1.سورة الاخلاص

............................................................................................................... *

  القرآن الكريم مكتوبا كاملا

110. ب مم.

·  تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث

Translate ***

15.موقع جادو

باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود  /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج  طبيعة 1. / /طلبعة 3.

الثلاثاء، 1 مايو 2018

8.المغازي

8 المغازي للواقدي من الشاملة


من الشاملة
وَمِنْ مُزَيْنَةَ رَجُلَانِ وَهْبُ بْنُ قَابُوسٍ وَابْنُ أَخِيهِ الْحَارِثُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ قَابُوسٍ [ ص 301 ]
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا : عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ; وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ وَعِمَارَةُ بْنُ زِيَادِ بْنِ السّكَنِ ; وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ قَتَلَهُ أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ حَرْبٍ ; وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ ، قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ; وَرِفَاعَةُ ابْنُ وَقْشٍ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ; وَالْيَمَانُ أَبُو حُذَيْفَةَ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ خَطَأً وَيُقَالُ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ قَتَلَهُ خَطَأً وَصَيْفِيّ بْنُ قَيْظِيّ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَالْحَبَابُ بْنُ قَيْظِيّ وَعَبّادُ بْنُ سَهْلٍ ، قَتَلَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ .
وَمِنْ أَهْلِ رَاتِجَ ، وَهُمْ إلَى عَبْدِ الْأَشْهَلِ إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ ابْنِ زَعُورَاءَ بْنِ جُشَمٍ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ; وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ ، قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ; وَحَبِيبُ بْنُ قِيَمٍ .
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ : أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَهُوَ أَبُو الْبَنَاتِ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُقَاتِلُ ثُمّ أَرْجِعُ إلَى بَنَاتِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَ اللّهُ عَزّ وَجَل
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ : حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ ، قَتَلَهُ الْأَسْوَدُ ابْنُ شَعُوبٍ .
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ : أَنِيسُ بْنُ قَتَادَةَ ، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ ابْنُ شَرِيق ٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ أَمِيرُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى [ ص 302 ] الرّمَاةِ قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ .
وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ : خَيْثُمَةُ أَبُو سَعْدٍ قَتَلَهُ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ .
وَمِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ ، قَتَلَهُ ابْنُ الزّبَعْرَى .
وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ : سَبِيقُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هَيْشَةَ قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ - ثَمَانِيَةٌ .
وَمِنْ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ قَتَلَهُ صَفْوَانُ ابْنُ أُمَيّةَ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . وَأَوْسُ بْنُ أَرْقَمَ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبٍ - أَرْبَعَةٌ .
وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ وَهُمْ بَنُو خَدِرَةَ : مَالِكُ بْنُ سِنَانِ بْنِ الْأَبْجَرِ وَهُوَ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، قَتَلَهُ غُرَابُ بْنُ سُفْيَانَ وَسَعْدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمّارِ بْنِ الْأَبْجَرِ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ رَافِعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ - ثَلَاثَةٌ .
وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ : ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ نُمَيْلَةَ وَحَارِثَةُ بْنُ عَمْرٍو ; وَنَفْثُ بْنُ فَرْوَةَ بْنِ الْبَدِيّ - ثَلَاثَةٌ .
وَمِنْ بَنِي طَرِيفٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ ; وَقَيْسُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَطَرِيفٌ وَضَمْرَةُ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ .
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، مِنْ بَنِي سَالِمٍ ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ [ ص 303 ] الْعَجْلَانِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ وَالْعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنُ نَضْلَةَ ، قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ السّلَمِيّ ; وَالنّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ قَتَلَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ; وَعَبَدَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ دُفِنَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . وَمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ قَتَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ غِيلَةً .
حَدّثَنِي الْيَمَانُ بْنُ مَعَنٍ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ قَالَ دُفِنَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَوْمَأُحُدٍفِي قَبْرٍ وَاحِدٍ - نُعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَالْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ وَعَبَدَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ .
وَكَانَتْ قِصّةُ مُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ أَنّ حُضَيْرَ الْكَتَائِبِ جَاءَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَكَلّمَ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ ، وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَأَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ - وَيُقَالُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ - فَقَالَ تَزُورُونِي فَأَسْقِيكُمْ مِنْ الشّرَابِ وَأَنْحَرُ لَكُمْ وَتُقِيمُونَ عِنْدِي أَيّامًا . قَالُوا : نَحْنُ نَأْتِيك يَوْمَ كَذَا وَكَذَا . فَلَمّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ جَاءُوهُ فَنَحَرَ لَهُمْ جَزُورًا وَسَقَاهُمْ الْخَمْرَ وَأَقَامُوا عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ حَتّى تَغَيّرَ اللّحْمُ وَكَانَ سُوَيْدٌ يَوْمئِذٍ شَيْخًا كَبِيرًا . فَلَمّا مَضَتْ الثّلَاثَةُ الْأَيّامِ قَالُوا : مَا نُرَانَا إلّا رَاجِعِينَ إلَى أَهْلِنَا . فَقَالَ حُضَيْرٌ مَا أَحْبَبْتُمْ إنْ أَحْبَبْتُمْ فَأَقِيمُوا ، وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ فَانْصَرِفُوا . فَخَرَجَ الْفِتْيَانُ بِسُوَيْدٍ يَحْمِلَانِهِ حَمْلًا مِنْ الثّمْلِ فَمَرّوا لَاصِقَيْنِ بِالْحَرّةِ حَتّى كَانُوا قَرِيبًا مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ - وَهِيَ وِجَاهَ بَنِي سَالِمٍ إلَى مَطْلَعِ الشّمْسِ . فَجَلَسَ سُوَيْدٌ وَهُوَ يَبُولُ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ سُكْرًا ; فَبَصُرَ بِهِ إنْسَانٌ مِنْ الْخَزْرَجِ ، فَخَرَجَ حَتّى أَتَى الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ فَقَالَ هَلْ لَك فِي الْغَنِيمَةِ الْبَارِدَةِ ؟ قَالَ مَا هِيَ ؟ قَالَ سُوَيْدٌ أَعَزْلُ لَا سِلَاحَ مَعَهُ ثَمِلٌ قَالَ فَخَرَجَ الْمُجَذّرُ [ ص 304 ] بْنُ ذِيَادٍ بِالسّيْفِ صَلْتًا ، فَلَمّا رَآهُ الْفَتَيَانِ وَلّيَا ; وَهُمَا أَعَزَلَانِ لَا سِلَاحَ مَعَهُمَا - وَالْعَدَاوَةُ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ - فَانْصَرَفَا سَرِيعَيْنِ . وَثَبَتَ الشّيْخُ وَلَا حَرَاكَ بِهِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ مُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ فَقَالَ قَدْ أَمْكَنَ اللّهُ مِنْك فَقَالَ مَا تُرِيدُ بِي ؟
قَالَ قَتْلَك . قَالَ فَارْفَعْ عَنْ الطّعَامِ وَاخَفْضِ عَنْ الدّمَاغِ وَإِذَا رَجَعْت إلَى أُمّك فَقُلْ إنّي قَتَلْت سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ . وَكَانَ قَتْلُهُ هَيّجَ وَقْعَةَ بُعَاثَ ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ أَسْلَمَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ وَمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ فَشَهِدَا بَدْرًا فَجَعَلَ الْحَارِثُ يَطْلُبُ مُجَذّرًا لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ يَوْمئِذٍ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَجَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ أَتَاهُ الْحَارِثُ مِنْ خَلْفِهِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
فَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ثُمّ خَرَجَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، فَلَمّا رَجَعَ مِنْ حَمْرَاءِ الْأَسَد ِ ِ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَأَخْبَرَهُ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ قَتَلَ مُجَذّرًا غِيلَةً وَأَمَرَهُ بِقَتْلِهِ .
فَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى قُبَاءٍ فِي الْيَوْمِ الّذِي أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ فِي يَوْمٍ حَارّ وَكَانَ ذَلِكَ يَوْمًا لَا يَرْكَبُ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى قُبَاءٍ ; إنّمَا كَانَتْ الْأَيّامُ الّتِي يَأْتِي فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبَاءَ يَوْمَ السّبْتِ وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ .
فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَسْجِدَ قُبَاءٍ صَلّى فِيهِ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يُصَلّيَ وَسَمِعَتْ الْأَنْصَارُ فَجَاءَتْ تُسَلّمُ عَلَيْهِ وَأَنْكَرُوا إتْيَانَهُ فِي تَلِك السّاعَةِ وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُ وَيَتَصَفّحُ النّاسَ حَتّى طَلَعَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ فِي مِلْحَفَةٍ مُوَرّسَةٍ فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ [ ص 305 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَا عُوَيْمَ بْنَ سَاعِدَةَ فَقَالَ لَهُ قَدِمَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ بِمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ فَإِنّهُ قَتَلَهُ يَوْمَ أُحُدٍ .
فَأَخَذَهُ عُوَيْمٌ فَقَالَ الْحَارِثُ دَعْنِي أُكَلّمْ رَسُولَ اللّهِ فَأَبَى عُوَيْمٌ عَلَيْهِ فَجَابَذَهُ يُرِيدُ كَلَامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ أَنْ يَرْكَبَ وَدَعَا بِحِمَارِهِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ الْحَارِثُ يَقُولُ قَدْ وَاَللّهِ قَتَلْته يَا رَسُولَ اللّهِ . وَاَللّهِ مَا كَانَ قَتْلِي إيّاهُ رُجُوعًا عَنْ الْإِسْلَامِ وَلَا ارْتِيَابًا فِيهِ وَلَكِنّهُ حَمِيّةَ الشّيْطَانِ وَأَمْرٌ وُكِلْت فِيهِ إلَى نَفْسِي . وَإِنّي أَتُوبُ إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ مِمّا عَمِلْت ، وَأُخْرِجُ دِيَتَهُ وَأَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ وَأُعْتِقُ رِقْبَةً وَأُطْعِمُ سِتّينَ مِسْكِينًا ; إنّي أَتُوبُ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجَعَلَ يُمْسِكُ بِرِكَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَنُو الْمُجَذّرِ حُضُورٌ لَا يَقُولُ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْئًا حَتّى إذَا اسْتَوْعَبَ كَلَامَهُ قَالَ قَدّمْهُ يَا عُوَيْمُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ وَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدِمَهُ عُوَيْمُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَضَرَبَ عُنُقَهُ . وَيُقَالُ إنّ خُبَيْبَ بْنَ يِسَافٍ نَظَرَ إلَيْهِ حَيْنَ ضَرَبَ عُنُقَهُ فَجَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ يَفْحَصُ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حِمَارِهِ فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ فَخَبّرَهُ بِذَلِكَ فِي مَسِيرِهِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُوَيْمًا فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
يَا حَارِ فِي سِنَةٍ مِنْ نَوْمِ أَوّلِكُمْ أَمْ كُنْت وَيْلَك مُغْتَرّا بِجِبْرِيلَ [ ص 306 ] وَأَنْشَدَنِي مُجَمّعُ بْنُ يَعْقُوبَ وَأَشْيَاخُهُمْ أَنّ سُوَيْدَ بْنَ الصّامِتِ قَالَ عِنْدَ مَقْتَلِهِ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ
أَبْلِغْ جُلَاسًا وَعَبْدَ اللّهِ مَأْلُكَةً

وَإِنْ كَبِرَتْ فَلَا تَخْذُلْهُمَا حَارِ
اُقْتُلْ جِدَارَةَ إمّا كُنْت لَاقِيَهَا

وَالْحَيّ عَوْفًا عَلَى عُرْفٍ وَإِنْكَارِ
وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ : عَنْتَرَةُ مَوْلَى بَنِي سَلِمَةَ قَتَلَهُ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ .
وَمِنْ بَلْحُبْلَى : رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرٍو .
وَمِنْ بَنِي حَرَامٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ ; وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ ; وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، قَتَلَهُ الْأَسْوَدُ بْنُ جَعُونَةَ - ثَلَاثَةٌ . وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ : الْمُعَلّى بْنُ لَوْذَانَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ رُسْتُمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ قَتَلَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ .
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ : ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ ابْنِ شَرِيقٍ .
وَمِنْ بَنِي النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادٍ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ، قَتَلَهُ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ ; وَابْنُهُ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو ; وَسَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو ; وَعَامِرُ بْنُ مُخَلّدٍ . وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ : أَبُو أُسَيْرَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرِو ابْنِ مَالِكٍ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَعَمْرُو بْنُ مُطَرّفِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرٍو
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ ، وَهُمْ بَنُو مُغَالَةَ أَوْسُ بْنُ حَرَامٍ .
[ ص 307 ] وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ : أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ ضَمْضَمَ قَتَلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُوَيْفٍ .
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ : قَيْسُ بْنُ مُخَلّدٍ وَكَيْسَانُ مَوْلَاهُمْ وَيُقَالُ عَبْدٌ لَهُمْ لَمْ يَعْتِقْ .
وَمِنْ بَنِي دِينَارٍ : سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ وَالنّعْمَانُ بْنُ عَمْرٍو ، وَهُمَا ابْنَا السّمَيْرَاءِ بِنْتِ قَيْسٍ .
اُسْتُشْهِدَ مِنْ بَنِي النّجّارِ اثْنَا عَشَرَ .

(1/301)




تَسْمِيَةُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ بَنِي أَسَدٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ .
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ : طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَحْمِلُ لِوَاءَهُمْ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَأَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ; وَمُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ; وَالْحَارِثُ بْنُ طَلْحَةَ قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَكِلَابُ بْنُ طَلْحَةَ قَتَلَهُ الزّبَيْرُ ابْنُ الْعَوّامِ وَالْجُلَاسُ بْنُ طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ; وَأَرْطَاةُ بْنُ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَقَاسِطُ بْنُ [ ص 308 ] شُرَيْحِ بْنِ عُثْمَانَ - ثُمّ حَمَلَهُ صُؤَابٌ - فَيُقَالُ قَتَلَهُ قُزْمَانُ ; وَأَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ قَتَلَهُ قُزْمَانُ .
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ : أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَسِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى الْخُزَاعِيّ وَاسْمُ عَبْدِ الْعُزّى عَمْرُو بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبّاسِ بْنِ سُلَيْمٍ وَهُوَ ابْنُ أُمّ أَنْمَارٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ هِشَامُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامٍ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ; وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْعُقَيْلِيّ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ . حَدّثْنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِيّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَقْبَلَ قُزْمَانُ يَشُدّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَتَلَقّاهُ خَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَاجِلٌ فَاضْطَرَبَا بِأَسْيَافِهِمَا . فَيَمُرّ بِهِمَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَحَمَلَ الرّمْحَ عَلَى قُزْمَانَ ، فَسَلَكَ الرّمْحُ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ شَطَبَ الرّمْحَ وَمَضَى خَالِدٌ وَهُوَ يَرَى أَنّهُ قَدْ قَتَلَهُ . فَضَرَبَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَهُمَا عَلَى تِلْكَ الْحَالِ وَطَعَنَهُ أُخْرَى فَلَمْ يُجْهِزْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَالَا يَتَجَاوَلَانِ حَتّى قَتَلَ قُزْمَانُ خَالِدَ بْنَ الْأَعْلَمِ وَمَاتَ قُزْمَانُ مِنْ جِرَاحَةٍ بِهِ مِنْ سَاعَتِهِ . وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ - خَمْسَةٌ .
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : عُبَيْدُ بْنُ حَاجِزٍ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ وَشَيْبَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّبِ قَتَلَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ .
وَمِنْ بَنِي جُمَحٍ : أَبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ وَهُوَ [ ص 309 ] أَبُو عَزّةَ أَخَذَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسِيرًا يَوْمَ أُحُدٍ وَلَمْ يَأْخُذْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ أَسِيرًا غَيْرَهُ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ ، مُنّ عَلَيّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ وَلَا تَرْجِعْ إلَى مَكّةَ تَمْسَحْ عَارِضَيْك تَقُولُ سَخِرْت بِمُحَمّدٍ مَرّتَيْنِ ثُمّ أَمَرَ بِهِ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ الْوَاقِدِيّ : وَسَمِعْنَا فِي أَسْرِهِ غَيْرَ ذَلِكَ . حَدّثَنَا بُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ قَالَ لَمّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ نَزَلُوا بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فِي أَوّلِ اللّيْلِ سَاعَةً ثُمّ رَحَلُوا وَتَرَكُوا أَبَا عَزّةَ نَائِمًا مَكَانَهُ حَتّى ارْتَفَعَ النّهَارُ وَلَحِقَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ مُسْتَنْبِهٌ يَتَلَدّدُ وَكَانَ الّذِي أَخَذَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَمَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ .
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ َمنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ : خَالِدُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ وَأَبُو الشّعْثَاءِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ وَأَبُو الْحَمْرَاءِ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ وَغُرَابُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عُوَيْفٍ .
قَالُوا : فَلَمّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ أُحُدٍ أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَمْوَاتِهِمْ فَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِيمَنْ أُتِيَ بِهِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوّلًا ; صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسّلُهُ لِأَنّ حَمْزَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ جُنُبًا ذَلِكَ الْيَوْمَ . وَلَمْ يُغَسّلْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّهَدَاءَ ، وَقَالَ لُفّوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَجِرَاحِهِمْ فَإِنّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِجُرْحِهِ لَوْنُهُ لَوْنُ دَمٍ وَرِيحُهُ رِيحُ مِسْكٍ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضَعُوهُمْ أَنَا الشّهِيدُ عَلَى هَؤُلَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَة فَكَانَ حَمْزَةُ أَوّلَ مَنْ كَبّرَ عَلَيْهِ [ ص 310 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعًا .
ثُمّ جَمَعَ إلَيْهِ الشّهَدَاءَ ، فَكَانَ كُلّمَا أُتِيَ بِشَهِيدٍ وَضَعَ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَصَلّى عَلَيْهِ وَعَلَى الشّهَدَاءِ ، حَتّى صَلّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ مَرّةً لِأَنّ الشّهَدَاءَ سَبْعُونَ . وَيُقَالُ كَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ فَيُصَلّي عَلَيْهِمْ ثُمّ يَرْفَعُ التّسْعَةَ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ وَيُؤْتَى بِتِسْعَةٍ آخَرِينَ فَيُوضَعُونَ إلَى جَنْبِ حَمْزَةَ فَيُصَلّي عَلَيْهِمْ حَتّى فَعَلَ ذَلِكَ سَبْعَ مَرّاتٍ . وَيُقَالُ كَبّرَ عَلَيْهِمْ تِسْعًا وَسَبْعًا وَخَمْسًا .
وَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَابْنُ عَبّاسٍ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، يَقُولُونَ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدٌ . فَقَالَ أَبُو بَكْر ٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَيْسُوا إخْوَانَنَا ; أَسْلَمُوا كَمَا أَسْلَمْنَا ، وَجَاهَدُوا كَمَا جَاهَدْنَا ؟ قَالَ بَلَى ، وَلَكِنْ هَؤُلَاءِ لَمْ يَأْكُلُوا مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا ، وَلَا أَدْرِي مَا تُحْدِثُونَ بَعْدِي . فَبَكَى أَبُو بَكْر ٍ وَقَالَ إنّا لَكَائِنُونَ بَعْدَك ؟
وَحَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ لَمْ يُصَلّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَحَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِثْلَهُ .

(1/308)




وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ لِلْمُسْلِمِينَ احْفِرُوا ، وَأَوْسِعُوا ، وَأَحْسِنُوا ، وَادْفِنُوا الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ وَقَدّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُقَدّمُونَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا فِي الْقَبْرِ . وَكَانَ مِمّنْ يُعْرَفُ أَنّهُ دُفِنَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ ، وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ وَالنّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَعَبْدَةُ بْنُ الْحَسْحَاسِ فِي [ ص 311 ] قَبْرٍ وَاحِدٍ . فَلَمّا وَارَوْا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبُرْدَةٍ تُمَدّ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ فَجَعَلَتْ الْبُرْدَةُ إذَا خَمّرُوا رَأْسَهُ بَدَتْ قَدَمَاهُ وَإِذَا خَمّرُوا رِجْلَيْهِ تَنْكَشِفُ عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَطّوا وَجْهَهُ وَجَعَلَ عَلَى رِجْلَيْهِ الْحَرْمَلَ فَبَكَى الْمُسْلِمُونَ يَوْمئِذٍ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ عَمّ رَسُولِ اللّهِ لَا نَجِدُ لَهُ ثَوْبًا فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَفْتَتِحُ - يَعْنِي الْأَرْيَافَ وَالْأَمْصَارَ - فَيَخْرُجُ إلَيْهَا النّاسُ ثُمّ يُبْعَثُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ إنّكُمْ بِأَرْضِ حِجَازٍ جَرْدِيّةٍ [ الْجَرْدِيّةُ الّتِي لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَشْجَارِ ] وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَصْبِرُ وَاحِدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا وَشِدّتِهَا إلّا كُنْت لَهُ شَفِيعًا - أَوْ شَهِيدًا - يَوْمَ الْقِيَامَةِ
قَالُوا : وَأَتَى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ فَقَالَ حَمْزَةُ - أَوْ رَجُلٌ آخَرُ - لَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَلَمْ يُوجَدْ لَهُ كَفَنٌ إلّا بُرْدَةٌ وَكَانَا خَيْرًا مِنّي
وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَهُوَ مَقْتُولٌ فِي بُرْدَةٍ فَقَالَ لَقَدْ رَأَيْتُك بِمَكّةَ وَمَا بِهَا أَحَدٌ أَرَقّ حُلّةً وَلَا أَحْسَنَ لِمّةً مِنْك ; ثُمّ أَنْتَ شَعِثُ الرّأْسِ فِي بُرْدَةٍ . ثُمّ أَمَرَ بِهِ يُقْبَرُ وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ أَخُوهُ أَبُو الرّومِ ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرْمَلَةَ
وَنَزَلَ فِي قَبْرِ حَمْزَةَ عَلِيّ ، وَالزّبَيْرُ وَأَبُو بَكْر ٍ ، وَعُمَرُ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ عَلَى حُفْرَتِهِ . وَكَانَ النّاسُ أَوْ عَامّتُهُمْ قَدْ حَمَلُوا قَتَلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدُفِنَ بِبَقِيعِ الْجَبَلِ مِنْهُمْ عِدّةٌ عِنْدَ دَارِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْيَوْمَ بِالسّوقِ سُوقِ الظّهْرِ وَدُفِنَ بِبَنِي سَلِمَةَ بَعْضُهُمْ وَدُفِنَ مَالِكُ بْنُ سِنَانَ فِي مَوْضِعِ أَصْحَابِ الْعَبَاءِ الّذِي عِنْدَ دَارِ نَخْلَةَ . ثُمّ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُدّوا الْقَتْلَى إلَى مَضَاجِعِهِمْ وَكَانَ النّاسُ قَدْ دَفَنُوا قَتَلَاهُمْ فَلَمْ يُرَدّ أَحَدٌ إلّا رَجُلًا وَاحِدًا أَدْرَكَهُ الْمُنَادِي وَلَمْ يُدْفَنْ وَهُوَ شَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيّ ، كَانَ حُمِلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَبِهِ رَمَقٌ فَأُدْخِلَ عَلَى عَائِشَةَ رضي اللّهُ عَنْهَا زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ابْنُ عَمّي يُدْخَلُ عَلَى غَيْرِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْمِلُوهُ إلَى أُمّ سَلَمَةَ . فَحُمِلَ إلَيْهَا فَمَاتَ عِنْدَهَا ، فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ نَرُدّهُ إلَى أُحُدٍ ، فَدُفِنَ هُنَاكَ كَمَا هُوَ فِي ثِيَابِهِ الّتِي مَاتَ فِيهَا ، وَكَانَ قَدْ مَكَثَ يَوْمًا وَلَيْلَةً . وَلَكِنّهُ لَمْ يُذَقْ شَيْئًا ، وَلَمْ يُصَلّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يُغَسّلْهُ [ ص 312 ]
قَالُوا : وَكَانَ مَنْ دُفِنَ هُنَاكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنّمَا دُفِنَ فِي الْوَادِي .
وَكَانَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ إذَا سُئِلَ عَنْ تِلْكَ الْقُبُورِ الْمُجْتَمِعَةِ بِأُحُدٍ يَقُولُ قَوْمٌ مِنْ الْأَعْرَابِ كَانُوا زَمَانَ الرّمَادَةِ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ هُنَاكَ فَمَاتُوا فَتِلْكَ قُبُورُهُمْ .
وَكَانَ عَبّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيّ يُنْكِرُ تِلْكَ الْقُبُورِ وَيَقُولُ إنّمَا هُمْ قَوْمٌ مَاتُوا زَمَانَ الرّمَادَةِ . وَكَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ يَقُولَانِ لَا نَعْرِفُ تِلْكَ الْقُبُورِ الْمُجْتَمِعَةِ إنّمَا هِيَ قُبُورُ نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ ; وَقُبُورٌ مَنْ قُبُورِ الشّهَدَاءِ قَدْ غُيّبَتْ لَا نَعْرِفُهُمْ بِالْوَادِي وَبِالْمَدِينَةِ وَنَوَاحِيهَا ، إلّا أَنّا نَعْرِفُ قَبْرَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَقَبْرَ [ ص 313 ] سَهْلِ بْنِ قَيْسٍ ، وَقَبْرَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ .
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَزُورُهُمْ فِي كُلّ حَوْلٍ وَإِذَا تَفَوّهَ الشّعْبَ رَفَعَ صَوْتَهُ فَيَقُولُ السّلَامُ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ ثُمّ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كُلّ حَوْلٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ثُمّ مُعَاوِيَةُ حَيْنَ مَرّ حَاجّا أَوْ مُعْتَمِرًا

(1/311)




وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَيْتَ أَنّي غُودِرْت مَعَ أَصْحَابِ الْجَبَلِ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَأْتِيهِمْ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ وَالثّلَاثَةِ فَتَبْكِي عِنْدَهُمْ وَتَدْعُو وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ يَذْهَبُ إلَى مَالِهِ بِالْغَابَةِ فَيَأْتِي مِنْ خَلْفِ قُبُورِ الشّهَدَاءِ فَيَقُولُ السّلَامُ عَلَيْكُمْ ثَلَاثًا ، ثُمّ يُقْبِلُ عَلَى أَصْحَابِهِ فَيَقُولُ أَلَا تُسَلّمُونَ عَلَى قَوْمٍ يَرُدّونَ عَلَيْكُمْ السّلَامَ ؟ لَا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلّا رَدّوا عَلَيْهِ السّلَامَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَوَقَفَ عَلَيْهِ وَدَعَا ، وَقَرَأَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلًا أَشْهَدُ أَنّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ عِنْدَ اللّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأْتُوهُمْ وَزُورُوهُمْ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا رَدّوا عَلَيْه [ ص 314 ]
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقِفُ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ فَيَدْعُو وَيَقُولُ لِمَنْ مَعَهُ لَا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلّا رَدّوا عَلَيْهِ السّلَامَ فَلَا تَدَعُوا السّلَامَ عَلَيْهِمْ وَزِيَارَتَهُمْ
وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ يُحَدّثُ أَنّهُ كَانَ يَذْهَبُ مَعَ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَسَلَمَةَ بْنِ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ فِي الْأَشْهُرِ إلَى أُحُدٍ ، فَيُسَلّمَانِ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ أَوّلَهَا ، وَيَقِفَانِ عِنْدَهُ وَعِنْدَ قَبْرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ مَعَ قُبُورِ مَنْ هُنَاكَ .
وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَذْهَبُ فَتُسَلّمُ عَلَيْهِمْ فِي كُلّ شَهْرٍ فَتَظَلّ يَوْمَهَا ; فَجَاءَتْ يَوْمًا وَمَعَهَا غُلَامَهَا نَبْهَانُ فَلَمْ يُسَلّمْ فَقَالَتْ أَيْ لُكَعُ أَلَا تُسَلّمُ عَلَيْهِمْ ؟ وَاَللّهِ لَا يُسَلّمُ عَلَيْهِمْ أَحَدٌ إلّا رَدّوا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
وَكَانَ أَبُو هَرِيرَةَ يُكْثِرُ الِاخْتِلَافَ إلَيْهِمْ .
وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو إذَا رَكِبَ إلَى الْغَابَةِ فَبَلَغَ ذُبَابَ ، عَدَلَ إلَى قُبُورِ الشّهَدَاءِ فَسَلّمَ عَلَيْهِمْ ثُمّ رَجَعَ إلَى ذُبَابَ حَتّى اسْتَقْبَلَ الطّرِيقَ - طَرِيقَ الْغَابَةِ - وَيَكْرَهُ أَنْ يَتّخِذَهُمْ طَرِيقًا ، ثُمّ يُعَارِضُ الطّرِيقَ حَتّى يَرْجِعَ إلَى طَرِيقِهِ الْأُولَى .
وَكَانَتْ فَاطِمَةُ الْخُزَاعِيّةُ قَدْ أَدْرَكَتْ تَقُولُ رَأَيْتنِي وَغَابَتْ الشّمْسُ بِقُبُورِ الشّهَدَاءِ وَمَعِي أُخْتٌ لِي ، فَقُلْت لَهَا : تَعَالَيْ نُسَلّمُ عَلَى قَبْرِ حَمْزَةَ وَنَنْصَرِفُ . قَالَتْ نَعَمْ . فَوَقَفْنَا عَلَى قَبْرِهِ فَقُلْنَا : السّلَامُ عَلَيْك يَا عَمّ رَسُولِ اللّهِ . فَسَمِعْنَا كَلَامًا رَدّ عَلَيْنَا : وَعَلَيْكُمَا السّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ . قَالَتَا : وَمَا قُرْبَنَا أَحَدٌ مِنْ النّاسِ
قَالُوا : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ دَفْنِ أَصْحَابِهِ دَعَا بِفَرَسِهِ فَرَكِبَهُ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ حَوْلَهُ عَامّتُهُمْ جَرْحَى ، وَلَا مِثْلَ لِبَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَمَعَهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ امْرَأَةً فَلَمّا كَانُوا بِأَصْلِ الْحَرّةِ قَالَ اصْطَفّوا فَنُثْنِيَ عَلَى اللّهِ فَاصْطَفّ النّاسُ صَفّيْنِ خَلْفَهُمْ النّسَاءُ ثُمّ دَعَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 315 ] اللّهُمّ لَك الْحَمْدُ كُلّهُ اللّهُمّ لَا قَابِضَ لِمَا بَسَطْت ، وَلَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْت ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْت ، وَلَا هَادِيَ لِمَنْ أَضَلَلْت ، وَلَا مُضِلّ لِمَنْ هَدَيْت ، وَلَا مُقَرّبَ لِمَا بَاعَدْت ، وَلَا مُبَاعِدَ لِمَا قَرّبْت اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُك مِنْ بَرَكَتِك وَرَحْمَتِك وَفَضْلِك وَعَافِيَتِك اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُك النّعِيمَ الْمُقِيمَ الّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُك الْأَمْنَ يَوْمَ الْخَوْفِ وَالْغِنَاءَ يَوْمَ الْفَاقَةِ عَائِذًا بِك اللّهُمّ مِنْ شَرّ مَا أَعْطَيْتنَا وَشَرّ مَا مَنَعْت مِنّا اللّهُمّ تَوَفّنَا مُسْلِمِينَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيّنْهُ فِي قُلُوبِنَا ، وَكَرّهْ إلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ وَاجْعَلْنَا مِنْ الرّاشِدِينَ اللّهُمّ عَذّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الّذِينَ يُكَذّبُونَ رَسُولَك وَيَصُدّونَ عَنْ سَبِيلِك اللّهُمّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمْ رِجْسَك وَعَذَابَك إلَهَ الْحَقّ آمِينَ وَأَقْبَلَ حَتّى نَزَلَ بِبَنِي حَارِثَةَ يَمِينًا حَتّى طَلَعَ عَلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَى قَتَلَاهُمْ فَقَالَ لَكِنّ حَمْزَةَ لَا بَوَاكِيَ لَهُ [ ص 316 ]
فَخَرَجَ النّسَاءُ يَنْظُرْنَ إلَى سِلَامَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَانَتْ أُمّ عَامِرٍ الْأَشْهَلِيّةُ تَقُولُ قِيلَ لَنَا قَدْ أَقْبَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ فِي النّوْحِ عَلَى قَتَلَانَا . فَخَرَجْنَا فَنَظَرْت إلَيْهِ فَإِذَا عَلَيْهِ الدّرْعُ كَمَا هِيَ فَنَظَرْت إلَيْهِ فَقُلْت : كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك جَلَلٌ . وَخَرَجَتْ أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ - وَهِيَ كَبْشَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ - تَعْدُو نَحْوَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاقِفٌ عَلَى فَرَسِهِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ أُمّي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْحَبًا بِهَا فَدَنَتْ حَتّى تَأَمّلَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ أَمّا إذْ رَأَيْتُك سَالِمًا ، فَقَدْ أَشْوَتْ الْمُصِيبَةُ . فَعَزّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعَمْرِو بْنِ مُعَاذٍ ابْنِهَا ، ثُمّ قَالَ يَا أُمّ سَعْدٍ أَبْشِرِي وَبَشّرِي أَهْلِيهِمْ أَنّ قَتَلَاهُمْ قَدْ تَرَافَقُوا فِي الْجَنّةِ جَمِيعًا - وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا - وَقَدْ شَفَعُوا فِي أَهْلِيهِمْ . قَالَتْ رَضِينَا يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَنْ يَبْكِي عَلَيْهِمْ بَعْدَ هَذَا ؟ ثُمّ قَالَتْ اُدْعُ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَنْ خُلّفُوا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ أَذْهِبْ حُزْنَ قُلُوبِهِمْ وَاجْبُرْ مُصِيبَتَهُمْ وَأَحْسِنْ الْخَلَفَ عَلَى مَنْ خُلّفُوا . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلّ أَبَا عَمْرٍو الدّابّةَ . فَخَلّى الْفَرَسَ وَتَبِعَهُ النّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ با أَبَا عَمْرٍو ، إنّ الْجِرَاحَ فِي أَهْلِ دَارِك فَاشِيَةٌ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَجْرُوحٌ إلّا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ جُرْحُهُ كَأَغْزَرِ مَا كَانَ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ رِيحُ مِسْكٍ فَمَنْ كَانَ مَجْرُوحًا فَلْيَقِرّ فِي دَارِهِ وَلْيُدَاوِ جُرْحَهُ وَلَا يَبْلُغُ مَعِي بَيْتِي عَزْمَةً مِنّي . فَنَادَى فِيهِمْ سَعْدٌ عَزْمَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلّا يَتّبِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَرِيحٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَتَخَلّفَ كُلّ مَجْرُوحٍ فَبَاتُوا يُوقِدُونَ النّيرَانَ وَيُدَاوُونَ الْجِرَاحَ وَإِنّ فِيهِمْ لَثَلَاثِينَ جَرِيحًا . وَمَضَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مَعَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ ثُمّ رَجَعَ إلَى نِسَائِهِ فَسَاقَهُنّ وَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ إلّا جَاءَ بِهَا إلَى بَيْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَكَيْنَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ . وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ فَرَغَ مِنْ النّوُمِ لِثُلُثِ اللّيْلِ فَسَمِعَ الْبُكَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ فَقِيلَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ يَبْكِينَ عَلَى حَمْزَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَضِيَ اللّهُ عَنْكُنّ وَعَنْ أَوْلَادِكُنّ وَأَمَرَنَا أَنْ نُرَدّ إلَى مَنَازِلِنَا . قَالَتْ فَرَجَعْنَا إلَى بُيُوتِنَا بَعْدَ لَيْلٍ مَعَنَا رِجَالُنَا ، فَمَا بَكَتْ مِنّا امْرَأَةٌ قَطّ إلّا بَدَأَتْ بِحَمْزَةَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا [ ص 317 ]

(1/314)







وَيُقَالُ إنّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ جَاءَ بِنِسَاءِ بَنِي سَلِمَةَ ، وَجَاءَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بِنِسَاءِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَرَدْت هَذَا وَنَهَاهُنّ الْغَدَ عَنْ النّوْحِ أَشَدّ النّهْيِ
وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَغْرِبَ بِالْمَدِينَةِ وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ عِنْدَ نَكْبَةٍ قَدْ أَصَابَتْ أَصْحَابَهُ وَأُصِيبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفْسِهِ . فَجَعَلَ ابْنُ أُبَيّ وَالْمُنَافِقُونَ مَعَهُ يَشْمَتُونَ وَيُسَرّونَ بِمَا أَصَابَهُمْ وَيُظْهِرُونَ أَقْبَحَ الْقَوْلِ .
وَرَجَعَ مَنْ رَجَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَامّتُهُمْ جَرِيحٌ وَرَجَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَهُوَ جَرِيحٌ فَبَاتَ يَكْوِي الْجِرَاحَةَ بِالنّارِ حَتّى ذَهَبَ اللّيْلُ وَجَعَلَ أَبُوهُ يَقُولُ مَا كَانَ خُرُوجُك مَعَهُ إلَى هَذَا الْوَجْهِ بِرَأْيٍ عَصَانِي مُحَمّدٌ وَأَطَاعَ الْوِلْدَانَ وَاَللّهِ لَكَأَنّي كُنْت أَنْظُرُ إلَى هَذَا . فَقَالَ ابْنُهُ الّذِي صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ .
وَأَظْهَرَتْ الْيَهُودُ الْقَوْلَ السّيّئَ فَقَالُوا : مَا مُحَمّدٌ إلّا طَالِبُ مُلْكٍ مَا أُصِيبَ هَكَذَا نَبِيّ قَطّ ; أُصِيبَ فِي بَدَنِهِ وَأُصِيبَ فِي أَصْحَابِهِ وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يُخَذّلُونَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ وَيَأْمُرُونَهُمْ بِالتّفَرّقِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَ الْمُنَافِقُونَ يَقُولُونَ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ كَانَ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ عِنْدَنَا مَا قُتِلَ . حَتّى سَمِعَ [ ص 318 ] عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ذَلِكَ فِي أَمَاكِنَ فَمَشَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَسْتَأْذِنَهُ فِي قَتْلِ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عُمَرُ إنّ اللّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ وَمُعِزّ نَبِيّهُ وَلِلْيَهُودِ ذِمّةٌ فَلَا أَقْتُلُهُمْ . قَالَ فَهَؤُلَاءِ الْمُنَافِقُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَيْسَ يُظْهِرُونَ شَهَادَةَ أَنّ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ وَإِنّمَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ تَعَوّذًا مِنْ السّيْفِ فَقَدْ بَانَ لَهُمْ أَمْرُهُمْ وَأَبْدَى اللّهُ أَضْغَانَهُمْ عِنْدَ هَذِهِ النّكْبَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُهِيت عَنْ قَتْلِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ . يَا ابْنَ الْخَطّابِ . إنّ قُرَيْشًا لَنْ يَنَالُوا مِنّا مِثْلَ هَذَا الْيَوْمِ حَتّى نَسْتَلِمَ الرّكْنَ
قَالُوا : فَكَانَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلّ جُمُعَةٍ شَرَفًا لَهُ لَا يُرِيدُ تَرْكَهُ . فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أُحُدٍ إلَى الْمَدِينَةِ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَامَ ابْنُ أُبَيّ فَقَالَ هَذَا رَسُولُ اللّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَدْ أَكْرَمَكُمْ اللّهُ بِهِ اُنْصُرُوهُ وَأَطِيعُوهُ . فَلَمّا صَنَعَ بِأُحُدٍ مَا صَنَعَ قَامَ لِيَفْعَلَ ذَلِكَ . فَقَامَ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَقَالُوا : اجْلِسْ يَا عَدُوّ اللّهِ وَقَامَ إلَيْهِ أَبُو أَيّوبَ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ ، وَكَانَا أَشَدّ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ مِمّنْ حَضَرَ وَلَمْ يَقُمْ إلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَجَعَلَ أَبُو أَيّوبَ يَأْخُذُ بِلِحْيَتِهِ وَعُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ يَدْفَعُ فِي رَقَبَتِهِ وَيَقُولَانِ لَهُ لَسْت لِهَذَا الْمَقَامِ بِأَهْلٍ فَخَرَجَ بَعْدَ مَا أَرْسَلَاهُ وَهُوَ يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَهُوَ يَقُولُ كَأَنّمَا قُلْت هُجْرًا ; قُمْت لِأَشُدّ أَمْرَهُ فَلَقِيَهُ مُعَوّذُ بْنُ عَفْرَاءَ فَقَالَ مَا لَك ؟ قَالَ قُمْت ذَلِكَ الْمَقَامَ الّذِي كُنْت أَقَوْمُ أَوّلًا ، فَقَامَ إلَيّ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِي ، فَكَانَ أَشَدّهُمْ عَلَيّ عُبَادَةُ وَخَالِدُ بْنُ زَيْدٍ . فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ فَيَسْتَغْفِرَ لَك رَسُولُ اللّهِ . فَقَالَ [ ص 319 ] وَاَللّهِ مَا أَبْغِي يَسْتَغْفِرُ لِي . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللّهِ
الْآيَةُ . قَالَ وَلَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى ابْنِهِ جَالِسٌ فِي النّاسِ مَا يَشُدّ الطّرْفَ إلَيْهِ فَجَعَلَ يَقُولُ أَخَرَجَنِي مُحَمّدٌ مِنْ مِرْبَدِ سَهْلٍ وَسُهَيْلٍ .








(1/318)




مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ بِأُحُدٍ قَالَ الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ أُمّ بَكْرٍ بِنْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ ، قَالَتْ قَالَ أَبِي الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدّثْنَا عَنْ أُحُدٍ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي عُدّ بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ مِنْ آلِ عِمْرَانَ فَكَأَنّك حَضَرْتنَا : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ إلَى آخِرِ الْآيَةِ . قَالَ غَدَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ فَجَعَلَ يَصُفّ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ كَأَنّمَا يُقَوّمُ بِهِمْ الْقِدَاحَ إنْ رَأَى صَدْرًا خَارِجًا قَالَ تَأَخّرْ وَفِي قَوْلِهِ إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا إلَى آخِرِ الْآيَةِ . قَالَ هُمْ بَنُو سَلِمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ ، هَمّوا أَلّا يَخْرُجُوا مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، ثُمّ عَزَمَ لَهُمَا فَخَرَجُوا
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ ، يَقُولُ قَلِيلٌ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبَضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ; فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ مَا أَبْلَاكُمْ بِبَدْرٍ مِنْ الظّفَرِ . إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ هَذَا يَوْمُ أُحُدٍ ; [ ص 320 ] أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا . . الْآيَةُ كَانَ نَزَلَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى أُحُدٍ : إنّي مُمِدّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى لَكُمْ قَالَ فَلَمْ يَصْبِرُوا وَانْكَشَفُوا فَلَمْ يُمَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَلَكٍ وَاحِدٍ يَوْمَ أُحُدٍ . وَقَوْلُهُ مُسَوّمِينَ قَالَ مُعْلِمِينَ . وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى لَكُمْ لِتَسْتَبْشِرُوا بِهِمْ وَلِتَطْمَئِنّوا إلَيْهِمْ . لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ يَقُولُ نُصِيبُ مِنْهُمْ أَحَدًا وَيَنْقَلِبُونَ خَائِبِينَ . لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ قَالَ يَعْنِي الّذِينَ انْهَزَمُوا يَوْمَ أُحُدٍ . وَيُقَالُ نَزَلَتْ فِي حَمْزَةَ حَيْنَ رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بِهِ مِنْ الْمَثْلِ فَقَالَ لَأُمَثّلَنّ بِهِمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . وَيُقَالُ نَزَلَ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْنَ رُمِيَ يَوْمَ أُحُدٍ فَجَعَلَ يَقُولُ كَيْفَ يَفْلَحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا بِنَبِيّهِمْ ؟
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ، قَالَ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ إذَا حَلّ حَقّ أَحَدِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُ غَرِيمَهُ أَخّرَهُ عَنْهُ وَأَضْعَفَهُ عَلَيْهِ . وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبّكُمْ قَالَ التّكْبِيرَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فَيُقَالُ الْجَنّةُ فِي السّمَاءِ الرّابِعَةِ . الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ قَالَ السّرّاءُ الْيُسْرُ وَالضّرّاءُ الْعُسْرُ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ يَعْنِي عَمّنْ آذَاهُمْ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ مَا أُوتِيَ إلَيْهِمْ . وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّا اللّهُ وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ فَكَانَ يُقَالُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ تَوْبَةٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ . هَذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ مِنْ الْعَمَى ; وَهُدًى مِنْ الضّلَالَةِ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتّقِينَ وَلَا تَهِنُوا يَقُولُ فِي [ ص 321 ] قِتَالِ الْعَدُوّ وَلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَنْ أُصِيبَ مِنْكُمْ بِأُحُدٍ مِنْ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ يَقُولُ قَدْ أَصَبْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ ضِعْفَ مَا أَصَابُوا مِنْكُمْ بِأُحُدٍ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ يَعْنِي جِرَاحٌ فَقَدْ مَسّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ يَعْنِي جِرَاحَ يَوْمِ بَدْرٍ ; وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ يَقُولُ لَهُمْ دَوْلَةٌ وَلَكُمْ دَوْلَةٌ وَالْعَاقِبَةُ لَكُمْ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا يَقُولُ مَنْ قَاتَلَ [ مَعَ ] نَبِيّهِ وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَلِيُمَحّصَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا يَعْنِي يَبْلُوهُمْ - الّذِينَ قَاتَلُوا وَثَبَتُوا ; وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ يَعْنِي مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ وَأَبْلَى فِيهِ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ مَنْ يَصْبِرُ يَوْمئِذٍ . وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ قَالَ السّيُوفُ فِي أَيَدِي الرّجَالِ كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَخَلّفُوا عَنْ بَدْرٍ فَكَانُوا هُمْ الّذِينَ أَلَحّوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخُرُوجِ إلَى أُحُدٍ فَيُصِيبُونَ مِنْ الْأَجْرِ وَالْغَنِيمَةِ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ وَلّى مِنْهُمْ مَنْ وَلّى . وَيُقَالُ هُوَ فِي نَفَرٍ كَانُوا تَكَلّمُوا قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ فَقَالُوا : لَيْتَنَا نَلْقَى جَمْعًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَإِمّا أَنْ نَظْفَرَ بِهِمْ أَوْ نُرْزَقَ الشّهَادَةَ . فَلَمّا نَظَرُوا إلَى الْمَوْتِ يَوْمَ أُحُدٍ هَرَبُوا . وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ إلَى آخِرِ الْآيَةِ .
قَالَ إنّ إبْلِيسَ تَصَوّرَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي صُورَةِ جُعَالَ بْنِ سُرَاقَةَ الثّعْلَبِيّ فَنَادَى « إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ » فَتَفَرّقَ النّاسُ فِي كُلّ وَجْهٍ فَقَالَ عُمَرُ : إنّي أَرْقَى فِي الْجَبَلِ كَأَنّي أُرْوِيّةً حَتّى انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ . . الْآيَةُ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ يَقُولُ تَوَلّى . [ ص 322 ] وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابًا مُؤَجّلًا يَقُولُ مَا كَانَ لَهَا أَنْ تَمُوتَ دُونَ أَجَلِهَا ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أُبَيّ حَيْنَ رَجَعَ بِأَصْحَابِهِ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا فَأَخْبَرَهُ اللّهُ أَنّهُ كِتَابٌ مُؤَجّلٌ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا يَقُولُ مَنْ يَعْمَلْ لِلدّنْيَا نُعْطِهِ مِنْهَا مَا يَشَاءُ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ يَقُولُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ قَالَ الْجَمَاعَةُ الْكَثِيرَةُ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا يَقُولُ مَا اسْتَسْلَمُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا ضَعُفَتْ نِيّاتُهُمْ وَمَا اسْتَكَانُوا يَقُولُ مَا ذَلّوا لِعَدُوّهِمْ وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ يُخْبِرُ أَنّهُمْ صَبَرُوا . وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إلَى قَوْلِهِ وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ يَقُولُ أَعْطَاهُمْ النّصْرَ وَالظّفَرَ وَأَوْجَبَ لَهُمْ الْجَنّةَ فِي الْآخِرَةِ .
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا يَرُدّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ يَقُولُ إنْ تُطِيعُوا الْيَهُودَ وَالْمُنَافِقِينَ فِيمَا يَخْذُلُونَكُمْ تَرْتَدّوا عَنْ دِينِكُمْ . بَلِ اللّهُ مَوْلَاكُمْ يَعْنِي الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ يَتَوَلّاكُمْ . سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُصِرْت بِالرّعْبِ شَهْرًا أَمَامِي وَشَهْرًا خَلْفِي
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ وَالْحِسّ الْقَتْلُ يَقُولُ الّذِي خَبّرَكُمْ أَنّكُمْ إنْ صَبَرْتُمْ أَمَدّكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَهَنْتُمْ عَنْ الْعَدُوّ وَتَنَازَعْتُمْ يَعْنِي اخْتِلَافَ الرّمَاةِ حَيْثُ وَضَعَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعْصِيَتَهُمْ وَتَقَدّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلّا تَبْرَحُوا وَلَا تُفَارِقُوا مَوْضِعَكُمْ وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلَا تُعِينُونَا وَإِنْ رَأَيْتُمُونَا نَغْنَمُ فَلَا تُشْرِكُونَا ; مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبّونَ يَعْنِي هَزِيمَةَ الْمُشْرِكِينَ وَتَوَلّيْتُمْ هَارِبِينَ [ ص 323 ] مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا يَعْنِي الْعَسْكَرَ وَمَا فِيهِ مِنْ النّهْبِ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ الّذِينَ ثَبَتُوا مِنْ الرّمَاةِ وَلَمْ يَغْنَمُوا - عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ وَمَنْ ثَبَتَ مَعَهُ . فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا كُنْت أَرَى أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ الدّنْيَا حَتّى سَمِعْت هَذِهِ الْآيَةَ
قَالَ ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ يَقُولُ حَيْثُ كَانَتْ الدّوْلَةُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ لِيَرْجِعَ الْمُشْرِكُونَ فَيَقْتُلُوا مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ وَيَجْرَحُوا مَنْ جُرِحُوا مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ يَعْنِي عَمّنْ وَلّى يَوْمئِذٍ مِنْكُمْ وَمَنْ أَرَادَ مَا أَرَادَ مِنْ النّهْبِ فَعَفَا عَنْ ذَلِكَ كُلّهِ .
إِذْ تُصْعِدُونَ يَعْنِي فِي الْجَبَلِ تَهْرُبُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ كَانُوا يَمُرّونَ مُنْهَزِمِينَ يَصْعَدُونَ إلَى الْجَبَلِ وَرَسُولُهُمْ يُنَادِيهِمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَنَا رَسُولُ اللّهِ إلَيّ إلَيّ فَلَا يَلْوِي عَلَيْهِ أَحَدٌ ، فَعَفَا ذَلِكَ عَنْهُمْ . فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ فَالْغَمّ الْأَوّلُ الْجِرَاحُ وَالْقَتْلُ وَالْغَمّ الْآخِرُ حَيْنَ سَمِعُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قُتِلَ فَأَنْسَاهُمْ الْغَمّ الْآخِرُ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ الْغَمّ الْأَوّلِ مِنْ الْجِرَاحِ وَالْقَتْلِ .
وَيُقَالُ الْغَمّ الْأَوّلُ حَيْثُ صَارُوا إلَى الْجَبَلِ بِهَزِيمَتِهِمْ وَتَرْكِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْغَمّ الْآخِرُ [ حَيْنَ ] تَفَرّعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَعَلَوْهُمْ مِنْ فَرْعِ الْجَبَلِ فَنَسُوا الْغَمّ الْأَوّلَ .
وَيُقَالُ غَمّا بِغَمّ بَلَاءً عَلَى أَثَرِ بَلَاءٍ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ يَقُولُ لِئَلّا تَذْكُرُوا مَا فَاتَكُمْ مِنْ نَهْبِ مَتَاعِهِمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ مَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ أَوْ جُرِحَ . ثُمّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُعَاسًا إلَى قَوْلِهِ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قَالَ الزّبَيْرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ سَمِعْت هَذَا الْقَوْلَ مِنْ مُعَتّبِ بْنِ قُشَيْرٍ ، وَقَدْ وَقَعَ عَلَيّ [ ص 324 ] النّعَاسُ وَإِنّي لَكَالْحَالِمِ أَسْمَعُهُ يَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ وَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَنّهُ صَاحِبُ هَذَا الْكَلَامِ .
قَالَ اللّهُ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدّ مِنْ أَنْ يَصِيرُوا إلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ يَقُولُ يُخْرِجُ أَضْغَانَهُمْ وَغِشّهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ يَقُولُ مَا يُكِنّونَ مِنْ نُصْحٍ أَوْ غِشّ . إِنّ الّذِينَ تَوَلّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنّمَا اسْتَزَلّهُمُ الشّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا يَعْنِي مَنْ انْهَزَمَ يَوْمَ أُحُدٍ ، يَقُولُ أَصَابَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ يَعْنِي انْكِشَافَهُمْ . يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إلَى قَوْلِهِ مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا قَالَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيّ ; يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِلْمُؤْمِنَيْنِ لَا تَكَلّمُوا وَلَا تَقُولُوا كَمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ .
وَهُوَ الّذِي قَالَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ كَالّذِينَ كَفَرُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ . وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتّمْ إلَى آخِرِ الْآيَةِ يَقُولُ مَنْ قُتِلَ بِالسّيْفِ أَوْ مَاتَ بِإِزَاءِ عَدُوّ أَوْ مُرَابِطٍ فَهُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُ مِنْ الدّنْيَا .
وَقَوْلُهُ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ يَقُولُ تَصِيرُونَ إلَيْهِ جَمِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَقَوْلُهُ لَانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ يَعْنِي أَصْحَابَهُ الّذِينَ انْكَشَفُوا بِأُحُدٍ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ أَمَرَهُ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ فِي الْحَرْبِ وَحْدَهُ وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُشَاوِرُ أَحَدًا إلّا فِي الْحَرْبِ فَإِذَا عَزَمْتَ أَيْ جَمَعْت ; فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ . وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي يَوْمِ بَدْر ٍ ; كَانُوا قَدْ غَنِمُوا قَطِيفَةً حَمْرَاءَ ; فَقَالُوا : مَا نَرَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا قَدْ أَخَذَهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ يَقُولُ مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ كَمَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ ؟ وَقَوْلُهُ هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ يَقُولُ فَضَائِلُ [ ص 325 ] بَيْنَهُمْ عِنْدَ اللّهِ . قَوْلُهُ لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَعْنِي مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ يَعْنِي الْقُرْآنَ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَالْحِكْمَةَ وَالصّوَابَ فِي الْقَوْلِ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ قَوْلُهُ أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا . . إلَى آخِرِ الْآيَةِ هَذَا مَا أَصَابَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ . قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سَبْعُونَ مَعَ مَا نَالَهُمْ مِنْ الْجِرَاحِ قُلْتُمْ أَنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُم ْ بِمَعْصِيَتِكُمْ الرّسُولَ يَعْنِي الرّمَاةَ وَقَوْلُهُ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قَتَلُوا يَوْمَ بَدْرٍ سَبْعِينَ وَأَسَرُوا سَبْعِينَ . وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ يَوْمَ أُحُدٍ ; فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُوا يَعْلَمُ مَنْ أَبْلَى وَقَاتَلَ وَقَتَلَ وَيَعْلَمُ الّذِينَ نَافَقُوا ; وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتّبَعْنَاكُمْ هَذَا ابْنُ أُبَيّ ، وَقَوْلُهُ أَوِ ادْفَعُوا يَقُولُ كَثّرُوا السّوَادَ وَيُقَالُ الدّعَاءَ .
قَالَ ابْنُ أُبَيّ يَوْمَ أُحُدٍ : لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتّبَعْنَاكُمْ يَقُولُ اللّهُ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيّ . وَفِي قَوْلِهِ الّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا هَذَا ابْنُ أُبَيّ ; قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ نَزَلَتْ فِي ابْنِ أُبَيّ . وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا إلَى قَوْلِهِ وَأَنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ إخْوَانَكُمْ لَمّا أُصِيبُوا بِأُحُدٍ جُعِلَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنَهَارَ الْجَنّةِ فَتَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَطْعَمِهِمْ وَرَأَوْا حُسْنَ مُنْقَلَبِهِمْ قَالُوا : لَيْتَ إخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ بِمَا أَكْرَمَنَا اللّهُ وَبِمَا نَحْنُ فِيهِ لِئَلّا يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عِنْدَ الْحَرْبِ . قَالَ اللّهُ تَعَالَى : أَنَا أُبَلّغُهُمْ عَنْكُمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا الْآيَةُ [ ص 326 ]
وَبَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الشّهَدَاءَ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ فِي الْجَنّةِ فِي قُبّةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ بُكْرَةً وَعَشِيّا
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إنّ أَرْوَاحَ الشّهَدَاءِ عِنْدَ اللّهِ كَطَيْرٍ خُضْرٍ لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلّقَةٌ بِالْعَرْشِ فَتَسْرَحُ فِي أَيّ الْجَنّةِ شَاءَتْ فَأَطْلَعَ رَبّك عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْءٍ فَأَزِيدَكُمُوهُ ؟ قَالُوا : رَبّنَا ، أَلَسْنَا فِي الْجَنّةِ نَسْرَحُ فِي أَيّهَا نَشَاءُ ؟ فَأَطْلَعَ عَلَيْهِمْ ثَانِيَةً فَقَالَ هَلْ تَشْتَهُونَ مِنْ شَيْءٍ فَأَزِيدَكُمُوهُ ؟ قَالُوا : رَبّنَا ، تُعِيدُ أَرْوَاحَنَا فِي أَجْسَادِنَا فَنُقْتَلُ فِي سَبِيلِك
وَقَوْلُهُ الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ إلَى آخِرِ الْآيَةِ هَؤُلَاءِ الّذِينَ غَزَوْا حَمْرَاءَ الْأَسَدِ .








(1/320)




حَدّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا كَانَ فِي الْمُحَرّمِ لَيْلَةَ الْأَحَدِ إذَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ عَلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِلَالٌ جَالِسٌ عَلَى بَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أَذّنَ بِلَالٌ وَهُوَ يَنْتَظِرُ خُرُوجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَنْ خَرَجَ فَنَهَضَ إلَيْهِ الْمُزَنِيّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقْبَلْت مِنْ أَهْلِي حَتّى إذَا كُنْت بِمَلَلٍ فَإِذَا قُرَيْشٌ قَدْ نَزَلُوا ، فَقُلْت : لَأَدْخُلَنّ فِيهِمْ وَلَأَسْمَعَنّ مِنْ أَخْبَارِهِمْ . فَجَلَسْت مَعَهُمْ فَسَمِعْت أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ يَقُولُونَ مَا صَنَعْنَا شَيْئًا ، أَصَبْتُمْ شَوْكَةَ الْقَوْمِ وَحِدّتَهُمْ فَارْجِعُوا نَسْتَأْصِلْ مَنْ بَقِيَ وَصَفْوَانُ يَأْبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا بَكْر ٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، فَذَكَرَ لَهُمَا مَا أَخْبَرَهُ الْمُزَنِيّ ، فَقَالَا : اُطْلُبْ الْعَدُوّ وَلَا يَقْحَمُونَ عَلَى الذّرّيّةِ فَلَمّا سَلّمَ ثَابَ النّاسُ وَأَمَرَ بِلَالًا يُنَادِي يَأْمُرُ النّاسَ بِطَلَبِ عَدُوّهِمْ . وَقَالُوا : لَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ الْأَحَدِ أَمَرَ بِطَلَبِ عَدُوّهِمْ فَخَرَجُوا وَبِهِمْ الْجِرَاحَاتُ [ ص 327 ]
وَفِي قَوْلِهِ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا إلَى قَوْلِهِ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ فَإِنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَعَدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُد ٍ بَدْرَ الْمَوْعِدِ الصّفْرَاءِ ، عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ أَلَا تُوَافِي النّبِيّ ؟ فَبَعَثَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ إلَى الْمَدِينَةِ يُثَبّطُ الْمُسْلِمِينَ وَجَعَلَ لَهُ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ إنْ هُوَ رَدّهُمْ وَيَقُولُ إنّهُمْ قَدْ جَمَعُوا جَمُوعًا وَقَدْ جَاءُوكُمْ فِي دَارِكُمْ لَا تَخْرُجُوا إلَيْهِمْ . حَتّى كَادَ ذَلِكَ يُثَبّطُهُمْ أَوْ بَعْضَهُمْ فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ مَعِي أَحَدٌ لَخَرَجْت وَحْدِي . فَأَنْهَجْتُ لَهُمْ بَصَائِرَهُمْ فَخَرَجُوا بِتِجَارَاتٍ وَكَانَ بَدْرُ مَوْسِمًا . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ فِي التّجَارَةِ يَقُولُ ارْبَحُوا ; لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ لَمْ يَلْقَوْا قِتَالًا ، وَأَقَامُوا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ ثُمّ انْصَرَفُوا .
إِنّمَا ذَلِكُمُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ يَقُولُ الشّيْطَانُ يُخَوّفُكُمْ أَوْلِيَاءَهُ وَمَنْ أَطَاعَهُ . وَلَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنّهُمْ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ يَقُولُ اسْتَحَبّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ . وَلَا يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ يَقُولُ مَا يُصِحّ أَبْدَانَهُمْ وَيَرْزُقُهُمْ وَيُرِيهِمْ الدّوْلَةَ عَلَى عَدُوّهِمْ يَقُولُ أُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا كُفْرًا . مَا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ يَعْنِي مُصَابَ أَهْلِ أُحُدٍ ; وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ يَعْنِي يُقَرّبُ مِنْ رُسُلِهِ .
وَفِي قَوْلِهِ [ ص 328 ] وَلَا يَحْسَبَنّ الّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ إلَى قَوْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ يَأْتِي كَنْزُ الّذِي لَا يُؤَدّي حَقّهُ ثُعْبَانًا فِي عُنُقِهِ يَنْهَشُ لِهْزِمَتَيْهِ . يَقُولُ أَنَا كَنْزُك .
لَقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ قَالَ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا قَالَ فِنْحَاصُ الْيَهُودِيّ : اللّهُ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ لِيَسْتَقْرِضَ مِنّا ؟ وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ذَلِكَ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيكُمْ مِنْ كُفْرِكُمْ وَقَتْلِكُمْ الْأَنْبِيَاءَ . الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النّارُ الْآيَةُ وَاَلّتِي تَلِيهَا ، يَعْنِي يَهُودَ . وَلَتَسْمَعُنّ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ يَعْنِي الْيَهُودَ ; وَمِنَ الّذِينَ أَشْرَكُوا يَعْنِي مِنْ الْعَرَبِ ، أَذًى كَثِيرًا إلَى آخِرِ الْآيَةِ . قَالَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقِتَالِ .
وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيّنُنّهُ لِلنّاسِ إلَى قَوْلِهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ أَخَذَ عَلَى أَحْبَارِ الْيَهُودِ [ فِي أَمْرِ ] صِفّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلّا يَكْتُمُوهُ . فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاِتّخَذُوهُ مَأْكَلَةً وَغَيّرُوا صِفَتَهُ . وَقَوْلُهُ لَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا قَالَ نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا غَزَا فَقَدِمَ قَالُوا : إذَا غَزَوْت فَنَحْنُ نَخْرُجُ مَعَك . فَإِذَا غَزَا لَمْ يَخْرُجُوا مَعَهُ وَيُقَالُ هُمْ الْيَهُودُ . الّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ قَالَ يُصَلّونَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ يَعْنِي مُضْطَجِعِينَ . رَبّنَا إِنّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبّكُمْ فَآمَنّا قَالَ الْقُرْآنُ لَيْسَ كُلّهُمْ رَأَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَوْلُهُ [ ص 329 ] فَالّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ مَكّةَ . لَا يَغُرّنّكَ تَقَلّبُ الّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ يَقُولُ تِجَارَتُهُمْ وَحِرْفَتُهُمْ . وَإِنّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْهِمْ يَعْنِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلَامٍ . يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتّقُوا اللّهَ قَالَ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رِبَاطٌ إنّمَا كَانَتْ الصّلَاةُ بَعْدَ الصّلَاةِ .








(1/327)

وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ : لَمّا قُتِلَ سَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ بِأُحُدٍ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، ثُمّ مَضَى إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ . وَجَاءَ أَخُو سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ فَأَخَذَ مِيرَاثَ سَعْدٍ ، وَكَانَ لِسَعْدٍ ابْنَتَانِ وَكَانَتْ امْرَأَتُهُ حَامِلًا ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَوَارَثُونَ عَلَى مَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ حَتّى قُتِلَ سَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ . فَلَمّا قَبَضَ عَمّهُنّ الْمَالَ - وَلَمْ تَنْزِلْ الْفَرَائِضُ - وَكَانَتْ امْرَأَةُ سَعْدٍ امْرَأَةً حَازِمَةً صَنَعَتْ طَعَامًا - ثُمّ دَعَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خُبْزًا وَلَحْمًا وَهِيَ يَوْمئِذٍ بِالْأَسْوَافِ . فَانْصَرَفْنَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّبْحِ فَبَيْنَا نَحْنُ عِنْدَهُ جُلُوسٌ وَنَحْنُ نَذْكُرُ وَقْعَةَ أُحُدٍ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَنَذْكُرُ سَعْدَ بْنَ رَبِيعٍ إلَى أَنْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُومُوا بِنَا فَقُمْنَا مَعَهُ وَنَحْنُ عِشْرُونَ رَجُلًا حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى الْأَسْوَافِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلْنَا مَعَهُ فَنَجِدُهَا قَدْ رَشّتْ مَا بَيْن صُورَيْنِ وَطَرَحَتْ خَصَفَةً . قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ : وَاَللّهِ مَا ثَمّ وِسَادَةٌ وَلَا بِسَاطٌ فَجَلَسْنَا وَرَسُولُ اللّهِ [ ص 330 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَدّثُنَا عَنْ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ ، يَتَرَحّمُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَقَدْ رَأَيْت الْأَسِنّةَ شَرَعَتْ إلَيْهِ يَوْمئِذٍ حَتّى قُتِلَ . فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ النّسْوَةُ بَكَيْنَ فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا نَهَاهُنّ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْبُكَاءِ . قَالَ جَابِرٌ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ . قَالَ فَتَرَاءَيْنَا مَنْ يَطْلُعُ فَطَلَعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقُمْنَا فَبَشّرْنَاهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ سَلّمَ ثُمّ رَدّوا عَلَيْهِ ثُمّ جَلَسَ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ . فَتَرَاءَيْنَا مَنْ يَطْلُعُ مِنْ خِلَالِ السّعَفِ . فَطَلَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقُمْنَا فَبَشّرْنَاهُ بِمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ . ثُمّ قَالَ يَطْلُعُ عَلَيْكُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ . فَنَظَرْنَا مِنْ خِلَالِ السّعَفِ فَإِذَا عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ طَلَعَ فَقُمْنَا فَبَشّرْنَاهُ بِالْجَنّةِ ثُمّ جَاءَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ ثُمّ أُتِيَ بِالطّعَامِ . قَالَ جَابِرٌ فَأُتِيَ مِنْ الطّعَامِ بِقَدْرِ مَا يَأْكُلُ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ فِيهِ فَقَالَ خُذُوا بِسْمِ اللّهِ فَأَكَلْنَا مِنْهَا حَتّى نَهِلْنَا ; وَاَللّهِ مَا أُرَانَا حَرّكْنَا مِنْهَا شَيْئًا . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْفَعُوا هَذَا الطّعَامَ فَرَفَعُوهُ ثُمّ أَتَيْنَا بِرُطَبٍ فِي طَبَقٍ فِي بَاكُورَةٍ أَوْ مُؤَخّرٍ قَلِيلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسْمِ اللّهِ كُلُوا قَالَ فَأَكَلْنَا حَتّى نَهِلْنَا ، وَإِنّي لَأَرَى فِي الطّبَقِ نَحْوًا مِمّا أُتِيَ بِهِ . وَجَاءَتْ الظّهْرُ فَصَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَمَسّ مَاءً ثُمّ رَجَعَ إلَى مَجْلِسِهِ فَتَحَدّثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ جَاءَتْ الْعَصْرُ فَأُتِيَ بِبَقِيّةِ الطّعَامِ يَتَشَبّعُ بِهِ فَقَامَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 331 ] فَصَلّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَمَسّ مَاءً ثُمّ قَامَتْ امْرَأَةُ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ سَعْدَ بْنَ رَبِيعٍ قُتِلَ بِأُحُدٍ فَجَاءَ أَخُوهُ فَأَخَذَ مَا تَرَكَ وَتَرَكَ ابْنَتَيْنِ وَلَا مَالَ لَهُمَا ، وَإِنّمَا يُنْكَحُ - يَا رَسُولَ اللّهِ - النّسَاءُ عَلَى الْمَالِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ أَحْسِنْ الْخِلَافَةَ عَلَى تَرِكَتِهِ لَمْ يَنْزِلْ عَلَيّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ وَعُودِي إلَيّ إذَا رَجَعْت فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ جَلَسَ عَلَى بَابِهِ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُرَحَاءُ حَتّى ظَنَنّا أَنّهُ أَنْزَلَ عَلَيْهِ . قَالَ فَسُرّيَ عَنْهُ وَالْعَرَقُ يَتَحَدّرُ عَنْ جَبِينِهِ مِثْلَ الْجُمَانِ . فَقَالَ عَلَيّ بِامْرَأَةِ سَعْدٍ قَالَ فَخَرَجَ أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو حَتّى جَاءَ بِهَا . قَالَ وَكَانَتْ امْرَأَةً حَازِمَةً جَلْدَةً فَقَالَ أَيْنَ عَمّ وَلَدِك ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ فِي مَنْزِلِهِ . قَالَ اُدْعِيهِ لِي ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اجْلِسِي فَجَلَسَتْ وَبَعَثَ رَجُلًا يَعْدُو إلَيْهِ فَأَتَى بِهِ وَهُوَ فِي بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فَأَتَى وَهُوَ مُتْعَبٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ادْفَعْ إلَى بَنَاتِ أَخِيك ثُلُثَيْ مَا تَرَكَ أَخُوك فَكَبّرَتْ امْرَأَتُهُ تَكْبِيرَةً سَمِعَهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ادْفَعْ إلَى زَوْجَةِ أَخِيك الثّمُنَ وَشَأْنُك وَسَائِرُ مَا بِيَدِك . وَلَمْ يُوَرّثْ الْحَمْلَ يَوْمئِذٍ .
وَهِيَ أُمّ سَعْدِ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ امْرَأَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أُمّ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ . فَلَمّا وَلِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ تَزَوّجَ زَيْدٌ أُمّ سَعْدِ بِنْتَ سَعْدٍ وَكَانَتْ حَامِلًا ، فَقَالَ إنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ أَنْ تَكَلّمِي فِي مِيرَاثِك مِنْ أَبِيك ، فَإِنّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ وَرّثَ الْحَمْلَ الْيَوْمَ وَكَانَتْ أُمّ سَعْدٍ يَوْمَ قُتِلَ أَبُوهَا سَعْدٌ حَمْلًا . فَقَالَتْ مَا كُنْت لِأَطْلُبَ مِنْ أَخِي شَيْئًا
وَلَمّا انْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ بِأُحُدٍ كَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ بِخَبَرِ أُحُدٍ وَانْكِشَافِ [ ص 332 ] الْمُشْرِكِينَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، كَرِهَ أَنْ يَقْدَمَ مَكّةَ وَقَدِمَ الطّائِفَ فَأَخْبَرَ إنّ أَصْحَابَ مُحَمّد ٍ قَدْ ظَفِرُوا وَانْهَزَمْنَا ; كُنْت أَوّلَ مَنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ وَذَلِكَ حَيْنَ انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ الِانْهِزَامَةَ الْأُولَى ، ثُمّ تَرَاجَعَ الْمُشْرِكُونَ بَعْدُ فَنَالُوا مَا نَالُوا . وَكَانَ أَوّلُ مَنْ أَخْبَرَ قُرَيْشًا بِقَتْلِ أَصْحَابِ مُحَمّد ٍ وَظَفَرِ قُرَيْشٍ وَحْشِيّ .








(1/330)




وَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ شَيْبَةَ عَنْ قَطَرِ بْنِ وَهْبٍ اللّيْثِيّ قَالَ لَمّا قَدِمَ وَحْشِيّ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ بِمُصَابِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَارَ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَرْبَعًا ، فَانْتَهَى إلَى الثّنِيّةِ الّتِي تَطْلُعُ عَلَى الْحَجُونِ ، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مِرَارًا ، حَتّى ثَابَ النّاسُ إلَيْهِ وَهُمْ خَائِفُونَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ . فَلَمّا رَضِيَ مِنْهُمْ قَالَ أَبْشِرُوا ، قَدْ قَتَلْنَا أَصْحَابَ مُحَمّد ٍ مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلْ مِثْلُهَا فِي زَحْفٍ قَطّ ، وَجَرَحْنَا مُحَمّدًا فَأَثْبَتْنَاهُ بِالْجِرَاحِ وَقَتَلْت رَأْسَ الْكَتِيبَةِ حَمْزَةُ . وَتَفَرّقَ النّاسُ فِي كُلّ وَجْهٍ بِالشّمَاتَةِ بِقَتْلِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَإِظْهَارِ السّرُورِ وَخَلَا جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ بِوَحْشِيّ فَقَالَ اُنْظُرْ مَا تَقُولُ قَالَ وَحْشِيّ : قَدْ وَاَللّهِ صَدَقْت . قَالَ أَقَتَلَتْ حَمْزَةَ ؟ قَالَ قَدْ وَاَللّهِ زَرَقْته بِالْمِزْرَاقِ فِي بَطْنِهِ حَتّى خَرَجَ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ ثُمّ نُودِيَ فَلَمْ يُجِبْ فَأَخَذْت كَبِدُهُ وَحَمَلْتهَا إلَيْك لِتَرَاهَا . قَالَ أَذْهَبْت حُزْنَ نِسَائِنَا ، وَبَرّدْت حَرّ قُلُوبِنَا فَأَمَرَ يَوْمئِذٍ نِسَاءَهُ بِمُرَاجَعَةِ الطّيبِ وَالدّهْنِ . وَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَدْ انْهَزَمَ يَوْمئِذٍ فَمَضَى عَلَى [ ص 333 ] وَجْهِهِ فَنَامَ قَرِيبًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَلَمّا أَصْبَحَ دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَأَتَى مَنْزِلَ عُثْمَانَ بْنَ عفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَضَرَبَ بَابَهُ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ هُوَ هَاهُنَا ، هُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَأَرْسِلِي إلَيْهِ فَإِنّ لَهُ عِنْدِي ثَمَنَ بَعِيرٍ اشْتَرَيْته عَامَ أَوّلٍ فَجِئْته بِثَمَنِهِ وَإِلّا ذَهَبْت . قَالَ فَأَرْسَلْت إلَى عُثْمَانَ فَجَاءَ فَلَمّا رَآهُ قَالَ وَيْحَك ، أَهْلَكْتنِي وَأَهْلَكْت نَفْسَك ، مَا جَاءَ بِك ؟ قَالَ يَا ابْنَ عَمّ لَمْ يَكُنْ لِي أَحَدٌ أَقْرَبَ إلَيّ مِنْك وَلَا أَحَقّ . فَأَدْخَلَهُ عُثْمَانُ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ ثُمّ خَرَجَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ أَنْ يَأْخُذَ لَهُ أَمَانًا ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ عُثْمَانُ إنّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَصْبَحَ بِالْمَدِينَةِ فَاطْلُبُوهُ فَطَلَبُوهُ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اُطْلُبُوهُ فِي بَيْتِ عُثْمَانَ بْنِ عفّانَ فَدَخَلُوا بَيْتَ عُثْمَانَ فَسَأَلُوا أُمّ كُلْثُومٍ ، فَأَشَارَتْ إلَيْهِ فَاسْتَخْرَجُوهُ مِنْ تَحْتِ حِمَارَةٍ لَهُمْ فَانْطَلَقُوا بِهِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعُثْمَانُ جَالِسٌ عِنْدً رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَآهُ عُثْمَانُ قَدْ أُتِيَ بِهِ قَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ مَا جِئْتُك إلّا أَنْ أَسْأَلَك أَنْ تُؤَمّنَهُ فَهَبْهُ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ فَوَهَبَهُ لَهُ وَأَمّنَهُ وَأَجّلَهُ ثَلَاثًا ، فَإِنْ وُجِدَ بَعْدَهُنّ قُتِلَ . قَالَ فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَاشْتَرَى لَهُ بَعِيرًا وَجَهّزَهُ ثُمّ قَالَ ارْتَحِلْ فَارْتَحَلَ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، وَخَرَجَ عُثْمَانُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، وَأَقَامَ مُعَاوِيَةُ حَتّى كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ فَجَلَسَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِصُدُورِ الْعَقِيقِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مُعَاوِيَةَ قَدْ أَصْبَحَ قَرِيبًا فَاطْلُبُوهُ فَخَرَجَ النّاسُ فِي طَلَبِهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ أَخْطَأَ الطّرِيقَ [ ص 334 ] فَخَرَجُوا فِي أَثَرِهِ حَتّى يُدْرِكُوهُ فِي يَوْمِ الرّابِعِ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ أَسْرَعَا فِي طَلَبِهِ فَأَدْرَكَاهُ بِالْجَمّاءِ فَضَرَبَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَقَالَ عَمّارٌ إنّ لِي فِيهِ حَقّا فَرَمَاهُ عَمّارٌ بِسَهْمٍ فَقَتَلَاهُ ثُمّ انْصَرَفَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَاهُ . وَيُقَالُ أُدْرِكَ بِثَنِيّةِ الشّرِيدِ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَذَلِكَ حَيْثُ أَخْطَأَ الطّرِيقَ فَأَدْرَكَاهُ فَلَمْ يَزَالَا يَرْمِيَانِهِ بِالنّبْلِ وَاِتّخَذَاهُ غَرَضًا حَتّى مَاتَ .








(1/333)




غَزْوَةُ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَكَانَتْ يَوْمَ الْأَحَدِ لِثَمَانٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوّالٍ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا ، وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَابَ خَمْسًا . قَالُوا [ ص 335 ] لَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّبْحَ يَوْمَ الْأَحَدِ وَمَعَهُ وُجُوهُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَكَانُوا بَاتُوا فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بَابِهِ - سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ وَقَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ فِي عِدّةٍ مِنْهُمْ . فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّبْحِ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ إنّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُكُمْ بِطَلَبِ عَدُوّكُمْ وَلَا يَخْرُجُ مَعَنَا إلّا مَنْ شَهِدَ الْقِتَالَ بِالْأَمْسِ .
قَالَ فَخَرَجَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ رَاجِعًا إلَى دَارِهِ يَأْمُرُ قَوْمَهُ بِالْمَسِيرِ . قَالَ وَالْجِرَاحُ فِي النّاسِ فَاشِيَةٌ عَامّةُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَل ِ جَرِيحٌ بَلْ كُلّهَا ، فَجَاءَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَطْلُبُوا عَدُوّكُمْ . قَالَ يَقُولُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْر ٍ وَبِهِ سَبْعُ جِرَاحَاتٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يُدَاوِيَهَا : سَمْعًا وَطَاعَةً لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ فَأَخَذَ سِلَاحَهُ وَلَمْ يُعَرّجْ عَلَى دَوَاءِ جِرَاحِهِ وَلَحِقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَجَاءَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ قَوْمَهُ بَنِي سَاعِدَةَ فَأَمَرَهُمْ بِالْمَسِيرِ فَتَلَبّسُوا وَلَحِقُوا . وَجَاءَ أَبُو قَتَادَةَ أَهْلَ خُرْبَى ، وَهُمْ يُدَاوُونَ الْجِرَاحَ فَقَالَ هَذَا مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُكُمْ بِطَلَبِ عَدُوّكُمْ . فَوَثَبُوا إلَى سِلَاحِهِمْ وَمَا عَرّجُوا عَلَى جِرَاحَاتِهِمْ . فَخَرَجَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَرْبَعُونَ جَرِيحًا ، بِالطّفَيْلِ بْنِ النّعْمَانِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا ، وَبِخِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ عَشْرُ جِرَاحَاتٍ وَبِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بَضْعَةَ عَشَرَ جُرْحًا ، وَبِقُطْبَةِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةٍ تِسْعُ جِرَاحَاتٍ حَتّى وَافَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ إلَى رَأْسِ الثّنِيّةِ - الطّرِيقُ الْأُولَى يَوْمئِذٍ - عَلَيْهِمْ السّلَاحُ قَدْ صَفّوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ وَالْجِرَاحُ فِيهِمْ فَاشِيَةٌ قَالَ اللّهُمّ ارْحَمْ بَنِي سَلِمَةَ
قَالَ الْوَاقِدِيّ : وَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا [ ص 336 ] إنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَهْلٍ ، وَرَافِعَ بْنَ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَجَعَا مِنْ أُحُدٍ وَبِهِمَا جِرَاحٌ كَثِيرَةٌ وَعَبْدُ اللّهِ أَثْقَلُهُمَا مِنْ الْجِرَاحِ فَلَمّا أَصْبَحُوا وَجَاءَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يُخْبِرُهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُهُمْ بِطَلَبِ عَدُوّهِمْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَاَللّهِ إنْ تَرْكَنَا غَزْوَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ لَغَبْنٌ وَاَللّهِ مَا عِنْدَنَا دَابّةٌ نَرْكَبُهَا وَمَا نَدْرِي كَيْفَ نَصْنَعُ قَالَ عَبْدُ اللّهِ انْطَلِقْ بِنَا قَالَ رَافِعٌ لَا وَاَللّهِ مَا بِي مَشْيٌ . قَالَ أَخُوهُ انْطَلِقْ بِنَا ، نَتَجَارّ وَنَقْصِدْ فَخَرَجَا يَزْحَفَانِ فَضَعُفَ رَافِعٌ فَكَانَ عَبْدُ اللّهِ يَحْمِلُهُ عَلَى ظَهْرِهِ عُقْبَةً وَيَمْشِي الْآخَرُ عُقْبَةً حَتّى أَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْعِشَاءِ وَهُمْ يُوقِدُونَ النّيرَانَ فَأُتِيَ بِهِمَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعَلَى حَرَسِهِ تِلْكَ اللّيْلَةَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ - فَقَالَ مَا حَبَسَكُمَا ؟ فَأَخْبَرَاهُ بِعِلّتِهِمَا ، فَدَعَا لَهُمَا بِخَيْرٍ وَقَالَ إنْ طَالَتْ لَكُمْ مُدّةٌ كَانَتْ لَكُمْ مَرَاكِبُ مِنْ خَيْلٍ وَبِغَالٍ وَإِبِلٍ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخَيْرٍ لَكُمْ حَدّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ هَذَانِ أَنَسٌ وَمُؤْنِسٌ وَهَذِهِ قِصّتُهُمَا .
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ مُنَادِيًا نَادَى أَلّا يَخْرُجَ مَعَنَا إلّا مَنْ حَضَرَ الْقِتَالَ بِالْأَمْسِ . وَقَدْ كُنْت حَرِيصًا عَلَى الْحُضُورِ وَلَكِنّ أَبِي خَلّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي وَقَالَ يَا بُنَيّ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَك أَنْ نَدَعَهُنّ وَلَا رَجُلَ عِنْدَهُنّ وَأَخَافُ عَلَيْهِنّ وَهُنّ نَسِيَاتٌ ضِعَافٌ وَأَنَا خَارِجٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهَ يَرْزُقَنِي الشّهَادَةَ . فَتَخَلّفَتْ عَلَيْهِنّ فَاسْتَأْثَرَهُ اللّهُ عَلَيّ بِالشّهَادَةِ وَكُنْت رَجَوْتهَا ، فَأْذَنْ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ أَسِيرَ مَعَك . فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ جَابِرٌ فَلَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ أَحَدٌ لَمْ يَشْهَدْ الْقِتَالَ بِالْأَمْسِ غَيْرِي ، وَاسْتَأْذَنَهُ رِجَالٌ لَمْ يَحْضُرُوا الْقِتَالَ فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلِوَائِهِ وَهُوَ مَعْقُودٌ لَمْ يُحَلّ مِنْ الْأَمْسِ فَدَفَعَهُ إلَى عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَيُقَالُ دَفَعَهُ إلَى أَبِي بَكْر ٍ .
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مَجْرُوحٌ فِي وَجْهِهِ أَثَرُ الْحَلَقَتَيْنِ وَمَشْجُوجٌ فِي جَبْهَتِهِ فِي أُصُولِ الشّعَرِ وَرَبَاعِيَتُهُ قَدْ شَظِيَتْ وَشَفَتُهُ قَدْ كُلِمَتْ مِنْ بَاطِنهَا ، وَهُوَ مُتَوَهّنٌ مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ بِضَرْبَةِ ابْنِ قَمِيئَةٍ [ ص 337 ] وَرُكْبَتَاهُ مَجْحُوشَتَانِ . فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَالنّاسُ قَدْ حُشِدُوا ، وَنَزَلَ أَهْلُ الْعَوَالِي حَيْثُ جَاءَهُمْ الصّرِيخُ ثُمّ رَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَكْعَتَيْنِ فَدَعَا بِفَرَسِهِ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَتَلَقّاهُ طَلْحَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَخَرَجَ يَنْظُرُ مَتَى يَسِيرُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ وَمَا يُرَى مِنْهُ إلّا عَيْنَاهُ فَقَالَ يَا طَلْحَةُ سِلَاحَك فَقُلْت : قَرِيبًا . قَالَ طَلْحَةُ فَأَخْرُجُ أَعْدُو فَأَلْبَسُ دِرْعِي ، وَآخُذُ سَيْفِي ، وَأَطْرَحُ دَرَقَتِي فِي صَدْرِي ; وَإِنّ بِي لَتِسْعَ جِرَاحَاتٍ وَلَأَنَا أَهَمّ بِجِرَاحِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنّي بِجِرَاحِي . ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى طَلْحَةَ فَقَالَ تُرَى الْقَوْمَ الْآنَ ؟ قَالَ هُمْ بِالسّيّالَةِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ الّذِي ظَنَنْت ، أَمَا إنّهُمْ يَا طَلْحَةُ لَنْ يَنَالُوا مِنّا مِثْلَ أَمْسَ حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ مَكّةَ عَلَيْنَا . وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِن ْ أَسْلَمَ طَلِيعَةً فِي آثَارِ الْقَوْمِ سَلِيطًا وَنُعْمَانَ ابْنَيْ سُفْيَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَوْفِ بْنِ دَارِمٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ وَمَعَهُمَا ثَالِثٌ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي عُوَيْرٍ لَمْ يُسَمّ لَنَا . فَأَبْطَأَ الثّالِثُ عَنْهُمَا وَهُمَا يَجْمِزَانِ وَقَدْ انْقَطَعَ قِبَالُ نَعْلِ أَحَدِهِمَا ، فَقَالَ أَعْطِنِي نَعْلَك . قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أَفْعَلُ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا بِرِجْلِهِ فِي صَدْرِهِ فَوَقَعَ لِظَهْرِهِ وَأَخَذَ نَعْلَيْهِ . وَلَحِقَ الْقَوْمُ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ وَلَهُمْ زَجَلٌ وَهُمْ يَأْتَمِرُونَ بِالرّجُوعِ وَصَفْوَانُ يَنْهَاهُمْ عَنْ الرّجُوعِ فَبَصُرُوا بِالرّجُلَيْنِ فَعَطَفُوا عَلَيْهِمَا فَأَصَابُوهُمَا . فَانْتَهَى الْمُسْلِمُونَ إلَى مَصْرَعِهِمَا بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَعَسْكَرُوا ، وَقَبَرُوهُمَا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ [ ص 338 ]
فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : هَذَا قَبْرُهُمَا وَهُمَا الْقَرِينَانِ . وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ حَتّى عَسْكَرُوا بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ . قَالَ جَابِرٌ وَكَانَ عَامّةُ زَادِنَا التّمْرَ وَحَمَلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ثَلَاثِينَ جَمَلًا حَتّى وَافَتْ الْحَمْرَاءَ وَسَاقَ جُزُرًا فَنَحَرُوا فِي يَوْمٍ اثْنَيْنِ وَفِي يَوْمٍ ثَلَاثًا . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُهُمْ فِي النّهَارِ بِجَمْعِ الْحَطْبِ فَإِذَا أَمْسَوْا أَمَرَنَا أَنْ نُوقِدَ النّيرَانَ . فَيُوقِدُ كُلّ رَجُلٍ نَارًا ، فَلَقَدْ كُنّا تِلْكَ اللّيَالِيَ نُوقِدُ خَمْسَمِائَةِ نَارٍ حَتّى تُرَى مِنْ الْمَكَانِ الْبَعِيدِ وَذَهَبَ ذِكْرُ مُعَسْكَرِنَا وَنِيرَانِنَا فِي كُلّ وَجْهٍ حَتّى كَانَ مِمّا كَبَتَ اللّهُ تَعَالَى عَدُوّنَا .
وَانْتَهَى مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، وَهُوَ يَوْمئِذٍ مُشْرِكٌ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ سَلَمًا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ ، لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك فِي أَصْحَابِك ، وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللّهَ أَعْلَى كَعْبَك ، وَأَنّ الْمُصِيبَةَ كَانَتْ بِغَيْرِك . ثُمّ مَضَى مَعْبَدٌ حَتّى يَجِدَ أَبَا سُفْيَانَ وَقُرَيْشًا بِالرّوْحَاءِ . وَهُمْ يَقُولُونَ لَا مُحَمّدًا أَصَبْتُمْ وَلَا الْكَوَاعِبَ أَرْدَفْتُمْ فَبِئْسَ مَا صَنَعْتُمْ فَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى الرّجُوعِ وَيَقُولُ قَائِلُهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَا صَنَعْنَا شَيْئًا ، أَصَبْنَا أَشْرَافَهُمْ ثُمّ رَجَعْنَا قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ وَفْرٌ - وَالْمُتَكَلّمُ بِهَذَا عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ . فَلَمّا جَاءَ مَعْبَدٌ إلَى أَبِي سُفْيَان َ قَالَ هَذَا مَعْبَدٌ وَعِنْدَهُ الْخَبَرُ ، مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ ؟
قَالَ تَرَكْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ خَلْفِي يَتَحَرّقُونَ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ النّيرَانِ وَقَدْ أَجْمَعَ مَعَهُ مَنْ تَخَلّفَ عَنْهُ بِالْأَمْسِ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَتَعَاهَدُوا أَلّا يَرْجِعُوا حَتّى يَلْحَقُوكُمْ فَيَثْأَرُوا مِنْكُمْ وَغَضِبُوا لِقَوْمِهِمْ [ ص 339 ] غَضَبًا شَدِيدًا وَلِمَنْ أَصَبْتُمْ مِنْ أَشْرَافِهِمْ . قَالُوا : وَيْلَك مَا تَقُولُ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا نَرَى أَنْ نَرْتَحِلَ حَتّى نَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ ثُمّ قَالَ مَعْبَدُ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْت مِنْهُمْ أَنْ قُلْت أَبْيَاتًا :
كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي

إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَعْدُو بِأُسْدٍ كَرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ

عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَقُلْت وَيْلَ ابْنَ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِهِمْ

إذَا تَغَطْمَطَتْ الْبَطْحَاءُ بِالْجِيلِ
وَكَانَ مِمّا رَدّ اللّهُ تَعَالَى أَبَا سُفْيَانَ وَأَصْحَابَهُ كَلَامُ صَفْوَانِ بْنِ أُمَيّةَ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ مَعْبَدُ وَهُوَ يَقُولُ يَا قَوْمِ لَا تَفْعَلُوا فَإِنّ الْقَوْمَ قَدْ حَزِنُوا وَأَخْشَى أَنْ يَجْمَعُوا عَلَيْكُمْ مَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْخَزْرَجِ ، فَارْجِعُوا وَالدّوْلَةُ لَكُمْ فَإِنّي لَا آمَنُ إنْ رَجَعْتُمْ أَنْ تَكُونَ الدّوْلَةُ عَلَيْكُمْ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْشَدُهُمْ صَفْوَانُ وَمَا كَانَ بِرَشِيدٍ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ الْحِجَارَةُ وَلَوْ رَجَعُوا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِ فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ سِرَاعًا خَائِفِينَ مِنْ الطّلَبِ لَهُمْ وَمَرّ بِأَبِي سُفْيَانَ نَفَرٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ [ ص 340 ] يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ ، فَقَالَ هَلْ مُبْلِغُو مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ مَا أَرْسَلَكُمْ بِهِ عَلَى أَنْ أُوَقّرَ لَكُمْ أَبَاعِرَكُمْ زَبِيبًا غَدًا بِعُكَاظٍ إنْ أَنْتُمْ جِئْتُمُونِي ؟
قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ حَيْثُمَا لَقِيتُمْ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَأَخْبِرُوهُمْ أَنّا قَدْ أَجَمَعْنَا الرّجْعَةَ إلَيْهِمْ وَأَنّا آثَارَكُمْ . فَانْطَلَقَ أَبُو سُفْيَانَ . وَقَدِمَ الرّكْبُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ بِالْحَمْرَاءِ فَأَخْبَرُوهُمْ الّذِي أَمَرَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالُوا : حَسُبْنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَفِي ذَلِكَ أَنَزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ الْآيَةُ . وَقَوْلَهُ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الْآيَةَ . وَكَانَ مَعْبَدٌ قَدْ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعْلِمُهُ أَنْ قَدْ انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ خَائِفِينَ وَجِلِينَ . ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ .








(1/335)




سَرِيّةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ إلَى قَطَنٍ إلَى بَنِي أَسَدٍ
فِي الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا قَالَ الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ . وَغَيْرُهُ أَيْضًا قَدْ حَدّثَنِي مِنْ حَدِيثِ هَذِهِ السّرِيّةِ وَعِمَادُ الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ سَلَمَةَ قَالُوا شَهِدَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ أَحَدًا ، وَكَانَ نَازِلًا فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَالِيَةِ حَيْنَ تَحَوّلَ مِنْ قُبَاءٍ ، وَمَعَهُ زَوْجَتُهُ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ . فَجُرِحَ بِأُحُدٍ جُرْحًا عَلَى عَضُدِهِ فَرَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ فَجَاءَهُ الْخَبَرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَارَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، فَرَكِبَ [ ص 341 ] حِمَارًا وَخَرَجَ يُعَارِضُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى لَقِيَهُ حَيْنَ هَبَطَ مِنْ الْعَصْبَةِ بِالْعَقِيقِ فَسَارَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ .
فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ انْصَرَفَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجَعَ مِنْ الْعَصْبَةِ ، فَأَقَامَ شَهْرًا يُدَاوِي جُرْحَهُ حَتّى رَأَى أَنْ قَدْ بَرَأَ وَدَمَلَ الْجُرْحُ عَلَى بَغْيٍ لَا يُدْرَى بِهِ فَلَمّا كَانَ هِلَالُ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ دَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ اُخْرُجْ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ فَقَدْ اسْتَعْمَلْتُك عَلَيْهَا . وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً وَقَالَ سِرْ حَتّى تَرِدَ أَرْضَ بَنِي أَسَدٍ ، فَأَغِرْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ تَلَاقَى عَلَيْك جَمُوعُهُمْ . وَأَوْصَاهُ بِتَقْوَى اللّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا فَخَرَجَ مَعَهُ فِي تِلْكَ السّرِيّةِ خَمْسُونَ وَمِائَةٌ مِنْهُمْ أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمٍ وَهُوَ أَخُو أَبِي سَلَمَةَ لِأُمّهِ - أُمّهُ بَرّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ الْعَامِرِيّ .
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : مُعَتّبُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ حَمْرَاءَ الْخُزَاعِيّ حَلِيفٌ فِيهِمْ وَأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
وَمِنْ بَنِي فِهْرٍ : أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ وَسُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ : أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو نَائِلَةَ وَأَبُو عَبْسٍ وَقَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، وَنَضْرُ بْنُ الْحَارِثِ الظّفَرِيّ وَأَبُو قَتَادَةَ ، وَأَبُو عَيّاشٍ الزّرَقِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ ، وَخُبَيْبُ بْنُ يِسَافٍ وَمَنْ لَمْ يُسَمّ لَنَا .
وَاَلّذِي هَاجَهُ أَنّ رَجُلًا مِنْ طَيّئ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يُرِيدُ امْرَأَةً ذَاتَ رَحِمٍ بِهِ مِنْ طَيّئ مُتَزَوّجَةً رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَزَلَ عَلَى صِهْرِهِ الّذِي هُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنّ طُلَيْحَةَ وَسَلَمَةَ ابْنَيْ خُوَيْلِدٍ تَرَكَهُمَا قَدْ سَارَا فِي قَوْمِهِمَا وَمَنْ أَطَاعَهُمَا بِدَعْوَتِهِمَا إلَى حَرْبِ [ ص 342 ] رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا لِلْمَدِينَةِ وَقَالُوا نَسِيرُ إلَى مُحَمّدٍ فِي عُقْرِ دَارِهِ وَنُصِيبُ مِنْ أَطْرَافِهِ فَإِنّ لَهُمْ سَرْحًا يَرْعَى جَوَانِبَ الْمَدِينَةِ ; وَنَخْرُجُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ فَقَدْ أَرْبَعْنَا خَيْلَنَا وَنَخْرُجُ عَلَى النّجَائِبِ الْمَخْبُورَةِ فَإِنْ أَصَبْنَا نَهْبًا لَمْ نُدْرَك وَإِنْ لَاقَيْنَا جَمْعَهُمْ كُنّا قَدْ أَخَذْنَا لِلْحَرْبِ عُدّتَهَا مَعَنَا خَيْلٌ وَلَا خَيْلَ مَعَهُمْ وَمَعَنَا نَجَائِبُ أَمْثَالُ الْخَيْلِ وَالْقَوْمُ مَنْكُوبُونَ قَدْ أَوْقَعَتْ بِهِمْ قُرَيْشٌ حَدِيثًا فَهُمْ لَا يَسْتَبِلّونَ دَهْرًا وَلَا يَثُوبُ لَهُمْ جَمْعٌ . فَقَامَ فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عُمَيْرٍ فَقَالَ يَا قَوْمِ وَاَللّهِ مَا هَذَا بِرَأْيٍ مَا لَنَا قِبَلَهُمْ وِتْرٌ وَمَا هُمْ نُهْبَةٌ لِمُنْتَهِبٍ إنّ دَارَنَا لَبَعِيدَةٌ مِنْ يَثْرِبَ وَمَا لَنَا جَمْعٌ كَجَمْعِ قُرَيْشٍ . مَكَثَتْ قُرَيْش ٌ دَهْرًا تَسِيرُ فِي الْعَرَبِ تَسْتَنْصِرُهَا وَلَهُمْ وِتْرٌ يَطْلُبُونَهُ ثُمّ سَارُوا وَقَدْ امْتَطُوا الْإِبِلَ وَقَادُوا الْخَيْلَ وَحَمَلُوا السّلَاحَ مَعَ الْعَدَدِ الْكَثِيرِ - ثَلَاثَةِ آلَافِ مُقَاتِلٍ سِوَى أَتْبَاعِهِمْ - وَإِنّمَا جَهْدُكُمْ أَنْ تَخْرُجُوا فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ إنْ كَمُلُوا فَتُغَرّرُونَ بِأَنْفُسِكُمْ وَتَخْرُجُونَ مِنْ بَلَدِكُمْ وَلَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ الدّائِرَةُ عَلَيْكُمْ . فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يُشَكّكَهُمْ فِي الْمَسِيرِ وَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ بَعْدُ . فَخَرَجَ بِهِ الرّجُلُ الّذِي مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ مَا أَخْبَرَ الرّجُلُ فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا سَلَمَةَ فَخَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ وَخَرَجَ مَعَهُ الطّائِيّ دَلِيلًا فَأَغَذّوْا السّيْرَ وَنَكَبَ بِهِمْ عَنْ سَنَنِ الطّرِيقِ وَعَارَضَ الطّرِيقَ وَسَارَ بِهِمْ لَيْلًا وَنَهَارًا فَسَبَقُوا الْأَخْبَارَ وَانْتَهَوْا إلَى أَدْنَى قَطَنٍ - مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ ، هُوَ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ جَمْعُهُمْ - فَيَجِدُونَ سَرْحًا فَأَغَارُوا عَلَى سَرْحِهِمْ فَضَمّوهُ وَأَخَذُوا رِعَاءً لهم
[ ص 343 ] مُمَالِيك ثَلَاثَةٍ وَأَفْلَتْ سَائِرُهُمْ فَجَاءُوا جَمْعَهُمْ فَخَبّرُوهُمْ الْخَبَرَ وَحَذّرُوهُمْ جَمْعَ أَبِي سَلَمَةَ وَكَثّرُوهُ عِنْدَهُمْ فَتَفَرّقَ الْجَمْعُ فِي كُلّ وَجْهٍ .
وَوَرَدَ أَبُو سَلَمَةَ الْمَاءَ فَيَجِدُ الْجَمْعَ قَدْ تَفَرّقَ فَعَسْكَرَ وَفَرّقَ أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِ النّعَمِ وَالشّاءِ فَجَعَلَهُمْ ثَلَاثَ فِرَقٍ - فِرْقَةٌ أَقَامَتْ مَعَهُ وَفِرْقَتَانِ أَغَارَتَا فِي نَاحِيَتَيْنِ شَتّى . وَأَوْعَزَ إلَيْهِمَا أَلّا يُمْعِنُوا فِي طَلَبٍ وَأَلّا يَبِيتُوا إلّا عِنْدَهُ إنْ سَلّمُوا وَأَمَرَهُمْ أَلّا يَفْتَرِقُوا وَاسْتَعْمَلَ عَلَى كُلّ فِرْقَةٍ عَامِلًا مِنْهُمْ . فَآبُوا إلَيْهِ جَمِيعًا سَالِمِينَ قَدْ أَصَابُوا إبِلًا وَشَاءً وَلَمْ يَلْقَوْا أَحَدًا فَانْحَدَرَ أَبُو سَلَمَةَ بِذَلِكَ كُلّهِ إلَى الْمَدِينَةِ رَاجِعًا وَرَجَعَ مَعَهُ الطّائِيّ فَلَمّا سَارُوا لَيْلَةً قَالَ أَبُو سَلَمَةَ اقْتَسِمُوا غَنَائِمَكُمْ . فَأَعْطَى أَبُو سَلَمَةَ الطّائِيّ الدّلِيلَ رِضَاهُ مِنْ الْمَغْنَمِ ثُمّ أَخَرَجَ صَفِيّا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدًا ثُمّ أَخْرَجَ الْخُمُسَ ثُمّ قَسَمَ مَا بَقِيَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فَعَرَفُوا سُهْمَانَهُمْ ثُمّ أَقْبَلُوا بِالنّعَمِ وَالشّاءِ يَسُوقُونَهَا حَتّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ . قَالَ عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ ، قَالَ كَانَ الّذِي جَرَحَ أَبَا سَلَمَةَ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ ، رَمَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِمَعْبَلَةٍ فِي عَضُدِهِ فَمَكَثَ شَهْرًا يُدَاوِيهِ فَبَرَأَ فِيمَا نَرَى وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا إلَى قَطَنٍ وَغَابَ بِضْعَ عَشْرَةٍ .
فَلَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ انْتَقَضَ الْجُرْحُ فَمَاتَ لِثَلَاثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ فَغَسَلَ مِنْ الْيَسِيرَةِ - بِئْرِ بَنِي أُمَيّةَ - بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ وَكَانَ اسْمُهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ الْعَبِيرُ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْيَسِيرَةَ ثُمّ حُمِلَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ فَدُفِنَ بِالْمَدِينَةِ .
[ ص 344 ] قَالَ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ : وَاعْتَدّتْ أُمّي حَتّى خَلَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ثُمّ تَزَوّجَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ بِهَا فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ شَوّالٍ فَكَانَتْ أُمّي تَقُولُ مَا بَأْسٌ فِي النّكَاحِ فِي شَوّالٍ وَالدّخُولِ فِيهِ قَدْ تَزَوّجَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَوّالٍ وَأَعْرَسَ بِي فِي شَوّالٍ . وَمَاتَتْ أُمّ سَلَمَةَ فِي ذِي الْقِعْدَةِ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ .








(1/341)




قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ الْوَاقِدِيّ : فَحَدّثْت عُمَرَ بْنَ عُثْمَانَ الْجَحْشِيّ فَعَرَفَ السّرِيّةَ وَمَخْرَجَ أَبِي سَلَمَةَ إلَى قَطَنٍ ، وَقَالَ أَمَا سُمّيَ لَك الطّائِيّ ؟ قُلْت : لَا . قَالَ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ طَرِيفٍ عَمّ زَيْنَبَ الطّائِيّةِ وَكَانَتْ تَحْتَ طُلَيْبِ بْنِ عُمَيْرٍ فَنَزَلَ الطّائِيّ عَلَيْهِ فَأَخْبَرَهُ فَذَهَبَ بِهِ طُلَيْبٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَ خَبَرَ بَنِي أَسَدٍ وَمَا كَانَ مِنْ هُمُومِهِمْ بِالْمَسِيرِ . وَرَجَعَ مَعَهُمْ الطّائِيّ دَلِيلًا وَكَانَ خِرّيتًا ، فَسَارَ بِهِمْ أَرْبَعًا إلَى قَطَنٍ ، وَسَلَكَ بِهِمْ غَيْرَ الطّرِيقِ لِأَنْ يَعْمِيَ الْخَبَرَ عَلَى الْقَوْمِ . فَجَاءُوا الْقَوْمَ وَهُمْ غَارُونَ عَلَى صِرْمَةَ فَوَجَدُوا الصّرْمَ قَدْ نَذِرُوا بِهِمْ وَخَافُوهُمْ فَهُمْ مُعِدّونَ فَاقْتَتَلُوا فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ جِرَاحَةٌ وَافْتَرَقُوا . ثُمّ أَغَارَ الطّائِيّونَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى بَنِي أَسَدٍ فَكَانَ بَيْنَهُمْ أَيْضًا جِرَاحٌ وَأَصَابُوا لَهُمْ نَعَمًا وَشَاءً فَمَا تَخَلّصُوا مِنْهُمْ شَيْئًا حَتّى دَخَلَ الْإِسْلَامُ .
قَالَ الْوَاقِدِيّ ، وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ أَبُو سَلَمَةَ مِنْ شُهَدَاءِأُحُدٍلِلْجُرْحِ الّذِي جُرِحَ يَوْمَ أُحُدٍ ثُمّ انْتَقَضَ بِهِ . وَكَذَلِكَ أَبُو خَالِدٍ الزّرَقِيّ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ ، جُرِحَ بِالْيَمَامَةِ جُرْحًا ، فَلَمّا كَانَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ انْتَقَضَ بِهِ الْجُرْحُ [ ص 345 ] فَمَاتَ فِيهِ فَصَلّى عَلَيْهِ عُمَرُ وَقَالَ هُوَ مِنْ شُهَدَاءِ الْيَمَامَةِ لِأَنّهُ جُرِحَ بِالْيَمَامَةِ .
قَالَ الْوَاقِدِيّ : فَحَدّثْت يَعْقُوبَ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ حَدِيثَ أَبِي سَلَمَةَ كُلّهُ فَقَالَ أَخْبَرَنِي أَيّوبُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا سَلَمَةَ فِي الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا ، فِي مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلًا فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ . فَكَانُوا يَسِيرُونَ اللّيْلَ وَيَكْمُنُونَ النّهَارَ حَتّى وَرَدُوا قَطَنٍ ، فَوَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ جَمَعُوا جَمْعًا فَأَحَاطَ بِهِمْ أَبُو سَلَمَةَ فِي عَمَايَةِ الصّبْحِ وَقَدْ وَعَظَ الْقَوْمَ وَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَرَغّبَهُمْ فِي الْجِهَادِ وَحَضّهُمْ عَلَيْهِ وَأَوْعَزَ إلَيْهِمْ فِي الْإِمْعَانِ فِي الطّلَبِ وَأَلّفَ بَيْنَ كُلّ رَجُلَيْنِ . فَانْتَبَهَ الْحَاضِرُ قَبْلَ حَمْلَةِ الْقَوْمِ عَلَيْهِمْ فَتَهَيّئُوا وَأَخَذُوا السّلَاحَ أَوْ مَنْ أَخَذَهُ مِنْهُمْ وَصَفّوا لِلْقِتَالِ . وَحَمَلَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَضَرَبَهُ فَأَبَانَ رِجْلَهُ ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ وَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى مَسْعُودِ بْنِ عُرْوَةَ ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِالرّمْحِ فَقَتَلَهُ وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَاحِبِهِمْ أَنْ يُسْلَبَ مِنْ ثِيَابِهِ فَحَازُوهُ إلَيْهِمْ . ثُمّ صَاحَ سَعْدٌ مَا يُنْتَظَرُ فَحَمَلَ أَبُو سَلَمَةَ فَانْكَشَفَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى حَامِيَتِهِمْ وَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ ثُمّ تَفَرّقَ الْمُشْرِكُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَأَمْسَكَ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ الطّلَبِ فَانْصَرَفُوا إلَى الْمَحَلّةِ فَوَارَوْا صَاحِبَهُمْ وَأَخَذُوا مَا خَفّ لَهُمْ مِنْ مَتَاعِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْمَحَلّةِ ذُرّيّةٌ ثُمّ انْصَرَفُوا رَاجِعِينَ إلَى الْمَدِينَةِ ، حَتّى إذَا كَانُوا مِنْ الْمَاءِ عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ أَخْطَئُوا الطّرِيقَ فَهَجَمُوا عَلَى نَعَمٍ لَهُمْ فِيهِمْ رِعَاؤُهُمْ وَإِنّمَا نَكّبُوا عَنْ سَنَنِهِمْ فَاسْتَاقُوا النّعَمَ وَاسْتَاقُوا الرّعَاءَ فَكَانَتْ غَنَائِمُهُمْ سَبْعَةَ أَبْعِرَةٍ .
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ قَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ [ ص 346 ] فَلَمّا أَخْطَأْنَا الطّرِيقَ اسْتَأْجَرْنَا رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ دَلِيلًا يَدُلّنَا عَلَى الطّرِيقِ فَقَالَ أَنَا أَهْجُمُ بِكَمْ عَلَى نَعَمٍ فَمَا تَجْعَلُونَ لِي مِنْهُ ؟ قَالُوا : الْخُمُسَ . قَالَ فَدَلّهُمْ عَلَى النّعَمِ وَأَخَذَ خُمُسَهُ .








(1/345)

غَزْوَةُ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَأَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ الْمُسَمّينَ وَقَدْ جَمَعْت كُلّ الّذِي حَدّثُونِي ، قَالُوا : قَدِمَ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ أَبُو الْبَرَاءِ مَلَاعِبَ الْأَسِنّةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَهْدَى لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَسَيْنِ وَرَاحِلَتَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ فَعَرَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يُبْعِدْ وَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنّي أَرَى أَمْرَك هَذَا أَمْرًا حَسَنًا شَرِيفًا ; وَقَوْمِي خَلْفِي ، فَلَوْ أَنّك بَعَثْت نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك مَعِي لَرَجَوْت أَنْ يُجِيبُوا دَعْوَتَك وَيَتّبِعُوا أَمْرَك ، فَإِنْ هُمْ اتّبَعُوك فَمَا أَعَزّ أَمْرَك فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي أَخَافُ عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ . فَقَالَ عَامِرٌ لَا تَخَفْ عَلَيْهِمْ أَنَا لَهُمْ جَارٍ أَنْ يَعْرِضَ لَهُمْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ .
وَكَانَ مِنْ الْأَنْصَارِ سَبْعُونَ رَجُلًا شَبَبَةً يُسَمّونَ الْقُرّاءَ كَانُوا إذَا أَمْسَوْا أَتَوْا نَاحِيَةً مِنْ الْمَدِينَةِ فَتَدَارَسُوا وَصَلّوْا ، حَتّى إذَا كَانَ وِجَاهَ الصّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنْ الْمَاءِ وَحَطِبُوا مِنْ الْحَطَبِ فَجَاءُوا بِهِ إلَى حِجْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَهْلُوهُمْ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ يَظُنّونَ أَنّهُمْ فِي أَهْلِيهِمْ . فَبَعَثَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجُوا فَأُصِيبُوا فِي بِئْرِ مَعُونَةَ ، فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَتَلَتِهِمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً .
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ : كَانُوا سَبْعِينَ وَيُقَالُ إنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعِينَ وَرَأَيْت الثّبْتَ عَلَى أَنّهُمْ أَرْبَعُونَ . فَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ كِتَابًا ، وَأَمّرَ عَلَى أَصْحَابِهِ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو السّاعِدِيّ ، فَخَرَجُوا حَتّى كَانُوا عَلَى بِئْرِ مَعُونَةَ ، وَهُوَ مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي سُلَيْمٍ ، وَهُوَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَبَنِي سُلَيْمٍ وَكِلَا الْبَلَدَيْنِ يُعَدّ مِنْهُ .
فَحَدّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ خَرَجَ الْمُنْذِرُ بِدَلِيلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ الْمُطّلِبُ فَلَمّا نَزَلُوا عَلَيْهَا عَسْكَرُوا بِهَا وَسَرّحُوا ظَهْرَهُمْ وَبَعَثُوا فِي سَرْحِهِمْ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّةِ وَعَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ . وَقَدّمُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ فِي رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَامِرٍ ، فَلَمّا انْتَهَى حَرَامٌ إلَيْهِمْ لَمْ يَقْرَءُوا الْكِتَابَ وَوَثَبَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ عَلَى حَرَامٍ فَقَتَلَهُ وَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِي عَامِرٍ فَأَبَوْا . وَقَدْ كَانَ عَامِرُ بْنُ مَالِكٍ أَبُو بَرَاءٍ خَرَجَ قَبْلَ الْقَوْمِ إلَى نَاحِيَةِ نَجْدٍ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ قَدْ أَجَارَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ فَلَا يَعْرِضُوا لَهُمْ فَقَالُوا : لَنْ يُخْفَرَ جِوَارُ أَبِي بَرَاءٍ . وَأَبَتْ عَامِرٌ أَنْ تَنْفِرَ مَعَ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ ، فَلَمّا أَبَتْ عَلَيْهِ بَنُو عَامِرٍ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ سُلَيْمٍ - عُصَيّةَ وَرِعْلًا - فَنَفَرُوا مَعَهُ [ ص 348 ] وَرَأّسُوهُ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ : أَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا أَقْبَلُ هَذَا وَحْدَهُ فَاتّبَعُوا إثْرَهُ حَتّى وَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ اسْتَبْطَئُوا صَاحِبَهُمْ فَأَقْبَلُوا فِي إثْرِهِ فَلَقِيَهُمْ الْقَوْمُ وَالْمُنْذِرُ مَعَهُمْ فَأَحَاطَتْ بَنُو عَامِرٍ بِالْقَوْمِ وَكَاثَرُوهُمْ فَقَاتَلَ الْقَوْمُ حَتّى قُتِلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَبَقِيَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالُوا لَهُ إنْ شِئْت آمَنّاك . فَقَالَ لَنْ أُعْطِيَ بِيَدِي وَلَنْ أَقْبَلَ لَكُمْ أَمَانّا حَتّى آتِيَ مَقْتَلَ حَرَامٍ ثُمّ بَرِئَ مِنّي جِوَارُكُمْ . فَآمَنُوهُ حَتّى أَتَى مَصْرَعَ حَرَامٍ ثُمّ بَرِئُوا إلَيْهِ مِنْ جِوَارِهِمْ ثُمّ قَاتَلَهُمْ حَتّى قُتِلَ فَذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْنَقَ لِيَمُوتَ . وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَعَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ بِالسّرْحِ وَقَدْ ارْتَابَا بِعُكُوفِ الطّيْرِ عَلَى مَنْزِلِهِمْ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ مَنْزِلِهِمْ فَجَعَلَا يَقُولَانِ قُتِلَ وَاَللّهِ أَصْحَابُنَا ; وَاَللّهِ مَا قَتَلَ أَصْحَابَنَا إلّا أَهْلُ نَجْدٍ فَأَوْفَى عَلَى نَشَزٍ مِنْ الْأَرْضِ فَإِذَا أَصْحَابُهُمْ مَقْتُولُونَ وَإِذَا الْخَيْلُ وَاقِفَةٌ فَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ لعمرو بْنِ أُمَيّةَ مَا تَرَى ؟ قَالَ أَرَى أَنْ أَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأُخْبِرَهُ الْخَبَرَ .
فَقَالَ الْحَارِثُ مَا كُنْت لِأَتَأَخّرَ عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ . فَأَقْبَلَا لِلْقَوْمِ فَقَاتَلَهُمْ الْحَارِثُ حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ ثُمّ أَخَذُوهُ فَأَسَرُوهُ وَأَسَرُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ . وَقَالُوا لِلْحَارِثِ مَا تُحِبّ أَنْ نَصْنَعَ بِك ، فَإِنّا لَا نُحِبّ قَتْلَك ؟ قَالَ أَبْلِغُونِي مَصْرَعَ الْمُنْذِرِ وَحَرَامٍ ثُمّ بَرِئَتْ مِنّي ذِمّتُكُمْ . قَالُوا : نَفْعَلُ . فَبَلَغُوا بِهِ ثُمّ أَرْسَلُوهُ فَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ ثُمّ قُتِلَ فَمَا قَتَلُوهُ حَتّى شَرَعُوا لَهُ الرّمَاحَ فَنَظَمُوهُ فِيهَا . وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ وَهُوَ أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَمْ يُقَاتِلْ إنّهُ قَدْ كَانَتْ عَلَى أُمّي نَسَمَةٌ فَأَنْتَ حُرّ عَنْهَا وَجَزّ نَاصِيَتَهُ .
[ ص 349 ] وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ هَلْ تَعْرِفُ أَصْحَابَك ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ فَطَافَ فِيهِمْ وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ أَنْسَابِهِمْ فَقَالَ هَلْ تَفْقِدُ مِنْهُمْ عَنْ أَحَدٍ ؟ قَالَ أَفْقِدُ مَوْلًى لِأَبِي بَكْرٍ يُقَالُ لَهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ . فَقَالَ كَيْفَ كَانَ فِيكُمْ ؟ قَالَ قُلْت : كَانَ مِنْ أَفْضَلِنَا وَمِنْ أَوّلِ أَصْحَابِ نَبِيّنَا . قَالَ أَلَا أُخْبِرُك خَبَرَهُ ؟ وَأَشَارَ إلَى رَجُلٍ فَقَالَ هَذَا طَعَنَهُ بِرُمْحِهِ ثُمّ انْتَزَعَ رُمْحَهُ فَذَهَبَ بِالرّجُلِ عُلُوّا فِي السّمَاءِ حَتّى وَاَللّهِ مَا أَرَاهُ . قَالَ عَمْرٌو ، فَقُلْت : ذَلِكَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَكَانَ الّذِي قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِلَابٍ يُقَالُ لَهُ جَبّارُ بْنُ سَلْمَى ، ذَكَرَ أَنّهُ لَمّا طَعَنَهُ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ « فُزْت وَاَللّهِ » . قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : مَا قَوْلُهُ « فُزْت » ؟ قَالَ فَأَتَيْت الضّحّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيّ فَأَخْبَرْته بِمَا كَانَ وَسَأَلْته عَنْ قَوْلِهِ « فُزْت » ، فَقَالَ الْجَنّةَ .
قَالَ وَعَرَضَ عَلَيّ الْإِسْلَامَ . قَالَ فَأَسْلَمْت ، وَدَعَانِي إلَى الْإِسْلَامِ مَا رَأَيْت مِنْ مَقْتَلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ مِنْ رَفْعِهِ إلَى السّمَاءِ عُلُوّا . قَالَ وَكَتَبَ الضّحّاكُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُخْبِرُهُ بِإِسْلَامِي وَمَا رَأَيْت مِنْ مَقْتَلِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّ الْمَلَائِكَةَ وَارَتْ جُثّتَهُ وَأَنْزَلَ عِلّيّينَ .
فَلَمّا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرُ بِئْرِ مَعُونَةَ ، جَاءَ مَعَهَا فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ مُصَابُهُمْ وَمُصَابُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ ، وَبَعَثَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ ، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَتَلَتِهِمْ بَعْدَ الرّكْعَةِ مِنْ الصّبْحِ فِي صُبْحِ تِلْكَ اللّيْلَةِ الّتِي جَاءَهُ الْخَبَرُ ، فَلَمّا قَالَ سَمِعَ اللّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ اللّهُمّ اُشْدُدْ وَطْأَتَك عَلَى مُضَرًا ; اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِي لِحْيَانَ وَزِعْبٍ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيّةَ ، فَإِنّهُمْ عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِي لِحْيَانَ وَعَضَلَ وَالْقَارّةَ; اللّهُمّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، وَسَلَمَةَ بْنَ ابْنِ هِشَامٍ ، وَعَيّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غِفَارٌ غَفَرَ اللّهُ لَهَا ، وَأَسْلَمَ سَالَمَهَا اللّهُ ثُمّ سَجَدَ فَقَالَ ذَلِكَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَيُقَالُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، حَتّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ الْآيَةُ .
وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ يَا رَبّ سَبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ يَقُولُ قَتَلْت مِنْ الْأَنْصَارِ فِي مَوَاطِنَ سَبْعِينَ سَبْعِينَ - يَوْمَأُحُدٍسَبْعُونَ وَيَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ وَيَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ سَبْعُونَ . وَلَمْ يَجِدْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَتْلَى مَا وَجَدَ عَلَى قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ .
وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتّى نُسِخَ ( بَلّغُوا قَوْمَنَا أَنّا لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنّا وَرَضِينَا عَنْهُ ) .
قَالُوا : وَأَقْبَلَ أَبُو بَرَاءٍ سَائِرًا ، وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ هِمّ ، فَبَعَثَ مِنْ الْعِيصِ ابْنَ أَخِيهِ لَبِيَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بِهَدِيّةٍ فَرَسٍ فَرَدّهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَا أَقَبْلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ فَقَالَ لَبِيدٌ مَا كُنْت أَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْ مُضَرَ يَرُدّ هَدِيّةَ أَبِي بَرَاءٍ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ قَبِلْت هَدِيّةَ مُشْرِكٍ لَقَبِلْت هَدِيّةَ أَبِي بَرَاءٍ .
قَالَ فَإِنّهُ قَدْ بَعَثَ يَسْتَشْفِيكَ مِنْ وَجَعٍ بِهِ - وَكَانَتْ بِهِ الدّبَيْلَةُ . فَتَنَاوَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَبُوبَةً مِنْ الْأَرْضِ فَتَفَلَ فِيهَا ، ثُمّ نَاوَلَهُ وَقَالَ دُفْهَا بِمَاءٍ ثُمّ اسْقِهَا إيّاهُ . فَفَعَلَ فَبَرِئَ . وَيُقَالُ إنّهُ [ ص 351 ] بَعَثَ إلَيْهِ بِعُكّةَ عِسْلًا فَلَمْ يَزَلْ يَلْعَقُهَا حَتّى بَرِئَ . فَكَانَ أَبُو بَرَاءٍ يَوْمَئِذٍ سَائِرًا فِي قَوْمِهِ يُرِيدُ أَرْضَ بَلِيّ ، فَمَرّ بِالْعِيصِ فَبَعَثَ ابْنَهُ رَبِيعَةَ مَعَ لَبِيدٍ يَحْمِلَانِ طَعَامًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَبِيعَةَ مَا فَعَلَتْ ذِمّةُ أَبِيك ؟ قَالَ رَبِيعَةُ : نَقَضَتْهَا ضَرْبَةٌ بِسَيْفٍ أَوْ طَعْنَةٌ بِرُمْحٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ . فَخَرَجَ ابْنُ أَبِي بَرَاءٍ فَخَبّرَ أَبَاهُ فَشَقّ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ وَمَا صَنَعَ بِأَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا حَرَكَةَ بِهِ مِنْ الْكِبَرِ وَالضّعْفِ فَقَالَ أَخْفِرنِي ابْنَ أَخِي مِنْ بَيْنِ بَنِي عَامِرٍ . وَسَارَ حَتّى كَانُوا عَلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ بَلِيّ يُقَالُ لَهُ الْهَدْمُ ، فَيَرْكَبُ رَبِيعَةُ فَرَسًا لَهُ وَيَلْحَقُ عَامِرًا وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَأَخْطَأَ مَقَاتِلَهُ . وَتَصَايَحَ النّاسُ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ : إنّهَا لَمْ تَضُرّنِي إنّهَا لَمْ تَضُرّنِي وَقَالَ قَضَيْت ذِمّةَ أَبِي بَرَاءٍ . وَقَالَ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ : قَدْ عَفَوْت عَنْ عَمّي ، هَذَا فِعْلَهُ وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اهْدِ بَنِي عَامِرٍ وَاطْلُبْ خُفْرَتِي مِنْ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ .
وَأَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ حَتّى قَدِمَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَارَ عَلَى رِجْلَيْهِ أَرْبَعًا ; فَلَمّا كَانَ بِصُدُورِ قَنَاةٍ لَقِيَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي كِلَابٍ ، قَدْ كَانَا قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَسَاهُمَا ، وَلَهُمَا مِنْهُ أَمَانٌ . وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ عَمْرٌو ، فَقَايَلَهُمَا فَلَمّا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا لِلّذِي أَصَابَتْ بَنُو عَامِرٍ مِنْ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ . ثُمّ قَدِمَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 352 ] فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِ أَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ ، فَقَالَ أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ وَيُقَالُ إنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَجَعَ مَعَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَعَثْتُك قَطّ إلّا رَجَعْت إلَيّ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِك وَيُقَالُ إنّهُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ فِي السّرِيّةِ إلّا أَنْصَارِيّ ، وَهَذَا الثّبْتُ عِنْدَنَا . وَأَخْبَرَ عَمْرُو النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَقْتَلِ الْعَامِرِيّيْنِ فَقَالَ بِئْسَ مَا صَنَعْت ، قَتَلْت رَجُلَيْنِ كَانَ لَهُمَا مِنّي أَمَانٌ وَجِوَارٌ لِأَدِيَنّهُمَا فَكَتَبَ إلَيْهِ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ وَبَعَثَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُخْبِرُهُ إنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِك قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَهُمَا مِنْك أَمَانٌ وَجِوَارٌ . فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دِيَتَهُمَا ، دِيَةَ حُرّيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَبَعَثَ بِهَا إلَيْهِمْ .
حَدّثَنِي مُصْعَبٌ عَنْ أَبِي أَسْوَدَ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ حَرَصَ الْمُشْرِكُونَ بِعُرْوَةَ بْنِ الصّلْتِ أَنْ يُؤَمّنُوهُ فَأَبَى - وَكَانَ ذَا خِلّةٍ بِعَامِرٍ - مَعَ أَنّ قَوْمَهُ بَنِي سُلَيْمٍ حَرَصُوا عَلَى ذَلِكَ فَأَبَى وَقَالَ لَا أَقَبْلُ لَكُمْ أَمَانًا وَلَا أَرْغَبُ بِنَفْسِي عَنْ مَصْرَعِ أَصْحَابِي . وَقَالُوا حَيْنَ أُحِيطَ بِهِمْ اللّهُمّ إنّا لَا نَجِدُ مَنْ يُبَلّغُ رَسُولَك السّلَامَ غَيْرَك ، فَاقْرَأْ عَلَيْهِ السّلَامَ - فَأَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِذَلِكَ .

(1/348)

تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ قُرَيْش ٍ مِنْ بَنِي تَيْمٍ : عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ; وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ : الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ حَلِيفٌ لَهُمْ وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ : نَافِعٌ مِنْ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ ; وَمِنْ الْأَنْصَارِ : الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ، أَمِيرُ الْقَوْمِ وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ مُعَاذُ بْنُ مَاعِصٍ وَمِنْ بَنِي النّجّارِ : حَرَامٌ وَسُلَيْمٌ ابْنَا مِلْحَانَ وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ : الْحَارِثُ [ ص 353 ] بْنُ الصّمّةِ وَسَهْلُ بْنُ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَمْرٍو ، وَالطّفَيْلُ بْنُ سَعْدٍ وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ : أَنَسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَنَسٍ وَأَبُو شَيْخٍ أُبَيّ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ : عَطِيّةُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو ، وَارْتُثّ مِنْ الْقَتْلَى كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ - قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : عُرْوَةُ بْنُ الصّلْتِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ; وَمِنْ النّبِيتِ مَالِكُ بْنُ ثَابِتٍ وَسُفْيَانُ بْنُ ثَابِتٍ . فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِمّنْ يُحْفَظُ اسْمُهُ سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا .
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَرْثِي نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ سَمِعْت أَصْحَابَنَا يَنْشُدُونَهَا :
رَحِمَ اللّهُ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ

رَحْمَةَ الْمُبْتَغِي ثَوَابَ الْجِهَادِ
صَارِمٌ صَادِقُ اللّقَاءِ إذَا مَا

أَكْثَرَ النّاسُ قَالَ قَوْلَ السّدَادِ
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عَبّاسٍ السّلَمِيّ ، وَكَانَ خَالَ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ ، وَكَانَ طُعَيْمَةُ يُكْنَى أَبَا الرّيّانِ خَرَجَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ يُحَرّضُ قَوْمَهُ يَطْلُبُ بِدَمِ ابْنِ أَخِيهِ حَتّى قَتَلَ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ ، فَقَالَ
تَرَكْت ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ثَاوِيًا

بِمُعْتَرَكٍ تَسْفِي عَلَيْهِ الْأَعَاصِرُ
ذَكَرْت أَبَا الرّيّانِ لَمّا عَرَفْته

وَأَيْقَنْت أَنّي يَوْمَ ذَلِكَ ثَائِرُ
سَمِعْت أَصْحَابَنَا يَثْبُتُونَهَا . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَرْثِي الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو :
صَلّى الْإِلَهُ عَلَى ابْنِ عَمْرٍو إنّه ُ

صَدْقُ اللّقَاءِ وَصَدْقُ ذَلِكَ أَوْفَقُ
قَالُوا لَهُ أَمْرَيْنِ فَاخْتَرْ فِيهِمَا

فَاخْتَارَ فِي الرّأْيِ الّذِي هُوَ أَرْفَقُ
أَ نْشَدَنِي ابْنُ جَعْفَرٍ قَصِيدَةَ حَسّانٍ « سَحّا غَيْرَ نَزْرٍ » .









(1/353)




غَزْوَةُ الرّجِيعِ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا
حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ [ ص 354 ] عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَ الرّجِيعِ عُيُونًا إلَى مَكّةَ لِيُخْبِرُوهُ خَبَرَ قُرَيْشٍ ، فَسَلَكُوا عَلَى النّجْدِيّةِ حَتّى كَانُوا بِالرّجِيعِ فَاعْتَرَضَتْ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ .
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ فِي رِجَالٍ مِمّنْ لَمْ أُسَمّ وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِبَعْضِ الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ جَمَعْت الّذِي حَدّثُونِي ، قَالُوا : لَمّا قُتِلَ سُفْيَانُ بْنُ خَالِدِ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ مَشَتْ بَنُو لِحْيَانَ إلَى عَضَلٍ وَالْقَارّةِ ، فَجَعَلُوا لَهُمْ فَرَائِضَ عَلَى أَنْ يَقْدَمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيُكَلّمُوهُ فَيُخْرِجَ إلَيْهِمْ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَدْعُونَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ . فَنَقْتُلَ مَنْ قَتَلَ صَاحِبَنَا وَنَخْرُجَ بِسَائِرِهِمْ إلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ فَنُصِيبَ بِهِمْ ثَمَنًا ; فَإِنّهُمْ لَيْسُوا لِشَيْءٍ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْ يُؤْتَوْا بِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ يُمَثّلُونَ بِهِ وَيَقْتُلُونَهُ بِمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ . فَقَدِمَ سَبْعَةُ نَفَرٍ مِنْ عَضَلٍ وَالْقَارّةِ - وَهُمَا حَيّانِ إلَى خُزَيْمَةَ - مُقِرّيْنِ بِالْإِسْلَامِ فَقَالُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ فِينَا إسْلَامًا فَاشِيًا ، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك يُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ وَيُفَقّهُونَنَا فِي الْإِسْلَامِ . [ ص 355 ] فَبَعَثَ مَعَهُمْ سَبْعَةَ نَفَرٍ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ ، وَخَالِدُ بْنُ أَبِي الْبُكَيْرِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ البَلَوِيّ حَلِيفٌ فِي بَنِي ظَفَرٍ ، وَأَخَاهُ لِأُمّهِ مُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ ، حَلِيفٌ فِي بَنِي ظَفَرٍ وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ بْنِ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّة مِنْ بَنِي بَيَاضَةَ ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ . وَيُقَالُ كَانُوا عَشْرَةً وَأَمِيرُهُمْ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ ; وَيُقَالُ أَمِيرُهُمْ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ . فَخَرَجُوا حَتّى إذَا كَانُوا بِمَاءٍ لهُذَيْل - يُقَالُ لَهُ الرّجِيعُ قَرِيبٌ مِنْ الْهَدّةِ - خَرَجَ النّفَرُ فَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ أَصْحَابَهُمْ الّذِينَ بَعَثَهُمْ اللّحْيَانِيّونَ فَلَمْ يُرَعْ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِالْقَوْمِ مِائَةُ رَامٍ وَفِي أَيْدِيهمْ السّيُوفُ . فَاخْتَرَطَ أَصْحَابُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْيَافَهُمْ ثُمّ قَامُوا ، فَقَالَ الْعَدُوّ : مَا نُرِيدُ قِتَالَكُمْ وَمَا نُرِيدُ إلّا أَنْ نُصِيبَ مِنْكُمْ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ ثَمَنًا ، وَلَكُمْ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ لَا نَقْتُلُكُمْ .
فَأَمّا خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّة ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ ، فَاسْتَأْسَرُوا . وَقَالَ خُبَيْبٌ إنّ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ يَدًا . وَأَمّا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَمَرْثَدٌ وَخَالِدُ بْنُ أَبِي الْبُكَيْرِ وَمُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ ، فَأَبَوْا أَنْ يَقْبَلُوا جِوَارَهُمْ وَلَا أَمَانَهُمْ . وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ إنّي نَذَرْت أَلّا أَقْبَلَ جِوَارَ مُشْرِكٍ أَبَدًا . فَجَعَلَ عَاصِمٌ يُقَاتِلُهُمْ وَهُوَ يَقُولُ
مَا عِلّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ

النّبْلُ وَالْقَوْسُ لَهَا بَلَابِلُ
تَزِلّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ

الْمَوْتُ حَقّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ
وَكُلّ مَا حَمّ الْإِلَهُ نَازِلُ

بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إلَيْهِ آئِلُ
إنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمّي هَابِلُ
قَالَ الْوَاقِدِيّ [ ص 356 ] مَا رَأَيْت مِنْ أَصْحَابِنَا أَحَدًا يَدْفَعُهُ . قَالَ فَرَمَاهُمْ بِالنّبْلِ حَتّى فَنِيَتْ نَبْلُهُ ثُمّ طَاعَنَهُمْ بِالرّمْحِ حَتّى كُسِرَ رُمْحُهُ وَبَقِيَ السّيْفُ فَقَالَ اللّهُمّ حَمَيْت دِينَك أَوّلَ نَهَارِي فَاحْمِ لِي لَحْمِي آخِرَهُ وَكَانُوا يُجَرّدُونَ كُلّ مَنْ قُتِلَ مِنْ أَصْحَابِهِ . قَالَ فَكُسِرَ غِمْدُ سَيْفِهِ ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَقَدْ جَرَحَ رَجُلَيْنِ وَقَتَلَ وَاحِدًا . فَقَالَ عَاصِمٌ وَهُوَ يُقَاتِل :
أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ وَمِثْلِي رَامَى

وَرِثْت مَجْدًا مَعْشَرًا كِرَامًا
أَصَبْت مَرْثَدًا وَخَالِدًا قِيَامًا
ثُمّ شَرَعُوا فِيهِ الْأَسِنّةَ حَتّى قَتَلُوهُ . وَكَانَتْ سُلَافَةُ بِنْتُ سَعْدِ بْنِ الشّهِيدِ . قَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَبَنُوهَا أَرْبَعَةٌ قَدْ كَانَ عَاصِمٌ قَتَلَ مِنْهُمْ اثْنَيْنِ الْحَارِثُ وَمُسَافِعًا ; فَنَذَرَتْ لَئِنْ أَمْكَنَهَا اللّهُ مِنْهُ أَنْ تَشْرَبَ فِي قِحْفِ رَأْسِهِ الْخَمْرَ وَجَعَلَتْ لِمَنْ جَاءَ بِرَأْسِ عَاصِمٍ مِائَةَ نَاقَةٍ قَدْ عَلِمَتْ ذَلِكَ الْعَرَبُ وَعَلِمَتْهُ بَنُو لِحْيَانَ فَأَرَادُوا أَنْ يَحْتَزّوا رَأْسَ عَاصِمٍ لِيَذْهَبُوا بِهِ إلَى سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدٍ لِيَأْخُذُوا مِنْهَا مِائَةَ نَاقَةٍ . فَبَعَثَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الدّبْرَ فَحَمَتْهُ فَلَمْ يَدْنُ إلَيْهِ أَحَدٌ إلّا لَدَغَتْ وَجْهَهُ وَجَاءَ مِنْهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ لَا طَاقَةَ لِأَحَدٍ بِهِ .
فَقَالُوا : دَعُوهُ إلَى اللّيْلِ فَإِنّهُ إذَا جَاءَ اللّيْلُ ذَهَبَ عَنْهُ الدّبْرُ . فَلَمّا جَاءَ اللّيْلُ بَعَثَ اللّهُ عَلَيْهِ سَيْلًا - وَكُنّا مَا نَرَى فِي السّمَاءِ سَحَابًا فِي وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ - فَاحْتَمَلَهُ فَذَهَبَ بِهِ فَلَمْ يَصِلُوا إلَيْهِ . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ يَذْكُرُ عَاصِمًا - وَكَانَ عَاصِمٌ نَذَرَ أَلّا يَمَسّ مُشْرِكًا وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ تَنَجّسًا بِهِ . فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيَحْفَظُ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنَعَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ أَنْ [ ص 357 ] يَمَسّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا امْتَنَعَ فِي حَيَاتِهِ . وَقَاتَلَ مُعَتّبُ بْنُ عُبَيْدٍ حَتّى جُرِحَ فِيهِمْ ثُمّ خَلَصُوا إلَيْهِ فَقَتَلُوهُ . وَخَرَجُوا بِخُبَيْبٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ طَارِقٍ ، وَزَيْدِ بْنِ الدّثِنّة حَتّى إذَا كَانُوا بِمَرّ الظّهْرَانِ ، وَهُمْ مُوثَقُونَ بِأَوْتَارِ قِسِيّهِمْ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ : هَذَا أَوّلُ الْغَدْرِ وَاَللّهِ لَا أُصَاحِبُكُمْ إنّ لِي فِي هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةٌ - يَعْنِي الْقَتْلَى . فَعَالَجُوهُ فَأَبَى ، وَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ رِبَاطِهِ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَانْحَازُوا عَنْهُ فَجَعَلَ يَشُدّ فِيهِمْ وَيَنْفَرِجُونَ عَنْهُ فَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتّى قَتَلُوهُ - فَقَبْرُهُ بِمَرّ الظّهْرَانِ .
وَخَرَجُوا بِخُبَيْبِ بْنِ عُدّيّ وَزَيْدِ بْنِ الدّثِنّة حَتّى قَدِمُوا بِهِمَا مَكّةَ ، فَأَمّا خُبَيْبٌ فَابْتَاعَهُ حُجَيْرُ بْنُ أَبِي إهَابٍ بِثَمَانِينَ مِثْقَالِ ذَهَبٍ . وَيُقَالُ اشْتَرَاهُ بِخَمْسِينَ فَرِيضَةً وَيُقَالُ اشْتَرَتْهُ ابْنَةُ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ بِمِائَةٍ مِنْ الْإِبِلِ . وَكَانَ حُجَيْرُ إنّمَا اشْتَرَاهُ لِابْنِ أَخِيهِ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ. وَأَمّا زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة ، فَاشْتَرَاهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِخَمْسِينَ فَرِيضَةً فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ وَيُقَالُ إنّهُ شَرِكَ فِيهِ أُنَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ ; فَدَخَلَ بِهِمَا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَحُبِسَ حُجَيْرُ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيّ فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ . يُقَالُ لَهَا مَاوِيّةُ مَوْلَاةٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، وَحَبَسَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ زَيْدَ بْنَ الدّثِنّة عِنْدَ نَاسٍ مِنْ بَنِي جُمَحٍ ، وَيُقَالُ عِنْدَ نِسْطَاسٍ غُلَامِهِ . وَكَانَتْ مَاوِيّةُ قَدْ أَسْلَمَتْ بَعْدُ فَحَسُنَ إسْلَامُهَا ، وَكَانَتْ تَقُولُ وَاَللّهِ مَا رَأَيْت أَحَدًا خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ . وَاَللّهِ لَقَدْ اطّلَعْت عَلَيْهِ مِنْ صِيرِ الْبَابِ وَإِنّهُ لَفِي الْحَدِيدِ مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ حَبّةَ عِنَبٍ تُؤْكَلُ وَإِنّ فِي يَدِهِ لَقِطْفَ عِنَبٍ مِثْلَ رَأْسِ الرّجُلِ يَأْكُلُ مِنْهُ وَمَا هُوَ إلّا رِزْقٌ رَزَقَهُ اللّهُ . وَكَانَ خُبَيْبٌ يَتَهَجّدُ بِالْقُرْآنِ [ ص 358 ] وَكَانَ يَسْمَعُهُ النّسَاءُ فَيَبْكِينَ وَيُرَقّقْنَ عَلَيْهِ . قَالَتْ فَقُلْت لَهُ يَا خُبَيْبُ هَلْ لَك مِنْ حَاجَةٍ ؟ قَالَ لَا ، إلّا أَنْ تَسْقِيَنِي الْعَذْبَ وَلَا تُطْعِمِينِي مَا ذُبِحَ عَلَى النّصُبِ . وَتُخْبِرِينِي إذَا أَرَادُوا قَتْلِي . قَالَتْ فَلَمّا انْسَلَخَتْ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ أَتَيْته فَأَخْبَرْته ، فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْته اكْتَرَثَ لِذَلِكَ وَقَالَ ابْعَثِي لِي بِحَدِيدَةٍ أَسْتَصْلِحْ بِهَا . قَالَتْ فَبَعَثْت إلَيْهِ مُوسَى مَعَ ابْنَيْ أَبِي حُسَيْنٍ فَلَمّا وَلّى الْغُلَامُ قُلْت : أَدْرَكَ وَاَللّهِ الرّجُلُ ثَأْرَهُ أَيّ شَيْءٍ صَنَعْت ؟ بَعَثْت هَذَا الْغُلَامَ بِهَذِهِ الْحَدِيدَةِ فَيَقْتُلُهُ وَيَقُولُ « رَجُلٌ بِرَجُلٍ » .
فَلَمّا أَتَاهُ ابْنِي بِالْحَدِيدَةِ تَنَاوَلَهَا مِنْهُ ثُمّ قَالَ مُمَازِحًا لَهُ وَأَبِيك إنّك لَجَرِيءٌ أَمَا خَشِيَتْ أُمّك غَدِرِي حَيْنَ بَعَثْت مَعَك بِحَدِيدَةٍ وَأَنْتُمْ تُرِيدُونَ قَتْلِي ؟ قَالَتْ مَاوِيّةُ وَأَنَا أَسْمَعُ ذَلِكَ فَقُلْت : يَا خُبَيْبُ إنّمَا أَمّنْتُك بِأَمَانِ اللّهِ وَأَعْطَيْتُك بِإِلَهِك ، وَلَمْ أُعْطِك لِتَقْتُلَ ابْنِي . فَقَالَ خُبَيْبٌ مَا كُنْت لِأَقْتُلَهُ وَمَا نَسْتَحِلّ فِي دِينِنَا الْغَدْرَ . ثُمّ أَخْبَرَتْهُ أَنّهُمْ مُخْرِجُوهُ فَقَاتَلُوهُ بِالْغَدَاةِ . قَالَ فَأَخْرَجُوهُ بِالْحَدِيدِ حَتّى انْتَهَوْا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ ، وَخَرَجَ مَعَهُ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ ; فَلَمْ يَتَخَلّفْ أَحَدٌ ، إمّا مَوْتُورٌ فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَشَافَى بِالنّظَرِ مِنْ وِتْرِهِ وَإِمّا غَيْرُ مَوْتُورٍ فَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ . فَلَمّا انْتَهَوْا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ ، وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة ، فَأَمَرُوا بِخَشَبَةٍ طَوِيلَةٍ فَحَفَرَ لَهَا ، فَلَمّا انْتَهَوْا بِخُبَيْبٍ إلَى خَشَبَتِهِ قَالَ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكِيّ فَأُصَلّيَ رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ أَتَمّهُمَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطَوّلَ فِيهِمَا .
فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ أُسَيْدِ بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَوّلُ مَنْ سَنّ الرّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ خُبَيْبٌ . [ ص 359 ] قَالُوا : ثُمّ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنْ تَرَوْا أَنّي جَزِعْت مِنْ الْمَوْتِ لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الصّلَاةِ . ثُمّ قَالَ اللّهُمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا ، وَلَا تُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا .
فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ : لَقَدْ حَضَرْت دَعْوَتَهُ وَلَقَدْ رَأَيْتنِي وَإِنّ أَبَا سُفْيَانَ لَيُضْجِعَنِي إلَى الْأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ وَلَقَدْ جَبَذَنِي يَوْمَئِذٍ أَبُو سُفْيَانَ جَبْذَةً فَسَقَطْت عَلَى عَجْبِ ذَنَبِي فَلَمْ أَزَلْ أَشْتَكِي السّقْطَةَ زَمَانًا .
وَقَالَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى : لَقَدْ رَأَيْتنِي أَدْخَلْت إصْبَعِي فِي أُذُنِي وَعَدَوْت هَرَبًا فَرَقًا أَنْ أَسْمَعَ دُعَاءَهُ .
وَقَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : لَقَدْ رَأَيْتنِي أَتَوَارَى بِالشّجَرِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ خُبَيْبٍ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْت جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتنِي يَوْمَئِذٍ أَتَسَتّرُ بِالرّجَالِ فَرَقًا مِنْ أَنْ أُشْرِفَ لِدَعْوَتِهِ .
وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ بَرْصَاءَ وَاَللّهِ مَا ظَنَنْت أَنْ تُغَادِرَ دَعْوَةُ خُبَيْبٍ مِنْهُمْ أَحَدًا .








(1/354)

وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمّدٍ الْأَخْنَسِيّ قَالَ اسْتَعْمَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ الْجُمَحِيّ عَلَى حِمْصَ ، وَكَانَتْ تُصِيبُهُ غَشْيَةٌ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ أَصْحَابِهِ . فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ فَسَأَلَهُ فِي قَدْمَةٍ قَدِمَ عَلَيْهِ مِنْ حَمْصَ فَقَالَ يَا سَعِيدُ [ ص 360 ] ما الّذِي يُصِيبُك ؟ أَبِك جُنّةٌ ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنّي كُنْت فِيمَنْ حَضَرَ خُبَيْبًا حَيْنَ قُتِلَ وَسُمِعَتْ دَعْوَتُهُ فَوَاَللّهِ مَا خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِي وَأَنَا فِي مَجْلِسٍ إلّا غُشِيَ عَلَيّ . قَالَ فَزَادَتْهُ عِنْدَ عُمَرَ خَيْرًا .
وَحَدّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُمّانَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ ، قَالَ حَضَرْت يَوْمَئِذٍ دَعْوَةَ خُبَيْبٍ فَمَا كُنْت أَرَى أَنّ أَحَدًا مِمّنْ حَضَرَ يَنْفَلِت مِنْ دَعْوَتِهِ وَلَقَدْ كُنْت قَائِمًا فَأَخْلَدْت إلَى الْأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَتِهِ وَلَقَدْ مَكَثَتْ قُرَيْشٌ شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ وَمَا لَهَا حَدِيثٌ فِي أَنْدِيَتِهَا إلّا دَعْوَةَ خُبَيْبٍ .
قَالُوا : فَلَمّا صَلّى الرّكْعَتَيْنِ حَمَلُوهُ إلَى الْخَشَبَةِ ثُمّ وَجّهُوهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا ، ثُمّ قَالُوا : ارْجِعْ عَنْ الْإِسْلَامِ نُخْلِ سَبِيلَك قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّي رَجَعْت عَنْ الْإِسْلَامِ وَأَنّ لِي مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا قَالُوا : فَتُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا فِي مَكَانِك وَأَنْتَ جَالِسٌ فِي بَيْتِك ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنْ يُشَاكَ مُحَمّدٌ بِشَوْكَةٍ وَأَنَا جَالِسٌ فِي بَيْتِي . فَجَعَلُوا يَقُولُونَ ارْجِعْ يَا خُبَيْبُ قَالَ لَا أَرْجِعُ أَبَدًا قَالُوا : أَمَا وَاَللّاتِي وَالْعُزّى ، لَئِنْ لَمْ تَفْعَلْ لَنَقْتُلَنّكَ فَقَالَ إنّ قَتْلِي فِي اللّهِ لَقَلِيلٌ فَلَمّا أَبَى عَلَيْهِمْ وَقَدْ جَعَلُوا وَجْهَهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ قَالَ أَمّا صَرْفُكُمْ وَجْهِي عَنْ الْقِبْلَةِ فَإِنّ اللّهَ يَقُولُ فَأَيْنَمَا تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ اللّهِ
ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّي لَا أَرَى إلّا وَجْهَ عَدُوّ اللّهُمّ إنّهُ لَيْسَ هَاهُنَا أَحَدٌ يُبَلّغُ رَسُولَك السّلَامَ عَنّي ، فَبَلّغْهُ أَنْتَ عَنّي السّلَامَ
فَحَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ [ ص 361 ] أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ جَالِسًا مَعَ أَصْحَابِهِ فَأَخَذَتْهُ غَمْيَةٌ كَمَا كَانَ يَأْخُذُهُ إذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ . قَالَ ثُمّ سَمِعْنَاهُ يَقُولُ « وَعَلَيْهِ السّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ » ; ثُمّ قَالَ « هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُنِي مِنْ خُبَيْبٍ السّلَامَ » قَالَ ثُمّ دَعَوْا أَبْنَاءً مِنْ أَبْنَاءِ مَنْ قُتِلَ بِبَدْرٍ فَوَجَدُوهُمْ أَرْبَعِينَ غُلَامًا ، فَأَعْطَوْا كُلّ غُلَامٍ رُمْحًا ، ثُمّ قَالُوا : هَذَا الّذِي قَتَلَ آبَاءَكُمْ . فَطَعَنُوهُ بِرِمَاحِهِمْ طَعْنًا خَفِيفًا ، فَاضْطَرَبَ عَلَى الْخَشَبَةِ فَانْقَلَبَ فَصَارَ وَجْهُهُ إلَى الْكَعْبَةِ ، فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي جَعَلَ وَجْهِي نَحْوَ قِبْلَتِهِ الّتِي رَضِيَ لِنَفْسِهِ وَلِنَبِيّهِ وَلِلْمُؤْمِنَيْنِ وَكَانَ الّذِينَ أَجَلَبُوا عَلَى قَتْلِ خُبَيْبٍ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قَيْسٍ ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السّلَمِيّ . وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ مِمّنْ حَضَرَ وَكَانَ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَنَا قَتَلْت خُبَيْبًا إنْ كُنْت يَوْمَئِذٍ لَغُلَامًا صَغِيرًا . وَلَكِنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّار ِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَيْسَرَةَ مِنْ عَوْفِ بْنِ السّبّاقِ أَخَذَ بِيَدِي فَوَضَعَهَا عَلَى الْحَرْبَةِ ثُمّ أَمْسَكَ بِيَدِي ثُمّ جَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ حَتّى قَتَلَهُ فَلَمّا طَعَنَهُ بِالْحَرْبَةِ أَفْلَتْ فَصَاحُوا : يَا أَبَا سِرْوَعَةَ بِئْسَ مَا طَعَنَهُ أَبُو مَيْسَرَةَ فَطَعَنَهُ أَبُو سِرْوَعَةَ حَتّى أَخَرَجَهَا مِنْ ظَهْرِهِ فَمَكَثَ سَاعَةً يُوَحّدُ اللّهَ وَيَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ .
يَقُولُ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ : لَوْ تَرَكَ ذِكْرَ مُحَمّدٍ عَلَى حَالٍ لَتَرَكَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ مَا رَأَيْنَا قَطّ وَالِدًا يَجِدُ بِوَلَدِهِ مَا يَجِدُ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ بِمُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالُوا : وَكَانَ زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة عِنْدَ آلِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ مَحْبُوسًا فِي حَدِيدٍ وَكَانَ يَتَهَجّدُ بِاللّيْلِ وَيَصُومُ النّهَارَ وَلَا يَأْكُلُ شَيْئًا مِمّا أُتِيَ بِهِ مِنْ الذّبَائِحِ . فَشَقّ ذَلِكَ عَلَى صَفْوَانَ وَكَانُوا قَدْ أَحْسَنُوا إسَارَهُ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ صَفْوَانُ فَمَا الّذِي تَأْكُلُ مِنْ الطّعَامِ ؟ قَالَ لَسْت آكُلُ مِمّا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللّهِ وَلَكِنّي أَشْرَبُ اللّبَنَ . وَكَانَ يَصُومُ فَأَمَرَ لَهُ صَفْوَانُ بِعُسّ مِنْ لَبَنٍ [ ص 362 ] عِنْدَ فِطْرِهِ فَيَشْرَبُ مِنْهُ حَتّى يَكُونَ مِثْلَهَا مِنْ الْقَابِلَةِ . فَلَمّا خَرَجَ بِهِ وَبِخُبَيْبٍ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ الْتَقَيَا ، وَمَعَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ مِنْ النّاسِ فَالْتَزَمَ كُلّ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَأَوْصَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِالصّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَهُ ثُمّ افْتَرَقَا . وَكَانَ الّذِي وَلِيَ قَتْلَ زَيْدٍ نِسْطَاسٌ غُلَامُ صَفْوَانَ . خَرَجَ بِهِ إلَى التّنْعِيمِ فَرَفَعُوا لَهُ جَذَعًا ، فَقَالَ أُصَلّي رَكْعَتَيْنِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ حَمَلُوهُ عَلَى الْخَشَبَةِ ثُمّ جَعَلُوا يَقُولُونَ لِزَيْدٍ ارْجِعْ عَنْ دِينِك الْمُحْدَثِ وَاتّبِعْ دِينَنَا ، وَنُرْسِلَك قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُفَارِقُ دِينِي أَبَدًا قَالُوا : أَيَسُرّك أَنّ مُحَمّدًا فِي أَيْدِينَا مَكَانَك وَأَنْتَ فِي بَيْتِك ؟ قَالَ مَا يَسُرّنِي أَنّ مُحَمّدًا أُشِيكَ بِشَوْكَةٍ وَأَنّي فِي بَيْتِي قَالَ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ : لَا ، مَا رَأَيْنَا أَصْحَابَ رَجُلٍ قَطّ أَشَدّ لَهُ حُبّا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ بِمُحَمّدٍ . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ; صَحِيحَةٌ سَمِعْتهَا مِنْ يُونُسَ بْنِ مُحَمّدٍ الظّفَرِيّ
فَلَيْتَ خُبَيْبًا لَمْ تَخُنْهُ أَمَانَةٌ

وَلَيْتَ خُبَيْبًا كَانَ بِالْقَوْمِ عَالِمًا
شَرَاهُ زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرّ وَجَامِعٌ

وَكَانَا قَدِيمًا يَرْكَبَانِ الْمَحَارِمَا
أَجَرْتُمْ فَلَمّا أَنْ أَجَرْتُمْ غَدَرْتُمْ

وَكُنْتُمْ بِأَكْنَافِ الرّجِيعِ اللّهَازِمَا
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، ثَبْتٌ قَدِيمَةٌ [ ص 363 ]
لَوْ كَانَ فِي الدّارِ قَرْمٌ ذُو مُحَافَظَةٍ

حَامِي الْحَقِيقَةِ مَاضٍ خَالُهُ أَنَسُ
إذَنْ حَلَلْت خُبَيْبًا مَنْزِلًا فُسُحًا

وَلَمْ يُشَدّ عَلَيْك الْكَبْلُ وَالْحَرَسُ
وَلَمْ تَقُدْك إلَى التّنْعِيمِ زِعْنِفَةٌ

مِنْ الْمَعَاشِرِ مِمّنْ قَدْ نَفَتْ عُدَس
فَاصْبِرْ خُبَيْبُ فَإِنّ الْقَتْلَ مَكْرَمَةٌ

إلَى جِنَانِ نَعِيمٍ تَرْجِعُ النّفْسُ
دَلّوك غَدْرًا وَهُمْ فِيهَا أُولُو خُلُفٍ

وَأَنْتَ ضَيْفٌ لَهُمْ فِي الدّارِ مُحْتَبَسُ








(1/360)

غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ شَهْرًا مِنْ مُهَاجَرَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ سَهْلٍ ، وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فِي رِجَالٍ مِمّنْ لَمْ أُسَمّهِمْ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِبَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَعْضُ الْقَوْمِ كَانَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ جَمَعْت كُلّ الّذِي حَدّثُونِي ، قَالُوا : أَقْبَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ مِنْ بِئْرِ مَعُونَةَ حَتّى كَانَ بِقَنَاةٍ فَلَقِيَ رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَنَسَبَهُمَا فَانْتَسَبَا ، فَقَابَلَهُمَا حَتّى إذَا نَامَا وَثَبَ عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا . ثُمّ خَرَجَ حَتّى [ ص 364 ] وَرَدَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سَاعَتِهِ فِي قَدْرِ حَلْبِ شَاةٍ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِئْسَ مَا صَنَعْت ، قَدْ كَانَ لَهُمَا مِنّا أَمَانٌ وَعَهْدٌ فَقَالَ مَا شَعَرْت ، كُنْت أَرَاهُمَا عَلَى شِرْكِهِمَا ، وَكَانَ قَوْمُهُمَا قَدْ نَالُوا مِنّا مَا نَالُوا مِنْ الْغَدْرِ بِنَا . وَجَاءَ بِسَلَبِهِمَا ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَعُزِلَ سَلَبُهُمَا حَتّى بُعِثَ بِهِ مَعَ دِيَتِهِمَا
وَذَلِكَ أَنّ عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ بَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِك قَتَلَ رَجُلَيْنِ مِنْ قَوْمِي ، وَلَهُمَا مِنْك أَمَانٌ وَعَهْدٌ فَابْعَثْ بِدِيَتِهِمَا إلَيْنَا . فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُ فِي دِيَتِهِمَا ، وَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حُلَفَاءَ لِبَنِي عَامِرٍ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ السّبْتِ فَصَلّى فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ وَمَعَهُ رَهْطٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، ثُمّ جَاءَ بَنِي النّضِيرِ فَيَجِدُهُمْ فِي نَادِيهِمْ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ فَكَلّمَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُعِينُوهُ فِي دِيَةِ الْكِلَابِيّيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَهُمَا عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ . فَقَالُوا : نَفْعَلُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا أَحْبَبْت . قَدْ أَنَى لَك أَنْ تَزُورَنَا وَأَنْ تَأْتِيَنَا ، اجْلِسْ حَتّى نُطْعِمَك وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسْتَنِدٌ إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ ثُمّ خَلَا بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَتَنَاجَوْا ، فَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ : يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، قَدْ جَاءَكُمْ مُحَمّدٌ فِي نَفِيرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ لَا يَبْلُغُونَ عَشْرَةً - وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ وَعَلِيّ ، وَالزّبَيْرُ وَطَلْحَةُ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - فَاطْرَحُوا عَلَيْهِ حِجَارَةً مِنْ فَوْقِ هَذَا الْبَيْتِ الّذِي هُوَ تَحْتَهُ فَاقْتُلُوهُ فَلَنْ تَجِدُوهُ أَخْلَى مِنْهُ السّاعَةَ فَإِنّهُ إنْ قُتِلَ تَفَرّقَ أَصْحَابُهُ فَلَحِقَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قُرَيْشٍ بِحَرَمِهِمْ وَبَقِيَ مَنْ هَاهُنَا مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ حُلَفَاؤُكُمْ فَمَا كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَصْنَعُوا يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ فَمِنْ الْآنَ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ جَحّاشٍ : أَنَا أَظْهَرُ عَلَى الْبَيْتِ [ ص 365 ] فَأَطْرَحُ عَلَيْهِ صَخْرَةً .
قَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي هَذِهِ الْمَرّةَ وَخَالِفُونِي الدّهْرَ وَاَللّهِ إنْ فَعَلْتُمْ لَيُخْبَرَنّ بِأَنّا قَدْ غَدَرْنَا بِهِ وَإِنّ هَذَا نَقْضُ الْعَهْدِ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَلَا تَفْعَلُوا أَلَا فَوَاَللّهِ لَوْ فَعَلْتُمْ الّذِي تُرِيدُونَ لَيَقُومَنّ بِهَذَا الدّينِ مِنْهُمْ قَائِمٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَسْتَأْصِلُ الْيَهُودَ وَيُظْهِرُ دِينَهُ وَقَدْ هَيّأَ الصّخْرَةَ لِيُرْسِلَهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَحْدُرَهَا ، فَلَمّا أَشْرَفَ بِهَا جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ السّمَاءِ بِمَا هَمّوا بِهِ فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيعًا كَأَنّهُ يُرِيدُ حَاجَةً وَتَوَجّهَ إلَى الْمَدِينَةِ . وَجَلَسَ أَصْحَابُهُ يَتَحَدّثُونَ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّهُ قَامَ يَقْضِي حَاجَةً فَلَمّا يَئِسُوا مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَا مُقَامُنَا هَا هُنَا بِشَيْءٍ لَقَدْ وَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَمْرٍ . فَقَامُوا ، فَقَالَ حُيَيّ : عَجّلَ أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ كُنّا نُرِيدُ أَنْ نَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَنُغَدّيَهُ . وَنَدِمَتْ الْيَهُودُ عَلَى مَا صَنَعُوا ، فَقَالَ لَهُمْ كِنَانَةُ بْنُ صُوَيْرَاءَ هَلْ تَدْرُونَ لِمَ قَامَ مُحَمّدٌ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللّهِ مَا نَدْرِي وَمَا تَدْرِي أَنْتَ قَالَ بَلَى وَالتّوْرَاةِ ، إنّي لَأَدْرِي ، قَدْ أُخْبِرَ مُحَمّدٌ مَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ فَلَا تَخْدَعُوا أَنَفْسَكُمْ وَاَللّهِ إنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ وَمَا قَامَ إلّا أَنّهُ أُخْبِرَ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ . وَإِنّهُ لَآخِرُ الْأَنْبِيَاءِ كُنْتُمْ تَطْمَعُونَ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي هَارُونَ فَجَعَلَهُ اللّهُ حَيْثُ شَاءَ . وَإِنّ كُتُبَنَا وَاَلّذِي دَرَسْنَا فِي التّوْرَاةِ الّتِي لَمْ تُغَيّرْ وَلَمْ تُبَدّلْ أَنّ مَوْلِدَهُ بِمَكّةَ وَدَارَ هِجْرَتِهِ يَثْرِبُ ، وَصِفَتُهُ بِعَيْنِهَا مَا تُخَالِفُ حَرْفًا مِمّا فِي كِتَابِنَا ، وَمَا يَأْتِيكُمْ [ بِهِ ] أَوْلَى مِنْ مُحَارَبَتِهِ إيّاكُمْ وَلَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْكُمْ ظَاعِنِينَ يَتَضَاغَى صِبْيَانُكُمْ قَدْ تَرَكْتُمْ دُورَكُمْ خُلُوفًا [ ص 366 ] وَأَمْوَالَكُمْ وَإِنّمَا هِيَ شَرَفُكُمْ فَأَطِيعُونِي فِي خُصْلَتَيْنِ وَالثّالِثَةُ لَا خَيْرَ فِيهَا قَالُوا : مَا هُمَا ؟ قَالَ تُسْلِمُونَ وَتَدْخُلُونَ مَعَ مُحَمّدٍ فَتَأْمَنُونَ عَلَى أَمْوَالِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ وَتَكُونُونَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ وَتَبْقَى بِأَيْدِيكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا تُخْرَجُونَ مِنْ دِيَارِكُمْ . قَالُوا : لَا نُفَارِقُ التّوْرَاةَ وَعَهْدَ مُوسَى قَالَ فَإِنّهُ مُرْسَلٌ إلَيْكُمْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي ، فَقُولُوا نَعَمْ - فَإِنّهُ لَا يَسْتَحِلّ لَكُمْ دَمًا وَلَا مَالًا - وَتَبْقَى أَمْوَالُكُمْ إنْ شِئْتُمْ بِعْتُمْ وَإِنْ شِئْتُمْ أَمْسَكْتُمْ .
قَالُوا : أَمّا هَذَا فَنَعَمْ . قَالَ أَمَا وَاَللّهِ إنّ الْأُخْرَى خَيْرُهُنّ لِي . قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنّي أَفْضَحُكُمْ لَأَسْلَمْت . وَلَكِنْ وَاَللّهِ لَا تُعَيّرُ شَعْثَاءُ بِإِسْلَامِي أَبَدًا حَتّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَكُمْ - وَابْنَتُهُ شَعْثَاءُ الّتِي كَانَ حَسّانٌ يَنْسِبُ بِهَا .
فَقَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : قَدْ كُنْت لِمَا صَنَعْتُمْ كَارِهًا ، وَهُوَ مُرْسِلٌ إلَيْنَا أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ دَارِي ، فَلَا تُعَقّبْ يَا حُيَيّ كَلَامَهُ وَأَنْعِمْ لَهُ بِالْخُرُوجِ فَاخْرُجْ مِنْ بِلَادِهِ قَالَ أَفْعَلُ أَنَا أَخْرُجُ








(1/364)

فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ تَبِعَهُ أَصْحَابُهُ فَلَقَوْا رَجُلًا خَارِجًا مِنْ الْمَدِينَةِ فَسَأَلُوهُ هَلْ لَقِيت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ لَقِيته بِالْجِسْرِ دَاخِلًا . فَلَمّا انْتَهَى أَصْحَابُهُ إلَيْهِ وَجَدُوهُ قَدْ أَرْسَلَ إلَى مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَدْعُوهُ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ قُمْت وَلَمْ نَشْعُرْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَمّتْ الْيَهُودُ بِالْغَدْرِ بِي ، فَأَخْبَرَنِي اللّهُ بِذَلِكَ فَقُمْت . وَجَاءَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى يَهُودِ بَنِي النّضِيرِ فَقُلْ لَهُمْ إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ أَنْ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِه
فَلَمّا جَاءَهُمْ قَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ بِرِسَالَةٍ وَلَسْت أَذْكُرُهَا لَكُمْ حَتّى أُعَرّفَكُمْ شَيْئًا تَعْرِفُونَهُ .
[ ص 367 ] قَالَ أَنْشُدُكُمْ بِالتّوْرَاةِ الّتِي أَنَزَلَ اللّهُ عَلَى مُوسَى ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنّي جِئْتُكُمْ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَكُمْ التّوْرَاةُ ، فَقُلْتُمْ لِي فِي مَجْلِسِكُمْ هَذَا : يَا ابْنَ مَسْلَمَةَ إنْ شِئْت أَنْ نُغَدّيَك غَدّيْنَاك ، وَإِنْ شِئْت أَنّ نُهَوّدَك هَوّدْنَاك . فَقُلْت لَكُمْ غَدّونِي وَلَا تُهَوّدُونِي ، فَإِنّي وَاَللّهِ لَا أَتَهَوّدُ أَبَدًا فَغَدّيْتُمُونِي فِي صَحْفَةٍ لَكُمْ وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْهَا كَأَنّهَا جَزْعَةٌ فَقُلْتُمْ لِي : مَا يَمْنَعُك مِنْ دِينِنَا إلّا أَنّهُ دِينُ يَهُودَ . كَأَنّك تُرِيدُ الْحَنِيفِيّةَ الّتِي سَمِعْت بِهَا ، أَمَا إنّ أَبَا عَامِرٍ قَدْ سَخِطَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهَا ، أَتَاكُمْ صَاحِبُهَا الضّحُوكُ الْقَتّالُ فِي عَيْنَيْهِ حُمْرَةٌ يَأْتِي مِنْ قِبَلِ الْيَمَنِ ، يَرْكَبُ الْبَعِيرَ وَيَلْبَسُ الشّمْلَةَ وَيَجْتَزِئُ بِالْكِسْرَةِ سَيْفُهُ عَلَى عَاتِقِهِ لَيْسَتْ مَعَهُ آيَةٌ هُوَ يَنْطِقُ بِالْحِكْمَةِ كَأَنّهُ وَشِيجَتُكُمْ هَذِهِ وَاَللّهِ لَيَكُونَنّ بِقَرْيَتِكُمْ هَذِهِ سَلَبٌ وَقَتْلٌ وَمَثْلٌ قَالُوا : اللّهُمّ نَعَمْ قَدْ قُلْنَاهُ لَك وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ .
قَالَ قَدْ فَرَغْت ، إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسَلَنِي إلَيْكُمْ يَقُولُ لَكُمْ قَدْ نَقَضْتُمْ الْعَهْدَ الّذِي جَعَلْت لَكُمْ بِمَا هَمَمْتُمْ بِهِ مِنْ الْغَدْرِ بِي وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا كَانُوا ارْتَأَوْا مِنْ الرّأْيِ وَظُهُورِ عَمْرِو بْنِ جَحّاشٍ عَلَى الْبَيْتِ يَطْرَحُ الصّخْرَةَ فَأَسْكَتُوا فَلَمْ يَقُولُوا حَرْفًا .
وَيَقُولُ اُخْرُجُوا مِنْ بَلَدِي ، فَقَدْ أَجّلْتُكُمْ عَشْرًا فَمَنْ رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ضَرَبْت عُنُقَهُ قَالُوا : يَا مُحَمّدُ مَا كُنّا نَرَى أَنْ يَأْتِيَ بِهَذَا رَجُلٌ مِنْ الْأَوْسِ .
قَالَ مُحَمّدٌ تَغَيّرَتْ الْقُلُوبُ . فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ أَيّامًا يَتَجَهّزُونَ وَأَرْسَلُوا إلَى ظَهْرٍ لَهُمْ بِذِي الْجَدْرِ تُجْلَبُ وَتَكَارَوْا مِنْ نَاسٍ مِنْ أَشْجَعَ [ ص 368 ] [ إبِلًا ] وَأَخَذُوا فِي الْجَهَازِ .
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إذْ جَاءَهُمْ رَسُولُ ابْنِ أُبَيّ ، أَتَاهُمْ سُوَيْدٌ وَدَاعِسٌ فَقَالَا : يَقُولُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ : لَا تَخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَقِيمُوا فِي حُصُونِكُمْ فَإِنّ مَعِي أَلْفَيْنِ مِنْ قَوْمِي وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ، يَدْخُلُونَ مَعَكُمْ حِصْنَكُمْ فَيَمُوتُونَ مِنْ آخِرِهِمْ قَبْلَ أَنْ يُوصَلَ إلَيْكُمْ وَتَمُدّكُمْ قُرَيْظَةُ فَإِنّهُمْ لَنْ يَخْذُلُوكُمْ وَيَمُدّكُمْ حُلَفَاؤُكُمْ مِنْ غَطَفَانَ .
وَأَرْسَلَ ابْنُ أُبَيّ إلَى كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ يُكَلّمُهُ أَنْ يَمُدّ أَصْحَابَهُ فَقَالَ لَا يَنْقُضُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ رَجُلٌ وَاحِدٌ الْعَهْدَ .
فَيَئِسَ ابْنُ أُبَيّ مِنْ قُرَيْظَةَ وَأَرَادَ أَنْ يُلْحِمَ الْأَمْرَ فِيمَا بَيْنَ بَنِي النّضِيرِ وَرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَزَلْ يُرْسِلُ إلَى حُيَيّ حَتّى قَالَ حُيَيّ : أَنَا أُرْسِلُ إلَى مُحَمّدٍ أُعْلِمُهُ أَنّا لَا نَخْرُجُ مِنْ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَلْيَصْنَعْ مَا بَدَا لَهُ .
وَطَمِعَ حُيَيّ فِيمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ ، وَقَالَ حُيَيّ : نَرْمِ حُصُونَنَا ، ثُمّ نُدْخِلُ مَاشِيَتَنَا ، وَنُدْرِبُ أَزِقّتَنَا ، وَنَنْقُلُ الْحِجَارَةَ إلَى حُصُونِنَا ، وَعِنْدَنَا مِنْ الطّعَامِ مَا يَكْفِينَا سَنَةً وَمَاؤُنَا وَاتِنٌ فِي حُصُونِنَا لَا نَخَافُ قَطْعَهُ . فَتَرَى مُحَمّدًا يَحْصُرُنَا سَنَةً ؟ لَا نَرَى هَذَا .
قَالَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ : مَنّتْك نَفْسُك وَاَللّهِ يَا حُيَيّ الْبَاطِلَ إنّي وَاَللّهِ لَوْلَا أَنْ يُسَفّهَ رَأْيُك أَوْ يُزْرَى بِك لَاعْتَزَلْتُك بِمَنْ أَطَاعَنِي مِنْ الْيَهُودِ ; فلا تَفْعَلْ يَا حُيَيّ ، فَوَاَللّهِ إنّك لَتَعْلَمُ وَنَعْلَمُ مَعَك أَنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ وَأَنّ صِفَتَهُ عِنْدَنَا ، فَإِنْ لَمْ نَتّبِعْهُ وَحَسَدْنَاهُ حَيْثُ خَرَجَتْ النّبُوّةُ مِنْ بَنِي هَارُونَ فَتَعَالَ فَنَقْبَلَ مَا أَعْطَانَا مِنْ الْأَمْنِ وَنَخْرُجْ [ ص 369 ] مِنْ بِلَادِهِ فَقَدْ عَرَفْت أَنّك خَالَفَتْنِي فِي الْغَدْرِ بِهِ فَإِذَا كَانَ أَوَانُ الثّمَرِ جِئْنَا أَوْ جَاءَ مَنْ جَاءَ مِنّا إلَى ثَمَرِهِ فَبَاعَ أَوْ صَنَعَ مَا بَدَا لَهُ ثُمّ انْصَرَفَ إلَيْنَا .
فَكَأَنّا لَمْ نَخْرُجْ مِنْ بِلَادِنَا إذَا كَانَتْ أَمْوَالُنَا بِأَيْدِينَا ; إنّا إنّمَا شَرُفْنَا عَلَى قَوْمِنَا بِأَمْوَالِنَا وَفِعَالِنَا ، فَإِذَا ذَهَبَتْ أَمْوَالُنَا مِنْ أَيْدِينَا كُنّا كَغَيْرِنَا مِنْ الْيَهُودِ فِي الذّلّةِ وَالْإِعْدَامِ .
وَإِنّ مُحَمّدًا إنْ سَارَ إلَيْنَا فَحَصَرَنَا فِي هَذِهِ الصّيَاصِي يَوْمًا وَاحِدًا ، ثُمّ عَرَضْنَا عَلَيْهِ مَا أَرْسَلَ بِهِ إلَيْنَا ، لَمْ يَقْبَلْهُ وَأَبَى عَلَيْنَا .
قَالَ حُيَيّ : إنّ مُحَمّدًا لَا يَحْصُرُنَا [ إلّا ] إنْ أَصَابَ مِنّا نُهْزَةً وَإِلّا انْصَرَفَ وَقَدْ وَعَدَنِي ابْنُ أُبَيّ مَا قَدْ رَأَيْت .
فَقَالَ سَلّامٌ لَيْسَ قَوْلُ ابْنِ أُبَيّ بِشَيْءٍ إنّمَا يُرِيدُ ابْنُ أُبَيّ أَنْ يُوَرّطَك فِي الْهَلَكَةِ حَتّى تُحَارِبَ مُحَمّدًا ، ثُمّ يَجْلِسُ فِي بَيْتِهِ وَيَتْرُكُك . قَدْ أَرَادَ مِنْ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ النّصْرَ فَأَبَى كَعْبٌ وَقَالَ لَا يَنْقُضُ الْعَهْدَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَأَنَا حَيّ .
وَإِلّا فَإِنّ ابْنَ أُبَيّ قَدْ وَعَدَ حُلَفَاءَهُ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ مِثْلَ مَا وَعَدَك حَتّى حَارَبُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ وَحَصَرُوا أَنَفْسَهُمْ فِي صَيَاصِيِهِمْ وَانْتَظَرُوا نُصْرَةَ ابْنِ أُبَيّ ، فَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَسَارَ مُحَمّدٌ إلَيْهِمْ فَحَصَرَهُمْ حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَابْنُ أُبَيّ لَا يَنْصُرُ حُلَفَاءَهُ وَمَنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ النّاسِ كُلّهِمْ وَنَحْنُ لَمْ نَزَلْ نَضْرِبُهُ بِسُيُوفِنَا مَعَ الْأَوْسِ فِي حَرْبِهِمْ كُلّهَا ، إلَى أَنْ تَقَطّعَتْ حَرْبُهُمْ فَقَدِمَ مُحَمّدٌ فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ .
وَابْنُ أُبَيّ لَا يَهُودِيّ عَلَى دِينِ يَهُودَ وَلَا عَلَى دِينِ مُحَمّدٍ وَلَا هُوَ عَلَى دِين قَوْمِهِ فَكَيْفَ تَقْبَلُ مِنْهُ قَوْلًا قَالَهُ ؟ قَالَ حُيَيّ : تَأْبَى نَفْسِي إلّا عَدَاوَةَ مُحَمّدٍ وَإِلّا قِتَالَهُ .
قَالَ سَلّامٌ فَهُوَ وَاَللّهِ جَلَانَا مِنْ أَرْضِنَا ، وَذَهَابُ أَمْوَالِنَا ، وَذَهَابُ شَرَفِنَا ، أَوْ سِبَاءُ ذَرَارِيّنَا مَعَ قَتْلِ مُقَاتِلِينَا .
فَأَبَى حُيَيّ إلّا مُحَارَبَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ سَارُوكُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ - وَكَانَ ضَعِيفًا عِنْدَهُمْ فِي عَقْلِهِ [ ص 370 ] كَأَنّ بِهِ جِنّةٌ - يَا حُيَيّ ، أَنْتَ رَجُلٌ مَشْئُومٌ تُهْلِكُ بَنِي النّضِيرِ فَغَضِبَ حُيَيّ وَقَالَ كُلّ بَنِي النّضِيرِ قَدْ كَلّمَنِي حَتّى هَذَا الْمَجْنُونُ . فَضَرَبَهُ إخْوَتُهُ وَقَالُوا لِحُيَيّ أَمْرُنَا لِأَمْرِك تَبَعٌ ، لَنْ نُخَالِفَك .
فَأَرْسَلَ حُيَيّ أَخَاهُ جُدَيّ بْنَ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّا لَا نَبْرَحُ مِنْ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَاصْنَعْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ .
وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ ابْنَ أُبَيّ فَيُخْبِرَهُ بِرِسَالَتِهِ إلَى مُحَمّدٍ وَيَأْمُرَهُ بِتَعْجِيلِ مَا وَعَدَ مِنْ النّصْرِ .
فَذَهَبَ جُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِاَلّذِي أَرْسَلَهُ حُيَيّ ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُ فَأَظْهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ التّكْبِيرَ وَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ لِتَكْبِيرِهِ وَقَالَ حَارَبْت الْيَهُود وَخَرَجَ جُدَيّ حَتّى دَخَلَ عَلَى ابْنِ أُبَيّ وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَيْتِهِ مَعَ نَفِيرٍ مِنْ حُلَفَائِهِ وَقَدْ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي النّضِيرِ فَيَدْخُلُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ عَلَى عَبْدِ اللّهِ أَبِيهِ وَعَلَى النّفَرِ مَعَهُ وَعِنْدَهُ جُدَيّ بْنُ أَخْطَبَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَخَرَجَ يَعْدُو ، فَقَالَ جُدَيّ : لَمّا رَأَيْت ابْنَ أُبَيّ جَالِسًا فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ وَابْنُهُ عَلَيْهِ السّلَاحُ يَئِسْت مِنْ نَصْرِهِ فَخَرَجْت أَعْدُو إلَى حُيَيّ فَقَالَ مَا وَرَاءَك ؟ قُلْت : الشّرّ سَاعَةَ أَخْبَرْت مُحَمّدًا بِمَا أَرْسَلْت بِهِ إلَيْهِ أَظْهَرَ التّكْبِيرَ وَقَالَ « حَارَبْت الْيَهُودَ » . فَقَالَ هَذِهِ مَكِيدَةٌ مِنْهُ . قَالَ وَجِئْت ابْنَ أُبَيّ فَأَعْلَمْته ، وَنَادَى مُنَادِي مُحَمّدٍ بِالْمَسِيرِ إلَى بَنِي النّضِيرِ .
قَالَ وَمَا رَدّ عَلَيْك ابْنُ أُبَيّ ؟ فَقَالَ جُدَيّ : لَمْ أَرَ عِنْدَهُ خَيْرًا . قَالَ أَنَا أُرْسِلُ إلَى حُلَفَائِي فَيَدْخُلُونَ مَعَكُمْ . وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ فَصَلّى الْعَصْرَ بِفَضَاءِ بَنِي النّضِيرِ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ قَامُوا عَلَى جُدُرِ حُصُونِهِمْ مَعَهُمْ النّبْلُ وَالْحِجَارَةُ .
وَاعْتَزَلَتْهُمْ قُرَيْظَةُ فَلَمْ تُعِنْهُمْ [ ص 371 ] بِسِلَاحٍ وَلَا رِجَالٍ وَلَمْ يَقْرَبُوهُمْ . وَجَعَلُوا يَرْمُونَ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ حَتّى أَظَلَمُوا ، وَجَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْدَمُونَ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ فِي حَاجَتِهِ حَتّى تَتَامّوا عِنْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِشَاءَ رَجَعَ إلَى بَيْتِهِ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ الدّرْعُ وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ .
وَقَدْ اسْتَعْمَلَ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْعَسْكَرِ وَيُقَالُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ .
وَبَاتَ الْمُسْلِمُونَ يُحَاصِرُونَهُمْ . يُكَبّرُونَ حَتّى أَصْبَحُوا ، ثُمّ أَذّنَ بِلَالٌ بِالْمَدِينَةِ . فَغَدَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ .
فَصَلّى بِالنّاسِ بِفَضَاءِ بَنِي خَطْمَةَ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ ; وَحُمِلَتْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبّةٌ مِنْ أَدَمٍ .








(1/367)




وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ كَانَتْ الْقُبّةُ مِنْ غَرَبٍ عَلَيْهَا مُسُوحٌ . أَرْسَلَ بِهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ . فَأَمَرَ بِلَالًا فَضَرَبَهَا فِي مَوْضِعٍ الْمَسْجِدِ الصّغِيرِ الّذِي بِفَضَاءِ بَنِي خَطْمَةَ . وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقُبّةَ . وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ عَزْوَك . وَكَانَ أَعْسَرَ رَامِيًا ، فَرَمَى فَبَلَغَ نَبْلُهُ قُبّةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بِقُبّتِهِ فَحُوّلَتْ إلَى مَسْجِدِ الْفَضِيخِ وَتَبَاعَدَتْ مِنْ النّبْلِ .
وَأَمْسَوْا فَلَمْ يَقْرَبْهُمْ ابْنُ أُبَيّ وَلَا أَحَدٌ مِنْ حُلَفَائِهِ وَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ وَيَئِسَتْ بَنُو النّضِيرِ مِنْ نَصْرِهِ وَجَعَلَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ وَكِنَانَةُ بْنُ صُوَيْرَاءَ يَقُولَانِ لِحُيَيّ أَيْنَ نَصْرُ بْنُ أُبَيّ كَمَا زَعَمْت ؟ قَالَ حُيَيّ : فَمَا أَصْنَعُ ؟ هِيَ [ ص 372 ] مَلْحَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَيْنَا .
وَلَزِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الدّرْعُ وَبَاتَ وَظَلّ مُحَاصِرَهُمْ فَلَمّا كَانَ لَيْلَةً مِنْ اللّيَالِي فُقِدَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ حَيْنَ قَرُبَ الْعِشَاءُ فَقَالَ النّاسُ مَا نَرَى عَلِيّا يَا رَسُولَ اللّهِ .
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُ فَإِنّهُ فِي بَعْضِ شَأْنِكُمْ فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ جَاءَ بِرَأْسِ عَزْوَك ، فَطَرَحَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كَمَنْت لِهَذَا الْخَبِيثِ فَرَأَيْت رَجُلًا شُجَاعًا ، فَقُلْت : مَا أَجْرَأَهُ أَنْ يَخْرُجَ إذَا أَمْسَيْنَا يَطْلُبُ مِنّا غِرّةً . فَأَقْبَلَ مُصْلِتًا سَيْفَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْيَهُودِ ، فَشَدَدْت عَلَيْهِ فَقَتَلْته ، وَأَجْلَى أَصْحَابَهُ وَلَمْ يَبْرَحُوا قَرِيبًا ، فَإِنْ بَعَثْت مَعِي نَفَرًا رَجَوْت أَنْ أَظْفَرَ بِهِمْ . فَبَعَثَ مَعَهُ أَبَا دُجَانَةَ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَدْرَكُوهُمْ قَبْل أَنْ يَدْخُلُوا حِصْنَهُمْ فَقَتَلُوهُمْ وَأَتَوْا بِرُءُوسِهِمْ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرُءُوسِهِمْ فَطُرِحَتْ فِي بَعْضِ بِئَارِ بَنِي خَطْمَةَ .
وَكَانَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَحْمِلُ التّمْرَ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَأَقَامُوا فِي حِصْنِهِمْ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّخْلِ فَقُطِعَتْ وَحُرِقَتْ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِهَا رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِيّ ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلّامٍ ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلّامٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ فَقِيلَ لَهُمَا فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَبُو لَيْلَى : كَانَتْ الْعَجْوَةُ أَحْرَقَ لَهُمْ . وَقَالَ ابْنُ سَلّامٍ قَدْ عَرَفْت أَنّ اللّهَ سَيُغْنِمُهُ أَمْوَالَهُمْ وَكَانَتْ الْعَجْوَةُ خَيْرَ أَمْوَالِهِمْ فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ رِضَاءً بِمَا صَنَعْنَا جَمِيعًا . .. مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَلْوَانِ النّخْلِ لِلّذِي فَعَلَ ابْنُ سَلّامٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا يَعْنِي الْعَجْوَةَ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَقَطَعَ أَبُو لَيْلَى الْعَجْوَةَ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ يَعْنِي بَنِي النّضِيرِ [ ص 373 ] رِضَاءً مِنْ اللّهِ بِمَا صَنَعَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا .
فَلَمّا قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ شَقّ النّسَاءُ الْجُيُوبَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ وَدَعَوْنَ بِالْوَيْلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَهُنّ ؟ فَقِيلَ يَجْزَعْنَ عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ مِثْلَ الْعَجْوَةِ جُزِعَ عَلَيْهِ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَجْوَةُ وَالْعَتِيقُ - الْفَحْلُ الّذِي يُؤَبّرُ بِهِ النّخْلُ - مِنْ الْجَنّةِ ، وَالْعَجْوَةُ شِفَاءٌ مِنْ السّمّ
فَلَمّا صِحْنَ صَاحَ بِهِنّ أَبُو رَافِعٍ سَلّامٌ إنْ قُطِعَتْ الْعَجْوَةُ هَاهُنَا ، فَإِنّ لَنَا بِخَيْبَرٍ عَجْوَةً . قَالَتْ عَجُوزٌ مِنْهُنّ خَيْبَرٌ ، يُصْنَعُ بِهَا مِثْلُ هَذَا فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ فَضّ اللّهُ فَاك إنّ حُلَفَائِي بِخَيْبَرٍ لَعَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ . فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلُهُ فَتَبَسّمَ .
وَجَزِعُوا عَلَى قَطْعِ الْعَجْوَةِ فَجَعَلَ سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ يَقُولُ يَا حُيَيّ ، الْعَذْقُ خَيْرٌ مِنْ الْعَجْوَةِ يُغْرَسُ فَلَا يُطْعِمُ ثَلَاثِينَ سَنَةً يُقْطَعُ فَأَرْسَلَ حُيَيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ إنّك كُنْت تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ لِمَ تَقْطَعُ النّخْلَ ؟ نَحْنُ نُعْطِيك الّذِي سَأَلْت ، وَنَخْرُجُ مِنْ بِلَادِك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَقْبَلُهُ الْيَوْمَ وَلَكِنْ اُخْرُجُوا مِنْهَا وَلَكُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ إلّا الْحَلْقَةُ
فَقَالَ سَلّامٌ اقْبَلْ وَيْحَك ، قَبْلَ أَنْ تَقْبَلَ شَرّا مِنْ هَذَا فَقَالَ حُيَيّ : مَا يَكُونُ شَرّا مِنْ هَذَا ؟ قَالَ سَلّامٌ يَسْبِي الذّرّيّةَ وَيَقْتُلُ الْمُقَاتِلَةَ مَعَ الْأَمْوَالِ فَالْأَمْوَالُ الْيَوْمَ أَهْوَنُ عَلَيْنَا إذَا لَحَمْنَا هَذَا الْأَمْرَ مِنْ الْقَتْلِ وَالسّبَاءِ . فَأَبَى حُيَيّ أَنْ يَقْبَلَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو سَعْدِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ وَإِنّك لَتَعْلَمُ أَنّهُ لَرَسُولُ اللّهِ فَمَا تَنْتَظِرُ أَنْ نُسْلِمَ فَنَأْمَنَ عَلَى دِمَائِنَا وَأَمْوَالِنَا ؟ فَنَزَلَا مِنْ اللّيْلِ فَأَسْلَمَا فَأَحْرَزَا دِمَاءَهُمَا وَأَمْوَالَهُمَا .
[ ص 374 ] ثُمّ نَزَلَتْ الْيَهُودُ عَلَى أَنّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ إلّا الْحَلْقَةُ فَلَمّا أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِابْنِ يَامِينَ أَلَمْ تَرَ إلَى ابْنِ عَمّك عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ وَمَا هَمّ بِهِ مِنْ قَتْلِي ؟ وَهُوَ زَوْجُ أُخْتِهِ كَانَتْ الرّوَاعُ بِنْتُ عُمَيْرٍ تَحْتَ عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ . فَقَالَ ابْنُ يَامِينَ أَنَا أَكْفِيكَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَجَعَلَ لِرَجُلٍ مِنْ قَيْسٍ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَقْتُلَ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ ، وَيُقَالُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ . فَاغْتَالَهُ فَقَتَلَهُ ثُمّ جَاءَ ابْنُ يَامِينَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِقَتْلِهِ فَسُرّ بِذَلِكَ .
وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَأَجَلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَوَلِيَ إخْرَاجَهُمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ . فَقَالُوا : إنّ لَنَا دُيُونًا عَلَى النّاسِ إلَى آجَالٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَعَجّلُوا وَضَعُوا فَكَانَ لِأَبِي رَافِعٍ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ عَلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ عِشْرُونَ وَمِائَةُ دِينَارٍ إلَى سَنَةٍ فَصَالَحَهُ عَلَى أَخْذِ رَأْسِ مَالِهِ ثَمَانِينَ دِينَارًا ، وَأَبْطَلَ مَا فَضَلَ .
وَكَانُوا فِي حِصَارِهِمْ يُخَرّبُونَ بُيُوتَهُمْ مِمّا يَلِيهِمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُخَرّبُونَ مَا يَلِيهِمْ وَيُحَرّقُونَ حَتّى وَقَعَ الصّلْحُ فَتَحَمّلُوا ، فَجَعَلُوا يَحْمِلُونَ الْخَشَبَ وَنُجُفَ الْأَبْوَابِ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِصَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ لَوْ رَأَيْتنِي وَأَنَا أَشُدّ الرّحْلَ لِخَالِك بَحْرِيّ بْنِ عَمْرٍو وَأُجْلِيهِ مِنْهَا وَحَمَلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ فَخَرَجُوا عَلَى بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ عَلَى الْجَبَلِيّةِ ثُمّ عَلَى الْجِسْرِ حَتّى مَرّوا بِالْمُصَلّى ، ثُمّ شَقّوا سُوقَ الْمَدِينَةِ ، وَالنّسَاءُ فِي الْهَوَادِجِ عَلَيْهِنّ الْحَرِيرُ وَالدّيبَاجُ وَقُطُفُ الْخَزّ الْخُضْرُ وَالْحُمْرُ وَقَدْ صَفّ لَهُمْ النّاسُ فَجَعَلُوا يَمُرّونَ قِطَارًا فِي أَثَرِ قِطَارٍ فَحُمِلُوا عَلَى سِتّمِائَةِ بَعِيرٍ يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 375 ] هَؤُلَاءِ فِي قَوْمِهِمْ بِمَنْزِلَةِ بَنِي الْمُغِيرَةِ فِي قُرَيْشٍ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ يَرَاهُمْ وَسَرَاةُ الرّجَالِ عَلَى الرّحَالِ : أَمَا وَاَللّهِ إنّ لَقَدْ كَانَ عِنْدَكُمْ لَنَائِلٌ لِلْمُجْتَدِي وَقِرًى حَاضِرٌ لِلضّيْفِ وَسَقْيًا لِلْمُدَامِ وَحِلْمٌ عَلَى مَنْ سَفِهَ عَلَيْكُمْ وَنَجْدَةٌ إذَا اُسْتُنْجِدْتُمْ . فَقَالَ الضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ وَاصَبَاحَاه ، نَفْسِي فَدَاؤُكُمْ مَاذَا تَحَمّلْتُمْ بِهِ مِنْ السّؤْدُدِ وَالْبَهَاءِ وَالنّجْدَةِ وَالسّخَاءِ ؟ قَالَ يَقُولُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ : فِدًى لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الّتِي كَأَنّهَا الْمَصَابِيحُ ظَاعِنِينَ مِنْ يَثْرِبَ . مَنْ لِلْمُجْتَدِي الْمَلْهُوفِ ؟ وَمَنْ لِلطّارِقِ السّغْبَانِ ؟ وَمَنْ يَسْقِي الْعُقَارَ ؟ وَمَنْ يُطْعِمُ الشّحْمَ فَوْقَ اللّحْمِ ؟ مَا لَنَا بِيَثْرِبَ بَعْدَكُمْ مُقَامٌ .
يَقُولُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَهُوَ يَسْمَعُ كَلَامَهُ . نَعَمْ فَالْحَقْهُمْ حَتّى تَدْخُلَ مَعَهُمْ النّارَ . قَالَ نُعَيْمٌ مَا هَذَا جَزَاؤُهُمْ مِنْكُمْ لَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمُوهُمْ فَنَصَرُوكُمْ عَلَى الْخَزْرَجِ ، وَلَقَدْ اسْتَنْصَرْتُمْ سَائِرَ الْعَرَبِ فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْكُمْ . قَالَ أَبُو عَبْسٍ قَطَعَ الْإِسْلَامُ الْعُهُودَ .
قَالَ وَمَرّوا يَضْرِبُونَ بِالدّفُوفِ وَيُزَمّرُونَ بِالْمَزَامِيرِ وَعَلَى النّسَاءِ الْمُعَصْفَرَاتُ وَحُلِيّ الذّهَبِ مُظْهِرِينَ ذَلِكَ تَجَلّدًا .
قَالَ يَقُولُ جُبَارُ بْنُ صَخْرٍ : مَا رَأَيْت زُهَاءَهُمْ لِقَوْمٍ زَالُوا مِنْ دَارٍ إلَى دَارٍ . وَنَادَى أَبُو رَافِعٍ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَرَفَعَ مَسْكَ الْجَمَلِ وَقَالَ هَذَا مِمّا نَعُدّهُ لِخَفْضِ الْأَرْضِ وَرَفْعِهَا ، فَإِنْ يَكُنْ النّخْلُ قَدْ تَرَكْنَاهَا فَإِنّا نَقْدَمُ عَلَى نَخْلٍ بِخَيْبَرٍ . فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ رَبِيحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ لَقَدْ مَرّ يَوْمئِذٍ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِمْ [ ص 376 ] فِي تِلْكَ الْهَوَادِجِ قَدْ سَفَرْنَ عَنْ الْوُجُوهِ لَعَلَيّ لَمْ أَرَ مِثْلَ جَمَالِهِنّ لِنِسَاءٍ قَطّ . لَقَدْ رَأَيْت الشّقْرَاءَ بِنْتَ كِنَانَةَ يَوْمَئِذٍ كَأَنّهَا لُؤْلُؤَةُ غَوّاصٍ وَالرّوَاعَ بِنْتَ عُمَيْرٍ مِثْلَ الشّمْسِ الْبَازِغَةِ فِي أَيْدِيهِنّ أَسْوِرَةُ الذّهَبِ وَالدّرّ فِي رِقَابِهِنّ .
وَلَقِيَ الْمُنَافِقُونَ عَلَيْهِمْ يَوْمَ خَرَجُوا حُزْنًا شَدِيدًا ، لَقَدْ لَقِيت زَيْدَ بْنَ رِفَاعَةَ بْنِ التّابُوتِ وَهُوَ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ، وَهُوَ يُنَاجِيهِ فِي بَنِي غَنْمٍ وَهُوَ يَقُولُ تَوَحّشْت بِيَثْرِبَ لِفَقْدِ بَنِي النّضِيرِ وَلَكِنّهُمْ يَخْرُجُونَ إلَى عِزّ وَثَرْوَةٍ مِنْ حُلَفَائِهِمْ وَإِلَى حُصُونٍ مَنِيعَةٍ شَامِخَةٍ فِي رُءُوسِ الْجِبَالِ لَيْسَتْ كَمَا هَاهُنَا .
قَالَ فَاسْتَمَعْت عَلَيْهِمَا سَاعَةً وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَاشّ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ . قَالُوا : وَمَرّتْ فِي الظّعُنِ يَوْمَئِذٍ سَلْمَى صَاحِبَةُ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِيّ ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنّهَا كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، فَسَبَاهَا عُرْوَةُ مِنْ قَوْمِهَا فَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ فَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلَادًا وَنَزَلَتْ مِنْهُ مَنْزِلًا ; فَقَالَتْ لَهُ وَجَعَلَ وَلَدَهُ يُعَيّرُونَ بِأُمّهِمْ « يَا بَنِي الْأَخِيذَةِ » ، فَقَالَتْ أَلَا تَرَى وَلَدَك يُعَيّرُونَ ؟ قَالَ فَمَاذَا تَرَيْنَ ؟ قَالَتْ تَرُدّنِي إلَى قَوْمِي حَتّى يَكُونُوا هُمْ الّذِينَ يُزَوّجُونَك . قَالَ نَعَمْ . فَأَرْسَلَتْ إلَى قَوْمِهَا أَن الْقُوهُ بِالْخَمْرِ ثُمّ اُتْرُكُوهُ حَتّى يَشْرَبَ وَيَثْمَلَ فَإِنّهُ إذَا ثَمِلَ لَمْ يُسْأَلْ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ . فَلَقُوهُ وَنَزَلَ فِي بَنِي النّضِيرِ فَسَقَوْهُ الْخَمْرَ فَلَمّا سَكِرَ سَأَلُوهُ سَلْمَى فَرَدّهَا عَلَيْهِمْ ثُمّ أَنْكَحُوهُ بَعْدُ .
وَيُقَالُ إنّمَا جَاءَ بِهَا إلَى بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ صُعْلُوكًا يُغِيرُ . فَسَقَوْهُ الْخَمْرَ فَلَمّا انْتَشَى مَنَعُوهُ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ إلّا هِيَ فَرَهَنَهَا فَلَمْ يَزَلْ يَشْرَبُ حَتّى غَلِقَتْ فَلَمّا صَحَا قَالَ لَهَا : انْطَلِقِي . قَالُوا : لَا سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ قَدْ أَغْلَقْتهَا . فَبِهَذَا صَارَتْ عِنْدَ بَنِي النّضِيرِ . قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ [ ص 377 ]
سَقَوْنِي الْخَمْرَ ثُمّ تَكَنّفُونِي

عُدَاةُ اللّهِ مِنْ كَذِبٍ وَزُورِ
وَقَالُوا لَسْت بَعْدَ فِدَاءِ سَلْمَى

بِمُغْنٍ مَا لَدَيْك وَلَا فَقِيرِ
فَلَا وَاَللّهِ لَوْ كَالْيَوْمِ أَمْرِي

وَمَنْ لِي بِالتّدَبّرِ فِي الْأُمُورِ
إذًا لَعَصَيْتهمْ فِي أَمْرِ سَلْمَى

وَلَوْ رَكِبُوا عِضَاهَ الْمُسْتَعْوِرِ
أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِي الزّنَادِ .








(1/372)

حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ وَقَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَمْوَالَ وَقَبَضَ الْحَلْقَةَ فَوَجَدَ مِنْ الْحَلْقَةِ خَمْسِينَ دِرْعًا ، وَخَمْسِينَ بَيْضَةً وَثَلَاثَمِائَةِ سَيْفٍ وَأَرْبَعِينَ سَيْفًا . وَيُقَالُ غَيّبُوا بَعْضَ سِلَاحِهِمْ وَخَرَجُوا بِهِ .
وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الّذِي وَلِيَ قَبْضَ الْأَمْوَالِ وَالْحَلْقَةَ وَكَشْفَهُمْ عَنْهَا .
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا تُخَمّسُ مَا أَصَبْت مِنْ بَنِي النّضِيرِ كَمَا خَمّسْت مَا أَصَبْت مِنْ بَدْرٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَجْعَلُ شَيْئًا جَعَلَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِي دُونَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى الْآيَةُ كَهَيْئَةِ مَا وَقَعَ فِيهِ السّهْمَانِ لِلْمُسْلِمِينَ
[ ص 378 ] وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثُ صَفَايَا ، فَكَانَتْ بَنُو النّضِيرِ حَبْسًا لِنَوَائِبِهِ وَكَانَتْ فَدَكُ لِابْنِ السّبِيلِ وَكَانَتْ خَيْبَرُ قَدْ جَزّأَهَا ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ فَجُزْءَانِ لِلْمُهَاجِرِينَ وَجُزْءٌ كَانَ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى أَهْلِهِ فَإِنّ فَضْلَ رَدّهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ .
حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُمَرَ الْحَارِثِيّ ، عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ قَالَ إنّمَا كَانَ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْ بَنِي النّضِيرِ كَانَتْ لَهُ خَالِصَةً فَأَعْطَى مَنْ أَعْطَى مِنْهَا وَحَبَسَ مَا حَبَسَ . وَكَانَ يَزْرَعُ تَحْتَ النّخْلِ زَرْعًا كَثِيرًا ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْخُلُ لَهُ مِنْهَا قُوتُ أَهْلِهِ سَنَةً مِنْ الشّعِيرِ وَالتّمْرِ لِأَزْوَاجِهِ وَبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَمَا فَضَلَ جَعَلَهُ فِي الْكُرَاعِ وَالسّلَاحِ وَإِنّهُ كَانَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنْ ذَلِكَ السّلَاحُ الّذِي اُشْتُرِيَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى أَمْوَالِ بَنِي النّضِيرِ أَبَا رَافِعٍ مَوْلَاهُ وَرُبّمَا جَاءَ رَسُول اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْبَاكُورَةِ مِنْهَا ، وَكَانَتْ صَدَقَاتُهُ مِنْهَا وَمِنْ أَمْوَالِ مُخَيْرِيقٍ . وَهِيَ سَبْعَةُ حَوَائِطَ - الْمِيثَبُ وَالصّافِيَةُ وَالدّلّالُ وَحُسْنَى ، وَبُرْقَةُ وَالْأَعْوَافُ وَمَشْرَبَةُ أُمّ إبْرَاهِيمَ ، وَكَانَتْ أُمّ إبْرَاهِيمَ تَكُون هُنَاكَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْتِيهَا هُنَاكَ .
وَقَالُوا : إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا تَحَوّلَ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى الْمَدِينَةِ تَحَوّلَ أَصْحَابُهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَتَنَافَسَتْ فِيهِمْ الْأَنْصَارُ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِمْ حَتّى اقْتَرَعُوا فِيهِمْ بِالسّهْمَانِ فَمَا نَزَلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَحَدٍ إلّا بِقُرْعَةِ سَهْمٍ .
فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أُمّ الْعَلَاءِ [ ص 379 ] قَالَتْ صَارَ لَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فِي الْقُرْعَةِ وَكَانَ فِي مَنْزِلِنَا حَتّى تُوُفّيَ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ فِي دُورِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمّا غَنِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي النّضِيرِ دَعَا ثَابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَقَالَ اُدْعُ لِي قَوْمَك قَالَ ثَابِتٌ الْخَزْرَجَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَنْصَارَ كُلّهَا فَدَعَا لَهُ الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ ، فَتَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ ذَكَرَ الْأَنْصَارَ وَمَا صَنَعُوا بِالْمُهَاجِرِينَ وَإِنْزَالَهُمْ إيّاهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَثَرَتَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ثُمّ قَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ قَسَمْت بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيّ مِنْ بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ السّكْنَى فِي مَسَاكِنِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَعْطَيْتهمْ وَخَرَجُوا مِنْ دُورِكُمْ . فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ تَقْسِمُهُ لِلْمُهَاجِرِينَ وَيَكُونُونَ فِي دُورِنَا كَمَا كَانُوا . وَنَادَتْ الْأَنْصَارُ : رَضِينَا وَسَلّمْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ فَقَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَعْطَى الْمُهَاجِرِينَ وَلَمْ يُعْطِ أَحَدًا مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ ذَلِكَ الْفَيْءِ شَيْئًا ، إلّا رَجُلَيْنِ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ - سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ ، وَأَبَا دُجَانَةَ . وَأَعْطَى سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ سَيْفَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَكَانَ سَيْفًا لَهُ ذِكْرٌ عِنْدَهُمْ
قَالُوا : وَكَانَ مِمّنْ أَعْطَى مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ حِجْرٍ وَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِئْرَ جَرْمٍ وَأَعْطَى عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ سُؤَالَةَ - وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ مَالُ سُلَيْمٍ .
وَأَعْطَى صُهَيْبَ بْنَ سِنَانَ [ ص 380 ] الضّرّاطَةَ وَأَعْطَى الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ الْبُوَيْلَةَ . وَكَانَ مَالُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَأَبِي دُجَانَةَ مَعْرُوفًا ، يُقَالُ لَهُ مَالُ ابْنِ خَرَشَةَ وَوَسّعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ مِنْهَا .











(1/378)

ذِكْرُ مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَنِي النّضِير ِ سَبّحَ لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ قَالَ كُلّ شَيْءٍ سَبّحَ لَهُ وَتَسْبِيحُ الْجُدُرِ النّقْضُ . حَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ حُيَيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِذَلِكَ .
هُوَ الّذِي أَخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوّلِ الْحَشْرِ يَعْنِي بَنِي النّضِير ِ حَيْنَ أَخْرَجَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى الشّامِ ، وَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ الْحَشْرِ فِي الدّنْيَا إلَى الشّامِ ; مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِلْمُؤْمِنَيْنِ مَا ظَنَنْتُمْ ذَلِكَ كَانَ لَهُمْ عِزّ وَمَنَعَةٌ وَظَنّوا أَنّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ حَيْنَ تَحَصّنُوا ; فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا حَالَ ظُهُورِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِجْلَاؤُهُمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَاحَتِهِمْ رَعَبُوا وَأَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ وَكَانَ الرّعْبُ فِي قُلُوبِهِمْ لَهُ وَجَبَانٌ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ قَالَ كَانُوا لَمّا حُصِرُوا وَالْمُسْلِمُونَ يَحْفِرُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ وَهُمْ يَنْقُبُونَ مِمّا يَلِيهِمْ فَيَأْخُذُونَ الْخَشَبَ وَالنّجُفَ ; فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ قَالَ يَعْنِي يَا أَهْلَ [ ص 381 ] الْعُقُولِ .
وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ يَقُولُ فِي أُمّ الْكِتَابِ أَنْ يَجْلُوا . ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ يَقُولُ عَصَوْا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَخَالَفُوهُ .
مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا . . الْآيَةُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَعْمَلَ عَلَى قَطْعِ نَخْلِهِمْ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِيّ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلّامٍ ، فَكَانَ أَبُو لَيْلَى يَقْطَعُ الْعَجْوَةَ وَكَانَ ابْنُ سَلّامٍ يَقْطَعُ اللّوْنَ فَقَالَ لَهُمْ بَنُو النّضِيرِ : أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ مَا يَحِلّ لَكُمْ عَقْرُ النّخْلِ
فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَقْطَعُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَقْطَعُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَلْوَانِ النّخْلِ سِوَى الْعَجْوَةِ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا قَالَ الْعَجْوَةُ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ يَقُولُ يَغِيظُهُمْ مَا قُطِعَ مِنْ النّخْلِ .
مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ قَوْلُهُ فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ وَاحِدٌ وَلِذِي الْقُرْبَى قَرَابَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السّبِيلِ فَسَهْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُمْسُ الْخُمْسِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعْطِي بَنِي هَاشِمٍ مِنْ الْخُمْسِ وَيُزَوّجُ أَيَامَاهُمْ
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدْ دَعَاهُمْ إلَى أَنْ يُزَوّجَ أَيَامَاهُمْ وَيَخْدُمَ عَائِلَهُمْ وَيَقْضِيَ عَنْ غَارِمَهُمْ فَأَبَوْا إلّا أَنْ يُسَلّمَهُ كُلّهُ وَأَبَى عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
فَحَدّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ أَنّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيّا كَانُوا يَجْعَلُونَهُ فِي الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ .
وَقَوْلُهُ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ يَقُولُ لَا يُسْتَنّ بِهَا [ ص 382 ] مِنْ بَعْدُ فَتُعْطَى الْأَغْنِيَاءَ وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا يَقُولُ مَا جَاءَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا نَزَلَ مِنْ الْوَحْيِ .
لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ قُرَيْشٍ الّذِينَ هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ قَبْلَ بَدْرٍ . وَالّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ يَعْنِي الْأَنْصَارَ ، يَقُولُ هُمْ أَهْلُ الدّارِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ; وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ لَا يَجِدُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ حَسَدًا مِمّا أَعْطَى غَيْرَهُمْ يَعْنِي الْمُهَاجِرِينَ حَيْنَ أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يُعْطِ الْأَنْصَارَ ، فَهَذِهِ الْأَثَرَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حَيْنَ قَالُوا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْطِهِمْ وَلَا تُعْطِنَا وَهُمْ مُحْتَاجُونَ وَمَنْ يُوقَ شُحّ نَفْسِهِ قَالَ ظُلْمَ النّاسِ .
وَالّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَعْنِي الّذِينَ أَسْلَمُوا فَحَقّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا قَوْلُ ابْنِ أُبَيّ حَيْنَ أَرْسَلَ سُوَيْدًا وَدَاعِسًا إلَى بَنِي النّضِيرِ : أَقِيمُوا وَلَا تَخْرُجُوا فَإِنّ مَعِي مِنْ قَوْمِي وَغَيْرِهِمْ أَلْفَيْنِ يَدْخُلُونَ مَعَكُمْ فَيَمُوتُونَ عَنْ آخِرِهِمْ دُونَكُمْ .
يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ يَشْهَدُ إِنّهُمْ لَكَاذِبُونَ يَعْنِي ابْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ . لَئِنْ أُخْرِجُوا حَيْنَ أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ مَعَهُمْ وَقُوتِلُوا فَلَمْ يَدْخُلْ [ ص 383 ] الْحُصُنَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلّنّ الْأَدْبَارَ يَعْنِي يَنْهَزِمُونَ مِنْ الرّعْبِ .
لَأَنْتُمْ أَشَدّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللّهِ يَعْنِي ابْنَ أُبَيّ وَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ مَعَهُ خَوْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْبَلُوا ; ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا يَعْنِي بَنِي النّضِير ِ وَالْمُنَافِقِينَ إِلّا فِي قُرًى مُحَصّنَةٍ يَقُولُ فِي حُصُونِهِمْ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتّى يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ وَبَنِي النّضِيرِ . ذَلِكَ بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ يَقُولُ دِينُ بَنِي النّضِيرِ مُخَالِفٌ دِينَ الْمُنَافِقِينَ [ وَهُمْ ] جَمِيعًا . فِي عَدَاوَةِ الْإِسْلَامِ مُجْتَمِعُونَ .
كَمَثَلِ الّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ قَالَ يَعْنِي قَيْنُقَاعَ حَيْنَ أَجْلَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
كَمَثَلِ الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ قَالَ هَذَا مَثَلٌ لِابْنِ أُبَيّ وَأَصْحَابِهِ الّذِينَ جَاءُوا بَنِي النّضِيرَ فَقَالُوا : أَقِيمُوا فِي حُصُونِكُمْ فَنَحْنُ نُقَاتِلُ مَعَكُمْ إنْ قُوتِلْتُمْ وَنَخْرُجُ إنْ أُخْرِجْتُمْ كَذِبًا وَبَاطِلًا ، مَنّوهُمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ .
يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدّمَتْ لِغَدٍ يَقُولُ مَا عَمِلَتْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ نَسُوا اللّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ يَقُولُ أَعَرَضُوا عَنْ ذِكْرِ اللّهِ تَعَالَى فَأَضَلّهُمْ اللّهُ تَعَالَى أَنْ يَعْمَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا . وَقَالَ الْقُدّوسُ الظّاهِرُ و الْمُهَيْمِنُ الشّهِيدُ .








(1/381)




غَزْوَةُ بَدْرِ الْمَوْعِد وَكَانَتْ لِهِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ عَلَى رَأْسِ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا ، [ ص 384 ] وَغَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا سِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ لِأَرْبَعَ عَشْرَةَ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ رَوَاحَةَ .
حَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيّ ، وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ مِمّنْ لَمْ أُسَمّ قَالُوا : لَمّا أَرَادَ أَبُو سُفْيَان َ أَنْ يَنْصَرِفَ يَوْمَ أُحُدٍ نَادَى : مَوْعِدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ رَأْسَ الْحَوْلِ ، نَلْتَقِي فِيهِ فَنَقْتَتِلُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قُلْ نَعَمْ إنْ شَاءَ اللّهُ وَيُقَالُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ مَوْعِدُكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ بَعْدَ شَهْرَيْنِ .
قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَالْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا . فَافْتَرَقَ النّاسُ عَلَى ذَلِكَ وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ فَخَبّرُوا مَنْ قِبَلَهُمْ بِالْمَوْعِدِ وَتَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ وَأَجْلَبُوا ، وَكَانَ هَذَا عِنْدَهُمْ أَعْظَمَ الْأَيّامِ لِأَنّهُمْ رَجَعُوا مِنْ أُحُدٍ وَالدّوْلَةُ لَهُمْ طَمِعُوا فِي بَدْرٍ الْمَوْعِدِ أَيْضًا بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الظّفَرِ .
وَكَانَ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ مَجْمَعًا يَجْتَمِعُ فِيهِ الْعَرَبُ ، وَسُوقًا تَقُومُ لِهِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ إلَى ثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْهُ فَإِذَا مَضَتْ ثَمَانِي لَيَالٍ مِنْهُ تَفَرّقَ النّاسُ إلَى بِلَادِهِمْ . فَلَمّا دَنَا الْمَوْعِدُ كَرِهَ أَبُو سُفْيَانَ الْخُرُوجَ إلَى رَسُولِ [ ص 385 ] اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَ يُحِبّ أَنْ يُقِيمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ بِالْمَدِينَةِ وَلَا يُوَافِقُونَ الْمَوْعِدَ .
فَكَانَ كُلّ مَنْ وَرَدَ عَلَيْهِ مَكّةَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ أَظْهَرَ لَهُ إنّا نُرِيدُ أَنْ نَغْزُوَ مُحَمّدًا فِي جَمْعٍ كَثِيفٍ . فَيَقْدَمُ الْقَادِمُ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَرَاهُمْ عَلَى تَجَهّزٍ فَيَقُولُ تَرَكْت أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جَمَعَ الْجُمُوعَ وَسَارَ فِي الْعَرَبِ لِيَسِيرَ إلَيْكُمْ لِمَوْعِدِكُمْ . فَيَكْرَهُ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَيَهِيبُهُمْ ذَلِكَ .
وَيَقْدَمُ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيّ مَكّةَ ، فَجَاءَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا نُعَيْم ُ إنّي وَعَدْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ نَلْتَقِيَ نَحْنُ وَهُوَ بِبَدْرٍ الصّفْرَاءِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ . فَقَالَ نُعَيْمٌ : مَا أَقْدَمَنِي إلّا مَا رَأَيْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يَصْنَعُونَ مِنْ إعْدَادِ السّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَقَدْ تَجَلّبَ إلَيْهِ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ مِنْ بَلِيّ وَجُهَيْنَةَ وَغَيْرِهِمْ فَتَرَكْت الْمَدِينَةَ أَمْسَ وَهِيَ كَالرّمّانَةِ .
فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَحَقّا مَا تَقُولُ ؟ قَالَ إي وَاَللّهِ . فَجَزَوْا نُعَيْمًا خَيْرًا وَوَصَلُوهُ وَأَعَانُوهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَسْمَعُك تَذْكُرُ مَا تَذْكُرُ مَا قَدْ أَعَدّوا ؟ وَهَذَا عَامُ جَدْبٍ - قَالَ نُعَيْمٌ الْأَرْضُ مِثْلُ ظَهْرِ التّرْسِ لَيْسَ فِيهَا لِبَعِيرٍ شَيْءٌ - وَإِنّمَا يُصْلِحُنَا عَامُ خِصْبٍ غَيْدَاقٍ تَرْعَى فِيهِ الظّهْرُ وَالْخَيْلُ وَنَشْرَبُ اللّبَنَ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ وَلَا أَخْرُجُ فَيَجْتَرِئُونَ عَلَيْنَا ، وَيَكُونُ الْخُلْفُ مِنْ قِبَلِهِمْ أَحَبّ إلَيّ . وَنَجْعَلُ لَك عِشْرِينَ فَرِيضَةً عَشْرًا جِذَاعًا وَعَشْرًا حِقَاقًا ، وَتُوضَعُ لَك عَلَى يَدَيْ [ ص 386 ] سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَيَضْمَنُهَا لَك .
قَالَ نُعَيْمٌ رَضِيت . وَكَانَ سُهَيْلٌ صَدِيقًا لِنُعَيْمٍ فَجَاءَ سُهَيْلًا فَقَالَ يَا أَبَا يَزِيدَ تَضْمَنُ لِي عِشْرِينَ فَرِيضَةً عَلَى أَنْ أَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَأَخْذُلَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ . [ قَالَ ] : فَإِنّي خَارِجٌ . فَخَرَجَ عَلَى بَعِيرٍ حَمَلُوهُ عَلَيْهِ وَأَسْرَعَ السّيْرَ فَقَدِمَ وَقَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ مُعْتَمِرًا ، فَوَجَدَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَجَهّزُونَ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَيْنَ يَا نُعَيْمُ ؟ قَالَ خَرَجْت مُعْتَمِرًا إلَى مَكّةَ .
فَقَالُوا : لَك عِلْمٌ بِأَبِي سُفْيَانَ ؟ قَالَ نَعَمْ تَرَكْت أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جَمَعَ الْجُمُوعَ وَأَجْلَبَ مَعَهُ الْعَرَبَ ، فَهُوَ جَاءَ فِيمَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ فَأَقِيمُوا وَلَا تَخْرُجُوا فَإِنّهُمْ قَدْ أَتَوْكُمْ فِي دَارِكُمْ وَقَرَارِكُمْ فَلَنْ يَفْلِتَ مِنْكُمْ إلّا الشّرِيدُ وَقُتِلَتْ سَرَاتُكُمْ وَأَصَابَ مُحَمّدًا فِي نَفْسِهِ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْجِرَاحِ . فَتُرِيدُونَ أَنْ تَخْرُجُوا إلَيْهِمْ فَتَلْقَوْهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْأَرْضِ ؟ بِئْسَ الرّأْيُ رَأَيْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ - وَهُوَ مَوْسِمٌ يَجْتَمِعُ فِيهِ النّاسُ - وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ يَفْلِتَ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَجَعَلَ يَطُوفُ بِهَذَا الْقَوْلِ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى رَعَبَهُمْ وَكَرّهَ إلَيْهِمْ الْخُرُوجَ حَتّى نَطَقُوا بِتَصْدِيقِ قَوْلِ نُعَيْمٍ أَوْ مَنْ نَطَقَ مِنْهُمْ .
وَاسْتَبْشَرَ بِذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ وَالْيَهُودُ وَقَالُوا : مُحَمّدٌ لَا يَفْلِتُ مِنْ هَذَا الْجَمْعِ وَاحْتَمَلَ الشّيْطَانُ أَوْلِيَاءَهُ مِنْ النّاسِ لِخَوْفِ الْمُسْلِمِينَ حَتّى بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عِنْدَهُ حَتّى خَافَ رَسُولُ اللّهِ أَلّا يَخْرُجَ مَعَهُ أَحَدٌ .
فَجَاءَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ سَمِعَا مَا سَمِعَا فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ اللّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ وَمُعِزّ نَبِيّهُ وَقَدْ وَعَدْنَا الْقَوْمَ مَوْعِدًا وَنَحْنُ لَا نُحِبّ أَنْ [ ص 387 ] نَتَخَلّفَ عَنْ الْقَوْمِ فَيَرَوْنَ أَنّ هَذَا جُبْنٌ مِنّا عَنْهُمْ فَسِرْ لِمَوْعِدِهِمْ فَوَاَللّهِ إنّ فِي ذَلِكَ لَخِيرَةٌ فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ ثُمّ قَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَخْرُجَن وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعِي أَحَدٌ قَالَ فَلَمّا تَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَكَلّمَ بِمَا بَصّرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الْمُسْلِمِينَ وَأَذْهَبَ مَا كَانَ رَعَبَهُمْ الشّيْطَانُ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ بِتِجَارَاتٍ لَهُمْ إلَى بَدْرٍ
فَحُدّثْت عَنْ يَزِيدَ عَنْ خَصِيفَةَ قَالَ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ رَحِمَهُ اللّهُ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتنَا وَقَدْ قُذِفَ الرّعْبُ فِي قُلُوبِنَا ، فَمَا أَرَى أَحَدًا لَهُ نِيّةٌ فِي الْخُرُوجِ حَتّى أَنْهَجَ اللّهُ تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ بَصَائِرَهُمْ وَأَذْهَبَ عَنْهُمْ تَخْوِيفَ الشّيْطَانِ . فَخَرَجُوا فَلَقَدْ خَرَجْت بِبِضَاعَةٍ إلَى مَوْسِمِ بَدْرٍ ، فَرَبِحْت لِلدّينَارِ دِينَارًا ، فَرَجَعْنَا بِخَيْرٍ وَفَضْلٍ مِنْ رَبّنَا .
فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ وَخَرَجُوا بِبَضَائِعَ لَهُمْ وَنَفَقَاتٍ . فَانْتَهَوْا إلَى بَدْرٍ لَيْلَةَ هِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ وَقَامَ السّوقُ صَبِيحَةَ الْهِلَالِ فَأَقَامُوا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ وَالسّوقُ قَائِمَةٌ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ خَرَجَ فِي أَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَكَانَتْ الْخَيْلُ عَشْرَةَ أَفْرَاسٍ فَرَسٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفَرَسٌ لِأَبِي بَكْرٍ ، وَفَرَسٌ لِعُمَرَ ، وَفَرَسٌ لِأَبِي قَتَادَةَ ، وَفَرَسٌ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ ، وَفَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ ، وَفَرَسٌ لِلْحُبَابِ ، وَفَرَسٌ لِلزّبَيْرِ ، وَفَرَسٌ لِعَبّادِ بْنِ بِشْرٍ
فَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ الْمِقْدَادُ : شَهِدْت بَدْرَ الْمَوْعِدَ عَلَى فَرَسِي سُبْحَةً أَرْكَبُ ظَهْرَهَا ذَاهِبًا وَرَاجِعًا ، فَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، قَدْ بَعَثْنَا نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ لِأَنْ يَخْذُلَ أَصْحَابَ مُحَمّدٍ عَنْ الْخُرُوجِ وَهُوَ جَاهِدٌ وَلَكِنْ نَخْرُجُ نَحْنُ فَنَسِيرُ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ ثُمّ نَرْجِعُ فَإِنْ كَانَ مُحَمّدٌ لَمْ يَخْرُجْ بَلَغَهُ أَنّا خَرَجْنَا فَرَجَعْنَا لِأَنّهُ لَمْ يَخْرُجْ فَيَكُونُ هَذَا لَنَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَرَجَ أَظْهَرَنَا أَنّ هَذَا عَامُ جَدْبٍ وَلَا يُصْلِحُنَا [ ص 388 ] إلّا عَامُ عُشْبٍ . قَالُوا : نَعَمْ مَا رَأَيْت .
فَخَرَجَ فِي قُرَيْشٍ ، وَهُمْ أَلْفَانِ وَمَعَهُمْ خَمْسُونَ فَرَسًا ، حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَجَنّةَ ثُمّ قَالَ ارْجِعُوا ، لَا يُصْلِحُنَا إلّا عَامُ خِصْبٍ غَيْدَاقٍ نَرْعَى فِيهِ الشّجَرَ وَنَشْرَبُ فِيهِ اللّبَنَ وَإِنّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ وَإِنّي رَاجِعٌ فَارْجِعُوا . فَسَمّى أَهْلُ مَكّةَ ذَلِكَ الْجَيْشَ جَيْشَ السّوِيقِ ، يَقُولُونَ خَرَجُوا يَشْرَبُونَ السّوِيقَ .








(1/384)

وَكَانَ يَحْمِلُ لِوَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَعْظَمَ يَوْمَئِذٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ .
وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ يُقَالُ لَهُ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَهُوَ الّذِي حَالَفَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَوْمِهِ فِي غَزْوَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأُولَى إلَى وَدّانَ فَقَالَ - وَالنّاسُ مُجْتَمِعُونَ فِي سُوقِهِمْ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَكْثَرُ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ - فَقَالَ يَا مُحَمّدُ لَقَدْ أُخْبِرْنَا أَنّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْكُمْ أَحَدٌ ، فَمَا أَعْلَمُكُمْ إلّا أَهْلَ الْمَوْسِمِ .
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى عَدُوّهِ مِنْ قُرَيْش ٍ : مَا أَخْرَجَنَا إلّا مَوْعِدُ أَبِي سُفْيَانَ وَقِتَالُ عَدُوّنَا ، وَإِنْ شِئْت مَعَ ذَلِكَ نَبَذْنَا إلَيْك وَإِلَى قَوْمِك الْعَهْدَ ثُمّ جَالَدْنَاكُمْ قَبْلَ أَنْ نَبْرَحَ مِنْ مَنْزِلِنَا هَذَا . فَقَالَ الضّمْرِيّ : بَلْ نَكُفّ أَيْدِيَنَا عَنْكُمْ وَنَتَمَسّكُ بِحِلْفِك
وَسَمِعَ بِذَلِكَ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ فَانْطَلَقَ سَرِيعًا . وَكَانَ مُقِيمًا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ وَقَدْ رَأَى أَهْلَ الْمَوْسِمِ وَرَأَى أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَمِعَ كَلَامَ مَخْشِيّ ، فَانْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ بِخَبَرِ مَوْسِمِ بَدْرٍ . فَسَأَلُوهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِكَثْرَةِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَأَنّهُمْ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَوْسِمِ وَمَا سَمِعَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلضّمْرِيّ ، وَقَالَ وَافَى مُحَمّدٌ فِي أَلْفَيْنِ مِنْ [ ص 389 ] أَصْحَابِهِ وَأَقَامُوا ثَمَانِيَةَ أَيّامٍ حَتّى تَصَدّعَ أَهْلُ الْمَوْسِمِ . فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ لِأَبِي سُفْيَانَ : قَدْ وَاَللّهِ نَهَيْتُك يَوْمَئِذٍ أَنْ تَعِدَ الْقَوْمَ وَقَدْ اجْتَرَءُوا عَلَيْنَا وَرَأَوْا أَنْ قَدْ أَخْلَفْنَاهُمْ وَإِنّمَا خَلّفَنَا الضّعْفُ عَنْهُمْ . فَأَخَذُوا فِي الْكَيْدِ وَالنّفَقَةِ فِي قِتَالِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَجْلَبُوا مَنْ حَوْلَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ ، وَجَمَعُوا الْأَمْوَالَ الْعِظَامَ وَضَرَبُوا الْبَعْثَ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ ، فَلَمْ يُتْرَكْ أَحَدٌ مِنْهُمْ إلّا أَنْ يَأْتِيَ بِمَا قَلّ أَوْ كَثُرَ . فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَقَلّ مِنْ أُوقِيّةٍ لِغَزْوَةِ الْخَنْدَقِ . وَقَالَ مَعْبَدٌ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْت أَنْ قُلْت شِعْرًا :
تَهْوَى عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ

إذْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ مَوْعِدِ
وَمَاءَ ضَجْنَانَ لَهَا ضُحَى الْغَدِ

إذْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمّدِ
وَعَجْوَةٍ مَوْضُوعَةٍ كالعَنْجَدِ
وَيَزْعُمُونَ أَنّ حُمّامًا قَالَهَا . وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ الْآيَةَ يَعْنِي نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ . وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ - قَالَ الْوَاقِدِيّ : أَنْشَدَنِيهَا مَشْيَخَةُ آلِ كَعْبٍ وَأَصْحَابُنَا جَمِيعًا [ ص 390 ]
وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ

لِمَوْعِدِهِ صِدْقًا وَمَا كَانَ وَافِيَا
فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتنَا فَلَقِيتنَا

رَجَعْت ذَمِيمًا وَافْتَقَدْت الْمَوَالِيَا
تَرَكْنَا بِهَا أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنِهِ

وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ تَرَكْنَاهُ ثَاوِيَا
عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ أُفّ لِدِينِكُمْ

وَأَمْرُكُمْ السّيّئُ الّذِي كَانَ غَاوِيَا
وَإِنّي وَإِنْ عَنّفْتُمُونِي لَقَائِلٌ

فِدًى لِرَسُولِ اللّهِ أَهْلِي وَمَا لِيَا
أَطَعْنَا فَلَمْ نَعْدِلْ سِوَاهُ بِغَيْرِهِ

شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ اللّيْلِ هَادِيَا
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ - ثَبَتَ ابْنُ أَبِي الزّنَادِ وَابْنُ جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُمَا [ ص 391 ]
أَقَمْنَا عَلَى الرّسّ النّزُوعِ ثَمَانِيَا

بِأَرْعَنَ جَرّارٍ عَرِيضِ الْمَبَارِكِ
بِكُلّ كُمَيْتٍ جَوْزُهُ نِصْفُ خَلْقِهِ

وَأُدْمٍ طُوّالٍ مُشْرِفَاتِ الْحَوَارِكِ
تَرَى الْعَرْفَجَ الْعَامِيّ تُبْدَى أُصُولَهُ

مَنَاسِمُ أَخْفَافِ الْمَطِيّ الرّوَاتِك
إذَا هَبَطَتْ خَوْرَاتٍ مِنْ رَمْلِ عَالِجٍ

فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ هُنَالِكِ
ذَرُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا

ضِرَابٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ
بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ

وَأَنْصَارِ حَقّ أُيّدُوا بِمَلَائِكِ
فَإِنْ نَلْقَ فِي تَطْوَافِنَا وَالْتِمَاسِنَا

فُرَاتَ بْنَ حَيّانٍ يَكُنْ رَهْنَ هَالِكِ
وَإِنْ نَلْقَ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ بَعْدَهُ

نَزِدْ فِي سَوَادِ وَجْهِهِ لَوْنَ حَالِكِ
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . هَكَذَا كَانَ .








(1/389)

سَرِيّةُ ابْنِ عَتِيكٍ إلَى أَبِي رَافِعٍ خَرَجُوا لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ فِي السّحَرِ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجّةِ عَلَى رَأْسِ سِتّةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا ، وَغَابُوا عَشْرَةَ أَيّامٍ . حَدّثَنِي أَبُو أَيّوبَ بْنُ النّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ حَتّى أَتَيْنَا خَيْبَرَ . قَالَ وَقَدْ كَانَتْ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ بِخَيْبَرَ يَهُودِيّةً أَرْضَعَتْهُ وَقَدْ بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسَةَ نَفَرٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَأَبُو قَتَادَةَ ، وَالْأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيّ وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ . قَالَ فَانْتَهَيْنَا إلَى خَيْبَرَ ، وَبَعَثَ عَبْدُ اللّهِ إلَى أُمّهِ فَأَعْلَمَهَا بِمَكَانِهِ فَخَرَجَتْ إلَيْنَا بِجِرَابٍ مَمْلُوءٍ تَمْرًا كَبِيسًا وَخُبْزًا ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمّ قَالَ لَهَا : يَا أُمّاهُ إنّا قَدْ أَمْسَيْنَا ، بَيّتِينَا عِنْدَك فَأَدْخِلِينَا خَيْبَرَ .
فَقَالَتْ أُمّهُ كَيْفَ تُطِيقُ خَيْبَرَ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ ؟ وَمَنْ تُرِيدُ فِيهَا ؟ قَالَ أَبَا رَافِعٍ . فَقَالَتْ لَا تَقْدِرْ عَلَيْهِ . [ ص 392 ] قَالَ وَاَللّهِ لَأَقْتُلَنهُ أَوْ لَأُقْتَلَن دُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ . قَالَتْ فَادْخُلُوا عَلَيّ لَيْلًا . فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَلَمّا نَامَ أَهْلُ خَيْبَرَ ، وَقَدْ قَالَتْ لَهُمْ اُدْخُلُوا فِي خَمَرِ النّاسِ فَإِذَا هَدَأَتْ الرّجْلُ فَاكْمُنُوا فَفَعَلُوا وَدَخَلُوا عَلَيْهَا ثُمّ قَالَتْ إنّ الْيَهُودَ لَا تُغْلِقُ عَلَيْهَا أَبْوَابَهَا فَرَقًا أَنْ يَطْرُقَهَا ضَيْفٌ فَيُصْبِحُ أَحَدُهُمْ بِالْفِنَاءِ وَلَمْ يُضَفْ فَيَجِدُ الْبَابَ مَفْتُوحًا فَيَدْخُلُ فَيَتَعَشّى .
فَلَمّا هَدَأَتْ الرّجْلُ قَالَتْ انْطَلِقُوا حَتّى تَسْتَفْتِحُوا عَلَى أَبِي رَافِعٍ فَقُولُوا « إنّا جِئْنَا لِأَبِي رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ » فَإِنّهُمْ سَيَفْتَحُونَ لَكُمْ . فَفَعَلُوا ذَلِكَ ثُمّ خَرَجُوا لَا يَمُرّونَ بِبَابٍ مِنْ بُيُوتِ خَيْبَرَ إلّا أَغْلَقُوهُ حَتّى أَغْلَقُوا بُيُوتَ الْقَرْيَةِ كُلّهَا ، حَتّى انْتَهَوْا إلَى عَجَلَةٍ عِنْدَ قَصْرِ سَلّامٍ . قَالَ فَصَعِدْنَا وَقَدِمْنَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَتِيكٍ ، لِأَنّهُ كَانَ يَرْطُنُ بِالْيَهُودِيّةِ ثُمّ اسْتَفْتَحُوا عَلَى أَبِي رَافِعٍ فَجَاءَتْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ مَا شَأْنُك ؟ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ وَرَطَنَ بِالْيَهُودِيّةِ جِئْت أَبَا رَافِعٍ بِهَدِيّةٍ . فَفَتَحَتْ لَهُ فَلَمّا رَأَتْ السّلَاحَ أَرَادَتْ تَصِيحُ .
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ : وَازْدَحَمْنَا عَلَى الْبَابِ أَيّنَا يَبْدُرُ إلَيْهِ فَأَرَادَتْ أَنْ تَصِيحَ . قَالَ فَأَشَرْت إلَيْهَا السّيْفَ . قَالَ وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَسْبِقَنِي أَصْحَابِي إلَيْهِ . قَالَ فَسَكَنَتْ سَاعَةً . قَالَ ثُمّ قُلْت لَهَا : أَيْنَ أَبُو رَافِعٍ ؟ وَإِلّا ضَرَبْتُك بِالسّيْفِ فَقَالَتْ هُوَ ذَاكَ فِي الْبَيْتِ . فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَمَا عَرَفْنَاهُ إلّا بِبَيَاضِهِ كَأَنّهُ قُطْنَةٌ مُلْقَاةٌ فَعَلَوْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَهَمّ بَعْضُنَا أَنْ يَخْرُجَ إلَيْهَا ثُمّ ذَكَرْنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَانَا عَنْ قَتْلِ النّسَاءِ .
قَالَ [ ص 393 ] فَلَمّا انْتَهَيْنَا جَعَلَ سَمْكُ الْبَيْتِ يَقْصُرُ عَلَيْنَا ، وَجَعَلَتْ سُيُوفُنَا تَرْجِعُ . قَالَ ابْنُ أُنَيْسٍ وَكُنْت رَجُلًا أَعْشَى لَا أُبْصِرُ بِاللّيْلِ إلّا بَصَرًا ضَعِيفًا . قَالَ فَتَأَمّلْته كَأَنّهُ قَمَرٌ . قَالَ فَأَتّكِئُ بِسَيْفِي عَلَى بَطْنِهِ حَتّى سَمِعْت خَشّهُ فِي الْفِرَاشِ وَعَرَفْت أَنّهُ قَدْ قَضَى .
قَالَ وَجَعَلَ الْقَوْمُ يَضْرِبُونَهُ جَمِيعًا ، ثُمّ نَزَلْنَا وَنَسِيَ أَبُو قَتَادَةَ قَوْسَهُ فَذَكَرَهَا بَعْدَ مَا نَزَلَ فَقَالَ أَصْحَابُهُ دَعْ الْقَوْسَ . فَأَبَى فَرَجَعَ فَأَخَذَ قَوْسَهُ وَانْفَكّتْ رِجْلُهُ فَاحْتَمَلُوهُ بَيْنَهُمْ فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَتَصَايَحَ أَهْلُ الدّارِ بَعْدَ مَا قُتِلَ . فَلَمْ يَفْتَحْ أَهْلُ الْبُيُوتِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لَيْلًا طَوِيلًا ، وَاخْتَبَأَ الْقَوْمُ فِي بَعْضِ مَنَاهِرِ خَيْبَرَ . وَأَقْبَلَتْ الْيَهُودُ وَأَقْبَلَ الْحَارِثُ أَبُو زَيْنَبَ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ خَرَجَ الْقَوْمُ الْآنَ . فَخَرَجَ الْحَارِثُ فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ فِي آثَارِنَا ، يَطْلُبُونَنَا بِالنّيرَانِ فِي شُعَلِ السّعَفِ وَلَرُبّمَا وَطِئُوا فِي النّهْرِ فَنَحْنُ فِي بَطْنِهِ وَهُمْ عَلَى ظَهْرِهِ فَلَا يَرَوْنَا ، فَلَمّا أَوْعَبُوا فِي الطّلَبِ فَلَمْ يَرَوْا شَيْئًا رَجَعَ إلَى امْرَأَتِهِ فَقَالُوا لَهَا : هَلْ تَعْرِفِينَ مِنْهُمْ أَحَدًا ؟ قَالَتْ سَمِعْت مِنْهُمْ كَلَامَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ ، فَإِنْ كَانَ فِي بِلَادِنَا هَذِهِ فَهُوَ مَعَهُمْ . فَكُرّوا الطّلَبَ الثّانِيَةَ وَقَالَ الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ لَوْ أَنّ بَعْضَنَا أَتَاهُمْ فَنَظَرَ هَلْ مَاتَ الرّجُلُ أَمْ لَا .
فَخَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ خُزَاعِيّ حَتّى دَخَلَ مَعَ الْقَوْمِ وَتَشَبّهَ بِهِمْ فَجَعَلَ فِي يَدِهِ شُعْلَةً كَشُعَلِهِمْ حَتّى كَرّ الْقَوْمُ الثّانِيَةَ إلَى الْقَصْرِ وَكَرّ مَعَهُمْ وَيَجِدُ الدّارَ قَدْ [ ص 394 ] شُحِنَتْ . قَالَ فَأَقْبَلُوا جَمِيعًا يَنْظُرُونَ إلَى أَبِي رَافِعٍ مَا فَعَلَ . قَالَ فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ مَعَهَا شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ ثُمّ أَحْنَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ أَحَيّ أَمْ مَيّتٌ هُوَ فَقَالَتْ فَاظَ وَإِلَهِ مُوسَى قَالَ ثُمّ كَرِهْت أَنْ أَرْجِعَ إلّا بِأَمْرٍ بَيّنٍ . قَالَ فَدَخَلْت الثّانِيَةَ مَعَهُمْ فَإِذَا الرّجُلُ لَا يَتَحَرّكُ مِنْهُ عِرْقٌ .
قَالَ فَخَرَجَتْ الْيَهُودُ فِي صَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ . قَالَ وَأَخَذُوا فِي جَهَازِهِ يَدْفِنُونَهُ . قَالَ وَخَرَجْت مَعَهُمْ وَقَدْ أَبْطَأْت عَلَى أَصْحَابِي بَعْضَ الْإِبْطَاءِ . قَالَ فَانْحَدَرْت عَلَيْهِمْ فِي النّهْرِ فَخَبّرْتهمْ فَمَكَثْنَا فِي مَكَانِنَا يَوْمَيْنِ حَتّى سَكَنَ عَنّا الطّلَبُ ثُمّ خَرَجْنَا مُقْبِلِينَ إلَى الْمَدِينَةِ ، كُلّنَا يَدّعِي قَتْلَهُ فَقَدِمْنَا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمّا رَآنَا قَالَ أَفْلَحَتْ الْوُجُوهُ فَقُلْنَا : أَفْلَحَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ أَقَتَلْتُمُوهُ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ وَكُلّنَا يَدّعِي قَتْلَهُ . قَالَ عَجّلُوا عَلَيّ بِأَسْيَافِكُمْ . فَأَتَيْنَا بِأَسْيَافِنَا ثُمّ قَالَ هَذَا قَتَلَهُ هَذَا أَثَرُ الطّعَامِ فِي سَيْفِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ
قَالَ وَكَانَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَدْ أَجْلَبَ فِي غَطَفَانَ وَمَنْ حَوْلَهُ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَجَعَلَ لَهُمْ الْجُعْلَ الْعَظِيمَ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَعَثَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ هَؤُلَاءِ النّفَرَ .
فَحَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ قَالَ حَدّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَالَ لَمّا انْتَهَوْا إلَى أَبِي رَافِعٍ تَشَاجَرُوا فِي قَتْلِهِ . قَالَ فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ فَخَرَجَ سَهْمُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ . وَكَانَ رَجُلًا أَعْشَى فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَيْنَ مَوْضِعُهُ ؟ قَالُوا : تَرَى بَيَاضَهُ كَأَنّهُ قَمَرٌ . قَالَ قَدْ رَأَيْت . قَالَ وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَقَامَ النّفَرُ مَعَ الْمَرْأَةِ يَفْرُقُونَ أَنْ تَصِيحَ قَدْ شَهَرُوا سُيُوفَهُمْ عَلَيْهَا ; [ ص 395 ] وَدَخَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، فَضَرَبَ بِالسّيْفِ فَرَجَعَ السّيْفُ عَلَيْهِ لِقِصَرِ السّمْكِ فَاتّكَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ خَمْرًا حَتّى سَمِعَ خَشّ السّيْفِ وَهُوَ فِي الْفِرَاشِ . وَيُقَالُ كَانَتْ السّرِيّةُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ .








(1/392)

غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ فَإِنّمَا سُمّيَتْ ذَاتِ الرّقَاعِ لِأَنّهُ جَبَلٌ فِيهِ بُقَعٌ حُمْرٌ وَسَوَادٌ وَبَيَاضٌ . خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْلَةَ السّبْتِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا . وَقَدِمَ صِرَارًا يَوْمَ الْأَحَدِ لِخَمْسٍ بَقَيْنَ مِنْ الْمُحَرّمِ وَغَابَ خَمْسَ عَشْرَةَ .
فَحَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مُقْسِمٍ ، وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ جَابِرٍ وَعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ جَابِرٍ وَعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، وَقَدْ زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْحَدِيثِ وَغَيْرُهُمْ قَدْ حَدّثَنِي بِهِ قَالُوا : قَدِمَ قَادِمٌ بِجَلَبٍ لَهُ فَاشْتَرَى بِسُوقِ النّبَطِ وَقَالُوا : مِنْ أَيْنَ جَلَبْت جَلَبَك ؟ قَالَ جِئْت مِنْ نَجْدٍ وَقَدْ رَأَيْت أَنْمَارًا وَثَعْلَبَةَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ جُمُوعًا ، وَأَرَاكُمْ هَادِينَ عَنْهُمْ .
فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 396 ] قَوْلُهُ فَخَرَجَ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَالَ قَائِلٌ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ أَوْ ثَمَانَمِائَةٍ . وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، حَتّى سَلَكَ عَلَى الْمَضِيقِ ثُمّ أَفْضَى إلَى وَادِي الشّقَرَةِ فَأَقَامَ بِهِ يَوْمًا ، وَبَثّ السّرَايَا فَرَجَعُوا إلَيْهِ مَعَ اللّيْلِ وَخَبّرُوهُ أَنّهُمْ لَمْ يَرَوْا أَحَدًا وَقَدْ وَطِئُوا آثَارًا حَدِيثَةً .
ثُمّ سَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ حَتّى أَتَى مَحَالّهُمْ فَيَجِدُونَ الْمَحَالّ لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ ، وَقَدْ ذَهَبَتْ الْأَعْرَابُ إلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَهُمْ مُطِلّونَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَدْ خَافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ قَرِيبٌ وَخَافَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِمْ وَهُمْ غَارّونَ . وَخَافَتْ الْأَعْرَابُ أَلّا يَبْرَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى يَسْتَأْصِلَهُمْ . وَفِيهَا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ
فَحَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ فَكَانَ أَوّلَ مَا صَلّى يَوْمَئِذٍ صَلَاةُ الْخَوْفِ وَخَافَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَيْهِ وَهُمْ فِي الصّلَاةِ وَهُمْ صُفُوفٌ . فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ أَخِيهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوّاتٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ صَلّيْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقِبْلَةَ وَطَائِفَةٌ خَلْفَهُ وَطَائِفَةٌ مُوَاجِهَةٌ الْعَدُوّ فَصَلّى بِالطّائِفَةِ الّتِي خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمّ ثَبَتَ قَائِمًا فَصَلّوْا خَلْفَهُ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمّ سَلّمُوا ، وَجَاءَتْ الطّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلّى بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ وَالطّائِفَةُ الْأُولَى مُقْبِلَةٌ عَلَى الْعَدُوّ فَلَمّا صَلّى بِهِمْ رَكْعَةً ثَبَتَ جَالِسًا حَتّى أَتَمّوا لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ثُمّ سَلّمَ
[ ص 397 ] وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَصَابَ فِي مَحَالّهِمْ نِسْوَةً وَكَانَ فِي السّبْيِ جَارِيَةٌ وَضِيئَةٌ كَانَ زَوْجُهَا يُحِبّهَا ، فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ حَلَفَ زَوْجُهَا لَيَطْلُبَن مُحَمّدًا ، وَلَا يَرْجِعُ إلَى قَوْمِهِ حَتّى يُصِيبَ مُحَمّدًا ، أَوْ يُهْرِيقَ فِيهِمْ دَمًا ، أَوْ تَتَخَلّصُ صَاحِبَتَهُ .
فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَسِيرِهِ عَشِيّةَ ذَاتِ رِيحٍ فَنَزَلَ فِي شِعْبٍ اسْتَقْبَلَهُ فَقَالَ مَنْ رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا اللّيْلَةَ ؟ فَقَامَ رَجُلَانِ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ ، فَقَالَا : نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ نَكْلَؤُك . وَجَعَلَتْ الرّيحُ لَا تَسْكُنُ وَجَلَسَ الرّجُلَانِ عَلَى فَمِ الشّعْبِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَيّ اللّيْلِ أَحَبّ إلَيْك ، أَنْ أَكْفِيَك أَوّلَهُ فَتَكْفِينِي آخِرَهُ ؟ قَالَ اكْفِنِي أَوّلَهُ . فَنَامَ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَقَامَ عَبّادُ بْنُ بِشْر ٍ يُصَلّي ، وَأَقْبَلَ عَدُوّ اللّهِ يَطْلُبُ غِرّةً وَقَدْ سَكَنَتْ الرّيحُ فَلَمّا رَأَى سَوَادَهُ مِنْ قَرِيبٍ قَالَ يَعْلَمُ اللّهُ إنّ هَذَا لَرَبِيئَةُ الْقَوْمِ فَفَوّقَ لَهُ سَهْمًا فَوَضَعَهُ فِيهِ فَانْتَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمّ رَمَاهُ بِآخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَانْتَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمّ رَمَاهُ الثّالِثَ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَلَمّا غَلَبَ عَلَيْهِ الدّمُ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمّ قَالَ لِصَاحِبِهِ اجْلِسْ فَقَدْ أَتَيْت فَجَلَسَ عَمّارٌ فَلَمّا رَأَى الْأَعْرَابِيّ أَنّ عَمّارًا قَدْ قَامَ عَلِمَ أَنّهُمْ قَدْ نَذَرُوا بِهِ . فَقَالَ عَمّارٌ أَيْ أَخِي ، مَا مَنَعَك أَنْ تُوقِظَنِي بِهِ فِي أَوّلِ سَهْمٍ رَمَى بِهِ ؟ قَالَ كُنْت فِي سُورَةٍ أَقْرَأهَا وَهِيَ سُورَةُ الْكَهْفِ ، فَكَرِهْت أَنْ أَقْطَعَهَا حَتّى أَفْرُغَ مِنْهَا ، وَلَوْلَا أَنّي خَشِيت أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا انْصَرَفْت وَلَوْ أُتِيَ عَلَى نَفْسِي
وَيُقَالُ الْأَنْصَارِيّ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَأَثْبَتُهُمَا عِنْدَنَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ .
[ ص 398 ] فَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ إنّا لَمَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ بِفَرْخٍ طَائِرٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَأَقْبَلَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا حَتّى طَرَحَ نَفْسَهُ فِي يَدَيْ الّذِي أَخَذَ فَرْخَهُ . فَرَأَيْت النّاسَ عَجِبُوا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا الطّائِرِ ؟ أَخَذْتُمْ فَرْخَهُ فَطَرَحَ نَفْسَهُ رَحْمَةً لِفَرْخِهِ وَاَللّهِ لَرَبّكُمْ أَرْحَمُ بِكُمْ مِنْ هَذَا الطّائِرِ بِفَرْخِهِ








(1/396)

قَالَ الْوَاقِدِيّ : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فِي غَزْوَتِه قَالَ جَابِرٌ : فَإِنّا لَفِي مُنْصَرَفِنَا أَتَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا تَحْتَ ظِلّ شَجَرَةٍ فَقُلْت : هَلُمّ إلَى الظّلّ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَدَنَا إلَى الظّلّ فَاسْتَظَلّ فَذَهَبْت لِأُقَرّبَ إلَيْهِ شَيْئًا ، فَمَا وَجَدْت إلّا جَرْوًا مِنْ قِثّاءٍ فِي أَسْفَلِ الْغِرَارَةِ . قَالَ فَكَسَرْته كَسْرًا ثُمّ قَرّبْته إلَيْهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذَا ؟ فَقُلْنَا : شَيْءٌ فَضَلَ مِنْ زَادِ الْمَدِينَةِ . فَأَصَابَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَقَدْ جَهَرْنَا صَاحِبًا لَنَا ، يَرْعَى ظَهْرَنَا وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ مُتَخَرّقٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا لَهُ غَيْرُ هَذَا ؟ فَقُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ لَهُ ثَوْبَيْنِ جَدِيدَيْنِ فِي الْعَيْبَةِ . فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُذْ ثَوْبَيْك . فَأَخَذَ ثَوْبَيْهِ فَلَبِسَهُمَا ثُمّ أَدْبَرَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَيْسَ هَذَا أَحْسَنَ ؟ مَا لَهُ ضَرَبَ اللّهُ عُنُقَهُ ؟ فَسَمِعَ ذَلِكَ الرّجُلُ فَقَالَ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي سَبِيلِ اللّهِ . قَالَ جَابِرٌ : فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللّهِ
[ ص 399 ] قَالَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَدّثُ عِنْدَنَا إلَى أَنْ جَاءَنَا عُلْبَةُ بْنُ زَيْدٍ الْحَارِثِيّ بِثَلَاثِ بَيْضَاتٍ أَدَاحِي ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَجَدْت هَذِهِ الْبَيْضَاتِ فِي مَفْحَصِ نَعَامٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دُونَك يَا جَابِرُ فَاعْمَلْ هَذِهِ الْبَيْضَاتِ فَوَثَبْت فَعَمِلْتهنّ ثُمّ جِئْت بِالْبَيْضِ فِي قَصْعَةٍ وَجَعَلْت أَطْلُبُ خُبْزًا فَلَا أَجِدُهُ . قَالَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْضِ بِغَيْرِ خُبْزٍ
قَالَ جَابِرٌ فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمْسَكَ يَدَهُ وَأَنَا أَظُنّ أَنّهُ قَدْ انْتَهَى إلَى حَاجَتِهِ وَالْبَيْضُ فِي الْقَصْعَةِ كَمَا هُوَ . قَالَ ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَكَلَ مِنْهُ عَامّةُ أَصْحَابِنَا ، ثُمّ رُحْنَا مُبَرّدِينَ .
قَالَ جَابِرٌ وَإِنّا لَنَسِيرُ إلَى أَنْ أَدْرَكَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا لَك يَا جَابِرُ ؟ فَقُلْت : أَيْ رَسُولَ اللّهِ جَدّي أَنْ يَكُونَ لِي بَعِيرُ سُوءٍ وَقَدْ مَضَى النّاسُ وَتَرَكُونِي قَالَ فَأَنَاخَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعِيرَهُ فَقَالَ أَمَعَك مَاءٌ ؟ فَقُلْت : نَعَمْ . فَجِئْته بِقَعْبٍ مِنْ مَاءٍ فَنَفَثَ فِيهِ ثُمّ نَضَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَظَهْرِهِ وَعَلَى عَجُزِهِ ثُمّ قَالَ أَعْطِنِي عَصًا . فَأَعْطَيْته عَصًا مَعِي - أَوْ قَالَ قَطَعْت لَهُ عَصًا مِنْ شَجَرَةٍ . قَالَ ثُمّ نَخَسَهُ ثُمّ قَرَعَهُ بِالْعَصَا ، ثُمّ قَالَ ارْكَبْ يَا جَابِرُ . قَالَ فَرَكِبْت . قَالَ فَخَرَجَ وَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً مَا تَفُوتُهُ نَاقَتُهُ .
قَالَ وَجَعَلْت أَتَحَدّثُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ [ ص 400 ] يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَتَزَوّجْت ؟ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ بِكْرًا أَمْ ثَيّبًا ؟ فَقُلْت : ثَيّبًا . فَقَالَ أَلَا جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي وَأُمّي إنّ أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ وَتَزَوّجْت امْرَأَةً جَامِعَةً تَلُمّ شَعَثَهُنّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنّ . قَالَ أَصَبْت . ثُمّ قَالَ إنّا لَوْ قَدِمْنَا صِرَارًا أَمَرْنَا بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَسَمِعَتْ بِنَا فَنَفّضَتْ نَمَارِقَهَا قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا لَنَا نَمَارِقُ . قَالَ أَمَا إنّهَا سَتَكُونُ فَإِذَا قَدِمْت فَاعْمَلْ عَمَلًا كَيّسًا قَالَ قُلْت : أَفْعَلُ مَا اسْتَطَعْت . قَالَ ثُمّ قَالَ بِعْنِي جَمَلَك هَذَا يَا جَابِرُ . قُلْت : بَلْ هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ لَا ، بَلْ بِعْنِيهِ . قَالَ قُلْت نَعَمْ سُمْنِي بِهِ . قَالَ فَإِنّي آخُذُهُ بِدِرْهَمٍ . قَالَ قُلْت : تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ لَا ، لَعَمْرِي قَالَ جَابِرٌ فَمَا زَالَ يَزِيدُنِي دِرْهَمًا دِرْهَمًا حَتّى بَلَغَ بِهِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا - أُوقِيّةً - فَقَالَ أَمَا رَضِيت ؟ فَقُلْت : هُوَ لَك . فَقَالَ فَظَهْرُهُ لَك حَتّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ قَالَ وَيُقَالُ إنّهُ قَالَ آخُذُهُ مِنْك بِأُوقِيّةٍ وَظَهْرُهُ لَك فَبَاعَهُ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ فَلَمّا قَدِمْنَا صِرَارًا أَمَرَ بِجَزُورٍ فَنُحِرَتْ فَأَقَامَ بِهِ يَوْمَهُ ثُمّ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ . قَالَ جَابِرٌ فَقُلْت لِلْمَرْأَةِ قَدْ أَمَرَنِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَعْمَلَ عَمَلًا كَيّسًا . قَالَتْ سَمْعًا وَطَاعَةً لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدُونَك فَافْعَلْ . قَالَ ثُمّ أَصْبَحْت فَأَخَذْت بِرَأْسِ الْجَمَلِ فَانْطَلَقْت حَتّى أَنَخْته عِنْدَ حُجْرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَلَسْت حَتّى خَرَجَ فَلَمّا خَرَجَ قَالَ [ ص 401 ] أَهَذَا الْجَمَلُ ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ الّذِي اشْتَرَيْت . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلَالًا فَقَالَ اذْهَبْ فَأَعْطِهِ أُوقِيّةً وَخُذْ بِرَأْسِ جَمَلِك يَا ابْنَ أَخِي فَهُوَ لَك . فَانْطَلَقْت مَعَ بِلَال فَقَالَ بِلَالٌ : أَنْتَ ابْنُ صَاحِبُ الشّعْبِ ؟ فَقُلْت : نَعَمْ . فَقَالَ وَاَللّهِ لَأُعْطِيَنك وَلَأَزِيدَنك . فَزَادَنِي قِيرَاطًا أَوْ قِيرَاطَيْنِ . قَالَ فَمَا زَالَ ذَلِكَ يُثْمِرُ وَيَزِيدُنَا اللّهُ بِهِ وَنَعْرِفُ مَوْضِعَهُ حَتّى أُصِيبَ هَا هُنَا قَرِيبًا عِنْدَكُمْ - يَعْنِي الْجَمَلَ








(1/399)



الَ الْوَاقِدِيّ : وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ لَمّا انْصَرَفْنَا رَاجِعِينَ فَكُنّا بِالشّقْرَةِ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا جَابِرُ مَا فَعَلَ دَيْنُ أَبِيك ؟ فَقُلْت : عَلَيْهِ انْتَظَرْت يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يُجَذّ نَخْلُهُ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا جَذَذْت فَأَحْضِرْنِي . قَالَ قُلْت : نَعَمْ . ثُمّ قَالَ مَنْ صَاحِبُ دَيْنِ أَبِيك ؟ فَقُلْت : أَبُو الشّحْمِ الْيَهُودِيّ ، لَهُ عَلَى أَبِي سِقَةُ تَمْرٍ . فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَتَى تَجُذّهَا ؟ قُلْت : غَدًا . قَالَ يَا جَابِرُ فَإِذَا جَذَذْتهَا فَاعْزِلْ الْعَجْوَةَ عَلَى حِدَتِهَا ، وَأَلْوَانَ التّمْرِ عَلَى حِدَتِهَا
قَالَ فَفَعَلْت ، فَجَعَلْت الصّيْحَانِيّ عَلَى حِدَةٍ وَأُمّهَاتَ الْجَرَادَيْنِ عَلَى حِدَةٍ وَالْعَجْوَةَ عَلَى حِدَةٍ ثُمّ عَمَدْت إلَى جُمّاعٍ مِنْ التّمْرِ مِثْلِ نُخْبَةٍ وَقَرْنٍ وَشُقْحَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَنْوَاعِ وَهُوَ أَقَلّ التّمْرِ فَجَعَلْته حَبْلًا وَاحِدًا ، ثُمّ جِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَبّرْته [ ص 402 ] فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ فَدَخَلُوا الْحَائِطَ وَحَضَرَ أَبُو الشّحْمِ . قَالَ فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى التّمْرِ مُصَنّفًا قَالَ اللّهُمّ بَارِكْ لَهُ ثُمّ انْتَهَى إلَى الْعَجْوَةِ فَمَسّهَا بِيَدِهِ وَأَصْنَافَ التّمْرِ ثُمّ جَلَسَ وَسَطَهَا ثُمّ قَالَ اُدْعُ غَرِيمَك . فَجَاءَ أَبُو الشّحْمِ فَقَالَ اكْتَلْ فَاكْتَالَ حَقّهُ كُلّهُ مِنْ حَبْلٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْعَجْوَةُ وَبَقِيّةُ التّمْرِ كَمَا هُوَ . ثُمّ قَالَ يَا جَابِرُ هَلْ بَقِيَ عَلَى أَبِيك شَيْءٌ ؟ قَالَ قُلْت : لَا
قَالَ وَبَقِيَ سَائِرُ التّمْرِ فَأَكَلْنَا مِنْهُ دَهْرًا وَبِعْنَا مِنْهُ حَتّى أَدْرَكَتْ الثّمَرَةُ مِنْ قَابِلَ وَلَقَدْ كُنْت أَقُولُ لَوْ بِعْت أَصْلَهَا مَا بَلَغَتْ مَا كَانَ عَلَى أَبِي مِنْ الدّيْنِ فَقَضَى اللّهُ مَا كَانَ عَلَى أَبِي مِنْ الدّيْنِ . فَلَقَدْ رَأَيْتنِي وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيَقُولُ مَا فَعَلَ دَيْنُ أَبِيك ؟ فَقُلْت : قَدْ قَضَاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ . فَقَالَ اللّهُمّ اغْفِرْ لِجَابِرٍ فَاسْتَغْفَرَ لِي فِي لَيْلَةٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مَرّةً
حَدّثَنِي عَائِذُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ قَالَ اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ(1/402)غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ عَلَى رَأْسِ تِسْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ شَهْرًا . خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَقَدِمَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخَرِ . فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي لَبِيدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ .

وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، فَكِلَاهُمَا قَدْ حَدّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَأَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى صَاحِبِهِ وَغَيْرُهُمَا قَدْ حَدّثَنَا أَيْضًا . [ ص 403 ] قَالُوا : أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَدْنُوَ إلَى أَدْنَى الشّامِ ، وَقِيلَ لَهُ إنّهَا طَرَفٌ مِنْ أَفْوَاهِ الشّامِ ، فَلَوْ دَنَوْت لَهَا كَانَ ذَلِكَ مِمّا يُفْزِعُ قَيْصَرَ . وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ أَنّ بِدُومَةِ الْجَنْدَلِ جَمْعًا كَثِيرًا ، وَأَنّهُمْ يَظْلِمُونَ مَنْ مَرّ بِهِمْ مِنْ الضّافِطَةِ وَكَانَ بِهَا سُوقٌ عَظِيمٌ وَتُجّارٌ وَضَوَى إلَيْهِمْ قَوْمٌ مِنْ الْعَرَبِ كَثِيرٌ ، وَهُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوا مِنْ الْمَدِينَةِ . فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ فَخَرَجَ فِي أَلْفٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ لَهُ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ يُقَالُ لَهُ مَذْكُورٌ هَادٍ خِرّيتٍ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُغِذّا لِلسّيْرِ وَنَكَبَ عَنْ طَرِيقِهِمْ وَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ دُومَةِ الْجَنْدَلِ - وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا يَوْمٌ أَوْ لَيْلَةٌ سَيْرَ الرّاكِبِ الْمُعْتِقِ - قَالَ لَهُ الدّلِيلُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ سَوَائِمَهُمْ تَرْعَى فَأَقِمْ لِي حَتّى أَطّلِعَ لَك . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ . فَخَرَجَ الْعُذْرِيّ طَلِيعَةً حَتّى وَجَدَ آثَارَ النّعَمِ وَالشّاءِ وَهُمْ مُغَرّبُونَ ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ وَقَدْ عَرَفَ مَوَاضِعَهُمْ فَسَارَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى هَجَمَ عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَرِعَائِهِمْ فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَصَابَ وَهَرَبَ مَنْ هَرَبَ فِي كُلّ وَجْهٍ
وَجَاءَ الْخَبَرُ أَهْلَ دُومَةِ الْجَنْدَلِ فَتَفَرّقُوا ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَاحَتِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ بِهَا أَحَدًا ، فَأَقَامَ بِهَا أَيّامًا وَبَثّ السّرَايَا وَفَرّقَهَا حَتّى غَابُوا عَنْهُ يَوْمًا ثُمّ رَجَعُوا إلَيْهِ وَلَمْ يُصَادِفُوا مِنْهُمْ أَحَدًا ، وَتَرْجِعُ السّرِيّةُ بِالْقِطْعَةِ مِنْ الْإِبِلِ [ ص 404 ] إلّا أَنّ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ أَخَذَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَتَى بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ هَرَبُوا أَمْسِ حَيْثُ سَمِعُوا بِأَنّك قَدْ أَخَذْت نَعَمَهُمْ . فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامَ أَيّامًا فَأَسْلَمَ فَرَجَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ

(1/403)غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ شَعْبَانَ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ لِهِلَالِ رَمَضَانَ وَغَابَ شَهْرًا إلّا لَيْلَتَيْنِ .

حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَخَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ وَعَائِذُ بْنُ يَحْيَى ، وَعُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْمَخْزُومِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيّ ، وَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِطَائِفَةٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ قَدْ حَدّثَنِي قَالُوا : إنّ بَلْمُصْطَلِقَ مِنْ خُزَاعَةَ كَانُوا يَنْزِلُونَ نَاحِيَةَ الْفُرُعِ ، وَهُمْ حُلَفَاءُ فِي بَنِي مُدْلِج ٍ وَكَانَ رَأْسُهُمْ وَسَيّدُهُمْ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي ضِرَارٍ ، وَكَانَ قَدْ سَارَ فِي قَوْمِهِ وَمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَرَبِ ، فَدَعَاهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَابْتَاعُوا خَيْلًا وَسِلَاحًا وَتَهَيّئُوا لِلْمَسِيرِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَجُعِلَتْ الرّكْبَانُ تَقَدّمَ مِنْ نَاحِيَتِهِمْ فَيُخْبِرُونَ بِمَسِيرِهِمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَعَثَ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحَصِيبِ الْأَسْلَمِيّ يَعْلَمُ عِلْمَ ذَلِكَ وَاسْتَأْذَنَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَقُولَ فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ حَتّى وَرَدَ [ ص 405 ] عَلَيْهِمْ مَاءَهُمْ فَوَجَدَ قَوْمًا مَغْرُورِينَ قَدْ تَأَلّبُوا وَجَمَعُوا الْجُمُوعَ فَقَالُوا : مَنْ الرّجُلُ ؟ قَالَ رَجُلٌ مِنْكُمْ قَدِمْت لِمَا بَلَغَنِي عَنْ جَمْعِكُمْ لِهَذَا الرّجُلِ فَأَسِيرُ فِي قَوْمِي وَمَنْ أَطَاعَنِي فَتَكُونُ يَدُنَا وَاحِدَةً حَتّى نَسْتَأْصِلَهُ . قَالَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ : فَنَحْنُ عَلَى ذَلِكَ فَعَجّلْ عَلَيْنَا .
قَالَ بُرَيْدَةُ : أَرْكَبُ الْآنَ فَآتِيكُمْ بِجَمْعٍ كَثِيفٍ مِنْ قَوْمِي وَمَنْ أَطَاعَنِي . فَسَرّوا بِذَلِكَ مِنْهُ وَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ الْقَوْمِ فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ عَدُوّهِمْ فَأَسْرَعَ النّاسُ لِلْخُرُوجِ وَقَادُوا الْخُيُولَ وَهِيَ ثَلَاثُونَ فَرَسًا ، فِي الْمُهَاجِرِينَ مِنْهَا عَشَرَةٌ وَفِي الْأَنْصَارِ عِشْرُونَ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَسَانِ وَكَانَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَام فَارِسًا ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ ، وَالزّبَيْرُ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَالْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو .
وَفِي الْأَنْصَارِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَقَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيّ وَسَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ ، وَالْحَارِثُ بْنُ حَزْمَةَ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَأَبُو قَتَادَةَ ، وَأُبَيّ بْنُ كَعْبٍ ، وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ ، وَزِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو ، وَمُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ .
قَالُوا : وَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لَمْ يَخْرُجُوا فِي غَزَاةٍ قَطّ مِثْلِهَا ، لَيْسَ بِهِمْ رَغْبَةٌ فِي الْجِهَادِ إلّا أَنْ يُصِيبُوا مِنْ عَرَضِ الدّنْيَا ، وَقَرُبَ عَلَيْهِمْ السّفَرُ .
فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى سَلَكَ عَلَى الْحَلَائِقِ فَنَزَلَ بِهَا ، فَأُتِيَ يَوْمَئِذٍ بِرَجُلٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ ، فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 406 ] أَيْنَ أَهْلُك ؟ قَالَ بِالرّوْحَاءِ . قَالَ أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ إيّاكَ جِئْت لِأُومِنَ بِك وَأَشْهَدُ أَنّ مَا جِئْت بِهِ الْحَقّ ، وَأُقَاتِلَ مَعَك عَدُوّك . قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَاك لِلْإِسْلَامِ . قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيّ الْأَعْمَالِ أَحَبّ إلَى اللّهِ ؟ قَالَ الصّلَاةُ فِي أَوّلِ وَقْتِهَا ، قَالَ فَكَانَ الرّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ يُصَلّي حِينَ تَزِيغُ الشّمْسُ وَحِينَ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعَصْرِ وَحِينَ تَغْرُب الشّمْسُ . لَا يُؤَخّرُ الصّلَاةَ إلَى الْوَقْتِ الْآخَرِ قَالَ فَلَمّا نَزَلَ بِبَقْعَاءَ أَصَابَ عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ فَقَالُوا لَهُ مَا وَرَاءَك ؟ أَيْنَ النّاسُ ؟ قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهِمْ .
فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ عَنْ زَيْدِ بْنِ طَلْحَةَ قَالَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَتَصْدُقَن أَوْ لَأَضْرِبَن عُنُقَك . قَالَ فَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَلْمُصْطَلِقَ ، تَرَكْت الْحَارِثَ بْنَ أَبِي ضِرَارٍ قَدْ جَمَعَ لَكُمْ الْجُمُوعَ وَتَجَلّبَ إلَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ ، وَبَعَثَنِي إلَيْكُمْ لِآتِيَهُ بِخَبَرِكُمْ وَهَلْ تَحَرّكْتُمْ مِنْ الْمَدِينَةِ . فَأَتَى عُمَرُ بِذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْإِسْلَامِ وَعَرَضَهُ عَلَيْهِ فَأَبَى وَقَالَ لَسْت بِمُتّبِعٍ دِينَكُمْ حَتّى أَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ قَوْمِي ; إنْ دَخَلُوا فِي دِينِكُمْ كُنْت كَأَحَدِهِمْ وَإِنْ ثَبَتُوا عَلَى دِينِهِمْ فَأَنَا رَجُلٌ مِنْهُمْ . فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَضْرِبُ عُنُقَهُ فَقَدّمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَ عُنُقَه فَذَهَبَ الْخَبَرُ إلَى بَلْمُصْطَلِقَ .
فَكَانَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَقُولُ بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَتْ جَاءَنَا خَبَرُهُ وَمَقْتَلُهُ وَمَسِيرُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْنَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسِيءَ أَبِي وَمَنْ مَعَهُ وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا ، وَتَفَرّقَ عَنْهُمْ مَنْ كَانَ قَدْ اجْتَمَعَ إلَيْهِمْ مِنْ أَفْنَاءِ الْعَرَبِ ، فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ سِوَاهُمْ .
[ ص 407 ] ثُمّ انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمُرَيْسِيعِ وَهُوَ الْمَاءُ فَنَزَلَهُ وَضُرِبَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبّةٌ مِنْ أَدَمٍ وَمَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ عَائِشَةُ وَأُمّ سَلَمَةَ . وَقَدْ اجْتَمَعُوا عَلَى الْمَاءِ وَأَعَدّوا وَتَهَيّئُوا لِلْقِتَالِ فَصَفّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ وَدَفَعَ رَايَةَ الْمُهَاجِرِينَ إلَى أَبِي بَكْر ٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَرَايَةَ الْأَنْصَارِ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَيُقَالُ كَانَ مَعَ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ رَايَةُ الْمُهَاجِرِينَ .
ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَنَادَى فِي النّاسِ قُولُوا لَا إلَهَ إلّا اللّهُ تَمْنَعُوا بِهَا أَنَفْسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ . فَفَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَأَبَوْا فَكَانَ أَوّلَ مَنْ رَمَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَرَمَى الْمُسْلِمُونَ سَاعَةً بِالنّبْلِ ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْمِلُوا ، فَحَمَلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ إنْسَانٌ وَقُتِلَ عَشَرَةٌ مِنْهُمْ وَأُسِرَ سَائِرُهُمْ .
وَسَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّجَالَ وَالنّسَاءَ وَالذّرّيّةَ [ وَغُنِمَتْ ] النّعَمُ وَالشّاءُ وَمَا قُتِلَ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلّا رَجُلٌ وَاحِدٌ . وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدّثُ قَالَ حَمَلَ لِوَاءَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ صَفْوَانُ ذُو الشّقْرِ فَلَمْ تَكُنْ لِي بِأُهْبَةٍ حَتّى شَدَدْت عَلَيْهِ وَكَانَ الْفَتْحُ .
وَكَانَ شَعَارُهُمْ يَا مَنْصُورُ ، أَمِتْ أَمِتْ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدّثُ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارّونَ وَنَعَمُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيّهُمْ . وَالْحَدِيثُ الْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا .
وَكَانَ هَاشِمُ بْنُ ضُبَابَةَ قَدْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعَدُوّ فَرَجَعَ فِي رِيحٍ [ ص 408 ] شَدِيدَةٍ وَعَجَاجٍ فَتَلْقَى رَجُلًا مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ يُقَالُ لَهُ أَوْسٌ فَظَنّ أَنّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ فَعَلِمَ بَعْدُ أَنّهُ مُسْلِمٌ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تُخْرَجَ دِيَتُهُ .
وَيُقَالُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو ابْنِ عَوْفٍ ; فَقَدِمَ أَخُوهُ مِقْيَسٌ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ لَهُ بِالدّيَةِ فَقَبَضَهَا ، ثُمّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ ثُمّ خَرَجَ إلَى قُرَيْشٍ مُرْتَدّا وَهُوَ يَقُولُ
شَفَى النّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا

يُضَرّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ
ثَأَرْت بِهِ فِهْرًا وَحَمّلْت عَقْلَهُ

سَرَاةَ بَنِي النّجّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ
حَلَلْت بِهِ وِتْرِي وَأَدْرَكْت ثُؤْرَتِي

وَكُنْت إلَى الْأَوْثَانِ أَوّلَ رَاجِعِ
سَمِعْت عَبْدَ الرّحْمَنِ يَقُولُ أَنْشَدَنِيهَا أَبِي . فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمَهُ حَتّى قَتَلَهُ نُمَيْلَةُ يَوْمَ الْفَتْحِ

(1/405)










وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي الْأَبْيَضِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّتِهِ وَهِيَ مَوْلَاةُ جُوَيْرِيَةَ قَالَتْ سَمِعْت جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ تَقُولُ [ ص 409 ] أَتَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ عَلَى الْمُرَيْسِيعِ فَأَسْمَعُ أَبِي يَقُولُ أَتَانَا مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ . قَالَتْ فَكُنْت أَرَى مِنْ النّاسِ وَالْخَيْلِ مَا لَا أَصِفُ مِنْ الْكَثْرَةِ فَلَمّا أَنْ أَسْلَمْت وَتَزَوّجَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهِ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَجَعْنَا جَعَلْت أَنْظُرُ إلَى الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسُوا كَمَا كُنْت أَرَى ، فَعَلِمْت أَنّهُ رُعْبٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى يُلْقِيهِ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِينَ
فَكَانَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ يَقُولُ لَقَدْ كُنّا نَرَى رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ مَا كُنّا نَرَاهُمْ قَبْلُ وَلَا بَعْدُ .
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفَضِيلِ قَالَ حَدّثَنِي ابْنُ مَسْعُودِ بْنُ هُنَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَقِيت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَقْعَاءَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا مَسْعُودُ ؟ فَقُلْت : جِئْت لِأَنْ أُسَلّمَ عَلَيْك وَقَدْ أَعْتَقَنِي أَبُو تَمِيمٍ . قَالَ بَارَكَ اللّهُ عَلَيْك ، أَيْنَ تَرَكْت أَهْلَك ؟ قَالَ تَرَكَتْهُمْ بِمَوْضِعٍ يُعْرَفُ بِالْخَذَوَاتِ وَالنّاسُ صَالِحُونَ وَقَدْ رَغِبَ النّاسُ فِي الْإِسْلَامِ وَكَثُرَ حَوْلَنَا . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلِلّهِ الْحَمْدُ الّذِي هَدَاهُمْ ثُمّ قَالَ مَسْعُودٌ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ رَأَيْتنِي أَمْسِ وَلَقِيت رَجُلًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَدَعَوْته إلَى الْإِسْلَامِ فَرَغّبْته فِيهِ فَأَسْلَمَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَإِسْلَامُهُ عَلَى يَدَيْك كَانَ خَيْرًا لَك مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ . ثُمّ قَالَ كُنْ مَعَنَا حَتّى نَلْقَى عَدُوّنَا ، فَإِنّي أَرْجُو أَنْ يُنَفّلَنَا اللّهُ أَمْوَالَهُمْ .
قَالَ فَسِرْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى غَنّمَهُ اللّهُ أَمْوَالَهُمْ وَذَرَارِيّهُمْ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قِطْعَةً مِنْ إبِلٍ وَقِطْعَةً مِنْ غَنَمٍ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَسُوقَ الْإِبِلَ وَمَعِي الْغَنَمُ ؟ اجْعَلْهَا غَنَمًا كُلّهَا أَوْ إبِلًا كُلّهَا . فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَيّ ذَلِكَ أَحَبّ إلَيْك ؟ قُلْت : تَجْعَلُهَا إبِلًا . قَالَ أَعْطِهِ عَشْرًا مِنْ الْإِبِلِ . قَالَ فَأَعْطَيْتهَا . فَيُقَالُ لَهُ قَارَعَهُ مِنْ الْمَالِ أَوْ مِنْ الْخُمُسِ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَدْرِي ، فَرَجَعْت إلَى أَهْلِي ، فَوَاَللّهِ مَا زِلْنَا فِي خَيْرٍ مِنْهَا إلَى يَوْمِنَا هَذَا
فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ [ ص 410 ] بْنِ أَبِي جَهْمٍ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَسْرَى فَكُتِفُوا وَجُعِلُوا نَاحِيَةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحَصِيبِ . وَأَمَرَ بِمَا وُجِدَ فِي رِحَالِهِمْ مِنْ رِثّةِ [ الْمَتَاعِ ] وَالسّلَاحِ فَجُمِعَ وَعُمِدَ إلَى النّعَمِ وَالشّاءِ فَسِيقَ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانَ مَوْلَاهُ وَجَمَعَ الذّرّيّةَ نَاحِيَةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَقْسَمِ - مَقْسَمِ الْخُمُسِ - وَسُهْمَانِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِيّ فَأَخْرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخُمُسَ مِنْ جَمِيعِ الْمَغْنَمِ فَكَانَ يَلِيهِ مَحْمِيَةُ بْنُ جَزْءٍ الزّبَيْدِيّ
وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ ، قَالَا : جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى خُمُسِ الْمُسْلِمِينَ مَحْمِيَةَ بْنَ جَزْءٍ الزّبَيْدِيّ قَالَا : وَكَانَ يَجْمَعُ الْأَخْمَاسَ وَكَانَتْ الصّدَقَاتُ عَلَى حِدَتِهَا ، وَأَهْلُ الْفَيْءِ بِمَعْزِلٍ عَنْ الصّدَقَةِ وَأَهْلُ الصّدَقَةِ بِمَعْزِلٍ عَنْ الْفَيْءِ وَكَانَ يُعْطِي مِنْ الصّدَقَةِ الْيَتِيمَ وَالْمِسْكِينَ وَالضّعِيفَ . فَإِذَا احْتَلَمَ الْيَتِيمُ نُقِلَ إلَى الْفَيْءِ وَأُخْرِجَ مِنْ الصّدَقَةِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْجِهَادُ فَإِنْ كَرِهَ الْجِهَادَ وَأَبَاهُ لَمْ يُعْطَ مِنْ الصّدَقَةِ شَيْئًا ، وَخَلّوْا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكْسِبَ لِنَفْسِهِ .
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَمْنَعُ سَائِلًا ، فَأَتَاهُ رَجُلَانِ يَسْأَلَانِهِ مِنْ الْخُمُسِ فَقَالَ إنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا مِنْهُ وَلَا حَظّ فِيهَا لِغَنِيّ وَلَا لِقَوِيّ مُكْتَسِبٍ
قَالُوا : فَاقْتُسِمَ السّبْيُ وَفُرّقَ فَصَارَ فِي أَيْدِي الرّجَالِ وَقُسِمَتْ الرّثّةُ وَقُسِمَ النّعَمُ وَالشّاءُ وَعُدِلَتْ الْجَزُورُ بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ وَبِيعَتْ الرّثّةُ فِيمَنْ يُرِيدُ وَأُسْهِمَ لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ وَلِصَاحِبِهِ سَهْمٌ وَلِلرّاجِلِ سَهْمٌ .
وَكَانَتْ الْإِبِلُ أَلْفَيْ بَعِيرٍ وَخَمْسَةَ آلَافِ شَاةٍ وَكَانَ السّبْيُ مِائَتَيْ أَهْلِ بَيْتٍ . فَصَارَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَابْنِ عَمّ [ ص 411 ] لَهُ فَكَاتَبَهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ ذَهَبٍ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ثَوْبَانَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ جَارِيَةً حُلْوَةً لَا يَكَادُ يَرَاهَا أَحَدٌ إلّا ذَهَبَتْ بِنَفْسِهِ فَبَيْنَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدِي وَنَحْنُ عَلَى الْمَاءِ إذْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ جُوَيْرِيَةُ تَسْأَلُهُ فِي كِتَابَتِهَا . قَالَتْ عَائِشَةُ : فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْتهَا فَكَرِهْت دُخُولَهَا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَرَفْت أَنّهُ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الّذِي رَأَيْت ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ وَأَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ سَيّدِ قَوْمِهِ أَصَابَنَا مِنْ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْت ، وَوَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ وَابْنِ عَمّ لَهُ فَتَخَلّصَنِي مِنْ ابْنِ عَمّهِ بِنَخَلَاتٍ لَهُ بِالْمَدِينَةِ ، فَكَاتَبَنِي ثَابِتٌ عَلَى مَا لَا طَاقَةَ لِي بِهِ وَلَا يَدَانِ وَمَا أَكْرَهَنِي عَلَى ذَلِكَ إلّا أَنّي رَجَوْتُك صَلّى اللّهُ عَلَيْك فَأَعِنّي فِي مُكَاتَبَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوَخَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَتْ مَا هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أُؤَدّي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوّجُك . قَالَتْ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ فَعَلْت فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى ثَابِتٍ فَطَلَبَهَا مِنْهُ فَقَالَ ثَابِتٌ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي وَأُمّي . فَأَدّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا ، وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا . وَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النّاسِ وَرِجَالُ بَنِي الْمُصْطَلِق ِ قَدْ اُقْتُسِمُوا وَمُلِكُوا وَوُطِئَ نِسَاؤُهُمْ فَقَالُوا : أَصْهَارُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْتَقُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ السّبْيِ . قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : فَأَعْتَقَ مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ بِتَزْوِيجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهَا ، فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا
فَحَدّثَنِي حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ [ ص 412 ] قَالَتْ جُوَيْرِيَةُ : رَأَيْت قَبْلَ قُدُومِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ كَأَنّ الْقَمَرَ يَسِيرُ مِنْ يَثْرِبَ حَتّى وَقَعَ فِي حِجْرِي ، فَكَرِهْت أَنْ أُخْبِرَهَا أَحَدًا مِنْ النّاسِ حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا سُبِينَا رَجَوْت الرّؤْيَا ، فَلَمّا أَعْتَقَنِي وَتَزَوّجَنِي وَاَللّهِ مَا كَلّمْته فِي قَوْمِي حَتّى كَانَ الْمُسْلِمُونَ هُمْ الّذِينَ أَرْسَلُوهُمْ وَمَا شَعَرْت إلّا بِجَارِيَةٍ مِنْ بَنَاتِ عَمّي تُخْبِرُنِي الْخَبَرَ ، فَحَمِدْت اللّهَ عَزّ وَجَل
وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، وَيُقَالُ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا .
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ قَالَ كَانَ السّبْيُ مِنْهُمْ مَنْ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِغَيْرِ فِدَاءٍ وَمِنْهُمْ مَنْ اُفْتُدِيَ وَذَلِك بَعْدَ مَا صَارَ السّبْيُ فِي أَيْدِي الرّجَالِ فَافْتُدِيَتْ الْمَرْأَةُ وَالذّرّيّةُ بِسِتّ فَرَائِضَ . وَكَانُوا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ بِبَعْضِ السّبْيِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ أَهْلُوهُمْ فَافْتَدَوْهُمْ فَلَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِق ِ إلّا رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا . . وَهَذَا الثّبْتُ .
فَحَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ قَدِمَ الْوَفْدُ الْمَدِينَةَ فَافْتَدَوْا السّبْيَ بَعْدَ السّهْمَانِ .








(1/409)






وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي الْأَبْيَضِ عَنْ جَدّتِهِ وَهِيَ مَوْلَاةُ جُوَيْرِيَةَ ، كَانَ عَالِمًا بِحَدِيثِهِمْ قَالَتْ سَمِعْت جُوَيْرِيَةَ تَقُولُ افْتَدَانِي أَبِي مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ بِمَا اُفْتُدِيَ بِهِ امْرَأَةٌ مِنْ السّبْيِ ثُمّ خَطَبَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِي فَأَنْكَحَنِي . قَالَتْ وَكَانَ اسْمُهَا بَرّ فَسَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جُوَيْرِيَةَ ، وَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ « خَرَجَ مِنْ بَيْتِ بَرّةَ »
قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَأَثْبَتُ ( مِنْ ) هَذَا عِنْدَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَضَى عَنْهَا كِتَابَتَهَا وَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا
[ ص 413 ] وَحَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَقْسِمُ لَهَا كَمَا كَانَ يَقْسِمُ لِنِسَائِهِ وَضَرَبَ عَلَيْهَا الْحِجَابَ
وَحَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ ، عَنْ أَبِي مُحَيْرِيزٍ وَأَبِي ضَمْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبَايَا ، وَبِنَا شَهْوَةُ النّسَاءِ وَاشْتَدّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا الْعَزْلَ فَقُلْنَا : نَعْزِلُ . وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ مَا عَلَيْكُمْ أَلّا تَفْعَلُوا ، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا هِيَ كَائِنَةٌ
وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ يَقُولُ فَقَدِمَ عَلَيْنَا وُفُودُهُمْ فَافْتَدَوْا الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ وَرَجَعُوا بِهِنّ إلَى بِلَادِهِمْ وَخُيّرَ مَنْ خُيّرَ مِنْهُنّ أَنْ تُقِيمَ عِنْدَ مَنْ صَارَتْ فِي سَهْمِهِ فَأَبَيْنَ إلّا الرّجُوعَ .
قَالَ الضّحّاكُ : فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ أَبَا النّضْرِ فَقَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَخَرَجْت بِجَارِيَةٍ لِي أَبَيْعُهَا فِي السّوقِ فَقَالَ لِي : يَا أَبَا سَعِيدٍ لَعَلّك تُرِيدُ بَيْعَهَا وَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ قَالَ فَقُلْت كَلّا ، إنّي كُنْت أَعْزِلُ عَنْهَا . فَقَالَ تِلْكَ الْمَوْءُودَةُ الصّغْرَى . قَالَ فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته ذَلِكَ فَقَالَ كَذَبَتْ الْيَهُودُ كَذَبَتْ الْيَهُودُ [ ص 414 ]








(1/413)

ذِكْرُ مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ ابْنِ أُبَيّ قَالُوا [ ص 415 ] فَبَيْنَا الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَاءِ الْمُرَيْسِيعِ قَدْ انْقَطَعَتْ الْحَرْبُ وَهُوَ مَاءٌ ظَنُونٌ . إنّمَا يَخْرُجُ فِي الدّلْوِ نِصْفُهُ أَقْبَلَ سِنَانُ بْنُ وَبَرٍ الْجُهَنِيّ - وَهُوَ حَلِيفٌ فِي بَنِي سَالِمٍ - وَمَعَهُ فَتَيَانِ مِنْ بَنِي سَالِمٍ يَسْتَقُونَ فَيَجِدُونَ عَلَى الْمَاءِ جَمْعًا مِنْ الْعَسْكَرِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَكَانَ جَهْجَا بْنُ سَعِيدٍ الْغِفَارِيّ أَجِيرًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَأَدْلَى سِنَانٌ وَأَدْلَى جَهْجَا دَلْوَهُ وَكَانَ جَهْجَا أَقْرَبَ السّقَاءِ إلَى سِنَانِ بْنِ وَبَرٍ فَالْتَبَسَتْ دَلْوُ سِنَانٍ وَدَلْوُ جَهْجَا ، فَخَرَجَتْ إحْدَى الدّلْوَيْنِ وَهِيَ دَلْوُ سِنَانِ بْنِ وَبَرٍ . قَالَ سِنَانٌ فَقُلْت : دَلْوِي . فَقَالَ جَهْجَا : وَاَللّهِ مَا هِيَ إلّا دَلْوِي . فَتَنَازَعَا إلَى أَنْ رَفَعَ جَهْجَا يَدَهُ فَضَرَبَ سِنَانًا فَسَالَ الدّمُ فَنَادَى : يَا آلَ خَزْرَجٍ وَثَارَتْ الرّجَالُ . قَالَ سِنَانٌ وَأَعْجَزَنِي جَهْجَا هَرَبًا وَأَعْجَزَ أَصْحَابِي ، وَجَعَلَ يُنَادِي فِي الْعَسْكَرِ يَا آلَ قُرَيْشٍ يَا آلَ كِنَانَةَ فَأَقْبَلَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ سِرَاعًا . قَالَ سِنَانٌ فَلَمّا رَأَيْت مَا رَأَيْت نَادَيْت بِالْأَنْصَارِ . قَالَ فَأَقْبَلَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ، وَشَهَرُوا السّلَاحَ حَتّى خَشِيت أَنْ تَكُونَ فِتْنَةٌ عَظِيمَةٌ حَتّى جَاءَنِي نَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ يَقُولُونَ اُتْرُكْ حَقّك
[ قَالَ سِنَانٌ ] : وَإِذَا ضَرَبْته لَمْ يَضْرُرْنِي شَيْئًا . قَالَ سِنَانٌ فَجَعَلْت لَا أَسْتَطِيعُ أَفْتَاتُ عَلَى حُلَفَائِي بِالْعَفْوِ لِكَلَامِ الْمُهَاجِرِينَ ، وَقَوْمِي يَأْبَوْنَ أَنْ [ ص 416 ] أَعْفُو إلّا بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْ أَقْتَصّ مِنْ جَهْجَا . ثُمّ إنّ الْمُهَاجِرِينَ كَلّمُوا حُلَفَائِي ، فَكَلّمُوا عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ وَنَاسًا مِنْ حُلَفَائِي ، فَكَلّمَنِي حُلَفَائِي فَتَرَكْت ذَلِكَ وَلَمْ أَرْفَعْهُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَكَانَ ابْنُ أُبَيّ جَالِسًا فِي عَشَرَةٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ ابْنُ أُبَيّ ، وَمَالِكٌ وَدَاعِسٌ وَسُوَيْدٌ ، وَأَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ ، وَزَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ نَبْتَلَ - وَفِي الْقَوْمِ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ غُلَامٌ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ قَدْ بَلَغَ - فَبَلَغَهُ صِيَاحُ جَهْجَا : يَا آلَ قُرَيْشٍ فَغَضِبَ ابْنُ أُبَيّ غَضَبًا شَدِيدًا ، وَكَانَ مِمّا ظَهَرَ مِنْ كَلَامِهِ وَسَمِعَ مِنْهُ أَنْ قَالَ وَاَللّهِ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ مَذَلّةً وَاَللّهِ إنْ كُنْت لَكَارِهًا لِوَجْهِي هَذَا وَلَكِنْ قَوْمِي غَلَبُونِي قَدْ فَعَلُوهَا ، قَدْ نَافَرُونَا وَكَاثَرُونَا فِي بَلَدِنَا ، وَأَنْكَرُوا مِنّتَنَا . وَاَللّهِ مَا صِرْنَا وَجَلَابِيبُ قُرَيْشٍ هَذِهِ إلّا كَمَا قَالَ الْقَائِلُ « سَمّنْ كَلْبَك يَأْكُلْك » . وَاَللّهِ لَقَدْ ظَنَنْت أَنّي سَأَمُوتُ قَبْلَ أَنْ أَسْمَعَ هَاتِفًا يَهْتِفُ بِمَا هَتَفَ بِهِ جَهْجَا وَأَنَا حَاضِرٌ لَا يَكُونُ لِذَلِكَ مِنّي غِيَرٌ . وَاَللّهِ لَئِنْ رَجَعْنَا إلَى الْمَدِينَة ِ لَيُخْرِجَن الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ حَضَرَ مِنْ قَوْمِهِ فَقَالَ هَذَا مَا فَعَلْتُمْ بِأَنْفُسِكُمْ أَحْلَلْتُمُوهُمْ بِلَادَكُمْ فَنَزَلُوا مَنَازِلَكُمْ وَآسَيْتُمُوهُمْ فِي أَمْوَالِكُمْ حَتّى اسْتَغْنَوْا أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَمْسَكْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ لَتَحَوّلُوا إلَى غَيْرِ بِلَادِكُمْ ثُمّ لَمْ يَرْضَوْا بِمَا فَعَلْتُمْ حَتّى جَعَلْتُمْ أَنَفْسَكُمْ أَغْرَاضًا لِلْمَنَايَا ، فَقَتَلْتُمْ دُونَهُ فَأَيْتَمْتُمْ [ ص 417 ] أَوْلَادَكُمْ وَقَلَلْتُمْ وَكَثُرُوا . فَقَامَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ كُلّهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَجِدُ عِنْدَهُ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - أَبَا بَكْرٍ ، وَعُثْمَانَ ، وَسَعْدًا ، وَمُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَأَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ وَعَبّادَ بْنَ بِشْرٍ - فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ . فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرَهُ وَتَغَيّرَ وَجْهَهُ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا غُلَامُ لَعَلّك غَضِبْت عَلَيْهِ قَالَ لَا وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْته مِنْهُ . قَالَ لَعَلّهُ أَخْطَأَ سَمْعُك قَالَ لَا يَا نَبِيّ اللّهِ قَالَ لَعَلّهُ شُبّهَ عَلَيْك قَالَ لَا وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْته مِنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ وَشَاعَ فِي الْعَسْكَرِ مَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ ، وَلَيْسَ لِلنّاسِ حَدِيثٌ إلّا مَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ ، وَجَعَلَ الرّهْطُ مِنْ الْأَنْصَارِ يُؤَنّبُونَ الْغُلَامَ وَيَقُولُونَ عَمَدْت إلَى سَيّدِ قَوْمِك تَقُولُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ وَقَدْ ظَلَمْت وَقَطَعْت الرّحِمَ فَقَالَ زَيْدٌ وَاَللّهِ لَقَدْ سَمِعْت مِنْهُ قَالَ وَوَاللّهِ مَا كَانَ فِي الْخَزْرَجِ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَحَبّ إلَيّ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ، وَاَللّهِ لَوْ سَمِعْت هَذِهِ الْمَقَالَةَ مِنْ أَبِي لَنَقَلْتهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّي لَأَرْجُو أَنْ يُنْزِلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيّهِ حَتّى يَعْلَمُوا أَنَا كَاذِبٌ أَمْ غَيْرِي ، أَوْ يَرَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَصْدِيقَ قَوْلِي . وَجَعَلَ زَيْدٌ يَقُولُ اللّهُمّ أَنْزِلْ عَلَى نَبِيّك مَا يُصَدّقُ حَدِيثِي فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللّهِ مُرْ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ فَلْيَأْتِك بِرَأْسِهِ . فَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَيُقَالُ قَالَ قُلْ لِمُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ يَأْتِك بِرَأْسِهِ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ لَا يَتَحَدّثُ النّاسُ أَنّ مُحَمّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ وَقَامَ النّفَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ الّذِينَ سَمِعُوا قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَدّهُ عَلَى الْغُلَامِ فَجَاءُوا إلَى ابْنِ أُبَيّ فَأَخْبَرُوهُ وَقَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ يَا أَبَا الْحُبَابِ إنْ كُنْت قُلْته [ ص 418 ] فَأَخْبِرْ النّبِيّ يَسْتَغْفِرْ لَك ، وَلَا تَجْحَدْهُ فَيَنْزِلَ مَا يُكَذّبُك . وَإِنْ كُنْت لَمْ تَقُلْهُ فَأْتِ رَسُولَ اللّهِ فَاعْتَذِرْ إلَيْهِ وَاحْلِفْ لِرَسُولِ اللّهِ مَا قُلْته . فَحَلَفَ بِاَللّهِ الْعَظِيمِ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا . ثُمّ إنّ ابْنَ أُبَيّ أَتَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا ابْنَ أُبَيّ ، إنْ كَانَتْ سَلَفَتْ مِنْك مَقَالَةٌ فَتُبْ . فَجَعَلَ يَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا قُلْت مَا قَالَ زَيْدٌ وَلَا تَكَلّمْت بِهِ وَكَانَ فِي قَوْمِهِ شَرِيفًا ، فَكَانَ يُظَنّ أَنّهُ قَدْ صَدَقَ وَكَانَ يُظَنّ بِهِ سُوءُ الظّنّ .
فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، قَالَ لَمّا كَانَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ أُبَيّ مَا كَانَ أَسْرَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْرَ وَأَسْرَعْت مَعَهُ وَكَانَ مَعِي أَجِيرٌ اسْتَأْجَرْته يَقُومُ عَلَى فَرَسِي ، فَاحْتَبَسَ عَلَيّ فَوَقَفْت لَهُ عَلَى الطّرِيقِ أَنْتَظِرُهُ حَتّى جَاءَ فَلَمّا جَاءَ وَرَأَى مَا بِي مِنْ الْغَضَبِ أَشْفَقَ أَنْ أَقَعَ بِهِ فَقَالَ أَيّهَا الرّجُلُ عَلَى رِسْلِك ، فَإِنّهُ قَدْ كَانَ فِي النّاسِ أَمْرٌ مِنْ بَعْدِك ، فَحَدّثْنِي بِمَقَالَةِ ابْنِ أُبَيّ . قَالَ عُمَرُ فَأَقْبَلْت حَتّى جِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي فَيْءِ شَجَرَةٍ عِنْدَهُ غُلَيْمٌ أُسَيْوِدُ يَغْمِزُ ظَهْرَهُ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ كَأَنّك تَشْتَكِي ظَهْرَك . فَقَالَ تَقَحّمَتْ بِي النّاقَةُ اللّيْلَةَ . فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إِيذَنْ لِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَ ابْنِ أُبَيّ فِي مَقَالَتِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوَكُنْت فَاعِلًا ؟ قَالَ نَعَمْ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذًا لَأُرْعِدَتْ لَهُ آنُفٌ بِيَثْرِبَ كَثِيرَةٌ لَوْ أَمَرْتهمْ بِقَتْلِهِ قَتَلُوهُ . قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ فَمُرْ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَقْتُلُهُ . قَالَ لَا يَتَحَدّثُ النّاسُ أَنّ مُحَمّدًا قَتَلَ أَصْحَابَهُ قَالَ فَقُلْت : فَمُرْ النّاسَ بِالرّحِيلِ . قَالَ نَعَمْ . فَأَذّنْت بِالرّحِيلِ فِي النّاسِ .
[ ص 419 ] وَيُقَالُ لَمْ يَشْعُرْ أَهْلُ الْعَسْكَرِ إلّا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ طَلَعَ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ وَكَانُوا فِي حَرّ شَدِيدٍ وَكَانَ لَا يَرُوحُ حَتّى يُبْرِدَ إلّا أَنّهُ لَمّا جَاءَهُ خَبَرُ ابْنِ أُبَيّ رَحَلَ فِي تِلْكَ السّاعَةِ . فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْك أَيّهَا النّبِيّ وَرَحْمَةُ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَيْك السّلَامُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ رَحَلْت فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْت تَرْحَلُ فِيهَا وَيُقَالُ لَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ - قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَهُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ خَرَجْت فِي سَاعَةٍ مُنْكَرَةٍ مَا كُنْت تَرُوحُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوَلَمْ يَبْلُغْكُمْ مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ ؟ قَالَ أَيّ صَاحِبٍ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ ابْنُ أُبَيّ ، زَعَمَ أَنّهُ إنْ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ أَخْرَجَ الْأَعَزّ مِنْهَا الْأَذَلّ قَالَ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ تُخْرِجُهُ إنْ شِئْت ، فَهُوَ الْأَذَلّ وَأَنْتَ الْأَعَزّ ، وَالْعِزّةُ لِلّهِ وَلَك وَلِلْمُؤْمِنِينَ . ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَ اللّهُ بِك ، وَإِنّ قَوْمَهُ لَيُنَظّمُونَ لَهُ الْخَرَزَ مَا بَقِيَتْ عَلَيْهِمْ إلّا خَرَزَةٌ وَاحِدَةٌ عِنْدَ يُوشَعَ الْيَهُودِيّ قَدْ أَرّبَ بِهِمْ فِيهَا لِمَعْرِفَتِهِ بِحَاجَتِهِمْ إلَيْهَا لِيُتَوّجُوهُ فَجَاءَ اللّهُ بِك عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَمَا يَرَى إلّا قَدْ سَلَبَتْهُ مُلْكَهُ .
قَالَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسِيرُ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُعَارِضُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرَاحِلَتِهِ يُرِيهِ وَجْهَهُ فِي الْمَسِيرِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَحِثّ رَاحِلَتَهُ فَهُوَ مُغِذّ فِي السّيْرِ إذْ نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ . قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَمَا هُوَ إلّا أَنْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَأْخُذُهُ الْبُرَحَاءُ وَيَعْرَقُ جَبِينُهُ وَتَثْقُلُ يَدَا رَاحِلَتِهِ حَتّى مَا كَادَ يَنْقُلُهَا ، عَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُوحَى إلَيْهِ وَرَجَوْت أَنْ يَكُونَ يَنْزِلُ [ ص 420 ] عَلَيْهِ تَصْدِيقُ خَبَرِي . قَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَسُرّيَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَ بِأُذُنِي وَأَنَا عَلَى رَاحِلَتِي حَتّى ارْتَفَعْت مِنْ مَقْعَدِي وَيَرْفَعُهَا إلَى السّمَاءِ وَهُوَ يَقُولُ وَفَتْ أُذُنُك يَا غُلَامُ وَصَدّقَ اللّهُ حَدِيثَك وَنَزَلَ فِي ابْنِ أُبَيّ السّورَةُ مِنْ أَوّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَحْدَهُ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ
فَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ الْهُرَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، قَالَ سَمِعْت عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ لِابْنِ أُبَيّ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ إِيتِ رَسُولَ اللّهِ يَسْتَغْفِرْ لَك . قَالَ فَرَأَيْته يَلْوِي رَأْسَهُ مُعْرِضًا . يَقُولُ عُبَادَةُ أَمَا وَاَللّهِ لَيُنْزِلَن فِي لَيّ رَأْسِك قُرْآنٌ يُصَلّى بِهِ .








(1/415)

وَحَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِيّ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ مَرّ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ عَشِيّةَ رَاحَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُرَيْسِيعِ ، وَقَدْ نَزَلَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ فَلَمْ يُسَلّمْ عَلَيْهِ ثُمّ مَرّ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ فَلَمْ يُسَلّمْ عَلَيْهِ فَقَالَ ابْنُ أُبَيّ : إنّ هَذَا الْأَمْرَ قَدْ تَمَالَأْتُمَا عَلَيْهِ . فَرَجَعَا إلَيْهِ فَأَنّبَاهُ وَبَكَتَاهُ بِمَا صَنَعَ وَبِمَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ إكْذَابًا لِحَدِيثِهِ وَجَعَلَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ يَقُولُ لَا أَكَذِبُ عَنْك أَبَدًا حَتّى أَعْلَمَ أَنْ قَدْ تَرَكْت مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَتُبْت إلَى اللّهِ إنّا أَقْبَلْنَا عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ نَلُومُهُ وَنَقُولُ لَهُ « كَذَبْت عَلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِك » حَتّى نَزَلَ الْقُرْآنُ بِتَصْدِيقِ حَدِيثِ زَيْدٍ وَإِكْذَابِ حَدِيثِك . وَجَعَلَ ابْنُ أُبَيّ يَقُولُ لَا أَعُودُ أَبَدًا وَبَلَغَ ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ مَقَالَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ « مُرْ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ يَأْتِك بِرَأْسِهِ » فَجَاءَ إلَى النّبِيّ [ ص 421 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كُنْت تُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَ أَبِي فِيمَا بَلَغَك عَنْهُ فَمُرْنِي ، فَوَاَللّهِ لِأَحْمِلَن إلَيْك رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَجْلِسِك هَذَا . وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمَتْ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ فِيهَا رَجُلٌ أَبَرّ بِوَالِدٍ مِنّي ، وَمَا أَكَلَ طَعَامًا مُنْذُ كَذَا وَكَذَا مِنْ الدّهْرِ وَلَا يَشْرَبُ شَرَابًا إلّا بِيَدِي ، وَإِنّي لَأَخْشَى يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ تَأْمُرَ غَيْرِي فَيَقْتُلَهُ فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ أَبِي يَمْشِي فِي النّاسِ فَأَقْتُلُهُ فَأَدْخُلُ النّارَ وَعَفْوُك أَفْضَلُ وَمَنّك أَعْظَمُ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا عَبْدَ اللّهِ مَا أَرَدْت قَتْلَهُ وَمَا أَمَرْت بِهِ وَلَنُحْسِنَنّ صُحْبَتَهُ مَا كَانَ بَيْنَ أَظْهُرِنَا . فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبِي كَانَتْ هَذِهِ الْبَحْرَةُ قَدْ اتّسَقُوا عَلَيْهِ لِيُتَوّجُوهُ عَلَيْهِمْ فَجَاءَ اللّهُ بِك ، فَوَضَعَهُ اللّهُ وَرَفَعَنَا بِك ، وَمَعَهُ قَوْمٌ يُطِيفُونَ بِهِ وَيَذْكُرُونَ أُمُورًا قَدْ غَلَبَ اللّهُ عَلَيْهَا . قَالَ فَلَمّا انْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَرَفَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَرَكَهُ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِقَتْلِهِ قَالَ [ ص 422 ]
أَلَاإنّمَا الدّنْيَا حَوَادِثُ تُنْتَظَرْ

وَمِنْ أَعْجَبِ الْأَحْدَاثِ مَا قَالَهُ عُمَرْ
يُشِيرُ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ الْوَحْيُ هَكَذَا

وَلَمْ يَسْتَشِرْهُ بِاَلّتِي تَحْلِقُ الشّعَرْ
وَلَوْ كَانَ لِلْخَطّابِ ذَنْبٌ كَذَنْبِهِ

فَقُلْت لَهُ مَا قَالَ فِي وَالِدِي كَشَرْ
غَدَاةَ يَقُولُ ابْعَثْ إلَيْهِ مُحَمّدًا

لِيَقْتُلَهُ بِئْسَ لَعَمْرُك مَا أَمَرْ
فَقُلْت رَسُولَ اللّهِ إنْ كُنْت فَاعِلًا

كَفَيْتُك عَبْدَ اللّهِ لَمْحَكَ بِالْبَصَرِ
تُسَاعِدُنِي كَفّ وَنَفْسٌ سَخِيّةٌ

وَقَلْبٌ عَلَى الْبَلْوَى أَشَدّ مِنْ الْحَجَرْ
وَفِي ذَاكَ مَا فِيهِ وَالْأُخْرَى غَضَاضَة

وَفِي الْعَيْنِ مِنّي نَحْوَ صَاحِبِهَا عَوَرْ
فَقَالَ أَلَا لَا يَقْتُلُ الْمَرْءُ طَائِعًا

أَبَاهُ وَقَدْ كَادَتْ تَطِيرُ بِهَا مُضَرْ
أَنْشَدَنِيهَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مُصْعَبِ بْنِ إسْمَاعِيلَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ أَخَذْتهَا فِي الْكِتَابِ . وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ . فَحَدّثَنِي عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ الْهُرَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، قَالَ لَمّا رُحْنَا مِنْ الْمُرَيْسِيعِ قَبْلَ الزّوَالِ كَانَ الْجَهْدُ بِنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا ، مَا أَنَاخَ مِنّا رَجُلٌ إلّا لِحَاجَتِهِ أَوْ لِصَلَاةٍ يُصَلّيهَا . وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَحِثّ رَاحِلَتَهُ وَيَخْلُفُ بِالسّوْطِ فِي مَرَاقّهَا حَتّى أَصْبَحْنَا ، وَمَدَدْنَا يَوْمَنَا حَتّى انْتَصَفَ النّهَارُ أَوْ كَرَبَ وَلَقَدْ رَاحَ النّاسُ وَهُمْ يَتَحَدّثُونَ بِمَقَالَةِ ابْنِ أُبَيّ وَمَا كَانَ مِنْهُ فَمَا هُوَ إلّا أَنْ أَخَذَهُمْ السّهَرُ وَالتّعَبُ بِالْمَسِيرِ فَمَا نَزَلُوا حَتّى مَا يُسْمَعُ لِقَوْلِ ابْنِ أُبَيّ فِي أَفْوَاهِهِمْ - يَعْنِي ذِكْرًا . وَإِنّمَا أَسْرَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ لِيَدْعُوَا حَدِيثَ ابْنِ أُبَيّ ، فَلَمّا نَزَلُوا وَجَدُوا مَسّ الْأَرْضِ فَوَقَعُوا نِيَامًا . ثُمّ رَاحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ مُبْرِدًا ، فَنَزَلَ مِنْ الْغَدِ مَاءٌ يُقَالُ لَهُ بَقْعَاءُ فَوْقَ النّقِيعِ ، وَسَرّحَ النّاسُ ظَهْرَهُمْ فَأَخَذَتْهُمْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ حَتّى أَشْفَقَ النّاسُ مِنْهَا ، وَسَأَلُوا عَنْهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ خَالَفَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَقَالُوا : لَمْ تَهِجْ هَذِهِ الرّيحُ إلّا مِنْ حَدَثٍ وَإِنّمَا بِالْمَدِينَةِ الذّرَارِيّ وَالصّبْيَانُ . وَكَانَتْ بَيْنَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ عُيَيْنَةَ مُدّةٌ فَكَانَ ذَلِكَ حِينَ انْقِضَائِهَا فَدَخَلَهُمْ أَشَدّ الْخَوْفِ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَوْفُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ بَأْسٌ مِنْهَا ، مَا بِالْمَدِينَةِ مِنْ نَقْبٍ إلّا عَلَيْهِ مَلَكٌ يَحْرُسُهُ وَمَا كَانَ لِيَدْخُلَهَا عَدُوّ حَتّى تَأْتُوهَا ; وَلَكِنّهُ مَاتَ الْيَوْمَ [ ص 423 ] مُنَافِقٌ عَظِيمُ النّفَاقِ بِالْمَدِينَةِ ، فَلِذَلِكَ عَصَفَتْ الرّيحُ . وَكَانَ مَوْتُهُ لِلْمُنَافِقِينَ غَيْظًا شَدِيدًا ، وَهُوَ زَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ التّابُوتِ مَاتَ ذَلِكَ الْيَوْمَ .
فَحَدّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ كَانَتْ الرّيحُ يَوْمَئِذٍ أَشَدّ مَا كَانَتْ قَطّ إلَى أَنْ زَالَتْ الشّمْسُ ثُمّ سَكَنَتْ آخِرَ النّهَارِ . قَالَ جَابِرٌ فَسَأَلْت حِينَ قَدِمْت قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ بَيْتِي : مَنْ مَاتَ ؟ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ التّابُوتِ . وَذَكَرَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ أَنّهُمْ وَجَدُوا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ شِدّةِ الرّيحِ حَتّى دُفِنَ عَدُوّ اللّهِ فَسَكَنَتْ الرّيحُ .
وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ يَوْمَئِذٍ لَابْنِ أُبَيّ أَبَا حُبَابٍ مَاتَ خَلِيلُك قَالَ أَيّ أَخِلّائِي ؟ قَالَ مَنْ مَوْتُهُ فَتْحٌ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ . قَالَ مَنْ ؟ قَالَ زَيْدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ التّابُوتِ . قَالَ يَا وَيْلَاه ، كَانَ وَاَللّهِ وَكَانَ فَجَعَلَ يَذْكُرُ فَقُلْت : اعْتَصَمْت بِالذّنْبِ الْأَبْتَرِ . قَالَ مَنْ أَخْبَرَك يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِمَوْتِهِ ؟ قُلْت : رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرَنَا السّاعَةَ أَنّهُ مَاتَ هَذِهِ السّاعَةَ . قَالَ فَأُسْقِطَ فِي يَدَيْهِ وَانْصَرَفَ كَئِيبًا حَزِينًا . قَالُوا : وَسَكَنَتْ الرّيحُ آخِرَ النّهَارِ فَجَمَعَ النّاسُ ظُهُورَهُمْ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ رُومَانَ وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَا : وَفُقِدَتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَصْوَاءُ مِنْ بَيْنِ الْإِبِلِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَطْلُبُونَهَا فِي كُلّ وَجْهٍ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ - وَكَانَ مُنَافِقًا وَهُوَ فِي رِفْقَةٍ قَوْمٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، مِنْهُمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقَشٍ ، وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ - فَقَالَ أَيْنَ يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ فِي كُلّ وَجْهٍ ؟ قَالُوا : يَطْلُبُونَ نَاقَةَ رَسُولِ اللّهِ [ ص 424 ] قَدْ ضَلّتْ . قَالَ أَفَلَا يُخْبِرُهُ اللّهُ بِمَكَانِ نَاقَتِهِ ؟ فَأَنْكَرَ الْقَوْمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَقَالُوا : قَاتَلَك اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ نَافَقْت ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْلَا أَنّي لَا أَدْرِي مَا يُوَافِقُ رَسُولُ اللّهِ مِنْ ذَلِكَ لَأَنْفَذْتُ خُصْيَتَك بِالرّمْحِ يَا عَدُوّ اللّهِ فَلِمَ خَرَجْت مَعَنَا وَهَذَا فِي نَفْسِك ؟ قَالَ خَرَجْت لِأَطْلُبَ مِنْ عَرَضِ الدّنْيَا ، وَلَعَمْرِي إنّ مُحَمّدًا لَيُخْبِرُنَا بِأَعْظَمَ مِنْ شَأْنِ النّاقَةِ يُخْبِرُنَا عَنْ أَمْرِ السّمَاءِ . فَوَقَعُوا بِهِ جَمِيعًا وَقَالُوا : وَاَللّهِ لَا يَكُونُ مِنْك سَبِيلٌ أَبَدًا وَلَا يُظِلّنَا وَإِيّاكَ ظِلّ أَبَدًا ، وَلَوْ عَلِمْنَا مَا فِي نَفْسِك مَا صَحِبْتنَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ . ثُمّ وَثَبَ هَارِبًا مُنْهَزِمًا مِنْهُمْ أَنْ يَقَعُوا بِهِ وَنَبَذُوا مَتَاعَهُ فَعَمَدَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ مَعَهُ فِرَارًا مِنْ أَصْحَابِهِ مُتَعَوّذًا بِهِ . وَقَدْ جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرُ مَا قَالَ مِنْ السّمَاءِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُنَافِقُ يَسْمَعُ إنّ رَجُلًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ شَمِتَ أَنْ ضَلّتْ نَاقَةُ رَسُولِ اللّهِ وَقَالَ « أَلَا يُخْبِرُهُ اللّهُ بِمَكَانِهَا ؟ فَلَعَمْرِي إنّ مُحَمّدًا لَيُخْبِرُنَا بِأَعْظَمَ مِنْ شَأْنِ النّاقَةِ » وَلَا يَعْلَمُ الْغَيْبَ إلّا اللّهُ وَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَنِي بِمَكَانِهَا ، وَإِنّهَا فِي هَذَا الشّعْبِ مُقَابِلَكُمْ قَدْ تَعَلّقَ زِمَامُهَا بِشَجَرَةٍ فَاعْمِدُوا عَمْدَهَا . فَذَهَبُوا فَأَتَوْا بِهَا مِنْ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا نَظَرَ الْمُنَافِقُ إلَيْهَا قَامَ سَرِيعًا إلَى رُفَقَائِهِ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ . فَإِذَا رَحْلُهُ مَنْبُوذٌ وَإِذَا هُمْ جُلُوسٌ لَمْ يَقُمْ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ . فَقَالُوا لَهُ حِينَ دَنَا : لَا تَدْنُ مِنّا قَالَ أُكَلّمُكُمْ فَدَنَا فَقَالَ أُذَكّرُكُمْ بِاَللّهِ . هَلْ أَتَى أَحَدٌ مِنْكُمْ مُحَمّدًا فَأَخْبَرَهُ بِاَلّذِي قُلْت ؟ قَالُوا : لَا وَاَللّهِ وَلَا قُمْنَا مِنْ مَجْلِسِنَا هَذَا . قَالَ فَإِنّي قَدْ وَجَدْت عِنْدَ الْقَوْمِ مَا تَكَلّمَتْ بِهِ . وَتَكَلّمَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْبَرَهُمْ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 425 ] وَإِنّهُ قَدْ أُتِيَ بِنَاقَتِهِ وَإِنّي قَدْ كُنْت فِي شَكّ مِنْ شَأْنِ مُحَمّدٍ فَأَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي لَمْ أُسْلِمْ إلّا الْيَوْمَ . قَالُوا لَهُ فَاذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللّهِ يَسْتَغْفِرْ لَك . فَذَهَبَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ وَاعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ . وَيُقَالُ إنّهُ لَمْ يَزَلْ فَسْلًا حَتّى مَاتَ وَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ .








(1/421)

وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ شَدّادٍ قَالَ لَمّا مَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّقِيعِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ الْمُرَيْسِيعِ وَرَأَى سَعَةً وَكَلَأً وَغُدُرًا كَثِيرَةً تَتَنَاخَسُ وَخُبّرَ بِمَرَاءَتِهِ وَبَرَاءَتِهِ فَسَأَلَ عَنْ الْمَاءِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ إذَا صِفْنَا قُلْت الْمِيَاهُ وَذَهَبَتْ الْغُدُرُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا ، وَأَمَرَ بِالنّقِيعِ أَنْ يُحْمَى ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ ، فَقَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللّهِ وَكَمْ أَحَمْي مِنْهُ ؟ قَالَ أَقِمْ رَجُلًا صَيّتًا إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَى هَذَا الْجَبَلِ - يَعْنِي مُقْمِلًا - فَحَيْثُ انْتَهَى صَوْتُهُ فَاحْمِهِ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ وَإِبِلِهِمْ الّتِي يَغْزُونَ عَلَيْهَا . قَالَ بِلَالٌ يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَرَأَيْت مَا كَانَ مِنْ سَوَائِمِ الْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ لَا يَدْخُلُهَا . قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت الْمَرْأَةَ وَالرّجُلَ الضّعِيفَ تَكُونُ لَهُ الْمَاشِيَةُ الْيَسِيرَةُ وَهُوَ يَضْعُفُ عَنْ التّحَوّلِ ؟ قَالَ دَعْهُ يَرْعَى . فَلَمّا كَانَ زَمَانُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حَمَاهُ عَلَى مَا كَانَ رَسُولُ [ ص 426 ] اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمَاهُ ، ثُمّ كَانَ عُمَرُ فَكَثُرَتْ بِهِ الْخَيْلُ وَكَانَ عُثْمَانُ فَحَمَاهُ أَيْضًا . وَسَبّقَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ بَيْنَ الْخَيْلِ وَبَيْنَ الْإِبِلِ فَسَبَقَتْ الْقَصْوَاءُ الْإِبِلَ وَسَبَقَ فَرَسُهُ - وَكَانَ مَعَهُ فَرَسَانِ لِزَازٌ وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ الظّرِبُ - فَسَبَقَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الظّرِبِ وَكَانَ الّذِي سَبَقَ عَلَيْهِ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ وَاَلّذِي سَبَقَ عَلَى نَاقَتِهِ بِلَالٌ .








(1/426)

ذِكْرُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَأَصْحَابِ الْإِفْكِ حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبّادٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : حَدّثِينَا يَا أُمّهُ حَدِيثَك فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ . قَالَتْ يَا ابْنَ أَخِي ، إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ إذَا خَرَجَ فِي سَفَرٍ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيّتُهُنّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا ، وَكَانَ يُحِبّ أَلّا أُفَارِقَهُ فِي سَفَرٍ وَلَا حَضَرٍ . فَلَمّا أَرَادَ غَزْوَةَ الْمُرَيْسِيعِ أَقْرَعَ بَيْنَنَا فَخَرَجَ سَهْمِي وَسَهْمُ أُمّ سَلَمَةَ فَخَرَجْنَا مَعَهُ فَغَنّمَهُ اللّهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ ثُمّ انْصَرَفْنَا رَاجِعِينَ . فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْزِلًا لَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ وَلَمْ يَنْزِلْ عَلَى مَاءٍ . وَقَدْ سَقَطَ عِقْدٌ لِي مِنْ عُنُقِي ، فَأَخْبَرْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَامَ بِالنّاسِ حَتّى أَصْبَحُوا ; وَضَجّ النّاسُ وَتَكَلّمُوا وَقَالُوا : احْتَبَسَتْنَا عَائِشَةُ . وَأَتَى النّاسُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالُوا : أَلَا تَرَى إلَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ ؟ حَبَسَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالنّاسُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ . فَضَاقَ بِذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَجَاءَنِي مُغَيّظًا فَقَالَ أَلَا تَرَيْنَ مَا صَنَعَتْ بِالنّاسِ ؟ حَبَسْت رَسُولَ [ ص 427 ] اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالنّاسُ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي عِتَابًا شَدِيدًا وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي ، فَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التّحَرّكِ إلّا مَكَانُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي وَهُوَ نَائِمٌ . فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ تَنْزِلَ لَنَا رُخْصَةٌ وَنَزَلَتْ آيَةُ التّيَمّمِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَا يُصَلّونَ إلّا فِي بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ طَهُورًا حَيْثُمَا أَدْرَكَتْنِي الصّلَاةُ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ مَا هِيَ بِأَوّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ . قَالَتْ وَكَانَ أُسَيْدُ رَجُلًا صَالِحًا فِي بَيْتٍ مِنْ الْأَوْسِ عَظِيمٍ . ثُمّ إنّا سِرْنَا مَعَ الْعَسْكَرِ حَتّى إذَا نَزَلْنَا مَوْضِعًا دَمِثًا طَيّبًا ذَا أَرَاكٍ قَالَ يَا عَائِشَةُ هَلْ لَك فِي السّبَاقِ ؟ قُلْت : نَعَمْ . فَتَحَزّمْت بِثِيَابِي وَفَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ اسْتَبَقْنَا فَسَبَقَنِي ، فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ السّبْقَةِ الّتِي كُنْت سَبَقْتِينِي . وَكَانَ جَاءَ إلَى مَنْزِلِ أَبِي وَمَعِي شَيْءٌ فَقَالَ هَلُمّيهِ فَأَبَيْت فَسَعَيْت وَسَعَى عَلَى أَثَرِي فَسَبَقْته . وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ بَعْدَ أَنْ ضُرِبَ الْحِجَابُ .
قَالَتْ وَكَانَ النّسَاءُ إذْ ذَاكَ إلَى الْخِفّةِ هُنّ إنّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلَقَ مِنْ الطّعَامِ لَمْ يُهَيّجْنَ بِاللّحْمِ فَيَثْقُلْنَ . وَكَانَ اللّذَانِ يُرَحّلَانِ بَعِيرِي رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَوْهِبَةَ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَكَانَ الّذِي يَقُودُ بِي الْبَعِيرَ .
وَإِنّمَا كُنْت أَقْعُدُ فِي الْهَوْدَجِ فَيَأْتِي فَيَحْمِلُ الْهَوْدَجَ فَيَضَعُهُ عَلَى الْبَعِيرِ ثُمّ يَشُدّهُ بِالْحِبَالِ وَيَبْعَثُ بِالْبَعِيرِ وَيَأْخُذُ بِزِمَامِ الْبَعِيرِ فَيَقُودُ بِي الْبَعِيرَ .
[ ص 428 ] وَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ يُقَادُ بِهَا هَكَذَا ، فَكُنّا نَكُونُ حَاشِيَةً مِنْ النّاسِ يَذُبّ عَنّا مَنْ يَدْنُو مِنّا ، فَرُبّمَا سَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِي وَرُبّمَا سَارَ إلَى جَنْبِ أُمّ سَلَمَةَ . قَالَتْ فَلَمّا دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ نَزَلْنَا مَنْزِلًا فَبَاتَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْضَ اللّيْلِ ثُمّ ادّلَجَ وَأَذِنَ لِلنّاسِ بِالرّحِيلِ فَارْتَحَلَ الْعَسْكَرُ . وَذَهَبْت لِحَاجَتِي فَمَشَيْت حَتّى جَاوَزَتْ الْعَسْكَرَ وَفِي عُنُقِي عِقْدٌ لِي مِنْ جَزَعِ ظِفَارِ ، وَكَانَتْ أُمّي أَدْخَلَتْنِي فِيهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا قَضَيْت حَاجَتِي انْسَلّ مِنْ عُنُقِي فَلَا أَدْرِي بِهِ فَلَمّا رَجَعْت إلَى الرّحْلِ ذَهَبْت أَلْتَمِسُهُ فِي عُنُقِي فَلَمْ أَجِدْهُ وَإِذَا الْعَسْكَرُ قَدْ نَغَضُوا إلّا عِيرَاتٌ وَكُنْت أَظُنّ أَنّي لَوْ أَقَمْت شَهْرًا لَمْ يُبْعَثْ بَعِيرِي حَتّى أَكُونَ فِي هَوْدَجِي ، فَرَجَعْت فِي الْتِمَاسِهِ فَوَجَدْته فِي الْمَكَانِ الّذِي ظَنَنْت أَنّهُ فِيهِ فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ وَأَتَى الرّجُلَانِ خِلَافِي ، فَرَحّلُوا الْبَعِيرَ وَحَمَلُوا الْهَوْدَجَ وَهُمْ يَظُنّونَ أَنّي فِيهِ فَوَضَعُوهُ عَلَى الْبَعِيرِ وَلَا يَشُكّونَ أَنّي فِيهِ - وَكُنْت قَبْلُ لَا أَتَكَلّمُ إذْ أَكُونُ عَلَيْهِ فَلَمْ يُنْكِرُوا شَيْئًا - وَبَعَثُوا الْبَعِيرَ فَقَادُوا بِالزّمَامِ وَانْطَلَقُوا ، فَرَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ وَلَيْسَ فِيهِ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ وَلَا أَسْمَعُ صَوْتًا وَلَا زَجْرًا . قَالَتْ فَأَلْتَفِعُ بِثَوْبِي وَاضْطَجَعْت وَعَلِمْت أَنّي إنْ اُفْتُقِدْت رُجِعَ إلَيّ . قَالَتْ فَوَاَللّهِ إنّي لَمُضْطَجِعَةٌ فِي مَنْزِلِي ، قَدْ غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْت . وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ مُعَطّلٍ السّلَمِيّ ثُمّ الذّكْوَانِيّ عَلَى سَاقَةِ النّاسِ مِنْ وَرَائِهِمْ فَادّلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فِي عَمَايَةِ الصّبْحِ فَيَرَى سَوَادَ إنْسَانٍ فَأَتَانِي ، وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ الْحِجَابُ وَأَنَا مُتَلَفّعَةٌ فَأَثْبَتَنِي فَاسْتَيْقَظْت بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ [ ص 429 ] عَرَفَنِي . فَخَمّرْت وَجْهِي بِمِلْحَفَتِي ، فَوَاَللّهِ إنْ كَلّمَنِي كَلِمَةً غَيْرَ أَنّي سَمِعْت اسْتِرْجَاعَهُ حِينَ أَنَاخَ بَعِيرَهُ . ثُمّ وَطِئَ عَلَى يَدِهِ مُوَلّيًا عَنّي ، فَرَكِبْت عَلَى رَحْلِهِ وَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي حَتّى جِئْنَا الْعَسْكَرَ شَدّ الضّحَا ، فَارْتَعَجَ الْعَسْكَرُ وَقَالَ أَصْحَابُ الْإِفْكِ الّذِي قَالُوا - وَتَوَلّى كِبَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ - وَلَا أَشْعُرُ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ وَالنّاسُ يَخُوضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ . ثُمّ قَدِمْنَا فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ اشْتَكَيْت شَكْوَى شَدِيدَةً وَلَا يَبْلُغُنِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ وَقَدْ انْتَهَى ذَلِكَ إلَى أَبَوَيّ وَأَبَوَايَ لَا يَذْكُرَانِ لِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، إلّا أَنّي قَدْ أَنْكَرْت مِنْ رَسُول اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لُطْفَهُ بِي وَرَحْمَتَهُ فَلَا أَعْرِفُ مِنْهُ اللّطْفَ الّذِي كُنْت أَعْرِفُ حِينَ اشْتَكَيْت ، إنّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلّمُ فَيَقُولُ كَيْفَ تِيكُمْ ؟ فَكُنْت إذَا اشْتَكَيْت لَطَفَ بِي وَرَحِمَنِي وَجَلَسَ عِنْدِي . وَكُنّا قَوْمًا عَرَبًا لَا نَعْرِفُ الْوُضُوءَ فِي الْبُيُوتِ نَعَافُهَا وَنَقْذُرُهَا ، وَكُنّا نَخْرُجُ إلَى الْمَنَاصِعِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لِحَاجَتِنَا . فَذَهَبْت لَيْلَةً وَمَعِي أُمّ مِسْطَحٍ مُلْتَفِعَةً فِي مِرْطِهَا ، فَتَعَلّقَتْ بِهِ فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْت : بِئْسَ لَعَمْرُ اللّهِ مَا قُلْت ، تَقُولِينَ هَذَا لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ؟ فَقَالَتْ لِي مُجِيبَةً مَا تَدْرِينَ وَقَدْ سَالَ بِك السّيْلُ . قُلْت : مَاذَا تَقُولِينَ ؟ فَأَخْبَرَتْنِي قَوْلَ أَصْحَابِ الْإِفْكِ فَقَلّصَ ذَلِكَ مِنّي ، وَمَا قَدَرْت عَلَى أَنْ أَذْهَبَ لِحَاجَتِي ، وَزَادَنِي مَرَضًا عَلَى مَرَضِي ، فَمَا زِلْت أَبْكِي لَيْلِي وَيَوْمِي . قَالَتْ وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْت : ائْذَنْ لِي أَذْهَبُ إلَى أَبَوَيّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا . فَأَذِنَ لِي فَأَتَيْت أَبَوَيّ فَقُلْت لِأُمّي : يَغْفِرُ اللّهُ لَكِ تَحَدّثَ النّاسُ بِمَا تَحَدّثُوا بِهِ وَذَكَرُوا مَا ذَكَرُوا وَلَا تَذْكُرِينَ لِي مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَقَالَتْ يَا بُنَيّةُ خَفّضِي عَلَيْك الشّأْنَ فَوَاَللّهِ مَا كَانَتْ جَارِيَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إلّا كَثّرْنَ عَلَيْهَا الْقَالَةَ [ ص 430 ] وَكَثّرَ النّاسُ عَلَيْهَا . فَقُلْت : سُبْحَانَ اللّهِ وَقَدْ تَحَدّثَ النّاسُ بِهَذَا كُلّهِ ؟ قَالَتْ فَبَكَيْت تِلْكَ اللّيْلَةَ حَتّى أَصْبَحْت لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ .








(1/427)

قَالَتْ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا وَأُسَامَةَ فَاسْتَشَارَهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ .
قَالَتْ وَكَانَ أَحَدُ الرّجُلَيْنِ أَلْيَنَ قَوْلًا مِنْ الْآخَرِ . قَالَ أُسَامَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا الْبَاطِلُ وَالْكَذِبُ وَلَا نَعْلَمُ إلّا خَيْرًا ، وَإِنّ بَرِيرَةَ تَصْدُقُك . وَقَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يُضَيّقْ اللّهُ عَلَيْك ، النّسَاءُ كَثِيرٌ وَقَدْ أَحَلّ اللّهُ لَك وَأَطَابَ فَطَلّقْهَا وَانْكِحْ غَيْرَهَا . قَالَتْ فَانْصَرَفَا ، وَخَلَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَرِيرَةَ فَقَالَ يَا بَرِيرَةُ ، أَيّ امْرَأَةٍ تَعْلَمِينَ عَائِشَةَ ؟ قَالَتْ هِيَ أَطْيَبُ مِنْ طِيبِ الذّهَبِ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ عَلَيْهَا إلّا خَيْرًا ، وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَئِنْ كَانَتْ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَيُخْبِرَنك اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِذَلِكَ إلّا أَنّهَا جَارِيَة تَرْقُدُ عَنْ الْعَجِينِ حَتّى تَأْتِيَ الشّاةُ فَتَأْكُلَ عَجِينَهَا ، وَقَدْ لُمْتهَا فِي ذَلِكَ غَيْرَ مَرّةٍ . وَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ وَلَمْ تَكُنْ امْرَأَةٌ تُضَاهِي عَائِشَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَيْرَهَا . قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : وَلَقَدْ كُنْت أَخَافُ عَلَيْهَا أَنْ تَهْلِكَ لِلْغَيْرَةِ عَلَيّ فَقَالَ لَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْت عَلَى عَائِشَةَ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ حَاشَى سَمْعِي وَبَصَرِي ، مَا عَلِمْت عَلَيْهَا إلّا خَيْرًا . وَاَللّهِ مَا أُكَلّمُهَا وَإِنّي لَمُهَاجِرَتُهَا ، وَمَا كُنْت أَقُولُ إلّا الْحَقّ . قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : أَمّا زَيْنَبُ فَعَصَمَهَا اللّهُ وَأَمّا غَيْرُهَا فَهَلَكَ مَعَ مَنْ هَلَكَ . ثُمّ سَأَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ أَيْمَنَ فَقَالَتْ حَاشَى سَمْعِي [ ص 431 ] وَبَصَرِي أَنْ أَكُونَ عَلِمْت أَوْ ظَنَنْت بِهَا قَطّ إلّا خَيْرًا . ثُمّ صَعِدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِمّنْ يُؤْذِينِي فِي أَهْلِي ؟ وَيَقُولُونَ لِرَجُلٍ وَاَللّهِ مَا عَلِمْت عَلَى ذَلِكَ الرّجُلِ إلّا خَيْرًا ، وَمَا كَانَ يَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِي إلّا مَعِي ، وَيَقُولُونَ عَلَيْهِ غَيْرَ الْحَقّ . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ أَنَا أَعْذِرُك مِنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ يَكُ مِنْ الْأَوْسِ آتِك بِرَأْسِهِ وَإِنْ يَكُ مِنْ إخْوَانِنَا مِنْ الْخَزْرَجِ فَمُرْنَا بِأَمْرِك نَمْضِي لَك . فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ - وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَلَكِنّ الْغَضَبَ بَلَغَ مِنْهُ وَعَلَى ذَلِكَ مَا غُمِصَ عَلَيْهِ فِي نِفَاقٍ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ إلّا أَنّ الْغَضَبَ يَبْلُغُ مِنْ أَهْلِهِ - فَقَالَ كَذَبْت لَعَمْرُ اللّهِ لَا تَقْتُلْهُ وَلَا تَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ . وَاَللّهِ مَا قُلْت هَذِهِ الْمَقَالَةَ إلّا أَنّك قَدْ عَرَفْت أَنّهُ مِنْ الْخَزْرَجِ ، وَلَوْ كَانَ مِنْ الْأَوْسِ مَا قُلْت ذَلِكَ وَلَكِنّك تَأْخُذُنَا بِالذّحُولِ كَانَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَك فِي الْجَاهِلِيّةِ وَقَدْ مَحَا اللّهُ ذَلِكَ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ كَذَبْت وَاَللّهِ لَنَقْتُلَنّهُ وَأَنْفُك رَاغِمٌ فَإِنّك مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنْ الْمُنَافِقِينَ وَاَللّهِ لَوْ نَعْلَمُ مَا يَهْوَى رَسُولُ اللّهِ مِنْ ذَلِكَ فِي رَهْطِي الْأَدْنَيْنَ مَا رَامَ رَسُولُ اللّهِ مَكَانَهُ حَتّى آتِيَهُ بِرَأْسِهِ وَلَكِنّي لَا أَدْرِي مَا يَهْوَى رَسُولُ اللّهِ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : تَأْبَوْنَ يَا آلَ أَوْسٍ إلّا أَنْ تَأْخُذُونَا بِذُحُولٍ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيّةِ . وَاَللّهِ مَا لَكُمْ بِذِكْرِهَا حَاجَةٌ وَإِنّكُمْ لَتَعْرِفُونِ لِمَنْ الْغَلَبَةُ فِيهَا ، وَقَدْ مَحَا اللّهُ بِالْإِسْلَامِ ذَلِكَ كُلّهُ . فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ قَدْ رَأَيْت مَوْطِنَنَا يَوْمَ بُعَاثَ ثُمّ تَغَالَظُوا ، وَغَضِبَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَنَادَى : يَا آلَ خَزْرَجٍ فَانْحَازَتْ الْخَزْرَجُ [ ص 432 ] كُلّهَا إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ . وَنَادَى سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا آلَ أَوْسٍ فَانْحَازَتْ الْأَوْسُ كُلّهَا إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ .
وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ حَزْمَةَ مُغِيرًا حَتّى أَتَى بِالسّيْفِ يَقُولُ أَضْرِبُ بِهِ رَأْسَ النّفَاقِ وَكَهْفَهُ . فَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ فِي رَهْطِهِ وَقَالَ ارْمِ بِهِ يُحْمَلُ السّلَاحُ مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ لَوْ عَلِمْنَا أَنّ لِرَسُولِ اللّهِ فِي هَذَا هَوًى أَوْ طَاعَةً مَا سَبَقْتنَا إلَيْهِ . فَرَجَعَ الْحَارِثُ وَاصْطَفّتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ ، وَأَشَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْحَيّيْنِ جَمِيعًا أَنْ اُسْكُتُوا ، وَنَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ فَهَدّأَهُمْ وَخَفّضَهُمْ حَتّى انْصَرَفُوا .
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلِيّ فَجَلَسَ عِنْدِي ، وَقَدْ مَكَثَ شَهْرًا قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُوحَى إلَيْهِ فِي شَأْنِي . قَالَتْ فَتَشَهّدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ جَلَسَ ثُمّ قَالَ أَمَا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ ، فَإِنّهُ بَلَغَنِي كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كُنْت بَرِيئَةً يُبَرّئُك اللّهُ وَإِنْ كُنْت أَلْمَمْت بِشَيْءٍ مِمّا يَقُولُ النّاسُ فَاسْتَغْفِرِي اللّهَ عَزّ وَجَلّ فَإِنّ الْعَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمّ تَابَ إلَى اللّهِ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ . قَالَتْ فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلَامَهُ ذَهَبَ دَمْعِي حَتّى مَا أَجِدُ مِنْهُ شَيْئًا ، وَقُلْت لِأَبِي : أَجِبْ رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَ وَاَللّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ وَمَا أُجِيبُ بِهِ عَنْك . قَالَتْ فَقُلْت لِأُمّي : أَجِيبِي عَنّي رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَتْ وَاَللّهِ مَا أَدْرِي مَا أُجِيبُ عَنْك لِرَسُولِ اللّهِ . وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السّنّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنْ الْقُرْآنِ . قَالَتْ فَقُلْت : إنّي وَاَللّهِ قَدْ عَلِمْت أَنّكُمْ سَمِعْتُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَوَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ فَصَدّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْت لَكُمْ إنّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدّقُونِي ، وَلَئِنْ اعْتَرَفْت لَكُمْ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ اللّهُ أَنّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدّقُونِي . وَإِنّي [ ص 433 ] وَاَللّهِ مَا أَجِدُ لِي مِثْلًا إلّا أَبَا يُوسُفَ إذْ يَقُولُ بَلْ سَوّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ
وَاَللّهُ مَا يَحْضُرُنِي ذِكْرُ يَعْقُوبَ وَمَا أَهْتَدِي مِنْ الْغَيْظِ الّذِي أَنَا فِيهِ . ثُمّ تَحَوّلْت فَاضْطَجَعْت عَلَى فِرَاشِي وَقُلْت : وَاَللّهُ يَعْلَمُ أَنّي بَرِيئَةٌ وَأَنَا بِاَللّهِ وَاثِقَةٌ أَنْ يُبَرّئَنِي اللّهُ بِبَرَاءَتِي . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَمَا أَعْلَمُ أَهْلَ بَيْتٍ مِنْ الْعَرَبِ دَخَلَ عَلَيْهِمْ مَا دَخَلَ عَلَى آلِ أَبِي بَكْرٍ . وَاَللّهِ مَا قِيلَ لَنَا هَذَا فِي الْجَاهِلِيّةِ حَيْثُ لَا نَعْبُدُ اللّهَ وَلَا نَدَعُ لَهُ شَيْئًا ، فَيُقَالُ لَنَا فِي الْإِسْلَامِ قَالَتْ وَأَقْبَلَ عَلَيّ أَبِي مُغْضَبًا . قَالَتْ فَاسْتَعْبَرْت فَقُلْت فِي نَفْسِي : « وَاَللّهِ لَا أَتُوبُ إلَى اللّهِ مِمّا ذَكَرْتُمْ أَبَدًا » ، وَاَيْمُ اللّهِ لَأَنَا كُنْت أَحْقَرَ فِي نَفْسِي وَأَصْغَرَ شَأْنًا مِنْ أَنْ يَنْزِلَ فِيّ قُرْآنٌ يَقْرَؤُهُ النّاسُ فِي صَلَاتِهِمْ وَلَكِنْ قَدْ كُنْت أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَوْمِهِ شَيْئًا يُكَذّبُهُمْ اللّهُ عَنّي بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَتِي ، أَوْ يُخْبِرُ خَبَرًا ، فَأَمّا قُرْآنٌ فَلَا وَاَللّهِ مَا ظَنَنْته قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا بَرِحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَجْلِسِهِ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ حَتّى يَغْشَاهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ مَا كَانَ يَغْشَاهُ . قَالَتْ فَسُجّيَ بِثَوْبِهِ وَجُمِعَتْ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ تَحْتَ رَأْسِهِ فَأَمّا أَنَا حِينَ رَأَيْت مَا رَأَيْت فَوَاَللّهِ لَقَدْ فَرِحْت بِهِ وَعَلِمْت أَنّي بَرِيئَةٌ وَأَنّ اللّهَ تَعَالَى غَيْرُ ظَالِمٍ لِي . قَالَتْ وَأَمّا أَبَوَايَ فَوَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا سُرّيَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى ظَنَنْت لَتَخْرُجَن أَنْفُسُهُمَا فَرَقًا أَنْ يَأْتِيَ أَمْرٌ مِنْ اللّهِ تَحْقِيقُ مَا قَالَ النّاسُ . ثُمّ كَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَهُوَ يَضْحَكُ وَإِنّهُ لَيَتَحَدّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ وَهُوَ يَمْسَحُ جَبِينَهُ فَكَانَتْ أَوّلَ كَلِمَة قَالَهَا [ ص 434 ] يَا عَائِشَةُ ، إنّ اللّهَ قَدْ أَنَزَلَ بَرَاءَتَك . قَالَتْ وَسُرّيَ عَنْ أَبَوَيّ وَقَالَتْ أُمّي : قَوْمِي إلَى رَسُولِ اللّهِ . فَقُلْت : وَاَللّهِ لَا أَقُومُ إلّا بِحَمْدِ اللّهِ لَا بِحَمْدِك . فَأَنْزَلَ اللّهُ هَذِهِ الْآيَةَ إِنّ الّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ الْآيَةَ . قَالَتْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّاسِ مَسْرُورًا ، فَصَعِدَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ تَلَا عَلَيْهِمْ بِمَا نَزَلَ عَلَيْهِ فِي بَرَاءَةِ عَائِشَةَ . قَالَتْ فَضَرَبَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَدّ وَكَانَ الّذِي تَوَلّى كِبَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ، وَكَانَ مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ وَحَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَضْرِبْهُمْ - وَهُوَ أَثْبَتُ عِنْدَنَا .
وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَنْ رَمَى مُحْصَنَةً لَعَنَهُ اللّهُ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ . فَقَالَ إنّمَا ذَاكَ لِأُمّ الْمُؤْمِنِينَ خَاصّةً .
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَفْلَحَ مَوْلَى أَبِي أَيّوبَ أَنّ أُمّ أَيّوبَ قَالَتْ لِأَبِي أَيّوبَ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِي عَائِشَةَ ؟ قَالَ بَلَى ، وَذَلِكَ الْكَذِبُ أَفَكُنْتِ يَا أُمّ أَيّوبَ فَاعِلَةً ذَلِكَ ؟ فَقَالَتْ لَا وَاَللّهِ . قَالَ فَعَائِشَةُ وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْك . فَلَمّا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَذَكَرَ أَهْلُ الْإِفْكِ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ يَعْنِي أَبَا أَيّوبَ حِينَ قَالَ لِأُمّ أَيّوبَ وَيُقَالُ إنّمَا قَالَهَا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ .








(1/431)




فَحَدّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى ، عَنْ أُمّ سَعْدِ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ قَالَتْ قَالَتْ أُمّ الطّفِيلِ لِأُبَيّ بْنِ كَعْبٍ أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِي عَائِشَةَ ؟ قَالَ أَيّ ذَلِكَ ؟ قَالَتْ مَا يَقُولُونَ . [ ص 435 ] قَالَ هُوَ وَاَللّهِ الْكَذِبُ أَوَكُنْتِ تَفْعَلِينَ ذَلِكَ ؟ قَالَتْ أَعُوذُ بِاَللّهِ . قَالَ فَهِيَ وَاَللّهِ خَيْرٌ مِنْك . قَالَتْ وَأَنَا أَشْهَدُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
قَالُوا : وَمَكَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيّامًا ، ثُمّ أَخَذَ بِيَدِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي نَفَرٍ فَخَرَجَ يَقُودُ بِهِ حَتّى دَخَلَ بِهِ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَمَنْ مَعَهُ فَتَحَدّثَا عِنْدَهُ سَاعَةً وَقَرّبَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ طَعَامًا ، فَأَصَابَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَمَنْ مَعَهُ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَكَثَ أَيّامًا ، ثُمّ أَخَذَ بِيَدِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَنَفَرٍ مَعَهُ فَانْطَلَقَ بِهِ حَتّى دَخَلَ مَنْزِلَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَتَحَدّثَا سَاعَةً وَقَرّبَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ طَعَامًا ، فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَمَنْ مَعَهُمْ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَإِنّمَا فَعَلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَنْ يَذْهَبَ مَا كَانَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ الّذِي تَقَاوَلَا .
فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ احْتَبَسَ عَلَى قِلَادَةِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا بِذَاتِ الْجَيْشِ فَلَمّا طَلَعَ الْفَجْرُ أَوْ كَادَ نَزَلَتْ آيَةُ التّيَمّمِ فَمَسَحْنَا الْأَرْضَ بِالْأَيْدِي ثُمّ مَسَحْنَا الْأَيْدِيَ إلَى الْمَنَاكِبِ ظَهْرًا وَبَطْنًا ، وَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصّلَاتَيْنِ فِي سَفَرِهِ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ رُومَانَ وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أُمّهِ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ وَعِمَادُ الْحَدِيثِ عَنْ ابْنِ رُومَانَ وَعَاصِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَالُوا : لَمّا قَالَ ابْنُ أُبَيّ مَا قَالَ وَذَكَرَ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ وَجَهْجَا ، وَكَانَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ قَالَ وَمِثْلُ هَذَيْنِ يَكْثُرُ عَلَى قَوْمِي ، وَقَدْ [ ص 436 ] أَنَزَلْنَا مُحَمّدًا فِي دُورِ كِنَانَةَ وَعِزّهَا وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ جُعَيْلٌ يَرْضَى أَنْ يَسْكُتَ فَلَا يَتَكَلّمُ فَصَارَ الْيَوْمَ يَتَكَلّمُ . وَقَوْلُ ابْنِ أُبَيّ أَيْضًا فِي صَفْوَانَ بْنِ مُعَطّلٍ وَمَا رَمَاهُ بِهِ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
أَمْسَى الْجَلَابِيبُ قَدْ رَاعُوا وَقَدْ كَثُرُوا

وَابْنُ الْفُرَيْعَةِ أَمْسَى بَيْضَةَ الْبَلَدِ
فَلَمّا قَدِمُوا الْمَدِينَةَ جَاءَ صَفْوَانُ إلَى جُعَيْلِ بْنِ سُرَاقَةَ فَقَالَ انْطَلِقْ بِنَا ، نَضْرِبُ حَسّانَ فَوَاَللّهِ مَا أَرَادَ غَيْرَك وَغَيْرِي ، وَلَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ . فَأَبِي جُعَيْلٌ أَنْ يَذْهَبَ فَقَالَ لَهُ لَا أَفْعَلُ إلّا أَنْ يَأْمُرَنِي رَسُولُ اللّهِ وَلَا تَفْعَلُ أَنْتَ حَتّى تُؤَامِرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ . فَأَبَى صَفْوَانُ عَلَيْهِ فَخَرَجَ مُصْلِتًا السّيْفَ حَتّى ضَرَبَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ فِي نَادِي قَوْمِهِ فَوَثَبَتْ الْأَنْصَارُ إلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا - وَكَانَ الّذِي وَلِي ذَلِكَ مِنْهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ - وَأَسَرُوهُ أَسْرًا قَبِيحًا . فَمَرّ بِهِمْ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ فَقَالَ مَا تَصْنَعُونَ ؟ أَمِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ وَرِضَائِهِ أَمْ مِنْ أَمْرٍ فَعَلْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : مَا عَلِمَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ لَقَدْ اجْتَرَأْت ، خَلّ عَنْهُ ثُمّ جَاءَ بِهِ وَبِثَابِتٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسُوقُهُمْ فَأَرَادَ ثَابِتٌ أَنْ يَنْصَرِفَ فَأَبَى عُمَارَةُ حَتّى جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ حَسّانُ يَا رَسُولَ اللّهِ شَهَرَ عَلَيّ السّيْفَ فِي نَادِي قَوْمِي ، ثُمّ ضَرَبَنِي لِأَنْ أَمَوْتَ وَلَا أَرَانِي إلّا مَيّتًا مِنْ جِرَاحَتِي . فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى صَفْوَانَ فَقَالَ وَلِمَ ضَرَبْته وَحَمَلْت السّلَاحَ عَلَيْهِ ؟ وَتَغَيّظَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ آذَانِي وَهَجَانِي وَسَفِهَ عَلَيّ وَحَسَدَنِي عَلَى الْإِسْلَامِ . ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى حَسّانَ فَقَالَ أَسَفِهْت عَلَى قَوْمٍ أَسْلَمُوا ؟ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْبِسُوا صَفْوَانَ فَإِنْ مَاتَ حَسّانُ فَاقْتُلُوهُ بِهِ
[ ص 437 ] فَخَرَجُوا بِصَفْوَانَ فَبَلَغَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ مَا صَنَعَ صَفْوَانُ فَخَرَجَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْخَزْرَجِ حَتّى أَتَاهُمْ فَقَالَ عَمَدْتُمْ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ تُؤْذُونَهُ وَتَهْجُونَهُ بِالشّعْرِ وَتَشْتُمُونَهُ فَغَضِبَ لِمَا قِيلَ لَهُ ثُمّ أَسَرْتُمُوهُ أَقْبَحَ الْإِسَارِ وَرَسُولُ اللّهِ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ قَالُوا : فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ أَمَرَنَا بِحَبْسِهِ وَقَالَ إنْ مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَاقْتُلُوهُ . قَالَ سَعْدٌ وَاَللّهِ إنّ أَحَبّ إلَى رَسُولِ اللّهِ لَلْعَفْوُ وَلَكِنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ قَضَى بَيْنَكُمْ بِالْحَقّ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ يَعْنِي لَيُحِبّ أَنْ يَتْرُكَ صَفْوَانَ . وَاَللّهِ لَا أَبْرَحُ حَتّى يُطْلَقَ فَقَالَ حَسّانُ مَا كَانَ لِي مِنْ حَقّ فَهُوَ لَك يَا أَبَا ثَابِتٍ . وَأَبَى قَوْمُهُ فَغَضِبَ قَيْسٌ ابْنُهُ غَضَبًا شَدِيدًا فَقَالَ عَجَبًا لَكُمْ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ إنّ حَسّان قَدْ تَرَكَ حَقّهُ وَتَأْبَوْنَ أَنْتُمْ مَا ظَنَنْت أَنّ أَحَدًا مِنْ الْخَزْرَجِ يُرِدْ أَبَا ثَابِتٍ فِي أَمْرٍ يَهْوَاهُ . فَاسْتَحْيَا الْقَوْمُ وَأَطْلَقُوهُ مِنْ الْوَثَاقِ فَذَهَبَ بِهِ سَعْدٌ إلَى بَيْتِهِ فَكَسَاهُ حُلّةً ثُمّ خَرَجَ صَفْوَانُ حَتّى دَخَلَ الْمَسْجِدَ لِيُصَلّيَ فِيهِ فَرَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ صَفْوَانُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ مَنْ كَسَاهُ ؟ قَالُوا : سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَقَالَ كَسَاهُ اللّهُ مِنْ حُلَلِ الْجَنّةِ . ثُمّ كَلّمَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ لَا أُكَلّمُك أَبَدًا إنْ لَمْ تَذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللّهِ فَتَقُولَ كُلّ حَقّ لِي [ ص 438 ] قِبَلَ صَفْوَانَ فَهُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ . فَأَقْبَلَ حَسّانُ فِي قَوْمِهِ حَتّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ كُلّ حَقّ لِي قِبَلَ صَفْوَانَ بْنِ مُعَطّلٍ فَهُوَ لَك . قَالَ قَدْ أَحْسَنْت وَقَبِلْت ذَلِكَ . فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْضًا بَرَاحًا وَهِيَ بَيْرُحَاءُ وَمَا حَوْلَهَا وَسِيرِينَ ، وَأَعْطَاهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ حَائِطًا كَانَ يَجِدُ مَالًا كَثِيرًا عِوَضًا لَهُ مِمّا عَفَا عَنْ حَقّهِ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ فَحَدّثَ هَذَا الْحَدِيثَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ فَقَالَ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ سُحَيْمٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ ، أَنّ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ حَبَسَ صَفْوَانَ فَلَمّا بَرِئَ حَسّانُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ فَقَالَ يَا حَسّانُ أَحْسِنْ فِيمَا أَصَابَك . فَقَالَ هُوَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ . فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُرَاحًا وَأَعْطَاهُ سِيرِينَ عِوَضًا .
فَحَدّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَذْكُرُ حَسّانَ إلّا بِخَيْرٍ . وَلَقَدْ سَمِعَتْ عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ يَوْمًا يَسُبّهُ لِمَا كَانَ مِنْهُ فَقَالَتْ لَا تَسُبّهُ يَا بُنَيّ أَلَيْسَ هُوَ الّذِي يَقُولُ
فَإِنّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي

لِعِرْضِ مُحَمّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ حَدّثَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ [ ص 439 ] ابْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمَعَةَ الْأَسَدِيّ يُخْبِرُ أَنّهُ سَمِعَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ حَسّانُ حِجَازٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ لَا يُحِبّهُ مُنَافِقٌ وَلَا يُبْغِضُهُ مُؤْمِنٌ . وَقَالَ حَسّانُ يَمْدَحُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا :
حَصَانٌ رَزَانٌ لَا تَزْنِ بِرِيبَةٍ

وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَإِنْ كَانَ مَا قَدْ جَاءَ عَنّي قُلْته

فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إلَيّ أَنَامِلِي
هِيَ أَبْيَاتٌ أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِي الزّنَادِ وَابْنُ جَعْفَرٍ .








(1/435)

حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ كُنْت رَفِيقَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ ، فَأَقْبَلْنَا حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى وَادِي الْعَقِيقِ فِي وَسَطِ اللّيْلِ فَإِذَا النّاسُ مُعَرّسُونَ . قُلْنَا : فَأَيْنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالُوا : فِي مُقَدّمِ النّاسِ قَدْ نَامَ . فَقَالَ لِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : يَا جَابِرُ هَلْ لَك بِنَا فِي التّقَدّمِ وَالدّخُولِ عَلَى أَهْلِنَا ؟ فَقُلْت : يَا أَبَا مُحَمّدٍ لَا أُحِبّ أَنْ أُخَالِفَ النّاسَ لَا أَرَى أَحَدًا تَقَدّمَ . قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ وَاَللّهِ مَا نَهَانَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ تَقَدّمٍ . قَالَ جَابِرٌ أَمّا أَنَا فَلَسْت بِبَارِحٍ . فَوَدّعَنِي وَانْطَلَقَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَنْظُرُ إلَيْهِ عَلَى ظَهْرِ الطّرِيقِ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ ، فَطَرَقَ أَهْلَهُ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فَإِذَا مِصْبَاحٌ فِي وَسَطِ بَيْتِهِ وَإِذَا مَعَ امْرَأَتِهِ إنْسَانٌ طَوِيلٌ فَظَنّ [ ص 440 ] أَنّهُ رَجُلٌ وَسُقِطَ فِي يَدَيْهِ وَنَدِمَ عَلَى تَقَدّمِهِ . وَجَعَلَ يَقُولُ الشّيْطَانُ مَعَ الْغُرّ فَاقْتَحَمَ الْبَيْتَ رَافِعًا سَيْفَهُ قَدْ جَرّدَهُ مِنْ غِمْدِهِ يُرِيدُ أَنْ يَضْرِبَهُمَا . ثُمّ فَكّرَ وَاذّكَرَ فَغَمَزَ امْرَأَتَهُ بِرِجْلِهِ فَاسْتَيْقَظَتْ فَصَاحَتْ وَهِيَ تَوْسَنُ فَقَالَ أَنَا عَبْدُ اللّهِ فَمَنْ هَذَا ؟ قَالَتْ رُجَيْلَةُ [ مَاشِطَتِي ] ، سَمِعْنَا بِمَقْدِمِكُمْ فَدَعَوْتهَا تُمَشّطُنِي فَبَاتَتْ عِنْدِي . فَبَاتَ فَلَمّا أَصْبَحَ خَرَجَ مُعْتَرِضًا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَقِيَهُ بِبِئْرِ أَبِي عُتْبَةَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسِيرُ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَشِيرٍ فَقَالَ يَا أَبَا النّعْمَانِ . فَقَالَ لَبّيْكَ . قَالَ إنّ وَجْهَ عَبْدِ اللّهِ لَيُخْبِرُك أَنّهُ قَدْ كَرِهَ طُرُوقَ أَهْلِهِ . فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ خَبَرَك يَا ابْنَ رَوَاحَةَ . فَأَخْبَرَهُ كَيْفَ كَانَ تَقَدّمَ وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَطْرُقُوا النّسَاءَ لَيْلًا قَالَ جَابِرٌ فَكَانَ ذَلِكَ أَوّلَ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ جَابِرٌ فَلَمْ أَرَ مِثْلَ الْعَسْكَرِ وَلُزُومَهُ وَالْجَمَاعَةَ لَقَدْ أَقْبَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ ، وَكُنّا مَرَرْنَا عَلَى وَادِي الْقُرَى فَانْتَهَيْنَا إلَى الْجُرُفِ لَيْلًا ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَطْرُقُوا النّسَاءَ لَيْلًا قَالَ جَابِرٌ فَانْطَلَقَ رَجُلَانِ فَعَصَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَيَا جَمِيعًا مَا يَكْرَهَانِ .








(1/440)

غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ عَسْكَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الثّلَاثَاءِ لِثَمَانٍ مَضَتْ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَحَاصَرُوهُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَانْصَرَفَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِسَبْعٍ بَقِينَ سَنَةَ [ ص 441 ] خَمْسٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ .
فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ وَرَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ وَمُحَمّدٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، وَعَبْدُ الصّمَدِ بْنُ مُحَمّدٍ وَيُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَحِزَامُ بْنُ هِشَامٍ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ وَأَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، وَمُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى ، وَعَائِذُ بْنُ يَحْيَى الزّرَقِيّ ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، وَمُجَمّعُ بْنُ يَعْقُوبَ ، وَأَبُو مَعْشَرٍ وَالضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَابْنُ أَبِي الزّنَادِ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ قَدْ حَدّثَنِي ، فَكَتَبْت كُلّ مَا حَدّثُونِي ، قَالُوا : لَمّا أَجْلَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي النّضِيرِ سَارُوا إلَى خَيْبَرَ ، وَكَانَ بِهَا مِنْ الْيَهُودِ قَوْمٌ أَهْلُ عَدَدٍ وَجَلَدٍ وَلَيْسَتْ لَهُمْ مِنْ الْبُيُوتِ وَالْأَحْسَابِ مَا لِبَنِي النّضِيرِ - كَانَ بَنُو النّضِيرِ سِرّهُمْ وَقُرَيْظَةُ مِنْ وَلَدِ الْكَاهِنِ مِنْ بَنِي هَارُونَ - فَلَمّا قَدِمُوا خَيْبَرَ خَرَجَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ ، وَهَوْذَةُ بْنُ الْحُقَيْقِ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ الْوَائِلِيّ مِنْ الْأَوْسِ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ وَأَبُو عَامِرٍ الرّاهِبُ فِي بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا إلَى مَكّةَ يَدْعُونَ قُرَيْشًا وَأَتْبَاعَهَا إلَى حَرْبِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا لِقُرَيْشٍ : نَحْنُ مَعَكُمْ حَتّى نَسْتَأْصِلَ مُحَمّدًا .
قَالَ أَبُو سُفْيَانَ هَذَا الّذِي أَقْدَمَكُمْ وَنَزَعَكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ جِئْنَا [ ص 442 ] لِنُحَالِفَكُمْ عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ وَقِتَالِهِ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ مَرْحَبًا وَأَهْلًا ، أَحَبّ النّاسِ إلَيْنَا مَنْ أَعَانَنَا عَلَى عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ . قَالَ النّفَرُ فَأَخْرَجَ خَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بُطُونِ قُرَيْشٍ كُلّهَا أَنْتَ فِيهِمْ وَنَدْخُلُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ حَتّى نُلْصِقَ أَكْبَادَنَا بِهَا ، ثُمّ نَحْلِفُ بِاَللّهِ جَمِيعًا لَا يَخْذُلُ بَعْضُنَا بَعْضًا ، وَلَتَكُونَن كَلِمَتُنَا وَاحِدَةً عَلَى هَذَا الرّجُلِ مَا بَقِيَ مِنّا رَجُلٌ .
فَفَعَلُوا فَتَحَالَفُوا عَلَى ذَلِكَ وَتَعَاقَدُوا ، ثُمّ قَالَتْ قُرَيْشٌ بَعْضُهَا لِبَعْضٍ قَدْ جَاءَكُمْ رُؤَسَاءُ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالْكِتَابِ الْأُوَلِ فَسَلُوهُمْ عَمّا نَحْنُ عَلَيْهِ وَمُحَمّدٌ أَيّنَا أَهْدَى ؟ قَالَتْ قُرَيْشٌ : نَعَمْ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، أَنْتُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأُوَلِ وَالْعِلْمِ أَخْبِرُونَا عَمّا أَصْبَحْنَا نَحْنُ فِيهِ وَمُحَمّدٌ دِينُنَا خَيْرٌ أَمْ دِينُ مُحَمّدٍ ؟ فَنَحْنُ عُمّارُ الْبَيْتِ وَنَنْحَرُ الْكَوْمَ وَنَسْقِي الْحَجِيجَ وَنَعْبُدُ الْأَصْنَامَ . قَالُوا : اللّهُمّ أَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقّ مِنْهُ إنّكُمْ لَتُعَظّمُونَ هَذَا الْبَيْتَ وَتَقُومُونَ عَلَى السّقَايَةِ وَتَنْحَرُونَ الْبُدْنَ وَتَعْبُدُونَ مَا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُكُمْ فَأَنْتُمْ أَوْلَى بِالْحَقّ مِنْهُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا فَاتّعَدُوا لِوَقْتٍ وَقّتُوهُ فَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ قَدْ وَعَدْتُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لِهَذَا الْوَقْتِ وَفَارَقُوكُمْ عَلَيْهِ فَفُوا لَهُمْ بِهِ لَا يَكُونُ هَذَا كَمَا كَانَ وَعَدْنَا مُحَمّدًا بَدْرَ الصّفْرَاءِ فَلَمْ نَفِ بِمَوْعِدِهِ وَاجْتَرَأَ عَلَيْنَا بِذَلِكَ وَقَدْ كُنْت كَارِهًا لِمِيعَادِ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمَئِذٍ . فَخَرَجَتْ الْيَهُودُ حَتّى أَتَتْ غَطَفَانَ ، وَأَخَذَتْ قُرَيْشٌ فِي الْجَهَازِ وَسَيّرَتْ فِي الْعَرَبِ تَدْعُوهُمْ إلَى نَصْرِهَا ، وَأَلّبُوا أَحَابِيشَهُمْ وَمَنْ تَبِعَهُمْ . ثُمّ خَرَجْت الْيَهُودُ حَتّى جَاءُوا بَنِي سُلَيْمٍ [ ص 443 ] فَوَعَدُوهُمْ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ إذَا سَارَتْ قُرَيْشٌ . ثُمّ سَارُوا فِي غَطَفَانَ ، فَجَعَلُوا لَهُمْ تَمْرَ خَيْبَرَ سَنَةً وَيَنْصُرُونَهُمْ وَيَسِيرُونَ مَعَ قُرَيْشٍ إلَى مُحَمّدٍ إذَا سَارُوا . فَأَنْعَمَتْ بِذَلِكَ غَطَفَانُ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَسْرَعَ إلَى ذَلِكَ مِنْ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ . وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ تَبِعَهَا مِنْ أَحَابِيشِهَا أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَعَقَدُوا اللّوَاءَ فِي دَارِ النّدْوَةِ ، وَقَادُوا مَعَهُمْ ثَلَاثَمِائَةِ فَرَسٍ وَكَانَ مَعَهُمْ مِنْ الظّهْرِ أَلْفُ بَعِيرٍ وَخَمْسُمِائَةِ بَعِيرٍ .
وَأَقْبَلَتْ سُلَيْمٌ فَلَاقَوْهُمْ بِمَرّ الظّهْرَانِ ، وَبَنُو سُلَيْمٍ يَوْمَئِذٍ سَبْعُمِائَةٍ يَقُودُهُمْ سُفْيَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسٍ حَلِيفُ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ ، وَهُوَ أَبُو أَبِي الْأَعْوَرِ الّذِي كَانَ مَعَ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِصِفّينَ . وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ يَقُودُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَخَرَجَتْ بَنُو أَسَدٍ وَقَائِدُهَا طَلْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيّ وَخَرَجَتْ بَنُو فَزَارَةَ وَأَوْعَبَتْ وَهُمْ أَلْفٌ يَقُودُهُمْ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَخَرَجَتْ أَشْجَعُ وَقَائِدُهَا مَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ - لَمْ تُوعِبْ أَشْجَعَ . وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ يَقُودُ قَوْمَهُ بَنِي مُرّةَ وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ . لَمّا أَجَمَعَتْ غَطَفَانُ السّيْرَ أَبَى الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمَسِيرَ وَقَالَ لِقَوْمِهِ تَفَرّقُوا فِي بِلَادِكُمْ وَلَا تَسِيرُوا إلَى مُحَمّدٍ فَإِنّي أَرَى أَنّ مُحَمّدًا أَمْرُهُ ظَاهِرٌ لَوْ نَاوَأَهُ مَنْ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَكَانَتْ لَهُ الْعَاقِبَةُ . فَتَفَرّقُوا فِي بِلَادِهِمْ وَلَمْ يَحْضُرْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَهَكَذَا رَوَى الزّهْرِيّ وَرَوَتْ بَنُو مُرّةَ .
حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَا : شَهِدَتْ بَنُو مُرّةَ الْخَنْدَقَ وَهُمْ أَرْبَعُمِائَةٍ وَقَائِدُهُمْ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ الْمُرّيّ ، وَهَجَاهُ حَسّانُ وَأَنْشَدَ [ ص 444 ] شِعْرًا ، وَذَكَرُوا مُجَاوَرَةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ . فَكَانَ هَذَا أَثْبَتَ عِنْدَنَا أَنّهُ شَهِدَ الْخَنْدَقَ فِي قَوْمِهِ وَلَكِنّهُ كَانَ أَمْثَلَ تُقْيَةً مِنْ عُيَيْنَةَ . قَالُوا : وَكَانَ الْقَوْمُ جَمِيعًا الّذِينَ وَافَوْا الْخَنْدَقَ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَسُلَيْمٍ وَغَطَفَانَ ، وَأَسَدٍ ، عَشَرَةَ آلَافٍ فَهِيَ عَسَاكِرُ ثَلَاثَةٍ وَعِنَاجُ الْأَمْرِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ . فَأَقْبَلُوا فَنَزَلَتْ قُرَيْشٌ بِرُومَةَ وَوَادِي الْعَقِيقِ فِي أَحَابِيشِهَا وَمَنْ ضَوَى إلَيْهَا مِنْ الْعَرَبِ ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ فِي قَادَتِهَا حَتّى نَزَلُوا بِالزّغَابَةِ إلَى جَانِبِ أُحُدٍ .
وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تُسَرّحُ رِكَابَهَا فِي وَادِي الْعَقِيقِ فِي عِضَاهِهِ وَلَيْسَ هُنَاكَ شَيْءٌ لِلْخَيْلِ إلّا مَا حَمَلُوهُ مَعَهُمْ مِنْ عَلَفٍ - وَكَانَ عَلَفُهُمْ الذّرَةَ - وَسَرّحَتْ غَطَفَانُ إبِلَهَا إلَى الْغَابَةِ فِي أَثْلِهَا وَطَرْفَائِهَا فِي عِضَاهِ الْجُرُفِ . وَقَدِمُوا فِي زَمَانٍ لَيْسَ فِي الْعِرْضِ زَرْعٌ فَقَدْ حَصَدَ النّاسُ قَبْلَ ذَلِكَ بِشَهْرٍ فَأَدْخَلُوا حَصَادَهُمْ وَأَتْبَانَهُمْ . وَكَانَتْ غَطَفَانُ تُرْسِلُ خَيْلَهَا فِي أَثَرِ الْحَصَادِ - وَكَانَ خَيْلُ غَطَفَانَ ثَلَاثَمِائَةٍ - بِالْعِرْضِ فَيُمْسِكُ ذَلِكَ مِنْ خَيْلِهِمْ وَكَادَتْ إبِلُهُمْ تَهْلِكُ مِنْ الْهُزَالِ . وَكَانَتْ الْمَدِينَةُ لَيَالِيَ قَدِمُوا جَدِيبَةً .
فَلَمّا فَصَلَتْ قُرَيْشٌ مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ خَرَجَ رَكْبٌ مِنْ خُزَاعَةَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرُوهُ بِفُصُولِ قُرَيْشٍ ، فَسَارُوا مِنْ مَكّةَ إلَى الْمَدِينَةِ أَرْبَعًا ، فَذَلِكَ حِينَ نَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَ عَدُوّهِمْ وَشَاوَرَهُمْ فِي أَمْرِهِمْ بِالْجِدّ وَالْجِهَادِ وَوَعَدَهُمْ النّصْرَ إنْ هُمْ صَبَرُوا وَاتّقُوا ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَةِ اللّهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ . وَشَاوَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 445 ] وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ يُكْثِرُ مُشَاوَرَتَهُمْ فِي الْحَرْبِ فَقَالَ أَنَبْرُزُ لَهُمْ مِنْ الْمَدِينَةِ ، أَمْ نَكُونُ فِيهَا وَنُخَنْدِقُهَا عَلَيْنَا ، أَمْ نَكُونُ قَرِيبًا وَنَجْعَلُ ظُهُورَنَا إلَى هَذَا الْجَبَلِ ؟ فَاخْتَلَفُوا ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ نَكُونُ مِمّا يَلِي بُعَاثَ إلَى ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ إلَى الْجُرْفِ . فَقَالَ قَائِلٌ نَدْعُ الْمَدِينَةَ خُلُوفًا فَقَالَ سَلْمَانُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا إذْ كُنّا بِأَرْضِ فَارِسَ وَتَخَوّفْنَا الْخَيْلَ خَنْدَقْنَا عَلَيْنَا ، فَهَلْ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ نُخَنْدِقَ ؟ فَأَعْجَبَ رَأْيُ سَلْمَانَ الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرُوا حِينَ دَعَاهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ أَنْ يُقِيمُوا وَلَا يَخْرُجُوا ، فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ الْخُرُوجَ وَأَحَبّوا الثّبَاتَ فِي الْمَدِينَةِ .








(1/441)




فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ قَالَ حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَهْمٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَكِبَ فَرَسًا لَهُ وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، فَارْتَادَ مَوْضِعًا يَنْزِلُهُ فَكَانَ أَعْجَبَ الْمَنَازِلِ إلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ سَلْعًا خَلْفَ ظَهْرِهِ وَيُخَنْدِقَ مِنْ الْمَذَادِ إلَى ذُبَابٍ إلَى رَاتِجٍ . فَعَمِلَ يَوْمَئِذٍ فِي الْخَنْدَقِ ، وَنَدَبَ النّاسَ فَخَبّرَهُمْ بِدُنُوّ عَدُوّهِمْ وَعَسْكَرَهُمْ إلَى سَفْحِ سَلْعٍ ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَعْمَلُونَ مُسْتَعْجِلِينَ يُبَادِرُونَ قُدُومَ الْعَدُوّ عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْمَلُ مَعَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ لِيُنَشّطَ الْمُسْلِمِينَ وَعَمِلُوا ، وَاسْتَعَارُوا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ آلَةً كَثِيرَةً مِنْ مَسَاحِي ، وَكَرَازِينَ وَمَكَاتِلَ يَحْفِرُونَ بِهِ الْخَنْدَقَ - وَهُمْ يَوْمَئِذٍ سِلْمٌ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 446 ] يَكْرَهُونَ قُدُومَ قُرَيْشٍ . وَوَكّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكُلّ جَانِبٍ مِنْ الْخَنْدَقِ قَوْمًا يَحْفِرُونَهُ فَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَحْفِرُونَ مِنْ جَانِبِ رَاتِجٍ إلَى ذُبَابٍ ، وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ تَحْفِرُ مِنْ ذُبَابٍ إلَى جَبَلِ بَنِي عُبَيْدٍ ، وَكَانَ سَائِرُ الْمَدِينَةِ مُشَبّكًا بِالْبُنْيَانِ .
فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ كُنْت أَنْظُرُ إلَى الْمُسْلِمِينَ وَالشّبَابُ يَنْقُلُونَ التّرَابَ وَالْخَنْدَقُ بَسْطَةٌ أَوْ نَحْوُهَا ، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ يَنْقُلُونَ عَلَى رُءُوسِهِمْ فِي الْمَكَاتِلِ وَكَانُوا إذَا رَجَعُوا بِالْمَكَاتِلِ جَعَلُوا فِيهَا الْحِجَارَةَ يَأْتُونَ بِهَا مِنْ جَبَلِ سَلْعٍ ، وَكَانُوا يَجْعَلُونَ التّرَابَ مِمّا يَلِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ وَكَانَ يَسْطُرُونَ الْحِجَارَةَ مِمّا يَلِيهِمْ كَأَنّهَا حِبَالُ التّمْرِ - وَكَانَتْ الْحِجَارَةُ مِنْ أَعْظَمِ سِلَاحِهِمْ يَرْمُونَهُمْ
بِهَا .
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ يَحْمِلُ التّرَابَ فِي الْمَكَاتِلِ وَيَطْرَحُهُ وَالْقَوْمُ يَرْتَجِزُونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ
هَذَا الْجَمَالُ لَا جَمَالُ خَيْبَرَ

هَذَا أَبَرّ رَبّنَا وَأَطْهَرُ
وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ إذَا رَأَوْا مِنْ الرّجُلِ فُتُورًا ضَحِكُوا مِنْهُ . وَتَنَافَسَ النّاسُ يَوْمَئِذٍ فِي سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ ، فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ : سَلْمَانُ مِنّا وَكَانَ قَوِيّا عَارِفًا بِحَفْرِ الْخَنَادِقِ . وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : هُوَ مِنّا وَنَحْنُ أَحَقّ بِهِ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلُهُمْ فَقَالَ سَلْمَانُ رَجُلٌ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ [ ص 447 ] وَلَقَدْ كَانَ يَوْمَئِذٍ يَعْمَلُ عَمَلَ عَشَرَةِ رِجَالٍ حَتّى عَانَهُ يَوْمَئِذٍ قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ ، فَلُبِطَ بِهِ فَسَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مُرُوهُ فَلْيَتَوَضّأْ لَهُ وَلْيَغْتَسِلْ بِهِ وَيُكْفِئْ الْإِنَاءَ خَلْفَهُ . فَفَعَلَ فَكَأَنّمَا حُلّ مِنْ عِقَالٍ .
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ مُبَشّرٍ قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ لَقَدْ كُنْت أَرَى سَلْمَانَ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ جَعَلُوا لَهُ خَمْسَةَ أَذْرُعٍ طُولًا وَخَمْسًا فِي الْأَرْضِ فَمَا تَحَيّنْته حَتّى فَرَغَ وَحْدَهُ وَهُوَ يَقُولُ
اللّهُمّ لَا عَيْشَ إلّا عَيْشُ الْآخِرَةِ
وَحَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ جَعَلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ نَرْتَجِزُ وَنَحْفِرُ وَكُنّا - بَنِي سَلِمَةَ - نَاحِيَةٌ فَعَزَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيّ أَلّا أَقُولَ شَيْئًا ، فَقُلْت : هَلْ عَزَمَ عَلَى غَيْرِي ؟ قَالُوا : حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ . قَالَ فَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا نَهَانَا لِوَجْدِنَا لَهُ وَقِلّتِهِ عَلَى غَيْرِنَا ، فَمَا تَكَلّمْت بِحَرْفٍ حَتّى فَرَغْنَا مِنْ الْخَنْدَقِ . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ لَا يَغْضَبُ أَحَدٌ مِمّا قَالَ صَاحِبُهُ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ سُوءًا ، إلّا مَا قَالَ كَعْبٌ وَحَسّانُ فَإِنّهُمَا يَجِدَانِ ذَلِكَ .
وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ كَانَ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ رَجُلًا صَالِحًا ، وَكَانَ ذَمِيمًا قَبِيحًا ، وَكَانَ يَعْمَلُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي الْخَنْدَقِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ غَيّرَ اسْمَهُ يَوْمَئِذٍ فَسَمّاهُ عَمْرًا ، فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَرْتَجِزُونَ وَيَقُولُونَ [ ص 448 ]
سَمّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْرًا

وَكَانَ لِلْبَائِسِ يَوْمًا ظَهْرًا
قَالَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَقُولُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إلّا أَنْ يَقُولَ « عَمْرًا » .
فَبَيْنَا الْمُسْلِمُونَ يَحْفِرُونَ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِيمَنْ يَنْقُلُ التّرَابَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَنَظَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ الّذِي أَبْقَانِي حَتّى آمَنْت بِك ; إنّي عَانَقْت أَبَا هَذَا يَوْمَ بُعَاثَ ، ثَابِتَ بْنَ الضّحّاكِ ، فَكَانَتْ اللّبْجَةُ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا إنّهُ نِعْمَ الْغُلَامُ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ قَدْ رَقَدَ فِي الْخَنْدَقِ ، غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ حَتّى أُخِذَ سِلَاحُهُ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَهُوَ فِي قُرّ شَدِيدٍ - تُرْسُهُ وَقَوْسُهُ وَسَيْفُهُ - وَهُوَ عَلَى شَفِيرِ الْخَنْدَقِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ يُرِيدُونَ يُطِيفُونَ بِالْخَنْدَقِ وَيَحْرُسُونَهُ وَتَرَكُوا زَيْدًا نَائِمًا ، وَلَا يَشْعُرُونَ بِهِ حَتّى جَاءَهُ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ فَأَخَذَ سِلَاحَهُ وَلَا يَشْعُرُ حَتّى فَزِعَ بَعْدَ فَقْدِ سِلَاحِهِ حَتّى بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَا زَيْدًا فَقَالَ يَا أَبَا رُقَادٍ نِمْت حَتّى ذَهَبَ سِلَاحُك ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِسِلَاحِ هَذَا الْغُلَامِ ؟ فَقَالَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ : أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ وَهُوَ عِنْدِي . فَقَالَ فَرُدّهُ عَلَيْهِ وَنَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُرَوّعَ الْمُسْلِمُ أَوْ يُؤْخَذَ مَتَاعُهُ لَاعِبًا جَادّا . حَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ عِيسَى ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا كَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إلّا يَحْفِرُ فِي الْخَنْدَقِ أَوْ يَنْقُلُ التّرَابَ وَلَقَدْ رُئِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 449 ] وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ - وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَا يَتَفَرّقَانِ فِي عَمَلٍ وَلَا مَسِيرٍ وَلَا مَنْزِلٍ - يَنْقُلَانِ التّرَابَ فِي ثِيَابِهِمَا يَوْمَئِذٍ مِنْ الْعَجَلَةِ إذْ لَمْ يَجِدَا مَكَاتِلَ لِعَجَلَةِ الْمُسْلِمِينَ .
وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَقُولُ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَحْسَنَ فِي حُلّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهُ كَانَ أَبْيَضَ شَدِيدَ الْبَيَاضِ ، كَثِيرَ الشّعْرِ يَضْرِبُ الشّعْرُ مَنْكِبَيْهِ . وَلَقَدْ رَأَيْته يَوْمَئِذٍ يَحْمِلُ التّرَابَ عَلَى ظَهْرِهِ حَتّى حَالَ الْغُبَارُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَإِنّي لَأَنْظُرُ إلَى بَيَاضِ بَطْنِهِ .
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ : لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَحْفِرُ فِي الْخَنْدَقِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَالتّرَابُ عَلَى صَدْرِهِ وَبَيْنَ عُكَنِهِ وَإِنّهُ لَيَقُولُ
اللّهُمّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا

وَلَا تَصَدّقْنَا وَلَا صَلّيْنَا
يُرَدّدُ ذَلِكَ .








(1/446)

وَحَدّثَنِي أُبَيّ بْنُ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ كُنّا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، فَأَخَذَ الْكَرْزَنَ وَضَرَبَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَجَرًا فَصَلّ الْحَجَرَ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ مِمّ تَضْحَكُ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَضْحَكُ مِنْ قَوْمٍ يُؤْتَى بِهِم ْ مِنْ الْمَشْرِقِ فِي الْكُبُولِ يُسَاقُونَ إلَى الْجَنّةِ وَهُمْ كَارِهُونَ
فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْحُكْمِيّ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَضْرِبُ يَوْمَئِذٍ بِالْمِعْوَلِ فَصَادَفَ [ ص 450 ] حَجَرًا صَلْدًا ، فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ الْمِعْوَلَ وَهُوَ عِنْدَ جَبَلِ بَنِي عُبَيْدٍ ، فَضَرَبَ ضَرْبَةً فَذَهَبَتْ أَوّلُهَا بَرْقَةً إلَى الْيَمَنِ ، ثُمّ ضَرَبَ أُخْرَى فَذَهَبَتْ بَرْقَةً إلَى الشّامِ ، ثُمّ ضَرَبَ أُخْرَى فَذَهَبَتْ بَرْقَةً نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَكُسِرَ الْحَجَرُ عِنْدَ الثّالِثَةِ . فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ وَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ لَصَارَ كَأَنّهُ سَهْلَةٌ وَكَانَ كُلّمَا ضَرَبَ ضَرْبَةً يَتْبَعُهُ سَلْمَانُ بِبَصَرِهِ فَيُبْصِرُ عِنْدَ كُلّ ضَرْبَةٍ بَرْقَةً فَقَالَ سَلْمَانُ يَا رَسُولَ اللّهِ رَأَيْت الْمِعْوَلَ كُلّمَا ضَرَبْت بِهِ أَضَاءَ مَا تَحْتَهُ . فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ رَأَيْت ذَلِكَ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي رَأَيْت فِي الْأُولَى قُصُورَ الشّامِ ، ثُمّ رَأَيْت فِي الثّانِيَةِ قُصُورَ الْيَمَنِ ، وَرَأَيْت فِي الثّالِثَةِ قَصْرَ كِسْرَى الْأَبْيَضَ بِالْمَدَائِنِ . وَجَعَلَ يَصِفُهُ لِسَلْمَانَ فَقَالَ صَدَقْت وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنّ هَذِهِ لَصِفَتُهُ وَأَشْهَدُ أَنّك لَرَسُولُ اللّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذِهِ فُتُوحٌ يَفْتَحُهَا اللّهُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي يَا سَلْمَانُ لَتُفْتَحَن الشّامُ ، وَيَهْرُبُ هِرَقْلُ إلَى أَقْصَى مَمْلَكَتِهِ وَتَظْهَرُونَ عَلَى الشّامِ فَلَا يُنَازِعُكُمْ أَحَدٌ ، وَلَتُفْتَحَن الْيَمَنُ ، وَلَيُفْتَحَن هَذَا الْمَشْرِقُ وَيُقْتَلُ كِسْرَى بَعْدَهُ . قَالَ سَلْمَانُ فَكُلّ هَذَا قَدْ رَأَيْت .
قَالُوا : وَكَانَ الْخَنْدَقُ مَا بَيْنَ جَبَلِ بَنِي عُبَيْدٍ بِخُرْبَى إلَى رَاتِجٍ ، فَكَانَ لِلْمُهَاجِرِينَ مِنْ ذُبَابٍ إلَى رَاتِجٍ ، وَكَانَ لِلْأَنْصَارِ مَا بَيْنَ ذُبَابٍ إلَى خُرْبَى ، فَهَذَا الّذِي حَفَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وَشَبّكُوا الْمَدِينَةَ بِالْبُنْيَانِ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ وَهِيَ كَالْحِصْنِ . وَخَنْدَقَتْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَلَيْهَا فِيمَا يَلِي رَاتِجٍ إلَى خَلْفِهَا ، حَتّى جَاءَ الْخَنْدَقُ مِنْ وَرَاءِ الْمَسْجِدِ وَخَنْدَقَتْ [ ص 451 ] بَنُو دِينَارٍ مِنْ عِنْدِ خُرْبَى إلَى مَوْضِعِ دَارِ ابْنِ أَبِي الْجُنُوبِ الْيَوْمَ . وَرَفَعَ الْمُسْلِمُونَ النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ فِي الْآطَامِ وَرَفَعَتْ بَنُو حَارِثَةَ الذّرَارِيّ فِي أُطُمِهِمْ وَكَانَ أُطُمًا مَنِيعًا ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَوْمَئِذٍ فِيهِ . وَرَفَعَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ فِي الْآطَامِ وَخَنْدَقَ بَعْضُهُمْ حَوْلَ الْآطَامِ بِقُبَاءَ وَحَصّنَ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَلَفّهَا ، وخَطْمَةُ وَبَنُو أُمَيّةَ ، وَوَائِلٌ وَوَاقِفٌ فَكَانَ ذَرَارِيّهُمْ فِي آطَامِهِمْ .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبْجَرَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسّانَ قَالَ أَخْبَرَنِي شُيُوخُ بَنِي وَاقِفٍ أَنّهُمْ حَدّثُوهُ أَنّ بَنِي وَاقِفٍ جَعَلُوا ذَرَارِيّهُمْ وَنِسَاءَهُمْ فِي أُطُمِهِمْ وَكَانُوا مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانُوا يَتَعَاهَدُونَ أَهْلِيهِمْ بِأَنْصَافِ النّهَارِ بِإِذْنِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَنْهَاهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا أَلَحّوا أَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا السّلَاحَ خَوْفًا عَلَيْهِمْ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ . فَكَانَ هِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ يَقُولُ أَقْبَلْت فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي وَبَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، وَقَدْ نَكَبْنَا عَنْ الْجِسْرِ وَصَفْنَةَ فَأَخَذْنَا عَلَى قُبَاءَ ، حَتّى إذَا كُنّا بِعَوْسَ إذَا نَفَرٌ مِنْهُمْ فِيهِمْ نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ الْقُرَظِيّ ، فَنَضَحُونَا بِالنّبْلِ سَاعَةً وَرَمَيْنَاهُمْ بِالنّبْلِ وَكَانَتْ بَيْنَنَا جِرَاحَةٌ ثُمّ انْكَشَفُوا عَلَى حَامِيَتِهِمْ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا ، فَلَمْ نَرَ لَهُمْ جَمْعًا بَعْدُ .
وَحَدّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ كَانَ الْخَنْدَقُ الّذِي خَنْدَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَيْنَ جَبَلِ بَنِي عُبَيْدٍ إلَى رَاتِجٍ [ ص 452 ] وَهَذَا أَثْبَتُ الْأَحَادِيثِ عِنْدَنَا . وَذَكَرُوا أَنّ الْخَنْدَقَ لَهُ أَبْوَابٌ فَلَسْنَا نَدْرِي أَيْنَ مَوْضِعُهَا . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ أَبِي هُنَيْدَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ أَصَابَ النّاسُ كُدْيَةً يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَضَرَبُوا فِيهَا بِمَعَاوِلِهِمْ حَتّى انْكَسَرَتْ فَدَعَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبّهُ عَلَيْهَا فَعَادَتْ كَثِيبًا . قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ : فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَحْفِرُ وَرَأَيْته خَمِيصًا ، وَرَأَيْت بَيْنَ عُكَنِهِ الْغُبَارَ فَأَتَيْت امْرَأَتِي فَأَخْبَرْتهَا مَا رَأَيْت مِنْ خَمَصِ بَطْنِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ وَاَللّهِ مَا عِنْدَنَا شَيْءٌ إلّا هَذِهِ الشّاةُ وَمُدّ مِنْ شَعِيرٍ . قَالَ جَابِرٌ فَاطْحَنِي وَأَصْلِحِي . قَالَتْ فَطَبَخْنَا بَعْضَهَا وَشَوَيْنَا بَعْضَهَا ، وَخُبِزَ الشّعِيرُ . [ قَالَ جَابِرٌ ] : ثُمّ أَتَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَكَثْت حَتّى رَأَيْت أَنّ الطّعَامَ قَدْ بَلَغَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ صَنَعْت لَك طَعَامًا فَأْتِ أَنْتَ وَمَنْ أَحْبَبْت مِنْ أَصْحَابِك . فَشَبّكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصَابِعَهُ فِي أَصَابِعِي ، ثُمّ قَالَ أَجِيبُوا ، جَابِرٌ يَدْعُوكُمْ فَأَقْبَلُوا مَعَهُ فَقُلْت : وَاَللّهِ إنّهَا الْفَضِيحَةُ فَأَتَيْت الْمَرْأَةَ فَأَخْبَرْتهَا فَقَالَتْ أَنْتَ دَعَوْتهمْ أَوْ هُوَ دَعَاهُمْ ؟ فَقُلْت : بَلْ هُوَ دَعَاهُمْ قَالَتْ دَعْهُمْ هُوَ أَعْلَمُ . قَالَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَكَانُوا فِرَقًا ، عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ ثُمّ قَالَ لَنَا : اغْرِفُوا وَغَطّوا الْبُرْمَةَ وَأَخْرِجُوا مِنْ التّنّورِ الْخُبْزَ ثُمّ غَطّوهُ . فَفَعَلْنَا فَجَعَلْنَا نَغْرِفُ وَنُغَطّي الْبُرْمَةَ ثُمّ نَفْتَحُهَا ، فَمَا نَرَاهَا نَقَصَتْ شَيْئًا ، وَنُخْرِجُ الْخُبْزَ مِنْ التّنّورِ ثُمّ نُغَطّيهِ فَمَا نَرَاهُ يَنْقُصُ شَيْئًا . فَأَكَلُوا حَتّى شَبِعُوا ، وَأَكَلْنَا وَأَهْدَيْنَا ، فَعَمِلَ النّاسُ يَوْمَئِذٍ كُلّهُمْ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَجَعَلَتْ الْأَنْصَارُ تَرْتَجِزُ وَتَقُولُ [ ص 453 ]
نَحْنُ الّذِينَ بَايَعُوا مُحَمّدًا

عَلَى الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدًا
فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
اللّهُمّ لَا خَيْرَ إلّا خَيْرُ الْآخِرَهْ

فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ








(1/450)

وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللّيْثِيّ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْرِضُ الْغِلْمَان َ وَهُوَ يَحْفِرُ الْخَنْدَقَ فَأَجَازَ مَنْ أَجَازَ وَرَدّ مَنْ رَدّ
وَكَانَ الْغِلْمَانُ يَعْمَلُونَ مَعَهُ الّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا وَلَمْ يُجِزْهُمْ وَلَكِنّهُ لَمّا لُحِمَ الْأَمْرُ أَمَرَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ إلَى الْآطَامِ مَعَ الذّرَارِيّ .
وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ آلَافٍ فَلَقَدْ كُنْت أَرَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّهُ لَيَضْرِبُ مَرّةً بِالْمَعُولِ وَمَرّةً يَغْرِفُ بِالْمِسْحَاةِ التّرَابَ وَمَرّةً يَحْمِلُ التّرَابَ فِي الْمِكْتَلِ .
وَلَقَدْ رَأَيْته يَوْمًا بَلَغَ مِنْهُ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ اتّكَأَ عَلَى حَجَرٍ عَلَى شِقّهِ الْأَيْسَرِ فَذَهَبَ بِهِ النّوُمُ . فَرَأَيْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَاقِفَيْنِ عَلَى رَأْسِهِ يُنَحّيَانِ النّاسَ أَنْ يَمُرّوا بِهِ فَيُنَبّهُوهُ وَأَنَا قَرّبْت مِنْهُ فَفَزِعَ وَوَثَبَ فَقَالَ أَلَا أَفْزَعْتُمُونِي فَأَخَذَ الْكَرْزَنَ يَضْرِبُ بِهِ وَإِنّهُ لَيَقُولُ
اللّهُمّ إنّ الْعَيْشَ عَيْشُ الْآخِرَهْ

فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
اللّهُمّ الْعَنْ عَضْلًا وَالْقَارَهْ

فَهُمْ كَلّفُونِي أَنْقُلُ الْحِجَارَهْ
فَكَانَ مِمّنْ أَجَازَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ ; وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ .
[ ص 454 ] حَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ ، وَكَانَ حَفَرَهُ سِتّةَ أَيّامٍ وَحَصّنَهُ وَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دُبُرَ سَلْعٍ ، فَجَعَلَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ وَالْخَنْدَقَ أَمَامَهُ وَكَانَ عَسْكَرُهُ هُنَالِكَ .
وَضَرَبَ قُبّةً مِنْ أَدَمٍ وَكَانَتْ الْقُبّةُ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْأَعْلَى الّذِي بِأَصْلِ الْجَبَلِ - جَبَلُ الْأَحْزَابِ - وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعْقِبُ بَيْنَ نِسَائِهِ فَتَكُونُ عَائِشَةُ أَيّامًا ، ثُمّ تَكُونُ أُمّ سَلَمَةَ ثُمّ تَكُونُ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ ، فَكَانَ هَؤُلَاءِ الثّلَاثُ اللّاتِي يُعْقِبُ بَيْنَهُنّ فِي الْخَنْدَقِ وَسَائِرُ نِسَائِهِ فِي أُطُمِ بَنِي حَارِثَةَ . وَيُقَالُ كُنّ فِي الْمَسِيرِ أُطُمٌ فِي بَنِي زُرَيْقٍ وَكَانَ حَصِينًا . وَيُقَالُ كَانَ بَعْضُهُنّ فِي فَارِعٍ - وَكُلّ هَذَا قَدْ سَمِعْنَاهُ .
فَحَدّثَنِي أَبُو أَيّوبَ بْنُ النّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ يَقُولُ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَلِقُرَيْشٍ فِي مَسِيرِهِ مَعَهُمْ إنّ قَوْمِي قُرَيْظَةَ مَعَكُمْ وَهُمْ أَهْلُ حَلْقَةٍ وَافِرَةٍ هُمْ سَبْعُمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَخَمْسُونَ مُقَاتِلًا . فَلَمّا دَنَوْا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ائْتِ قَوْمَك ، حَتّى يَنْقُضُوا الْعَهْدَ الّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ . فَذَهَبَ حُيَيّ حَتّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ صَالَحَ قُرَيْظَةَ وَالنّضِيرَ وَمَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْيَهُودِ أَلّا يَكُونُوا مَعَهُ وَلَا عَلَيْهِ .
وَيُقَالُ صَالَحَهُمْ عَلَى أَنْ يَنْصُرُوهُ مِمّنْ دَهَمَهُ مِنْهُمْ وَيُقِيمُوا عَلَى مَعَاقِلِهِمْ الْأُولَى الّتِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ . وَيُقَالُ إنّ حُيَيّ [ ص 455 ] عَدَلَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَسَلَكَ عَلَى الْعَصَبَةِ حَتّى طَرَقَ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ ، وَكَانَ كَعْبٌ صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهَا . فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ يُحَدّثُ يَقُولُ كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ رَجُلًا مَشْئُومًا ; هُوَ شَأْمُ بَنِي النّضِيرِ قَوْمُهُ وَشَأْمُ قُرَيْظَةَ حَتّى قُتِلُوا ، وَكَانَ يُحِبّ الرّئَاسَةَ وَالشّرَفَ عَلَيْهِمْ وَلَهُ فِي قُرَيْشٍ شَبَهٌ - أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ .
فَلَمّا أَتَى حُيَيّ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ كَرِهَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ دُخُولَهُ دَارَهُمْ فَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُ غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ ، فَقَالَ لَهُ حُيَيّ : قَدْ جِئْتُك بِمَا تَسْتَرِيحُ بِهِ مِنْ مُحَمّدٍ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ حَلّتْ وَادِي الْعَقِيقِ ، وَغَطَفَانَ بِالزّغَابَةِ .
قَالَ غَزَالٌ : جِئْتنَا وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ قَالَ حُيَيّ : لَا تَقُلْ هَذَا ثُمّ وُجّهَ إلَى بَابِ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ فَدَقّ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُ كَعْبٌ وَقَالَ مَا أَصْنَعُ بِدُخُولِ حُيَيّ عَلَيّ رَجُلٌ مَشْئُومٌ قَدْ شَأَمَ قَوْمَهُ وَهُوَ الْآنَ يَدْعُونِي إلَى نَقْضِ الْعَهْدِ قَالَ فَدَقّ عَلَيْهِ .
فَقَالَ كَعْبٌ إنّك امْرُؤٌ مَشْئُومٍ قَدْ شَأَمْت قَوْمَك حَتّى أَهْلَكْتهمْ فَارْجِعْ عَنّا فَإِنّك إنّمَا تُرِيدُ هَلَاكِي وَهَلَاكَ قَوْمِي فَأَبَى حُيَيّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَالَ كَعْبٌ يَا حُيَيّ ، إنّي عَاقَدْتُ مُحَمّدًا وَعَاهَدْته ، فَلَمْ نَرَ مِنْهُ إلّا صِدْقًا ; وَاَللّهِ مَا أَخْفَرَ لَنَا ذِمّةً وَلَا هَتَكَ لَنَا سِتْرًا ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ جِوَارَنَا .
فَقَالَ حُيَيّ : وَيْحَك إنّي قَدْ جِئْتُك بِبَحْرِ طَامٍ وَبِعَزّ الدّهْرِ جِئْتُك بِقُرَيْشٍ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا ، وَجِئْتُك بِكِنَانَةَ حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِرُومَةَ وَجِئْتُك بِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِالزّغَابَةِ إلَى نَقْمَى ، قَدْ قَادُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ وَالْعَدَدُ عَشَرَةُ آلَافٍ وَالْخَيْلُ أَلْفُ فَرَسٍ وَسِلَاحٌ كَثِيرٌ ، وَمُحَمّدٌ لَا يُفْلَتُ فِي فَوْرِنَا هَذَا ، وَقَدْ تَعَاقَدُوا [ ص 456 ] وَتَعَاهَدُوا أَلّا يَرْجِعُوا حَتّى يَسْتَأْصِلُوا مُحَمّدًا وَمَنْ مَعَهُ .
قَالَ كَعْبٌ وَيْحَك جِئْتنِي وَاَللّهِ بِذُلّ الدّهْرِ وَبِسَحَابٍ يَبْرُقُ وَيَرْعُدُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ . وَأَنَا فِي بَحْرٍ لُجّيّ لَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَرِيمَ دَارِي ، وَمَالِي مَعِي وَالصّبْيَانُ وَالنّسَاءُ فَارْجِعْ عَنّي ، فَإِنّهُ لَا حَاجَةَ لِي فِيمَا جِئْتنِي بِهِ .
قَالَ حُيَيّ : وَيْحَك أُكَلّمُك . قَالَ كَعْبٌ مَا أَنَا بِفَاعِلٍ . قَالَ وَاَللّهِ مَا أَغْلَقْت دُونِي إلّا لِجَشِيشَتِك أَنْ آكُلَ مَعَك مِنْهَا ، فَلَك أَلّا أُدْخِلَ يَدِي فِيهَا . قَالَ فَأَحْفَظُهُ فَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ يَفْتِلُهُ فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتّى لَانَ لَهُ وَقَالَ ارْجِعْ عَنّي يَوْمَك هَذَا حَتّى أُشَاوِرَ رُؤَسَاءَ الْيَهُودِ . فَقَالَ قَدْ جَعَلُوا الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ إلَيْك فَأَنْتَ تَرَى لَهُمْ . وَجَعَلَ يُلِحّ عَلَيْهِ حَتّى فَتَلَهُ عَنْ رَأْيِهِ فَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ : يَا حُيَيّ ، قَدْ دَخَلْت فِيمَا تَرَى كَارِهًا لَهُ وَأَنَا أَخْشَى أَلّا يُقْتَلَ مُحَمّدٌ وَتَنْصَرِفُ قُرَيْشٌ إلَى بِلَادِهَا ، وَتَرْجِعُ أَنْتَ إلَى أَهْلِك ، وَأَبْقَى فِي عُقْرِ الدّارِ وَأُقْتَلُ وَمَنْ مَعِي .
فَقَالَ حُيَيّ : لَك مَا فِي التّوْرَاةِ الّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ ، لَئِنْ لَمْ يُقْتَلْ مُحَمّدٌ فِي هَذِهِ الْفَوْرَةِ وَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ قَبْلَ أَنْ يُصِيبُوا مُحَمّدًا ، لَأَدْخُلَن مَعَك حِصْنَك حَتّى يُصِيبَنِي مَا أَصَابَك .
فَنَقَضَ كَعْبٌ الْعَهْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَا حُيَيّ بِالْكِتَابِ الّذِي كَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمْ فَشَقّهُ حُيَيّ ، فَلَمّا شَقّهُ حُيَيّ عَلِمَ أَنّ الْأَمْرَ قَدْ لَحَمَ وَفَسَدَ فَخَرَجَ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَهُمْ حِلَقٌ حَوْلَ مَنْزِلِ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ ، فَخَبّرَهُمْ الْخَبَرَ .
يَقُولُ الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا : وَا هَلَاكَ الْيَهُودِ تُوَلّي قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ [ ص 457 ] وَيَتْرُكُونَنَا فِي عُقْرِ دَارِنَا وَأَمْوَالِنَا وَذَرَارِيّنَا ، وَلَا قُوّةَ لَنَا بِمُحَمّدٍ مَا بَاتَ يَهُودِيّ عَلَى حُزَمٍ قَطّ ، وَلَا قَامَتْ يَهُودِيّةٌ بِيَثْرِبَ أَبَدًا . ثُمّ أَرْسَلَ كَعْبَ بْنَ أَسَدٍ إلَى نَفَرٍ مِنْ رُؤَسَاءِ الْيَهُودِ خَمْسَةً - الزّبَيْرَ بْنَ بَاطَا ، وَنَبّاشَ بْنَ قَيْسٍ ، وَغَزّالَ بْنَ سَمَوْأَلٍ ، وَعُقْبَةَ بْنَ زَيْدٍ ، وَكَعْبَ بْنَ زَيْدٍ فَخَبّرَهُمْ خَبَرَ حُيَيّ وَمَا أَعْطَاهُ حُيَيّ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ فَيَدْخُلَ مَعَهُ فَيُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُ . يَقُولُ الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا : وَمَا حَاجَتُك إلَى أَنْ تُقْتَلَ وَيُقْتَلَ مَعَك حُيَيّ قَالَ فَأُسْكِتَ كَعْبٌ وَقَالَ الْقَوْمُ نَحْنُ نَكْرَهُ نُزْرِي بِرَأْيِك أَوْ نُخَالِفُك ، وَحُيَيّ مَنْ قَدْ عَرَفْت شُومَهُ .
وَنَدِمَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَلَى مَا صَنَعَ مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ وَلَحَمَ الْأَمْرُ لَمّا أَرَادَ اللّهُ تَعَالَى مِنْ حَرْبِهِمْ وَهَلَاكِهِمْ .
فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي الْخَنْدَقِ أَتَى عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي قُبّتِهِ - وَقُبّةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَضْرُوبَةٌ مِنْ أَدَمٍ فِي أَصْلِ الْجَبَلِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الّذِي فِي أَسْفَلِ الْجَبَلِ - مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى خَنْدَقِهِمْ يَتَنَاوَبُونَ مَعَهُمْ بِضْعَةً وَثَلَاثُونَ فَرَسًا ، وَالْفُرْسَانُ يَطُوفُونَ عَلَى الْخَنْدَقِ مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ يَتَعَاهَدُونَ رِجَالًا وَضَعُوهُمْ فِي مَوَاضِعَ مِنْهُ إلَى أَنْ جَاءَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ بَلَغَنِي أَنّ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ نَقَضَتْ الْعَهْدَ وَحَارَبَتْ . فَاشْتَدّ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ مَنْ نَبْعَثُ يَعْلَمُ لَنَا عِلْمَهُمْ ؟ فَقَالَ عُمَرُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ . فَكَانَ أَوّلَ النّاسِ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، فَقَالَ اذْهَبْ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ . فَذَهَبَ الزّبَيْرُ فَنَظَرَ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ رَأَيْتهمْ يُصْلِحُونَ حُصُونَهُمْ وَيُدْرِبُونَ طُرُقَهُمْ وَقَدْ جَمَعُوا مَاشِيَتَهُمْ . فَذَلِكَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ لِكُلّ نَبِيّ حَوَارِيّا ، وَحَوَارِيّ الزّبَيْرُ وَابْنُ عَمّتِي
[ ص 458 ] ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، وَأُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ فَقَالَ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ الّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَحَارَبُوا ، فَاذْهَبُوا فَانْظُرُوا إنْ كَانَ مَا بَلَغَنِي حَقّا ; فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا فَأَظْهِرُوا الْقَوْلَ وَإِنْ كَانَ حَقّا فَتَكَلّمُوا بِكَلَامٍ تَلْحَنُونَ لِي بِهِ أَعْرِفُهُ لَا تَفُتّوا أَعْضَادَ الْمُسْلِمِينَ .
فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ وَجَدُوا الْقَوْمَ قَدْ نَقَضُوا الْعَهْدَ فَنَاشَدُوهُمْ اللّهَ وَالْعَهْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَلْتَحِمَ الْأَمْرُ وَأَلّا يُطِيعُوا حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ .
فَقَالَ كَعْبٌ لَا نَرُدّهُ أَبَدًا ، قَدْ قَطَعْته كَمَا قَطَعْت هَذَا الْقِبَالَ لِقِبَالِ نَعْلِهِ . وَوَقَعَ كَعْبٌ بِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ يَسُبّهُ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ تَسُبّ سَيّدَك يَا عَدُوّ اللّهِ ؟ مَا أَنْتَ لَهُ بِكُفْءٍ أَمَا وَاَللّهِ يَا ابْنَ الْيَهُودِ ، لَتُوَلّيَن قُرَيْشٌ إنْ شَاءَ اللّهُ مُنْهَزِمَةً وَتَتْرُكُك فِي عُقْرِ دَارِك ، فَنَسِيرُ إلَيْك فَتَنْزِلُ مِنْ جُحْرِك هَذَا عَلَى حُكْمِنَا . وَإِنّك لَتَعْلَمُ النّضِيرَ كَانُوا أَعَزّ مِنْك وَأَعْظَمَ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ دِيَتُك نِصْفُ دِيَتِهِمْ وَقَدْ رَأَيْت مَا صَنَعَ اللّهُ بِهِمْ . وَقَبْلَ ذَلِكَ بَنُو قَيْنُقَاعَ ، نَزَلُوا عَلَى حُكْمِنَا .
قَالَ كَعْبٌ يَا ابْنَ الْحُضَيْرِ تُخَوّفُونَنِي بِالْمَسِيرِ إلَيّ ؟ أَمَا وَالتّوْرَاة ِ ، لَقَدْ رَآنِي أَبُوك يَوْمَ بُعَاثَ - لَوْلَا نَحْنُ لَأَجْلَتْهُ الْخَزْرَجُ مِنْهَا . إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا لَقِيتُمْ أَحَدًا يُحْسِنُ الْقِتَالَ وَلَا يَعْرِفُهُ نَحْنُ وَاَللّهِ نُحْسِنُ قِتَالَكُمْ وَنَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْ الْمُسْلِمِينَ أَقْبَحَ الْكَلَامِ وَشَتَمُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ شَتْمًا قَبِيحًا حَتّى أَغْضَبُوهُ .
فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : دَعْهُمْ فَإِنّا لَمْ نَأْتِ لِهَذَا ، مَا بَيْنَنَا أَشَدّ مِنْ الْمُشَاتَمَةِ - السّيْفُ وَكَانَ [ ص 459 ] الّذِي يَشْتُمُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ فَقَالَ عَضِضْتَ بِبَظْرِ أُمّك فَانْتَفَضَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ غَضَبًا ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : إنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ بَنِي النّضِيرِ .
قَالَ غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ : أَكَلْت أَيْرَ أَبِيك قَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ أَحْسَنَ مِنْهُ .
قَالَ ثُمّ رَجَعُوا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : عَضَلُ وَالْقَارَةُ . وَسَكَتَ الرّجُلَانِ - يُرِيدُ بِعَضَلَ وَالْقَارَةَ غَدْرَهُمْ بِخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِ الرّجِيعِ - ثُمّ جَلَسُوا . فَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ بِنَصْرِ اللّهِ وَعَوْنِهِ وَانْتَهَى الْخَبَرُ إلَى الْمُسْلِمِينَ بِنَقْضِ بَنِي قُرَيْظَةَ الْعَهْدَ فَاشْتَدّ الْخَوْفُ وَعَظُمَ الْبَلَاءُ .








(1/454)




قُرِئَ عَلَى ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الثّلْجِيّ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ ، قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ، وَسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ، وَخَوّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَالْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا . قَالُوا : وَنَجَمَ النّفَاقُ وَفَشِلَ النّاسُ وَعَظُمَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدّ الْخَوْفُ وَخِيفَ عَلَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءِ وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وِجَاهَ الْعَدُوّ لَا يَسْتَطِيعُونَ الزّوَالَ عَنْ مَكَانِهِمْ يَعْتَقِبُونَ خَنْدَقَهُمْ وَيَحْرُسُونَهُ .
وَتَكَلّمَ قَوْمٌ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ فَقَالَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ : يَعِدُنَا مُحَمّدٌ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَأَحَدُنَا لَا [ ص 460 ] يَأْمَنُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى حَاجَتِهِ وَمَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إلّا غُرُورًا فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيق ِ وَآخُذَ الْمِفْتَاحَ وَلَيُهْلِكَن اللّهُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَلَتُنْفَقَن أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ - يَقُولُ ذَلِكَ حِينَ رَأَى مَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكَرْبِ . فَسَمِعَهُ مُعَتّبٌ فَقَالَ مَا قَالَ .
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ هَمّتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَنْ يُغَيّرُوا عَلَى بَيْضَةِ الْمَدِينَةِ لَيْلًا ، فَأَرْسَلُوا حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ إلَى قُرَيْشٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مِنْهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ وَمِنْ غَطَفَانَ أَلْفٌ فَيُغِيرُوا بِهِمْ . فَجَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ فَعَظُمَ الْبَلَاءُ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْعَثُ سَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ الْأَشْهَلِيّ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ يَحْرَسُونَ الْمَدِينَةَ وَيُظْهِرُونَ التّكْبِيرَ وَمَعَهُمْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا أَصْبَحُوا أَمّنُوا .
فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَقَدْ خِفْنَا عَلَى الذّرَارِيّ بِالْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ أَشَدّ [ مِنْ ] خَوْفِنَا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ ، وَلَقَدْ كُنْت أُوفِي عَلَى سَلْعٍ فَأَنْظُرُ إلَى بُيُوتِ الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا رَأَيْتهمْ هَادِينَ حَمِدْت اللّهَ عَزّ وَجَلّ فَكَانَ مِمّا رَدّ اللّهُ بِهِ قُرَيْظَةَ عَمّا أَرَادُوا أَنّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ تُحْرَسُ .
حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ خَوّاتٍ عَنْ ابْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ : دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ مُحَاصِرُو الْخَنْدَقِ ، فَقَالَ انْطَلِقْ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْظُرْ هَلْ تَرَى لَهُمْ غُرّةً أَوْ خَلَلًا مِنْ مَوْضِعٍ فَتُخْبِرُنِي .
قَالَ فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ فَتَدَلّيْت مِنْ سَلْعٍ وَغَرَبَتْ [ ص 461 ] لِي الشّمْسُ فَصَلّيْت الْمَغْرِبَ ثُمّ خَرَجْت حَتّى أَخَذْت فِي رَاتِجٍ ، ثُمّ عَلَى عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، ثُمّ فِي زُهْرَةَ ، ثُمّ عَلَى بُعَاثَ .
فَلَمّا دَنَوْت مِنْ الْقَوْمِ قُلْت : أَكْمُنُ لَهُمْ . فَكَمَنْت وَرَمَقْت الْحُصُونَ سَاعَةً ثُمّ ذَهَبَ بِي النّوْمُ فَلَمْ أَشْعُرْ إلّا بِرَجُلٍ قَدْ احْتَمَلَنِي وَأَنَا نَائِمٌ فَوَضَعَنِي عَلَى عُنُقِهِ ثُمّ انْطَلَقَ يَمْشِي . قَالَ فَفَزِعْت وَرَجُلٌ يَمْشِي بِي عَلَى عَاتِقِهِ فَعَرَفْت أَنّهُ طَلِيعَةٌ مِنْ قُرَيْظَةَ وَاسْتَحْيَيْت تِلْكَ السّاعَةَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِيَاءً شَدِيدًا ، حَيْثُ ضَيّعْت ثَغْرًا أَمَرَنِي بِهِ ثُمّ ذَكَرْت غَلَبَةَ النّوْمِ .
قَالَ وَالرّجُلُ يُرْقَلُ بِي إلَى حُصُونِهِمْ فَتَكَلّمَ بِالْيَهُودِيّةِ فَعَرَفْته ، قَالَ أَبْشِرْ بِجَزْرَةٍ سَمِينَةٍ قَالَ وَذَكَرْت وَجَعَلْت أَضْرِبُ بِيَدِي - وَعَهْدِي بِهِمْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَبَدًا إلّا بِمِعْوَلٍ فِي وَسَطِهِ . قَالَ فَأَضَعُ يَدِي عَلَى الْمِعْوَلِ فَأَنْتَزِعُهُ وَشُغِلَ بِكَلَامِ رَجُلٍ مِنْ فَوْقِ الْحِصْنِ فَانْتَزَعْته فَوَجَأْت بِهِ كَبِدَهُ فَاسْتَرْخَى وَصَاحَ السّبُعُ فَأَوْقَدَتْ الْيَهُودُ النّارَ عَلَى آطَامِهَا بِشُعَلِ السّعَفِ . وَوَقَعَ مَيّتًا وَانْكَشَفَ فَكُنْت لَا أُدْرَكُ وَأَقْبَلَ مِنْ طَرِيقِي الّتِي جِئْت مِنْهَا .
وَجَاءَ جِبْرِيلُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ظَفِرْت يَا خَوّاتُ ثُمّ خَرَجَ فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ خَوّاتٍ كَذَا وَكَذَا . وَآتِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَتَحَدّثُونَ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَفْلَحَ وَجْهُك قُلْت : وَوَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ أَخْبِرْنِي خَبَرَك . فَأَخْبَرْته ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَكَذَا أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ .
وَقَالَ الْقَوْمُ هَكَذَا حَدّثَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ خَوّاتٌ فَكَانَ لَيْلُنَا بِالْخَنْدَقِ نَهَارًا . قَالَ غَيْرُ صَالِحٍ قَالَ خَوّاتٌ رَأَيْتنِي [ ص 462 ] وَأَنَا أَتَذَكّرُ سُوءَ أَثَرِي عِنْدَهُمْ بَعْدَ مُمَالَحَةٍ وَخِلْصِيّةٍ مِنّي لَهُمْ فَقُلْت : هُمْ يُمَثّلُونَ بِي كُلّ الْمَثْلَ حَتّى ذَكَرْت الْمِعْوَلَ .
حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ خَرَجَ نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ لَيْلَةً مِنْ حِصْنِهِمْ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ ، وَمَعَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ مِنْ أَشِدّائِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ عَسَى أَنْ نُصِيبَ مِنْهُمْ غُرّةً . فَانْتَهَوْا إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، فَيَجِدُونَ نَفَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ فَنَاهَضُوهُمْ فَرَامُوهُمْ سَاعَةً بِالنّبْلِ ثُمّ انْكَشَفَ الْقُرَيْظِيّونَ مُوَلّينَ .
وَبَلَغَ سَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ وَهُمْ بِنَاحِيَةِ بَنِي حَارِثَةَ ، فَأَقْبَلَ فِي أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَوْا إلَى حُصُونِهِمْ فَجَعَلُوا يُطِيفُونَ بِحُصُونِهِمْ حَتّى خَافَتْ الْيَهُودُ ، وَأَوْقَدُوا النّيرَانَ عَلَى آطَامِهِمْ وَقَالُوا : الْبَيَاتَ وَهَدَمُوا قَرْنَيْ بِئْرٍ لَهُمْ وَهَوّرُوهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا يَطْلُعُوا مِنْ حِصْنِهِمْ وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا .
(1/460)
-------------

7.المغازي للواقدي سابع الشاملة



الصفحة التالية 7 المغازي للواقدي
وَقَالُوا : أَتَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فِي رَهْطٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قُعُودًا ، وَمَرّ بِهِمْ أَنَسُ بْنُ النّضْرِ بْنِ ضَمْضَمٍ عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَقَالَ مَا يُقْعِدُكُمْ ؟ قَالُوا : قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ . قَالَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ بَعْدَهُ ؟ قُومُوا فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ ثُمّ جَالَدَ بِسَيْفِهِ حَتّى قُتِلَ .
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ : إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَبْعَثَهُ اللّهُ أُمّةً وَحْدَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَوُجِدَ بِهِ سَبْعُونَ ضَرْبَةً فِي وَجْهِهِ مَا عُرِفَ حَتّى عَرَفَتْ أُخْتُهُ حُسْنَ بَنَانِهِ وَيُقَالُ حُسْنَ ثَنَايَاهُ .
(1/280)
قَالُوا : وَمَرّ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ عَلَى خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي حَشْوَتِهِ بِهِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُرْحًا ، كُلّهَا قَدْ خَلَصَتْ إلَى مَقْتَلٍ فَقَالَ أَمَا عَلِمْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ ؟ قَالَ خَارِجَةُ فَإِنْ كَانَ قَدْ قُتِلَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ فَقَدْ بَلّغَ مُحَمّدٌ ، فَقَاتِلْ عَنْ دِينِك
(1/280)
وَمَرّ عَلَى سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ وَبِهِ اثْنَا عَشَرَ جُرْحًا ، كُلّهَا قَدْ خَلَصَ إلَى مَقْتَلٍ فَقَالَ عَلِمْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ ؟ قَالَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ : أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ بَلّغَ رِسَالَةَ رَبّهِ فَقَاتِلْ عَنْ دِينِك ، فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ وَقَالَ مُنَافِقٌ إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ قُتِلَ فَارْجِعُوا إلَى قَوْمِكُمْ فَإِنّهُمْ دَاخِلُو الْبُيُوتِ . [ ص 281 ]
(1/281)
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمّارٍ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ الْخِطْمِيّ قَالَ أَقْبَلَ ثَابِتُ بْنُ الدّحْدَاحَةِ يَوْمَئِذٍ وَالْمُسْلِمُونَ أَوْزَاعٌ قَدْ سَقَطَ فِي أَيْدِيهِمْ فَجَعَلَ يَصِيحُ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، إلَيّ إلَيّ أَنَا ثَابِتُ بْنُ الدّحْدَاحَةِ إنْ كَانَ مُحَمّدٌ قَدْ قُتِلَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ فَقَاتِلُوا عَنْ دِينِكُمْ فَإِنّ اللّهَ مُظْهِرُكُمْ وَنَاصِرُكُمْ فَنَهَضَ إلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَجَعَلَ يَحْمِلُ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ وَقَفَتْ لَهُمْ كَتِيبَةٌ خَشْنَاءُ فِيهَا رُؤَسَاؤُهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَجَعَلُوا يُنَاوِشُونَهُمْ . وَحَمَلَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالرّمْحِ فَطَعَنَهُ فَأَنْفَذَهُ فَوَقَعَ مَيّتًا ، وَقُتِلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ .
فَيُقَالُ إنّ هَؤُلَاءِ لَآخِرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَوَصَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الشّعْبِ مَعَ أَصْحَابِهِ فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ قِتَالٌ .
كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ خَاصَمَ إلَيْهِ يَتِيمٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَبَا لُبَابَةَ فِي عَذْقٍ بَيْنَهُمَا ، فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي لُبَابَةَ ، فَجَزَعَ الْيَتِيمُ عَلَى الْعَذْقِ وَطَلَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَذْقَ إلَى أَبِي لُبَابَة َ لِلْيَتِيمِ فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لِأَبِي لُبَابَةَ لَك بِهِ عَذْقٌ فِي الْجَنّةِ . فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ فَقَالَ ابْنُ الدّحْدَاحَةِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت إنْ أَعْطَيْت الْيَتِيمَ عَذْقَهُ مَالِي ؟ قَالَ عَذْقٌ فِي الْجَنّةِ . قَالَ فَذَهَبَ ثَابِتُ بْنُ الدّحْدَاحَةِ فَاشْتَرَى مِنْ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ذَلِكَ الْعَذْقَ بِحَدِيقَةِ نَخْلٍ ، ثُمّ رَدّ عَلَى الْغُلَامِ الْعَذْقَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُبّ عَذْقٍ مُذَلّلٍ لِابْنِ الدّحْدَاحَةِ فِي الْجَنّةِ [ ص 282 ] فَكَانَتْ تُرْجَى لَهُ الشّهَادَةُ لِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ بِأُحُدٍ .
(1/282)
وَيُقْبِلُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ فَارِسًا ، يَجُرّ قَنَاةً لَهُ طَوِيلَةً فَيَطْعَنُ عَمْرَو بْنَ مُعَاذٍ فَأَنْفَذَهُ وَيَمْشِي عَمْرٌو إلَيْهِ حَتّى غُلِبَ فَوَقَعَ لِوَجْهِهِ . يَقُولُ ضِرَارٌ : لَا تَعْدَمَن رَجُلًا زَوّجَك مِنْ الْحُورِ الْعِينِ . وَكَانَ يَقُولُ زَوّجْت عَشَرَةً مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ .
قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : سَأَلْت ابْنَ جَعْفَرٍ هَلْ قَتَلَ عَشَرَةً ؟ فَقَالَ لَمْ يَبْلُغْنَا أَنّهُ قَتَلَ إلّا ثَلَاثَةً . وَقَدْ ضَرَبَ يَوْمَئِذٍ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حَيْثُ جَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ بِالْقَنَاةِ . قَالَ يَا ابْنَ الْخَطّابِ إنّهَا نِعْمَةٌ مَشْكُورَةٌ وَاَللّهِ مَا كُنْت لِأَقْتُلَك وَكَانَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ يُحَدّثُ وَيَذْكُرُ وَقْعَةَ أُحُدٍ، وَيَذْكُرُ الْأَنْصَارَ وَيَتَرَحّمُ عَلَيْهِمْ وَيَذْكُرُ غِنَاءَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَشَجَاعَتَهُمْ وَتَقَدّمَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ ثُمّ يَقُولُ لَمّا قُتِلَ أَشْرَافُ قَوْمِي بِبَدْرٍ جَعَلْت أَقُولُ مَنْ قَتَلَ أَبَا الْحَكَمِ ؟ يُقَالُ ابْنُ عَفْرَاءَ .
مَنْ قَتَلَ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ ؟ يُقَالُ خُبَيْبٌ بْنُ يَسَافٍ . مَنْ قَتَلَ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ ؟ قَالُوا : عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ . مَنْ قَتَلَ فُلَانًا ؟ فَيُسَمّى لِي . مَنْ أَسَرَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ؟ قَالُوا : مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ . فَلَمّا خَرَجْنَا إلَى أُحُدٍ وَأَنَا أَقُولُ إنْ أَقَامُوا فِي صَيَاصِيِهِمْ فَهِيَ مَنِيعَةٌ لَا سَبِيلَ لَنَا إلَيْهِمْ نُقِيمُ أَيّامًا ثُمّ نَنْصَرِفُ وَإِنْ خَرَجُوا إلَيْنَا مِنْ صَيَاصِيِهِمْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ - مَعَنَا عَدَدٌ كَثِيرٌ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِهِمْ وَقَوْمٌ مَوْتُورُونَ خَرَجْنَا بِالظّعُنِ يُذَكّرْنَنَا قَتْلَى بَدْرٍ، وَمَعَنَا كُرَاعٌ وَلَا كُرَاعَ مَعَهُمْ وَمَعَنَا سِلَاحٌ أَكْثَرُ مِنْ سِلَاحِهِمْ . فَقُضِيَ لَهُمْ أَنْ خَرَجُوا ، فَالْتَقَيْنَا ، فَوَاَللّهِ [ ص 283 ] مَا أَقَمْنَا لَهُمْ حَتّى هُزِمْنَا وَانْكَشَفْنَا مُوَلّينَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : هَذِهِ أَشَدّ مِنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَجَعَلْت أَقُولُ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ : كُرّ عَلَى الْقَوْمِ فَجَعَلَ يَقُولُ وَتَرَى وَجْهًا نَكُرّ فِيهِ ؟ حَتّى نَظَرْت إلَى الْجَبَلِ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ الرّمَاةُ خَالِيًا ، فَقُلْت : أَبَا سُلَيْمَانَ اُنْظُرْ وَرَاءَك فَعَطَفَ عَنَانَ فَرَسِهِ فَكّرَ وَكَرَرْنَا مَعَهُ فَانْتَهَيْنَا إلَى الْجَبَلِ فَلَمْ نَجِدْ عَلَيْهِ أَحَدًا لَهُ بَالٌ وَجَدْنَا نُفَيْرًا فَأَصَبْنَاهُمْ ثُمّ دَخَلْنَا الْعَسْكَرَ وَالْقَوْمُ غَارّونَ يَنْتَهِبُونَ الْعَسْكَرَ فَأَقْحَمْنَا الْخَيْلَ عَلَيْهِمْ فَتَطَايَرُوا فِي كُلّ وَجْهٍ وَوَضَعْنَا السّيُوفَ فِيهِمْ حَيْثُ شِئْنَا . وَجَعَلْت أَطْلُبُ الْأَكَابِرَ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ قَتَلَةَ الْأَحِبّةِ فَلَا أَرَى أَحَدًا ، قَدْ هَرَبُوا ، فَمَا كَانَ حَلْبَ نَاقَةٍ حَتّى تَدَاعَتْ الْأَنْصَارُ بَيْنَهَا ، فَأَقْبَلَتْ فَخَالَطُونَا وَنَحْنُ فُرْسَانٌ فَصَبَرُوا لَنَا ، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ حَتّى عَقَرُوا فَرَسِي وَتَرَجّلْت ، فَقَتَلْت مِنْهُمْ عَشَرَةً . وَلَقِيت مِنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ الْمَوْتَ النّاقِعَ حَتّى وَجَدْت رِيحَ الدّمِ وَهُوَ مُعَانِقِي ، مَا يُفَارِقُنِي حَتّى أَخَذَتْهُ الرّمَاحُ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ وَوَقَعَ فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أُكْرِمهُمْ بِيَدِي وَلَمْ يُهِنّي بِأَيْدِيهِمْ .
(1/283)
وَقَالُوا : إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ : مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِذَكْوَانِ بْنِ عَبْدِ قَيْسٍ ؟ قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنَا رَأَيْت يَا رَسُولَ اللّهِ فَارِسًا يَرْكُضُ فِي أَثَرِهِ حَتّى لَحِقَهُ وَهُوَ يَقُولُ لَا نَجَوْت إنْ نَجَوْت فَحَمَلَ عَلَيْهِ بِفَرَسِهِ وَذَكْوَانُ رَاجِلٌ فَضَرَبَهُ وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ عِلَاجٍ فَأَهْوَيْت إلَيْهِ وَهُوَ فَارِسٌ ، فَضَرَبْت رِجْلَهُ بِالسّيْفِ حَتّى قَطَعْتهَا عَنْ نِصْفِ الْفَخِذِ ثُمّ طَرَحْته مِنْ فَرَسِهِ فَذَفَفْت عَلَيْهِ وَإِذَا هُوَ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقِ بْنِ عِلَاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ . [ ص 284 ]
(1/284)
وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ خَوّاتٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، قَالَ قَالَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ : لَمّا كَرّ الْمُشْرِكُونَ انْتَهَوْا إلَى الْجَبَلِ وَقَدْ عَرِيَ مِنْ الْقَوْمِ ; وَبَقِيَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ فَهُمْ عَلَى رَأْسِ عَيْنَيْنِ .
فَلَمّا طَلَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَعِكْرِمَةُ فِي الْخَيْلِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ انْبَسِطُوا نَشْرًا لِئَلّا يَجُوزَ الْقَوْمُ فَصَفّوا وَجْهَ الْعَدُوّ . وَاسْتَقْبَلُوا الشّمْسَ فَقَاتَلُوا سَاعَةً حَتّى قُتِلَ أَمِيرُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرٍ ، وَقَدْ جُرِحَ عَامّتُهُمْ . فَلَمّا وَقَعَ جَرّدُوهُ وَمَثّلُوا بِهِ أَقْبَحَ الْمَثْلِ وَكَانَتْ الرّمَاحُ قَدْ شَرَعَتْ فِي بَطْنِهِ حَتّى خَرَقَتْ مَا بَيْنَ سُرّتِهِ إلَى خَاصِرَتِهِ إلَى عَانَتِهِ فَكَانَتْ حَشْوَتُهُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا . فَلَمّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ تِلْكَ الْجَوْلَةَ مَرَرْت بِهِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَلَقَدْ ضَحِكْت فِي مَوْضِعٍ مَا ضَحِكَ فِيهِ أَحَدٌ قَطّ ، وَنَعَسْت فِي مَوْضِعٍ مَا نَعَسَ فِيهِ أَحَدٌ ، وَبَخِلْت فِي مَوْضِعٍ مَا بَخِلَ فِيهِ أَحَدٌ . فَقِيلَ مَا هِيَ ؟ قَالَ حَمَلْته فَأَخَذْت بِضَبُعَيْهِ وَأَخَذَ أَبُو حَنّةَ بِرِجْلَيْهِ وَقَدْ شَدَدْت جُرْحَهُ بِعِمَامَتِي ، فَبَيْنَا نَحْنُ نَحْمِلُهُ وَالْمُشْرِكِينَ نَاحِيَةً إلَى أَنْ سَقَطَتْ عِمَامَتِي مِنْ جُرْحِهِ فَخَرَجَتْ حَشْوَتُهُ فَفَزِعَ صَاحِبِي وَجَعَلَ يَلْتَفِتُ وَرَاءَهُ يَظُنّ أَنّهُ الْعَدُوّ ، فَضَحِكْت .
وَلَقَدْ شَرَعَ لِي رَجُلٌ بِرُمْحٍ يَسْتَقْبِلُ بِهِ ثُغْرَةَ نَحْرِي ، فَغَلَبَنِي النّوْمُ وَزَالَ الرّمْحُ . وَلَقَدْ رَأَيْتنِي حِينَ انْتَهَيْت إلَى الْحَفْرِ لَهُ وَمَعِي قَوْسِي ، وَغَلُظَ عَلَيْنَا الْجَبَلُ فَهَبَطْنَا بِهِ الْوَادِيَ فَحَفَرْت بِسِيَةِ الْقَوْسِ وَفِيهَا الْوَتَرُ فَقُلْت : لَا أُفْسِدُ [ ص 285 ] الْوَتَرَ فَحَلَلْته ثُمّ حَفَرْت بِسِيَتِهَا حَتّى أَنْعَمْنَا ، ثُمّ غَيّبْنَاهُ وَانْصَرَفْنَا ، وَالْمُشْرِكُونَ بَعْدُ نَاحِيَةً وَقَدْ تَحَاجَزْنَا ، فَلَمْ يَلْبَثُوا أَنْ وَلّوْا .
(1/285)
قَالُوا : وَكَانَ وَحْشِيّ عَبْدًا لِابْنَةِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ - وَيُقَالُ كَانَ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - فَقَالَتْ ابْنَةُ الْحَارِثِ إنّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت أَحَدَ الثّلَاثَةِ فَأَنْتَ حُرّ ، إنْ قَتَلْت مُحَمّدًا ، أَوْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَوْ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ . فَإِنّي لَا أَرَى فِي الْقَوْمِ كُفُؤًا لِأَبِي غَيْرَهُمْ .
بَدْرٍ ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت أَحَدَ الثّلَاثَةِ فَأَنْتَ حُرّ ، إنْ قَتَلْت مُحَمّدًا ، أَوْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَوْ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ . فَإِنّي لَا أَرَى فِي الْقَوْمِ كُفُؤًا لِأَبِي غَيْرَهُمْ .
الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَل ٍ- وَيُقَالُ كَانَ لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - فَقَالَتْ ابْنَةُ الْحَارِثِ : إنّ أَبِي قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت أَحَدَ الثّلَاثَةِ فَأَنْتَ حُرّ ، إنْ قَتَلْت مُحَمّدًا ، أَوْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَوْ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ . فَإِنّي لَا أَرَى فِي الْقَوْمِ كُفُؤًا لِأَبِي غَيْرَهُمْ .
قَالَ وَحْشِيّ : أَمّا رَسُولُ اللّهِ فَقَدْ عَلِمْت أَنّي لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ وَأَنّ أَصْحَابَهُ لَنْ يُسْلِمُوهُ . وَأَمّا حَمْزَةُ فَقُلْت : وَاَللّهِ لَوْ وَجَدْته نَائِمًا مَا أَيْقَظْته مِنْ هَيْبَتِهِ وَأَمّا عَلِيّ فَقَدْ كُنْت أَلْتَمِسُهُ . قَالَ فَبَيْنَا أَنَا فِي النّاسِ أَلْتَمِسُ عَلِيّا إلَى أَنْ طَلَعَ عَلَيّ فَطَلَعَ رَجُلٌ حَذِرٌ مَرِسٌ كَثِيرُ الِالْتِفَاتِ .
فَقُلْت : مَا هَذَا صَاحِبِي الّذِي أَلْتَمِسُ إذْ رَأَيْت حَمْزَةَ يَفْرِي النّاسَ فَرْيًا ، فَكَمَنْت إلَى صَخْرَةٍ وَهُوَ مُكَبّسٌ لَهُ كَثِيبٌ ، فَاعْتَرَضَ لَهُ سِبَاعُ بْنُ أُمّ أَنْمَارٍ - وَكَانَتْ أُمّهُ خَتّانَةً بِمَكّةَ مَوْلَاةً لِشَرِيفِ بْنِ عِلَاجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ وَكَانَ سِبَاعٌ يُكَنّى أَبَا نِيَارٍ - فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ وَأَنْتَ أَيْضًا يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ مِمّنْ يُكْثِرُ عَلَيْنَا . هَلُمّ إلَيّ فَاحْتَمَلَهُ حَتّى إذَا بَرَقَتْ قَدَمَاهُ رَمَى بِهِ فَبَرَكَ عَلَيْهِ فَشَحَطَهُ شَحْطَ الشّاةِ . ثُمّ أَقْبَلَ إلَيّ مِكْبَسًا حِينَ رَآنِي ، فَلَمّا بَلَغَ الْمَسِيلَ وَطِئَ عَلَى جُرُفٍ فَزَلّتْ قَدَمُهُ فَهَزَزْت حَرْبَتِي [ ص 286 ] حَتّى رَضِيت مِنْهَا ، فَأَضْرِبُ بِهَا فِي خَاصِرَتِهِ حَتّى خَرَجْت مِنْ مَثَانَتِهِ .
وَكَرّ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ أَبَا عُمَارَةَ فَلَا يُجِيبُ فَقُلْت : قَدْ وَاَللّهِ مَاتَ الرّجُلُ وَذَكَرْت هِنْدًا وَمَا لَقِيَتْ عَلَى أَبِيهَا وَعَمّهَا وَأَخِيهَا ، وَانْكَشَفَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ حِينَ أَيْقَنُوا مَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنِي ، فَأَكُرّ عَلَيْهِ فَشَقَقْت بَطْنَهُ فَأَخْرَجْت كَبِدَهُ فَجِئْت بِهَا إلَى هِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ ، فَقُلْت : مَاذَا لِي إنْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِيك ؟ قَالَتْ سَلَبِي فَقُلْت : هَذِهِ كَبِدُ حَمْزَةَ . فَمَضَغَتْهَا ثُمّ لَفَظَتْهَا ، فَلَا أَدْرِي لَمْ تُسِغْهَا أَوْ قَذَرَتْهَا . فَنَزَعَتْ ثِيَابَهَا وَحُلِيّهَا فَأَعْطَتْنِيهِ ثُمّ قَالَتْ إذَا جِئْت مَكّةَ فَلَك عَشَرَةُ دَنَانِيرَ .
ثُمّ قَالَتْ أَرِنِي مَصْرَعَهُ فَأَرَيْتهَا مَصْرَعَهُ فَقَطَعَتْ مَذَاكِيرَهُ وَجَدَعَتْ أَنْفَهُ وَقَطَعَتْ أُذُنَيْهِ ثُمّ جَعَلَتْ مَسَكَتَيْنِ وَمِعْضَدَيْنِ وَخَدَمَتَيْنِ حَتّى قَدِمَتْ بِذَلِكَ مَكّةَ ، وَقَدِمَتْ بِكَبِدِهِ مَعَهَا .
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ ابْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ قَالَ غَزَوْنَا الشّامَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَمَرَرْنَا بِحِمْصٍ بَعْدَ الْعَصْرِ فَقُلْنَا : وَحْشِيّ فَقَالُوا : لَا تَقْدِرُونَ عَلَيْهِ هُوَ الْآنَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حَتّى يُصْبِحَ . فَبِتْنَا مِنْ أَجْلِهِ وَإِنّا لَثَمَانُونَ رَجُلًا ، فَلَمّا صَلّيْنَا الصّبْحَ جِئْنَا إلَى مَنْزِلِهِ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ قَدْ طُرِحَتْ لَهُ زِرْبِيّةٌ قَدْرَ مَجْلِسِهِ فَقُلْنَا لَهُ أَخْبِرْنَا عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ وَعَنْ مُسَيْلِمَةَ ، فَكَرِهَ ذَلِكَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ فَقُلْنَا لَهُ مَا بِتْنَا هَذِهِ اللّيْلَةَ إلّا مِنْ أَجْلِك .
فَقَالَ إنّي كُنْت عَبْدًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمِ بْنِ عَدِي ّ فَلَمّا خَرَجَ النّاسُ إلَى أُحُدٍ دَعَانِي فَقَالَ قَدْ رَأَيْت مَقْتَلَ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَلَمْ تَزَلْ نِسَاؤُنَا فِي حُزْنٍ شَدِيدٍ إلَى يَوْمِي هَذَا ; [ ص 287 ] فَإِنْ قَتَلْت حَمْزَةَ فَأَنْتَ حُرّ . قَالَ فَخَرَجْت مَعَ النّاسِ وَلِي مَزَارِيقُ وَكُنْت أَمُرّ بِهِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ فَتَقُولُ إيه أَبَا دَسِمَةَ اشْفِ وَاشْتَفِ فَلَمّا وَرَدْنَا أُحُدًا نَظَرْت إلَى حَمْزَةَ يَقْدُمُ النّاسَ يَهُدّهُمْ هَدّا فَرَآنِي وَأَنَا قَدْ كَمَنْت لَهُ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَأَقْبَلَ نَحْوِي وَيَعْتَرِضُ لَهُ سِبَاعٌ الْخُزَاعِيّ ، فَأَقْبَلَ إلَيْهِ فَقَالَ وَأَنْتَ أَيْضًا [ يَا ] ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ مِمّنْ يُكْثِرُ عَلَيْنَا ، هَلُمّ إلَيّ قَالَ وَأَقْبَلَ حَمْزَةُ فَاحْتَمَلَهُ حَتّى رَأَيْت بَرَقَانَ رِجْلَيْهِ ثُمّ ضَرَبَ بِهِ الْأَرْضَ ثُمّ قَتَلَهُ .
وَأَقْبَلَ نَحْوِي سَرِيعًا حَتّى يَعْتَرِضَ لَهُ جُرُفٌ فَيَقَعُ فِيهِ وَأَزْرُقُهُ بِمِزْرَاقِي فَيَقَعُ فِي ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَ مِنْ بَيْن رِجْلَيْهِ فَقَتَلْته ، وَأَمُرّ بِهِنْدٍ بِنْتِ عُتْبَةَ فَأَعْطَتْنِي حُلِيّهَا وَثِيَابَهَا . وَأَمّا مُسَيْلِمَةُ فَإِنّا دَخَلْنَا حَدِيقَةَ الْمَوْتِ فَلَمّا رَأَيْته زَرَقْته بِالْمِزْرَاقِ وَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِالسّيْفِ فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ إلّا أَنّي سَمِعْت امْرَأَةً تَصِيحُ فَوْقَ الدّيْرِ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الْحَبَشِيّ . قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ فَقُلْت : أَتَعْرِفُنِي ؟ قَالَ فَأَكَرّ بَصَرَهُ عَلَيّ وَقَالَ ابْنُ عَدِيّ وَلِعَاتِكَةِ بِنْتِ أَبِي الْعِيصِ قَالَ قُلْت : نَعَمْ . قَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا لِي بِك عَهْدٌ بَعْدَ أَنْ رَفَعْتُك إلَى أُمّك فِي مِحَفّتِهَا الّتِي تُرْضِعُك فِيهَا ، وَنَظَرْت إلَى بَرَقَانِ قَدَمَيْك حَتّى كَأَنّ الْآنَ .
[ ص 288 ] وَكَانَ فِي سَاقَيْ هِنْدٍ خَدَمَتَانِ مِنْ جَزْعِ ظَفَارٍ ، وَمَسَكَتَانِ مِنْ وَرِقٍ وَخَوَاتِمَ مِنْ وَرِقٍ كُنّ فِي أَصَابِعِ رِجْلَيْهَا ، فَأَعْطَتْنِي ذَلِكَ .
(1/286)
وَكَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَقُولُ رُفِعْنَا فِي الْآطَامِ وَمَعَنَا حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَنَحْنُ فِي فَارِعٍ ، فَجَاءَ نَفَرٌ مِنْ الْيَهُودِ يَرْمُونَ الْأُطُمَ فَقُلْت : عِنْدَك يَا ابْنَ الْفُرَيْعَةِ فَقَالَ لَا وَاَللّهِ مَا أَسْتَطِيعُ مَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَخْرُجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ وَيَصْعَدُ يَهُودِيّ إلَى الْأُطُمِ فَقُلْت : شُدّ عَلَى يَدِي السّيْفَ ثُمّ بَرِئَتْ فَفَعَلَ . قَالَتْ فَضَرَبْت عُنُقَهُ ثُمّ رَمَيْت بِرَأْسِهِ إلَيْهِمْ فَلَمّا رَأَوْهُ انْكَشَفُوا . قَالَتْ وَإِنّي فِي فَارِعٍ أَوّلَ النّهَارِ مُشْرِفَةٌ عَلَى الْأُطُمِ فَرَأَيْت الْمِزْرَاقَ يُزْرَقُ بِهِ فَقُلْت : أَوَمِنْ سِلَاحِهِمْ الْمَزَارِيقُ ؟ أَفَلَا أَرَاهُ هَوَى إلَى أَخِي وَلَا أَشْعُرُ .
قَالَتْ ثُمّ خَرَجْت آخِرَ النّهَارِ حَتّى جِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَكَانَتْ تُحَدّثُ تَقُولُ كُنْت أَعْرِفُ انْكِشَافَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عَلَى الْأُطُمِ يَرْجِعُ حَسّانٌ إلَى أَقْصَى الْأُطُمِ فَإِذَا رَأَى الدّوْلَةَ لِأَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْبَلَ حَتّى يَقِفَ عَلَى جِدَارِ الْأُطُمِ . قَالَتْ وَلَقَدْ خَرَجْت وَالسّيْفُ فِي يَدِي ، حَتّى إذَا كُنْت فِي بَنِي حَارِثَةَ أَدْرَكْت نِسْوَةً مِنْ الْأَنْصَارِ وَأُمّ أَيْمَنَ مَعَهُنّ فَكَانَ الْجَمْزُ مِنّا حَتّى [ ص 289 ] انْتَهَيْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ أَوْزَاعٌ فَأَوّلُ مَنْ لَقِيت عَلِيّ ابْنُ أَخِي ، فَقَالَ ارْجِعِي يَا عَمّةِ فَإِنّ فِي النّاسِ تَكَشّفًا فَقُلْت : رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالَ صَالِحٌ بِحَمْدِ اللّهِ قُلْت : اُدْلُلْنِي عَلَيْهِ حَتّى أَرَاهُ . فَأَشَارَ لِي إلَيْهِ إشَارَةً خَفِيّةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَانْتَهَيْت إلَيْهِ وَبِهِ الْجِرَاحَةُ . قَالَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مَا فَعَلَ عَمّي ؟ مَا فَعَلَ عَمّي حَمْزَةُ ؟ فَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ فَأَبْطَأَ فَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَهُوَ يَرْتَجِزُ وَيَقُولُ يَا رَبّ إنّ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّهْ كَانَ رَفِيقًا وَبِنَا ذَا ذِمّهْ قَدْ ضَلّ فِي مَهَامِهٍ مُهِمّهْ يَلْتَمِسُ الْجَنّةَ فِيمَا تَمّهْ قَالَ الْوَاقِدِيّ : سَمِعْتهَا مِنْ الْأَصْبَغِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَنَا غُلَامٌ وَكَانَ بِسِنّ أَبِي الزّنَادِ - حَتّى انْتَهَى إلَى الْحَارِثِ وَوَجَدَ حَمْزَةَ مَقْتُولًا ، فَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمْشِي حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا وَقَفْت مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا الْمَوْقِفِ فَطَلَعَتْ صَفِيّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا زُبَيْرُ أَغْنِ عَنّي أُمّك ، وَحَمْزَةُ يُحْفَرُ لَهُ . فَقَالَ يَا أُمّهُ إنّ فِي النّاسِ تَكَشّفًا [ فَارْجِعِي ] .
فَقَالَتْ مَا أَنَا بِفَاعِلَةٍ حَتّى أَرَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا رَأَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيْنَ ابْنَ أُمّي حَمْزَةَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ فِي النّاسِ . قَالَتْ لَا أَرْجِعُ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ . قَالَ الزّبَيْرُ فَجَعَلْت أَطِدُهَا إلَى الْأَرْضِ حَتّى دُفِنَ حَمْزَةُ . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْلَا أَنْ يُحْزِنَ ذَلِكَ نِسَاءَنَا ، لَتَرَكْنَاهُ لِلْعَافِيَةِ - يَعْنِي السّبَاعَ وَالطّيْرَ - حَتّى يُحْشَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ بُطُونِ السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ . [ ص 290 ] وَنَظَرَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ إلَى حَمْزَةَ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ يَهُدّ النّاسَ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . فَقَالَ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَسْرَعَ فِي قَوْمِهِ - وَكَانَ يَوْمَئِذٍ مُعْلِمًا بِرِيشَةِ نِسْرٍ . وَيُقَالُ لَمّا أُصِيبَ حَمْزَةُ جَاءَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَطْلُبُهُ فَحَالَتْ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ الْأَنْصَارُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهَا فَجَلَسَتْ عِنْدَهُ فَجَعَلَتْ إذَا بَكَتْ بَكَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِذَا نَشَجَتْ يَنْشِجُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَكَانَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَبْكِي ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا بَكَتْ بَكَى ، وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبْشِرَا أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ مَكْتُوبٌ فِي أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ - حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ .
(1/289)
قَالَ وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَثْلًا شَدِيدًا فَأَحْزَنَهُ ذَلِكَ الْمَثْلُ ثُمّ قَالَ لَئِنْ ظَفِرْت بِقُرَيْشٍ لَأُمَثّلَن بِثَلَاثِينَ مِنْهُمْ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ . فَعَفَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُمَثّلْ بِأَحَدٍ [ ص 291 ]
وَجَعَلَ أَبُو قَتَادَةَ يُرِيدُ أَنْ يَنَالَ مِنْ قُرَيْش ٍ ، لِمَا رَأَى مِنْ غَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلِ حَمْزَةَ وَمَا مُثّلَ بِهِ كُلّ ذَلِكَ يُشِيرُ إلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ اجْلِسْ ثَلَاثًا - وَكَانَ قَائِمًا - فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحْتَسِبُك عِنْدَ اللّهِ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا قَتَادَة َ ، إنّ قُرَيْشًا أَهْلُ أَمَانَةٍ مَنْ بَغَاهُمْ الْعَوَاثِرَ كَبّهُ اللّهُ لِفِيهِ وَعَسَى إنْ طَالَتْ بِك مُدّةٌ أَنْ تَحْقِرَ عَمَلَك مَعَ أَعْمَالِهِمْ وَفَعَالَك مَعَ فَعَالِهِمْ لَوْلَا أَنْ تَبْطَرَ قُرَيْشٌ لَأَخْبَرْتهَا بِمَا لَهَا عِنْدَ اللّهِ . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا غَضِبْت إلّا لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ حِينَ نَالُوا مِنْهُ مَا نَالُوا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقْت ، بِئْسَ الْقَوْمُ كَانُوا لِنَبِيّهِمْ
(1/291)
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَؤُلَاءِ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ تَرَى ، وَقَدْ سَأَلْت اللّهَ عَزّ وَجَلّ وَرَسُولَهُ فَقُلْت : اللّهُمّ إنّي أُقْسِمُ عَلَيْك أَنْ نَلْقَى الْعَدُوّ غَدًا فَيَقْتُلُونَنِي وَيَبْقُرُونَنِي وَيُمَثّلُونَ بِي ، فَأَلْقَاك مَقْتُولًا قَدْ صُنِعَ هَذَا بِي ، فَتَقُول : فِيمَ صُنِعَ بِك هَذَا ؟ فَأَقُول : فِيك وَأَنَا أَسْأَلُك أُخْرَى : أَنْ تَلِي تَرِكَتِي مِنْ بَعْدِي .
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ . فَخَرَجَ عَبْدُ اللّهِ وَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ وَمُثّلَ بِهِ كُلّ الْمَثْلِ وَدُفِنَ وَدُفِنَ هُوَ وَحَمْزَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . وَوَلِيَ تَرِكَتَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاشْتَرَى لِأُمّهِ مَالًا بِخَيْبَرَ .
وَأَقْبَلَتْ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ وَهِيَ أُخْتُهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا حَمْنُ احْتَسِبِي قَالَتْ مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ خَالُك حَمْزَةُ . قَالَتْ إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ، غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ هَنِيئًا لَهُ الشّهَادَةَ ثُمّ قَالَ لَهَا : احْتَسِبِي قَالَتْ مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَخُوك . قَالَتْ إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ ، غَفَرَ اللّهُ لَهُ وَرَحِمَهُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةَ ثُمّ قَالَ لَهَا : احْتَسِبِي قَالَتْ مَنْ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ . قَالَتْ وَاحُزْنَاه وَيُقَالُ إنّهَا قَالَتْ وَاعَقْرَاه فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ لِلزّوْجِ مِنْ الْمَرْأَةِ مَكَانًا مَا هُوَ لِأَحَدٍ . ثُمّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمَ قُلْت هَذَا ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ ذَكَرْت يُتْمَ بَنِيهِ فَرَاعِنِي . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِوَلَدِهِ أَنْ يُحْسَنَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْخَلَفِ فَتَزَوّجَتْ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ فَوَلَدَتْ لَهُ مُحَمّدَ بْنَ طَلْحَةَ ، وَكَانَ أَوْصَلَ النّاسِ لِوَلَدِهِ . وَكَانَتْ حَمْنَةُ خَرَجَتْ يَوْمَئِذٍ إلَى أُحُدٍ مَعَ النّسَاءِ يَسْقِينَ الْمَاءَ [ ص 292 ]
(1/292)
وَخَرَجَتْ السّمَيْرَاءُ بِنْتُ قَيْسٍ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي دِينَارٍ ، وَقَدْ أُصِيبَ ابْنَاهَا مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدٍ النّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو ، وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ فَلَمّا نُعِيَا لَهَا قَالَتْ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالُوا : خَيْرًا ، هُوَ بِحَمْدِ اللّهِ صَالِحٌ عَلَى مَا تُحِبّينَ . قَالَتْ أَرُونِيهِ أَنْظُرُ إلَيْهِ فَأَشَارُوا لَهَا إلَيْهِ فَقَالَتْ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك يَا رَسُولَ اللّهِ جَلَلٌ . وَخَرَجَتْ تَسُوقُ بِابْنَيْهَا بَعِيرًا تَرُدّهُمَا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَقِيَتْهَا عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فَقَالَتْ مَا وَرَاءَك ؟ قَالَتْ أَمّا رَسُولُ اللّهِ بِحَمْدِ اللّهِ فَبِخَيْرٍ لَمْ يَمُتْ وَاِتّخَذَ اللّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ شُهَدَاءَ وَرَدّ اللّهُ الّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ . قَالَتْ مَنْ هَؤُلَاءِ مَعَك ؟ قَالَتْ ابْنَايَ . .. حَلْ حَلْ
(1/292)
وَقَالُوا : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَر ِ سَعْدِ بْنِ رَبِيعٍ ؟ فَإِنّي قَدْ رَأَيْته - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى نَاحِيَةٍ مِنْ الْوَادِي - وَقَدْ شَرَعَ فِيهِ اثْنَا عَشَرَ سِنَانًا . قَالَ فَخَرَجَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ - وَيُقَالُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ - فَخَرَجَ نَحْوَ تِلْكَ النّاحِيَةِ . قَالَ وَأَنَا وَسْطَ الْقَتْلَى أَتَعَرّفُهُمْ إذْ مَرَرْت بِهِ صَرِيعًا فِي الْوَادِي ، فَنَادَيْته فَلَمْ يُجِبْ ثُمّ قُلْت : إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسَلَنِي إلَيْك فَتَنَفّسَ كَمَا يَتَنَفّسُ الْكِيرُ ثُمّ قَالَ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ لَحَيّ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ وَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنّهُ شُرِعَ لَك اثْنَا عَشَرَ سِنَانًا . قَالَ طُعِنْت اثْنَتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً كُلّهَا أَجَافَتْنِي ; أَبْلِغْ قَوْمَك الْأَنْصَارَ السّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ اللّهَ اللّهَ وَمَا عَاهَدْتُمْ عَلَيْهِ رَسُولَ اللّهِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَاَللّهِ مَا لَكُمْ عُذْرٌ عِنْدَ اللّهِ إنْ خُلِصَ إلَى نَبِيّكُمْ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ وَلَمْ أَرِمْ مِنْ عِنْدِهِ حَتّى مَاتَ . قَالَ فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته . قَالَ فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ اللّهُمّ الْقَ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ وَأَنْتَ عَنْهُ رَاضٍ [ ص 293 ]
(1/293)
قَالُوا : وَلَمّا صَاحَ إبْلِيسُ « إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ » يُحْزِنُهُمْ بِذَلِكَ تَفَرّقُوا فِي كُلّ وَجْهٍ وَجَعَلَ النّاسُ يَمُرّونَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَلْوِي عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْعُوهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ حَتّى انْتَهَى مَنْ انْتَهَى مِنْهُمْ إلَى الْمِهْرَاسِ ، وَوَجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ أَصْحَابَهُ فِي الشّعْبِ .
فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا صَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ كَانُوا فِئَتَهُ .
وَحَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ لَمّا انْتَهَى إلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانُوا فِئَتَهُ فَانْتَهَى إلَى الشّعْبِ وَأَصْحَابُهُ فِي الْجَبَلِ أَوْزَاعٌ يَذْكُرُونَ مَقْتَل مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ وَيَذْكُرُونَ مَا جَاءَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ كَعْبٌ وَكُنْت أَوّلَ مَنْ عَرَفَهُ وَعَلَيْهِ [ ص 294 ] الْمِغْفَرُ . قَالَ فَجَعَلْت أَصِيحُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ حَيّا سَوِيّا وَأَنَا فِي الشّعْبِ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُومِئُ إلَيّ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ أَنْ اُسْكُتْ ثُمّ دَعَا بِلَأْمَتِي - وَكَانَتْ صَفْرَاءَ أَوْ بَعْضَهَا - فَلَبِسَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَزَعَ لَأْمَتَهُ . قَالَ وَطَلَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ فِي الشّعْبِ بَيْنَ السّعْدَيْنِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، يَتَكَفّأُ فِي الدّرْعِ وَكَانَ إذَا مَشَى تَكَفّأَ تَكَفّؤًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَيُقَالُ إنّهُ كَانَ يَتَوَكّأُ عَلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ - وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ جُرِحَ يَوْمَئِذٍ فَمَا صَلّى الظّهْرَ إلّا جَالِسًا . قَالَ فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بِي قُوّةً فَحَمَلَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى الصّخْرَةِ عَلَى طَرِيقِ أُحُدٍ - مَنْ أَرَادَ شِعْبَ الْجَزّارِينَ - لَمْ يَعْدُهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى غَيْرِهَا ; ثُمّ حَمَلَهُ طَلْحَةُ حَتّى ارْتَفَعَ عَلَيْهَا ، ثُمّ مَضَى إلَى أَصْحَابِهِ وَمَعَهُ النّفَرُ الّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ . فَلَمّا نَظَرَ الْمُسْلِمُونَ مَنْ مَعَهُ جَعَلُوا يُوَلّونَ فِي الشّعْبِ ، ظَنّوا أَنّهُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ حَتّى جَعَلَ أَبُو دُجَانَةَ يُلِيحُ إلَيْهِمْ بِعِمَامَةٍ حَمْرَاءَ عَلَى رَأْسِهِ فَعَرَفُوهُ فَرَجَعُوا ، أَوْ بَعْضُهُمْ .
وَيُقَالُ إنّهُ لَمّا طَلَعَ فِي النّفَرِ الّذِينَ ثَبَتُوا مَعَهُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ - سَبْعَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَسَبْعَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ - وَجَعَلُوا يُوَلّونَ فِي الْجَبَلِ جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَبَسّمُ إلَى أَبِي بَكْر ٍ وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ وَيَقُولُ لَهُ أَلِحْ إلَيْهِمْ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُلِيحُ وَلَا يَرْجِعُونَ حَتّى نَزَعَ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةً حَمْرَاءَ عَلَى رَأْسِهِ فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ فَجَعَلَ يَصِيحُ وَيُلِيحُ فَوَقَفُوا حَتّى تَلَاحَقَ الْمُسْلِمُونَ . وَلَقَدْ وَضَعَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ سَهْمًا عَلَى كَبِدِ قَوْسِهِ [ ص 295 ] فَأَرَادَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ الْقَوْمَ فَلَمّا تَكَلّمُوا وَنَادَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَأَنّهُمْ لَمْ يُصِبْهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ مُصِيبَةٌ حِينَ أَبْصَرُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ عَرَضَ الشّيْطَانُ بِوَسْوَسَتِهِ وَتَخْزِيَتِهِ لَهُمْ حِينَ أَبْصَرُوا عَدُوّهُمْ قَدْ انْفَرَجُوا عَنْهُمْ . قَالَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ : إنّي إلَى جَنْبِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيّ وَهُوَ يَذْكُرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ قَوْمِهِ وَيَسْأَلُ عَنْهُمْ فَيُخْبَرُ بِرِجَالٍ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ رَبِيعٍ وَخَارِجَةُ بْنُ زُهَيْرٍ ، وَهُوَ يَسْتَرْجِعُ وَيَتَرَحّمُ عَلَيْهِمْ وَبَعْضُهُمْ يَسْأَلُ بَعْضًا عَنْ حَمِيمِهِ فَهُمْ يُخْبِرُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا . فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ رَدّ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ لِيَذْهَبَ بِالْحُزْنِ عَنْهُمْ فَإِذَا عَدُوّهُمْ فَوْقَهُمْ قَدْ عَلَوْا ، وَإِذَا كَتَائِبُ الْمُشْرِكِينَ . فَنَسُوا مَا كَانُوا يَذْكُرُونَ وَنَدَبَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَضّنَا عَلَى الْقِتَالِ وَإِنّي لَأَنْظُرُ إلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فِي عُرْضِ الْجَبَلِ يَعْدُونَ . فَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لَمّا صَاحَ الشّيْطَانُ « قُتِلَ مُحَمّدٌ » أَقْبَلْت أَرْقَى فِي الْجَبَلِ كَأَنّي أُرْوِيّةٌ فَانْتَهَيْت إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَقُولُ وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ . . الْآيَةَ وَأَبُو سُفْيَانَ فِي سَفْحِ الْجَبَلِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْلُوَنَا فَانْكَشَفُوا
(1/294)
قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ : لَقَدْ رَأَيْتنَا قَبْلَ أَنْ يُلْقَى عَلَيْنَا النّعَاسُ وَإِنّا لَسِلْمٌ لِمَنْ أَرَادَنَا ، لِمَا بِنَا مِنْ الْحُزْنِ فَأُلْقِيَ عَلَيْنَا النّعَاسُ فَنِمْنَا حَتّى [ ص 296 ] تَنَاطَحَ الْحَجَفُ وَفَزِعْنَا وَكَأَنّا لَمْ يُصِبْنَا قَبْلَ ذَلِكَ نَكْبَةٌ .
وَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ : غَشِيَنَا النّعَاسُ حَتّى كَانَ حَجَفُ الْقَوْمِ تَنَاطَحَ .
وَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ : غَشِيَنَا النّعَاسُ فَمَا مِنّا رَجُلٌ إلّا وَذَقَنُهُ فِي صَدْرِهِ مِنْ النّوْمِ فَأَسْمَعُ مُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ يَقُولُ - وَإِنّي لَكَالْحَالِمِ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا .
قَالَ أَبُو الْيُسْرِ لَقَدْ رَأَيْتنِي يَوْمَئِذٍ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي إلَى جَنْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أَصَابَنَا النّعَاسُ أَمَنَةً مِنْهُ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا يَغُطّ غَطِيطًا حَتّى إنّ الْحَجَفَ لَتَنَاطَحَ . وَلَقَدْ رَأَيْت سَيْفَ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ سَقَطَ مِنْ يَدِهِ وَمَا يَشْعُرُ بِهِ وَأَخَذَهُ بَعْدَ مَا تَثَلّمَ وَإِنّ الْمُشْرِكِينَ لَتَحْتنَا . وَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أُلْقِيَ عَلَيْنَا النّعَاسُ فَكُنْت أَنْعَسُ حَتّى سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي . وَكَانَ النّعَاسُ لَمْ يُصِبْ أَهْلَ النّفَاقِ وَالشّكّ يَوْمَئِذٍ فَكُلّ مُنَافِقٍ يَتَكَلّمُ بِمَا فِي نَفْسِهِ وَإِنّمَا أَصَابَ النّعَاسُ أَهْلَ الْيَقِينِ وَالْإِيمَانِ .
(1/296)
وَقَالُوا : لَمّا تَحَاجَزُوا أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ الِانْصِرَافَ وَأَقْبَلَ يَسِيرُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ حَوّاءُ أُنْثَى ، فَأَشْرَفَ عَلَى أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عُرْضِ الْجَبَلِ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ اُعْلُ هُبَلُ ثُمّ يَصِيحُ أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطّابِ ؟ يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، أَلَا إنّ الْأَيّامَ دُوَلٌ وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ وَحَنْظَلَةُ بِحَنْظَلَةَ
فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أُجِيبُهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلَى ، فَأَجِبْهُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : اُعْلُ هُبَلُ فَقَالَ عُمَرُ اللّهُ أَعْلَى وَأَجَلّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ : إنّهَا قَدْ أَنْعَمَتْ فَعَالِ عَنْهَا ثُمّ قَالَ أَيْنَ ابْنُ أَبِي كَبْشَةَ ؟ أَيْنَ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ ؟ أَيْنَ ابْنُ الْخَطّابِ ؟
فَقَالَ عُمَرُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ وَهَذَا أَبُو بَكْرٍ ، وَهَذَا عُمَرُ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : يَوْمُ بِيَوْمِ بَدْرٍ، أَلَا إنّ الْأَيّامَ دُوَلٌ وَإِنّ الْحَرْبَ سِجَالٌ .
فَقَالَ عُمَرُ لَا سَوَاءَ قَتْلَانَا فِي الْجَنّةِ وَقَتْلَاكُمْ فِي النّارِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ إنّكُمْ لَتَقُولُونَ ذَلِكَ لَقَدْ خِبْنَا إذَنْ وَخَسِرْنَا قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَنَا الْعُزّى وَلَا عُزّى لَكُمْ فَقَالَ عُمَرُ اللّهُ مَوْلَانَا وَلَا مَوْلَى لَكُمْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ إنّهَا قَدْ أَنْعَمَتْ يَا ابْنَ الْخَطّابِ فَعَالِ عَنْهَا . ثُمّ قَالَ قُمْ إلَيّ يَا ابْنَ الْخَطّابِ أُكَلّمْك . فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَنْشُدُك بِدِينِك ، هَلْ قَتَلْنَا مُحَمّدًا ؟ قَالَ عُمَرُ اللّهُمّ لَا ، وَإِنّهُ لَيَسْمَعُ كَلَامَك الْآنَ . قَالَ أَنْتَ عِنْدِي أَصْدَقُ مِنْ ابْنِ قَمِيئَةَ - وَكَانَ ابْنُ قَمِيئَةَ أَخْبَرَهُمْ أَنّهُ قَتَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ إنّكُمْ وَاجِدُونَ فِي قَتْلَاكُمْ عَيْثًا وَمَثْلًا ، أَلَا إنّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَنْ رَأْيِ سَرَاتِنَا . ثُمّ أَدْرَكَتْهُ حَمِيّةُ الْجَاهِلِيّةِ فَقَالَ أَمّا إذْ كَانَ ذَلِكَ فَلَمْ نَكْرَهْهُ . ثُمّ نَادَى : أَلَا إنّ مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ الصّفْرَاءُ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَوَقَفَ عُمَرُ وَقْفَةً يَنْتَظِرُ مَا يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُلْ نَعَمْ . فَقَالَ عُمَرُ نَعَمْ ثُمّ انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ [ ص 298 ] إلَى أَصْحَابِهِ وَأَخَذُوا فِي الرّحِيلِ فَأَشْفَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فَاشْتَدّتْ شَفَقَتُهُمْ مِنْ أَنْ يُغِيرَ الْمُشْرِكُونَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَتَهْلِكَ الذّرَارِيّ وَالنّسَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاص ٍ ائْتِنَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ إنْ رَكِبُوا الْإِبِلَ وَجَنّبُوا الْخَيْلَ فَهُوَ الظّعْنُ وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَجَنّبُوا الْإِبِلَ فَهِيَ الْغَارَةُ عَلَى الْمَدِينَةِ . وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ سَارُوا إلَيْهَا لَأَسِيرَن إلَيْهِمْ ثُمّ لَأُنَاجِزَنهُمْ .
قَالَ سَعْدٌ : فَوَجّهْت أَسْعَى ، وَأَرْصَدْتُ فِي نَفْسِي إنْ أَفْزَعَنِي شَيْءٌ رَجَعَتْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنَا أَسْعَى ، فَبَدَأْت بِالسّعْيِ حِينَ ابْتَدَأْت ، فَخَرَجْت فِي آثَارِهِمْ حَتّى إذَا كَانُوا بِالْعَقِيقِ وَكُنْت حَيْثُ أَرَاهُمْ وَأَتَأَمّلُهُمْ فَإِذَا هُمْ قَدْ رَكِبُوا الْإِبِل وَجَنّبُوا الْخَيْلَ فَقُلْت : إنّهُ الظّعْنُ إلَى بِلَادِهِمْ . فَوَقَفُوا وَقْفَةً بِالْعَقِيقِ وَتَشَاوَرُوا فِي دُخُولِ الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ : قَدْ أَصَبْتُمْ الْقَوْمَ فَانْصَرِفُوا فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ وَأَنْتُمْ كَالّونَ وَلَكُمْ الظّفَرُ فَإِنّكُمْ لَا تَدْرُونَ مَا يَغْشَاكُمْ . قَدْ وَلّيْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَاَللّهِ مَا تَبِعُوكُمْ وَالظّفَرُ لَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَاهُمْ صَفْوَانُ
فَلَمّا رَآهُمْ سَعْدٌ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مُنْطَلِقِينَ قَدْ دَخَلُوا فِي الْمُكَيْمِنِ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ كَالْمُنْكَسِرِ فَقَالَ وَجّهَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللّهِ إلَى مَكّةَ ، امْتَطَوْا الْإِبِلَ وَجَنّبُوا الْخَيْلَ . فَقَالَ مَا تَقُولُ ؟ فَقُلْت ذَلِكَ ثُمّ خَلَا بِي فَقَالَ حَقّا مَا تَقُولُ ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَ مَا لِي رَأَيْتُك مُنْكَسِرًا ؟ قَالَ فَقُلْت : كَرِهْت أَنْ آتِيَ الْمُسْلِمِينَ فَرِحًا بِقُفُولِهِمْ إلَى بِلَادِهِمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ سَعْدًا لَمُجَرّبٌ وَيُقَالُ إنّ سَعْدًا لَمّا رَجَعَ جَعَلَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِأَنْ جَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُشِيرُ إلَى سَعْدٍ أَنْ اخْفِضْ صَوْتَك قَالَ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ فَلَا تُرِي النّاسَ مِثْلَ هَذَا الْفَرَحَ بِانْصِرَافِهِمْ فَإِنّمَا رَدّهُمْ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى [ ص 297 ] [ ص 299 ]
قَالَ الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ شِبْلٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ رَأَيْت الْقَوْمَ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ فَأَخْبِرْنِي فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَك ، وَلَا تَفُتّ أَعْضَادَ الْمُسْلِمِينَ . فَذَهَبَ فَرَآهُمْ قَدْ امْتَطَوْا الْإِبِلَ فَرَجَعَ فَمَا مَلَكَ أَنْ جَعَلَ يَصِيحُ سُرُورًا بِانْصِرَافِهِمْ .
فَلَمّا قَدِمَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى قُرَيْشٍ بِمَكّةَ لَمْ يَصِلْ إلَى بَيْتِهِ حَتّى أَتَى هُبَلَ فَقَالَ قَدْ أَنْعَمَتْ وَنَصَرْتنِي وَشَفَيْت نَفْسِي مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ .
(1/298)
وَقِيلَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَيْفَ كَانَ افْتِرَاقُ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ ؟ فَقَالَ مَا تُرِيدُ إلَى ذَلِكَ ؟ قَدْ جَاءَ اللّهُ بِالْإِسْلَامِ وَنَفَى الْكُفْرَ وَأَهْلَهُ . ثُمّ قَالَ لَمّا كَرَرْنَا عَلَيْهِمْ أَصَبْنَا مَنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ وَتَفَرّقُوا فِي كُلّ وَجْهٍ . وَفَاءَتْ لَهُمْ فِئَةٌ بَعْدُ فَتَشَاوَرَتْ قُرَيْشٌ فَقَالُوا : لَنَا الْغَلَبَةُ فَلَوْ انْصَرَفْنَا فَإِنّهُ بَلَغَنَا أَنّ ابْنَ أُبَيّ انْصَرَفَ بِثُلُثِ النّاسِ وَقَدْ تَخَلّفَ نَاسٌ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُرّوا عَلَيْنَا وَفِينَا جِرَاحٌ وَخَيْلُنَا عَامّتُهَا قَدْ عُقِرَتْ مِنْ النّبْلِ . فَمَضَوْا ، فَمَا بَلَغْنَا الرّوْحَاءَ حَتّى قَامَ عَلَيْنَا عِدّةٌ مِنْهَا ، وَمَضَيْنَا . [ ص 300 ]
(1/300)
ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ بِأُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ قُتِلَ مِنْ الْأَنْصَارِ بِأُحُدٍ سَبْعُونَ .
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ مِثْلَهُ . وَحَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ أَرْبَعَةٌ مِنْ قُرَيْش ٍ وَسَائِرُهُمْ مِنْ الْأَنْصَارِ - الْمُزَنِيّ ، وَابْنُ أَخِيهِ وَابْنَا الْهَبِيتِ - أَرْبَعَةٌ وَسَبْعُونَ هَذَا الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ .
وَمِنْ بَنِي هَاشِمٍ : حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، قَتَلَهُ وَحْشِيّ ، هَذَا الْأَصَحّ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا .
وَمِنْ بَنِي أُمَيّة َ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ قَتَلَهُ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ .
وَيُقَالُ خَمْسَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ - مِنْ بَنِي أَسَدٍ : سَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ وَمِنْ بَنِي مَخْزُومٍ شَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرِيدِ ، قَتَلَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ . وَيُقَالُ إنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ أَصَابَهُ جُرْحٌ بِأُحُدٍ فَلَمْ يَزَلْ جَرِيحًا حَتّى مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ فَغُسِلَ بِبَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ بِالْعَالِيَةِ بَيْنَ قَرْنَيْ الْبِئْرِ الّتِي صَارَتْ لِعَبْدِ الصّمَدِ بْنِ عَلِيّ الْيَوْمَ .
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَتَلَهُ ابْنُ قَمِيئَةَ . وَمِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ عَبْدُ اللّهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنَا الْهَبِيتِ .
(1/300)