ان
اختلاف المسلمين في شأن الغناء هو دليل قاطع علي انعدام الإحكام في دلالة النصوص
المُستَدَلّ بها غير أنني أحترز وأقول: ويجب علي المؤمنين أن يتورعوا عما فيه خلاف واختلاف وأن يجتنبوا الشبهات وإنما أوردت هذا الباب بما له وما عليه والمحظوظ من تعافي وترك الشبهات والله تعالي أعلي وأعلم مع العلم بأنني لم أقصد غناء وطرب الأيام المعاصرة هذه لأنه خارجا عن قبم السماء وشريعة الله خاصة من يطربن الناس من النساء
قلت المدون ان اختلاف المسلمين في شأن الغناء هو دليل قاطع علي
انعدام الإحكام في دلالة النصوص المستدل بها في الدلالة أو في الثبوت وما من شيء
محكم أنزله الله تعالي بصفة الإحكام إلا وهو مانع لأي خلاف أو اختلاف إلا أن
يكون هويً في نفس صاحبة ☻ وما الشأن في مدلول الغناء إلا
داخلا في هذه القاعدة ونختصر القول فنقول: إن من ذهبوا إلي تحريم
الغناء قد ذهبوا إلي ذلك من قبيل الحيطة وخشية أن يتناوله القارئ فيحل ما يتجاوز
شأنه الحلال إلي الحرام فالغناء
شعر منظوم له جرس يدعو السامعين إلي الطرب ومردوده بذلك إلي كونه كلاما
وشأن الكلام فيه الحسن والأحسن كما فيه القبيح والأقبح واجتمع المؤمنون علي أن
يختاروا من الكلام أحسنه ويعرضوا عن قبيحه وأقبحه وما الطرب والغناء إلا كذلك
لكنهم أعرضوا وتسببت بعض النصوص التي لم تثبت إلي تكوين هيكل البغضاء والكراهية
لكل ما هو غناء يطرب خاصة ما كان منه مصاحبا بالموسيقي وآلات الطرب وقد عمدنا
هنا لبيان وجه الحق في المسألة من شقين
الشق الأول والأكبر هو الطرب بالغناء وحده ككلام منظوم وشعر موزون يحدث
لسامعة طربا مؤثرا في النفس وهنا يكون هذا الطرب مباحا مالم يكون كلماته
محرمة
والشق الثاني هو أن يصحب هذا الكلام المنظوم وسيلة أدائه : سواءا الآلات الموسيقية أو المطرب نفسه ذكرا كان أو أنثي أو كل وسيلة يتحسن بها الأداء
وهذا
الشق الثاني هو ما دارت حوله أسباب التحريم من وجهة نظر المتناولين لفقه
الموضوع حلا أو حرمة سواء:
1.بالقسط أو بتجاوز ذلك القسط
من وجه نظر المحرم ومن باب اتقاء الانخراط في تسلسل الحل حتي لا ينجرف به السامع
الي الحرام ...والآتي هو كل الموضوع وهذه المقدمة فيها خلاصة الدعوي بأن الحرمة
فيه مرهونة بحرمة الوسيلة بشكل محكم فإن لم يتوفر الإحكام فلا ينبغي الميل إلي
التحريم لأن كل حرام هو محكم ومفصل ولا يصلح هنا في معرض بيان شرعي
۱. أن نتخذ أقوال الفقهاء أو العلماء دليلا إن كان بيانهم متجردا من الدليل المحكم ¶ ۲. كما لا يصلح الإستدلال بالمتشابه من الدلائل لأن المتشابه مظنون ولا تقام الحجج إلا بالمحكم الغير مظنون ولأن المتشابه ظن والظن لا يُغني من الحق شيئا @ ونذهب للموضوع من وجهة نظر المُحَرِّمين أولا ثم المُجِيِزِين ونسلط الأضواء علي درجات إحكام أدلتهم من تشابهها |
المقدمة
منقولة لأهميتها
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله سؤال يتردد علي ألسنة كثيرين في مجالات مختلفة وأحيانًا شتي. سؤال اختلف جمهور المسلمين اليوم في الإجابة عليه، واختلف سلوكهم تبعًا لاختلاف أجوبتهم، فمنهم من يفتح أذنيه لكل نوع من أنواع الغناء، ولكل لون من ألوان الموسيقي مدعيًا أن ذلك حلال طيب من طيبات الحياة التي أباح الله لعباده. ومنهم من يغلق الراديو أو يغلق أذنيه عند سماع أية أغنية قائلا: إن الغناء مزمار الشيطان، ولهو الحديث ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة وبخاصة إذا كان المغني امرأة، فالمرأة -عندهم- صوتها عورة بغير الغناء، فكيف بالغناء؟ ويستدلون لذلك بآيات وأحاديث وأقوال. ومن هؤلاء من يرفض أي نوع من أنواع الموسيقي، حتي المصاحبة لمقدمات نشرات الأخبار. ووقف فريق ثالث مترددًا بين الفريقين؛ ينحاز إلي هؤلاء تارة، وإلي أولئك طورًا، ينتظر القول الفصل والجواب الشافي من علماء الإسلام في هذا الموضوع الخطير، الذي يتعلق بعواطف الناس وحياتهم اليومية، وخصوصًا بعد أن دخلت الإذاعة – المسموعة والمرئية- علي الناس بيوتهم، بجدها وهزلها، وجذبت إليها أسماعهم بأغانيها وموسيقاها طوعًا وكرهًا. والغناء بآلة -أي مع الموسيقي- وبغير آلة: مسألة ثار فيها الجدل والكلام بين علماء الإسلام منذ العصور الأولي، فاتفقوا في مواضع واختلفوا في أخري. اتفقوا علي تحريم كل غناء يشتمل علي فحش أو فسق أو تحريض علي معصية، إذ الغناء ليس إلا كلامًا، فحسنه حسن، وقبيحه قبيح، وكل قول يشتمل علي حرام فهو حرام، فما بالك إذا اجتمع له الوزن والنغم والتأثير ؟ واتفقوا علي إباحة ما خلا من ذلك من الغناء الفطري الخالي من الآلات والإثارة، وذلك في مواطن السرور المشروعة، كالعرس وقدوم الغائب، وأيام الأعياد، ونحوها بشرط ألا يكون المغني امرأة في حضرة أجانب منها. وقد وردت في ذلك نصوص صريحة – سنذكرها فيما بعد. واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافًا بينا: فمنهم من أجاز كل غناء بآلة وبغير آلة، بل اعتبره مستحبًا، ومنهم من منعه بآلة وأجازه بغير آلة، ومنهم من منعه منعًا باتًا بآلة وبغير آلة وعده حرامًا، بل ربما ارتقي به إلي درجة الكبيرة. ولأهمية الموضوع نري لزامًا علينا أن نفصل فيه بعض التفصيل، ونلقي عليه أضواء كاشفة لجوانبه المختلفة، حتي يتبين المسلم الحلال فيه من الحرام، متبعًا للدليل الناصع، لا مقلدًا قول قائل، وبذلك يكون علي بينة من أمره، وبصيرة من دينه. فمن موقع الألوكة والتعقيب للمدون قوال العلماء في حكم الموسيقى والغناء الشيخ عادل الشوربجي إنَّ الحمد لله نَحْمده ونَسْتعينه ونستغفِرُه، ونعوذ بالله من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، إنَّه مَن يهده الله فلا مضِلَّ له، ومن يُضْلِل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له. أمَّا بعد: فكُلَّما بَعُد بنا الزَّمان عن عهد النُّبوة، ازدادَتْ غربة الدِّين، وازدادَ بُعد النَّاس عن الإسلامِ؛ وذلك نشَأ مِن قلَّة الاهتمام بِتَحصيل العلم، وقِلَّة مَن يتَكلَّم بالحقِّ في هذا الوقت؛ لأسبابٍ يَعْلمها الله، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لَتُنقَضنَّ عُرى الإسلام عروةً عروة، فكُلَّما نُقِضَت عروةٌ، تشبَّث الناس بالتي تَلِيها، فأوَّلُها نقضًا الحُكْم، وآخِرُها الصَّلاة))؛ رواه الإمام أحمد بسنَدٍ حسَن. فمِن هذه العُرَى الَّتي نُقضت في هذه الآوِنَة: قضيَّة "التحليل والتَّحريم"؛ فمِن المُسَلَّم به عند عُلماء الأمة أنَّ "التحليل والتحريم" من حقِّ الله وحده؛ فهو يُحلِّل ويحرم ما شاء - سبحانه - لحِكْمةٍ يَعْلمها، ظهرَتْ للبعض وخَفِيَت عن الكثير، فليس لأحدٍ أن يحلِّل ويحرم إلاَّ بدليلٍ من الكتاب والسُّنة، فمَن حلَّل وحرَّم من تلقاء نفسه وهواه، فقد تعدَّى على خصائص الأُلوهيَّة؛ ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ﴾ [البقرة: 229].فهذه كلماتٌ مُختصَرة في تحريم الغِناء في الإسلام، ومَن تأمَّل في الآيات القرآنيَّة الدالَّة على تحريم الغناء، يَجِد أنَّها مَكِّية، وتحريم الخمر كان بالمدينة؛ أي: إنَّ الغناء حُرِّم قبل الخمر، والعِلَّة في ذلك - والله أعلم - أنَّ القلب إذا تعلَّق بالغناء، صُدَّ عن سماع وحْي ربِّ الأرض والسماء، فطَهَّر الله قلوبَ الصَّحابة أولاً قبل أن يُشرِّع لهم باقِيَ الأحكام، وقال عثمان بن عفَّان: "لو طَهُرَتْ قلوبُنا، ما شَبِعَت من كلام ربِّنا"، فعلى كلِّ مَن يقرأ هذه الرِّسالة أن يَنْظر إلى الأدلَّة بعين الإنصاف، ودون تحيُّزٍ لِعالِم؛ فكلُّ إنسان يُؤخَذ من قوله ويُرَدُّ عليه إلاَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنْ فعَلَ ذلك فسوف يَصِل إلى ما أجْمَع عليه الأئمَّة الأربعة في تحريم الغِناء، ومَن أراد التوَسُّع في الأمر، فلْيَرجع إلى مَراجِع الرِّسالة. والله ولِيُّ التوفيق. بسم الله الرحمن الرحيم أولاً - تعريف الغناء: هو نوع من أنواع الشِّعر. ثانيًا - تعريف الشِّعر: هو كلامٌ موزون مُقفًّى. حُكْم الشِّعْر: ورَدَ في الشِّعر أحاديثُ ووقائع تدلُّ على إباحته؛ منها ما يدلُّ على إباحتِه بشرطِ حُسْن موضوعه. روى الطَّبَراني في "الأوسط"، عن عبدالله بن عمر، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((الشِّعر كالكَلام؛ فحسَنُه حسَن، وقَبِيحه قبيح)). ومنها ما يدلُّ على ذَمِّه بشرط قُبْح موضوعه؛ روى الشَّيخان عن أبي هُرَيرة، عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لأَنْ يَمتلئ جوفُ أحدِكم قَيْحًا وصديدًا حتَّى يَرِيَه، خيرٌ له من أن يَمْتلئ شِعرًا))، ((يريه)) هو مرَضٌ يُصيب جوفَ الإنسان. ورَوى الإمام أحمدُ عن شدَّاد بن أوسٍ أن النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن قرَض بيت شِعر بعد صلاة العِشاء الآخرة، لَم تُقبَل له صلاة تلك اللَّيلة)). ولكن نُوفِّق بين الأحاديث: قسَّم العلماء الشِّعر إلى قسمَيْن: أ - مُباح. ب - مُحرَّم. أولاً - المباح: وهو ما خَلا موضوعُه عن فُحْش وبذاءة وخَنا، ولَم يُحرِّك الشَّهوات الكامنة، ولَم يكن من رَجُلٍ في حقِّ امرأة، ولا من امرأةٍ في حقِّ رجل، ولا من أمرَد في حقِّ الصِّنفين. وهذا النَّوع من الشعر المباح على خمسة أنواع: 1 - أشعار في وصف الكون الَّذي خلَقَه الله؛ مثل: 1. أشعار في وصف الكون الَّذي خلَقَه الله؛ مثل الأَرْضُ فِيهَا عِبْرَةٌ لِلمُعْتَبِرْ تُخْبِرُ عَنْ صُنْعِ مَلِيكٍ مُقْتَدِرْ تُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ أَشْجَارُهَا وَنَبْعَةٌ وَاحِدَةٌ قَرَارُهَا وَالشَّمْسُ وَالْهَوَاءُ لَيْسَ يَخْتَلِفْ وَأُكْلُهَا مُخْتَلِفٌ لاَ يَأْتَلِفْ لَوْ أَنَّ ذَا مِنْ عَمَلِ الطَّبَائِعِ أَوْ أَنَّهُ صَنْعَةُ غَيْرِ صَانِعِ لَمْ يَخْتَلِفْ وَكَانَ شَيْئًا وَاحِدَا هَلْ تُشْبِهُ الأَوْلاَدُ إِلاَّ الوَالِدَا وَالشَّمْسُ وَالْهَوَاءُ يَا مُعَانِدُ وَالْمَاءُ وَالتُّرَابُ شَيْءٌ وَاحِدُ فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ ذَا التَّفَاضُلاَ إِلاَّ حَكِيمٌ لَمْ يُرِدْهُ بَاطِلاَ أشعار الزُّهد والفَضائل والآداب المُزهِّدة في الدُّنيا، والمرغِّبة في الآخرة، مثل: إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلاَ تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ يَغْفُلُ سَاعَةً وَلاَ أَنَّ مَا تُخْفِيهِ عَنْهُ يَغِيبُ ومثل قول الشاعر: قَدِّمْ لِنَفْسِكَ خَيْرًا وَأَنْتَ مَالِكُ مَالِكْ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَتَفَانَى وَلَوْنُ حَالِكَ حَالِكْ لَمْ تَدْرِ أَنَّكَ حَقًّا أَيَّ الْمَسَالِكِ سَالِكْ إِمَّا لِجَنَّةِ عَدْنٍ أَوْ فِي الْمَهَالِكِ هَالِكْ 4.أشعار العرس - مثل قول النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيُّونَا نُحَيِّيكُمْ **وَلَوْلاَ الْحِنْطَةُ السَّمْرَاءُ مَا سَمِنَتْ عَذَارِيكُمْ وَلَوْلاَ الذَّهَبُ الأَحْمَرُ مَا حَلَّتْ بوَادِيكُمْ 5.أشعار الجهاد؛ مثل ما رواه الترمذيُّ عن أنَسٍ، لما دخل النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مكَّة في عمرة القضاء سنة 7هـ، قال ابنُ رواحة: خَلُّوا بَنِي الكُفَّارِ عَنْ سَبِيلِهِ . ..اليَوْمَ نَضْرِبْكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ ..وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ فقال عُمر: يا بْنَ رواحة، في حرَمِ الله، وبين يدَيْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تقول الشِّعْر فقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم {دَعْه يا بن الخَطَّاب؛ والله إنَّ هذا أسرَعُ فيهم من نَضْح النَّبْل}
ثانيًا - الشِّعر
المُحرَّم:
وهو ما كان في موضوعه بذاءةٌ وفُحْش وقُبْح وخنا، ودعوةٌ إلى الفجور والأمور المَرْذولة، وله خمسة أنواع: 1 - أشعار النِّياحة على الأموات: وهي التي تُقال عند موت الإنسان؛ لإثارة الأحزان وجَلْب البكاء.
2- أشعار الهجاء؛ ما لَم تَكُن لحقٍّ أو لمصلحة، فإن
كانت لحقٍّ أو لمصلحة، فهي جائزةٌ؛ مثل ما رَوى الشَّيخان أن النبِيَّ - صلَّى
الله عليه وسلَّم - قال لحسَّان يوم قريظة: ((اهْجُهم، وجبريلُ معك)).
3 - أشعار المَدْح والفخر، ما لم تَكُن بحقٍّ أو لِمَصلحة شرعيَّة؛ مثل مَدْح الإسلام وأهلِه؛ فهي جائزة.
4- الأشعار الشِّركيَّة، وهي التي يُشبَّه فيها
المخلوقُ بالخالق، مثل ما قاله بعض مَلْعوني الصُّوفية:
فَمَا الكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ إِلاَّ إِلَهُنَا وَمَا اللهُ إِلاَّ رَاهِبٌ فِي كَنِيسَةِ وقول ملعونٍ آخَر يَمْدح المعزَّ لدين الله، وهو باطنِيٌّ مَلْعون - أي: المُعز مَا شِئْتَ لاَ مَا شَاءَتِ الأَقْدَارُ فَاحْكُمْ فَأَنْتَ الوَاحِدُ القَهَّارُ 5 - أشعار الغناء: وهي الخَاصَّة بِمَوضوع البحث، وكلُّ ما ورد من نهيٍ أو ذم، فهو من هذا النَّوع من الشِّعر. الأدلة على التحريم: أوَّلاً: من القرآن الكريم: أ - قال تعالى مخاطبًا إبليس: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 64]. قلت المدون ما بال الناس يتهافتون علي عبادة البشر ، في التشريع والله تعالي لم يأمرنا أن نعبده إلا بما أنزل من كتاب وسنة صحيحة محكمة وبغض النظر عن حل أو حرمة الغناء فلا يحل لمسلم أن يحرم ما أحل الله تعالي ورسوله أو يُحل ما حرم الله تعالي ورسوله قال الله تعالي {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } فعلمنا أن التحريم يلزمه بالضرورة نصاً محكماً قاطعاً بالتحريم وتأكد أن كل من يُفسر آية بدليل غير محكمٍ كالذي يُشَرِّع مع الله بهواه ولم أرَ.. تفسيرات من محض الهوي مثلما رأيته هنا في هذا موضوع الغناء بغض النظر عن حرمة الغناء أو حلَّه فأول شيئ يتصدر عملية تحريم الغناء أو حله هو آراء الرجال مثل قال فلان وقال علان .. وهذه في ذاتها مصيبة كبيرة عمت بها البلوي في ضياع دين الله منذ تحول المسلمون في عفلة من أنفسهم إلي نَصْبِ أوثان التشريع في نفوسهم بأقوال البشر مهما كان الأمر والله تعالي لا يعبأ بترهات العباد ولا يتغير عنده وجه الحق لقول فلان وقول علان من دون رسول الله صلي الله عليه وسلم لأن الله تعالي أعطاه حق التشريع المتابع بالوحي ** إن الخطأ الفادح الذي طمس وجه الحق ونبع النور المنبعث من كتاب الله تعالي هو تعلية وثن التقليد البشري للبشر والإعراض عن وجه لحق الأبلج من كتاب الله وسنة رسول ولا شيئ بعد ذلك... إن تصديرات الناس موضوعاتهم الفقهية بأقوال البشر دون رسول الله صلي الله عليه وسلم هي بذرة التحول عن أساس الحق وضياع الدين ستتابع التعقيب يمشية الله تعالي بداية المتابعة للحديث السابق قلت المدون ومما علمناه من معاجم اللغة وروايات الحديث الصحيحة أن 1.قد أجاز النبي محمدا صلي الله عليه وسلم الغناء في مناسبة الأعياد كما عقب علي موقف عمر بن الخطاب بمحتوي ليس فيه خروج علي حدود الأخلاق القرانية والإسلامية وأذيِّل التعقيب في آخر المقال بهوامشه فأنظر نصف الصحة الأخير ﴿ بِصَوْتِكَ ﴾: قال مُجاهدٌ والضَّحَّاك: هو الغناء والمَزامير واللَّهْو. فتبَيَّن من الآية أنَّ مِن وسائل الشيطان لإضلال آدمَ الغناء والمزامير، وهذا دليلٌ على تَحْريمه. ب - وقال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6]. روى الترمذيُّ بِسنَدٍ فيه ضعفٌ عن أبي أُمامة عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تَبِيعوا القَيْنات، ولا تشتروهنَّ، ولا تُعلِّموهن، ولا خير في تجارةٍ فيهنَّ، وثَمنهُنَّ حرام))، وفي مثل هذا أُنزِلَت هذه الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6]. ﴿ لَهْو الحديث ﴾: قال ابن عبَّاس وابنُ مسعودٍ وجابِرُ بن عبدالله ومجاهد: هو الغِناء. وروى سعيدُ بن جبيرٍ عن أبي الصَّهباء الكَبير، قال: سُئِل ابن مسعودٍ عن قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ... ﴾ [لقمان: 6] الآية، فقال: الغناء، والله الَّذي لا إله إلاَّ هو إنَّه الغناء، ورُوي ذلك عن ابن عمر وعِكْرمة. جـ - قال تعالى: ﴿ أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ ﴾ [النجم: 59 - 61]. قال ابن عبَّاس: سامدون؛ أي: مُغنُّون. ويُقال في اللُّغة: اسْمُد لنا؛ أيْ: غَنِّ لنا، ويُقال للقَيْنة (المُغنِّية): أَسْمِدينا؛ أي: ألْهِينا بالغناء. وجْهُ الاستدلال: أنَّ الله تعالى عاب على الكُفَّار الغناءَ عند سَماعهم للقرآن. ثانيًا: السُّنة وما فيها من أدلَّة على تحريم الغناء: قال ابنُ القَيِّم: الأحاديثُ الواردة في ذَمِّ الغناء وتحريمه متواترةٌ، وعدَدُ رُواتها ثلاثةَ عشر صحابيًّا، وهم: أبو مالكٍ الأشعري، وسهل بن سعد، وعمران بن حُصَين، وعبدالله بن عمرو، وعبدالله بن عباس، وأبو هريرة، وأبو أُمَامة الباهلي، وعائشة، وعلي بن أبي طالب، وأنس بن مالك، وعبدالرحمن بن سابط، والغازي بن ربيعة، وعبدالله بن عمر، وإليك بعض الأحاديث. روى البخاريُّ، فقال - أي: البخاري -: وقال هشام بن عمار: حدَّثَنا صدَقةُ بن خالد، حدَّثنا عبدالرحمن بن زيدِ بن جابر، حدَّثنا عطيَّةُ بن قيس الكِلابِيُّ، حدثنا عبدالرحمن بن غَنْمٍ الأشعريُّ، قال: حدَّثنا أبو عامر، أو أبو مالكٍ الأشعري، والله ما كذَبَنِي، أنَّه سمع النبِيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لَيَكونَنَّ من أُمَّتي أقوامٌ يستحِلُّون الحِرَ والحَرير، والخمرَ والمعازِف، وليَنْزِلَنَّ أقوامٌ إلى جنبِ علَمٍ يَروح عليهم بسارحةٍ لهم، يأتيهم - يعني: الفَقير - لحاجةٍ، فيقولونَ: ارجع إلينا غدًا، فيُبيِّتُهم الله، ويضَعُ العَلَم، ويَمْسخ آخرين قِرَدةً وخَنازير إلى يوم القيامة)). مفردات الحديث: يَستحِلُّون: قال ابنُ العربي: يَحْتمل أن يكون المعنى أنَّهم يَعْتقدون أنَّها - أيْ: هذه الأصناف الأربعة - حلال، ويَحْتمل أن يكون مَجازًا على الاستِرْسال؛ أي: يَسْترسلون في فِعْلها كالاسترسال في الحلال. الحِر: هي الفُروج، والمعنى أنَّهم يَزْنون. المَعازف: قال ابن حجَر: هي آلاتُ المَلاهي. • قال الذهبِيُّ: هي اسمٌ لكلِّ ما يُعزَف به. • قال ابنُ القيِّم: هي آلاتُ اللَّهو كلها، بلا خلاف. • قال القرطبِيُّ نقلاً عن الجوهري: إنَّها الغناء. وجه الدّلالة على التَّحريم: لو كانَتْ آلات الملاهي والغناء حلالاً، لمَا ذمَّ النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاعِلَها، وما قرَنَ استِحْلالَها باستحلال الخَمْر والزِّنا. ورَوى حديثَ أبي مالكٍ الأشعري الإمامُ ابن ماجَهْ في "سننه"، وساق السَّنَد إلى أبي مالكٍ الأشعري، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ليَشْرَبنَّ قومٌ - ناس - من أمَّتي الخمرَ يُسمُّونها بغير اسمِها، يُعزف على رؤوسِهم بالمعازف والمُغنِّيات، يَخْسف الله بهم الأرضَ، ويَجْعل منهم قِرَدةً وخَنازير)). وهذا إسنادٌ صحيح، وقد توَعَّد النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - مَن يَعْزفون بالمعزف بأن يخسف الله بِهم الأرض، ويَمْسخهم قردةً وخنازير. حديث ثانٍ: روى الترمذيُّ بِسنَده عن عِمْران بن حُصَين قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَكُون في أمَّتِي قذْفٌ وخَسْف ومَسْخ))، فقال رجلُّ من المسلمين: متَى ذاك يا رسول الله؟ قال: ((إذا ظهَرَت القينات والمعازف، وشُرِبَت الخُمور)). وجه الدلالة: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - علَّق عقوبة الله - عزَّ وجلَّ - على ظُهور القيان والمعازف وشُرْب الخمور، ومعلومٌ أنَّ العقوبة لا تُعَلَّق إلا بظهور المعاصي والمُنكَرات والحرام. حديث ثالث: روى الإمامُ أحمد وأبو داود بإسنادٍ حسَن عن نافعٍ مولى ابن عمر، قال: كنتُ أسير مع ابن عمر، فسمع صوتَ راعٍ يَزْمُر بِزمَّارة، وكنتُ صغيرًا، فوضَع ابنُ عمر إصبعَيْه في أُذنَيْه، وقال: يا نافِعُ أتسمع؟ فقلتُ: لا، فأخرجَ إصبعَيْه من أذنَيْه، وقال: كنتُ مع النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فسمع صوتَ راعٍ (مزمار الراعي)، ففعل مثلَما فعلتُ. وجه الدلالة: لو لم يكن هذا صوتًا يَحْرم سَماعُه، ما وضَعَ النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إصبعَيْه في أذنيه. حديثٌ رابع: روى ابن أبي الدُّنيا عن أبي أُمَامة الباهليِّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ إبليس لما أُنزِلَ إلى الأرض، قال: يا رب، أنزلتَنِي إلى الأرض، وجعلتَني رجيمًا، فاجعل لي بيتًا، قال: الحمَّام، قال: فاجعَلْ لي مجلسًا، قال: الأسواق ومَجامع الطُّرقات، قال: فاجعل لي طعامًا، قال: كلُّ ما لم يُذكَر اسم الله عليه، قال فاجعل لي شَرابًا، قال: الشعر، قال: فاجعل لي كتابًا، قال: الوشم، قال: فاجعل لي حديثًا، قال: الكَذِب، قال: فاجعل لي رُسلاً، قال: الكهَنة، قال: فاجعل لي مصايد، قال: النِّساء. قال ابن القيِّم: كلُّ جملةٍ مِن هذا الأثَر لها شَواهِدُ مِن القرآن والسُّنة. وجه الدلالة: أنَّ المزمار والشِّعر من أساليب الشَّيطان لدعوة بني آدم إلى المعصية، فعلم أنه محرَّم. أقوال الأئمَّة في تحريم الغناء: اتَّفق الأئمَّة الأربعة وسلَفُ الأمَّة على تحريم الغناء، وأنَّه لا يتَعاطاه إلاَّ فاسق من السُّفهاء. أولاً: الإمام أبو حَنيفة 80 - 150هـ: قرَّر الأحنافُ في كُتبهم أنَّ سماع الغناء فِسْق، والتلَذُّذ به كُفْر، وقال الإمام أبو يوسف، وهو أكبَرُ تلاميذ أبي حنيفة، وكان قاضِيَ القُضاة في زمَن هارون الرَّشيد، قال: إذا سمعتُ الغناء من بيتٍ، فإنِّي أدخل عليهم بغير استِئْذان؛ لأنَّ تَغْيير المنكَر واجب، وهذا مُنكَر. وورَدَ في كتاب التترخانيَّة - وهو من كتب الأحناف - أنَّ الغناء مُحرَّم في جميع الأوطان. ثانيًا: الإمام مالك 93 - 179هـ: سُئِل الإمام مالِكٌ عن الغناء، وما ترَخَّص فيه من أهل المدينة، فقال: إنَّما يفعله الفُسَّاق عندنا. وسأله رجلٌ مرَّة عن الغناء، فقال للسَّائل: أرأيتَ إذا كان يوم القيامة، أيكون مع الباطل أو مع الحقِّ؟ فقال الرَّجل: يكون مع الباطل، فقال الإمام مالك: والباطل أين؟ أفي الجنَّة أم في النَّار؟ قال الرجل: في النار، فقال الإمام: اذهب، فقد أفتيتَ نَفْسَك. وقال الإمام مالِكٌ: إذا وقفتَ على بيت غريمٍ لك - مَدِين لك - تنظره لِتَأخذ منه دينَك، وسَمِعت غناءً، فلا يحلُّ لك أن تقف؛ لأنَّ هذا منكَر لا يجوز لك أن تسمعه. ثالثًا: الإمام الشافعي: 150 - 204هـ: لَمَّا خرج الشافعيُّ من بغداد إلى مصر، قال: خرجتُ من بغداد، وخلَّفتُ شيئًا ورائي أَحْدَثه الزَّنادقة يُسمُّونه التَّغبير؛ لِيَصدُّوا الناس به عن القرآن. التغبير: آلةٌ يُعزَف بها تشبه العود. وقال: إذا جمع الرَّجلُ النَّاسَ لِسَماع جاريته، فهو سفيهٌ مَرْدود الشَّهادة، وهو بذلك ديُّوث. رابعًا: الإمام أحمد 164 - 241هـ: قال الخَلاَّل في كتابه "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر"، قال عبدالله بن الإمام أحمد: سألتُ أبي عن الغناء، فقال: لا يُعجِبُني، إنَّه ينبت النِّفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل. ملحوظة: قول الإمام أحمد "لا يعجبني" يدلُّ على أنه يحرم الغناء؛ لأنَّ هذا اللفظ - وأيضًا "أَكْرَه" - إذا أطلَقَه أحَدٌ من الأئمة يدلُّ على التحريم، وليس على الكراهة، ولكنهم قالوه من باب الورَع؛ مَخافة أن يكونوا مِمَّن قال فيهم ربُّنا: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116]. ويدلُّ على ذلك ما يأتي: مرَّ على الإمام أحمدَ رجُلٌ ومع الرَّجُل عودٌ، فقام الإمام أحمدُ وكسَرَه، فلو لم يكن الغناء محرَّمًا، ما كسر العود. • وسئل الإمام أحمد عن رجلٍ مات وترك ولدًا وجارية مغنِّية، فاحتاجَ الصبِيُّ إلى بيعها، قال الإمام: تُباع على أنَّها ساذجة، لا على أنَّها مغنِّية، فقيل له: إنَّها تساوي ثلاثين ألفًا، ولعلَّها إن بيعت ساذجة تساوى عشرين ألفًا، فقال: لا تباع إلاَّ على أنَّها ساذجة. هذا دليلٌ على أنَّ الغناء مَحْظور ومحرَّم، وإن لم يكن الغناءُ حرامًا، ما جازَ تفويتُ المال على اليتيم. • قال القرطبيُّ: الغناء محرَّم، والاشتغال به على الدَّوام سفَه، تُرَدُّ به الشهادة. • قال ابن تيميَّة مُعلِّقًا على حديث البخاريِّ المتقدِّم: ولو استحَلُّوا هذه المحارم "الحِرَ - الحرير - الخمر – المعازف"، مع جَزْمِهم بأنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حرَّمَها، كانوا كفارًا بهذا الاستحلال، ولو فعلوا ذلك دون استحلال، لأوشَكَ أن يُعذَّبوا بهذه العقوبة، وهي المَسْخ والقذف. • قال ابن القيم: يَنْبغي لمن شمَّ رائحة العلم ألاَّ يتوَقَّف في تحريم الغناء؛ فأقَلُّ ما فيه أنَّه شعارُ شاربِي الخمور. وبعد: فهذه بعض الأدلَّة الثابتة في تحريم الغناء، وهي غيضٌ من فَيْض، وقطرةٌ من بحر، والمؤمن يَكْفيه دليلٌ واحد، وبرغم وضوح الأدِلَّة، وقطعِيَّة دلالتها، وُجِد - كما هو الحال - علماء أفتَوْا بعكس هذا الكلام، وقالوا بإباحة الغناء، فيهم مَن اجتهد فأخطأ، فله أجر، ومنهم من طمسَ الله على قلبِه وبصيرته، فلم يستَطِع أن يُميِّز بين المعروف والمُنكَر، إلاَّ ما أُشرِبَ مِن هواه. وأَسُوق إليك أخي المسلم ما تعَلَّق به هؤلاء الصِّنف من الناس من شُبهاتٍ والردَّ عليها وتفنيد مزاعمهم، ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ﴾ [الأنبياء: 18]. الشُّبهة الأولى: وهي إباحة ابنِ حَزْم للغناء: ونَذْكر أوَّلاً كلامَ ابنِ حزم في هذه المسألة، فقد قال: "إنَّ الغناء مُباح"، ولكنَّه بنَى كلامه على تضعيف حديث أبي مالكٍ الأشعري، وقد اجتهَدَ فأخطأ، وإليك ما قاله في حديث البخاريِّ، والردَّ عليه. قال ابنُ حزم: إنَّ الحديث منقطِعُ السَّند، فيما بين البخاريِّ وهشام بن عمَّار، والذي جعل ابنَ حزمٍ يَقول هذا الكلام هو أنَّ البخاريَّ أوردَ الحديث بقوله: "وقال هشامُ بن عمَّار: حدَّثَنا صدَقةُ بن خالد"، ولَم يَقُل: عن هشام، والرَّد على ذلك من عدَّة وجوه؛ كما قال أهل العلم:{قلت المدون هذا مصطلح مطاطي لا تقام به الحجج وقد أكثر منه السلف حينما لا يتوفر عندهم الدليل المحاج فيرمون عل أهل العلم ولا يحددون أعيانهم ومع هذا ولو حددوا أعيانهم فلا يحل لأهل العلم أن يشرعوا ما لم يأذن به الله فما أحدٌ من الناس إلا وهو مخلوق لم يؤت النبوة غير رسول الله صلي الله عليه وسلم} ومن دونه متبعين لا مشرعين اضغط الرابط🌔 وسوف نفرد صفحة (إن شاء الله وأذن) اعرض ما هو الإشراك بالله عامة وبالأخص الإشراك بالله في التشريع وسنتناول بمشيئة الله الباري من له حق التشريع والفرق المختلط بين الفتيا والتشريع وانزلاق العلماء لمنحدر التشريع من درب الفتوي بلا دليل وأن الدليل الأوحد للتشريع هو لا شيئ غير القرآن المحكم والسنة النبوية المحكمة في الدلالة وفي الثبوت وما عدا ذلك فهو باطل لا نور فيه ....
قال الشيخ قال الشيخ صاحب مقال الأولوكة
الشيخ عادل الشوربجي : ينسب ما سيأتي إلي أهل العلم بالمصطلح الفضفاض المطاطي:
1- أن البخاريَّ قد لَقِي هشامَ بن عمَّار، وسمع منه،
فإذا قال: "وقال هشام"، فهو بِمَثابة قوله: "عن هشام".
؟؟؟؟
2 - أنَّ كلام ابن حزم يُقبَل إذا كان البخاريُّ مُدلِّسًا، ولم يَصِف أحَدٌ من خَلْق الله البخاريَّ بالتدليس، فبطلَ بذلك كلامُ ابن حزم. {قلت المدون لم يعلم الشيخ منهج البخاري في سياق الأحاديث وأن البخاري رحمه الله له منهجا ثابتا معروفا في إخراجه للحديث وتضمينه كتابه الصحيح ومعلقات البخاري خير من يعرفها ويعتبرها غير متصله الحافظ المحدث ابن حجر العسقلاني مما يشير إلي اجتهاد الشيخ الشيخ عادل الشوربجي الخاطئ} 3 - أنَّ البخاري أدخلَ الحديث في كتابه المُسمَّى بالصَّحيح، فلولا صحَّتُه ما فعل ذلك. قلت المدون أدخله غير متصل كمنهج اتفق عليه لذلك ألف الحافظ ابن حجر كتابا وسماه تغليق التعليق حاول فيه أن يجد طريقا يصل فيه هذه المعلقات 4 - لو سلَّمْنا بصحَّة كلام ابن حزم، فقد رَوى الحديثَ نفسَه أبو داود متَّصِلَ الإسناد؛ ففي كلِّ الحالات الحديث ثابتٌ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم. وبعد: فهذه باختصارٍ جملة ما قالَه ابن حزم - رحمه الله - في الحديث، قلت المدون ليس الأمر بهذا الوصف فقد قطع الكاتب بعض المعروض عند ابن حزم من كثير كثير مما إستدل به الفقيه الحافظ ابن حزم الأندلسي أوردناه في مكانه بهذه الصفحة أسفل العرض }}} وبناء على ذلك أفتى بحلِّ الغناء؛ لِعَدم ثبوت الحديث عنده، وبَعْد أن تبيَّن ما وقعَ فيه ابنُ حزم من وَهْم، وما ردَّ به عليه أهلُ العلم، منهم: الحافظ ابن حجَر، وابن الصَّلاح، وابن القَيِّم، لا يحلُّ لأحدٍ أن يُتابع ابنَ حزم، وقد قال أحَدُهم: والحزم ألاَّ تأخذ برأي ابن حَزْم - أيْ: في تحليله للغناء. {قلت المدون هذا كلام مقتضب غيَّر به الكاتب جوهر ما استدل به بن حزم يتبع بذلك اسلوب تدليس التسوية لرغبة في نفسه يرد بها قول ابن حزم الأندلسي الفقيه الحافظ رحمه الله} قال الشيخ الشوربجي الشبهة الثانية: روى البخاريُّ ومسلِم - واللَّفظ لِمُسلمٍ - عن عائشة قالت: دخلَ عليَّ أبو بكر، وعندي جاريتان من جواري الأنصار تُغنِّيان بِما تقاوَلَتْ به الأنصار يوم بُعاث، قالت: وليست بِمُغنيتَيْن، فقال أبو بكر: أَبِمَزمور الشَّيطان في بيت رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -؟! وذلك في يوم عيد، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا أبا بَكْر، إنَّ لكلِّ قومٍ عيدًا، وهذا عيدنا)). والتعقيب علي ما سيأتي من رد هو وجوب الامتناع عن التعليل والتأويل الذي يحول المقصود النبوي إلي مقصود بشري لا جدوي منه ولا معرفة وإليك ما اجتاز به الشيخ من تأويلات مرفوضة في نهاية أمره فهو رأيه ولا نعبأ بمقصود بشري ونترك مقصود الله ورسوله من التشريع قال الشيخ يتأول فيحرف بتأويله مدلولات النصوص الشرعية الصحيحة : تعلَّق بهذا الحديث بعضُ مَن سلَبَهم الله الفهمَ الصحيح لِنُصوص الشَّرع المطهَّر، واستدلُّوا به على إباحة الغناء؛ تَعلُّقًا ببعض الألفاظ الواردة فيه، وليس الأمر كما زعموا، ولكن كما قال أهل العلم: ليس في الحديث أيُّ دلالة على إباحة الغناء من وجوه: الأوَّل: يقول الشيخ الشوربجي قول عائشة: "وعندي جاريتان تغنيان بغناء بُعاث"، فكلمة الغناء كما سبَق في تعريفها تُطلَق على الشِّعْر وعلى غيره، وهي هنا تعني بها الشِّعرَ فقط؛ لِقَرينةٍ، وهي: "بغناء يوم بعاث".{قلت المدون يشرح الشيخ مقصود أم المؤمنين بما تقوله عائشة رضي الله عنها صاحبة البلاغة العلية والمعرفة ببواطن اللغة وأساليب التعبير البديعة دون تأويل أو تجميل كأنه أبلغ منها وأعلم وكأنه علم مقصودها } إن غناء بعاث بلغة أم المؤمنين عائشة هو الغناء الذي يفهمه القاصي والداني والمعروف أداءه والمتعارف عليه بلحن يجذب السامعين دون أداة موسيقية يوم بعاث ولابد من فرق بين الغناء بمعني الشعر والغناء البعاث التي قصدته عائشة أمنا رضي الله عنها وما أسمته عائشة غناءا إلا كونه مصحوبا بلحن يُطرب فاستحق هذا الوصف غناء يوم بعاث
قال القاضي عياض [قلت
المدون سيذكر القاضي عياض رأيه دون استدلال عليه يتأول حديث عائشة فيخرجه
عن مضمونه بلا حجة ولم يذكر القاضي عياض هل خلا هذا الغناء التي شبهته
عائشة رضي الله عنها عن الإرتجاز يعني الغناء مع العلم بأن كل غناء هو شعر
ملحون منغوم يطرب السامعين]: فيقول القاضي عياض: كان الغناء بما هو أشعارُ الحرب،
والمُفاخَرة بالشَّجاعة، والظُّهور والغلَبة، وهذا الإنشاء بِرَفْع الصَّوت
يُطلَق عليه الغِناء، وبُعاث يومٌ مَشْهور من أيَّام العرَب، كان فيه مقتلةٌ
عظيمة بين الأوس والخزرج، والتي تروي لنا الحديث السابق هي أمُّ المؤمنين عائشة،
ويروي لنا مَن تعلَّم منها، وهو ابن أخيها القاسم بن محمد بن أبي بكر أنَّه قال:
"إنَّ الغناء باطل، والباطل في النَّار"{ قلت المدون: ومع هذا وصفته عائشة بقولها("وعندي جاريتان تغنيان بغناء
بُعاث")
قال الكاتب : لذلك لما ذهب أبو حامدٍ الخلفانيُّ للإمام أحمد، وقال: ما تقول في الغناء؟ فقال الإمام للرجل: مثل ماذا؟ فقال الرجل: إِذَا مَا قَالَ لِي رَبِّي أَمَا اسْتَحْيَيْتَ تَعْصِينِي وَتُخْفِي الذَّنْبَ عَنْ خَلْقِي وَبِالعِصْيَانِ تَأْتِينِي فقال الإمام أحمد: "ليس بحرام"، ومع ذلك سَمَّاه الرَّجُل غناءً. فعُلِم من ذلك أنَّ الغناء يطلق على الشِّعر {قلت المدون ويميز عنه بكونه منغوما }
الثاني: سماها أبو بكر مزمار الشيطان، ولَم يُنكِر
الرَّسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - ذلك، وقد قال في موطنٍ آخَر لأبي موسى
الأشعري: ((لقَدْ أُوتِيتَ مزمارًا من مزامير آل داود))؛ متفق عليه؛ أيْ: صوتًا
حسَنًا كصوت داود - عليه السَّلام.
قلت المدون راجع تحقيق معناه فيما سيأتي إن شاء الله لاحقا بأسفل الصفحة
قلت المدون سيلجأ الكاتب فيما يأتي إلي مزيد من التحريف بمزيد من التأويل والتأول أكثره باطل لأنه يخرج المعني عن مقصوده
الثالث: أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يُنكِر عليهن - أيْ: على عائشة والجاريتَيْن - لأسبابٍ، منها: 1 - أنَّهما جاريتان غير مُكلَّفَتين. 2 - أنَّهما بنصِّ كلام عائشة "ليستا بمغنيتين"؛ أيْ: لا يعرفان الغناءَ كما يعرفه القَيْنات، وقول عائشة هذا "ليستا بِمُغنيتين" يدلُّ على التحَرُّز من الغناء المعتاد عند المشتَهِرين. 3 - كلام الجاريتَيْن؛ أي غناؤُهُما هو ما قيل منهما من شِعْر يوم بعاث. فائدة: إنْ قيل: كيف ساغَ للصِّدِّيق إنكارُ شيءٍ أقرَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فالجواب: أنَّه ورد في بعض روايات الحديث أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان مُغطًّى بثوب، فظنَّ أبو بكرٍ أنَّه كان نائمًا، فبادر بالإنكار. وأيضًا: أبو بكرٍ أنكرَ عليهم؛ لِما يعلَمُه من الشَّرع، وتقرَّر عنده مِن منع الغناء، وإلاَّ فما كان أبو بكرٍ لِيُنكر أو يمنع من شيءٍ إلاَّ وهو يعلم أنَّه حرام، فبَيَّن له النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الحُكْم مقرونًا ببيان الحكمة بأنَّه يومُ عيد؛ أي: يوم سُرورٍ شرعي، فلا ينكر فيه، كما لا يُنكَر في الأعراس. ما يُباح من الغناء: من سماحة الإسلام وسهولته، ولأنَّه من لَدُنْ حكيمٍ خبير، ولأنَّه مُنَزَّل من الخالق؛ فهو أعلم بأسرار خلقه ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، فمَع تحريم الشَّرع للغناء تحريمًا جذريًّا لا يَخْفى على مَن له عقلٌ، فقد رخَّصَت الشريعة فيه في بعض الحالات بشروطٍ معيَّنة، وتحت قيودٍ ثقيلة، فمنها: أولاً: أيَّام العيدين: بدليل حديث عائشة المتقدِّم في "الصَّحيحين"، وقد سبق الكلام عنه، وبيَّنَّا ما فيه من فقه؛ فليس لأحدٍ أن يتوسَّع أكثر مِمَّا ورد، وإلاَّ وقع في الحرام، فيكون الكلام من جاريتَيْن صغيرتين، وليستا بِمُغنيتين، وأن يكون الكلامُ خاليًا من كل شائبة. ثانيًا: في العُرْس "الأفراح": الدليل: روى البخاريُّ ومسلمٌ وأحمد عن عائشة أنَّها زفَّت امرأة من الأنصار، فقال النبِيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يا عائشة، ما كان معكم من لَهْو؟ فإنَّ الأنصار يعجبهم اللهو)). روى الترمذيُّ وابن ماجه والنَّسائي عن النبِيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((فَصْل ما بين الحلال والحرام الدفُّ والصَّوت في النِّكاح)). فمن هذين النصَّيْن وغيرِهِما من النُّصوص، يُرخَّص في الغناء واللهو في النِّكاح؛ بشروط: 1 - أن يكون في عرس نكاحٍ شرعي. 2 - أن يكون الدفُّ عبارةً عن إطار "غربال" قد جعل عليه جلدٌ فقَطْ، ولا بدَّ أن يكون خاليًا من الجلاجل. 3 - أن يكون الغناء خاليةً ألفاظُه من الفُحْش والبذاءة والزُّور وكلِّ باطل محرَّم. 4 - أن يكون المُغنِّي امرأةً، لا رَجُلاً؛ لأنَّ الرجل إذا تغنَّى فهو ملعون؛ لأنَّه تشبَّهَ بالنِّساء. 5 - ألا يكون مع النِّساء في العرس رجالٌ أجانب؛ لأنَّ اختلاط الأجنبيِّ بالنِّساء حرام. لِماذا حرَّم الله علينا الغناء؟ للغِناء مَفاسِدُ كثيرة؛ فهو منبت الشَّر، ويُنبِت النِّفاق في القلب، كما يُنبت الماء البقل، ومع كثرة هذه المفاسد يُمكِن جمعها في أمرَيْن اثنين: 1 - الغناء يصدُّ عن ذِكْر الله، قال عثمان: لو طَهُرَت قلوبُنا، ما شَبِعَت من كلام ربِّنا، قال الضحَّاك: الغناءُ مَفْسدةٌ للقلب، مسخطةٌ للرَّب، فالغناء يهيِّج القبائح كسائر المهيجات، ويهيج على طاعة الشَّيطان، وإذا ابتعدَ الإنسانُ عن ذِكْر الله، عشَّش الشيطانُ في قلبه، فهو فيمن قال فيهم ربُّنا: ﴿ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المجادلة: 19]. 2 - الغناء يُثير الشَّهوات، ويُؤدِّي إلى الزِّنا؛ قال الفضيلُ بن عياض: الغناء رُقْية الزِّنا، قال يزيد بن الوليد: يا بَنِي أميَّة، إيَّاكم والغناء؛ فإنَّه ينقص الحياء، ويَهْدم المروءة، ويَزِيد الشَّهوة، ويَنوب عن الخمر، ويَفْعل ما لا يفعله السُّكر. لذلك لَمَّا نزلَ الحُطَيئة الشَّاعر على رجُل، ومعه ابنتُه، فلمَّا نزلَ الحُطَيئة بدأ الرجل يغني فقام الحُطَيئة هو وابنته، وانصرفَ، فغضب صاحبُ البيت، وقال: مَن اعتدى عليك؟ وماذا رأيتَ منِّي حتَّى خرَجْتَ مِن ضيافتي؟ قال: الغناء الذي سمعته سيُفسد ابنتي عليَّ، إمَّا أن تَسْكت وإمَّا أن أَخْرج. قال ابن القَيِّم: من المعلوم عند العامَّة والخاصَّة أنَّ فِتْنة سماع الغناء والمعازف أعظمُ من فِتْنة النَّوح بكثيرٍ، والَّذي شاهَدْناه نحن وغيرنا، وعرَفْناه بالتَّجارِب أنَّه ما ظهرَتِ المعازفُ وآلات اللَّهو في قومٍ وفشَتْ فيهم واشتغلوا بها، إلاَّ سلَّطَ الله عليهم العدوَّ، وبُلوا بالقحط والجدب، وَوُلاةِ السُّوء، والواقع خيرُ دليلٍ على كلام ابن القيِّم. الواجب على المسلم تجاه هذه المعصية: هذه المعصية ذات شِقَّيْن: الأوَّل: المغنِّي، المَرْء الذي يغنِّي، أو المرأة التي تُغني. الثاني: نَفْس الغناء؛ أيْ: سَماع الغناء. الأوَّل: المُغنِّي: مَن اشتغل بهذا الأمر، ورُزِق منه، وكان هذا عمَلَه، فإنَّ رِزقَه حرام، وهو فاسق مَرْدود الشَّهادة، فلا بُدَّ للمسلم أن يُعامِلَه على هذا الأساس، فلا يكرم بأيِّ نوعٍ من أنواع الكرامة، ولا يستشهد به في أيِّ موضوع، ولا يُجالَس عند معصيته. قال مكحولٌ الدمشقي: مَن مات وعنده آلةُ غناء أو قَيْنة، أو يُغنِّي، لا يصلَّى عليه؛ لأنَّه يُمسَخ في قبره. (كلام مكحولٍ من باب التَّعزيز، ومِن باب التخويف لغيره). ثانيًا: سماع الغناء: بإجماع العلماء والأئمَّة الأربعة، وسلَفِ الأمَّة، هذا لا يجوز مطلقًا، ومَن اعتاد السَّماع وكان دَيْدَنَه، فهو فاسقٌ مردودُ الشَّهادة. رَوى مسلِمٌ عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ قال: سمعتُ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((مَن رأى منكم مُنكَرًا، فلْيُغيِّرْه بيده، فإنْ لَم يستَطِعْ فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان)). لذلك يجب على المسلم أن يُزيل هذا المنكر بيده؛ بشرط ألا يترتَّب على ذلك أيُّ ضررٍ له، وقد سبق في البحث أنَّ الإمام أحمد شاهدَ رجلاً ومعه عود، فقام وكسرَ العود، فإن لم يستَطِع التَّغيير باليد، فعليه باللِّسان؛ وذلك عن طريق الوعظ باللِّين والحكمة والموعظة الحسَنة، فإن استَجاب، فالحمد لله، وإن لم يستَجِب، فإلى المَرْتبة الثَّالثة من مراتب تَغْيير المنكَر، وهي لا ينفكُّ عنها مسلمٌ، وهي التغيير بالقلب؛ وذلك يستلزم مغادرةَ المكان - ارجع إلى فتوى الإمام مالكٍ في هذا البحث. وإليك وقائعَ لسلَفِنا؛ حتَّى تكون على بيِّنة من الأمر - ارجع إلى واقعةِ ابن عُمَر مع نافع: مرَّ محمَّدُ بن مصعب (توفي سنة 228) بِبَيت، فسَمِع غناء، فدقَّ الباب، فخرجَتْ جارية، فقال لها: مَن أنتِ؟ قالت: جارية، وعندي مولاتي أُغنِّي لها وأدقُّ لها على العود، فقال: أنزلي العود حتَّى أكسره، قالت: انتظر حتَّى أخبر مولاتي، فلمَّا أخبَرَتْها، قالت: هذا شيخٌ أَحْمق، اضربي بالعود، فبدَأَت الجارية تغنِّي، فلما سمع محمد بن مصعب جلس يقرأ القرآن ويَبْكي، فاجتمع النَّاس، وصار لهم ضجيجٌ وصياح، فأشرَفَت المرأةُ مِن النافذة ورأت الحالة، فقالت المرأةُ للجارية: خذي العود حتَّى يكسره وينصرفوا، فكسره محمد بن مصعب، وانصرف ومعه الناس. ذهب شُعْبة شيخُ المُحدِّثين في زمانه؛ لِيَتلقَّى الحديث عن المِنْهال بن عمرٍو، فسَمِع صوتَ طنبور (عود) لَمَّا اقترب من بيت المنهال، فانصرف شُعبة عن المنهال، وقدح فيه، وقال فيه كل سوء، قال العلماء: المنهالُ بن عمرٍو ثِقَة، من رجال البخاري، ولكن شُعْبة تسَرَّع، وكان الغناء من بيت جارِ المِنْهال. وهذه الواقعة تدلُّ على شدَّة ورَعِ شُعبة، وحِرصِه على مَن يتعلَّم مِن علمه ودينه. ورَحْمة الله على الإمام ابن سيرين الَّذي قال: "العلم دين؛ فلْيَنظر أحَدُكم عمَّن يأخذ دينَه". وبعد: فهذا ما تيَسَّر جمْعُه من أدلَّة شرعيَّة وأقوالٍ للأئمَّة في تحريم الغناء، فالله أسأل أن يَجْعله خالصًا لوجهه، وأن ينفع به من يَقْرؤه، والحمد لله الَّذي بنعمتِه تتمُّ الصَّالحات. المصادر والمراجع: 1 - "الجامع لأحكام القرآن"، القرطبِي. 2 - "تَفْسير القرآن العظيم"؛ ابن كثير. 3 - "فَتْح الباري بِشَرح صحيح البُخاري"؛ ابن حجر العسقلاني. 4 - "الزَّواجر عن اقتراف الكبائر"؛ ابن حجر الهَيْتمي. 5 - "حكم الإسلام في الموسيقا والغناء"؛ أبو بكرٍ الجزائري. 6 - "إغاثة اللَّهْفان من مَصايد الشيطان"؛ ابن قيِّم الجوزية. 7 - "محاضرات سمعيَّة"؛ عبدالرحيم الطحَّان.
فيما مضي استمر الكاتب في إخراج النصوص عن
مدلولاتها بقصده هو معرضا عن قصد الله ورسوله حيث إباحة الشيئ في مناسبة هي إباحة لأصلها
ولا يتعلق الأمر بالسبب لكنه قَعَّدَةُ والسبب مناسبة إرساء القاعدة بالحل أو الحرمة أي بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب
{قلت المدون وأعرض أدلة المبيحين للناء ومعنب ذلك لا أقول بأنه حلال بل يجب التورع عما فيه شبهة والابتعاد عن طرب النساء جميعه لأن صوتهن عورة وكلمات الأغاني فيها المنهي عنه والمحرم بجانب الطبيعي ويترك الكل إا شابهه شيئ من الحرام } 1.قد أجاز النبي محمدا صلي الله عليه وسلم الغناء في مناسبة الأعياد كما عقب علي موقف عمر بن الخطاب بمحتوي ليس فيه خروج علي حدود الأخلاق القرانية والإسلامية راجع الآتي مباشرة::: الأصل في الأشياء الإباحة ملم يرد ما يُحَرِم: ـ إن الأصل في الأشياء الإباحة لقوله تعالي: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا) (البقرة: 29)، ولا تحريم إلا بنص صحيح صريح من كتاب الله تعالي، أو سنة رسوله – صلي الله عليه وسلم فإذا لم يرد نص أو ورد نص صريح غير صحيح، أو صحيح غير صريح، بتحريم شيء من الأشياء، لم يؤثر ذلك في حله، وبقي في دائرة العفو الواسعة، قال تعالي: (وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه). (الأنعام: 119). وقال رسول الله –صلي الله عليه وسلم-: “ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسي شيئا”، وتلا: (وما كان ربك نسيا) (مريم: 64). رواه الحاكم عن أبي الدرداء وصححه، وأخرجه البزار. وقال: “إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها” أخرجه الداراقطني عن أبي ثعلبة الخشني. وحسنه الحافظ أبو بكر السمعاني في أماليه، والنووي في الأربعين. وإذا كانت هذه هي القاعدة فما هي النصوص والأدلة التي استند إليها القائلون بتحريم الغناء، وما موقف المجيزين منها. أدلة المحرمين للغناء ومناقشتها استدل المحرمون بما روي عن ابن مسعود وابن عباس وبعض التابعين: أنهم حرموا الغناء محتجين بقول الله تعالي: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين). (لقمان: 6) وفسروا لهو الحديث بالغناء. قال ابن حزم: ولا حجة في هذا لوجوه: أحدها: أنه لا حجة لأحد دون رسول الله -صلي الله عليه وسلم-. والثاني: أنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة والتابعين. والثالث: أن نص الآية يبطل احتجاجهم بها؛ لأن الآية فيها: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوًا) وهذه صفة من فعلها كان كافرًا بلا خلاف، إذ اتخذ سبيل الله هزوًا. ولو أن امرأ اشتري مصحفًا ليضل به عن سبيل الله ويتخذه هزوا لكان كافرًا ! فهذا هو الذي ذم الله تعالي، وما ذم قط عز وجل من اشتري لهو الحديث ليتلهي به ويروح نفسه لا ليضل عن سبيل الله تعالي. فبطل تعلقهم بقول كل من ذكرنا وكذلك من اشتغل عامدًا عن الصلاة بقراءة القرآن أو بقراءة السنن، أو بحديث يتحدث به، أو بنظر في ماله أو بغناء أو بغير ذلك، فهو فاسق عاص لله تعالي، ومن لم يضيع شيئًا من الفرائض اشتغالاً بما ذكرنا فهو محسن. (المحلي لابن حزم (9/60) ط المنيرية). أ هـ. واستدلوا بقوله تعالي في مدح المؤمنين: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه) (القصص: 55). والغناء من اللغو فوجب الإعراض عنه. ويجاب بأن الظاهر من الآية أن اللغو: سفه القول من السب والشتم ونحو ذلك، وبقية الآية تنطق بذلك. قال تعالي: (وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين) (القصص: 55)، فهي شبيهة بقوله تعالي في وصف عباد الرحمن: (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا). (الفرقان: 63). ولو سلمنا أن اللغو في الآية يشمل الغناء لوجدنا الآية تستحب الإعراض عن سماعه وتمدحه، وليس فيها ما يوجب ذلك. وكلمة اللغو ككلمة الباطل تعني ما لا فائدة فيه، وسماع ما لا فائدة فيه ليس محرمًا ما لم يضيع حقًا أو يشغل عن واجب. روي عن ابن جريج أنه كان يرخص في السماع فقيل له: أيؤتي به يوم القيامة في جملة حسناتك أو سيئاتك ؟ فقال: لا في الحسنات ولا في السيئات؛ لأنه شبيه باللغو، قال تعالي: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم). (البقرة: 225، والمائدة: 89). قال الإمام الغزالي: (إذا كان ذكر اسم الله تعالي علي الشيء علي طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم، والمخالفة فيه، مع أنه لا فائدة فيه، لا يؤاخذ به، فكيف يؤاخذ بالشعر والرقص ؟!). (إحياء علوم الدين. كتاب السماع ص 1147 ط دار الشعب بمصر). علي أننا نقول: ليس كل غناء لغوا؛ إنه يأخذ حكمه وفق نية صاحبه، فالنية الصالحة تحيل اللهو قربة، والمزح طاعة، والنية الخبيثة تحبط العمل الذي ظاهره العبادة وباطنه الرياء: “إن الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم”. (رواه مسلم من حديث أبي هريرة، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم ظلم المسلم). وننقل هنا كلمة جيدة قالها ابن حزم في “المحلي” ردًا علي الذين يمنعون الغناء قال: (احتجوا فقالوا: من الحق الغناء أم من غير الحق ؟ ولا سبيل إلي قسم ثالث، وقد قال الله تعالي: (فماذا بعد الحق إلا الضلال) (يونس: 32). فجوابنا وبالله التوفيق: أن رسول الله –صلي الله عليه وسلم- قال: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوي” (متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب، وهو أول حديث في صحيح البخاري). فمن نوي باستماع الغناء عونًا علي معصية الله فهو مذنب آثم وكذلك كل شيء غير الغناء، ومن نوي به ترويح نفسه ليقوي بذلك علي طاعة الله عز وجل، وينشط نفسه بذلك علي البر فهو مطيع محسن، وفعله هذا من الحق. ومن لم ينو طاعة ولا معصية فهو لغو معفو عنه، كخروج الإنسان إلي بستانه، وقعوده علي باب داره متفرجًا، وصبغه ثوبه لازورديًا أو أخضر أو غير ذلك ومد ساقه وقبضها، وسائر أفعاله). (المحلي. 9/60). جـ- قلت المدون واستدل المحرمون للغناء بحديث: “كل لهو يلهو به المؤمن فهو باطل إلا ثلاثة : ملاعبة الرجل أهله، وتأديبه فرسه، ورميه عن قوسه” رواه أصحاب السنن الأربعة، وفي الحديث اضطراب وضعف ، والغناء خارج عن هذه الثلاثة. وأجاب المجوزون للغناء بضعف الحديث، ولو صح لما كان فيه حجة، فإن قوله: “ فهو باطل” لا يدل علي التحريم بل يدل علي عدم الفائدة. فقد ورد عن أبي الدرداء قوله: إني لأستجم نفسي بالشيء من الباطل ليكون أقوي لها علي الحق. علي أن الحصر في الثلاثة غير مراد، فإن التلهي بالنظر إلي الحبشة وهم يرقصون في المسجد النبوي خارج عن تلك الأمور الثلاثة، وقد ثبت في الصحيح. ولا شك أن التفرج في البساتين وسماع أصوات الطيور، وأنواع المداعبات مما يلهو به الرجل، ولا يحرم عليه شيء منها، وإن جاز وصفه بأنه باطل. قلت المدون واستدلوا بالحديث الذي رواه البخاري -معلقا- عن أبي مالك أو أبي عامر الأشعري -شك من الراوي- عن النبي -عليه السلام- قال: “ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر (الحر: أي الفرج والمعني يستحلون الزني). والحرير والخمر والمعازف”. والمعازف: الملاهي، أو آلات العزف. والحديث وإن كان في صحيح البخاري، إلا أنه من معلقات البخاري لا من “المسندات المتصلة” ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده، ومع كون الحديث معلَّقا فقد قالوا: إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب، فسنده يدور علي (هشام بن عمار) (انظر: الميزان وتهذيب التهذيب). وقد ضعفه الكثيرون. ورغم ما في ثبوته من الكلام، ففي دلالته كلام آخر؛ إذ هو غير صريح في إفادة حرمة “المعازف” فكلمة “يستحلون” – كما ذكر ابن العربي- لها معنيان: أحدهما: يعتقدون أن ذلك حلال، والثاني: أن يكون مجازًا عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور، إذ لو كان المقصود بالاستحلال: المعني الحقيقي، لكان كفرًا. ولو سلمنا بدلالتها علي الحرمة لكان المعقول أن يستفاد منها تحريم المجموع، لا كل فرد منها، فإن الحديث في الواقع ينعي علي أخلاق طائفة من الناس انغمسوا في الترف والليالي الحمراء وشرب الخمور. فهم بين خمر ونساء، ولهو وغناء، وخز وحرير. ولذا روي ابن ماجة هذا الحديث عن أبي مالك الأشعري بلفظ: “ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف علي رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير”، وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه. هـ- واستدلوا بحديث: “إن الله تعالي حرم القينة (أي الجارية) وبيعها وثمنها وتعليمها”. والجواب عن ذلك: أولا: أن الحديث ضعيف. ثانيا: قال الغزالي: المراد بالقينة الجارية التي تغني للرجال في مجلس الشرب، وغناء الأجنبية للفساق ومن يخاف عليهم الفتنة حرام، وهم لا يقصدون بالفتنة إلا ما هو محظور. فأما غناء الجارية لمالكها، فلا يفهم تحريمه من هذا الحديث. بل لغير مالكها سماعها عند عدم الفتنة، بدليل ما روي في الصحيحين من غناء الجاريتين في بيت عائشة رضي الله تعالي عنها. (الإحياء ص 1148) وسيأتي. قلت المدون البنداري ولا استدل بقول بشر علي الحل أو الحرمة لكن ذلكمن قبيل مقارعة الحجة بالحجة ثالثا: كان هؤلاء القيان المغنيات يكون عنصرًا هامًا من نظام الرقيق، الذي جاء الإسلام بتصفيته تدريجيًا، فلم يكن يتفق وهذه الحكمة إقرار بقاء هذه الطبقة في المجتمع الإسلامي، فإذا جاء حديث بالنعي علي امتلاك “القينة” وبيعها، والمنع منه، فذلك لهدم ركن من بناء “نظام الرق” العتيد. واستدلوا بما روي نافع أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه، وعدل راحلته عن الطريق، وهو يقول: يا نافع، أتسمع ؟ فأقول: نعم، فيمضي، حتي قلت: لا. فرفع يده وعدل راحلته إلي الطريق وقال: “رأيت رسول الله يسمع زمارة راع فصنع مثل هذا” رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة. والحديث قال عنه أبو داود: حديث منكر. ولو صح لكان حجة علي المحرمين لا لهم. فلو كان سماع المزمار حرامًا ما أباح النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر سماعه، ولو كان عند ابن عمر حرامًا ما أباح لنافع سماعه، ولأمر عليه السلام بمنع وتغيير هذا المنكر، فإقرار النبي -صلي الله عليه وسلم- لابن عمر دليل علي أنه حلال. وإنما تجنب عليه السلام سماعه كتجنبه أكثر المباح من أمور الدنيا كتجنبه الأكل متكئًا وأن يبيت عنده دينار أو درهم …. إلخ. واستدلوا أيضًا لما روي: “إن الغناء ينبت النفاق في القلب” ولم يثبت هذا حديثًا عن النبي -صلي الله عليه وسلم-، وإنما ثبت قولاً لبعض الصحابة، فهو رأي لغير معصوم خالفه فيه غيره، فمن الناس من قال -وبخاصة الصوفية- إن الغناء يرقق القلب، ويبعث الحزن والندم علي المعصية، ويهيج الشوق إلي الله تعالي، ولهذا اتخذوه وسيلة لتجديد نفوسهم، وتنشيط عزائمهم، وإثارة أشواقهم، قالوا: وهذا أمر لا يعرف إلا بالذوق والتجربة والممارسة، ومن ذاق عرف، وليس الخبر كالعيان. علي أن الإمام الغزالي جعل حكم هذه الكلمة بالنسبة للمغني لا للسامع، إذ كان غرض المغني أن يعرض نفسه علي غيره ويروج صوته عليه، ولا يزال ينافق ويتودد إلي الناس ليرغبوا في غنائه. ومع هذا قال الغزالي: وذلك لا يوجب تحريمًا، فإن لبس الثياب الجميلة، وركوب الخيل المهلجة، وسائر أنواع الزينة، والتفاخر بالحرث والأنعام والزرع وغير ذلك، ينبت النفاق في القلب، ولا يطلق القول بتحريم ذلك كله، فليس السبب في ظهور النفاق في القلب المعاصي فقط، بل المباحات التي هي مواقع نظر الخلق أكثر تأثيرًا (الإحياء ص 1151) . واستدلوا علي تحريم غناء المرأة خاصة، بما شاع عند بعض الناس من أن صوت المرأة عورة. وليس هناك دليل ولا شبه دليل من دين الله علي أن صوت المرأة عورة، وقد كان النساء يسألن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- في ملأ من أصحابه وكان الصحابة يذهبون إلي أمهات المؤمنين ويستفتونهن ويفتينهم ويحدثنهم، ولم يقل أحد: إن هذا من عائشة أو غيرها كشف لعورة يجب أن تستر. فإن قالوا: هذا في الحديث العادي لا في الغناء، قلنا: روي الصحيحان أن النبي سمع غناء الجاريتين ولم ينكر عليهما، وقال لأبي بكر: دعهما. وقد سمع ابن جعفر وغيره من الصحابة والتابعين الجواري يغنين. والخلاصة: أن النصوص التي استدل بها القائلون بالتحريم إما صحيح غير صريح، أو صريح غير صحيح. ولم يسلم حديث واحد مرفوع إلي رسول الله يصلح دليلاً للتحريم، وكل أحاديثهم ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية. قال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب “الأحكام”: لم يصح في التحريم شيء. وكذا قال الغزالي وابن النحوي في العمدة. وقال: ابن طاهر: لم يصح منها حرف واحد. وقال ابن حزم: كل ما رُوي فيها باطل وموضوع. أدلة المجيزين للغناء: هذا الجزء مدعوم بالأدلة الشرعية الصحيحة من الأحاديث النبوية وليس من أقوال الرجال السابق كان أدلة المحرمين، وقد سقطت واحدًا بعد الآخر، ولم يقف دليل منها علي قدميه، وإذا انتفت أدلة التحريم بقي حكم الغناء علي أصل الإباحة بلا شك، ولو لم يكن معنا نص أو دليل واحد علي ذلك غير سقوط أدلة التحريم. فكيف ومعنا نصوص الإسلام الصحيحة الصريحة، وروحه السمحة، وقواعده العامة، ومبادئه الكلية ؟ وهاك بيانها أولا: من حيث النصوص: استدلوا بعدد من الأحاديث الصحيحة، منها: 1.حديث غناء الجاريتين في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم- عند عائشة، وانتهار أبي بكر لهما، وقوله: مزمور الشيطان في بيت النبي -صلي الله عليه وسلم-، وهذا يدل علي أنهما لم تكونا صغيرتين كما زعم بعضهم، فلو صح ذلك لم تستحقا غضب أبي بكر إلي هذا الحد. والمعول عليه هنا هو رد النبي -صلي الله عليه وسلم- علي أبي بكر -رضي الله عنه- وتعليله: أنه يريد أن يعلم اليهود أن في ديننا فسحة، وأنه بعث بحنيفية سمحة. وهو يدل علي وجوب رعاية تحسين صورة الإسلام لدي الآخرين، وإظهار جانب اليسر والسماحة فيه. 2. وقد روي البخاري وأحمد عن عائشة أنها زفت امرأة إلي رجل من الأنصار فقال النبي -صلي الله عليه وسلم-: “يا عائشة، ما كان معهم من لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو”. 3. وروي ابن ماجة عن ابن عباس قال: أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله فقال: “أهديتم الفتاة ؟” قالوا: نعم قال: “أرسلتم معها من يغني ؟” قالت: لا. فقال رسول الله -صلي الله عليه وسلم-: “إن الأنصار قوم فيهم غزل، فلو بعثتم معها من يقول: أتيناكم أتيناكم .. فحيانا وحياكم ؟! 4. وروي النسائي والحاكم وصححه عن عامر بن سعد قال: دخلت علي قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس، وإذا جوار يغنين. فقلت: أي صاحبي رسول الله أهل بدر يفعل هذا عندكم ؟! فقالا: اجلس إن شئت فاستمع معنا، وإن شئت فاذهب، فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس. 5. وروي ابن حزم بسنده عن ابن سيرين: أن رجلاً قدم المدينة بجوار فأتي عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فغنت، وابن عمر يسمع، فاشتراها ابن جعفر بعد مساومة، ثم جاء الرجل إلي ابن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن، غبنت بسبعمائة درهم ! فأتي ابن عمر إلي عبد الله بن جعفر فقال له: إنه غبن بسبعمائة درهم، فإما أن تعطيها إياه، وإما أن ترد عليه بيعه، فقال: بل نعطيه إياها. قال ابن حزم: فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعي في بيع المغنية، وهذا إسناد صحيح لا تلك الأسانيد الملفقة الموضوعة. 6.واستدلوا بقوله تعالي: (وإذا رأوا تجارة أو لهو انفضوا إليها وتركوك قائمًا قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين). (الجمعة: 11). فقرن اللهو بالتجارة، ولم يذمهما إلا من حيث شغل الصحابة بهما -بمناسبة قدوم القافلة وضرب الدفوف فرحًا بها- عن خطبة النبي -صلي الله عليه وسلم-، وتركه قائمًا. 7. واستدلوا بما جاء عن عدد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنهم باشروا السماع بالفعل أو أقروه. وهم القوم يقتدي بهم فيهتدي. 8. واستدلوا لما نقله غير واحد من الإجماع علي إباحة السماع، كما سنذكره بعد. وثانيا: من حيث روح الإسلام وقواعده: لا شيء في الغناء إلا أنه من طيبات الدنيا التي تستلذها الأنفس، وتستطيبها العقول، وتستحسنها الفطر، وتشتهيها الأسماع، فهو لذة الأذن، كما أن الطعام الهنيء لذة المعدة، والمنظر الجميل لذة العين، والرائحة الذكية لذة الشم … إلخ، فهل الطيبات أي المستلذات حرام في الإسلام أم حلال ؟ من المعروف أن الله تعالي كان قد حرم علي بني إسرائيل بعض طيبات الدنيا عقوبة لهم علي سوء ما صنعوا، كما قال تعالي: (فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيرًا. وأخذهم الربا وقد نهو عنه وأكلهم أموال الناس بالباطل) (النساء: 160، 161). فلما بعث الله محمدًا –صلي الله عليه وسلم- جعل عنوان رسالته في كتب الأولين (الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم). (الأعراف: 157). فلم يبق في الإسلام شيء طيب أي تستطيبه الأنفس والعقول السليمة إلا أحله الله، رحمة بهذه الأمة لعموم رسالتها وخلودها. قال تعالي: (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات). (المائدة: 4). ولم يبح الله لواحد من الناس أن يحرم علي نفسه أو علي غيره شيئًا من الطيبات مما رزق الله مهما يكن صلاح نيته أو ابتغاء وجه الله فيه، فإن التحليل والتحريم من حق الله وحده، وليس من شأن عباده، قال تعالي: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالاً قل آلله أذن لكم أم علي الله تفترون) (يونس: 59). وجعل سبحانه تحريم ما أحله من الطيبات كإحلال ما حرم من المنكرات، كلاهما يجلب سخط الله وعذابه، ويردي صاحبه في هاوية الخسران المبين، والضلال البعيد، قال جل شأنه ينعي علي من فعل ذلك من أهل الجاهلية: (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهًا بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراء علي الله قد ضلوا وما كانوا مهتدين). (الأنعام: 140). ولو تأملنا لوجدنا حب الغناء والطرب للصوت الحسن يكاد يكون غريزة إنسانية وفطرة بشرية، حتي إننا لنشاهد الصبي الرضيع في مهده يسكته الصوت الطيب عن بكائه، وتنصرف نفسه عما يبكيه إلي الإصغاء إليه ولذا تعودت الأمهات والمرضعات والمربيات الغناء للأطفال منذ زمن قديم، بل نقول: إن الطيور والبهائم تتأثر بحسن الصوت والنغمات الموزونة حتي قال الغزالي في الإحياء: (من لم يحركه السماع فهو ناقص مائل عن الاعتدال، بعيد عن الروحانية، زائد في غلظ الطبع وكثافته علي الجمال والطيور وجميع البهائم، إذ الجمل مع بلادة طبعه يتأثر بالحداء تأثرًا يستخف معه الأحمال الثقيلة، ويستقصر -لقوة نشاطه في سماعه- المسافات الطويلة، وينبعث فيه من النشاط ما يسكره ويولهه. فتري الإبل إذا سمعت الحادي تمد أعناقها، وتصغي إليه ناصبة آذانها، وتسرع في سيرها، حتي تتزعزع عليها أحمالها ومحاملها) . وإذا كان حب الغناء غريزة وفطرة فهل جاء الدين لمحاربة الغرائز والفطر والتنكيل بها ؟ كلا، إنما جاء لتهذيبها والسمو بها، وتوجيهها التوجيه القويم، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: إن الأنبياء قد بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها لا بتبديلها وتغييرها. ومصداق ذلك أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم- قدم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: “ما هذان اليومان؟” قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية: فقال عليه السلام: “إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحي ويوم الفطر” رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وقالت عائشة: “لقد رأيت النبي يسترني بردائه، وأنا أنظر إلي الحبشة يلعبون في المسجد، حتي أكون أنا التي أسأمه -أي اللعب- فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن الحريصة علي اللهو”. وإذا كان الغناء لهوا ولعبًا فليس اللهو واللعب حرامًا، فالإنسان لا صبر له علي الجد المطلق والصرامة الدائمة.
قال النبي -صلي الله عليه وسلم لحنظلة :
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام إن لاقينا إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا قال ثم يمد صوته بآخرها
|