1.كتاب المغازي للواقدي 1.
نسخة المكتبة الشاملة
ص
1 ] أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيّ بْنِ مُحَمّدٍ
الْجَوْهَرِيّ ، قَالَ حَدّثَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَبّاسِ بْنِ
مُحَمّدِ بْنِ زَكَرِيّا بْنِ حَيّوَيْهِ لَفْظًا ، قَالَ قُرِئَ عَلَى أَبِي
الْقَاسِمِ عَبْدِ الْوَهّابِ بْنِ أَبِي حَيّةَ مِنْ كِتَابِهِ وَأَنَا أَسْمَعُ
وَأَقَرّ بِهِ يَوْمَ السّبْتِ بِالْغَدَاةِ فِي دَارِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ
الْوَرّاقِ مُرَبّعَةِ شُبَيْبٍ بَابِ الشّامِ ، فِي بَابِ الذّهَبِ فِي دَرْبِ
الْبَلْخِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَثَلَثِمِائَةٍ .
قَالَ حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ
شُجَاعٍ الثّلْجِيّ قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ ، قَالَ
حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
يَرْبُوعٍ الْمَخْزُومِيّ وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ
الْحَارِثِ التّيْمِيّ ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وَمُوسَى
بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، وَأَبُو
بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ
عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ التّيْمِيّ ، وَيُونُسُ بْنُ
مُحَمّدٍ الظّفَرِيّ وَعَائِذُ بْنُ يَحْيَى ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو ،
وَمُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ الْأَنْصَارِيّ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي
قَتَادَةَ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ
سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَمُحَمّدُ بْنُ
صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ،
وَيَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي
الزّنَادِ وَأَبُو مَعْشَرٍ [ ص 2 ] وَمَالِكُ بْنُ أَبِي الرّجَالِ
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ
عِمْرَانَ بْنِ أَبِي أَنَسٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسٍ .
فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي مِنْ هَذَا بِطَائِفَةٍ
وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لِحَدِيثِهِ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُهُمْ قَدْ حَدّثَنِي
أَيْضًا ، فَكَتَبْت كُلّ الّذِي حَدّثُونِي ، قَالُوا : قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِاثْنَتَيْ
عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَيُقَالُ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا
مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَالثّابِتُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ .فَكَانَ أَوّلُ
لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَمْزَةَ بْنِ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ
سَبْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ .
ثُمّ لِوَاءُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي شَوّالٍ
عَلَى ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْهِجْرَةِ إلَى رَابِغٍ - وَهِيَ عَلَى
عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْجُحْفَةِ وَأَنْتَ تُرِيدُ قُدَيْدًا - وَكَانَتْ فِي
شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ .
ثُمّ سَرِيّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ إلَى
الْخَرّارِ ، عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ . ثُمّ غَزَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا
، حَتّى بَلَغَ الْأَبْوَاء ; ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، وَغَابَ خَمْسَ
عَشْرَةَ لَيْلَةً .
ثُمّ غَزَا بُوَاطَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى
رَأْسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ ، فِيهَا أُمَيّةُ
بْنُ خَلَفٍ وَمِائَةُ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْش ٍ ، وَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةِ
بَعِيرٍ ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا - وَبُوَاطُ هِيَ مِنْ الْجُحْفَةِ
قَرِيبٌ .
ثُمّ غَزَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ
ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، فِي طَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ حَتّى
بَلَغَ بَدْرًا ، ثُمّ رَجَعَ .
ثُمّ غَزَا فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةَ
عَشَرَ شَهْرًا ، يَعْتَرِضُ لِعِيرَاتِ قُرَيْشٍ حِينَ بَدَتْ إلَى الشّامِ ،
وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي الْعَشِيرَةِ ، ثُمّ رَجَعَ فَبَعَثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ
جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأَسَ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا .
ثُمّ غَزَا بَدْرَ الْقِتَالِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ
مِنْ رَمَضَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا . ثُمّ
سَرِيّةُ عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ ، قَتَلَهَا عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ بْنِ [ ص 3
] خَرَشَةَ . حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ أَبِيهِ
أَنّهُ قَالَ قَتَلَهَا لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةَ
عَشَرَ شَهْرًا . ثُمّ سَرِيّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ ، قَتَلَ أَبَا عَفَكٍ فِي
شَوّالٍ . عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا . ثُمّ غَزْوَةُ قَيْنُقَاعَ فِي النّصْفِ
مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ عِشْرِينَ شَهْرًا .
ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ غَزْوَةَ السّوِيقِ فِي ذِي الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ
وَعِشْرِينَ شَهْرًا . ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي
سُلَيْمٍ بِالْكَدَرِ فِي الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا
. ثُمّ
سَرِيّةُ قَتْلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ
شَهْرًا .
ثُمّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ إلَى نَجْدٍ . وَهِيَ ذُو
أَمْرٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ شَهْرًا . ثُمّ
سَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ إلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ
الْهُذَلِيّ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ خَرَجْت مِنْ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ
لِخَمْسِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ
شَهْرًا ، فَغِبْت ثَمَانِي عَشْرَةَ لَيْلَةً وَقَدِمْت يَوْمَ السّبْتِ لِسَبْعٍ
بَقَيْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ .
ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَنِي سُلَيْمٍ بِبُحْرَانَ فِي جُمَادَى الْأُولَى ، عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ
وَعِشْرِينَ شَهْرًا . ثُمّ سَرِيّةُ الْقَرَدَةِ ، أَمِيرُهَا زَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ ، فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ
شَهْرًا ، فِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ .
ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أُحُدًا فِي شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا . ثُمّ غَزَا
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمْرَاءَ الْأَسَدِ فِي شَوّالٍ عَلَى
رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا . ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا أَبُو سَلَمَةَ
بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ إلَى قَطَنٍ إلَى بَنِي أَسَدٍ ، عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ
وَثَلَاثِينَ شَهْرًا فِي الْمُحَرّمِ . ثُمّ بِئْرُ مَعُونَةَ ، أَمِيرُهَا [ ص 4
] الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ
شَهْرًا .
ثُمّ غَزْوَةُ الرّجِيعِ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ
وَثَلَاثِينَ شَهْرًا ، أَمِيرُهَا مَرْثَدٌ . ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي النّضِيرِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ
وَثَلَاثِينَ شَهْرًا .
ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَدْرَالْمَوْعِدَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ
شَهْرًا . ثُمّ سَرِيّةُ ابْنِ عَتِيكٍ إلَى ابْنِ أَبِي الْحَقِيقِ فِي ذِي
الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا . فَلَمّا قُتِلَ سَلّامُ
بْنُ أَبِي الْحَقِيقِ فَزِعَتْ يَهُودُ إلَى سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ بِخَيْبَرَ
فَأَبَى أَنْ يَرْأَسَهُمْ فَقَامَ أُسَيْرُ بْنُ زَارِمٍ بِحَرْبِهِمْ . ثُمّ غَزَا
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَاتَ الرّقَاعِ فِي الْمُحَرّمِ عَلَى
رَأْسِ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا . ثُمّ غَزَا دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ فِي
رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا .
ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمُرَيْسِيعَ ، فِي شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْسٍ . ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَنْدَقَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ خَمْسٍ . ثُمّ غَزَا
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي لَيَالٍ مِنْ ذِي
الْقَعْدَةِ وَلَيَالٍ مِنْ ذِي الْحِجّةِ سَنَةَ خَمْسٍ . ثُمّ سَرِيّةُ ابْنِ
أُنَيْسٍ إلَى سُفْيَانَ بْنِ خَالِدٍ بْنِ نُبَيْحٍ فِي الْمُحَرّمِ سَنَةَ سِتّ
ثُمّ سَرِيّةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فِي الْمُحَرّمِ سَنَةَ سِتّ إلَى الْقُرْطَاءِ
. ثُمّ
غَزْوَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي لِحْيَان ، إلَى
الْغَابَةِ ، فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ سِتّ .
ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْغَابَةَ فِي رَبِيعٍ الْآخَرَ سَنَةَ سِتّ . ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا
عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ إلَى الْغَمْرِ ، فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ سِتّ .
ثُمّ سَرِيّةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إلَى ذِي الْقَصّةِ ، فِي رَبِيعٍ
الْآخَرِ سَنَةَ سِتّ . ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ
إلَى ذِي الْقَصّةِ فِي رَبِيعٍ [ ص 5 ] الْآخَرِ سَنَةَ سِتّ . ثُمّ سَرِيّةُ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى بَنِي سُلَيْمٍ بِالْجَمُومِ فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ
سَنَةَ سِتّ وَكَانَتَا فِي شَهْرٍ وَاحِدٍ - الْجَمُومُ مَا بَيْنَ بَطْنِ نَخْلٍ
وَالنّقْرَةِ . ثُمّ سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْعِيصِ فِي جُمَادَى
الْأُولَى سَنَةَ سِتّ . ثُمّ سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ فِي
جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ -
وَالطّرَفُ عَلَى سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا مِنْ
الْمَدِينَةِ . ثُمّ سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى حِسْمَى فِي جُمَادَى
الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ - وَحِسْمَى وَرَاءَ وَادِي الْقُرَى .
ثُمّ سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى وَادِي
الْقُرَى فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتّ
. ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ . ثُمّ غَزْوَةُ
عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى فَدَكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ . ثُمّ غَزْوَةُ
زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى أُمّ قِرْفَةَ [ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ ] نَاحِيَةَ وَادِي
الْقُرَى إلَى جَنْبِهَا . ثُمّ غَزْوَةُ ابْنِ رَوَاحَةَ إلَى أُسَيْرِ بْنِ زَارِمٍ
فِي شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ . ثُمّ سَرِيّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ إلَى الْعُرَنِيّينَ
فِي شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ .ثُمّ اعْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سِتّ . ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سَبْعٍ . ثُمّ
انْصَرَفَ مِنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فَقَاتَلَ
بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ . ثُمّ سَرِيّةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
إلَى تُرْبَةَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ [ تُرْبَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكّةَ
سِتّ لَيَالٍ ] ثُمّ سَرِيّةُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ فِي شَعْبَانَ إلَى نَجْدٍ ، سَنَةَ سَبْعٍ . ثُمّ سَرِيّةُ بَشِيرِ بْنِ
سَعْدٍ إلَى فَدَكَ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْعٍ . ثُمّ سَرِيّةُ غَالِبِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ إلَى الْمَيْفَعَةِ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ - وَالْمَيْفَعَةُ
نَاحِيَةُ [ ص 6 ] نَجْدٍ . ثُمّ سَرِيّةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ إلَى الْجِنَابِ ،
فِي شَوّالٍ سَنَةَ سَبْعٍ .
ثُمّ اعْتَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عُمْرَةَ الْقَضِيّةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ . ثُمّ غَزْوَةُ ابْنِ
أَبِي الْعَوْجَاءِ السّلَمِيّ فِي ذِي الْحِجّةِ سَنَةَ سَبْعٍ . ثُمّ غَزْوَةُ
غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ إلَى الْكَدِيدِ ، فِي صَفَرٍ سَنَةَ ثَمَانٍ -
وَالْكَدِيدُ وَرَاءَ قُدَيْدٍ .
ثُمّ سَرِيّةُ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ فِي رَبِيعٍ
الْأَوّلِ سَنَةَ ثَمَانٍ إلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ . ثُمّ غَزْوَةُ
كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيّ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ إلَى
ذَاتِ أَطْلَاحٍ - وَأَطْلَاحُ نَاحِيَةُ الشّامِ مِنْ الْبَلْقَاءِ عَلَى
لَيْلَةٍ . ثُمّ غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مُؤْتَةَ ، سَنَةَ ثَمَانٍ .
ثُمّ غَزْوَةٌ أَمِيرُهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلَاسِلِ ، فِي
جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ .
ثُمّ غَزْوَةُ الْخَبَطِ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ
بْنُ الْجَرّاحِ ، فِي رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ . ثُمّ سَرِيّةُ خَضِرَةَ أَمِيرُهَا
أَبُو قَتَادَةَ ، فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ - وَخَضِرَةُ نَاحِيَةُ نَجْدٍ
عَلَى عِشْرِينَ مِيلًا عِنْدَ بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ . ثُمّ سَرِيّةُ أَبِي قَتَادَةَ إلَى
إِضَمَ ، فِي رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ .ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامَ الْفَتْحِ فِي ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ
سَنَةَ ثَمَانٍ . ثُمّ هَدَمَ الْعُزّى لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقَيْنَ مِنْ
رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ هَدَمَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ . ثُمّ هَدَمَ
سُوَاعَ هَدَمَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَكَانَ فِي رَمَضَانَ . ثُمّ هَدَمَ
مَنَاةَ ، هَدَمَهَا سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ
ثَمَانٍ . ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي جَذِيمَةَ ، غَزَاهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي
شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ .
ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حُنَيْنًا فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ . ثُمّ غَزَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الطّائِفَ فِي شَوّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ . وَحَجّ النّاسُ سَنَةَ ثَمَانٍ
وَيُقَالُ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعْمَلَ عَتّابَ بْنَ
أُسَيْدٍ عَلَى الْحَجّ وَيُقَالُ حَجّ النّاسُ أَوْزَاعًا بِلَا أَمِيرٍ . ثُمّ
سَرِيّةُ [ ص 7 ] عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ إلَى بَنِي تَمِيمٍ فِي الْمُحَرّمِ
سَنَةَ تِسْعٍ . ثُمّ سَرِيّةُ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرٍ إلَى خَثْعَمَ فِي صَفَرٍ
سَنَةَ تِسْعٍ . ثُمّ سَرِيّةُ بَنِي كِلَابٍ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ تِسْعٍ
أَمِيرُهَا الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ .
ثُمّ سَرِيّةُ عَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزّزٍ إلَى
الْحَبَشَةِ ، فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ . ثُمّ سَرِيّةُ عَلِيّ
عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى الْفُلْسِ . فِي رَبِيعٍ الْآخَرِ سَنَةَ تِسْعٍ . ثُمّ
غَزْوَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَبُوكَ ، فِي رَجَبٍ سَنَةَ
تِسْعٍ . ثُمّ سَرِيّةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى أُكَيْدِرَ فِي رَجَبٍ
سَنَةَ تِسْعٍ . ثُمّ هَدْمُ ذِي الْكَفّيْنِ - صَنَمُ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ
الدّوْسِيّ . وَحَجّ النّاسُ سَنَةَ تِسْعٍ وَحَجّ أَبُو بَكْرٍ سَنَةَ تِسْعٍ .
ثُمّ غَزْوَةُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إلَى بَنِي عَبْدِ الْمَدَانِ فِي رَبِيعٍ
الْأَوّلِ سَنَةَ عَشْرٍ . وَسَرِيّةُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى الْيَمَنِ ،
يُقَالُ مَرّتَيْنِ إحْدَاهُمَا فِي رَمَضَانَ سَنَةَ عَشْرٍ .
وَحَجّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالنّاسِ سَنَةَ عَشْرٍ وَرَجَعَ مِنْ مَكّةَ فَمَرِضَ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً
. وَعَقَدَ لِأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فِي مَرَضِهِ إلَى الشّامِ ، وَتُوُفّيَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَخْرُجْ حَتّى بَعَثَهُ
أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتُوُفّيَ
يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ
إحْدَى عَشْرَةَ .
فَكَانَتْ مَغَازِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الّتِي غَزَا بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً . وَكَانَ مَا
قَاتَلَ فِيهَا تِسْعًا : بَدْرُ الْقِتَالِ ، وَأُحُدُ ، وَالْمُرَيْسِيعُ ،
وَالْخَنْدَقُ ، وَقُرَيْظَةُ ، وَخَيْبَرُ ، وَالْفَتْحُ ، وَحُنَيْنٌ ،
وَالطّائِفُ . وَكَانَتْ السّرَايَا سَبْعًا وَأَرْبَعِينَ سَرِيّةً وَاعْتَمَرَ
ثَلَاثَ عُمَرٍ . وَيُقَالُ قَدْ قَاتَلَ فِي بَنِي النّضِيرِ وَلَكِنّ اللّهَ
جَعَلَهَا لَهُ نَفَلًا خَاصّةً
. وَقَاتَلَ فِي غَزْوَةِ وَادِي الْقُرَى فِي
مُنْصَرَفِهِ عَنْ خَيْبَرَ ، وَقُتِلَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ . وَقَاتَلَ فِي
الْغَابَةِ حَتّى قُتِلَ مُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ وَقَتَلَ مِنْ الْعَدُوّ سِتّةً .
قَالُوا :
وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي مَغَازِيهِ عَلَى الْمَدِينَةِ : فِي غَزْوَةِ وَدّانَ سَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ ، وَاسْتَخْلَفَ فِي غَزْوَةِ بُوَاطَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، وَفِي
طَلَبٍ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، وَفِي غَزْوَةِ
ذِي الْعَشِيرَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ [ ص 8 ] الْمَخْزُومِيّ وَفِي غَزْوَةِ
بَدْرٍ الْقِتَالِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْعَمْرِيّ وَفِي
غَزْوَةِ السّوِيقِ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الْعَمْرِيّ وَفِي
غَزْوَةِ الْكُدْرِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ الْمَعِيصِيّ وَفِي غَزْوَةِ ذِي أَمَرّ
عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، وَفِي غَزْوَةِ بُحْرَانَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ وَفِي
غَزْوَةِ أُحُدٍ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ.
بُحْرَانَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، وَفِي غَزْوَةِ أُحُدٍ
ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ .
وَفِي غَزْوَةِ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ابْنَ أُمّ
مَكْتُومٍ ، وَفِي غَزْوَةِ بَنِي النّضِيرِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، وَفِي
غَزْوَةِ بَدْرٍ الْمَوْعِدِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ، وَفِي غَزْوَةِ ذَاتِ
الرّقَاعِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، وَفِي غَزْوَةِ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ سِبَاعَ
بْنَ عُرْفُطَةَ وَفِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، وَفِي
غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، وَفِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ
ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، وَفِي غَزْوَةِ بَنِي لِحْيَانَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ،
وَفِي غَزْوَةِ الْغَابَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، وَفِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ
ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ .
وَفِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ
الْغِفَارِيّ ، وَفِي عُمْرَةِ الْقَضِيّةِ أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِيّ وَفِي
غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ وَالطّائِفِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، وَفِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، وَيُقَالُ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ الْأَشْهَلِيّ
وَفِي حَجّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ
. وَكَانَ شِعَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْقِتَالِ
فِي بَدْرٍ يَا مَنْصُورُ أَمِتْ وَيُقَالُ جَعَلَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ بَنِي
عَبْدِ الرّحْمَنِ وَالْخَزْرَجِ : بَنِي عَبْدِ اللّهِ وَالْأَوْسِ بَنِي
عُبَيْدِ اللّهِ وَفِي يَوْمِ أُحُدٍ :
أَمِتْ أَمِتْ ، وَفِي بَنِي النّضِيرِ أَمِتْ أَمِتْ ،
وَفِي الْمُرَيْسِيعِ : أَمِتْ أَمِتْ ، وَفِي الْخَنْدَقِ : حم لَا يُنْصَرُونَ .
وَفِي قُرَيْظَةَ وَالْغَابَةِ لَمْ يُسَمّ أَحَدًا ;
وَفِي حُنَيْنٍ : يَا مَنْصُورُ أَمِتْ وَفِي الْفَتْحِ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ
بَنِي عَبْدِ الرّحْمَنِ وَجَعَلَ شِعَارَ الْخَزْرَجِ : بَنِي عَبْدِ اللّهِ
وَالْأَوْسِ بَنِي عُبَيْدِ اللّهِ وَفِي خَيْبَرَ : بَنِي عَبْدِ الرّحْمَنِ
لِلْمُهَاجِرِينَ وَلِلْخَزْرَجِ بَنِي عَبْدِ اللّهِ وَلِلْأَوْسِ بَنِي عُبَيْدِ
اللّهِ وَفِي الطّائِفِ لَمْ يُسَمّ أَحَدًا .
سَرِيّةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ [ ص 9 ]
وَكَانَتْ سَرِيّةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ
سَبْعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
قَالُوا :
أَوّلُ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِحَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ ، بَعَثَهُ فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا شَطْرَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَكَانَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ
عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، وَعَامِرُ بْنُ
رَبِيعَةَ ، وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَكَنّازُ بْنُ
الْحُصَيْنِ وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ كَنّازٍ وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي رِجَالٍ .
وَمِنْ الْأَنْصَارِ : أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ ، وَعُمَارَةُ
بْنُ حَزْمٍ ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ ، وَأَوْسُ
بْنُ خَوْلِيّ وَأَبُو دُجَانَةَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، وَرَافِعُ بْنُ
مَالِكٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ
بْنِ حَدِيدَةَ فِي رِجَالٍ لَمْ يُسَمّوْا لَنَا .
فَبَلَغُوا سَيْفَ الْبَحْرِ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ
قُرَيْشٍ قَدْ جَاءَتْ مِنْ الشّامِ تُرِيدُ مَكّةَ ، فِيهَا أَبُو جَهْلٍ فِي
ثَلَاثِمِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ . فَالْتَقَوْا حَتّى اصْطَفّوا
لِلْقِتَالِ فَمَشَى بَيْنَهُمْ مَجْدِي بْنُ عَمْرٍو ، وَكَانَ حَلِيفًا
لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، فَلَمْ يَزَلْ يَمْشِي إلَى هَؤُلَاءِ وَإِلَى
هَؤُلَاءِ حَتّى انْصَرَفَ الْقَوْمُ وَانْصَرَفَ حَمْزَةُ رَاجِعًا إلَى
الْمَدِينَةِ فِي أَصْحَابِهِ وَتَوَجّهَ أَبُو جَهْلٍ فِي عِيرِهِ وَأَصْحَابِهِ
إلَى مَكّةَ ، وَلَمْ [ ص 10 ] يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ .
فَلَمّا رَجَعَ حَمْزَةُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرَهُ بِمَا حَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِي ، وَأَنّهُمْ رَأَوْا
مِنْهُ نَصَفَةً لَهُمْ فَقَدِمَ رَهْطُ مَجْدِي عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَسَاهُمْ وَصَنَعَ إلَيْهِمْ خَيْرًا ، وَذَكَرَ مَجْدِي
بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ إنّهُ مَا عَلِمْت مَيْمُونُ النّقِيبَةِ مُبَارَكُ
الْأَمْرِ . أَوْ قَالَ رَشِيدُ الْأَمْرِ . حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
عَيّاشٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ وَعَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ قَالَا : لَمْ يَبْعَثْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَبْعَثًا حَتّى غَزَا
بِنَفْسِهِ إلَى بَدْرٍ ، وَذَلِك أَنّهُ ظَنّ أَنّهُمْ لَا يَنْصُرُونَهُ إلّا
فِي الدّارِ وَهُوَ الْمُثْبَتُ .
سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ إلَى رَابِغٍ ثُمّ
عَقَدَ لِوَاءً لِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ
ثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ إلَى رَابِغٍ
- وَرَابِغٌ عَلَى عَشْرَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْجُحْفَةِ
وَأَنْتَ تُرِيدُ قُدَيْدًا . فَخَرَجَ عُبَيْدَةُ فِي سِتّينَ رَاكِبًا ، فَلَقِيَ أَبَا
سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ عَلَى مَاءٍ يُقَالُ لَهُ أَحْيَاءٌ مِنْ بَطْنِ رَابِغٍ ،
وَأَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ فِي مِائَتَيْنِ . فَكَانَ أَوّلُ مَنْ رَمَى
بِسَهْمٍ فِي الْإِسْلَامِ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، نَثَرَ كِنَانَتَهُ
وَتَقَدّمَ أَمَامَ أَصْحَابِهِ وَتَرّسَ أَصْحَابُهُ عَنْهُ . قَالَ فَرَمَى
بِمَا فِي كِنَانَتِهِ حَتّى أَفْنَاهَا ، مَا فِيهَا سَهْمٌ إلّا يَنْكِي بِهِ .
وَيُقَالُ كَانَ فِي الْكِنَانَةِ عِشْرُونَ سَهْمًا ،
فَلَيْسَ مِنْهَا سَهْمٌ إلّا يَقَعُ فَيَجْرَحُ إنْسَانًا أَوْ دَابّةً . وَلَمْ يَكُنْ سَهْمٌ
يَوْمَئِذٍ إلّا هَذَا ، لَمْ يَسُلّوا السّيُوفَ وَلَمْ يَصْطَفّوا لِلْقِتَالِ
أَكْثَرَ مِنْ هَذَا الرّمْيِ وَالْمُنَاوَشَةِ ثُمّ انْصَرَفَ هَؤُلَاءِ عَلَى
حَامِيَتِهِمْ وَهَؤُلَاءِ عَلَى حَامِيَتِهِمْ . فَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقّاصٍ يَقُولُ فِيمَا حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ
مِسْمَارٍ قَالَ كَانَ السّتّونَ كُلّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ . قَالَ سَعْدٌ [ ص 11 ] فَقُلْت
لِعُبَيْدَةَ لَوْ اتّبَعْنَاهُمْ لَأَصَبْنَاهُمْ فَإِنّهُمْ قَدْ وَلّوْا
مَرْعُوبِينَ . قَالَ فَلَمْ يُتَابِعْنِي عَلَى ذَلِكَ فَانْصَرَفْنَا إلَى
الْمَدِينَةِ .
سَرِيّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ إلَى الْخَرّارِ
ثُمّ عَقَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِوَاءً لِسَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقّاصٍ إلَى الْخَرّارِ -
وَالْخَرّارُ مِنْ الْجُحْفَةِ قَرِيبٌ مِنْ خُمّ - فِي
ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةِ أَشْهُرٍ مِنْ مُهَاجَرَةِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ
مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُخْرُجْ يَا سَعْدُ حَتّى
تَبْلُغَ الْخَرّارَ ، فَإِنّ عِيرًا لِقُرَيْشٍ سَتَمُرّ بِهِ . فَخَرَجْت فِي عِشْرِينَ
رَجُلًا أَوْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ عَلَى أَقْدَامِنَا ، فَكُنّا نَكْمُنُ النّهَارَ
وَنَسِيرُ اللّيْلَ حَتّى صَبّحْنَاهَا صُبْحَ خَمْسٍ فَنَجِدُ الْعِيرَ قَدْ
مَرّتْ بِالْأَمْسِ . وَقَدْ كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَهِدَ
إلَيّ أَلّا أُجَاوِزَ الْخَرّارَ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَرَجَوْت أَنْ أُدْرِكَهُمْ
. فَيُقَالُ
لَمْ يَبْعَثْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدًا مِنْ الْأَنْصَارِ
مَبْعَثًا حَتّى غَزَا بِهِمْ بَدْرًا ، وَذَلِكَ لِأَنّهُمْ شَرَطُوا لَهُ أَنْ
يَمْنَعُوهُ فِي دَارِهِمْ حَدّثَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَيّاشٍ
الْمَخْزُومِيّ ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
يَرْبُوعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
يَرْبُوعٍ .غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَحَدَ عَشَرَ [ ص 12 ] شَهْرًا ، حَتّى
بَلَغَ الْأَبْوَاءَ يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ ، فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . وَفِي
هَذِهِ الْغَزَاةِ وَادَعَ بَنِي ضَمْرَةَ مِنْ كِنَانَةَ عَلَى أَلّا يُكْثِرُوا
عَلَيْهِ وَلَا يُعِينُوا عَلَيْهِ أَحَدًا . ثُمّ كَتَبَ بَيْنَهُمْ كِتَابًا ،
ثُمّ رَجَعَ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً .
غَزْوَةُ بُوَاطَ ثُمّ غَزَا بُوَاطَ - وَبُوَاطُ
حِيَالَ ضَبّةَ مِنْ نَاحِيَةِ ذِي خُشُبٍ بَيْنَ بُوَاطَ وَالْمَدِينَةِ
ثَلَاثَةُ بُرُدٍ - فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا
، يَعْتَرِضُ لِعِيرِ قُرَيْشٍ ، فِيهَا أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ وَمِائَةُ رَجُلٍ
مِنْ قُرَيْشٍ ، وَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةِ بَعِيرٍ ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ
كَيْدًا .غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى ثُمّ غَزَا فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى
رَأْسِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ شَهْرًا فِي طَلَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ ،
أَغَارَ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ يَرْعَى بِالْجَمّاءِ وَنَوَاحِيهَا
، حَتّى بَلَغَ بَدْرًا وَلَمْ يُدْرِكْهُ .
غَزْوَةُ ذِي الْعَشِيرَةِ ثُمّ غَزَا فِي جُمَادَى
الْآخِرَةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، يَعْتَرِضُ لِعِيرَاتِ قُرَيْشٍ
حِينَ أَبْدَأَتْ إلَى الشّامِ ، فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ فَخَرَجَ فِي خَمْسِينَ
وَمِائَةٍ - وَيُقَالُ فِي مِائَتَيْنِ - وَكَانَ قَدْ جَاءَهُ الْخَبَرُ بِفُصُولِ
الْعِيرِ مِنْ مَكّةَ تُرِيدُ [ ص 13 ] الشّامَ ، قَدْ جَمَعَتْ قُرَيْشٌ
أَمْوَالَهَا فَهِيَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ فَسَلَكَ عَلَى نَقْبٍ مِنْ بَنِي
دِينَارٍ بُيُوتَ السّقْيَا ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي الْعَشِيرَةِ .سَرِيّةُ
نَخْلَةَ ثُمّ سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ إلَى نَخْلَةَ ،
وَنَخْلَةُ وَادِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ فِي رَجَبٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ
عَشَرَ شَهْرًا .
قَالُوا :
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ : دَعَانِي رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ صَلّى الْعِشَاءَ فَقَالَ وَافِ مَعَ
الصّبْحِ مَعَك سِلَاحُك ; أَبْعَثُك وَجْهًا قَالَ فَوَافَيْت الصّبْحَ وَعَلَيّ
سَيْفِي وَقَوْسِي وَجَعْبَتِي وَمَعِي دَرَقَتِي ، فَصَلّى النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ الصّبْحَ ثُمّ انْصَرَفَ فَيَجِدُنِي قَدْ سَبَقْته وَاقِفًا
عِنْدَ بَابِهِ وَأَجِدُ نَفَرًا مَعِي مِنْ قُرَيْشٍ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَأَمّرَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَتَبَ كِتَابًا . ثُمّ دَعَانِي
فَأَعْطَانِي صَحِيفَةً مِنْ أَدِيمٍ خَوْلَانِيّ فَقَالَ قَدْ اسْتَعْمَلْتُك
عَلَى هَؤُلَاءِ النّفَرِ
فَامْضِ حَتّى إذَا سِرْت لَيْلَتَيْنِ فَانْشُرْ
كِتَابِي ، ثُمّ امْضِ لِمَا فِيهِ
. قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَيّ نَاحِيَةٍ ؟ فَقَالَ
اُسْلُكْ النّجْدِيّةَ ، تَؤُمّ رَكِيّةَ قَالَ فَانْطَلَقَ حَتّى إذَا كَانَ
بِبِئْرِ ابْن ضُمَيْرَةَ نَشَرَ الْكِتَابَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ سِرْ حَتّى
تَأْتِيَ بَطْنَ نَخْلَةَ عَلَى اسْمِ اللّهِ وَبَرَكَاتِهِ وَلَا تُكْرِهَن
أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِك عَلَى الْمَسِيرِ مَعَك ، وَامْضِ لِأَمْرِي فِيمَنْ تَبِعَك
حَتّى تَأْتِيَ بَطْنَ نَخْلَةَ [ ص 14 ] فَتَرَصّدْ بِهَا عِيرَ قُرَيْشٍ .
فَلَمّا قَرَأَ عَلَيْهِمْ الْكِتَابَ قَالَ لَسْت مُسْتَكْرِهًا مِنْكُمْ أَحَدًا
، فَمَنْ كَانَ يُرِيدُ الشّهَادَةَ فَلْيَمْضِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ أَرَادَ الرّجْعَةَ فَمِنْ الْآنِ فَقَالُوا
أَجْمَعُونَ نَحْنُ سَامِعُونَ وَمُطِيعُونَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَك ، فَسِرْ
عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ حَيْثُ شِئْت
. فَسَارَ حَتّى جَاءَ نَخْلَةَ فَوَجَدَ عِيرًا
لِقُرَيْشٍ فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ
الْمَخْزُومِيّ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
الْمَخْزُومِيّ ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِيّ . فَلَمّا
رَأَوْهُمْ أَصْحَابُ الْعِيرِ هَابُوهُمْ وَأَنْكَرُوا أَمْرَهُمْ فَحَلَقَ
عُكّاشَةُ رَأْسَهُ مِنْ سَاعَتِهِ ثُمّ أَوْفَى لِيُطَمْئِنَ الْقَوْمَ .
قَالَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ : فَحَلَقْت رَأْسَ عُكّاشَةَ بِيَدِي -
وَكَانَ رَأْيُ وَاقِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَعُكّاشَةَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ
- فَيَقُولُ لَهُمْ عُمّارٌ نَحْنُ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فَأَشْرَفَ عُكّاشَةُ
فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ لَا بَأْسَ قَوْمٌ عُمّارٌ فَأَمِنُوا
فِي أَنْفُسِهِمْ وَقَيّدُوا رِكَابَهُمْ وَسَرّحُوهَا ، وَاصْطَنَعُوا طَعَامًا .
تَشَاوَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
أَمْرِهِمْ - وَكَانَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وَيُقَالُ أَوّلَ يَوْمٍ مِنْ
شَعْبَانَ - فَقَالُوا : إنْ أَخّرْتُمْ عَنْهُمْ هَذَا الْيَوْمَ دَخَلُوا
الْحَرَمَ فَامْتَنَعُوا ، وَإِنْ أَصَبْتُمُوهُمْ فَفِي الشّهْرِ الْحَرَامِ .
وَقَالَ قَائِلٌ لَا نَدْرِي أَمِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ هَذَا الْيَوْمُ أَمْ لَا
. وَقَالَ قَائِلٌ لَا نَعْلَمُ هَذَا الْيَوْمَ إلّا مِنْ الشّهْرِ الْحَرَامِ
وَلَا نَرَى أَنْ تَسْتَحِلّوهُ لِطَمَعٍ أَشْفَيْتُمْ عَلَيْهِ . فَغَلَبَ عَلَى
الْأَمْرِ الّذِينَ يُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا ، فَشَجّعَ الْقَوْمَ
فَقَاتَلُوهُمْ . فَخَرَجَ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ - 15ْ - يَقْدُمُ
الْقَوْمَ قَدْ أَنْبَضَ قَوْسَهُ وَفَوّقَ بِسَهْمِهِ فَرَمَى عَمْرَو بْنَ
الْحَضْرَمِيّ - وَكَانَ لَا يُخْطِئُ رَمْيَتَهُ - بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ .
وَشَدّ الْقَوْمُ عَلَيْهِمْ فَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ ، وَحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ وَأَعْجَزَهُمْ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
وَهْبِ بْنِ زَمَعَةَ الْأَسَدِيّ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمّتِهِ عَنْ أُمّهَا
كَرِيمَةَ ابْنَةِ الْمِقْدَادِ ، عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ أَنَا
أَسَرْت الْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ ، فَأَرَادَ أَمِيرُنَا ضَرْبَ عُنُقِهِ فَقُلْت
: دَعْهُ نَقْدُمُ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَدِمْنَا بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَعَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ
فَأَطَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلَامَهُ فَقَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ تُكَلّمُ هَذَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟
وَاَللّهِ لَا يُسْلِمُ هَذَا آخِرَ الْأَبَدِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ
وَيَقْدَمُ إلَى أُمّهِ الْهَاوِيَةِ فَجَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لَا يُقْبِلُ عَلَى عُمَرَ حَتّى أَسْلَمَ الْحَكَمُ فَقَالَ عُمَرُ
فَمَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْته قَدْ أَسْلَمَ ، وَأَخَذَنِي مَا تَقَدّمَ
وَتَأَخّرَ وَقُلْت : كَيْفَ أَرُدّ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَمْرًا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنّي ، ثُمّ أَقُولُ إنّمَا أَرَدْت بِذَلِكَ
النّصِيحَةَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ قَالَ عُمَرُ فَأَسْلَمَ وَاَللّهِ فَحَسُنَ
إسْلَامُهُ وَجَاهَدَ فِي اللّهِ حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ ،
وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاضٍ عَنْهُ وَدَخَلَ
الْجِنَانَ
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ
وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ قَالَ قَالَ الْحَكَمُ
وَمَا الْإِسْلَامُ ؟ قَالَ تَعْبُدُ اللّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَتَشْهَدُ
أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . قَالَ قَدْ أَسْلَمْت . فَالْتَفَتَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَوْ
أَطَعْتُكُمْ فِيهِ آنِفًا فَقَتَلْته ، دَخَلَ النّار [ ص 16 ] قَالُوا : وَاسْتَاقُوا الْعِيرَ
وَكَانَتْ الْعِيرُ فِيهَا خَمْرٌ وَأَدَمٌ وَزَبِيبٌ جَاءُوا بِهِ مِنْ الطّائِفِ
، فَقَدِمُوا بِهِ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ الشّهْرَ
الْحَرَامَ فَقَدْ أَصَابَ الدّمَ وَالْمَالَ وَقَدْ كَانَ يُحَرّمُ ذَلِكَ
وَيُعَظّمُهُ . فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ إنّمَا أَصَبْتُمْ فِي لَيْلَةٍ
مِنْ شَعْبَانَ . وَأَقْبَلَ الْقَوْمُ بِالْعِيرِ فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقّفَ الْعِيرَ فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا
شَيْئًا ، وَحَبَسَ الْأَسِيرَيْنِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ مَا أَمَرْتُكُمْ
بِالْقِتَالِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ .فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
سُحَيْمٍ قَالَ مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالْقِتَالِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا غَيْرِ الشّهْرِ الْحَرَامِ إنّمَا
أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَحَسّسُوا أَخْبَارَ قُرَيْشٍ .
قَالُوا :
وَسُقِطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنْ قَدْ
هَلَكُوا ، وَأَعْظَمَ ذَلِكَ مَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَعَنّفُوهُمْ وَلَامُوهُمْ
وَالْمَدِينَةُ تَفُورُ فَوْرَ الْمِرْجَلِ . وَقَالَتْ الْيَهُودُ : عَمْرُو بْنُ
الْحَضْرَمِيّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ ، عَمْرٌو عَمُرَتْ
الْحَرْبُ وَالْحَضْرَمِيّ حَضَرَتْ الْحَرْبُ وَوَاقِدٌ وَقَدَتْ الْحَرْبُ قَالَ
ابْنُ وَاقِدٍ : قَدْ تَفَاءَلُوا بِذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ اللّهِ عَلَى
يَهُودَ . قَالُوا : وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي فِدَاءِ أَصْحَابِهِمْ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لَنْ نَفْدِيَهُمَا حَتّى يَقْدُمَ صَاحِبَانَا يَعْنِي سَعْدَ بْنَ
أَبِي وَقّاصٍ وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ .
فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ
مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ : خَرَجْنَا مَعَ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ حَتّى نَنْزِلَ بِبُحْرَان َ - وَبُحْرَانُ [ ص 17 ]
نَاحِيَةُ مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ -
فَأَرْسَلْنَا أَبَاعِرَنَا ، وَكُنّا اثْنَيْ عَشَرَ
رَجُلًا ، كُلّ اثْنَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ بَعِيرًا . فَكُنْت زَمِيلَ عُتْبَةَ
بْنِ غَزْوَانَ وَكَانَ الْبَعِيرُ لَهُ فَضَلّ بَعِيرُنَا ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهِ
يَوْمَيْنِ نَبْغِيهِ . وَمَضَى أَصْحَابُنَا وَخَرَجْنَا فِي آثَارِهِمْ
فَأَخْطَأْنَاهُمْ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ قَبْلَنَا بِأَيّامٍ وَلَمْ نَشْهَدْ
نَخْلَةَ ، فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّا قَدْ أَصَبْنَا ، وَلَقَدْ أَصَابَنَا فِي سَفَرِنَا
مَجَاعَةٌ لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَلِيحَةِ وَبَيْنَ
الْمَدِينَةِ سِتّةُ بُرُدٍ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْدِنِ لَيْلَةٌ - بَيْنَ
مَعْدِنِ بَنِي سُلَيْمٍ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ .
قَالَ لَقَدْ خَرَجْنَا مِنْ الْمَلِيحَةِ نَوْبَةً
وَمَا مَعَنَا ذَوّاقٌ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ . قَالَ قَائِلٌ أَبَا إسْحَاقَ كَمْ
كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ؟ قَالَ ثَلَاثٌ كُنّا إذَا بَلَغَ
مِنّا أَكَلْنَا الْعِضَاهَ وَشَرِبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى قَدِمْنَا
الْمَدِينَةَ فَنَجِدُ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ قَدِمُوا فِي فِدَاءِ
أَصْحَابِهِمْ فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ
يُفَادِيَهُمْ وَقَالَ إنّي أَخَافُ عَلَى صَاحِبَيّ . فَلَمّا قَدِمْنَا فَادَاهُمْ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالُوا : وَكَانَ مِنْ قَوْلِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمْ إنْ قَتَلْتُمْ صَاحِبَيّ
قَتَلْت صَاحِبَيْكُمْ . وَكَانَ فِدَاؤُهُمَا أَرْبَعِينَ أُوقِيّةً فِضّةً
لِكُلّ وَاحِدٍ وَالْأُوقِيّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا .فَحَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ
عُثْمَانَ الْجَحْشِيّ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
جَحْشٍ ، قَالَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ الْمِرْبَاعُ فَلَمّا رَجَعَ عَبْدُ اللّهِ
بْنُ جَحْشٍ مِنْ نَخْلَةَخَمّسَ مَا غَنِمَ وَقَسَمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ سَائِرَ
الْغَنَائِمِ فَكَانَ [ ص 18 ] أَوّلَ خُمُسٍ خُمِسَ فِي الْإِسْلَامِ حَتّى
نَزَلَ بَعْدُ وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ
فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ عَنْ
مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَفَ
غَنَائِمَ أَهْلِ نَخْلَةَ ، وَمَضَى إلَى بَدْرٍ حَتّى رَجَعَ مِنْ بَدْرٍ
فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ أَهْلِ بَدْرٍ ، وَأَعْطَى كُلّ قَوْمٍ حَقّهُمْ .
نَخْلَةَ، وَمَضَى إلَى بَدْرٍ ، حَتّى رَجَعَ مِنْ
بَدْرٍ فَقَسَمَهَا مَعَ غَنَائِمِ أَهْلِ بَدْرٍ، وَأَعْطَى كُلّ قَوْمٍ حَقّهُمْ
.
قَالُوا :
وَنَزَلَ الْقُرْآنُ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ
الْحَرَامِ فَحَدّثَهُمْ اللّهُ فِي كِتَابِهِ أَنّ الْقِتَالَ فِي الشّهْرِ
الْحَرَامِ كَمَا كَانَ وَأَنّ الّذِي يَسْتَحِلّونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ
أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ مِنْ صَدّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ حَتّى يُعَذّبُوهُمْ
وَيَحْبِسُوهُمْ أَنْ يُهَاجِرُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَكُفْرِهِمْ بِاَللّهِ وَصَدّهِمْ الْمُسْلِمِينَ عَنْ الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ فِي الْحَجّ وَالْعُمْرَةِ وَفِتْنَتِهِمْ إيّاهُمْ عَنْ الدّينِ
وَيَقُولُ وَالْفِتْنَةُ أَشَدّ مِنَ الْقَتْلِ قَالَ عَنَى بِهِ إِسَافَ
وَنَائِلَةَ فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ فَوَدَى
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ ،
وَحَرّمَ الشّهْرَ الْحَرَامَ كَمَا كَانَ يُحَرّمُهُ حَتّى أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
( بَرَاءَةٌ
) .
فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ
عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ كُرَيْبٍ ، قَالَ سَأَلْت ابْنَ عَبّاسٍ :
هَلْ وَدَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 19 ] ابْنَ
الْحَضْرَمِيّ ؟ قَالَ لَا . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَالْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا
أَنّهُ لَمْ يُودَ . وَفِي تِلْكَ السّرِيّةِ سُمّيَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ حَدّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو مَعْشَرٍ .
تَسْمِيَةُ مَنْ خَرَجَ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
فِي سَرِيّتِهِ ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، وَأَبُو
حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَوَاقِدُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَخَالِدُ بْنُ أَبِي
الْبَكِيرِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، وَلَمْ
يَشْهَدَا الْوَاقِعَةَ . وَيُقَالُ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ وَيُقَالُ كَانُوا
ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَالثّابِتُ عِنْدَنَا ثَمَانِيَةٌ .بَدْرُالْقِتَالِ قَالَ
وَلَمّا تَحَيّنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْصِرَافَ
الْعِيرِ مِنْ الشّامِ ، نَدَبَ أَصْحَابَهُ لِلْعِيرِ وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ وَسَعِيدَ بْنَ
زَيْدٍ ، قَبْلَ خُرُوجِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ بِعَشْرِ لَيَالٍ يَتَحَسّسَانِ
خَبَرَ الْعِيرِ حَتّى نَزَلَا عَلَى كَشَدٍ الْجُهَنِيّ بِالنّخْبَارِ مِنْ
الْحَوْرَاءِ - وَالنّخْبَارُ مِنْ وَرَاءِ ذِي الْمَرْوَةِ عَلَى السّاحِلِ -
فَأَجَارَهُمَا ، وَأَنْزَلَهُمَا ، وَلَمْ يَزَالَا مُقِيمَيْنِ عِنْدَهُ فِي
خِبَاءٍ حَتّى مَرّتْ الْعِيرُ فَرَفَعَ طَلْحَةُ وَسَعِيدٌ عَلَى نَشَزٍ مِنْ
الْأَرْضِ فَنَظَرَا إلَى الْقَوْمِ وَإِلَى مَا تَحْمِلُ الْعِيرُ وَجَعَلَ
أَهْلُ الْعِيرِ يَقُولُونَ يَا كَشَدُ [ ص 20 ] هَلْ رَأَيْت أَحَدًا مِنْ
عُيُونِ مُحَمّدٍ ؟ فَيَقُولُ أَعُوذُ بِاَللّهِ . وَأَنّى عُيُونُ مُحَمّدٍ
بِالنّخْبَارِ ؟ فَلَمّا رَاحَتْ الْعِيرُ بَاتَا حَتّى أَصْبَحَا ثُمّ خَرَجَا .
وَخَرَجَ مَعَهُمَا كَشَدٌ خَفِيرًا ، حَتّى
أَوْرَدَهُمَا ذَا الْمَرْوَةِ . وَسَاحَلَتْ الْعِيرُ فَأَسْرَعَتْ وَسَارُوا
اللّيْلَ وَالنّهَارَ فَرَقًا مِنْ الطّلَبِ . فَقَدِمَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ
اللّهِ وَسَعِيدٌ الْمَدِينَةَ الْيَوْمَ الّذِي لَاقَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَدْرٍ ، فَخَرَجَا يَعْتَرِضَانِ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَقِيَاهُ بِتُرْبَانَ - وَتُرْبَانُ بَيْنَ مَلَلٍ وَالسّيَالَةِ
عَلَى الْمَحَجّةِ ، وَكَانَتْ مَنْزِلَ ابْنِ أُذَيْنَةَ الشّاعِرِ . وَقَدِمَ
كَشَدٌ بَعْدَ ذَلِكَ . فَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعِيدٌ
وَطَلْحَةُ إجَارَتَهُ إيّاهُمَا ، فَحَيّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَكْرَمَهُ وَقَالَ أَلَا أَقْطَعُ لَك يَنْبُعَ ؟ فَقَالَ
إنّي كَبِيرٌ وَقَدْ نَفِدَ عُمْرِي ، وَلَكِنْ أَقْطِعْهَا لِابْنِ أَخِي . فَقَطَعَهَا
لَهُ .
قَالُوا :
وَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ وَهَذِهِ عِيرُ قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُهُمْ ، لَعَلّ
اللّهَ يُغْنِمكُمُوهَا فَأَسْرَعَ مَنْ أَسْرَعَ حَتّى إنْ كَانَ الرّجُلُ
لَيُسَاهِمُ أَبَاهُ فِي الْخُرُوجِ فَكَانَ مِمّنْ سَاهَمَ سَعْدُ بْنُ
خَيْثَمَةَ وَأَبُوهُ فِي الْخُرُوجِ إلَى بَدْرٍ ، فَقَالَ سَعْدٌ لِأَبِيهِ
إنّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْجَنّةِ آثَرْتُك بِهِ إنّي لَأَرْجُو الشّهَادَةَ فِي
وَجْهِي هَذَا فَقَالَ خَيْثَمَةُ آثِرْنِي ، وَقِرْ مَعَ نِسَائِك فَأَبَى سَعْدٌ
فَقَالَ خَيْثَمَةُ إنّهُ لَا بُدّ لِأَحَدِنَا مِنْ أَنْ يُقِيمَ . فَاسْتَهَمَا ،
فَخَرَجَ سَهْمُ سَعْدٍ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ .
وَأَبْطَأَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ كَرِهُوا [ ص 21 ] خُرُوجَهُ وَكَانَ
فِيهِ كَلَامٌ كَثِيرٌ وَاخْتِلَافٌ
. وَكَانَ مَنْ تَخَلّفَ لَمْ يُلَمْ لِأَنّهُمْ مَا خَرَجُوا
عَلَى قِتَالٍ وَإِنّمَا خَرَجُوا لِلْعِيرِ . وَتَخَلّفَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ
نِيّاتِ وَبَصَائِرَ لَوْ ظَنّوا أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ مَا تَخَلّفُوا . وَكَانَ
مِمّنْ تَخَلّفَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ أُسَيْدُ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي سَرّك وَأَظْهَرَك
عَلَى عَدُوّك وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ مَا تَخَلّفْت عَنْك رَغْبَةً
بِنَفْسِي عَنْ نَفْسِك ، وَلَا ظَنَنْت أَنّك تُلَاقِي عَدُوّا ، وَلَا ظَنَنْت
إلّا أَنّهَا الْعِيرُ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ صَدَقْت وَكَانَتْ أَوّلَ غَزْوَةٍ أَعَزّ اللّهُ فِيهَا الْإِسْلَامَ
وَأَذَلّ فِيهَا أَهْلَ الشّرْكِ .
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِمَنْ مَعَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ ، ثُمّ نَزَلَ
بِالْبُقْعِ وَهِيَ بُيُوتُ السّقْيَا -
الْبُقْعُ نَقْبُ بَنِي دِينَارٍ بِالْمَدِينَةِ ،
وَالسّقْيَا مُتّصِلٌ بِبُيُوتِ الْمَدِينَةِ - يَوْمَ الْأَحَدِ لِاثْنَتَيْ
عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ .
فَضَرَبَ عَسْكَرَهُ هُنَاكَ وَعَرَضَ الْمُقَاتِلَةَ
فَعَرَضَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَرَافِعُ بْنُ
خَدِيجٍ ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ، وَأُسَيْدُ بْنُ ظَهِيرٍ ، وَزَيْدُ بْنُ
أَرْقَمَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَرَدّهُمْ وَلَمْ يُجِزْهُمْ .فَحَدّثَنِي أَبُو
بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ
رَأَيْت أَخِي عُمَيْرَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَنَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَوَارَى ، فَقُلْت : مَا لَك يَا أَخِي
؟ قَالَ إنّي أَخَافُ أَنْ يَرَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَيَسْتَصْغِرَنِي فَيَرُدّنِي ، وَأَنَا أُحِبّ الْخُرُوجَ لَعَلّ
اللّهَ يَرْزُقُنِي الشّهَادَةَ . قَالَ فَعُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَصْغَرَهُ فَقَالَ ارْجِعْ فَبَكَى عُمَيْرٌ فَأَجَازَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَكَانَ سَعْدٌ يَقُولُ كُنْت
أَعْقِدُ لَهُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ مِنْ صِغَرِهِ فَقُتِلَ بِبَدْرٍ وَهُوَ ابْنُ
سِتّ عَشْرَةَ سَنَةً .
[ ص 22
] فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَالَ
حَدّثَنِي عَيّاشُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ الْأَشْجَعِيّ أَنّ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ بِئْرِهِمْ
يَوْمَئِذٍ وَشَرِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَاءِ
بِئْرِهِمْ . فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
أَبِي عَمْرٍو ، أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ أَوّلَ مَنْ
شَرِبَ مِنْ بِئْرِهِمْ ذَلِكَ الْيَوْمَ . حَدّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
مُحَمّدٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنّ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُسْتَعْذَبُ لَهُ مِنْ بُيُوتِ
السّقْيَا بَعْدَ ذَلِكَ .
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ الْمَقْبُرِيّ ،
عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى عِنْدَ بُيُوتِ السّقْيَا ، وَدَعَا
يَوْمَئِذٍ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ اللّهُمّ إنّ إبْرَاهِيمَ عَبْدُك
وَخَلِيلُك وَنَبِيّك ، دَعَاك لِأَهْلِ مَكّةَ وَإِنّي مُحَمّدٌ عَبْدُك
وَنَبِيّك ، أَدْعُوَك لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ، أَنْ تُبَارِكَ لَهُمْ فِي
صَاعِهِمْ وَمُدّهِمْ وَثِمَارِهِمْ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ ،
وَاجْعَلْ مَا بِهَا مِنْ الْوَبَاءِ بِخُمّ اللّهُمّ إنّي قَدْ حَرّمْت مَا بَيْنَ
لَابَتَيْهَا كَمَا حَرّمَ إبْرَاهِيمُ خَلِيلُك مَكّةَ وَخُمّ عَلَى مِيلَيْنِ
مِنْ الْجُحْفَةِ
قَالُوا :
وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ وَبَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بُيُوتِ
السّقْيَا . قَالُوا : وَجَاءَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ [ ص
23 ] لَقَدْ
سَرّنِي مَنْزِلُك هَذَا ، وَعَرْضُك فِيهِ أَصْحَابَك ، وَتَفَاءَلْت بِهِ إنّ
هَذَا مَنْزِلُنَا - بَنِي سَلَمَةَ - حَيْثُ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ أَهْلِ
حُسَيْكَةَ مَا كَانَ - حُسَيْكَةُ الذّبَابِ ، وَالذّبَابُ جَبَلٌ بِنَاحِيَةِ
الْمَدِينَةِ ، كَانَ بِحُسَيْكَةَ يَهُودَ وَكَانَ لَهُمْ بِهَا مَنَازِلُ
كَثِيرَةٌ - فَعَرَضْنَا هَاهُنَا أَصْحَابَنَا ، فَأَجَزْنَا مَنْ كَانَ يُطِيقُ
السّلَاحَ وَرَدَدْنَا مَنْ صَغُرَ عَنْ حَمْلِ السّلَاحِ ثُمّ سِرْنَا إلَى
يَهُودِ حُسَيْكَةَ وَهُمْ أَعَزّ يَهُودَ كَانُوا يَوْمَئِذٍ فَقَتَلْنَاهُمْ
كَيْفَ شِئْنَا ، فَذَلّتْ لَنَا سَائِرُ يَهُودَ إلَى الْيَوْمِ وَأَنَا أَرْجُو
يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ نَلْتَقِيَ نَحْنُ وَقُرَيْش ٌ ، فَيُقِرّ اللّهُ عَيْنَك
مِنْهُمْ .
وَكَانَ خَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ يَقُولُ
لَمّا كَانَ مِنْ النّهَارِ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بِخُرْبَى ، فَقَالَ لَهُ
أَبُوهُ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ :
مَا ظَنَنْت إلّا أَنّكُمْ قَدْ سِرْتُمْ فَقَالَ إنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْرِضُ النّاسَ بِالْبُقْعِ .
قَالَ عَمْرٌو : نِعْمَ الْفَأْلُ وَاَللّهِ إنّي
لَأَرْجُو أَنْ تَغْنَمُوا وَأَنْ تَظْفَرُوا بِمُشْرِكِي قُرَيْشٍ إنّ هَذَا
مَنْزِلُنَا يَوْمَ سِرْنَا إلَى حُسَيْكَةَ . قَالَ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ غَيّرَ اسْمَهُ وَسَمّاهُ السّقْيَا . قَالَ
فَكَانَتْ فِي نَفْسِي أَنْ أَشْتَرِيَهَا ، حَتّى اشْتَرَاهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقّاصٍ بِبِكْرَيْنِ وَيُقَالُ بِسَبْعِ أَوَاقٍ . قَالَ فَذُكِرَ لِلنّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ سَعْدًا اشْتَرَاهَا ، فَقَالَ رَبِحَ
الْبَيْعُ
قَالُوا :
وَرَاحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَشِيّةَ الْأَحَدِ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا ، لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ
رَمَضَانَ . وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ
وَثَمَانِيَةٌ تَخَلّفُوا فَضَرَبَ لَهُمْ بِسِهَامِهِمْ وَأُجُورِهِمْ .
وَكَانَتْ الْإِبِلُ سَبْعِينَ بَعِيرًا [ ص 24 ] وَكَانُوا يَتَعَاقَبُونَ الْإِبِلَ
الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ . فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ
وَمَرْثَدٌ - وَيُقَالُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَكَانَ مَرْثَدٍ - يَتَعَاقَبُونَ
بَعِيرًا وَاحِدًا . وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَزَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ ، وَأَبُو كَبْشَةَ ، وَأَنَسَةُ مَوْلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَعِيرٍ .
وَكَانَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَالطّفَيْلُ
وَالْحُصَيْنُ ابْنَا الْحَارِثِ وَمِسْطَحُ بْنُ أَثَاثَةَ عَلَى بَعِيرٍ
لِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ نَاضِحٍ ابْتَاعَهُ مِنْ ابْنِ أَبِي دَاوُدَ
الْمَازِنِيّ . وَكَانَ مُعَاذٌ وَعَوْفٌ وَمُعَوّذٌ بَنُو عَفْرَاءَ ،
وَمَوْلَاهُمْ أَبُو الْحَمْرَاءِ عَلَى بَعِيرٍ وَكَانَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ ، وَعُمَارَةُ
بْنُ حَزْمٍ ، وَحَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ عَلَى بَعِيرٍ وَكَانَ خِرَاشُ بْنُ
الصّمّةَ ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو
بْنِ حَرَامٍ عَلَى بَعِيرٍ وَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ ، وَطُلَيْبُ بْنُ
عُمَيْرٍ عَلَى جَمَلٍ لِعُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ يُقَالُ لَهُ الْعُبَيْسُ .
وَكَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ
حَرْمَلَةَ ، وَمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعٍ عَلَى جَمَلٍ لِمُصْعَبٍ وَكَانَ عَمّارُ
بْنُ يَاسِرٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ عَلَى بَعِيرٍ وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
كَعْبٍ وَأَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيّ ، وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ عَلَى جَمَلٍ
لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ وَكَانَ عُثْمَانُ وَقُدَامَةُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
مَظْعُونٍ ، وَالسّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ عَلَى بَعِيرٍ يَتَعَاقَبُونَ وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى بَعِيرٍ وَكَانَ
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَأَخُوهُ وَابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ،
وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسٍ عَلَى جَمَلٍ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ نَاضِحٍ يُقَالُ
لَهُ الذّيّالُ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ ،
وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَرَافِعُ بْنُ يَزِيدَ وَالْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ عَلَى
نَاضِحٍ لِسَعْدِ بْنِ زَيْدٍ مَا تَزَوّدَ إلّا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ .[ ص 25 ]
فَحَدّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ خَرَجْت مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَدْرٍ ،
وَكَانَ كُلّ ثَلَاثَةٍ يَتَعَاقَبُونَ بَعِيرًا ، فَكُنْت أَنَا وَأَخِي خَلّادُ
بْنُ رَافِعٍ عَلَى بَكْرٍ لَنَا ، وَمَعَنَا عُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرٍ ،
فَكُنّا نَتَعَاقَبُ . فَسِرْنَا حَتّى إذَا كُنّا بِالرّوْحَاءِ ، أَذَمّ بِنَا بَكْرُنَا
، فَبَرَكَ عَلَيْنَا ، وَأَعْيَا ، فَقَالَ أَخِي : اللّهُمّ إنّ لَك عَلَيّ
نَذْرًا ، لَئِنْ رَدَدْتنَا إلَى الْمَدِينَةِ لَأَنْحَرَنهُ .
قَالَ فَمَرّ بِنَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَنَحْنُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللّهِ بَرَكَ
عَلَيْنَا بَكْرُنَا . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ وَتَوَضّأَ فِي إنَاءٍ ثُمّ قَالَ افْتَحَا فَاهُ
فَفَعَلْنَا ، ثُمّ صَبّهُ فِي فِيهِ ثُمّ عَلَى رَأْسِهِ ثُمّ عَلَى عُنُقِهِ
ثُمّ عَلَى حَارِكِهِ ثُمّ عَلَى سَنَامِهِ ثُمّ عَلَى عَجُزِهِ ثُمّ عَلَى
ذَنَبِهِ ثُمّ قَالَ ارْكَبَا وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَلَحِقْنَاهُ أَسْفَلَ الْمُنْصَرَفِ وَإِنّ بَكْرَنَا لَيَنْفِرُ بِنَا
، حَتّى إذَا كُنّا بِالْمُصَلّى رَاجِعِينَ مِنْ بَدْرٍ بَرَكَ عَلَيْنَا ،
فَنَحَرَهُ أَخِي ، فَقَسّمَ لَحْمَهُ وَتَصَدّقَ بِهِ . وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ
حَمَلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فِي بَدْرٍ عَلَى عِشْرِينَ جَمَلًا .
فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، [
ص 26 ] قَالَ خَرَجْنَا إلَى بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَنَا سَبْعُونَ بَعِيرًا ، فَكَانُوا
يَتَعَاقَبُونَ الثّلَاثَةُ وَالْأَرْبَعَةُ وَالِاثْنَانِ عَلَى بَعِيرٍ . وَكُنْت أَنَا
مِنْ أَعْظَمِ أَصْحَابِ النّبِيّ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ عَنْهُ غِنَاءً أَرْجَلَهُمْ
رُجْلَةً وَأَرْمَاهُمْ بِسَهْمٍ لَمْ أَرْكَبْ خُطْوَةً ذَاهِبًا وَلَا رَاجِعًا .
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حِينَ فَصَلَ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا :
اللّهُمّ إنّهُمْ حُفَاةٌ فَاحْمِلْهُمْ وَعُرَاةٌ
فَاكْسُهُمْ وَجِيَاعٌ فَأَشْبِعْهُمْ وَعَالَةٌ فَأَغْنِهِمْ مِنْ فَضْلِك قَالَ
فَمَا رَجَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ إلّا وَجَدَ ظَهْرًا ،
لِلرّجُلِ الْبَعِيرُ وَالْبَعِيرَانِ وَاكْتَسَى مَنْ كَانَ عَارِيًا ،
وَأَصَابُوا طَعَامًا مِنْ أَزْوَادِهِمْ وَأَصَابُوا فِدَاءَ الْأَسْرَى
فَأَغْنَى بِهِ كُلّ عَائِلٍ . وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَلَى الْمُشَاةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ - وَاسْمُ أَبِي صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ
زَيْدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولٍ -
وَأَمَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حِينَ فَصَلَ مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا أَنْ يَعُدّ الْمُسْلِمِينَ . فَوَقَفَ
لَهُمْ بِبِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ فَعَدّهُمْ ثُمّ أَخْبَرَ النّبِيّ عَلَيْهِ
الصّلَاةُ وَالسّلَامُ
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مِنْ بُيُوتِ السّقْيَا حَتّى سَلَكَ بَطْنَ الْعَقِيقِ ، ثُمّ سَلَكَ طَرِيقَ
الْمُكْتَمِنِ حَتّى خَرَجَ عَلَى بَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ ، فَنَزَلَ تَحْتَ
شَجَرَةٍ هُنَاكَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى
حِجَارٍ فَبَنَى تَحْتَهَا مَسْجِدًا ، فَصَلّى فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَصْبَحَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فَهُوَ هُنَاكَ وَأَصْبَحَ
بِبَطْنِ مَلَلٍ وَتُرْبَانَ ; بَيْنَ الْحَفِيرَةِ وَمَلَلٍ . وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقّاصٍ : لَمّا كُنّا بِتُرْبَانَ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا سَعْدُ اُنْظُرْ إلَى الظّبْيِ . قَالَ فَأُفَوّقُ لَهُ
بِسَهْمٍ [ ص 27 ] وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَوَضَعَ ذَقَنَهُ بَيْنَ مَنْكِبَيّ وَأُذُنَيّ ثُمّ قَالَ ارْمِ اللّهُمّ سَدّدْ
رَمْيَتَهُ قَالَ فَمَا أَخْطَأَ سَهْمِي عَنْ نَحْرِهِ . قَالَ فَتَبَسّمَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ وَخَرَجْت أَعْدُو ، فَأَجِدُهُ
وَبِهِ رَمَقٌ فَذَكّيْته فَحَمَلْنَاهُ حَتّى نَزَلْنَا قَرِيبًا ، فَأَمَرَ بِهِ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُسِمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ .
حَدّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمّدُ بْنُ بِجَادٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ سَعْدٍ . قَالُوا : وَكَانَ مَعَهُمْ فَرَسَانِ فَرَسٌ لِمَرْثَدِ بْنِ أَبِي
مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ ، وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ
حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ . وَيُقَالُ فَرَسٌ لِلزّبَيْرِ . وَلَمْ يَكُنْ إلّا فَرَسَانِ
وَلَا اخْتِلَافَ عِنْدَنَا أَنّ الْمِقْدَادَ لَهُ فَرَسٌ .
حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَمّتِهِ عَنْ
أَبِيهَا ، عَنْ ضِبَاعَةَ بِنْتِ الزّبَيْرِ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو ،
قَالَ كَانَ مَعِي فَرَسٌ يَوْمَ بَدْرٍ يُقَالُ لَهُ سَبْحَةُ . وَحَدّثَنِي
سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الْغَنَوِيّ ، عَنْ آبَائِهِ قَالَ شَهِدَ مَرْثَدُ بْنُ
أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ يَوْمَئِذٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ السّيْلُ .
قَالُوا : وَلَحِقَتْ قُرَيْشٌ بِالشّامِ فِي عِيرِهَا ، وَكَانَتْ الْعِيرُ أَلْفَ
بَعِيرٍ وَكَانَتْ فِيهَا أَمْوَالٌ عِظَامٌ وَلَمْ يَبْقَ بِمَكّةَ قُرَشِيّ
وَلَا قُرَشِيّةٌ لَهُ مِثْقَالٌ فَصَاعِدًا ، إلّا بَعَثَ بِهِ فِي الْعِيرِ
حَتّى إنّ الْمَرْأَةَ لَتَبْعَثُ بِالشّيْءِ التّافِهِ . فَكَانَ يُقَالُ إنّ فِيهَا
لَخَمْسِينَ أَلْفَ دِينَارٍ ، وَقَالُوا أَقَلّ وَإِنْ كَانَ لَيُقَالُ إنّ
أَكْثَرَ مَا فِيهَا مِنْ الْمَالِ لِآلِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ - أَبِي أُحَيْحَةَ
- إمّا مَالٌ لَهُمْ أَوْ مَالٌ مَعَ قَوْمٍ قِرَاضٌ عَلَى النّصْفِ فَكَانَتْ
عَامّةُ الْعِيرِ لَهُمْ . وَيُقَالُ كَانَ لِبَنِي مَخْزُومٍ فِيهَا مِائَتَا
بَعِيرٍ و [ خَمْسَةٌ أَوْ ] أَرْبَعَةُ آلَافِ مِثْقَالِ ذَهَبٍ وَكَانَ يُقَالُ
لِلْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ فِيهَا أَلْفُ مِثْقَالٍ وَكَانَ
لِأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ أَلْفَا مِثْقَالٍ .[ ص 28 ] فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ
عُمَارَةَ بْنِ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ كَانَتْ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ فِيهَا
عَشْرَةُ آلَافِ مِثْقَالٍ وَكَانَ مَتْجَرُهُمْ إلَى غَزّةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ
، وَكَانَتْ عِيرَاتُ بُطُونِ قُرَيْشٍ فِيهَا - يَعْنِي الْعِيرَ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِي
عَوْنٍ مَوْلَى الْمِسْوَرِ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ لَمّا لَحِقْنَا
بِالشّامِ أَدْرَكَنَا رَجُلٌ مِنْ جُذَامٍ ، فَأَخْبَرَنَا أَنّ مُحَمّدًا كَانَ
عَرَضَ لِعِيرِنَا فِي بَدْأَتِنَا ، وَأَنّهُ تَرَكَهُ مُقِيمًا يَنْتَظِرُ
رَجْعَتَنَا . قَدْ حَالَفَ عَلَيْنَا أَهْلَ الطّرِيقِ وَوَادَعَهُمْ . قَالَ
مَخْرَمَةُ فَخَرَجْنَا خَائِفِينَ نَخَافُ الرّصَدَ فَبَعَثْنَا ضَمْضَمَ بْنَ
عَمْرٍو حِينَ فَصَلْنَا مِنْ الشّامِ . وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُحَدّثُ
يَقُولُ لَمّا كُنّا بِالزّرْقَاءِ - وَالزّرْقَاءُ بِالشّامِ بِنَاحِيَةِ مَعَانَ
مِنْ أَذْرِعَاتٍ عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ - وَنَحْنُ مُنْحَدِرُونَ إلَى مَكّةَ ، لَقِينَا
رِجَالًا مِنْ جُذَامٍ ، فَقَالَ قَدْ كَانَ عَرَضَ مُحَمّدٌ لَكُمْ فِي
بَدْأَتِكُمْ فِي أَصْحَابِهِ .
فَقُلْنَا :
مَا شَعَرْنَا قَالَ بَلَى ، فَأَقَامَ شَهْرًا ثُمّ
رَجَعَ إلَى يَثْرِبَ ، وَأَنْتُمْ يَوْمَ عَرَضَ مُحَمّدٌ لَكُمْ مُخْفُونَ
فَهُوَ الْآنَ أَحْرَى أَنْ يَعْرِضَ لَكُمْ إنّمَا يَعُدّ لَكُمْ الْأَيّامَ
عَدّا ، فَاحْذَرُوا عَلَى عِيرِكُمْ وَارْتَأَوْا آرَاءَكُمْ فَوَاَللّهِ مَا
أَرَى مِنْ عَدَدٍ وَلَا كُرَاعَ وَلَا حَلْقَةٍ . فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ
فَبَعَثُوا ضَمْضَمًا ، وَكَانَ فِي الْعِيرِ وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ مَرّتْ بِهِ
وَهُوَ بِالسّاحِلِ مَعَ بُكْرَانِ لَهُ فَاسْتَأْجَرُوهُ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا
. وَأَمَرَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يُخْبِرَ قُرَيْشًا أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ
لِعِيرِهِمْ وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْدَعَ بَعِيرَهُ إذَا دَخَلَ وَيُحَوّلَ رَحْلَهُ
وَيَشُقّ قَمِيصَهُ مِنْ قُبُلِهِ وَدُبُرِهِ وَيَصِيحَ الْغَوْثَ الْغَوْثَ
وَيُقَالُ إنّمَا بَعَثُوهُ مِنْ تَبُوكَ . وَكَانَ فِي الْعِيرِ ثَلَاثُونَ
رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ
نَوْفَلٍ .
[ ص 29
] قَالُوا : وَقَدْ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ قَبْلَ ضَمْضَمَ بْنِ عَمْرٍو رُؤْيَا رَأَتْهَا فَأَفْزَعَتْهَا ،
وَعَظُمَتْ فِي صَدْرِهَا . فَأَرْسَلَتْ إلَى أَخِيهَا الْعَبّاسِ فَقَالَتْ يَا
أَخِي ، قَدْ رَأَيْت وَاَللّهِ رُؤْيَا اللّيْلَةَ أَفْظَعْتهَا ، وَتَخَوّفْت
أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِك مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ فَاكْتُمْ عَلَيّ أُحَدّثْك
مِنْهَا .
قَالَتْ رَأَيْت رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ حَتّى
وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ ، ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا آلَ غُدَرَ انْفِرُوا إلَى
مَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ فَصَرَخَ بِهَا ثَلَاثَ مَرّاتٍ فَأَرَى النّاسَ
اجْتَمَعُوا إلَيْهِ ثُمّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ إذْ مَثَلَ
بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ، فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا ثَلَاثًا ، ثُمّ
مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ ، ثُمّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا
ثَلَاثًا . ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً مِنْ أَبِي قُبَيْسٍ فَأَرْسَلَهَا ، فَأَقْبَلَتْ
تَهْوِي حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضّتْ فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ
مِنْ بُيُوتِ مَكّةَ ، وَلَا دَارٌ مِنْ دُورِ مَكّةَ ، إلّا دَخَلَتْهُ مِنْهَا فِلْذَةٌ
. فَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُحَدّثُ فَيَقُولُ لَقَدْ رَأَيْت كُلّ هَذَا ،
وَلَقَدْ رَأَيْت فِي دَارِنَا فِلْقَةً مِنْ الصّخْرَةِ الّتِي انْفَلَقَتْ مِنْ
أَبِي قُبَيْسٍ فَلَقَدْ كَانَ ذَلِكَ عِبْرَةً وَلَكِنّ اللّهَ لَمْ يُرِدْ أَنْ
نُسْلِمَ يَوْمَئِذٍ لَكِنّهُ أَخّرَ إسْلَامَنَا إلَى مَا أَرَادَ .
قَالُوا :
وَلَمْ يَدْخُلْ دَارًا وَلَا بَيْتًا مِنْ دُورِ بَنِي
هَاشِمٍ وَلَا بَنِي زُهْرَةَ مِنْ تِلْكَ الصّخْرَةِ شَيْءٌ . قَالُوا : فَقَالَ
أَخُوهَا : إنّ هَذِهِ لَرُؤْيَا فَخَرَجَ مُغْتَمّا حَتّى لَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ
عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا ، فَذَكَرَهَا لَهُ
وَاسْتَكْتَمَهُ فَفَشَا الْحَدِيثُ فِي النّاسِ . قَالَ فَغَدَوْت أَطُوفُ
بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلٍ فِي رَهْطٍ - 30ْ - مِنْ قُرَيْشٍ يَتَحَدّثُونَ
قُعُودًا بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ مَا رَأَتْ عَاتِكَةُ هَذِهِ
فَقُلْت : وَمَا ذَاكَ ؟ فَقَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَمَا رَضِيتُمْ
أَنْ يَتَنَبّأَ رِجَالُكُمْ حَتّى تَتَنَبّأَ نِسَاؤُكُمْ ؟ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ
أَنّهَا رَأَتْ فِي الْمَنَامِ كَذَا وَكَذَا - الّذِي رَأَتْ - فَسَنَتَرَبّصُ
بِكُمْ ثَلَاثًا ، فَإِنْ يَكُ مَا قَالَتْ حَقّا فَسَيَكُونُ وَإِنْ مَضَتْ
الثّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ نَكْتُبْ عَلَيْكُمْ أَنّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي
الْعَرَبِ .
فَقَالَ يَا مُصَفّرَ اسْتِهِ أَنْتَ أَوْلَى
بِالْكَذِبِ وَاللّؤْمِ مِنّا قَالَ أَبُو جَهْلٍ إنّا اسْتَبَقْنَا الْمَجْدَ
وَأَنْتُمْ فَقُلْتُمْ فِينَا السّقَايَةُ فَقُلْنَا : لَا نُبَالِي ، تَسْقُونَ الْحَاجّ
ثُمّ قُلْتُمْ فِينَا الْحِجَابَةُ فَقُلْنَا : لَا نُبَالِي ، تَحْجُبُونَ
الْبَيْتَ ثُمّ قُلْتُمْ فِينَا النّدْوَةُ فَقُلْنَا : لَا نُبَالِي ، تَلُونَ
الطّعَامَ وَتُطْعِمُونَ النّاسَ ثُمّ قُلْتُمْ فِينَا الرّفَادَةُ فَقُلْنَا :
لَا نُبَالِي ، تَجْمَعُونَ عِنْدَكُمْ مَا تَرْفِدُونَ بِهِ الضّعِيفَ فَلَمّا
أَطْعَمْنَا النّاسَ وَأَطْعَمْتُمْ وَازْدَحَمَتْ الرّكْبُ وَاسْتَبَقْنَا
الْمَجْدَ فَكُنّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ قُلْتُمْ مِنّا نَبِيّ ثُمّ قُلْتُمْ مِنّا
نَبِيّةٌ فَلَا وَاَللّاتِي وَالْعُزّى ، لَا كَانَ هَذَا أَبَدًا قَالَ
فَوَاَللّهِ مَا كَانَ مِنّي مِنْ غِيَرٍ إلّا أَنّي جَحَدْت ذَلِكَ وَأَنْكَرْت
أَنْ تَكُونَ عَاتِكَةُ رَأَتْ شَيْئًا .
فَلَمّا أَمْسَيْت لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ أَصَابَتْهَا
وِلَادَةُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا جَاءَتْ فَقُلْنَ رَضِيتُمْ بِهَذَا الْفَاسِقِ
الْخَبِيثِ يَقَعُ فِي رِجَالِكُمْ ثُمّ قَدْ تَنَاوَلَ نِسَاءَكُمْ وَأَنْتَ
تَسْمَعُ وَلَمْ يَكُنْ لَك عِنْدَ ذَلِكَ غَيْرَةٌ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا فَعَلْت
إلّا مَا لَا بَالَ بِهِ . وَاَللّهِ لَأَعْتَرِضَن لَهُ غَدًا ، فَإِنْ عَادَ
لَأَكْفِيكُمُوهُ . فَلَمّا أَصْبَحُوا مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ الّذِي رَأَتْ فِيهِ
عَاتِكَةُ مَا رَأَتْ قَالَ أَبُو جَهْلٍ هَذَا يَوْمٌ ثُمّ الْغَدُ قَالَ أَبُو
جَهْلٍ هَذَانِ يَوْمَانِ فَلَمّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ قَالَ أَبُو
جَهْلٍ هَذِهِ ثَلَاثَةُ أَيّامٍ مَا بَقِيَ
[ ص 31
] قَالَ وَغَدَوْت فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ وَأَنَا
حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أَرَى أَنْ قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبّ أَنْ أُدْرِكَهُ
وَأَذْكُرَ مَا أَحْفَظَتْنِي النّسَاءُ بِهِ مِنْ مَقَالَتِهِنّ لِي مَا قُلْنَ
فَلِلّهِ إنّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ -
وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا ، حَدِيدَ الْوَجْهِ ، حَدِيدَ
اللّسَانِ حَدِيدَ النّظَرِ - إذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ بَنِي سَهْمٍ يَشْتَدّ ،
فَقُلْت : مَا بَالُهُ لَعَنَهُ اللّهُ ؟ أَكُلّ هَذَا فَرْقًا مِنْ أَنْ
أُشَاتِمَهُ ؟ فَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ صَوْتَ ضَمْضَمَ بْنِ عَمْرٍو وَهُوَ
يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، يَا آلَ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ، اللّطِيمَةَ قَدْ
عَرَضَ لَهَا مُحَمّدٌ فِي أَصْحَابِهِ الْغَوْثَ ، الْغَوْثَ وَاَللّهِ مَا أَرَى
أَنْ تُدْرِكُوهَا وَضَمْضَمُ يُنَادِي بِذَلِكَ بِبَطْنِ الْوَادِي ، قَدْ جَدَعَ
أُذُنَيْ بَعِيرِهِ وَشَقّ قَمِيصَهُ قُبُلًا وَدُبُرًا ، وَحَوّلَ رَحْلَهُ .
وَكَانَ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتنِي قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكّةَ وَإِنّي لَأَرَى
فِي النّوْمِ وَأَنَا عَلَى رَاحِلَتِي ، كَأَنّ وَادِيَ مَكّةَ يَسِيلُ مِنْ
أَعْلَاهُ إلَى أَسْفَلِهِ دَمًا ، فَاسْتَيْقَظْت فَزِعًا مَذْعُورًا ،
وَكَرِهْتهَا لِقُرَيْشٍ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنّهَا مُصِيبَةٌ فِي أَنْفُسِهِمْ
. وَكَانَ
يُقَالُ إنّ الّذِي نَادَى يَوْمَئِذٍ إبْلِيسُ تَصَوّرَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ
بْنِ جُعْشُمٍ فَسَبَقَ ضَمْضَمًا فَأَنْفَرَهُمْ إلَى عِيرِهِمْ ثُمّ جَاءَ
ضَمْضَمٌ بَعْدَهُ .
فَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ يَقُولُ مَا رَأَيْت
أَعْجَبَ مِنْ أَمْرِ ضَمْضَمٍ قَطّ ، وَمَا صَرَخَ عَلَى لِسَانِهِ إلّا
شَيْطَانٌ إنّهُ لَمْ يُمَلّكْنَا مِنْ أُمُورِنَا شَيْئًا حَتّى نَفَرْنَا عَلَى
الصّعْبِ وَالذّلُولِ .
وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَقُولُ مَا كَانَ الّذِي
جَاءَنَا فَاسْتَنْفَرَنَا إلَى الْعِيرِ إنْسَانٌ إنْ هُوَ إلّا شَيْطَانٌ
فَقِيلَ كَيْفَ يَا أَبَا خَالِدٍ ؟ فَقَالَ إنّي لَأَعْجَبُ مِنْهُ مَا مَلّكَنَا
مِنْ أُمُورِنَا شَيْئًا
قَالُوا :
وَتَجَهّزَ النّاسُ وَشُغِلَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ
وَكَانَ النّاسُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إمّا خَارِجٍ وَإِمّا بَاعِثٍ مَكَانَهُ
رَجُلًا . فَأَشْفَقَتْ قُرَيْشٌ لِرُؤْيَا عَاتِكَةَ ، وَسُرّتْ بَنُو هَاشِمٍ .
وَقَالَ قَائِلُهُمْ كَلَا ، زَعَمْتُمْ أَنّا كَذَبْنَا وَكَذَبَتْ عَاتِكَةُ
فَأَقَامَتْ قُرَيْشٌ ثَلَاثَةً تَتَجَهّزُ وَيُقَالُ يَوْمَيْنِ وَأَخْرَجَتْ
قُرَيْشٌ أَسْلِحَتَهَا - 32ْ -
وَاشْتَرَوْا سِلَاحًا ، وَأَعَانَ قَوِيّهُمْ
ضَعِيفَهُمْ .
وَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي رِجَالٍ مِنْ
قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، هَذَا مُحَمّدٌ وَالصّبَاةُ مَعَهُ مِنْ
شُبّانِكُمْ وَأَهْلُ يَثْرِبَ ، قَدْ عَرَضُوا لِعِيرِكُمْ وَلَطِيمَةِ قُرَيْشٍ
- وَاللّطِيمَةُ التّجَارَةُ . قَالَ أَبُو الزّنَادِ : اللّطِيمَةُ جَمِيعُ مَا حَمَلَتْ
الْإِبِلُ لِلتّجَارَةِ . وَقَالَ غَيْرُهُ اللّطِيمَةُ الْعِطْرُ خَاصّةً - فَمَنْ
أَرَادَ ظَهْرًا فَهَذَا ظَهْرٌ وَمَنْ أَرَادَ قُوّةً فَهَذِهِ قُوّةٌ . وَقَامَ زَمَعَةُ
بْنُ الْأَسْوَدِ فَقَالَ إنّهُ وَاَللّاتِي وَالْعُزّى ، مَا نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ
أَعْظَمُ مِنْ هَذَا ، إنْ طَمِعَ مُحَمّدٌ وَأَهْلُ يَثْرِبَ أَنْ يَعْتَرِضُوا
لِعِيرِكُمْ فِيهَا حَرَائِبُكُمْ فَأَوْعِبُوا ، وَلَا يَتَخَلّفْ مِنْكُمْ
أَحَدٌ ، وَمَنْ كَانَ لَا قُوّةَ لَهُ فَهَذِهِ قُوّةٌ وَاَللّهِ لَئِنْ
أَصَابَهَا مُحَمّدٌ لَا يَرُوعُكُمْ بِهِمْ إلّا وَقَدْ دَخَلُوا عَلَيْكُمْ .
وَقَالَ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّهُ وَاَللّهِ مَا
نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ أَجَلّ مِنْ هَذَا ، أَنْ تُسْتَبَاحَ عِيرُكُمْ وَلَطِيمَةُ
قُرَيْشٍ ، فِيهَا أَمْوَالُكُمْ وَحَرَائِبُكُمْ . وَاَللّهِ
مَا أَعْلَمُ رَجُلًا وَلَا امْرَأَةً مِنْ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَهُ نَشّ
فَصَاعِدًا إلّا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْعِيرِ فَمَنْ كَانَ لَا قُوّةَ بِهِ فَعِنْدَنَا
قُوّةٌ نَحْمِلُهُ وَنُقَوّيهِ . فَحَمَلَ عَلَى عِشْرِينَ بَعِيرًا ، وَقَوّاهُمْ
وَخَلَفَهُمْ فِي أَهْلِهِمْ بِمَعُونَةٍ .
وَقَامَ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَعَمْرُو
بْنُ أَبِي سُفْيَانَ فَحَرّضَا النّاسَ عَلَى الْخُرُوجِ وَلَمْ يَدْعُوَا إلَى
قُوّةٍ وَلَا حُمْلَانٍ . فَقِيلَ لَهُمَا : أَلَا تَدْعُوَانِ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ
قَوْمُكُمَا مِنْ الْحُمْلَانِ ؟ فَقَالَا : وَاَللّهِ مَا لَنَا مَالٌ وَمَا
الْمَالُ إلّا لِأَبِي سُفْيَانَ . وَمَشَى نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ
إلَى أَهْلِ الْقُوّةِ [ ص 33 ] مِنْ قُرَيْشٍ ، فَكَلّمَهُمْ فِي بَذْلِ
النّفَقَةِ وَالْحُمْلَانِ لِمَنْ خَرَجَ فَكَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي
رَبِيعَةَ فَقَالَ هَذِهِ خَمْسُمِائَةِ دِينَارٍ ، فَضَعْهَا حَيْثُ رَأَيْت .
وَكَلّمَ حُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَتَيْ دِينَارٍ
أَوْ ثَلَثَمِائَةٍ ثُمّ قَوّى بِهِمَا السّلَاحَ وَالظّهْرَ .
قَالُوا :
وَكَانَ لَا يَتَخَلّفُ أَحَدٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا
بَعَثَ مَكَانَهُ بَعِيثًا ، فَمَشَتْ قُرَيْشٌ إلَى أَبِي لَهَبٍ فَقَالُوا :
إنّك سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ ، وَإِنّك إنْ تَخَلّفْت عَنْ النّفِيرِ
يَعْتَبِرُ بِك غَيْرُك مِنْ قَوْمِك ، فَاخْرُجْ أَوْ ابْعَثْ أَحَدًا . فَقَالَ
وَاَللّاتِي وَالْعُزّى لَا أَخْرُجُ وَلَا أَبْعَثُ أَحَدًا فَجَاءَهُ أَبُو
جَهْلٍ فَقَالَ قُمْ أَبَا عُتْبَةَ فَوَاَللّهِ مَا خَرَجْنَا إلّا غَضَبًا
لِدِينِك وَدِينِ آبَائِك وَخَافَ أَبُو جَهْلٍ أَنْ يُسْلِمَ أَبُو لَهَبٍ
فَسَكَتَ أَبُو لَهَبٍ فَلَمْ يَخْرُجْ وَلَمْ يَبْعَثْ وَمَا مَنَعَ أَبَا لَهَبٍ
أَنْ يَخْرُجَ إلّا إشْفَاقٌ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ ، فَإِنّهُ كَانَ يَقُولُ
إنّمَا رُؤْيَا عَاتِكَةَ أَخْذٌ بِالْيَدِ . وَيُقَالُ إنّهُ بَعَثَ مَكَانَهُ
الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَالَ
اُخْرُجْ وَدَيْنِي لَك فَخَرَجَ عَنْهُ .
قَالُوا :
وَأَخْرَجَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ دُرُوعًا لَهُمَا ،
وَنَظَرَ إلَيْهِمَا عَدّاسٌ وَهُمَا يُصْلِحَانِ دُرُوعَهُمَا وَآلَةَ
حَرْبِهِمَا ، فَقَالَ مَا تُرِيدَانِ ؟ قَالَا : أَلَمْ تَرَ إلَى الرّجُلِ
الّذِي أَرْسَلْنَاك إلَيْهِ بِالْعِنَبِ فِي كَرْمِنَا بِالطّائِفِ ؟ قَالَ
نَعَمْ . قَالَا : نَخْرُجُ فَنُقَاتِلُهُ . فَبَكَى وَقَالَ لَا تَخْرُجَا ،
فَوَاَللّهِ إنّهُ لَنَبِيّ فَأَبَيَا فَخَرَجَا ، وَخَرَجَ مَعَهُمَا فَقُتِلَ
بِبَدْرٍ مَعَهُمَا .قَالُوا : وَاسْتَقْسَمَتْ قُرَيْشٌ بِالْأَزْلَامِ عِنْدَ هُبَلَ
لِلْخُرُوجِ فَاسْتَقْسَمَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ عِنْدَ
هُبَلَ بِالْآمِرِ وَالنّاهِي ، فَخَرَجَ الْقَدَحُ النّاهِي لِلْخُرُوجِ
فَأَجْمَعُوا الْمُقَامَ حَتّى أَزْعَجَهُمْ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ مَا
اسْتَقْسَمْت [ ص 34 ] وَلَا نَتَخَلّفُ عَنْ عِيرِنَا وَلَمّا تَوَجّهَ زَمَعَةُ
بْنُ الْأَسْوَدِ خَارِجًا ، وَكَانَ بِذِي طُوًى ، أَخْرَجَ قِدَاحَهُ
فَاسْتَقْسَمَ بِهَا ، فَخَرَجَ النّاهِي لِلْخُرُوجِ فَلَقِيَ غَيْظًا ، ثُمّ
أَعَادَهَا الثّانِيَةَ فَخَرَجَ مِثْلُ ذَلِكَ فَكَسَرَهَا ، وَقَالَ مَا رَأَيْت
كَالْيَوْمِ قِدَاحًا أَكْذَبَ مِنْ هَذِهِ وَمَرّ بِهِ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو
وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَالَ مَا لِي أَرَاك غَضْبَانَ يَا أَبَا حُكَيْمَةَ
؟ فَأَخْبَرَهُ زَمَعَةُ فَقَالَ امْضِ عَنْك أَيّهَا الرّجُلُ وَمَا أَكْذَبَ
مِنْ هَذِهِ الْقِدَاحِ قَدْ أَخْبَرَنِي عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مِثْلَ الّذِي
أَخْبَرْتنِي أَنّهُ لَقِيَهُ . ثُمّ مَضَيَا عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ .
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ
حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ أَبُو
سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِضَمْضَمٍ إذَا قَدِمْت عَلَى قُرَيْشٍ فَقُلْ لَهَا لَا
تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ .
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ
، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ سَمِعْت حَكِيمَ
بْنَ حِزَامٍ يَقُولُ مَا وَجّهْت وَجْهًا قَطّ كَانَ أَكْرَهَ لِي مِنْ مَسِيرِي
إلَى بَدْرٍ ، وَلَا بَانَ لِي فِي وَجْهٍ قَطّ مَا بَانَ لِي قَبْلَ أَنْ
أَخْرُجَ . ثُمّ يَقُولُ قَدِمَ ضَمْضَمٌ فَصَاحَ بِالنّفِيرِ فَاسْتَقْسَمْت
بِالْأَزْلَامِ كُلّ ذَلِكَ يَخْرُجُ الّذِي أَكْرَهُ ثُمّ خَرَجْت عَلَى ذَلِكَ
حَتّى نَزَلْنَا مَرّ الظّهْرَانِ .
فَنَحَرَ ابْنُ الْحَنْظَلِيّةِ جُزُرًا ، فَكَانَتْ
جَزُورٌ مِنْهَا بِهَا حَيَاةٌ فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ
إلّا أَصَابَهُ مِنْ دَمِهَا ، فَكَانَ هَذَا بَيّنًا . ثُمّ هَمَمْت بِالرّجُوعِ
ثُمّ أَذْكُرُ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ وَشُؤْمَهُ فَيَرُدّنِي حَتّى مَضَيْت
لِوَجْهِي . [ ص 35 ] فَكَانَ حَكِيمٌ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتنَا حِينَ بَلَغْنَا
الثّنِيّةَ الْبَيْضَاءَ - وَالثّنِيّةُ الْبَيْضَاءُ الّتِي تُهْبِطُكَ عَلَى
فَخّ وَأَنْتَ مُقْبِلٌ مِنْ الْمَدِينَةِ - إذَا عَدّاسٌ جَالِسٌ عَلَيْهَا وَالنّاسُ
يَمُرّونَ إذْ مَرّ عَلَيْهِ ابْنَا رَبِيعَةَ ، فَوَثَبَ إلَيْهِمَا فَأَخَذَ بِأَرْجُلِهِمَا
فِي غَرْزِهِمَا ، وَهُوَ يَقُولُ بِأَبِي وَأُمّي أَنْتُمَا ، وَاَللّهِ إنّهُ
رَسُولُ اللّهِ وَمَا تُسَاقَانِ إلّا إلَى مَصَارِعِكُمَا وَإِنّ عَيْنَيْهِ
لَتَسِيلُ دُمُوعُهُمَا عَلَى خَدّيْهِ فَأَرَدْت أَنْ أَرْجِعَ أَيْضًا ، ثُمّ
مَضَيْت . وَمَرّ بِهِ الْعَاصُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، فَوَقَفَ
عَلَيْهِ حِينَ وَلّى عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ فَقَالَ مَا يُبْكِيك ؟ فَقَالَ
يُبْكِينِي سَيّدَايَ وَسَيّدَا أَهْلِ الْوَادِي ، يَخْرُجَانِ إلَى
مَصَارِعِهِمَا ، وَيُقَاتِلَانِ رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَ الْعَاصُ وَإِنّ مُحَمّدًا
رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالَ فَانْتَفَضَ عَدّاسٌ انْتِفَاضَةً وَاقْشَعَرّ جِلْدُهُ
ثُمّ بَكَى وَقَالَ إي وَاَللّهِ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ إلَى النّاسِ كَافّةً .
قَالَ فَأَسْلَمَ الْعَاصُ بْنُ مُنَبّهٍ ، ثُمّ مَضَى
وَهُوَ عَلَى الشّكّ حَتّى قُتِلَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى شَكّ وَارْتِيَابٍ .
وَيُقَالُ رَجَعَ عَدّاسٌ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا ، وَيُقَالُ شَهِدَ بَدْرًا
وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ - وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا .قَالُوا : وَخَرَجَ
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا قَبْلَ بَدْرٍ فَنَزَلَ عَلَى أُمَيّةَ بْنِ
خَلَفٍ ، فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ أَتَنْزِلُ هَذَا ، وَقَدْ آوَى
مُحَمّدًا وَآذَنّا بِالْحَرْبِ ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : قُلْ مَا شِئْت ،
أَمَا إنّ طَرِيقَ عِيرِكُمْ عَلَيْنَا .
قَالَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ : مَهْ لَا تَقُلْ هَذَا
لِأَبِي الْحَكَمِ فَإِنّهُ سَيّدُ أَهْلِ الْوَادِي قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ :
وَأَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أُمَيّةُ أَمَا وَاَللّهِ لَسَمِعْت مُحَمّدًا
يَقُولُ لَأَقْتُلَن أُمَيّةَ بْنَ خَلَف قَالَ أُمَيّةُ أَنْتَ سَمِعْته ؟ قَالَ
قُلْت : نَعَمْ . - 36ْ - قَالَ فَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ فَلَمّا جَاءَ النّفِيرُ أَبَى
أُمَيّةُ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهُمْ إلَى بَدْرٍ ، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي
مُعَيْطٍ وَأَبُو جَهْلٍ . وَمَعَ عُقْبَةَ مِجْمَرَةٌ فِيهَا بَخُورٌ وَمَعَ أَبِي
جَهْلٍ مُكْحُلَةٌ وَمِرْوَدٌ . فَأَدْخَلَهَا عُقْبَةُ تَحْتَهُ وَقَالَ تَبَخّرْ
. فَإِنّمَا أَنْتَ امْرَأَةٌ وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ اكْتَحِلْ . فَإِنّمَا أَنْتَ
امْرَأَةٌ قَالَ أُمَيّةُ ابْتَاعُوا لِي أَفْضَلَ بَعِيرٍ فِي الْوَادِي . فَابْتَاعُوا
لَهُ جَمَلًا بِثَلَاثِمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ نَعَمِ بَنِي قُشَيْرٍ فَغَنِمَهُ
الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ . فَصَارَ فِي سَهْمِ خُبَيْبِ بْنِ يَسَافٍ
.قَالُوا : وَمَا كَانَ أَحَدٌ مِمّنْ خَرَجَ إلَى الْعِيرِ أَكْرَهَ لِلْخُرُوجِ
مِنْ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ . وَقَالَ لَيْتَ قُرَيْشًا تَعْزِمُ عَلَى
الْقُعُودِ وَأَنّ مَالِي فِي الْعِيرِ تَلِفَ وَمَالَ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ
أَيْضًا .
فَيُقَالُ إنّك سَيّدٌ مِنْ سَادَاتِهَا ، أَفَلَا
تَزَعَهَا عَنْ الْخُرُوجِ ؟ قَالَ إنّي أَرَى قُرَيْشًا قَدْ أَزْمَعَتْ عَلَى
الْخُرُوجِ وَلَا أَرَى أَحَدًا بِهِ طِرْقٌ تَخَلّفَ إلّا مِنْ عِلّةٍ وَأَنَا
أَكْرَهُ خِلَافَهَا ، وَمَا أُحِبّ أَنْ تَعْلَمَ قُرَيْشٌ مَا أَقُولُ الْآنَ . مَعَ أَنّ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ
رَجُلٌ مَشْئُومٌ عَلَى قَوْمِهِ مَا أَعْلَمُهُ إلّا يُحْرِزُ قَوْمَهُ أَهْلَ
يَثْرِبَ . وَلَقَدْ قَسَمَ مَالًا مِنْ مَالِهِ بَيْنَ وَلَدِهِ
وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ أَنّهُ لَا يَرْجِعُ إلَى مَكّةَ
. وَجَاءَهُ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو ، وَكَانَتْ لِلْحَارِثِ عِنْدَهُ أَيَادٍ .
فَقَالَ أَبَا عَامِرٍ رَأَيْت رُؤْيَا كَرِهْتهَا ، وَإِنّي كَالْيَقْظَانِ عَلَى
رَاحِلَتِي ، وَأَرَى كَأَنّ وَادِيَكُمْ يَسِيلُ دَمًا مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى
أَعْلَاهُ . قَالَ الْحَارِثُ مَا خَرَجَ أَحَدٌ وَجْهًا مِنْ الْوُجُوهِ أَكْرَهَ
لَهُ مِنْ وَجْهِي هَذَا . قَالَ يَقُولُ ضَمْضَمٌ لَهُ وَاَللّهِ إنّي لَأَرَى
أَنْ تَجْلِسَ . فَقَالَ الْحَارِثُ لَوْ سَمِعْت هَذَا مِنْك [ ص 37 ] قَبْلَ
أَنْ أَخْرُجَ مَا سِرْت خُطْوَةً فَاطْوِ هَذَا الْخَبَرَ أَنْ تَعْلَمَهُ
قُرَيْشٌ ، فَإِنّهَا تَتّهِمُ كُلّ مَنْ عَوّقَهَا عَنْ الْمَسِيرِ . وَكَانَ ضَمْضَمٌ
قَدْ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ لِلْحَارِثِ بِبَطْنِ يَأْجَجَ .قَالُوا : وَكَرِهَتْ
قُرَيْشٌ - أَهْلُ الرّأْيِ مِنْهُمْ -
الْمَسِيرَ وَمَشَى بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ وَكَانَ مِنْ
أَبْطَئِهِمْ عَنْ ذَلِكَ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ،
وَعُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَأَبُو
الْبَخْتَرِيّ وَعَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبّهٍ ،
حَتّى بَكّتَهُمْ أَبُو جَهْلٍ بِالْجُبْنِ - وَأَعَانَهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي
مُعَيْطٍ ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ - فِي الْخُرُوجِ فَقَالُوا : هَذَا
فِعْلُ النّسَاءِ فَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ . وَقَالَتْ قُرَيْشٌ : لَا تَدَعُوا
أَحَدًا مِنْ عَدُوّكُمْ خَلْفَكُمْ .
قَالُوا :
وَمِمّا اُسْتُدِلّ بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ الْحَارِثِ
بْنِ عَامِرٍ لِلْخُرُوجِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ أَنّهُ مَا عَرَضَ رَجُلٌ
مِنْهُمْ حُمْلَانًا ، وَلَا حَمَلُوا أَحَدًا مِنْ النّاسِ . وَإِنْ كَانَ الرّجُلُ لَيَأْتِيهِمْ
حَلِيفًا أَوْ عَدِيدًا وَلَا قُوّةَ لَهُ فَيَطْلُبُ الْحُمْلَانَ مِنْهُمْ فَيَقُولُونَ
إنْ كَانَ لَك مَالٌ فَأَحْبَبْت أَنْ تَخْرُجَ فَافْعَلْ وَإِلّا فَأَقِمْ حَتّى
كَانَتْ قُرَيْشٌ تَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُمْ .
فَلَمّا أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرُوا الّذِي
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَخَافُوهُمْ عَلَى مَنْ
تَخَلّفَ وَكَانَ أَشَدّهُمْ خَوْفًا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، فَكَانَ يَقُولُ
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ وَإِنْ ظَفِرْتُمْ بِاَلّذِي تُرِيدُونَ فَإِنّا
[ ص 38 ] لَا نَأْمَنُ عَلَى مَنْ تَخَلّفَ إنّمَا تَخَلّفَ نِسَاءٌ وَذُرّيّةٌ .
وَمَنْ لَا طَعْمَ بِهِ فَارْتَأَوْا آرَاءَكُمْ فَتَصَوّرَ لَهُمْ إبْلِيسُ فِي
صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيّ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ .
قَدْ عَرَفْتُمْ شَرَفِي وَمَكَانِي فِي قَوْمِي ; أَنَا لَكُمْ جَارٍ أَنْ
تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ . فَطَابَتْ نَفْسُ عُتْبَةَ
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ فَمَا تُرِيدُ ؟ هَذَا سَيّدُ كِنَانَةَ وَهُوَ لَنَا جَارٍ
عَلَى مَنْ تَخَلّفَ . فَقَالَ عُتْبَةُ لَا شَيْءَ أَنَا خَارِجٌ وَكَانَ الّذِي
بَيْنَ بَنِي كِنَانَة َ وَقُرَيْش ٍ فِيمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ فِرَاسٍ
اللّيْثِيّ ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ زَيْدٍ اللّيْثِيّ
أَنّ ابْنًا لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أَحَدِ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ
خَرَجَ يَبْغِي ضَالّةً لَهُ وَهُوَ غُلَامٌ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ وَعَلَيْهِ
حُلّةٌ وَكَانَ غُلَامًا وَضِيئًا ، فَمَرّ بِعَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ
بْنِ الْمُلَوّحِ بْنِ يَعْمُرَ ، وَكَانَ بِضَجْنَانَ ، فَقَالَ مَنْ أَنْتَ يَا
غُلَامُ ؟ قَالَ ابْنٌ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ . فَقَالَ يَا بَنِي بَكْرٍ ، لَكُمْ فِي
قُرَيْشٍ دَمٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ .
قَالَ مَا كَانَ رَجُلٌ يَقْتُلُ هَذَا بِرَجُلِهِ إلّا
اسْتَوْفَى . فَأَتْبَعَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقَتَلَهُ بِدَمٍ كَانَ لَهُ فِي
قُرَيْشٍ . فَتَكَلّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ ، فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ قَدْ كَانَتْ
لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ فَمَا شِئْتُمْ ؟ فَإِنْ شِئْتُمْ فَأَدّوا مَا لَنَا قِبَلَكُمْ
وَنُؤَدّي إلَيْكُمْ مَا كَانَ فِينَا ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنّمَا هُوَ الدّمُ
رَجُلٌ بِرَجُلٍ وَإِنْ شِئْتُمْ فَتَجَافَوْا عَنّا فِيمَا قِبَلَنَا ،
وَنَتَجَافَى عَنْكُمْ فِيمَا قِبَلَكُمْ . فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَلَى
قُرَيْشٍ ، وَقَالُوا : صَدَقَ رَجُلٌ بِرَجُلٍ فَلَهَوْا عَنْهُ أَنْ يَطْلُبُوا
بِدَمِهِ .
فَبَيْنَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ بِمَرّ
الظّهْرَانِ ، إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ سَيّدُ بَنِي بَكْرٍ
عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَلَمّا رَآهُ قَالَ مَا أَطْلُبُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ [ ص 39
] وَأَنَاخَ
بَعِيرَهُ وَهُوَ مُتَوَشّحٌ بِسَيْفِهِ فَعَلَاهُ بِهِ حَتّى قَتَلَهُ ثُمّ أَتَى
مَكّةَ مِنْ اللّيْلِ فَعَلّقَ سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ الّذِي قَتَلَهُ بِأَسْتَارِ
الْكَعْبَةِ ، فَلَمّا أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ
فَعَرَفُوا أَنّ مِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ قَتَلَهُ وَكَانَ يُسْمَعُ مِنْ مِكْرَزٍ
فِي ذَلِكَ قَوْلُ . وَجَزِعَتْ بَنُو بَكْرٍ مِنْ قَتْلِ سَيّدِهَا ، فَكَانَتْ
مُعِدّةً لِقَتْلِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ ، سَيّدَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ مِنْ
سَادَاتِهَا .
فَجَاءَ النّفِيرُ وَهُمْ عَلَى هَذَا مِنْ الْأَمْرِ
فَخَافُوهُمْ عَلَى مَنْ تَخَلّفَ بِمَكّةَ مِنْ ذَرَارِيّهِمْ فَلَمّا قَالَ
سُرَاقَةُ مَا قَالَ وَهُوَ يَنْطِقُ بِلِسَانِ إبْلِيسَ شَجُعَ الْقَوْمُ
وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ سِرَاعًا . وَخَرَجُوا بِالْقِيَانِ وَالدّفَافِ سَارّةِ
مَوْلَاةِ عَمْرِو بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعَزّةَ مَوْلَاةِ الْأَسْوَدِ
بْنِ الْمُطّلِبِ وَمَوْلَاةِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، يُغَنّينَ فِي كُلّ مَنْهَلٍ
وَيَنْحَرُونَ الْجُزُرَ . وَخَرَجُوا بِالْجَيْشِ يَتَقَاذَفُونَ بِالْحِرَابِ
وَخَرَجُوا بِتِسْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ مُقَاتِلًا ، وَقَادُوا مِائَةَ فَرَسٍ
بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ كَمَا ذَكَرَ اللّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَلَا
تَكُونُوا كَالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ إلَى
آخِرِ الْآيَةِ .
وَأَبُو جَهْلٍ يَقُولُ أَيَظُنّ مُحَمّدٌ أَنْ يُصِيبَ
مِنّا مَا أَصَابَ بِنَخْلَةَ وَأَصْحَابُهُ ؟ سَيَعْلَمُ أَنَمْنَعُ عِيرَنَا
أَمْ لَا وَكَانَتْ الْخَيْلُ لِأَهْلِ الْقُوّةِ مِنْهُمْ وَكَانَ فِي بَنِي
مَخْزُومٍ مِنْهَا ثَلَاثُونَ فَرَسًا ، وَكَانَتْ الْإِبِلُ سَبْعَمِائَةِ
بَعِيرٍ وَكَانَ أَهْلُ الْخَيْلِ كُلّهُمْ دَارِعٌ . وَكَانُوا مِائَةً وَكَانَ
فِي الرّجّالَةِ دُرُوعٌ سِوَى ذَلِكَ .
قَالُوا :
وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ وَخَافُوا
خَوْفًا شَدِيدًا حِينَ دَنَوْا مِنْ الْمَدِينَةِ وَاسْتَبْطَئُوا ضَمْضَمًا
وَالنّفِيرَ . فَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي يُصْبِحُونَ فِيهَا عَلَى مَاءِ
بَدْرٍ ، [ ص 40 ] جَعَلَتْ الْعِيرُ تُقْبِلُ بِوَجْهِهَا إلَى مَاءِ بَدْرٍ .
وَكَانُوا بَاتُوا مِنْ وَرَاءِ بَدْرٍ آخِرَ لَيْلَتِهِمْ وَهُمْ عَلَى أَنْ
يُصْبِحُوا بَدْرًا إنْ لَمْ يَعْتَرِضْ لَهُمْ فَمَا أَقَرّتْهُمْ الْعِيرُ حَتّى
ضَرَبُوهَا بِالْعُقُلِ عَلَى أَنّ بَعْضَهَا لَيُثْنَى بِعِقَالَيْنِ وَتُرَجّعُ
الْحَنِينَ تَوَارُدًا إلَى مَاءِ بَدْرٍ ، وَمَا بِهَا إلَى الْمَاءِ حَاجَةٌ
لَقَدْ شَرِبَتْ بِالْأَمْسِ . وَجَعَلَ أَهْلُ الْعِيرِ يَقُولُونَ إنّ هَذَا شَيْءٌ مَا
صَنَعَتْهُ مُنْذُ خَرَجْنَا قَالُوا :
وَغَشِيَتْنَا تِلْكَ اللّيْلَةَ ظُلْمَةٌ حَتّى مَا نُبْصِرُ
شَيْئًا .وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ وَرَدَا
عَلَى مَجْدِي بَدْرًا يَتَحَسّسَانِ الْخَبَرَ ، فَلَمّا نَزَلَا مَاءَ بَدْرٍ
أَنَاخَا رَاحِلَتَيْهِمَا إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ ثُمّ أَخَذَا
أَسْقِيَتَهُمَا يَسْتَقِيَانِ مِنْ الْمَاءِ فَسَمِعَا جَارِيَتَيْنِ مِنْ
جَوَارِي جُهَيْنَةَ يُقَالُ لِإِحْدَاهُمَا بَرْزَةُ وَهِيَ تَلْزَمُ
صَاحِبَتَهَا فِي دِرْهَمٍ كَانَ لَهَا عَلَيْهَا ، وَصَاحِبَتُهَا تَقُولُ إنّمَا
الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ قَدْ نَزَلَتْ الرّوْحَاءَ . وَمَجْدِي بْنُ عَمْرٍو يَسْمَعُهَا
فَقَالَ صَدَقَتْ فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ بَسْبَسُ وَعَدِيّ انْطَلَقَا رَاجِعِينَ
إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى لَقِيَاهُ بِعِرْقِ
الظّبْيَةِ فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ .
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ
أَخْبَرَنَا كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ ،
عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ وَكَانَ أَحَدَ الْبَكّائِينَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ سَلَكَ فَجّ الرّوْحَاءِ مُوسَى
النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ
وَصَلّوْا فِي الْمَسْجِدِ الّذِي بِعِرْقِ الظّبْيَةِ - وَهِيَ مِنْ الرّوْحَاءِ
عَلَى مِيلَيْنِ مِمّا يَلِي الْمَدِينَةَ إذَا خَرَجْت عَلَى يَسَارِك .
فَأَصْبَحَ أَبُو سُفْيَانَ تِلْكَ اللّيْلَةَ بِبَدْرٍ
قَدْ تَقَدّمَ الْعِيرَ وَهُوَ خَائِفٌ [ ص 41 ] مِنْ الرّصَدِ فَقَالَ يَا
مَجْدِي ، هَلْ أَحْسَسْت أَحَدًا ؟ تَعْلَمُ وَاَللّهِ مَا بِمَكّةَ مِنْ
قُرَشِيّ وَلَا قُرَشِيّةٍ لَهُ نَشّ فَصَاعِدًا - وَالنّشّ نِصْفُ أُوقِيّةٍ
وَزْنُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا - إلّا وَقَدْ بَعَثَ بِهِ مَعَنَا ، وَلَئِنْ
كَتَمْتنَا شَأْنَ عَدُوّنَا لَا يُصَالِحُك رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ مَا بَلّ بَحْرٌ
صُوفَةً . فَقَالَ مَجْدِي : وَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا أُنْكِرُهُ وَلَا
بَيْنَك وَبَيْنَ يَثْرِبَ مِنْ عَدُوّ وَلَوْ كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَهَا عَدُوّ
لَمْ يَخْفَ عَلَيْنَا . وَمَا كُنْت لَأُخْفِيهِ عَلَيْك ، إلّا أَنّي قَدْ
رَأَيْت رَاكِبَيْنِ أَتَيَا إلَى هَذَا الْمَكَانِ - فَأَشَارَ إلَى مُنَاخِ
عَدِيّ وَبَسْبَسٍ - فَأَنَاخَا بِهِ ثُمّ اسْتَقَيَا بِأَسْقِيَتِهِمَا ، ثُمّ انْصَرَفَا
.
فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهُمَا ، فَأَخَذَ
أَبْعَارًا مِنْ بَعِيرَيْهِمَا فَفَتّهُ فَإِذَا فِيهِ نَوَى ، فَقَالَ هَذِهِ
وَاَللّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ ، هَذِهِ عُيُونُ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ مَا أَرَى
الْقَوْمَ إلّا قَرِيبًا فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ فَسَاحَلَ بِهَا ، وَتَرَكَ
بَدْرًا يَسَارًا ، وَانْطَلَقَ سَرِيعًا .وَأَقْبَلَتْ قُرَيْش ٌ مِنْ مَكّةَ
يَنْزِلُونَ كُلّ مَنْهَلٍ يُطْعِمُونَ الطّعَامَ مَنْ أَتَاهُمْ وَيَنْحَرُونَ
الْجُزُرَ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ فِي مَسِيرِهِمْ إذْ تَخَلّفَ عُتْبَةُ
وَشَيْبَةُ وَهُمَا يَتَحَدّثَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَلَمْ تَرَ إلَى
رُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ لَقَدْ خَشِيت مِنْهَا . قَالَ
الْآخَرُ فَاذْكُرْهَا فَذَكَرَهَا ، فَأَدْرَكَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ مَا تُحَدّثَانِ
بِهِ ؟ قَالَا : نَذْكُرُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ . فَقَالَ يَا عَجَبًا مِنْ بَنِي
عَبْدِ الْمُطّلِبِ لَمْ تَرْضَ أَنْ تَتَنَبّأَ عَلَيْنَا رِجَالُهُمْ حَتّى
تَتَنَبّأَ عَلَيْنَا النّسَاءُ أَمَا وَاَللّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى مَكّةَ
لَنَفْعَلَنّ بِهِمْ وَلَنَفْعَلَنّ قَالَ عُتْبَةُ إنّ لَهُمْ أَرْحَامًا ،
وَقَرَابَةً قَرِيبَةً . قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ هَلْ لَك أَنْ تَرْجِعَ ؟
قَالَ أَبُو جَهْلٍ أَتَرْجِعَانِ بَعْدَ مَا سِرْتُمَا
، فَتَخْذُلَانِ قَوْمَكُمَا ، وَتَقْطَعَانِ بِهِمْ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمْ
ثَأْرَكُمْ بِأَعْيُنِكُمْ ؟ أَتَظُنّانِ أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ [ ص 42 ] يُلَاقُونَكُمَا
؟ كَلّا وَاَللّهِ أَلَا فَوَاَللّهِ إنّ مَعِي مِنْ قَوْمِي مِائَةً وَثَمَانِينَ
مِنْ أَهْلِ بَيْتِي ، يَحِلّونَ إذَا حَلَلْت ، وَيَرْحَلُونَ إذَا رَحَلْت ، فَارْجِعَا
إنْ شِئْتُمَا قَالَا : وَاَللّهِ لَقَدْ هَلَكْت وَأَهْلَكْت قَوْمَك ثُمّ قَالَ
عُتْبَةُ لِأَخِيهِ شَيْبَةَ هَذَا رَجُلٌ مَشْئُومٌ - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ - وَإِنّهُ لَا يَمَسّهُ
مِنْ قَرَابَةِ مُحَمّدٍ مَا يَمَسّنَا ، مَعَ أَنّ مُحَمّدًا مَعَهُ الْوَلَدُ
فَارْجِعْ بِنَا وَدَعْ قَوْلَهُ قَالَ شَيْبَةُ تَكُونُ وَاَللّهِ سُبّةٌ
عَلَيْنَا يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَنْ نَرْجِعَ الْآنَ بَعْدَ مَا سِرْنَا فَمَضَيَا
. ثُمّ انْتَهَوْا إلَى الْجُحْفَةِ عِشَاءً فَنَامَ جُهَيْمُ بْنُ الصّلْتِ بْنِ
مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَقَالَ إنّي أَرَى أَنّي بَيْنَ
النّائِمِ وَالْيَقْظَانِ أَنْظُرُ إلَى رَجُلٍ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مَعَهُ
بَعِيرٌ حَتّى وَقَفَ عَلَيّ فَقَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ
بْنُ رَبِيعَةَ ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَأَبُو
الْبَخْتَرِيّ وَأَبُو الْحَكَمِ ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ فِي رِجَالٍ
سَمّاهُمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَفَرّ
الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَخِيهِ .
قَالَ يَقُولُ قَائِلٌ مِنْهُمْ وَاَللّهِ إنّي
لَأَظُنّكُمْ الّذِينَ تَخْرُجُونَ إلَى مَصَارِعِكُمْ قَالَ ثُمّ أَرَاهُ ضَرَبَ
فِي لَبّةِ بَعِيرِهِ فَأَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ
أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلّا أَصَابَهُ بَعْضُ دَمِهِ . فَذَكَرَ ذَلِكَ لِأَبِي
جَهْلٍ وَشَاعَتْ هَذِهِ الرّؤْيَا فِي الْعَسْكَرِ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ هَذَا
نَبِيّ آخَرُ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ ، سَيَعْلَمُ غَدًا مَنْ الْمَقْتُولُ نَحْنُ
أَوْ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ لِجُهَيْمٍ إنّمَا يَلْعَبُ بِك
الشّيْطَانُ فِي مَنَامِك ، فَسَتَرَى غَدًا خِلَافَ مَا تَرَى ، يُقْتَلُ
أَشْرَافُ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَيُؤْسَرُونَ .
قَالَ فَخَلَا عُتْبَةُ بِأَخِيهِ فَقَالَ هَلْ لَك فِي
الرّجُوعِ ؟ فَهَذِهِ الرّؤْيَا مِثْلُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ ، وَمِثْلُ قَوْلِ
عَدّاسٍ ، وَاَللّهِ مَا كَذَبَنَا عَدّاسٌ ، وَلِعَمْرِي لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ
كَاذِبًا إنّ فِي الْعَرَبِ لَمَنْ [ ص 43 ] يَكْفِينَاهُ وَلَئِنْ كَانَ صَادِقًا
إنّا لَأَسْعَدِ الْعَرَبِ بِهِ إنّا لَلُحْمَتُهُ . قَالَ شَيْبَةُ هُوَ عَلَى مَا تَقُولُ
أَفَنَرْجِعُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ ؟ فَجَاءَ أَبُو جَهْلٍ وَهُمَا
عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ مَا تُرِيدَانِ ؟ قَالَا : الرّجُوعَ أَلَا تَرَى إلَى
رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَإِلَى رُؤْيَا جُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ مَعَ قَوْلِ عَدّاسٍ
لَنَا ؟ فَقَالَ تَخْذُلَانِ وَاَللّهِ قَوْمَكُمَا ، وَتَقْطَعَانِ بِهِمْ . قَالَا : هَلَكْت
وَاَللّهِ وَأَهْلَكْت قَوْمَك فَمَضَيَا عَلَى ذَلِكَ .
فَلَمّا أَفْلَتَ أَبُو سُفْيَانَ بِالْعِيرِ وَرَأَى
أَنْ قَدْ أَجْزَرَهَا ، أَرْسَلَ إلَى قُرَيْشٍ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ -
وَكَانَ مَعَ أَصْحَابِ الْعِيرِ خَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ مَكّةَ - فَأَرْسَلَهُ
أَبُو سُفْيَانَ يَأْمُرُهُمْ بِالرّجُوعِ وَيَقُولُ قَدْ نَجَتْ عِيرُكُمْ فَلَا
تُجْزِرُوا أَنْفُسَكُمْ أَهْلَ يَثْرِبَ ، فَلَا حَاجَةَ لَكُمْ فِيمَا وَرَاءَ
ذَلِكَ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَقَدْ نَجّاهَا
اللّهُ . فَإِنْ أَبَوْا عَلَيْك ، فَلَا يَأْبَوْنَ خَصْلَةً وَاحِدَةً يَرُدّونَ الْقِيَانَ
فَإِنّ الْحَرْبَ إذَا أَكَلَتْ نَكَلَتْ . فَعَالَجَ قُرَيْشًا وَأَبَتْ
الرّجُوعَ وَقَالُوا : أَمّا الْقِيَانُ فَسَنَرُدّهُنّ فَرَدّوهُنّ مِنْ
الْجُحْفَةِ .وَلَحِقَ الرّسُولُ أَبَا سُفْيَان َ بِالْهَدّةِ - وَالْهَدّةُ عَلَى
سَبْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ عَقَبَةِ عُسْفَانَ عَلَى تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ مِيلًا
مِنْ مَكّةَ - فَأَخْبَرَهُ بِمُضِيّ قُرَيْش ٍ ، فَقَالَ وَاقَوْمَاه هَذَا عَمَلُ
عَمْرِو بْنِ هِشَامٍ كَرِهَ أَنْ يَرْجِعَ لِأَنّهُ قَدْ تَرَأّسَ عَلَى النّاسِ
وَبَغَى ، وَالْبَغْيُ مَنْقَصَةٌ وَشُؤْمٌ . إنْ أَصَابَ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ
النّفِيرَ ذَلَلْنَا إلَى أَنْ يَدْخُلَ مَكّةَ .
وَكَانَتْ الْقِيَانُ سَارّةُ مَوْلَاةُ عَمْرِو بْنِ
هِشَامٍ وَمَوْلَاةٌ كَانَتْ لِأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ وَمَوْلَاةٌ يُقَالُ لَهَا
عَزّةُ لِلْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ . وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ . لَا وَاَللّهِ لَا
نَرْجِعُ - 44ْ - حَتّى نَرِدَ بَدْرًا - وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ
الْجَاهِلِيّةِ يَجْتَمِعُ بِهَا الْعَرَبُ ، لَهَا بِهَا سُوقٌ - تَسْمَعُ بِنَا
الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا ، فَنُقِيمُ ثَلَاثًا عَلَى بَدْرٍ نَنْحَرُ الْجُزُرَ وَنُطْعِمُ
الطّعَامَ وَنَشْرَبُ الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ الْقِيَانُ عَلَيْنَا ، فَلَنْ تَزَالَ
الْعَرَبُ تَهَابُنَا أَبَدًا .
وَكَانَ الْفُرَاتُ بْنُ حَيّانَ الْعِجْلِيّ
أَرْسَلَتْهُ قُرَيْشٌ حِينَ فَصَلَتْ مِنْ مَكّةَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ
حَرْبٍ يُخْبِرُهُ بِمَسِيرِهَا وَفُصُولِهَا ، وَمَا قَدْ حَشَدَتْ . فَخَالَفَ
أَبَا سُفْيَانَ وَذَلِكَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ لَصِقَ بِالْبَحْرِ وَلَزِمَ
فُرَاتَ الْمَحَجّةِ ، فَوَافَى الْمُشْرِكِينَ بِالْجُحْفَةِ ، فَسَمِعَ كَلَامَ
أَبِي جَهْلٍ بِالْجُحْفَةِ وَهُوَ يَقُولُ لَا نَرْجِعُ فَقَالَ مَا
بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِك رَغْبَةً وَإِنّ الّذِي يَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ رَأَى
ثَأْرَهُ مِنْ كَثَبٍ لَضَعِيفٌ فَمَضَى مَعَ قُرَيْشٍ ، وَتَرَكَ أَبَا سُفْيَانَ
فَجُرِحَ يَوْمَ بَدْرٍ جِرَاحَاتٍ وَهَرَبَ عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ يَقُولُ مَا
رَأَيْت كَالْيَوْمِ أَمْرًا أَنْكَدُ إنّ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ لَغَيْرُ
مُبَارَكِ الْأَمْرِ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أُمّ
بَكْرِ بِنْتِ الْمِسْوَرِ عَنْ أَبِيهَا ، قَالَ قَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ
- وَكَانَ اسْمُهُ أُبَيّا ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ - فَقَالَ يَا
بَنِي زُهْرَةَ قَدْ نَجّى اللّهُ عِيرَكُمْ وَخَلّصَ أَمْوَالَكُمْ وَنَجّى
صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَإِنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ
وَمَالَهُ . وَإِنّمَا مُحَمّدٌ رَجُلٌ مِنْكُمْ ابْنُ أُخْتِكُمْ فَإِنْ يَكُ نَبِيّا
فَأَنْتُمْ أَسْعَدُ بِهِ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا يَلِي قَتْلَهُ غَيْرُكُمْ خَيْرٌ
مِنْ أَنْ تَلُوا قَتْلَ ابْنِ أُخْتِكُمْ فَارْجِعُوا وَاجْعَلُوا جُبْنَهَا بِي
، فَلَا حَاجَةَ لَكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ مَنْفَعَةٍ لَا مَا يَقُولُ
هَذَا الرّجُلُ فَإِنّهُ مُهْلِكٌ قَوْمَهُ سَرِيعٌ فِي فَسَادِهِمْ فَأَطَاعُوهُ
وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا ، وَكَانُوا [ ص 45 ] يَتَيَمّنُونَ بِهِ قَالُوا :
فَكَيْفَ نَصْنَعُ بِالرّجُوعِ إنْ نَرْجِعُ ؟
قَالَ الْأَخْنَسُ نَخْرُجُ مَعَ الْقَوْمِ فَإِذَا
أَمْسَيْت سَقَطْت عَنْ بَعِيرِي فَتَقُولُونَ نَهَشَ الْأَخْنَسُ فَإِذَا قَالُوا
امْضُوا فَقُولُوا لَا نُفَارِقُ صَاحِبَنَا حَتّى نَعْلَمَ أَهُوَ حَيّ أَمْ
مَيّتٌ فَنَدْفِنُهُ فَإِذَا مَضَوْا رَجَعْنَا . فَفَعَلَتْ بَنُو زُهْرَةَ . فَلَمّا
أَصْبَحُوا بِالْأَبْوَاءِ رَاجِعِينَ تَبَيّنَ لِلنّاسِ أَنّ بَنِي زُهْرَةَ
رَجَعُوا ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ . قَالُوا : وَكَانُوا مِائَةً أَوْ
أَقَلّ مِنْ الْمِائَةِ وَهُوَ أَثْبَتُ وَقَدْ قَالَ قَائِلٌ كَانُوا
ثَلَثَمِائَةٍ . وَقَالَ عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ فِي مُنْحَدَرِهِ إلَى
الْمَدِينَةِ مِنْ بَدْرٍ ، وَانْتَشَرَتْ الرّكَابُ عَلَيْهِ فَجَعَلَ عَدِيّ
يَقُولُ
أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ
إنّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُحَبّسُ
وَحَمْلُهَا عَلَى الطّرِيقِ أَكْيَسُ
قَدْ نَصَرَ اللّهُ وَفَرّ الْأَخْنَسُ
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثّلْجِيّ ، قَالَ
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ قَالَ خَرَجَتْ بَنُو عَدِيّ مَعَ النّفِيرِ
حَتّى كَانُوا بِثَنِيّةِ لَفْتٍ ، فَلَمّا كَانُوا فِي السّحَرِ عَدَلُوا فِي
السّاحِلِ مُنْصَرِفِينَ إلَى مَكّةَ ، فَصَادَفَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا
بَنِي عَدِيّ كَيْفَ رَجَعْتُمْ لَا فِي الْعِيرِ وَلَا فِي النّفِيرِ ؟ قَالُوا :
أَنْتَ أَرْسَلْت إلَى قُرَيْشٍ أَنْ تَرْجِعَ فَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ وَمَضَى مَنْ
مَضَى فَلَمْ يَشْهَدْهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي عَدِيّ . وَيُقَالُ إنّهُ لَاقَاهُمْ
بِمَرّ الظّهْرَانِ فَقَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ لَهُمْ . قَالَ مُحَمّدُ بْنُ
عُمَرَ الْوَاقِدِيّ . رَجَعَتْ زُهْرَةُ مِنْ الْجُحْفَةِ ، وَأَمّا بَنُو عَدِيّ
فَرَجَعُوا مِنْ الطّرِيقِ وَيُقَالُ مِنْ مَرّ الظّهْرَان .[ ص 46 ] وَمَضَى
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ صَبِيحَةَ أَرْبَعَ
عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ ، فَجَاءَ أَعْرَابِيّ قَدْ
أَقْبَلَ مِنْ تِهَامَةَ ، فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ لَك عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ؟ قَالَ مَا لِي
بِأَبِي سُفْيَانَ عِلْمٌ . قَالُوا : تَعَالَ سَلّمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ وَفِيكُمْ رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ
فَأَيّكُمْ رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالُوا : هَذَا . قَالَ أَنْتَ رَسُولُ اللّهِ ؟
قَالَ نَعَمْ . قَالَ الْأَعْرَابِيّ : فَمَا فِي بَطْنِ نَاقَتِي هَذِهِ إنْ
كُنْت صَادِقًا ؟ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ : نَكَحْتهَا فَهِيَ
حُبْلَى مِنْك فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَقَالَتَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ
ثُمّ سَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حَتّى أَتَى الرّوْحَاءَ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ لِلنّصْفِ مِنْ شَهْرِ
رَمَضَانَ فَصَلّى عِنْدَ بِئْرِ الرّوْحَاءِ .
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثّلْجِيّ قَالَ
حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
الرّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ وِتْرِهِ لَعَنَ الْكَفَرَةَ وَقَالَ اللّهُمّ لَا
تُفْلِتَن أَبَا جَهْلٍ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمّةِ اللّهُمّ لَا تُفْلِتَن
زَمَعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ ، اللّهُمّ وَأَسْخِنْ عَيْنَ أَبِي زَمَعَةَ بِزَمَعَةَ
اللّهُمّ أَعْمِ بَصَرَ أَبِي زَمَعَةَ اللّهُمّ لَا تُفْلِتَن سُهَيْلًا ،
اللّهُمّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ
وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ
وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ لَمْ يَدْعُ لَهُ
يَوْمَئِذٍ أُسِرَ بِبَدْرٍ وَلَكِنّهُ لَمّا رَجَعَ مِنْ مَكّةَ بَعْدَ بَدْرٍ
أَسْلَمَ ، فَأَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْمَدِينَةِ فَحُبِسَ فَدَعَا لَهُ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ ذَلِكَ . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ بِالرّوْحَاءِ هَذِهِ سَجَاسِجُ [ ص
47 ] يَعْنِي
وَادِيَ الرّوْحَاءِ - هَذَا أَفْضَلُ أَوْدِيَةِ الْعَرَبِ .قَالُوا : وَكَانَ خُبَيْبُ بْنُ
يَسَافٍ رَجُلًا شُجَاعًا ، وَكَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ فَلَمّا خَرَجَ النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَدْرٍ خَرَجَ هُوَ وَقَيْسُ بْنُ مُحَرّثٍ
وَهُمَا عَلَى دِينِ قَوْمِهِمَا ، فَأَدْرَكَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالْعَقِيقِ ، وَخُبَيْبٌ مُقَنّعٌ بِالْحَدِيدِ فَعَرَفَهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ فَالْتَفَتَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، وَهُوَ
يَسِيرُ إلَى جَنْبِهِ فَقَالَ أَلَيْسَ بِخُبَيْبِ بْنِ يَسَافٍ ؟ قَالَ بَلَى
قَالَ فَأَقْبَلَ خُبَيْبٌ حَتّى أَخَذَ بِبِطَانِ نَاقَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَلِقَيْسِ بْنِ مُحَرّثٍ
- يُقَالُ قَيْسُ بْنُ الْمُحَرّثِ وَقَيْسُ بْنُ
الْحَارِثِ - مَا أَخْرَجَكُمَا مَعَنَا ؟ قَالَا : كُنْت ابْنَ أُخْتِنَا وَجَارَنَا ،
وَخَرَجْنَا مَعَ قَوْمِنَا لِلْغَنِيمَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَخْرُجَن مَعَنَا رَجُلٌ لَيْسَ عَلَى دِينِنَا . قَالَ
خُبَيْبٌ قَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنّي عَظِيمُ الْغِنَاءِ فِي الْحَرْبِ شَدِيدُ النّكَايَةِ
فَأُقَاتِلُ مَعَك لِلْغَنِيمَةِ وَلَنْ أُسْلِمَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا ، وَلَكِنْ أَسْلِمْ ثُمّ قَاتِلْ . ثُمّ أَدْرَكَهُ
بِالرّوْحَاءِ فَقَالَ أَسْلَمْت لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ وَشَهِدْت أَنّك
رَسُولُ اللّهِ
فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِذَلِكَ وَقَالَ امْضِهِ وَكَانَ عَظِيمَ الْغِنَاءِ فِي بَدْرٍ وَغَيْرِ بَدْرٍ
. وَأَبَى قَيْسُ بْنُ مُحَرّثٍ أَنْ يُسْلِمَ وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ،
فَلَمّا قَدِمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ أَسْلَمَ ،
ثُمّ شَهِدَ أُحُدًا فَقُتِلَ .
قَالُوا :
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَصَامَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمّ رَجَعَ وَنَادَى مُنَادِيهِ يَا مَعْشَرَ
الْعُصَاةِ إنّي مُفْطِرٌ فَأَفْطِرُوا وَذَلِكَ أَنّهُ [ ص 48 ] قَدْ كَانَ قَالَ
لَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ « أَفْطِرُوا » فَلَمْ يَفْعَلُوا .قَالُوا : وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا كَانَ دُوَيْنَ بَدْرٍ أَتَاهُ الْخَبَرُ بِمَسِيرِ
قُرَيْشٍ ، فَأَخْبَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِمَسِيرِهِمْ وَاسْتَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
النّاسَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ فَأَحْسَنَ ثُمّ قَامَ عُمَرُ فَقَالَ
فَأَحْسَنَ ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهَا وَاَللّهِ قُرَيْشٌ وَعِزّهَا ،
وَاَللّهِ مَا ذَلّتْ مُنْذُ عَزّتْ وَاَللّهِ مَا آمَنَتْ مُنْذُ كَفَرَتْ
وَاَللّهِ لَا تُسْلِمُ عِزّهَا أَبَدًا ، وَلَتُقَاتِلَنك ، فَاتّهِبْ لِذَلِكَ
أُهْبَتَهُ وَأَعِدّ لِذَلِكَ عُدّتَهُ .
ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِأَمْرِ اللّهِ فَنَحْنُ مَعَك ، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك
كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِنَبِيّهَا : فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلَا
إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا
مُقَاتِلُونَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بِرْكِ
الْغِمَادِ لَسِرْنَا مَعَك - وَبِرْكُ الْغِمَادِ مِنْ وَرَاءِ مَكّةَ بِخَمْسِ
لَيَالٍ مِنْ وَرَاءِ السّاحِلِ مِمّا يَلِي الْبَحْرَ وَهُوَ عَلَى ثَمَانِ
لَيَالٍ مِنْ مَكّةَ إلَى الْيَمَنِ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ .
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاسُ وَإِنّمَا يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَنْصَارَ ، وَكَانَ يَظُنّ أَنّ الْأَنْصَارَ
لَا تَنْصُرُهُ إلّا فِي الدّارِ وَذَلِكَ أَنّهُمْ شَرَطُوا لَهُ أَنْ
يَمْنَعُوهُ مِمّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَوْلَادَهُمْ . فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشِيرُوا عَلَيّ فَقَامَ سَعْدُ
بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ أَنَا أُجِيبُ عَنْ الْأَنْصَارِ ; كَأَنّك يَا رَسُولَ
اللّهِ تُرِيدُنَا قَالَ أَجَلْ . قَالَ إنّك عَسَى أَنْ تَكُونَ خَرَجْت عَنْ
أَمْرٍ قَدْ أُوحِيَ إلَيْك فِي غَيْرِهِ وَإِنّا قَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك ،
وَشَهِدْنَا أَنّ كُلّ مَا جِئْت بِهِ حَقّ ، وَأَعْطَيْنَاك مَوَاثِيقَنَا
وَعُهُودَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا نَبِيّ اللّهِ فَوَاَلّذِي [
ص 49 ] بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْت هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْته لَخُضْنَاهُ
مَعَك ، مَا بَقِيَ مِنّا رَجُلٌ وَصِلْ مَنْ شِئْت ، وَاقْطَعْ مَنْ شِئْت ،
وَخُذْ مِنْ أَمْوَالِنَا مَا شِئْت ، وَمَا أَخَذْت مِنْ أَمْوَالِنَا أَحَبّ
إلَيْنَا مِمّا تَرَكْت . وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا سَلَكْت هَذَا الطّرِيقَ قَطّ
، وَمَا لِي بِهَا مِنْ عِلْمٍ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ يَلْقَانَا عَدُوّنَا غَدًا ،
إنّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ صُدُقٌ عِنْدَ اللّقَاءِ لَعَلّ اللّهَ يُرِيك
مِنّا مَا تَقَرّ بِهِ عَيْنُك .
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ
فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ،
عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ قَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا قَدْ
خَلَفْنَا مِنْ قَوْمِنَا قَوْمًا مَا نَحْنُ بِأَشَدّ حُبّا لَك مِنْهُمْ . وَلَا
أَطْوَعَ لَك مِنْهُمْ لَهُمْ رَغْبَةٌ فِي الْجِهَادِ وَنِيّةٌ وَلَوْ ظَنّوا يَا
رَسُولَ اللّهِ أَنّك مُلَاقٍ عَدُوّا مَا تَخَلّفُوا ، وَلَكِنْ إنّمَا ظَنّوا
أَنّهَا الْعِيرُ . نَبْنِي لَك عَرِيشًا فَتَكُونُ فِيهِ وَنَعُدّ لَك رَوَاحِلَك
، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا ، فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى
عَدُوّنَا كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا ، وَإِنْ تَكُنْ الْأُخْرَى جَلَسْت عَلَى
رَوَاحِلِك فَلَحِقْت مَنْ وَرَاءَنَا . فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَقَالَ أَوْ يَقْضِي اللّهُ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ يَا
سَعْدُ
قَالُوا :
فَلَمّا فَرَغَ سَعْدٌ مِنْ الْمَشُورَةِ قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ فَإِنّ
اللّهَ قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ . وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ
إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ .
قَالَ وَأَرَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَصَارِعَهُمْ يَوْمَئِذٍ هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ ، وَهَذَا مَصْرَعُ
فُلَانٍ ، فَمَا عَدَا كُلّ رَجُلٍ مَصْرَعَهُ قَالَ فَعَلِمَ الْقَوْمُ أَنّهُمْ
يُلَاقُونَ الْقِتَالَ وَأَنّ الْعِيرَ تُفْلِتُ وَرَجَوْا النّصْرَ لِقَوْلِ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا
الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو إسْمَاعِيلَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ فَمِنْ
يَوْمَئِذٍ [ ص 50 ] عَقَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْأَلْوِيَةَ وَهِيَ ثَلَاثَةٌ وَأَظْهَرَ السّلَاحَ
وَكَانَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِ لِوَاءٍ
مَعْقُودٍ . وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
الرّوْحَاءِ ، فَسَلَكَ الْمَضِيقَ ثُمّ جَاءَ إلَى الْخَبِيرَتَيْنِ فَصَلّى
بَيْنَهُمَا ، ثُمّ تَيَامَنَ فَتَشَاءَمَ فِي الْوَادِي حَتّى مَرّ عَلَى خَيْفِ
الْمُعْتَرِضَةِ فَسَلَكَ فِي ثَنِيّةِ الْمُعْتَرِضَةِ حَتّى سَلَكَ عَلَى
التّيّا ; وَبِهَا لَقِيَ سُفْيَانَ الضّمْرِيّ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَعَجّلَ مَعَهُ قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ
الظّفَرِيّ - وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبٍ الْمَازِنِيّ ، وَيُقَالُ
مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ - فَلَقِيَ سُفْيَانَ الضّمْرِيّ عَلَى التّيّا ، فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ الرّجُلُ ؟ فَقَالَ
الضّمْرِيّ : بَلَى مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَأَخْبِرْنَا وَنُخْبِرْك قَالَ الضّمْرِيّ : وَذَاكَ بِذَاكَ ؟ ؟ قَالَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ
قَالَ الضّمْرِيّ : فَسَلُوا عَمّا شِئْتُمْ فَقَالَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبِرْنَا عَنْ قُرَيْش ٍ . قَالَ
الضّمْرِيّ : بَلَغَنِي أَنّهُمْ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَكّةَ ،
فَإِنْ كَانَ الّذِي أَخْبَرَنِي صَادِقًا فَإِنّهُمْ بِجَنْبِ هَذَا الْوَادِي . قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبِرْنَا عَنْ مُحَمّدٍ
وَأَصْحَابِهِ . قَالَ خُبّرْت أَنّهُمْ خَرَجُوا مِنْ يَثْرِبَ يَوْمَ كَذَا
وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ الّذِي خَبّرَنِي صَادِقًا فَهُمْ بِجَانِبِ هَذَا
الْوَادِي .
قَالَ الضّمْرِيّ : فَمَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالَ النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ مِنْ مَاءٍ . . وَأَشَارَ بِيَدِهِ نَحْوَ
الْعِرَاقِ . فَقَالَ الضّمْرِيّ : مِنْ مَاءِ الْعِرَاقِ ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَصْحَابِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ
مِنْ الْفَرِيقَيْنِ بِمَنْزِلِ صَاحِبِهِ بَيْنَهُمْ قَوْزٌ مِنْ رَمْلٍ [ ص 51 ] وَكَانَ
قَدْ صَلّى بِالدّبَةِ ثُمّ صَلّى بِسَيَرٍ ثُمّ صَلّى بِذَاتِ أَجْدَالٍ ثُمّ
صَلّى بِخَيْفِ عَيْنِ الْعَلَاءِ ثُمّ صَلّى بِالْخَبِيرَتَيْنِ ثُمّ نَظَرَ إلَى
جَبَلَيْنِ فَقَالَ مَا اسْمُ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ ؟ قَالُوا : مُسْلِحٌ
وَمُخْرَى . فَقَالَ مَنْ سَاكِنُهُمَا ؟ قَالُوا : بَنُو النّارِ وَبَنُو حُرَاقٍ . فَانْصَرَفَ
مِنْ عِنْدِ الْخَبِيرَتَيْنِ فَمَضَى حَتّى قَطَعَ الْخُيُوفَ وَجَعَلَهَا
يَسَارًا حَتّى سَلَكَ فِي الْمُعْتَرِضَةِ وَلَقِيَهُ بَسْبَسٌ وَعَدِيّ بْنُ
أَبِي الزّغْبَاءِ فَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ .وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَادِيَ بَدْرٍ عِشَاءَ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرَةَ
مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ فَبَعَثَ عَلِيّا وَالزّبَيْرَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ
وَبَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو يَتَحَسّسُونَ عَلَى الْمَاءِ وَأَشَارَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى ظُرَيْبٍ فَقَالَ أَرْجُو أَنْ تَجِدُوا
الْخَبَرَ عِنْدَ هَذَا الْقَلِيبِ الّذِي يَلِي الظّرَيْبَ - وَالْقَلِيبُ بِئْرٌ
بِأَصْلِ الظّرَيْبِ وَالظّرَيْبُ جَبَلٌ صَغِيرٌ . فَانْدَفَعُوا تِلْقَاءَ
الظّرَيْبِ فَيَجِدُونَ عَلَى تِلْكَ الْقَلِيبِ الّتِي قَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَوَايَا قُرَيْشٍ فِيهَا سُقّاؤُهُمْ . وَلَقِيَ
بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَفْلَتَ عَامّتُهُمْ وَكَانَ مِمّنْ عُرِفَ أَنّهُ أَفْلَتَ
عُجَيْرٌ وَكَانَ أَوّلَ مَنْ جَاءَ قُرَيْشًا بِخَبَرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَادَى فَقَالَ يَا آلَ غَالِبٍ هَذَا ابْنُ أَبِي
كَبْشَةَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ أَخَذُوا سُقّاءَكُمْ فَمَاجَ الْعَسْكَرُ وَكَرِهُوا
مَا جَاءَ بِهِ .
[ ص 52
] قَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : وَكُنّا فِي خِبَاءٍ
لَنَا عَلَى جَزُورٍ نَشْوِي مِنْ لَحْمِهَا ، فَمَا هُوَ إلّا أَنْ سَمِعْنَا
الْخَبَرَ ، فَامْتَنَعَ الطّعَامُ مِنّا ، وَلَقِيَ بَعْضُنَا بَعْضًا ،
وَلَقِيَنِي عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَقَالَ يَا أَبَا خَالِدٍ مَا أَعْلَمُ
أَحَدًا يَسِيرُ أَعْجَبَ مِنْ مَسِيرِنَا ، إنّ عِيرَنَا قَدْ نَجَتْ وَإِنّا
جِئْنَا إلَى قَوْمٍ فِي بِلَادِهِمْ بَغْيًا عَلَيْهِمْ . فَقَالَ عُتْبَةُ
لِأَمْرٍ حُمّ وَلَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ هَذَا شُؤْمُ ابْنِ
الْحَنْظَلِيّةِ يَا أَبَا خَالِدٍ أَتَخَافُ أَنْ يُبَيّتَنَا الْقَوْمُ ؟ قُلْت
: لَا آمَنُ ذَلِكَ . قَالَ فَمَا الرّأْيُ يَا أَبَا خَالِدٍ ؟ قَالَ نَتَحَارَسُ
حَتّى نُصْبِحَ وَتَرَوْنَ مَنْ وَرَاءَكُمْ . قَالَ عُتْبَةُ هَذَا الرّأْيُ
قَالَ فَتَحَارَسْنَا حَتّى أَصْبَحْنَا .
قَالَ أَبُو جَهْلٍ مَا [ هَذَا ؟ ] هَذَا عَنْ أَمْرِ عُتْبَةَ قَدْ
كَرِهَ قِتَالَ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ إنّ هَذَا لَهُوَ الْعَجَبُ أَتَظُنّونَ أَنّ
مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يَعْتَرِضُونَ لِجَمْعِكُمْ ؟ وَاَللّهِ لَأَنْتَحِيَن
نَاحِيَةً بِقَوْمِي ، فَلَا يَحْرُسُنَا أَحَدٌ . فَتَنَحّى نَاحِيَةً وَالسّمَاءُ
تُمْطِرُ عَلَيْهِ . يَقُولُ عُتْبَةُ إنّ هَذَا لَهُوَ النّكَدُ وَإِنّهُمْ قَدْ
أَخَذُوا سُقّاءَكُمْ . وَأُخِذَ تِلْكَ اللّيْلَةَ يَسَارٌ غُلَامُ عُبَيْدِ بْنِ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَأَسْلَمَ غُلَامُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، وَأَبُو
رَافِعٍ غُلَامُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، فَأُتِيَ بِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَقَالُوا : سُقّاءُ قُرَيْش ٍ
بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ .
وَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمْ وَرَجَوْا أَنْ يَكُونُوا
لِأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِ الْعِيرِ فَضَرَبُوهُمْ . فَلَمّا أَذَلْقُوهُمْ
بِالضّرْبِ قَالُوا : نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ وَنَحْنُ فِي الْعِيرِ وَهَذِهِ
الْعِيرُ بِهَذَا الْقَوْزِ . فَيُمْسِكُونَ عَنْهُمْ فَسَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمّ قَالَ [ ص 53 ] إنْ صَدَقُوكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمْ
وَإِنْ كَذَبُوكُمْ تَرَكْتُمُوهُمْ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُخْبِرُونَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ
جَاءَتْ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقُوكُمْ
خَرَجَتْ قُرَيْشٌ تَمْنَعُ عِيرَهَا وَخَافُوكُمْ عَلَيْهَا .
ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَى السّقّاءِ فَقَالَ أَيْنَ قُرَيْشٌ ؟ قَالُوا : خَلْفَ هَذَا
الْكَثِيبِ الّذِي تَرَى . قَالَ كَمْ هِيَ ؟ قَالُوا : كَثِيرٌ . قَالَ كَمْ عَدَدُهَا ؟
قَالُوا : لَا نَدْرِي كَمْ هُمْ . قَالَ كَمْ يَنْحَرُونَ ؟ قَالُوا : يَوْمًا
عَشَرَةً وَيَوْمًا تِسْعَةً . قَالَ الْقَوْمُ مَا بَيْنَ الْأَلْفِ
وَالتّسْعِمِائَةِ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لِلسّقّاءِ مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ ؟ قَالُوا : لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ بِهِ طَعِمَ
إلّا خَرَجَ . فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَلَى النّاسِ فَقَالَ هَذِهِ مَكّةُ ، قَدْ أَلْقَتْ [ إلَيْكُمْ ] أَفْلَاذَ كَبِدِهَا ثُمّ سَأَلَهُمْ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . هَلْ رَجَعَ أَحَدٌ مِنْهُمْ ؟
قَالُوا : رَجَعَ ابْنُ أَبِي شَرِيقٍ بِبَنِي زُهْرَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْشَدُهُمْ وَمَا كَانَ بِرَشِيدٍ وَإِنْ كَانَ
مَا عَلِمْت لَمُعَادِيًا لِلّهِ وَلِكِتَابِهِ قَالَ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ ؟ قَالُوا
: بَنُو عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ .
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ أَشِيرُوا عَلَيّ فِي الْمَنْزِلِ . فَقَالَ الْحُبَابُ
بْنُ الْمُنْذِرِ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلٌ
أَنْزَلَكَهُ اللّهُ فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ وَلَا نَتَأَخّرَ عَنْهُ
أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟ قَالَ بَلْ هُوَ الرّأْيُ
وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ . قَالَ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلٍ انْطَلِقْ
بِنَا إلَى أَدْنَى مَاءِ الْقَوْمِ فَإِنّي عَالِمٌ بِهَا وَبِقُلُبِهَا ، بِهَا
قَلِيبٌ قَدْ عَرَفْت عُذُوبَةَ مَائِهِ وَمَاءٌ كَثِيرٌ لَا يَنْزَحْ ثُمّ
نَبْنِي عَلَيْهَا حَوْضًا وَنَقْذِفُ فِيهِ الْآنِيَةَ فَنَشْرَبُ وَنُقَاتِلُ
وَنُغَوّرُ مَا سِوَاهَا مِنْ الْقُلُبِ
حَدّثَنَا [
ص 54 ]
مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي
ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ
ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ نَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ الرّأْيُ مَا أَشَارَ بِهِ الْحُبَابُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا حُبَابُ أَشَرْت بِالرّأْيِ فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَعَلَ كُلّ ذَلِكَ .
حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ
فَحَدّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ بَعَثَ اللّهُ السّمَاءَ وَكَانَ الْوَادِي دَهْسًا - وَالدّهْسُ الْكَثِيرُ
الرّمْلِ - فَأَصَابَنَا مَا لَبّدَ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْنَا مِنْ الْمَسِيرِ
وَأَصَابَ قُرَيْشًا مَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَرْتَحِلُوا مِنْهُ وَإِنّمَا
بَيْنَهُمْ قَوْزٌ مِنْ رَمْلٍ .
قَالُوا :
وَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللّيْلَةَ النّعَاسُ
أُلْقِيَ عَلَيْهِمْ فَنَامُوا ، وَمَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْمَطَرِ مَا
يُؤْذِيهِمْ . قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ : سُلّطَ عَلَيْنَا النّعَاسُ
تِلْكَ اللّيْلَةَ حَتّى إنّي كُنْت لَأَتَشَدّدُ فَتَجْلِدُنِي الْأَرْضُ فَمَا
أُطِيقُ إلّا ذَلِكَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَصْحَابُهُ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ . وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ :
رَأَيْتنِي وَإِنّ ذَقَنِي بَيْنَ يَدَيّ فَمَا أَشْعُرُ حَتّى أَقَعَ عَلَى
جَنْبِي . قَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكٍ : غَلَبَنِي النّوْمُ
فَاحْتَلَمْت حَتّى اغْتَسَلْت آخِرَ اللّيْلِ . قَالُوا : فَلَمّا تَحَوّلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَنْزِلِ بَعْدَ أَنْ
أَخَذَ السّقَاءَ أَرْسَلَ عَمّارَ بْنَ يَاسِرٍ وَابْنَ مَسْعُودٍ ، فَأَطَافَا
بِالْقَوْمِ ثُمّ رَجَعَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَا
: يَا رَسُولَ اللّهِ الْقَوْمُ مَذْعُورُونَ فَزِعُونَ إنّ الْفَرَسَ لَيُرِيدُ
أَنْ يَصْهَلَ فَيَضْرِبَ وَجْهَهُ مَعَ أَنّ السّمَاءَ تَسِحّ عَلَيْهِمْ .
فَلَمّا أَصْبَحُوا قَالَ نُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ ،
وَكَانَ رَجُلًا يُبْصِرُ الْأَثَرَ فَقَالَ [ ص 55 ] هَذَا أَثَرُ ابْنِ سُمَيّةَ
وَابْنِ أُمّ عَبْدٍ أَعْرِفُهُ قَدْ جَاءَ مُحَمّدٌ بِسُفَهَائِنَا وَسُفَهَاءِ
أَهْلِ يَثْرِبَ ثُمّ قَالَ
لَمْ يَتْرُكِ الْجَوْعُ لَنَا مَبِيتَا
لَا بُدّ أَنْ نَمُوت أَوْ نُمِيتَا
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ فَذَكَرْت قَوْلَ نُبَيْهِ
بْنِ الْحَجّاجِ « لَمْ يَتْرُكِ الْجَوْعُ لَنَا مَبِيتَا » لِمُحَمّدِ بْنِ
يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ فَقَالَ لَعَمْرِي لَقَدْ كَانُوا
شِبَاعًا ، لَقَدْ أَخْبَرَنِي
[ أَبِي ] أَنّهُ سَمِعَ نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةَ
يَقُولُ نَحَرْنَا تِلْكَ اللّيْلَةَ عَشْرَ جَزَائِرَ فَنَحْنُ فِي خِبَاءٍ مِنْ
أَخْبِيَتِهِمْ نَشْوِي السّنَامَ وَالْكَبِدَ وَطِيبَةَ اللّحْمِ وَنَحْنُ
نَخَافُ مِنْ الْبَيَاتِ فَنَحْنُ نَتَحَارَسُ إلَى أَنْ أَضَاءَ الْفَجْرُ
فَأَسْمَعُ مُنَبّهًا يَقُولُ بَعْدَ أَنْ أَسْفَرَ [ الصّبْحُ ] : هَذَا [ أَثَرُ ] ابْنِ سُمَيّةَ
وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَسْمَعُهُ يَقُولُ
لَمْ يَتْرُكِ الْخَوْفُ لَنَا مَبِيتَا
لَا بُدّ أَنْ نَمُوت أَوْ نُمِيتَا
يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، اُنْظُرُوا غَدًا إنْ لَقِينَا
مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَابْقَوْا فِي أَنْسَابِكُمْ هَؤُلَاءِ وَعَلَيْكُمْ
بِأَهْلِ يَثْرِبَ ، فَإِنّا إنْ نَرْجِعُ بِهِمْ إلَى مَكّةَ يُبْصِرُوا
ضَلَالَتَهُمْ وَمَا فَارَقُوا مِنْ دِينِ آبَائِهِمْ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ
حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ
بْنِ عُمَرَ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْقَلِيبِ بُنِيَ لَهُ عَرِيشٌ مِنْ
جَرِيدٍ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ مُتَوَشّحَ السّيْفِ
فَدَخَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ ،
فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي
قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْر بْنِ حَزْمٍ ِ [ ص 56 ] قَالَ
صَفّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ
قُرَيْشٌ ، وَطَلَعَتْ قُرَيْشٌ وَرَسُولُ اللّهِ يَصُفّهُمْ وَقَدْ أَتْرَعُوا
حَوْضًا ، يَفْرُطُونَ فِيهِ مِنْ السّحَرِ وَيَقْذِفُونَ فِيهِ الْآنِيَةَ .
وَدَفَعَ رَايَتَهُ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ; فَتَقَدّمَ بِهَا إلَى
مَوْضِعِهَا الّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ
يَضَعَهَا فِيهِ . وَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْظُرُ
إلَى الصّفُوفِ فَاسْتَقْبَلَ الْمَغْرِبَ وَجَعَلَ الشّمْسَ خَلْفَهُ وَأَقْبَلَ
الْمُشْرِكُونَ فَاسْتَقْبَلُوا الشّمْسَ .
فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالْعُدْوَةِ الشّامِيّةِ وَنَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْيَمَانِيّةِ - عُدْوَتَا
النّهْرِ وَالْوَادِي جَنْبَتَاهُ
- فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللّهِ إنْ كَانَ هَذَا مِنْك عَنْ وَحْيٍ نَزَلَ إلَيْك فَامْضِ لَهُ وَإِلّا
فَإِنّي أَرَى أَنْ تَعْلُوَ الْوَادِيَ فَإِنّي أَرَى رِيحًا قَدْ هَاجَتْ مِنْ
أَعْلَى الْوَادِي ، وَإِنّي أَرَاهَا بُعِثَتْ بِنَصْرِك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ صَفَفْت صُفُوفِي وَوَضَعْت رَايَتِي ، فَلَا أُغَيّرُ
ذَلِكَ ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَبّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِذْ
تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى إثْرِ بَعْض .