Translate ***

السبت، 9 يونيو 2018

% أقوال العلماء في حكم الموسيقى والغناء



من موقع الألوكة والتعقيب للمدون
 أقوال العلماء في حكم الموسيقى والغناء
 إنَّ الحمد لله نَحْمده ونَسْتعينه ونستغفِرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، إنَّه مَن يهده الله فلا مضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له.
أمَّا بعد



فكُلَّما بَعُد بنا الزَّمان عن عهد النُّبوة، ازدادَتْ غربة الدِّين، وازدادَ بُعد النَّاس عن الإسلامِ؛ وذلك نشَأ مِن قلَّة الاهتمام بِتَحصيل العلم، وقِلَّة مَن يتَكلَّم بالحقِّ في هذا الوقت؛ لأسبابٍ يَعْلمها الله، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لَتُنقَضنَّ عُرى الإسلام عروةً عروة، فكُلَّما نُقِضَت عروةٌ، تشبَّث الناس بالتي تَلِيها، فأوَّلُها نقضًا الحُكْم، وآخِرُها الصَّلاة))؛ رواه الإمام أحمد بسنَدٍ حسَن.
فمِن هذه العُرَى الَّتي نُقضت في هذه الآوِنَة: قضيَّة "التحليل والتَّحريم"؛ فمِن المُسَلَّم به عند عُلماء الأمة أنَّ "التحليل والتحريم" من حقِّ الله وحده؛ فهو يُحلِّل ويحرم ما شاء - سبحانه - لحِكْمةٍ يَعْلمها، ظهرَتْ للبعض وخَفِيَت عن الكثير، فليس لأحدٍ أن يحلِّل ويحرم إلاَّ بدليلٍ من الكتاب والسُّنة، فمَن حلَّل وحرَّم من تلقاء نفسه وهواه، فقد تعدَّى على خصائص الأُلوهيَّة؛ ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].فهذه كلماتٌ مُختصَرة في تحريم الغِناء في الإسلام، ومَن تأمَّل في الآيات القرآنيَّة الدالَّة على تحريم الغناء، يَجِد أنَّها مَكِّية، وتحريم الخمر كان بالمدينة؛ أي: إنَّ الغناء حُرِّم قبل الخمر، والعِلَّة في ذلك - والله أعلم - أنَّ القلب إذا تعلَّق بالغناء، صُدَّ عن سماع وحْي ربِّ الأرض والسماء، فطَهَّر الله قلوبَ الصَّحابة أولاً قبل أن يُشرِّع لهم باقِيَ الأحكام، وقال عثمان بن عفَّان: "لو طَهُرَتْ قلوبُنا، ما شَبِعَت من كلام ربِّنا"، فعلى كلِّ مَن يقرأ هذه الرِّسالة أن يَنْظر إلى الأدلَّة بعين الإنصاف، ودون تحيُّزٍ لِعالِم؛ فكلُّ إنسان يُؤخَذ من قوله ويُرَدُّ عليه إلاَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنْ فعَلَ ذلك فسوف يَصِل إلى ما أجْمَع عليه الأئمَّة الأربعة في تحريم الغِناء، ومَن أراد التوَسُّع في الأمر، فلْيَرجع إلى مَراجِع الرِّسالة.
والله ولِيُّ التوفيق.
بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً - تعريف الغناء: هو نوع من أنواع الشِّعر.
ثانيًا - تعريف الشِّعر: هو كلامٌ موزون مُقفًّى.
حُكْم الشِّعْر:
ورَدَ في الشِّعر أحاديثُ ووقائع تدلُّ على إباحته؛ منها ما يدلُّ على إباحتِه بشرطِ حُسْن موضوعه.
روى الطَّبَراني في "الأوسط"، عن عبدالله بن عمر، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الشِّعر كالكَلام؛ فحسَنُه حسَن، وقَبِيحه قبيح)).
ومنها ما يدلُّ على ذَمِّه بشرط قُبْح موضوعه؛ روى الشَّيخان عن أبي هُرَيرة، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لأَنْ يَمتلئ جوفُ أحدِكم قَيْحًا وصديدًا حتَّى يَرِيَه، خيرٌ له من أن يَمْتلئ شِعرًا))، ((يريه)) هو مرَضٌ يُصيب جوفَ الإنسان.
ورَوى الإمام أحمدُ عن شدَّاد بن أوسٍ أن النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قرَض بيت شِعر بعد صلاة العِشاء الآخرة، لَم تُقبَل له صلاة تلك اللَّيلة)).
ولكن نُوفِّق بين الأحاديث:
قسَّم العلماء الشِّعر إلى قسمَيْن:
أ - مُباح.
ب - مُحرَّم.
أولاً - المباح:
وهو ما خَلا موضوعُه عن فُحْش وبذاءة وخَنا، ولَم يُحرِّك الشَّهوات الكامنة، ولَم يكن من رَجُلٍ في حقِّ امرأة، ولا من امرأةٍ في حقِّ رجل، ولا من أمرَد في حقِّ الصِّنفين.
وهذا النَّوع من الشعر المباح على خمسة أنواع:
1 - أشعار في وصف الكون الَّذي خلَقَه الله؛ مثل:


1. أشعار في وصف الكون الَّذي خلَقَه الله؛ مثل
الأَرْضُ فِيهَا عِبْرَةٌ لِلمُعْتَبِرْ
تُخْبِرُ عَنْ صُنْعِ مَلِيكٍ مُقْتَدِرْ
تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ أَشْجَارُهَا
وَنَبْعَةٌ وَاحِدَةٌ قَرَارُهَا

وَالشَّمْسُ وَالْهَوَاءُ لَيْسَ يَخْتَلِفْ

وَأُكْلُهَا مُخْتَلِفٌ لاَ يَأْتَلِفْ
لَوْ أَنَّ ذَا مِنْ عَمَلِ الطَّبَائِعِ
أَوْ أَنَّهُ صَنْعَةُ غَيْرِ صَانِعِ
لَمْ يَخْتَلِفْ وَكَانَ شَيْئًا وَاحِدَا
هَلْ تُشْبِهُ الأَوْلاَدُ إِلاَّ الوَالِدَا
وَالشَّمْسُ وَالْهَوَاءُ يَا مُعَانِدُ
وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ شَيْءٌ وَاحِدُ
فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ ذَا التَّفَاضُلاَ
إِلاَّ حَكِيمٌ لَمْ يُرِدْهُ بَاطِلاَ
أشعار الزُّهد والفَضائل والآداب المُزهِّدة في الدُّنيا، والمرغِّبة في الآخرة، مثل:
إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلاَ تَقُلْ
خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ
وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً
وَلاَ أَنَّ مَا تُخْفِيهِ عَنْهُ يَغِيبُ
ومثل قول الشاعر:
قَدِّمْ لِنَفْسِكَ خَيْرًا
وَأَنْتَ مَالِكُ مَالِكْ
مِنْ قَبْلِ أَنْ تَتَفَانَى
وَلَوْنُ حَالِكَ حَالِكْ
لَمْ تَدْرِ أَنَّكَ حَقًّا
أَيَّ الْمَسَالِكِ سَالِكْ
إِمَّا لِجَنَّةِ عَدْنٍ
أَوْ فِي الْمَهَالِكِ هَالِكْ
4.أشعار العرس - مثل قول النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم
أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ
فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ
وَلَوْلاَ الْحِنْطَةُ السَّمْرَاءُ مَا سَمِنَتْ عَذَارِيكُمْ
وَلَوْلاَ الذَّهَبُ الأَحْمَرُ مَا حَلَّتْ بوَادِيكُمْ
5.أشعار الجهاد؛ مثل ما رواه الترمذيُّ عن أنَسٍ، لما دخل النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكَّة في عمرة القضاء سنة 7هـ، قال ابنُ رواحة:
خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
اليَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ
وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
فقال عُمر: يا بْنَ رواحة، في حرَمِ الله، وبين يدَيْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تقول الشِّعْر
فقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم {دَعْه يا بن الخَطَّاب؛ والله إنَّ هذا أسرَعُ فيهم من نَضْح النَّبْل}

ثانيًا - الشِّعر المُحرَّم:
وهو ما كان في موضوعه بذاءةٌ وفُحْش وقُبْح وخنا، ودعوةٌ إلى الفجور والأمور المَرْذولة، وله خمسة أنواع
:
1 - أشعار النِّياحة على الأموات: وهي التي تُقال عند موت الإنسان؛ لإثارة الأحزان وجَلْب البكاء.
2 - أشعار الهجاء؛ ما لَم تَكُن لحقٍّ أو لمصلحة، فإن كانت لحقٍّ أو لمصلحة، فهي جائزةٌ؛ مثل ما رَوى الشَّيخان أن النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لحسَّان يوم قريظة: ((اهْجُهم، وجبريلُ معك)).
3 - أشعار المَدْح والفخر، ما لم تَكُن بحقٍّ أو لِمَصلحة شرعيَّة؛ مثل مَدْح الإسلام وأهلِه؛ فهي جائزة.
4 - الأشعار الشِّركيَّة، وهي التي يُشبَّه فيها المخلوقُ بالخالق، مثل ما قاله بعض مَلْعوني الصُّوفية:
فَمَا الكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ إِلاَّ إِلَهُنَا 

وَمَا اللهُ إِلاَّ رَاهِبٌ فِي كَنِيسَةِ 
وقول ملعونٍ آخَر يَمْدح المعزَّ لدين الله، وهو باطنِيٌّ مَلْعون - أي: المُعز -:
مَا شِئْتَ لاَ مَا شَاءَتِ الأَقْدَارُ 

فَاحْكُمْ فَأَنْتَ الوَاحِدُ القَهَّارُ 
5 - أشعار الغناء: وهي الخَاصَّة بِمَوضوع البحث، وكلُّ ما ورد من نهيٍ أو ذم، فهو من هذا النَّوع من الشِّعر.
الأدلة على التحريم:
أوَّلاً: من القرآن الكريم:
أ - قال تعالى مخاطبًا إبليس: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 64]. 
قلت المدون ما بال الناس يتهافتون علي عبادة البشر ، في التشريع والله تعالي لم يأمرنا أن نعبده إلا بما أنزل من كتاب وسنة صحيحة محكمة  وبغض النظر عن حل أو حرمة الغناء فلا يحل لمسلم أن يحرم ما أحل الله تعالي ورسوله  أو يُحل ما حرم الله تعالي ورسوله قال الله تعالي {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }  فعلمنا أن التحريم يلزمه بالضرورة نصاً محكماً قاطعاً بالتحريم وتأكد أن كل من يُفسر آية بدليل غير محكمٍ كالذي يُشَرِّع مع الله بهواه ولم أرَ.. تفسيرات من محض الهوي مثلما رأيته هنا في هذا موضوع الغناء بغض النظر عن حرمة الغناء أو حلَّه  فأول شيئ يتصدر عملية تحريم الغناء أو حله هو آراء الرجال مثل قال فلان وقال علان .. وهذه في ذاتها مصيبة كبيرة عمت بها البلوي في ضياع دين الله منذ تحول المسلمون في عفلة من أنفسهم إلي نَصْبِ أوثان التشريع في نفوسهم بأقوال البشر مهما كان الأمر والله تعالي لا يعبأ بترهات العباد ولا يتغير عنده وجه الحق لقول فلان وقول علان من دون رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن الله تعالي أعطاه حق التشريع المتابع بالوحي ** إن الخطأ الفادح الذي طمس وجه الحق ونبع النور المنبعث من كتاب الله تعالي هو تعلية وثن التقليد البشري للبشر والإعراض عن وجه لحق الأبلج من كتاب الله وسنة رسول ولا شيئ بعد ذلك... إن تصديرات الناس موضوعاتهم الفقهية بأقوال البشر دون رسول الله صلي الله عليه وسلم هي بذرة التحول عن أساس الحق وضياع الدين   ستتابع التعقيب يمشية الله تعالي بداية المتابعة للحديث السابق قلت المدون ومما علمناه من معاجم اللغة وروايات الحديث الصحيحة أن 
1.قد أجاز النبي محمدا صلي الله عليه وسلم الغناء في مناسبة الأعياد كما عقب علي موقف عمر بن الخطاب بمحتوي ليس فيه خروج علي حدود الأخلاق القرانية والإسلامية *************
************ 

﴿ بِصَوْتِكَ ﴾: قال مُجاهدٌ والضَّحَّاك: هو الغناء والمَزامير واللَّهْو.
فتبَيَّن من الآية أنَّ مِن وسائل الشيطان لإضلال آدمَ الغناء والمزامير، وهذا دليلٌ على تَحْريمه.
ب - وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6].
روى الترمذيُّ بِسنَدٍ فيه ضعفٌ عن أبي أُمامة عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تَبِيعوا القَيْنات، ولا تشتروهنَّ، ولا تُعلِّموهن، ولا خير في تجارةٍ فيهنَّ، وثَمنهُنَّ حرام))، وفي مثل هذا أُنزِلَت هذه الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6].
﴿ لَهْو الحديث ﴾: قال ابن عبَّاس وابنُ مسعودٍ وجابِرُ بن عبدالله ومجاهد: هو الغِناء.
وروى سعيدُ بن جبيرٍ عن أبي الصَّهباء الكَبير، قال: سُئِل ابن مسعودٍ عن قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ... ﴾ [لقمان: 6] الآية، فقال: الغناء، والله الَّذي لا إله إلاَّ هو إنَّه الغناء، ورُوي ذلك عن ابن عمر وعِكْرمة.
جـ - قال تعالى: ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [النجم: 59 - 61].
قال ابن عبَّاس: سامدون؛ أي: مُغنُّون.
ويُقال في اللُّغة: اسْمُد لنا؛ أيْ: غَنِّ لنا، ويُقال للقَيْنة (المُغنِّية): أَسْمِدينا؛ أي: ألْهِينا بالغناء.
وجْهُ الاستدلال: أنَّ الله تعالى عاب على الكُفَّار الغناءَ عند سَماعهم للقرآن.
ثانيًا: السُّنة وما فيها من أدلَّة على تحريم الغناء:
قال ابنُ القَيِّم: الأحاديثُ الواردة في ذَمِّ الغناء وتحريمه متواترةٌ، وعدَدُ رُواتها ثلاثةَ عشر صحابيًّا، وهم: أبو مالكٍ الأشعري، وسهل بن سعد، وعمران بن حُصَين، وعبدالله بن عمرو، وعبدالله بن عباس، وأبو هريرة، وأبو أُمَامة الباهلي، وعائشة، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وعبدالرحمن بن سابط، والغازي بن ربيعة، وعبدالله بن عمر، وإليك بعض الأحاديث.
روى البخاريُّ، فقال - أي: البخاري -: وقال هشام بن عمار: حدَّثَنا صدَقةُ بن خالد، حدَّثنا عبدالرحمن بن زيدِ بن جابر، حدَّثنا عطيَّةُ بن قيس الكِلابِيُّ، حدثنا عبدالرحمن بن غَنْمٍ الأشعريُّ، قال: حدَّثنا أبو عامر، أو أبو مالكٍ الأشعري، والله ما كذَبَنِي، أنَّه سمع النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لَيَكونَنَّ من أُمَّتي أقوامٌ يستحِلُّون الحِرَ والحَرير، والخمرَ والمعازِف، وليَنْزِلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ علَمٍ يَروح عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهم - يعني: الفَقير - لحاجةٍ، فيقولونَ: ارجع إلينا غدًا، فيُبيِّتُهم الله، ويضَعُ العَلَم، ويَمْسخ آخرين قِرَدةً وخَنازير إلى يوم القيامة)).
مفردات الحديث:
يَستحِلُّون: قال ابنُ العربي: يَحْتمل أن يكون المعنى أنَّهم يَعْتقدون أنَّها - أيْ: هذه الأصناف الأربعة - حلال، ويَحْتمل أن يكون مَجازًا على الاستِرْسال؛ أي: يَسْترسلون في فِعْلها كالاسترسال في الحلال.
الحِر: هي الفُروج، والمعنى أنَّهم يَزْنون.
المَعازف: قال ابن حجَر: هي آلاتُ المَلاهي.
قال الذهبِيُّ: هي اسمٌ لكلِّ ما يُعزَف به.
قال ابنُ القيِّم: هي آلاتُ اللَّهو كلها، بلا خلاف.
قال القرطبِيُّ نقلاً عن الجوهري: إنَّها الغناء.
وجه الدّلالة على التَّحريم:
لو كانَتْ آلات الملاهي والغناء حلالاً، لمَا ذمَّ النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاعِلَها، وما قرَنَ استِحْلالَها باستحلال الخَمْر والزِّنا.
ورَوى حديثَ أبي مالكٍ الأشعري الإمامُ ابن ماجَهْ في "سننه"، وساق السَّنَد إلى أبي مالكٍ الأشعري، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليَشْرَبنَّ قومٌ - ناس - من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونها بغير اسمِها، يُعزف على رؤوسِهم بالمعازف والمُغنِّيات، يَخْسف الله بهم الأرضَ، ويَجْعل منهم قِرَدةً وخَنازير)).
وهذا إسنادٌ صحيح، وقد توَعَّد النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مَن يَعْزفون بالمعزف بأن يخسف الله بِهم الأرض، ويَمْسخهم قردةً وخنازير.
حديث ثانٍ: روى الترمذيُّ بِسنَده عن عِمْران بن حُصَين قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَكُون في أمَّتِي قذْفٌ وخَسْف ومَسْخ))، فقال رجلُّ من المسلمين: متَى ذاك يا رسول الله؟ قال: ((إذا ظهَرَت القينات والمعازف، وشُرِبَت الخُمور)).
وجه الدلالة: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - علَّق عقوبة الله - عزَّ وجلَّ - على ظُهور القيان والمعازف وشُرْب الخمور، ومعلومٌ أنَّ العقوبة لا تُعَلَّق إلا بظهور المعاصي والمُنكَرات والحرام.
حديث ثالث: روى الإمامُ أحمد وأبو داود بإسنادٍ حسَن عن نافعٍ مولى ابن عمر، قال: كنتُ أسير مع ابن عمر، فسمع صوتَ راعٍ يَزْمُر بِزمَّارة، وكنتُ صغيرًا، فوضَع ابنُ عمر إصبعَيْه في أُذنَيْه، وقال: يا نافِعُ أتسمع؟ فقلتُ: لا، فأخرجَ إصبعَيْه من أذنَيْه، وقال: كنتُ مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسمع صوتَ راعٍ (مزمار الراعي)، ففعل مثلَما فعلتُ.
وجه الدلالة: لو لم يكن هذا صوتًا يَحْرم سَماعُه، ما وضَعَ النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إصبعَيْه في أذنيه.
حديثٌ رابع: روى ابن أبي الدُّنيا عن أبي أُمَامة الباهليِّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ إبليس لما أُنزِلَ إلى الأرض، قال: يا رب، أنزلتَنِي إلى الأرض، وجعلتَني رجيمًا، فاجعل لي بيتًا، قال: الحمَّام، قال: فاجعَلْ لي مجلسًا، قال: الأسواق ومَجامع الطُّرقات، قال: فاجعل لي طعامًا، قال: كلُّ ما لم يُذكَر اسم الله عليه، قال فاجعل لي شَرابًا، قال: الشعر، قال: فاجعل لي كتابًا، قال: الوشم، قال: فاجعل لي حديثًا، قال: الكَذِب، قال: فاجعل لي رُسلاً، قال: الكهَنة، قال: فاجعل لي مصايد، قال: النِّساء.
قال ابن القيِّم: كلُّ جملةٍ مِن هذا الأثَر لها شَواهِدُ مِن القرآن والسُّنة.
وجه الدلالة: أنَّ المزمار والشِّعر من أساليب الشَّيطان لدعوة بني آدم إلى المعصية، فعلم أنه محرَّم.
أقوال الأئمَّة في تحريم الغناء:
اتَّفق الأئمَّة الأربعة وسلَفُ الأمَّة على تحريم الغناء، وأنَّه لا يتَعاطاه إلاَّ فاسق من السُّفهاء.
أولاً: الإمام أبو حَنيفة 80 - 150هـ:
قرَّر الأحنافُ في كُتبهم أنَّ سماع الغناء فِسْق، والتلَذُّذ به كُفْر، وقال الإمام أبو يوسف، وهو أكبَرُ تلاميذ أبي حنيفة، وكان قاضِيَ القُضاة في زمَن هارون الرَّشيد، قال: إذا سمعتُ الغناء من بيتٍ، فإنِّي أدخل عليهم بغير استِئْذان؛ لأنَّ تَغْيير المنكَر واجب، وهذا مُنكَر.
وورَدَ في كتاب التترخانيَّة - وهو من كتب الأحناف - أنَّ الغناء مُحرَّم في جميع الأوطان.
ثانيًا: الإمام مالك 93 - 179هـ:
سُئِل الإمام مالِكٌ عن الغناء، وما ترَخَّص فيه من أهل المدينة، فقال: إنَّما يفعله الفُسَّاق عندنا.
وسأله رجلٌ مرَّة عن الغناء، فقال للسَّائل: أرأيتَ إذا كان يوم القيامة، أيكون مع الباطل أو مع الحقِّ؟ فقال الرَّجل: يكون مع الباطل، فقال الإمام مالك: والباطل أين؟ أفي الجنَّة أم في النَّار؟ قال الرجل: في النار، فقال الإمام: اذهب، فقد أفتيتَ نَفْسَك.
وقال الإمام مالِكٌ: إذا وقفتَ على بيت غريمٍ لك - مَدِين لك - تنظره لِتَأخذ منه دينَك، وسَمِعت غناءً، فلا يحلُّ لك أن تقف؛ لأنَّ هذا منكَر لا يجوز لك أن تسمعه.
ثالثًا: الإمام الشافعي: 150 - 204هـ:
لَمَّا خرج الشافعيُّ من بغداد إلى مصر، قال: خرجتُ من بغداد، وخلَّفتُ شيئًا ورائي أَحْدَثه الزَّنادقة يُسمُّونه التَّغبير؛ لِيَصدُّوا الناس به عن القرآن.
التغبير: آلةٌ يُعزَف بها تشبه العود.
وقال: إذا جمع الرَّجلُ النَّاسَ لِسَماع جاريته، فهو سفيهٌ مَرْدود الشَّهادة، وهو بذلك ديُّوث.
رابعًا: الإمام أحمد 164 - 241هـ:
قال الخَلاَّل في كتابه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر"، قال عبدالله بن الإمام أحمد: سألتُ أبي عن الغناء، فقال: لا يُعجِبُني، إنَّه ينبت النِّفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل.
ملحوظة: قول الإمام أحمد "لا يعجبني" يدلُّ على أنه يحرم الغناء؛ لأنَّ هذا اللفظ - وأيضًا "أَكْرَه" - إذا أطلَقَه أحَدٌ من الأئمة يدلُّ على التحريم، وليس على الكراهة، ولكنهم قالوه من باب الورَع؛ مَخافة أن يكونوا مِمَّن قال فيهم ربُّنا: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116].
ويدلُّ على ذلك ما يأتي: مرَّ على الإمام أحمدَ رجُلٌ ومع الرَّجُل عودٌ، فقام الإمام أحمدُ وكسَرَه، فلو لم يكن الغناء محرَّمًا، ما كسر العود.
وسئل الإمام أحمد عن رجلٍ مات وترك ولدًا وجارية مغنِّية، فاحتاجَ الصبِيُّ إلى بيعها، قال الإمام: تُباع على أنَّها ساذجة، لا على أنَّها مغنِّية، فقيل له: إنَّها تساوي ثلاثين ألفًا، ولعلَّها إن بيعت ساذجة تساوى عشرين ألفًا، فقال: لا تباع إلاَّ على أنَّها ساذجة.
هذا دليلٌ على أنَّ الغناء مَحْظور ومحرَّم، وإن لم يكن الغناءُ حرامًا، ما جازَ تفويتُ المال على اليتيم.
قال القرطبيُّ: الغناء محرَّم، والاشتغال به على الدَّوام سفَه، تُرَدُّ به الشهادة.
قال ابن تيميَّة مُعلِّقًا على حديث البخاريِّ المتقدِّم: ولو استحَلُّوا هذه المحارم "الحِرَ - الحرير - الخمر – المعازف"، مع جَزْمِهم بأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حرَّمَها، كانوا كفارًا بهذا الاستحلال، ولو فعلوا ذلك دون استحلال، لأوشَكَ أن يُعذَّبوا بهذه العقوبة، وهي المَسْخ والقذف.
قال ابن القيم: يَنْبغي لمن شمَّ رائحة العلم ألاَّ يتوَقَّف في تحريم الغناء؛ فأقَلُّ ما فيه أنَّه شعارُ شاربِي الخمور.
وبعد:
فهذه بعض الأدلَّة الثابتة في تحريم الغناء، وهي غيضٌ من فَيْض، وقطرةٌ من بحر، والمؤمن يَكْفيه دليلٌ واحد، وبرغم وضوح الأدِلَّة، وقطعِيَّة دلالتها، وُجِد - كما هو الحال - علماء أفتَوْا بعكس هذا الكلام، وقالوا بإباحة الغناء، فيهم مَن اجتهد فأخطأ، فله أجر، ومنهم من طمسَ الله على قلبِه وبصيرته، فلم يستَطِع أن يُميِّز بين المعروف والمُنكَر، إلاَّ ما أُشرِبَ مِن هواه.
وأَسُوق إليك أخي المسلم ما تعَلَّق به هؤلاء الصِّنف من الناس من شُبهاتٍ والردَّ عليها وتفنيد مزاعمهم، ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18].
الشُّبهة الأولى: وهي إباحة ابنِ حَزْم للغناء:
ونَذْكر أوَّلاً كلامَ ابنِ حزم في هذه المسألة، فقد قال: "إنَّ الغناء مُباح"، ولكنَّه بنَى كلامه على تضعيف حديث أبي مالكٍ الأشعري، وقد اجتهَدَ فأخطأ، وإليك ما قاله في حديث البخاريِّ، والردَّ عليه.
قال ابنُ حزم: إنَّ الحديث منقطِعُ السَّند، فيما بين البخاريِّ وهشام بن عمَّار، والذي جعل ابنَ حزمٍ يَقول هذا الكلام هو أنَّ البخاريَّ أوردَ الحديث بقوله: "وقال هشامُ بن عمَّار: حدَّثَنا صدَقةُ بن خالد"، ولَم يَقُل: عن هشام، والرَّد على ذلك من عدَّة وجوه؛ كما قال أهل العلم:
1 - أن البخاريَّ قد لَقِي هشامَ بن عمَّار، وسمع منه، فإذا قال: "وقال هشام"، فهو بِمَثابة قوله: "عن هشام".
2 - أنَّ كلام ابن حزم يُقبَل إذا كان البخاريُّ مُدلِّسًا، ولم يَصِف أحَدٌ من خَلْق الله البخاريَّ بالتدليس، فبطلَ بذلك كلامُ ابن حزم.
3 - أنَّ البخاري أدخلَ الحديث في كتابه المُسمَّى بالصَّحيح، فلولا صحَّتُه ما فعل ذلك.
4 - لو سلَّمْنا بصحَّة كلام ابن حزم، فقد رَوى الحديثَ نفسَه أبو داود متَّصِلَ الإسناد؛ ففي كلِّ الحالات الحديث ثابتٌ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
وبعد:
فهذه باختصارٍ جملة ما قالَه ابن حزم - رحمه الله - في الحديث، وبناء على ذلك أفتى بحلِّ الغناء؛ لِعَدم ثبوت الحديث عنده، وبَعْد أن تبيَّن ما وقعَ فيه ابنُ حزم من وَهْم، وما ردَّ به عليه أهلُ العلم، منهم: الحافظ ابن حجَر، وابن الصَّلاح، وابن القَيِّم، لا يحلُّ لأحدٍ أن يُتابع ابنَ حزم، وقد قال أحَدُهم: والحزم ألاَّ تأخذ برأي ابن حَزْم - أيْ: في تحليله للغناء.
الشبهة الثانية:
روى البخاريُّ ومسلِم - واللَّفظ لِمُسلمٍ - عن عائشة قالت: دخلَ عليَّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان بِما تقاوَلَتْ به الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليست بِمُغنيتَيْن، فقال أبو بكر: أَبِمَزمور الشَّيطان في بيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أبا بَكْر، إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وهذا عيدنا)).
تعلَّق بهذا الحديث بعضُ مَن سلَبَهم الله الفهمَ الصحيح لِنُصوص الشَّرع المطهَّر، واستدلُّوا به على إباحة الغناء؛ تَعلُّقًا ببعض الألفاظ الواردة فيه، وليس الأمر كما زعموا، ولكن كما قال أهل العلم: ليس في الحديث أيُّ دلالة على إباحة الغناء من وجوه:
الأوَّل: قول عائشة: "وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث"، فكلمة الغناء كما سبَق في تعريفها تُطلَق على الشِّعْر وعلى غيره، وهي هنا تعني بها الشِّعرَ فقط؛ لِقَرينةٍ، وهي: "بغناء يوم بعاث".
قال القاضي عياض: كان الغناء بما هو أشعارُ الحرب، والمُفاخَرة بالشَّجاعة، والظُّهور والغلَبة، وهذا الإنشاء بِرَفْع الصَّوت يُطلَق عليه الغِناء، وبُعاث يومٌ مَشْهور من أيَّام العرَب، كان فيه مقتلةٌ عظيمة بين الأوس والخزرج، والتي تروي لنا الحديث السابق هي أمُّ المؤمنين عائشة، ويروي لنا مَن تعلَّم منها، وهو ابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر أنَّه قال: "إنَّ الغناء باطل، والباطل في النَّار".
لذلك لما ذهب أبو حامدٍ الخلفانيُّ للإمام أحمد، وقال: ما تقول في الغناء؟ فقال الإمام للرجل: مثل ماذا؟ فقال الرجل:
إِذَا مَا قَالَ لِي رَبِّي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
أَمَا اسْتَحْيَيْتَ تَعْصِينِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَتُخْفِي الذَّنْبَ عَنْ خَلْقِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
وَبِالعِصْيَانِ تَأْتِينِي http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
فقال الإمام أحمد: "ليس بحرام"، ومع ذلك سَمَّاه الرَّجُل غناءً.
فعُلِم من ذلك أنَّ الغناء يطلق على الشِّعر وغيره.
الثاني: سماها أبو بكر مزمار الشيطان، ولَم يُنكِر الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك، وقد قال في موطنٍ آخَر لأبي موسى الأشعري: ((لقَدْ أُوتِيتَ مزمارًا من مزامير آل داود))؛ متفق عليه؛ أيْ: صوتًا حسَنًا كصوت داود - عليه السَّلام.
الثالث: أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يُنكِر عليهن - أيْ: على عائشة والجاريتَيْن - لأسبابٍ، منها:
1 - أنَّهما جاريتان غير مُكلَّفَتين.
2 - أنَّهما بنصِّ كلام عائشة "ليستا بمغنيتين"؛ أيْ: لا يعرفان الغناءَ كما يعرفه القَيْنات، وقول عائشة هذا "ليستا بِمُغنيتين" يدلُّ على التحَرُّز من الغناء المعتاد عند المشتَهِرين.
3 - كلام الجاريتَيْن؛ أي غناؤُهُما هو ما قيل منهما من شِعْر يوم بعاث.
فائدة:
إنْ قيل: كيف ساغَ للصِّدِّيق إنكارُ شيءٍ أقرَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم؟
فالجواب:
أنَّه ورد في بعض روايات الحديث أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان مُغطًّى بثوب، فظنَّ أبو بكرٍ أنَّه كان نائمًا، فبادر بالإنكار.
وأيضًا: أبو بكرٍ أنكرَ عليهم؛ لِما يعلَمُه من الشَّرع، وتقرَّر عنده مِن منع الغناء، وإلاَّ فما كان أبو بكرٍ لِيُنكر أو يمنع من شيءٍ إلاَّ وهو يعلم أنَّه حرام، فبَيَّن له النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحُكْم مقرونًا ببيان الحكمة بأنَّه يومُ عيد؛ أي: يوم سُرورٍ شرعي، فلا ينكر فيه، كما لا يُنكَر في الأعراس.
ما يُباح من الغناء:
من سماحة الإسلام وسهولته، ولأنَّه من لَدُنْ حكيمٍ خبير، ولأنَّه مُنَزَّل من الخالق؛ فهو أعلم بأسرار خلقه ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، فمَع تحريم الشَّرع للغناء تحريمًا جذريًّا لا يَخْفى على مَن له عقلٌ، فقد رخَّصَت الشريعة فيه في بعض الحالات بشروطٍ معيَّنة، وتحت قيودٍ ثقيلة، فمنها:
أولاً: أيَّام العيدين:
بدليل حديث عائشة المتقدِّم في "الصَّحيحين"، وقد سبق الكلام عنه، وبيَّنَّا ما فيه من فقه؛ فليس لأحدٍ أن يتوسَّع أكثر مِمَّا ورد، وإلاَّ وقع في الحرام، فيكون الكلام من جاريتَيْن صغيرتين، وليستا بِمُغنيتين، وأن يكون الكلامُ خاليًا من كل شائبة.
ثانيًا: في العُرْس "الأفراح":
الدليل: روى البخاريُّ ومسلمٌ وأحمد عن عائشة أنَّها زفَّت امرأة من الأنصار، فقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا عائشة، ما كان معكم من لَهْو؟ فإنَّ الأنصار يعجبهم اللهو)).
روى الترمذيُّ وابن ماجه والنَّسائي عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((فَصْل ما بين الحلال والحرام الدفُّ والصَّوت في النِّكاح)).
فمن هذين النصَّيْن وغيرِهِما من النُّصوص، يُرخَّص في الغناء واللهو في النِّكاح؛ بشروط:
1 - أن يكون في عرس نكاحٍ شرعي.
2 - أن يكون الدفُّ عبارةً عن إطار "غربال" قد جعل عليه جلدٌ فقَطْ، ولا بدَّ أن يكون خاليًا من الجلاجل.
3 - أن يكون الغناء خاليةً ألفاظُه من الفُحْش والبذاءة والزُّور وكلِّ باطل محرَّم.
4 - أن يكون المُغنِّي امرأةً، لا رَجُلاً؛ لأنَّ الرجل إذا تغنَّى فهو ملعون؛ لأنَّه تشبَّهَ بالنِّساء.
5 - ألا يكون مع النِّساء في العرس رجالٌ أجانب؛ لأنَّ اختلاط الأجنبيِّ بالنِّساء حرام.
لِماذا حرَّم الله علينا الغناء؟
للغِناء مَفاسِدُ كثيرة؛ فهو منبت الشَّر، ويُنبِت النِّفاق في القلب، كما يُنبت الماء البقل، ومع كثرة هذه المفاسد يُمكِن جمعها في أمرَيْن اثنين:
1 - الغناء يصدُّ عن ذِكْر الله، قال عثمان: لو طَهُرَت قلوبُنا، ما شَبِعَت من كلام ربِّنا، قال الضحَّاك: الغناءُ مَفْسدةٌ للقلب، مسخطةٌ للرَّب، فالغناء يهيِّج القبائح كسائر المهيجات، ويهيج على طاعة الشَّيطان، وإذا ابتعدَ الإنسانُ عن ذِكْر الله، عشَّش الشيطانُ في قلبه، فهو فيمن قال فيهم ربُّنا: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19].
2 - الغناء يُثير الشَّهوات، ويُؤدِّي إلى الزِّنا؛ قال الفضيلُ بن عياض: الغناء رُقْية الزِّنا، قال يزيد بن الوليد: يا بَنِي أميَّة، إيَّاكم والغناء؛ فإنَّه ينقص الحياء، ويَهْدم المروءة، ويَزِيد الشَّهوة، ويَنوب عن الخمر، ويَفْعل ما لا يفعله السُّكر.
لذلك لَمَّا نزلَ الحُطَيئة الشَّاعر على رجُل، ومعه ابنتُه، فلمَّا نزلَ الحُطَيئة بدأ الرجل يغني فقام الحُطَيئة هو وابنته، وانصرفَ، فغضب صاحبُ البيت، وقال: مَن اعتدى عليك؟ وماذا رأيتَ منِّي حتَّى خرَجْتَ مِن ضيافتي؟ قال: الغناء الذي سمعته سيُفسد ابنتي عليَّ، إمَّا أن تَسْكت وإمَّا أن أَخْرج.
قال ابن القَيِّم: من المعلوم عند العامَّة والخاصَّة أنَّ فِتْنة سماع الغناء والمعازف أعظمُ من فِتْنة النَّوح بكثيرٍ، والَّذي شاهَدْناه نحن وغيرنا، وعرَفْناه بالتَّجارِب أنَّه ما ظهرَتِ المعازفُ وآلات اللَّهو في قومٍ وفشَتْ فيهم واشتغلوا بها، إلاَّ سلَّطَ الله عليهم العدوَّ، وبُلوا بالقحط والجدب، وَوُلاةِ السُّوء، والواقع خيرُ دليلٍ على كلام ابن القيِّم.
الواجب على المسلم تجاه هذه المعصية:
هذه المعصية ذات شِقَّيْن:
الأوَّل: المغنِّي، المَرْء الذي يغنِّي، أو المرأة التي تُغني.
الثاني: نَفْس الغناء؛ أيْ: سَماع الغناء.
الأوَّل: المُغنِّي: مَن اشتغل بهذا الأمر، ورُزِق منه، وكان هذا عمَلَه، فإنَّ رِزقَه حرام، وهو فاسق مَرْدود الشَّهادة، فلا بُدَّ للمسلم أن يُعامِلَه على هذا الأساس، فلا يكرم بأيِّ نوعٍ من أنواع الكرامة، ولا يستشهد به في أيِّ موضوع، ولا يُجالَس عند معصيته.
قال مكحولٌ الدمشقي: مَن مات وعنده آلةُ غناء أو قَيْنة، أو يُغنِّي، لا يصلَّى عليه؛ لأنَّه يُمسَخ في قبره.
(كلام مكحولٍ من باب التَّعزيز، ومِن باب التخويف لغيره).
ثانيًا: سماع الغناء: بإجماع العلماء والأئمَّة الأربعة، وسلَفِ الأمَّة، هذا لا يجوز مطلقًا، ومَن اعتاد السَّماع وكان دَيْدَنَه، فهو فاسقٌ مردودُ الشَّهادة.
رَوى مسلِمٌ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن رأى منكم مُنكَرًا، فلْيُغيِّرْه بيده، فإنْ لَم يستَطِعْ فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان)).
لذلك يجب على المسلم أن يُزيل هذا المنكر بيده؛ بشرط ألا يترتَّب على ذلك أيُّ ضررٍ له، وقد سبق في البحث أنَّ الإمام أحمد شاهدَ رجلاً ومعه عود، فقام وكسرَ العود، فإن لم يستَطِع التَّغيير باليد، فعليه باللِّسان؛ وذلك عن طريق الوعظ باللِّين والحكمة والموعظة الحسَنة، فإن استَجاب، فالحمد لله، وإن لم يستَجِب، فإلى المَرْتبة الثَّالثة من مراتب تَغْيير المنكَر، وهي لا ينفكُّ عنها مسلمٌ، وهي التغيير بالقلب؛ وذلك يستلزم مغادرةَ المكان - ارجع إلى فتوى الإمام مالكٍ في هذا البحث.
وإليك وقائعَ لسلَفِنا؛ حتَّى تكون على بيِّنة من الأمر - ارجع إلى واقعةِ ابن عُمَر مع نافع:
مرَّ محمَّدُ بن مصعب (توفي سنة 228) بِبَيت، فسَمِع غناء، فدقَّ الباب، فخرجَتْ جارية، فقال لها: مَن أنتِ؟ قالت: جارية، وعندي مولاتي أُغنِّي لها وأدقُّ لها على العود، فقال: أنزلي العود حتَّى أكسره، قالت: انتظر حتَّى أخبر مولاتي، فلمَّا أخبَرَتْها، قالت: هذا شيخٌ أَحْمق، اضربي بالعود، فبدَأَت الجارية تغنِّي، فلما سمع محمد بن مصعب جلس يقرأ القرآن ويَبْكي، فاجتمع النَّاس، وصار لهم ضجيجٌ وصياح، فأشرَفَت المرأةُ مِن النافذة ورأت الحالة، فقالت المرأةُ للجارية: خذي العود حتَّى يكسره وينصرفوا، فكسره محمد بن مصعب، وانصرف ومعه الناس.
ذهب شُعْبة شيخُ المُحدِّثين في زمانه؛ لِيَتلقَّى الحديث عن المِنْهال بن عمرٍو، فسَمِع صوتَ طنبور (عود) لَمَّا اقترب من بيت المنهال، فانصرف شُعبة عن المنهال، وقدح فيه، وقال فيه كل سوء، قال العلماء: المنهالُ بن عمرٍو ثِقَة، من رجال البخاري، ولكن شُعْبة تسَرَّع، وكان الغناء من بيت جارِ المِنْهال.
وهذه الواقعة تدلُّ على شدَّة ورَعِ شُعبة، وحِرصِه على مَن يتعلَّم مِن علمه ودينه.
ورَحْمة الله على الإمام ابن سيرين الَّذي قال: "العلم دين؛ فلْيَنظر أحَدُكم عمَّن يأخذ دينَه".
وبعد:
فهذا ما تيَسَّر جمْعُه من أدلَّة شرعيَّة وأقوالٍ للأئمَّة في تحريم الغناء، فالله أسأل أن يَجْعله خالصًا لوجهه، وأن ينفع به من يَقْرؤه، والحمد لله الَّذي بنعمتِه تتمُّ الصَّالحات.
المصادر والمراجع:
1 - "الجامع لأحكام القرآن"، القرطبِي.
2 - "تَفْسير القرآن العظيم"؛ ابن كثير.
3 - "فَتْح الباري بِشَرح صحيح البُخاري"؛ ابن حجر العسقلاني.
4 - "الزَّواجر عن اقتراف الكبائر"؛ ابن حجر الهَيْتمي.
5 - "حكم الإسلام في الموسيقا والغناء"؛ أبو بكرٍ الجزائري.
6 - "إغاثة اللَّهْفان من مَصايد الشيطان"؛ ابن قيِّم الجوزية.
7 - "محاضرات سمعيَّة"؛ عبدالرحيم الطحَّان.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق