُ أَصَابَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ يَعْنِي انْكِشَافَهُمْ . يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إلَى قَوْلِهِ مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا قَالَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيّ ; يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِلْمُؤْمِنَيْنِ لَا تَكَلّمُوا وَلَا تَقُولُوا كَمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ .
وَهُوَ الّذِي قَالَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ كَالّذِينَ كَفَرُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ . وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتّمْ إلَى آخِرِ الْآيَةِ يَقُولُ مَنْ قُتِلَ بِالسّيْفِ أَوْ مَاتَ بِإِزَاءِ عَدُوّ أَوْ مُرَابِطٍ فَهُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُ مِنْ الدّنْيَا .
وَقَوْلُهُ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ يَقُولُ تَصِيرُونَ إلَيْهِ جَمِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَقَوْلُهُ لَانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ يَعْنِي أَصْحَابَهُ الّذِينَ انْكَشَفُوا بِأُحُدٍ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أَمَرَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ فِي الْحَرْبِ وَحْدَهُ وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُشَاوِرُ أَحَدًا إلّا فِي الْحَرْبِ فَإِذَا عَزَمْتَ أَيْ جَمَعْت ; فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ . وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي يَوْمِ بَدْر ٍ ; كَانُوا قَدْ غَنِمُوا قَطِيفَةً حَمْرَاءَ ; فَقَالُوا : مَا نَرَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا قَدْ أَخَذَهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ يَقُولُ مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ كَمَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ ؟ وَقَوْلُهُ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ يَقُولُ فَضَائِلُ [ ص 325 ] بَيْنَهُمْ عِنْدَ اللّهِ . قَوْلُهُ لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَعْنِي مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ يَعْنِي الْقُرْآنَ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَالْحِكْمَةَ وَالصّوَابَ فِي الْقَوْلِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَوْلُهُ أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا . . إلَى آخِرِ الْآيَةِ هَذَا مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ . قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ مَعَ مَا نَالَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ قُلْتُمْ أَنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم ْ بِمَعْصِيَتِكُمْ الرّسُولَ يَعْنِي الرّمَاةَ وَقَوْلُهُ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَتَلُوا يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ . وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ يَوْمَ أُحُدٍ ; فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُوا يَعْلَمُ مَنْ أَبْلَى وَقَاتَلَ وَقَتَلَ وَيَعْلَمُ الّذِينَ نَافَقُوا ; وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتّبَعْنَاكُمْ هَذَا ابْنُ أُبَيّ ، وَقَوْلُهُ أَوِ ادْفَعُوا يَقُولُ كَثّرُوا السّوَادَ وَيُقَالُ الدّعَاءَ .
قَالَ ابْنُ أُبَيّ يَوْمَ أُحُدٍ : لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتّبَعْنَاكُمْ يَقُولُ اللّهُ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيّ . وَفِي قَوْلِهِ الّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا هَذَا ابْنُ أُبَيّ ; قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيّ . وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا إلَى قَوْلِهِ وَأَنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ إخْوَانَكُمْ لَمّا أُصِيبُوا بِأُحُدٍ جُعِلَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنَهَارَ الْجَنّةِ فَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَطْعَمِهِمْ وَرَأَوْا حُسْنَ مُنْقَلَبِهِمْ قَالُوا : لَيْتَ إخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ بِمَا أَكْرَمَنَا اللّهُ وَبِمَا نَحْنُ فِيهِ لِئَلّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ . قَالَ اللّهُ تَعَالَى : أَنَا أُبَلّغُهُمْ عَنْكُمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا الْآيَةُ [ ص 326 ]
وَبَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الشّهَدَاءَ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ فِي الْجَنّةِ فِي قُبّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ بُكْرَةً وَعَشِيّا
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إنّ أَرْوَاحَ الشّهَدَاءِ عِنْدَ اللّهِ كَطَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلّقَةٌ بِالْعَرْشِ فَتَسْرَحُ فِي أَيّ الْجَنّةِ شَاءَتْ فَأَطْلَعَ رَبّك عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْءٍ فَأَزِيدَكُمُوهُ ؟ قَالُوا : رَبّنَا ، أَلَسْنَا فِي الْجَنّةِ نَسْرَحُ فِي أَيّهَا نَشَاءُ ؟ فَأَطْلَعَ عَلَيْهِمْ ثَانِيَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْءٍ فَأَزِيدَكُمُوهُ ؟ قَالُوا : رَبّنَا ، تُعِيدُ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا فَنُقْتَلُ فِي سَبِيلِك
وَقَوْلُهُ الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ إلَى آخِرِ الْآيَةِ هَؤُلَاءِ الّذِينَ غَزَوْا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ .








(1/320)




حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا كَانَ فِي الْمُحَرّمِ لَيْلَةَ الْأَحَدِ إذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِلَالٌ جَالِسٌ عَلَى بَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أَذّنَ بِلَالٌ وَهُوَ يَنْتَظِرُ خُرُوجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَنْ خَرَجَ فَنَهَضَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقْبَلْت مِنْ أَهْلِي حَتّى إذَا كُنْت بِمَلَلٍ فَإِذَا قُرَيْشٌ قَدْ نَزَلُوا ، فَقُلْت : لَأَدْخُلَنّ فِيهِمْ وَلَأَسْمَعَنّ مِنْ أَخْبَارِهِمْ . فَجَلَسْت مَعَهُمْ فَسَمِعْت أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ يَقُولُونَ مَا صَنَعْنَا شَيْئًا ، أَصَبْتُمْ شَوْكَةَ الْقَوْمِ وَحِدّتَهُمْ فَارْجِعُوا نَسْتَأْصِلْ مَنْ بَقِيَ وَصَفْوَانُ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا بَكْر ٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، فَذَكَرَ لَهُمَا مَا أَخْبَرَهُ الْمُزَنِيّ ، فَقَالَا : اُطْلُبْ الْعَدُوّ وَلَا يَقْحَمُونَ عَلَى الذّرّيّةِ فَلَمّا سَلّمَ ثَابَ النّاسُ وَأَمَرَ بِلَالًا يُنَادِي يَأْمُرُ النّاسَ بِطَلَبِ عَدُوّهِمْ . وَقَالُوا : لَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ الْأَحَدِ أَمَرَ بِطَلَبِ عَدُوّهِمْ فَخَرَجُوا وَبِهِمْ الْجِرَاحَاتُ [ ص 327 ]
وَفِي قَوْلِهِ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا إلَى قَوْلِهِ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ فَإِنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَعَدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُد ٍ بَدْرَ الْمَوْعِدِ الصّفْرَاءِ ، عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ أَلَا تُوَافِي النّبِيّ ؟ فَبَعَثَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ إلَى الْمَدِينَةِ يُثَبّطُ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ لَهُ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ إنْ هُوَ رَدّهُمْ وَيَقُولُ إنّهُمْ قَدْ جَمَعُوا جَمُوعًا وَقَدْ جَاءُوكُمْ فِي دَارِكُمْ لَا تَخْرُجُوا إلَيْهِمْ . حَتّى كَادَ ذَلِكَ يُثَبّطُهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مَعِي أَحَدٌ لَخَرَجْت وَحْدِي . فَأَنْهَجْتُ لَهُمْ بَصَائِرَهُمْ فَخَرَجُوا بِتِجَارَاتٍ وَكَانَ بَدْرُ مَوْسِمًا . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ فِي التّجَارَةِ يَقُولُ ارْبَحُوا ; لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لَمْ يَلْقَوْا قِتَالًا ، وَأَقَامُوا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ ثُمّ انْصَرَفُوا .
إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ يَقُولُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ وَمَنْ أَطَاعَهُ . وَلَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنّهُمْ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ يَقُولُ اسْتَحَبّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ . وَلَا يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ يَقُولُ مَا يُصِحّ أَبْدَانَهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَيُرِيهِمْ الدّوْلَةَ عَلَى عَدُوّهِمْ يَقُولُ أُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا كُفْرًا . مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ يَعْنِي مُصَابَ أَهْلِ أُحُدٍ ; وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ يَعْنِي يُقَرّبُ مِنْ رُسُلِهِ .
وَفِي قَوْلِهِ [ ص 328 ] وَلَا يَحْسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ إلَى قَوْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَأْتِي كَنْزُ الّذِي لَا يُؤَدّي حَقّهُ ثُعْبَانًا فِي عُنُقِهِ يَنْهَشُ لِهْزِمَتَيْهِ . يَقُولُ أَنَا كَنْزُك .
لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ قَالَ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا قَالَ فِنْحَاصُ الْيَهُودِيّ : اللّهُ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ لِيَسْتَقْرِضَ مِنّا ؟ وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ كُفْرِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ . الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ الْآيَةُ وَاَلّتِي تَلِيهَا ، يَعْنِي يَهُودَ . وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يَعْنِي الْيَهُودَ ; وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا يَعْنِي مِنْ الْعَرَبِ ، أَذًى كَثِيرًا إلَى آخِرِ الْآيَةِ . قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ .
وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ إلَى قَوْلِهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ أَخَذَ عَلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ [ فِي أَمْرِ ] صِفّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلّا يَكْتُمُوهُ . فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاِتّخَذُوهُ مَأْكَلَةً وَغَيّرُوا صِفَتَهُ . وَقَوْلُهُ لَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا قَالَ نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا غَزَا فَقَدِمَ قَالُوا : إذَا غَزَوْت فَنَحْنُ نَخْرُجُ مَعَك . فَإِذَا غَزَا لَمْ يَخْرُجُوا مَعَهُ وَيُقَالُ هُمْ الْيَهُودُ . الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ قَالَ يُصَلّونَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ يَعْنِي مُضْطَجِعِينَ . رَبّنَا إِنّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبّكُمْ فَآمَنّا قَالَ الْقُرْآنُ لَيْسَ كُلّهُمْ رَأَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَوْلُهُ [ ص 329 ] فَالّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ مَكّةَ . لَا يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ يَقُولُ تِجَارَتُهُمْ وَحِرْفَتُهُمْ . وَإِنّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ يَعْنِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلَامٍ . يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ قَالَ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رِبَاطٌ إنّمَا كَانَتْ الصّلَاةُ بَعْدَ الصّلَاةِ .








(1/327)

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ : لَمّا قُتِلَ سَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ بِأُحُدٍ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، ثُمّ مَضَى إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ . وَجَاءَ أَخُو سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ فَأَخَذَ مِيرَاثَ سَعْدٍ ، وَكَانَ لِسَعْدٍ ابْنَتَانِ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ حَامِلًا ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَوَارَثُونَ عَلَى مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ حَتّى قُتِلَ سَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ . فَلَمّا قَبَضَ عَمّهُنّ الْمَالَ - وَلَمْ تَنْزِلْ الْفَرَائِضُ - وَكَانَتْ امْرَأَةُ سَعْدٍ امْرَأَةً حَازِمَةً صَنَعَتْ طَعَامًا - ثُمّ دَعَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خُبْزًا وَلَحْمًا وَهِيَ يَوْمئِذٍ بِالْأَسْوَافِ . فَانْصَرَفْنَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّبْحِ فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَنَحْنُ نَذْكُرُ وَقْعَةَ أُحُدٍ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَذْكُرُ سَعْدَ بْنَ رَبِيعٍ إلَى أَنْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُومُوا بِنَا فَقُمْنَا مَعَهُ وَنَحْنُ عِشْرُونَ رَجُلًا حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى الْأَسْوَافِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلْنَا مَعَهُ فَنَجِدُهَا قَدْ رَشّتْ مَا بَيْن صُورَيْنِ وَطَرَحَتْ خَصَفَةً . قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ : وَاَللّهِ مَا ثَمّ وِسَادَةٌ وَلَا بِسَاطٌ فَجَلَسْنَا وَرَسُولُ اللّهِ [ ص 330 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَدّثُنَا عَنْ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ ، يَتَرَحّمُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَقَدْ رَأَيْت الْأَسِنّةَ شَرَعَتْ إلَيْهِ يَوْمئِذٍ حَتّى قُتِلَ . فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ النّسْوَةُ بَكَيْنَ فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا نَهَاهُنّ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْبُكَاءِ . قَالَ جَابِرٌ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ . قَالَ فَتَرَاءَيْنَا مَنْ يَطْلُعُ فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقُمْنَا فَبَشّرْنَاهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ سَلّمَ ثُمّ رَدّوا عَلَيْهِ ثُمّ جَلَسَ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ . فَتَرَاءَيْنَا مَنْ يَطْلُعُ مِنْ خِلَالِ السّعَفِ . فَطَلَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقُمْنَا فَبَشّرْنَاهُ بِمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ . ثُمّ قَالَ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ . فَنَظَرْنَا مِنْ خِلَالِ السّعَفِ فَإِذَا عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ طَلَعَ فَقُمْنَا فَبَشّرْنَاهُ بِالْجَنّةِ ثُمّ جَاءَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ ثُمّ أُتِيَ بِالطّعَامِ . قَالَ جَابِرٌ فَأُتِيَ مِنْ الطّعَامِ بِقَدْرِ مَا يَأْكُلُ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ فِيهِ فَقَالَ خُذُوا بِسْمِ اللّهِ فَأَكَلْنَا مِنْهَا حَتّى نَهِلْنَا ; وَاَللّهِ مَا أُرَانَا حَرّكْنَا مِنْهَا شَيْئًا . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْفَعُوا هَذَا الطّعَامَ فَرَفَعُوهُ ثُمّ أَتَيْنَا بِرُطَبٍ فِي طَبَقٍ فِي بَاكُورَةٍ أَوْ مُؤَخّرٍ قَلِيلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسْمِ اللّهِ كُلُوا قَالَ فَأَكَلْنَا حَتّى نَهِلْنَا ، وَإِنّي لَأَرَى فِي الطّبَقِ نَحْوًا مِمّا أُتِيَ بِهِ . وَجَاءَتْ الظّهْرُ فَصَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَمَسّ مَاءً ثُمّ رَجَعَ إلَى مَجْلِسِهِ فَتَحَدّثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ جَاءَتْ الْعَصْرُ فَأُتِيَ بِبَقِيّةِ الطّعَامِ يَتَشَبّعُ بِهِ فَقَامَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 331 ] فَصَلّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَمَسّ مَاءً ثُمّ قَامَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ سَعْدَ بْنَ رَبِيعٍ قُتِلَ بِأُحُدٍ فَجَاءَ أَخُوهُ فَأَخَذَ مَا تَرَكَ وَتَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَلَا مَالَ لَهُمَا ، وَإِنّمَا يُنْكَحُ - يَا رَسُولَ اللّهِ - النّسَاءُ عَلَى الْمَالِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ أَحْسِنْ الْخِلَافَةَ عَلَى تَرِكَتِهِ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَعُودِي إلَيّ إذَا رَجَعْت فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ جَلَسَ عَلَى بَابِهِ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُرَحَاءُ حَتّى ظَنَنّا أَنّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ . قَالَ فَسُرّيَ عَنْهُ وَالْعَرَقُ يَتَحَدّرُ عَنْ جَبِينِهِ مِثْلَ الْجُمَانِ . فَقَالَ عَلَيّ بِامْرَأَةِ سَعْدٍ قَالَ فَخَرَجَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو حَتّى جَاءَ بِهَا . قَالَ وَكَانَتْ امْرَأَةً حَازِمَةً جَلْدَةً فَقَالَ أَيْنَ عَمّ وَلَدِك ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ فِي مَنْزِلِهِ . قَالَ اُدْعِيهِ لِي ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اجْلِسِي فَجَلَسَتْ وَبَعَثَ رَجُلًا يَعْدُو إلَيْهِ فَأَتَى بِهِ وَهُوَ فِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فَأَتَى وَهُوَ مُتْعَبٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ادْفَعْ إلَى بَنَاتِ أَخِيك ثُلُثَيْ مَا تَرَكَ أَخُوك فَكَبّرَتْ امْرَأَتُهُ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ادْفَعْ إلَى زَوْجَةِ أَخِيك الثّمُنَ وَشَأْنُك وَسَائِرُ مَا بِيَدِك . وَلَمْ يُوَرّثْ الْحَمْلَ يَوْمئِذٍ .
وَهِيَ أُمّ سَعْدِ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ امْرَأَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أُمّ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ . فَلَمّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ تَزَوّجَ زَيْدٌ أُمّ سَعْدِ بِنْتَ سَعْدٍ وَكَانَتْ حَامِلًا ، فَقَالَ إنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ أَنْ تَكَلّمِي فِي مِيرَاثِك مِنْ أَبِيك ، فَإِنّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَرّثَ الْحَمْلَ الْيَوْمَ وَكَانَتْ أُمّ سَعْدٍ يَوْمَ قُتِلَ أَبُوهَا سَعْدٌ حَمْلًا . فَقَالَتْ مَا كُنْت لِأَطْلُبَ مِنْ أَخِي شَيْئًا
وَلَمّا انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ بِأُحُدٍ كَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ بِخَبَرِ أُحُدٍ وَانْكِشَافِ [ ص 332 ] الْمُشْرِكِينَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، كَرِهَ أَنْ يَقْدَمَ مَكّةَ وَقَدِمَ الطّائِفَ فَأَخْبَرَ إنّ أَصْحَابَ مُحَمّد ٍ قَدْ ظَفِرُوا وَانْهَزَمْنَا ; كُنْت أَوّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ حَيْنَ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ الِانْهِزَامَةَ الْأُولَى ، ثُمّ تَرَاجَعَ الْمُشْرِكُونَ بَعْدُ فَنَالُوا مَا نَالُوا . وَكَانَ أَوّلُ مَنْ أَخْبَرَ قُرَيْشًا بِقَتْلِ أَصْحَابِ مُحَمّد ٍ وَظَفَرِ قُرَيْشٍ وَحْشِيّ .








(1/330)




وَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ عَنْ قَطَرِ بْنِ وَهْبٍ اللّيْثِيّ قَالَ لَمّا قَدِمَ وَحْشِيّ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ بِمُصَابِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَارَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَرْبَعًا ، فَانْتَهَى إلَى الثّنِيّةِ الّتِي تَطْلُعُ عَلَى الْحَجُونِ ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مِرَارًا ، حَتّى ثَابَ النّاسُ إلَيْهِ وَهُمْ خَائِفُونَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ . فَلَمّا رَضِيَ مِنْهُمْ قَالَ أَبْشِرُوا ، قَدْ قَتَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمّد ٍ مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلْ مِثْلُهَا فِي زَحْفٍ قَطّ ، وَجَرَحْنَا مُحَمّدًا فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْجِرَاحِ وَقَتَلْت رَأْسَ الْكَتِيبَةِ حَمْزَةُ . وَتَفَرّقَ النّاسُ فِي كُلّ وَجْهٍ بِالشّمَاتَةِ بِقَتْلِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَإِظْهَارِ السّرُورِ وَخَلَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ بِوَحْشِيّ فَقَالَ اُنْظُرْ مَا تَقُولُ قَالَ وَحْشِيّ : قَدْ وَاَللّهِ صَدَقْت . قَالَ أَقَتَلَتْ حَمْزَةَ ؟ قَالَ قَدْ وَاَللّهِ زَرَقْته بِالْمِزْرَاقِ فِي بَطْنِهِ حَتّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ ثُمّ نُودِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَأَخَذْت كَبِدُهُ وَحَمَلْتهَا إلَيْك لِتَرَاهَا . قَالَ أَذْهَبْت حُزْنَ نِسَائِنَا ، وَبَرّدْت حَرّ قُلُوبِنَا فَأَمَرَ يَوْمئِذٍ نِسَاءَهُ بِمُرَاجَعَةِ الطّيبِ وَالدّهْنِ . وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَدْ انْهَزَمَ يَوْمئِذٍ فَمَضَى عَلَى [ ص 333 ] وَجْهِهِ فَنَامَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَلَمّا أَصْبَحَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَأَتَى مَنْزِلَ عُثْمَانَ بْنَ عفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَضَرَبَ بَابَهُ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ هُوَ هَاهُنَا ، هُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَأَرْسِلِي إلَيْهِ فَإِنّ لَهُ عِنْدِي ثَمَنَ بَعِيرٍ اشْتَرَيْته عَامَ أَوّلٍ فَجِئْته بِثَمَنِهِ وَإِلّا ذَهَبْت . قَالَ فَأَرْسَلْت إلَى عُثْمَانَ فَجَاءَ فَلَمّا رَآهُ قَالَ وَيْحَك ، أَهْلَكْتنِي وَأَهْلَكْت نَفْسَك ، مَا جَاءَ بِك ؟ قَالَ يَا ابْنَ عَمّ لَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ أَقْرَبَ إلَيّ مِنْك وَلَا أَحَقّ . فَأَدْخَلَهُ عُثْمَانُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ ثُمّ خَرَجَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ أَمَانًا ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ عُثْمَانُ إنّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَصْبَحَ بِالْمَدِينَةِ فَاطْلُبُوهُ فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اُطْلُبُوهُ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ عفّانَ فَدَخَلُوا بَيْتَ عُثْمَانَ فَسَأَلُوا أُمّ كُلْثُومٍ ، فَأَشَارَتْ إلَيْهِ فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ حِمَارَةٍ لَهُمْ فَانْطَلَقُوا بِهِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعُثْمَانُ جَالِسٌ عِنْدً رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَآهُ عُثْمَانُ قَدْ أُتِيَ بِهِ قَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ مَا جِئْتُك إلّا أَنْ أَسْأَلَك أَنْ تُؤَمّنَهُ فَهَبْهُ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ فَوَهَبَهُ لَهُ وَأَمّنَهُ وَأَجّلَهُ ثَلَاثًا ، فَإِنْ وُجِدَ بَعْدَهُنّ قُتِلَ . قَالَ فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَاشْتَرَى لَهُ بَعِيرًا وَجَهّزَهُ ثُمّ قَالَ ارْتَحِلْ فَارْتَحَلَ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، وَأَقَامَ مُعَاوِيَةُ حَتّى كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ فَجَلَسَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِصُدُورِ الْعَقِيقِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَصْبَحَ قَرِيبًا فَاطْلُبُوهُ فَخَرَجَ النّاسُ فِي طَلَبِهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَخْطَأَ الطّرِيقَ [ ص 334 ] فَخَرَجُوا فِي أَثَرِهِ حَتّى يُدْرِكُوهُ فِي يَوْمِ الرّابِعِ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ أَسْرَعَا فِي طَلَبِهِ فَأَدْرَكَاهُ بِالْجَمّاءِ فَضَرَبَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَقَالَ عَمّارٌ إنّ لِي فِيهِ حَقّا فَرَمَاهُ عَمّارٌ بِسَهْمٍ فَقَتَلَاهُ ثُمّ انْصَرَفَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَاهُ . وَيُقَالُ أُدْرِكَ بِثَنِيّةِ الشّرِيدِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَذَلِكَ حَيْثُ أَخْطَأَ الطّرِيقَ فَأَدْرَكَاهُ فَلَمْ يَزَالَا يَرْمِيَانِهِ بِالنّبْلِ وَاِتّخَذَاهُ غَرَضًا حَتّى مَاتَ .








(1/333)




غَزْوَةُ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَكَانَتْ يَوْمَ الْأَحَدِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَابَ خَمْسًا . قَالُوا [ ص 335 ] لَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّبْحَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَمَعَهُ وُجُوهُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَكَانُوا بَاتُوا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بَابِهِ - سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ وَقَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ فِي عِدّةٍ مِنْهُمْ . فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّبْحِ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ إنّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُكُمْ بِطَلَبِ عَدُوّكُمْ وَلَا يَخْرُجُ مَعَنَا إلّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ بِالْأَمْسِ .
قَالَ فَخَرَجَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَاجِعًا إلَى دَارِهِ يَأْمُرُ قَوْمَهُ بِالْمَسِيرِ . قَالَ وَالْجِرَاحُ فِي النّاسِ فَاشِيَةٌ عَامّةُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَل ِ جَرِيحٌ بَلْ كُلّهَا ، فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَطْلُبُوا عَدُوّكُمْ . قَالَ يَقُولُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر ٍ وَبِهِ سَبْعُ جِرَاحَاتٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُدَاوِيَهَا : سَمْعًا وَطَاعَةً لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ فَأَخَذَ سِلَاحَهُ وَلَمْ يُعَرّجْ عَلَى دَوَاءِ جِرَاحِهِ وَلَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَجَاءَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَوْمَهُ بَنِي سَاعِدَةَ فَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ فَتَلَبّسُوا وَلَحِقُوا . وَجَاءَ أَبُو قَتَادَةَ أَهْلَ خُرْبَى ، وَهُمْ يُدَاوُونَ الْجِرَاحَ فَقَالَ هَذَا مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُكُمْ بِطَلَبِ عَدُوّكُمْ . فَوَثَبُوا إلَى سِلَاحِهِمْ وَمَا عَرّجُوا عَلَى جِرَاحَاتِهِمْ . فَخَرَجَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَرْبَعُونَ جَرِيحًا ، بِالطّفَيْلِ بْنِ النّعْمَانِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا ، وَبِخِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ عَشْرُ جِرَاحَاتٍ وَبِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بَضْعَةَ عَشَرَ جُرْحًا ، وَبِقُطْبَةِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةٍ تِسْعُ جِرَاحَاتٍ حَتّى وَافَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ إلَى رَأْسِ الثّنِيّةِ - الطّرِيقُ الْأُولَى يَوْمئِذٍ - عَلَيْهِمْ السّلَاحُ قَدْ صَفّوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ وَالْجِرَاحُ فِيهِمْ فَاشِيَةٌ قَالَ اللّهُمّ ارْحَمْ بَنِي سَلِمَةَ
قَالَ الْوَاقِدِيّ : وَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا [ ص 336 ] إنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَهْلٍ ، وَرَافِعَ بْنَ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجَعَا مِنْ أُحُدٍ وَبِهِمَا جِرَاحٌ كَثِيرَةٌ وَعَبْدُ اللّهِ أَثْقَلُهُمَا مِنْ الْجِرَاحِ فَلَمّا أَصْبَحُوا وَجَاءَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يُخْبِرُهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُهُمْ بِطَلَبِ عَدُوّهِمْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَاَللّهِ إنْ تَرْكَنَا غَزْوَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ لَغَبْنٌ وَاَللّهِ مَا عِنْدَنَا دَابّةٌ نَرْكَبُهَا وَمَا نَدْرِي كَيْفَ نَصْنَعُ قَالَ عَبْدُ اللّهِ انْطَلِقْ بِنَا قَالَ رَافِعٌ لَا وَاَللّهِ مَا بِي مَشْيٌ . قَالَ أَخُوهُ انْطَلِقْ بِنَا ، نَتَجَارّ وَنَقْصِدْ فَخَرَجَا يَزْحَفَانِ فَضَعُفَ رَافِعٌ فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ يَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ عُقْبَةً وَيَمْشِي الْآخَرُ عُقْبَةً حَتّى أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْعِشَاءِ وَهُمْ يُوقِدُونَ النّيرَانَ فَأُتِيَ بِهِمَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعَلَى حَرَسِهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ - فَقَالَ مَا حَبَسَكُمَا ؟ فَأَخْبَرَاهُ بِعِلّتِهِمَا ، فَدَعَا لَهُمَا بِخَيْرٍ وَقَالَ إنْ طَالَتْ لَكُمْ مُدّةٌ كَانَتْ لَكُمْ مَرَاكِبُ مِنْ خَيْلٍ وَبِغَالٍ وَإِبِلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخَيْرٍ لَكُمْ حَدّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ هَذَانِ أَنَسٌ وَمُؤْنِسٌ وَهَذِهِ قِصّتُهُمَا .
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ مُنَادِيًا نَادَى أَلّا يَخْرُجَ مَعَنَا إلّا مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ بِالْأَمْسِ . وَقَدْ كُنْت حَرِيصًا عَلَى الْحُضُورِ وَلَكِنّ أَبِي خَلّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي وَقَالَ يَا بُنَيّ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَك أَنْ نَدَعَهُنّ وَلَا رَجُلَ عِنْدَهُنّ وَأَخَافُ عَلَيْهِنّ وَهُنّ نَسِيَاتٌ ضِعَافٌ وَأَنَا خَارِجٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقَنِي الشّهَادَةَ . فَتَخَلّفَتْ عَلَيْهِنّ فَاسْتَأْثَرَهُ اللّهُ عَلَيّ بِالشّهَادَةِ وَكُنْت رَجَوْتهَا ، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ أَسِيرَ مَعَك . فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ جَابِرٌ فَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ أَحَدٌ لَمْ يَشْهَدْ الْقِتَالَ بِالْأَمْسِ غَيْرِي ، وَاسْتَأْذَنَهُ رِجَالٌ لَمْ يَحْضُرُوا الْقِتَالَ فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلِوَائِهِ وَهُوَ مَعْقُودٌ لَمْ يُحَلّ مِنْ الْأَمْسِ فَدَفَعَهُ إلَى عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَيُقَالُ دَفَعَهُ إلَى أَبِي بَكْر ٍ .
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مَجْرُوحٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرُ الْحَلَقَتَيْنِ وَمَشْجُوجٌ فِي جَبْهَتِهِ فِي أُصُولِ الشّعَرِ وَرَبَاعِيَتُهُ قَدْ شَظِيَتْ وَشَفَتُهُ قَدْ كُلِمَتْ مِنْ بَاطِنهَا ، وَهُوَ مُتَوَهّنٌ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ بِضَرْبَةِ ابْنِ قَمِيئَةٍ [ ص 337 ] وَرُكْبَتَاهُ مَجْحُوشَتَانِ . فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَالنّاسُ قَدْ حُشِدُوا ، وَنَزَلَ أَهْلُ الْعَوَالِي حَيْثُ جَاءَهُمْ الصّرِيخُ ثُمّ رَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَكْعَتَيْنِ فَدَعَا بِفَرَسِهِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَتَلَقّاهُ طَلْحَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَخَرَجَ يَنْظُرُ مَتَى يَسِيرُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ وَمَا يُرَى مِنْهُ إلّا عَيْنَاهُ فَقَالَ يَا طَلْحَةُ سِلَاحَك فَقُلْت : قَرِيبًا . قَالَ طَلْحَةُ فَأَخْرُجُ أَعْدُو فَأَلْبَسُ دِرْعِي ، وَآخُذُ سَيْفِي ، وَأَطْرَحُ دَرَقَتِي فِي صَدْرِي ; وَإِنّ بِي لَتِسْعَ جِرَاحَاتٍ وَلَأَنَا أَهَمّ بِجِرَاحِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنّي بِجِرَاحِي . ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى طَلْحَةَ فَقَالَ تُرَى الْقَوْمَ الْآنَ ؟ قَالَ هُمْ بِالسّيّالَةِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ الّذِي ظَنَنْت ، أَمَا إنّهُمْ يَا طَلْحَةُ لَنْ يَنَالُوا مِنّا مِثْلَ أَمْسَ حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ مَكّةَ عَلَيْنَا . وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِن ْ أَسْلَمَ طَلِيعَةً فِي آثَارِ الْقَوْمِ سَلِيطًا وَنُعْمَانَ ابْنَيْ سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ دَارِمٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَمَعَهُمَا ثَالِثٌ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي عُوَيْرٍ لَمْ يُسَمّ لَنَا . فَأَبْطَأَ الثّالِثُ عَنْهُمَا وَهُمَا يَجْمِزَانِ وَقَدْ انْقَطَعَ قِبَالُ نَعْلِ أَحَدِهِمَا ، فَقَالَ أَعْطِنِي نَعْلَك . قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أَفْعَلُ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا بِرِجْلِهِ فِي صَدْرِهِ فَوَقَعَ لِظَهْرِهِ وَأَخَذَ نَعْلَيْهِ . وَلَحِقَ الْقَوْمُ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَلَهُمْ زَجَلٌ وَهُمْ يَأْتَمِرُونَ بِالرّجُوعِ وَصَفْوَانُ يَنْهَاهُمْ عَنْ الرّجُوعِ فَبَصُرُوا بِالرّجُلَيْنِ فَعَطَفُوا عَلَيْهِمَا فَأَصَابُوهُمَا . فَانْتَهَى الْمُسْلِمُونَ إلَى مَصْرَعِهِمَا بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَعَسْكَرُوا ، وَقَبَرُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ [ ص 338 ]
فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : هَذَا قَبْرُهُمَا وَهُمَا الْقَرِينَانِ . وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ حَتّى عَسْكَرُوا بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ . قَالَ جَابِرٌ وَكَانَ عَامّةُ زَادِنَا التّمْرَ وَحَمَلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ثَلَاثِينَ جَمَلًا حَتّى وَافَتْ الْحَمْرَاءَ وَسَاقَ جُزُرًا فَنَحَرُوا فِي يَوْمٍ اثْنَيْنِ وَفِي يَوْمٍ ثَلَاثًا . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُهُمْ فِي النّهَارِ بِجَمْعِ الْحَطْبِ فَإِذَا أَمْسَوْا أَمَرَنَا أَنْ نُوقِدَ النّيرَانَ . فَيُوقِدُ كُلّ رَجُلٍ نَارًا ، فَلَقَدْ كُنّا تِلْكَ اللّيَالِيَ نُوقِدُ خَمْسَمِائَةِ نَارٍ حَتّى تُرَى مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ وَذَهَبَ ذِكْرُ مُعَسْكَرِنَا وَنِيرَانِنَا فِي كُلّ وَجْهٍ حَتّى كَانَ مِمّا كَبَتَ اللّهُ تَعَالَى عَدُوّنَا .
وَانْتَهَى مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرِكٌ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ سَلَمًا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ ، لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك فِي أَصْحَابِك ، وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللّهَ أَعْلَى كَعْبَك ، وَأَنّ الْمُصِيبَةَ كَانَتْ بِغَيْرِك . ثُمّ مَضَى مَعْبَدٌ حَتّى يَجِدَ أَبَا سُفْيَانَ وَقُرَيْشًا بِالرّوْحَاءِ . وَهُمْ يَقُولُونَ لَا مُحَمّدًا أَصَبْتُمْ وَلَا الْكَوَاعِبَ أَرْدَفْتُمْ فَبِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ فَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى الرّجُوعِ وَيَقُولُ قَائِلُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَا صَنَعْنَا شَيْئًا ، أَصَبْنَا أَشْرَافَهُمْ ثُمّ رَجَعْنَا قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَفْرٌ - وَالْمُتَكَلّمُ بِهَذَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ . فَلَمّا جَاءَ مَعْبَدٌ إلَى أَبِي سُفْيَان َ قَالَ هَذَا مَعْبَدٌ وَعِنْدَهُ الْخَبَرُ ، مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ ؟
قَالَ تَرَكْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ خَلْفِي يَتَحَرّقُونَ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ النّيرَانِ وَقَدْ أَجْمَعَ مَعَهُ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ بِالْأَمْسِ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَتَعَاهَدُوا أَلّا يَرْجِعُوا حَتّى يَلْحَقُوكُمْ فَيَثْأَرُوا مِنْكُمْ وَغَضِبُوا لِقَوْمِهِمْ [ ص 339 ] غَضَبًا شَدِيدًا وَلِمَنْ أَصَبْتُمْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ . قَالُوا : وَيْلَك مَا تَقُولُ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا نَرَى أَنْ نَرْتَحِلَ حَتّى نَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ ثُمّ قَالَ مَعْبَدُ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْت مِنْهُمْ أَنْ قُلْت أَبْيَاتًا :
كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي

إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَعْدُو بِأُسْدٍ كَرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ

عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَقُلْت وَيْلَ ابْنَ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِهِمْ

إذَا تَغَطْمَطَتْ الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ
وَكَانَ مِمّا رَدّ اللّهُ تَعَالَى أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ كَلَامُ صَفْوَانِ بْنِ أُمَيّةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ مَعْبَدُ وَهُوَ يَقُولُ يَا قَوْمِ لَا تَفْعَلُوا فَإِنّ الْقَوْمَ قَدْ حَزِنُوا وَأَخْشَى أَنْ يَجْمَعُوا عَلَيْكُمْ مَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْخَزْرَجِ ، فَارْجِعُوا وَالدّوْلَةُ لَكُمْ فَإِنّي لَا آمَنُ إنْ رَجَعْتُمْ أَنْ تَكُونَ الدّوْلَةُ عَلَيْكُمْ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْشَدُهُمْ صَفْوَانُ وَمَا كَانَ بِرَشِيدٍ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ الْحِجَارَةُ وَلَوْ رَجَعُوا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِ فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ سِرَاعًا خَائِفِينَ مِنْ الطّلَبِ لَهُمْ وَمَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ نَفَرٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ [ ص 340 ] يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ هَلْ مُبْلِغُو مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ مَا أَرْسَلَكُمْ بِهِ عَلَى أَنْ أُوَقّرَ لَكُمْ أَبَاعِرَكُمْ زَبِيبًا غَدًا بِعُكَاظٍ إنْ أَنْتُمْ جِئْتُمُونِي ؟
قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ حَيْثُمَا لَقِيتُمْ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَأَخْبِرُوهُمْ أَنّا قَدْ أَجَمَعْنَا الرّجْعَةَ إلَيْهِمْ وَأَنّا آثَارَكُمْ . فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ . وَقَدِمَ الرّكْبُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ بِالْحَمْرَاءِ فَأَخْبَرُوهُمْ الّذِي أَمَرَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالُوا : حَسُبْنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَفِي ذَلِكَ أَنَزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ الْآيَةُ . وَقَوْلَهُ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الْآيَةَ . وَكَانَ مَعْبَدٌ قَدْ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعْلِمُهُ أَنْ قَدْ انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ خَائِفِينَ وَجِلِينَ . ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ .








(1/335)




سَرِيّةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ إلَى قَطَنٍ إلَى بَنِي أَسَدٍ
فِي الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا قَالَ الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ . وَغَيْرُهُ أَيْضًا قَدْ حَدّثَنِي مِنْ حَدِيثِ هَذِهِ السّرِيّةِ وَعِمَادُ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَلَمَةَ قَالُوا شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ أَحَدًا ، وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَالِيَةِ حَيْنَ تَحَوّلَ مِنْ قُبَاءٍ ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ . فَجُرِحَ بِأُحُدٍ جُرْحًا عَلَى عَضُدِهِ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَجَاءَهُ الْخَبَرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَارَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، فَرَكِبَ [ ص 341 ] حِمَارًا وَخَرَجَ يُعَارِضُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى لَقِيَهُ حَيْنَ هَبَطَ مِنْ الْعَصْبَةِ بِالْعَقِيقِ فَسَارَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ .
فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ انْصَرَفَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجَعَ مِنْ الْعَصْبَةِ ، فَأَقَامَ شَهْرًا يُدَاوِي جُرْحَهُ حَتّى رَأَى أَنْ قَدْ بَرَأَ وَدَمَلَ الْجُرْحُ عَلَى بَغْيٍ لَا يُدْرَى بِهِ فَلَمّا كَانَ هِلَالُ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ اُخْرُجْ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ فَقَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَيْهَا . وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَقَالَ سِرْ حَتّى تَرِدَ أَرْضَ بَنِي أَسَدٍ ، فَأَغِرْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ تَلَاقَى عَلَيْك جَمُوعُهُمْ . وَأَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَخَرَجَ مَعَهُ فِي تِلْكَ السّرِيّةِ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ مِنْهُمْ أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمٍ وَهُوَ أَخُو أَبِي سَلَمَةَ لِأُمّهِ - أُمّهُ بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ الْعَامِرِيّ .
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : مُعَتّبُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ حَمْرَاءَ الْخُزَاعِيّ حَلِيفٌ فِيهِمْ وَأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَمِنْ بَنِي فِهْرٍ : أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ : أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو نَائِلَةَ وَأَبُو عَبْسٍ وَقَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، وَنَضْرُ بْنُ الْحَارِثِ الظّفَرِيّ وَأَبُو قَتَادَةَ ، وَأَبُو عَيّاشٍ الزّرَقِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ ، وَخُبَيْبُ بْنُ يِسَافٍ وَمَنْ لَمْ يُسَمّ لَنَا .
وَاَلّذِي هَاجَهُ أَنّ رَجُلًا مِنْ طَيّئ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ امْرَأَةً ذَاتَ رَحِمٍ بِهِ مِنْ طَيّئ مُتَزَوّجَةً رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَزَلَ عَلَى صِهْرِهِ الّذِي هُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنّ طُلَيْحَةَ وَسَلَمَةَ ابْنَيْ خُوَيْلِدٍ تَرَكَهُمَا قَدْ سَارَا فِي قَوْمِهِمَا وَمَنْ أَطَاعَهُمَا بِدَعْوَتِهِمَا إلَى حَرْبِ [ ص 342 ] رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا لِلْمَدِينَةِ وَقَالُوا نَسِيرُ إلَى مُحَمّدٍ فِي عُقْرِ دَارِهِ وَنُصِيبُ مِنْ أَطْرَافِهِ فَإِنّ لَهُمْ سَرْحًا يَرْعَى جَوَانِبَ الْمَدِينَةِ ; وَنَخْرُجُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ فَقَدْ أَرْبَعْنَا خَيْلَنَا وَنَخْرُجُ عَلَى النّجَائِبِ الْمَخْبُورَةِ فَإِنْ أَصَبْنَا نَهْبًا لَمْ نُدْرَك وَإِنْ لَاقَيْنَا جَمْعَهُمْ كُنّا قَدْ أَخَذْنَا لِلْحَرْبِ عُدّتَهَا مَعَنَا خَيْلٌ وَلَا خَيْلَ مَعَهُمْ وَمَعَنَا نَجَائِبُ أَمْثَالُ الْخَيْلِ وَالْقَوْمُ مَنْكُوبُونَ قَدْ أَوْقَعَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ حَدِيثًا فَهُمْ لَا يَسْتَبِلّونَ دَهْرًا وَلَا يَثُوبُ لَهُمْ جَمْعٌ . فَقَامَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقَالَ يَا قَوْمِ وَاَللّهِ مَا هَذَا بِرَأْيٍ مَا لَنَا قِبَلَهُمْ وِتْرٌ وَمَا هُمْ نُهْبَةٌ لِمُنْتَهِبٍ إنّ دَارَنَا لَبَعِيدَةٌ مِنْ يَثْرِبَ وَمَا لَنَا جَمْعٌ كَجَمْعِ قُرَيْشٍ . مَكَثَتْ قُرَيْش ٌ دَهْرًا تَسِيرُ فِي الْعَرَبِ تَسْتَنْصِرُهَا وَلَهُمْ وِتْرٌ يَطْلُبُونَهُ ثُمّ سَارُوا وَقَدْ امْتَطُوا الْإِبِلَ وَقَادُوا الْخَيْلَ وَحَمَلُوا السّلَاحَ مَعَ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ - ثَلَاثَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ سِوَى أَتْبَاعِهِمْ - وَإِنّمَا جَهْدُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ إنْ كَمُلُوا فَتُغَرّرُونَ بِأَنْفُسِكُمْ وَتَخْرُجُونَ مِنْ بَلَدِكُمْ وَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ الدّائِرَةُ عَلَيْكُمْ . فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يُشَكّكَهُمْ فِي الْمَسِيرِ وَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ . فَخَرَجَ بِهِ الرّجُلُ الّذِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ مَا أَخْبَرَ الرّجُلُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا سَلَمَةَ فَخَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ الطّائِيّ دَلِيلًا فَأَغَذّوْا السّيْرَ وَنَكَبَ بِهِمْ عَنْ سَنَنِ الطّرِيقِ وَعَارَضَ الطّرِيقَ وَسَارَ بِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا فَسَبَقُوا الْأَخْبَارَ وَانْتَهَوْا إلَى أَدْنَى قَطَنٍ - مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ ، هُوَ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ جَمْعُهُمْ - فَيَجِدُونَ سَرْحًا فَأَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِمْ فَضَمّوهُ وَأَخَذُوا رِعَاءً لهم
[ ص 343 ] مُمَالِيك ثَلَاثَةٍ وَأَفْلَتْ سَائِرُهُمْ فَجَاءُوا جَمْعَهُمْ فَخَبّرُوهُمْ الْخَبَرَ وَحَذّرُوهُمْ جَمْعَ أَبِي سَلَمَةَ وَكَثّرُوهُ عِنْدَهُمْ فَتَفَرّقَ الْجَمْعُ فِي كُلّ وَجْهٍ .
وَوَرَدَ أَبُو سَلَمَةَ الْمَاءَ فَيَجِدُ الْجَمْعَ قَدْ تَفَرّقَ فَعَسْكَرَ وَفَرّقَ أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِ النّعَمِ وَالشّاءِ فَجَعَلَهُمْ ثَلَاثَ فِرَقٍ - فِرْقَةٌ أَقَامَتْ مَعَهُ وَفِرْقَتَانِ أَغَارَتَا فِي نَاحِيَتَيْنِ شَتّى . وَأَوْعَزَ إلَيْهِمَا أَلّا يُمْعِنُوا فِي طَلَبٍ وَأَلّا يَبِيتُوا إلّا عِنْدَهُ إنْ سَلّمُوا وَأَمَرَهُمْ أَلّا يَفْتَرِقُوا وَاسْتَعْمَلَ عَلَى كُلّ فِرْقَةٍ عَامِلًا مِنْهُمْ . فَآبُوا إلَيْهِ جَمِيعًا سَالِمِينَ قَدْ أَصَابُوا إبِلًا وَشَاءً وَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا فَانْحَدَرَ أَبُو سَلَمَةَ بِذَلِكَ كُلّهِ إلَى الْمَدِينَةِ رَاجِعًا وَرَجَعَ مَعَهُ الطّائِيّ فَلَمّا سَارُوا لَيْلَةً قَالَ أَبُو سَلَمَةَ اقْتَسِمُوا غَنَائِمَكُمْ . فَأَعْطَى أَبُو سَلَمَةَ الطّائِيّ الدّلِيلَ رِضَاهُ مِنْ الْمَغْنَمِ ثُمّ أَخَرَجَ صَفِيّا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدًا ثُمّ أَخْرَجَ الْخُمُسَ ثُمّ قَسَمَ مَا بَقِيَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَعَرَفُوا سُهْمَانَهُمْ ثُمّ أَقْبَلُوا بِالنّعَمِ وَالشّاءِ يَسُوقُونَهَا حَتّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ . قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، قَالَ كَانَ الّذِي جَرَحَ أَبَا سَلَمَةَ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ ، رَمَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِمَعْبَلَةٍ فِي عَضُدِهِ فَمَكَثَ شَهْرًا يُدَاوِيهِ فَبَرَأَ فِيمَا نَرَى وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا إلَى قَطَنٍ وَغَابَ بِضْعَ عَشْرَةٍ .
فَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ انْتَقَضَ الْجُرْحُ فَمَاتَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ فَغَسَلَ مِنْ الْيَسِيرَةِ - بِئْرِ بَنِي أُمَيّةَ - بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَكَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ الْعَبِيرُ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْيَسِيرَةَ ثُمّ حُمِلَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ فَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ .
[ ص 344 ] قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ : وَاعْتَدّتْ أُمّي حَتّى خَلَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمّ تَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ بِهَا فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوّالٍ فَكَانَتْ أُمّي تَقُولُ مَا بَأْسٌ فِي النّكَاحِ فِي شَوّالٍ وَالدّخُولِ فِيهِ قَدْ تَزَوّجَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَوّالٍ وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوّالٍ . وَمَاتَتْ أُمّ سَلَمَةَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ .








(1/341)




قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ الْوَاقِدِيّ : فَحَدّثْت عُمَرَ بْنَ عُثْمَانَ الْجَحْشِيّ فَعَرَفَ السّرِيّةَ وَمَخْرَجَ أَبِي سَلَمَةَ إلَى قَطَنٍ ، وَقَالَ أَمَا سُمّيَ لَك الطّائِيّ ؟ قُلْت : لَا . قَالَ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ طَرِيفٍ عَمّ زَيْنَبَ الطّائِيّةِ وَكَانَتْ تَحْتَ طُلَيْبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَنَزَلَ الطّائِيّ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَذَهَبَ بِهِ طُلَيْبٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَ خَبَرَ بَنِي أَسَدٍ وَمَا كَانَ مِنْ هُمُومِهِمْ بِالْمَسِيرِ . وَرَجَعَ مَعَهُمْ الطّائِيّ دَلِيلًا وَكَانَ خِرّيتًا ، فَسَارَ بِهِمْ أَرْبَعًا إلَى قَطَنٍ ، وَسَلَكَ بِهِمْ غَيْرَ الطّرِيقِ لِأَنْ يَعْمِيَ الْخَبَرَ عَلَى الْقَوْمِ . فَجَاءُوا الْقَوْمَ وَهُمْ غَارُونَ عَلَى صِرْمَةَ فَوَجَدُوا الصّرْمَ قَدْ نَذِرُوا بِهِمْ وَخَافُوهُمْ فَهُمْ مُعِدّونَ فَاقْتَتَلُوا فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ جِرَاحَةٌ وَافْتَرَقُوا . ثُمّ أَغَارَ الطّائِيّونَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى بَنِي أَسَدٍ فَكَانَ بَيْنَهُمْ أَيْضًا جِرَاحٌ وَأَصَابُوا لَهُمْ نَعَمًا وَشَاءً فَمَا تَخَلّصُوا مِنْهُمْ شَيْئًا حَتّى دَخَلَ الْإِسْلَامُ .
قَالَ الْوَاقِدِيّ ، وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ شُهَدَاءِأُحُدٍلِلْجُرْحِ الّذِي جُرِحَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمّ انْتَقَضَ بِهِ . وَكَذَلِكَ أَبُو خَالِدٍ الزّرَقِيّ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ ، جُرِحَ بِالْيَمَامَةِ جُرْحًا ، فَلَمّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ انْتَقَضَ بِهِ الْجُرْحُ [ ص 345 ] فَمَاتَ فِيهِ فَصَلّى عَلَيْهِ عُمَرُ وَقَالَ هُوَ مِنْ شُهَدَاءِ الْيَمَامَةِ لِأَنّهُ جُرِحَ بِالْيَمَامَةِ .
قَالَ الْوَاقِدِيّ : فَحَدّثْت يَعْقُوبَ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ كُلّهُ فَقَالَ أَخْبَرَنِي أَيّوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا سَلَمَةَ فِي الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا ، فِي مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ . فَكَانُوا يَسِيرُونَ اللّيْلَ وَيَكْمُنُونَ النّهَارَ حَتّى وَرَدُوا قَطَنٍ ، فَوَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ جَمَعُوا جَمْعًا فَأَحَاطَ بِهِمْ أَبُو سَلَمَةَ فِي عَمَايَةِ الصّبْحِ وَقَدْ وَعَظَ الْقَوْمَ وَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَرَغّبَهُمْ فِي الْجِهَادِ وَحَضّهُمْ عَلَيْهِ وَأَوْعَزَ إلَيْهِمْ فِي الْإِمْعَانِ فِي الطّلَبِ وَأَلّفَ بَيْنَ كُلّ رَجُلَيْنِ . فَانْتَبَهَ الْحَاضِرُ قَبْلَ حَمْلَةِ الْقَوْمِ عَلَيْهِمْ فَتَهَيّئُوا وَأَخَذُوا السّلَاحَ أَوْ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَصَفّوا لِلْقِتَالِ . وَحَمَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ فَأَبَانَ رِجْلَهُ ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ وَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى مَسْعُودِ بْنِ عُرْوَةَ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِالرّمْحِ فَقَتَلَهُ وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَاحِبِهِمْ أَنْ يُسْلَبَ مِنْ ثِيَابِهِ فَحَازُوهُ إلَيْهِمْ . ثُمّ صَاحَ سَعْدٌ مَا يُنْتَظَرُ فَحَمَلَ أَبُو سَلَمَةَ فَانْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى حَامِيَتِهِمْ وَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ ثُمّ تَفَرّقَ الْمُشْرِكُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَأَمْسَكَ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ الطّلَبِ فَانْصَرَفُوا إلَى الْمَحَلّةِ فَوَارَوْا صَاحِبَهُمْ وَأَخَذُوا مَا خَفّ لَهُمْ مِنْ مَتَاعِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَحَلّةِ ذُرّيّةٌ ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إلَى الْمَدِينَةِ ، حَتّى إذَا كَانُوا مِنْ الْمَاءِ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ أَخْطَئُوا الطّرِيقَ فَهَجَمُوا عَلَى نَعَمٍ لَهُمْ فِيهِمْ رِعَاؤُهُمْ وَإِنّمَا نَكّبُوا عَنْ سَنَنِهِمْ فَاسْتَاقُوا النّعَمَ وَاسْتَاقُوا الرّعَاءَ فَكَانَتْ غَنَائِمُهُمْ سَبْعَةَ أَبْعِرَةٍ .
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ [ ص 346 ] فَلَمّا أَخْطَأْنَا الطّرِيقَ اسْتَأْجَرْنَا رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ دَلِيلًا يَدُلّنَا عَلَى الطّرِيقِ فَقَالَ أَنَا أَهْجُمُ بِكَمْ عَلَى نَعَمٍ فَمَا تَجْعَلُونَ لِي مِنْهُ ؟ قَالُوا : الْخُمُسَ . قَالَ فَدَلّهُمْ عَلَى النّعَمِ وَأَخَذَ خُمُسَهُ .








(1/345)

غَزْوَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَأَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ الْمُسَمّينَ وَقَدْ جَمَعْت كُلّ الّذِي حَدّثُونِي ، قَالُوا : قَدِمَ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ أَبُو الْبَرَاءِ مَلَاعِبَ الْأَسِنّةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَسَيْنِ وَرَاحِلَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ فَعَرَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يُبْعِدْ وَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنّي أَرَى أَمْرَك هَذَا أَمْرًا حَسَنًا شَرِيفًا ; وَقَوْمِي خَلْفِي ، فَلَوْ أَنّك بَعَثْت نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك مَعِي لَرَجَوْت أَنْ يُجِيبُوا دَعْوَتَك وَيَتّبِعُوا أَمْرَك ، فَإِنْ هُمْ اتّبَعُوك فَمَا أَعَزّ أَمْرَك فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي أَخَافُ عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ . فَقَالَ عَامِرٌ لَا تَخَفْ عَلَيْهِمْ أَنَا لَهُمْ جَارٍ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ .
وَكَانَ مِنْ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلًا شَبَبَةً يُسَمّونَ الْقُرّاءَ كَانُوا إذَا أَمْسَوْا أَتَوْا نَاحِيَةً مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَدَارَسُوا وَصَلّوْا ، حَتّى إذَا كَانَ وِجَاهَ الصّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنْ الْمَاءِ وَحَطِبُوا مِنْ الْحَطَبِ فَجَاءُوا بِهِ إلَى حِجْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَهْلُوهُمْ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ . فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجُوا فَأُصِيبُوا فِي بِئْرِ مَعُونَةَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَتَلَتِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً .
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ : كَانُوا سَبْعِينَ وَيُقَالُ إنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ وَرَأَيْت الثّبْتَ عَلَى أَنّهُمْ أَرْبَعُونَ . فَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ كِتَابًا ، وَأَمّرَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السّاعِدِيّ ، فَخَرَجُوا حَتّى كَانُوا عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ ، وَهُوَ مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي سُلَيْمٍ ، وَهُوَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَبَنِي سُلَيْمٍ وَكِلَا الْبَلَدَيْنِ يُعَدّ مِنْهُ .
فَحَدّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ خَرَجَ الْمُنْذِرُ بِدَلِيلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ الْمُطّلِبُ فَلَمّا نَزَلُوا عَلَيْهَا عَسْكَرُوا بِهَا وَسَرّحُوا ظَهْرَهُمْ وَبَعَثُوا فِي سَرْحِهِمْ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّةِ وَعَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ . وَقَدّمُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ، فَلَمّا انْتَهَى حَرَامٌ إلَيْهِمْ لَمْ يَقْرَءُوا الْكِتَابَ وَوَثَبَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَلَى حَرَامٍ فَقَتَلَهُ وَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِي عَامِرٍ فَأَبَوْا . وَقَدْ كَانَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو بَرَاءٍ خَرَجَ قَبْلَ الْقَوْمِ إلَى نَاحِيَةِ نَجْدٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ قَدْ أَجَارَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ فَلَا يَعْرِضُوا لَهُمْ فَقَالُوا : لَنْ يُخْفَرَ جِوَارُ أَبِي بَرَاءٍ . وَأَبَتْ عَامِرٌ أَنْ تَنْفِرَ مَعَ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ ، فَلَمّا أَبَتْ عَلَيْهِ بَنُو عَامِرٍ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ سُلَيْمٍ - عُصَيّةَ وَرِعْلًا - فَنَفَرُوا مَعَهُ [ ص 348 ] وَرَأّسُوهُ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ : أَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا أَقْبَلُ هَذَا وَحْدَهُ فَاتّبَعُوا إثْرَهُ حَتّى وَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ اسْتَبْطَئُوا صَاحِبَهُمْ فَأَقْبَلُوا فِي إثْرِهِ فَلَقِيَهُمْ الْقَوْمُ وَالْمُنْذِرُ مَعَهُمْ فَأَحَاطَتْ بَنُو عَامِرٍ بِالْقَوْمِ وَكَاثَرُوهُمْ فَقَاتَلَ الْقَوْمُ حَتّى قُتِلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَبَقِيَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالُوا لَهُ إنْ شِئْت آمَنّاك . فَقَالَ لَنْ أُعْطِيَ بِيَدِي وَلَنْ أَقْبَلَ لَكُمْ أَمَانّا حَتّى آتِيَ مَقْتَلَ حَرَامٍ ثُمّ بَرِئَ مِنّي جِوَارُكُمْ . فَآمَنُوهُ حَتّى أَتَى مَصْرَعَ حَرَامٍ ثُمّ بَرِئُوا إلَيْهِ مِنْ جِوَارِهِمْ ثُمّ قَاتَلَهُمْ حَتّى قُتِلَ فَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْنَقَ لِيَمُوتَ . وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بِالسّرْحِ وَقَدْ ارْتَابَا بِعُكُوفِ الطّيْرِ عَلَى مَنْزِلِهِمْ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ مَنْزِلِهِمْ فَجَعَلَا يَقُولَانِ قُتِلَ وَاَللّهِ أَصْحَابُنَا ; وَاَللّهِ مَا قَتَلَ أَصْحَابَنَا إلّا أَهْلُ نَجْدٍ فَأَوْفَى عَلَى نَشَزٍ مِنْ الْأَرْضِ فَإِذَا أَصْحَابُهُمْ مَقْتُولُونَ وَإِذَا الْخَيْلُ وَاقِفَةٌ فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ لعمرو بْنِ أُمَيّةَ مَا تَرَى ؟ قَالَ أَرَى أَنْ أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأُخْبِرَهُ الْخَبَرَ .
فَقَالَ الْحَارِثُ مَا كُنْت لِأَتَأَخّرَ عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ . فَأَقْبَلَا لِلْقَوْمِ فَقَاتَلَهُمْ الْحَارِثُ حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ ثُمّ أَخَذُوهُ فَأَسَرُوهُ وَأَسَرُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ . وَقَالُوا لِلْحَارِثِ مَا تُحِبّ أَنْ نَصْنَعَ بِك ، فَإِنّا لَا نُحِبّ قَتْلَك ؟ قَالَ أَبْلِغُونِي مَصْرَعَ الْمُنْذِرِ وَحَرَامٍ ثُمّ بَرِئَتْ مِنّي ذِمّتُكُمْ . قَالُوا : نَفْعَلُ . فَبَلَغُوا بِهِ ثُمّ أَرْسَلُوهُ فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ ثُمّ قُتِلَ فَمَا قَتَلُوهُ حَتّى شَرَعُوا لَهُ الرّمَاحَ فَنَظَمُوهُ فِيهَا . وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ وَهُوَ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَمْ يُقَاتِلْ إنّهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى أُمّي نَسَمَةٌ فَأَنْتَ حُرّ عَنْهَا وَجَزّ نَاصِيَتَهُ .
[ ص 349 ] وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ هَلْ تَعْرِفُ أَصْحَابَك ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ فَطَافَ فِيهِمْ وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَنْسَابِهِمْ فَقَالَ هَلْ تَفْقِدُ مِنْهُمْ عَنْ أَحَدٍ ؟ قَالَ أَفْقِدُ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ . فَقَالَ كَيْفَ كَانَ فِيكُمْ ؟ قَالَ قُلْت : كَانَ مِنْ أَفْضَلِنَا وَمِنْ أَوّلِ أَصْحَابِ نَبِيّنَا . قَالَ أَلَا أُخْبِرُك خَبَرَهُ ؟ وَأَشَارَ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ هَذَا طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ ثُمّ انْتَزَعَ رُمْحَهُ فَذَهَبَ بِالرّجُلِ عُلُوّا فِي السّمَاءِ حَتّى وَاَللّهِ مَا أَرَاهُ . قَالَ عَمْرٌو ، فَقُلْت : ذَلِكَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَكَانَ الّذِي قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ يُقَالُ لَهُ جَبّارُ بْنُ سَلْمَى ، ذَكَرَ أَنّهُ لَمّا طَعَنَهُ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ « فُزْت وَاَللّهِ » . قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : مَا قَوْلُهُ « فُزْت » ؟ قَالَ فَأَتَيْت الضّحّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيّ فَأَخْبَرْته بِمَا كَانَ وَسَأَلْته عَنْ قَوْلِهِ « فُزْت » ، فَقَالَ الْجَنّةَ .
قَالَ وَعَرَضَ عَلَيّ الْإِسْلَامَ . قَالَ فَأَسْلَمْت ، وَدَعَانِي إلَى الْإِسْلَامِ مَا رَأَيْت مِنْ مَقْتَلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ مِنْ رَفْعِهِ إلَى السّمَاءِ عُلُوّا . قَالَ وَكَتَبَ الضّحّاكُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُخْبِرُهُ بِإِسْلَامِي وَمَا رَأَيْت مِنْ مَقْتَلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْ جُثّتَهُ وَأَنْزَلَ عِلّيّينَ .
فَلَمّا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرُ بِئْرِ مَعُونَةَ ، جَاءَ مَعَهَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مُصَابُهُمْ وَمُصَابُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ ، وَبَعَثَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ ، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَتَلَتِهِمْ بَعْدَ الرّكْعَةِ مِنْ الصّبْحِ فِي صُبْحِ تِلْكَ اللّيْلَةِ الّتِي جَاءَهُ الْخَبَرُ ، فَلَمّا قَالَ سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ اللّهُمّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرًا ; اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِي لِحْيَانَ وَزِعْبٍ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيّةَ ، فَإِنّهُمْ عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِي لِحْيَانَ وَعَضَلَ وَالْقَارّةَ; اللّهُمّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَسَلَمَةَ بْنَ ابْنِ هِشَامٍ ، وَعَيّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غِفَارٌ غَفَرَ اللّهُ لَهَا ، وَأَسْلَمَ سَالَمَهَا اللّهُ ثُمّ سَجَدَ فَقَالَ ذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَيُقَالُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ الْآيَةُ .
وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ يَا رَبّ سَبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ قَتَلْت مِنْ الْأَنْصَارِ فِي مَوَاطِنَ سَبْعِينَ سَبْعِينَ - يَوْمَأُحُدٍسَبْعُونَ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ وَيَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ سَبْعُونَ . وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَتْلَى مَا وَجَدَ عَلَى قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ .
وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتّى نُسِخَ ( بَلّغُوا قَوْمَنَا أَنّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنّا وَرَضِينَا عَنْهُ ) .
قَالُوا : وَأَقْبَلَ أَبُو بَرَاءٍ سَائِرًا ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ هِمّ ، فَبَعَثَ مِنْ الْعِيصِ ابْنَ أَخِيهِ لَبِيَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهَدِيّةٍ فَرَسٍ فَرَدّهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ فَقَالَ لَبِيدٌ مَا كُنْت أَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْ مُضَرَ يَرُدّ هَدِيّةَ أَبِي بَرَاءٍ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ قَبِلْت هَدِيّةَ مُشْرِكٍ لَقَبِلْت هَدِيّةَ أَبِي بَرَاءٍ .
قَالَ فَإِنّهُ قَدْ بَعَثَ يَسْتَشْفِيكَ مِنْ وَجَعٍ بِهِ - وَكَانَتْ بِهِ الدّبَيْلَةُ . فَتَنَاوَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَبُوبَةً مِنْ الْأَرْضِ فَتَفَلَ فِيهَا ، ثُمّ نَاوَلَهُ وَقَالَ دُفْهَا بِمَاءٍ ثُمّ اسْقِهَا إيّاهُ . فَفَعَلَ فَبَرِئَ . وَيُقَالُ إنّهُ [ ص 351 ] بَعَثَ إلَيْهِ بِعُكّةَ عِسْلًا فَلَمْ يَزَلْ يَلْعَقُهَا حَتّى بَرِئَ . فَكَانَ أَبُو بَرَاءٍ يَوْمَئِذٍ سَائِرًا فِي قَوْمِهِ يُرِيدُ أَرْضَ بَلِيّ ، فَمَرّ بِالْعِيصِ فَبَعَثَ ابْنَهُ رَبِيعَةَ مَعَ لَبِيدٍ يَحْمِلَانِ طَعَامًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَبِيعَةَ مَا فَعَلَتْ ذِمّةُ أَبِيك ؟ قَالَ رَبِيعَةُ : نَقَضَتْهَا ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ أَوْ طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ . فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي بَرَاءٍ فَخَبّرَ أَبَاهُ فَشَقّ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ وَمَا صَنَعَ بِأَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا حَرَكَةَ بِهِ مِنْ الْكِبَرِ وَالضّعْفِ فَقَالَ أَخْفِرنِي ابْنَ أَخِي مِنْ بَيْنِ بَنِي عَامِرٍ . وَسَارَ حَتّى كَانُوا عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَلِيّ يُقَالُ لَهُ الْهَدْمُ ، فَيَرْكَبُ رَبِيعَةُ فَرَسًا لَهُ وَيَلْحَقُ عَامِرًا وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَأَخْطَأَ مَقَاتِلَهُ . وَتَصَايَحَ النّاسُ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ : إنّهَا لَمْ تَضُرّنِي إنّهَا لَمْ تَضُرّنِي وَقَالَ قَضَيْت ذِمّةَ أَبِي بَرَاءٍ . وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ : قَدْ عَفَوْت عَنْ عَمّي ، هَذَا فِعْلَهُ وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اهْدِ بَنِي عَامِرٍ وَاطْلُبْ خُفْرَتِي مِنْ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ .
وَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ حَتّى قَدِمَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَارَ عَلَى رِجْلَيْهِ أَرْبَعًا ; فَلَمّا كَانَ بِصُدُورِ قَنَاةٍ لَقِيَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي كِلَابٍ ، قَدْ كَانَا قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَسَاهُمَا ، وَلَهُمَا مِنْهُ أَمَانٌ . وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ عَمْرٌو ، فَقَايَلَهُمَا فَلَمّا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا لِلّذِي أَصَابَتْ بَنُو عَامِرٍ مِنْ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ . ثُمّ قَدِمَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 352 ] فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ ، فَقَالَ أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَيُقَالُ إنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَجَعَ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَعَثْتُك قَطّ إلّا رَجَعْت إلَيّ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِك وَيُقَالُ إنّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي السّرِيّةِ إلّا أَنْصَارِيّ ، وَهَذَا الثّبْتُ عِنْدَنَا . وَأَخْبَرَ عَمْرُو النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَقْتَلِ الْعَامِرِيّيْنِ فَقَالَ بِئْسَ مَا صَنَعْت ، قَتَلْت رَجُلَيْنِ كَانَ لَهُمَا مِنّي أَمَانٌ وَجِوَارٌ لِأَدِيَنّهُمَا فَكَتَبَ إلَيْهِ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ وَبَعَثَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُخْبِرُهُ إنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِك قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَهُمَا مِنْك أَمَانٌ وَجِوَارٌ . فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دِيَتَهُمَا ، دِيَةَ حُرّيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ .
حَدّثَنِي مُصْعَبٌ عَنْ أَبِي أَسْوَدَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ حَرَصَ الْمُشْرِكُونَ بِعُرْوَةَ بْنِ الصّلْتِ أَنْ يُؤَمّنُوهُ فَأَبَى - وَكَانَ ذَا خِلّةٍ بِعَامِرٍ - مَعَ أَنّ قَوْمَهُ بَنِي سُلَيْمٍ حَرَصُوا عَلَى ذَلِكَ فَأَبَى وَقَالَ لَا أَقَبْلُ لَكُمْ أَمَانًا وَلَا أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْ مَصْرَعِ أَصْحَابِي . وَقَالُوا حَيْنَ أُحِيطَ بِهِمْ اللّهُمّ إنّا لَا نَجِدُ مَنْ يُبَلّغُ رَسُولَك السّلَامَ غَيْرَك ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السّلَامَ - فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِذَلِكَ .

(1/348)

تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ قُرَيْش ٍ مِنْ بَنِي تَيْمٍ : عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ; وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ حَلِيفٌ لَهُمْ وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ : نَافِعٌ مِنْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ ; وَمِنْ الْأَنْصَارِ : الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، أَمِيرُ الْقَوْمِ وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ مُعَاذُ بْنُ مَاعِصٍ وَمِنْ بَنِي النّجّارِ : حَرَامٌ وَسُلَيْمٌ ابْنَا مِلْحَانَ وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ : الْحَارِثُ [ ص 353 ] بْنُ الصّمّةِ وَسَهْلُ بْنُ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمْرٍو ، وَالطّفَيْلُ بْنُ سَعْدٍ وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ : أَنَسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَنَسٍ وَأَبُو شَيْخٍ أُبَيّ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ : عَطِيّةُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو ، وَارْتُثّ مِنْ الْقَتْلَى كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ - قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : عُرْوَةُ بْنُ الصّلْتِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ; وَمِنْ النّبِيتِ مَالِكُ بْنُ ثَابِتٍ وَسُفْيَانُ بْنُ ثَابِتٍ . فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِمّنْ يُحْفَظُ اسْمُهُ سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا .
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَرْثِي نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ سَمِعْت أَصْحَابَنَا يَنْشُدُونَهَا :
رَحِمَ اللّهُ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ

رَحْمَةَ الْمُبْتَغِي ثَوَابَ الْجِهَادِ
صَارِمٌ صَادِقُ اللّقَاءِ إذَا مَا

أَكْثَرَ النّاسُ قَالَ قَوْلَ السّدَادِ
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عَبّاسٍ السّلَمِيّ ، وَكَانَ خَالَ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ ، وَكَانَ طُعَيْمَةُ يُكْنَى أَبَا الرّيّانِ خَرَجَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ يُحَرّضُ قَوْمَهُ يَطْلُبُ بِدَمِ ابْنِ أَخِيهِ حَتّى قَتَلَ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ ، فَقَالَ
تَرَكْت ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ثَاوِيًا

بِمُعْتَرَكٍ تَسْفِي عَلَيْهِ الْأَعَاصِرُ
ذَكَرْت أَبَا الرّيّانِ لَمّا عَرَفْته

وَأَيْقَنْت أَنّي يَوْمَ ذَلِكَ ثَائِرُ
سَمِعْت أَصْحَابَنَا يَثْبُتُونَهَا . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْثِي الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو :
صَلّى الْإِلَهُ عَلَى ابْنِ عَمْرٍو إنّه ُ

صَدْقُ اللّقَاءِ وَصَدْقُ ذَلِكَ أَوْفَقُ
قَالُوا لَهُ أَمْرَيْنِ فَاخْتَرْ فِيهِمَا

فَاخْتَارَ فِي الرّأْيِ الّذِي هُوَ أَرْفَقُ
أَ نْشَدَنِي ابْنُ جَعْفَرٍ قَصِيدَةَ حَسّانٍ « سَحّا غَيْرَ نَزْرٍ » .









(1/353)




غَزْوَةُ الرّجِيعِ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا
حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ [ ص 354 ] عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَ الرّجِيعِ عُيُونًا إلَى مَكّةَ لِيُخْبِرُوهُ خَبَرَ قُرَيْشٍ ، فَسَلَكُوا عَلَى النّجْدِيّةِ حَتّى كَانُوا بِالرّجِيعِ فَاعْتَرَضَتْ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ .
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ فِي رِجَالٍ مِمّنْ لَمْ أُسَمّ وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِبَعْضِ الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ جَمَعْت الّذِي حَدّثُونِي ، قَالُوا : لَمّا قُتِلَ سُفْيَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ مَشَتْ بَنُو لِحْيَانَ إلَى عَضَلٍ وَالْقَارّةِ ، فَجَعَلُوا لَهُمْ فَرَائِضَ عَلَى أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيُكَلّمُوهُ فَيُخْرِجَ إلَيْهِمْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَدْعُونَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ . فَنَقْتُلَ مَنْ قَتَلَ صَاحِبَنَا وَنَخْرُجَ بِسَائِرِهِمْ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ فَنُصِيبَ بِهِمْ ثَمَنًا ; فَإِنّهُمْ لَيْسُوا لِشَيْءٍ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُؤْتَوْا بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ يُمَثّلُونَ بِهِ وَيَقْتُلُونَهُ بِمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ . فَقَدِمَ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ - وَهُمَا حَيّانِ إلَى خُزَيْمَةَ - مُقِرّيْنِ بِالْإِسْلَامِ فَقَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ فِينَا إسْلَامًا فَاشِيًا ، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ وَيُفَقّهُونَنَا فِي الْإِسْلَامِ . [ ص 355 ] فَبَعَثَ مَعَهُمْ سَبْعَةَ نَفَرٍ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ ، وَخَالِدُ بْنُ أَبِي الْبُكَيْرِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ البَلَوِيّ حَلِيفٌ فِي بَنِي ظَفَرٍ ، وَأَخَاهُ لِأُمّهِ مُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ ، حَلِيفٌ فِي بَنِي ظَفَرٍ وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّة مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ . وَيُقَالُ كَانُوا عَشْرَةً وَأَمِيرُهُمْ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ ; وَيُقَالُ أَمِيرُهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ . فَخَرَجُوا حَتّى إذَا كَانُوا بِمَاءٍ لهُذَيْل - يُقَالُ لَهُ الرّجِيعُ قَرِيبٌ مِنْ الْهَدّةِ - خَرَجَ النّفَرُ فَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ أَصْحَابَهُمْ الّذِينَ بَعَثَهُمْ اللّحْيَانِيّونَ فَلَمْ يُرَعْ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِالْقَوْمِ مِائَةُ رَامٍ وَفِي أَيْدِيهمْ السّيُوفُ . فَاخْتَرَطَ أَصْحَابُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْيَافَهُمْ ثُمّ قَامُوا ، فَقَالَ الْعَدُوّ : مَا نُرِيدُ قِتَالَكُمْ وَمَا نُرِيدُ إلّا أَنْ نُصِيبَ مِنْكُمْ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ ثَمَنًا ، وَلَكُمْ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ لَا نَقْتُلُكُمْ .
فَأَمّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّة ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ ، فَاسْتَأْسَرُوا . وَقَالَ خُبَيْبٌ إنّ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدًا . وَأَمّا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَرْثَدٌ وَخَالِدُ بْنُ أَبِي الْبُكَيْرِ وَمُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ ، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا جِوَارَهُمْ وَلَا أَمَانَهُمْ . وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ إنّي نَذَرْت أَلّا أَقْبَلَ جِوَارَ مُشْرِكٍ أَبَدًا . فَجَعَلَ عَاصِمٌ يُقَاتِلُهُمْ وَهُوَ يَقُولُ
مَا عِلّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ

النّبْلُ وَالْقَوْسُ لَهَا بَلَابِلُ
تَزِلّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ

الْمَوْتُ حَقّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ
وَكُلّ مَا حَمّ الْإِلَهُ نَازِلُ

بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إلَيْهِ آئِلُ
إنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمّي هَابِلُ
قَالَ الْوَاقِدِيّ [ ص 356 ] مَا رَأَيْت مِنْ أَصْحَابِنَا أَحَدًا يَدْفَعُهُ . قَالَ فَرَمَاهُمْ بِالنّبْلِ حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ ثُمّ طَاعَنَهُمْ بِالرّمْحِ حَتّى كُسِرَ رُمْحُهُ وَبَقِيَ السّيْفُ فَقَالَ اللّهُمّ حَمَيْت دِينَك أَوّلَ نَهَارِي فَاحْمِ لِي لَحْمِي آخِرَهُ وَكَانُوا يُجَرّدُونَ كُلّ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ . قَالَ فَكُسِرَ غِمْدُ سَيْفِهِ ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَقَدْ جَرَحَ رَجُلَيْنِ وَقَتَلَ وَاحِدًا . فَقَالَ عَاصِمٌ وَهُوَ يُقَاتِل :
أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ وَمِثْلِي رَامَى

وَرِثْت مَجْدًا مَعْشَرًا كِرَامًا
أَصَبْت مَرْثَدًا وَخَالِدًا قِيَامًا
ثُمّ شَرَعُوا فِيهِ الْأَسِنّةَ حَتّى قَتَلُوهُ . وَكَانَتْ سُلَافَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ الشّهِيدِ . قَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَبَنُوهَا أَرْبَعَةٌ قَدْ كَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ الْحَارِثُ وَمُسَافِعًا ; فَنَذَرَتْ لَئِنْ أَمْكَنَهَا اللّهُ مِنْهُ أَنْ تَشْرَبَ فِي قِحْفِ رَأْسِهِ الْخَمْرَ وَجَعَلَتْ لِمَنْ جَاءَ بِرَأْسِ عَاصِمٍ مِائَةَ نَاقَةٍ قَدْ عَلِمَتْ ذَلِكَ الْعَرَبُ وَعَلِمَتْهُ بَنُو لِحْيَانَ فَأَرَادُوا أَنْ يَحْتَزّوا رَأْسَ عَاصِمٍ لِيَذْهَبُوا بِهِ إلَى سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ لِيَأْخُذُوا مِنْهَا مِائَةَ نَاقَةٍ . فَبَعَثَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الدّبْرَ فَحَمَتْهُ فَلَمْ يَدْنُ إلَيْهِ أَحَدٌ إلّا لَدَغَتْ وَجْهَهُ وَجَاءَ مِنْهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ لَا طَاقَةَ لِأَحَدٍ بِهِ .
فَقَالُوا : دَعُوهُ إلَى اللّيْلِ فَإِنّهُ إذَا جَاءَ اللّيْلُ ذَهَبَ عَنْهُ الدّبْرُ . فَلَمّا جَاءَ اللّيْلُ بَعَثَ اللّهُ عَلَيْهِ سَيْلًا - وَكُنّا مَا نَرَى فِي السّمَاءِ سَحَابًا فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ - فَاحْتَمَلَهُ فَذَهَبَ بِهِ فَلَمْ يَصِلُوا إلَيْهِ . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَذْكُرُ عَاصِمًا - وَكَانَ عَاصِمٌ نَذَرَ أَلّا يَمَسّ مُشْرِكًا وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ تَنَجّسًا بِهِ . فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيَحْفَظُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنَعَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ أَنْ [ ص 357 ] يَمَسّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا امْتَنَعَ فِي حَيَاتِهِ . وَقَاتَلَ مُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ حَتّى جُرِحَ فِيهِمْ ثُمّ خَلَصُوا إلَيْهِ فَقَتَلُوهُ . وَخَرَجُوا بِخُبَيْبٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ طَارِقٍ ، وَزَيْدِ بْنِ الدّثِنّة حَتّى إذَا كَانُوا بِمَرّ الظّهْرَانِ ، وَهُمْ مُوثَقُونَ بِأَوْتَارِ قِسِيّهِمْ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ : هَذَا أَوّلُ الْغَدْرِ وَاَللّهِ لَا أُصَاحِبُكُمْ إنّ لِي فِي هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةٌ - يَعْنِي الْقَتْلَى . فَعَالَجُوهُ فَأَبَى ، وَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ رِبَاطِهِ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَانْحَازُوا عَنْهُ فَجَعَلَ يَشُدّ فِيهِمْ وَيَنْفَرِجُونَ عَنْهُ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتّى قَتَلُوهُ - فَقَبْرُهُ بِمَرّ الظّهْرَانِ .
وَخَرَجُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عُدّيّ وَزَيْدِ بْنِ الدّثِنّة حَتّى قَدِمُوا بِهِمَا مَكّةَ ، فَأَمّا خُبَيْبٌ فَابْتَاعَهُ حُجَيْرُ بْنُ أَبِي إهَابٍ بِثَمَانِينَ مِثْقَالِ ذَهَبٍ . وَيُقَالُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ فَرِيضَةً وَيُقَالُ اشْتَرَتْهُ ابْنَةُ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ . وَكَانَ حُجَيْرُ إنّمَا اشْتَرَاهُ لِابْنِ أَخِيهِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَمّا زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة ، فَاشْتَرَاهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِخَمْسِينَ فَرِيضَةً فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ وَيُقَالُ إنّهُ شَرِكَ فِيهِ أُنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ ; فَدَخَلَ بِهِمَا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَحُبِسَ حُجَيْرُ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيّ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ . يُقَالُ لَهَا مَاوِيّةُ مَوْلَاةٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَحَبَسَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ زَيْدَ بْنَ الدّثِنّة عِنْدَ نَاسٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ ، وَيُقَالُ عِنْدَ نِسْطَاسٍ غُلَامِهِ . وَكَانَتْ مَاوِيّةُ قَدْ أَسْلَمَتْ بَعْدُ فَحَسُنَ إسْلَامُهَا ، وَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ . وَاَللّهِ لَقَدْ اطّلَعْت عَلَيْهِ مِنْ صِيرِ الْبَابِ وَإِنّهُ لَفِي الْحَدِيدِ مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ حَبّةَ عِنَبٍ تُؤْكَلُ وَإِنّ فِي يَدِهِ لَقِطْفَ عِنَبٍ مِثْلَ رَأْسِ الرّجُلِ يَأْكُلُ مِنْهُ وَمَا هُوَ إلّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللّهُ . وَكَانَ خُبَيْبٌ يَتَهَجّدُ بِالْقُرْآنِ [ ص 358 ] وَكَانَ يَسْمَعُهُ النّسَاءُ فَيَبْكِينَ وَيُرَقّقْنَ عَلَيْهِ . قَالَتْ فَقُلْت لَهُ يَا خُبَيْبُ هَلْ لَك مِنْ حَاجَةٍ ؟ قَالَ لَا ، إلّا أَنْ تَسْقِيَنِي الْعَذْبَ وَلَا تُطْعِمِينِي مَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ . وَتُخْبِرِينِي إذَا أَرَادُوا قَتْلِي . قَالَتْ فَلَمّا انْسَلَخَتْ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ أَتَيْته فَأَخْبَرْته ، فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْته اكْتَرَثَ لِذَلِكَ وَقَالَ ابْعَثِي لِي بِحَدِيدَةٍ أَسْتَصْلِحْ بِهَا . قَالَتْ فَبَعَثْت إلَيْهِ مُوسَى مَعَ ابْنَيْ أَبِي حُسَيْنٍ فَلَمّا وَلّى الْغُلَامُ قُلْت : أَدْرَكَ وَاَللّهِ الرّجُلُ ثَأْرَهُ أَيّ شَيْءٍ صَنَعْت ؟ بَعَثْت هَذَا الْغُلَامَ بِهَذِهِ الْحَدِيدَةِ فَيَقْتُلُهُ وَيَقُولُ « رَجُلٌ بِرَجُلٍ » .
فَلَمّا أَتَاهُ ابْنِي بِالْحَدِيدَةِ تَنَاوَلَهَا مِنْهُ ثُمّ قَالَ مُمَازِحًا لَهُ وَأَبِيك إنّك لَجَرِيءٌ أَمَا خَشِيَتْ أُمّك غَدِرِي حَيْنَ بَعَثْت مَعَك بِحَدِيدَةٍ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ قَتْلِي ؟ قَالَتْ مَاوِيّةُ وَأَنَا أَسْمَعُ ذَلِكَ فَقُلْت : يَا خُبَيْبُ إنّمَا أَمّنْتُك بِأَمَانِ اللّهِ وَأَعْطَيْتُك بِإِلَهِك ، وَلَمْ أُعْطِك لِتَقْتُلَ ابْنِي . فَقَالَ خُبَيْبٌ مَا كُنْت لِأَقْتُلَهُ وَمَا نَسْتَحِلّ فِي دِينِنَا الْغَدْرَ . ثُمّ أَخْبَرَتْهُ أَنّهُمْ مُخْرِجُوهُ فَقَاتَلُوهُ بِالْغَدَاةِ . قَالَ فَأَخْرَجُوهُ بِالْحَدِيدِ حَتّى انْتَهَوْا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ ، وَخَرَجَ مَعَهُ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ ; فَلَمْ يَتَخَلّفْ أَحَدٌ ، إمّا مَوْتُورٌ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَشَافَى بِالنّظَرِ مِنْ وِتْرِهِ وَإِمّا غَيْرُ مَوْتُورٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ . فَلَمّا انْتَهَوْا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ ، وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة ، فَأَمَرُوا بِخَشَبَةٍ طَوِيلَةٍ فَحَفَرَ لَهَا ، فَلَمّا انْتَهَوْا بِخُبَيْبٍ إلَى خَشَبَتِهِ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكِيّ فَأُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمّهُمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَوّلَ فِيهِمَا .
فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَوّلُ مَنْ سَنّ الرّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ خُبَيْبٌ . [ ص 359 ] قَالُوا : ثُمّ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنّي جَزِعْت مِنْ الْمَوْتِ لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الصّلَاةِ . ثُمّ قَالَ اللّهُمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا ، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا .
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ : لَقَدْ حَضَرْت دَعْوَتَهُ وَلَقَدْ رَأَيْتنِي وَإِنّ أَبَا سُفْيَانَ لَيُضْجِعَنِي إلَى الْأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ وَلَقَدْ جَبَذَنِي يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ جَبْذَةً فَسَقَطْت عَلَى عَجْبِ ذَنَبِي فَلَمْ أَزَلْ أَشْتَكِي السّقْطَةَ زَمَانًا .
وَقَالَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى : لَقَدْ رَأَيْتنِي أَدْخَلْت إصْبَعِي فِي أُذُنِي وَعَدَوْت هَرَبًا فَرَقًا أَنْ أَسْمَعَ دُعَاءَهُ .
وَقَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : لَقَدْ رَأَيْتنِي أَتَوَارَى بِالشّجَرِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْت جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتنِي يَوْمَئِذٍ أَتَسَتّرُ بِالرّجَالِ فَرَقًا مِنْ أَنْ أُشْرِفَ لِدَعْوَتِهِ .
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ بَرْصَاءَ وَاَللّهِ مَا ظَنَنْت أَنْ تُغَادِرَ دَعْوَةُ خُبَيْبٍ مِنْهُمْ أَحَدًا .








(1/354)

وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمّدٍ الْأَخْنَسِيّ قَالَ اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ الْجُمَحِيّ عَلَى حِمْصَ ، وَكَانَتْ تُصِيبُهُ غَشْيَةٌ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ . فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ فَسَأَلَهُ فِي قَدْمَةٍ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ حَمْصَ فَقَالَ يَا سَعِيدُ [ ص 360 ] ما الّذِي يُصِيبُك ؟ أَبِك جُنّةٌ ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنّي كُنْت فِيمَنْ حَضَرَ خُبَيْبًا حَيْنَ قُتِلَ وَسُمِعَتْ دَعْوَتُهُ فَوَاَللّهِ مَا خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِي وَأَنَا فِي مَجْلِسٍ إلّا غُشِيَ عَلَيّ . قَالَ فَزَادَتْهُ عِنْدَ عُمَرَ خَيْرًا .
وَحَدّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُمّانَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ ، قَالَ حَضَرْت يَوْمَئِذٍ دَعْوَةَ خُبَيْبٍ فَمَا كُنْت أَرَى أَنّ أَحَدًا مِمّنْ حَضَرَ يَنْفَلِت مِنْ دَعْوَتِهِ وَلَقَدْ كُنْت قَائِمًا فَأَخْلَدْت إلَى الْأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَتِهِ وَلَقَدْ مَكَثَتْ قُرَيْشٌ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ وَمَا لَهَا حَدِيثٌ فِي أَنْدِيَتِهَا إلّا دَعْوَةَ خُبَيْبٍ .
قَالُوا : فَلَمّا صَلّى الرّكْعَتَيْنِ حَمَلُوهُ إلَى الْخَشَبَةِ ثُمّ وَجّهُوهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا ، ثُمّ قَالُوا : ارْجِعْ عَنْ الْإِسْلَامِ نُخْلِ سَبِيلَك قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّي رَجَعْت عَنْ الْإِسْلَامِ وَأَنّ لِي مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا قَالُوا : فَتُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا فِي مَكَانِك وَأَنْتَ جَالِسٌ فِي بَيْتِك ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنْ يُشَاكَ مُحَمّدٌ بِشَوْكَةٍ وَأَنَا جَالِسٌ فِي بَيْتِي . فَجَعَلُوا يَقُولُونَ ارْجِعْ يَا خُبَيْبُ قَالَ لَا أَرْجِعُ أَبَدًا قَالُوا : أَمَا وَاَللّاتِي وَالْعُزّى ، لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَقْتُلَنّكَ فَقَالَ إنّ قَتْلِي فِي اللّهِ لَقَلِيلٌ فَلَمّا أَبَى عَلَيْهِمْ وَقَدْ جَعَلُوا وَجْهَهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ قَالَ أَمّا صَرْفُكُمْ وَجْهِي عَنْ الْقِبْلَةِ فَإِنّ اللّهَ يَقُولُ فَأَيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ
ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّي لَا أَرَى إلّا وَجْهَ عَدُوّ اللّهُمّ إنّهُ لَيْسَ هَاهُنَا أَحَدٌ يُبَلّغُ رَسُولَك السّلَامَ عَنّي ، فَبَلّغْهُ أَنْتَ عَنّي السّلَامَ
فَحَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ [ ص 361 ] أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ فَأَخَذَتْهُ غَمْيَةٌ كَمَا كَانَ يَأْخُذُهُ إذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ . قَالَ ثُمّ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ « وَعَلَيْهِ السّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ » ; ثُمّ قَالَ « هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُنِي مِنْ خُبَيْبٍ السّلَامَ » قَالَ ثُمّ دَعَوْا أَبْنَاءً مِنْ أَبْنَاءِ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ فَوَجَدُوهُمْ أَرْبَعِينَ غُلَامًا ، فَأَعْطَوْا كُلّ غُلَامٍ رُمْحًا ، ثُمّ قَالُوا : هَذَا الّذِي قَتَلَ آبَاءَكُمْ . فَطَعَنُوهُ بِرِمَاحِهِمْ طَعْنًا خَفِيفًا ، فَاضْطَرَبَ عَلَى الْخَشَبَةِ فَانْقَلَبَ فَصَارَ وَجْهُهُ إلَى الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي جَعَلَ وَجْهِي نَحْوَ قِبْلَتِهِ الّتِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَلِنَبِيّهِ وَلِلْمُؤْمِنَيْنِ وَكَانَ الّذِينَ أَجَلَبُوا عَلَى قَتْلِ خُبَيْبٍ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسٍ ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السّلَمِيّ . وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ مِمّنْ حَضَرَ وَكَانَ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَنَا قَتَلْت خُبَيْبًا إنْ كُنْت يَوْمَئِذٍ لَغُلَامًا صَغِيرًا . وَلَكِنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّار ِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَيْسَرَةَ مِنْ عَوْفِ بْنِ السّبّاقِ أَخَذَ بِيَدِي فَوَضَعَهَا عَلَى الْحَرْبَةِ ثُمّ أَمْسَكَ بِيَدِي ثُمّ جَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ حَتّى قَتَلَهُ فَلَمّا طَعَنَهُ بِالْحَرْبَةِ أَفْلَتْ فَصَاحُوا : يَا أَبَا سِرْوَعَةَ بِئْسَ مَا طَعَنَهُ أَبُو مَيْسَرَةَ فَطَعَنَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ حَتّى أَخَرَجَهَا مِنْ ظَهْرِهِ فَمَكَثَ سَاعَةً يُوَحّدُ اللّهَ وَيَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ .
يَقُولُ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ : لَوْ تَرَكَ ذِكْرَ مُحَمّدٍ عَلَى حَالٍ لَتَرَكَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَا رَأَيْنَا قَطّ وَالِدًا يَجِدُ بِوَلَدِهِ مَا يَجِدُ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ بِمُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالُوا : وَكَانَ زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة عِنْدَ آلِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ مَحْبُوسًا فِي حَدِيدٍ وَكَانَ يَتَهَجّدُ بِاللّيْلِ وَيَصُومُ النّهَارَ وَلَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِمّا أُتِيَ بِهِ مِنْ الذّبَائِحِ . فَشَقّ ذَلِكَ عَلَى صَفْوَانَ وَكَانُوا قَدْ أَحْسَنُوا إسَارَهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ صَفْوَانُ فَمَا الّذِي تَأْكُلُ مِنْ الطّعَامِ ؟ قَالَ لَسْت آكُلُ مِمّا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللّهِ وَلَكِنّي أَشْرَبُ اللّبَنَ . وَكَانَ يَصُومُ فَأَمَرَ لَهُ صَفْوَانُ بِعُسّ مِنْ لَبَنٍ [ ص 362 ] عِنْدَ فِطْرِهِ فَيَشْرَبُ مِنْهُ حَتّى يَكُونَ مِثْلَهَا مِنْ الْقَابِلَةِ . فَلَمّا خَرَجَ بِهِ وَبِخُبَيْبٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ الْتَقَيَا ، وَمَعَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنْ النّاسِ فَالْتَزَمَ كُلّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَأَوْصَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالصّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَهُ ثُمّ افْتَرَقَا . وَكَانَ الّذِي وَلِيَ قَتْلَ زَيْدٍ نِسْطَاسٌ غُلَامُ صَفْوَانَ . خَرَجَ بِهِ إلَى التّنْعِيمِ فَرَفَعُوا لَهُ جَذَعًا ، فَقَالَ أُصَلّي رَكْعَتَيْنِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ حَمَلُوهُ عَلَى الْخَشَبَةِ ثُمّ جَعَلُوا يَقُولُونَ لِزَيْدٍ ارْجِعْ عَنْ دِينِك الْمُحْدَثِ وَاتّبِعْ دِينَنَا ، وَنُرْسِلَك قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُفَارِقُ دِينِي أَبَدًا قَالُوا : أَيَسُرّك أَنّ مُحَمّدًا فِي أَيْدِينَا مَكَانَك وَأَنْتَ فِي بَيْتِك ؟ قَالَ مَا يَسُرّنِي أَنّ مُحَمّدًا أُشِيكَ بِشَوْكَةٍ وَأَنّي فِي بَيْتِي قَالَ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ : لَا ، مَا رَأَيْنَا أَصْحَابَ رَجُلٍ قَطّ أَشَدّ لَهُ حُبّا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ بِمُحَمّدٍ . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ; صَحِيحَةٌ سَمِعْتهَا مِنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمّدٍ الظّفَرِيّ
فَلَيْتَ خُبَيْبًا لَمْ تَخُنْهُ أَمَانَةٌ

وَلَيْتَ خُبَيْبًا كَانَ بِالْقَوْمِ عَالِمًا
شَرَاهُ زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرّ وَجَامِعٌ

وَكَانَا قَدِيمًا يَرْكَبَانِ الْمَحَارِمَا
أَجَرْتُمْ فَلَمّا أَنْ أَجَرْتُمْ غَدَرْتُمْ

وَكُنْتُمْ بِأَكْنَافِ الرّجِيعِ اللّهَازِمَا
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، ثَبْتٌ قَدِيمَةٌ [ ص 363 ]
لَوْ كَانَ فِي الدّارِ قَرْمٌ ذُو مُحَافَظَةٍ

حَامِي الْحَقِيقَةِ مَاضٍ خَالُهُ أَنَسُ
إذَنْ حَلَلْت خُبَيْبًا مَنْزِلًا فُسُحًا

وَلَمْ يُشَدّ عَلَيْك الْكَبْلُ وَالْحَرَسُ
وَلَمْ تَقُدْك إلَى التّنْعِيمِ زِعْنِفَةٌ

مِنْ الْمَعَاشِرِ مِمّنْ قَدْ نَفَتْ عُدَس
فَاصْبِرْ خُبَيْبُ فَإِنّ الْقَتْلَ مَكْرَمَةٌ

إلَى جِنَانِ نَعِيمٍ تَرْجِعُ النّفْسُ
دَلّوك غَدْرًا وَهُمْ فِيهَا أُولُو خُلُفٍ

وَأَنْتَ ضَيْفٌ لَهُمْ فِي الدّارِ مُحْتَبَسُ








(1/360)

غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ سَهْلٍ ، وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فِي رِجَالٍ مِمّنْ لَمْ أُسَمّهِمْ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِبَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ جَمَعْت كُلّ الّذِي حَدّثُونِي ، قَالُوا : أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ مِنْ بِئْرِ مَعُونَةَ حَتّى كَانَ بِقَنَاةٍ فَلَقِيَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَنَسَبَهُمَا فَانْتَسَبَا ، فَقَابَلَهُمَا حَتّى إذَا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا . ثُمّ خَرَجَ حَتّى [ ص 364 ] وَرَدَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سَاعَتِهِ فِي قَدْرِ حَلْبِ شَاةٍ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِئْسَ مَا صَنَعْت ، قَدْ كَانَ لَهُمَا مِنّا أَمَانٌ وَعَهْدٌ فَقَالَ مَا شَعَرْت ، كُنْت أَرَاهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا ، وَكَانَ قَوْمُهُمَا قَدْ نَالُوا مِنّا مَا نَالُوا مِنْ الْغَدْرِ بِنَا . وَجَاءَ بِسَلَبِهِمَا ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعُزِلَ سَلَبُهُمَا حَتّى بُعِثَ بِهِ مَعَ دِيَتِهِمَا
وَذَلِكَ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِك قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِي ، وَلَهُمَا مِنْك أَمَانٌ وَعَهْدٌ فَابْعَثْ بِدِيَتِهِمَا إلَيْنَا . فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُ فِي دِيَتِهِمَا ، وَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حُلَفَاءَ لِبَنِي عَامِرٍ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ السّبْتِ فَصَلّى فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، ثُمّ جَاءَ بَنِي النّضِيرِ فَيَجِدُهُمْ فِي نَادِيهِمْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ فَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُعِينُوهُ فِي دِيَةِ الْكِلَابِيّيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ . فَقَالُوا : نَفْعَلُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَحْبَبْت . قَدْ أَنَى لَك أَنْ تَزُورَنَا وَأَنْ تَأْتِيَنَا ، اجْلِسْ حَتّى نُطْعِمَك وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسْتَنِدٌ إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ ثُمّ خَلَا بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَتَنَاجَوْا ، فَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمّدٌ فِي نَفِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَا يَبْلُغُونَ عَشْرَةً - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ وَعَلِيّ ، وَالزّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - فَاطْرَحُوا عَلَيْهِ حِجَارَةً مِنْ فَوْقِ هَذَا الْبَيْتِ الّذِي هُوَ تَحْتَهُ فَاقْتُلُوهُ فَلَنْ تَجِدُوهُ أَخْلَى مِنْهُ السّاعَةَ فَإِنّهُ إنْ قُتِلَ تَفَرّقَ أَصْحَابُهُ فَلَحِقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ بِحَرَمِهِمْ وَبَقِيَ مَنْ هَاهُنَا مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حُلَفَاؤُكُمْ فَمَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصْنَعُوا يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ فَمِنْ الْآنَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشٍ : أَنَا أَظْهَرُ عَلَى الْبَيْتِ [ ص 365 ] فَأَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً .
قَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي هَذِهِ الْمَرّةَ وَخَالِفُونِي الدّهْرَ وَاَللّهِ إنْ فَعَلْتُمْ لَيُخْبَرَنّ بِأَنّا قَدْ غَدَرْنَا بِهِ وَإِنّ هَذَا نَقْضُ الْعَهْدِ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَلَا تَفْعَلُوا أَلَا فَوَاَللّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ الّذِي تُرِيدُونَ لَيَقُومَنّ بِهَذَا الدّينِ مِنْهُمْ قَائِمٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَسْتَأْصِلُ الْيَهُودَ وَيُظْهِرُ دِينَهُ وَقَدْ هَيّأَ الصّخْرَةَ لِيُرْسِلَهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَحْدُرَهَا ، فَلَمّا أَشْرَفَ بِهَا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا هَمّوا بِهِ فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيعًا كَأَنّهُ يُرِيدُ حَاجَةً وَتَوَجّهَ إلَى الْمَدِينَةِ . وَجَلَسَ أَصْحَابُهُ يَتَحَدّثُونَ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّهُ قَامَ يَقْضِي حَاجَةً فَلَمّا يَئِسُوا مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَا مُقَامُنَا هَا هُنَا بِشَيْءٍ لَقَدْ وَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَمْرٍ . فَقَامُوا ، فَقَالَ حُيَيّ : عَجّلَ أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ كُنّا نُرِيدُ أَنْ نَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَنُغَدّيَهُ . وَنَدِمَتْ الْيَهُودُ عَلَى مَا صَنَعُوا ، فَقَالَ لَهُمْ كِنَانَةُ بْنُ صُوَيْرَاءَ هَلْ تَدْرُونَ لِمَ قَامَ مُحَمّدٌ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللّهِ مَا نَدْرِي وَمَا تَدْرِي أَنْتَ قَالَ بَلَى وَالتّوْرَاةِ ، إنّي لَأَدْرِي ، قَدْ أُخْبِرَ مُحَمّدٌ مَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ فَلَا تَخْدَعُوا أَنَفْسَكُمْ وَاَللّهِ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ وَمَا قَامَ إلّا أَنّهُ أُخْبِرَ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ . وَإِنّهُ لَآخِرُ الْأَنْبِيَاءِ كُنْتُمْ تَطْمَعُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي هَارُونَ فَجَعَلَهُ اللّهُ حَيْثُ شَاءَ . وَإِنّ كُتُبَنَا وَاَلّذِي دَرَسْنَا فِي التّوْرَاةِ الّتِي لَمْ تُغَيّرْ وَلَمْ تُبَدّلْ أَنّ مَوْلِدَهُ بِمَكّةَ وَدَارَ هِجْرَتِهِ يَثْرِبُ ، وَصِفَتُهُ بِعَيْنِهَا مَا تُخَالِفُ حَرْفًا مِمّا فِي كِتَابِنَا ، وَمَا يَأْتِيكُمْ [ بِهِ ] أَوْلَى مِنْ مُحَارَبَتِهِ إيّاكُمْ وَلَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْكُمْ ظَاعِنِينَ يَتَضَاغَى صِبْيَانُكُمْ قَدْ تَرَكْتُمْ دُورَكُمْ خُلُوفًا [ ص 366 ] وَأَمْوَالَكُمْ وَإِنّمَا هِيَ شَرَفُكُمْ فَأَطِيعُونِي فِي خُصْلَتَيْنِ وَالثّالِثَةُ لَا خَيْرَ فِيهَا قَالُوا : مَا هُمَا ؟ قَالَ تُسْلِمُونَ وَتَدْخُلُونَ مَعَ مُحَمّدٍ فَتَأْمَنُونَ عَلَى أَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ وَتَكُونُونَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ وَتَبْقَى بِأَيْدِيكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا تُخْرَجُونَ مِنْ دِيَارِكُمْ . قَالُوا : لَا نُفَارِقُ التّوْرَاةَ وَعَهْدَ مُوسَى قَالَ فَإِنّهُ مُرْسَلٌ إلَيْكُمْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي ، فَقُولُوا نَعَمْ - فَإِنّهُ لَا يَسْتَحِلّ لَكُمْ دَمًا وَلَا مَالًا - وَتَبْقَى أَمْوَالُكُمْ إنْ شِئْتُمْ بِعْتُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ .
قَالُوا : أَمّا هَذَا فَنَعَمْ . قَالَ أَمَا وَاَللّهِ إنّ الْأُخْرَى خَيْرُهُنّ لِي . قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنّي أَفْضَحُكُمْ لَأَسْلَمْت . وَلَكِنْ وَاَللّهِ لَا تُعَيّرُ شَعْثَاءُ بِإِسْلَامِي أَبَدًا حَتّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكُمْ - وَابْنَتُهُ شَعْثَاءُ الّتِي كَانَ حَسّانٌ يَنْسِبُ بِهَا .
فَقَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : قَدْ كُنْت لِمَا صَنَعْتُمْ كَارِهًا ، وَهُوَ مُرْسِلٌ إلَيْنَا أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ دَارِي ، فَلَا تُعَقّبْ يَا حُيَيّ كَلَامَهُ وَأَنْعِمْ لَهُ بِالْخُرُوجِ فَاخْرُجْ مِنْ بِلَادِهِ قَالَ أَفْعَلُ أَنَا أَخْرُجُ








(1/364)

فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ أَصْحَابُهُ فَلَقَوْا رَجُلًا خَارِجًا مِنْ الْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ هَلْ لَقِيت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ لَقِيته بِالْجِسْرِ دَاخِلًا . فَلَمّا انْتَهَى أَصْحَابُهُ إلَيْهِ وَجَدُوهُ قَدْ أَرْسَلَ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَدْعُوهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ قُمْت وَلَمْ نَشْعُرْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَمّتْ الْيَهُودُ بِالْغَدْرِ بِي ، فَأَخْبَرَنِي اللّهُ بِذَلِكَ فَقُمْت . وَجَاءَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى يَهُودِ بَنِي النّضِيرِ فَقُلْ لَهُمْ إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِه
فَلَمّا جَاءَهُمْ قَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ بِرِسَالَةٍ وَلَسْت أَذْكُرُهَا لَكُمْ حَتّى أُعَرّفَكُمْ شَيْئًا تَعْرِفُونَهُ .
[ ص 367 ] قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِالتّوْرَاةِ الّتِي أَنَزَلَ اللّهُ عَلَى مُوسَى ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّي جِئْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَكُمْ التّوْرَاةُ ، فَقُلْتُمْ لِي فِي مَجْلِسِكُمْ هَذَا : يَا ابْنَ مَسْلَمَةَ إنْ شِئْت أَنْ نُغَدّيَك غَدّيْنَاك ، وَإِنْ شِئْت أَنّ نُهَوّدَك هَوّدْنَاك . فَقُلْت لَكُمْ غَدّونِي وَلَا تُهَوّدُونِي ، فَإِنّي وَاَللّهِ لَا أَتَهَوّدُ أَبَدًا فَغَدّيْتُمُونِي فِي صَحْفَةٍ لَكُمْ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْهَا كَأَنّهَا جَزْعَةٌ فَقُلْتُمْ لِي : مَا يَمْنَعُك مِنْ دِينِنَا إلّا أَنّهُ دِينُ يَهُودَ . كَأَنّك تُرِيدُ الْحَنِيفِيّةَ الّتِي سَمِعْت بِهَا ، أَمَا إنّ أَبَا عَامِرٍ قَدْ سَخِطَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا ، أَتَاكُمْ صَاحِبُهَا الضّحُوكُ الْقَتّالُ فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ يَأْتِي مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ ، يَرْكَبُ الْبَعِيرَ وَيَلْبَسُ الشّمْلَةَ وَيَجْتَزِئُ بِالْكِسْرَةِ سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَيْسَتْ مَعَهُ آيَةٌ هُوَ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ كَأَنّهُ وَشِيجَتُكُمْ هَذِهِ وَاَللّهِ لَيَكُونَنّ بِقَرْيَتِكُمْ هَذِهِ سَلَبٌ وَقَتْلٌ وَمَثْلٌ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ قَدْ قُلْنَاهُ لَك وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ .
قَالَ قَدْ فَرَغْت ، إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ قَدْ نَقَضْتُمْ الْعَهْدَ الّذِي جَعَلْت لَكُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ بِي وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا كَانُوا ارْتَأَوْا مِنْ الرّأْيِ وَظُهُورِ عَمْرِو بْنِ جَحّاشٍ عَلَى الْبَيْتِ يَطْرَحُ الصّخْرَةَ فَأَسْكَتُوا فَلَمْ يَقُولُوا حَرْفًا .
وَيَقُولُ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي ، فَقَدْ أَجّلْتُكُمْ عَشْرًا فَمَنْ رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبْت عُنُقَهُ قَالُوا : يَا مُحَمّدُ مَا كُنّا نَرَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا رَجُلٌ مِنْ الْأَوْسِ .
قَالَ مُحَمّدٌ تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ . فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ أَيّامًا يَتَجَهّزُونَ وَأَرْسَلُوا إلَى ظَهْرٍ لَهُمْ بِذِي الْجَدْرِ تُجْلَبُ وَتَكَارَوْا مِنْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ [ ص 368 ] [ إبِلًا ] وَأَخَذُوا فِي الْجَهَازِ .
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ جَاءَهُمْ رَسُولُ ابْنِ أُبَيّ ، أَتَاهُمْ سُوَيْدٌ وَدَاعِسٌ فَقَالَا : يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ : لَا تَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَقِيمُوا فِي حُصُونِكُمْ فَإِنّ مَعِي أَلْفَيْنِ مِنْ قَوْمِي وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ، يَدْخُلُونَ مَعَكُمْ حِصْنَكُمْ فَيَمُوتُونَ مِنْ آخِرِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَيْكُمْ وَتَمُدّكُمْ قُرَيْظَةُ فَإِنّهُمْ لَنْ يَخْذُلُوكُمْ وَيَمُدّكُمْ حُلَفَاؤُكُمْ مِنْ غَطَفَانَ .
وَأَرْسَلَ ابْنُ أُبَيّ إلَى كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ يُكَلّمُهُ أَنْ يَمُدّ أَصْحَابَهُ فَقَالَ لَا يَنْقُضُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ رَجُلٌ وَاحِدٌ الْعَهْدَ .
فَيَئِسَ ابْنُ أُبَيّ مِنْ قُرَيْظَةَ وَأَرَادَ أَنْ يُلْحِمَ الْأَمْرَ فِيمَا بَيْنَ بَنِي النّضِيرِ وَرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَزَلْ يُرْسِلُ إلَى حُيَيّ حَتّى قَالَ حُيَيّ : أَنَا أُرْسِلُ إلَى مُحَمّدٍ أُعْلِمُهُ أَنّا لَا نَخْرُجُ مِنْ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَلْيَصْنَعْ مَا بَدَا لَهُ .
وَطَمِعَ حُيَيّ فِيمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ ، وَقَالَ حُيَيّ : نَرْمِ حُصُونَنَا ، ثُمّ نُدْخِلُ مَاشِيَتَنَا ، وَنُدْرِبُ أَزِقّتَنَا ، وَنَنْقُلُ الْحِجَارَةَ إلَى حُصُونِنَا ، وَعِنْدَنَا مِنْ الطّعَامِ مَا يَكْفِينَا سَنَةً وَمَاؤُنَا وَاتِنٌ فِي حُصُونِنَا لَا نَخَافُ قَطْعَهُ . فَتَرَى مُحَمّدًا يَحْصُرُنَا سَنَةً ؟ لَا نَرَى هَذَا .
قَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : مَنّتْك نَفْسُك وَاَللّهِ يَا حُيَيّ الْبَاطِلَ إنّي وَاَللّهِ لَوْلَا أَنْ يُسَفّهَ رَأْيُك أَوْ يُزْرَى بِك لَاعْتَزَلْتُك بِمَنْ أَطَاعَنِي مِنْ الْيَهُودِ ; فلا تَفْعَلْ يَا حُيَيّ ، فَوَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ وَنَعْلَمُ مَعَك أَنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ وَأَنّ صِفَتَهُ عِنْدَنَا ، فَإِنْ لَمْ نَتّبِعْهُ وَحَسَدْنَاهُ حَيْثُ خَرَجَتْ النّبُوّةُ مِنْ بَنِي هَارُونَ فَتَعَالَ فَنَقْبَلَ مَا أَعْطَانَا مِنْ الْأَمْنِ وَنَخْرُجْ [ ص 369 ] مِنْ بِلَادِهِ فَقَدْ عَرَفْت أَنّك خَالَفَتْنِي فِي الْغَدْرِ بِهِ فَإِذَا كَانَ أَوَانُ الثّمَرِ جِئْنَا أَوْ جَاءَ مَنْ جَاءَ مِنّا إلَى ثَمَرِهِ فَبَاعَ أَوْ صَنَعَ مَا بَدَا لَهُ ثُمّ انْصَرَفَ إلَيْنَا .
فَكَأَنّا لَمْ نَخْرُجْ مِنْ بِلَادِنَا إذَا كَانَتْ أَمْوَالُنَا بِأَيْدِينَا ; إنّا إنّمَا شَرُفْنَا عَلَى قَوْمِنَا بِأَمْوَالِنَا وَفِعَالِنَا ، فَإِذَا ذَهَبَتْ أَمْوَالُنَا مِنْ أَيْدِينَا كُنّا كَغَيْرِنَا مِنْ الْيَهُودِ فِي الذّلّةِ وَالْإِعْدَامِ .
وَإِنّ مُحَمّدًا إنْ سَارَ إلَيْنَا فَحَصَرَنَا فِي هَذِهِ الصّيَاصِي يَوْمًا وَاحِدًا ، ثُمّ عَرَضْنَا عَلَيْهِ مَا أَرْسَلَ بِهِ إلَيْنَا ، لَمْ يَقْبَلْهُ وَأَبَى عَلَيْنَا .
قَالَ حُيَيّ : إنّ مُحَمّدًا لَا يَحْصُرُنَا [ إلّا ] إنْ أَصَابَ مِنّا نُهْزَةً وَإِلّا انْصَرَفَ وَقَدْ وَعَدَنِي ابْنُ أُبَيّ مَا قَدْ رَأَيْت .
فَقَالَ سَلّامٌ لَيْسَ قَوْلُ ابْنِ أُبَيّ بِشَيْءٍ إنّمَا يُرِيدُ ابْنُ أُبَيّ أَنْ يُوَرّطَك فِي الْهَلَكَةِ حَتّى تُحَارِبَ مُحَمّدًا ، ثُمّ يَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ وَيَتْرُكُك . قَدْ أَرَادَ مِنْ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ النّصْرَ فَأَبَى كَعْبٌ وَقَالَ لَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَأَنَا حَيّ .
وَإِلّا فَإِنّ ابْنَ أُبَيّ قَدْ وَعَدَ حُلَفَاءَهُ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ مِثْلَ مَا وَعَدَك حَتّى حَارَبُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَحَصَرُوا أَنَفْسَهُمْ فِي صَيَاصِيِهِمْ وَانْتَظَرُوا نُصْرَةَ ابْنِ أُبَيّ ، فَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَسَارَ مُحَمّدٌ إلَيْهِمْ فَحَصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَابْنُ أُبَيّ لَا يَنْصُرُ حُلَفَاءَهُ وَمَنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ النّاسِ كُلّهِمْ وَنَحْنُ لَمْ نَزَلْ نَضْرِبُهُ بِسُيُوفِنَا مَعَ الْأَوْسِ فِي حَرْبِهِمْ كُلّهَا ، إلَى أَنْ تَقَطّعَتْ حَرْبُهُمْ فَقَدِمَ مُحَمّدٌ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ .
وَابْنُ أُبَيّ لَا يَهُودِيّ عَلَى دِينِ يَهُودَ وَلَا عَلَى دِينِ مُحَمّدٍ وَلَا هُوَ عَلَى دِين قَوْمِهِ فَكَيْفَ تَقْبَلُ مِنْهُ قَوْلًا قَالَهُ ؟ قَالَ حُيَيّ : تَأْبَى نَفْسِي إلّا عَدَاوَةَ مُحَمّدٍ وَإِلّا قِتَالَهُ .
قَالَ سَلّامٌ فَهُوَ وَاَللّهِ جَلَانَا مِنْ أَرْضِنَا ، وَذَهَابُ أَمْوَالِنَا ، وَذَهَابُ شَرَفِنَا ، أَوْ سِبَاءُ ذَرَارِيّنَا مَعَ قَتْلِ مُقَاتِلِينَا .
فَأَبَى حُيَيّ إلّا مُحَارَبَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ سَارُوكُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ - وَكَانَ ضَعِيفًا عِنْدَهُمْ فِي عَقْلِهِ [ ص 370 ] كَأَنّ بِهِ جِنّةٌ - يَا حُيَيّ ، أَنْتَ رَجُلٌ مَشْئُومٌ تُهْلِكُ بَنِي النّضِيرِ فَغَضِبَ حُيَيّ وَقَالَ كُلّ بَنِي النّضِيرِ قَدْ كَلّمَنِي حَتّى هَذَا الْمَجْنُونُ . فَضَرَبَهُ إخْوَتُهُ وَقَالُوا لِحُيَيّ أَمْرُنَا لِأَمْرِك تَبَعٌ ، لَنْ نُخَالِفَك .
فَأَرْسَلَ حُيَيّ أَخَاهُ جُدَيّ بْنَ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّا لَا نَبْرَحُ مِنْ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ .
وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ ابْنَ أُبَيّ فَيُخْبِرَهُ بِرِسَالَتِهِ إلَى مُحَمّدٍ وَيَأْمُرَهُ بِتَعْجِيلِ مَا وَعَدَ مِنْ النّصْرِ .
فَذَهَبَ جُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاَلّذِي أَرْسَلَهُ حُيَيّ ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُ فَأَظْهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ التّكْبِيرَ وَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ لِتَكْبِيرِهِ وَقَالَ حَارَبْت الْيَهُود وَخَرَجَ جُدَيّ حَتّى دَخَلَ عَلَى ابْنِ أُبَيّ وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ مَعَ نَفِيرٍ مِنْ حُلَفَائِهِ وَقَدْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي النّضِيرِ فَيَدْخُلُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ عَلَى عَبْدِ اللّهِ أَبِيهِ وَعَلَى النّفَرِ مَعَهُ وَعِنْدَهُ جُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَخَرَجَ يَعْدُو ، فَقَالَ جُدَيّ : لَمّا رَأَيْت ابْنَ أُبَيّ جَالِسًا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَابْنُهُ عَلَيْهِ السّلَاحُ يَئِسْت مِنْ نَصْرِهِ فَخَرَجْت أَعْدُو إلَى حُيَيّ فَقَالَ مَا وَرَاءَك ؟ قُلْت : الشّرّ سَاعَةَ أَخْبَرْت مُحَمّدًا بِمَا أَرْسَلْت بِهِ إلَيْهِ أَظْهَرَ التّكْبِيرَ وَقَالَ « حَارَبْت الْيَهُودَ » . فَقَالَ هَذِهِ مَكِيدَةٌ مِنْهُ . قَالَ وَجِئْت ابْنَ أُبَيّ فَأَعْلَمْته ، وَنَادَى مُنَادِي مُحَمّدٍ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي النّضِيرِ .
قَالَ وَمَا رَدّ عَلَيْك ابْنُ أُبَيّ ؟ فَقَالَ جُدَيّ : لَمْ أَرَ عِنْدَهُ خَيْرًا . قَالَ أَنَا أُرْسِلُ إلَى حُلَفَائِي فَيَدْخُلُونَ مَعَكُمْ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ فَصَلّى الْعَصْرَ بِفَضَاءِ بَنِي النّضِيرِ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ قَامُوا عَلَى جُدُرِ حُصُونِهِمْ مَعَهُمْ النّبْلُ وَالْحِجَارَةُ .
وَاعْتَزَلَتْهُمْ قُرَيْظَةُ فَلَمْ تُعِنْهُمْ [ ص 371 ] بِسِلَاحٍ وَلَا رِجَالٍ وَلَمْ يَقْرَبُوهُمْ . وَجَعَلُوا يَرْمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ حَتّى أَظَلَمُوا ، وَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْدَمُونَ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ فِي حَاجَتِهِ حَتّى تَتَامّوا عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِشَاءَ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ الدّرْعُ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ .
وَقَدْ اسْتَعْمَلَ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْعَسْكَرِ وَيُقَالُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ .
وَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يُحَاصِرُونَهُمْ . يُكَبّرُونَ حَتّى أَصْبَحُوا ، ثُمّ أَذّنَ بِلَالٌ بِالْمَدِينَةِ . فَغَدَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ .
فَصَلّى بِالنّاسِ بِفَضَاءِ بَنِي خَطْمَةَ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ ; وَحُمِلَتْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبّةٌ مِنْ أَدَمٍ .








(1/367)




وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ كَانَتْ الْقُبّةُ مِنْ غَرَبٍ عَلَيْهَا مُسُوحٌ . أَرْسَلَ بِهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ . فَأَمَرَ بِلَالًا فَضَرَبَهَا فِي مَوْضِعٍ الْمَسْجِدِ الصّغِيرِ الّذِي بِفَضَاءِ بَنِي خَطْمَةَ . وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقُبّةَ . وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ عَزْوَك . وَكَانَ أَعْسَرَ رَامِيًا ، فَرَمَى فَبَلَغَ نَبْلُهُ قُبّةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِقُبّتِهِ فَحُوّلَتْ إلَى مَسْجِدِ الْفَضِيخِ وَتَبَاعَدَتْ مِنْ النّبْلِ .
وَأَمْسَوْا فَلَمْ يَقْرَبْهُمْ ابْنُ أُبَيّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ حُلَفَائِهِ وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَيَئِسَتْ بَنُو النّضِيرِ مِنْ نَصْرِهِ وَجَعَلَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ وَكِنَانَةُ بْنُ صُوَيْرَاءَ يَقُولَانِ لِحُيَيّ أَيْنَ نَصْرُ بْنُ أُبَيّ كَمَا زَعَمْت ؟ قَالَ حُيَيّ : فَمَا أَصْنَعُ ؟ هِيَ [ ص 372 ] مَلْحَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْنَا .
وَلَزِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الدّرْعُ وَبَاتَ وَظَلّ مُحَاصِرَهُمْ فَلَمّا كَانَ لَيْلَةً مِنْ اللّيَالِي فُقِدَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ حَيْنَ قَرُبَ الْعِشَاءُ فَقَالَ النّاسُ مَا نَرَى عَلِيّا يَا رَسُولَ اللّهِ .
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُ فَإِنّهُ فِي بَعْضِ شَأْنِكُمْ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِرَأْسِ عَزْوَك ، فَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كَمَنْت لِهَذَا الْخَبِيثِ فَرَأَيْت رَجُلًا شُجَاعًا ، فَقُلْت : مَا أَجْرَأَهُ أَنْ يَخْرُجَ إذَا أَمْسَيْنَا يَطْلُبُ مِنّا غِرّةً . فَأَقْبَلَ مُصْلِتًا سَيْفَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ ، فَشَدَدْت عَلَيْهِ فَقَتَلْته ، وَأَجْلَى أَصْحَابَهُ وَلَمْ يَبْرَحُوا قَرِيبًا ، فَإِنْ بَعَثْت مَعِي نَفَرًا رَجَوْت أَنْ أَظْفَرَ بِهِمْ . فَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا دُجَانَةَ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَدْرَكُوهُمْ قَبْل أَنْ يَدْخُلُوا حِصْنَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ وَأَتَوْا بِرُءُوسِهِمْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرُءُوسِهِمْ فَطُرِحَتْ فِي بَعْضِ بِئَارِ بَنِي خَطْمَةَ .
وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَحْمِلُ التّمْرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَقَامُوا فِي حِصْنِهِمْ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّخْلِ فَقُطِعَتْ وَحُرِقَتْ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِهَا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِيّ ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلّامٍ ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلّامٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ فَقِيلَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو لَيْلَى : كَانَتْ الْعَجْوَةُ أَحْرَقَ لَهُمْ . وَقَالَ ابْنُ سَلّامٍ قَدْ عَرَفْت أَنّ اللّهَ سَيُغْنِمُهُ أَمْوَالَهُمْ وَكَانَتْ الْعَجْوَةُ خَيْرَ أَمْوَالِهِمْ فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ رِضَاءً بِمَا صَنَعْنَا جَمِيعًا . .. مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَلْوَانِ النّخْلِ لِلّذِي فَعَلَ ابْنُ سَلّامٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا يَعْنِي الْعَجْوَةَ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَقَطَعَ أَبُو لَيْلَى الْعَجْوَةَ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ يَعْنِي بَنِي النّضِيرِ [ ص 373 ] رِضَاءً مِنْ اللّهِ بِمَا صَنَعَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا .
فَلَمّا قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ شَقّ النّسَاءُ الْجُيُوبَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ وَدَعَوْنَ بِالْوَيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَهُنّ ؟ فَقِيلَ يَجْزَعْنَ عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مِثْلَ الْعَجْوَةِ جُزِعَ عَلَيْهِ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَجْوَةُ وَالْعَتِيقُ - الْفَحْلُ الّذِي يُؤَبّرُ بِهِ النّخْلُ - مِنْ الْجَنّةِ ، وَالْعَجْوَةُ شِفَاءٌ مِنْ السّمّ
فَلَمّا صِحْنَ صَاحَ بِهِنّ أَبُو رَافِعٍ سَلّامٌ إنْ قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ هَاهُنَا ، فَإِنّ لَنَا بِخَيْبَرٍ عَجْوَةً . قَالَتْ عَجُوزٌ مِنْهُنّ خَيْبَرٌ ، يُصْنَعُ بِهَا مِثْلُ هَذَا فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ فَضّ اللّهُ فَاك إنّ حُلَفَائِي بِخَيْبَرٍ لَعَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ . فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلُهُ فَتَبَسّمَ .
وَجَزِعُوا عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ فَجَعَلَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ يَقُولُ يَا حُيَيّ ، الْعَذْقُ خَيْرٌ مِنْ الْعَجْوَةِ يُغْرَسُ فَلَا يُطْعِمُ ثَلَاثِينَ سَنَةً يُقْطَعُ فَأَرْسَلَ حُيَيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ إنّك كُنْت تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ لِمَ تَقْطَعُ النّخْلَ ؟ نَحْنُ نُعْطِيك الّذِي سَأَلْت ، وَنَخْرُجُ مِنْ بِلَادِك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَقْبَلُهُ الْيَوْمَ وَلَكِنْ اُخْرُجُوا مِنْهَا وَلَكُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ إلّا الْحَلْقَةُ
فَقَالَ سَلّامٌ اقْبَلْ وَيْحَك ، قَبْلَ أَنْ تَقْبَلَ شَرّا مِنْ هَذَا فَقَالَ حُيَيّ : مَا يَكُونُ شَرّا مِنْ هَذَا ؟ قَالَ سَلّامٌ يَسْبِي الذّرّيّةَ وَيَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ مَعَ الْأَمْوَالِ فَالْأَمْوَالُ الْيَوْمَ أَهْوَنُ عَلَيْنَا إذَا لَحَمْنَا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ الْقَتْلِ وَالسّبَاءِ . فَأَبَى حُيَيّ أَنْ يَقْبَلَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَإِنّك لَتَعْلَمُ أَنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ فَمَا تَنْتَظِرُ أَنْ نُسْلِمَ فَنَأْمَنَ عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا ؟ فَنَزَلَا مِنْ اللّيْلِ فَأَسْلَمَا فَأَحْرَزَا دِمَاءَهُمَا وَأَمْوَالَهُمَا .
[ ص 374 ] ثُمّ نَزَلَتْ الْيَهُودُ عَلَى أَنّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ إلّا الْحَلْقَةُ فَلَمّا أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِابْنِ يَامِينَ أَلَمْ تَرَ إلَى ابْنِ عَمّك عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ وَمَا هَمّ بِهِ مِنْ قَتْلِي ؟ وَهُوَ زَوْجُ أُخْتِهِ كَانَتْ الرّوَاعُ بِنْتُ عُمَيْرٍ تَحْتَ عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ . فَقَالَ ابْنُ يَامِينَ أَنَا أَكْفِيكَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَجَعَلَ لِرَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ ، وَيُقَالُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ . فَاغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ ثُمّ جَاءَ ابْنُ يَامِينَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِهِ فَسُرّ بِذَلِكَ .
وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَأَجَلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَوَلِيَ إخْرَاجَهُمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ . فَقَالُوا : إنّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النّاسِ إلَى آجَالٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَعَجّلُوا وَضَعُوا فَكَانَ لِأَبِي رَافِعٍ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ عَلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ ثَمَانِينَ دِينَارًا ، وَأَبْطَلَ مَا فَضَلَ .
وَكَانُوا فِي حِصَارِهِمْ يُخَرّبُونَ بُيُوتَهُمْ مِمّا يَلِيهِمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُخَرّبُونَ مَا يَلِيهِمْ وَيُحَرّقُونَ حَتّى وَقَعَ الصّلْحُ فَتَحَمّلُوا ، فَجَعَلُوا يَحْمِلُونَ الْخَشَبَ وَنُجُفَ الْأَبْوَابِ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِصَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ لَوْ رَأَيْتنِي وَأَنَا أَشُدّ الرّحْلَ لِخَالِك بَحْرِيّ بْنِ عَمْرٍو وَأُجْلِيهِ مِنْهَا وَحَمَلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ فَخَرَجُوا عَلَى بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ عَلَى الْجَبَلِيّةِ ثُمّ عَلَى الْجِسْرِ حَتّى مَرّوا بِالْمُصَلّى ، ثُمّ شَقّوا سُوقَ الْمَدِينَةِ ، وَالنّسَاءُ فِي الْهَوَادِجِ عَلَيْهِنّ الْحَرِيرُ وَالدّيبَاجُ وَقُطُفُ الْخَزّ الْخُضْرُ وَالْحُمْرُ وَقَدْ صَفّ لَهُمْ النّاسُ فَجَعَلُوا يَمُرّونَ قِطَارًا فِي أَثَرِ قِطَارٍ فَحُمِلُوا عَلَى سِتّمِائَةِ بَعِيرٍ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 375 ] هَؤُلَاءِ فِي قَوْمِهِمْ بِمَنْزِلَةِ بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي قُرَيْشٍ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ يَرَاهُمْ وَسَرَاةُ الرّجَالِ عَلَى الرّحَالِ : أَمَا وَاَللّهِ إنّ لَقَدْ كَانَ عِنْدَكُمْ لَنَائِلٌ لِلْمُجْتَدِي وَقِرًى حَاضِرٌ لِلضّيْفِ وَسَقْيًا لِلْمُدَامِ وَحِلْمٌ عَلَى مَنْ سَفِهَ عَلَيْكُمْ وَنَجْدَةٌ إذَا اُسْتُنْجِدْتُمْ . فَقَالَ الضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ وَاصَبَاحَاه ، نَفْسِي فَدَاؤُكُمْ مَاذَا تَحَمّلْتُمْ بِهِ مِنْ السّؤْدُدِ وَالْبَهَاءِ وَالنّجْدَةِ وَالسّخَاءِ ؟ قَالَ يَقُولُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ : فِدًى لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الّتِي كَأَنّهَا الْمَصَابِيحُ ظَاعِنِينَ مِنْ يَثْرِبَ . مَنْ لِلْمُجْتَدِي الْمَلْهُوفِ ؟ وَمَنْ لِلطّارِقِ السّغْبَانِ ؟ وَمَنْ يَسْقِي الْعُقَارَ ؟ وَمَنْ يُطْعِمُ الشّحْمَ فَوْقَ اللّحْمِ ؟ مَا لَنَا بِيَثْرِبَ بَعْدَكُمْ مُقَامٌ .
يَقُولُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَهُوَ يَسْمَعُ كَلَامَهُ . نَعَمْ فَالْحَقْهُمْ حَتّى تَدْخُلَ مَعَهُمْ النّارَ . قَالَ نُعَيْمٌ مَا هَذَا جَزَاؤُهُمْ مِنْكُمْ لَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمُوهُمْ فَنَصَرُوكُمْ عَلَى الْخَزْرَجِ ، وَلَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمْ سَائِرَ الْعَرَبِ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْكُمْ . قَالَ أَبُو عَبْسٍ قَطَعَ الْإِسْلَامُ الْعُهُودَ .
قَالَ وَمَرّوا يَضْرِبُونَ بِالدّفُوفِ وَيُزَمّرُونَ بِالْمَزَامِيرِ وَعَلَى النّسَاءِ الْمُعَصْفَرَاتُ وَحُلِيّ الذّهَبِ مُظْهِرِينَ ذَلِكَ تَجَلّدًا .
قَالَ يَقُولُ جُبَارُ بْنُ صَخْرٍ : مَا رَأَيْت زُهَاءَهُمْ لِقَوْمٍ زَالُوا مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ . وَنَادَى أَبُو رَافِعٍ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَرَفَعَ مَسْكَ الْجَمَلِ وَقَالَ هَذَا مِمّا نَعُدّهُ لِخَفْضِ الْأَرْضِ وَرَفْعِهَا ، فَإِنْ يَكُنْ النّخْلُ قَدْ تَرَكْنَاهَا فَإِنّا نَقْدَمُ عَلَى نَخْلٍ بِخَيْبَرٍ . فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ رَبِيحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ لَقَدْ مَرّ يَوْمئِذٍ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِمْ [ ص 376 ] فِي تِلْكَ الْهَوَادِجِ قَدْ سَفَرْنَ عَنْ الْوُجُوهِ لَعَلَيّ لَمْ أَرَ مِثْلَ جَمَالِهِنّ لِنِسَاءٍ قَطّ . لَقَدْ رَأَيْت الشّقْرَاءَ بِنْتَ كِنَانَةَ يَوْمَئِذٍ كَأَنّهَا لُؤْلُؤَةُ غَوّاصٍ وَالرّوَاعَ بِنْتَ عُمَيْرٍ مِثْلَ الشّمْسِ الْبَازِغَةِ فِي أَيْدِيهِنّ أَسْوِرَةُ الذّهَبِ وَالدّرّ فِي رِقَابِهِنّ .
وَلَقِيَ الْمُنَافِقُونَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ خَرَجُوا حُزْنًا شَدِيدًا ، لَقَدْ لَقِيت زَيْدَ بْنَ رِفَاعَةَ بْنِ التّابُوتِ وَهُوَ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ، وَهُوَ يُنَاجِيهِ فِي بَنِي غَنْمٍ وَهُوَ يَقُولُ تَوَحّشْت بِيَثْرِبَ لِفَقْدِ بَنِي النّضِيرِ وَلَكِنّهُمْ يَخْرُجُونَ إلَى عِزّ وَثَرْوَةٍ مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَإِلَى حُصُونٍ مَنِيعَةٍ شَامِخَةٍ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ لَيْسَتْ كَمَا هَاهُنَا .
قَالَ فَاسْتَمَعْت عَلَيْهِمَا سَاعَةً وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَاشّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ . قَالُوا : وَمَرّتْ فِي الظّعُنِ يَوْمَئِذٍ سَلْمَى صَاحِبَةُ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِيّ ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنّهَا كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، فَسَبَاهَا عُرْوَةُ مِنْ قَوْمِهَا فَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا وَنَزَلَتْ مِنْهُ مَنْزِلًا ; فَقَالَتْ لَهُ وَجَعَلَ وَلَدَهُ يُعَيّرُونَ بِأُمّهِمْ « يَا بَنِي الْأَخِيذَةِ » ، فَقَالَتْ أَلَا تَرَى وَلَدَك يُعَيّرُونَ ؟ قَالَ فَمَاذَا تَرَيْنَ ؟ قَالَتْ تَرُدّنِي إلَى قَوْمِي حَتّى يَكُونُوا هُمْ الّذِينَ يُزَوّجُونَك . قَالَ نَعَمْ . فَأَرْسَلَتْ إلَى قَوْمِهَا أَن الْقُوهُ بِالْخَمْرِ ثُمّ اُتْرُكُوهُ حَتّى يَشْرَبَ وَيَثْمَلَ فَإِنّهُ إذَا ثَمِلَ لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ . فَلَقُوهُ وَنَزَلَ فِي بَنِي النّضِيرِ فَسَقَوْهُ الْخَمْرَ فَلَمّا سَكِرَ سَأَلُوهُ سَلْمَى فَرَدّهَا عَلَيْهِمْ ثُمّ أَنْكَحُوهُ بَعْدُ .
وَيُقَالُ إنّمَا جَاءَ بِهَا إلَى بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ صُعْلُوكًا يُغِيرُ . فَسَقَوْهُ الْخَمْرَ فَلَمّا انْتَشَى مَنَعُوهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ إلّا هِيَ فَرَهَنَهَا فَلَمْ يَزَلْ يَشْرَبُ حَتّى غَلِقَتْ فَلَمّا صَحَا قَالَ لَهَا : انْطَلِقِي . قَالُوا : لَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ قَدْ أَغْلَقْتهَا . فَبِهَذَا صَارَتْ عِنْدَ بَنِي النّضِيرِ . قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ [ ص 377 ]
سَقَوْنِي الْخَمْرَ ثُمّ تَكَنّفُونِي

عُدَاةُ اللّهِ مِنْ كَذِبٍ وَزُورِ
وَقَالُوا لَسْت بَعْدَ فِدَاءِ سَلْمَى

بِمُغْنٍ مَا لَدَيْك وَلَا فَقِيرِ
فَلَا وَاَللّهِ لَوْ كَالْيَوْمِ أَمْرِي

وَمَنْ لِي بِالتّدَبّرِ فِي الْأُمُورِ
إذًا لَعَصَيْتهمْ فِي أَمْرِ سَلْمَى

وَلَوْ رَكِبُوا عِضَاهَ الْمُسْتَعْوِرِ
أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِي الزّنَادِ .








(1/372)

حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ وَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَمْوَالَ وَقَبَضَ الْحَلْقَةَ فَوَجَدَ مِنْ الْحَلْقَةِ خَمْسِينَ دِرْعًا ، وَخَمْسِينَ بَيْضَةً وَثَلَاثَمِائَةِ سَيْفٍ وَأَرْبَعِينَ سَيْفًا . وَيُقَالُ غَيّبُوا بَعْضَ سِلَاحِهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ .
وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الّذِي وَلِيَ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَالْحَلْقَةَ وَكَشْفَهُمْ عَنْهَا .
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا تُخَمّسُ مَا أَصَبْت مِنْ بَنِي النّضِيرِ كَمَا خَمّسْت مَا أَصَبْت مِنْ بَدْرٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَجْعَلُ شَيْئًا جَعَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِي دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْآيَةُ كَهَيْئَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ السّهْمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ
[ ص 378 ] وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثُ صَفَايَا ، فَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ وَكَانَتْ فَدَكُ لِابْنِ السّبِيلِ وَكَانَتْ خَيْبَرُ قَدْ جَزّأَهَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجُزْءَانِ لِلْمُهَاجِرِينَ وَجُزْءٌ كَانَ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ فَإِنّ فَضْلَ رَدّهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ .
حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُمَرَ الْحَارِثِيّ ، عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ قَالَ إنّمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ بَنِي النّضِيرِ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً فَأَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْهَا وَحَبَسَ مَا حَبَسَ . وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ زَرْعًا كَثِيرًا ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْخُلُ لَهُ مِنْهَا قُوتُ أَهْلِهِ سَنَةً مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ لِأَزْوَاجِهِ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسّلَاحِ وَإِنّهُ كَانَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ ذَلِكَ السّلَاحُ الّذِي اُشْتُرِيَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَمْوَالِ بَنِي النّضِيرِ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرُبّمَا جَاءَ رَسُول اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْبَاكُورَةِ مِنْهَا ، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ مِنْهَا وَمِنْ أَمْوَالِ مُخَيْرِيقٍ . وَهِيَ سَبْعَةُ حَوَائِطَ - الْمِيثَبُ وَالصّافِيَةُ وَالدّلّالُ وَحُسْنَى ، وَبُرْقَةُ وَالْأَعْوَافُ وَمَشْرَبَةُ أُمّ إبْرَاهِيمَ ، وَكَانَتْ أُمّ إبْرَاهِيمَ تَكُون هُنَاكَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْتِيهَا هُنَاكَ .
وَقَالُوا : إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا تَحَوّلَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى الْمَدِينَةِ تَحَوّلَ أَصْحَابُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَنَافَسَتْ فِيهِمْ الْأَنْصَارُ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ حَتّى اقْتَرَعُوا فِيهِمْ بِالسّهْمَانِ فَمَا نَزَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ إلّا بِقُرْعَةِ سَهْمٍ .
فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمّ الْعَلَاءِ [ ص 379 ] قَالَتْ صَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي الْقُرْعَةِ وَكَانَ فِي مَنْزِلِنَا حَتّى تُوُفّيَ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمّا غَنِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي النّضِيرِ دَعَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَقَالَ اُدْعُ لِي قَوْمَك قَالَ ثَابِتٌ الْخَزْرَجَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَنْصَارَ كُلّهَا فَدَعَا لَهُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ ذَكَرَ الْأَنْصَارَ وَمَا صَنَعُوا بِالْمُهَاجِرِينَ وَإِنْزَالَهُمْ إيّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَثَرَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ثُمّ قَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيّ مِنْ بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ السّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتهمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ . فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَقْسِمُهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا . وَنَادَتْ الْأَنْصَارُ : رَضِينَا وَسَلّمْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَى الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْءِ شَيْئًا ، إلّا رَجُلَيْنِ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ - سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ ، وَأَبَا دُجَانَةَ . وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَكَانَ سَيْفًا لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَهُمْ
قَالُوا : وَكَانَ مِمّنْ أَعْطَى مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ حِجْرٍ وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ جَرْمٍ وَأَعْطَى عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سُؤَالَةَ - وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ مَالُ سُلَيْمٍ .
وَأَعْطَى صُهَيْبَ بْنَ سِنَانَ [ ص 380 ] الضّرّاطَةَ وَأَعْطَى الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ الْبُوَيْلَةَ . وَكَانَ مَالُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِي دُجَانَةَ مَعْرُوفًا ، يُقَالُ لَهُ مَالُ ابْنِ خَرَشَةَ وَوَسّعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ مِنْهَا .











(1/378)

ذِكْرُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَنِي النّضِير ِ سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ قَالَ كُلّ شَيْءٍ سَبّحَ لَهُ وَتَسْبِيحُ الْجُدُرِ النّقْضُ . حَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ حُيَيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ .
هُوَ الّذِي أَخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوّلِ الْحَشْرِ يَعْنِي بَنِي النّضِير ِ حَيْنَ أَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الشّامِ ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ الْحَشْرِ فِي الدّنْيَا إلَى الشّامِ ; مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِلْمُؤْمِنَيْنِ مَا ظَنَنْتُمْ ذَلِكَ كَانَ لَهُمْ عِزّ وَمَنَعَةٌ وَظَنّوا أَنّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ حَيْنَ تَحَصّنُوا ; فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا حَالَ ظُهُورِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِجْلَاؤُهُمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَاحَتِهِمْ رَعَبُوا وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَكَانَ الرّعْبُ فِي قُلُوبِهِمْ لَهُ وَجَبَانٌ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ قَالَ كَانُوا لَمّا حُصِرُوا وَالْمُسْلِمُونَ يَحْفِرُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ وَهُمْ يَنْقُبُونَ مِمّا يَلِيهِمْ فَيَأْخُذُونَ الْخَشَبَ وَالنّجُفَ ; فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ قَالَ يَعْنِي يَا أَهْلَ [ ص 381 ] الْعُقُولِ .
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ يَقُولُ فِي أُمّ الْكِتَابِ أَنْ يَجْلُوا . ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ يَقُولُ عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَخَالَفُوهُ .
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا . . الْآيَةُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِ نَخْلِهِمْ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِيّ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلّامٍ ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ وَكَانَ ابْنُ سَلّامٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ فَقَالَ لَهُمْ بَنُو النّضِيرِ : أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مَا يَحِلّ لَكُمْ عَقْرُ النّخْلِ
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقْطَعُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقْطَعُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَلْوَانِ النّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا قَالَ الْعَجْوَةُ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ يَقُولُ يَغِيظُهُمْ مَا قُطِعَ مِنْ النّخْلِ .
مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ قَوْلُهُ فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَاحِدٌ وَلِذِي الْقُرْبَى قَرَابَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ فَسَهْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُمْسُ الْخُمْسِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعْطِي بَنِي هَاشِمٍ مِنْ الْخُمْسِ وَيُزَوّجُ أَيَامَاهُمْ
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدْ دَعَاهُمْ إلَى أَنْ يُزَوّجَ أَيَامَاهُمْ وَيَخْدُمَ عَائِلَهُمْ وَيَقْضِيَ عَنْ غَارِمَهُمْ فَأَبَوْا إلّا أَنْ يُسَلّمَهُ كُلّهُ وَأَبَى عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
فَحَدّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيّا كَانُوا يَجْعَلُونَهُ فِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ .
وَقَوْلُهُ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ يَقُولُ لَا يُسْتَنّ بِهَا [ ص 382 ] مِنْ بَعْدُ فَتُعْطَى الْأَغْنِيَاءَ وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا يَقُولُ مَا جَاءَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا نَزَلَ مِنْ الْوَحْيِ .
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الّذِينَ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَدْرٍ . وَالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ يَعْنِي الْأَنْصَارَ ، يَقُولُ هُمْ أَهْلُ الدّارِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ; وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ لَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَسَدًا مِمّا أَعْطَى غَيْرَهُمْ يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ حَيْنَ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ ، فَهَذِهِ الْأَثَرَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حَيْنَ قَالُوا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْطِهِمْ وَلَا تُعْطِنَا وَهُمْ مُحْتَاجُونَ وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ قَالَ ظُلْمَ النّاسِ .
وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَعْنِي الّذِينَ أَسْلَمُوا فَحَقّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا قَوْلُ ابْنِ أُبَيّ حَيْنَ أَرْسَلَ سُوَيْدًا وَدَاعِسًا إلَى بَنِي النّضِيرِ : أَقِيمُوا وَلَا تَخْرُجُوا فَإِنّ مَعِي مِنْ قَوْمِي وَغَيْرِهِمْ أَلْفَيْنِ يَدْخُلُونَ مَعَكُمْ فَيَمُوتُونَ عَنْ آخِرِهِمْ دُونَكُمْ .
يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ يَعْنِي ابْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ . لَئِنْ أُخْرِجُوا حَيْنَ أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ مَعَهُمْ وَقُوتِلُوا فَلَمْ يَدْخُلْ [ ص 383 ] الْحُصُنَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلّنّ الْأَدْبَارَ يَعْنِي يَنْهَزِمُونَ مِنْ الرّعْبِ .
لَأَنْتُمْ أَشَدّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ يَعْنِي ابْنَ أُبَيّ وَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ مَعَهُ خَوْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلُوا ; ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا يَعْنِي بَنِي النّضِير ِ وَالْمُنَافِقِينَ إِلّا فِي قُرًى مُحَصّنَةٍ يَقُولُ فِي حُصُونِهِمْ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتّى يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ وَبَنِي النّضِيرِ . ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ يَقُولُ دِينُ بَنِي النّضِيرِ مُخَالِفٌ دِينَ الْمُنَافِقِينَ [ وَهُمْ ] جَمِيعًا . فِي عَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ مُجْتَمِعُونَ .
كَمَثَلِ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ قَالَ يَعْنِي قَيْنُقَاعَ حَيْنَ أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ قَالَ هَذَا مَثَلٌ لِابْنِ أُبَيّ وَأَصْحَابِهِ الّذِينَ جَاءُوا بَنِي النّضِيرَ فَقَالُوا : أَقِيمُوا فِي حُصُونِكُمْ فَنَحْنُ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ إنْ قُوتِلْتُمْ وَنَخْرُجُ إنْ أُخْرِجْتُمْ كَذِبًا وَبَاطِلًا ، مَنّوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدّمَتْ لِغَدٍ يَقُولُ مَا عَمِلَتْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ يَقُولُ أَعَرَضُوا عَنْ ذِكْرِ اللّهِ تَعَالَى فَأَضَلّهُمْ اللّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا . وَقَالَ الْقُدّوسُ الظّاهِرُ و الْمُهَيْمِنُ الشّهِيدُ .








(1/381)




غَزْوَةُ بَدْرِ الْمَوْعِد وَكَانَتْ لِهِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا ، [ ص 384 ] وَغَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا سِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ رَوَاحَةَ .
حَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيّ ، وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ مِمّنْ لَمْ أُسَمّ قَالُوا : لَمّا أَرَادَ أَبُو سُفْيَان َ أَنْ يَنْصَرِفَ يَوْمَ أُحُدٍ نَادَى : مَوْعِدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ رَأْسَ الْحَوْلِ ، نَلْتَقِي فِيهِ فَنَقْتَتِلُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قُلْ نَعَمْ إنْ شَاءَ اللّهُ وَيُقَالُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ مَوْعِدُكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ .
قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَالْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا . فَافْتَرَقَ النّاسُ عَلَى ذَلِكَ وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ فَخَبّرُوا مَنْ قِبَلَهُمْ بِالْمَوْعِدِ وَتَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ وَأَجْلَبُوا ، وَكَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ أَعْظَمَ الْأَيّامِ لِأَنّهُمْ رَجَعُوا مِنْ أُحُدٍ وَالدّوْلَةُ لَهُمْ طَمِعُوا فِي بَدْرٍ الْمَوْعِدِ أَيْضًا بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الظّفَرِ .
وَكَانَ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ مَجْمَعًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْعَرَبُ ، وَسُوقًا تَقُومُ لِهِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ إلَى ثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْهُ فَإِذَا مَضَتْ ثَمَانِي لَيَالٍ مِنْهُ تَفَرّقَ النّاسُ إلَى بِلَادِهِمْ . فَلَمّا دَنَا الْمَوْعِدُ كَرِهَ أَبُو سُفْيَانَ الْخُرُوجَ إلَى رَسُولِ [ ص 385 ] اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَ يُحِبّ أَنْ يُقِيمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالْمَدِينَةِ وَلَا يُوَافِقُونَ الْمَوْعِدَ .
فَكَانَ كُلّ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مَكّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ أَظْهَرَ لَهُ إنّا نُرِيدُ أَنْ نَغْزُوَ مُحَمّدًا فِي جَمْعٍ كَثِيفٍ . فَيَقْدَمُ الْقَادِمُ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَرَاهُمْ عَلَى تَجَهّزٍ فَيَقُولُ تَرَكْت أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جَمَعَ الْجُمُوعَ وَسَارَ فِي الْعَرَبِ لِيَسِيرَ إلَيْكُمْ لِمَوْعِدِكُمْ . فَيَكْرَهُ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَيَهِيبُهُمْ ذَلِكَ .
وَيَقْدَمُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ مَكّةَ ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا نُعَيْم ُ إنّي وَعَدْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ نَلْتَقِيَ نَحْنُ وَهُوَ بِبَدْرٍ الصّفْرَاءِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ . فَقَالَ نُعَيْمٌ : مَا أَقْدَمَنِي إلّا مَا رَأَيْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يَصْنَعُونَ مِنْ إعْدَادِ السّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَقَدْ تَجَلّبَ إلَيْهِ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ مِنْ بَلِيّ وَجُهَيْنَةَ وَغَيْرِهِمْ فَتَرَكْت الْمَدِينَةَ أَمْسَ وَهِيَ كَالرّمّانَةِ .
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَحَقّا مَا تَقُولُ ؟ قَالَ إي وَاَللّهِ . فَجَزَوْا نُعَيْمًا خَيْرًا وَوَصَلُوهُ وَأَعَانُوهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَسْمَعُك تَذْكُرُ مَا تَذْكُرُ مَا قَدْ أَعَدّوا ؟ وَهَذَا عَامُ جَدْبٍ - قَالَ نُعَيْمٌ الْأَرْضُ مِثْلُ ظَهْرِ التّرْسِ لَيْسَ فِيهَا لِبَعِيرٍ شَيْءٌ - وَإِنّمَا يُصْلِحُنَا عَامُ خِصْبٍ غَيْدَاقٍ تَرْعَى فِيهِ الظّهْرُ وَالْخَيْلُ وَنَشْرَبُ اللّبَنَ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ وَلَا أَخْرُجُ فَيَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا ، وَيَكُونُ الْخُلْفُ مِنْ قِبَلِهِمْ أَحَبّ إلَيّ . وَنَجْعَلُ لَك عِشْرِينَ فَرِيضَةً عَشْرًا جِذَاعًا وَعَشْرًا حِقَاقًا ، وَتُوضَعُ لَك عَلَى يَدَيْ [ ص 386 ] سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَيَضْمَنُهَا لَك .
قَالَ نُعَيْمٌ رَضِيت . وَكَانَ سُهَيْلٌ صَدِيقًا لِنُعَيْمٍ فَجَاءَ سُهَيْلًا فَقَالَ يَا أَبَا يَزِيدَ تَضْمَنُ لِي عِشْرِينَ فَرِيضَةً عَلَى أَنْ أَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَأَخْذُلَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ . [ قَالَ ] : فَإِنّي خَارِجٌ . فَخَرَجَ عَلَى بَعِيرٍ حَمَلُوهُ عَلَيْهِ وَأَسْرَعَ السّيْرَ فَقَدِمَ وَقَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ مُعْتَمِرًا ، فَوَجَدَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَجَهّزُونَ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَيْنَ يَا نُعَيْمُ ؟ قَالَ خَرَجْت مُعْتَمِرًا إلَى مَكّةَ .
فَقَالُوا : لَك عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ ؟ قَالَ نَعَمْ تَرَكْت أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جَمَعَ الْجُمُوعَ وَأَجْلَبَ مَعَهُ الْعَرَبَ ، فَهُوَ جَاءَ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فَأَقِيمُوا وَلَا تَخْرُجُوا فَإِنّهُمْ قَدْ أَتَوْكُمْ فِي دَارِكُمْ وَقَرَارِكُمْ فَلَنْ يَفْلِتَ مِنْكُمْ إلّا الشّرِيدُ وَقُتِلَتْ سَرَاتُكُمْ وَأَصَابَ مُحَمّدًا فِي نَفْسِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْجِرَاحِ . فَتُرِيدُونَ أَنْ تَخْرُجُوا إلَيْهِمْ فَتَلْقَوْهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ ؟ بِئْسَ الرّأْيُ رَأَيْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ - وَهُوَ مَوْسِمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ النّاسُ - وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ يَفْلِتَ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَجَعَلَ يَطُوفُ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَعَبَهُمْ وَكَرّهَ إلَيْهِمْ الْخُرُوجَ حَتّى نَطَقُوا بِتَصْدِيقِ قَوْلِ نُعَيْمٍ أَوْ مَنْ نَطَقَ مِنْهُمْ .
وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ وَقَالُوا : مُحَمّدٌ لَا يَفْلِتُ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ وَاحْتَمَلَ الشّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ النّاسِ لِخَوْفِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عِنْدَهُ حَتّى خَافَ رَسُولُ اللّهِ أَلّا يَخْرُجَ مَعَهُ أَحَدٌ .
فَجَاءَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَمِعَا مَا سَمِعَا فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ اللّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ وَمُعِزّ نَبِيّهُ وَقَدْ وَعَدْنَا الْقَوْمَ مَوْعِدًا وَنَحْنُ لَا نُحِبّ أَنْ [ ص 387 ] نَتَخَلّفَ عَنْ الْقَوْمِ فَيَرَوْنَ أَنّ هَذَا جُبْنٌ مِنّا عَنْهُمْ فَسِرْ لِمَوْعِدِهِمْ فَوَاَللّهِ إنّ فِي ذَلِكَ لَخِيرَةٌ فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ ثُمّ قَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرُجَن وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعِي أَحَدٌ قَالَ فَلَمّا تَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَكَلّمَ بِمَا بَصّرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الْمُسْلِمِينَ وَأَذْهَبَ مَا كَانَ رَعَبَهُمْ الشّيْطَانُ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ بِتِجَارَاتٍ لَهُمْ إلَى بَدْرٍ
فَحُدّثْت عَنْ يَزِيدَ عَنْ خَصِيفَةَ قَالَ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَحِمَهُ اللّهُ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتنَا وَقَدْ قُذِفَ الرّعْبُ فِي قُلُوبِنَا ، فَمَا أَرَى أَحَدًا لَهُ نِيّةٌ فِي الْخُرُوجِ حَتّى أَنْهَجَ اللّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ بَصَائِرَهُمْ وَأَذْهَبَ عَنْهُمْ تَخْوِيفَ الشّيْطَانِ . فَخَرَجُوا فَلَقَدْ خَرَجْت بِبِضَاعَةٍ إلَى مَوْسِمِ بَدْرٍ ، فَرَبِحْت لِلدّينَارِ دِينَارًا ، فَرَجَعْنَا بِخَيْرٍ وَفَضْلٍ مِنْ رَبّنَا .
فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجُوا بِبَضَائِعَ لَهُمْ وَنَفَقَاتٍ . فَانْتَهَوْا إلَى بَدْرٍ لَيْلَةَ هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ وَقَامَ السّوقُ صَبِيحَةَ الْهِلَالِ فَأَقَامُوا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ وَالسّوقُ قَائِمَةٌ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ خَرَجَ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَانَتْ الْخَيْلُ عَشْرَةَ أَفْرَاسٍ فَرَسٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفَرَسٌ لِأَبِي بَكْرٍ ، وَفَرَسٌ لِعُمَرَ ، وَفَرَسٌ لِأَبِي قَتَادَةَ ، وَفَرَسٌ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ ، وَفَرَسٌ لِلْحُبَابِ ، وَفَرَسٌ لِلزّبَيْرِ ، وَفَرَسٌ لِعَبّادِ بْنِ بِشْرٍ
فَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ الْمِقْدَادُ : شَهِدْت بَدْرَ الْمَوْعِدَ عَلَى فَرَسِي سُبْحَةً أَرْكَبُ ظَهْرَهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ، فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، قَدْ بَعَثْنَا نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ لِأَنْ يَخْذُلَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ عَنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ جَاهِدٌ وَلَكِنْ نَخْرُجُ نَحْنُ فَنَسِيرُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ ثُمّ نَرْجِعُ فَإِنْ كَانَ مُحَمّدٌ لَمْ يَخْرُجْ بَلَغَهُ أَنّا خَرَجْنَا فَرَجَعْنَا لِأَنّهُ لَمْ يَخْرُجْ فَيَكُونُ هَذَا لَنَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَرَجَ أَظْهَرَنَا أَنّ هَذَا عَامُ جَدْبٍ وَلَا يُصْلِحُنَا [ ص 388 ] إلّا عَامُ عُشْبٍ . قَالُوا : نَعَمْ مَا رَأَيْت .
فَخَرَجَ فِي قُرَيْشٍ ، وَهُمْ أَلْفَانِ وَمَعَهُمْ خَمْسُونَ فَرَسًا ، حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَجَنّةَ ثُمّ قَالَ ارْجِعُوا ، لَا يُصْلِحُنَا إلّا عَامُ خِصْبٍ غَيْدَاقٍ نَرْعَى فِيهِ الشّجَرَ وَنَشْرَبُ فِيهِ اللّبَنَ وَإِنّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ وَإِنّي رَاجِعٌ فَارْجِعُوا . فَسَمّى أَهْلُ مَكّةَ ذَلِكَ الْجَيْشَ جَيْشَ السّوِيقِ ، يَقُولُونَ خَرَجُوا يَشْرَبُونَ السّوِيقَ .








(1/384)

وَكَانَ يَحْمِلُ لِوَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَعْظَمَ يَوْمَئِذٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ .
وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ يُقَالُ لَهُ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَهُوَ الّذِي حَالَفَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَوْمِهِ فِي غَزْوَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأُولَى إلَى وَدّانَ فَقَالَ - وَالنّاسُ مُجْتَمِعُونَ فِي سُوقِهِمْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَكْثَرُ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ - فَقَالَ يَا مُحَمّدُ لَقَدْ أُخْبِرْنَا أَنّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْكُمْ أَحَدٌ ، فَمَا أَعْلَمُكُمْ إلّا أَهْلَ الْمَوْسِمِ .
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى عَدُوّهِ مِنْ قُرَيْش ٍ : مَا أَخْرَجَنَا إلّا مَوْعِدُ أَبِي سُفْيَانَ وَقِتَالُ عَدُوّنَا ، وَإِنْ شِئْت مَعَ ذَلِكَ نَبَذْنَا إلَيْك وَإِلَى قَوْمِك الْعَهْدَ ثُمّ جَالَدْنَاكُمْ قَبْلَ أَنْ نَبْرَحَ مِنْ مَنْزِلِنَا هَذَا . فَقَالَ الضّمْرِيّ : بَلْ نَكُفّ أَيْدِيَنَا عَنْكُمْ وَنَتَمَسّكُ بِحِلْفِك
وَسَمِعَ بِذَلِكَ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ فَانْطَلَقَ سَرِيعًا . وَكَانَ مُقِيمًا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ وَقَدْ رَأَى أَهْلَ الْمَوْسِمِ وَرَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَمِعَ كَلَامَ مَخْشِيّ ، فَانْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ بِخَبَرِ مَوْسِمِ بَدْرٍ . فَسَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِكَثْرَةِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَأَنّهُمْ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ وَمَا سَمِعَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلضّمْرِيّ ، وَقَالَ وَافَى مُحَمّدٌ فِي أَلْفَيْنِ مِنْ [ ص 389 ] أَصْحَابِهِ وَأَقَامُوا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حَتّى تَصَدّعَ أَهْلُ الْمَوْسِمِ . فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ لِأَبِي سُفْيَانَ : قَدْ وَاَللّهِ نَهَيْتُك يَوْمَئِذٍ أَنْ تَعِدَ الْقَوْمَ وَقَدْ اجْتَرَءُوا عَلَيْنَا وَرَأَوْا أَنْ قَدْ أَخْلَفْنَاهُمْ وَإِنّمَا خَلّفَنَا الضّعْفُ عَنْهُمْ . فَأَخَذُوا فِي الْكَيْدِ وَالنّفَقَةِ فِي قِتَالِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَجْلَبُوا مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ، وَجَمَعُوا الْأَمْوَالَ الْعِظَامَ وَضَرَبُوا الْبَعْثَ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ ، فَلَمْ يُتْرَكْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَلّ أَوْ كَثُرَ . فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَقَلّ مِنْ أُوقِيّةٍ لِغَزْوَةِ الْخَنْدَقِ . وَقَالَ مَعْبَدٌ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْت أَنْ قُلْت شِعْرًا :
تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ

إذْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِ
وَمَاءَ ضَجْنَانَ لَهَا ضُحَى الْغَدِ

إذْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمّدِ
وَعَجْوَةٍ مَوْضُوعَةٍ كالعَنْجَدِ
وَيَزْعُمُونَ أَنّ حُمّامًا قَالَهَا . وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الْآيَةَ يَعْنِي نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ . وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ - قَالَ الْوَاقِدِيّ : أَنْشَدَنِيهَا مَشْيَخَةُ آلِ كَعْبٍ وَأَصْحَابُنَا جَمِيعًا [ ص 390 ]
وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ

لِمَوْعِدِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا
فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتنَا فَلَقِيتنَا

رَجَعْت ذَمِيمًا وَافْتَقَدْت الْمَوَالِيَا
تَرَكْنَا بِهَا أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنِهِ

وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثَاوِيَا
عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ أُفّ لِدِينِكُمْ

وَأَمْرُكُمْ السّيّئُ الّذِي كَانَ غَاوِيَا
وَإِنّي وَإِنْ عَنّفْتُمُونِي لَقَائِلٌ

فِدًى لِرَسُولِ اللّهِ أَهْلِي وَمَا لِيَا
أَطَعْنَا فَلَمْ نَعْدِلْ سِوَاهُ بِغَيْرِهِ

شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللّيْلِ هَادِيَا
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ - ثَبَتَ ابْنُ أَبِي الزّنَادِ وَابْنُ جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمَا [ ص 391 ]
أَقَمْنَا عَلَى الرّسّ النّزُوعِ ثَمَانِيَا

بِأَرْعَنَ جَرّارٍ عَرِيضِ الْمَبَارِكِ
بِكُلّ كُمَيْتٍ جَوْزُهُ نِصْفُ خَلْقِهِ

وَأُدْمٍ طُوّالٍ مُشْرِفَاتِ الْحَوَارِكِ
تَرَى الْعَرْفَجَ الْعَامِيّ تُبْدَى أُصُولَهُ

مَنَاسِمُ أَخْفَافِ الْمَطِيّ الرّوَاتِك
إذَا هَبَطَتْ خَوْرَاتٍ مِنْ رَمْلِ عَالِجٍ

فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكِ
ذَرُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا

ضِرَابٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ
بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ

وَأَنْصَارِ حَقّ أُيّدُوا بِمَلَائِكِ
فَإِنْ نَلْقَ فِي تَطْوَافِنَا وَالْتِمَاسِنَا

فُرَاتَ بْنَ حَيّانٍ يَكُنْ رَهْنَ هَالِكِ
وَإِنْ نَلْقَ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ بَعْدَهُ

نَزِدْ فِي سَوَادِ وَجْهِهِ لَوْنَ حَالِكِ
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . هَكَذَا كَانَ .








(1/389)

سَرِيّةُ ابْنِ عَتِيكٍ إلَى أَبِي رَافِعٍ خَرَجُوا لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ فِي السّحَرِ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا ، وَغَابُوا عَشْرَةَ أَيّامٍ . حَدّثَنِي أَبُو أَيّوبَ بْنُ النّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ حَتّى أَتَيْنَا خَيْبَرَ . قَالَ وَقَدْ كَانَتْ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ بِخَيْبَرَ يَهُودِيّةً أَرْضَعَتْهُ وَقَدْ بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَةَ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَأَبُو قَتَادَةَ ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيّ وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ . قَالَ فَانْتَهَيْنَا إلَى خَيْبَرَ ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللّهِ إلَى أُمّهِ فَأَعْلَمَهَا بِمَكَانِهِ فَخَرَجَتْ إلَيْنَا بِجِرَابٍ مَمْلُوءٍ تَمْرًا كَبِيسًا وَخُبْزًا ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمّ قَالَ لَهَا : يَا أُمّاهُ إنّا قَدْ أَمْسَيْنَا ، بَيّتِينَا عِنْدَك فَأَدْخِلِينَا خَيْبَرَ .
فَقَالَتْ أُمّهُ كَيْفَ تُطِيقُ خَيْبَرَ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ ؟ وَمَنْ تُرِيدُ فِيهَا ؟ قَالَ أَبَا رَافِعٍ . فَقَالَتْ لَا تَقْدِرْ عَلَيْهِ . [ ص 392 ] قَالَ وَاَللّهِ لَأَقْتُلَنهُ أَوْ لَأُقْتَلَن دُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ . قَالَتْ فَادْخُلُوا عَلَيّ لَيْلًا . فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَلَمّا نَامَ أَهْلُ خَيْبَرَ ، وَقَدْ قَالَتْ لَهُمْ اُدْخُلُوا فِي خَمَرِ النّاسِ فَإِذَا هَدَأَتْ الرّجْلُ فَاكْمُنُوا فَفَعَلُوا وَدَخَلُوا عَلَيْهَا ثُمّ قَالَتْ إنّ الْيَهُودَ لَا تُغْلِقُ عَلَيْهَا أَبْوَابَهَا فَرَقًا أَنْ يَطْرُقَهَا ضَيْفٌ فَيُصْبِحُ أَحَدُهُمْ بِالْفِنَاءِ وَلَمْ يُضَفْ فَيَجِدُ الْبَابَ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلُ فَيَتَعَشّى .
فَلَمّا هَدَأَتْ الرّجْلُ قَالَتْ انْطَلِقُوا حَتّى تَسْتَفْتِحُوا عَلَى أَبِي رَافِعٍ فَقُولُوا « إنّا جِئْنَا لِأَبِي رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ » فَإِنّهُمْ سَيَفْتَحُونَ لَكُمْ . فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثُمّ خَرَجُوا لَا يَمُرّونَ بِبَابٍ مِنْ بُيُوتِ خَيْبَرَ إلّا أَغْلَقُوهُ حَتّى أَغْلَقُوا بُيُوتَ الْقَرْيَةِ كُلّهَا ، حَتّى انْتَهَوْا إلَى عَجَلَةٍ عِنْدَ قَصْرِ سَلّامٍ . قَالَ فَصَعِدْنَا وَقَدِمْنَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَتِيكٍ ، لِأَنّهُ كَانَ يَرْطُنُ بِالْيَهُودِيّةِ ثُمّ اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَبِي رَافِعٍ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ مَا شَأْنُك ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ وَرَطَنَ بِالْيَهُودِيّةِ جِئْت أَبَا رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ . فَفَتَحَتْ لَهُ فَلَمّا رَأَتْ السّلَاحَ أَرَادَتْ تَصِيحُ .
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ : وَازْدَحَمْنَا عَلَى الْبَابِ أَيّنَا يَبْدُرُ إلَيْهِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَصِيحَ . قَالَ فَأَشَرْت إلَيْهَا السّيْفَ . قَالَ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَسْبِقَنِي أَصْحَابِي إلَيْهِ . قَالَ فَسَكَنَتْ سَاعَةً . قَالَ ثُمّ قُلْت لَهَا : أَيْنَ أَبُو رَافِعٍ ؟ وَإِلّا ضَرَبْتُك بِالسّيْفِ فَقَالَتْ هُوَ ذَاكَ فِي الْبَيْتِ . فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَمَا عَرَفْنَاهُ إلّا بِبَيَاضِهِ كَأَنّهُ قُطْنَةٌ مُلْقَاةٌ فَعَلَوْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَهَمّ بَعْضُنَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا ثُمّ ذَكَرْنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَانَا عَنْ قَتْلِ النّسَاءِ .
قَالَ [ ص 393 ] فَلَمّا انْتَهَيْنَا جَعَلَ سَمْكُ الْبَيْتِ يَقْصُرُ عَلَيْنَا ، وَجَعَلَتْ سُيُوفُنَا تَرْجِعُ . قَالَ ابْنُ أُنَيْسٍ وَكُنْت رَجُلًا أَعْشَى لَا أُبْصِرُ بِاللّيْلِ إلّا بَصَرًا ضَعِيفًا . قَالَ فَتَأَمّلْته كَأَنّهُ قَمَرٌ . قَالَ فَأَتّكِئُ بِسَيْفِي عَلَى بَطْنِهِ حَتّى سَمِعْت خَشّهُ فِي الْفِرَاشِ وَعَرَفْت أَنّهُ قَدْ قَضَى .
قَالَ وَجَعَلَ الْقَوْمُ يَضْرِبُونَهُ جَمِيعًا ، ثُمّ نَزَلْنَا وَنَسِيَ أَبُو قَتَادَةَ قَوْسَهُ فَذَكَرَهَا بَعْدَ مَا نَزَلَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ دَعْ الْقَوْسَ . فَأَبَى فَرَجَعَ فَأَخَذَ قَوْسَهُ وَانْفَكّتْ رِجْلُهُ فَاحْتَمَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَتَصَايَحَ أَهْلُ الدّارِ بَعْدَ مَا قُتِلَ . فَلَمْ يَفْتَحْ أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَيْلًا طَوِيلًا ، وَاخْتَبَأَ الْقَوْمُ فِي بَعْضِ مَنَاهِرِ خَيْبَرَ . وَأَقْبَلَتْ الْيَهُودُ وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ خَرَجَ الْقَوْمُ الْآنَ . فَخَرَجَ الْحَارِثُ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ فِي آثَارِنَا ، يَطْلُبُونَنَا بِالنّيرَانِ فِي شُعَلِ السّعَفِ وَلَرُبّمَا وَطِئُوا فِي النّهْرِ فَنَحْنُ فِي بَطْنِهِ وَهُمْ عَلَى ظَهْرِهِ فَلَا يَرَوْنَا ، فَلَمّا أَوْعَبُوا فِي الطّلَبِ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا رَجَعَ إلَى امْرَأَتِهِ فَقَالُوا لَهَا : هَلْ تَعْرِفِينَ مِنْهُمْ أَحَدًا ؟ قَالَتْ سَمِعْت مِنْهُمْ كَلَامَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ ، فَإِنْ كَانَ فِي بِلَادِنَا هَذِهِ فَهُوَ مَعَهُمْ . فَكُرّوا الطّلَبَ الثّانِيَةَ وَقَالَ الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَوْ أَنّ بَعْضَنَا أَتَاهُمْ فَنَظَرَ هَلْ مَاتَ الرّجُلُ أَمْ لَا .
فَخَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيّ حَتّى دَخَلَ مَعَ الْقَوْمِ وَتَشَبّهَ بِهِمْ فَجَعَلَ فِي يَدِهِ شُعْلَةً كَشُعَلِهِمْ حَتّى كَرّ الْقَوْمُ الثّانِيَةَ إلَى الْقَصْرِ وَكَرّ مَعَهُمْ وَيَجِدُ الدّارَ قَدْ [ ص 394 ] شُحِنَتْ . قَالَ فَأَقْبَلُوا جَمِيعًا يَنْظُرُونَ إلَى أَبِي رَافِعٍ مَا فَعَلَ . قَالَ فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ مَعَهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ ثُمّ أَحْنَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ أَحَيّ أَمْ مَيّتٌ هُوَ فَقَالَتْ فَاظَ وَإِلَهِ مُوسَى قَالَ ثُمّ كَرِهْت أَنْ أَرْجِعَ إلّا بِأَمْرٍ بَيّنٍ . قَالَ فَدَخَلْت الثّانِيَةَ مَعَهُمْ فَإِذَا الرّجُلُ لَا يَتَحَرّكُ مِنْهُ عِرْقٌ .<