بواسطة الدكتور ماهر الفحل
دراسة تحليلية لسيرة
الحافظ العراقي
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
لا بد لنا وقد
خضنا غمرة تحقيق كتاب شرح التبصرة والتذكرة أن نعرج على تعريف موجز بمؤلف الكتاب
، ليس بالطويل المملّ ولا بالقصير المخلّ ، لا سيّما أن هذا العمل يُعدّ مفتاحاً
للولوج إلى معرفة أكثر بالمؤلف ، تعين القارئ على تكوين صورة مجملة عنه ، توضح
مكانته العلمية والمدة الزمنية التي عاشها .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
ويشتمل هذا الفصل
على ثمانية مباحث نوردها تباعاً :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المبحث
الأول
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
اسمه
، ونسبه ، وكنيته ، وولادته :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المبحث الثاني |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
أسرته : |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
أقام أسلاف
الحافظ العراقي في قرية رازيان – من أعمال إربل (7)
– إلى أن انتقل والده وهو صغير مع بعض أقربائه إلى مصر (8)،
إذ استقر فيها وتزوج من امرأة
مصرية (1) ولدت له الحافظ العراقي . وكانت أسرته ممن عُرفوا بالزهد والصلاح والتقوى، وقد كان لأسلافه مناقب ومفاخر (2) ، وكانت والدته ممن اشتهرن بالاجتهاد في العبادات والقربات مع الصبر والقناعة (3) . |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
أمّا والدُه فقد
اختصَّ – منذ قدومه مصر – بخدمة الصالحين (4) ، ولعلَّ من
أبرز الذين اختصَّ والده بخدمتهم الشيخ القناوي (5) . ومن ثَمَّ
ولد للمتَرجَمِ ابنٌ أسماه : أحمد وكنَّاه : أبا زرعة ، ولقَّبه : بولي الدين (6)
، وكذلك بنت تدعى : خديجة ، صاهره عليها
: الحافظ نور الدين الهيثمي ورزق منها بأولاد ، وأشارت بعض المصادر أنَّ له
ابنتين أخريين : جويرية (7) وزينب (8)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المبحث الثالث |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
نشأته : |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
وُلِد
الحافظ العراقي – كما سبق – في مصر ، وحمله والده صغيراً إلى الشيخ القناوي ؛
ليباركه ، إذ كان الشيخ هو البشير بولادة الحافظ ، وهو الذي سمَّاه أيضاً (9)
؛ ولكنَّ الوالد لَمْ يقم طويلاً مَعَ ولده ، إذ إنَّ يدَ المنونِ تخطَّفته
والطفل لَمْ يزل بَعْد طريَّ العود ، غضَّ البنية لَمْ يُكمل الثالثة من عمره (10)
، وَلَمْ نقف عَلَى ذكر لِمَن كفله بَعْدَ رحيل والده ، والذي يغلب عَلَى ظننا
أنّ الشَّيْخ القناوي هُوَ الَّذِي كفله وأسمعه (11)
؛ وذلك لأن أقدم سماع وجد له كان سنة ( 737 ه ) بمعرفة القناوي (1)
وكان يُتَوقّعُ أن يكون له حضور أو سماع من الشيخ ، إذ كان كثير التردد إليه
سواء في حياة والده أو بعده ، وأصحاب الحديث عند الشيخ يسمعون منه ؛ لعلوِّ
إسناده (2).
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
وحفظ
الزينُ القرآنَ الكريمَ والتنبيه وأكثر الحاوي مَعَ بلوغه الثامنة من عمره (3)
،
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
واشتغل
في بدء طلبه بدرس وتحصيل علم القراءات ، وَلَمْ يثنِ عزمه عَنْهَا إلا نصيحة
شيخه العزّ بن جَمَاعَة ، إذ قَالَ لَهُ : (( إنَّهُ علم كَثِيْر التعب قليل
الجدوى ، وأنت متوقد الذهن فاصرف همَّتك إِلَى الْحَدِيْث )) (4).
وكان قد سبق له أن حضر دروس الفقه على ابن عدلان ولازم العماد محمد بن إسحاق البلبيسي (5) ، وأخذ عن
الشمس بن اللبان ، وجمال الدين الإسنوي الأصولَ (6) وكان الأخير
كثير الثناء على فهمه ، ويقول : (( إنَّ ذهنه صحيح لا يقبل الخطأ )) (7)
، وكان الشيخ القناوي في سنة سبع وثلاثين – وهي السنة التي مات فيها – قد أسمعه
على الأمير سنجر الجاولي ، والقاضي تقي الدين بن الأخنائي المالكي ، وغيرهما
ممّن لم يكونوا من أصحاب العلوِّ (8).
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
ثمَّ
ابتدأ الطلب بنفسه ، وكان قد سمع على عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين
بن البابا (9)
، وصرف همَّته إلى التخريج وكان كثير
اللهج بتخريج أحاديث " الإحياء " وله من العمر -آنذاك- عشرون سنة (10)
وقد فاته إدراك العوالي مما يمكن لأترابه ومَن هو في مثل سنّه إدراكه ، ففاته
يحيى بن المصري – آخر مَن روى حديث السِّلَفي عالياً بالإجازة (11)
– والكثير من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب بن العلاّق (1)
، وكان أوّل مَن طلب عليه الحافظ علاء الدين بن التركماني في القاهرة وبه تخرّج
وانتفع (2)
، وأدرك بالقاهرة أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسناداً (3)
، ولم يلقَ من أصحاب النجيب غيره (4) ، ومن ناصر الدين محمد بن إسماعيل
الأيوبي(5)،
ومن ثَمَّ شدَّ رحاله – على عادة أهل الحديث (6) – إلى الشام
قاصداً دمشق فدخلها سنة ( 754 ه ) (7) ، ثُمَّ عادَ
إليها بعد ذلك سنة ( 758 ه ) ، وثالثة في سنة ( 759 ه ) (8)
، ولم تقتصر رحلته الأخيرة على دمشق بل رحل إلى غالب مدن بلاد الشام (9)
، ومنذ أول رحلة له سنة ( 754 ه ) لم تخلُ سنة بعدها من الرحلة إمّا في الحديث
وإمّا في الحجّ (10)
، فسمع بمصر (11)
ابن
عبد الهادي ، ومحمد بن علي القطرواني ، وبمكة أحمد بن قاسم الحرازي ، والفقيه خليل إمام المالكية بها ، وبالمدينة العفيف المطري ، وببيت المقدس العلائي ، وبالخليل خليل بن عيسى القيمري ، وبدمشق ابن الخباز ، وبصالحيتها ابن قيم الضيائية ، والشهاب المرداوي ، وبحلب سليمان بن إبراهيم بن المطوع ، والجمال إبراهيم بن الشهاب محمود في آخرين بهذه البلاد وغيرها كالإسكندرية ، وبعلبك ، وحماة ، وحمص ، وصفد ، وطرابلس ، وغزّة ، ونابلس … تمام ستة وثلاثين مدينة . وهكذا أصبح الحديث ديدنه وأقبل عليه بكليته (12) ، وتضلّع فيه رواية ودراية وصار المعول عليه في إيضاح مشكلاته وحلّ معضلاته ، واستقامت له الرئاسة فيه ، والتفرد بفنونه ، حتّى إنّ كثيراً من أشياخه كانوا يرجعون إليه ، وينقلون عنه – كما سيأتي – حتَّى قال ابن حجر : (( صار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الأسنائي … وهلمَّ جرّاً ، ولم نرَ في هذا الفنّ أتقن منه ، وعليه تخرج غالب أهل عصره )) (1) . |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المبحث
الرابع
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
مما
تقدّم تبيّنت المكانة العلمية التي تبوّأها الحافظ العراقي ، والتي كانت من
توفيق الله تعالى له ، إذ أعانه بسعة الاطلاع ، وجودة القريحة وصفاء الذهن وقوة
الحفظ وسرعة الاستحضار ، فلم يكن أمام مَن عاصره إلاّ أن يخضع له سواء من شيوخه
أو تلامذته . ولعلّ ما يزيد هذا الأمر وضوحاً عرض جملة من أقوال العلماء فيه ،
من ذلك :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
1. قال شيخه العزُّ بن جماعة : (( كلّ مَن
يدّعي الحديث في الديار المصرية سواه فهو
مدَّعٍ )) (2).
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
2. قال التقي بن رافع السلامي : (( ما في
القاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ هذا ، والقاضي عزّ الدين ابن جماعة )) ، فلمَّا بلغته
وفاة العزّ قال : (( ما بقي الآن بالقاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ الشيخ زين الدين العراقي
)) (3)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
3. قال ابن الجزري : (( حافظ الديار
المصرية ومُحَدِّثُها وشيخها )) (4) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
4. قال ابن ناصر الدين : (( الشيخ الإمام
العلاّمة الأوحد ، شيخ العصر حافظ الوقت … شيخ الْمُحَدِّثِيْن عَلَم الناقدين
عُمْدَة المخرِّجِين )) (5) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
5. قال ابن قاضي شهبة : (( الحافظ الكبير
المفيد المتقن المحرّر الناقد ، محَدِّث الديار
المصرية ، ذو التصانيف المفيدة )) (6) . |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
6. قال التقي الفاسي : (( الحافظ المعتمد
، … ، وكان حافظاً متقناً عارفاً بفنون الحديث وبالفقه والعربية وغير ذلك ، … ،
وكان كثير الفضائل والمحاسن )) (7) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
8.
وقال ابن تغري بردي : (( الحافظ ، … شيخ الحديث بالديار المصرية ، … وانتهت إليه
رئاسة علم الحديث في زمانه )) (3) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
9.
وقال ابن فهد : (( الإمام الأوحد ، العلاّمة الحجة الحبر الناقد ، عمدة الأنام
حافظ الإسلام ، فريد دهره ، ووحيد عصره ، من فاق بالحفظ والإتقان في زمانه ،
وشهد له في التفرّد في فنه أئمة عصره وأوانه )) (4) . وأطال النفس
في الثناء عليه .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
10.
وقال السيوطي: (( الحافظ الإمام الكبير الشهير ،… حافظ العصر )) (5)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
ويبدو
أنّ الأمر الأكثر إيضاحاً لمكانة الحافظ العراقي ، نقولات شيوخه عنه وعودتهم إليه ، والصدور عن رأيه ، وكانوا
يكثرون من الثناء عليه ، ويصفونه بالمعرفة ، من أمثال السبكي والعلائي وابن
جماعة وابن كثير والإسنوي (6) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
بين الأمور التي توضّح مكانة الحافظ العراقي العلمية تلك المناصب التي تولاها ، والتي لا يمكن أن تسند إليه لولا
اتفاق عصرييه على أولويته لها ، ومن بين ذلك :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
كما
أنّه تولّى قضاء المدينة المنورة ، والخطابة والإمامة فيها ، منذ الثاني عشر من
جُمَادَى الأولى سنة ( 788 ه ) ، حتى الثالث عشر من شوال سنة ( 791 ه ) ،
فكانت المدة ثلاث سنين وخمسة أشهر (4) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
وفي
سبيل جعل شخصية الحافظ العراقي بينة للعيان من جميع جوانبها ، ننقل ما زَبَّره
قلم تلميذه وخِصِّيصه الحافظ ابن حجر في وصفه شيخه ، إذ قال في مجمعه (5)
:
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
((
كان الشيخ منور الشيبة ، جميل الصورة ، كثير الوقار ، نزر الكلام ، طارحاً
للتكلف ، ضيق العيش ، شديد التوقي في الطهارة ، لطيف المزاج ، سليم الصدر ، كثير
الحياء ، قلَّما يواجه أحداً بما يكرهه ولو آذاه ، متواضعاً منجمعاً ، حسن
النادرة والفكاهة ، وقد لازمته مدّة فلم أره ترك قيام الليل ، بل صار له
كالمألوف ، وإذا صلَّى الصبح استمر غالباً في مجلسه ، مستقبل القبلة ، تالياً
ذاكراً إلى أن تطلع الشمس ، ويتطوع بصيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر وستة شوال ،
كثير التلاوة إذا ركب … )) ، ثُمَّ ختم كلامه قائلاً : (( وليس العيان في ذلك
كالخبر )) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المبحث
الخامس
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
شيوخه :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
عرفنا
فيما مضى أنَّ الحافظ العراقي منذ أن أكبَّ على علم الحديث ؛ كان حريصاً على
التلقي عن مشايخه ، وقد وفّرت له رحلاته المتواصلة سواء إلى الحج أو إلى بلاد
الشام فرصة التنويع في فنون مشايخه والإكثار منهم .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
والباحث
في ترجمته وترجمة شيوخه يجد نفسه أمام حقيقة لا مناص عنها ، وهي أنَّ سمة الحديث
كانت الطابع المميز لأولئك المشايخ ، مما أدَّى بالنتيجة إلى تنّوع معارف الحافظ
العراقي وتضلّعه في فنون علوم الحديث ، فمنهم من كان ضليعاً بأسماء الرجال ،
ومنهم من كان التخريج صناعته ، ومنهم من كان عارفاً بوفيات الرواة ، ومنهم من
كانت في لغة الحديث براعته … وهكذا . وهذا شيء نلمسه جلياً في شرحه هذا بجميع
مباحثه ، وذلك من خلال استدراكاته وتعقباته وإيضاحاته والفوائد التي كان يطالعنا
بها على مرِّ صفحات شرحه الحافل .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
ومسألة
استقصاء جميع مشايخه – هي من نافلة القول – فضلاً عن كونها شبه متعذرة سلفاً ،
لاسيّما أنه لم يؤلف معجماً بأسماء مشايخه على غير عادة المحدّثين ، خلافاً لقول
البرهان الحلبي من أنه خرّج لنفسه معجماً (1) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
لذا
نقتصر على أبرزهم ، مع التزامنا بعدم إطالة تراجمهم :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
1
– الإمام الحافظ قاضي القضاة علي بن عثمان بن إبراهيم المارديني ، المشهور بـ ((
ابن التركماني )) الحنفي ، مولده سنة ( 683 ه ) ، وتوفي سنة ( 750 ه ) ، له من
التآليف : " الجوهر النقي في الرد على البيهقي ، وغيره (2)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
2
– الشيخ المُسْنِد المعمر صدر الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي
المصري ، ولد سنة ( 664 ه ) ، وهو آخر من روى عن النجيب الحراني ، وابن العلاق
، وابن عزون ، وتوفي سنة ( 754 ه ) (3) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
3
– الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله
العلائي الدمشقي ثم المقدسي ، ولد سنة ( 694 ه ) ، وتوفي سنة ( 761 ه ) ، له
من التصانيف : " جامع التحصيل "، و " الوشي المعلم "، و
" نظم الفرائد " وغيرها (4).
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
4
– الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو عبد الله مغلطاي بن قُليج بن عبد الله
البكجري الحكري الحنفي ، مولده سنة ( 689 ه ) ، وقيل غيرها ، برع في فنون
الحديث ، وتوفي سنة ( 762 ه ) ، من تصانيفه : ترتيب كتاب بيان الوهم والإيهام
وسمّاه : " منارة الإسلام " ، ورتّب المبهمات على أبواب الفقه ، وله
شرح على صحيح البخاري ، وتعقّبات على المزي ، وغيرها (5)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
5
– الإمام العلاّمة جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي ،
شيخ الشافعية ، ولد سنة ( 704 ه ) ، وتوفي سنة ( 777 ه ) ، له من التصانيف :
طبقات الشافعية ، والمهمات ، والتنقيح
وغيرها (1)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المبحث
السادس
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
تلامذته :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
تبين
مما تقدّم أنّ الحافظ العراقي بعد أن تبوأ مكان الصدارة في الحديث وعلومه وأصبح
المعوّل عليه في فنونه بدأت أفواج طلاب الحديث تتقاطر نحوه ، ووفود الناهلين من
معينه تتجه صوبه ، لاسيّما وقد أقرَّ له الجميع بالتفرد بالمعرفة في هذا الباب ،
لذا كانت فرصة التتلمذ له شيئاً يعدّه الناس من المفاخر ، والطلبة من الحسنات
التي لا تجود بها الأيام دوماً .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
والأمر
الآخر الذي يستدعي كثرة طلبة الحافظ العراقي كثرة مفرطة ، أنه أحيا سنة إملاء
الحديث – على عادة المحدّثين (2) – بعد أن كان
درس عهدها منذ عهد ابن الصلاح فأملى مجالس أربت على الأربعمائة مجلس ، أتى فيها
بفوائد ومستجدات (( وكان يمليها من حفظه متقنة مهذّبة محرّرة كثيرة الفوائد
الحديثية )) على حد تعبير ابن حجر (3) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
لذا
فليس من المستغرب أن يبلغوا كثرة كاثرة يكاد يستعصي على الباحث
سردها ، إن لم نقل أنها استعصت فعلاً ، فضلاً عن ذكر تراجمهم ، ولكن القاعدة تقول : (( ما لا يدرك كلّه لا يترك جلّه )) وانسجاماً معها نعرّف تعريفاً موجزاً بخمسة من تلامذته كانوا بحقّ مفخرة أيامهم وهم : |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
1
– الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي ، مولده
سنة ( 725 ه ) ، وهو من أقران العراقي
، برع في الفقه ، وله مشاركة في باقي الفنون، توفي سنة ( 802 ه )، من تصانيفه :
الشذا الفياح من علوم ابن الصلاح،وغيره(4).
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
2
– الإمام الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي القاهري
، ولد سنة ( 735 ه ) ، وهو في عداد أقرانه أيضاً ، ولكنه اختص به وسمع معه ،
وتخرّج به ، وهو الذي كان يعلّمه كيفية التخريج ، ويقترح عليه مواضيعها ، ولازم الهيثمي خدمته ومصاحبته ، وصاهره
فتزوج ابنة الحافظ العراقي ، توفي سنة
( 807 ه ) ، من تصانيفه : مجمع الزوائد ، وبغية الباحث ، والمقصد العلي
، وكشف الأستار ، ومجمع البحرين ، وموارد الظمآن ، وغيرها (1)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
3
– ولده : الإمام العلاّمة الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن
الحسين العراقي الأصل المصري الشافعي المذهب ، ولد سنة ( 762 ه ) ، وبكّر به
والده بالسماع فأدرك العوالي ، وانتفع بأبيه غاية الانتفاع ، ودرّس في حياته ،
توفي سنة ( 826 ه ) ، من تصانيفه : "
الإطراف بأوهام الأطراف " و " تكملة طرح التثريب " و " تحفة
التحصيل في ذكر رواة المراسيل " ، وغيرها (2) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
4
– الإمام الحافظ برهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي المشهور
بسبط ابن العجمي ، مولده سنة ( 753 ه ) ، رحل وطلب وحصّل ، وله كلام لطيف على
الرجال ، توفي سنة ( 841 ه ) ، من تصانيفه : " حاشية على الكاشف "
للذهبي و " نثل الهميان " (3) و "
التبيين في أسماء المدلّسين " و " الاغتباط فيمن رمي بالاختلاط "
وغيرها (4)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
5
– الإمام العلاّمة الحافظ الأوحد شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد
الكناني العسقلاني المعروف بابن حجر ، ولد سنة ( 773 ه ) ، طلب ورحل ، وألقي
إليه الحديث والعلم بمقاليده ، والتفرد بفنونه ، توفي سنة ( 852 ه ) ، من
تصانيفه: "فتح الباري" و "تهذيب التهذيب" وتقريبه و"
نزهة الألباب "، وغيرها(5).
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المبحث
السابع
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
آثاره
العلمية :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
لقد
عرف الحافظ العراقي أهمية الوقت في حياة المسلم ، لذا فقد عمل جاهداً على توظيف
الوقت بما يخدم السنة العزيزة ، بحثاً منه أو مباحثة مع غيره فكانت (( غالب أوقاته في تصنيف أو إسماع ))
كما يقول السخاوي (1) ، لذا كثرت
تصانيفه وتنوعت ، مما حدا بنا – من أجل جعل البحث أكثر تخصصاً – إلى تقسيمها على قسمين : قسم خاصّ
بمؤلفاته التي تتعلق بالحديث وعلومه ، وقسم يتضمن مؤلفاته في العلوم الأخرى ،
وسنبحث كلاً منهما في مطلب مستقل .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المطلب
الأول
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
مؤلفاته
فيما عدا الحديث وعلومه :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
تنوعت
طبيعة هذه المؤلفات ما بين الفقه وأصوله وعلوم القرآن ، غير أنَّ أغلبها كان ذا
طابع فقهي ، يمتاز الحافظ فيه بالتحقيق ، وبروز شخصيته مدافعاً مرجّحاً موازناً
بين الآراء .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
على
أنَّ الأمر الذي نأسف عليه هو أنَّ أكثر مصنفاته فُقدت ، ولسنا نعلم سبب ذلك ،
وقد حفظ لنا مَنْ ترجم له بعض أسماء كتبه ، تعين الباحث على امتلاك رؤية أكثر
وضوحاً لشخص هذا الحافظ الجليل ، وإلماماً بجوانب ثقافته المتنوعة المواضيع .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
بين تلك الكتب :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
1
– أجوبة ابن العربي (2) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
2
– إحياء القلب الميت بدخول البيت (3) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
3
– الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين في مكان واحد (4)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
4
– أسماء الله الحسنى (1) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
5
– ألفية في غريب القرآن (2) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
6
– تتمات المهمات (3) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
7
– تاريخ تحريم الربا (4) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
8
– التحرير في أصول الفقه (5) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
9
– ترجمة الإسنوي (6) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
10
– تفضيل زمزم على كلّ ماء قليل زمزم (7) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
11
– الرد على من انتقد أبياتاً للصرصري في المدح النبوي (8)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
12
– العدد المعتبر في الأوجه التي بين السور (9) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
13
– فضل غار حراء (10)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
14
– القرب في محبة العرب (11)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
15
– قرة العين بوفاء الدين (12)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
16
– الكلام على مسألة السجود لترك الصلاة (13)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
17
– مسألة الشرب قائماً (1)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
18
– مسألة قصّ الشارب (2) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
19
– منظومة في الضوء المستحب (3) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
20
– المورد الهني في المولد السني (4) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
21
– النجم الوهاج في نظم المنهاج (5) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
22
– نظم السيرة النبوية (6) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
23
– النكت على منهاج البيضاوي (7) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
24
– هل يوزن في الميزان أعمال الأولياء والأنبياء أم لا ؟ (8)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المطلب
الثاني
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
مؤلفاته في الحديث وعلومه :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
هذه
الناحية من التصنيف كانت المجال الرحب أمام الحافظ العراقي ليظهر إمكاناته
وبراعته في علوم الحديث ظهوراً بارزاً ، يَتَجلَّى لنا ذلك من تنوع هذه التصانيف
، التي بلغت ( 42 ) مصنفاً تتراوح حجماً ما بين مجلدات إلى أوراق معدودة ، وهذه
التصانيف هي :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
1
– الأحاديث المخرّجة في الصحيحين التي تُكُلِّمَ فيها بضعف أو انقطاع (9)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
2
– الأربعون البلدانية (10)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
3
– أطراف صحيح ابن حبان (1) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
4
– الأمالي (2)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
5
– الباعث على الخلاص من حوادث القصاص (3) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
6
– بيان ما ليس بموضوع من الأحاديث (4) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
7
– تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي (5) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
8
– ترتيب من له ذكر أو تجريح أو تعديل في بيان الوهم والإيهام (6)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
9
– تخريج أحاديث منهاج البيضاوي (7) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
10-
تساعيات الميدومي (8) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
11-
تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد (9) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
12-
التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح (10)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
13-
تكملة شرح الترمذي لابن سيد الناس (11)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
14-
جامع التحصيل في معرفة رواة المراسيل (12)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
15-
ذيل على ذيل العبر للذهبي (1) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
16-
ذيل على كتاب أُسد الغابة (2) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
17-
ذيل مشيخة البياني (3) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
18-
ذيل مشيخة القلانسي (4) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
19
– ذيل ميزان الاعتدال للذهبي (5) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
20-
ذيل على وفيات ابن أيبك (6) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
21-
رجال سنن الدارقطني (7) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
22-
رجال صحيح ابن حبان (8) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
23-
شرح التبصرة والتذكرة (9) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
24-
شرح تقريب النووي (10)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
25-
طرح التثريب في شرح التقريب (11)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
26-
عوالي ابن الشيخة (12)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
27-
عشاريات العراقي (13)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
28-
فهرست مرويات البياني (14)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
29-
الكلام على الأحاديث التي تُكُلِّمَ فيها بالوضع ، وهي في مسند الإمام أحمد (1)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
30
– الكلام على حديث : التوسعة على العيال يوم عاشوراء (2)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
31-
الكلام على حديث : صوم ستٍّ من شوال (3) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
32-
الكلام على حديث : من كنت مولاه فعليٌّ مولاه (4) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
33-
الكلام على حديث : الموت كفّارة لكل مسلم (5) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
34-
الكلام على الحديث الوارد في أقل الحيض وأكثره (6) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
35-
المستخرج على مستدرك الحاكم (7) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
36-
معجم مشتمل على تراجم جماعة من القرن الثامن (8) .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
37-
المغني عن حمل الأسفار في الأسفار بتخريج ما في الإحياء من الأحاديث والآثار(9).
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
38-
مشيخة عبد الرحمن بن علي المصري المشهور بابن القارئ (10)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
39-
مشيخة محمد بن محمد المربعي التونسي وذيلها (11)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
40-
من روى عن عمرو بن شعيب من التابعين (12)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
41-
من لم يروِ عنهم إلا واحد (13)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
42-
نظم الاقتراح (14)
.
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
المبحث الثامن |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
وفاته : |
|||||||||||||||||||||||||||||||||
تتفق
المصادر التي بين أيدينا على أنَّه في يوم الأربعاء الثامن من شعبان سنة (806ه)
فاظت روح الحافظ العراقي عقيب خروجه من الحمام عن عمر ناهز الإحدى وثمانين سنة ،
وكانت جنازته مشهودة ، صلّى عليه الشيخ شهاب الدين الذهبي ودفن خارج القاهرة (1)
رحمه الله .
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
ولما تمتع به الحافظ العراقي في نفوس الناس ،
فقد توجع لفقده الجميع ، ومن صور ذلك التوجع أن العديد من محبيه قد رثاه بغرر
القصائد ، ومنها قول ابن الجزري (2) :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
ومنها
قصيدة ابن حجر ومطلعها (3):
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
ومن
غرر شعر ابن حجر في رثاء شيخه العراقي قوله في رائيته التي رثا بها شيخه
البلقيني :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||
الدكتور ماهر ياسين الفحل
|
7 / 104 ، وحسن المحاضرة 1 / 421 .
انظر : خطط المقريزي ( 3/319 ) ، والخطط التوفيقية ( 6/12 ) .
" ذيل العراقي على هوامش كتاب العلائي جامع التحصيل " . انظر : لحظ الألحاظ : 231 ، وكشف الظنون ( 1 / 89 ) .
[ 1985 ( 874 ) ] رسالة للحافظ العراقي باسم " رسالة في نقد مسند أحمد " وغالب ظننا أنها هي هذا الكتاب نفسه ، ولم نطلع عليها لنجزم بذلك .