Translate ***

الثلاثاء، 1 مايو 2018

12 المغازي للواقدي ورد


12 المغازي للواقدي
وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ ثَمَانُونَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ ، فَقَالَ قَائِلٌ رَسُولُ اللّهِ بِخَيْبَرَ وَهُوَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ . فَقُلْت : لَا أَسْمَعُ بِهِ يَنْزِلُ مَكَانًا أَبَدًا إلّا جِئْته . فَتَحَمّلْنَا حَتّى جِئْنَاهُ بِخَيْبَرَ فَنَجِدُهُ قَدْ فَتَحَ النّطَاةَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الْكَتِيبَةِ ، فَأَقَمْنَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا . وَكُنّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَصَلّيْنَا الصّبْحَ خَلْفَ سِبَاعِ بْنِ عُرْفُطَةَ بِالْمَدِينَةِ فَقَرَأَ فِي الرّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةَ مَرْيَمَ وَفِي الْآخِرَةِ وَيْلٌ لِلْمُطَفّفِينَ
فَلَمّا قَرَأَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ
قُلْت : تَرَكْت عَمّي بِالسّرَاةِ لَهُ مِكْيَالَانِ مِكْيَالٌ [ ص 637 ] يُطَفّفُ بِهِ وَمِكْيَالٌ يَتَبَخّسُ بِهِ . وَيُقَالُ اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا ذَرّ وَالثّبْتُ عِنْدَنَا سِبَاعُ بْنُ عُرْفُطَةَ .(1/637)↞
↞ استكمال:
==============================
وَكَانَتْ يَهُودُ خَيْبَرَ لَا يَظُنّونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَغْزُوهُمْ لِمَنَعَتِهِمْ وَحُصُونِهِمْ وَسِلَاحِهِمْ وَعَدَدِهِمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ كُلّ يَوْمٍ عَشْرَةَ آلَافِ مُقَاتِلٍ صُفُوفًا ثُمّ يَقُولُونَ مُحَمّدٌ يَغْزُونَا ؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ وَكَانَ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ يَقُولُونَ حِينَ تَجَهّزَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى خَيْبَرَ : مَا أَمْنَعُ وَاَللّهِ خَيْبَرَ مِنْكُمْ لَوْ رَأَيْتُمْ خَيْبَرَ وَحُصُونَهَا وَرِجَالَهَا لَرَجَعْتُمْ قَبْلَ أَنْ تُصَلّوا إلَيْهِمْ حُصُونٌ شَامِخَاتٌ فِي ذُرَى الْجِبَالِ وَالْمَاءُ فِيهَا وَاتِنٌ إنّ بِخَيْبَرَ لِأَلْفِ دَارِعٍ مَا كَانَتْ أَسَدٌ وَغَطْفَان يَمْتَنِعُونَ مِنْ الْعَرَبِ قَاطِبَةً إلّا بِهِمْ فَأَنْتُمْ تُطِيقُونَ خَيْبَرَ ؟ فَجَعَلُوا يُوحَوْنَ بِذَلِكَ إلَى أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُ أَصْحَابُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ وَعَدَهَا اللّهُ نَبِيّهُ أَنْ يَغْنَمَهُ إيّاهَا . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ فَعَمّى اللّهُ عَلَيْهِمْ مَخْرَجَهُ إلّا بِالظّنّ حَتّى نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَاحَاتِهِمْ لَيْلًا . وَكَانُوا قَدْ اخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ حَيْثُ أَحَسّوا بِمَسِيرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ الْيَهُودِيّ بِأَنْ يُعَسْكِرُوا خَارِجًا مِنْ حُصُونِهِمْ وَيَبْرُزُوا لَهُ فَإِنّي قَدْ رَأَيْت مَنْ سَارَ إلَيْهِ مِنْ الْحُصُونِ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَقَاءٌ بَعْدَ أَنْ حَاصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ سَبْيٍ وَمِنْهُمْ مِنْ قَتْلِ صَبْرًا . فَقَالَتْ الْيَهُودُ : إنّ حُصُونَنَا هَذِهِ لَيْسَتْ مِثْلَ تِلْكَ هَذِهِ حُصُونٌ مَنِيعَةٌ فِي [ ص 638 ] ذُرَى الْجِبَالِ . فَخَالَفُوهُ وَثَبَتُوا فِي حُصُونِهِمْ فَلَمّا صَبّحَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَايَنُوهُ أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ .(1/638)فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَسَلَكَ ثَنِيّةَ الْوَدَاعِ ، ثُمّ أَخَذَ عَلَى الزّغَابَةَ ثُمّ عَلَى نَقْمَى ، ثُمّ سَلَكَ الْمُسْتَنَاخَ ثُمّ كَبَسَ الْوَطِيحَ ، وَمَعَهُمْ دَلِيلَانِ مِنْ أَشْجَعَ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا حَسِيلُ بْنُ خَارِجَةَ وَالْآخَرُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُعَيْمٍ خَرَجَ عَلَى عَصْرٍ وَبِهِ مَسْجِدٌ ثُمّ عَلَى الصّهْبَاءِ . فَلَمّا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَسِيرِهِ قَالَ لِعَامِرِ بْنِ سِنَانٍ انْزِلْ يَا ابْنَ الْأَكْوَعِ فَخُذْ لَنَا مِنْ هَنَاتِك . فَاقْتَحَمَ عَامِرٌ عَنْ رَاحِلَتِهِ ثُمّ ارْتَجَزَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَقُولُ
اللّهُمّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلَا تَصَدّقْنَا وَلَا صَلّيْنَا
فَأَلْقِيَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا
إنّا إذَا صِيحَ بِنَا أَتَيْنَا
وَبِالصّيَاحِ عَوّلُوا عَلَيْنَا
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْحَمُك اللّهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَجَبَتْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : لَوْلَا مُتْعَتُنَا [ بِهِ ] يَا رَسُولَ اللّهِ فَاسْتُشْهِدَ عَامِرٌ يَوْمَ خَيْبَرَ . [ ص 639 ]
فَكَانَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ يَقُولُ لَمّا كُنّا دُونَ خَيْبَرَ نَظَرْت إلَى ظَبْيٍ حَاقِفٍ فِي ظِلّ شَجَرَةٍ فَأَتَفَرّدُ لَهُ بِسَهْمٍ فَأَرْمِيهِ فَلَمْ يَصْنَعْ سَهْمِي شَيْئًا ، وَأُذْعِرَ الظّبْيُ فَيَلْحَقُنِي عَامِرٌ فَفَوّقَ لَهُ السّهْمَ فَوَضَعَ السّهْمَ فِي جَنْبِ الظّبْيِ وَيَنْقَطِعُ وَتَرُ الْقَوْسِ فَيَعْلَقُ رِصَافُهُ بِجَنْبِهِ فَلَمْ يُخَلّصْهُ إلّا بَعْدَ شَدّ . وَوَقَعَ فِي نَفْسِي يَوْمئِذٍ طِيَرَةٌ وَرَجَوْت لَهُ الشّهَادَةَ فَبَصُرْت رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ فَيُصِيبُ نَفْسَهُ فَمَاتَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ أَلّا تُحَرّكَ بِنَا الرّكْبَ فَنَزَلَ عَبْدُ اللّهِ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَقَالَ
وَاَللّهِ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا
وَلَا تَصَدّقْنَا وَلَا صَلّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبّتْ الْأَقْدَامَ إنْ لَاقَيْنَا
وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ ارْحَمْهُ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَجَبَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ الْوَاقِدِيّ : قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَشَهِيدًا . قَالُوا : وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الصّهْبَاءِ فَصَلّى بِهَا الْعَصْرَ ثُمّ دَعَا بِالْأَطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ إلّا بِالسّوِيقِ وَالتّمْرِ فَأَكَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَكَلُوا مَعَهُ ثُمّ قَامَ إلَى الْمَغْرِبِ فَصَلّى بِالنّاسِ وَلَمْ يَتَوَضّأْ ثُمّ صَلّى الْعِشَاءَ بِالنّاسِ ثُمّ دَعَا بِالْأَدِلّاءِ فَجَاءَ حُسَيْلُ بْنُ خَارِجَةَ الْأَشْجَعِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نُعَيْمٍ الْأَشْجَعِيّ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحُسَيْلٍ امْضِ أَمَامَنَا حَتّى تَأْخُذَنَا صُدُورُ الْأَوْدِيَةِ حَتّى نَأْتِيَ خَيْبَرَ مِنْ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الشّامِ ، فَأَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الشّامِ وَبَيْنَ حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ . فَقَالَ حُسَيْلٌ أَنَا أَسْلُكُ بِك . فَانْتَهَى بِهِ إلَى مَوْضِعٍ لَهُ طُرُقٌ فَقَالَ لَهُ [ ص 640 ] يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ لَهَا طُرُقًا يُؤْتَى مِنْهَا كُلّهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمّهَا لِي وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحِبّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ وَالِاسْمَ الْحَسَنَ وَيَكْرَهُ الطّيَرَةَ وَالِاسْمَ الْقَبِيحَ . فَقَالَ الدّلِيلُ لَهَا طَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا حَزَنٌ . قَالَ لَا تَسْلُكْهَا قَالَ لَهَا طَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا شَاسٍ . قَالَ لَا تَسْلُكْهَا قَالَ لَهَا طَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا حَاطِبٌ . قَالَ لَا تَسْلُكْهَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ أَسَمَاءً أَقْبَحَ سَمّ لِرَسُولِ اللّهِ قَالَ لَهَا طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهَا . فَقَالَ عُمَرُ سَمّهَا . قَالَ اسْمُهَا مَرْحَبٌ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ اُسْلُكْهَا قَالَ عُمَرُ أَلّا سَمّيْت هَذَا الطّرِيقَ أَوّلَ مَرّةٍ(1/639)وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبّادَ بْنَ بِشْر ٍ فِي فَوَارِسَ طَلِيعَةٍ فَأَخَذَ عَيْنًا لِلْيَهُودِ مِنْ أَشْجَعَ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ بَاغٍ أَبْتَغِي أَبْعِرَةً ضَلّتْ لِي ، أَنَا عَلَى أَثَرِهَا . قَالَ لَهُ عَبّادٌ : أَلَك عِلْمٌ بِخَيْبَرَ ؟ قَالَ عَهْدِي بِهَا حَدِيثٌ فِيمَ تَسْأَلُنِي عَنْهُ ؟ قَالَ عَنْ الْيَهُودِ . قَالَ نَعَمْ كَانَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ سَارُوا فِي حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ ، فَاسْتَنْفَرُوهُمْ وَجَعَلُوا لَهُمْ تَمْرَ خَيْبَرَ سَنَةً فَجَاءُوا مُعَدّينَ مُؤَيّدِينَ بِالْكُرَاعِ وَالسّلَاحِ يَقُودُهُمْ عُتْبَةُ بْنُ بَدْرٍ ، وَدَخَلُوا مَعَهُمْ فِي حُصُونِهِمْ وَفِيهَا عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ وَهُمْ أَهْلُ الْحُصُونِ الّتِي لَا تُرَامُ وَسِلَاحٌ وَطَعَامٌ كَثِيرٌ لَوْ حُصِرُوا لِسِنِينَ لَكَفَاهُمْ وَمَاءٌ وَاتِنٌ يَشْرَبُونَ فِي حُصُونِهِمْ مَا أَرَى لِأَحَدٍ بِهِمْ طَاقَةً . فَرَفَعَ عَبّادُ بْنُ بِشْر ٍ السّوْطَ فَضَرَبَهُ ضَرْبَاتٍ وَقَالَ مَا أَنْتَ إلّا عَيْنٌ لَهُمْ اُصْدُقْنِي وَإِلّا ضَرَبْت عُنُقَك فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : أَفَتُؤَمّنّي عَلَى أَنْ [ ص 641 ] أَصْدُقَك ؟ قَالَ عَبّادٌ نَعَمْ . فَقَالَ الْأَعْرَابِيّ : الْقَوْمُ مَرْعُوبُونَ مِنْكُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ لِمَا قَدْ صَنَعْتُمْ بِمَنْ كَانَ بِيَثْرِبَ مِنْ الْيَهُودِ ، وَإِنّ يَهُودَ يَثْرِبَ بَعَثُوا ابْنَ عَمّ لِي وَجَدُوهُ بِالْمَدِينَةِ ، قَدْ قَدِمَ بِسِلْعَةٍ يَبِيعُهَا ، فَبَعَثُوهُ إلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ يُخْبِرُونَهُ بِقِلّتِكُمْ وَقِلّةِ خَيْلِكُمْ وَسِلَاحِكُمْ . [ وَيَقُولُونَ لَهُ ] : فَاصْدُقُوهُمْ الضّرْبَ يَنْصَرِفُوا عَنْكُمْ فَإِنّهُ لَمْ يَلْقَ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ وَقُرَيْشٌ وَالْعَرَبُ قَدْ سَرَوْا بِمَسِيرِهِ إلَيْكُمْ لِمَا يَعْلَمُونَ مِنْ مَوَادّكُمْ وَكَثْرَةِ عَدَدِكُمْ وَسِلَاحِكُمْ وَجَوْدَةِ حُصُونِكُمْ وَقَدْ تَتَابَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَيْرُهُمْ مِمّنْ يَهْوَى هَوَى مُحَمّدٍ تَقُولُ قُرَيْشٌ : إنّ خَيْبَرَ تَظْهَرُ وَيَقُولُ آخَرُونَ يَظْهَرُ مُحَمّدٌ فَإِنْ ظَفَرَ مُحَمّدٌ فَهُوَ ذُلّ الدّهْرِ قَالَ الْأَعْرَابِيّ : وَأَنَا أَسْمَعُ كُلّ هَذَا ، فَقَالَ لِي كِنَانَةُ : اذْهَبْ مُعْتَرِضًا لِلطّرِيقِ فَإِنّهُمْ لَا يَسْتَنْكِرُونَ مَكَانَك ، وَاحْرُزْهُمْ لَنَا ، وَادْنُ مِنْهُمْ كَالسّائِلِ لَهُمْ مَا تَقْوَى بِهِ ثُمّ أَلْقِ إلَيْهِمْ كَثْرَةَ عَدَدِنَا وَمَادّتِنَا فَإِنّهُمْ لَنْ يَدَعُوا سُؤَالَك ، وَعَجّلْ الرّجْعَةَ إلَيْنَا بِخَبَرِهِمْ . فَأَتَى بِهِ عَبّادٌ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ : اضْرِبْ عُنُقَهُ . قَالَ عَبّادٌ جَعَلْت لَهُ الْأَمَانَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْسِكْهُ مَعَك يَا عَبّادُ فَأَوْثِقْ رِبَاطًا . فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ عَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي دَاعِيك ثَلَاثًا ، فَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ لَمْ يَخْرُجْ الْحَبْلُ عَنْ عُنُقِك إلّا صَعَدًا فَأَسْلَمَ الْأَعْرَابِيّ ، وَخَرَجَ الدّلِيلُ يَسِيرُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى بِهِ فَيَسْلُكُ بَيْنَ حِيَاضَ وَالسّرِيرِ ، فَاتّبَعَ صُدُورَ الْأَوْدِيَةِ حَتّى هَبَطَ بِهِ الْخَرَصَةَ ثُمّ نَهَضَ بِهِ حَتّى سَلَكَ بَيْنَ الشّقّ [ ص 642 ] وَالنّطَاةِ . وَلَمّا أَشْرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى خَيْبَرَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ قِفُوا ثُمّ قَالَ قُولُوا اللّهُمّ رَبّ السّمَوَاتِ السّبْعِ وَمَا أَظَلّتْ وَرَبّ الْأَرَضِينَ السّبْعِ وَمَا أَقَلّتْ وَرَبّ الرّيَاحِ وَمَا ذَرّتْ فَإِنّا نَسْأَلُك خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا ، وَخَيْرَ مَا فِيهَا ، وَنَعُوذ بِك مِنْ شَرّهَا وَشَرّ مَا فِيهَا . ثُمّ قَالَ اُدْخُلُوا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ فَسَارَ حَتّى انْتَهَى إلَى الْمَنْزِلَةِ وَعَرّسَ بِهَا سَاعَةً مِنْ اللّيْلِ وَكَانَ الْيَهُودُ يَقُومُونَ كُلّ لَيْلَةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ فَيَتَلَبّسُونَ السّلَاحَ وَيَصُفّونَ الْكَتَائِبَ وَهُمْ عَشْرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ . وَكَانَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَدْ خَرَجَ فِي رَكْبٍ إلَى غَطَفَانَ يَدْعُوهُمْ إلَى نَصْرِهِمْ وَلَهُمْ نِصْفُ تَمْرِ خَيْبَرَ سَنَةً وَذَلِكَ أَنّهُ بَلَغَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَائِرٌ إلَيْهِمْ . وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ قَدِمَ بِسِلْعَةٍ إلَى الْمَدِينَةِ فَبَاعَهَا ، ثُمّ رَجَعَ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ تَرَكْت مُحَمّدًا يُعَبّئُ أَصْحَابَهُ إلَيْكُمْ . فَبَعَثُوا [ إلَى ] حُلَفَائِهِمْ مِنْ غَطَفَانَ ، فَخَرَجَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ يَدْعُوهُمْ إلَى نَصْرِهِمْ وَلَهُمْ نِصْفُ تَمْرِ خَيْبَرَ سَنَةً . فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَاحَتِهِمْ لَمْ يَتَحَرّكُوا تِلْكَ اللّيْلَةَ وَلَمْ يَصِحْ لَهُمْ دِيكٌ حَتّى طَلَعَتْ الشّمْسُ فَأَصْبَحُوا وَأَفْئِدَتُهُمْ تَخْفِقُ وَفَتَحُوا حُصُونَهُمْ مَعَهُمْ الْمَسَاحِي وَالْكَرَازِينُ وَالْمَكَاتِلُ فَلَمّا نَظَرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ قَالُوا : مُحَمّدٌ وَالْخَمِيسُ فَوَلّوْا هَارِبِينَ حَتّى رَجَعُوا [ ص 643 ] إلَى حُصُونِهِمْ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ اللّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إنّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَنْزِلَةِ جَعَلَ مَسْجِدًا فَصَلّى إلَيْهِ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ نَافِلَةً . فَثَارَتْ رَاحِلَتُهُ تَجُرّ زِمَامَهَا ، فَأُدْرِكَتْ تَوَجّهُ إلَى الصّخْرَةِ لَا تُرِيدُ تَرْكَبُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهَا فَإِنّهَا مَأْمُورَةٌ حَتّى بَرَكَتْ عِنْد الصّخْرَةِ فَتَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الصّخْرَةِ وَأَمَرَ بِرَحْلِهِ فَحَطّ وَأَمَرَ النّاسَ بِالتّحَوّلِ إلَيْهَا ، ثُمّ ابْتَنَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهَا مَسْجِدًا فَهُوَ مَسْجِدُهُمْ الْيَوْمَ . فَلَمّا أَصْبَحَ جَاءَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، إنّك نَزَلْت مَنْزِلَك هَذَا ، فَإِنْ كَانَ عَنْ أَمْرٍ أَمَرْت بِهِ فَلَا نَتَكَلّمُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الرّأْيُ تَكَلّمْنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ هُوَ الرّأْيُ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ دَنَوْت مِنْ الْحِصْنِ وَنَزَلْت بَيْنَ ظُهْرَيْ النّخْلِ وَالنّزّ مَعَ أَنّ أَهْلَ النّطَاةِ لِي بِهِمْ مَعْرِفَةٌ لَيْسَ قَوْمٌ أَبْعَدَ مَدَى مِنْهُمْ وَلَا أَعْدَلَ مِنْهُمْ وَهُمْ مُرْتَفِعُونَ عَلَيْنَا ، وَهُوَ أَسْرَعُ لِانْحِطَاطِ نَبْلُهُمْ مَعَ أَنّي لَا آمَنُ مِنْ بَيَاتِهِمْ يَدْخُلُونَ فِي خَمْرِ النّخْلِ تَحَوّلْ يَا رَسُولَ اللّهِ إلَى مَوْضِعٍ بَرِئَ مِنْ النّزّ وَمِنْ الْوَبَاءِ نَجْعَلْ الْحَرّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ حَتّى لَا يَنَالَنَا نَبْلُهُمْ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُقَاتِلهُمْ هَذَا الْيَوْمَ . وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ [ ص 644 ] وَسَلّمَ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فَقَالَ اُنْظُرْ لَنَا مَنْزِلًا بَعِيدًا مِنْ حُصُونِهِمْ بَرِيئًا مِنْ الْوَبَاءِ نَأْمَنُ فِيهِ بَيَاتَهُمْ . فَطَافَ مُحَمّدٌ حَتّى انْتَهَى إلَى الرّجِيعِ ، ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْلًا فَقَالَ وَجَدْت لَك مَنْزِلًا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ وَقَاتَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَهُ ذَلِكَ إلَى اللّيْلِ يُقَاتِلُ أَهْلَ النّطَاةِ ، يُقَاتِلُهَا مِنْ أَسْفَلِهَا . وَحُشِدَتْ الْيَهُودُ يَوْمئِذٍ فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ لَوْ تَحَوّلْت يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَمْسَيْنَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَحَوّلْنَا . وَجَعَلْت نَبْلَ الْيَهُودِ تُخَالِطُ عَسْكَرَ الْمُسْلِمِينَ وَتَجَاوَزَهُ وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَلْقُطُونَ نَبْلَهُمْ ثُمّ يَرُدّونَهَا عَلَيْهِمْ . فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحَوّلَ وَأَمَرَ النّاسُ فَتَحُولُوا إلَى الرّجِيعِ ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَغْدُو بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَايَاتِهِمْ وَكَانَ شِعَارُهُمْ يَا مَنْصُورُ أَمِتْ فَقَالَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ الْيَهُودَ تَرَى النّخْلَ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِ أَوْلَادِهِمْ فَاقْطَعْ نَخْلَهُمْ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَطْعِ النّخْلِ وَوَقَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي قَطْعِهَا حَتّى أَسْرَعُوا فِي الْقَطْعِ فَجَاءَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَعَدَكُمْ خَيْبَرَ ، وَهُوَ مُنْجِزٌ مَا وَعَدَك ، فَلَا تَقْطَعْ النّخْلَ . فَأَمَرَ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَهَى عَنْ قَطْعِ النّخْلِ .
(1/641)
وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ رَأَيْت نَخْلًا بِخَيْبَرَ فِي النّطَاةِ مُقَطّعَةً فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا قَطَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ ص 645 ] وَحَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِيّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ قَطَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي النّطَاةِ أَرْبَعَمِائَةِ عِذْقٍ وَلَمْ تَقْطَعْ فِي غَيْرِ النّطَاةِ .
فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَنْظُرُ إلَى صَوْرٍ مِنْ كَبِيسٍ قَالَ أَنَا قَطَعْت هَذَا الصّوْرَ بِيَدِي حَتّى سَمِعْت بِلَالًا يُنَادِي عَزْمَةً مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَقْطَعُ النّخْلَ فَأَمْسَكْنَا . قَالَ وَكَانَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ يُقَاتِلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ وَكَانَ يَوْمًا صَائِفًا شَدِيدَ الْحَرّ وَهُوَ أَوّلُ يَوْمٍ قَاتَلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلَ النّطَاةِ وَبِهَا بَدَأَ فَلَمّا اشْتَدّ الْحَرّ عَلَى مَحْمُودٍ وَعَلَيْهِ أَدَاتُهُ كَامِلَةً جَلَسَ تَحْت حِصْنِ نَاعِم يَبْتَغِي فَيْئَهُ وَهُوَ أَوّلُ حِصْنٍ بَدَأَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَظُنّ مَحْمُودٌ أَنّ فِيهِ أَحَدًا مِنْ الْمُقَاتِلَةِ إنّمَا ظَنّ أَنّ فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا - وَنَاعِمٌ يَهُودِيّ ، وَلَهُ حُصُونٌ ذَوَاتُ عَدَدٍ فَكَانَ هَذَا مِنْهَا - فَدَلّى عَلَيْهِ مَرْحَبٌ رَحًى فَأَصَابَ رَأْسَهُ . فَهَشّمَتْ الْبَيْضَةُ رَأْسَهُ حَتّى سَقَطَتْ جِلْدَةِ جَبِينِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَأُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَدّ الْجِلْدَةَ فَرَجَعَتْ كَمَا كَانَتْ وَعَصَبَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِثَوْبٍ . فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحَوّلَ إلَى الرّجِيعِ وَخَافَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْبَيَاتَ فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَبَاتَ فِيهِ وَكَانَ مَقَامُهُ بِالرّجِيعِ سَبْعَةَ أَيّامٍ يَغْدُو كُلّ يَوْمٍ بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى رَايَاتِهِمْ مُتَسَلّحِينَ وَيَتْرُكُ الْعَسْكَرَ بِالرّجِيعِ وَيَسْتَخْلِفُ عَلَيْهِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَيُقَاتِلُ أَهْلَ النّطَاةِ يَوْمَهُ إلَى اللّيْلِ ثُمّ إذَا أَمْسَى رَجَعَ إلَى الرّجِيعِ .
وَكَانَ قَاتَلَ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ أَسْفَلِ النّطَاةِ ، ثُمّ عَادَ بَعْدُ فَقَاتَلَهُمْ مِنْ أَعْلَاهَا حَتّى [ ص 646 ] فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ . وَأَنّ مَنْ جُرِحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُمِلَ إلَى الْمُعَسْكَرِ فَدُووِيَ وَإِنْ كَانَ بِهِ انْطِلَاقٌ انْطَلَقَ إلَى مُعَسْكَرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عليه وسلم . وَكَانَ أَوّلَ يَوْمٍ قَاتَلُوا فِيهِ جُرِحَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْ نَبْلِهِمْ فَكَانُوا يُدَاوُونَ مِنْ الْجِرَاحِ . وَيُقَالُ إنّ قَوْمًا شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَاءَ الْمَنْزِلِ فَأَمَرَهُمْ بِالتّحَوّلِ إلَى الرّجِيعِ ، وَقَدِمُوا خَيْبَرَ عَلَى ثَمَرَةٍ خَضْرَاءَ وَهِيَ وَبِئَةٌ وَخَيْمَةٌ فَأَكَلُوا مِنْ تِلْكَ الثّمَرَةِ وَأَهْمَدَتْهُمْ إلَى الْحُمّى ، فَشَكَوْا ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ قَرّسُوا الْمَاءَ فِي الشّنَانِ ، فَإِذَا كَانَ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ فَاحْدَرُوا الْمَاءَ عَلَيْكُمْ حَدْرًا وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فَفَعَلُوا فَكَأَنّمَا أُنْشِطُوا مِنْ عِقَالٍ .
(1/645)
وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُحَدّثُ إنّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ مِنْ أَهْلِ النّطَاةِ نَادَانَا بَعْدَ لَيْلٍ وَنَحْنُ بِالرّجِيعِ أَنَا آمَنُ وَأُبَلّغُكُمْ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ فَابْتَدَرْنَاهُ فَكُنْت أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ فَقُلْت : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ . فَأَدْخَلْنَاهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ الْيَهُودِيّ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ تَؤُمّنّي وَأَهْلِي عَلَى أَنْ أَدُلّك عَلَى عَوْرَةٍ مِنْ عَوْرَاتِ الْيَهُودِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ . فَدَلّهُ عَلَى عَوْرَةِ الْيَهُودِ . قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ تِلْكَ السّاعَةَ فَحَضّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَخَبّرَهُمْ أَنّ الْيَهُودَ قَدْ أَسْلَمَهَا حَلْفَاؤُهَا وَهَرَبُوا ، وَأَنّهَا قَدْ تَجَادَلَتْ وَاخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ . قَالَ [ ص 647 ] كَعْبٌ فَغَدَوْنَا عَلَيْهِمْ فَظَفّرَنَا اللّهُ بِهِمْ فَلَمْ يَكُنْ فِي النّطَاةِ شَيْءٌ غَيْرَ الذّرّيّةِ فَلَمّا انْتَهَيْنَا إلَى الشّقّ وَجَدْنَا فِيهِ ذُرّيّةً فَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْيَهُودِيّ زَوْجَتَهُ وَكَانَتْ فِي الشّقّ . فَدَفَعَهَا إلَيْهِ فَرَأَيْته أَخَذَ بِيَدِ امْرَأَةٍ حَسْنَاءَ .
(1/647)
قَالُوا : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُنَاوِبُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي حِرَاسَةِ اللّيْلِ فِي مَقَامِهِ بِالرّجِيعِ سَبْعَةَ أَيّامٍ . فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ السّادِسَةُ مِنْ السّبْعِ اسْتَعْمَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ عَلَى الْعَسْكَرِ فَطَافَ عُمَرُ بِأَصْحَابِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ وَفَرّقَهُمْ أَوْ فَرّقَ مِنْهُمْ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ فِي جَوْفِ اللّيْلِ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ أَنْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ فَقَالَ الْيَهُودِيّ : اذْهَبْ بِي إلَى نَبِيّكُمْ حَتّى أُكَلّمَهُ فَأَمْسَكَهُ عُمَرُ وَانْتَهَى بِهِ إلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَجَدَهُ يُصَلّي ، فَسَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلَامَ عُمَرَ فَسَلّمَ وَأَدْخَلَهُ عَلَيْهِ وَدَخَلَ عُمَرُ بِالْيَهُودِيّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْيَهُودِيّ مَا وَرَاءَك وَمَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ الْيَهُودِيّ : تَؤُمّنّي يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَأَصْدُقُك ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ . فَقَالَ الْيَهُودِيّ : خَرَجْت مِنْ حِصْنِ النّطَاةِ مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ لَيْسَ لَهُمْ نِظَامٌ تَرَكْتهمْ يُتَسَلّلُونَ مِنْ الْحِصْنِ فِي هَذِهِ اللّيْلَةِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَيْنَ يَذْهَبُونَ ؟ قَالَ إلَى أَذَلّ مِمّا كَانُوا فِيهِ إلَى الشّقّ ، وَقَدْ رُعِبُوا مِنْك حَتّى إنّ أَفْئِدَتَهُمْ لَتَخْفِقُ وَهَذَا حِصْنُ الْيَهُودِ فِيهِ السّلَاحُ وَالطّعَامُ وَالْوَدَكُ وَفِيهِ آلَةُ حُصُونِهِمْ الّتِي كَانُوا يُقَاتِلُونَ بِهَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا ، قَدْ غَيّبُوا ذَلِكَ فِي بَيْتٍ مِنْ حُصُونِهِمْ تَحْتَ الْأَرْضِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 648 ] وَمَا هُوَ ؟ قَالَ مَنْجَنِيقٌ مُفَكّكَةٌ وَدَبّابَتَانِ وَسِلَاحٌ مِنْ دُرُوعٍ وَبَيْضٍ وَسُيُوفٍ فَإِذَا دَخَلْت الْحِصْنَ غَدًا وَأَنْتَ تَدْخُلُهُ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ شَاءَ اللّهُ . قَالَ الْيَهُودِيّ : إنْ شَاءَ اللّهُ أُوقِفُك عَلَيْهِ فَإِنّهُ لَا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ الْيَهُودِ غَيْرِي . وَأُخْرَى قِيلَ مَا هِيَ ؟ قَالَ تَسْتَخْرِجُهُ ثُمّ أَنْصِبُ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى حِصْنِ الشّقّ ، وَتُدْخِلُ الرّجَالَ تَحْتَ الدّبّابَتَيْنِ فَيَحْفِرُونَ الْحِصْنَ فَتَفْتَحُهُ مِنْ يَوْمِك ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ بِحِصْنِ الْكَتِيبَةِ . فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَحْسَبُهُ قَدْ صَدَقَ . قَالَ الْيَهُودِيّ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ احْقِنْ دَمِي . قَالَ أَنْتَ آمِنٌ . قَالَ وَلِي زَوْجَةٌ فِي حِصْنِ النّزَارِ فَهَبْهَا لِي . قَالَ هِيَ لَك . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لِلْيَهُودِ حَوّلُوا ذَرَارِيّهُمْ مِنْ النّطَاةِ ؟ قَالَ جَرّدُوهَا لِلْمُقَاتِلَةِ وَحَوّلُوا الذّرَارِيّ إلَى الشّقّ وَالْكَتِيبَةِ .
قَالُوا : ثُمّ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ أَنْظِرْنِي أَيّامًا ، فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَدَا بِالْمُسْلِمِينَ إلَى النّطَاةِ ، فَفَتَحَ اللّهُ الْحِصْنَ وَاسْتَخْرَجَ مَا كَانَ قَالَ الْيَهُودِيّ فِيهِ فَأَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَنْجَنِيقِ أَنْ تُصْلَحَ وَتُنْصَبَ عَلَى الشّقّ عَلَى حِصْنِ النّزَارِ فَهَيّئُوا ، فَمَا رَمَوْا عَلَيْهَا بِحَجَرٍ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ حِصْنَ النّزَارِ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ انْتَهَى إلَيْهِ حَصَبِ الْحِصْنِ فَسَاخَ فِي الْأَرْضِ حَتّى أَخَذَ أَهْلَهُ أَخْذًا ، وَأُخْرِجَتْ زَوْجَتُهُ يُقَالُ لَهَا نُفَيْلَةُ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ . فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَطِيحَ وَسُلَالِم أَسْلَمَ الْيَهُودِيّ ، ثُمّ خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ فَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ بِذِكْرٍ وَكَانَ اسْمُهُ سِمَاكَ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ انْتَهَى إلَى حِصْنِ نَاعِم فِي النّطَاةِ وَصَفّ أَصْحَابَهُ نَهَى عَنْ [ ص 649 ] الْقِتَالِ حَتّى يَأْذَنَ لَهُمْ فَعَمِدَ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ فَحَمَلَ عَلَى يَهُودِيّ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مَرْحَبٌ فَقَتَلَهُ . فَقَالَ النّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ اُسْتُشْهِدَ فُلَانٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبْعِدْ مَا نَهَيْت عَنْ الْقِتَالِ ؟ فَقَالُوا : نَعَمْ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُنَادِيًا فَنَادَى : لَا تَحِلّ الْجَنّةُ لِعَاصٍ . ثُمّ أَذِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ وَحَثّ عَلَيْهِ وَوَطّنَ الْمُسْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ . وَكَانَ يَسَارٌ الْحَبَشِيّ - عَبْدًا أَسْوَدَ لِعَامِرٍ الْيَهُودِيّ - فِي غَنَمِ مَوْلَاهُ فَلَمّا رَأَى أَهْلَ خَيْبَرَ يَتَحَصّنُونَ وَيُقَاتِلُونَ سَأَلَهُمْ فَقَالُوا : نُقَاتِلُ هَذَا الّذِي يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ . قَالَ فَوَقَعَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ فِي نَفْسِهِ فَأَقْبَلَ بِغَنَمِهِ يَسُوقُهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ مَا تَقُولُ ؟ مَا تَدْعُو إلَيْهِ ؟ قَالَ أَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ فَأَشْهَدُ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ . قَالَ فَمَا لِي ؟ قَالَ الْجَنّةُ إنْ ثَبَتّ عَلَى ذَلِكَ . قَالَ فَأَسْلَمَ . وَقَالَ إنّ غَنَمِي هَذِهِ وَدِيعَةٌ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْرِجْهَا مِنْ الْعَسْكَرِ ثُمّ صِحْ بِهَا وَارْمِهَا بِحَصَيَاتٍ فَإِنّ اللّه عَزّ وَجَلّ سَيُؤَدّي عَنْك أَمَانَتَك . فَفَعَلَ الْعَبْدُ فَخَرَجْت الْغَنَمُ إلَى سَيّدِهَا ، وَعَلِمَ الْيَهُودِيّ أَنّ عَبْدَهُ قَدْ أَسْلَمَ . وَوَعَظَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ وَفَرّقَ بَيْنَهُمْ الرّايَاتِ وَكَانَتْ ثَلَاثَ رَايَاتٍ وَلَمْ تَكُنْ رَايَةٌ قَبْلَ يَوْمِ خَيْبَرَ ، إنّمَا كَانَتْ الْأَلْوِيَةُ وَكَانَتْ رَايَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّوْدَاءَ مِنْ بُرْدٍ لِعَائِشَةَ تُدْعَى الْعِقَابَ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ وَدَفَعَ رَايَةً إلَى عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرَايَةً إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَرَايَةً إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَخَرَجَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالرّايَةِ وَتَبِعَهُ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ فَاحْتُمِلَ فَأُدْخِلَ خِبَاءً مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ فَاطّلَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ [ ص 650 ] وَسَلّمَ فِي الْخِبَاءِ فَقَالَ لَقَدْ كَرّمَ اللّهُ هَذَا الْعَبْدَ الْأَسْوَدَ وَسَاقَهُ إلَى خَيْبَرَ ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ مِنْ نَفْسِهِ حَقّا ، قَدْ رَأَيْت عِنْدَ رَأْسِهِ زَوْجَتَيْنِ مِنْ الْحُورِ الْعِينِ .
(1/648)
قَالُوا : وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي مُرّةَ يُقَالُ لَهُ أَبُو شُيَيْمٌ يَقُولُ أَنَا فِي الْجَيْشِ الّذِينَ كَانُوا مَعَ عُيَيْنَةَ مِنْ غَطَفَانَ ; أَقْبَلَ مَدَدُ الْيَهُودِ ، فَنَزَلْنَا بِخَيْبَرَ وَلَمْ نَدْخُلْ حِصْنًا . فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَهُوَ رَأْسُ غَطَفَانَ وَقَائِدُهُمْ أَنْ ارْجِعْ بِمَنْ مَعَك وَلَك نِصْفُ تَمْرِ خَيْبَرَ هَذِهِ السّنَةَ إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِي خَيْبَرَ . فَقَالَ عُيَيْنَةُ لَسْت بِمُسْلِمٍ حَلْفَائِي وَجِيرَانِي . فَأَقَمْنَا فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ مَعَ عُيَيْنَةَ إذْ سَمِعْنَا صَائِحًا ، لَا نَدْرِي مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلَاثَةً - فَإِنّكُمْ قَدْ خُولِفْتُمْ إلَيْهِمْ وَيُقَالُ إنّهُ لَمّا سَارَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فِيهِمْ حَلَفُوا مَعَهُ وَارْتَأَسَهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَدَخَلُوا مَعَ الْيَهُودِ فِي حُصُونِ النّطَاةِ قَبْل قُدُومِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِثَلَاثَةِ أَيّامٍ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُمْ فِي الْحِصْنِ فَلَمّا انْتَهَى سَعْدٌ إلَى الْحِصْنِ نَادَاهُمْ إنّي أُرِيدُ أَنْ أُكَلّمَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ . فَأَرَادَ عُيَيْنَةُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْحِصْنَ فَقَالَ مَرْحَبٌ : لَا تَدْخُلْهُ فَيَرَى خَلَلَ حِصْنِنَا وَيَعْرِفُ نَوَاحِيَهُ الّتِي يُؤْتَى مِنْهَا ، وَلَكِنْ تَخْرُجُ إلَيْهِ . فَقَالَ عُيَيْنَةُ لَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ يَدْخُلَ فَيَرَى حَصَانَتَهُ وَيَرَى عَدَدًا كَثِيرًا . فَأَبَى مَرْحَبٌ أَنْ يُدْخِلَهُ فَخَرَجَ عُيَيْنَةُ إلَى بَابِ الْحِصْنِ فَقَالَ سَعْدٌ إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِي إلَيْك يَقُولُ إنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَنِي خَيْبَرَ فَارْجِعُوا وَكُفّوا ، فَإِنّ ظَهَرْنَا عَلَيْهَا فَلَكُمْ تَمْرُ خَيْبَرَ سَنَةً . فَقَالَ عُيَيْنَةُ إنّا وَاَللّهِ مَا كُنّا لِنُسَلّمَ حَلْفَاءَنَا لِشَيْءٍ وَإِنّا لَنَعْلَمُ مَا لَك [ ص 651 ] وَلِمَنْ مَعَك بِمَا هَا هُنَا طَاقَةٌ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ أَهْلُ حُصُونٍ مَنِيعَةٍ وَرِجَالٍ عَدَدُهُمْ كَثِيرٌ ، وَسِلَاحٌ . إنْ أَقَمْت هَلَكْت وَمَنْ مَعَك ، وَإِنْ أَرَدْت الْقِتَالَ عَجّلُوا عَلَيْك بِالرّجَالِ وَالسّلَاحِ . وَلَا وَاَللّهِ مَا هَؤُلَاءِ كَقُرَيْشٍ قَوْمٌ سَارُوا إلَيْك ، إنْ أَصَابُوا غِرّةً مِنْك فَذَاكَ الّذِي أَرَادُوا وَإِلّا انْصَرَفُوا ، وَهَؤُلَاءِ يُمَاكِرُونَكَ الْحَرْبَ وَيُطَاوِلُونَك حَتّى تُمْهِلَهُمْ . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : أَشْهَدُ لَيَحْضُرَنّكَ فِي حِصْنِك هَذَا حَتّى تَطْلُبَ الّذِي كُنّا عَرَضْنَا عَلَيْك ، فَلَا نُعْطِيك إلّا السّيْفَ وَقَدْ رَأَيْت يَا عُيَيْنَةُ مِنْ قَدْ حَلَلْنَا بِسَاحَتِهِ مِنْ يَهُودِ يَثْرِبَ ، كَيْفَ مَزّقُوا كُلّ مُمَزّقٍ فَرَجَعَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ وَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ اللّهَ مُنْجِزٌ لَك مَا وَعَدَك وَمُظْهِرٌ دِينَهُ فَلَا تُعْطِ هَذَا الْأَعْرَابِيّ تَمْرَةً وَاحِدَةً يَا رَسُولَ اللّهِ لَئِنْ أَخَذَهُ السّيْفُ لَيُسَلّمُنّهُمْ وَلَيُهَرّبْنَ إلَى بِلَادِهِ كَمَا فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْيَوْمِ فِي الْخَنْدَقِ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُوَجّهُوا إلَى حِصْنِهِمْ الّذِي فِيهِ غَطَفَانُ ، وَذَلِكَ عَشِيّةً وَهُمْ فِي حِصْنِ نَاعِم ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَصْبِحُوا عَلَى رَايَاتِكُمْ عِنْدَ حِصْنِ نَاعِم الّذِي فِيهِ غَطَفَانُ . قَالَ فَرُعِبُوا مِنْ ذَلِكَ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ فَلَمّا كَانَ بَعْدَ هَذِهِ مِنْ تِلْكَ اللّيْلَةِ سَمِعُوا صَائِحًا يَصِيحُ لَا يَدْرُونَ مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ ، أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ الْغَوْثَ ، الْغَوْثَ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلَاثَةً - لَا تُرْبَةَ وَلَا مَالَ قَالَ فَخَرَجْت غَطَفَانُ عَلَى الصّعْبِ وَالذّلُولِ وَكَال أَمْرًا صَنَعَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِنَبِيّهِ . فَلَمّا أَصْبَحُوا أَخْبَرَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهُوَ فِي الْكَتِيبَةِ بِانْصِرَافِهِمْ فَسَقَطَ فِي يَدَيْهِ وَذَلّ وَأَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ وَقَالَ كُنّا مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ فِي بَاطِلٍ إنّا سِرْنَا فِيهِمْ فَوَعَدُونَا النّصْرَ وَغَرّونَا ، وَلَعَمْرِي لَوْلَا مَا وَعَدُونَا مِنْ نَصْرِهِمْ مَا نَابَذْنَا مُحَمّدًا بِالْحَرْبِ [ ص 652 ] وَلَمْ نَحْفَظْ كَلَامَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ إذْ قَالَ لَا تَسْتَنْصِرُوا بِهَؤُلَاءِ الْأَعْرَابِ أَبَدًا فَإِنّا قَدْ بَلَوْنَاهُمْ . وَجَلَبَهُمْ لِنَصْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ ثُمّ غَرّوهُمْ . فَلَمْ نَرَ عِنْدَهُمْ وَفَاءً لَنَا ، وَقَدْ سَارَ فِيهِمْ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ وَجَعَلُوا يَطْلُبُونَ الصّلْحَ مِنْ مُحَمّدٍ ثُمّ زَحَفَ مُحَمّدٌ إلَى بَنِي قُرَيْظَة َ وَانْكَشَفَتْ غَطَفَانُ رَاجِعَةً إلَى أَهْلِهَا .
(1/651)
قَالُوا : فَلَمّا انْتَهَى الْغَطَفَانِيّونَ إلَى أَهْلِهِمْ بِحَيْفَاءَ وَجَدُوا أَهْلَهُمْ عَلَى حَالِهِمْ فَقَالُوا : هَلْ رَاعَكُمْ شَيْءٌ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللّهِ . فَقَالُوا : لَقَدْ ظَنَنّا أَنّكُمْ قَدْ غَنِمْتُمْ فَمَا نَرَى مَعَكُمْ غَنِيمَةً وَلَا خَيْرًا فَقَالَ عُيَيْنَةُ لِأَصْحَابِهِ هَذَا وَاَللّهِ مِنْ مَكَائِدِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ خَدَعَنَا وَاَللّهِ فَقَالَ لَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ : بِأَيّ شَيْءٍ ؟ قَالَ عُيَيْنَةُ إنّا فِي حِصْنِ النّطَاةِ بَعْدَ هَدْأَةٍ إذْ سَمِعْنَا صَائِحًا يَصِيحُ لَا نَدْرِي مِنْ السّمَاءِ أَوْ مِنْ الْأَرْضِ أَهْلَكُمْ أَهْلَكُمْ بِحَيْفَاءَ - صِيحَ ثَلَاثَةً - فَلَا تُرْبَةَ وَلَا مَالٍ قَالَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ : يَا عُيَيْنَةُ ، وَاَللّهِ لَقَدْ غَبَرْت إنْ انْتَفَعْت . وَاَللّهِ إنّ الّذِي سَمِعْت لَمِنْ السّمَاءِ وَاَللّهِ لَيَظْهَرَنّ مُحَمّدٌ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ حَتّى لَوْ نَاوَأَتْهُ الْجِبَالُ لَأَدْرَكَ مِنْهَا مَا أَرَادَ .
فَأَقَامَ عُيَيْنَةُ أَيّامًا فِي أَهْلِهِ ثُمّ دَعَا أَصْحَابَهُ لِلْخُرُوجِ إلَى نَصْرِ الْيَهُودِ ، فَجَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ يَا عُيَيْنَةُ أَطِعْنِي وَأَقِمْ فِي مَنْزِلِك وَدَعْ نَصْرَ الْيَهُودِ ، مَعَ أَنّي لَا أَرَاك تَرْجِعُ إلَى خَيْبَرَ إلّا وَقَدْ فَتَحَهَا مُحَمّدٌ وَلَا آمِنْ عَلَيْك . فَأَبَى عُيَيْنَةُ أَنْ يَقْبَلَ قَوْلَهُ وَقَالَ لَا أَسْلَمَ حُلَفَائِي لِشَيْءٍ .
وَلَمّا وَلّى عُيَيْنَةُ إلَى أَهْلِهِ هَجَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحُصُونِ حِصْنًا حِصْنًا ، فَلَقَدْ انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حِصْنِ نَاعِم وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَحُصُونُ نَاعِم عِدّةٌ فَرَمَتْ الْيَهُودُ يَوْمئِذٍ بِالنّبْلِ وَتَرّسَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ [ وَسَلّمَ عَنْ رَسُولِ [ ص 653 ] اللّهِ ] ، وَعَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ دِرْعَانِ وَمِغْفَرٌ وَبَيْضَةٌ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهُ الظّرِبُ فِي يَدِهِ قَنَاةٌ وَتُرْسٌ وَأَصْحَابُهُ مُحَدّقُونَ بِهِ وَقَدْ كَانَ دَفَعَ لِوَاءَهُ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَرَجَعَ وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا ، ثُمّ دَفَعَهُ إلَى آخَرَ فَرَجَعَ وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا ، وَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِوَاءَ الْأَنْصَارِ إلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَخَرَجَ وَرَجَعَ وَلَمْ يَعْمَلْ شَيْئًا ، فَحَثّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُسْلِمِينَ وَسَالَتْ كَتَائِبُ الْيَهُودِ ، أَمَامَهُمْ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ يَقْدَمُ الْيَهُودَ يَهُدّ الْأَرْضَ هَدّا ، فَأَقْبَلَ صَاحِبُ رَايَةِ الْأَنْصَارِ فَلَمْ يَزَلْ يَسُوقُهُمْ حَتّى انْتَهَوْا إلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ وَخَرَجَ أَسِيرُ الْيَهُودِيّ يَقْدَمُ أَصْحَابَهُ مَعَهُ عَادِيَتُهُ .
وَكَشَفَ رَايَةَ أَصْحَابِ الْأَنْصَارِ حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَوْقِفِهِ وَوَجَدَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفْسِهِ حِدَةً شَدِيدَةً وَقَدْ ذَكَرَ لَهُمْ الّذِي وَعَدَهُمْ اللّهُ فَأَمْسَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَهْمُومًا ، وَقَدْ كَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَجَعَ مَجْرُوحًا وَجَعَلَ يَسْتَبْطِئُ أَصْحَابَهُ وَجَعَلَ صَاحِبُ رَايَةِ الْمُهَاجِرِينَ يَسْتَبْطِئُ أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ أَنْتُمْ وَأَنْتُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْيَهُودَ جَاءَهُمْ الشّيْطَانُ فَقَالَ لَهُمْ إنّ مُحَمّدًا يُقَاتِلُكُمْ عَلَى أَمْوَالِكُمْ نَادَوْهُمْ قُولُوا لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ثُمّ قَدْ أَحْرَزْتُمْ بِذَلِكَ أَمْوَالَكُمْ وَدِمَاءَكُمْ وَحِسَابَكُمْ عَلَى اللّهِ فَنَادَوْهُمْ بِذَلِكَ فَنَادَتْ الْيَهُودُ : إنّا لَا نَفْعَلُ وَلَا نَتْرُكُ عَهْدَ مُوسَى وَالتّوْرَاةُ بَيْنَنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَأُعْطِيَنّ الرّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ يَفْتَحُ اللّهُ عَلَى يَدَيْهِ لَيْسَ بِفَرّارٍ أَبَشَرٌ يَا مُحَمّدُ بْنَ مَسْلَمَةَ غَدًا ، إنْ شَاءَ اللّهُ يُقْتَلُ قَاتِلُ أَخِيك وَتَوَلّى عَادِيَةَ الْيَهُودِ
[ ص 654 ] فَلَمّا أَصْبَحَ أَرْسَلَ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَهُوَ أَرْمَدُ فَقَالَ مَا أَبْصَرَ سَهْلًا وَلَا جَبَلًا . قَالَ فَذَهَبَ إلَيْهِ فَقَالَ افْتَحْ عَيْنَيْك . فَفَتْحهمَا فَتَفِلَ فِيهِمَا . قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَمَا رَمِدَتْ حَتّى السّاعَةِ . ثُمّ دَفَعَ إلَيْهِ اللّوَاءَ وَدَعَا لَهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ بِالنّصْرِ فَكَانَ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِمْ الْحَارِثُ أَخُو مَرْحَبٍ فِي عَادِيَتِهِ فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ وَثَبَتَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَاضْطَرَبَا ضَرْبَاتٍ فَقَتَلَهُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرَجَعَ أَصْحَابُ الْحَارِثِ إلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ وَأَغْلَقُوا عَلَيْهِمْ فَرَجَعَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مَوْضِعِهِمْ وَخَرَجَ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَقُولُ
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَبُ
شَاكِي السّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرّبُ
أَضْرِبُ أَحْيَانًا وَحِينًا أُضْرَبُ
فَحَمَلَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَطَرَهُ عَلَى الْبَابِ وَفَتَحَ الْبَابِ وَكَانَ لِلْحِصْنِ بَابَانِ .
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ رَبَاحٍ عَنْ شُيُوخٍ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ قَالُوا : قَتَلَ أَبُو دُجَانَةَ الْحَارِثَ أَبَا زَيْنَبَ وَكَانَ يَوْمئِذٍ مُعَلّمًا بِعِمَامَةٍ حَمْرَاءَ ، وَالْحَارِثُ مُعَلّمٌ فَوْقَ مِغْفَرِهِ وَيَاسِرٌ وَأُسَيْرٌ وَعَامِرٌ مُعَلّمِينَ .
(1/653)
حَدّثَنِي ابْن أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، قَالَ نَزَلْت بِأَرِيحَا زَمَنَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِذَا حَيّ مِنْ الْيَهُودِ ، وَإِذَا رَجُلٌ يَهْدِجُ مِنْ الْكِبَرِ . فَقَالَ مِمّنْ أَنْتُمْ ؟ فَقُلْنَا : مِنْ الْحِجَازِ . فَقَالَ الْيَهُودِيّ : وَاشَوْقَاه إلَى الْحِجَازِ أَنَا ابْنُ الْحَارِثِ الْيَهُودِيّ فَارِسُ خَيَابِرَ قَتَلَهُ يَوْمَ خَيْبَرَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ يُقَالُ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ يَوْمَ نَزَلَ مُحَمّدٌ خَيْبَرَ ، وَكُنّا مِمّنْ أَجْلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ إلَى الشّامِ . فَقُلْت : أَلَا تُسْلِمُ ؟ قَالَ أَمَا إنّهُ خَيْرٌ لِي [ ص 655 ] لَوْ فَعَلْت ، وَلَكِنْ أُعَيّرُ تُعَيّرُنِي الْيَهُودُ تَقُولُ أَبُوك ابْنُ سَيّدِ الْيَهُودِ لَمْ يَتْرُكْ الْيَهُودِيّةَ قُتِلَ عَلَيْهَا أَبُوك وَتُخَالِفُهُ ؟
(1/655)
وَقَالَ أَبُو رَافِعٍ كُنّا مَعَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ بَعَثَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّايَةِ فَلَقِيَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ رَجُلًا مِنْ بَابِ الْحِصْنِ فَضَرَبَ عَلِيّا وَاتّقَاهُ بِالتّرْسِ عَلِيّ ، فَتَنَاوَلَ عَلِيّ بَابًا كَانَ عِنْدَ الْحِصْنِ فَتَرّسَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي يَدِهِ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ . وَبَعَثَ رَجُلًا يُبَشّرُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِفَتْحِ الْحِصْنِ حِصْنِ مَرْحَبٍ وَدُخُولِهِمْ الْحِصْنَ .
وَيُقَالُ إنّ مَرْحَبَ بَرَزَ وَهُوَ كَالْفَحْلِ الصّئُولِ يَرْتَجِزُ وَهُوَ يَقُولُ
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَب ُ
شَاكِي السّلَاحِ بَطَلٌ مُجَرّبُ
أَضْرِبُ أَحْيَانًا وَحِينًا أُضْرَبُ
يَدْعُو لِلْبِرَازِ . فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا وَاَللّهِ الْمَوْتُورُ الثّائِرُ قُتِلَ أَخِي بِالْأَمْسِ فَائْذَنْ لِي فِي قِتَالِ مَرْحَبٍ وَهُوَ قَاتِلُ أَخِي . فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مُبَارَزَتِهِ وَدَعَا لَهُ بِدَعَوَاتٍ وَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ فَخَرَجَ مُحَمّدٌ فَصَاحَ يَا مَرْحَبُ ، هَلْ لَك فِي الْبِرَازِ ؟ فَقَالَ نَعَمْ . فَبَرَزَ إلَيْهِ مَرْحَبٌ وَهُوَ يَرْتَجِزُ
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَرْحَبُ
وَخَرَجَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَة َ وَهُوَ يَقُولُ
قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أَنّي مَاضٍ
حُلْوٌ إذَا شِئْت وَسَمّ قَاضٍ
وَيُقَالُ إنّهُ جَعَلَ يَوْمئِذٍ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ
يَا نَفْسُ إلّا تُقْتَلِي تَمُوتِي
لَا صَبْرَ لِي بَعْدَ أَبِي النّبَيْتِ
وَكَانَ أَخُوهُ مَحْمُودٌ يُكَنّى بِأَبِي النّبَيْتِ .
قَالَ وَبَرَزَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ . قَالَ فَحَالَ بَيْنَهُمَا عَشْرَاتٌ أَصْلُهَا كَمِثْلِ أَصْلِ الْفَحْلِ مِنْ [ ص 656 ] النّخْلِ وَأَفْنَانٌ مُنْكَرَةٌ فَكُلّمَا ضَرَبَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ اسْتَتَرَ بِالْعُشْرِ حَتّى قَطَعَا كُلّ سَاقٍ لَهَا ، وَبَقِيَ أَصْلَهَا قَائِمًا كَأَنّهُ الرّجُلُ الْقَائِمُ . وَأَفْضَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى صَاحِبِهِ وَبَدَرَ مَرْحَبٌ مُحَمّدًا ، فَيَرْفَعُ السّيْفَ لِيَضْرِبَهُ فَاتّقَاهُ مُحَمّدٌ بِالدّرَقَةِ فَلَحِجَ سَيْفَهُ وَعَلَى مَرْحَبٍ دِرْعٌ مُشَمّرَةٌ فَيَضْرِبُ مُحَمّدٌ سَاقَيْ مَرْحَبٍ فَقَطَعَهُمَا .
وَيُقَالُ لَمّا اتّقَى مُحَمّدٌ بِالدّرَقَةِ وَشَمّرَتْ الدّرْعُ عَنْ سَاقَيْ مَرْحَبٍ حِينَ رَفَعَ يَدَيْهِ بِالسّيْفِ فَطَأْطَأَ مُحَمّدٌ بِالسّيْفِ فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ وَوَقَعَ مَرْحَبٌ ، فَقَالَ مَرْحَبٌ : أَجْهِزْ يَا مُحَمّدُ قَالَ مُحَمّدٌ ذُقْ الْمَوْتَ كَمَا ذَاقَهُ أَخِي مَحْمُودٌ وَجَاوَزَهُ وَمَرّ بِهِ عَلِيّ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَلَبِهِ فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَاَللّهِ مَا قَطَعْت رِجْلَيْهِ ثُمّ تَرَكْته إلّا لِيَذُوقَ مُرّ السّلَاحِ وَشِدّةِ الْمَوْتِ كَمَا ذَاقَ أَخِي ، مَكَثَ ثَلَاثًا يَمُوتُ وَمَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِجْهَازِ عَلَيْهِ شَيْءٌ قَدْ كُنْت قَادِرًا بَعْدَ أَنْ قَطَعْت رِجْلَيْهِ أَنْ أَجْهَزَ عَلَيْهِ . فَقَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ صَدَقَ ضَرَبْت عُنُقَهُ بَعْدَ أَنْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ . فَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ سَيْفَهُ وَدِرْعَهُ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ فَكَانَ عِنْدَ آلِ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ سَيْفُهُ فِيهِ كِتَابٌ لَا يُدْرَى مَا هُوَ حَتّى قَرَأَهُ يَهُودِيّ مِنْ يَهُودِ تَيْمَاءَ فَإِذَا فِيهِ
هَذَا سَيْفُ مَرْحَبْ
مَنْ يَذُقْهُ يَعْطَبْ
(1/656)
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ وَحَدّثَنِي زَكَرِيّا بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ ، وَمُجَمّعِ [ ص 657 ] بْنِ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُجَمّعِ بْنِ حَارِثَةَ ، قَالُوا جَمِيعًا : مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَتَلَ مَرْحَبًا . قَالُوا : وَبَرَزَ أُسَيْرٌ وَكَانَ رَجُلًا أَيّدًا ، وَكَانَ إلَى الْقِصَرِ فَجَعَلَ يَصِيحُ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَبَرَزَ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٍ ثُمّ قَتَلَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ . ثُمّ بَرَزَ يَاسِرٌ وَكَانَ مِنْ أَشِدّائِهِمْ وَكَانَتْ مَعَهُ حَرْبَةٌ يَحُوشُ بِهَا الْمُسْلِمِينَ حَوْشًا ، فَبَرَزَ لَهُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَالَ الزّبَيْرُ أَقَسَمْت عَلَيْك أَلّا خَلّيْت بَيْنِي وَبَيْنَهُ . فَفَعَلَ عَلِيّ وَأَقْبَلَ يَاسِرٌ بِحَرْبَتِهِ يَسُوقُ بِهَا النّاسَ فَبَرَزَ لَهُ الزّبَيْرُ فَقَالَتْ صَفِيّةُ يَا رَسُولَ اللّهِ وَاحَزَنَى ابْنِي يُقْتَلُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ بَلْ ابْنُك يَقْتُلُهُ . قَالَ فَاقْتَتَلَا فَقَتَلَهُ الزّبَيْرُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِدَاك عَمّ وَخَالٌ وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِكُلّ نَبِيّ حَوَارِيّ وَحَوَارِيّ الزّبَيْرُ وَابْنُ عَمّتِي فَلَمّا قُتِلَ مَرْحَبٌ وَيَاسِرٌ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبْشِرُوا ، قَدْ تَرَحّبَتْ خَيْبَرُ وَتَيَسّرَتْ وَبَرَزَ عَامِرٌ وَكَانَ رَجُلًا طَوِيلًا جَسِيمًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ طَلَعَ عَامِرٌ أَتَرَوْنَهُ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ ؟ وَهُوَ يَدْعُو إلَى الْبِرَازِ يَخْطِرُ بِسَيْفِهِ وَعَلَيْهِ دِرْعَانِ مُقَنّعٌ فِي الْحَدِيدِ يَصِيحُ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَأَحْجَمَ النّاسُ عَنْهُ فَبَرَزَ إلَيْهِ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ كُلّ ذَلِكَ لَا يَصْنَعُ شَيْئًا ، حَتّى ضَرَبَ سَاقَيْهِ فَبَرَكَ ثُمّ ذُفّفَ عَلَيْهِ فَأَخَذَ سِلَاحَهُ .
فَلَمّا قُتِلَ الْحَارِثُ وَمَرْحَبٌ ، وَأُسَيْرٌ وَيَاسِرٌ وَعَامِرٌ مَعَ نَاسٍ مِنْ الْيَهُودِ كَثِيرٍ [ ص 658 ] وَلَكِنْ إنّمَا سُمّيَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ لِأَنّهُمْ كَانُوا أَهْلَ شَجَاعَةٍ وَكَانَ هَؤُلَاءِ فِي حِصْنِ نَاعِم جَمِيعًا . وَلَمّا رُمِيَ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ حِصْنِ نَاعِم حَمَلَ إلَى الرّجِيعِ فَمَكَثَ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ يَمُوتُ وَكَانَ الّذِي دَلّى عَلَيْهِ الرّحَا مَرْحَبٌ ، فَجَعَلَ مَحْمُودٌ يَقُولُ لِأَخِيهِ يَا أَخِي ، بَنَاتُ أَخِيك لَا يَتْبَعْنَ الْأَفْيَاءَ يَسْأَلْنَ النّاسَ . فَيَقُولُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ لَوْ لَمْ تَتْرُكْ مَالًا لَكَانَ لِي مَالٌ . وَمَحْمُودٌ كَانَ أَكْثَرُهُمَا مَالًا - وَلَمْ يَنْزِلْ يَوْمئِذٍ فَرَائِضُ الْبَنَاتِ - فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي مَاتَ فِيهِ مَحْمُودٌ وَهُوَ الْيَوْمُ الثّالِثُ وَهُوَ الْيَوْمُ الّذِي قُتِلَ فِيهِ مَرْحَبٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ رَجُلٌ يُبَشّرُ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنّ اللّهَ قَدْ أَنْزَلَ فَرَائِضَ الْبَنَاتِ وَأَنّ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ قَدْ قَتَلَ قَاتِلَهُ ؟ فَخَرَجَ جُعَالُ بْنُ سُرَاقَةَ إلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَسُرّ بِذَلِكَ وَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّلَامَ مِنْهُ . قَالَ فَأَقْرَأْته مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ مَحْمُودٌ لَا أَرَاهُ يَذْكُرُنِي ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبِيتُ فِي مَوْضِعِهِ بِالرّجِيعِ فَمَاتَ خِلَافَهُ فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْزِلَةٍ وَقَدْ جُرِحَ عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ نَفْسَهُ حُمِلَ إلَى الرّجِيعِ فَمَاتَ فَقُبِرَ عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ مَعَهُ فِي غَارٍ . فَقَالَ مُحَمّدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اقْطَعْ لِي عِنْدَ قَبْرِ أَخِي . قَالَ لَك حَضَرُ الْفَرَسِ فَإِنْ عَمِلْت فَلَك حَضَرُ فَرَسَيْنِ .
(1/657)
وَكَانَ حِصْنُ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فِي النّطَاةِ ، وَكَانَ حِصْنُ الْيَهُودِ فِيهِ الطّعَامُ وَالْوَدَكُ وَالْمَاشِيَةُ وَالْمَتَاعُ وَكَانَ فِيهِ خَمْسُمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَكَانَ النّاسُ قَدْ أَقَامُوا أَيّامًا يُقَاتِلُونَ وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ طَعَامٌ إلّا الْعَلَفُ . قَالَ مُعَتّبٌ الْأَسْلَمِيّ [ ص 659 ] أَصَابَنَا مَعْشَرَ أَسْلَمَ خَصَاصَةً حِينَ قَدِمْنَا خَيْبَرَ ، وَأَقَمْنَا عَشَرَةَ أَيّامٍ عَلَى حِصْنِ النّطَاةِ لَا نَفْتَحُ شَيْئًا فِيهِ طَعَامٌ فَأَجْمَعَتْ أَسْلَمُ أَنْ يُرْسِلُوا أَسَمَاءَ بْنَ حَارِثَةَ فَقَالُوا : ائْتِ مُحَمّدًا رَسُولَ اللّهِ فَقُلْ إنّ أَسْلَمَ يُقْرِئُونَك السّلَامَ وَيَقُولُونَ إنّا قَدْ جَهْدَنَا مِنْ الْجَوْعِ وَالضّعْفِ . فَقَالَ بُرَيْدَة بْنُ الْحُصَيْبِ وَاَللّهِ إنْ رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ أَمْرًا بَيْنَ الْعَرَبِ يَصْنَعُونَ [ فِيهِ ] هَذَا فَقَالَ هِنْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَاَللّهِ إنّا لَنَرْجُو أَنْ تَكُونَ الْبِعْثَةُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِفْتَاحَ الْخَيْرِ . فَجَاءَهُ أَسَمَاءُ بْنُ حَارِثَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَسْلَمَ تَقُولُ إنّا قَدْ جَهِدْنَا مِنْ الْجُوعِ وَالضّعْفِ فَادْعُ اللّهَ لَنَا . فَدَعَا لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا بِيَدِي مَا أَقْرِيهِمْ . ثُمّ صَاحَ بِالنّاسِ فَقَالَ اللّهُمّ افْتَحْ عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حِصْنٍ فِيهِ أَكْثَرُهُ طَعَامًا وَأَكْثَرُهُ وَدَكًا . وَدَفَعُوا اللّوَاءَ إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ وَنَدَبَ النّاسَ فَمَا رَجَعْنَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا الْحِصْنَ - حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ . فَقَالَتْ أُمّ مُطَاعٍ الْأَسْلَمِيّة ، وَكَانَتْ قَدْ شَهِدَتْ خَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نِسَاءٍ قَالَتْ لَقَدْ رَأَيْت أَسْلَمَ حِينَ شَكَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا شَكَوْا مِنْ شِدّةِ الْحَالِ فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ فَنَهَضُوا ، فَرَأَيْت أَسْلَمَ أَوّلَ مَنْ انْتَهَى إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَإِنّ عَلَيْهِ لَخَمْسُمِائَةِ مُقَاتِلٍ فَمَا غَابَتْ الشّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَتّى فَتَحَهُ اللّهُ وَكَانَ عَلَيْهِ قِتَالٌ شَدِيدٌ . بَرَزَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ يُوشَعُ يَدْعُو إلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ إلَيْهِ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٌ فَقَتَلَهُ الْحُبَابُ . وَبَرَزَ آخَرُ يُقَالُ لَهُ الزّيّالُ فَبَرَزَ لَهُ عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ الْغِفَارِيّ فَبَدَرَهُ الْغِفَارِيّ فَيَضْرِبُهُ ضَرْبَةً عَلَى هَامَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا الْغُلَامُ الْغِفَارِيّ فَقَالَ النّاسُ بَطَلُ جِهَادِهِ . فَبَلَغَ رَسُولُ اللّهِ [ ص 660 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا بَأْسُ بِهِ يُؤْجَرُ وَيُحْمَدُ .
وَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ يُحَدّثُ أَنّهُمْ حَاصَرُوا حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا ، وَأَقْبَلَتْ غَنَمٌ لِرَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ تَرْتَعُ وَرَاءَ حِصْنِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ رَجُلٍ يُطْعِمُنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنَمِ ؟ فَقُلْت : أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَخَرَجْت أَسْعَى مِثْلَ الظّبْيِ فَلَمّا نَظَرَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُوَلّيًا قَالَ اللّهُمّ مَتّعْنَا بِهِ فَأَدْرَكْت الْغَنَمَ وَقَدْ دَخَلَ أَوّلُهَا الْحِصْنَ فَأَخَذْت شَاتَيْنِ مِنْ آخِرِهَا فَاحْتَضَنْتهمَا تَحْتَ يَدَيّ ثُمّ أَقْبَلْت أَعْدُو كَأَنْ لَيْسَ مَعِي شَيْءٌ حَتّى أَتَيْت بِهِمَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذُبِحَتَا ثُمّ قَسَمَهُمَا ، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعَسْكَرِ الّذِينَ هُمْ مَعَهُ مُحَاصِرِينَ الْحِصْنَ إلّا أَكَلَ مِنْهَا . فَقِيلَ لِأَبِي الْيَسَرِ وَكَمْ كَانُوا ؟ قَالَ كَانُوا عَدَدًا كَثِيرًا . فَيُقَالُ أَيْنَ بَقِيّةُ النّاسِ ؟ فَيَقُولُ فِي الرّجِيعِ بِالْمُعَسْكَرِ . فَسَمِعَ أَبُو الْيَسَرِ - وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ - وَهُوَ يَبْكِي فِي شَيْءٍ غَاظَهُ مِنْ بَعْضِ وَلَدِهِ فَقَالَ لَعَمْرِي بَقِيت بَعْدَ أَصْحَابِي وَمُتّعُوا بِي وَمَا أُمَتّعُ بِهِمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ مَتّعْنَا بِهِ فَبَقِيَ فَكَانَ مِنْ آخِرِهِمْ
وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ يُحَدّثُ قَالَ أَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ وَنَزَلْنَا خَيْبَرَ زَمَانَ الْبَلَحِ وَهِيَ أَرْضٌ وَخِيمَةٌ حَارّةٌ شَدِيدٌ حُرّهَا . فَبَيْنَا نَحْنُ مُحَاصِرُونَ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ فَخَرَجَ عِشْرُونَ حِمَارًا مِنْهُ أَوْ ثَلَاثُونَ فَلَمْ يَقْدِرْ الْيَهُودُ عَلَى إدْخَالِهَا ، وَكَانَ حِصْنُهُمْ لَهُ مَنَعَةٌ فَأَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ فَانْتَحَرُوهَا ، [ ص 661 ] وَأَوْقَدُوا النّيرَانَ وَطَبَخُوا لُحُومَهَا فِي الْقُدُورِ وَالْمُسْلِمُونَ جِيَاعٌ وَمَرّ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ فَأَمَرَ مُنَادِيًا : إنّ رَسُولَ اللّهِ يَنْهَاكُمْ عَنْ الْحُمُرِ الْإِنْسِيّةِ - قَالَ فَكَفَوْا الْقُدُورَ - وَعَنْ مُتْعَةِ النّسَاءِ وَعَنْ كُلّ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ .
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ مُبَشّرٍ قَالَ كَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ أَطْعَمَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لُحُومَ الْخَيْلِ فَذَبَحَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْلًا مِنْ خَيْلِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَفْتَحَ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَقِيلَ لِجَابِرٍ أَرَأَيْت الْبِغَالَ أَكُنْتُمْ تَأْكُلُونَهَا ؟ قَالَ لَا . وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمّ عُمَارَةَ قَالَتْ ذَبَحْنَا بِخَيْبَرَ لِبَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ فَرَسَيْنِ فَكُنّا نَأْكُلُ مِنْهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَحَ حِصْنَ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ .
وَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ سَمِعْت خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ حَضَرَتْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرَ يَقُولُ حَرَامٌ أَكْلُ الْحُمُرِ الْأَهْلِيّةِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ . قَالُوا : وَكُلّ ذِي نَابٍ مِنْ السّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطّيْرِ . قَالَ الْوَاقِدِيّ : الثّبْت عِنْدَنَا أَنّ خَالِدًا لَمْ يَشْهَدْ خَيْبَرَ ، وَأَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ هُوَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ .
وَكَانَ ابْنُ الْأَكْوَعِ يَقُولُ كُنّا عَلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ، أَسْلَمَ بِأَجْمَعِهَا ، وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ حَصَرُوا أَهْلَ الْحِصْنِ فَلَقَدْ رَأَيْتنَا وَصَاحِبَ رَايَتِنَا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذَ الرّايَةَ فَغَدَوْنَا مَعَهُ . وَغَدَا عَامِرُ بْنُ سِنَانٍ فَلَقِيَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ ، وَبَدَرَهُ الْيَهُودِيّ فَيَضْرِبُ عَامِرًا ، قَالَ عَامِرٌ [ ص 662 ] فَاتّقَيْته بِدَرَقَتِي فَنَبَا سَيْفُ الْيَهُودِيّ عَنْهُ . قَالَ عَامِرٌ فَأَضْرِبُ رِجْلَ الْيَهُودِيّ فَأَقْطَعُهَا ، وَرَجَعَ السّيْفُ عَلَى عَامِرٍ فَأَصَابَهُ ذُبَابُهُ فَنَزَفَ فَمَاتَ . فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ حَبَطَ عَمَلُهُ . فَبَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ إنّ لَهُ لَأَجْرَيْنِ إنّهُ جَاهَدَ مُجَاهِدٌ ، وَإِنّهُ لَيَعُومُ فِي الْجَنّةِ عَوْمَ الدّعْمُوصِ .
حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ كُنْت فِيمَنْ تَرّسَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَعَلْت أَصِيحُ بِأَصْحَابِهِ تَرَامَوْا بِالْحَجَفِ فَفَعَلُوا فَرَمَوْنَا حَتّى ظَنَنْت أَلّا يُقْلِعُوا ، فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى بِسَهْمٍ فَمَا أَخْطَأَ رَجُلًا مِنْهُمْ وَتَبَسّمَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْفَرَجُوا وَدَخَلُوا الْحِصْنَ . حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا انْتَهَيْنَا إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَالْمُسْلِمُونَ جِيَاعٌ وَالْأَطْعِمَةُ فِيهِ كُلّهَا ، وَغَزَا بِنَا الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ وَمَعَهُ رَايَتُنَا وَتَبِعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ أَقَمْنَا عَلَيْهِ يَوْمَيْنِ نُقَاتِلُهُمْ أَشَدّ الْقِتَالِ فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ بَكّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ كَأَنّهُ الدّقَلُ فِي يَدِهِ حَرْبَةٌ لَهُ وَخَرَجَ وَعَادِيَتُهُ مَعَهُ فَرَمَوْا بِالنّبْلِ سَاعَةً سُرَاعًا ، وَتَرّسْنَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 663 ] وَأَمْطَرُوا عَلَيْنَا بِالنّبْلِ فَكَانَ نَبْلُهُمْ مِثْلَ الْجَرَادِ حَتّى ظَنَنْت أَلّا يُقْلِعُوا ، ثُمّ حَمَلُوا عَلَيْنَا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ حَتّى انْتَهَوْا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ قَدْ نَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ وَمِدْعَمٌ يُمْسِكُ فَرَسَهُ . وَثَبَتَ الْحُبَابُ بِرَايَتِنَا ، وَاَللّهِ مَا يَزُولُ يُرَامِيهِمْ عَلَى فَرَسِهِ وَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُسْلِمِينَ وَحَضّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنّ اللّهَ قَدْ وَعَدَهُ خَيْبَرَ يُغَنّمُهُ إيّاهَا . قَالَ فَأَقْبَلَ النّاسُ جَمِيعًا حَتّى عَادُوا إلَى صَاحِبِ رَايَتِهِمْ ثُمّ زَحَفَ بِهِمْ الْحُبَابُ فَلَمْ يَزَلْ يَدْنُو قَلِيلًا قَلِيلًا ، وَتَرْجِعُ الْيَهُودُ عَلَى أَدْبَارِهَا حَتّى لَحَمَهَا الشّرّ فَانْكَشَفُوا سِرَاعًا ، وَدَخَلُوا الْحِصْنَ وَغَلّقُوا عَلَيْهِمْ وَوَافَوْا عَلَى جُدُرِهِ - وَلَهُ جُدُرٌ دُونَ جُدُرٍ - فَجَعَلُوا يَرْمُونَنَا بِالْجَنْدَلِ رَمْيًا كَثِيرًا ، وَنَحّونَا عَنْ حِصْنِهِمْ بِوَقْعِ الْحِجَارَةِ حَتّى رَجَعْنَا إلَى مَوْضِعِ الْحُبَابِ الْأَوّلِ . ثُمّ إنّ الْيَهُودَ تَلَاوَمَتْ بَيْنَهَا وَقَالَتْ مَا نَسْتَبْقِي لِأَنْفُسِنَا ؟ قَدْ قُتِلَ أَهْلُ الْجَدّ وَالْجِلْدِ فِي حِصْنِ نَاعِم . فَخَرَجُوا مُسْتَمِيتِينَ وَرَجَعْنَا إلَيْهِمْ فَاقْتَتَلْنَا عَلَى بَابِ الْحِصْنِ أَشَدّ الْقِتَالِ وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ عَلَى الْبَابِ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَبُو صَيّاحٍ وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ بِالسّيْفِ فَأَطَنّ قِحْفَ رَأْسِهِ وَعَدِيّ بْنُ مَرّةَ بْنِ سُرَاقَةَ طَعَنَهُ أَحَدُهُمْ بِالْحَرْبَةِ بَيْنَ ثَدْيِهِ فَمَاتَ وَالثّالِثُ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ وَقَدْ شَهِدَ بَدْرًا، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ فَوْقِ الْحِصْنِ فَدَمَغَهُ . وَقَدْ قَتَلْنَا مِنْهُمْ عَلَى الْحِصْنِ عِدّةً كُلّمَا قَتَلْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا حَمَلُوهُ حَتّى يُدْخِلُوهُ الْحِصْنَ . ثُمّ حَمَلَ صَاحِبُ رَايَتِنَا وَحَمَلْنَا مَعَهُ وَأَدْخَلْنَا الْيَهُودَ الْحِصْنَ وَتَبِعْنَاهُمْ فِي جَوْفِهِ فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِمْ الْحِصْنَ فَكَأَنّهُمْ غَنَمٌ فَقَتَلْنَا مَنْ أَشْرَفَ لَنَا ، وَأَسَرْنَا مِنْهُمْ [ ص 664 ] وَهَرَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ يَرْكَبُونَ الْحَرّةَ يُرِيدُونَ حِصْنَ قَلْعَةِ الزّبَيْرِ ، وَجَعَلْنَا نَدَعُهُمْ يَهْرُبُونَ وَصَعِدَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جُدُرِهِ فَكَبّرُوا عَلَيْهِ تَكْبِيرًا كَثِيرًا ، فَفَتَتْنَا أَعْضَادَ الْيَهُودِ بِالتّكْبِيرِ لَقَدْ رَأَيْت فَتَيَانِ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ فَوْقَ الْحِصْنِ يُكَبّرُونَ فَوَجَدْنَا وَاَللّهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ مَا لَمْ نَظُنّ أَنّهُ هُنَاكَ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ وَالسّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزّيْتِ وَالْوَدَكِ . وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلَا تَحْتَمِلُوا . يَقُولُ لَا تَخْرُجُوا بِهِ إلَى بِلَادِكُمْ . فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَأْخُذُونَ مِنْ ذَلِكَ الْحِصْنِ مَقَامَهُمْ طَعَامَهُمْ وَعَلَفَ دَوَابّهِمْ لَا يُمْنَعُ أَحَدُ أَنْ يَأْخُذَ حَاجَتَهُ وَلَا يُخَمّسُ الطّعَامَ . وَوَجَدُوا فِيهِ مِنْ الْبَزّ وَالْآنِيّةِ وَوَجَدُوا خَوَابِيَ السّكَرِ فَأُمِرُوا فَكَسَرُوهَا ، فَكَانُوا يَكْسِرُونَهَا حَتّى سَالَ السّكَرُ فِي الْحِصْنِ وَالْخَوَابِي كِبَارٌ لَا يُطَاقُ حَمْلُهَا . وَكَانَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيّ يَقُولُ وَجَدْنَا فِيهِ آنِيّةً مِنْ نُحَاسٍ وَفَخّارٍ كَانَتْ الْيَهُودُ تَأْكُلُ فِيهَا وَتَشْرَبُ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ اغْسِلُوهَا وَاطْبُخُوا وَكُلُوا فِيهَا وَاشْرَبُوا . وَقَالَ أَسْخِنُوا فِيهَا الْمَاءَ ثُمّ اُطْبُخُوا بَعْدُ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا . وَأَخْرَجْنَا مِنْهُ غَنَمًا كَثِيرًا وَبَقَرًا وَحُمُرًا ، وَأَخْرَجْنَا مِنْهُ آلَةً كَثِيرَةً لِلْحَرْبِ وَمَنْجَنِيقًا وَدَبّابَاتٍ وَعُدّةً فَنَعْلَمُ أَنّهُمْ قَدْ كَانُوا يَظُنّونَ أَنّ الْحِصَارَ يَكُونُ دَهْرًا ، فَعَجّلَ اللّهُ خِزْيَهُمْ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقَدْ خَرَجَ مِنْ أُطُمٍ مِنْ حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ الْبَزّ عِشْرُونَ عِكْمًا مَحْزُومَةً مِنْ غَلِيظِ مَتَاعِ الْيَمَنِ ، وَأَلْفُ وَخَمْسُمِائَةِ قَطِيفَةٍ يُقَالُ قَدِمَ كُلّ رَجُلٍ بِقَطِيفَةٍ عَلَى أَهْلِهِ وَوَجَدُوا عَشَرَةَ أَحْمَالِ خَشَبٍ فَأَمَرَ بِهِ فَأَخْرَجَ مِنْ الْحِصْنِ ثُمّ أَحْرَقَ [ ص 665 ] فَمَكَثَ أَيّامًا يَحْتَرِقُ وَخَوَابِي سَكَرٍ كُسِرَتْ وَزُقَاقُ خَمْرٍ فَأُهْرِيقَتْ وَعَمِدَ يَوْمئِذٍ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَشَرِبَ مِنْ الْخَمْرِ فَرَفَعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَرِهَ حِينَ رَفَعَ إلَيْهِ فَخَفَقَهُ بِنَعْلَيْهِ وَمَنْ حَضَرَهُ فَخَفَقُوهُ بِنِعَالِهِمْ . وَكَانَ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ الْخَمّارِ وَكَانَ رَجُلًا لَا يَصْبِرُ عَنْ الشّرَابِ قَدْ ضَرَبَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِرَارًا . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ اللّهُمّ الْعَنْهُ مَا أَكْثَرَ مَا يُضْرَبُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَفْعَلْ يَا عُمَرُ فَإِنّهُ يُحِبّ اللّهَ وَرَسُولَهُ قَالَ ثُمّ رَاحَ عَبْدُ اللّهِ فَجَلَسَ مَعَهُمْ كَأَنّهُ أَحَدُهُمْ .
(1/659)
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمّ عُمَارَةَ قَالَتْ لَقَدْ وَجَدْنَا فِي حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ مِنْ الطّعَامِ مَا كُنْت أَظُنّ أَنّهُ لَا يَكُونُ بِخَيْبَرَ ، جَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَأْكُلُونَ مَقَامَهُمْ شَهْرًا وَأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الْحِصْنِ فَيَعْلِفُونَ دَوَابّهُمْ مَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ خُمُسٌ وَأُخْرِجُ مِنْ الّبُزُوزِ شَيْءٌ كَثِيرٌ يُبَاعُ فِي الْمَقْسَمِ ؟ وَوُجِدَ فِيهِ خَرْزٌ مِنْ خَرْزِ الْيَهُودِ . فَقِيلَ لَهَا : فَمَنْ الّذِي يَشْتَرِي ذَلِكَ فِي الْمَقْسَمِ ؟ قَالَتْ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ الّذِينَ كَانُوا فِي الْكَتِيبَةِ فَآمَنُوا ، وَمَنْ حَضَرَ مِنْ الْأَعْرَابِ ، فَكُلّ هَؤُلَاءِ يَشْتَرِي ، فَأَمّا مَنْ يَشْتَرِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنّمَا يُحَاسَبُ بِهِ مِمّا يُصِيبُهُ مِنْ الْمَغْنَمِ .
قَالَ الْوَاقِدِيّ : وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ لَمّا نَظَرَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ إلَى حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَنْقُلُونَ مِنْهُ الطّعَامَ وَالْعَلَفَ وَالْبَزّ قَالَ مَا أَحَدٌ يَعْلِفُ لَنَا دَوَابّنَا وَيُطْعِمُنَا مِنْ هَذَا الطّعَامِ الضّائِعِ فَقَدْ كَانَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ كِرَامًا فَشَتَمَهُ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا : [ ص 666 ] لَك الّذِي جَعَلَ لَك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو الرّقَيْبَةِ ، فَاسْكُتْ وَبَيْنَمَا الْمُسْلِمُونَ يَجُولُونَ فِي حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَلَهُ مَدَاخِلُ فَأَخْرَجُوا رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَتَعَجّبُوا لِسَوَادِ دَمِهِ وَيَقُولُ قَائِلُهُمْ مَا رَأَيْنَا مِثْلَ سَوَادِ هَذَا الدّمِ قَطّ - قَالَ يَقُولُ مُتَكَلّمٌ فِي رَفّ مِنْ تِلْكَ الرّفَافِ الثّومُ وَالثّرِيدُ - وَأُنْزِلَ فَقَدّمُوهُ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ .
قَالَ وَتَحَوّلَتْ الْيَهُودُ مِنْ حِصْنِ نَاعِم كُلّهَا ، وَمِنْ حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَمِنْ كُلّ حُصُونِ النّطَاةِ ، إلَى حِصْنٍ يُقَالُ لَهُ قُلْعَةُ الزّبَيْرِ ، فَزَحَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ وَالْمُسْلِمُونَ فَحَاصَرَهُمْ وَغَلّقُوا عَلَيْهِمْ حِصْنَهُمْ وَهُوَ حَصِينٌ مَنِيعٌ وَإِنّمَا هُوَ فِي رَأْسِ قَلْعَةٍ لَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ الْخَيْلُ وَلَا الرّجَالُ لِصُعُوبَتِهِ وَامْتِنَاعِهِ وَبَقِيت بَقَايَا لَا ذِكْرَ لَهُمْ فِي بَعْضِ حُصُونِ النّطَاةِ ، الرّجُلُ وَالرّجُلَانِ . فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِزَائِهِمْ رِجَالًا يَحْرُسُونَهُمْ لَا يَطْلُعُ أَحَدٌ عَلَيْهِمْ إلّا قَتَلُوهُ . وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُحَاصَرَةِ الّذِينَ فِي قَلْعَةِ الزّبَيْرِ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ غَزَالٌ فَقَالَ أَبَا الْقَاسِمِ تُؤَمّنّي عَلَى أَنْ أَدُلّك عَلَى مَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ أَهْلِ النّطَاةِ وَتَخْرَجُ إلَى أَهْلِ الشّقّ ، فَإِنّ أَهْلَ الشّقّ قَدْ هَلَكُوا رُعْبًا مِنْك ؟ قَالَ فَأَمّنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَهْلِهِ وَمَالِهِ . فَقَالَ الْيَهُودِيّ : إنّك لَوْ أَقَمْت شَهْرًا مَا بَالُوا ، لَهُمْ دُبُولٌ تَحْتَ الْأَرْضِ يَخْرُجُونَ بِاللّيْلِ فَيَشْرَبُونَ بِهَا ثُمّ يَرْجِعُونَ إلَى قَلْعَتِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ [ ص 667 ] مِنْك ، وَإِنْ قَطَعْت مَشْرَبَهُمْ عَلَيْهِمْ ضَجّوا . فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى دُبُولِهِمْ فَقَطَعَهَا ، فَلَمّا قَطَعَ عَلَيْهِمْ مَشَارِبَهُمْ لَمْ يُطِيقُوا الْمَقَامَ عَلَى الْعَطَشِ فَخَرَجُوا فَقَاتَلُوا أَشَدّ الْقِتَالِ وَقُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمئِذٍ نَفَرٌ وَأُصِيبَ مِنْ الْيَهُودِ ذَلِكَ الْيَوْمَ عَشَرَةٌ وَافْتَتَحَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَ آخِرَ حُصُونِ النّطَاةِ . فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ النّطَاةِ أَمَرَ بِالِانْتِقَالِ وَالْعَسْكَرِ أَنْ يُحَوّلَ مِنْ مَنْزِلِهِ بِالرّجِيعِ إلَى مَكَانِهِ الْأَوّلِ بِالْمَنْزِلَةِ وَأَمّنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَيَاتِ وَمِنْ حَرْبِ الْيَهُودِ وَمَا يَخَافُ مِنْهُمْ لِأَنّ أَهْلَ النّطَاةِ كَانُوا أَحَدّ الْيَهُودِ وَأَهْلَ النّجْدَةِ مِنْهُمْ . ثُمّ تَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِ الشّقّ .
فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُمَرَ الْحَارِثِيّ ، عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ لَمّا تَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الشّقّ ، وَبِهِ حُصُونٌ ذَاتُ عَدَدٍ كَانَ أَوّلَ حِصْنِ بَدَأَ مِنْهَا حِصْنُ أُبَيّ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَلْعَةٍ يُقَالُ لَهَا سُمْرَانُ فَقَاتَلَ عَلَيْهَا أَهْلَ الْحِصْنِ قِتَالًا شَدِيدًا . وَخَرَجَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ غَزَالٌ فَدَعَا إلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٍ ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِ الْحُبَابُ فَقَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى مِنْ نِصْفِ الذّرَاعِ فَوَقَعَ السّيْفُ مِنْ يَدِ غَزّالٍ فَكَانَ أَعَزْلَ وَرَجَعَ مُبَادِرًا مُنْهَزِمًا إلَى الْحِصْنِ وَتَبِعَهُ الْحُبَابُ فَقَطَعَ عُرْقُوبَهُ فَوَقَعَ فَذَفّفَ عَلَيْهِ . وَخَرَجَ آخَرُ فَصَاحَ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَبَرَزَ إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ آلِ جَحْشٍ فَقَتَلَ الْجَحْشِيّ . وَقَامَ مَكَانَهُ يَدْعُو إلَى [ ص 668 ] الْبِرَازِ وَيَبْرُزُ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ قَدْ عَصَبَ رَأْسَهُ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ فَوْقَ الْمِغْفَرِ يَخْتَالُ فِي مِشْيَتِهِ فَبَدَرَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ وَأَخَذَ سَلَبَهُ دِرْعَهُ وَسَيْفَهُ فَجَاءَ بِهِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَفّلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ . وَأَحْجَمُوا عَنْ الْبِرَازِ فَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ ثُمّ تَحَامَلُوا عَلَى الْحِصْنِ فَدَخَلُوهُ يَقْدُمُهُمْ أَبُو دُجَانَةَ فَوَجَدُوا فِيهِ أَثَاثًا وَمَتَاعًا وَغَنَمًا وَطَعَامًا ، وَهَرَبَ مَنْ كَانَ فِيهِ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَتَقَحّمُوا الْجُدُرَ كَأَنّهُمْ الظّبَاءُ حَتّى صَارُوا إلَى حِصْنِ النّزَارِ بِالشّقّ وَجَعَلَ يَأْتِي مَنْ بَقِيَ مِنْ قُلَلِ النّطَاةِ إلَى حِصْنِ النّزَارِ فَعَلّقُوهُ وَامْتَنَعُوا فِيهِ أَشَدّ الِامْتِنَاعِ . وَزَحَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ فِي أَصْحَابِهِ فَقَاتَلُوهُمْ فَكَانُوا أَشَدّ أَهْلِ الشّقّ قِتَالًا ، رَمَوْا الْمُسْلِمِينَ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ حَتّى أَصَابَتْ النّبْلُ ثِيَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِقَتْ بِهِ فَأَخَذَ النّبْلَ فَجَمَعَهَا ثُمّ أَخَذَ لَهُمْ كَفّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَ بِهِ حِصْنَهُمْ فَرَجَفَ بِهِمْ ثُمّ سَاخَ فِي الْأَرْضِ .
(1/666)
قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ اسْتَوَى بِالْأَرْضِ حَتّى جَاءَ الْمُسْلِمُونَ فَأَخَذُوا أَهْلَهُ أَخْذًا . وَكَانَتْ فِيهِ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ وَابْنَةُ عَمّهَا . فَكَانَ عُمَيْرٌ مَوْلَى آبِي اللّحْمِ يَقُولُ شَهِدْت صَفِيّةَ أُخْرِجَتْ وَابْنَةُ عَمّهَا وَصَبِيّاتٌ مِنْ [ ص 669 ] حِصْنِ النّزَارِ فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِصْنَ النّزَارِ بَقِيَتْ حُصُونٌ فِي الشّقّ ، فَهَرَبَ أَهْلُهَا مِنْهَا حَتّى انْتَهَوْا إلَى أَهْلِ الْكَتِيبَةِ وَالْوَطِيحِ وَسُلَالِم . وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ يَقُولُ وَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حِصْنِ النّزَارِ فَقَالَ هَذَا آخِرُ حُصُونِ خَيْبَرَ كَانَ فِيهِ قِتَالٌ لَمّا فَتَحْنَا هَذَا الْحِصْنَ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ قِتَالٌ حَتّى خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ قُلْت لِجَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ كَيْفَ صَارَتْ صَفِيّةُ فِي حِصْنِ النّزَارِ فِي الشّقّ وَحِصْنِ آلِ أَبِي الْحُقَيْقِ بِسُلَالِمَ وَلَمْ يَسُبّ فِي حُصُونِ النّطَاةِ مِنْ النّسَاءِ وَالذّرّيّةِ أَحَدٌ وَلَا بِالشّقّ إلّا فِي حِصْنِ النّزَارِ فَإِنّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ ذُرّيّةٌ وَنِسَاءٌ ؟ فَقَالَ إنّ يَهُودَ خَيْبَرَ أَخَرَجُوا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ إلَى الْكَتِيبَةِ وَفَرّغُوا حِصْنَ النّطَاةِ لِلْمُقَاتِلَةِ فَلَمْ يُسْبَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلّا مَنْ كَانَ فِي حِصْنِ النّزَارِ صَفِيّةُ وَابْنَةُ عَمّهَا وَنُسَيّاتٌ مَعَهَا . وَكَانَ كِنَانَةُ قَدْ رَأَى أَنّ حِصْنَ النّزَارِ أَحْصَنُ مَا هُنَالِكَ فَأَخْرَجَهَا فِي اللّيْلَةِ الّتِي تَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي صَبِيحَتِهَا إلَى الشّقّ حَتّى أُسِرَتْ وَبِنْتُ عَمّهَا وَمَنْ كَانَ مَعَهُمَا مِنْ ذَرَارِيّ الْيَهُودِ ، وَبِالْكَتِيبَةِ مِنْ الْيَهُودِ وَمِنْ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْنِ فَلَمّا صَالَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَهْلَ الْكَتِيبَةِ أَمِنَ الرّجَالَ وَالذّرّيّةَ وَدَفَعُوا إلَيْهِ الْأَمْوَالَ وَالْبَيْضَاءَ وَالصّفْرَاءَ ، وَالْحَلْقَةَ وَالثّيَابَ إلّا ثَوْبًا عَلَى إنْسَانٍ . فَلَقَدْ كَانَ مِنْ الْيَهُودِ حِينَ أَمّنَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقْبِلُونَ وَيُدْبِرُونَ وَيَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ لَقَدْ أَنْفَقُوا عَامّةَ الْمَغْنَمِ مِمّا يَشْتَرُونَ مِنْ الثّيَابِ [ ص 670 ] وَالْمَتَاعِ وَكَانُوا قَدْ غَيّبُوا نَقُودَهُمْ وَعَيْنَ مَالِهِمْ .
قَالُوا : ثُمّ تَحَوّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْكَتِيبَةِ وَالْوَطِيحِ وَسُلَالِم ، حِصْنِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ الّذِي كَانُوا فِيهِ فَتَحَصّنُوا أَشَدّ التّحَصّنِ وَجَاءَهُمْ كُلّ فَلّ كَانَ قَدْ انْهَزَمَ مِنْ النّطَاةِ وَالشّقّ ، فَتَحَصّنُوا مَعَهُمْ فِي الْقَمُوص وَهُوَ فِي الْكَتِيبَةِ ، وَكَانَ حِصْنًا مَنِيعًا ، وَفِي الْوَطِيحَ وَسُلَالِم . وَجَعَلُوا لَا يُطَالِعُونَ مِنْ حُصُونِهِمْ مُغَلّقِينَ عَلَيْهِمْ حَتّى هَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَنْصِبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَيْهِمْ لَمّا رَأَى مِنْ تَغْلِيقِهِمْ وَأَنّهُ لَا يَبْرُزُ مِنْهُمْ بَارِزٌ . فَلَمّا أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَقَدْ حَصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّلْحَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ قُلْت لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ وُجِدَ فِي الْكَتِيبَةِ خَمْسُمِائَةِ قَوْسٍ عَرَبِيّةٌ . وَقَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَمّنْ رَأَى كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ يَرْمِي بِثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ - يَعْنِي ذِرَاعً - فَيُدْخِلُهَا فِي هَدَفٍ شِبْرًا فِي شِبْرٍ فَمَا هُوَ إلّا أَنْ قِيلَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ الشّقّ فِي أَصْحَابِهِ وَقَدْ تَهَيّأَ أَهْلُ الْقَمُوص وَقَامُوا عَلَى بَابِ الْحِصْنِ بِالنّبْلِ فَنَهَضَ كِنَانَةُ إلَى قَوْسِهِ فَمَا قَدَرَ أَنْ يُوتِرَهَا مِنْ الرّعْدَةِ وَأَوْمَأَ إلَى أَهْلِ الْحُصُونِ لَا تَرْمُوا وَانْقَمَعَ فِي حِصْنِهِ فَمَا رُئِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، حَتّى أَجْهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَقَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ . فَأَرْسَلَ كِنَانَةَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ شَمّاخٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ أَنْزِلْ إلَيْك أُكَلّمْك فَلَمّا نَزَلَ شَمّاخٌ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأُتِيَ بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِرِسَالَةِ كِنَانَةَ . فَأَنْعَمَ لَهُ فَنَزَلَ كِنَانَةُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ ، فَصَالَحَهُ عَلَى مَا صَالَحَهُ فَأَحْلَفَهُ عَلَى مَا أَحْلَفَهُ عَلَيْهِ . قَالَ إبْرَاهِيمُ تِلْكَ الْقِسِيّ وَالسّلَاحُ إنّمَا كَانَ لِآلِ أَبِي الْحُقَيْقِ جَمَاعَةٌ يُعِيرُونَهُ الْعَرَبَ ، وَالْحُلِيّ يَعِيرُونَهُ [ ص 671 ] الْعَرَبَ . ثُمّ يَقُولُ كَانُوا شَرّ يَهُودِ يَثْرِبَ .
(1/669)
قَالُوا : وَأَرْسَلَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْزِلْ فَأُكَلّمَك ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ . قَالَ فَنَزَلَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فَصَالَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَقْنِ دِمَاءِ مَنْ فِي حُصُونِهِمْ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ وَتَرَكَ الذّرّيّةَ لَهُمْ وَيَخْرُجُونَ مِنْ خَيْبَرَ وَأَرْضِهَا بِذَرَارِيّهِمْ وَيُخَلّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ مَالٍ أَوْ أَرْضٍ وَعَلَى الصّفْرَاءِ وَالْبَيْضَاءِ وَالْكُرَاعِ وَالْحَلْقَةِ وَعَلَى الْبَزّ إلّا ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَرِئَتْ مِنْكُمْ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ إنْ كَتَمْتُمُونِي شَيْئًا . فَصَالَحَهُ عَلَى ذَلِكَ وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْأَمْوَالِ فَقَبَضَهَا ، الْأَوّلُ فَالْأَوّلُ وَبَعَثَ إلَى الْمَتَاعِ وَالْحَلْقَةِ فَقَبَضَهَا ، فَوَجَدَ مِنْ الدّرُوعِ مِائَةَ دِرْعٍ وَمِنْ السّيُوفِ أَرْبَعَمِائَةِ سَيْفٍ وَأَلْفَ رُمْحٍ وَخَمْسَمِائَةِ قَوْسٍ عَرَبِيّةٍ بِجِعَابِهَا . فَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ عَنْ كَنْزِ آلِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَحُلِيّ مِنْ حُلِيّهِمْ كَانَ يَكُونُ فِي مَسْكِ الْجَمَلِ كَانَ أَسْرَاهُمْ يُعْرَفُ بِهِ وَكَانَ الْعُرْسُ يَكُونُ بِمَكّةَ فَيَقْدَمُ عَلَيْهِمْ فَيُسْتَعَارُ ذَلِكَ الْحُلِيّ الشّهْرَ فَيَكُونُ فِيهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ الْحُلِيّ يَكُونُ عِنْدَ الْأَكَابِرِ فَالْأَكَابِرِ مِنْ آلِ أَبِي الْحُقَيْقِ . فَقَالَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَنْفَقْنَاهُ فِي حَرْبِنَا فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ وَكُنّا نَرْفَعُهُ لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَلَمْ تُبْقِ الْحَرْبُ وَاسْتِنْصَارُ الرّجَالِ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا . وَحَلَفَا عَلَى ذَلِكَ فَوَكّدَا الْأَيْمَانَ وَاجْتَهَدَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمَا : [ ص 672 ] بَرِئَتْ مِنْكُمَا ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ إنْ كَانَ عِنْدَكُمَا قَالَا : نَعَمْ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُلّ مَا أَخَذْت مِنْ أَمْوَالِكُمَا وَأَصَبْت مِنْ دِمَائِكُمَا فَهُوَ حِلّ لِي وَلَا ذِمّةَ لَكُمَا قَالَا : نَعَمْ . وَأَشْهَدَ عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَعَلِيّا ، وَالزّبِيرَ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَعَشَرَةً مِنْ الْيَهُودِ . فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ إلَى كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فَقَالَ إنْ كَانَ عِنْدَك مَا يَطْلُبُ مِنْك مُحَمّدٌ أَوْ تَعْلَمُ عِلْمَهُ فَأَعْلِمْهُ فَإِنّك تَأْمَنُ عَلَى دَمِك ، وَإِلّا فَوَاَللّهِ لَيَظْهَرَنّ عَلَيْهِ قَدْ اطّلَعَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ بِمَا لَمْ نَعْلَمْهُ . فَزَبَرَهُ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فَتَنَحّى الْيَهُودِيّ فَقَعَدَ . ثُمّ سَأَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَعْلَبَةَ بْنَ سَلّامِ بْن أَبِي الْحُقَيْقِ - وَكَانَ رَجُلًا ضَعِيفًا - عَنْ كَنْزِهِمَا ، فَقَالَ لَيْسَ لِي عِلْمٌ غَيْرَ أَنّي قَدْ كُنْت أَرَى كِنَانَةَ كُلّ غَدَاةٍ يَطُوفُ بِهَذِهِ الْخَرِبَةِ - قَالَ وَأَشَارَ إلَى خَرِبَةٍ - فَإِنْ كَانَ شَيْءٌ دَفَنَهُ فَهُوَ فِيهَا . وَكَانَ كِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ لَمّا ظَهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّطَاةِ أَيْقَنَ بِالْهَلَكَةِ - وَكَانَ أَهْلُ النّطَاةِ أَخَذَهُمْ [ الرّعْبُ ] - فَذَهَبَ بِمَسْكِ الْجَمْلِ فِيهِ حَلِيّهُمْ فَحَفَرَ لَهُ فِي خَرِبَةٍ لَيْلًا وَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ ، ثُمّ سَوّى عَلَيْهِ التّرَابَ بِالْكَتِيبَةِ وَهِيَ الْخَرِبَةُ الّتِي رَآهُ ثَعْلَبَةُ يَدُورُ بِهَا كُلّ غَدَاةٍ . فَأَرْسَلَ مَعَ ثَعْلَبَةَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ وَنَفَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَى تِلْكَ الْخَرِبَةِ فَحَفَرَ حَيْثُ أَرَاهُ ثَعْلَبَةُ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ ذَلِكَ الْكَنْزَ وَيُقَالُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ دَلّ رَسُولَهُ عَلَى ذَلِكَ الْكَنْزِ . فَلَمّا أُخْرِجَ الْكَنْزُ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الزّبَيْرَ أَنْ يُعَذّبَ كِنَانَةَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ حَتّى يَسْتَخْرِجَ كُلّ مَا عِنْدَهُ . فَعَذّبَهُ الزّبَيْرُ حَتّى جَاءَهُ بِزَنْدٍ يَقْدَحُهُ فِي صَدْرِهِ ثُمّ أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ [ ص 673 ] يَقْتُلُهُ بِأَخِيهِ فَقَتَلَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ . وَأَمَرَ بِابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ الْآخَرِ فَعُذّبَ ثُمّ دُفِعَ إلَى وُلَاةِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ فَقُتِلَ بِهِ وَيُقَالُ ضُرِبَ عُنُقُهُ . وَاسْتَحَلّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ أَمْوَالَهُمَا وَسَبَى ذَرَارِيّهُمَا . فَحَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ الرّبِيعَةِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ أُسَامَةَ عَمّنْ نَظَرَ إلَى مَا فِي مَسْكِ الْجَمْلِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أُتِيَ بِهِ فَإِذَا جُلّهُ أَسْوِرَةٌ الذّهَبِ وَدَمَالِجُ الذّهَبِ وَخَلَاخِلُ الذّهَبِ وَقِرَطَةُ الذّهَبِ وَنَظْمٌ مِنْ جَوْهَرٍ وَزُمُرّدٍ وَخَوَاتِمُ ذَهَبٍ وَفَتَخٌ بِجَزْعِ ظَفَارِ مُجَزّعٌ بِالذّهَبِ . وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِظَامًا مِنْ جَوْهَرٍ فَأَعْطَاهُ بَعْضَ أَهْلِهِ إمّا عَائِشَةُ أَوْ إحْدَى بَنَاتِهِ فَانْصَرَفَتْ فَلَمْ تَمْكُثْ إلّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ حَتّى فَرّقَتْهُ فِي أَهْلِ الْحَاجَةِ وَالْأَرَامِلِ فَاشْتَرَى أَبُو الشّحْمِ ذُرَةً مِنْهَا . فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَارَ إلَى فِرَاشِهِ لَمْ يَنَمْ فَغَدَا فِي السّحَرِ حَتّى أَتَى عَائِشَةَ ، وَلَمْ تَكُنْ لَيْلَتَهَا ، أَوْ بِنْتَه ، فَقَالَ رُدّي عَلَيّ النّظَامَ فَإِنّهُ لَيْسَ لِي ، وَلَا لَك فِيهِ حَقّ . فَخَبّرَتْهُ كَيْفَ صَنَعْت بِهِ فَحَمْدُ اللّهِ وَانْصَرَفَ .
(1/672)
وَكَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ تَقُولُ كَانَ ذَلِكَ النّظَامُ لِبِنْتِ كِنَانَةَ . وَكَانَتْ صَفِيّةُ تَحْتَ كِنَانَةَ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَبَاهَا قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْكَتِيبَةِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَرْسَلَ بِهَا مَعَ بَلَالٍ إلَى رَحْلِهِ . فَمَرّ بِهَا وَبِابْنَةِ عَمّهَا عَلَى الْقَتْلَى ، فَصَاحَتْ ابْنَةُ عَمّهَا صِيَاحًا شَدِيدًا ، فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ بَلَالٌ فَقَالَ أَذَهَبَتْ مِنْك الرّحْمَةُ ؟ تَمُرّ بِجَارِيَةٍ حَدِيثَةِ السّنّ عَلَى [ ص 674 ] الْقَتْلَى فَقَالَ بَلَالٌ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا ظَنَنْت أَنّك تَكْرَهُ ذَلِكَ وَأَحْبَبْت أَنْ تَرَى مَصَارِعَ قَوْمِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَابْنَةِ عَمّ صَفِيّةَ مَا هَذَا إلّا شَيْطَانٌ . وَكَانَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ قَدْ نَظَرَ إلَى صَفِيّةَ فَسَأَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُقَالُ إنّهُ وَعَدَهُ جَارِيَةً مِنْ سَبْيِ خَيْبَرَ ، فَأَعْطَاهُ ابْنَةَ عَمّهَا .
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي حَرْمَلَةَ ، عَنْ أُخْتِهِ أُمّ عَبْدِ اللّهِ عَنْ ابْنَةِ أَبِي الْقَيْنِ الْمُزَنِيّ ، قَالَتْ كُنْت آلَفُ صَفِيّةَ مِنْ بَيْنَ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ تُحَدّثُنِي عَنْ قَوْمِهَا وَمَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْهُمْ قَالَتْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ حَيْثُ أَجْلَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَمْنَا بِخَيْبَرَ ، فَتَزَوّجَنِي كِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ فَأَعْرَسَ بِي قَبْلَ قُدُومِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَيّامٍ وَذَبَحَ جُزُرًا وَدَعَا بِالْيَهُودِ وَحَوّلَنِي فِي حِصْنِهِ بِسُلَالِمَ فَرَأَيْت فِي النّوْمِ كَأَنّ قَمَرًا أَقْبَلَ مِنْ يَثْرِبَ يَسِيرُ حَتّى يَقَعَ فِي حِجْرِي . فَذَكَرْت ذَلِكَ لَكِنَانَةَ زَوْجِي فَلَطَمَ عَيْنِي فَاخْضَرّتْ فَنَظَرَ إلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ دَخَلْت عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرْته . قَالَتْ وَجَعَلَتْ الْيَهُودُ ذَرَارِيّهَا فِي الْكَتِيبَةِ ، وَجَرّدُوا حِصْنَ النّطَاةِ لِلْمُقَاتِلَةِ فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ وَافْتَتَحَ حُصُونَ النّطَاةِ ، وَدَخَلَ عَلَيّ كِنَانَةُ فَقَالَ قَدْ فَرَغَ مُحَمّدٌ مِنْ النّطَاةِ ، وَلَيْسَ هَا هُنَا أَحَدٌ يُقَاتِلُ قَدْ قُتِلَتْ الْيَهُودُ حَيْثُ قُتِلَ أَهْلُ النّطَاةِ وَكَذَبَتْنَا الْعَرَبُ . فَحَوّلَنِي إلَى حِصْنِ النّزَارِ بِالشّقّ - قَالَ وَهُوَ أَحْصَنُ مِمّا عِنْدَنَا - فَخَرَجَ حَتّى أَدْخَلَنِي وَابْنَةَ عَمّي وَنُسَيّاتٍ مَعَنَا . فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْنَا قَبْلَ الْكَتِيبَةِ فَسُبِيت فِي النّزَارِ قَبْلَ أَنْ [ ص 675 ] يَنْتَهِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْكَتِيبَةِ ، فَأَرْسَلَ بِي إلَى رَحْلِهِ ثُمّ جَاءَنَا حِينَ أَمْسَى فَدَعَانِي ، فَجِئْت وَأَنَا مُقَنّعَةٌ حَيِيّةٌ فَجَلَسْت بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ إنْ أَقَمْت عَلَى دِينِك لَمْ أُكْرِهْك ، ، وَإِنْ اخْتَرْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فَهُوَ خَيْرٌ لَك . قَالَتْ أَخْتَارُ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالْإِسْلَامَ . فَأَعْتَقَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَزَوّجَنِي وَجَعَلَ عِتْقِي مَهْرِي ، فَلَمّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ أَصْحَابُهُ الْيَوْمَ نَعْلَمُ أَزَوْجَةً أَمْ سُرّيّةً فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَتَهُ فَسَيُحَجّبُهَا وَإِلّا فَهِيَ سُرّيّةٌ . فَلَمّا خَرَجَ أَمَرَ بِسِتْرٍ فَسَتَرَتْ بِهِ فَعَرَفَ أَنّي زَوْجَةٌ ثُمّ قَدِمَ إلَى الْبَعِيرِ وَقَدّمَ فَخِذَهُ لِأَضَعَ رِجْلِي عَلَيْهَا ، فَأَعْظَمَتْ ذَلِكَ وَوَضَعْت فَخِذِي عَلَى فَخِذِهِ ثُمّ رَكِبْت . وَكُنْت أَلْقَى مِنْ أَزْوَاجِهِ يَفْخَرْنَ عَلَيّ يَقُلْنَ يَا بِنْتَ الْيَهُودِيّ . وَكُنْت أَرَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُلَطّفُ بِي وَيُكْرِمُنِي ، فَدَخَلَ عَلَيّ يَوْمًا وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ مَا لَك ؟ فَقُلْت : أَزْوَاجُك يَفْخَرْنَ عَلَيّ وَيَقُلْنَ يَا بِنْتَ الْيَهُودِيّ . قَالَتْ فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ غَضِبَ ثُمّ قَالَ إذَا قَالُوا لَك أَوْ فَاخَرُوك فَقُولِي : أَبِي هَارُونُ وَعَمّي مُوسَى .
(1/674)
قَالُوا : وَكَانَ أَبُو شُيَيْمٍ الْمُزَنِيّ - قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ - يُحَدّثُ يَقُولُ لَمّا نَفّرْنَا أَهْلَهَا بِحَيْفَاءَ مَعَ عُيَيْنَةَ - قَدِمْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ قَارّونَ هَادِئُونَ لَمْ يَهْجُهُمْ هَائِجٌ - رَجَعَ بِنَا عُيَيْنَةُ فَلَمّا كَانَ دُونَ خَيْبَرَ بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ الْحُطَامُ عَرّسْنَا مِنْ اللّيْلِ فَفَزِعْنَا ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ أَبْشِرُوا إنّي أَرَى اللّيْلَةَ فِي النّوْمِ أَنّي أُعْطِيت ذَا الرّقَيْبَةِ - جَبَلًا بِخَيْبَرَ - قَدْ وَاَللّهِ قَدْ أَخَذْت بِرِقْبَةِ مُحَمّدٍ . قَالَ فَلَمّا قَدِمْنَا خَيْبَرَ قَدِمَ عُيَيْنَةُ فَوَجَدَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ [ ص 676 ] وَسَلّمَ قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ وَغَنّمَهُ اللّهُ مَا فِيهَا ، فَقَالَ عُيَيْنَةُ أُعْطِنِي يَا مُحَمّدُ مِمّا غَنِمْت مِنْ حُلَفَائِي فَإِنّي انْصَرَفْت عَنْك وَعَنْ قِتَالِك وَخَذَلْت حُلَفَائِي وَلَمْ أُكْثِرْ عَلَيْك ، وَرَجَعْت عَنْك بِأَرْبَعَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَذَبْت ، وَلَكِنْ الصّيَاحُ الّذِي سَمِعْت أَنَفَرَك إلَى أُهْلِكْ . قَالَ أَجْزِنِي يَا مُحَمّدُ . قَالَ لَك ذُو الرّقَيْبَةِ . قَالَ عُيَيْنَةُ وَمَا ذُو الرّقَيْبَةِ ؟ قَالَ الْجَبَلُ الّذِي رَأَيْت فِي النّوْمِ أَنّك أَخَذْته . فَانْصَرَفَ عُيَيْنَةُ فَجَعَلَ يَتَدَسّسُ إلَى الْيَهُودِ وَيَقُولُ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ أَمْرًا ، وَاَللّهِ مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا يُصِيبُ مُحَمّدًا غَيْرَكُمْ . قُلْت : أَهْلُ الْحُصُونِ وَالْعُدّةِ وَالثّرْوَةِ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ وَأَنْتُمْ فِي هَذِهِ الْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ وَهَذَا الطّعَامِ الْكَثِيرِ مَا يُوجَدُ لَهُ آكِلٌ وَالْمَاءُ الْوَاتِنُ . قَالُوا : قَدْ أَرَدْنَا الِامْتِنَاعَ فِي قَلْعَةِ الزّبَيْرِ وَلَكِنّ الدّبُولَ قُطِعَتْ عَنّا ، وَكَانَ الْحُرّ ، فَلَمْ يَكُنْ لَنَا بَقَاءٌ عَلَى الْعَطَشِ . قَالَ قَدْ وُلِيتُمْ مِنْ حُصُونِ نَاعِمٍ مُنْهَزِمِينَ حَتّى صِرْتُمْ إلَى حِصْنِ قَلْعَةِ الزّبَيْرِ . وَجَعَلَ يَسْأَلُ عَمّنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فَيُخْبِرُ قَالَ قُتِلَ وَاَللّهِ أَهْلُ الْجَدّ وَالْجَلَدِ لَا نِظَامَ لَيَهُودَ بِالْحِجَازِ أَبَدًا . وَيَسْمَعُ سَلَامَهُ ثَعْلَبَةُ بْنُ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَكَأَنّمَا يَقُولُونَ إنّهُ ضَعِيفُ الْعَقْلِ مُخْتَلِطٌ فَقَالَ يَا عُيَيْنَةُ أَنْتَ غَرَرْتهمْ وَخَذَلْتهمْ وَتَرَكْتهمْ وَقِتَالَ مُحَمّدٍ وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا صَنَعْت بِبَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ عُيَيْنَةُ إنّ مُحَمّدًا كَادَنَا فِي أَهْلِنَا ، فَنَفَرْنَا إلَيْهِمْ حَيْثُ سَمِعْنَا الصّرِيخَ وَنَحْنُ نَظُنّ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ خَالَفَ إلَيْهِمْ فَلَمْ نَرَ شَيْئًا فَكَرَرْنَا إلَيْكُمْ لِنَنْصُرَكُمْ . قَالَ ثَعْلَبَةُ وَمَنْ بَقِيَ تَنْصُرُهُ ؟ قَدْ قُتِلَ مِنْ قُتِلَ وَبَقِيَ مَنْ بَقِيَ فَصَارَ عَبْدًا لِمُحَمّدٍ وَسَبَانَا ، [ ص 677 ] وَقَبَضَ الْأَمْوَالَ قَالَ يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ لِعُيَيْنَةَ لَا أَنْتَ نَصَرْت حُلَفَاءَك فَلَمْ يُعِدّوا عَلَيْك حِلْفَنَا وَلَا أَنْتَ حَيْثُ وُلّيت - كُنْت أَخَذْت تَمْرَ خَيْبَرَ مِنْ مُحَمّدٍ سَنَةً وَاَللّهِ إنّي لَأَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ أَمْرًا ظَاهِرًا ، لَيَظْهَرَنّ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُ . فَانْصَرَفَ عُيَيْنَةُ إلَى أَهْلِهِ يَفْتِلُ يَدَيْهِ فَلَمّا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ ، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَك إنّك تُوضَعُ فِي غَيْرِ شَيْءٍ ؟ وَاَللّهِ لَيَظْهَرَنّ مُحَمّدٌ عَلَى مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ الْيَهُودُ كَانُوا يُخْبِرُونَنَا هَذَا . أَشْهَدُ لَسَمِعْت أَبَا رَافِعٍ سَلّامَ بْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ يَقُولُ إنّا نَحْسُدُ مُحَمّدًا عَلَى النّبُوّةِ حَيْثُ خَرَجَتْ مِنْ بَنِي هَارُونَ وَهُوَ نَبِيّ مُرْسَلٌ وَالْيَهُودُ لَا تُطَاوِعُنِي عَلَى هَذَا ، وَلَنَا مِنْهُ ذَبَحَانِ وَاحِدٌ بِيَثْرِبَ وَآخَرُ بِخَيْبَرَ . قَالَ الْحَارِثُ قُلْت لِسَلّامٍ يَمْلِكُ الْأَرْضَ جَمِيعًا ؟ قَالَ نَعَمْ وَالتّوْرَاةُ الّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى ، وَمَا أُحِبّ أَنْ تَعْلَمَ الْيَهُودُ بِقَوْلِي فِيهِ
(1/676)
قَالُوا : لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ وَاطْمَأَنّ جَعَلَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَسْأَلُ أَيّ الشّاةِ أَحَبّ إلَى مُحَمّدٍ ؟ فَيَقُولُونَ الذّرَاعُ وَالْكَتِفُ . فَعَمَدَتْ إلَى عَنْزٍ لَهَا فَذَبَحَتْهَا ، ثُمّ عَمَدَتْ إلَى سُمّ لَابَطِيّ قَدْ شَاوَرَتْ الْيَهُودَ فِي سُمُومٍ فَأَجْمَعُوا لَهَا عَلَى هَذَا السّمّ بِعَيْنِهِ فَسَمّتْ الشّاةَ وَأَكْثَرَتْ فِي الذّرَاعَيْنِ وَالْكَتِفَيْنِ . فَلَمّا غَابَتْ الشّمْسُ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَغْرِبَ وَانْصَرَفَ إلَى مَنْزِلِهِ وَيَجِدُ زَيْنَبَ جَالِسَةً عِنْدَ رَحْلِهِ فَيَسْأَلُ عَنْهَا فَقَالَتْ أَبَا الْقَاسِمِ هَدِيّةٌ أَهْدَيْتهَا لَك .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْكُلُ الْهَدِيّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصّدَقَةَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْهَدِيّةِ فَقَبَضْت مِنْهَا وَوَضَعْت بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 678 ] لِأَصْحَابِهِ وَهُمْ حُضُورٌ أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ اُدْنُوا فَتَعَشّوْا فَدَنَوَا فَمَدّوا أَيْدِيَهُمْ وَتَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الذّرَاعَ وَتَنَاوَلَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ عَظْمًا ، وَأَنْهَشَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهَا نَهْشًا وَانْتَهَشَ بِشْرٌ ، فَلَمّا ازْدَرَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَكْلَتَهُ ازْدَرَدَ بِشْرٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُفّوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنّ هَذِهِ الذّرَاعَ تُخْبِرُنِي أَنّهَا مَسْمُومَةٌ . فَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ قَدْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ وَجَدْت ذَلِكَ مِنْ أَكْلَتِي الّتِي أَكَلْتهَا ، فَمَا مَنَعَنِي أَنّ أَلْفِظَهَا إلّا كَرَاهِيَةَ أُنَغّصَ إلَيْك طَعَامَك ، فَلَمّا تَسَوّغْتَ مَا فِي يَدِك لَمْ أَرْغَبْ بِنَفْسِي عَنْ نَفْسِك ، وَرَجَوْت أَلّا تَكُونَ ازْدَرَدْتهَا وَفِيهَا نَعْيٌ . فَلَمْ يَرْمِ بِشْرٌ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى عَادَ لَوْنُهُ كَالطّيْلَسَانِ وَمَاطَلَهُ وَجَعُهُ سَنَةً لَا يَتَحَوّلُ إلّا مَا حُوّلَ ثُمّ مَاتَ مِنْهُ
وَيُقَالُ لَمْ يَقُمْ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى مَاتَ وَعَاشَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثَ سِنِينَ .
وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِزَيْنَبَ فَقَالَ سَمَمْت الذّرَاعَ ؟ فَقَالَتْ مَنْ أَخْبَرَك ؟ قَالَ الذّرَاعُ . قَالَتْ نَعَمْ . قَالَ وَمَا حَمَلَك عَلَى ذَلِكَ ؟ قَالَتْ قَتَلْت أَبِي وَعَمّي وَزَوْجِي ، وَنِلْت مِنْ قَوْمِي مَا نِلْت ، فَقُلْت : إنْ كَانَ نَبِيّا فَسَتُخْبِرُهُ الشّاةُ مَا صَنَعْت ، وَإِنْ كَانَ مَلِكًا اسْتَرَحْنَا مِنْهُ فَاخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِيهَا ، فَقَالَ قَائِلٌ رِوَايَةً أَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُتِلَتْ ثُمّ صُلِبَتْ . وَقَالَ قَائِلٌ رِوَايَةً عَفَا عَنْهَا . وَكَانَ نَفَرٌ ثَلَاثَةٌ قَدْ وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي الطّعَامِ وَلَمْ يَسِيغُوا مِنْهُ شَيْئًا . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فَاحْتَجَمُوا أَوْسَاطَ رُءُوسِهِمْ مِنْ الشّاةِ وَاحْتَجَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ كَتِفِهِ الْيُسْرَى . وَيُقَالُ احْتَجَمَ عَلَى كَاهِلِهِ حَجَمَهُ أَبُو هِنْدٍ بِالْقَرْنِ وَالشّفْرَةِ .
[ ص 679 ] وَقَالُوا : وَكَانَتْ أُمّ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ تَقُولُ دَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَرَضِهِ الّذِي مَاتَ فِيهِ وَهُوَ مَحْمُومٌ فَمَسِسْته فَقُلْت : مَا وَجَدْت مِثْلَ [ مَا ] وُعِكَ عَلَيْك عَلَى أَحَدٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا يُضَاعَفُ لَنَا الْأَجْرُ كَذَلِكَ يُضَاعَفُ لَنَا الْبَلَاءُ زَعَمَ النّاسُ أَنّ بِرَسُولِ اللّهِ ذَاتُ الْجَنْبِ مَا كَانَ اللّهُ لِيُسَلّطَهَا عَلَيّ إنّمَا هِيَ هَمْزَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ وَلَكِنّهُ مِنْ الْأَكْلَةِ الّتِي أَكَلْت أَنَا وَابْنُك يَوْمَ خَيْبَرَ . مَا زَالَ يُصِيبُنِي مِنْهَا عِدَادٌ حَتّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعٍ أَبْهَرِيّ فَمَاتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَهِيدًا . وَيُقَالُ إنّ الّذِي مَاتَ فِي الشّاةِ مُبَشّرُ بْنُ الْبَرَاءِ . وَبِشْرٌ أَثْبَتُ عِنْدَنَا ، وَهُوَ الْمُجْتَمَعُ
عَلَيْهِ .
قَالَ عَبْدُ اللّهِ سَأَلْت إبْرَاهِيمَ بْنَ جَعْفَرٍ عَنْ قَوْلِ زَيْنَبَ ابْنَةِ الْحَارِثِ « قَتَلْت أَبِي » قَالَ قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ أَبُوهَا الْحَارِثُ وَعَمّهَا يَسَارٌ وَكَانَ أَخْبَرَ النّاسِ هُوَ الّذِي أُنْزِلَ مِنْ الشّقّ ، وَكَانَ الْحَارِثُ أَشْجَعَ الْيَهُودِ ، وَأَخُوهُ زُبَيْرُ قُتِلَ يَوْمئِذٍ فَكَانَ زَوْجُهَا سَيّدَهُمْ وَأَشْجَعَهُمْ سَلّامَ بْنَ مِشْكَمٍ ، كَانَ مَرِيضًا وَكَانَ فِي حُصُونِ النّطَاةِ فَقِيلَ لَهُ إنّهُ لَا قِتَالَ فِيكُمْ فَكُنْ فِي الْكَتِيبَةِ . قَالَ لَا أَفْعَلُ أَبَدًا . فَقُتِلَ وَهُوَ مَرِيضٌ وَهُوَ أَبُو الْحَكَمِ الّذِي يَقُولُ فِيهِ الرّبِيعُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ
وَلَمّا تَدَاعَوْا بِأَسْيَافِهِمْ
فَكَانَ الطّعَانُ دَعَوْنَا سَلَامَا
وَكُنّا إذَا مَا دَعَوْنَا بِهِ
سَقَيْنَا سَرَاةَ الْعَدُوِ السمَامَا
وَهُوَ كَانَ صَاحِبُ حَرْبِهِمْ وَلَكِن ّ اللّهَ شَغَلَهُ بِالْمَرَضِ . [ ص 680 ]
(1/678)
قَالُوا : وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْغَنَائِمِ يَوْمَ خَيْبَرَ فَرْوَةَ بْنَ عَمْرٍو الْبِيَاضِيّ وَكَانَ قَدْ جَمَعَ مَا غَنِمَ الْمُسْلِمُونَ فِي حُصُونِ النّطَاةِ وَحُصُونِ الشّقّ وَحُصُونِ الْكَتِيبَةِ ، لَمْ يَتْرُكْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْكَتِيبَةِ إلّا ثَوْبًا عَلَى ظَهْرِهِ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَالصّبْيَانِ وَجَمَعُوا أَثَاثًا كَبِيرًا وَبَزّا وَقَطَائِفَ وَسِلَاحًا كَثِيرًا ، وَغَنَمًا وَبَقَرًا ، وَطَعَامًا وَأَدَمًا كَثِيرًا . فَأَمّا الطّعَامُ وَالْأَدَمُ وَالْعَلَفُ فَلَمْ يُخَمّسْ يَأْخُذُ مِنْهُ النّاسُ حَاجَتَهُمْ وَكَانَ مَنْ احْتَاجَ إلَى سِلَاحٍ يُقَاتِلُ بِهِ أَخَذَهُ مِنْ صَاحِبِ الْمَغْنَمِ حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ فَرُدّ ذَلِكَ فِي الْمَغْنَمِ . فَلَمّا اجْتَمَعَ ذَلِكَ كُلّهُ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجُزِئَ خَمْسَةَ أَجَزَاء ، وَكَتَبَ فِي سَهْمٍ مِنْهَا « اللّهُ » وَسَائِرُ السّهْمَانِ أَغْفَالٌ . فَكَانَ أَوّلَ مَا خَرَجَ سَهْمُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُتَخَيّرْ فِي الْأَخْمَاسِ ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَيْعِ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ فِيمَنْ يُرِيدُ فَجَعَلَ فَرْوَةُ يَبِيعُهَا فِيمَنْ يُرِيدُ فَدَعَا فِيهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْبَرَكَةِ وَقَالَ اللّهُمّ أَلْقِ عَلَيْهَا النّفَاقَ قَالَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو : فَلَقَدْ رَأَيْت النّاسَ يَتَدَارَكُونَ عَلَيّ وَيَتَوَاثَبُونَ حَتّى نَفَقَ فِي يَوْمَيْنِ وَلَقَدْ كُنْت أَرَى أَنّا لَا نَتَخَلّصُ مِنْهُ حِينًا لِكَثْرَتِهِ . وَكَانَ الْخُمُسُ الّذِي صَارَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَغْنَمِ يُعْطَى مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ اللّهُ مِنْ السّلَاحِ وَالْكِسْوَةِ فَأَعْطَى مِنْهُ أَهْلَ بَيْتِهِ مِنْ الثّيَابِ وَالْخَرْزِ وَالْأَثَاثِ وَأَعْطَى رِجَالًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَنِسَاءً وَأَعْطَى الْيَتِيمَ وَالسّائِلَ . وَجَمَعْت يَوْمئِذٍ مَصَاحِفَ فِيهَا التّوْرَاةُ مِنْ الْمَغْنَمِ فَجَاءَتْ الْيَهُودُ تَطْلُبُهَا وَتَكَلّمَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 681 ] أَنْ تُرَدّ عَلَيْهِمْ . وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَدّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ فَإِنّ الْغُلُولَ عَارٍ وَشَنَارٌ وَنَارٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . فَبَاعَ يَوْمئِذٍ فَرْوَةُ الْمَتَاعَ فَأَخَذَ عِصَابَةً فَعَصَبَ بِهَا رَأْسَهُ لِيَسْتَظِلّ بِهَا مِنْ الشّمْسِ ثُمّ رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ وَهِيَ عَلَيْهِ فَذَكَرَ فَخَرَجَ فَطَرَحَهَا . وَأَخْبَرَ بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ عِصَابَةٌ مِنْ نَارٍ عَصَبْت بِهَا رَأْسَك . وَسَأَلَ رَجُلٌ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ مِنْ الْفَيْءِ شَيْئًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَحِلّ لِي مِنْ الْفَيْءِ خَيْطٌ وَلَا مِخْيَطٌ ، لَا آخُذُ وَلَا أُعْطِي . فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عِقَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَقْسِمَ الْغَنَائِمَ ثُمّ أُعْطِيك عِقَالًا ، وَإِنْ شِئْت مِرَارًا . وَكَانَ رَجُلٌ أَسْوَدَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُمْسِكُ دَابّتَهُ عِنْدَ الْقِتَالِ يُقَالُ لَهُ كَرْكَرَةُ فَقُتِلَ يَوْمئِذٍ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُسْتُشْهِدَ كَرْكَرَةٌ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهُ الْآن لِيُحَرّقَ فِي النّارِ عَلَى شَمْلَةٍ غَلّهَا . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَخَذْت شِرَاكَيْنِ يَوْمئِذٍ كَذَا وَكَذَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ . وَتُوُفّيَ يَوْمئِذٍ رَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ وَإِنّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ صَلّوْا عَلَى صَاحِبِكُمْ . فَتَغَيّرَتْ وُجُوهُ النّاسِ لِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ صَاحِبَكُمْ غَلّ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ فَفَتّشْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرْزًا مِنْ خَرْزِ الْيَهُودِ لَا يُسْوَى دِرْهَمَيْنِ . وَكَانَ نَفَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَصَابُوا خَرْزًا مِنْ خَرْزِ الْيَهُودِ وَكَانُوا رُفَقَاءَ فَقَالَ الْمُحَدّثُ لِهَذَا الْحَدِيثِ لَوْ كَانَ الْخَرْزُ عِنْدَكُمْ الْيَوْمَ لَمْ يُسْوَ دِرْهَمَيْنِ . فَأُتِيَ بِذَلِكَ الْخَرْزِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ مَا فَرَغَ مِنْ الْمَقْسَمِ [ ص 682 ] فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ نَسِينَا هَذَا الْخَرْزَ عِنْدَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّكُمْ يَحْلِفُ بِاَللّهِ أَنّهُ نَسِيَهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَحَلَفُوا بِاَللّهِ جَمِيعًا أَنّهُمْ نَسُوهُ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَرِيرِ الْمَوْتَى فَسُجِنَ عَلَيْهِمْ بِالرّبَاطِ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِمْ صَلَاةَ الْمَوْتَى . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَجِدُ الْغُلُولَ فِي رَحْلِ الرّجُلِ فَلَا يُعَاقِبُهُ وَلَمْ يُسْمَعْ أَنّهُ أَحْرَقَ رَحْلَ أَحَدٍ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ وَلَكِنّهُ يُعَنّفُ وَيُؤَنّبُ وَيُؤْذِي وَيُعَرّفُ النّاسَ بِهِ .
(1/681)
قَالُوا : وَاشْتَرَى يَوْمَ خَيْبَرَ تِبْرًا بِذَهَبٍ جِزَافًا ، فَلَهَا عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَكَانَ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ يُحَدّثُ يَقُولُ أَصَبْت يَوْمئِذٍ قِلَادَةً فَبِعْتهَا بِثَمَانِيّةِ دَنَانِيرَ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ بِعْ الذّهَبَ وَزْنًا بِوَزْنٍ . وَكَانَ فِي الْقِلَادَةِ ذَهَبٌ وَغَيْرُهُ فَرَجَعْت فِيهَا . وَاشْتَرَى السّعْدَانُ تِبْرًا بِذَهَبٍ أَحَدُهُمَا أَكْثَرُ وَزْنًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَيْتُمَا فَرُدّا وَوَجَدَ رَجُلٌ يَوْمئِذٍ فِي خَرِبَةٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَأَخَذَ مِنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخُمُسَ وَدَفَعَهَا إلَيْهِ .
(1/681)
وَسَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ وَلَا يَبِعْ شَيْئًا مِنْ الْمَغْنَمِ حَتّى يَعْلَمَ وَلَا يَرْكَبْ دَابّةً مِنْ الْمَغْنَمِ حَتّى إذَا بَرَاهَا رَدّهَا ، وَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ الْمَغْنَمِ حَتّى إذَا أَخْلَقَهُ رَدّهُ وَلَا يَأْتِ مِنْ السّبْيِ حَتّى تَسْتَبْرِئَ وَتَحِيضَ حَيْضَةً وَإِنْ كَانَتْ حُبْلَى حَتّى تَضَعَ حَمْلَهَا
وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ عَلَى امْرَأَةٍ مُجِحّ فَقَالَ لِمَنْ هَذِهِ ؟ فَقِيلَ لِفُلَانٍ . قَالَ فَلَعَلّهُ يَطَؤُهَا ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ كَيْفَ بِوَلَدِهَا يَرِثُهُ وَلَيْسَ بِابْنِهِ أَوْ يَسْتَرْقِهِ وَهُوَ يَعْدُو فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ ؟ لَقَدْ هَمَمْت أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَتْبَعُهُ فِي قَبْرِهِ [ ص 683 ]
(1/683)
قَالُوا : وَقَدِمَ أَهْلُ السّفِينَتَيْنِ مِنْ عِنْدِ النّجَاشِيّ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ ، فَلَمّا نَظَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَعْفَرٍ قَالَ مَا أَدْرِي بِأَيّهِمَا أَنَا أُسَرّ ، بِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَوْ فَتْحِ خَيْبَرَ ثُمّ ضَمّهُ رَسُولُ اللّهِ وَقَبّلَ بَيْن عَيْنَيْهِ وَقَدِمَ الدّوْسِيّونَ فِيهِمْ أَبُو هَرِيرَةَ وَالطّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُمْ وَنَفَرٌ مِنْ الْأَشْجَعِيّينَ فَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فِيهِمْ أَنْ يُشْرِكُوهُمْ فِي الْغَنِيمَةِ . قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . وَنَظَرَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ إلَى أَبِي هَرِيرَةَ فَقَالَ أَمّا أَنْتَ فَلَا . فَقَالَ أَبُو هَرِيرَةَ : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ . قَالَ أَبَانُ بْنُ سَعِيدٍ يَا عَجَبَاه لِوَبَرٍ تَدَلّى عَلَيْنَا مِنْ قُدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَى قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَكْرَمَهُ اللّهُ عَلَى يَدَيّ وَلَمْ يُهِنّي عَلَى يَدِهِ .
(1/683)
قَالَ وَكَانَ الْخُمُسُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كُلّ مَغْنَمٍ غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ شَهِدَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ غَابَ عَنْهُ . وَكَانَ لَا يَقْسِمُ لِغَائِبٍ فِي مَغْنَمٍ لَمْ يَشْهَدْهُ إلّا أَنّهُ فِي بَدْرٍضَرَبَ لِثَمَانِيَةٍ لَمْ يَشْهَدُوا ، كُلّهُمْ [ ص 684 ] مُسْتَحَقّ فِيهَا . وَكَانَتْ خَيْبَرُ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ، مَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ أَوْ غَابَ عَنْهَا . قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَعَدَكُمُ اللّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ يَعْنِي خَيْبَرَ . وَقَدْ تَخَلّفَ عَنْهَا رِجَالٌ مُرَيّ بْنُ سِنَانٍ وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ ، وَسِبَاعُ بْنُ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ ، خَلّفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَغَيْرُهُمْ . وَمَاتَ مِنْهُمْ رَجُلَانِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمَنْ تَخَلّفَ مِنْهُمْ وَمَنْ مَاتَ وَأَسْهَمَ لِمَنْ شَهِدَ خَيْبَرَ مِنْ النّاسِ مِمّنْ لَمْ يَشْهَدْالْحُدَيْبِيَةَ. وَأَسْهَمَ لِرُسُلٍ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ إلَى أَهْلِ فَدَكَ ، مُحَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ الْحَارِثِيّ وَغَيْرُهُ فَأَسْهَمَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَحْضُرُوا . وَأَسْهَمَ لِثَلَاثَةِ مَرْضَى لَمْ يَحْضُرُوا الْقِتَالَ سُوِيدُ بْنُ النّعْمَانِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ ، وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي خُطَامَة ، وَأَسْهَمَ لِلْقَتْلَى الّذِينَ قَتَلُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
(1/684)
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ ذَلِكَ . وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ إنّمَا كَانَتْ خَيْبَرُ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ ، لَمْ يَشْهَدْهَا غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُسْهَمْ فِيهَا لِغَيْرِهِمْ . وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا أَنّ قَوْمًا شَهِدُوا خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَهُمْ وَلَمْ يَكُونُوا شَهِدُوا الْحُدَيْبِيَةَ.
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ قُطَيْرٍ الْحَارِثِيّ عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعَشَرَةٍ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ غَزَا بِهِمْ إلَى خَيْبَرَ ، فَأَسْهَمَ لَهُمْ كَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ . وَيُقَالُ أَحَذَاهُمْ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ وَكَانَ مَعَهُمْ مَمْلُوكُونَ مِنْهُمْ عُمَيْرٌ مَوْلَى آبّي اللّحْمِ . قَالَ عُمَيْرٌ وَلَمْ يُسْهَمْ لِي وَأَعْطَانِي خُرْثِيّ مَتَاعٍ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 685 ] مُحْذِيهِمْ . وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ عِشْرُونَ امْرَأَةً أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَتُهُ وَصَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأُمّ أَيْمَنَ وَسَلْمَى امْرَأَةُ أَبِي رَافِعٍ مُوَلّاةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَامْرَأَةُ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ وَلَدَتْ سَهْلَةَ بِنْتَ عَاصِمٍ بِخَيْبَرَ ، وَأُمّ عُمَارَةَ نَسِيبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ وَأُمّ مَنِيعٍ وَهِيَ أُمّ شُبَاثٍ وَكُعَيْبَة بِنْتُ سَعْدٍ الْأَسْلَمِيّة ، وَأُمّ مَتَاعٍ الْأَسْلَمِيّة ، وَأُمّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ ، وَأُمّ الضّحّاكِ بِنْتُ مَسْعُودٍ الْحَارِثِيّةُ وَهِنْدُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ حِزَامٍ ، وَأُمّ الْعِلَاءِ الْأَنْصَارِيّةُ وَأُمّ عَامِرٍ الْأَشْهَلِيّة ، وَأُمّ عَطِيّةَ الْأَنْصَارِيّةُ ، وَأُمّ سَلِيطٍ .
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ أُمّ عَلِيّ بِنْتِ الْحَكَمِ عَنْ أُمَيّةَ بِنْتِ قَيْسِ بْنِ أَبِي الصّلْتِ الْغِفَارِيّةِ قَالَتْ جِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نِسْوَةٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَقُلْنَا : إنّا نُرِيدُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ نَخْرُجَ مَعَك فِي وَجْهِك هَذَا فَنُدَاوِي الْجَرْحَى وَنُعِينُ الْمُسْلِمِينَ بِمَا اسْتَطَعْنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ قَالَتْ فَخَرَجْنَا مَعَهُ وَكُنْت جَارِيَةً حَدِيثَةَ السّنّ فَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ فَنَزَلَ الصّبْحَ فَأَنَاخَ وَإِذَا أَنَا بِالْحَقِيبَةِ عَلَيْهَا دَمٌ مِنّي ، وَكَانَتْ أَوّلَ حَيْضَةٍ حِضْتُهَا ، فَتَقَبّضَتْ إلَى النّاقَةِ وَاسْتَحْيَيْت . فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بِي وَرَأَى الدّمَ قَالَ لَعَلّك نُفِسْت قُلْت : نَعَمْ . قَالَ فَأَصْلِحِي مِنْ نَفْسِك ، ثُمّ خُذِي إنَاءً مِنْ مَاءٍ ثُمّ اطْرَحِي فِيهِ مِلْحًا وَاغْسِلِي مَا أَصَابَ الْحَقِيبَةَ مِنْ الدّمِ ثُمّ عُودِي . فَفَعَلَتْ [ ص 686 ] فَلَمّا فَتَحَ اللّهُ خَيْبَرَ رَضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ وَلَمْ يُسْهِمْ وَأَخَذَ هَذِهِ الْقِلَادَةَ الّتِي تَرَيْنَ فِي عُنُقِي فَأَعْطَانِيهَا وَعَلّقَهَا بِيَدِهِ فِي عُنُقِي ، فَوَاَللّهِ لَا تُفَارِقُنِي أَبَدًا . وَكَانَتْ فِي عُنُقِهَا حَتّى مَاتَتْ وَأَوْصَتْ أَنْ تُدْفَنَ مَعَهَا ، وَكَانَتْ لَا تَطْهُرُ إلّا وَجَعَلَتْ فِي طَهُورِهَا مِلْحًا ، وَأَوْصَتْ أَنْ يُجْعَلَ فِي غَسْلِهَا مِلْحٌ حِينَ غَسَلَتْ .
حَدّثَنِي عَبْدُ السّلَامِ بْنُ مُوسَى بْنِ جُبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْس ، قَالَ خَرَجْت مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى خَيْبَرَ وَمَعِي زَوْجَتِي حُبْلَى ، فَنُفِسَتْ بِالطّرِيقِ فَأَخْبَرَتْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ انْقَعْ لَهَا تَمْرًا فَإِذَا أَنْعَمَ بَلّهُ فَامْرُثْهُ ثُمّ تَشْرَبُهُ . فَفَعَلَتْ فَمَا رَأَتْ شَيْئًا تَكْرَهُهُ . فَلَمّا فَتَحْنَا خَيْبَرَ أَحْذَى النّسَاءَ وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُنّ فَأَحْذَى زَوْجَتِي وَوَلَدِي الّذِي وُلِدَ . قَالَ عَبْدُ السّلَامِ لَسْت أَدْرِي غُلَامٌ أَمْ جَارِيَةٌ .
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ أُمّ الْعَلَاءِ الْأَنْصَارِيّةِ قَالَتْ فَأَصَابَنِي ثَلَاثُ خَرَزَاتٍ وَكَذَلِك أَصَابَ صَوَاحِبِي ، وَأُتِيَ يَوْمئِذٍ بِرِعَاثٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ هَذَا لِبَنَاتِ أَخِي سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ فَقَدِمَ بِهَا عَلَيْهِنّ فَرَأَيْت ذَلِكَ الرّعَاثَ عَلَيْهِنّ وَذَلِكَ مِنْ خُمُسِهِ يَوْمَ خَيْبَرَ .
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي يَحْيَى ، عَنْ ثُبَيْتَةَ بِنْتِ حَنْظَلَةَ الْأَسْلَمِيّة ، عَنْ أُمّهَا أُمّ سِنَانٍ قَالَتْ لَمّا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخُرُوجَ [ ص 687 ] جِئْته فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَخْرُجُ مَعَك فِي وَجْهِك هَذَا ، أَخْرِزُ السّقَاءَ وَأُدَاوِي الْمَرْضَى وَالْجَرِيحَ إنْ كَانَتْ جِرَاحٌ - وَلَا يَكُونُ - وَأَنْظُرُ الرّحْلَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُخْرُجِي عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ فَإِنّ لَك صَوَاحِبُ قَدْ كَلّمْنَنِي وَأَذِنَتْ لَهُنّ مِنْ قَوْمِك وَمِنْ غَيْرِهِمْ فَإِنْ شِئْت فَمَعَ قَوْمِك وَإِنْ شِئْت فَمَعَنَا . قُلْت : مَعَك قَالَ فَكُونِي مَعَ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَتِي . قَالَتْ فَكُنْت مَعَهَا ، فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَغْدُو مِنْ الرّجِيعِ كُلّ يَوْمٍ عَلَيْهِ الدّرْعُ فَإِذَا أَمْسَى رَجَعَ إلَيْنَا ، فَمَكَثَ عَلَى ذَلِكَ سَبْعَةِ أَيّامٍ حَتّى فَتَحَ اللّهُ النّطَاةَ ، فَلَمّا فَتَحَهَا تَحَوّلَ إلَى الشّقّ وَحَوْلَنَا إلَى الْمَنْزِلَةِ فَلَمّا فَتَحَ خَيْبَرَ رَضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ فَأَعْطَانِي خَرْزًا وَأَوْضَاحًا مِنْ فِضّةٍ أُصِيبَتْ فِي الْمَغْنَمِ وَأَعْطَانِي قَطِيفَةً فَدَكِيّةً وَبُرْدًا يَمَانِيًا ، وَخَمَائِلَ وَقِدْرًا مِنْ صُفْرٍ . وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ قَدْ جَرَحُوا فَكُنْت أُدَاوِيهِمْ بِدَوَاءٍ كَانَ عِنْدَ أَهْلِي فَيَبْرَءُونَ فَرَجَعْت مَعَ أُمّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ لِي حِينَ أَرَدْنَا نَدْخُلُ الْمَدِينَةَ ، وَكُنْت عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إبِلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنَحَهُ لِي ، فَقَالَتْ بَعِيرُك الّذِي تَحْتَك لَك رَقَبَتُهُ أَعْطَاكِيهِ رَسُولُ اللّهِ . قَالَتْ فَحَمِدْت اللّهَ وَقَدِمْت بِالْبَعِيرِ فَبِعْته بِسَبْعَةِ دَنَانِيرَ . قَالَتْ فَجَعَلَ اللّهُ فِي وَجْهِي ذَلِكَ خَيْرًا .
قَالُوا : فَأَسْهَمَ لِلنّسَاءِ وَأَسْهَمَ لِسَهْلَةَ بِنْتِ عَاصِمٍ وَلَدَتْ بِخَيْبَرَ وَوُلِدَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْس بِخَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لِلنّسَاءِ وَالصّبْيَانِ . وَيُقَالُ رَضَخَ لِلنّسَاءِ وَالصّبْيَانِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ كَأَهْلِ الْجِهَادِ .
[ ص 688 ] وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ رَأَيْت فِي رَقَبَةِ أُمّ عُمَارَةَ خَرْزًا حُمْرًا فَسَأَلْتهَا عَنْ الْخَرْزِ فَقَالَتْ أَصَابَ الْمُسْلِمُونَ خَرْزًا فِي حِصْنِ الصّعْبِ بْنِ مُعَاذٍ دُفِنَ فِي الْأَرْضِ فَأُتِيَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِهِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ النّسَاءِ فَأُحْصِينَ فَكُنّا عِشْرِينَ امْرَأَةً فَقَسَمَ ذَلِكَ الْخَرْزَ بَيْنَنَا هَذَا وَأَرْضَخَ لَنَا مِنْ الْفَيْءِ قَطِيفَةً وَبُرْدًا يَمَانِيًا وَدِينَارَيْنِ وَكَذَلِك أَعْطَى صَوَاحِبِي . قُلْت : فَكَمْ كَانَتْ سُهْمَانُ الرّجَالِ ؟ قَالَتْ ابْتَاعَ زَوْجِي غَزِيّةُ بْنُ عَمْرٍو مَتَاعًا بِأَحَدَ عَشَرَ دِينَارًا وَنِصْفٍ فَلَمْ يُطَالِبْ بِشَيْءٍ فَظَنَنّا أَنّ هَذِهِ سُهْمَانُ الْفُرْسَانِ - وَكَانَ فَارِسًا - وَبَاعَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ فِي الشّق زَمَنَ عُثْمَانَ بِثَلَاثِينَ دِينَارًا .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَادَ فِي خَيْبَرَ ثَلَاثَةَ أَفْرَاسٍ لِزَازٍ وَالظّربِ وَالسّكبِ وَكَانَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ قَدْ قَادَ أَفْرَاسًا ، وَكَانَ خرَاشُ بْنُ الصّمّةِ قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ أَوْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْجَعْدِ بْنِ عَوْفٍ - أَبُو إِبْرَاهِيمَ بْنِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي أَرْضَعَهُ - قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ وَكَانَ أَبُو عَمْرو الْأَنْصَارِيّ قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ .
قَالَ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِكُلّ مَنْ كَانَ لَهُ فَرَسَانِ خَمْسَةَ أَسْهُمٍ أَرْبَعَةً لِفَرَسَيْهِ وَسَهْمًا لَهُ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ فَرَسَيْنِ لَمْ يُسْهِمْ لَهُ .
وَيُقَالُ إِنّهُ لَمْ يُسْهِمْ إِلّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ وَأَثْبَتَ ذَلِكَ أَنّهُ أَسْهَمَ لِفَرَسٍ وَاحِدٍ .
وَيُقَالُ إِنّهُ عَرّبَ الْعَرَبِيّ يَوْمَ خَيْبَرَ وَهَجّنَ الْهَجِينَ فَأَسْهَمَ لِلْعَرَبِيّ وَأَلْقَى الْهَجِينَ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَكُنْ الْهَجِينُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إِنّمَا كَانَتْ الْعرابُ حَتّى كَانَ زَمَنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ [ ص 689 ] وَفَتَحَ الْعِرَاق َ وَالشّامَ ، وَلَمْ يَسْمَعْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضَرَبَ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْخَيْلِ لِنَفْسِهِ إِلّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ هُوَ مَعْرُوفٌ سَهْمُ الْفَرَسِ .
وَسَهْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّطَاةِ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسِهِ سَهْمَانِ وَلَهُ سَهْمٌ كَانَ مَعَ عَاصِمِ بْنِ عَدِيّ .
(1/685)
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة ، قَالَ خَرَجَ سُوِيدُ بْنُ النّعْمَانِ عَلَى فَرَسٍ فَلَمّا نَظَرَ إلَى بُيُوتِ خَيْبَرَ فِي اللّيْلِ وَقَعَ بِهِ الْفَرَسُ ، فَعَطَبَ الْفَرَسُ وَكُسِرَتْ يَدُ سُوَيْد ، فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَنْزِلِهِ حَتّى فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ ، فَأَسْهَمَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَهْمَ فَارِسَ .
قَالُوا : وَكَانَتْ الْخَيْلُ مِائَتَيْ فَرَسٍ . وَيُقَالُ ثَلَاثُمِائَةِ وَمِائَتَانِ أَثْبَتُ عِنْدَنَا . وَكَانَ الّذِي وَلِيَ إحْصَاءَ الْمُسْلِمِينَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَسَمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمْ الّذِي غَنِمُوا مِنْ الْمَتَاعِ الّذِي بِيعَ ثُمّ أَحَصَاهُمْ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةِ وَالْخَيْلُ مِائَتَيْ فَرَسٍ . فَكَانَتْ السّهْمَانُ عَلَى ثَمَانِيّةَ عَشَرَ سَهْمًا ، وَهُمْ الّذِينَ ضَرَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّهْمَانِ وَلِخَيْلِهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً وَالْخَيْلُ مِائَتَيْ فَرَسٍ لَهَا أَرْبَعُمِائَةِ سَهْمٍ . فَكَانَتْ سُهْمَانُ الْمُسْلِمِينَ الّتِي أَسْهَمَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّطَاةِ أَوْ فِي الشّقّ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ فَوْضَى لَمْ تُعْرَفْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ تُحَدّ وَلَمْ تُقْسَمْ إنّمَا لَهَا رُؤَسَاءُ مُسَمّوْنَ لِكُلّ مِائَةِ رَأْسٍ يُعْرَفُ يُقْسَمُ عَلَى أَصْحَابِهِ مَا خَرَجَ مِنْ غَلّتِهَا ، فَكَانَ رُؤَسَاؤُهُمْ فِي الشّقّ وَالنّطَاةِ : عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ . وَسَهْمُ بَنِي سَاعِدَةَ وَسَهْمُ بَنِي النّجّارِ لَهُمْ رَأْسٌ وَسَهْمُ [ ص 690 ] حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَهْمُ أَسْلَمَ وَغِفَارٍ ، وَسَهْمُ بَنِي سَلَمَةَ - وَكَانُوا أَكْثَرَ وَرَأَسَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - وَسَهْمُ عُبَيْدَةَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَسَهْمُ أَوْسٍ وَسَهْمُ بَنِي الزّبَيْرِ وَسَهْمُ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَسَهْمُ بِلْحَارِث بْنِ الْخَزْرَجِ ، رَأْسُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَسَهْمُ بَيَاضَةَ رَأْسُهُ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو ، وَسَهْمُ نَاعِمٍ . فَهَذِهِ ثَمَانِيّةَ عَشَرَ سَهْمًا فِي الشّقّ وَالنّطَاةِ فَوْضَى يَقْبِضُ رُؤَسَاؤُهُمْ الْغَلّةُ مِنْهُ ثُمّ يُفِضْ عَلَيْهِمْ وَيَبِيعُ الرّجُلُ سَهْمَهُ فَيَجُوزُ ذَلِكَ . وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ سَهْمَهُ بِخَيْبَرَ بِبَعِيرَيْنِ ثُمّ قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْلَمُ أَنّ الّذِي آخُذُ مِنْك خَيْرٌ مِنْ الّذِي أُعْطِيك ، وَاَلّذِي أُعْطِيك دُونَ الّذِي آخُذُ مِنْك ، وَإِنْ شِئْت فَخُذْ وَإِنْ شِئْت فَأَمْسِكْ فَأَخَذَ الْغِفَارِيّ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَشْتَرِي مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَهْمٍ وَأَخَذَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمْ مِائَةٌ وَهُوَ سَهْمٌ أَوْسٍ كَانَ يُسَمّى سَهْمَ اللّفِيفِ حَقّ صَارَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَابْتَاعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ سَهْمِ أَسْلَمَ سُهْمَانًا ، وَيُقَالُ إنّ أَسْلَمَ كَانُوا بَضْعَةً وَسَبْعِينَ وَغِفَارٌ بَضْعَةٌ وَعِشْرِينَ فَكَانُوا مِائَةً وَيُقَالُ كَانَتْ أَسْلَمُ مِائَةً وَسَبْعِينَ وَغِفَارٌ بِضْعَةً وَعِشْرِينَ وَهَذَا مِائَتَا سَهْمٍ وَالْقَوْلُ [ الْأَوّلُ ] أَثْبَتُ عِنْدَنَا .
(1/690)
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا فَتَحَ خَيْبَرَ سَأَلَهُ الْيَهُودُ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ نَحْنُ أَرْبَابُ النّخْلِ وَأَهْلُ الْمَعْرِفَة بِهَا . فَسَاقَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ عَلَى شَطْرٍ مِنْ التّمْرِ وَالزّرْعِ وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُقِرّكُمْ عَلَى مَا أَقَرّكُمْ اللّهُ . [ ص 691 ] فَكَانُوا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تُوُفّيَ وَأَبِي بَكْرٍ ، وَصَدْرٍ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ النّخْلَ فَكَانَ يَخْرُصُهَا فَإِذَا خَرَصَ قَالَ إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ وَتَضْمَنُونَ نِصْفَ مَا خَرَصْت ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَلَنَا وَنَضْمَنُ لَكُمْ مَا خَرَصْت . وَإِنّهُ خَرَصَ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ أَلْفَ وَسْقٍ فَجَمَعُوا لَهُ حُلِيّا مِنْ حُلِيّ نِسَائِهِمْ فَقَالُوا : هَذَا لَك ، وَتَجَاوَزْ فِي الْقَسْمِ . فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، وَاَللّهِ إنّكُمْ لَمِنْ أَبْغَضِ خَلْقِ اللّهِ إلَيّ وَمَا ذَاكَ يَحْمِلُنِي أَنْ أَحِيفَ عَلَيْكُمْ . قَالُوا : بِهَذَا قَامَتْ السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ فَلَمّا قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيهَانِ يَخْرُصُ عَلَيْهِمْ وَيُقَالُ جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ ، فَكَانَ يَصْنَعُ بِهِمْ مِثْلَ مَا كَانَ يَصْنَعُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَيُقَالُ الّذِي خَرَصَ بَعْدَ ابْنِ رَوَاحَةَ عَلَيْهِمْ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو . قَالُوا : وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقَعُونَ فِي حَرْثِهِمْ وَبَقْلِهِمْ بَعْدَ الْمُسَاقَاةِ وَبَعْدَ أَنْ صَارَ لِيَهُودَ نِصْفُهُ فَشَكَتْ الْيَهُودُ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَيُقَالُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، فَنَادَى : إنّ الصّلَاةَ جَامِعَةٌ وَلَا يَدْخُلْ الْجَنّةَ إلّا مُسْلِمٌ . فَاجْتَمَعَ النّاسُ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنّ الْيَهُودَ شَكَوْا إلَيّ أَنّكُمْ وَقَعْتُمْ فِي حَظَائِرِهِمْ وَقَدْ أَمّنّاهُمْ عَلَى دِمَائِهِمْ وَعَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاَلّذِي فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَرَاضِيِهِمْ وَعَامَلْنَاهُمْ وَإِنّهُ لَا تَحِلّ أَمْوَالُ الْمُعَاهَدِينَ إلّا بِحَقّهَا . وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَأْخُذُونَ مِنْ بِقَوْلِهِمْ شَيْئًا إلّا بِثَمَنٍ فَرُبّمَا قَالَ الْيَهُودِيّ لِلْمُسْلِمِ أَنَا أُعْطِيكَهُ بَاطِلًا فَيَأْبَى الْمُسْلِمُ إلّا بِثَمَنٍ .
(1/691)
قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَقَدْ اخْتَلَفَ عَلَيْنَا فِي الْكَتِيبَةِ ، فَقَالَ قَائِلٌ كَانَتْ [ ص 692 ] لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِصَةً وَلَمْ يُوجِفْ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ إنّمَا كَانَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُوحٍ عَنْ ابْنِ غُفَيْر ، وَمُوسَى بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ . وَحَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ ذَلِكَ . وَقَالَ قَائِلٌ هِيَ خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ ، مِنْ الشّقّ وَالنّطَاةِ . وَحَدّثَنِي قُدَامَة بْنُ مُوسَى ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ كَتَبَ إلَيّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي خِلَافَتِهِ أَنْ افْحَصْ لِي عَنْ الْكَتِيبَةِ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَسَأَلْت عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرّحْمَنِ فَقَالَتْ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا صَالَحَ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ جَزّأَ النّطَاةَ وَالشّقّ وَالْكَتِيبَةَ خَمْسَةَ أَجْزَاءٍ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ جُزْءًا مِنْهَا ، ثُمّ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَ بَعَرَاتٍ وَأَعْلَمَ فِي بَعْرَةٍ مِنْهَا ، فَجَعَلَهَا لِلّهِ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اجْعَلْ سَهْمَك فِي الْكَتِيبَةِ فَكَانَ أَوّلَ مَا خَرَجَ مِنْهَا الّذِي فِيهِ مَكْتُوبٌ عَلَى الْكَتِيبَةِ ، فَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ خُمُسَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ السّهْمَانُ أَغْفَالًا لَيْسَ عَلَيْهَا عَلَامَاتٌ وَكَانَتْ فَوْضَى لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى ثَمَانِيّةَ عَشَرَ سَهْمًا . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَكَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ .
وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي مَالِكٍ عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيّصَة ، قَالَ لَمّا خَرَجَ سَهْمُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ الشّقّ وَالنّطَاةُ أَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ لِلْمُسْلِمِينَ فَوْضَى .
وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَوْنٍ ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْحِمْيَرِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ [ ص 693 ] الْمُسَيّبِ ، وَحَدّثَنِي مُحَمّدٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ الْكَتِيبَةُ خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُطْعِمُ مَنْ أَطْعَمَ فِي الْكَتِيبَةِ وَيُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَالثّبْتُ عِنْدَنَا أَنّهَا خُمُسُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ ، لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يُطْعِمْ مِنْ الشّقّ وَالنّطَاةِ أَحَدًا وَجَعَلَهَا سَهْمَانَا لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَتْ الْكَتِيبَةُ الّتِي أَطْعَمَ فِيهَا . كَانَتْ الْكَتِيبَةُ تُخْرَصُ ثَمَانِيّةُ آلَافِ وَسْقٍ تَمْرٍ فَكَانَ لِلْيَهُودِ نِصْفُهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَكَانَ يُزْرَعُ فِي الْكَتِيبَةِ شَعِيرٌ فَكَانَ يَحْصُدُ مِنْهَا ثَلَاثَةَ آلَافِ صَاعٍ فَكَانَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِصْفُهُ أَلْفُ وَخَمْسُمِائَةِ صَاعٍ شَعِيرٌ وَكَانَ يَكُونُ فِيهَا نَوًى فَرُبّمَا اجْتَمَعَ أَلْفُ صَاعٍ فَيَكُونُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِصْفُهُ فَكُلّ هَذَا قَدْ أَعْطَى مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ وَالنّوَى .
(1/692)
تَسْمِيَةُ سُهْمَانِ الْكَتِيبَةِ خُمُسُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحْدَهُ وَسُلَالِم ، وَالْجَاسِمَيْنِ وَسَهْمَا النّسَاءِ وَسَهْمَا مَقْسَمٍ - وَكَانَ يَهُودِيّا - وَسَهْمَا عَوَانٍ وَسَهْمُ غِرّيث ، وَسَهْمُ نُعَيْمٍ وَهُوَ اثْنَا عَشَرَ سَهْمًا .
(1/692)
==
ذِكْرُ طُعْمِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْكَتِيبَةِ أَزْوَاجَهُ وَغَيْرَهُمْ أَطْعَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ ثَمَانِينَ وَسْقًا تَمْرًا وَعِشْرِينَ وَسْقًا شَعِيرًا . وَلِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ مِائَتَيْ وَسْقٍ وَلِفَاطِمَةَ وَعَلِيّ [ ص 694 ] عَلَيْهِمَا السّلَامُ مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ ثَلَاثُمِائَةِ وَسْقٍ وَالشّعِيرُ مِنْ ذَلِكَ خَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ وَسْقًا ، لِفَاطِمَةَ مِنْ ذَلِكَ مِائَتَا وَسْقٍ . وَلِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ مِنْهَا أَرْبَعُونَ شَعِيرًا وَخَمْسُونَ وَسْقًا نَوًى ، وَلِأُمّ رِمْثَةَ بِنْتِ عُمَرَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ خَمْسَةُ أَوْسَاقٍ شَعِيرًا ، وَلِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرِو خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا شَعِيرًا .
وَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَمّتِهِ عَنْ أُمّهَا ، قَالَتْ بِعْنَا طُعْمَةَ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو مِنْ خَيْبَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا شَعِيرًا مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ .
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ لِأَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ مِائَةَ وَسْقٍ . وَلِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ وَلِبَنِي جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِرَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِب ِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِلصّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأَبِي نَبْقَةَ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِرُكَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِلْقَاسِمِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِمِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ بْنِ عَبّادٍ وَأُخْتِهِ هِنْدٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِصَفِيّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِبُحَيْنَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِضُبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِلْحُصَيْنِ وَخَدِيجَةَ وَهِنْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ مِائَةَ وَسْقٍ وَلِأُمّ الْحَكَمِ بِنْتِ الزّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، ولِجُمَانَةَ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ طَالِبٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِقَيْسِ بْنِ [ ص 695 ] مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِأَبِي أَرْقَمَ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْر ٍ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِأَبِي بَصْرَةَ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِابْنِ أَبِي حُبَيْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِعَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبٍ وَابْنَيْهِ خَمْسِينَ وَسْقًا ، لَابْنَيْهِ أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، وَلِنُمَيْلَةَ الْكَلْبِيّ مِنْ بَنِي لَيْثٍ خَمْسِينَ وَسْقًا ، وَلِأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِمَلْكَانَ بْنِ عِبْدَةَ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَلِمُحَيّصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ثَلَاثِينَ وَسْقًا ، وَأَوْصَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلرّهَاوِيّينَ بِطُعْمَةٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَلِلدّارِيَيْنِ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَهُمْ عَشَرَةٌ مِنْ الدّارِيّينَ قَدِمُوا مِنْ الشّامِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَوْصَى لَهُمْ بِطُعْمَةِ مِائَةِ وَسْقٍ هَانِئُ بْنُ حَبِيبٍ وَالْفَاكِهُ بْنُ النّعْمَانِ وَجَبَلَة بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هِنْدِ بْنِ بَرّ وَأَخُوهُ الطّيّبُ بْنُ بَرّ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ وَتَمِيمُ بْنُ أَوْسٍ وَنُعَيْمُ بْنُ أَوْسٍ ، وَيَزِيدُ بْنُ قَيْسٍ ، وَعَزِيزُ بْنُ مَالِكٍ سَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَأَخُوهُ مُرّةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَوْصَى لِلْأَشْعَرِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ .
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ أَبِي حَيّةَ قَالَ حَدّثَنَا ابْنُ الثّلْجِيّ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ لَمْ يُوصِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ لَلدّارِيَيْنِ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَلِلْأَشْعَرِيّينَ بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَلِلرّهَاوِيّين بِجَادّ مِائَةِ وَسْقٍ وَأَنْ يَنْفُذَ جَيْشُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقَدَ لَهُ [ ص 696 ] إلَى مَقْتَلِ أَبِيهِ وَأَلّا يَتْرُكَ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ .
قَالُوا : ثُمّ اسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جِبْرِيلَ فِي قَسْمِ خُمُسِ خَيْبَرَ فَأَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْسِمَهُ فِي بَنِي هَاشِم ٍ وَبَنِي الْمُطّلِبِ وَبَنِي عَبْدِ يَغُوثَ .
وَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ قَالَ قَالَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ : لَمّا قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَوِي الْقُرْبَى بِخَيْبَرَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطّلِب ِ مَشَيْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ حَتّى دَخَلْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَؤُلَاءِ إخْوَانُنَا مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِمَكَانِك الّذِي وَضَعَك اللّهُ بِهِ مِنْهُمْ أَفَرَأَيْت إخْوَانَنَا مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ ، إنّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْك بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ أَعْطَيْتهمْ وَتَرَكَتْنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ بَنِي الْمُطّلِب ِ لَمْ يُفَارِقُونِي فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ دَخَلُوا مَعَنَا فِي الشّعْبِ ، إنّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبّكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ
قَالُوا : وَكَانَ عَبْدُ الْمُطّلِبِ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدّثُ قَالَ اجْتَمَعَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَالَا : لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلَامَيْنِ - لِي وَلِلْفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ - إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَلّمَاهُ فَأَمّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصّدَقَاتِ فَأَدّيَا مَا يُؤَدّي النّاسُ وَأَصَابَا مَا يُصِيبُونَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ . فَبُعِثَ بِي وَالْفَضْلِ فَخَرَجْنَا حَتّى جِئْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَبَقْنَاهُ وَانْصَرَفَ إلَيْنَا مِنْ الظّهْرِ وَقَدْ وَقَفْنَا لَهُ عِنْدَ حُجْرَةِ زَيْنَبَ فَأَخَذَ بِمَنَاكِبِهِمَا فَقَالَ أَخْرِجَا مَا تُسِرّانِ فَلَمّا دَخَلَ دَخَلَا عَلَيْهِ فَكَلّمَاهُ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْنَاك لِتُؤَمّرَنَا عَلَى هَذِهِ الصّدَقَاتِ فَنُؤَدّي مَا يُؤَدّي النّاسُ وَنُصِيبُ مَا يُصِيبُونَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ . فَسَكَتَ وَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ إنّ الصّدَقَةَ لَا تَحِلّ لِمُحَمّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمّدٍ إنّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النّاسِ . اُدْعُ لِي مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِيّ وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . فَقَالَ لِمَحْمِيَةَ زَوّجْ هَذَا ابْنَتَك - لِلْفَضْلِ . وَقَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ زَوّجْ هَذَا ابْنَتَك - لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ . وَقَالَ لِمَحْمِيَةَ أَصْدِقْ عَنْهُمَا مِمّا عِنْدَك مِنْ الْخُمُسِ [ ص 697 ] وَكَانَ يَكُونُ عَلَى الْخُمُسِ . فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ قَدْ دَعَانَا عُمَرُ إلَى أَنْ يَنْكِحَ فِيهِ أَيَامَانَا وَيَخْدِمُ مِنْهُ عَائِلَنَا ، وَيُقْضَى مِنْهُ غَارِمُنَا ، فَأَبَيْنَا عَلَيْهِ إلّا أَنْ يُسَلّمَهُ كُلّهُ وَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا .
(1/694)
حَدّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيّا عَلَيْهِمْ السّلَامُ جَعَلُوا هَذَيْنِ السّهْمَيْنِ عَلَى الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ . وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي السّلَاحِ وَالْعُدّةِ فِي سَبِيلِ اللّهِ . وَكَانَتْ تِلْكَ الطّعْمَةُ تُؤْخَذُ بِصَاعِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَيَاتِهِ وَفِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، وَمُعَاوِيَةَ ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ حَتّى كَانَ يَحْيَى بْنُ الْحَكَمِ فَزَادَ فِي الصّاعِ سُدُسَ الْمُدّ فَأَعْطَى لِلنّاسِ بِالصّاعِ الّذِي زَادَ ثُمّ كَانَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ فَزَادَ فِيهِ فَأَعْطَاهُمْ بِذَلِكَ وَكَانَ مَنْ مَاتَ مِنْ الْمُطْعِمِينَ أَوْ قُتِلَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ فَإِنّهُ يَرِثُهُ تِلْكَ الطّعْمَةَ مِنْ وِرْثِ مَالِهِ . فَلَمّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ قَبَضَ طُعْمَةَ كُلّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوَرّثْهُ فَقَبَضَ طُعْمَةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، وَقَبَضَ طُعْمَةَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، وَكَلّمَهُ فِيهِ [ ص 698 ] عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَأَبَى ، وَقَبَضَ طُعْمَةَ صَفِيّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَكَلّمَهُ الزّبَيْرُ فِي ذَلِكَ حَتّى غَالَظَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ بُرْدَهُ فَلَمّا أَلَحّ عَلَيْهِ قَالَ أُعْطِيك بَعْضَهُ . قَالَ الزّبَيْرُ لَا وَاَللّهِ لَا تُخَلّفْ تَمْرَةً وَاحِدَةً تَحْبِسُهَا عَنّي فَأَبَى عُمَرُ تَسْلِيمَهُ كُلّهُ إلَيْهِ . قَالَ الزّبَيْرُ لَا آخُذُهُ إلّا جَمِيعًا فَأَبَى عُمَرُ وَأَبَى أَنْ يَرُدّ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ . وَقَبَضَ طُعْمَةَ فَاطِمَةَ فَكَلَمْ فِيهَا فَأَبَى أَنْ يَفْعَلَ . وَكَانَ يُجِيزُ لِأَزْوَاجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعْنَ فَمَاتَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فِي خِلَافَتِهِ فَخَلّى بَيْنَ وَرَثَتِهَا وَبَيْنَ تِلْكَ الطّعْمَةِ وَأَجَازَ مَا صَنَعْنَ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ وَوَرِثَ ذَلِكَ كُلّ مَنْ وَرّثَهُنّ وَلَمْ يَفْعَلْ بِغَيْرِهِنّ . وَأَبَى أَنْ يُجِيزَ بَيْعَ مَنْ بَاعَ تِلْكَ الطّعْمَةِ وَقَالَ هَذَا شَيْءٌ لَا يُعْرَفُ إذَا مَاتَ الْمُطْعِمُ بَطَلَ حَقّهُ فَكَيْفَ يَجُوزُ بَيْعُهُ ؟ إلّا أَزْوَاجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهُ أَجَازَ مَا صَنَعْنَ فَلَمّا وَلِيَ عُثْمَانُ كَلّمَ فِي تِلْكَ الطّعْمَةِ فَرَدّ عَلَى أُسَامَةَ وَلَمْ يَرُدّ عَلَى غَيْره . فَكَلّمَهُ الزّبَيْرُ فِي طُعْمَةِ صَفِيّةَ أُمّهِ فَأَبَى يَرُدّهُ وَقَالَ أَنَا حَاضِرُك حِينَ تَكَلّمَ عُمَرُ وَعُمَرُ يَأْبَى عَلَيْك يَقُولُ « خُذْ بَعْضَهُ » ، فَأَنَا أُعْطِيك بَعْضَهُ الّذِي عَرَضَ عَلَيْك عُمَرُ أَنَا أُعْطِيك الثّلُثَيْنِ وَأَحْتَبِسُ الثّلُثَ . فَقَالَ الزّبَيْرُ لَا وَاَللّهِ لَا تَمْرَةً وَاحِدَةً حَتّى تُسَلّمَهُ كُلّهُ أَوْ تَحْتَبِسَهُ .
حَدّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا تُوُفّيَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ وَلَدُهُ وَرَثَتُهُ يَأْخُذُونَ طُعْمَتَهُ مِنْ خَيْبَرَ ، مِائَةَ وَسْقٍ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَوَرِثَتْ امْرَأَتُهُ أُمّ رُومَانَ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ عُوَيْمِرٍ الْكِنَانِيّةُ ، وَحَبِيبَةُ بِنْتُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ [ ص 699 ] فَلَمْ يَزَلْ جَارِيًا عَلَيْهِنّ حَتّى كَانَ زَمَنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَوْ بَعْدَهُ فَقُطِعَ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ سَأَلْت إبْرَاهِيمَ بْنَ جَعْفَرٍ عَمّنْ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ فَقَالَ لَا تَسْأَلْ عَنْهُ أَحَدًا أَبَدًا أَعْلَمَ مِنّي ، كَانَ مَنْ أُعْطِيَ مِنْهُ طُعْمَةٌ جَرَتْ عَلَيْهِ حَتّى يَمُوتَ ثُمّ يَرِثُهُ مِنْ وَرَثَتِهِ يَبِيعُونَ وَيُطْعِمُونَ وَيَهَبُونَ كَانَ هَذَا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ . قُلْت : مِمّنْ سَمِعْت ذَلِكَ ؟ قَالَ مِنْ أَبِي وَغَيْرِهِ مِنْ قَوْمِي . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ فَذَكَرْت لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنّ عُمَرَ كَانَ يَقْبِضُ تِلْكَ الطّعْمَةَ إذَا مَاتَ الْمَيّتُ فِي حَيَاةِ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَغَيْرِهِنّ . ثُمّ يَقُولُ تُوُفّيَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ فِي سَنَةِ عِشْرِينَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ فَقَبَضَ طُعْمَتِهَا ، فَكَلّمَ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهَا الْوَرَثَةَ . قَالَ إنّمَا كَانَتْ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طُعْمَةً مَا كَانَ الْمَرْءُ حَيّا ، فَإِذَا مَاتَ فَلَا حَقّ لِوَرَثَتِهِ . قَالَ فَكَانَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ حَتّى تُوُفّيَ ثُمّ وَلِيَ عُثْمَانُ . وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَطْعَمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ طُعْمَةً مِنْ خَيْبَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهَا كِتَابٌ فَلَمّا تُوُفّيَ زَيْدٌ جَعَلَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ . قُلْت : فَإِنّ بَعْضَ مَنْ يَرْوِي يَقُولُ كَلّمَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عُمَرَ وَعُثْمَانَ فِي طُعْمَةِ أَبِيهِ فَأَبَى ، قَالَ مَا كَانَ إلّا كَمَا أَخْبَرْتُك . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ هَذَا الْأَمْرُ .
(1/698)
تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِخَيْبَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ مِنْ حُلَفَائِهِمْ رَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ قُتِلَ بِالنّطَاةِ ، قَتَلَهُ الْحَارِثُ الْيَهُودِيّ ، وَثَقْفُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُمَيْطٍ قَتَلَهُ أُسَيْرٌ الْيَهُودِيّ ، وَرِفَاعَةُ بْنُ [ ص 700 ] مَسْرُوحٍ ، قَتَلَهُ الْحَارِثُ الْيَهُودِيّ . وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ وَهْبٍ حَلِيفٌ لَهُمْ وَهُوَ ابْنُ أُخْتِهِمْ قُتِلَ بِالنّطَاةِ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ مَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ دَلّى عَلَيْهِ مَرْحَبٌ رَحًى مِنْ حِصْنِ نَاعِمٍ بِالنّطَاةِ . وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ أَبُو الضّيّاحِ بْنِ النّعْمَانِ شَهِدَ بَدْرًا، وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَعَدِيّ بْنُ مُرّةَ بْنِ سُرَاقَةَ وَأَوْسُ بْنُ حَبِيبٍ قُتِلَ عَلَى حِصْنِ نَاعِمٍ ، وَأُنَيْفُ بْنُ وَائِلَةَ قُتِلَ عَلَى حِصْنِ نَاعِمٍ . وَمِنْ بَنِي زُرَيْق ٍ مَسْعُودُ بْنُ سَعْدٍ ، قَتَلَهُ مَرْحَبٌ . وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ : بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ، مَاتَ مِنْ الشّاةِ الْمَسْمُومَةِ وَفُضَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ ، وَهُوَ مِنْ الْعَرَبِ ، مِنْ أَسْلَمَ ، وَعَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ ، أَصَابَ نَفْسَهُ عَلَى حِصْنِ نَاعِمٍ فَدُفِنَ هُوَ وَمَحْمُودُ بْنُ مَسْلَمَةَ فِي غَارٍ وَاحِدٍ بِالرّجِيعِ . وَمِنْ بَنِي غِفَارٍ : عُمَارَةُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ مُلَيْلٍ وَيَسَارٌ الْعَبْدُ الْأَسْوَدُ وَرَجُلٌ مِنْ أَشْجَعَ فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا . وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الصّلَاةِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ قَائِلٌ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ قَائِلٌ لَمْ يُصَلّ عَلَيْهِمْ . وَقُتِلَ مِنْ الْيَهُودِ ثَلَاثَةٌ وَتِسْعُونَ رَجُلًا . وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَبَلَة بْنَ جَوّالٍ الثّعْلَبِيّ كُلّ دَاجِنٍ بِخَيْبَرَ ، وَيُقَالُ أَعْطَاهُ كُلّ دَاجِنٍ فِي النّطَاةِ ، وَلَمْ يُعْطِهِ مِنْ الْكَتِيبَةِ وَلَا مِنْ الشّقّ شَيْئًا .
(1/700)
======
ذِكْرُ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي خَيْبَرَ [ ص 701 ] قَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيّ
يَا عِبَادَ اللّهِ فِيمَا نَرْغَبْ
مَا هُوَ إلّا مَأْكَلٌ وَمَشْرَبْ
وَجَنّةٌ فِيهَا نَعِيمٌ مُعْجِبْ
وَقَالَ أَيْضًا :
أَنَا لِمَنْ أَبْصَرَنِي ابْنُ جُنْدُبْ
يَا رَبّ قِرْنٍ قَدْ تَرَكْت أَنْكَبْ
طَاحَ عَلَيْهِ أَنْسُرٌ وَثَعْلَبْ
أَنْشَدَنِي هَذَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ مِنْ وَلَدِ نَاجِيَةَ قَالَ مَا زِلْت أَرْوِيهَا لِأَبِي وَأَنَا غُلَامٌ .
حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ الرّهَانِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ حَيْنَ سَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى خَيْبَرَ فَقَالَ كَانَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى يَقُولُ انْصَرَفْت مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَنَا مُسْتَيْقِنٌ أَنّ مُحَمّدًا سَيَظْهَرُ عَلَى الْخَلْقِ وَتَأْبَى حَمِيّةُ الشّيْطَانِ إلّا لُزُومَ دِينِي ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ فَخَبّرَنَا أَنّ مُحَمّدًا سَارَ إلَى خَيَابِرَ وَأَنّ خَيَابِرَ قَدْ جَمَعَتْ الْجَمُوعَ فَمُحَمّدٌ لَا يُفْلِتُ إلَى أَنْ قَالَ عَبّاسٌ مَنْ شَاءَ بَايَعْته لَا يُفْلِتُ مُحَمّدٌ . فَقُلْت : أَنَا أُخَاطِرُك . فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ : أَنَا مَعَك يَا عَبّاسُ . وَقَالَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ [ ص 702 ] أَنَا مَعَك يَا عَبّاسُ .
وَضَوَى إلَيّ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَتَخَاطَرْنَا مِائَةَ بَعِيرٍ خُمَاسًا إلَى مِائَةِ بَعِيرٍ أَقُولُ أَنَا وَحَيّزِي « يَظْهَرُ مُحَمّدٌ » . وَيَقُولُ عَبّاسٌ وَحَيّزُهُ « تَظْهَرُ غَطَفَان » . فَاضْطَرَبَ الصّوْتُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ : خَشِيت وَاَللّاتِي حَيّزَ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ . فَغَضِبَ صَفْوَانُ وَقَالَ أَدْرَكَتْك الْمُنَافِيَةُ فَأَسْكَتَ أَبُو سُفْيَانَ وَجَاءَهُ الْخَبَرُ بِظُهُورِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَ حُوَيْطِبُ وَحَيّزُهُ الرّهْنَ . قَالُوا : وَكَانَتْ الْأَيْمَنُ تَحْلِفُ عَنْ خَيْبَرَ ; وَكَانَ أَهْلُ مَكّةَ حَيْنَ تَوَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى خَيْبَرَ قَدْ تَبَايَعُوا بَيْنَهُمْ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَظْهَرُ الْحَلِيفَانِ أَسَدٌ وَغِفَارٌ وَالْيَهُودُ بِخَيْبَرَ ، وَذَلِك أَنّ الْيَهُودَ أَوْعَبَتْ فِي حُلَفَائِهَا ، فَاسْتَنْصَرُوهُمْ وَجَعَلُوا لَهُمْ تَمْرَ خَيْبَرَ سَنَةً فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ بُيُوعٌ عِظَامٌ .(1/701)
وَكَانَ الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ السّلَمِيّ ثُمّ الْبَهْزِيّ قَدْ خَرَجَ يُغِيرُ فِي بَعْضِ غَارَاتِهِ فَذُكِرَ لَهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْبَرَ فَأَسْلَمَ وَحَضَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ ، وَكَانَتْ أُمّ شَيْبَةَ بِنْتُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ أُخْتُ مَصْعَبٍ الْعَبْدِيّ امْرَأَتَهُ وَكَانَ الْحَجّاجُ مُكْثِرًا ، لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ ، مَعَادِنُ الذّهَبِ الّتِي بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِي حَتّى أَذْهَبَ فَآخُذَ مَا لِي عِنْدَ امْرَأَتِي ، فَإِنْ عَلِمَتْ بِإِسْلَامِي لَمْ آخُذْ مِنْهُ شَيْئًا ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَا بُدّ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ مِنْ [ أَنْ ] أَقُولَ . فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَقُولَ مَا شَاءَ . قَالَ الْحَجّاجُ [ ص 703 ] فَخَرَجْت فَلَمّا انْتَهَيْت إلَى الْحَرَمِ هَبَطْت فَوَجَدْتهمْ بِالثّنِيّةِ الْبَيْضَاءِ ، وَإِذَا بِهِمْ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَسَمّعُونَ الْأَخْبَارَ قَدْ بَلَغَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ ، وَعَرَفُوا أَنّهَا قَرْيَةُ الْحِجَازِ رِيفًا وَمَنَعَةً وَرِجَالًا وَسِلَاحًا ، فَهُمْ يَتَحَسّبُونَ الْأَخْبَارَ مَعَ مَا كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الرّهَانِ فَلَمّا رَأَوْنِي قَالُوا : الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ عِنْدَهُ وَاَللّهِ الْخَبَرُ يَا حَجّاجُ إنّهُ قَدْ بَلَغَنَا أَنّ الْقَاطِعَ قَدْ سَارَ إلَى خَيْبَرَ بَلَدِ الْيَهُودِ وَرِيفِ الْحِجَازِ . فَقُلْت : بَلَغَنِي أَنّهُ قَدْ سَارَ إلَيْهَا وَعِنْدِي مِنْ الْخَبَرِ مَا يَسُرّكُمْ . فَالْتَبَطُوا بِجَانِبَيْ رَاحِلَتِي يَقُولُونَ يَا حَجّاجُ أَخْبِرْنَا .
(1/703)
فَقُلْت : لَمْ يَلْقَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ غَيْرَ أَهْلِ خَيْبَرَ . كَانُوا قَدْ سَارُوا فِي الْعَرَبِ يَجْمَعُونَ لَهُ الْجَمُوعَ وَجَمَعُوا لَهُ عَشَرَةَ آلَافٍ فَهُزِمَ هَزِيمَةً لَمْ يَسْمَعْ قَطّ بِمِثْلِهَا ، وَأَسَرَ مُحَمّدٌ أَسْرًا ، فَقَالُوا : لَنْ نَقْتُلْهُ حَتّى نَبْعَثَ بِهِ إلَى
أَهْلِ مَكّةَ فَنَقْتُلُهُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ بِمَنْ قَتَلَ مِنّا وَمِنْهُمْ وَلِهَذَا فَإِنّهُمْ يَرْجِعُونَ إلَيْكُمْ يَطْلُبُونَ الْأَمَانَ فِي عَشَائِرِهِمْ وَيَرْجِعُونَ إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ وَقَدْ صَنَعُوا بِكُمْ مَا صَنَعُوا . قَالَ فَصَاحُوا بِمَكّةَ وَقَالُوا : قَدْ جَاءَكُمْ الْخَبَرُ ، هَذَا مُحَمّدٌ إنّمَا يَنْتَظِرُ أَنْ يَقْدَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ . وَقُلْت : أَعِينُونِي عَلَى جَمْعِ مَالِي عَلَى غُرَمَائِي فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَقَدِمَ فَأُصِيبُ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ قَبْلَ أَنْ تَسْبِقَنِي التّجّارُ إلَى مَا هُنَاكَ . فَقَامُوا فَجَمَعُوا إلَيّ مَالِي كَأَحَثّ جَمْعٍ سَمِعْت بِهِ وَجِئْت صَاحِبَتِي وَكَانَ لِي عِنْدَهَا مَالٌ فَقُلْت لَهَا : مَالِي ، لَعَلّي أَلْحَقُ بِخَيْبَرَ فَأُصِيبَ مِنْ الْبَيْعِ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَنِي التّجّارُ إلَى مَنْ انْكَسَرَ هُنَاكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَسَمِعَ ذَلِكَ الْعَبّاسُ فَقَامَ فَانْخَذَلَ ظَهْرُهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ [ ص 704 ] الْقِيَامُ فَأَشْفَقَ أَنْ يَدْخُلَ دَارَهُ فَيُؤْذَى ، وَعَلِمَ أَنْ سَيُؤْذَى عِنْدَ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِبَابِ دَارِهِ يُفْتَحُ وَهُوَ مُسْتَلْقٍ فَدَعَا بِابْنِهِ قُثَمَ وَكَانَ يُشْبِهُ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَعَلَ يَرْتَجِزُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ أَلّا يَشْمَتَ بِهِ الْأَعْدَاءُ . وَحَضَرَ بَابَ الْعَبّاسِ بَيْنَ مُغِيظٍ مَحْزُونٍ وَبَيْنَ شَامِتٍ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ مَقْهُورِينَ بِظُهُورِ الْكُفْرِ وَالْبَغْيِ فَلَمّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ الْعَبّاسَ طَيّبَةً نَفْسُهُ طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ وَاشْتَدّتْ مُنّتُهُمْ وَدَعَا غُلَامًا لَهُ يُقَالُ لَهُ أَبُو زُبَيْنَةَ فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ إلَى الْحَجّاجِ فَقُلْ يَقُولُ الْعَبّاسُ « اللّهُ أَعَلَى وَأَجَلّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الّذِي تُخْبِرُ حَقّا » .
(1/704)
فَجَاءَهُ فَقَالَ الْحَجّاجُ قُلْ لِأَبِي الْفَضْلِ أَحِلْنِي فِي بَعْضِ بُيُوتِك حَتّى آتِيَك ظُهْرًا بِبَعْضِ مَا تُحِبّ ، فَاكْتُمْ عَنّي . فَأَقْبَلَ أَبُو زُبَيْنَةَ يُبَشّرُ الْعَبّاسَ « أَبْشِرْ بِاَلّذِي يَسُرّك » فَكَأَنّهُ لَمْ يَمَسّهُ شَيْءٌ وَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو زُبَيْنَةَ فَاعْتَنَقَهُ الْعَبّاسُ وَأَعْتَقَهُ وَأَخْبَرَهُ بِاَلّذِي قَالَ فَقَالَ الْعَبّاسُ لِلّهِ عَلَيّ عِتْقُ عَشْرِ رِقَابٍ فَلَمّا كَانَ ظُهْرًا جَاءَهُ الْحَجّاجُ فَنَاشَدَهُ اللّهَ لَتَكْتُمَنّ عَلَيّ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ . فَوَاثَقَهُ الْعَبّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَالَ فَإِنّي قَدْ أَسْلَمْت وَلِي مَالٌ عِنْدَ امْرَأَتِي وَدَيْنٌ عَلَى النّاسِ وَلَوْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِي لَمْ يَدْفَعُوا إلَيّ تَرَكْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ ، وَجَرَتْ سِهَامُ اللّهِ وَرَسُولِهِ فِيهَا وَانْتُثِلَ مَا فِيهَا ، وَتَرَكْته عَرُوسًا بِابْنَةِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، وَقُتِلَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ . قَالَ فَلَمّا أَمْسَى الْحَجّاجُ مِنْ يَوْمِهِ خَرَجَ وَطَالَ عَلَى الْعَبّاسِ تِلْكَ اللّيَالِي ، وَيُقَالُ إنّمَا اسْتَنْظَرَ الْعَبّاسُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَجَعَلَ الْعَبّاسُ يَقُولُ يَا حَجّاجُ اُنْظُرْ مَا تَقُولُ فَإِنّي عَارِفٌ بِخَيْبَرَ ; هِيَ رِيفُ الْحِجَازِ أَجَمَعَ وَأَهْلُ الْمَنَعَةِ وَالْعِدّةِ فِي الرّجَالِ . أَحَقّا مَا تَقُولُ ؟ قَالَ إي وَاَللّهِ فَاكْتُمْ عَنّي يَوْمًا وَلَيْلَةً . حَتّى إذَا مَضَى الْأَجَلُ وَالنّاسُ [ ص 705 ] يَمُوجُونَ فِي شَأْنِ مَا تَبَايَعُوا عَلَيْهِ عَمِدَ الْعَبّاسُ إلَى حِلّةٍ فَلَبِسَهَا ، وَتَخَلّقَ الْخَلُوقَ وَأَخَذَ فِي يَدِهِ قَضِيبًا ، ثُمّ أَقْبَلَ يَخْطِرُ حَتّى وَقَفَ عَلَى بَابِ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ فَقَرَعَهُ فَقَالَتْ زَوْجَتُهُ لَا تَدْخُلْ أَبَا الْفَضْلِ قَالَ فَأَيْنَ الْحَجّاجُ ؟ قَالَتْ انْطَلَقَ إلَى غَنَائِمِ مُحَمّدٍ لِيَشْتَرِيَ مِنْهَا الّتِي أَصَابَتْ الْيَهُودُ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ تَسْبِقَهُ التّجّارُ إلَيْهَا . فَقَالَ لَهَا الْعَبّاسُ فَإِنّ الرّجُلَ لَيْسَ لَك بِزَوْجٍ إلّا أَنْ تَتّبِعِي دِينَهُ إنّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَحَضَرَ الْفَتْحَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّمَا ذَهَبَ بِمَالِهِ هَارِبًا مِنْك وَمِنْ أَهْلِك أَنْ يَأْخُذُوهُ . قَالَتْ أَحَقّا يَا أَبَا الْفَضْلِ ؟ قَالَ إي وَاَللّهِ قَالَتْ وَالثّواقِب إنّك لَصَادِقٌ . ثُمّ قَامَتْ تُخْبِرُ أَهْلَهَا ، وَانْصَرَفَ الْعَبّاسُ إلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ يَتَحَدّثُونَ بِمَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ الْحَجّاجِ فَلَمّا نَظَرُوا إلَيْهِ وَإِلَى حَالِهِ تَغَامَزُوا وَعَجِبُوا مِنْ تَجَلّدِهِ ثُمّ دَخَلَ فِي الطّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَالُوا : يَا أَبَا الْفَضْلِ هَذَا وَاَللّهِ التّجَلّدُ لِحُرّ الْمُصِيبَةِ أَيْنَ كُنْت مُنْذُ ثَلَاثٍ لَا تَطْلُعُ ؟ قَالَ الْعَبّاسُ كَلّا وَاَلّذِي حَلَفْتُمْ بِهِ لَقَدْ فَتَحَ خَيْبَرَ وَتَرَكَ عَرُوسًا عَلَى ابْنَةِ مَلِكِهِمْ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، وَضَرَبَ أَعْنَاقَ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ الْبِيضِ الْجِعَادِ الّذِينَ رَأَيْتُمُوهُمْ سَادَةَ النّضِيرِ مِنْ يَثْرِبَ ، وَهَرَبَ الْحَجّاجُ بِمَالِهِ الّذِي عِنْدَ امْرَأَتِهِ . قَالُوا : مَنْ خَبّرَك بِهَذَا ؟ قَالَ الْعَبّاسُ الصّادِقُ فِي نَفْسِي ، الثّقَةُ فِي صَدْرِي ، فَابْعَثُوا إلَى أَهْلِهِ فَبَعَثُوا فَوَجَدُوا الْحَجّاجَ قَدْ انْطَلَقَ بِمَالِهِ وَاسْتَكْتَمَ أَهْلَهُ حَتّى يُصْبِحَ فَسَأَلُوا عَنْ ذَلِكَ كُلّهِ فَوَجَدُوهُ حَقّا ، فَكَبّتْ الْمُشْرِكُونَ وَفَرِحَ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَلَمْ تَلْبَثْ قُرَيْشٌ خَمْسَةَ أَيّامٍ حَتّى جَاءَهُمْ الْخَبَرُ بِذَلِك
(1/705)
=====
بَابُ شَأْنِ فَدَكَ [ ص 706 ] قَالُوا : لَمّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى خَيْبَرَ فَدَنَا مِنْهَا ، بَعَثَ مُحَيّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ إلَى فَدَكَ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُخَوّفُهُمْ أَنْ يَغْزُوَهُمْ كَمَا غَزَا أَهْلَ خَيْبَرَ وَيَحِلّ بِسَاحَتِهِمْ . قَالَ مُحَيّصَةُ جِئْتهمْ فَأَقَمْت عِنْدَهُمْ يَوْمَيْنِ وَجَعَلُوا يَتَرَبّصُونَ وَيَقُولُونَ بِالنّطَاةِ عَامِرٌ وَيَاسِرٌ وَأُسَيْرٌ وَالْحَارِثُ وَسَيّدُ الْيَهُودِ مَرْحَبٌ ، مَا نَرَى مُحَمّدًا يَقْرَبُ حَرَاهُمْ إنّ بِهَا عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ . قَالَ مُحَيّصَةُ فَلَمّا رَأَيْت خُبْثَهُمْ أَرَدْت أَرْحَلُ رَاجِعًا ، فَقَالُوا : نَحْنُ نُرْسِلُ مَعَك رِجَالًا يَأْخُذُونَ لَنَا الصّلْحَ - وَيَظُنّونَ أَنّ الْيَهُودَ تَمْتَنِعُ . فَلَمْ يَزَالُوا كَذَلِكَ حَتّى جَاءَهُمْ قَتْلُ أَهْلِ حِصْنِ نَاعِمٍ وَأَهْلِ النّجْدَةِ مِنْهُمْ فَفَتّ ذَلِكَ أَعْضَادَهُمْ وَقَالُوا لِمُحَيّصَةَ اُكْتُمْ عَنّا مَا قُلْنَا لَك وَلَك هَذَا الْحُلِيّ لِحُلِيّ نِسَائِهِمْ جَمَعُوهُ كَثِيرًا . فَقَالَ مُحَيّصَةُ بَلْ أُخْبِرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاَلّذِي سَمِعْت مِنْكُمْ . فَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا قَالُوا . [ قَالَ مُحَيّصَةُ ] : وَقَدِمَ مَعِي رَجُلٌ مِنْ رُؤَسَائِهِمْ يُقَالُ لَهُ نُونُ بْنُ يُوشَعَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ ، صَالَحُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَحْقِنَ دِمَاءَهُمْ وَيُجَلّيَهُمْ وَيُخَلّوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْوَالِ . فَفَعَلَ وَيُقَالُ عَرَضُوا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ بِلَادِهِمْ وَلَا يَكُونُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَمْوَالِ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ جُذَاذُهَا جَاءُوا فَجَذّوهَا ، فَأَبَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 707 ] أَنْ يَقْبَلَ ذَلِكَ وَقَالَ لَهُمْ مُحَيّصَةُ مَا لَكُمْ مَنَعَةٌ وَلَا رِجَالٌ وَلَا حُصُونٌ لَوْ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْكُمْ مِائَةَ رَجُلٍ لَسَاقُوكُمْ إلَيْهِ . فَوَقَعَ الصّلْحُ بَيْنَهُمْ أَنّ لَهُمْ نِصْفَ الْأَرْضِ بِتُرْبَتِهَا لَهُمْ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِصْفُهَا ، فَقَبِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ . وَهَذَا أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ . فَأَقَرّهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ فَلَمّا كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَأَجْلَى يَهُودَ خَيْبَرَ ، بَعَثَ عُمَرُ إلَيْهِمْ مَنْ يُقَوّمُ أَرْضَهُمْ فَبَعَثَ أَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التّيهَانِ وَفَرْوَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَيّانَ بْنِ صَخْرٍ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ، فَقَوّمُوهَا لَهُمْ النّخْلَ وَالْأَرْضَ فَأَخَذَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَدَفَعَ إلَيْهِمْ نِصْفَ قِيمَةِ النّخْلِ بِتُرْبَتِهَا ، فَبَلَغَ ذَلِكَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ يَزِيدُ - كَانَ ذَلِكَ الْمَالُ جَاءَهُ مِنْ الْعِرَاقِ - وَأَجَلَاهُمْ عُمَرُ إلَى الشّامِ . وَيُقَالُ بَعَثَ أَبَا خيثمة الْحَارِثِيّ فَقَوّمَهَا .
(1/706)
===
انْصِرَافُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ أَنَسٌ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ وَهُوَ يُرِيدُ وَادِيَ الْقُرَى ، وَمَعَهُ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ مِلْحَانَ وَكَانَ بَعْضُ الْقَوْمِ يُرِيدُ أَنْ يَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ حَتّى مَرّ بِهَا فَأَلْقَى عَلَيْهَا رِدَاءَهُ ثُمّ عَرَضَ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَقَالَ إنْ تَكُونِي عَلَى دِينِك لَمْ نُكْرِهْك ، فَإِنْ اخْتَرْت اللّهَ وَرَسُولَهُ اتّخَذْتُك لِنَفْسِي . قَالَتْ بَلْ أَخْتَارُ اللّهَ وَرَسُولَهُ . قَالَ فَأَعْتَقَهَا فَتَزَوّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا . فَلَمّا كَانَ بِالصّهْبَاءِ قَالَ لِأُمّ سُلَيْمٍ اُنْظُرِي صَاحِبَتَك هَذِهِ فَامْشُطِيهَا وَأَرَادَ أَنْ يُعَرّسَ بِهَا هُنَاكَ فَقَامَتْ أُمّ سُلَيْمٍ - قَالَ أَنَسٌ وَلَيْسَ مَعَنَا فَسَاطِيطُ وَلَا سُرَادِقَاتُ - فَأَخَذْت كِسَائَيْنِ [ ص 708 ] وَعَبَاءَتَيْنِ فَسَتَرَتْ بِهِمَا عَلَيْهَا إلَى شَجَرَةٍ فَمَشَطَتْهَا وَعَطّرَتْهَا ، وَأَعْرَسَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُنَاكَ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا خَرَجَ مِنْ خَيْبَرَ ، وَقَرّبَ بَعِيرَهَا وَقَدْ سَتَرَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِثَوْبِهِ أَدْنَى فَخِذَهُ لِتَضَعَ رِجْلَهَا عَلَيْهِ فَأَبَتْ وَوَضَعَتْ رُكْبَتَهَا عَلَى فَخِذِهِ فَلَمّا بَلَغَ ثِبَارًا أَرَادَ أَنْ يُعَرّسَ بِهَا هُنَاكَ فَأَبَتْ عَلَيْهِ حَتّى وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَتّى بَلَغَ الصّهْبَاءَ فَمَالَ إلَى دَوْمَةٍ هُنَاكَ فَطَاوَعَتْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت حَيْنَ أَرَدْت أَنْ أَنْزِلَ بِثِبَارٍ - وَثِبَارٌ عَلَى سِتّةِ أَمْيَالٍ وَالصّهْبَاءُ عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا - قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ خِفْت عَلَيْك قُرْبَ الْيَهُودِ ، فَلَمّا بَعُدْت أَمِنْت . فَزَادَهَا عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا وَعَلِمَ أَنّهَا قَدْ صَدّقَتْهُ وَدَخَلَتْ عَلَيْهِ مُسَاءَ تِلْكَ اللّيْلَةِ وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ عَلَيْهَا بِالْحَيْسِ وَالسّوِيقِ وَالتّمْرِ وَكَانَ قِصَاعُهُمْ الْأَنْطَاعَ قَدْ بَسَطَتْ فَرُئِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْكُلُ مَعَهُمْ عَلَى تِلْكَ الْأَنْطَاعِ . قَالُوا : وَبَاتَ أَبُو أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ قَرِيبًا مِنْ قُبّتِهِ آخِذًا بِقَائِمِ السّيْفِ حَتّى أَصْبَحَ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُكْرَةً فَكَبّرَ أَبُو أَيّوبَ فَقَالَ مَا لَك يَا أَبَا أَيّوبَ ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ دَخَلْت بِهَذِهِ الْجَارِيَةِ وَكُنْت قَدْ قَتَلْت أَبَاهَا وَإِخْوَتَهَا وَعُمُومَتَهَا وَزَوْجَهَا وَعَامّةَ عَشِيرَتِهَا ، فَخِفْت أَنْ تَغْتَالَك . فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَهُ مَعْرُوفًا
(1/708)
فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ أَنَزَلَ صَفِيّةَ فِي مَنْزِلِ الْحَارِثَةِ بْنِ النّعْمَانِ وَانْتَقَلَ حَارِثَةُ عَنْهَا . وَكَانَتْ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ يَدًا وَاحِدَةً [ ص 709 ] فَأَرْسَلَتْ عَائِشَةُ بَرِيرَةَ إلَى أُمّ سَلَمَةَ تُسَلّمُ عَلَيْهَا - وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ - وَتَسْأَلُهَا عَنْ صَفِيّةَ أَظَرِيفَةٌ هِيَ ؟ فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ مَنْ أَرْسَلَك ، عَائِشَةُ ؟ فَسَكَتَتْ فَعَرَفَتْ أُمّ سَلَمَةَ أَنّهَا أَرْسَلَتْهَا ، فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ لَعَمْرِي إنّهَا لَظَرِيفَةٌ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهَا لَمُحِبّ . فَجَاءَتْ بَرِيرَةُ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةَ خَبَرَهَا ، فَخَرَجَتْ عَائِشَةُ مُتَنَكّرَةً حَتّى دَخَلَتْ عَلَى صَفِيّةَ وَعِنْدَهَا نِسْوَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَنَظَرَتْ إلَيْهَا وَهِيَ مُنْتَقِبَةٌ فَعَرَفَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا خَرَجَتْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهَا فَقَالَ يَا عَائِشَةُ كَيْفَ رَأَيْت صَفِيّةَ ؟ قَالَتْ مَا رَأَيْت طَائِلًا ، رَأَيْت يَهُودِيّةً بَيْنَ يَهُودِيّاتٍ - تَعْنِي عَمّاتِهَا وَخَالَاتِهَا - وَلَكِنّي قَدْ أُخْبِرْت أَنّك تُحِبّهَا ، فَهَذَا خَيْرٌ لَهَا مِنْ لَوْ كَانَتْ ظَرِيفَةً . قَالَ يَا عَائِشَةُ لَا تَقُولِي هَذَا فَإِنّي عَرَضْت عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْرَعَتْ وَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا . قَالَ فَرَجَعَتْ عَائِشَةُ فَأَخْبَرَتْ حَفْصَةَ بِظُرْفِهَا ، فَدَخَلَتْ عَلَيْهَا حَفْصَةُ فَنَظَرَتْ إلَيْهَا ثُمّ رَجَعَتْ إلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ إنّهَا لَظَرِيفَةٌ وَمَا هِيَ كَمَا قُلْت .
(1/709)
فَلَمّا أَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّهْبَاءَ سَلَكَ عَلَى بُرْمَةَ حَتّى انْتَهَى إلَى وَادِي الْقُرَى يُرِيدُ مَنْ بِهَا مِنْ الْيَهُودِ . وَكَانَ أَبُو هَرِيرَةَ يُحَدّثُ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى ، وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ الْجَذَامِيّ قَدْ وَهَبَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ ، وَكَانَ يُرَحّلُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ ص 710 ] فَلَمّا نَزَلُوا بِوَادِي الْقُرَى انْتَهَيْنَا إلَى الْيَهُودِ وَقَدْ ضَوَى إلَيْهَا أُنَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ ، فَبَيْنَا مِدْعَمٌ يَحُطّ رَحْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ اسْتَقْبَلَتْنَا الْيَهُودُ بِالرّمْيِ حَيْثُ نَزَلْنَا ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى تَعْبِيَةٍ وَهُمْ يَصِيحُونَ فِي آطَامِهِمْ فَيَقْبَلُ سَهْمٌ عَائِرٌ فَأَصَابَ مِدْعَمًا فَقَتَلَهُ فَقَالَ النّاسُ هَنِيئًا لَك الْجَنّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلّا وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّ الشّمْلَةَ الّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمُقْسِمُ تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا . فَلَمّا سَمِعَ بِذَلِكَ النّاسُ جَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ
(1/710)
وَعَبّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ وَصَفّهُمْ وَدَفَعَ لِوَاءَهُ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَرَايَةً إلَى الْحُباَبِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَرَايَةً إلَى سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ ، وَرَايَةً إلَى عَبّادِ بْنِ بِشْرٍ . ثُمّ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَخْبَرَهُمْ إنْ أَسْلَمُوا أَحْرَزُوا أَمْوَالَهُمْ وَحَقَنُوا دِمَاءَهُمْ وَحِسَابَهُمْ عَلَى اللّهِ . فَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَبَرَزَ إلَيْهِ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ فَقَتَلَهُ ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ إلَيْهِ الزّبَيْرُ فَقَتَلَهُ ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامِ فَقَتَلَهُ ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ حَتّى قَتَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا ، كُلّمَا قَتَلَ رَجُلٌ دَعَا مَنْ بَقِيَ إلَى الْإِسْلَامِ . وَلَقَدْ كَانَتْ الصّلَاةُ تَحْضُرُ يَوْمئِذٍ فَيُصَلّي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَصْحَابِهِ ثُمّ يَعُودُ فَيَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ [ ص 711 ] فَقَاتَلَهُمْ حَتّى أَمْسَوْا وَغَدَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ تَرْتَفِعْ الشّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ حَتّى أَعْطَوْا بِأَيْدِيهِمْ وَفَتَحَهَا عَنْوَةً وَغَنّمَهُ اللّهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَصَابُوا أَثَاثًا وَمَتَاعًا كَثِيرًا . وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِوَادِي الْقُرَى أَرْبَعَةَ أَيّامٍ وَقَسَمَ مَا أَصَابَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِوَادِي الْقُرَى ، وَتَرَكَ النّخْلَ وَالْأَرْضَ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَعَامَلَهُمْ عَلَيْهَا . فَلَمّا بَلَغَ يَهُودُ تَيْمَاءَ مَا وَطِئَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ وَفَدَكَ وَوَادِي الْقُرَى ، صَالَحُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْجِزْيَةِ وَأَقَامُوا بِأَيْدِيهِمْ أَمْوَالِهِمْ . فَلَمّا كَانَ زَمَنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَخَرَجَ يَهُودَ خَيْبَرَ وَفَدَكَ ، وَلَمْ يَخْرُجْ أَهْلُ تَيْمَاءَوَوَادِي الْقُرَى ، لِأَنّهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي أَرْضِ الشّامِ ، وَيَرَى أَنّ مَا دُونَ وَادِي الْقُرَى إلَى الْمَدِينَةِ حِجَازٌ وَأَنّ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الشّامِ . وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَادِي الْقُرَى رَاجِعًا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ خَيْبَرَ وَمِنْ وَادِي الْقُرَى وَغَنّمَهُ اللّهُ فَلَمّا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ سَرّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْلَتَهُ حَتّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الصّبْحِ بِقَلِيلٍ نَزَلَ وَعَرّسَ . وَقَالَ أَلَا رَجُلٌ صَالِحٌ حَافِظٌ لَعَيْنِهِ يَحْفَظُ لَنَا صَلَاةَ الصّبْحِ ؟ فَقَالَ بِلَالٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ فَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأْسَهُ وَوَضَعَ النّاسُ رُءُوسَهُمْ وَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ لِبَلَالٍ يَا بِلَالُ احْفَظْ عَيْنَك قَالَ فَاحْتَبَيْت بِعَبَاءَتِي وَاسْتَقْبَلْت الْفَجْرَ فَمَا أَدْرِي مَتَى وَضَعْت جَنْبِي إلّا أَنّي لَمْ أَسْتَيْقِظْ إلّا بِاسْتِرْجَاعِ النّاسِ وَحَرّ الشّمْسِ وَأَخَذَتْنِي الْأَلْسِنَةُ بِاللّوْمِ وَكَانَ أَشَدّهُمْ عَلَيّ أَبُو بَكْرٍ وَفَرَغَ [ ص 712 ] رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَ أَهْوَنَ لَائِمَةً مِنْ النّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ فَلِيَقْضِهَا . فَتَفَرّقَ النّاسُ فِي أُصُولِ الشّجَرِ وَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَذّنْ يَا بِلَالُ بِالْأَذَانِ الْأَوّل
(1/711)
قَالَ بِلَالٌ وَكَذَلِكَ كُنْت أَفْعَلُ فِي أَسْفَارِهِ فَأَذِنْت فَلَمّا اجْتَمَعَ النّاسُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْكَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ . فَرَكَعُوا ثُمّ قَالَ أَقِمْ يَا بِلَالُ فَأَقَمْت فَتَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصَلّى بِالنّاسِ . قَالَ بِلَالٌ فَمَا زَالَ يُصَلّي بِنَا حَتّى إنّ الرّجُلَ لَيَسْلُتُ الْعَرَقُ مِنْ جَبِينِهِ مِنْ حَرّ الشّمْسِ ثُمّ سَلّمَ فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ كَانَتْ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللّهِ وَلَوْ شَاءَ قَبَضَهَا وَكَانَ أَوْلَى بِهَا ، فَلَمّا رَدّهَا إلَيْنَا صَلّيْنَا . ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى بِلَالٍ فَقَالَ مَهْ يَا بِلَالٌ فَقَالَ بِأَبِي وَأُمّي ، قَبَضَ نَفْسِي الّذِي قَبَضَ نَفْسَك . فَجَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَبَسّمُ .
وَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ اللّهُمّ إنّي أُحَرّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ قَالَ وَانْتَهَى إلَى الْجَرْفِ لَيْلًا ، فَنَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَطْرُقَ الرّجُلُ أَهْلَهُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ
(1/711)
فَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمّ عُمَارَةَ قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ وَهُوَ بِالْجَرْفِ [ ص 713 ] لَا تَطْرُقُوا النّسَاءَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ . قَالَتْ فَذَهَبَ رَجُلٌ مِنْ الْحَيّ فَطَرَقَ أَهْلَهُ فَوَجَدَ مَا يَكْرَهُ فَخَلّى سَبِيلَهُ وَلَمْ يَهْجُهُ وَضَنّ بِزَوْجَتِهِ أَنْ يُفَارِقَهَا وَكَانَ لَهُ مِنْهَا أَوْلَادٌ وَكَانَ يُحِبّهَا ، فَعَصَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَأَى مَا يَكْرَه(1/713)
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُوحٍ الْحَارِثِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ حِزَامِ بْنِ مُحَيّصَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنّا بِالْمَدِينَة ِ وَالْمَجَاعَةُ تُصِيبُنَا ، فَنَخْرُجُ إلَى خَيْبَرَ فَنُقِيمُ بِهَا مَا أَقَمْنَا ثُمّ نَرْجِعُ وَرُبّمَا خَرَجْنَا إلَى فَدَكَ وَتَيْمَاءَ . وَكَانَتْ الْيَهُودُ قَوْمًا لَهُمْ ثِمَارٌ لَا يُصِيبُهَا قَطْعُهُ أَمّا تَيْمَاءُ فَعَيْنٌ جَارِيَةٌ تَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ جَبَلٍ لَمْ يُصِبْهَا قَطْعُهُ مُنْذُ كَانَتْ وَأَمّا خَيْبَرُ فَمَاءٌ وَاتِنٌ فَهِيَ مَغْفِرَةٌ فِي الْمَاءِ وَأَمّا فَدَكُ فَمِثْلُ ذَلِكَ . وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ وَفَتَحَ خَيْبَرَ قُلْت لِأَصْحَابِي : هَلْ لَكُمْ فِي خَيْبَرَ فَإِنّا قَدْ جَهَدْنَا وَقَدْ أَصَابَنَا مَجَاعَةٌ ؟ فَقَالَ أَصْحَابِي : إنّ الْبِلَادَ لَيْسَ كَمَا كَانَتْ نَحْنُ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ وَإِنّمَا نَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ عَدَاوَةٍ وَغِشّ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَكُنّا قَبْلَ ذَلِكَ لَا نَعْبُدُ شَيْئًا . قَالُوا : قَدْ جَهَدْنَا ، فَخَرَجْنَا حَتّى قَدِمْنَا خَيْبَرَ ، فَقَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ بِأَيْدِيهِمْ الْأَرْضُ وَالنّخْلُ لَيْسَ كَمَا كَانَتْ قَدْ دَفَعَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ عَلَى النّصْفِ فَأَمّا سَرَاةُ الْيَهُودِ وَأَهْلُ السّعَةِ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلُوا - بَنُو أَبِي الْحُقَيْقِ وَسَلّامَ بْنَ مِشْكَمٍ ، وَابْنَ الْأَشْرَفِ - وَإِنّمَا بَقِيَ قَوْمٌ لَا أَمْوَالَ لَهُمْ وَإِنّمَا هُمْ عُمّالُ أَيْدِيهِمْ .(1/713)وَكُنّا نَكُونُ فِي الشّقّ يَوْمًا وَفِي النّطَاةِ يَوْمًا وَفِي الْكَتِيبَةِ يَوْمًا ، فَرَأَيْنَا الْكَتِيبَةَ خَيْرًا لَنَا فَأَقَمْنَا بِهَا أَيّامًا ، ثُمّ إنّ صَاحِبِي ذَهَبَ إلَى الشّقّ فَبَاتَ عَنّي وَقَدْ [ ص 714 ] كُنْت أُحَذّرُهُ الْيَهُودَ ، فَغَدَوْت فِي أَثَرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ حَتّى انْتَهَيْت إلَى الشّقّ فَقَالَ لِي أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ مَرّ بِنَا حَيْنَ غَابَتْ الشّمْسُ يُرِيدُ النّطَاةَ .
قَالَ فَعَمَدْت إلَى النّطَاةِ ، إلَى أَنْ قَالَ لِي غُلَامٌ مِنْهُمْ تَعَالَ أَدُلّك عَلَى صَاحِبِك فَانْتَهَى بِي إلَى مُنْهَر فأقامني عليه ، فإذا الذباب يطلع من الْمَنْهَرِ . قَالَ فَتَدَلّيْت فِي الْمَنْهَرِ فَإِذَا صَاحِبِي قَتِيلٌ فَقُلْت لِأَهْلِ الشّقّ : أَنْتُمْ قَتَلْتُمُوهُ قَالُوا : لَا وَاَللّهِ مَا لَنَا بِهِ عِلْمٌ قَالَ فَاسْتَعَنْت عَلَيْهِ بِنَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ حَتّى أَخْرَجْته وَكَفّنْته وَدَفَنْته ، ثُمّ خَرَجْت سَرِيعًا حَتّى قَدِمْت عَلَى قَوْمِي بِالْمَدِينَةِ فَأَخْبَرْتهمْ الْخَبَرَ . وَنَجِدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ عُمْرَةَ الْقَضِيّةِ ، فَخَرَجَ مَعِي مِنْ قَوْمِي ثَلَاثُونَ رَجُلًا ، أَكْبَرُنَا أَخِي حُوَيّصَةُ فَخَرَجَ مَعَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو الْمَقْتُولِ - وَالْمَقْتُولُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ - وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَحْدَثَ مِنّي ، فَهُوَ مُسْتَعْبَرٌ عَلَى أَخِيهِ رَقِيقٌ عَلَيْهِ فَبَرَكَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ وَقَدْ بَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ ، فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَخِي قُتِلَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَبّرْ كَبّرْ فَتَكَلّمْت فَقَالَ كَبّرْ كَبّرْ فَسَكَتّ . وَتَكَلّمَ أَخِي حُوَيّصَةُ فَتَكَلّمَ بِكَلِمَاتٍ وَذَكَرَ أَنّ الْيَهُودَ تُهْمَتُنَا وَظِنّتُنَا ثُمّ سَكَتَ فَتَكَلّمْت وَأَخْبَرْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إمّا أَنّ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمّا أَنْ يَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَكَتَبَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إلَيْهِ « مَا قَتَلْنَاهُ » . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحُوَيّصَةَ وَمُحَيّصَةَ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ وَلِمَنْ مَعَهُمْ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ لَمْ نَحْضُرْ وَلَمْ نَشْهَدْ . قَالَ فَتَحْلِفُ لَكُمْ الْيَهُودُ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَفَوَدَاهُ [ ص 715 ] رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عِنْدِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ جَذَعَةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ حِقّةً وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ . قَالَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ رَأَيْتهَا أَدْخَلَتْ عَلَيْهِمْ مِائَةَ نَاقَةٍ فَرَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ وَأَنَا يَوْمئِذٍ غُلَامٌ .(1/714)



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق