Translate ***

الخميس، 3 مايو 2018

12 اسيرة النبوية لابن هشام شعر ابن رواحة في رثاء حمزة



*3*شعر ابن رواحة في رثاء حمزة
@ قال ابن إسحاق : وقال عبدالله ابن رواحة يبكي حمزة بن عبدالمطلب .
قال ابن هشام : أنشدنيها (4/ 116) أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك .
بكت عيني وحق لها بكاها * وما يعني البكاء ولا العويل
على أسد الإله غداة قالوا * أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا * هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى لك الأركان هدت * وأنت الماجد البر الوصول
عليك سلام ربك في جنان * مخالطها نعيم لا يزول
ألا يا هاشم الأخيار صبرا * فكل فعالكم حسن جميل
رسول الله مصطبر كريم * بأمر الله ينطق إذ يقول
ألا من مبلغ عني لؤيا * فبعد اليوم دائلة تدول
وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا * وقائعنا بها يشفي الغليل
نسيتم ضربنا بقليب بدر * غداة اتاكم الموت العجيل
غداة ثوى أبو جهل صريعا * عليه الطير حائمة تجول
وعتبة ابنه خرا جميعا * وشيبة عضه السيف الصقيل
ومتركنا أمية مجلعبا * وفي حيزومه لدن نبيل
وهام بنى ربيعة سائلوها * ففي أسيافنا منها فلول
ألا يا هند فابكي لا تملي * فانت الواله العبرى الهبول
ألا يا هند لا تبدي شماتا * بحمزة إن عزكم ذليل
*3*ما قاله كعب بن مالك في أحد
@ قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك
أبلغ قريشا على نأيها * أتفخر منا بما لم تلي (4/ 117)
فخرتم بقتلي أصابتهم * فواضل من نعم المفضل
فحلوا جنانا وأبقوا لكم * أسودا تحامي عن الأشبل
تقاتل عن دينها ، وسطها * نبي عن الحق لم ينكل
رمته معدٌّ بعور الكلام * ونبل العداوة لا تأتلي
قال ابن هشام : أنشدني : قوله "لم تلي " وقوله : "من نعم المفضل " أبو زيد الأنصاري .
*3*ما قاله ضرار بن الخطاب من الشعر في غزوة أحد
@ قال ابن إسحاق : وقال ضرار بن الخطاب في يوم أحد :
ما بال عينك قد أزرى بها السهد * كأنما جال في أجفانها الرمد
أمن فراق حبيب كنت تألفه * قد حال من دونه الأعداء والبعد
أم ذاك من شغب قوم لا جداء بهم * إذ الحروب تلظت نارها تقد
ما ينتهون عن الغي الذي ركبوا * وما لهم من لؤي ويحهم عضد
وقد نشدناهم بالله قاطبة * فما تردهم الأرحام والنشد
حتى إذا ما أبوا إلا محاربة * واستحصدت بيننا الأضعان والحقد
سرنا إليهم بجيش في جوانبه * قوانس البيض والمحبوكة السرد
والجرد ترفل بالأبطال شازبة * كأنها حدا في سيرها تؤد
جيش يقودهم صخر ويرأسهم * كأنه ليث غاب هاصر حرد
فأبرز الحين قوما من منازلهم * فكان منا ومنهم ملتقي أحد (4/ 118)
فغودرت منهم قتلى مجدلة * كالمعز أصرده بالصردح البرد
قتلى كرام بنو النجار وسطهم * ومصعب من قنانا حوله قصد
وحمزة القرم مصروع تطيف به * ثكلى وقد حز منه الأنف والكبد
كأنه حين يكبو في جديته * تحت العجاج وفيه ثعلب جسد
حوار ناب وقد ولى صحابته * كما تولى النعام الهارب الشرد
مجلحين ولا يلوون قد ملئوا * رعبا ، فنجتهم العوصاء والكؤد
تبكي عليه نساء لا بعول لها * من كل سالبة اثوابها قدد
وقد تركناهم للطير ملحمة * وللضباع الى أجسادهم تفد
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها لضرار .
*3*ما ارتجز به أبو زعنة يوم أحد
@ قال ابن إسحاق : وقال أبو زعنة بن عبدالله بن عمرو بن عتبة ؛ أخو بني جشم بن الخزرج ، يوم أحد :
انا أبو زعنة يعدو بي الهزم * لم تمنع المخزاة إلا بالألم
يحمي الذمار خزرجي من جشم* (4/ 119)
*3*ما نسب لعلي رضي الله عنه من الرجز يوم أحد
@ قال ابن إسحاق : وقال علي بن أبي طالب
قال ابن هشام : قالها رجل من المسلمين يوم أحد غير علي ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ، ولم أر أحدًا منهم يعرفها لعلي
لاهم إن الحارث بن الصمة * كان وفيا وبنا ذا ذمة
أقبل في مهامة مهمة * كليلة ظلماء مدلهمة
بين سيوف ورماح جمة * يبغي رسول الله فيما ثمة
قال ابن هشام : قوله : "كليلة " عن غير ابن إسحاق
*3*ما قاله عكرمة يوم أحد
@ قال ابن إسحاق : وقال عكرمة بن أبي جهل في يوم أحد
كلهم يزجره أرحب هلا * ولن يروه اليوم إلا مقبلا
يحمل رمحا ورئيسا جحفلا
*3*ما قاله أعشى بن زرارة التميمي يبكي قتلى أحد من بني عبدالدار
@ وقال الأعشى بن زرارة بن النباش التميمي - قال ابن هشام : ثم أحد بني أسد بن عمرو بن تميم - يبكي قتلى بني عبدالدار يوم أحد :
حيي من حيّ علي نأيهم * بنو أبي طلحة لا تصرف
يمر ساقيهم عليهم بها * وكل ساق لهم يعرف
لا جارهم يشكو ولاضيفهم * من دونه باب لهم يصرف (4/ 120)
*3*ما قاله ابن الزبعرى يوم أحد
@ وقال عبدالله بن الزبعرى يوم أحد :
قتلنا ابن جحش فاغتبطنا بقتله * وحمزة في فرسانه وابن قوقل
وأفلتنا منهم رجال فأسرعوا * فليتهم عاجوا ولم نتعجل
أقاموا لنا حتى تعض سيوفنا * سراتهم وكلنا غير عزل
وحتى يكون القتل فينا وفيهم * ويلقوا صبوحا شره غير منجلي
قال ابن هشام : وقوله " وكلنا " قوله : " ويلقوا صبوحا " : عن غير ابن إسحاق .
*3*ما رثت به صفية أخاها حمزة
@ قال ابن إسحاق : وقالت صفية بنت عبدالمطلب تبكي أخاها حمزة بن عبدالمطلب :
أسائلة أصحاب أحد مخافة * بنات أبي من أعجم وخبير
فقال الخبير إن حمزة قد ثوى * وزير رسول الله خير وزير
دعاه إله الحق ذو العرش دعوة * إلى جنة يحيا بها وسرور
فذلك ما كنا نرجِّي ونرتجي * لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله لا أنساك ما هبت الصبا * بكاء وحزنا محضري ومسيري
على أسد الله الذي كان مدرها * يذود عن الإسلام كل كفور
فيا ليت شلوي عند ذاك وأعظمي * لدى أضبع تعتادني ونسور
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي * جزى الله خيرا من أخ ونصير
بكاء وحزنا محضري ومسيري *
*3*ما بكت به نعم زوجها شماسا
@ قال ابن إسحاق : وقالت نعم ، امرأة شماس بن عثمان ، تبكي شماسا ، وقد أصيب يوم أحد : (4/ 121)
يا عين جودي بفيض غير إبساس * على كريم من الفتيان أبَّاس
صعب البديهة ميمون نقيبته * حمَّال ألوية ركَّاب أفراس
أقول لما أتى الناعي له جزعا * أودي الجواد وأودى المطعم الكاسي
وقلت لما خلت منه مجالسه * لا يبعد الله عنا قرب شماس
*3*ما قاله أبو الحكم أخو نعم يعزيها
@ فأجابها أخوها ، وهو أبو الحكم بن سعيد بن يربوع ، يعزيها : فقال :
إقنى حياءك في ستر وفي كرم * فإنما كان شماس من الناس
لا تقتلي النفس إذ حانت منيته * في طاعة الله يوم الروع والباس
قد كان حمزة ليث الله فاصطبري * فذاق يومئذ من كأس شماس
*3*ما قالته هند بنت عتبة بعد رجوعها من أحد
@ وقالت هند بنت عتبة ، حين انصرف المشركون عن أحد :
رجعت وفي نفسي بلابل جمة * وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي
من أصحاب بدر من قريش وغيرهم * بني هاشم منهم ومن أهل يثرب
ولكنني قد نلت شيئا ولم يكن * كما كنت أرجو في مسيري ومركبي
قال ابن هشام : وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر قولها :
" وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي " *
وبعضهم ينكرها لهند ، والله أعلم . (4/ 122)
*2*ذكر يوم الرجيع في سنة ثلاث
*3*مقتل خبيب وأصحابه
@ قال : حدثنا أبو محمد عبدالملك بن هشام ، قال : حدثنا زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي ، قال : حدثنا عاصم بن عمر بن قتادة ، قال : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أحد رهط من عَضَل والقارة .
*3*نسب عضل والقارة
@ قال ابن هشام : عضل والقارة ، من الهون بن خزيمة بن مدركة .
قال ابن هشام : ويقال . الهُون ، بضم الهاء .
*3*النفر من المسلمن الذين ذهبوا لتعليمهم
@ قال ابن إسحاق : فقالوا : يا رسول الله ، إن فينا إسلاما ، فابعث معنا نفرا من أصحابك يفقهوننا في الدين ، ويقرئوننا القرآن ، ويعلموننا شرائع الإسلام ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم نفرا ستة من أصحابه ، وهم : مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، حليف حمزة بن عبدالمطلب ؛ وخالد بن البكير الليثي ، حليف بني عدي بن كعب ، وعاصم بن ثابت بن أبي الأقلح ، أخو بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس ؛ وخبيب بن عدي ، أخو بني جحجبى بن كلفة بن عمرو بن عوف وزيد بن الدثنة بن معاوية ، (4/ 123) أخو بني بياضة بن عمرو بن زريق بن عبد حارثة بن مالك بن غصب بن جشم بن الخزرج ؛ وعبدالله بن طارق ، حليف بني ظفر بن الخزرج بن عمرو بن ملاك بن الأوس .
*3*غدر عضل والقارة بمن أرسلهم الرسول
@ وأمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم على القوم مرثد بن أبي مرثد الغنوي ، فخرج مع القوم ، حتى إذا كانوا على الرجيع ، ماء لهذيل بناحية الحجاز ، على صدور الهدأة غدروا بهم ، فاستصرخوا عليهم هذيلا فلم يرع القوم ، وهم في رحالهم إلا الرجال بأيديهم السيوف قد غشوهم ، فأخذوا أسيافهم ليقاتلوهم ، فقالوا لهم : إنا والله ما نريد قتلكم ، ولكنا نريد أن نصيب بكم شيئا من أهل مكة ، ولكم عهد الله وميثاقه أن لا نقتلكم .
*3*من قتل منهم
@ فأما مرثد بن أبي مرثد ، وخالد بن البكير ، وعاصم بن ثابت ، فقالوا : والله لا نقبل من مشرك عهدا ولا عقدا أبدا ؛ فقال عاصم بن ثابت :
ما علتي وأنا جلد ونابل * والقوس فيها وتر عنابل
تزل عن صفحتها المعابل * الموت حق والحياة باطل
وكل ما حم الإله نازل * بالمرء والمرء إليه آئل
إن لم أقاتلكم فأمي هابل
(4/ 124)
قال ابن هشام : هابل : ثاكل .
وقال عاصم بن ثابت أيضاً :
أبو سليمان وريش المقعد * وضالة مثل الجحيم الموقد
إذا النواجي افترشت لم أرعد * ومجنأ من جلد ثور أجرد
ومؤمن بما على محمد *
وقال عاصم بن ثابت أيضاً :
أبو سليمان ومثلي رامى * وكان قومي معشرا كراما
وكان عاصم بن ثابت يكنى : أبا سليمان . ثم قاتل القوم حتى قتل وقتل صاحباه .
*3*حماية الدبر عاصما
@ فلما قتل عاصم أرادت هذيل أخذ رأسه ، ليبيعوه من سلافة بنت سعد بن شهيد ، وكانت قد نذرت حين أصاب ابنيها يوم أحد : لئن قدرت على رأس عاصم لتشربن في قحفه الخمر ، فمنعه الدبر ، فلما حالت بينه وبينهم ، قالوا : دعوه يمسي فتذهب عنه . فنأخذه فبعث الله الوادي ، فاحتمل عاصما ، فذهب به . وقد كان عاصم قد أعطى الله عهدا أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا ، تنجسا ؛ فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : حين بلغه أن الدبر منعته : " يحفظ الله العبد المؤمن " كان عاصم نذر أن لا يمسه مشرك ، ولا يمس مشركا أبدا في حياته ، فمنعه الله بعد وفاته ، كما امتنع منه في حياته . (4/ 125)
*3*بيع خبيب وابن الدثنة وقتل عبدالله بن طارق
@ وأما زيد بن الدثنة وخبيب بن عدي ، وعبدالله بن طارق فلانوا ورقوا ورغبوا في الحياة ، فأعطوا بأيديهم فأسروهم ، ثم خرجوا إلى مكة ، ليبيعوهم بها ، حتى إذا كانوا بالظهران انتزع عبدالله بن طارق يده من القران ، ثم أخذ سيفه ، واستأخر عنه القوم ، فرموه بالحجارة حتى قتلوه ، فقبره ، رحمه الله ، بالظهران ؛ وأما خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة فقدموا بهما مكة .
قال ابن هشام : فباعوهما من قريش بأسيرين من هذيل كانا بمكة .
قال ابن إسحاق : فابتاع خبيبا حُجير بن أبي إهاب التميمي ، حليف بني نوفل ، لعقبة بن الحارث بن عامر بن نوفل ، وكان أبو إهاب أخا الحارث بن عامر لأمه لقتله بأبيه .
قال ابن هشام : الحارث بن عامر ، خال أبي إهاب ، وأبو إهاب أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم ؛ ويقال : أحد بني عدس بن زيد بن عبدالله بن دارم ، من بني تميم .
*3*من قوة إيمان ابن الدثنة
@ قال ابن إسحاق : وأما زيد بن الدثنة فابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه ، أمية بن خلف ، وبعث به صفوان بن أمية مع مولى له ، يقال له نسطاس ، إلى التنعيم ، وأخرجوه من الحرم ليقتلوه . واجتمع رهط من قريش ، فيهم أبو سفيان بن حرب ؛ فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل : أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمدا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه ، وأنك في أهلك ؟ قال : (4/ 126) والله ما أحب أن محمدا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه ، وأني جالس في أهلي . قال : يقول أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ محمدا ؛ ثم قتله نِسطاس ، يرحمه الله .
*3*دعوة خبيب ومقتله
@ وأما خبيب بن عدي ، فحدثني عبدالله بن أبي نجيح ، أنه حُدّث عن ماوية ، مولاة حجير بن أبي إهاب ، وكانت قد أسلمت ، قالت : كان خبيب عندي ، حبس في بيتي ، فلقد اطلعت عليه يوما ، وإن في يده لقطفا من عنب ، مثل رأس الرجل يأكل منه ، وما أعلم في أرض الله عنبا يؤكل .
قال ابن إسحاق : وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة وعبدالله بن أبي نجيح جميعا أنها قالت : قال لي حين حضَره القتل : ابعثي إلي بحديدة أتطهر بها للقتل ؛ قالت : فأعطيت غلاما من الحي الموسى ؛ فقلت : ادخل بها على هذا الرجل البيت ؛ قالت : فوالله ما هو إلا أن ولى الغلام بها إليه ؛ فقلت : ماذا صنعت ، أصاب والله الرجل ثأره بقتل هذا الغلام ، فيكون رجلا برجل ، فلما ناوله الحديدة أخذها من يده ثم قال : لعمرك ، ما خافت أمك غدري حين بعثتك بهذه الحديدة إلي ، ثم خلى سبيله .
قال ابن هشام : ويقال : إن الغلام ابنها .
قال ابن إسحاق : قال عاصم : ثم خرجوا بخبيب ، حتى إذا جاءوا به إلى التنعيم ليصلبوه ، قال لهم : إن رأيتم ان تدعوني حتى أركع ركعتين فافعلوا ، قالوا : دونك فاركع ، فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما ، ثم أقبل على القوم فقال :أما والله لولا أن تظنوا أني إنما طولت جزعا من القتل لاستكثرت من الصلاة . قال : فكان خبيب بن عدي (4/ 127) أول من سن هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين . قال : ثم رفعوه على خشبة ، فلما أوثقوه ، قال : اللهم إنّا قد بلغنا رسالة رسولك ، فبلغه الغداة ما يصنع بنا ، ثم قال : اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تغادر منهم احدا . ثم قتلوه رحمه الله .
فكان معاوية بن أبي سفيان يقول : حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان ، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب ، وكانوا يقولون : إن الرجل إذا دعي عليه ، فاضطجع لجنبه زالت عنه .
قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير ، عن أبيه عباد ، عن عقبة بن الحارث ، قال سمعته يقول : ما أنا والله قتلت خبيبا ، لأني كنت أصغر من ذلك ، ولكن أبا ميسرة ، أخا بن عبدالدار ، أخذ الحربة فجعلها في يدي ، ثم أخذ بيدي وبالحربة ، ثم طعنه بها حتى قتله .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا ، قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام ، فكانت تصيبه غشية ، وهو بين ظهري القوم ، فذكر ذلك لعمر ابن الخطاب ، وقيل : إن الرجل مصاب ، فسأله عمر في قدمة قدمها عليه ، فقال : يا سعيد ، ما هذا الذي يصيبك ؟ فقال : والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ، ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين (4/ 128) قتل ، وسمعت دعوته ، فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي ، فزادته عند عمر خيرا .
قال ابن هشام : أقام خبيب في أيديهم حتى انقضت الأشهر الحرم ، ثم قتلوه .
*3*ما نزل في سرية الرجيع من القرآن
@ قال ابن إسحاق : وكان مما نزل من القرآن في تلك السرية ، كما حدثني مولى لآل زيد ابن ثابت ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، أو عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .
قال : قال ابن عباس : لما أُصيبت السرية التي كان فيها مرثد وعاصم بالرجيع ، قال رجال من المنافقين : يا ويح هؤلاء المقتولين الذي هلكوا ، لا هم قعدوا في أهليهم ، ولا هم أدوا رسالة صاحبهم ، فأنزل الله تعالى في ذلك من قول المنافقين ، وما أصاب أولئك النفر من الخير بالذي أصابهم ، فقال سبحانه : " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ": أي لما يُظهر من الإسلام بلسانه ، " ويشهد الله على ما في قلبه " وهو مخالف لما يقول بلسانه ، " وهو ألد الخصام " أي : ذو جدال إذا كلمك واجعك .
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب
@ قال ابن هشام : الألد : الذي يشغب ، فتشتد خصومته ، وجمعه : لُدّ . وفي كتاب الله عز وجل : " وتنذر به قوما لدا " . وقال المهلهل (4/ 129) ابن ربيعة التغلبي : واسمه امرؤ القيس ، ويقال : عدي بن ربيعة :
إن تحت الأحجار حدا ولينا * وخصيما ألد ذا معلاق
ويروي : " ذا مغلاق " فيما قال ابن هشام . وهذا البيت في قصيدة له ؛ وهو الألندد .
قال الطرماح بن حكيم الطائي يصف الحرباء :
يوفي على جذم الجذول كأنه خصم أبر على الخصوم ألندد
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن إسحاق : قال تعالى " وإذا تولى ": أي خرج من عندك " سعى في الأرض ليفسد فيها ، ويهلك الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد " أي : لا يحب عمله ولا يرضاه " وإذ قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد . ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد ": أي قد شروا أنفسهم من الله بالجهاد في سبيله ، والقيام بحقه ، حتى هلكوا على ذلك ، يعني تلك السرية .
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب
@ قال ابن هشام : يشري نفسه : يبيع نفسه ، وشروا : باعوا . قال يزيد ابن ربيعة بن مفرغ الحميري :
وشريت بردا ليتني * من بعد برد كنت هامة (4/ 130)
برد : غلام له باعه . وهذا البيت في قصيدة له . وشرى أيضاً : اشترى .
قال الشاعر :
فقلت لها لا تجزعي أم مالك * على ابنيك إن عبد لئيم شراهما
*3*شعر خبيب قبل صلبه
@ قال ابن إسحاق : وكان مما قيل في ذلك من الشعر ، قول خبيب بن عدي ، حين بلغه أن القوم قد اجتمعوا لصلبه .
قال ابن هشام : وبعض أهل العلم بالشعر ينكرها له .
لقد جمّع الأحزاب حولي وألبوا * قبائلهم واستجمعوا كل مجمع
وكلهم مبدي العداوة جاهد * علي لأني في وثاق بمضيع
وقد جمعوا أبناءهم ونساءهم * وقُربت من جذع طويل ممنع
إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي * وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
فذا العرش ، صبرني على ما يراد بي * فقد بضعوا لحمي وقد ياس مطمعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ * يبارك على أوصال شلو ممزع
وقد خيروني الكفر والموت دونه * وقد هملت عيناي من غير مجزع
وما بي حذار الموت إني لميت * ولكن حذاري جحم نار ملفع
فوالله ما أرجو إذا مت مسلما * على أي جنب كان في الله مصرعي
فلست بمبدٍ للعدو تخشعا * ولا جزعا إني إلى الله مرجعي " .
*3*حسَّان يرثي خبيبا
@ وقال حسَّان بن ثابت يبكي خبيبا :
ما بال عينك لا ترقا مدامعها * سحا على الصدر مثل اللؤلؤ القلق
(4/ 131)
على خبيب فتى الفتيان قد علموا * لا فشل حين تلقاه ولا نزق
فاذهب خبيب جزاك الله طيّبة * وجنة الخلد عند الحور في الرفق
ماذا تقولون إن قال النبي لكم * حين الملائكة الأبرار في الأفق
فيم قتلتم شهيد الله في رجل * طاغ قد أوعث في البلدان والرفق
قال ابن هشام : ويروى " الطرق " . وتركنا ما بقي منها ، لأنه أقذع فيها
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً يبكي خبيبا :
يا عين جودي بدمع منك منسكب * وابكي خبيبا مع الفتيان لم يؤب
صقرا توسط في الأنصار منصبه * سمح السجية محضا غير مؤتشب
قد هاج عين على علات عبرتها * إذ قيل نص إلى جذع من الخشب
يا أيها الراكب الغادي لطيته * أبلغ لديك وعيدا ليس بالكذب
بني كهيبة أن الحرب قد لقحت * محلو بها الصاب إذ تمري لمحتلب
فيها أسود بني النجار تقدمهم * شهب الأسنة في معصوصب لجب (4/ 132)
فكان معاوية بن أبي سفيان يقول : حضرته يومئذ فيمن حضره مع أبي سفيان ، فلقد رأيته يلقيني إلى الأرض فرقا من دعوة خبيب ، وكانوا يقولون : إن الرجل إذا دعي عليه ، فاضطجع لجنبه زالت عنه .
قال ابن هشام : وهذه القصيدة مثل التي قبلها ، وبعض أهل العلم بالشعر ينكرهما لحسَّان ، وقد تركنا أشياء قالها حسَّان في أمر خبيب لما ذكرت .
قال ابن إسحاق : وحدثني بعض أصحابنا ، قال : كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن حذيم الجمحي على بعض الشام ، فكانت تصيبه غشية ، وهو بين ظهري القوم ، فذكر ذلك لعمر ابن الخطاب ، وقيل : إن الرجل مصاب ، فسأله عمر في قدمة قدمها عليه ، فقال : يا سعيد ، ما هذا الذي يصيبك ؟ فقال : والله يا أمير المؤمنين ما بي من بأس ، ولكني كنت فيمن حضر خبيب بن عدي حين (4/ 128) قتل ، وسمعت دعوته ، فوالله ما خطرت على قلبي وأنا في مجلس قط إلا غشي علي ، فزادته عند عمر خيرا .
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً :
لو كان في الدار قرم ماجد بطل * ألوى من القوم صقر خاله أنس
إذن وجدت خبيبا مجلسا فسحا * ولم يشد عليك السجن والحرس
ولم تسقك إلى التنعيم زعنفة * من القبائل منهم من نفت عدس
دلوك غدرا وهم فيها أولو خلف * وأنت ضيم لها في الدار محتبس
قال ابن هشام : أنس الأصم السلمي :خال مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف . وقوله : "من نفت عدس " يعني حجير بن أبي إهاب ؛ ويقال : الأعشى بن زرارة بن النباش الأسدي ، وكان حليفا لبني نوفل بن عبد مناف .
*3*من اجتمعوا لقتل خبيب
@ قال ابن إسحاق : وكان الذين أجلبوا على خبيب في قتله حين قتل من قريش ، عكرمة بن أبي جهل ،وسعيد (4/ 133) ابن عبدالله بن أبي قيس بن عبد ود ،والأخنس بن شريق الثقفي ،حليف بني زهرة ، وعبيدة بن حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص السلمي ، حليف بني أمية بن عبد شمس ، وأمية بن أبي عتبة ، وبنو الحضرمي .
*3*حسَّان يهجو هذيل لقتلهم خبيبا
@ وقال حسَّان أيضاً يهجو هذيلا فيما صنعوا بخيب بن عدي :
أبلغ بني عمرو بأن أخاهم * شراه امرؤ قد كان للغدر لازما
شراه زهير بن الأغر وجامع * وكانا جميعا يركبان المحارما
أجرتم فلما أن أجرتم غدرتم * وكنتم بأكتاف الرجيع لهاذما
فليت خبيبا لم تخنه أمانة * وليت خبيبا كان بالقوم عالما
قال ابن هشام : زهير بن الأغر ،وجامع : الهذليان اللذان باعا خبيباً
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً :
إن سرَّك الغدر صرفا لا مزاج له * فأت الرجيع فسل عن دار لحيان
قوم تواصوا بأكل الجار بينهم * فالكلب والقرد والأنسان مثلان
لو ينطق التيس يوما قام يخطبهم * وكان ذا شرف فيهم وذا شان
قال ابن هشام : وأنشدني أبو زيد الأنصاري قوله
لو ينطق التيس يوما قال يخطبهم * وكان ذا شرف فيهم وذا شان
قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت أيضاً يهجو هذيلا : (4/ 135)
لعمري لقد شانت هذيل بن مدرك * أحاديث كانت في خبيب وعاصم
أحاديث لحيان صلو بقبيحها * ولحيان جرَّامون شر الجرائم
أناس هم من قومهم في صميمهم * بمنزلة الزمعان دبر القوادم
هم غدروا يوم الرجيع وأسلمت * أمانتهم ذا عفة ومكارم
رسول رسول الله غدراً ولم تكن * هذيل توقَّى منكرات المحرم
فسوف يرون النصر يوماًعليهم *بقتل الذي تحميه دون الحرائم
أبابيل دبر شمس دون لحمه * حمت لحم شهاد عظام الملاحم
لعل هزيلاً أن يروا بمصابة * مصارع قتلى أو مقاماً لماتم
ونوقع فيهم وقعة ذات صولة * يوافي بها الركبان أهل المواسم
بأمر رسول الله إن رسوله * رأى رأى ذي حزم بلحيان عالم
قبيلة ليس الوفاء يهمهم * وإن ظلموا لم يدفعوا كف ظالم
إذا الناس حلوا بالقضاء رأيتهم * بمجرى مسيل الماء بين المخارم
محلهم دار البوار ورأيهم * إذا نابهم أمر كرأي البهائم
*3*وقال حسَّان بن ثابت يهجو هذيلا
@ * لحى الله لحيانا فليست دماؤهم * لنا من قتيلى غدرة بوفاء
همو قتلوا يوم الرجيع ابن حرة * أخا ثقة في وده وصفاء
فلو قتلوا يوم الرجيع بأسرهم * بذي الدبر ما كانوا له بكفاء *
قتيل حمته الدبر بين بيوتهم * لدى أهل كفر ظاهر وجفاء
فقد قتلت لحيان أكرم منهم * وباعوا خبيبا ويلهم بلفاء *
فأف للحيان على كل حالة * على ذكرهم في الذكر كل عفاء
قبيلة باللؤم والغدر تغتري * فلم تمس يخفى لؤمها بخفاء
فلو قتلوا لم توف منه دماؤهم * بلى إن قتل القاتليه شفائي
فإلا أمت أذعر هذيلا بغارة * كغادي الجهام المغتدي بإفاء
بأمر رسول الله والأمر أمره * يبيت للحيان الخنا بفناء
يصبح قوما بالرجيع كأنهم * جداء شتاء بتن غير دفاء .
*3*وقال حسَّان بن ثابت أيضاً يهجو هذيلا
@ فلا والله ما تدرى هذيل أصاف ماء زمزم أم مشوب
(4/ 136)
ولا لهم إذا اعتمروا وحجوا * من الحجرين والمسعى نصيب
ولكن الرجيع لهم محل * به اللؤم المبين والعيوب
كأنهم لدى الكنَّات أصلاً * تيوس بالحجاز لها نبيب
هم غروا بذمتهم خبيبا * فبئس العهد عهدهم الكذوب
قال ابن هشام : آخرها بيتا عن أبي زيد الأنصاري
*3*حسَّان يرثي خبيباً وأصحابه
@ قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت يبكي خبيبًا وأصحابه :
صلى الإله على الذين تتابعوا * يوم الرجيع فأكرموا وأثيبوا
رأس السرية مرثد وأميرهم * وابن البكير إمامهم وخبيب
وابن لطارق وابن دثنة منهم * وافاة ثم حمامه المكتوب
والعاصم المقتول عند رجيعهم * كسب المعالي إنه لكسوب
منع المقادة أن ينالوا ظهره * حتى يجالد إنه لنجيب
قال ابن هشام : ويروى : حتى يجدل إنه لنجيب
قال ابن هشام : وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسَّان (4/ 137)
*2*حديث بئر معونة في صفر سنة أربع
*3*بعث بئر معونة
@ قال ابن إسحاق : فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة - وولي تلك الحجة المشركون والمحرم - ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بئر معونة في صفر ، على رأس أربعة أشهر من أحد .
*3*سبب إرسال بعث معونة
@ وكان من حديثهم ، كما حدثني أبي إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره من أهل العلم ، قالوا : قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام ، وقال : يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد ؛ فدعوهم إلى أمرك ، رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أخشى عليهم أهل نجد ، قال أبو براء : أنا لهم جار ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك (4/ 138) .
*3*من رجال البعث
@ فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة ، المعنق ليموت في أربعين رجلا من أصحابه ، من خيار المسلمين ، منهم الحارث بن الصمة ، وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار ، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ، ونافع ابن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعامر بن فهيرة ؛ مولى أبي بكر الصديق ، في رجال مسمَّين من خيار المسلمين . فساروا حتى نزلوا ببئر معونة ،وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم ، كلا البلدين منها قريب ، وهي إلى حرة بني سليم أقرب .
*3*غدر عامر بالبعث
@ فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل ؛ فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله ، ثم استصرخ عليهم بني عامر ، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه ، وقالوا : لن نخفر أبا براء ، وقد عقد لهم عقدا وجوارا ، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم من عصية ورعل وذكوان ، فأجابوه إلى ذلك ، فخرجوا حتى غشوا القوم ، فأحاطوا بهم في رحالهم ، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ، ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند أخرهم ، يرحمهم الله ، إلا كعب بن زيد ، أخا بني دينار بن النجار ، فإنهم تركوه وبه رمق الموت ، فارتث من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا ، رحمه الله .
*3*ابن أمية و المنذر و موقفهما من القوم بعد علمهما بمقتل أصحابهما
@ وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ، ورجل من الأنصار ، أحد بني عمرو بن عوف (4/ 139) .
قال ابن هشام : هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح .
قال ابن إسحاق : فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر ، فقالا : والله إن لهذه الطير لشأنا : فأقبلا لينظرا ، فإذا القوم في دمائهم ، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة . فقال الأنصاري : لعمرو بن أمية : ما ترى ؟ قال : أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر ، فقال الأنصاري : لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، وماكنت لتخبرني عنه الرجال ؛ ثم قاتل القوم حتى قتل ، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا ، فلما أخبرهم أنه من مضر ، أطلقه عامر بن الطفيل ، وجز ناصيته ، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه .
*3*ثأر عمرو بن أمية من العامريين
@ فخرج عمرو بن أمية ، حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة ، أقبل رجلان من بني عامر .
قال ابن هشام : ثم من بني كلاب ، وذكر أبو عمرو المدني ، أنهما من بني سليم .
قال ابن إسحاق : حتى نزلا معه في ظل هو فيه . وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار ،لم يعلم به عمرو بن أمية ،وقد سألهم حين نزلا ،ممن انتما ؟ فقالا : من بني عامر فأمهلهما ، حتى إذا ناما ، عدا عليهما فقتلهما ، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر ، فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد قتلت قتيلين لأدينهما .(4/ 140)
*3*حزن الرسول من عمل أبي براء
@ ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هذا عمل أبي براء ، قد كنت لهذا كارها متخوفا ، فبلغ أبا براء ، فشق عليه إخفار عامر إياه ، وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عله وسلم بسببه وجواره ؛ وكان فيمن أصيب عامر أبن فهيرة .
*3*أمر ابن فهيرة بعد مقتله
@ قال ابن إسحاق : فحدثني هشام بن عروة عن أبيه أن عمر ابن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه قالوا هو عامر بن فهيرة "
*3*سبب إسلام جبار بن سلمى
@ قال ابن إسحاق : وقد حدثني بعض بني جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، قال : وكان جبار فيمن حضرها يومئذ مع عامر ، ثم أسلم قال : فكان يقول : إن مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلاً منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه ، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول : فزت والله فقلت في نفسي : ما فاز ألست قد قتلت الرجل ؟ قال : حتى سألت بعد ذلك عن قوله ، فقالوا : للشهادة ؛ فقلت : فاز لعمر الله .
*3*شعر حسَّان في تحريض بني براء على عامر بن الطفيل
@ قال ابن إسحاق : وقال حسَّان بن ثابت يحرض بني براء على عامر ابن الطفيل :
بني أم البنين ألم يرعكم * وأنتم من ذوائب أهل نجد (4/ 141)
تهكم عامر بأبي براء * ليخفره وما خطأ كعمد "
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي * فما أحدثت في الحدثان بعدي
أبوك أبو الحروب أبو براء * وخالك ماجد حكم بن سعد
*3*نسب حكم و أم البنين
@ قال ابن هشام : حكم بن سعد من القين بن جسر ؛ وأم البنين بنت عمرو بن ربيعة بن عامر بن صعصة ، وهي أم أبي براء .
*3*طعن ربيعة عامر
@ قال ابن إسحاق : فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل ، فطعنه بالرمح فوقع في فخذه ، فأشواه ووقع عن فرسه ، فقال : هذا عمل أبي براء ، إن أمت فدمي لعمي ، فلا يتبعن به ، وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إلي .
وقال أنس بن عباس السلمي : وكان خال طعيمة بن عدي بن (4/ 142) نوفل ، وقتل يومئذ نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي:
تركت ابن ورقاء الخزاعي ثاويا * بمعترك تسفي عليه الأعاصر
ذكرت أبا الريان لما رأيته * وأيقنت أني عند ذلك ثائر
وأبو الريان : طعيمة بن عدي
*3*عبدالله بن رواحة يرثي نافع بن بديل
@ وقال عبدالله بن رواحة يبكي نافع بن بديل بن ورقاء :
رحم الله نافع بن بديل * رحمه المبتغي ثواب الجهاد
صابر صادق وفيّ إذا ما * أكثر القوم قال قول السداد .
*3*رثاء حسَّان قتلى بئر معونة
@ وقال حسَّان بن ثابت يبكي قتلى بئر معونة ويخص المنذر بن عمرو :
على قتلي معونة فاستهلي * بدمع العين سحا غير نزر
على خيل الرسول غداة لاقوا * مناياهم ولاقتهم بقدر
أصابهم الفناء بعقد قوم * تخون عقد حبلهم بغدر
فيا لهفي لمنذر أذ تولى * وأعنق في منيته بصبر
وكائن قد أصيب غداة ذاكم* من أبيض ماجد من سر عمرو
قال ابن هشام : أنشدني آخرها بيتاً أبو زيد الأنصاري (4/ 143) .
*3*شعر كعب بن مالك في يوم بئر معونة
@ وأنشدني لكعب بن مالك في يوم بئر معونة يعِّير بني جعفر بن كلاب :
تركتم جاركم لبني سليم * مخافة حربهم عجزا وهونا
فلوا حبلاً تناول من عقيل * لمد بحبلها حبلا متينا
أو القرطاء ما إن أسلموه * وقدما ما وفوا إذا لا تفونا .
*3*نسب القرطاء
@ قال ابن هشام : القرطاء قبيلة من هوازن ، فيروى "من نفيل " مكان "من عقيل " ، وهو الصحيح ؛ لأن القرطاء من نفيل قريب .
*2*أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع
*3*محاولتهم الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم
@ قال ابن إسحاق : ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر ، اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري ، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما ، كما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف . فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين ، قالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، نعينك على ما أحببت ، مما استعنت بنا عليه . ثم خلا بعضهم ببعض ، فقالوا : إنكم (4/ 144) لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت ، فيلقي عليه صخرة ، فيريحنا منه ؟ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب ، أحدهم ، فقال : أنا لذلك ، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فيهم أبو بكر وعمر وعلي ، رضوان الله عليهم .
*3*علمه صلى الله عليه وسلم بغدرهم واستعداده لحربهم
@ فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء ؛ بما أراد القوم ، فقام وخرج راجعاً إلى المدينة ، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة ، فسألوه عنه ، فقال : رأيته داخلا المدينة . فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى انتهوا إليه صلى الله عليه وسلم ، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم ، والسير إليهم .
قال ابن هشام : واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم
قال ابن إسحاق : ثم سار بالناس حتى نزل بهم .
*3*تاريخ غزو بين النضير
@ قال ابن هشام : وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر .
*3*حصار الرسول لهم
@ قال ابن إسحاق : فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها ، فنادوه : أن يا محمد ، قد كنت تنهي عن الفساد ، وتعيبه على من صنعه ، فما بال قطع النخيل وتحريقها ؟ (4/ 145)
*3*الرهط الذي شجع بني النضير ثم طلبهم الصلح وهجرتهم
@ وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ، منهم عدو الله عبدالله بن أبي سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل ، وسويد وداعس ، قد بعثوا إلى بني النضير : أن اثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ، فتربصوا ذلك من نصرهم ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، على أَّن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة . ففعل . فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل ، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه ،فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به ، فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام .
*3*من هاجر منهم إلى خيبر
@ فكان أشرافهم من سار منهم إلى خيبر : سلام من أبي الحقيق ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وحيي بن أخطب . فلما نزلوها دان لهم أهلها .
قال ابن إسحاق : فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث : أنهم استقلوا بالنساء والأموال ، معهم الدفوف والمزامير ، والقيان يعزفن خلفهم ، وإن فيهم لأم عمرو صاحبة عروة بن الورد العبسي ، التي ابتاعوا منه ، (4/ 146) وكانت إحدى نساء بني غفار ، بزهاء وفخر وما رئي مثله من حي من الناس في زمانهم .
*3*الرسول يقسم أموال بني النضير بين المهاجرين
@ وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، يضعها حيث يشاء ، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار ، إلا أن سهل ابن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا ، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .
*3*من أسلم من بني النضير
@ ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير ، أبو كعب بن عمرو بن جحاش ؛ وأبو سعد بن وهب ، أسلما على أموالهما فأحرزاها .
*3*تحريض يامين على قتل ابن جحاش
@ قال ابن إسحاق : - وقد حدثني بعض آل يامين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين : ألم تر ما لقيت من ابن عمك ، وما هم به من شأني ؟ فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش ، فقلته فيما يزعمون .
*3*ما نزل في بني النضير من القرآن
@ ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها ، يذكر فهيا ما أصابهم الله به من نقمته ، وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما عمل به فيهم ، فقال تعالى " هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول (4/ 147) الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ، وقذف في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين " ، وذلك لهدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها . " فاعتبروا يا أولي الأبصار ، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء " وكان لهم من الله نقمة ، " لعذبهم في الدنيا " : أي بالسيف ، " ولهم في الآخرة عذاب النار" مع ذلك . " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها ". واللينة : ما خالف العجوة من النخل " فبإذن الله " : أي فبأمر الله قطعت ، لم يكن فسادا ، ولكن كان نقمة من الله " وليخزي الفاسقين " .
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب
@ قال ابن هشام : اللينة : من الألوان ، وهي ما لم تكن برنية ولا عجوة من النخل ، فيما حدثنا أبو عبيدة . قال ذو الرمة :
كأن قتودي فوقها عش طائر * على لينة سوقاء تهفو جنوبها
وهذا البيت في قصيدة له . (4/ 148)
" وما أفاء الله على رسوله منهم " - قال ابن إسحاق : يعني من بني النضير " فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ، والله على كل شيء قدير " : أي له خاصة .
*3*تفسير ابن هشام لبعض الغريب
@ قال ابن هشام : أوجفتم : حركتم وأتعبتم في السير . قال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة :
مذاويد بالبيض الحديث صقالها * عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا .
وهذا البيت في قصيدة له ، وهو الوجيف . وقال أبو زيد الطائي ، واسمه حرملة بن المنذر :
مسنفات كأنهن قنا الهند لطول الوجيف جدب المرود *
وهذا البيت في قصيدة له .
قال ابن هشام : السناف : البطان . والوجيف : وجيف القلب والكبد ، وهو الضربان .
قال قيس بن الخطيم الظفري :
إنا وإن قدموا التي علموا * أكبادنا من ورائهم تجف
وهذا البيت في قصيدة له . (4/ 149)
" ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول " - قال ابن إسحاق : ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب ، وفتح بالحرب عنوة فلِلّه وللرسول - " ولذي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل ، كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ، وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا " . يقول : هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين ، على ما وضعه الله عليه .
ثم قال تعالى " ألم تر إلى الذين نافقوا " : يعني عبدالله بن أبي وأصحابه ، ومن كان على مثل أمرهم ، " يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب " : يعني بني النضير ، إلى قوله " كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ، ولهم عذاب أليم " : يعني بني قينقاع . ثم القصة إلى قوله : " كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برىء منك ، إني أخاف الله رب العالمين ، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين " .
*3*ما قاله ابن لقيم العبسي من شعر في بني النضير
@ وكان مما قيل في بني النضير من الشعر قول ابن لقيم العبسي ، ويقال : قاله قيس بن بحر بن طريف . قال ابن هشام : قيس بن بحر الأشجعي ، فقال :
أهلي فداء لامرىء غير هالك * أحل اليهود بالحسي المزنم (4/ 150)
يقيلون في جمر الغضاة وبدلوا * أهيضب عودي بالودي المكمم
فإن يك ظني صادقا بمحمد * تروا خيله بين الصلا ويرمرم
يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم * عدو وما حي صديق كمجرم
عليهن أبطال مساعير في الوغى * يهزون أطراف الوشيج المقوم
وكل رقيق الشفرتين مهند * توورثن من أزمان عاد وجرهم
فمن مبلغ عني قريشا رسالة * فهل بعدهم في المجد من متكرم
بأن أخاكم فاعلمن محمدا * تليد الندى بين الحجون وزمزم
فدينوا له بالحق تجسم أموركم * وتسموا من الدنيا إلى كل معظم
نبي تلاقته من الله رحمة * ولا تسألوه أمر غيب مرجم
فقد كان في بدر لعمري عبرة * لكم يا قريشا والقلب الملمم
غداة أتى في الخزرجية عامدا * إليكم مطيعا للعظيم المكرم
معانا بروح القدس ينكى عدوه * رسولا من الرحمن حقا بمعلم
رسولا من الرحمن يتلو كتابه * فلما أنار الحق لم يتلعثم
أرى أمره يزداد في كل موطن * علوا لأمر حمه الله محكم (4/ 151)
قال ابن هشام : عمرو بن بهثة ، من غطفان . وقوله : " بالحسي المزنم " عن غير ابن إسحاق .
*3*ما ينسب من الشعر لعلي في قصة بني النضير
@ قال ابن إسحاق : وقال علي بن أبي طالب : يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف .
قال ابن هشام : قالها رجل من المسلمين غير علي بن أبي طالب ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ، ولم أر أحدا منهم يعرفها لعلي :
عرفت ومن يعتدل يعرف * وأيقنت حقا ولم أصدف
عن الكلم المحكم اللاء من * لدى الله ذي الرأفة الأرأف
رسائل تدرس في المؤمنين * بهن أصطفى أحمد المصطفى
فأصبح أحمد فينا عزيزا * عزيز المقامة والموقف
فيأيها الموعدوه سفاها * ولم يأت جورا ولم يعنف
ألستم تخافون أدنى العذاب * وما آمن الله كالأخواف
وأن تصرعوا تحت أسيافه * كمصرع كعب أبي الأشرف
غداة رأى الله طغيانه * وأعرض كالجمل الأجنف
فأنزل جبريل في قتله * بوحي إلى عبده ملطف
فدس الرسول رسولا له * بأبيض ذي هبة مرهف
فباتت عيون له معولات * متى ينع كعب لها تذرف
وقلن لأحمد ذرنا قليلا * فإنا من النوح لم نشتف (4/ 152)
فخلاهم ثم قال اظعنوا * دحورا على رغم الآنف
وأجلى النضير إلى غربة * وكانوا بدار ذوي زخرف
إلى أذرعات ردافى وهم * على كل ذي دبر أعجف
*3*ما أجابه به سماك اليهودي
@ فأجابه سماك اليهودي ، فقال :
إن تفخروا فهو فخر لكم * بمقتل كعب أبي الأشرف
غداة غدوتم على حتفه * ولم يأت غدرا ولم يخلف
فعلَّ الليالي وصرف الدهور * يدين من العادل المنصف
بقتل النضير وأحلافها * وعقر النخيل ولم تقطف
فإن لا أمت نأتكم بالقنا * وكل حسام معا مرهف
بكف كمي به يحتمي * متى يلق قرنا له يتلف
مع القوم صخر وأشياعه * إذا غاور القوم لم يضعف
كليث بترج حمى غيله * أخي غابة هاصر أجوف
*3*كعب بن مالك يقول شعرا في إجلاء بني النضير ومقتل كعب بن الأشرف
@ قال ابن إسحاق : وقال كعب بن مالك يذكر اجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف :
لقد خزيت بغدرتها الحبور * كذلك الدهر ذو صرف يدور
وذلك أنهم كفروا برب * عزيز أمره أمر كبير (4/ 153)
وقد أوتوا معا فهما وعلما * وجاءهم من الله النذير
نذير صادق أدى كتابا * وآيات مبينة تنير
فقالوا ما أتيت بأمر صدق * وأنت بمنكر منا جدير
فقال بلى لقد أديت حقا * يصدقني به الفهم الخبير
فمن يتبعه يهد لكل رشد * ومن يكفر به يجز الكفور
فلما أشربوا غدرا وكفرا * وحاد بهم عن الحق النفور
أرى الله النبي برأي صدق * وكان الله يحكم لا يجور
فأيده وسلطه عليهم * وكان نصيره نعم النصير
فغودر منهم كعب صريعا * فذلت بعد مصرعه النضير
على الكفين ثم وقد علته * بأيدينا مشهرة ذكور
بأمر محمد إذا دس ليلا * إلى كعب أخا كعب يسير
فماكره فأنزله بمكر * ومحمود أخو ثقة جسور
فتلك بنو النضير بدار سوء * أبارهم بما اجترموا المبير
غداة أتاهم في الزحف رهوا * رسول الله وهو بهم بصير
وغسان الحماة موازره * على الأعداء وهو لهم وزير
فقال السلم ويحكم فصدوا * وحالف أمرهم كذب وزور
فذاقوا غب أمرهم وبالا * لكل ثلاثة منهم بعير
وأجلوا عامدين لقينقاع * وغودر منهم نخل ودور
*3*سماك اليهودي يرد على كعب بن مالك
@ فأجابه سماك اليهودي ، فقال : (4/ 154)
أرقت وضافني هم كبير * بليل غيره ليل قصير
أرى الأحبار تنكره جميعا * وكلهم له علم خبير
وكانوا الدارسين لكل علم * به التوراة تنطق والزبور
قتلتم سيد الأحبار كعبا * وقدما كان يأمن من يجير
تدلى نحو محمود أخيه * ومحمود سريرته الفجور
فغادره كأن دما نجيعا * يسيل على مدارعه عبير
فقد وأبيكم وأبي جميعا * أصيبت إذ أصيب به النضير
فإن نسلم لكم نترك رجالا * بكعب حولهم طير تدور
كأنهم عتائر يوم عيد * تذبح وهي ليس لها نكير
ببيض لا تليق لهن عظما * صوافي الحدي أكثرها ذكور
كما لاقيتم من بأس صخر * بأحد حيث ليس لكم نصير
*3*عباس بن مرداس يمدح رجال بني النضير
@ وقال عباس بني مرداس أخو بن سليم يمتدح رجال بني النضير :
لو أن أهل الدار لم يتصدعوا * رأيت خلال الدار ملهى وملعبا
فإنك عمري هل أريك ظعائنا * سلكن على ركن الشطاة فتيأبا
عليهن عين من ظباء تبالة * أوانس يصبين الحليم المجربا (4/ 155)
إذا جاء باغي الخير قلن فجاءة * له بوجوه كالدنانير مرحبا
وأهلا فلا ممنوع خير طلبته * ولا أنت تخشى عندنا أن تؤنبا
فلا تحسبن كنت مولى ابن مشكم * سلام ولا مولى حيي بن أخطبا
*3*خوات بن جبير يرد عليه
@ فأجابه خوات بن جبير أخو بني عمرو بن عوف ، فقال :
تبكي على قتلى يهود وقد ترى * من الشجو لو تبكي أحب وأقربا
فهلا على قتلى ببطن أرينق * بكيت ولم تعول من الشجو مسهبا
إذا السلم دارت في صديق رددتها * وفي الدين صدادا وفي الحرب ثعلبا
عمدت إلى قدر لقومك تبتغي * لهم شهبا كيما تعز وتغلبا
فإنك لما أن كلفت تمدحا * لمن كان عيبا مدحه وتكذبا
رحلت بأمر كنت أهلا لمثله * ولم تلف فيهم قائلا لك مرحبا
فهلا إلى قوم ملوك مدحتهم * تبنوا من العز المؤثل منصبا
إلى معشر صاروا ملوكا وكرموا * ولم يلف فيهم طالب العرف مجدبا
أولئك أحرى من يهود بمدحة * تراهم وفيهم عزة المجد ترتبا
*3*عباس بن مرداس يرد على خوات بن جبير
@ فأجابه عباس بن مرداس السلمي ، فقال :
هجوت صريح الكاهنين وفيكم * لهم نعم كانت من الدهر ترتبا (4/ 156)
أولئك أحرى لو بكيت عليهم * وقومك لو أدوا من الحق موجبا
من الشكر إن الشكر خير مغبة * وأوفق فعلا للذي كان أصوبا
فكنت كمن أمسى يقطع رأسه * ليبلغ عزا كان فيه مركبا
فبك بني هارون واذكر فعالهم * وقتلهم للجوع إذ كنت مجدبا
أخوات أذر الدمع بالدمع وابكهم * وأعرض عن المكروه منهم ونكبا
فإنك لولا لقيتهم في ديارهم * لألفيت عما قد تقول منكبا
سراع إلى العليا كرام لدى الوغى * يقال لباغي الخير أهلا ومرحبا
*3*ما قاله أحد الصحابة في الرد على عباس بن مرداس
@ فأجابه كعب بن مالك ، أبو عبدالله بن رواحة ، فيما قال ابن هشام فقال :
لعمري لقد حكت رحى الحرب بعدما * أطارت لؤيا قبل شرقا ومغربا
بقية آل الكاهنين وعزها * فعاد ذليلا بعد ما كان أغلبا
فطاح سلام وابن سعية عنوة * وقيد ذليلا للمنايا ابن أخطبا
وأجلب يبغي العز والذل يبتغي * خلاف يديه ما جنى حين أجلبا
كتارك سهل الأرض والحزن همه * وقد كان ذا في الناس أكدى وأصعبا
وشأس وعزال وقد صليا بها * وما غيبا عن ذاك فيمن تغيبا
وعوف بن سلمى وابن عوف كلاهما * وكعب رئيس القوم حان وخيبا
فبعدا وسحقا للنضير ومثلها * إن اعقب فتح أو إن الله أعقبا (4/ 157)
قال ابن هشام : قال أبو عمرو المدني : ثم غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد بني النضير بني المصطلق . وسأذكر حديثهم إن شاء الله في الموضع الذي ذكره ابن إسحاق فيه .
*2*غزوة ذات الرقاع في سنة أربع
*3*الاستعداد للغزوة
@ قال ابن إسحاق : ثم أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد غزو بني النضير شهر ربيع الآخر وبعض جمادى ، ثم غزا نجدا يريد بني محارب وبني ثعلبة من غطفان ، واستعمل على المدينة أبا ذر الغفاري ، ويقال : عثمان بن عفان ، فيما قال ابن هشام :
قال ابن إسحاق : حتى نزل نخلا ، وهي غزوة ذات الرقاع
*3*سبب تسميتها بذات الرقاع
@ قال ابن هشام : وإنما قيل لها غزوة ذات الرقاع ، لأنهم رقعوا فيها راياتهم ؛ ويقال : ذات الرقاع شجرة بذلك الموضع ، يقال لها : ذات الرقاع . (4/ 158)
*3*من أسباب صلاة الخوف
@ قال ابن إسحاق : فلقي بها جمعا عظيما من غطفان ، فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب ، وقد خاف الناس بعضهم بعضا ، حتى صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس صلاة الخوف ، ثم انصرف بالناس .
*3*كيفية صلاة الخوف
@ قال ابن هشام : حدثنا عبدالوارث بن سعيد التنوري - وكان يكنى : أبا عبيدة - قال : حدثنا يونس بن عبيد ، عن الحسن بن أبي الحسن ، عن جابر بن عبدالله في صلاة الخوف ، قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بطائفة ركعتين ثم سلم ، وطائفة مقبلون على العدو . قال : فجاءوا فصلى بهم ركعتين أخريين ، ثم سلم .
قال ابن هشام : وحدثنا عبدالوارث ، قال : حدثنا أيوب ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، قال : صفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صفين ، فركع بنا جميعا ، ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وسجد الصف الأول ، فلما رفعوا سجد الذين يلونهم بأنفسهم ، ثم تأخر الصف الأول ، وتقدم الصف الآخر حتى قاموا مقامهم ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، ثم سجد النبي صلى الله عليه وسلم وسجد الذين يلونه معه ؛ فلما رفعوا رؤوسهم سجد الآخرون بأنفسهم ، فركع النبي صلى الله عليه وسلم بهم جميعا ، وسجد كل واحد منهما بأنفسهم سجدتين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق