بشرط عدم التغيير، أو الإضافة، أو الحذف أو التعديل.
إلى خير الأزواج
إليك يا رسول الله.
تقريظ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، والصلاة والسلام على نبينا الهادي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد،
فقد طالعت هذا الكتاب الهادف، والذي تضمَّن عددًا من مواقف الحياة الزوجية مع تسليط الضوء عليها، والاستفادة منها، وميزانها بميزان العقل والشرع مع الحيادية، فوجدته بحثًا نافعًا، فيه دعوة للأزواج خاصة أن يحسنوا معاملة زوجاتهم، وأن يقدَّروا أعمالهن، وجهدهن في المنزل ومع الأبناء، وأن يقتدوا بمعلمهم القدوة - صلى الله عليه وسلم - في معاملته لزوجاته، وألا يتذرعوا بفهمهم الخاص لبعض النصوص، فيتسلطوا على زوجاتهم ويعنتوهن.
وأن يحسنوا معاملتهن اقتداء بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي."
وقد لمست في هذا البحث النصح الواعي المخلص الموجه إلى الرجال، وبيان السبيل لإقامة حياة أسرية سعيدة. فشكر الله للكاتبة جهدها، ووفقها دائما إلى ما فيه الخير والنفع لأمتها، وملأ حياتها سعادة وحبًا بدوام التمسك بمبادئ وأخلاق ديننا القويم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
د/ الحسنين عبد الفتاح الشافعي
أستاذ مساعد ( مشارك) جامعة الأزهر – مصر
جامعة الملك عبد العزيز - جدة- السعودية.
مقدمة الطبعة الثانية
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، الحمد لله فقد نال هذا الكتاب استحسان الكثير ممن قرأه، وهذه الطبعة الثانية للكتاب أضفت إليها بعض الإضافات البسيطة.
ولقد وصلتنى بعض التعليقات على هذا الكتاب من نساء كثيرات أجمعن على أن هذا الكتاب عبَّر عن مكنون صدورهن، ونقل مشاعرهن وأفكارهن، وترجمها على صفحاته.
ولقد قالت لي بعض النساء عبارات معناها: "لو أن أزواجنا يقرأون هذه السطور، ويتفهمون طبيعة مشاعرنا وأفكارنا، ويستطيعون العمل ببعض ما في هذا الكتاب، لكان هذا كفيلا أن يسعدنا ويسعدهم، ويخفف من وطأة ما يحدث بيننا من مشكلات."
وفي المقابل علمتُ أن بعض الأزواج قرأوا هذا الكتاب، وتفهَّموا ما ينقص زوجاتهم، وبدأوا في التغيير بالفعل، ولم يجدوا غضاضة في ذلك؛ فكان ذلك سببًا في إدخال البهجة على حياتهم الزوجية، بل كان سببا في حماية بعض البيوت من الانهيار بفضل الله -عز وجل- فشكرًا لهؤلاء الرجال الفضلاء الذين يعرفون أن الحكمة ضالة المؤمن أنًّى وجدها فهو أحق بها.. شكرا لهم على بذلهم المزيد من الجهد للحفاظ على بيوتهم واستقرار حياتهم، وعدم إلقاء الكرة في ملعب الزوجة فحسب.
من هنا نبدأ
لقد كثرت الكتب والمقالات التي تتحدث عن عظم واجب الزوجة نحو زوجها، ولا ريب أن مثل هذه الكتب تسد فراغًا هائلا، وتعلِّم النساء ما قد لا يتعلَّمنه من أمهاتهن، وتفقههنَّ في أمور دينهن ودنياهن.
ولكننا نحن النساء- في المقابل- في حاجة ماسة إلى أن يتعلَّم الأزواج فن معاملة الزوجات، وأن يتعرفوا إلى الاحتياجات الطبيعية للمرأة، وأن يعرفوا حقوق الزوجة - وخاصة حقوقها النفسية والإنسانية التي تحتاج إليها أكثر من الاحتياجات المادية - وهي الحقوق التي تكاد تكون للأسف منسية!
لقد تعودنا سماع تلك العبارات التي تؤكد أن المرأة - وحدها - بيدها سعادة أسرتها أو شقائها، وتحوَّلت هذه العبارة مع الوقت إلى يقين يعيش داخل عقولنا، وإن كان هذا الأمر يحمل بين طياته الكثير من الصحة، إلا أننا كثيرًا ما نغضُ الطرف عن الجانب الآخر للحقيقة، ولا نلتفت إلى أن الحياة الزوجية تحتاج إلى إيجابية الطرفين،
وأن السعادة الزوجية يحققها الزوجان معًا، فالسعادة الزوجية كالعملة لها وجهان، وجه يمثله الزوج، ووجه تمثله الزوجة، فماذا إذا كان أحد وجهي هذه العملة براقًا ساطعًا،
ومنيرًا مشرقًا، بينما كان الوجه الآخر قاتمًا وعابسًا، أو كان مشوهًا، أو مُحيت كل تفاصيله؟ هل ستصبح هذه العملة وقتها لها نصيب بين العملات ذات القيمة؟!
هل بإمكان السعادة أن ترفرف في سماء أسرة يقوم أحد طرفيها بغزل خيوط السعادة في بيته، بينما يقوم الطرف الآخر بتمزيق تلك الخيوط كلما نُسجت؟!
إن المرأة وإن كان عليها العامل الأكبر في إسعاد أسرتها، إلا أنه من المؤكد أن المرأة إذا كتبت سطور السعادة على صفحة حياة أسرتها ثم جاء الزوج - بقصد أو دون قصد - فمحا كل ما كتبته المرأة، أو شوه هذه الكتابة بعدم اهتمامه بأسرته، أو بجفائه وقسوتهِ، أو بإهمالهِ وغفلته، أو بعدم وفائه وخيانتهِ، فلابد وأن السعادة لن تستقر في هذا البيت، ولن يستقيم لها حال بين أركان هذه الأسرة. فهل لنا وقتها أن نحمِّل المرأة تبعاتِ مثل هذه النتيجة؟!
وهل من الإنصاف أن نتهم المرأة لحظتها بأنها لم تعرف كيف تحافظ على أسرتها، ولم تعرف كيف تزرع زهور السعادة في روضتها؟!
لقد جعل الله - عز وجل - العلاقة الزوجية تقوم بين الزوجين على دعائم أهمها: السكن، والمودة، والرحمة، فكل مقومات السعادة تتلخص في شعور الزوجين بهذه المعاني.
وفي قاموس الحياة الزوجية التي ارتضاها الله لعباده، لا يوجد مكان للنبذ والإهمال.. لا لمرادفات عدم التقدير والمهانة، أو القسوة والإهانة..لا للجفاء وزرع الإنكسار في قلب المرأة..لا وجود لكل هذه المشاعر السلبية، بل هي حياة حلوة نَضرة، وتظهر هذه النضارة حين يتحلى كلُّ من الزوجين بالمودة والرحمة، وحين يؤدي كل طرف واجباته قبل أن يطالب بحقوقه، وحين يكون السعي مشتركا بين الزوجين لإنجاح حياتهما الزوجية، فلابد وأن الاستقرار والسعادة سيظللان هذا البيت.
وهذا الكتاب الذي بين يديك محاولة منا لكشف الستار عن بعض الأسباب التي تجعل جبال الجليد تحيط بقلب الزوجة، وتبذر بذور الشقاء في حياتنا الزوجية، وتسبب الطلاق الروحي في كثير من بيوتنا، رغم أن بعض هذه المشاكل تحدث كثيرًا في بيوت يكون الأزواج فيها من خير الرجال وزوجاتهم من خير النساء وهذا ما يدعو للعجب حقا ويستحق الوقوف عنده طويلا!
ونحن نقدم هنا مواقف حقيقية، هذه المواقف حدثت في بيوت كثيرة حولي، وشاهدتها بنفسي، وسمعتها بأذني.. نعم لقد غيَّرتُ في أسماء هذه الشخصيات احترامًا لرغبة هؤلاء السيدات، وحفاظا على خصوصيتهن، ولكنها في النهاية لمحات واقعية من بيوتنا تُعبر عن حقيقة نحياها، وواقع نعيشه، ونحن نعرض هذه اللمحات لنفتح للرجال النوافذ المغلقة
التي يختبئ وراءها الكثير من الأسرار، ونحن بذلك نرجو من الله - عز وجل - أن تترك هذه اللمحات أثرًا طيبًا في من كان له قلب حي وعقل واع.
وحين تقرأ هذه السطور، ربما تجد فيها أمورًا بسيطة لم تكن لتفكر أن تهتم بها من قبل، أو تتخيل أنها ذات تأثير على عقل وقلب المرأة، وربما تتوقف عندها مندهشًا! أو متهمًا النساء بأنهن بلا عقل؛ لأنهن يتوقفن كثيرًا عند صغائر الأمور كما يقول بعض الرجال.. ولكن البديهي أن يقف الرجل ليتأمل هذه الأمور، وأن يفكر بعقل المرأة ومنطقها هي لا بعقله ومنطقه هو، وأن يحاول أن يضع نفسه مكان هذه الزوجة، وأن يشعر بما تشعر به؛ ليستطيع أن يتفهم ما الذي يخالج مشاعر زوجته، وكيف تفكر، وكيف تتعامل مع الأمور والأحداث المختلفة التي تمر بها.
وها نحن نفتح لك صفحات كتاب قلوب وعقول النساء؛ لتقرأ سطورها بعمق، وتتسلل إلى أسرارها برفق، وتكشف خبايا تفكيرهن، وطبيعة مشاعرهن، ولماذا يغضبن ثم سرعان ما ترضيهن الكلمة البسيطة!
لماذا تجد زوجتك أحيانًا كالقطة الوديعة التي لا تريد أن تفارق قدميك، وأحيانًا كالسجين الثائر الذي لا يطيق البقاء في سجنه، ويتمنى أن يفارقه!
ولا ريب أن الرجل الذي يريد نشر السعادة في حياته وحياة أسرته، هو الذي يسعى لفهم تلك الطبيعة ويتعامل على أساسها، وبفهمه لطبيعة المرأة يتمكن من تملك خلجات قلب زوجته وعقلها، فيأسر قلب زوجته، ويجعل رضاه هو كل غايتها بعد رضا الله - عز وجل - مما يحافظ على تلك المملكة التي يحاول الشيطان كل يوم تدميرها، ويسعد كل السعادة عندما يراها وقد دُمرت فيها كل معالم الوفاق، وبُني مكانها أسس وأركان الشقاق.
اللهم اهدِ نساء المسلمين لرجالهن، واهدِ رجال المسلمين لنسائهم.
اللهم ازرع الحب في بيوتنا، واجعلها روضة عامرة بالحب والإيمان والعدل والأمان.
اللهم اجعل الرحمة والحكمة والرأفة تسكن قلوب رجال المسلمين.
أسأل الله أن يتقبل هذا العمل، وأن يجعله خالصًا لوجهه الكريم، ويغفر لنا ما فيه من تقصير، أو خطأ، أو نسيان.
دعها على ما خلقها الله عليه
هذا السؤال يلح على كثير من النساء، ويقفز إلى أذهانهن من حين إلى آخر ليرسم في عقولهن علامة استفهام تثير الحيرة والعجب:
لماذا يصر الرجل في كثير من الأحيان على محاصرة المرأة بكلماته الناقدة لطبيعتها المفعمة بالمشاعر والأحاسيس؟!
لماذا يطلب الرجل من المرأة أن تُنحى مشاعرها جانبًا، وأن تتعامل مع الأمور بالمنطق والأسلوب الذي يتعامل به الرجال؟!
إن الرجل حين يطلب ذلك من المرأة، يطلب الشيء المُحال؛ لأن الله - عز وجل – لم يُرد للمرأة أن تكون كما يطلب منها الرجل، ولم يهيئها لذلك.
حين خلق الله المرأة أراد لها أن تتسم بروحانية أكبر، ومشاعر أقوى، وأن يتسم تكوينها النفسي بالمزيد والمزيد من الحب والحنان؛ حتى إذا تعاملت مع الزوج والأبناء فاضت عليهم بعظيم حبها وحنانها، وزرعت الفرحة في قلوبهم، والبسمة على وجوههم،
وهذه الطبيعة هي ما تجعلها تغدق عليك أيها الزوج الفاضل بمشاعرها، وتتفنن في اكتشاف الطرق المختلفة لإسعادك أنت وأطفالكما.
لم يرد الله أن يجعل المرأة نِدًا لك؛ مما يحوِّل حياتكما إلى نكد مستمر، وشجار دائم حين تتناطح الأفكار، وحين يصبح للسفينة أكثر من قائد.
فلماذا تطالبها دومًا أن تغير من طبيعتها التي خلقها الله عليها؟!
ربما تتناقشان في موضوع ما وتتشاوران فيه، فتجد أن زوجتك تخالفك الرأي، فهي تنظر إلى هذا الموضوع من الجانب العاطفي فحسب، بينما تنظر أنت إلى الأمور نظرة مستقبلية واعية يغلب عليها العقل والمنطق.
لماذا تثور في وجهها.. منتقدا لها.. متهمًا أياها بأنَّها لا تُحكِّم عقلها في الأمور، وأنها لا تعرف كيف تسير الأمور من حولها؟!
هذه الكلمات التي تنتقد بها زوجتك، حتما ستترك فيها أثرًا سلبيًا؛ فلا أنت رضيت بأن تظل زوجتك على الطبيعة التي خلقها الله عليها، ولا أنت سترضى بأن تتحول زوجتك مع مرور الأيام إلى امرأة تتعامل بعقلية الرجال.
إنك تريد بذلك تغيير طبيعة المرأة التي خلقها الله عليها وهذا محال حدوثه، فكما قيل:
ومكلِّف الأشياء غير طباعها متطلب في الماء جَذوة نار
لا تتوقع أن تفكر زوجتك كما تفكر أنت، وأن تشعر بما تشعر به أنت؛ لأنها ببساطة امرأة وأنت رجل، أنت إنسان وهي إنسان آخر.
أنت عقل وفكر، وهي عقل وفكر مختلف، وإن تلاحمت قلوبكما، وتوحدت مشاعركما، وإن تشابهت طريقة تفكيركما، وإن كنتما كالروح الواحدة التي تظلل قلبين وتعيش في جسدين، إلا أنكما في نهاية المطاف اثنان.
أنت لك طبيعة خلقك الله عليها.. طبيعة يحكمها العقل، وهي لها طبيعة خلقها الله عليها.. طبيعة تغلب عليها العاطفة والحب.. وبتكامل عقل الرجل وقلب المرأة، تستقيم الحياة وتتوازن الأمور.
قصة من الحياة
أحمد وناهد زوجان يجمع بينهما الحب ودفء المشاعر.
أحمد يعمل في وظيفة براتب يكفي احتياجات الأسرة ويزيد نوعا ما، ولكنه بعد البحث الدؤوب، عثر على عمل إضافي براتب أكبر، ومزايا أفضل.
حين عاد أحمد إلى بيته فرحًا مخبرًا زوجته بهذه الفرصة المتميزة، فلم يجد منها قبولا لهذه الفرصة، بل وجد منها معارضة شديدة، وسرعان ما طلبت منه الزوجة أن يكتفي بعمله، وأخبرته بقلب يملؤه الرجاء، وعيون تملؤها الدموع أنهما ليسا بحاجة إلى عمل إضافي.
تناقشا وتشاورا.. واختلفت الآراء.
تمسك كل منهما برأيه ثم بدأ الشجار، وبدأت الكلمات الجارحة حين أتهم أحمد زوجته بأنها بلا عقل راجح، وبلا تفكير صائب، وأنها لا تنظر إلى المستقبل بعين العقل.
غضبت ناهد كثيرًا، وبكت كما هي عادة النساء في مثل هذه المواقف؛ فهي حسب مشاعرها وتفكيرها لا تريد تحسين الوضع المالي لهما، ولكنها تريد أن تنعم بزوج لا بحافظة نقود.
سرحت ناهد قليلا وقالت لنفسها: لماذا يتهمنى زوجي بأننى بلا عقل راجح؟! هل لأننى أحبه وأحب وجوده معنا؟!
أننى أريد زوجًا يكون معنا بقلبه وعقله، نربي أطفالنا بما يكفينا، فننعم بحسن تربيتهم، ونأخذ بأيديهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة.
لماذا نسعى إلى ما يسرق وقتنا وتواصلنا وسعادتنا؟ نحن لدينا ما يكفينا، ولا حاجة لي فيما يلهينا، ويجعلنا نشقى بحرماننا من رب أسرتنا.
أنا لا أريد رجلا يعود إلىَّ آخر الليل منهكًا، يتناول طعامه ثم يغرق في نوم عميق، وأظل أنا وأطفالي بلا رفيق حقيقي في هذه الحياة.
لو تأملنا هذا الموقف قليلا لوجدنا أن كلا من ناهد وأحمد يفكر بطريقته هو، ولا يضع في اعتباراته طريقة تفكير الطرف الآخر وتعامله مع الأمور، ومشاعره.
ولأن الرجل هو محور حديثنا في هذا الكتاب فلابد وأن نكشف له الستار عن طريقة تفكير المرأة تجاه مثل هذا الموقف.
إن المرأة تتعامل مع الأمور من منطلق عاطفتها ومشاعرها، لذلك فمن الطبيعي أن تشعر هذه الزوجة بأن زوجها قد ألقى في وجهها قذيفة قوية حين أتهمها بأنها بلا عقل
راجح.. نعم، فهذه الكلمة تجعل المرأة حائرة لا تعرف ماذا تفعل! هل تتعامل مع الأمور كما يتعامل الرجل أم تظل كما خلقها الله!
والملاحظ أن بعض النساء يقعن في هذه الحيرة، فتتداخل لديهن الأمور فلا تعرف الزوجة كيف ترضى الزوج، وتشبعه عاطفيًا، وكيف تتعامل في الوقت ذاته بمنطق العقل الذي يطالبها أن تتعامل به!
لذلك ربما تجد ذات يوم زوجتك التي تعرف عنها أنها كتلة من المشاعر، وقد تغير فيها شيء ما - بسبب انتقادك المستمر لها - فها هي قد أصبحت أقل رومانسية، ولم تعد تحتوى مشاعرك كما كانت من قبل، ولم تعد تمتلك تلك العاطفة التي كانت تمتلكها سابقا، بل صارت أكثر واقعية، وبدأت تتعامل مع كل شيء في حياتكما بمنطق العقل! وربما تتعجب من ذلك! وتعود لتضعها في دائرة الاتهام مرة أخرى، متهما إيَّاها بأنها أصبحت بلا مشاعر!
أنت الآن تتعجب من زوجتك مع أنك أنت الذي دفعت بها إلى ذلك دفعًا حين كررت على مسامعها مرارًا وتكرارًا أنها لا تفكر بعقل واع، وأنها ينبغي أن تكون أقل رومانسية!
إن أحمد لم يخطئ عندما أراد أن يرتقي بأسرته، وأن يرتفع بمستواها المادي، ولكنه أخطأ بعدم انتباهه إلى طريقة تعامل المرأة مع مثل هذه الأمور.
لقد كان بإمكانه أن يتعامل مع الأمر بحكمة أكثر وحوار أدفأ، وبتوضيج للموضوع ومناقشته بشكل أهدأ، ودون وضع زوجته في دائرة الاتهام وانتقاص العقل.
فما كان ضرّ أحمد لو ابتسم في وجه زوجته، وأثنى عليها وعلى حبها وعاطفتها، ثم أوضح لها ما يريد دون عبارات ناقدة، وكلمات هادمة، ونظرات ساخرة؟
لقد كان بإمكان أحمد أن يقوم بعمل رائع لو أدخل في حواره شيئا من لغة العاطفة، وبعضًا من الكلمات التي تلامس القلب، موضحًا لزوجته بحنان وحب أنه حين يسعى إلى التقدم إلى وظيفة إضافية، فما ذلك سوى لأنه يحب أسرته، ويحرص عليها، ويسعى إلى الارتقاء بها، وتوفير أفضل سبل الحياة لها، وأنه سيحرص كل الحرص على ألا تأخذه دوامة العمل وتنسيه بيته، وأنه سيحدد وقتًا له ولزوجته، يصبح هذا الوقت بمثابة الزاد لهما إذا أخذته دوامة الحياة والعمل.
ولو فعل أحمد هذا، واستخدم لغة العاطفة في التعامل مع زوجته، لما غضبت زوجته في مثل هذا الموقف، والمواقف المشابهة، ولحدَّ هذا من أزمات عديدة، حين تحدث وتتكرر تترك أثرها في بنيان الحياة الزوجية، مما يجعل هذا البنيان متصدعًا وقابلا للإنهيار، بعدما تتمكن منه الشروخ التي لا يظهر أثرها إلا بعد مرور السنين.
ومن خلال التفكير قليلا في هذا الموقف، يمكننا أن ندرك أن المرأة تحتاج إلى أن تعيش كما خلقها الله دون تتعرض إلى اللوم الدائم، وأنها تحتاج إلى أن يفهم الرجل حقيقة الاختلاف بين تكوينه وتكوينها. وأن يتعامل معها وفقًا للطبيعة التي خلقها الله عليها، وألا يطالبها بأن تعيش بمنطق وطبيعة الرجال. فإن أدرك الرجل ذلك الاختلاف، فلن يسيطر عليه الغضب في مواقف لا تستحق الغضب، ولن يشعر بالإحباط حين يجد زوجته تخالفه الرأي في أمر ما، وتفكر بطريقة تختلف عنه.
وحقا ما أحكم وأعقل الرجل الذي يجعل قلب زوجته وعقله يسيران معا في تناغم ووفاق دون نزاع وشقاق!
أوقات عصيبة
إي بيت ذلك الذي لم يمر بأوقات عصيبة؟! أوقات تضطرب فيها مشاعر المرأة وأفكارها وردود أفعالها؟!
أوقات تصبح فيها المرأة عصبية .. حزينة.. مكتئبة.. تغضب وتثور لأبسط الأسباب.. تشعر بألم في المفاصل، والعضلات، وصداع يكاد يفتك برأسها، وألم يعتصر بطنها، وأوجاع تسيطر على صدرها وسائر أجزاء جسدها.
قد تختلف هذه الأعراض من امرأة إلى أخرى، ولكن معظم النساء يتفقن في الشيء ذاته، وهو حدوث تلك التناقضات في المشاعر، وحدوث تلك الموجة الثائرة في ردود الأفعال.
إنها فترة الحيض، الفترة التي تمر بها كل النساء، ولا ينتبه الزوج غالبًا إلى تأثيرها على الحياة الزوجية، ولا يدرك مدى معاناة المرأة، وما يحدث لها في هذه الفترة من تغيرات نفسية تحدث نتيجة للتغيرات الهرمونية المرتبطة بفترة الحيض، والتي لا علاقة للمرأة بها حتى تسيطر عليها أو تتخلص منها.
لقد اهتم الإسلام كثيرًا بهذه الفترة فنهى عن طلاق المرأة في فترة حيضها، لعدة أسباب من بينها مراعاة الحالة النفسية للمرأة في هذه الفترة؛ والتي تجعلها تُقدِم على اتخاذ قرارات غير حكيمة، ربما نَدَمتْ عليها كثيرًا بعد ذلك، مثل طلبها المتعجل للطلاق عند حدوث شجار أو خلاف بينها وبين زوجها في فترة الحيض.
أما الصلاة فقد رفعها الله عن الحائض، وكذلك الصوم مُنعت منه؛ وذلك تخفيفا عنها ومراعاة لما تعانيه من ضعف نفسي وجسدي في تلك الأيام، ورحمة من الله بها، وهذه رسالة عظيمة من الله - عز وجل - للرجال بأن تزيد رحمتهم بزوجاتهم في هذه الأيام، وأن يتعاملوا معهن برفق وحنان.
ولو تأملنا في تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها في فترة حيضها لرأينا ما يسر النساء، وما يستحق أن يقف عنده النساء ليتأملوه، ويقتدوا به، ويسيروا على نهجه.
تقول السيدة عائشة - رضي الله عنها -: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّكِئ فِى حِجْرِى وَأَنَا حَائِض ثُمّ َيَقْرَأ الْقُرْآن." [1]
يالها من رقة ورحمة! فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا ويوجهنا إلى أن المرأة في هذه الأيام تحتاج إلى المزيد من الحنان والحب والرحمة والمعاملة الكريمة، والدفء العاطفي، والتواصل الطيب، والاحتواء النفسي.
ياله من حنان دافق، وحب شديد، ورحمة عظيمة، ورسالة حنونة من زوج رحيم، يعرف ما تعانيه زوجته في تلك الفترة، فيرسل إليها رسائل حانية، تخفف عنها ما هي فيه.
قصة من الحياة
سلمى وعصام زوجان تتمتع حياتهما الزوجية بالهدوء والاستقرار في غالب أيام حياتهما.
أخبرت سلمى زوجها بما يعترى المرأة من تغيرات قبيل فترة الحيض، كي يتفهم ما قد يبدر منها رغما عنها، وكي يدعمها نفسيًا في تلك الفترة.
ولأن سلمى تحب زوجها كثيرًا، وتحرص على إدخال السرور على قلبه، وعدم إشاعة جو الحزن والنكد في بيتهما، فهي تحرص على السيطرة على تلك التغيرات التي تعتريها في فترة الحيض قدر الإمكان، إلا أنه رغم كل محاولاتها، فإنه يصيبها بعض الحزن والضيق والشعور بالملل.
عصام يعرف طبيعة ما يحدث لزوجته، ولماذا يحدث، ولكنه رغم ذلك لا يهتم بكل
هذا، بل يزيد غضبه في تلك الأيام، لأن زوجته ضاعت منها بسمتها المشرقة، وهدوؤها الذي تعودت نشره في بيتهما!
إنها حزينة تارة.. تشعر بالملل والرغبة في الخروج أو الجلوس وحدها تارة أخرى.. تثور وتغضب أحيانا.. تتوتر وتبكي أحيانا أخرى. وهو لا يحب أن يراها على تلك الحالة، فقد تعوَّد رؤيتها مبتسمة، تملأ ضحكاتها المنزل، فما كان منه إلا أن بدأ يعاملها في تلك
الأيام ببرود شديد أحيانًا، وبغلظة وقسوة أحيانًا أخرى، بل لقد بدأت ثورته عليها تزداد متهمًا أياها بالنكد! وبدأ في الضغط النفسي الزائد عليها بخصامه لها، وتجنب الحوار معها.
لقد تناسى عصام كل ما أخبرته زوجته به، وزاد من وطأة ما تعانيه في تلك الفترة، فظلمها حين حمَّلها فوق ما تحتمله طاقتها النفسية، وحين لم يقف إلى جوارها محاولا التخفيف عنها ولو بكلمة طيبة.
المرأة بحاجة إلى أن يتفهم الرجل طبيعة التغيرات النفسية والجسدية التي تطرأ عليها في فترة الحيض، وكل الفترات التي تتغير فيها هرمونات جسد المرأة كالحمل و النفاس، ومرحلة منتصف العمر، وأن يكون تعامله مع زوجته في هذه الفترات ممزوجا بالحنان، وسعة الصدر، والرحمة والعطف، لأنها تكون في أشد الحاجة إلى هذه المشاعر الطيبة.
فهل يدرك الرجال أن المرأة في هذه الفترات من حياتها إنسان ضعيف متعب مرهق يعاني ألامًا جسدية ونفسية لا دخل له فيها.. إنسان يحتاج إلى الكلمة الطيبة، واللمسة الحنونة، والمعاملة الرحيمة، والمعاونة الكريمة؟
هل يراعي الرجال ذلك، فيحسنون إلى زوجاتهم، بل ويزيدون من إحسانهم إليهن في هذه الفترات، أم أنهم يزيدون من الضغط عليهن، وتزداد عصبيتهم ونقدهم وعدم تعاونهم، فيزيدون المرأة تعبًا إلى تعبها، وألمًا فوق ألمها، وتوترًا فوق توترها؟!
عقول الرجال وأجساد النساء
جلست نورا مع طبيبة التغذية تسألها عن أسرع الطرق لإنقاص الوزن، وحين أوضحت لها الطبيبة أن النظام الغذائي السليم لابد وأن يسير بتأنٍ وعدم تعجل، بكت نورا قائلة: أرجوكِ.. أريد أسرع الأنظمة الغذائية لإنقاص الوزن؛ لقد تعبت كثيرًا من تعليقات زوجي الجارحة، لقد أصبح لا يحلو له مناداتي إلا بأبشع الألقاب المتعلقة بجسدي ووزني! إنه لا يكف عن السخرية منى ليل نهار!
العجيب أن زوجي لا يكف عن تناول الطعام، وبطنه يمتد أمامه، ومع ذلك فهو لا يرى في زيادة وزنه عيبًا.
نسيت نورا نفسها وظلت تحكي وهي تبكي قائلة: كنت عادية الجسم.. لأ أنا بالنحيفة ولا أنا بالسمينة، وبعد الحمل والرضاعة، زاد وزني، وتغير شكل جسدي، وتمكنت منى البدانة. أريد أن ينحف جسدي كي أرتاح من تعليقات زوجي.
سعت الطبيبة إلى تهدئة نورا، ووعدتها بأنها ستتابع معها حتى تصل بها إلى ما تريد، وستحاول أن يتم ذلك في وقت قصير.
في هذه اللحظة تذكرت الطبيبة تلك المرأة الأخرى التي كانت لديها منذ قليل، والتي كانت تبحث عن طرق فعَّالة وسريعة لزيادة الوزن؛ لأن زوجها أصبح جافًا معها.. يثور لأتفه الأسباب، ويختلق المشاكل دون سبب يُذكر، بل ويبتعد نفسيًا عنها، وربما لا يقربها، وحين تحاورت معه، وحاولت معرفة سبب كل ذلك التغيير إذا به يُلقي في وجهها قذيفة قاتلة حين قال لها: إنه لا يشعر بأنها تجذبه كأنثى لأنه لا يجذبه سوى المرأة الممتلئة.
وحين نظرت الطبيبة إلى جسد هذه الزوجة وجدت وزنها قد زاد كثيرًا عن المعدل الطبيعي، فنصحتها بأن لاتحاول زيادة وزنها أكثر من ذلك؛ كي لا تكون عرضة للإصابة بالأمراض التي تترتب على السمنة، كالتهاب المفاصل، وألم الظهر، وربما مرض السكر، وتصلب الشرايين وغير ذلك. ولكنها فوجئت بها ترجوها أن تساعدها، فهي كما قالت: يمكنها أن تحتمل الألم الجسدي، ولكنها لا يمكنها أن تحتمل هذا الألم النفسي الذي أصبح يسيطر عليها، ولايمكنها أن تحتمل هذا النكد المتواصل في بيتها، وهي كذلك تريد أن يرضى زوجها عنها كأنثى؛ ليعود كما كان سابقًا، زوجًا حنونًا محبًا رحيمًا، يسعد قلبها ولا يجرح أنوثتها.
تعجبت الطبيبة كثيرًا من حال بعض الرجال وعقولهم التي أصبحت تنسى كل ما تتمتع به الزوجة من مقومات الجمال، والصفات الطيبة، والأخلاق الحميدة، والأنوثة الرقيقة، ويُشعِرون أنفسهم بالشقاء؛ لأن زوجاتهم يحتجن إلى إنقاص وزنهنَّ أو زيادته عدة كيلو جرامات!
وبالطبع فإن الزوجات المحبات لأزواجهن، يركضن دومًا وراء إرضاء أزواجهن خاصة في ما يتعلق بأي شيء يخص أنوثتهن وجمالهن، والكثيرات من النساء يهرولن وراء الأدوية الكيميائية لمعالجة هذا الأمر، مما قد يدفع بهنَّ إلى الوقوع في دائرة الأمراض المستعصية.
النساء بحاجة ماسة إلى أن يفكر الرجال قبل أن يُقدموا على الزواج منهن، فهذه المرأة النحيفة أو معتدلة القوام، أنتَ نظرتَ إليها، ورضيتَ بها على حالها هذا، وتقدمت لطلبها للزواج وأنت تعرف فيها تلك الصفة، فلماذا الآن تظلمها وترهق قلبها، وتختلق المشاكل، فتحوّل البيت إلى نكد دائم من أجل صورة في عقلك أنت؟!
ألم يأمرك النبي صلى الله عليه وسلم أن تنظر إلى من تطلبها للزواج حتى يدوم الحب والود بينكما؟
لماذا لم تنظر، ثم تفكر جيدًا؛ كي لا تظلم من لا ذنب لها فيما يجول في عقلك أنت؟!
وأنت أيها الزوج الفاضل الذي انقلب حالك مع زوجتك؛ لأن وزنها زاد بعد الحمل والرضاعة، بينما تريدها أنت ممشوقة القوام كعارضات الأزياء! لماذا لم تطلب منها ذلك بحبٍ دون تسفيه أو تجريح؟
لماذا لم تساعدها ببعض الوسائل المعينة على إنقاص الوزن دون أن تجعل السخرية زادك اليومي في معاملتك لها؟!
لماذا لم تلتفت إلى وزنك أنت، وتسأل نفسك هل وزنك يُعجب زوجتك أم لا؟!
لماذا لم تجرب أن تنقص وزنك معها مما يُشجعها ولا يُشعرها بالنقص؟!
لماذا لا يرى بعض الرجال مقومات الجمال في زوجاتهم.. لماذا لا يلتفتون إلى الحب في قلوبهن، والحنان المتدفق منهن، ورقة مشاعرهن، والتزين المستمر لأزواجهن، ومحاولة امتلاك أكبر قدر من مقومات الجاذبية والأنوثة؟!
لماذا لا ينظرون إلى ما تتمتع به الزوجة من طاعة واحترام للزوج، ووفاء وتضحية ، وسعي دائم لإرضاء الزوج؟!
وماذا لو تزوج الرجل من امرأة ممشوقة القوام كعارضات الأزياء أو امرأة بدينة كما يريد، فوجدها امرأة قريبة للرجال، لا تعرف فن معاملة الزوج، ولا تعرف شيئا عن الحب، ووجد القسوة أقرب إلى قلبها من تلك الدقات التي ينبض بها ذلك القلب؟!
ماذا لو وجدها كحجرٍ أصم لا تعرف كيف تحتوى مشاعره واحتياجاته؟!
ماذا لو وجدها زوجة لا تعينه على أعباء الحياة، ولا تعينه على التقرب إلى ربه، ولا يهمها إرضاء زوجها، بل كل ما يهمها حفنة من المال يضعها الزوج بين يديها مهما كان طريقه إلى الحصول على هذه الأموال، بل كل ما يرضيها هدية ثمينة يهديها الزوج إليها، وإن كان لا يملك القدرة على شراء مثل هذه الهدايا باهظة الثمن؟!
هل لحظتها سيكون الزوج سعيدًا بهذا الجسد، أم أنه سيلتفت إلى قيمة الرضا بما أهداه الله له، وسيعلم أن الإنسان لا ينال كل شيء في هذه الحياة، وأنه حين يفقد في زوجته صفة مثل تلك الصفة في حين أنه قد أنعم عليه بزوجة تتقى الله فيه، وتحاول قدر طاقتها أن ترضيه، ولا تنسى نصيبها من أنوثتها والتزين له، فإنه لحظتها لم يفقد الكثير، بل إن الله - عز وجل - قد منَّ عليه بالكثير والكثير، والخير الوفير.
النساء بحاجة إلى الشعور برضا أزواجهن عن أجسادهن؛ لأن صورة جسد المرأة في ذهن الزوج تمثل أهمية كبيرة لديها، فإن كنت تعاني بعض الضيق بسبب شكل جسد زوجتك فلا أحد يمكنه أن يلوم عليك، فتلك مشاعرك وأحاسيسك، وأفكارك ورغباتك، ولكن لماذا لا تترجم هذه المشاعر والأفكار والرغبات بشكل إيجابي لا يجرح زوجتك، ولا
يُعرض حياتكما للمشاكل، ولماذا لا تحاول أن تساعدها بحب حتى تحقق لك ما تصبو إليه نفسك، وحتى لا يأتي اليوم الذي تصبح فيه زوجتك كارهة لك؟
بل لماذا لا تكون عادلا في طلباتك وتسعى لأن يكون جسدك مُرضَيَاً لزوجتك كما تحب أن يكون جسدها مُرضَيَاً لك؟!
ليكن وجودك حقيقيا
قد يجد الزوج أحيانًا نفسه محاصرًا بشكوى زوجته المستمرة من أنها تفتقد وجوده معها، وأنها بحاجة إلى أن يجلس معها بعض الوقت، وقد يتعجب الزوج لأنه بالفعل يقضى وقت فراغه في بيته، ورغم ذلك تشتكي زوجته، بل وقد تنفعل فيزداد تعجب الزوج، ويتهمها بأنها تسعى وراء افتعال المشاكل واختلاق النكد!
هذه الشكوى بالفعل تكاد لا تفارق ألسنة الكثيرات من النساء؛ لأنهن في هذه الحالة يفتقدن الحضور الإيجابي للزوج، وتواصله الفعَّال، فقد يكون الزوج ممن يفضلون قضاء وقت فراغه بالمنزل، ولا يقيمون علاقات اجتماعية واسعة، وممن ليس لديهم اهتمامات خارج المنزل، ولكنه رغم ذلك كله يعيش في المنزل وكأنه غريب عن أهل هذا البيت، فإما أن يقضى وقته بين أحضان النوم، وإما أن يقضي جُل وقته أمام الحاسوب بين وسائل التواصل الاجتماعي، أو في التنقل بين شاشات التلفاز، لدرجة أنه قد لا يستمع إلى من يُحادثه، ولا يشعر بما يدور حوله، بل ولا يهتم بما يحدث في المنزل!
بالطبع لا يمكن للمرأة الواعية المحبة أن تعترض على أن يكون لزوجها اهتمامات أخرى بعيدًا عنها وعن أسرته، ولكن المرأة المحبة يُزعجها كثيرًا أن يكون الزوج حاضرًا في بيته بجسده فقط، ولكنه مشغول عنها بعقله وقلبه انشغالا تامًا.
ولقد كانت زوجة الإمام الزهري نتيجة لانشغال زوجها عنها بقراءة الكتب تقول: والله لَهَذِهِ الكُتُبْ أشَدُّ عليَّ مِن ثَلاَثِ ضَرَائِرْ!"
المرأة تحتاج من الزوج أن يكون وجوده حقيقيا معها، يجلس معها ولو لساعة واحدة في اليوم، يشعرها بوجوده معها، يتبادلان الحديث، يشتركان معًا في طاعة تقربها من الله، أو عمل دنيوي يقربهما إلى بعضهما البعض.
والرجال قد لا يدركون هذه الحاجة، مما يدخل الضيق والملل إلى قلوب الزوجات، ويجعل الزوجة تشعر بأن الزوج لا يرغب فيها، ولم يعد يحب البقاء معها، فتكثر مع الوقت شكواها، ثم تبدأ ممارسة طقوس النكد الزوجي من حيث لا تشعر.
نظرة بعين الإنصاف
ربما تجد نفسك - في بعض الأحيان - مستاء من زوجتك، فهي ليست كما تريد أنت تمامًا، ربما كان بها عيب يبعث في نفسك الضيق، وربما تجد نفسك كذلك غاضبًا؛ لأن زوجتك لم تغيِّر في نفسها هذه الصفة رغم أنك طلبت منها ذلك كثيرًا!
في واقع الأمر، نحن نجد أن بعض الرجال ينتظرون من المرأة أن تكون امرأة مثالية تمامًا.. امرأة بلا عيب أو نقيصة، وبلا مطالب تتعارض مع ما يريده الرجل! وهذا الأمر يجعل الرجل يطلب من المرأة أحيانا ما يكلفها فوق طاقتها، مما يجعلها تعجز عن القيام بدورها كما تحب، وبنفس مملؤة بالثقة، ومما يجعلها مع الوقت تعجز وربما تُحجِم عن تقديم اليسير فضلا عن الكثير.
إنك تطلب أحيانا من زوجتك أن تكون مثالية، ولكن هل فكرت في النظر إلى ذلك المطلب بعين الإنصاف؟ هل نظرت إلى نفسك وتفحصتها قليلا؟ فلابد وأن بك عيبًا ما، فما من إنسان منا يخلو من عيب أو عيوب. فهل سألت نفسك ذات يوم:
ما العيب الذي يضايق زوجتى منى؟
هل أشعرتك زوجتك يومَا أنها تتألم من خُلق ما يسيطر عليك؟
هل جاء يوم وطلبت منك تغيير ذلك الخُلق الذي يُرهقها؟
زوجتك مثلك تمامًا تحتاج منك أن تغيِّر في نفسك بعض الصفات، فهل استجبت لرغبتها، وحاولت أن تغيِّر من نفسك من أجلها، ومن أجل إسعادها أم أنك لا تُفكر في إرضاء نفسك فحسب؟!
هل فكرت بأنك لست مثاليًا بالقدر الكافي حتى تطلب منها أن تكون مثالية وبلا عيوب، أم أنك وقفت مدافعًا عن نفسك قائلا: أنا ليس بي عيوب، أنت التي تبالغين.. إن من حولي لا يشتكون منى، ولا يرون فيَّ هذا العيب؟! ونسيت أنك لا تتعامل مع من حولك كما تتعامل مع زوجتك، وأنك تكون مع مَن حولك أكثر حرصًا وأقل تلقائية.
ولماذا تركت العنان لمشاعرك السلبية حتى تملكت منك، وجعلتك تستاء من زوجتك، وربما تفاقمت الأمور حتى أصبحت تكره وجودك معها؟!
إن هذا العيب الذي يوجد في زوجتك، ويجعلك لها كارهًا، ربما كان عيبًا واحدًا وسط العديد والعديد من الصفات الحسنة، فلماذا تجاهلت كل ما هو حسن، ونظرت فقط إلى ذلك العيب، وتناسيت توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا بألا يفرك مؤمن مؤمنة؟
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ." [2]
فالأخلاق الطيبة التي تتمتع بها زوجتك، خير معين لك للتغاضي عن تلك الصفة التي تسبب لك نوعًا من الضيق؛ فإن أنت كرهت منها سرعة انفعالها، ربما وجدت فيها الحنان المتدفق، والطيبة المفرطة، والحرص على إرضائك.
وإن ضايقك منها عدم مهارتها في إدارة شؤون المنزل لأنها حديثة عهد بالزواج، فهذا أمر يمكنها مع الوقت أن تتدرب عليه وتتقنه، ولكنك في المقابل قد يُسعدك منها اتقاء الله فيك، وحفظك في حضورك وغيابك، ومهاراتها الرائعة في في حسن التبعل لك.
وإن كرهت منها تعلقها بهواية ما تأخذ منها بعض الوقت، فلربما رضيت منها تعلقها الأكبر بك، وحبها الشديد لك، ورغبتها الملحة في إرضائك، وبذل الغالي والنفيس من أجل راحتك، وأنها تجعل رضاك وراحتك غايتها في الحياة بعد إرضاء الله عز وجل.
وإن كان بزوجتك بعض العيوب البسيطة وسط العديد من المزايا الطيبة فذلك يعنى أن الله تعالى قد أنعم عليك بنعمة عظيمة، وأنك ربحت ربحًا طيبًا، وكفي بالمرء فخرا أن تعد معايبه.
كما يقول الشاعر:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى بالمرء نبلا أن تعد معايبة
فأنت إن لم يعجبك حال زوجتك معك وهي بهذه الصورة الطيبة فمن أين ستأتي بإنسان كامل ليس به عيوب أو نقائص؟!
قصة من الحياة
سعاد وخالد زوجان لديهما طفل رضيع، تسهر سعاد كثيرًا مع رضيعها لأنه في شهوره الأولى، مما يجعل استيقاظها في الصباح الباكر أمرًا صعبًا. هذا الأمر كثيرا ما يُغضب زوجها، ويجعله يتهمها بأنها لم تعد تحبه كما كانت في الماضى، وأنها انشغلت عنه وعن طلباته، مما يعرض حياتهما للكثير من المشاكل. أما هي فتتعجب كثيرًا من غضب زوجها، ومن عدم تقديره لما تعانيه من تعب وهي ترعى طفلا رضيعًا يسهر مساء وينام صباحًا، بينما هي تظل تواصل في صبيحة اليوم التالي مع طفلهما الآخر.
وربما تبدأ بينها وبين نفسها في سرد قائمة عيوب زوجها؛ والتي تتجنب أن تخبره بها حتى لا ينقلب البيت رأسًا على عقب:
أنت تغضب لأننى لم أعد أستيقظ معك في الصباح! ولماذا لا أغضب أنا حين لا أجد منك كلمة تقدير لما أفعله، أو كلمة مواساة حين أكاد أسقط من قلة النوم؟!
أننى أعد لك كل احتياجاتك في المساء، أعد لك ملابسك، وطعامك، وحتى حذاءك أنظفه لك قبل أن أنام!
ألا تستطيع أن تتحمل هذا الوضع حتى تمر الشهور الأولى من حياة رضيعنا؟!
لماذ لا تنظر إلى عيوبك، وأنت الذي لا تُبدي أي نوع من المساعدة حين أكون في أشد الاحتياج إلى ذلك، وحين يبلغ منى التعب مبلغه لا أجد منك المساندة أو الدعم ولو بكلمة طيبة!
إنك كثير النوم.. كثير الصمت.. تدخل البيت وكأنك تدخل فندقا تتناول فيه الطعام وتنام، ثم تستيقظ في الصباح لتخرج إلى عملك.
ما كل هذه الفوضى التي أجدها منك، هل سيرهقك أن تضع أشياءك مكانها؟
أنت لا تجلس مع طفلنا الآخر بعض الوقت حين أكون أنا منهمكة في مراعاة رضيعنا، مما يجعل طفلنا الأكبر يغار، ويكره أخاه.
إنك سريع الغضب بطئ الرضا، تغضب لأبسط الأسباب، وتثور لأهون الأمور.
لقد كنت أتحمل عيوبك بكل رضا لأنك زوجي وحبيب قلبي، ولأننى على يقين بأنه ما من إنسان إلا وله عيوبه، ولكنى لم أعد أتحمل نظرات عدم الرضا في عينيك.
هذه بعض العيوب التي فكرت فيها سعاد، فهل انتبه خالد إلى هذه العيوب التي تؤرق زوجته؟
لماذا يطلب خالد من سعاد أن تتحلى بمثالية لا وجود لها رغم أنه لا يستيطع أن يكون مثاليا؟!
لماذا لا يحاول أن يغيّر بعض الصفات السلبية الموجودة في شخصيته، كما يطلب منها أن تغيّر هي الكثير من صفاتها؟!
إنه دائمًا يسعى لتغييرها، وحين تطلب هي منه أن يغير صفة فيه يقول بثقة شديدة: النساء يتغيرن، أما الرجال فلا يتغيرون، ونسى خالد أن ديننا الإسلامي علمنا أن النفس ترتقي في الأخلاق بتزكية صاحبها لها، وتعويدها على فضائل الأمور، وأن الإنسان - سواء كان رجلا أو امرأة - بيده أن يشكّلَ شخصيته، ويغيّر من نفسه إن أراد ذلك.
المرأة بحاجة إلى أن يدرك الرجل أنها مثله لها عيوب، وأن يتحمل هذه العيوب كما تتحمل هي عيوبه التي لا يسعى إلى تغييرها، والتي تؤرقها، وتسبب لها الضيق والتوتر، وبعض مشاعر الحزن.
المرأة بحاجة إلى أن يتغاضى الزوج عن بعض عيوبها، وأن يتذكر محاسنها كما قيل:
وإذا الحبيب أتى بذنب واحد جاءت محاسنه بألف شفيع
المرأة بحاجة إلى أن يغيَّر الرجل بعض صفاته التى تؤرقها كما يطالبها هو بتغيير بعض صفاتها، بل كما يطالبها هو أحيانًا بتغيَّر معظم ملامح شخصيتها كلها.
القوامة النائمة
" الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ" [3]
لقد منح الله - عز وجل - الرجل حق القوام
ة على المرأة، وكلفه مسؤولية الأسرة، ورعاية مصالحها، والإنفاق عليها، والاهتمام بكل شؤونها.
وإنفاق الرجل على بيته جزء لا يتجزأ من تلك القوامة، إلا أننا قد نرى في بعض الأحيان رجالا لا يؤدون حق القوامة كما ينبغي، فلا يجدون حرجًا في أن تخرج زوجاتهم إلى العمل بينما يقضون هم أوقاتهم في بيوتهم بين أحضان النوم والراحة، أو على المقاهي!
فكيف لزوجة أن تستشعر رجولة زوجها وهو يجلس في بيته مستكينا خاضعا للراحة والخمول، تاركا إياها تعاني من ويلات العمل لتنفق عليه وعلى أبنائه؟!
وكيف لزوجة أن تحترم زوجا يرضى بأن تنفق زوجته عليه دون داعٍ يضطره إلى ذلك؟!
قصة من الحياة
سهام زوجة كانت تحب زوجها في بداية زواجهما كثيرًا وتقدَّره، لكنها أصبحت من حين لآخر تفكر في الانفصال عنه، لأن زوجها الذي تزوجته لأنه رجلا يتحمَّل المسؤولية كما تخيلت من قبل، وجدته بعد الزواج أبعد ما يكون عن تحمّل المسؤولية، فها هو بعد شهور قليلة من الزواج لا يفعل شيئا سوى أنه ينام ثم يستيقظ لينام مرة أخرى وهكذا يقضي جُل نهاره، أما ليله فيقضيه أمام التلفاز وشاشة الكمبيوتر، وصفحات الفيس بوك!
يذهب إلى عمله يومًا ويغيب عدة أيام، تمر الأيام وليس في المنزل سوى الفُتات، ولا يملكون ما يمكنهم من شراء الاحتياجات الأساسية التي لا غنى لأي منزل عنها.
حاولت سهام مع زوجها مرارًا أن ينتظم في عمله، إلا أنه يعشق الجلوس في المنزل ويكره العمل.
لقد استدانت الزوجة من كل من تستطيع أن تستدين منه، وهو على نفس حاله، حتى بعد أن رزقهما الله بطفلهما الأول لم يكن مجئ هذا الطفل بمثابة الدافع الذي يشجعه على الالتزام في عمله.
الأصعب من ذلك أن الزوج أصبح يلح على زوجته أن تخرج هي إلى العمل مما جعلها تعاني أشد المعاناة، في الوقت الذي يستمتع فيه هو بالنوم والتنعم في أحضان الراحة!
الأمر لا يقتصر على هذا المشهد الذي شاهدناه في قصتنا السابقة بل هناك من الرجال من يأخذ راتب الزوجة رغما عنها، بل وربما ضربها إذا أنفقت جزءا من راتبها على بعض احتياجاتها الشخصية، في حين أنه يأخذ الراتب لينفقه على السجائر وعلى ملذاته الخاصة!
هذه النوعية من الرجال قلة في مجتمعاتنا، لأن الرجل الشرقي بطبعه يسعى دائمًا إلى تحمل مسؤولية بيته، ويأنف من أن تنفق زوجته عليه وعلى الأسرة وهو قادر على الإنفاق ولا يمنعه مانع من العمل، ولكنها نوعية موجودة وإن كانت قليلة.
والمرأة التي ابتلاها الله برجل يفضل أن تنفق زوجته عليه - رغم عدم وجود مبرر لذلك - هي امرأة حُرمت مشاعر التقدير والاحترام لزوجها، وإذا فقدت المرأة احترامها لزوجها فلابد وأنها ستفقد حبها له.
وإن كنا نتحدث عن واجب الزوج في الإنفاق، وتأديته لحق القوامة على أكمل وجه، فهذا يجعلنا نتطرق إلى الحديث عن تلك النوعية من الرجال الذين لا ينالون حب زوجاتهم بأي حال من الأحوال، وهم الرجال الذين يعشقون كنز المال، ولا يعرفون للكرم طريقا،
بل لا يفكرون في سد احتياجات الأسرة رغم أن لديهم من المال ما يكفي احتياجات الأسرة بل ويفيض!
يقول الله عز وجل: " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ ۖ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ۚ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاها[4]."
والنفقة على الأهل أعظم أجرا عند الله - عز وجل - من جميع الصدقات فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - رسول الله صلى الله عليه وسلم- :" دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ ، أَفْضَلُهَا الدِّينَارُ الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ."[5]
لقد جعل الله -عز وجل- أعظم النفقات ما ينفقه الرجل على أهله، بل جعل هذا الإنفاق أعظم من التصدق على المساكين ومن الإنفاق في سبيل الله، فكيف يُضيَّع الرجل أهله، ولا ينفق عليهم، ويبخل عليهم، ويُعرضهم إلى الحاجة، وربما يُعرضهم إلى ذل السؤال؟!
كفى به من أثم أن يفعل الرجل هذا بأهله، وكفى به من انتقاص لرجولته أن يحرم أهله وهو قادر على الإنفاق عليهم.
ومن خلال تعمقنا في السطور السابقة، يمكننا أن ندرك أن المرأة بطبيعتها تحب الرجل الكريم وتحترمه، أما الرجل البخيل فلا مكان له في قلبها، وإن كان له مكان ففي تلك البقعة التي تحتفظ فيه المرأة بالمشاعر السلبية تجاه من لا تحبهم، أو من يرهقونها في حياتها.
المرأة دائما بحاجة إلى أن تشعر بقوامة زوجها العملية، وبتحمله المسؤولية، وتحقيقه لكل متطلبات تلك القوامة.
المرأة تريد أن تشعر في قرارة نفسها باحترامها لزوجها، وأنها تستمد منه الحماية والأمان، وأنها يمكنها الاعتماد عليه، لا أن تشعر بأنه هو الذي يعتمد عليها وينتظر حين تمنحه راتبها.
المرأة بحاجة إلى أن تشعر بأنها مسوؤلة من رجل لا يتخلى عن واجباته الأساسية في حياته الزوجية ليكون جديرًا في نظرها بصفة الرجولة.
جزء منها فلا تقطعه
تختلف المرأة عن الرجل في بعض الأمور، منها علاقة كل منهما بأهله، فالرجل حين يتزوج يقل ارتباطه - نوعا ما - بأسرته، بينما تظل المرأة على ارتباطها النفسي بأسرتها، بل ربما يزداد تعلقها بأسرتها بعد زواجها، وبعد أن تنجب وتشعر بمشاعر الأمومة يزداد حبها لوالديها، واقترابها منهما.
هذه الطبيعة التي تجعل المراة مرتبطة بأسرتها، قد يحاول الزوج القضاء عليها بمحاولات شتى ظنًا منه أن أهل الزوجة يستحوذون على مشاعرها، ويشاركونه قلبها، واعتقادًا منه أن المرأة حين تهتم بزيارة أهلها، والارتباط بهم سيقل اهتمامها بزوجها، وارتباطها به، وعنايتها ببيتها!
وقد يمنع الزوج زوجته صلة أهلها، ويضع العراقيل أمام زيارتها لهم، في الوقت الذي يجعلها تزور أهله، ويلزمها بهذه الزيارات المتكررة، ولا يلتفت إلى مشاعرها حين تجد نفسها تزور أهله باستمرار، بينما يُفرض عليها حصار شديد تُمنع بسببه أن تزور أقرب الناس إلى قلبها.
وربما يصل الأمر إلى أن يضع الزوج نفسه وأسرة زوجته في كفتي ميزان، فيخيَّر الزوجة بينه وبين أسرتها، مما يجعل بذور الشقاق تنمو بينها وبينه؛ لأنها غالبا ستختاره هو - حبًا له، أوتجنبًا للمشاكل كي تحافظ على بيتها- ولكن ربما يؤدي ذلك إلى تسلل الكراهية لقلبها تجاه زوجها مع الأيام، وربما تبدأ في صلة أهلها دون علمه، وتبدأ في الكذب عليه هربًا من تأنيبه وتعنته معها.
لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم- خير قدوة لنا في هذا الأمر فقد كان يصل صديقات السيدة خديجة - رضي الله عنها - بعد موتها، بل ويذبح الشاة ويرسل منها إليهن، وهي الزوجة التي توفاها الله منذ زمن! فما بالنا بأهل الزوجة التي تحيا مع الزوج!
كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أوصى المسلمين بأهل مصر حين يفتحونها لأن بها ذمة وصهرًا، لأن السيدة مارية - رضي الله عنها - من مصر.
ولا شك أن الرجل الذي يكرم أصهاره، ويعاملهم كأحسن ما تكون المعاملة، سَتكِنُّ له الزوجة الوفية حسنة الخُلق كل تقدير واحترام، وسيزداد حبها له، وتقوى علاقتها به، وتزداد رغبتها في بذل المزيد من أجله، بل وستعود هذه المعاملة على أهله بالخير؛ لأنها ستزداد اهتمامًا بهم، وتحرص على إكرامهم بشكل أكبر، واستقبالهم خير استقبال، بل وستشجع زوجها على صلتهم.
وإذا كان الزوج يرى أن صلة زوجته بأهلها تثير المشاكل في بيته نتيجة لتدخل بعض الأشخاص بشكل سافر في خصوصيات بيته، فيمكنه أن يتعامل مع الأمر بحكمة وبصبر وبالحوار مع الزوجة، وأن يحرص على حل هذه المشكلة بعيدًا عن التعنت والمنع التام حتى لا تزداد الأمور صعوبة. وليضع الزوج المسلم في حسبانه حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ ، تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ "[6]
النساء بحاجة إلى صلة أهلهن، وقضاء أطيب الأوقات معهم، بل هن بحاجة إلى أن يشاركهن الزوج هذه الصلة قدر استطاعته، ويُشعرهن بأن أهلهن هم أهله.
أهل المرأة جزء منها فلا تحاول أن تقطع عنها هذا الجزء حتى لا تجد نفسك يومًا ما وقد قُطع حبك من قلب زوجتك.
نار وجليد
ما أسعد تلك المراة التي تشعر بنسمات غيرة زوجها وهي تداعب قلبها، فتجدد حبها له، وحبه لها، وتُشعرها بأن زوجها مُغرم بها، فتجعلها تعيش في جنة الحب، وتنعم باهتمام زوجها بها، وبخوفه عليها، ورعايته لها!
وما أشقى تلك المرأة التي تصطدم بسهام غيرة زوجها وهي تخترق قلبها، فتجعله ينزف حزنًا وألمًا وتوتًرا وقلقًا وخوفًا!
الغيرة في حياتنا الزوجية إما أن تكون رسائل رقيقة يرسلها قلب الزوج إلى زوجته فيجعلها تسعد به وبحبه، وينتعش قلبها بهواء هذا الحب، وإما أن تكون سجنًا يخنق أنفاس هذا الحب.
ولقد أوضح لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هناك غيرة محمودة، وغيرة مذمومة، حين قال: " من الغيرة ما يحب اللهُ، ومنها ما يُبغِضُ اللهُ، فأما التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يُبغضها الله فالغيرة في غير ريبة."[7] أي أن الله - عز وجل - يحب الغيرة التي يكون لها داع وسبب واضح وحقيقي، أما الغيرة التي تقوم على الشك والاتهام غير المبرر فهي غيرة يبغضها الله - عز وجل - ولا يحبها.
والمرأة بطبيعتها تحب أن تشعر بغيرة زوجها عليها، وحبه لها، بل تحتاج إلى أن تشعر بهذه الغيرة من حين إلى آخر، ولكنها في الوقت ذاته تكره الغيرة المفرطة، وتعاني منها أشد المعاناة حين تُبتلى بزوج يملأ الشك قلبه، فإذا به يفتش وراءها في كل شي، ويحاول أن يستمع إلى محادتتها الهاتفية، وربما يتعقب خطواتها من حين لآخر!
هذه الدرجة من الغيرة والتي تصل إلى حد الشك تحيل الحياة الزوجية إلى جحيم ملتهب، لا يهدأ جمره، ولا ينطفئ سعيره. وتجعل التعاسة تُلقي بسهامها في قلب كل من الزوج والزوجة على حدٍ سواء، وربما تؤدي مع مرور السنوات إلى قتل الحب والعلاقة الطيبة بين الزوجين، وفي بعض الأحيان تكون سببًا مباشرًا في هدم البيت وانفصال عُرى الحياة الزوجية والافتراق.
ولقد أرشد النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى البعد عن هذا النوع من الغيرة القاتلة، والتي تحمل في طياتها كل معاني الشك، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره أن يأتى الرجلُ أهله طُرُوقا.[8] رواه البخاري
الطروق: المجيء بالليل من سفر أو غيره على غفلة.
وإذا كانت المرأة تبغض أشد ما تبغض ذلك الرجل الذي يتنفس غيرة وشكا، فإنها في الوقت نفسه يضايقها أشد ما يضايقها ذلك الرجل الذي لا يعرف قلبه كيف يتنفس بعض نسمات الغيرة الرقيقة، فإن تطلَّب الأمر من زوجته أن توجد في مجتمع كله رجال، وطلبت منه أن يكون إلى جوارها قال لها بكل هدوء: لا داع لوجودي معك حبيبتى؛ فأنا مطمئن عليكِ لأنك ستكونين وقتها رجلا وسط الرجال!
هذه الثقة لا تحبها المرأة لأنها ممزوجة ببرود شديد ويخالطها نوع من الدياثة يثير ضيقها وغيظها.
وقد يتعجب الرجال ويقولون في أنفسهم: النساء لا يعجبهن الثقة ولا يعجبهن الغيرة فماذا نفعل، لقد احترنا في أمرهن؟! الأمر حقيقية لا يتطلب كل هذه الحيرة، فالنساء يكرهن الشك، ويثير ضيقهن انعدام الغيرة - سواء وصلت إلى مرحلة الدياثة أم لم تصل- فالمرأة تحتاج إلى ثقة زوجها الشديدة، ولكنها تكره تلك الثقة التي تصل إلى حد البرود؛ لأنها تصبح على يقين بأن الزوج الذي لا يُظهر أي نوع من الغيرة على زوجته رجلا لا يحب هذه الزوجة ولا يهتم بها، ولا يخاف عليها.
النساء في حاجة إلى هذا الاعتدال في الغيرة، فلا إفرا ط ولا تفريط في العلاقات الإنسانية السوية، وهو الأمر الذي يدعونا إليه ديننا الحنيف حين أرشدنا إلى أهمية اعتناق الوسطية في أمور حياتنا المختلفة.
النساء بحاجة إلى ثقة أزواجهن الكاملة فيهن، كي يعشن في هدوء، وراحة بال، وبلا قلق أو خوف، أو توقع المشاكل. وفي حاجة كذلك إلى القليل من مشاعر الغيرة كي يشعرن بحب أزواجهن لهن، وبخوفهم عليهن.
أجمل ما تحتاجه المرأة!
إن أجمل ما تحتاجه المرأة ويغفل عنه الرجل في كثير من الأحيان، ويكون سببًا في كثير من الأزمات الأسرية بشكل لافت للنظر، بل يكون سببًا في الكثير من حالات الطلاق الروحي، هو إهمال الزوج لمشاعر زوجته الأنثوية، واحتياجاتها كامرأة إلى عبارات المديح، والثناء على أنوثتها وجمالها.
إن أذن المرأة هي أقرب وسيلة إلى إشباع مشاعرها؛ فالمرأة تعشق بأذنيها، بل هي كالطفل الصغير أقل كلمة مدح ترضيها، وتسعدها، وتشعرها بأنها كعصفور يطير ويرفرف سعيدا في السماء.
والمرأة تدرك أن أنوثتها من أكبر الأسباب التي تجذب إليها قلب زوجها، لذلك فهي تميل بطبيعتها إلى حب التزين، وامتلاك معالم الجمال. ولأن عيون الزوج هي مرآة أنوثة الزوجة فهي تشتاق دومًا إلى سماع ما يُرضى أنوثتها من زوجها، ويُشبع ذلك الاحتياج لديها.
قصة من الحياة
منى زوجة تحب زوجها إلى أبعد الحدود، وتحب أن تتزين له، وترتدي له كل جديد.
اشترت منى ملابس جديدة، ارتدتها ونظرت إلى نفسها في المرآة، فرأت نفسا تشع نضارة وجمالا.
فرحت منى بمظهرها الجذاب فبدأت في تمشيط شعرها بطريقة تجعلها تبدو أكثر جمالا، وتعطرت بأفضل عطورها، وسرعان ما سرحت بمخيلتها في رد فعل زوجها حين يراها، نعم هي تحرص أن تكون جميلة ومتجددة كل يوم، ولكنها اليوم ستبدو بشكل مختلف وأكثر جاذبية عن ذي قبل.
طرق سمير الباب، فدق قلبها، واستعدت أذناها لسماع أعذب الكلمات..
كم اشتاقت إلى بعض الكلمات الدافئة التي لم تسمعها من زوجها منذ زمن بعيد..
كم هي بحاجة إلى دفء تلك المشاعر التي تفتقدها.. كم تشعر بفراغ نفسي وعاطفي كبير..
منذ متى ولم يشبعها زوجها عاطفيًا.. منذ متى ولم يلتفت إلى أنوثتها.. منذ متى ولم تغازل كلماته الرقيقة قلبها المملوء حبًا له.. منذ متى لم تسمع منه كلمة أحبك!
وها هو زوجها يدخل، ولكنه كالعادة لم يلتفت إلى التغيير الذي حل بها، فهو كما هو، يدخل بيته بوجه صامت لا تسكنه أي تفاصيل.. لا فرح.. ولا إعجاب.. ولا أي شيء.
وحين دخل سمير دون أن يتكلم بأي كلمة، وكأنه مدينة من الصمت لا تعرف فن الكلمات، لم تغضب منى ولم تلم زوجها؛ فهي تعرف أن الرجل حين يعود من عمله يكون منهكًا، وفي حاجة إلى الراحة والهدوء بعد يوم طويل وشاق في العمل.
مرَّ وقت طويل، وارتاح سمير من عناء العمل، ولكنه رغم ذلك لم يلتفت إلى زوجته، ولم ينتبه إلي التغيير الذي بدا عليها، ولم يفكر أن يجلس معها بعض الوقت ليحاورها، أو يحتضن مشاعرها، بل توجه إلى قنوات التلفاز ليتنقل بينها، وحتى بعد أن اكتفي من مشاهدة التلفاز لم يفكر أن يتوجه إلى زوجته ليمنحها بعض المشاعر الدافئة، أو ليعرف آخر أخبارها، وأخبار أسرته، بل سرعان ما غط في نوم عميق دون أن يجلس لدقائق حقيقة مع أسرته.
تُرى ما الذي يمكن أن يفعله هذا السلوك في منى؟
لقد تأثرت كثيرا، ونعت أنوثتها التي لم يلتفت إليها زوجها، ومشاعرها التي لا يهتم بها، وخاصة أن هذا الأمر يتكرر بشكل يومي. وراودها نفس السؤال الذي يراود كل امرأة لا
يلتفت زوجها إلى أنوثتها: ما الذي ينقصنى عن أي امرأة أخرى حتى لا أسمع من زوجي ما يرضي أنوثتى، وأنا الذي أحرص على أن أبدو في أجمل وأبهى صورة؟!
وحين تكرر هذا السلوك لعدة سنوات متتالية من سمير، أصبحت منى في حالة إهمال شديد لمظهرها وأنوثتها، دون وعي منها تارة، وبلا مبالاة تارات أخرى. فأصبح شعرها مغطى دائمًا بغطاء قاتم اللون، وأصبح وجهها شاحبًا، لا تزينه مساحيق التجميل التي كانت تعشق وضعها لزوجها من قبل، وأصبح استقبالها لزوجها باردًا لا روح فيه.
هذا السلوك الذي حدث من سمير، وجدتُ الكثير من النساء يشتكين منه ويخبرننى بأنه يؤرق حياتهن، ويجعلهن خاضغات لمشاعر سلبية عميقة تجاه حياتهن الزوجية.
وهذه حقيقة في حياة النساء فقد قيل: " إذا توقفت عن التغزل في المرأة انكسر قلبها."
فالمرأة حين لا تسمع كلمات المديح والتغزل في أنوثتها من زوجها، تشعر أنها منبوذة أنثويا منه، فيُغلف قلبها البرود العاطفي، ويتراجع اهتمامها بتلك الأنوثة مع الوقت، بل ربما تُميتها بيديها، ويضمُر اهتمامها بزوجها، وتصبح عصبية تختلق المشاكل.
إن من أجمل وأهم ما تحتاجه المرأة أن يُرضي الزوج احتياجها الأنثوي للمدح، وأن يُشعرها بأنها أجمل النساء في عينيه، وأن يبرع في معاملتها كأنثى، فيغدق على
مشاعرها الأنثوية بما يرويها ويكفيها، وألا يُشعرها بأنها مرفوضة من الرجل الوحيد الي تنتظر أن تراه مفتونًا بها..الرجل الذي يُشعرها حبه لها ورغبته فيها بأنها مختلفة في نظره عن كل النساء، وبالتالي ستكون صورتها عن نفسها سلبية، ومع الوقت تتحول هذه النظرة السلبية إلى رد فعل غاضب تجاه الزوج، بل وربما لرفض لهذا الزوج بمرور الوقت.
نحن نُدرك إن طبيعة الرجل تختلف عن طبيعة المرأة، ولكن بعض الكلمات الرقيقة النابعة من القلب من حين لآخر والتي تعبر عن إعجاب الزوج بجمال زوجته، ورقتها، وملابسها، وتزينها، لن تكلفه الكثير من الجهد، بل ستحجب عنه الكثير من المشاكل والنكد الزوجي، وستجعل قلب زوجته أكثر تعلقًا به، وأكثر حبًا له.
المرأة بحاجة إلى أن يُشعرها زوجها بأنها أجمل النساء في عينيه، وأنها أجمل وردة في روضة النساء، كي تُشعره هي بأنه أفضل الرجال في عينيها، وأنه أحب الناس إلى قلبها.
شهد الحب
ربما تسألك زوجتك من حين لآخر هل تحبنى؟
وربما تتعجب أنت لأنك تحبها حبا عميقا، ومن المفترض أن تدرك هي ذلك! ولكن ما لا تضعه في حسبانك أنه حين تباغتك زوجتك بهذا السؤال، فهي لا تشكك - غالبا - في حبك لها، ولكنها تشعر بالظمأ العاطفي لهذه الكلمة التي تسعدها وتُدخل البهجة إلى قلبها وحياتها.
إن طبيعة المرأة العاطفية تجعلها بحاجة مُلحة إلى الحب، والإحساس بأن زوجها يفيض عليها بعطفه، ويحتويها بحنانه، وأن قلبه يرسل إلى قلبها رسائل المودة من حين لآخر.
والملاحظ أن الكثير من الرجال لا يهتمون بإشباع الجانب العاطفي لدى زوجاتهم، فلا ينطقن بلكمات الحب التي ترضيهن وتسعد قلوبهن، وهم لا يتخيلون أن مثل هذه اللمحات البسيطة يمكنها أن تؤثر على نفسية الزوجة وتحوَّلها من حال إلى حال آخر. ولو أن الرجال تأملوا سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لوجدوا أنه يرشدنا عمليًا إلى ضرورة التلفظ بكلمات الحب لمن نحب.
حين سُل النبي صلى الله عليه وسلم عن أحب الناس إليه، قال: عائشة!
هذه اللفتة الرقيقة من النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءت لتعلم الرجال كيف يبوحون بحبهم لزوجاتهم، ويعلنون ذلك صراحة. فالمرأة يسعدها كثيرا أن تشعر بحب زوجها وتتأكد أنها ما زالت متربعة على عرش قلبه رغم مرور السنوات.
كذلك علمنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نخبر إخوتنا الذين نحبهم في الله بهذه المشاعر الفياضة التي نشعر بها تجاههم،؛ لتزداد أواصر الحب بين القلوب، وتقوى العلاقات الإنسانية، فإذا كان هذا توجيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لنا في معاملتنا مع إخوتنا، فما بالنا بالأزواج والزوجات!
إن اللسان رسول القلب، يحمل ما فيه، ويرسله إلى قلوب وعقول الآخرين، والزوج الفَطِن يعي احتياج زوجته لكلمات الحب ويعرف أثر ذلك عليها فلا يبخل عليها به؛ لأنه يعرف أن جزء كبيرا من راحته وهدوئه النفسي في بيته مبعثه هذا الإشباع وأن تقصيره في ذلك الأمر قد ينغص عليه حياته مع زوجته، وهو يدرك كذلك أن الحرمان العاطفي للمرأة قد يحولها بمرور الوقت إلى شخصية ثاثرة وعصبية وغاضبة، أو شخصية باردة ولا تعبأ كثيرا بمشاعر زوجها.
قد تكون أيها الزوج الفاضل زوجًا رائعًا.. طيب العشرة.. كريم الخلق، ولكنك لا تعرف كيف تقول كلمات الحب لزوجتك، ومتى تحتاج الزوجة إلى سماع مثل تلك الكلمات،
وربما تكون ممن لديهم قناعة تامة بأن الحب تعبر عنه المواقف الطيبة فحسب، وأنه لا داعي لهذه الكلمات ما دامت أفعال الزوج طيبة تجاه زوجته، ولكنك بذلك تجهل طبيعة المرأة التي لا تقتنع بالحب كمواقف بمعزل عن الكلمات والمشاعر، حتى وإن كانت هذه المواقف أروع ما تكون.. بل هي تحتاج إلى مواقف طيبة تدعمها الكلمات الحنونة والمُحبة.
من المؤكد أن المعاملة الكريمة، والأخلاق الحسنة، هي الفيصل في رقي علاقة الزوج بزوجته، ولكن المرأة كما تحتاج إلى المعاملة الكريمة، فإنها لا تستطيع أن تستغنى عن كلمات الحب التي تُشعرها بالتواصل العاطفي مع زوجها. فلماذا يبخل بعض الرجال بهذه الكلمات على زوجاتهم رغم الحب الشديد الذي يسكن قلب الزوج لزوجته، ورغم التقدير الكبير لدورها معه؟!
لماذا لا يحرك بعض الأزواج المياة الراكدة ببعض الكلمات الدافئة؟!
المرأة بحاجة إلى تلك الكلمات الرقيقة لتكون هذه الكلمات كالمطر حين ينزل على أوراق الشجر بعد طول ظمأ فيرويها، فهل رويت قلب زوجتك، أم أنك من أولئك الذين لا يرون أهمية للجانب العاطفي في الحياة الزوجية؟
ما لن تقوله زوجتك لك
إذا كنا نقول إن كلمات الحب، وإشباع مشاعر المرأة الأنثوية مطلب لا تستطيع المرأة الاستغناء عنه، وأنه لا يمكن لأحد أن يشبع هذا المطلب عند الزوجة سوى الزوج، فهناك مطلب آخر لا يمكن لزوجتك أن تحصل عليه إلا من خلالك أنت.. إلا وهو الإشباع الجسدي.
إن بعض الأزواج يغفلون هذا الاحتياج لدى الزوجات، وبات يقينا لديهم أن المرأة بتكوينها الذي يغلب عليه سمة العاطفة، لا تهتم ولا تتأثر كثيرًا بعدم الإشباع الجسدي، في حين أن واقع الأمر يؤكد أن كثيرًا من النساء تظهر لديهن العصبية في التعامل مع الزوج، وعدم الاهتمام به لأنهن يعانين من عدم الإشباع لمشاعرهم الجسدية.
المرأة إنسان مثل الرجل لها احتياجات جسدية إن لم تشبعها بالحلال أثر ذلك عليها جسديًا ونفسيًا، وهذا الاحتياج فطرة خلق الله الإنسان عليها سواء كان رجلا أو امرأة.. بالطبع تختلف قوة هذا الاحتياج لدى كل منهما، ولكن في النهاية كل منهما يحتاج إليه.
قصة من الحياة
سماح زوجة حديثة العهد بالزواج، تحب زوجها حبًا جمًا، عند بداية العلاقة الخاصة بينها وبين زوجها يداعبها زوجها قليلا، ثم سرعان ما يقضى وطره، ويغط في نوم عميق، ولا يشعر بنفسه سوى بعد ساعات من النوم، بينما تظل هي في حالة من الضيق والتوتر النفسي لأن زوجها الذي تحبه لم يهتم سوى بإشباع احتياجه هو فقط، ولأنها تعتبر انصراف زوجها عنها في هذه اللحظات خير دليل على أنانيته، وخير دليل على عدم حبه لها، وعدم الاهتمام باحتياجاتها، وتظل هذه الزوجة كذلك في حالة من التعب الجسدي لأن زوجها لم ينتبه إليها في هذه اللحظات الحميمة بعدما تفاعل معها وتفاعلت معه.
كثيرات من الزوجات وخاصة في بداية عهدهن بالزواج يشتكين من مثل هذا الموقف، الذي يتكرر معهن كثيرًا، ولأنهن حديثات العهد بالزواج سيمنعهن حياؤهن من التحاور مع الزوج في مثل هذه الأمور، بل إن معظم هؤلاء الزوجات يخجلن من مناقشة هذا الأمر مع الزوج رغم مرور سنوات من الحياة الزوجية، مما يعرض الزوجة للضيق والتوتر الشديدين، بل وربما تتراكم آثار هذا الحرمان مع السنين، فنجد مثل هؤلاء
الزوجات قد بدأن في كراهية تلك اللحظات، وربما بدأن في التهرب منها بعد أن كنَّ يتعاملن معها بحب وإقبال. ولذلك نجد بعض الرجال - بمرور السنوات - تكثر شكواهم من أن زوجاتهم يفضلن النوم في غرفة مستقلة، ويهربن من اللقاءات الزوجية الحميمة، ولم ينتبه هؤلاء الرجال إلى أن المرأة التي تهرب من لقاء زوجها، فهي ما تفعل ذلك سوى لأن زوجها هو الذي دفعها إلى ذلك في أغلب الأحيان، ولأنها تخرج من هذه العلاقة بتعب وحرمان وألم جسدي عكس ما يخرج به الزوج من متعة وإشباع لغريزته.
وبعض الرجال يتعجلون بداية اللقاء، ولا يعطون المرأة نصيبها من المداعبة والملاعبة، مما يجعلها تشعر بأنها تؤدي واجبًا، وأنها في عمل روتينى يجب عليها إتمامه سريعًا مما يُدخل الضيق إلى نفسها.
وبعض الأزواج يتعاملون مع الزوجات في هذه اللحظات بشيء من الغلظة والقسوة وكأنهن في حلبة مصارعة مما يجعل هذا اللقاء يمثل أصعب اللحظات في حياة الزوجة.
يقول الشيخ محمد حسان في محاضرة له بعنوان الطريق إلى السعادة الزوجية: " شتان بين رجل ذكي أوصل امرأته إلى أن تنتظر منه هذه اللحظات التي يذوب فيها كل زوج في الآخر، ويسكن فيها كل زوج للآخر، ويصبح فيها كل زوج لباسًا للآخر، وبين رجل
أوصل امرأته إلى أن تنفر من هذه اللحظات، لأنها تشعر أنها تقبل على جولة من جولات المصارعة الحرة، فتستجير الله -جل وعلا - ألا تختنق في هذه الجولة أنفاسها، وألا تُحطم عظامها."
والإسلام يرشدنا إلى ضرورة مداعبة المرأة وملاعبتها وتقبيلها قبل إتيانيها، والاهتمام بإشباعها، يقول الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين: " ثم إذا قضى وطره فليتمهل على أهله حتى تقضى هي أيضا نهمتها، ولا يشتغل الرجل بنفسه عنها، فإنها ربما تستحي."
وهناك من الأزواج من يهمل زوجته تمامًا، وربما لا يقربها لعدة أسابيع أو عدة شهور متواصلة؛ لأنها تزوج من أخرى، أو لأن زوجته لا تجذبه جسديًا، مما يعرضها للإصابة ببعض المتاعب النفسية والجسدية، فقد ثبت علميًا أن المرأة التي تتعرض بشكل متكرر إلى عدم الإشباع الجسدي من زوجها، تصبح بمرور الوقت عرضة للإصابة بالتوتر، والاكتئاب، والعصبية، والنفور من العلاقة الزوجية الخاصة، بل والنفور من الزوج نفسه، وكره الحياة الزوجية، وأكثر عرضة لاختلاق المشاكل الأسرية، كما أنها تتعرض لبعض المتاعب الجسدية.
والإسلام يرشدنا إلى ضرورة اهتمام الزوج بهذا الحق لزوجته، يقول الإمام بن حزم: " فرض على الرجل أن يجامعَ امرأته، وأقل ذلك أن يجامعها في كل طهر مرة."
ويقول الإمام الغزالي: " ينبغي أن يأتيها في كل أربع ليال مرة فهو أعدل؛ إذ عدد النساء أربع ( أي الحد الأقصى الجائز) فجاز التأخير إلى هذا الحد. نعم ينبغي أن يزيد أو ينقص بحسب حاجتها إلى التحصين. فإن تحصينها واجب عليه."
وكما يحب الرجل أن تشبعه زوجته جسديا فليحرص على معاملتها بالمثل، والرسول صلى الله عليه وسلم يرشدنا إلى أنه من مكملات الإيمان أن يحب المؤمن لأخيه ما يحبه لنفسه، عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"[9]
إن معظم مشاكل الحياة الزوجية يكون منبعها غرف النوم، ولكن قد يخفي الزوج هذه المشاكل، وتُخفي الزوجة هذه المشاكل أيضًا، ويفضل كل منهما عدم مناقشة الأمر، وعدم التحاور في مثل هذه الأمور الدقيقة، ولكن هذه المشاكل تُعتبر قنابل موقوتة في كثير من البيوت، وإذا كان الرجل يؤلمه ويضايقه أن تمتنع زوجته عنه، أو ترفض
لقاءه، فإن المرأة يؤلمها نفس الشيء، بل هو أشد ألمًا للمرأة لأن المرأة بطبيعتها تحب أن تشعر بأنها مطلوبة من زوجها، وأنها تجذبه، وتحب أن تشعر بأن زوجها يفكر في إسعادها وإشباعها كما تفعل هي.
النساء بحاجة إلى الإشباع الجسدي مثل الرجال، وبحاجة إلى أن يعفهنَّ أزواجهن، فلو أنك أيها الزوج تستطيع أن تشبع هذا الاحتياج مع زوجة أخرى أو عدة زوجات، فإن زوجتك ليس لديها من يشبع لديها هذا الاحتياج سوى زوج واحد وهو أنت.
فهل أدرك الرجال ذلك، وحرصوا على إعفاف زوجاتهم، والاهتمام بهذا الاحتياج لديهن، أما أنهم ما زالوا على اعتقاد بأن المرأة ليست بحاجة إلى مثل هذا الإشباع، وأن الأمر ليس من الأهمية بمكان لدى المرأة؟!
هل رصيدك يكفي؟
كنا نجلس في مكان عام، نراهم ونسمع صوتهم، زوج وزوجة يجلسان معًا، وأطفالهما حولهما، وبعد أن مر وقت قصير، علت الأصوات الصادرة من عندهم، وفجأة رأينا ما أصابنا في مقتل!
يد قاسية امتدت فجأة نحو وجه رقيق لتصفعه على مرآى ومسمع منا جميعًا!
صفع الزوج زوجته صفعة قوية، فوقع أثر هذه الصفعة على وجه كل النساء الموجودات بالمكان!
سقطت الدموع من عينيها، ثم سرعان ما جففتها بانكسار.. لم يتأثر قلبه لدموعها.. بل استمر في قسوته، فعلا صوته بالسباب وبذئ الكلمات!
سألت نفسي: تُرى كيف كان شعور هذه المرأة؟
كيف هان على زوجها أن يجرحها هذا الجرح المؤلم والمهين؟!
كيف هان عليه أن يحطم كرامتها أمام كل هذا الجمع؟!
ألم يشعر أن كرامته جُرحت حين جرح كرامة زوجته أمام كل هؤلاء الناس؟!
ألم يشعر بأن رجولته قد سُلبت منه وهو يمد يده ليضربها على الملأ في هذا المكان العام؟! ألم يتذكر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما امتدت يده وضربت امرأة قط؟!
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " ما ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط، فينتقم من صاحبه، إلا أن ينتهك شيء من محارم الله، فينتقم لله عز وجل." [10]
تُرى كيف ستكون مشاعر هذه الزوجة نحو زوجها بعد هذا التصرف الجارح.. كيف لها أن تحبه أو تقدره.. كيف لها أن تحترمه أو أن تشعر بالفخر بأنها زوجة له، وكيف لها أن تعيش معه براحة بال، بل كيف لها أن تتقبله حين يقترب منها، وكيف سيقترب منها هو بعد هذا الفعل؟!
إن هذا السلوك غير الإنساني أصبح يتكرر كثيرًا في بعض بيوتنا، وتشتكي منه الكثيرات من النساء، ولقد شرحت لي إحدى الزوجات اللاتي يعانين من هذه المعاملة القاسية أسباب صبرها على إهانات زوجها المستمرة لها، وضربه وإيذائه لها بأنها كانت تصبر في البداية لأنها كانت تحبه كثيرًا، ولكن مع الوقت ومع تكرار ضربه وعدم
احترامه لها، فقدت هذا الحب، وحلت الكراهية مكانه، فأصبحت تصبر على غلظة قلبه لأنها تريد الاستقرار لأطفالها، وتريد لهم أن يعيشوا حياة هادئة بلا انفصال بين الوالدين.
وهي كذلك تتحامل على نفسها، وتتحمل هذه القسوة، لأنها ليس لها مأوى آخر يأويها هي وأطفالها، ولا تعرف كيف تنفق على نفسها وعلى صغارها، وهي التي لم تكمل تعليمها، ولا تملك أي مؤهلات تؤهلها للعمل في مكان آمن يمنحها دخلا يوفر لها الحياة الكريمة هي وأطفالها.
تقول هذه الزوجة إن زوجها يدخل البيت عابسًا متجهمًا، يبحث عن أي خطأ ليتشاجر.. يبحث عن أي نقص في المنزل ليفتعل مشكلة، ثم سرعان ما تمتد يده لتضرب الزوجة والأبناء، مما جعل الأبناء يكرهون وجوده معهم، بل بلغ الأمر ببعضهم أنه يتمنى لو كان يتيما ليرتاح من قسوة هذا الأب!
ومع تكرار ضربه المتكرر لها، وصلت هذه الزوجة إلى مرحلة الانفجار، فطلبت الطلاق، وأصرت عليه إصرارًا قويًا، لأنه حمّلها فوق طاقتها، ولم تجد لديها من الرصيد ما يكفي لتعفو عنه، وتتهاون معه في حقها، فقد نفد رصيد زوجها لديها.
فهل لدى هؤلاء - الذين لم تجرب أيديهم لمسات الحنان، بل تعودت فقط على ممارسة العنف مع الزوجات - هل لديهم من الرصيد في قلوب زوجاتهم، ما يكفي لتعفو عنهم
زوجاتهم، ويجعلهن يتحملن قسوتهم، وغلظة قلوبهم، أم أنهم يعتمدون على بعض المشاعر التي تحملها الزوجات لهم، ويعتمدون على احتياج الزوجة المادي، ورغبتها في عدم الانفصال نتيجة الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي تحيط بها؟
إن الزوجة إذا وصلت إلى هذه المرحلة من الضغط النفسي، واضطرتها الظروف إلى أن تعيش مع مثل هذا الزوج، لن تهتم كثيرا بمشاعر واحتياجات زوجها، بل ستهتم فقط بأن تعيش معه كي تربي أولادها، وكي لا تتعب هي في حياتها، كما قالت لى إحدى الزوجات التي نفد رصيد زوجها من قلبها: أنا أعيش مع زوجي لأجد بيتا يؤوينى، ورزقا يكفينى، وكي أربي أولادي وأحميهم من التشرد.. لو كان لديَّ من المال ما يكفينى وأولادي لما عشت معه لحظة واحدة.
هذه هي مشاعر الزوجة التي تعود زوجها ضربها وإهانتها، وعدم احترامها.
فهل لديك أيها الزوج من الرصيد في قلب زوجتك ما يكفى لتتغاضى عن بعض إهاناتك لها، أم أنك تسحب وتسحب من رصيدك دون أن تدري أنك على وشك أن تصل إليك رسالة تقول لك: عفوا لا يمكننى أن أكمل معك الحياة فرصيدك قد نفد؟
وهل فكرت في زيادة رصيدك بكلمة طيبة.. بلمسة حانية.. ببسمة صافية.. بهدية رقيقة تهديها إلى زوجتك بحب.. بمساعدة بسيطة في المنزل.. باهتمام بها وتقدير لها..
باحترامك لها والثناء عليها، وذكر بعض مميزاتها، والعطف على أولادك والاهتمام بها، أم أنك تتعامل معها بقسوة وجفاء، وتحمّلها أشد العناء، وتسفه وتقبِّح، وتحيل البيت وقت وجودك فيه إلى سجن لا يحق فيه الكلام أو الابتسام أو إبداء الأراء؟
الإنسان منا بحاجة إلى أن يحترمه الآخرون، والنساء مثل باقي البشر، بحاجة إلى التقدير والاحترام، وعدم الامتهان.
فهل كف الرجال الذين لا يرحمون ضعف النساء عن سوء عشرتهم لنسائهم؟
هل توقفت أيديهم عن الامتداد إلى أجساد النساء، وإشباعها بالسيول العارمة من الضربات واللكمات؟
هل توقفت ألسنتهم عن قذف نسائهم بقذائف الكلمات الجارحة، أم أنهم يعتبرون ذلك من سمات الرجولة؟!
النساء يدركن في قرارة أنفسهن أن الرجل الذي تعودت يداه الامتداد إلى جسد زوجته بالضرب، يحمل داخله ضعفا في شخصيته، ونقصا في رجولته، وعلة في إنسانيته.
فهل يحب مثل هؤلاء الرجال أن تكون تلك نظرة نسائهم إليهم؟
اشغلها بالحق كي لا تنشغل بالباطل
في بعض اللحظات قد تجلس المرأة مع نفسها، تنظر إلى شريط الذكريات، وتشاهد أجمل أيام عمرها، فتسعد حين ترى ثمرة جهدها..أطفالا يملؤون البيت مرحًا وحبًا، وبهجة تنشر نورها في أركان البيت. ولكنها رغم كل ذلك تنتابها الدهشة حين تشعر أن هناك شيئا ما مازالت تحتاج إليه! فما زال عقلها وقلبها يمتلئ بطاقة هائلة لا تعرف أين تضعها!
فها هي تشعر بأنها بحاجة إلى أن تمارس شيئًا ما تشغل به وقت فراغها، وتفرِّغ من خلاله الطاقة الكبيرة التي تتمتع بها، فتفكر في أن تمارس هواية أو تتعلم مهارة، أو تتعلم علمًا يساعدها في تنمية أسرتها، أو مجتمعها في حدود ما شرعه الله عز وجل.
وقد تطلب الزوجة من زوجها أن يسمح لها بأن تبدأ في استغلال هذا الوقت بما يفيد، ولكنه يصدمها بالرفض الشديد، ويتهمها أنها لا يهمها سوى نفسها، ولا تشعر بحجم مسؤولياتها!
إن بعض الرجال لا يتفهمون قيمة مثل هذه الأشياء في حياة المرأة، خاصة حين تعاني من طول وقت الفراغ، ذلك الفراغ الذي يُعتبر مرتعًا خصبًا لنمو أفات القلوب والعقول،
مما يجعل المرأة تتحول مع الوقت إلى شخصية يسيطر عليها سفاسف وتوافه الأمور، وتهتم بما لايُفيد أويُجدى نفعًا، بل قد تبدأ في السقوط في بئر الذنوب والمعاصي.
وبعض الزوجات يدركن أهمية استغلال وقت الفراغ، وتنمية الذات، فيحاولن مع الأزواج مرات عديدة بحوار ممزوج بالحب، ولكنهن يصطدمن بإصرار الزوج الرفض التام والتعنت في ذلك، فتصمت الزوجة، وتضع الموضوع في طي النسيان، كي تمتص أي مشكلة قد تحدث بينهما وبين زوجها نتيجة لحوارهما معًا حول هذا الأمر لأنها تدرك طبيعة زوجها الذي لا يعتد برأيه ولا يسمح لأحد أن يخالفه الرأي.. قد تصمت الزوجة بالفعل، ولكنها ستحمل داخلها سخطًا بالغًا، وشعورا عميقا بالحزن لتعنت زوجها معها ورفضه لمحاولاتها بأن ترتقي بنفسها، وأن تتعلم ما يسعدها وينفعها وينمى شخصيتها.
النساء بحاجة إلى شغل أوقات فراغهن بشيء مفيد، فالفراغ سهامه قاتلة إن اخترقت جدار حياة الإنسان ثقبت أفضل ما لديه، وإذا فتشنا وراء الكثير من أسباب المشكلات الزوجية التي تكون الزوجة سببًا فيها سنجد أن الفراغ يحتل العامل الأكبر وراء هذه الأسباب، فهو الوقود الذي يُشعل شعلة الفساد النفسي، والمحرك الأقوى لمعظم المشاكل التي تختلقها المرأة.
إن الشباب والفراغ والجِدَة مُفسِدة للمرء أي مفسَدة
اشغلو أوقات فراغ نسائكم بما ينفعهن في دينهن ودنياهن، دعوهن يتعلمن ويتفقهن في أمور دينهن.. اسمحوا لهن بأن يتعلمن كل ما يحتاجه البيت من مهارات، وما يحتاجه الأولاد من خبرات في الحياة، وما يحببنه من هوايات ما دامت لا تخالف الشرع؛ لأن النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، فاشغلوا أوقات نسائكم بكل ما هو مفيد وبنّاء قبل أن ينشغلن بكل ما هو هادم.
دعوا نساءكم يتعلمن ويتفقهن، ويزدن من خبراتهن، فكل هذا سيُصب في النهاية في عقول ونفوس أبنائكم، وسينعكس أثره كذلك على طريقة تعامل زوجاتكم معكم ومعهم.
دعوا نساءكم يضعن لهن بصمة في هذه الحياة كما كان للنساء بصمة في عصر الصحابة والتابعين، فأول بصمة ستوضع لهن ستكون على جبين مستقبل أطفالكما، وعلى حياتكما معا.
صارحها ولا تجرحها
من أصعب الأوقات التي تمر على المرأة تلك الأوقات التي يفضل فيها الزوج الاختلاء بنفسه، والجلوس وحيدا لوقت طويل، وخاصة حين تكون هذه الأوقات عادة مستمرة لدى الرجل. فهذه الوحدة التي يفضلها الرجل ويحرص عليها تُشعر المرأة بمشاعر متناقضة تتضمن القلق على زوجها، والرغبة في مساعدته؛ لأنها تخشى أن تكون ثمة مشكلة ما يعانى منها زوجها أو ضغطا ما يتعرض له، ولكنها في الوقت ذاته ربما يتلاشى لديها ذلك الشعور عندما يداهمها شعور آخر، وهو الشعور بالشك ومراودة الأسئلة لعقلها عن سبب عزوف الزوج عن الجلوس معها، وتفضيله الجلوس وحيدًا.
وهنا تشعر الزوجة بأن الزوج لم يعد يحبها، وأنه يفضل العزلة على البقاء قريبًا منها، فيجد الرجل زوجته قد زادت من الضغوط عليه بدلا من أن تخففها عنه.
المرأة تختلف عن الرجل، فهي حين تتعرض إلى الضغط النفسي تفضل الارتماء في أحضان من تحب، والحديث معه حول ما تعرضت له؛ لتتلقى المزيد من الدعم النفسي. أما الرجل فهو في أغلب الأحيان عند التعرض لمشكلة ما أو ضغط نفسي ما يفضل
الجلوس وحيدًا ليصفو ذهنه، وترتاح نفسه، ويفكر في كيفية التغلب على هذه الضغوط التي تحيط به، وكيفية التعامل معها.
والمرأة لا تدرك ذلك - في كثير من الأحيان - لأنها تعتقد أن الرجل يتعامل مع الضغوط بنفس الطريقة التي تتعامل هي بها، مما يجعلها تفسر سلوك زوجها هذا بتفسيرات بعيدة عن الواقع في معظم الأحيان.
وبعض الرجال يحبون الجلوس بمفردهم لأوقات طويلة من حين إلى آخر حتى ولم يكن لديهم تلك الضغوط التي تدفعهم إلى تفضيل العزلة بعض الوقت، ولكن طبيعة شخصيتهم هكذا، وأيّا كانت الأسباب، فإن المرأة عادة حين يبتعد عنها زوجها بهذا الشكل المستمر دون إبداء أسباب، تشعر بأنه يجرحها جرحًا غائرًا، مما يُشعرها بالألم النفسي، وقد لا تُظهر الزوجة هذا الألم أمام الزوج في بعض الأحيان، وقد تُظهره في أحيان أخرى وتكثر شكواها، أو تبدأ في معاملة الزوج بالمثل، فتبدأ في الابتعاد والانشغال عنه، وتفضيل العزلة هي الأخرى، أو تفضيل الجلوس مع الصديقات والجارات أثناء وجود الزوج بالمنزل.
ولو أراد الزوج أن لا يُحدث موقفه هذا أزمة متكررة بينه وبين زوجته فعليه أن يصارحها بحب، ويخبرها بكل وضوح بأنه يحتاج إلى البقاء وحيدًا بعض الوقت حين يكون مضغوطا، او تعبًا، أو يخبرها بأن طبيعته تميل إلى حب الاختلاء بالنفس بعض الوقت من حين إلى آخر، وألا يجرحها بالابتعاد المتواصل عنها دون إيضاح الأسباب.
المرأة في حاجة دائمة إلى وضوح الزوج وصراحته معها في كل أمور حياتهما.. وضوحا راقيا لطيفا لا مكان فيه للكلمات القاسية.
المرأة بحاجة إلى ذلك الوضوح خاصة في تلك الأمور التي قد لا تجد لها تفسيرا وأسبابًا مقنعة من وجهة نظرها.
حين يتصارع الملوك
البيت مملكة المرأة، تضع فيه لمساتها، وفق ما يحلو لها، وفي هذه المملكة تُخرج المرأة طاقتها، وتفعل كل ما تريد وتتمناه لأسرتها.
وإذا كنا نحن النساء على يقين بأن الرجل هو القائد الأعلى لهذه المملكة، وهو الذي يتخذ فيها القرارات وفق ما يراه مناسبًا لمصالحها، وأنه هو الذي يسيّر معظم شؤون هذه المملكة من تخطيط للمستقبل، وحفظ لأفراد الأسرة، ورعاية مصالحهم، فإننا في الوقت ذاته على يقين أيضا بأن المراة هي ملكة هذه المملكة في الداخل، وأنها تحب أن تمارس دورها في بيتها بكل حرية، ولا تحب أن يتدخل الزوج بشكل دائم في حدود ملكها، وهذا ما يحدث من بعض الأزواج حين يحاول أن يمسك هو زمام شؤون البيت في الأمور التي تخص الزوجة. هنا تشعر المرأة أن مملكتها تُستعمر من قبل الآخرين حتى ولو كانوا أحب الناس إلى قلبها، وأنها لم تعد حرة في هذه المملكة، وأنها ملكة بشكل صوري فقط، وحين يبدأ هذا الشعور في التوغل داخل عقل المرأة، يجعلها تفضّل عدم وجود الزوج في المنزل لوقت طويل، بل ربما يتطور الأمر إلى الضيق الشديد من وجود الزوج في البيت.
قصة من الحياة
وفاء زوجة لرجل يعشق عمله، ولا يجد وقتا للجلوس مع زوجته أو التفرغ لأسرته. أخذ الزوج أجازة طويلة لبعض ظروف العمل، ففرحت الزوجة، وشعرت أنه قد آن الآوان لتستمتع بوجوده معها.
مرت الأيام الأولى كأحسن ما يكون الحال، ثم فجأة بدأ الزوج في التدخل في كل كبيرة وصغيرة في المنزل، حتى أنه أصبح يقف إلى جوارها في المطبخ، ويبدأ في إعطاء التعليمات عن طرق الطبخ الصحيحة، وطرق ترتيب الأطباق وأدوات المطبخ، ثم إذا دخل الغرف بدأ بتفقدها، والتعليق على كل ما يراه، وينتقد كل ما يراه أمامه.
مرت الأيام على هذه الحالة التي أربكت الزوجة، وجعلتها تشعر بالضيق الشديد، وعدم الحرية في بيتها، ثم بعد أيام أخرى قرر الزوج أن تكون ميزانية البيت في يده، وأن يختص هو بكل شؤون المنزل المالية، فشعرت الزوجة، بأنها سُلبت كل حقوقها المختصة بإدارة شؤون مملكتها.
وفاء كانت ترى ما يحدث وتتعامل معه بصبر وصمت، ولكنها في النهاية اعترضت بشدة على ما يحدث، حين شعرت أنه لم يعد لها حرية التصرف في مملكتها، وأنها أصبحت وكأنها ضيفة في هذه المملكة.
لقد بدأ الصراع يدور بينها وبين زوجها حول إدارة شؤون المنزل، لأن الزوج يصر على التدخل بشكل لا يرضيها في شؤون البيت، ولأنها كأي امرأة أخرى ترفض أن ينتزع الزوج حقها في إدارة منزلها، ومن هنا بدأت المشاكل، وبدأت بوادر الاختلاف تظهر في البيت الذي تعود الهدوء والسكينة.
البيت مملكة المرأة تحب أن تعيش فيه كملكة متوجة على عرشه، فإذا جاء الزوج في يوم من الأيام لينتزع هذا الملك من المرأة، فلابد وأن مشاعرها ستمتلئ بالغضب تجاه الزوج، فليس أصعب على الملوك من أن يُنتزع منهم ملكهم، فلا تحرم زوجتك من ملكها؛ حتى لا تكره وجودك معها.لا تنتزع منها ملكها لأنك أنت لن تحب ولن ترضى أن تحاول هي انتزاع ملكك وأن تكون هي قبطان سفينة الحياة الزوجية.
لماذا تغيرت زوجتي؟!
أحيانا قد يشعر الزوج أن زوجته تغير فيها شيء ما، فها هي لم تعد ترويه من شهد حبها، ومع الوقت قل عطاؤها، وأصبحت كثيرة الشكوى والتذمر والنقد.
ويتعجب الزوج ويتساءل: لماذا تغيرت زوجتي هكذا؟!
ما الذي جعل مشاعرها تبدو باردة بلا حرارة كما كانت من قبل؟!
هذا التغير ربما يحدث في قلوب وتصرفات بعض النساء، لأن المرأة كثيرًا ما تجلس مع نفسها، وتعيد حساباتها، وتفكر في طريقة تعامل زوجها معها، وتقارن بين عطائه وعطائها، وحبها له وحبه لها، واهتمامها به واهتمامه بها، فتجد أنها تحيط زوجها بالحب والاهتمام، وتغدق عليه بالعطاء، ولكنها في المقابل لا تجد من زوجها مثل هذا العطاء.
ربما تمرض الزوجة مرضًا شديدًا قلا تجد من الزوج أي اهتمام، أوعناية أو عطف أو حنان، وربما باتت تبكي من الألم فلا يفكر أن يصحبها إلى الطبيبة، أو يخفف عنها بكلمة طيبة، وربما زاد الألم فلزمت الفراش فلا تجد منه أي مبادرة للمساعدة في شؤون
المنزل واحتياجات الأطفال، بل تضطر هي للتحامل على نفسها والقيام من فراشها لمتابعة شوؤن بيتها وأبنائها!
وتتعجب الزوجة لأنها حين يلم بزوجها ألم بسيط، أو صداع خفيف تظل هي إلى جواره تخدمه، وتراعيه وتهتم به، حتى تطمئن على صحته!
وقد تحتاج الزوجة إلى مساعدة زوجها لها في بعض الأمور التي تعجز عن القيام بها بمفردها، فإذا به يخذلها، ولا يعبأ بما تحتاج إليه.
وربما تتعرض الزوجة إلى محنة قاسية في حياتها كوفاة أمها أو أبيها فلا تجد الدعم النفسي المناسب من زوجها لها، بينما تراه يقف إلى جوار اصدقائه وأقاربه وجيرانه في محنهم بكل كيانه ومشاعره!
مثل هذه المواقف المتكررة تجعل المرأة تشعر بأنها آخر من يفكر الزوج في إسعاده؛ وحين تشعر المرأة أنها آخر من يفكر فيه الزوج، وأنه لا يهمه أمرها تبدأ في مراجعة حساباتها، وتبدأ في رسم خريطة جديدة لحياتها معه، وتقرر أن تتعامل معه بشكل مختلف لعله ينتبه إليها حين يجد نفسه قد فقد هذا العطاء المتدفق الذي كان يعيش في ظلاله.
وقد لا يهتم الزوج كثيرا بهذا التغيير في بادئ الأمر؛ لأنه يعلم أن زوجته ستتغير قليلا، ولكنها سرعان ما ستعود إلى طبيعتها معه، ولكن الزوجة حين تجد الزوج لا يعبأ بكل محاولاتها وردود أفعالها، تبدأ في التغيير الحقيقى، وفي التقليل من عطائها، والتعامل مع الزوج ببرود عاطفي.
الإنسان منا يحتاج إلى أن يأخذ كما يعطى، وخاصة حين يحب، فهو يعطي بلا مقابل ولكنه يأتى عليه اليوم الذي يجلس فيه وحيدًا ويفكر قائلا: لقد أعطيت الكثير والكثير وأحتاج إلى أن أخذ ولو لمرة واحدة وهذه طبيعة النفس الإنسانية.
إن المرأة حين تعطي بلا حدود يأتيها الوقت الذي تحتاج فيه إلى أن يفيض عليها زوجها بالعطاء، وإلا ستجد نفسها رغمًا عنها تضع بعض الحدود لعطائها المتدفق، وربما توقف هذا العطاء تمامًا بمرور الوقت.
نساء مُتعَبات
هل حدث أيها الزوج الفاضل أن تكلمت معك زوجتك في إحدى المرات بكلمة عادية - من الطبيعي أن تتكلم بها أي زوجة مع زوجها - فثارت ثائرتك، وتشاجرت معها من أجل تلك الكلمة؟
هل تحسب زوجتك ألف حساب لكل كلمة تتكلمها معك قبل أن تنطق بها، أم أنها تتكلم معك بطبيعتها وعلى سجيتها؟
هل إن أبدت الزوجة رأيا مخالفا لرأيك، تقيم في البيت قائمة، وتحيل الحياة إلى نكد وشقاق؟
هل إن حدث شجار بينك وبين زوجتك، طالت مدة خصامك لها، فلا يصفو قلبك إلا بعد محاولات جمة للصلح من قبلِ زوجتك؟
إنها أسئلة بسيطة، ولكنها تستحق أن يجلس الزوج مع نفسه بعض الوقت ليفكر في إجاباتها؛ ليعلم هل تشعر زوجته معه بالسعادة أم بالشقاء.. بالراحة وهدوء الأعصاب،
أم بالتوتر والقلق، وهل تحب الزوجة أن تتحاور معه، فيُفضي لها وتُفضي له أم أنها تكره الحديث معه، وهل تحب حياتها معه أم تتمنى لو تخلصت من هذه الحياة؟
بعض النساء يعشن مع أزواج بهم الكثير من الصفات الطيبة، ولكنهم يشوهون هذه الصفات بطباع أخرى لديهم لا تستطيع أي امرأة أن تعيش بهدوء وسكنية في ظلها؛ فبعض الأزواج يغلب عليهم سرعة الغضب وبطء الرضا، فيقفون عند كل كلمة، ويُحاسبون على كل تصرف، ويحولون البيت إلى ساحة للخصام الدائم، وعند الخصام لا يتعاملون مع زوجاتهم من قريب أو بعيد، وكأنهما عدوان لا يجمعهما سوى الكراهية! وإن حاولت الزوجة أن تسترضى هذا الزوج، إذا به يتعنت معها، ويرفض كل محاولاتها للصلح، ويزداد عناده وخصامه وجفوته، فلا يصفو قلبه بسهولة، ولا يعفو ولا يسامح، ولا يلين حتى وإن كان هو المخطئ في حق زوجته، ويظل على هذه الحال أياما عديدةَ.
يقول الإمام الغزالي: " واعلم أنه ليس حسن الخلق معها كف الأذى عنها، بل احتمال الأذى منها، والحلم عند طيشها وغضبها. اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد كانت أزواجه يراجعنه الكلام، وتهجره الواحدة منهن يومًا إلى الليل."
إذا كان حسن الخلق في الإسلام لا يتوقف عند كف الأذى عن الزوجة فحسب، بل يمتد إلى احتمال الأذى منها، فكيف الحال بالزوج الذي يتعنت مع زوجته عند تفوهها بأي كلمة عادية لا تتضمن أي نوع من الأذى؟!
انظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف تعامل مع السيدة عائشة - رضي الله عنها - حين كسرت صحفة الطعام التي أرسلتها زوجة أخرى من زوجات الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمام عدد من الصحابة، لم يغضب النبي ولم يعنف عائشة رضي الله عنها، أو يقسو عليها.. ولم يقف عند ما فعلته مؤنبًا ولائمًا، بل التمس لها العذر، وتعامل مع الأمر بعقل يتفهم طبيعة المرأة عموما، وطبيعة الزوجة بوجه خاص، فقال بكل بساطة: "غارت أمكم"
ثم مر الموقف بسلام دون أن يتبعه لوم أو عتاب أو شجار أو خصام.
ومن الأزواج الذين تشعر زوجاتهم بالتعب النفسي الشديد معهم، الزوج الذي يرفض أن يكون لزوجته رأي مخالف لرأيه، فإن حدث واختلفت الزوجة معه في الرأي، إذا به تتغير ملامحه، وينقلب حاله، ويعلو صوته، ويثور، ويرفض رأي زوجته، بل ويرفض التناقش معها، ولا يمنحها الحق في إبداء وجهة نظرها، ولا يحاول توضيح وجهة نظره لزوجته، وربما خاصم الزوجة لأن لها رأيًا يخالف رأيه!
إن هذا النوع من الرجال يُرهق أعصاب الزوجة، ويجعلها تشعر وكأنها طفل صغير عليه السمع والطاعة دون التفوه بأي كلمة!
وهناك نوع آخر من الرجال يغضب من زوجته ويخاصمها إن ظهر على وجهها في بعض الأوقات مشاعر الحزن أو الضيق، أو الألم، أو الغضب نتيجة أي ظرف مر بها، وإن هي بكت أو أظهرت الحزن خاصمها الزوج لأنها في نظره تريد بذلك أن تنشر جو النكد في البيت مما يجعل الزوجة تكبت مشاعرها، وتشعر بأنها مُحاصرة، وأن زوجها يحرمها من حقها الطبيعي في أن تعبر عن مشاعرها مثل باقي البشر، مما يضطرها لكبت مشاعرها، والتظاهر بغير ما تشعر به حتى تتجنب الوقوع في دائرة المشاكل والخصام، ولكنها في حقيقة الأمر تحمل داخلها الكثير من مشاعر الضيق تجاه هذا الزوج الذي يحرمها من أبسط حقوقها النفسية.
لقد اتفق أبو الدرداء وزوجته - رضي الله عنهما - منذ بداية زواجهما أن تسكت هي إذا غضب زوجها، وتسترضيه، وأن يسكت هو إذا غضبت زوجته ويسترضيها.
فهذا الصحابي الجليل يدرك أن المرأة بشر مثله، تغضب وتحزن وتتألم، وتحتاج إلى أن يقدَّر زوجها مشاعرها، ويتفاعل معها، ويصبر على غضبها، ويحتوى هذا الغضب.
الزوجة بحاجة إلى أن تتكلم مع الزوج بحرية، وألا يصادر الزوج حقها في إبداء أرائها، وأن يسمع رأيها، ويحترم وجهة نظرها إن كانت صوابًا، ويوضح لها وجهة نظره ويقنعها بها إن كانت وجهة نظرها خطأ أو كانت صوابًا ولكنها لا ترضيه.
المرأة كذلك بحاجة إلى أن تعيش حياتها ومشاعرها بشكل طبيعي كباقي البشر، وألا يحاصر الزوج مشاعر زوجته الطبيعية، ويكبتها، ويمنعها من أن تُظهرها، بل يقف إلى جوارها، ويخفف عنها ما بها من ضيق وحزن كما تقف هي إلى جواره وتخفف عنه حزنه حين يمر بلحظات الضيق والحزن.
النساء بحاجة إلى أن يعشن حياة طبيعية وهادئة بلا ضغوط نفسية، كما يحب الرجل أن يعيش حياته الزوجية في هدوء وبلا ضغوط.
الاختراق قبل الاحتراق
في مثال حي يُجسد حقيقة ما تعانيه الكثير من بيوتنا، عبَّر المحلل النفسي ديفيد هوكنز عن الأشخاص الذين يحيط بهم الخطر، ورغم ذلك لا يلتفتون إليه إلا عندما يوشك على تدميرهم. عبر عن ذلك بأربعة ضفادع تم إلقاؤها في حوض من الماء المغلي، فقفزت الضفادع خارجة فورًا دون أي تفكير مسبق، وفي مرة أخرى، تم إلقاؤها في حوض من الماء البارد الذي ترتفع حرارته تدريجيًا، فحذر أحد الضفادع أصدقاءه من خطورة الوضع الذي سيصلون إليه إن استمروا في البقاء في هذا الحوض، ولكن الضفادع لم تهتم، إذ كانت على قناعة تامة بعدم وجود أي خطر من شأنه أن يؤذيها.
هذا السلوك الذي عبر عنه ديفيد هوكنز بهذا المثال، هو نفسه السلوك الذي يتبعه الكثير منا دون وعي أو دون اهتمام، حيث يكون الخطر محيطًا بنا، بل ويزداد يومًا بعد يوم، ولكننا رغم ذلك نغض الطرف عنه.
وفي الحياة الزوجية ربما يمر بعض الأزواج بنفس هذا الموقف، فقد تستجدي الزوجة مشاعر الزوج، وتخبره بأنها بحاجة إلى أن يحتويها، وأنها لم تعد تحتمل عدم اهتمامه بها، ولكنه لا يهتم، فهو مقتنع تمامًا بأنه يؤدي دوره على أكمل وجه، وأنه ما دام لا
يهين زوجته بالضرب أو السب كما يفعل بعض الرجال، فهو بذلك غير مقصر في حقها.
وربما تشتكي المرأة من عدم معاملة زوجها لها بتقدير واحترام كما تتعامل معه، وتظل تشتكي، وتخبر الزوج بأنها سئمت من عدم تفاعله معها، وترجوه بقلب محب وكلمات ملحة أن يجرب التعامل معها كما تتعامل هي معه، و لكنه لا يهتم بكلماتها، ولا يكترث لتوسلات قلبها، ويكمل حياته معها على نفس الوتيرة.
وأحيانا يضغظ الزوج على الزوجة فإذا به به يسفه من قيمتها، ويكثر من نقدها، ولا يعترف لها بأي صفة حميدة، ولا فعل جميل، ويُشعرها دومًا بأنها بلا قيمة في حياته، وأنه غير سعيد معها، وربما يُظهرها وكأنها كتلة من العيوب تمشى على الأرض، ويظل على تلك الحال، يسمعها وهي تصرخ مستجدية: أحتاج أن أتنفس هواء السعادة الزوجية، أريد أن أشعر بقيمتى في حياتك.. بحبك لي.. باهتمامك بي، ولكنه رغم كل معاناتها لا يهتم، ويعتبر توسلاتها نوعًا من النكد الزوجي!
وأحيانا يؤذي الزوج زوجته بالتلميح أو التصريح، فيسخر دومًا من كلامها، وأرائها، ويناديها بأقبح الألفاظ، ثم يتطور هذا الأذى من الأذى النفسي إلى الأذى البدني، وهي
ترجوه من حين لآخر بعيون دامعة أن يتوقف عن كل هذا التعذيب، وأن يتعامل معها بإنسانية، وأن يتقى الله فيها، ولكنها لا يكترث بدموعها ولا يلتفت إلى توسلاتها، ويمضى في طريقه معها بنفس الوتيرة المؤلمة، ويومًا بعد يوم تزداد حدته وغلظة قلبه فتزداد هي نفورًا منه، وبُعدًا عنه.
كل هذه المواقف وغيرها من المواقف التي قد تكثر شكوى الزوجات منها بشكل متكرر ومستمر، تحتاج إلى أن يتوقف الزوج عندها، ويفكر فيها، ويحاول أن يضع لها حلولا، مناسبة، ولكن بعض الأزواج قد يسمع أنين زوجته وشكواها، ولكنه يغض الطرف عن هذه الشكوى؛ لأنه رغم يقينه بوجود مشكلة ما تؤرق زوجته إلا أنه على يقين أكبر بأنها ستتألم وتشتكي - كالعادة- ثم سرعان ما تتأقلم مع الوضع القائم كما يحدث دائمًا.
أما الزوجة فتتراكم لديها تبعات هذه المشكلة، ويزداد الضغط النفسي عليها حتى تصل إلى مرحلة الانفجار، وفجأة يرى الزوج حياته الزوجية قد احترقت عندما تطلب الزوجة الانفصال، بل وتصر عليه إصرارًا شديدًا، ويتعجب الزوج متسائلا: كيف لزوجته التي عُرف عنها أنها تسعى دائمًا إلى الحفاظ على بيتها بكل الطرق، وسد كل المنافذ التي من شأنها هدم أركان هذا البيت، وتتحمَّل ما يفوق طاقتها من أجل أطفالها وأسرتها،
كيف لها أن تضحى بكل شيء هكذا في لمح البصر ؟! ما الذي أوصلها إلى طريق مسدود ليس له إلا نهاية واحدة وهي الانفصال؟
هنا قد يستدعي الزوج كل ما مر من سنوات العمر، ويدرك أنه أخطأ عندما لم يكترث بشكوى زوجته، وأنه كان عليه أن يخترق تلك المشاكل ويسعى إلى حلها، ويحاول سد الثغرات التي تدخل منها كل تلك الجراح والآلام التي تراكمت في عقل وقلب زوجته، ولكنه يكتشف أنه وصل إلى هذه النتيجة متأخرًا.
إن وجود مشكلة أو عدة مشاكل في الحياة الزوجية أمر طبيعي ولا شيء فيه؛ فهذه هي طبيعة الحياة التي لا تخلو من المشاكل والهموم. الأمر غير الطبيعي هو أن ننكر وجود المشكلة رغم شكوى الطرف الآخر منها، ونتهمه بأنه يختلق أشياء لا أساس لها في الواقع، أو أن نعترف بيننا وبين أنفسنا بوجود المشكلة، ولكننا رغم ذلك لا نهتم بها ولا نسعى إلى حلها. كذلك من غير الطبيعي أن نتعامل مع أعراض المشكلة وليس مع المشكلة نفسها، فعلى سبيل المثال، لو أن الإنسان منا أصيب بارتفاع في درجة الحرارة، فتناول الأدوية المخفضة لدرجة الحرارة، دون أن يعالج السبب الذي أدى إلى هذا الارتفاع - كوجود التهاب فيروسي أو عدوى ما - سترتفع درجة الحرارة مجددًا لديه،
وربما يتفاقم الوضع بعد أن يزيد الالتهاب، وهذا ما لا يوَفق فيه بعض الأزواج حين يتعاملون - بحسن نية - مع أعراض المشكلة، ولا يلتفتون إلى المشكلة نفسها.
إن المشكلة وإن كانت صغيرة لابد من علاجها واستئصال أسبابها لأن تراكم المشكلات الصغيرة يصنع جبالا من المشكلات المستعصية، وهذه المشكلات الصغيرة كالبركان الذي يشتعل في الخفاء، ثم سرعان ما ينفجر ليتسبب في معظم الانهيارات التي تحدث في البيوت، وهذا ما يؤكده ديل كارنيجي حين قال: " إن الصغائر في الحياة الزوجية يسعها أن تسلب عقول الأزواج والزوجات وتسبب نصف أوجاع القلب التي يعانيها العالم.
ومن هنا ندرك أن المرأة بحاجة إلى أن يلتفت الزوج إلى ندائها المتكرر له، وأن ينظر إلى شكواها بعين الاعتبار، وأن يقوم بالمبادرة لإنهاء ما يؤلمها نفسيًا، وألا يضرب بشكواها عرض الحائط؛ حتى لا تتراكم آثار المشاكل لديها، ثم يأتي اليوم الذي تضرب فيه هي عرض الحائط بحياتها معه.
احمل طبقا تحمل لك تقديرًا
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في خدمة أهل بيته، يساعدهم ويعاونهم، ويخفف عنهم.
فقد سُئلت السيدة عائشة - رضي الله عنها- ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصنع في أهله. قالت: "كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة."[11]
المراة تحتاج إلى أن يُظهر الرجل قدرًا من التعاون ولو في أمور بسيطة، كي تشعر بمشاركته لها، وتعاونه معها، والمرأة تتأثر كثيرًا حين لا تجد التعاون من زوجها وخاصة في تلك الأمور التي تتطلب مشاركة الزوج أو قيام الزوج بها، فهناك من الاحتياجات المنزلية ما تحتاجه المرأة ولا تستطيع عمله بمفردها، فربما تشتكي الزوجة من تعطل أحد أدوات أو أجهزة المنزل الضرورية فلا يهتم الزوج بإحضار المتخصص لإصلاح ما تعطل، فتضطر الزوجة لإحضاره، وربما حل الظلام بالبيت لأن بعض المصابيح الكهربائية قد تعطلت أو لأن هناك بعض الخلل في كهرباء المنزل، ومع ذلك لا يفكر الزوج في إصلاح مثل هذه الأعطال.
وربما غرقت أرض المطبخ في المياه، وتغيرت رائحة المنزل نتيجة لأعطال في سباكة المنزل، وهو لا يفكر في إحضار العامل لإصلاحها.
وقد تحتاج الزوجة إلى حمل بعض الأشياء الثقيلة في المنزل والتي لا تستطيع حملها بمفردها، ولكن الزوج لا يفكر في معاونتها، بل تضطر هي لحملها بمفردها، ويكاد ظهرها يُكسر بينما هو يجلس أمام شاشة التلفاز ولا يعبأ بها!
وقد تحتاج الزوجة إلى مساعدة زوجها لها في مذاكرة بعض الدروس لأبنائهما وخاصة في بعض المواد الدراسية التي قد تكون الزوجة غير ملمة بها في حين قد تكون هذه المواد من صميم تخصص الزوج فإذا به يترك هذه المهمة لزوجته!
إن مثل هذه الأمور الضرورية تحتاج الزوجة إلى أن يقوم بها الزوج عن طيب خاطر دون أن تظل تركض وراءه أياما طالبة المساعدة والعون.
وهناك كذلك بعض المساعدات البسيطة التي ليست من صميم مهام الرجل في المنزل، وهي كذلك لن تخفف عن الزوجة كثيرًا، ولكن- رغم ذلك - تحب المرأة أن يعاونها فيها زوجها من وقت لآخر حسب استطاعته وقدرته اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مما يدخل السرور إلى قلبها، ويجعلها تزداد تقديرًا له، وارتباطًا به، كمشاركته لها في مساعدة الأولاد في
ارتداء ملابسهم عند الخروج، أو حمل الأطباق أثناء إعداد الطعام في يوم إجازته، أو أي من هذه الأمور اليسيرة التي تجعل تقدير المرأة لزوجها يزداد بشكل كبير.النساء بحاجة إلى أن يُظهر الرجل قدرًا من التعاون في البيت، إن فسد شيئا أصلحه، وإن احتاجت الزوجة إلى المساعدة في بعض الأمور لم يأنف من إبداء المساعدة، وإن احتاج الأبناء إلى مساعدة أبيهم هرول إليهم مساعدًا.
النساء يحتجن إلى مثل هذه الأمور البسيطة في حين يغفلها بعض الرجال، وينظر إليها البعض الآخر على أنها تتعارض مع رجولتهم، وأنها من مهام النساء فقط!
النساء يتكلمن والرجال لا يصغون
من أهم ما يثير الضيق في نفوس الكثير من الزوجات، عدم إنصات الأزواج لهن، فقد تقص الزوجة على زوجها أحدات يومها، وتطلب منه المشورة والرأي في أمر ما، أو تقص عليه أحد المواقف التي تعرضت لها، وهي تضحك وتشعر أن هذا الموقف مُضحك، أو على النقيض تمامًا، تحكي قصة قد حدثت لها وهي تكاد تبكي، أو وهي تبكي بالفعل، وبعد كل هذا تسأل زوجها عن رأيه فيما حدث، أو تنتظر منه كلمة تفاعل معها، فإذا به ليس معها، ولا يعرف عمّا كانت تتحدث!
تُرى ما الشعور الذي سينتاب الزوجة في مثل هذا الموقف؟
حتما ستشعر الزوجة بالضيق الشديد، وربما بدأت سلسلة الاتهامات الداخلية والتي تدور بين المرأة ونفسها ربما بدأت في الظهور:
لماذا لا يتحاور زوجي معي؟! لماذا لا يهتم بما أقول؟! من المؤكد أنه لا يهمه أمري، وربما بدأ يمل من الجلوس معي والاستماع إليَّ.
وهكذا تبدأ سلسلة الشكوك والظنون، وتبدأ معها سلسلة الشجارات والمشاكل.
وبديهي أن تغضب الزوجة في مثل هذه المواقف، بل بديهي أن يغضب أي إنسان يتحدث مع من يحب فإذا بالطرف الآخر لا يتفاعل معه، ولا يستمع إليه، ويُظهر الملل من الاستماع إليه، ويتعجل إنهاء الحوار.. إنه رد فعل محبط، ويبعث على الضيق والغضب!
وبتكرار مثل هذا الموقف تتأزم العلاقات الإنسانية وتنهدم جسور المحبة، ويفشل التواصل الاجتماعي والإنساني بين الزوجين.
إن الإنصات فن، ومن امتلك هذا الفن امتلك قلوب من حوله وأسرها، وجعل من حوله يعشقون التواصل معه. والإنسان المنصت هو الذي يقرأ الكلمات في عينيِّ المتكلم قبل أن ينطق بها فمه، ويتفهم مشاعره، ويتفاعل معها بحب، ويُقبل على مُحدثهِ ببصره وأذنه وقلبه. وهذا الإنصات يجنّبه الكثير من المشاكل التي تقع بينه وبين من يحب.
إن الإنصات بحب من أسهل وأيسر الوسائل لامتلاك قلوب من حولنا وخاصة قلب المرأة.
ولو أن الرجال تأملوا سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - لفعلوا مثل ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة عائشة - رضي الله عنها - حين قصت عليه قصة أبي زرع، فإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا جميعا فن الإنصات عمومًا وفن الإنصات إلى الزوجات خصوصًا،
حين استمع إليها ولم يكتف بالاستماع فقط، بل علق على كلامها بحب وحنان وكلام رائع ينم عن فهم عميق لطبيعة المرأة، ولاحتياج الزوجة في مثل هذا الوقت، فها هي السيدة عائشة - رضي الله عنها- تحكي في حديث طويل رواه البخاري قصة مجموعة من النساء، اجتمعن وبدأت كل واحدة منهن تتحدث عن زوجها، وتخبر صديقاتها عن عيوبه ومميزاته، حتى بدأت إحداهن في الحديث عن زوجها السابق أبي زرع الذي كان يحبها كثيرًا ويعاملها برفق وحنان، ويغدق عليها بالحب والتدليل، ويعاملها بكرم واسع، فإذا به في النهاية يطلقها، ويتزوج بأخرى.
فإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ينصت للسيدة عائشة رضي الله عنها، بل ويستمع إليها بحب واهتمام، ولا يقاطعها أثناء حديثها الطويل، ولا يضايقه طول الحديث، وخاصة أن الحديث عن أخبار النساء وأحوالهن مع أزواجهن وهو حديث لا يهم الرجال بأي حال من الأحوال.
ربما لو قصت إحدى الزوجات مثل هذا الحديث الطويل على زوجها لتحوّل عنها ببصره وسمعه، ولكن ها هو النبي القدوة يعلم أمَّته فن الإنصات، ويعلم الرجال فن الاستماع إلى الزوجات، والتفاعل مع ما يحكينه بهدوء وسعة صدر.
والزوجة تحتاج كذلك ألا يسفه الزوج من كلامها، وألا يحقره، فبعض الرجال يُسفهون من كلام زوجاتهم، ويعتبرون كلامهن من السخافات التي لا تستحق التحاور، بل وربما يسخرن من كل كلمة تقولها الزوجة، أو من طريقة الحديث، أو من طبيعة الكلام الذي تتحدث عنه الزوجه مما يجرح مشاعرها، ويجعلها تعزف عن التحاور مع الزوج وتفضل الصمت والعزلة بمرور الوقت.
وإذا كانت الزوجة تحتاج من الزوج أن يستمع إليها، وألا يحقر كلامها، وأن يهتم بما تقول، فهي في الوقت نفسه تحتاج من الزوج أن يكسر حاجز الصمت بينه وبينها، وأن يتحاور معها، ويكشف لها مكنون صدره، وأن يجعلها تشاركه أفراحه وأتراحه، فبعض الرجال يغلب على شخصيتهن الطبيعة الصامتة، والرجل الصامت يبدو لزوجته لغزًا محيرًا، يقلقها ويبعث الضيق والحيرة في نفسها.
قد تكون طبيعة الزوج الهدوء وحب الصمت، وعدم القدرة على فتح أبواب الحوار مع الزوجة ليس بغضًا لها، أو نفورًا منها، بل لأن هذه هي طبيعته، وهذه هي شخصيته، فإذا كانت هذه هي طبيعة الزوج فمن الجميل أن تتفهم الزوجة هذه الطبيعة، وألا تطالبه بتغييرها، وألا تحمله فوق طاقته. ولكن من الجميل أيضًا أن يحترم الزوج رغبة زوجته
في الاستماع إليه، فيحاول الخروج من دائرة الصمت من حين لآخر، والتحدث معها قدر الإمكان، ومع الوقت سيجد جسور التواصل بينه وبين زوجته قد بُنيت، وأن الحوار أصبح موصولا بينه وبين زوجته، وأنها لم تعد تشتكي من صمته، بل باتت تحترم هذا الصمت.
النساء مثلهن مثل إي إنسان - رجلا كان أو امرأة، طفلا كان أو شابًا، أو شيخًا كبيرًا - بحاجة إلى أن يستمع إليهن من يتكلمن معه، وأن يتفاعل مع هذا الكلام، وخاصة إذا كان المستمع هو الزوج، وبحاجة أكثر إلى عدم التقليل من شأن كلامهن.
المرأة بحاجة إلى أن يخرج الزوج من دائرة صمته قدر استطاعته؛ لتظل قنوات الحوار مفتوحة بينها وبينه.
معانٍ عظيمة ما أحوجنا إليها
الآمان والطمأنينة معنيان عظيمان ستظل المرأة دائما بحاجة إلى الشعور بهما، وسيظل الزوج هو المصدر الأول للأمان بالنسبة إلى المرأة. والرجل الذي يمنح زوجته كل معاني الأمان هو الأعظم في نظرها، وهو الإنسان الوحيد الذي يستحق أن تذوب المرأة فيه حبًا، وأن ترى فيه كل سمات الرجولة.
والأمان عند المرأة يظهر في احتياجها إلى الشعور بأنها تعيش مع رجل يتحمل مسؤوليات أسرته، ويعرف كيف يقود الحياة الأسرية، بحكمة ووعي وعقل وبصيرة.. رجل يحميها من مخاطر الحياة وهمومها.. رجل تنام وهي مطمئنة أن بجوارها من يمكنها الاعتماد عليه بعد الله - عز وجل - وإلى جانب هذه المعاني العظيمة لا يكتمل الشعور بالأمان عند المرأة إلا عند استشعارها بأنها تعيش في كنف زوج يغض بصره، ويحفظ جوراحه، ولا يتحول بقلبه ومشاعره عنها.
وهذا لأن المرأة بطبيعتها ينتابها من وقت لآخر مشاعر القلق على حياتها مع من تحب، وعلى مكانتها في قلبه، هذا القلق ربما يجعلها تجلس مع زوجها تحكي له حكايات شتى عن أزواج تخلوا عن زوجاتهم في منتصف الطريق، وكيف أثر ذلك على زوجاتهم.
إن المرأة حين تحكي ذلك وتقصه على مسامع زوجها، فهي في غالب الأمر لا تشك في زوجها، ولكنها تفتح له قلبها، وتكشف له عن مخاوفها وقلقها، وتنتظر منه أن ينشر في قلبها دفء الإحساس بالأمان والطمأنينة.
وذلك ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما قصت عليه السيدة عائشة - رضي الله عنها - حديث أبي زرع: " فأخبرها بأنه لها كأبي زرع لأم زرع، إلا أنه لا يطلقها"
أي أنه مثله في الألفة والوفاء، لا في الفرقة والجفاء.
لقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - مقصد السيدة عائشة - رضي الله عنها - من هذ الحديث الطويل، وأنها بحاجة إلى الشعور بشيء من الأمان والاطمئنان كعادة كل النساء، فأرضاها بهذه الكلمات الطيبة، وطمأن قلبها.
إن السيدة عائشة - رضي الله عنها - تعلم أن النبي يحبها حبًا كبيرًا، وتعرف مكانتها في قلبه، وكذلك تعلم خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوفاء إلا أن ذلك كله لم يمنع مشاعر القلق من أن تنتابها على حياتها مع حبيب قلبها.
الأمان مطلب عظيم لا يفارق عقل وقلب المرأة ولكن بعض الرجال لا ينتبهون إلى أهمية هذا المطلب لدى المرأة، فيثيرون قلقها بأمور قد تبدو بسيطة في نظرهم بينما هي
عظيمة في نظر المرأة، فبعض الرجال ليس لديهم في حياتهم الزوجية أيسر من التهديد بالطلاق عند كلا خلاف أو نقاش أو حوار!
والبعض الآخر يعتبر الحلف بالطلاق أسهل الطرق لفرض ما يريد على زوجته!
وبعضهم قد يحلو له إثارة غيرة زوجته وقلقها بالحديث عن جمال الأخريات من النساء، وعن رجال تخلوا عن زوجاتهم ليتزوجوا من أخريات! وكل هذه الأمور تدمر شعور المرأة بالأمان، وتجعلها تعيش في قلق مستمر. والرجل حين يفعل ذلك يزرع الشوك في حياته الزوجية، ويثير فيها زوابع وعواصف عاتية قد تدمرها وتحولها من روضة هادئة يانعة إلى حياة مقفرة موحشة، مملوءة بالتوتر والقلق والشك والعصبية والشجار.
إن الشعور بالأمان مطلب أساسي لكل امرأة، فالمرأة لا تستطيع أن تعيش في هدوء، أو أن تُشعر زوجها وأسرتها بالهدوء والسكينة وهي تفتقد هذا الهدوء بداخلها الذي سببه لها عدم إحساسها بالأمان.
الأمان غاية كل النساء فهل فكرت يوما أن تسأل نفسك إذا كانت شريكة حياتك ورفيقة قلبك تشعر معك بالأمان أم لا؟
من أي الأنواع أنت؟
الرجال في نظر النساء أنواع، وحين سألنا بعض النساء عن أنواع الرجال في نظرهن جاءت هذه السطور معبرة عن وجهة نظرهن، وعن مشاعرهن.
رجل تحترمه المرأة وتقدره
إنه الرجل الذي يعدل في الغضب والرضا.. إن غضب لم ينس لزوجته مواقفها الطيبة معه، وأن رضي لمن ينس أن يعبر عن هذا الرضا، وإن حدثت بينهما مشكلة لم يُظهرها وكأنها كتلة من العيوب تمشى على الأرض، ولم يتجهم وينقلب حاله معها، بل هوسريع الرضا، سريع العفو، فإن اختلف مع زوجته وضع نفسه موضعها، فأنصف نفسه وأنصفها.
إنه الرجل الذي يقدر مسؤوليته في منزله، ويتحمل متطلبات القوامة بكل رجولة.
الرجل الذي تعود أن يحترم المرأة كأم وأخت وزوجة، فلم نره يومًا وقد امتد يده على زوجته، مستغلا ضعفها وقوته.
الرجل الذي يحافظ على كرامة زوجته كما يحافظ على كرامته، فكرامتها جزء من كرامته، وسعادتها جزء من سعادته.. إن أحب زوجته أكرمها وإن كرهها لم يهنها.
رجل يعرف كيف يعطي كل ذي حق حقه، فهو لا يعق أمه من أجل زوجته، ولا يظلم زوجته من أجل أمه.
الرجل الذي لا يعرف الظلم طريقا إلى بابه، فإن شاء القدر أن يتفرق هو وزوجته لم يظلمها، ولم يتعنت معها، ولم يتعمد أن يرهق أعصابها، ويبدد أوقاتها في السعي وراءه طلبا للانفصال، أو الحصول على نفقة الأطفال، فهو رجل بكل ما تحويه الكلمة من معنى، إنه رجل جدير بالاحترام حتى وإن كانت الزوجة لا تحمل له مشاعر الحب.
رجل تشعر معه المرأة بالأمان
اجتمعت أراء معظم من وجهنا لهن هذا السؤال بأن الرجل الذي تشعر معه المرأة بالأمان هو الرجل الملتزم الذي يتقى الله، ويخافه، ويراعي حدوده.
الرجل الذي يعرف أن الإسلام ليس عبادات فحسب، وأن الأخلاق جزء لا يتجزأ من الإسلام، فهو كما يؤدي عباداته ويحافظ عليها، ففيه من أخلاق المسلم ما يجعله يعامل المرأة كما أمره الإسلام.
الرجل الوفي الذي لا يسمح لعينيه أن تنظر إلى ما حرم الله في حضور أو غياب زوجته، ولا تلتفت عيناه يمينًا ويسارًا خلف أجساد النساء.
رجل لا يخفي نقوده حتى لا تعلم زوجته عنها شيئا، بل يُشعر الزوجة دائما أن ماله هو مالها.
ليس له وجهان فهو عند الشقاق مثله عند الوفاق.
يعامل أمه كأحسن ما تكون المعاملة، حتى وإن كانت امرأة شديدة متعنته، فهو يودها ويصلها ويبرها، ويسعى لإرضائها، لا تراه الزوجة يوما وقد جفا أمه وقاطعها لأي سبب من الأسباب.
رجل تعشقة المرأة وحبه يسرى في دمها
إنه الرجل الذي يُغلف قلبه الحب، ويتعامل بالرحمة، ولاتعرف القسوة طريقا إلى قلبه.
إنه الزوج الذي يعرف كيف يغازل أنوثة زوجته، ويداعب مشاعرها من حين لآخر، ويُشعرها أنها المرأة الوحيدة التي تسكن قلبه.
رجل يحتوى زوجته بحب، يشاركها أفراحها، ويخفف عنها أحزانها، ويقف إلى جوارها في لحظات الابتلاء فيحيطها بحبه ورعايته.
الرجل الذي يسعى للرقي بزوجته، ويشاركها أحلامها، وطموحاتها، ويسعى دومًا لإسعادها.
الذي لا يفشي أسرار زوجته، ولا يتتبع أخطاءها، ويصفو سريعا، ويغفر لها تقصيرها.
الزوج الذي يقدِّر كبرياء زوجته مهما تذللت بين يديه، ويقدر ضعفها أمامه ولايستغل هذا الضعف لإذلالها.
الرجل الذي لا يتلفظ لسانه بكلمة من شأنها أن تترك جراحا في قلب زوجته، فهو عذب اللسان، لم يجرب أن ينعت زوجته بألقاب أو ألفاظ تسيء إليها.
رجل تكرهه النساء
رجل بذيء وسليط اللسان، إن تكلم كان السباب أول كلامه، وإن دخل المنزل انقلب المنزل رأسا على عقب، فصمت المتكلمون، وعبس الضاحكون، وخاف الآمنون، وحلت الكأبة في المكان.
رجل بخيل على أهل بيته.. بينه وبين الكرام عداء.. يحسب كل شيء بالورقة والقلم.. يُنفق على نفسه ولا ينفق على أهله.
رجل يتهم المرأة دومًا في أنوثتها، ويشعرها بأنها لا ترضيه كأنثى، ويناديها بأقبح الأسماء، ويلقبها بألقاب مهينة.
الرجل الخائن الذي تتجول عيناه فاحصة كل النساء من حوله.
الذي يتصيد الأخطاء، ولا يرى حسنات زوجته، ولا يرى فيها سوى العيوب.
الرجل الذي يتعمد تحطيم آمال وأحلام زوجته المشروعة، والذي يقلل من شأن أي نجاح تحققه زوجته.
هذه هي نظرة النساء إلى بعض أنواع الرجال. تُرى من أي الأنواع أنت في نظر زوجتك، وكيف تحب أن تكون نظرة زوجتك إليك؟
رسالة إلى زوجي الحبيب
لقد حملت لنا صفحات هذا الكتاب الكثير من القصص المؤلمة، والتي توضح أسوا الصفات التي تضايق الزوجات من أزواجهن، وما كان ذلك رغبة منا في رسم صورة سلبية للرجل، فالرجل الحق تنطق أخلاقه ومواقفه برجولته، ولكننا كنا نحاول أن ننقل صورًا واقعية من بيوتنا، إلا أن هذا لا ينفي وجود الحب والرحمة والحكمة والرقي والإنسانية في قلوب وعقول الكثير من رجالنا، ولا ينفي كذلك وجود الحالات التي تعشق فيها الزوجة زوجها حتى آخر لحظات عمرها؛ لأنه عرف كيف يحتويها ويسعدها، وعرف كيف يسكن قلب امرأته ويجعلها مفتونة به.
وسأقص هنا بعض هذه القصص الواقعية التي تكشف الستار عن رجال رائعين أحبتهم زوجتهم أشد الحب.
كانت تقول له دومًا أنها تتمنى أن تموت بين ذراعيه؛ ليكون آخر وجه تراه وجهه هو، وليكون آخر عهدها بالحياة أن تكون في حضن حبيبها، وأن يدخلا الجنة معًا.
كانت تعشقه بكل قطرة في دمها؛ لأنه كان زوجًا يحمل كل معاني العقل المبصر، وكل سمات القلب الحنون.. خفف عنها آلامها، وأدخل البهجة إلى أيامها، واحتوى مشاعرها، ولم يجرح قلبها، ولم يفكر في إهانتها طوال فترة زواجهما.
زوجة أخرى لم يمنعها كبر سنها من أن تتغزل في زوجها على مسمع من كل الحاضرات. هي سيدة تعدت الخمسين من عمرها.. ظلت تشكر في زوجها، وتتكلم عن عظيم حبها له، تقول بحب: عَوَّدني زوجي في يوم إجازته أن أستيقظ على صوته الحنون، ولمساته الدافئة، وقد أعد لي طعام الإفطار، وأحضره لي، وكأننى عروس في بداية زواجها، فعلى مدى سنين طويلة، لم ينس زوجي هذه العادة الرائعة.
إنه يعاوننى دومًا كلما تيسر له ذلك، أعود من السوق مُتعبة، فإذا به يصر على أن أرتاح أنا ويتحمل عنى هو متطلبات البيت في ذلك اليوم.
كم كانت تثور ثائرتي في بداية زواجي فإذا به يهدئ ثورتي ويحتوينى حتى جعلنى أخجل من أن يرتفع صوتي في وجوده.
لقد منحنى الحب والحنان والتقدير.. لم أسمع منه ذات يوم كلمة تقلل من شأني وأنا المرأة الأمِّية وهو الرجل المتعلم.
زوجة إخرى أحبت زوجها حبًا عظيمًا،وتقول إنها مهما أحبته فهي بحاجة إلى أن تحبه أكثر، ولو شكرته فهي بحاجة إلى المزيد من الكلمات لكي تشكره أكثر، فكم ساعدها لكي تكمل تعليمها.. كم جلس إلى جوارها يعاونها في مراجعة دروسها.
كان دومًا يحترم آراءها، ويأخذ بها إن كانت صحيحة، كم أغدق عليها بالحب والحنان، وجعلها تشعر وكأنها الأنثى الوحيدة في هذا الكون.
إطلالة أخرى على قلب محب، أحب حبيبه حتى امتلأ قلبه بالحب، تقول هذه الزوجة: زوجي في نظري ليس مثل باقي الرجال؛ نعم هو في نظري مختلف، وسيظل هكذا في نظري إن شاء الله؛ إنه الدليل الذي يأخذ بيدى نحو الجنة برفق، كم يتعلق قلبي به أكثر حين يوقظنى لصلاة ركعتين في جوف الليل، فأصلي خلفه، وأشعر بدموعه وهي تنساب على وجنتيه من شدة خشوعه لله عز وجل.
إنه يأخذ بيدي دومًا إلى طريق الخير، وإن وجد منى كسلا ألهب حماسي بكلماته الرقيقة ولمساته الحنونة.
حين يغيب عن البيت يصبح البيت كئيبا، وحين يعود إلينا يمتلئ البيت فرحًا وسرورًا.
وجوده حياة لكل من في البيت، وغيابه يُشعرنا بأننا نفتقد الكثير؛ فهو الذي يُدخل البهجة إلى قلوبنا، ويعلمنا شعائر ديننا، ولا ينسى نصيبنا من الدنيا، فهو دائم اللعب والمرح معنا، إننى أعشق كرمه الشديد، فهو كريم في أخلاقه.. كريم في عواطفه.. كريم في إنفاقه.
البسمة لا تفارق وجهه، والحنان لا يفارق قلبه، والحكمة لا تفارق عقله، فهو يستحق أن أحمل له كل الحب والتقدير.
قصة أخرى تجسد فيها الحب بكل معانيه الطيبه.. قلبان اجتمعا على الحب.. زوج منح زوجته أجمل المشاعر، فكانت النتيجة أن حملت له الزوجة كل الحب والوفاء في حياته وبعد مماته، وسجلت الزوجة الأستاذه نورا نجم قصة حبها في كتاب - رسالة إلى العالم الآخر – والذي نقلت لكم منه بعض السطور التي تكشف عن حسن خُلق هذا الزوج الرائع نسأل الله له الرحمة والمغفرة ..تقول الكاتبة:
أنت أعظم رجل عرفته ، وليس هذا لأنك زوجي، فكم من زوجة تلعن زوجها، بل وتتمنى نهايته، وكما قلت من قبل، لم تكن زوجًا فقط، كنت رجلا بكل معنى الكلمة، وكنت كل معانى الأمان والشهامة والاحتواء.
توقظنى في الصباح مرات عديدة، وتعد لي القهوة، وطعامًا للإفطار، كم مرة كنت متعبة فأعددت لي العشاء، كم مرة عدت من عملك ومعك وجبة جاهزة من أجلي.
لا يأتي صديق أو قريب إلا وتخبره أني هدية الله لك، لكن لم يعلم الجميع أنك أنت هدية الله لي ، كم وقفت بجانبي حتى تخرجت، كم حرف كتبته لي وعلمتنى إياه!
صوَّرتك في يوم وأنت تعد مشروع التخرج الخاص بي، أتعرف.. أنا اليوم أدعو لك بعدد هذه الأحرف، وعدد ما قدمت لي، وعدد اللحظات السعيدة أن يمن الله عليك بأضعافها ملايين من المغفرة والرضا والرحمات، فأنت عظيم ورمز العطاء في حياتي.
أذهب لحضور درس في أحد المساجد، فأخرج لأجدك في انتظاري دائما، رغم أن المسجد على بُعد خمس دقائق من المنزل، لكنك مُصرٌّ أن لا تتركنى أسيرا أبدًا على قدميَّ.
مررت اليوم على المسجد الذي كنا نذهب إليه ، كم سرنا كثيرًا في هذا الشارع سويًا، كنت تصمم أن تأخذني لصلاة الجمعة معك، حببتنى في الصلاة، كنت تأخذني معك حتى لصلاة الفجر.
كنت تهتم بكل شيء يخصنى، كنت تساعدنى حتى في تمشيط شعري.كان أي شيء بسيط يتغير فيّ، أو في البيت، لابد وأن تُثنى عليه. ربما نظفت الغرفة فتشكر لي ذلك، وإذا تركت التراب لأسابيع، أكتب عليه بعض الرسائل العاطفية حتى لا أسمع منك كلمة.. لو مرضت تحيطنى بكل وسائل الرعاية.. حتى أننى كل ما أمرض أدعو لك.
كنت تتقرب من كل من يخصنى.. أسرتي.. أهلي.. كان أول سؤال تسأله لي حين نخرج: لأي مكان؟ لمن تودين الذهاب؟ ثم تذكر أهلي أولا يليهم أهلك، يليهم أي مكان آخر على أن أختاره أنا.
انتهى كلام الزوجة، ولكن لم تنته دعواتها لزوجها بعد رحيله، لم ينته حبها له، ولم تنته أحلام كثير من النساء اللاتي قرأن عن خلق هذا الزوج والذي تأسى بقدوتنا نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فتمنين أن يتعلم أزواجهن فنون الرجولة الحقيقية، وفن معاملة النساء، الذي لم يعد يتقنه الكثير من الرجال سوى مع زميلات العمل .. أما في بيوتهم فلا يعرفون لهذا الفن أية عنوان!
النساء بحاجة إلى أن يدرك الرجال أنهن لسن قطع أثاث في المنزل لا شعور لهن ولا إحساس، بل هن قلب ينبض بالحب، وزهر يحتاج أن يرتوي بماء الاهتمام، فهل يسمع الأزواج خفقان هذه النبضات؟
زهور من بستان الحب
ها نحن قد وصلنا إلى بداية نهاية هذا الكتاب، ولكننا لا يمكن أن نختم هذا الكتاب قبل أن نهدي كل زوج هدية رقيقة لو أحسن تقبلها كانت نعم الهدية، ونعم العطية في حياته الزوجية.. إنها نفحات من عطر النبوة.. إذا نحن بها اقتدينا اهتدينا، وفي بساتين السعادة تنعمنا.
بداية نقول لك ما قيل: " من أراد الوصول، فعليه بالأصول"
وأنت إن أردت الوصول إلى قلب زوجتك، وإلى سعادتك، فعليك بالأصول، ولن تجد من يعلمك أصول الحياة الزوجية، وأصول معاملة النساء أفضل من نبيك - صلى الله عليه وسلم - فمن مواقفه العظيمة في حياته الزوجية، يمكننا أن نتعلم ونعرف كيف نعيش حياتنا بسعادة وحب بإذن الله.
وخلال تجولنا في بستان النبوة، قطفنا لك بعض الزهور اليانعة، لنهديها إليك. قطفنا لك بعض الزهور الرقيقة من بستان أعظم زوج عرفته البشرية.. من بستان ذلك القبس المشع نورًا، والقلب المملوء رحمة وحنانًا وعطفًا وتدليلا.
الزوج الذي كان نعم الزوج.. كان في خدمة أهله.. يُداعبهم ويلاعبهم.. يحنو عليهم ويُدللهم.. يفقههم في دينهم ويُعلمهم.. يصبر على لحظات الضعفِ والغضبِ التي تعتريهم.. فيوجههم بحب.. ويعاملهم برفق ولا يقسو عليهم.
إنها نفحات من بستان الرجل الذي لو سار على دربه كلُ الرجال ما تعست بيوتنا، ولا غمرها طوفان المشاكل، فلتجعل أيها الزوج الفاضل من هذه الزهور باقة ورد في عقلك وقلبك، وكلما تعثرت حياتك الزوجية، عُد إلى هذه الباقة، وانظر إلى جمالها وتنفس بعضا من نسيم عبيرها، وحتمًا سيلهمك الله كيف تخرج من هذه العثرة بخير وسلام.
لحظات دافئة
في بستان بيت الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير والكثير من اللحظات الدافئة.. لحظات الحب، والحنان، والرومانسية العملية، تلك اللحظات التي تتمنى كل امرأة أن تعيش في ظلالها؛ لتكون لقلبها نعم الزاد في حياتها الزوجية.
تقول السيدة عائشة - رضي الله عنها-: " كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاهُ على موضع فيَّ، فيشرب، وأتعرقُ العَرْقَ وأنا حائض، ثم أناوله النبي - صلى الله عليه وسلم - فيضع فاهُ على موضع فيَّ."[12]
والعرق: هو العظم عليه بقية من اللحم، وأتعرق أي أخذ عنه اللحم بأسناني.
يالها من رومانسية رائعة! النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعامل مع زوجته بحب وحنان وتدليل.. يرسل إليها رسائل رومانسية برقة بالغة، وحب جارف، تشرب فيضع فمه على الموضع الذي شربت منه، وتأكل فيضع فمه على الموضع الذي أكلت منه!
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّلُ إحدى نسائه وهو صائم" [13]
ما أروع تلك القبلات التي يهديها الزوج إلى زوجته وهو صائم، أي وهو أبعد ما يكون عن الشهوة، إنها قبلات الحب والحنان والمودة والرحمة!
مثل تلك اللحظات الدافئة تجعل قلب المرأة أسيرًا لدى زوجها. فهل أهديت زوجتك مثل تلك اللحظات الدافئة؟ وهل أرسلت إلى قلبها مثل هذه الرسائل الرومانسية من حين لآخر، أم أنك كنت ترسل إليها هذه الرسائل الرقيقة في بداية زواجكما ثم أصبح الأمر بعد ذلك نسيا منسيا؟
وهل تتذكر زوجتك بقبلات حانية بعيدة عن الرغبة الجسدية أم أنك لا تتذكرها سوى في تلك اللحظات؟!
تدليل رقيق
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمتدح زوجته عائشة قائلا: " فضلُ عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام." [14]
قال القاضي: فضل الثريد لسرعة استساغته، والتذاذه، وإشباعه، وتقديمه على غيره من الأطعمة التي لا تقوم مقامه.
هكذا كانت عائشة - رضي الله عنها – في بستان البيت النبوى وردة مدللة يناديها زوجها بأحب الأسماء، ويصفها بأجمل الأوصاف، فكان يدللها، ويقول لها: يا عائش.
فكم للتدليل من أثر في النفوس، وخاصة لدى المرأة التي تعشق تدليل زوجها لها، وتطرب نفسها بسماعه، وتتمنى ألا يفارق سمعها، فهذه الكلمات الرقيقة تظل تتردد في أذن المرأة حتى وهي وحدها، فتُسر نفسها ويسعد قلبها بها، إنها لفتات بسيطة، ولكن كم
من زوج لا يهتم بمثل هذه اللفتات البسيطة، ولا يدرك أهميتها وأثرها في نفس المرأة، فنجد الزوج ينادي زوجته يا أم فلان وكأن اسمها أصبح وصمة عار يجب أن تختفي!
مرح في بيت النبوة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسترنى بردائه، وأنا أنظرُ إلى الحبشةِ يلعبون في المسجد، حتى أكون أنا التي أسأم"[15]
وعنها أيضا قالت: " كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء بينى وبينه، تختلف أيدينا عليه! فيبادرنى فأقول: دع لي، دع لي."[16]
وعن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر قالت: "فسابقتهُ فسبقتهُ على رجليَّ، فلمّا حملت اللحم سابقته فسبقنى"، فقال: "هذه بتلك."[17] ما أجملها من مداعبات، وما أرقها من مواقف، وما ألطفه من مرح، في بيت الزوجية!
النبي - صلى الله عليه وسلم- يخفف عن زوجته حتى لا يدخل الملل إلى قلبها، فيسترها بردائه، ويجعلها تشاهد ما هو مباح من اللهو، ويلاعبها ويداعبها، ويمرح معها حتى في وقت الاغتسال!
كيف سيكون حال البيت الذي يبعث فيه الزوج مثل هذا الجو من المرح والدعابة واللطف، فهو الذي يبادر بالمرح، وهو الذي يعرض على زوجته اللعب، وهو الذي يشيع جو المرح ويدخل السرور إلى قلب زوجته؟
النبي - صلى الله عليه وسلم - يسابق السيدة عائشة - رضي الله عنها - ويلعب معها.. لا يلعب فقط بل ويتفاعل بحميمية، ويعاود اللعب مرة أخرى بعد فترة، ويضاحكها، ويتواصل معها بحب وإيجابية رائعة. والجميل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لعائشة: "هذه بتلك" كانت هذه الكلمات تحمل في طياتها لمسة رائعة من نبينا، وكأنه يقول لزوجته: ما زلت أذكر ذكرياتنا معًا، وهذه المرة التي تسابقنا فيها منذ فترة، ولم أنسها.
إنه حديث عذب حول الذكريات اللطيفة، وكأني به يريد أن يقول لها، ما زلت معكِ بنفس الحال التي كنا عليها، رغم مرور كل هذا الوقت، فما زلت أداعبكِ، وألاعبكِ وأدخل السرور إلى قلبكِ.
وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تلهيه متاعب الرسالة وأثقالها عن إدخال السرور إلى قلب زوجته، ولا تمنعه مكانته السامقة من اللعب مع زوجته ومداعبتها. إنه يعرف طبيعة
المرأة التي تأنس بزوجها حين يكون لطيفًا ودودًا، مشيعًا لجو المرح في بيته، ويتعامل مع هذه الطبيعة وفق ما يناسبها.
بل لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يراعي ما تحبه زوجته من لعب ومرح فكان يُسرب إليها صديقاتها ليلعبن معها!
عن عائشة - رضي الله عنها - أنها كانت تلعب بالبنات عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قالت: وكانت تأتينى صواحبي فكن ينقمعن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسربهن إليَّ." [18]
ينقمعن: أي يتغيبن في البيت حياء وهيبة من النبي صلى الله عليه وسلم.
يسربهن: أي يرسلهن. قال النووي: "وهذا من لطفه عليه السلام وحسن معاشرته."
وهذا الفهم الواعي لطبيعة الحياة الزوجية وما يجب أن يكون عليه الزوج في بيته هو نفس المنهج الذى سار عليه الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه يقول- :" ينبغي أن يكون الرجل في أهله مثل الصبي، فإذا التمسوا ماعنده وجدوه رجلا."
وجوده لا يقيدها
ورد في الحديث الصحيح، عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان، في أيام مِنى، تُغنيان وتضربان، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُسجي بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عنه، وقال: " دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد."[19]
هذا الحديث به لمحة رائعة تكشف عن الوجود اللطيف للرجل في بيته، فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لا يقيد من في البيت، بل يتركهم يستمتعون بأوقاتهم في حدود ما شرعه الله – عزوجل - ويجعلهم يفرحون بأيام العيد، ويقضون وقتا لطيفا يخفف عنهم، ويُدخل السرور إلى قلوبهم، فياليت من يحوِّل العيد إلى نكد، ويُحرم أهل بيته من الفرحة المشروعة ليته ينظر إلى مواقف النبي صلى الله عليه وسلم فيتعلم منها.
فهم دقيق لمشاعر المرأة
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إني لأعلم إذا كنت عني راضية، وإذا كنت علي غضبى، قالت فقلت من أين تعرف ذلك؟
فقال: أما إذا كنت عني راضية فإنك تقولين لا ورب محمد. وإذا كنت علي غضبى قلت لا ورب إبراهيم. قالت: قلت أجل والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك.[20]
لمحة تحمل داخلها كل معاني الإنسانية الرائعة. إنها لمحة تهم كل امرأة، بل وتشتاق إليها كل النساء اللائي حرمن من هذا الفهم الرائع. فها هو خير الأزواج يخبر زوجته بأنه يقرأ مشاعرها، ويعرف متى تكون راضية عنه ومتى تكون غاضبة منه، حتى وإن لم تتحدث عن غضبها. إنه يعرف مشاعرها من نظراتها وتصرفاتها وطريقة تعاملها معه. وهكذا هو الزوج المسلم يعرف كيف يقرأ مشاعر زوجته ويقدر هذه المشاعر ويعرف كيف يتعامل معها.
إن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يلم زوجته لأنها تغضب منه فتهجر اسمه، بل أخبرها بأنه يعرف وقت غضبها ووقت رضاها، فما القول في هؤلاء الرجال اللذين يكبتون مشاعر زوجاتهم، فلا يحق للزوجة أن تغضب أو تحزن أو تعترض. وإذا غضبت الزوجة ذات مرة لأي سبب من الأسباب، قلب الزوج الدنيا رأسًا على عقب واتهمها بقائمة لا حصر لها من الاتهامات، وكأنه ليس من حقها أن تحزن أو تغضب كما يحدث لباقي البشر!
يحب لها ما يحب لنفسه
عن أنس - رضي الله عنه- قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه."[21]
هذا التوجيه النبوي الذي علمنا إياه النبي - صلى الله عليه وسلم - نطق به سلوكه في بيته ومع زوجاته، فكما أن الرجل يحب أن يرى من زوجته كل جميل وأن يراها على أحسن صورة، وكما يحب ألا يرى منها أي قبيح وألا يشم منها إلا أطيب ريح، فالمرأة تحتاج من الرجل نفس
الشيء، لأنها يسرها منه ما يسره منها، وتنتظر منه ما ينتظره منها. وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتجمل لزوجاته ويتطيب لهن، فإذا دخل بيته بدأ بالسواك. عن شريح قال " قلت لعائشة - رضي الله عنها - بأي شيء كان يبدأ صلى الله عليه وسلم إذا دخل بيته، قالت بالسواك." [22]
وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرد العطر ويتعطر رغم أن عرقه كان أطيب من رائحة المسك.
وهذا السلوك النبوي هو السلوك الذي تربى عليه الصحابة وانتهجوه، وقد كان عبد الله بن عباس - رضي الله عنه – يقول: "إني لأحب أن أتزين لامرأتي كما أحب أن تتزين لي."
وهذا السلوك قد لا يلتفت إليه الكثير من الأزواج ولا يعبأون به ويظنون أنه ليس من الأهمية بمكان لدى المرأة ولكن الحقيقة غير ذلك، فهناك بعض الأمور التي تحتاج إليها المرأة كما يحتاج إليها الرجل. فكم من زوجة كرهت اقتراب زوجها منه بسبب رائحة عرقه المنفرة وفمه الذي امتلأ برائحة السجائر، فبات اقتراب أنفاسه من أنفاسها أصعب اللحظات لديها.
قلب صاف وعقل حكيم
ورد من حديث النعمان بن بشير أنه قال "جاء أبو بكر يستأذن على النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمع عائشة وهي رافعة صوتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فأذن له فدخل، فقال يا ابنة أم رومان وتناولها. أترفعين صوتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال فحال النبي - صلى الله عليه وسلم- بينه وبينها. قال فلما خرج أبو بكر جعل النبي -صلى الله عليه وسلم - يقول لها يترضاها: ألا ترين أني قد حلت بين الرجل وبينك؟
قال: ثم جاء أبو بكر فاستأذن عليه فوجده يضاحكها فأذن له فدخل فقال له أبو بكر يا رسول الله أشركاني في سلمكما كما أشركتماني في حربكما." [23]
حين نقرأ سطور هذه القصة التي حدثت في بيت النبوة نرى فيها أروع معاني العقل والحب والصفاء والرحمة. فهاهو النبي -صلى الله عليه وسلم - حين تعامل مع هذه المشكلة لم ينهر عائشة، ولم يقل لها كيف ترفعين صوتك عليَّ وأنا رسول الله، ولم يشتكها إلى أبيها،
بل لم يرض أن ينهرها أبوها أو يضربها أو يعنفها، وحال بينها وبين أبيها حين حاول أن يعنفها. ثم إذا بالنبي بعد خروج أبي بكر يسترضي زوجته، ولا يجد حرجا أو غضاضة في ذلك ولم تمنعه مكانته ولا نبوته ولا رجولته من استرضاء زوجته. ثم بعد ذلك وفي لحظات يصفو قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - وسرعان ما تعود الضحكات الجميلة تملأ البيت.
ترى كيف حالك في خلافك مع زوجتك؟ هل تنشر صحيفة بمساوئها أمام الأصدقاء؟ هل تنهرها أو تضربها أو تسبها أو تطردها إلى بيت أهلها؟ أو تجيش عليها الجيوش من أهلك وأهلها، وتستغل عدم قدرتها على الدفاع عن نفسها وتظلمها وتضيع حقها؟
هل تحدث المشكلة فيعبس وجهك وتظل أيامًا طويلة مخاصمًا لها متجنبًا الكلام معها أم إنها لحظات ثم يعود البيت إلى ما كان عليه من حب ودفء وهدوء؟
رفقا بالقوارير
عن أنس -رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -كان في سفر وكان غلام يحدو بهن يقال له أنجشة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- "رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير."[24]
يالها من كلمات رائعة، ورقة بالغة، وحرص على النساء اللاتي تشبه طبيعتهن الزجاج، أبسط الأشياء تكسره، وإصلاحه من الصعوبة بمكان. وإن تم إصلاحه فستبقى بعض الآثار عليه تذكرنا بذلك الكسر.
هي رسالة رقيقة وقوية من النبي صلى الله عليه وسلم لكل رجل أن رفقا بالقوارير من كل ما يخدش جدار قلوبهن ويجعل الحزن يصاحبهن..رفقا بالنساء من دموع تسكن عيونهن. .رفقا بالنساء فلا تحملونهن فوق طاقتهن.. رفقا بالنساء لأنهن أسيرات لديكم فلا تستغلوا أسرهن.
ما أروعك يا نبي الرحمة حين ترسل هذه الكلمات إلى الرجال. كلمات تجمع كل ما تريده المرأة من الرجل. فهل استجاب الرجال إلى نداء نبيهم؟
وهل في ذلك عيب؟!
عندنا نرجع إلى السيرة العطرة نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمع من زوجاته، ويأخذ بآرائهن إن كانت صوابا. وخير مثال على ذلك ما حملته لنا كتب السيرة حول صلح الحديبية وما حدث فيه. فحين عقد الصلح بين المسلمين ومشركي قريش في عام الحديبية طلب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أصحابه أن ينحروا هديهم، ويحلقوا رؤوسهم، ولكن الصحابة لم يستجيبوا لأمر نبيهم. فكررها النبي عليهم ثلاث مرات، وتكرر امتناعهم. فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخاف على الصحابة أن ينالهم غضب من الله فتوجه إلى زوجته أم سلمة - رضي الله عنها - وقص عليها ما حدث فأشارت عليه أن يخرج إليهم وينحر هديه ثم يحلق رأسه حتى يفعلوا مثله حين يرون منه ذلك. وبالفعل استجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعل ما أشارت به عليه ولما رأى الصحابة ذلك أسرعوا ونحروا هديهم وحلقوا رؤوسهم.
وهذه رسالة إلى الأزواج مغزاها أنه لا حرج في أن يشاور الزوج زوجته وأن يتبادلا الآراء ووجهات النظر وأن يأخذ الزوج برأيها إن كان صوابا بكل تقبل وحب.
رجل وأكثر من زوجة
نحن النساء نقف عند مواقف الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته ونقرأ سطورها بكل سعادة وفخر. ومن أكثر ما يسعد النساء هذا العدل الذي نراه في مواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - مع زوجاته؛ لأن كثيرات من النساء يعانين من عدم عدل الأزواج معهن رغم أن رجالهن ليسوا ممن تزوجوا بأخرى أو أخريات، ولكنهم رغم ذلك لا يؤدون حق الزوجة كما فرضه الله عليه.
لقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - له أكثر من زوجة، فلم يضيِّع على أي واحدة منهن جزءا يسيرًا من حقها، وكان يعدل بينهن في كل أمور الحياة، ولا يفرق بينهن.
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن يخرج أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها النبي -صلى الله عليه وسلم." [25]
وحين مرض النبي - صلى الله عليه وسلم - واشتد عليه المرض أحب أن يمرض في بيت عائشة، فاستأذن باقي زوجاته حتى لا يكون في وجوده في بيتها ظلم لهن. كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في شدة المرض ومع ذلك لم ينسه مرضه مبدأ العدل بين زوجاته. تقول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها- : عَائِشَةَ، قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدَّ بِهِ وَجَعُهُ، اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي، فَأَذِنَّ لَهُ [26]
أين هذه الأخلاق الرائعة من حال بعض الأزواج اليوم والذي أن تزوج بزوجة جديدة نسي رفيقة الدرب، ونسي العشرة ووضع العدل في طي النسيان؟!
أين ذلك من بعض الرجال الذين يغدقون على إحدى زوجاتهم بالمال ويتركون الأخرى لينفق عليها أهلها أو لتخرج إلى العمل فتنفق على نفسها دون رحمة أو مروءة.؟!
نهاية في حضن الحب
حين كان النبي - صلى الله عليه وسلم- في اللحظات الأخيرة من حياته في هذه الدنيا، كان رأسه الشريف في حضن زوجته عائشة - رضي الله عنها- فمات على هذه الحال. وكانت السيدة عائشة تقول: " إن من نعم الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته." [27] كانت نهاية النبي صلى الله عليه وسلم في حضن زوجته التي أحبها قلبه، فكان نهاية عهده بالحياة أن لمس جسده الطاهر جسدها لتكون هذه النهاية رسالة رائعة تحمل بين طياتها كل معاني الحب والتقدير للزوجة.
رسالة تقول لكل زوجة أنت عظيمة في حياة زوجك حتى وإن لم يشعر هو بذلك.. أنت عظيمة حين تتقين الله، وتحتوين زوجك، فتكونين له خير معين وخير حبيب.
هذه بعض الزهور أهديناها إليك أيها الزوج من بستان النبوة. زهور تكشف لنا أسرار السعادة الزوجية، وكيف يمكن للرجل أن يجعل من بيته جنة في هذه الأرض، وكيف
يمكن له أن ينعم بالسعادة وينعِّم فيها أهله. ولو أردنا أن نتعمق داخل هذا البستان النضر لوجدنا فيه المزيد من الورود المتفتحة التي تملأ حياتنا أريجًا.
أسأل الله أن تتفتح قلوب وعقول الأزواج وتستقبل هذه الزهور بقلب محب، وعقل واع كي تعود السعادة الهاربة من البعض إلى بيوتهم، ويستيقظ الحب النائم من غفوته، ويستوطن قلوبهم من جديد.
همسات من القلب
أخي بعد أن تجولنا معًا في بستان النبوة نود أن نبث لك هذه الهمسات التي لا غنى للمرأة عنها لنختم بها هذا الكتاب. ولقد جاءت أغلب هذه الهمسات على لسان من تحدثنا معهن من النساء:
المرأة الصالحة لا يهمها أن يكون زوجها كثير المال، له قدر كبير من الجمال، أو يكون قد وصل في العلم أو الجاه إلى أعلى الدرجات، ولكن يهمها أن يكون لزوجها وجه طليق ولسان عذب رقيق.
قد يزول الحب من قلب امرأتك وتتلاشى مكانتك لديها إذا وجدتك رجلا قاسيًا متعنتًا ولكن الحب يدوم وينمو إذا كان قلبك أرضًا خصبة تنبت منها زهور الرحمة والحنان.
لا تكثر من نقد زوجتك وتحقير ذوقها، فكثرة النقد تزرع البغض في النفوس، وتذكر المقولة التي تقول لا تطعن في ذوق زوجتك فقد اختارتك أنت.
اقبل عذر زوجتك إن جاءت إليه معتذرة، فهذا أدعى لدوام المحبة والوفاق، ولا تستغل دينها ولينها ورقة قلبها لتخاصمها عند كل فعل هين، فهذا مما يغيِّر مشاعر زوجتك نحوك.
قيل "إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع" وهذا الأمر أمنية تتمناها الكثيرات من النساء، فكم من زوج يبالغ في طلباته، ويتعنت في أوامره، ويكلف المرأة فوق طاقتها، فرفقا بزوجتك، وكلفها ما يمكنها فعله؛ حتى تنعم بطاعتها لك ورضاها عن حياتها معك.
تذكر أن بعض الكلمات أشعة من نور، وبعضها مثل القبور، وكم من كلمات تُحفر في عقل المرأة فلا تستطيع أن تنساها على مر الزمن، وكلما تذكرتها عادت إليها تلك المشاعر السيئة التي صاحبت تلك الكلمة, فالمرأة لا تفارق ذاكرتها مثل هذه الكلمات مهما مر الزمن. فلتحرص على أن تحفر في ذهن زوجتك كلمات طيبة رقراقة.
أغلب حالات الانفصال بين الأزواج تكون بسبب افتقاد المرأة لمشاعر الحب من زوجها وعدم إشباعها عاطفيًا، فلتشبع زوجتك عاطفيًا كما تحب أن تشبعك هي عاطفيا.
حاول أن تشارك زوجتك أحلامها وأفكارها وأن تحترم رغباتها وألا تقلل من شأن ما تفعله وأن تشجعها على الارتقاء بنفسها دينيا وثقافيا وإنسانيا.
عامل أهل زوجتك كما تحب أن تعامل هي أهلك، ولتكن إلى جوارهم في السراء والضراء. فالزوجة يزيد تقديرها لزوجها حين يهتم بأهلها، فتراه وهو يشاركهم أفراحهم، ويعزيهم في مصابهم، ولا يمنعها عنهم، بل يشجعها على صلتهم.
احرص على مشاركة زوجتك تربية أبنائكما وتوجيههم، ولا تقصر كل دورك في الأسرة على إمداها بالمال وحسب لأنك زوج وأب وشريك حياة وليس حافظة نقود متنقلة.
من أشد ما يؤلم المرأة ويثير غيظها الرجل الذي لا ينطق بكلمات الحب والغزل سوى في لحظات اللقاءات الزوجية الخاصة فقط، وما عدا ذلك فهو لا يعرف شيئا عن الحب أو التغزل في زوجته.
ما أروع هذا الرجل الفاضل الذي حملت لنا الكتب قصته! أراد هذا الرجل أن يطلق زوجته فسألوه عن السبب فأجاب: العاقل لا يهتك ستر امرأته. فلما طلقها سألوه: ما الذي كان يريبك منها؟ فقال: ومالي وامرأة غيري؟!
قصة رائعة تكشف لنا عن رجل يتمتع بخلق عظيم، ورجولة رائعة، وهكذا هو الرجل المسلم الذي يتأسى بخلق نبيه، فلا يذكر عيوب زوجته على الملأ أمام الآخرين بل يستر عيوبها ويدافع عنها في غيبتها.
همسة أخيرة
ها نحن قد انتهينا من رحلتنا إلى قلب وعقل المرأة، فهل أدركت أخي الفاضل كيف تفكر المرأة، وهل أدركت طبيعة مشاعرها؟
هل أدركت ما الذي تتمنى المرأة أن تجده في شريك حياتها، ورفيق قلبها، وما الذي لا تستطيع أن تستغنى عنه؟ وما الذي تبغضه وتبغض ان يتصف به زوجها؟
هل أدركت لماذا تجد بيتك أحيانا ينعم بالحب والحنان، وأحيانا أخرى يعُج بالمشاكل والشجار؟
أخي، زوجتك هي وصية حبيبك إليك.. هي وصية نبيك حين أوصى كل رجل أن يستوصي بالنساء خيرا.
لقد كانت آخر وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم- أن يتقي الرجال ربهم في النساء.. فاتق الله في زوجتك.. اتق الله في شقائق الرجال.. لا تظلمها واستوص بها خيرًا حتى تكون ممن حفظ وصية حبيبه، وحتى يبارك الله لك في حياتك، ويُدخل السعادة إليها.
أخي، تعاون مع زوجتك على طاعة الله فحياتكما وسعادتكما بيد الله وحده، إن قويت علاقتكما بالله ستظلل السعادة قلوبكما وبيتكما. وإذا رأيت من زوجتك ما يضايقك فلترجع إلى الله، فقد كان السلف إذا رأى أحدهم من زوجه نفورًا، أو عصيانًا، أرجع السبب في ذلك إلى ذنوبه، وقد قال بعضهم: " إنى لأرى أثر معصيتى في خُلق دابتى وزوجتي."
نسأل الله أن يوفقنا لمافيه الخير والصلاح لبيوتنا، وأن يرزقنا القدرة على إسعاد أزواجنا، وأن يرزقهم القدرة على إسعادنا.
خاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، لك الحمد يارب في الأولين والآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
اللهم هذا جهد مقل فإن كان خير فهو منك، وإن كان غير ذلك فهو من نفسي و من الشيطان فاغفر لي وارحمنى.
للتواصل مع الكاتبة
البريد الالكتروني:
redagenedy@yahoo.com
قناة الكاتبة على التلجرام
https://telegram.me/redaalgeneedy
صفحة الفيس بوك
https://m.facebook.com/Reda.Geneedy
المصادر والمراجع
القرآن الكريم
صحيح البخاري
صحيح مسلم
سنن أبي داود
سنن النسائي
سنن الترمذي
مسند الإمام أحمد
إحياءعلوم الدين
تفسير الطبري
محاضرة الطريق إلى السعادة الزوجية. الشيخ محمد حسان
الطلاق البدعي في القرآن. د/ الحسنين عبد الفتاح عبد الرحمن الشافعي
رسالة إلى العالم الآخر. نورا نجم
الفهرس
الموضوع
رقم الصفحة
إهداء
4
تقريظ
5
المقدمة
7
من هنا نبدأ
8
دعها على ما خلقها الله عليه
13
أوقات عصيبة
19
عقول الرجال وأجساد النساء
24
ليكن وجودك حقيقيا
32
نظرة بعين الإنصاف
34
القوامة النائمة
40
جزء منها فلا تقطعه
45
نار وجليد
48
أجمل ما تحتاجه المرأة
52
شهد الحب
57
ما لن تقوله زوجتك لك
60
هل رصيدك يكفي
66
اشغلها بالحق كي لا تنشغل بالباطل
71
صارحها ولا تجرحها
74
حين يتصارع الملوك
77
لماذا تغيرت زوجتي
78
نساء متعبات
83
الاختراق قبل الاحتراق
87
احمل طبقا تحمل لك تقديرا
92
النساء يتكلمن والرجال لا يصغون
94
معان عظيمة ما أحوجنا إليها
100
من أي الأنواع أنت
103
رسالة إلى زوجي الحبيب
108
زهور من بستان الحب
114
همسات من القلب
131
همسة أخيرة
145
الخاتمة
146
التواصل مع الكاتبة
147
المراجع
139
الفهرس
140
[1] رواه البخاري
[2]رواه مسلم -
[3] سورة النساء (34)
[4] الطلاق (7)
[5] رواه مسلم
[6] متفق عليه
[7] رواه أبو داود
[8] رواه البخاري
[9] متفق عليه
[10] رواه مسلم
[11] رواه البخاري
[12] رواه مسلم
[13] رواه مسلم
[14] رواه البخاري
[15] رواه البخاري
[16] متفق عليه
[17] رواه أبو داود
[18] رواه مسلم
[19] رواه مسلم
[20] رواه البخاري
[21] متفق عليه
[22] رواه مسلم
[23] مسند الإمام أحمد
[24] رواه البخاري
[25] رواه البخاري
[26] رواه البخاري
[27] رواه البخاري