5. ج5. ج6. الروض الأنف
أولا ج5.الروض الأنف
رُجُوعُهُمْ إلَى النّبِيّ فِي حُكْمِ
الرّجْمِ
[ ص 423 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ
سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُحَدّثُ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيّبِ ، أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُمْ أَنّ أَحْبَارَ يَهُودَ
اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَقَدْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ إحْصَانِهِ
بِامْرَأَةِ مِنْ يَهُودَ قَدْ أُحْصِنَتْ فَقَالُوا : ابْعَثُوا بِهَذَا الرّجُلِ
وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ إلَى مُحَمّدٍ فَسَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْمُ [ ص 424 ] بِقَارِ
ثُمّ تُسَوّدُ وُجُوهُهُمَا ، ثُمّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَتُجْعَلُ
وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِ الْحِمَارَيْنِ - فَاتّبِعُوهُ فَإِنّمَا هُوَ
مَلِكٌ وَصَدّقُوهُ وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرّجْمِ فَإِنّهُ نَبِيّ ،
فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبَكُمُوهُ . فَأَتَوْهُ
فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ هَذَا رَجُلٌ قَدْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةِ
قَدْ أُحْصِنَتْ فَاحْكُمْ فِيهِمَا ، فَقَدْ وَلّيْنَاك الْحُكْمَ فِيهِمَا .
فَمَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَتَى أَحْبَارَهُمْ
فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَخْرِجُوا إلَيّ
عُلَمَاءَكُمْ فَأُخْرِجَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيَا . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنّهُمْ قَدْ أَخَرَجُوا
إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مَعَ ابْنِ صُورِيَا ، أَبَا يَاسِرٍ بْنَ أَخْطَبَ وَوَهْبَ
بْنَ يَهُوذَا ، فَقَالُوا : هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا . فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ حَصَلَ أَمْرُهُمْ إلَى أَنْ قَالُوا
لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ صُورِيَا : هَذَا مِنْ أَعْلَمِ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِنْ قَوْلِهِ " وَحَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ
- إلَى أَعْلَمِ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ ،
وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الّذِي قَبْلَهُ . فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ غُلَامًا شَابّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا
فَأَلَظّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْأَلَةَ
يَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ صُورِيَا ، أَنْشُدُك اللّهَ وَأُذَكّرُك بِأَيّامِهِ
عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُ أَنّ اللّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْدَ
إحْصَانِهِ بِالرّجْمِ فِي التّوْرَاةِ ؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ أَمَا وَاَللّهِ
يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنّهُمْ لَيَعْرِفُونَ أَنّك لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَكِنّهُمْ
يَحْسُدُونَك . قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ النّجّارِ . ثُمّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيَا ، وَجَحَدَ
نُبُوّةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 425 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { يَا أَيّهَا الرّسُولُ لَا
يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا
بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الّذِينَ هَادُوا سَمّاعُونَ
لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } أَيْ الّذِينَ بَعَثُوا
مِنْهُمْ مِنْ بَعَثُوا وَتَخَلّفُوا ، وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ
تَحْرِيفِ الْحُكْمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ . ثُمّ قَالَ { يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ
بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ
تُؤْتَوْهُ } أَيْ الرّجْمُ فَاحْذَرُوا إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ
بْنِ طَلْحَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرَجْمِهِمَا ، فَرُجِمَا بِبَابِ مَسْجِدِهِ
فَلَمّا وَجَدَ الْيَهُودِيّ مَسّ الْحِجَارَةِ قَامَ إلَى صَاحِبَتِهِ فَجَنَأَ
عَلَيْهَا ، يَقِيهَا مَسّ الْحِجَارَةِ حَتّى قُتِلَا جَمِيعًا . قَالَ وَكَانَ
ذَلِكَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
تَحْقِيقِ الزّنَا مِنْهُمَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ
كَيْسَانَ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ عُمَرَ ، لَمّا حَكّمُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِيهِمَا ، دَعَاهُمْ بِالتّوْرَاةِ وَجَلَسَ حَبْرٌ مِنْهُمْ يَتْلُوهَا ، وَقَدْ
وَضَعَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرّجْمِ قَالَ فَضَرَبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ
يَدَ الْحَبْرِ ثُمّ قَالَ هَذِهِ يَا نَبِيّ اللّهِ آيَةُ الرّجْمِ يَأْبَى أَنْ
يَتْلُوَهَا عَلَيْك ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَيْحَكُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ مَا دَعَاكُمْ إلَى تَرْكِ حُكْمِ
اللّهِ وَهُوَ بِأَيْدِيكُمْ ؟ قَالَ فَقَالُوا : أَمَا وَاَللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَ
فِينَا يُعْمَلُ بِهِ حَتّى زَنَى رَجُلٌ مِنّا بَعْدَ إحْصَانِهِ مِنْ بُيُوتِ
الْمُلُوكِ وَأَهْلِ الشّرَفِ فَمَنَعَهُ الْمَلِكُ مِنْ الرّجْمِ ثُمّ زَنَى
رَجُلٌ بَعْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجُمَهُ فَقَالُوا : لَا وَاَللّهِ حَتّى
تَرْجُمَ فُلَانًا ، فَلَمّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَأَصْلَحُوا
أَمْرَهُمْ عَلَى التّجْبِيَةِ وَأَمَاتُوا ذِكْرَ الرّجْمِ وَالْعَمَلَ بِهِ .
قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنَا أَوّلُ مَنْ
أَحْيَا أَمْرَ اللّهِ وَكِتَابَهُ وَعَمِلَ بِهِ ثُمّ أَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا
عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ : فَكُنْت فِيمَنْ
رَجَمَهُمَا .Sذِكْرُ
الْمَرْجُومَةِ مِنْ الْيَهُودِ
فَصْلٌ وَذَكَرَ الْمَرْجُومَةَ مِنْ الْيَهُودِ ، وَأَنّ صَاحِبَهَا الّذِي
رُجِمَ مَعَهَا حَنَا عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ لِيَقِيَهَا الْحِجَارَةَ . حَنَا
بِالْحَاءِ تَقَيّدَ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَكَذَلِكَ
فِي الْمُوَطّأِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى ، فَجَعَلَ يَحْنَى عَلَيْهَا ، وَفِي
الرّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ جَنَأَ بِالْجِيمِ وَالْهَمْزِ
وَعَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ فَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَالْجَنَاءُ الِانْحِنَاءُ
قَالَ الشّاعِرُ عَوْفُ بْنُ مُحَلّمٍ
وَبَدّلَتْنِي بِالشّطَاطِ الْجَنَا
وَكُنْت كَالصّعْدَةِ تَحْتَ السّنَانِ
وَفِي حُنُوّهِ عَلَيْهَا مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُمَا لَمْ يَكُونَا فِي
حُفْرَتَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي سُنّةٍ الرّجْمِ
وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَحِمَهُ اللّهُ أَنّهُ حَفَرَ لِشُرَاحَةَ بِنْتِ
مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّةِ حِينَ رَجَمَهَا . وَأَمّا الْأَحَادِيثُ فَأَكْثَرُهَا
عَلَى تَرْكِ الْحَفْرِ لِلْمَرْجُومِ وَاسْمُ هَذِهِ الْمَرْجُومَةِ بُسْرَةُ
فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ [ ص 424 ] أَنْزَلَ اللّهُ { وَكَيْفَ
يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ } الْآيَةُ إلَى قَوْلِهِ { يَحْكُمُ
بِهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسْلَمُوا } يَعْنِي مُحَمّدًا ، وَمَنْ حَكَمَ
بِالرّجْمِ قَبْلَهُ لِأَنّهُ حَكَمَ بِالرّجْمِ لِأُولَئِكَ الْيَهُودِ الّذِينَ
تَحَاكَمُوا إلَيْهِ والربانيون . يَعْنِي : عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلَامٍ وَابْنَ
صُورِيَا مِنْ الْأَحْبَارِ بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللّهِ لِأَنّهُمْ
حَفِظُوا أَنّ الرّجْمَ فِي التّوْرَاةِ ، لَكِنّهُمْ بَدّلُوا وَغَيّرُوا ،
وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ لِأَنّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ إلَى
قَوْلِهِ { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ } فَحَكَمَ بِالرّجْمِ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَذَا يُبَيّنُ لَك أَنّ
الرّجْمَ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا فَسّرَهُ مَالِكٌ فِيمَا بَلَغَنِي ،
وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلرّجُلَيْنِ لَأَحْكُمَنّ بَيْنَكُمَا
بِكِتَابِ اللّهِ فَحَكَمَ بِالرّجْمِ كَمَا فِي الْكِتَابِ الْمُنَزّلِ عَلَى
مُوسَى ، وَعَلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِمَا ، وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى
الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذَا ، وَالصّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا . [ ص 425 ] ابْنُ
هِشَامٍ فِي تَفْسِيرِ الْجَهْرَةِ بِقَوْلِ أَبِي الْأَخْزَرِ الْحِمّانِيّ .
وَاسْمُهُ قُتَيْبَةُ وَحِمّانُ هُوَ ابْنُ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ
مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، فَقَالَ يَجْهَرُ أَفْوَاهَ الْمِيَاهِ السّدُمِ
[ ص 426 ] يُقَالُ مَاءٌ سِدَامٌ إذَا غَطّاهُ الرّمْلُ وَجَمْعُهُ سُدّمٌ
وَجَمْعُهُ عَلَى سَدُمٍ غَرِيبٌ وَيُقَالُ أَيْضًا سِدَامٌ وَأَسْدَامٌ وَنَحْوٌ
مِنْ قَوْلِهِ يَجْهَرُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فِي أَبِيهَا .
وَاجْتَهَرَ لَهُمْ عَيْنَ الرّوَاءِ وَأَنْشَدَ فِي تَفْسِيرِ الْقَوْمِ وَأَنّهُ
الْبُرّ :
فَوْقَ شِيزَى مِثْلَ الْجَوَابِي عَلَيْهَا
قِطَعٌ كَالْوَذِيلِ فِي نِقْيِ فُوَمِ
[ ص 427 ] أَسْوَدُ تُصْنَعُ مِنْهُ الْجِفَانُ [ مُفْرَدُهَا : جَفْنَةُ وَهِيَ
الْقَصْعَةُ وَالْجَوَابِي : جَمْعُ جَابِيَةٍ الْحَوْضُ يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ
لِلْإِبِلِ ] ، وَالْوَذِيلُ جَمْعُ وَذِيلَةٍ وَهِيَ السّبِيكَةُ مِنْ الْفِضّةِ
. قَالَ الشّاعِرُ
وَتُرِيك وَجْهًا كَالْوَذْي
لة لَا رَيّانَ مُمْتَلِئٌ وَلَا جَهْمٌ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ أَلْفَيْت أَمْرَك ،
وَهُوَ أَشَدّ انْفِضَاحًا مِنْ حَقّ الْكُهُولِ . كَذَلِكَ رَوَاهُ الْهَرَوِيّ
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَةَ : الْكَهْدَلُ فَمَا زِلْت أَرُمّهُ بِوَذَائِلِهِ
وَأَصْلُهُ بِوَصَائِلِهِ حَتّى تَرَكْته عَلَى مِثْلِ فَلْكَةِ الْمَدْرِ . حَقّ
الْكُهُولِ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ وَكَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيّ قَالَهُ أَبُو
عُمَرَ الزّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَاقُوتِ كَمَا وَقَعَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ
لِلْقُتَبِيّ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ بْنُ الْقَزّازِ فِي الْكِتَابِ
الْكَبِيرِ قَالَ الْكَهْدَلُ الْعَنْكَبُوتُ وَقِيلَ فِي الْكُهُولِ إنّهُ ثَدْيُ
[ ص 429 ] وَقِيلَ فِي الْفُومِ إنّهُ الثّومُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ،
وَاحْتَجّ بِأَنّهُ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : وَثُومِهَا ،
وَلَا حُجّةَ فِي هَذَا لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النّبَاتِ أَنّ
الثّومَ هُوَ الْبُرّ ، وَأَنّهُ يُقَالُ بِالْفَاءِ وَبِالثّاءِ وَمِنْ الشّاهِدِ
عَلَى الْفُومِ وَأَنّهُ الْبُرّ قَوْلُ أَبِي أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ ،
وَقِيلَ هُوَ لِأَبِي مِحْجَنٍ الثّقَفِيّ قَدْ كُنْت أَغْنَى النّاسِ شَخْصًا
وَاحِدًا سَكَنَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ [ ص 430 ] قَالَ وَهُوَ
الْغَوْثُ بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ يُكَنّى أَبَا مَالِكٍ وَالْمَعْرُوفُ
غِيَاثُ بْنُ الْغَوْثِ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ وَسُمّيَ الْأَخْطَلَ
لِقَوْلِهِ لَعَمْرُك إنّنِي وَابْنَيْ جُعَيْلٍ وَأُمّهِمَا لَاسْتَارٌ لَئِيمُ [
ص 431 ] قِيلَ إنّ كَعْبَ بْنَ جُعَيْلٍ قَالَ لَهُ فِي خَبَرٍ جَرَى بَيْنَهُمَا
، وَالْأَخْطَلُ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ يُقَرْزِمُ أَيْ كَمَا يَبْتَدِي يَقُولُ
قُبّحَ ذَاكَ الْوَجْهُ غِبّ الْحُمّهِ فَقَالَ الْأَخْطَلُ وَلَمْ يَكُنْ
وَفَعَلَ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ أُمّهُ فَقَالَ جُعَيْلٌ إنّك لَأَخْطَلُ
ظُلْمُهُمْ فِي الدّيَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ،
عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ الْآيَاتِ مِنْ الْمَائِدَةِ الّتِي قَالَ اللّهُ
فِيهَا : { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ
فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنّ
اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } [ ص 426 ] بَنِي النّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي
قُرَيْظَةَ وَذَلِكَ أَنّ قَتْلَى بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ لَهُمْ شَرَفٌ
يُؤَدّونَ الدّيَةَ كَامِلَةً وَأَنّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا يُؤَدّونَ نِصْفَ
الدّيَةِ فَتَحَدّثُوا فِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَأَنْزَلَ اللّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الدّيَةَ سَوَاءً .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
قَصْدُهُمْ الْفِتْنَةَ بِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَابْنُ صَلُوبَا ، وَعَبْدُ
اللّهِ بْنُ صُورِيَا ، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ اذْهَبُوا
بِنَا إلَى مُحَمّدٍ ، لَعَلّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ فَإِنّمَا هُوَ بَشَرٌ
فَأْتُوهُ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ إنّك قَدْ عَرَفْت أَنّا أَحْبَارُ يَهُودَ
وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَأَنّا إنْ اتّبَعْنَاك اتّبَعَتْك يَهُودُ وَلَمْ
يُخَالِفُونَا ، وَأَنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ
أَفَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْك فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِك وَنُصَدّقُك
، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ عَلَيْهِمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ { وَأَنِ
احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَتّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ
وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ
تَوَلّوْا فَاعْلَمْ أَنّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ
ذُنُوبِهِمْ وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ
يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .
جُحُودُهُمْ نُبُوّةَ عِيسَى عَلَيْهِ
السّلَامُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
نَفَرٌ مِنْهُمْ أَبُو يَاسِرٍ بْنُ أَخْطَبَ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ،
وَعَازِرُ بْنُ أَبِي عَازِرٍ وَخَالِدٌ وَزَيْدٌ وَإِزَارُ بْنُ أَبِي إزَارٍ
وَأَشْيَعُ فَسَأَلُوهُ عَمّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ الرّسُلِ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ نُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى
إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ
مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِنْ رَبّهِمْ لَا نُفَرّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَلَمّا ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ
جَحَدُوا نُبُوّتَهُ وَقَالُوا : لَا نُؤْمِنُ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَلَا
بِمَنْ آمَنَ بِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ [ ص 427 ] { قُلْ يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلّا أَنْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَا
أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }
.
ادّعَاؤُهُمْ أَنّهُمْ عَلَى الْحَقّ
وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ ،
وَسَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، وَمَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ
فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ أَلَسْت تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ
وَدِينِهِ وَتُؤْمِنُ بِمَا عِنْدَنَا مِنْ التّوْرَاةِ ، وَتَشْهَدُ أَنّهَا مِنْ
اللّهِ حَقّ ؟ قَالَ بَلَى ، وَلَكِنّكُمْ أَحْدَثْتُمْ وَجَحَدْتُمْ مَا فِيهَا
مِمّا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمِيثَاقِ فِيهَا ، وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا
مَا أُمِرْتُمْ أَنّ تُبَيّنُوهُ لِلنّاسِ فَبَرِئْت مِنْ إحْدَاثِكُمْ قَالُوا :
فَإِنّا نَأْخُذُ بِمَا فِي أَيْدِينَا ، فَإِنّا عَلَى الْهُدَى وَالْحَقّ وَلَا
نُؤْمِنُ بِك ، وَلَا نَتّبِعُك ، فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { قُلْ يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التّوْرَاةَ
وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرًا
مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى
الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }
إشْرَاكُهُمْ بِاَللّهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
النّحّامُ بْنُ زَيْدٍ ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ،
فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ أَمَا تَعْلَمُ مَعَ اللّهِ إلَهًا غَيْرَهُ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا
هُوَ بِذَلِكَ بُعِثْت ، وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ
وَفِي قَوْلِهِمْ { قُلْ أَيّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ
بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ
وَمَنْ بَلَغَ أَئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ
لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنّنِي بَرِيءٌ مِمّا
تُشْرِكُونَ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ
أَبْنَاءَهُمُ الّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }
نَهْيُهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ
عَنْ مُوَادّتِهِمْ
وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ
أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ وَنَافَقَا فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
يُوَادّونَهُمَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { يَا أَيّهَا الّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ
الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتّقُوا
اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ ص 428 ] { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا
آمَنّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ
بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ } .
سُؤَالُهُمْ عَنْ قِيَامِ السّاعَةِ
وَقَالَ جَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ ، وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ، لِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا ، مَتَى تَقُومُ
السّاعَةُ إنْ كُنْت نَبِيّا كَمَا تَقُولُ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا
: { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا
عِنْدَ رَبّي لَا يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ
عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّهِ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لَا يَعْلَمُونَ
} [ الْأَعْرَافُ 187 ] .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { أَيّانَ مُرْسَاهَا } مَتَى مُرْسَاهَا . قَالَ قَيْسُ
بْنُ الْحُدَادِيّةِ الْخُزَاعِيّ
فَجِئْت وَمُخْفَى السّرّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
لِأَسْأَلَهَا أَيّانَ مَنْ سَارَ رَاجِعُ ؟
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَ { مُرْسَاهَا } مُنْتَهَاهَا ،
وَجَمْعُهُ مَرَاسٍ . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ الْأَسَدِيّ وَالْمُصِيبِينَ
بَابَ مَا أَخْطَأَ النّا سُ وَمُرْسَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا الْبَيْتُ
فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَمُرْسَى السّفِينَةِ حَتّى تَنْتَهِيَ . وَحَفِيّ عَنْهَا -
عَلَى التّقْدِيمِ وَالتّأْخِيرِ - يَقُولُ يَسْأَلُونَك عَنْهَا كَأَنّك حَفِيّ
بِهِمْ فَتُخْبِرُهُمْ بِمَا لَا تُخْبِرُ بِهِ غَيْرَهُمْ . وَالْحَفِيّ :
الْبَرّ الْمُتَعَهّدُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ { إِنّهُ كَانَ بِي حَفِيّا } [
مَرْيَمُ : 47 ] . وَجَمْعُهُ أَحْفِيَاءُ . وَقَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ :
فَإِنْ تَسْأَلِي عَنّي فَيَا رُبّ سَائِلٍ
حَفِيّ عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالْحَفِيّ أَيْضًا : الْمُسْتَحْفِي
عَنْ عِلْمِ الشّيْءِ الْمُبَالِغُ فِي طَلَبِهِ .
ادّعَاؤُهُمْ أَنّ عُزَيْرًا ابْنُ
اللّهِ
[ ص 429 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، وَنُعْمَانُ بْنَ أَوْفَى أَبُو أَنَسٍ
وَمَحْمُودُ بْنُ دِحْيَةَ وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، وَمَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ،
فَقَالُوا لَهُ كَيْفَ نَتّبِعُك وَقَدْ تَرَكْت قِبْلَتنَا ، وَأَنْتَ لَا
تَزْعُمُ أَنّ عُزَيْرًا ابْنُ اللّهِ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ
مِنْ قَوْلِهِمْ { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ
النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ
يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى
يُؤْفَكُونَ } [ التّوْبَةُ 30ْ ] إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { يُضَاهِئُونَ } أَيْ يُشَاكِلُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ
الّذِينَ كَفَرُوا ، نَحْوَ أَنْ تَحَدّثَ بِحَدِيثِ فَيُحَدّثُ آخَرُ بِمِثْلِهِ
فَهُوَ يُضَاهِيك .
طَلَبُهُمْ كِتَابًا مِنْ السّمَاءِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَضَاءٍ وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ،
وَعُزَيْرُ بْنُ أَبِي عُزَيْرٍ ، وَسَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، فَقَالُوا : أَحَقّ
يَا مُحَمّدُ أَنّ هَذَا الّذِي جِئْت بِهِ لَحَقّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَإِنّا لَا
نَرَاهُ مُتّسِقًا كَمَا تَتّسِقُ التّوْرَاةُ ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنّهُ
مِنْ عِنْدِ اللّهِ . تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ ، وَلَوْ
اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَا جَاءُوا بِهِ
فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَهُمْ جَمِيعٌ فِنْحَاصُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيَا
، وَابْنُ صَلُوبَا ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ
وَأَشْيَعُ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ، وَجَبَلُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ : يَا مُحَمّدُ أَمَا يُعَلّمُك هَذَا إنْسٌ وَلَا جِنّ ؟
قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا
وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَإِنّي لَرَسُولُ
اللّهِ تَجِدُونَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ ؛ فَقَالُوا : يَا
مُحَمّدُ فَإِنّ اللّهَ يَصْنَعُ لِرَسُولِهِ إذَا بَعَثَهُ مَا يَشَاءُ
وَيَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابًا مِنْ
السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفُهُ وَإِلّا جِئْنَاك بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ .
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ . [ ص 430 ] قَالُوا : { قُلْ لَئِنِ
اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ
لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [
الْإِسْرَاءُ 88 ] .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الظّهِيرُ الْعَوْنُ . وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ :
تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ أَيْ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ . قَالَ الشّاعِرُ
يَا سَمِيّ النّبِيّ أَصْبَحْت لِلَدَيّ
ن قَوّامًا وَلِلْإِمَامِ ظَهِيرًا
أَيْ عَوْنًا ؛ وَجَمْعُهُ ظُهَرَاءُ .
سُؤَالُهُمْ لَهُ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ،
وَأَبُو رَافِعٍ وَأَشْيَعُ وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ، لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ
سَلَامٍ حِينَ أَسْلَمَ : مَا تَكُونُ النّبُوّةُ فِي الْعَرَبِ وَلَكِنّ صَاحِبَك
مَلِكٌ . ثُمّ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلُوهُ
عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَصّ عَلَيْهِمْ مَا جَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى فِيهِ
مِمّا كَانَ قَصّ عَلَى قُرَيْشٍ ، وَهُمْ كَانُوا مِمّنْ أَمَرَ قُرَيْشًا أَنْ
يَسْأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ حِينَ بَعَثُوا
إلَيْهِمْ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ .
تَهَجّمُهُمْ عَلَى ذَاتِ اللّهِ
وَغَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّهُ قَالَ أَتَى
رَهْطٌ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ ؟
قَالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَقَعَ
لَوْنُهُ ثُمّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبّهِ . قَالَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ
السّلَامُ فَسَكّنَهُ فَقَالَ خَفّضْ عَلَيْك يَا مُحَمّدُ وَجَاءَهُ مِنْ اللّهِ
بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ
يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ الْإِخْلَاصُ 1 - 4
] . قَالَ فَلَمّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ قَالُوا : صِفْ لَنَا يَا مُحَمّدُ كَيْفَ
خَلْقُهُ ؟ كَيْفَ ذِرَاعُهُ ؟ كَيْفَ عَضُدُهُ ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشَدّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوّلِ وَسَاوَرَهُمْ .
فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ
أَوّلَ مَرّةٍ وَجَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ . يَقُولُ
[ ص 431 ] { وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسّماوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ } [ الزّمَرُ 67 ] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ يُوشِكُ النّاسُ أَنْ يَتَسَاءَلُوا
بَيْنَهُمْ حَتّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ
خَلَقَ اللّهَ ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا : { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ
اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ }
[ الْإِخْلَاصُ 1 - 4 ] . ثُمّ لِيَتْفُلْ الرّجُلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا ،
وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّمَدُ الّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ وَيُفْزَعُ إلَيْهِ
قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ مَعْبِدِ بْنِ نَضْلَةَ تَبْكِي عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ
وَخَالِدَ بْنَ نَضْلَةَ عَمّيْهَا الْأَسَدِيّيْنِ وَهُمَا اللّذَانِ قَتَلَ
النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ اللّخْمِيّ ، وَبَنِيّ الْغَرِيّيْنِ اللّذَيْنِ
بِالْكُوفَةِ عَلَيْهِمَا :
أَلَا بَكَرَ النّاعِي بِخَيْرَى بَنِي أَسَدْ
بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسّيّدِ الصّمَدْ .
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
ذِكْرُ نَصَارَى نَجْرَانَ وَمَا أَنَزَلَ اللّهُ فِيهِمْ
مَعْنَى الْعَاقِبِ وَالسّيّدِ وَالْأُسْقُفِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 3 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ نَصَارَى
نَجْرَانَ ، سِتّونَ رَاكِبًا ، فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ
أَشْرَافِهِمْ فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إلَيْهِمْ
يَئُولُ أَمْرُهُمْ الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ وَصَاحِبُ
مَشُورَتِهِمْ وَاَلّذِي لَا يُصْدَرُونَ إلّا عَنْ رَأْيِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ
الْمَسِيحِ وَالسّيّدُ لَهُمْ ثِمَالُهُمْ وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ
وَاسْمه : الْأَيْهَمُ ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ ، أَحَدُ بَنِي بِكْرِ
بْنِ وَائِلٍ ، أُسْقُفّهُمْ وَحَبْرُهُمْ إمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ .
مَنْزِلَةُ أَبِي حَارِثَةَ عِنْدَ مُلُوكِ الرّومِ
وَكَانَ أَبُو حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتّى حَسُنَ
عِلْمُهُ فِي دِينِهِمْ فَكَانَتْ مُلُوكُ الرّوم ِ مِنْ النّصْرَانِيّةِ قَدْ
شَرّفُوهُ وَمَوّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ وَبَسَطُوا
عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ
فِي دِينِهِمْ .
السّبَبُ فِي إسْلَامِ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ
فَلَمّا [ ص 4 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ نَجْرَانَ ، جَلَسَ أَبُو
حَارِثَةَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مُوَجّهًا ، وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ يُقَالُ
لَهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كُرْزٌ -
فَعَثَرَتْ بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ فَقَالَ كُوزٌ تَعِسَ الْأَبْعَدُ ، يُرِيدُ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ
بَلْ أَنْتَ تَعَسْت فَقَالَ وَلِمَ يَا أَخِي ؟ قَالَ وَاَللّهِ إنّهُ للنّبِيّ
الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ فَقَالَ لَهُ كُوزٌ مَا يَمْنَعُك مِنْهُ وَأَنْتَ
تَعْلَمُ هَذَا ؟ قَالَ مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ شَرّفُونَا
وَمَوّلُونَا وَأَكْرَمُونَا ، وَقَدْ أَبَوْا إلّا خِلَافَةً فَلَوْ فَعَلْت
نَزَعُوا مِنّا كُلّ مَا تَرَى . فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كُوزُ بْنُ
عَلْقَمَةَ ، حَتّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ . فَهُوَ كَانَ يُحَدّثُ عَنْهُ هَذَا
الْحَدِيثَ فِيمَا بَلَغَنِي .
رُؤَسَاءُ نَجْرَانَ وَإِسْلَامُ ابْنِ رَئِيسٍ مِنْهُمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي أَنّ رُؤَسَاءَ نَجْرَانَ كَانُوا
يَتَوَارَثُونَ كُتُبًا عِنْدَهُمْ . فَكُلّمَا مَاتَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ فَأَفْضَتْ
الرّيَاسَةُ إلَى غَيْرِهِ خَتَمَ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ خَاتَمًا مَعَ
الْخَوَاتِمِ الّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْهَا ، فَخَرَجَ الرّئِيسُ
الّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَمْشِي ،
فَعَثَرَ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ تَعِسَ الْأَبْعَدُ يُرِيدُ النّبِيّ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ لَا تَفْعَلْ فَإِنّهُ نَبِيّ ،
وَاسْمُهُ فِي الْوَضَائِعِ يَعْنِي الْكُتُبَ فَلَمّا مَاتَ لَمْ تَكُنْ
لِابْنِهِ هِمّةٌ إلّا أَنْ شَدّ فَكَسَرَ الْخَوَاتِمَ فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ
النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ
وَحَجّ وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا
مُخَالِفًا دِينَ النّصَارَى دِينُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْوَضِينُ الْحِزَامُ حِزَامُ النّاقَةِ . وَقَالَ هِشَامُ
بْنُ عُرْوَةَ : وَزَادَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ : مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا
جَنِينُهَا
فَأَمّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَأَنْشَدْنَاهُ فِيهِ .
صَلَاةُ النّصَارَى إلَى الْمَشْرِقِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 5 ] مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ
لَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حِينَ صَلّى الْعَصْرَ عَلَيْهِمْ
ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ فِي جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ
بْنِ كَعْبٍ . قَالَ يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ وَقَدْ
حَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُصَلّونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - دَعُوهُمْ فَصَلّوْا إلَى الْمَشْرِقِ .Sذِكْرُ نَصَارَى نَجْرَانَ وَمَا
أَنَزَلَ اللّهُ فِيهِمْ
قَدْ تَقَدّمَ أَنّ نَجْرَانَ عُرِفَتْ بِنَجْرَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ يُشْجَبَ
بْنِ يَعْرُبُ بْنِ قَحْطَانَ وَأَمّا أَهْلُهَا فَهُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ
كَعْبِ مِنْ مَذْحِجَ .
أَسَمَاءُ وَفْدِ نَجْرَانَ
وَمُعْتَقِدُهُمْ وَمُجَادَلَتُهُمْ الرّسُولَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَتْ تَسْمِيَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الّذِينَ
يَئُولُ إلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ الْعَاقِبُ وَهُوَ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالسّيّدُ
وَهُوَ الْأَيْهَمُ ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَنِي بَكْرِ بْنِ
وَائِلٍ ، وَأَوْسٌ وَالْحَارِثُ وَزَيْدٌ وَقَيْسٌ ، وَيَزِيدُ وَنُبَيّهٌ
وَخُوَيْلِدٌ وَعَمْرٌو ، وَخَالِدٌ وَعَبْدُ اللّهِ وَيُحَنّسُ فِي سِتّينَ
رَاكِبًا ، فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْهُمْ
أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ ، وَالْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالْأَيْهَمُ
السّيّدُ - وَهُمْ مِنْ النّصْرَانِيّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ مَعَ اخْتِلَافٍ
مِنْ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ هُوَ اللّهُ وَيَقُولُونَ هُوَ وَلَدُ اللّهِ
وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ . وَكَذَلِكَ قَوْلُ النّصْرَانِيّةِ .
فَهُمْ يَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " هُوَ اللّهُ " بِأَنّهُ كَانَ
يُحْيِي الْمَوْتَى ، وَيُبْرِئُ الْأَسْقَامَ وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ وَيَخْلُقُ
مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا ،
وَذَلِك كُلّهُ بِأَمْرِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً
لِلنّاسِ } وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " إنّهُ وَلَدُ اللّهِ "
بِأَنّهُمْ يَقُولُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يَعْلَمُ وَقَدْ تَكَلّمَ فِي
الْمَهْدِ وَهَذَا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ . [ ص 6 ]
كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إلّا فَعَلْت ، وَقَضَيْت ، وَأَمَرْت ، وَخَلَقْت ،
وَلَكِنّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَمُ . فَفِي كُلّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ
نَزَلَ الْقُرْآنُ - فَلَمّا كَلّمَهُ الْحَبْرَانِ ، قَالَ لَهُمَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْلِمَا ، قَالَا : قَدْ أَسْلَمْنَا ،
قَالَ إنّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا ، فَأَسْلَمَا ، قَالَا : بَلَى ، قَدْ أَسْلَمْنَا
قَبْلَك . قَالَ كَذَبْتُمَا ، يَمْنَعُكُمَا مِنْ الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا
لِلّهِ وَلَدًا ، وَعِبَادَتُكُمَا الصّلِيبَ وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ قَالَا :
فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ ؟ فَصَمَتَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَمْ يُجِبْهُمَاSتَأْوِيلُ كُنْ فَيَكُونُ
[ ص 4 ] ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَهُمْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ
أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ يَعْنُونَ عِيسَى ، فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { إِنّ
مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ } إلَى قَوْلِهِ { كُنْ فَيَكُونُ } وَفِيهَا
نُكْتَةٌ فَإِنّ ظَاهِرَ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ
قَالَ لَهُ كُنْ فَكَانَ فَيَعْطِفُ بِلَفْظِ الْمَاضِي عَلَى الْمَاضِي ، وَالْجَوَابُ
أَنّ الْفَاءَ تُعْطِي التّعْقِيبَ وَالتّسْبِيبَ فَلَوْ قَالَ فَكَانَ لَمْ
تَدُلّ الْفَاءُ إلّا عَلَى التّسْبِيبِ وَأَنّ الْقَوْلَ سَبَبٌ لِلْكَوْنِ
فَلَمّا جَاءَ بِلَفْظِ الْحَالِ دَلّ مَعَ التّسْبِيبِ عَلَى اسْتِعْقَابِ
الْكَوْنِ لِلْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ مَهَلٍ وَأَنّ [ ص 5 ] قَالَ لَهُ كُنْ فَإِذَا
هُوَ كَائِنٌ وَاقْتَضَى لَفْظُ فِعْلَ الْحَالِ كَوْنَهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ
قِيلَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى : إنّ آدَمَ مَكَثَ دَهْرًا طَوِيلًا ، وَهُوَ
طِينٌ صَلْصَالٌ وَقَوْلُهُ لِلشّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ يَقْتَضِي التّعْقِيبَ
وَقَدْ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ وَهِيَ سِتّةُ آلَافِ
سَنَةٍ فَأَيْنَ قَوْلُهُ كُنْ فَيَكُونُ مِنْ هَذَا ؟ [ ص 6 ] قَالَ أَهْلُ
الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنّ قَوْلَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ
كُنْ يَتَوَجّهُ إلَى الْمَخْلُوقِ مُطْلَقًا وَمُقَيّدًا ، فَإِذَا كَانَ
مُطْلَقًا كَانَ كَمَا أَرَادَ لِحِينِهِ وَإِذَا كَانَ مُقَيّدًا بِصِفَةِ أَوْ
بِزَمَانِ كَانَ كَمَا أَرَادَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الزّمَانِ الّذِي تَقَيّدَ
الْأَمْرُ بِهِ فَإِنْ قَالَ لَهُ كُنْ فِي أَلْفِ سَنَةٍ كَانَ فِي أَلْفِ سَنَةٍ
وَإِنْ قَالَ لَهُ كُنْ فِيمَا دُونَ اللّحْظَةِ كَانَ كَذَلِكَ .
تَفْسِيرُ مَا نَزَلَ مِنْ آلِ
عِمْرَانَ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافُ أَمْرِهِمْ
كُلّهِ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا ،
فَقَالَ جَلّ وَعَزّ { الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ }
فَافْتَتَحَ السّورَةَ بِتَنْزِيهِ نَفْسِهِ عَمّا قَالُوا ، وَتَوْحِيدِهِ
إيّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ رَدّا عَلَيْهِمْ مَا
ابْتَدَعُوا مِنْ الْكُفْرِ وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ وَاحْتِجَاجًا
بِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي صَاحِبِهِمْ لِيُعَرّفَهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتَهُمْ
فَقَالَ { الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ } لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ شَرِيكٌ فِي
أَمْرِهِ { الْحَيّ الْقَيّومُ } الْحَيّ الّذِي لَا يَمُوتُ وَقَدْ مَاتَ عِيسَى
وَصُلِبَ فِي قَوْلِهِمْ . وَالْقَيّومُ الْقَائِمُ عَلَى مَكَانِهِ مِنْ
سُلْطَانِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَزُولُ وَقَدْ زَالَ عِيسَى فِي قَوْلِهِمْ عَنْ
مَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ { نَزّلَ عَلَيْكَ
الْكِتَابَ بِالْحَقّ } أَيْ [ ص 7 ] { وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ }
التّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ، وَالْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ، كَمَا أَنَزَلَ
الْكُتُبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ { وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } وَالْإِنْجِيلَ
أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَحْزَابُ
مِنْ أَمْرِ عِيسَى وَغَيْرِهِ { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ
عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } أَيْ إنّ اللّهَ مُنْتَقِمٌ
مِمّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا ، وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا جَاءَ
مِنْهُ فِيهَا : { إِنّ اللّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا
فِي السّمَاءِ } أَيْ قَدْ عَلِمَ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَكِيدُونَ وَمَا
يُضَاهُونَ بِقَوْلِهِمْ فِي عِيسَى ، إذْ جَعَلُوهُ إلَهًا وَرَبّا ،
وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ غِرّةً بِاَللّهِ وَكُفْرًا بِهِ . {
هُوَ الّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } أَيْ قَدْ كَانَ
عِيسَى مِمّنْ صُوّرَ فِي الْأَرْحَامِ لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ وَلَا
يُنْكِرُونَهُ كَمَا صُوّرَ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا ،
وَقَدْ كَانَ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ ؟ ثُمّ قَالَ تَعَالَى إنْزَاهًا لِنَفْسِهِ
وَتَوْحِيدًا لَهَا مِمّا جَعَلُوا مَعَهُ { لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ } الْعَزِيزُ فِي انْتِصَارِهِ مِمّنْ كَفَرَ بِهِ إذَا شَاءَ
الْحَكِيمُ فِي حُجّتِهِ وَعُذْرِهِ إلَى عِبَادِهِ { هُوَ الّذِي أَنْزَلَ
عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ } فِيهِنّ
حُجّةُ الرّبّ وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ لَيْسَ
لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ { وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ } لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ ابْتَلَى اللّهُ فِيهِنّ
الْعِبَادُ كَمَا ابْتَلَاهُمْ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَلّا يُصْرَفْنَ إلَى
الْبَاطِلِ وَلَا يُحَرّفْنَ عَنْ الْحَقّ . يَقُولُ عَزّ وَجَلّ { فَأَمّا
الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } أَيْ مَيْلٌ عَنْ الْهُدَى { فَيَتّبِعُونَ مَا
تَشَابَهَ مِنْهُ } أَيْ مَا تَصَرّفَ مِنْهُ لِيُصَدّقُوا بِهِ مَا ابْتَدَعُوا
وَأَحْدَثُوا ، لِتَكُونَ لَهُمْ حُجّةً وَلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا شُبْهَةَ {
ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ } أَيْ اللّبْسَ { وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } ذَلِكَ
عَلَى مَا رَكِبُوا [ ص 8 ] { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } أَيْ الّذِي بِهِ
أَرَادُوا مَا أَرَادُوا { إِلّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ
آمَنّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا } فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ وَهُوَ قَوْلٌ
وَاحِدٌ مِنْ رَبّ وَاحِدٍ ؟ ثُمّ رَدّوا تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ عَلَى مَا
عَرَفُوا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُحْكَمَةِ الّتِي لَا تَأْوِيلَ لِأَحَدِ فِيهَا إلّا
تَأْوِيلَ وَاحِدٍ وَاتّسَقَ بِقَوْلِهِمْ الْكِتَابَ وَصَدّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا ،
فَنَفَذَتْ بِهِ الْحُجّةُ وَظَهَرَ بِهِ الْعُذْرُ وَزَاحَ بِهِ الْبَاطِلُ
وَدَمَغَ بِهِ الْكُفْرَ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا : { وَمَا
يَذّكّرُ } فِي مِثْلِ هَذَا { إِلّا أُولُو الْأَلْبَابِ رَبّنَا لَا تُزِغْ
قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } أَيْ لَا تُمْلِ قُلُوبَنَا ، وَإِنْ
مِلْنَا بِأَحْدَاثِنَا { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ
الْوَهّابُ } ثُمّ قَالَ { شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ
وَأُولُو الْعِلْمِ } بِخِلَافِ مَا قَالُوا : { قَائِمًا بِالْقِسْطِ } أَيْ
بِالْعَدْلِ فِيمَا يُرِيدُ { لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنّ
الدّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلَامُ } أَيْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمّدُ
التّوْحِيدُ [ ص 9 ] { وَمَا اخْتَلَفَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلّا مِنْ
بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ } أَيْ الّذِي جَاءَك ، أَيْ أَنّ اللّهَ
الْوَاحِدَ الّذِي لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ . { بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ
بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ فَإِنْ حَاجّوكَ } أَيْ بِمَا
يَأْتُونَ بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ قَوْلِهِمْ خَلَقْنَا وَفَعَلْنَا
وَأَمَرْنَا ، فَإِنّمَا هِيَ شُبْهَةُ بَاطِلٍ قَدْ عَرَفُوا مَا فِيهَا مِنْ
الْحَقّ { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ } أَيْ وَحْدَهُ { وَمَنِ اتّبَعَنِ
وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمّيّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ
أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلّوْا فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ
وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } .
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِيمَا ابْتَدَعَتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى
ثُمّ جَمَعَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا ، وَذَكَرَ مَا أَحْدَثُوا وَمَا
ابْتَدَعُوا ، مِنْ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى ، فَقَالَ { إِنّ الّذِينَ
يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ
وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } إلَى قَوْلِهِ {
قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ } أَيْ رَبّ الْعِبَادِ وَالْمُلْكُ الّذِي لَا
يَقْضِي فِيهِمْ غَيْرُهُ { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ
مِمّنْ تَشَاءُ وَتُعِزّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ }
أَيْ لَا إلَهَ غَيْرُك { إِنّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ لَا يَقْدِرُ
عَلَى هَذَا غَيْرُك بِسُلْطَانِك وَقُدْرَتِك { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ
وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ
الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ } بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ
بِغَيْرِ حِسَابٍ } لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُك ، وَلَا يَصْنَعُهُ إلّا
أَنْتَ أَيْ فَإِنْ كُنْت سَلّطْت عِيسَى عَلَى الْأَشْيَاءِ الّتِي بِهَا
يَزْعُمُونَ أَنّهُ إلَهٌ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى ، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ
وَالْخَلْقِ لِلطّيْرِ مِنْ الطّينِ وَالْإِخْبَارِ عَنْ الْغُيُوبِ لِأَجْعَلَهُ
بِهِ آيَةً لِلنّاسِ وَتَصْدِيقًا لَهُ فِي نُبُوّتِهِ الّتِي بَعَثْته بِهَا إلَى
قَوْمِهِ فَإِنّ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي مَا لَمْ أُعْطِهِ تَمْلِيكَ
الْمُلُوكِ بِأَمْنِ النّبُوّةِ وَوَضْعِهَا حَيْثُ شِئْت ، وَإِيلَاجُ اللّيْلِ
فِي النّهَارِ وَالنّهَارِ فِي اللّيْلِ وَإِخْرَاجُ الْحَيّ مِنْ الْمَيّتِ
وَإِخْرَاجُ الْمَيّتِ مِنْ الْحَيّ وَرِزْقُ مَنْ شِئْت مِنْ بَرّ أَوْ فَاجِرٍ
بِغَيْرِ حِسَابٍ فَكُلّ ذَلِكَ لَمْ أُسَلّطْ عِيسَى عَلَيْهِ وَلَمْ أُمَلّكْهُ
إيّاهُ أَفَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ وَبَيّنَةٌ أَنْ لَوْ كَانَ
إلَهًا كَانَ ذَلِكَ كُلّهُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي عِلْمِهِمْ يَهْرُبُ مِنْ
الْمُلُوكِ وَيَنْتَقِلُ مِنْهُمْ فِي الْبِلَادِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ .
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَعْظِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَحْذِيرِهِمْ
[ ص 10 ] قَالَ { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ } أَيْ إنْ كَانَ هَذَا
مِنْ قَوْلِكُمْ حَقّا ، حُبّا لِلّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ { فَاتّبِعُونِي
يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أَيْ مَا مَضَى مِنْ
كُفْرِكُمْ { وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ }
فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ وَتَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ { فَإِنْ تَوَلّوْا }
أَيْ عَلَى كُفْرِكُمْ { فَإِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ }Sتَأْوِيلُ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ
فَصْلٌ وَذَكَرَ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَفَسّرَ مِنْهُ كَثِيرًا ،
فَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } وَهُوَ مَا لَا
يَحْتَمِلُ إلّا تَأْوِيلًا وَاحِدًا ، وَهُوَ عِنْدِي مِنْ أَحَكَمْت الْفَرَسَ
بِحَكَمَتِهِ أَيْ مَنَعْته مِنْ الْعُدُولِ عَنْ طَرِيقِهِ كَمَا قَالَ حَسّانُ
وَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا
[ ص 7 ] { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } هَذَا مِنْ الْحِكْمَةِ وَمِنْ
الْإِحْكَامِ الّذِي هُوَ الْإِتْقَانُ فَالْقُرْآنُ كُلّهُ مُحْكَمٌ عَلَى هَذَا
، وَهُوَ كُلّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُتَشَابِهٌ أَيْضًا ، لِأَنّ بَعْضَهُ
يُشْبِهُ بَعْضًا فِي بَرَاعَةِ اللّفْظِ وَإِعْجَازِ النّظْمِ وَجَزَالَةِ
الْمَعْنَى ، وَبَدَائِعِ الْحِكْمَةِ فَكُلّهُ مُتَشَابِهٌ وَكُلّهُ مُحْكَمٌ وَعَلَى
الْمَعْنَى الْأَوّلِ { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ
مُتَشَابِهَاتٌ } فَأَهْلُ الزّيْغِ يَعْطِفُونَ الْمُتَشَابِهَ عَلَى
أَهْوَائِهِمْ وَيُجَادِلُونَ بِهِ عَنْ آرَائِهِمْ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
يَرُدّونَ الْمُتَشَابِهَ إلَى الْمُحْكَمِ أَيْضًا بِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : {
فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ } وَعِلْمًا
بِأَنّ الْكُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا . رَوَتْ
عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى : { فَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا
تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } قَالَ إذَا
رَأَيْتُمْ الّذِينَ يُجَادِلُون فِيهِ فَهُمْ أُولَئِكَ فَاحْذَرُوهُمْ [ ص 8 ] {
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللّهُ } وَيَرَوْنَهُ تَمَامَ الْكَلَامِ
وَيَحْتَجّونَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ وَيَقُولُ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنّ الرّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لَا
يَعْلَمُونَ التّأْوِيلَ وَإِنْ عَلِمُوا التّفْسِيرَ وَالتّأْوِيلَ عِنْدَ
هَؤُلَاءِ غَيْرَ التّفْسِيرِ إنّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ
سُبْحَانَهُ { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } وَطَائِفَةٌ يَرَوْنَ أَنّ قَوْلَهُ {
وَالرّاسِخُونَ } مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَأَنّهُمْ عَالِمُونَ
بِالتّأْوِيلِ وَيَحْتَجّونَ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ مِنْ أَثَرٍ وَنَظَرٍ
وَاَلّذِي أَرْتَضِيهِ مِنْ ذَلِكَ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الّذِي قَالَهُ ابْنُ
إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَمَعْنَاهُ كُلّهُ أَنّ الْكَلَامَ قَدْ تَمّ فِي
قَوْلِهِ { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ
} مُبْتَدَأٌ لَكِنْ لَا نَقُولُ إنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ . كَمَا
قَالَتْ الطّائِفَةُ الْأُولَى ، وَلَكِنْ نَقُولُ إنّهُمْ يَعْلَمُونَهُ بِرَدّ
الْمُتَشَابِهِ إلَى الْمُحْكَمِ وبالاستدلال عَلَى الْخَفِيّ بِالْجَلِيّ وَعَلَى
الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالْمُتّفَقِ عَلَيْهِ فَتَنْفُذُ بِذَلِكَ الْحُجّةُ
وَيُزَاحُ الْبَاطِلُ وَتَعْظُمُ دَرَجَةُ الْعَالِمِ عِنْدَ اللّهِ تَعَالَى ،
لِأَنّهُ يَقُولُ آمَنْت بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّي فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ ؟
وَلَمّا كَانَ الْعِلْمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ عِلْمُ اللّهِ وَعِلْمُ الرّاسِخِينَ
فِي الْعِلْمِ لَمْ يَجُزْ عَطْفُ { الرّاسِخُونَ } عَلَى مَا قَبْلَهُ فَاَللّهُ
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الْعِلْمَ الْقَدِيمَ . [ ص 9 ] الْعِبَرِ ، فَهُمْ كَمَا
قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَمَا يَذّكّرُ إِلّا أُولُو الْأَلْبَابِ } وَهَذَا
مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ إسْحَاقَ فِي الْآيَةِ .
احْتِجَاجُ الْقِسّيسِينَ لِلتّثْلِيثِ
[ ص 10 ] وَذَكَرَ احْتِجَاجَ الْأَحْبَارِ وَالْقِسّيسِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ
بِقَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ خَلَقْنَا وَأَمَرْنَا وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ وَقَالُوا :
هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ تَعَالَى اللّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ
وَهَذَا مِنْ الزّيْغِ بِالْمُتَشَابِهِ دُونَ رَدّهِ إلَى الْمُحْكَمِ نَحْوَ
قَوْلِهِ { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } و : { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ }
وَالْعَجَبُ مِنْ ضَعْفِ عُقُولِهِمْ كَيْفَ احْتَجّوا عَلَى مُحَمّدٍ بِمَا
أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لِأَنّ
هَذَا اللّفْظَ الّذِي احْتَجّوا بِهِ مَجَازٌ عَرَبِيّ ، وَلَيْسَ هُوَ لَفْظَ التّوْرَاةِ
وَالْإِنْجِيلِ ، وَأَصْلُ هَذَا الْمَجَازِ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّ الْكِتَابَ
إذَا صَدَرَ عَنْ حَضْرَةِ مَلِكٍ كَانَتْ الْعِبَارَةُ فِيهِ عَنْ الْمَلِكِ
بِلَفْظِ الْجَمْعِ دَلَالَةً عَلَى أَنّهُ كَلَامُ مَلِكٍ مَتْبُوعٍ عَلَى
أَمْرِهِ وَقَوْلِهِ فَلَمّا خَاطَبَهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْكِتَابِ
الْعَزِيزِ أَنْزَلَهُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي الْكَلَامِ وَجَاءَ اللّفْظُ فِيهِ
عَلَى أُسْلُوبِ الْكَلَامِ الصّادِرِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ وَلَيْسَ هَذَا فِي
غَيْرِ اللّسَانِ الْعَرَبِيّ وَلَا يَتَطَرّقُ هَذَا الْمَجَازُ فِي حُكْمِ
الْعَقْلِ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ إنّمَا هُوَ فِي اللّفْظِ الْمُنَزّلِ
وَلِذَلِكَ نَجِدُهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لِنَبِيّ قَبْلَنَا ، أَوْ
خَاطَبَ بِهِ غَيْرَنَا نَحْوَ قَوْلِهِ { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا
خَلَقْتُ بِيَدَيّ } وَلَمْ يَقُلْ خَلَقْنَا بِأَيْدِينَا ، كَمَا قَالَ مِمّا
عَمِلَتْهُ أَيْدِينَا ، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ وَحْيِهِ لِمُوسَى : [ ص 11 ] {
وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى
: { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } لِأَنّهُ أَخْبَرَ عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لَمْ
يُنْزِلْهُ بِهَذَا اللّسَانِ الْعَرَبِيّ وَلَمْ يَحْكِ لَفْظًا أَنْزَلَهُ
وَإِنّمَا أَخْبَرَ عَنْ الْمَعْنَى ، وَلَيْسَ الْمَجَازُ فِي الْمَعْنَى ،
وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَبْدِ أَنْ يَقُولَ رَبّ اغْفِرُوا ، وَلَا ارْحَمُونِي
، وَلَا عَلَيْكُمْ تَوَكّلْت ، وَلَا إلَيْكُمْ أَنَبْت ، وَلَا قَالَهَا نَبِيّ
قَطّ فِي مُنَاجَاتِهِ وَلَا نَبِيّ فِي دُعَائِهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا :
أَنّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُشْعِرَ قَلْبَهُ التّوْحِيدَ حَتّى يُشَاكِلَ
لَفْظُهُ عَقْدَهُ الثّانِي : مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ سَيْرِ هَذَا الْمَجَازِ
وَأَنّ سَبَبَهُ صُدُورُ الْكَلَامِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ مُوَافَقَةً
لِلْعَرَبِ فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنْ كَلَامِهَا ، وَاخْتِصَاصِهَا بِعَادَةِ
مُلُوكِهَا وَأَشْرَافِهَا ، وَلَا نَنْظُرُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي هَذِهِ
الْمَسْأَلَةِ وَبِذَلِك رُوجِعُوا ، يَعْنِي : بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَاحْتَجّ
بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَمّنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ مِنْ الْكُفّارِ إذْ
يَقُولُ { رَبّ ارْجِعُونِ } فَيُقَالُ لَهُ هَذَا خَبَرٌ عَمّنْ حَضَرَتْهُ
الشّيَاطِينُ أَلَا [ ص 12 ] تَرَى قَبْلَهُ { وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَنْ
يَحْضُرُونِ } فَلَمّا جَاءَ هَذَا حِكَايَةً عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ
وَحَضَرَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ فِي الْمَوْتِ مَا
كَانَ يَعْتَادُهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ رَدّ الْأَمْرِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ
فَلِذَلِكَ خُلِطَ فَقَالَ رَبّ ثُمّ قَالَ ارْجِعُونِ وَإِلّا فَأَنْتَ أَيّهَا
الرّجُلُ الْمُجِيزُ لِهَذَا اللّفْظِ فِي مُخَاطَبَةِ الرّبّ سُبْحَانَهُ هَلْ
قُلْت قَطّ فِي دُعَائِك : ارْحَمُونِ يَا رَبّ وَارْزُقُونِ ؟ بَلْ لَوْ سَمِعْت
غَيْرَك يَقُولُهَا لَسَطَوْت بِهِ وَأَمّا قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ
الْفُقَهَاءِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا ، أَوْ رَأَيْنَا كَذَا ، أَوْ نَرَى كَذَا ،
فَإِنّمَا ذَلِكَ لِأَنّهُ قَوْلٌ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ
لَكَانَ بِدْعَةً وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَعْظِيمًا لِنَفْسِهِ لَا هُوَ وَلَا
غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الدّينِ وَالدّعَةِ .
احْتِجَاجُهُمْ لِأُلُوهِيّةِ عِيسَى
وَأَمّا احْتِجَاجُ الْقِسّيسِينَ بِأَنّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى ، وَيَخْلُقُ
مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَلَوْ تَفَكّرُوا
لَأَبْصَرُوا أَنّهَا حُجّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى خَصّهُ دُونَ
الْأَنْبِيَاءِ بِمُعْجِزَاتِ تُبْطِلُ مَقَالَةَ مَنْ كَذّبَهُ وَتُبْطِلُ
أَيْضًا مَقَالَةَ مَنْ زَعَمَ أَنّهُ إلَهٌ أَوْ ابْنُ الْإِلَهَ وَاسْتَحَالَ
عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ فَكَانَ نَفَخَهُ فِي الطّينِ
فَيَكُونُ طَائِرًا حَيّا : تَنْبِيهًا لَهُمْ لَوْ عَقَلُوهُ عَلَى أَنّ مَثَلَهُ
كَمَثَلِ آدَمَ خُلِقَ مِنْ طِينٍ ثُمّ نَفَخَ فِيهِ الرّوحَ فَكَانَ بَشَرًا حَيّا
، فَنَفَخَ الرّوحَ فِي الطّائِرِ [ ص 13 ] خَلَقَهُ عِيسَى مِنْ طِينٍ لَيْسَ
بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ الْكُلّ فَعَلَ اللّهُ وَكَذَلِكَ إحْيَاؤُهُ لِلْمَوْتَى
، وَكَلَامُهُ فِي الْمَهْدِ كُلّ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ
نَفْخَةِ رُوحِ الْقُدْسِ فِي جَيْبِ أُمّهِ وَلَمْ يُخْلَقْ مِنْ مَنِيّ
الرّجَالِ فَكَانَ مَعْنَى الرّوحِ فِيهِ - عَلَيْهِ السّلَامُ - أَقْوَى مِنْهُ
فِي غَيْرِهِ فَكَانَتْ مُعْجِزَاتُهُ رُوحَانِيّةً دَالّةً عَلَى قُوّةِ
الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُوحِ الْحَيَاةِ وَمِنْ ذَلِكَ بَقَاؤُهُ حَيّا
إلَى قُرْبِ السّاعَةِ . وَرُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ أَنّ الرّوحَ الّذِي
تَمَثّلَ لَهَا بَشَرًا هُوَ الرّوحُ الّذِي حَمَلَتْ بِهِ وَهُوَ عِيسَى عَلَيْهِ
السّلَامُ دَخَلَ مِنْ فِيهَا إلَى جَوْفِهَا . رَوَاهُ الْكَشِيّ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ
يَرْفَعُهُ إلَى أُبَيّ وَخُصّ بِإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَفِي
تَخْصِيصِهِ بِإِبْرَاءِ هَاتَيْنِ الْآفَتَيْنِ مُشَاكَلَةٌ لِمَعْنَاهُ -
عَلَيْهِ السّلَامُ - وَذَلِكَ أَنّ فِرْقَةً عَمِيَتْ بَصَائِرُهُمْ فَكَذّبُوا
نُبُوّتَهُ وَهُمْ الْيَهُودُ وَطَائِفَةٌ غَلَوْا فِي تَعْظِيمِهِ بَعْدَمَا
ابْيَضّتْ قُلُوبُهُمْ بِالْإِيمَانِ ثُمّ أَفْسَدُوا إيمَانَهُمْ بِالْغُلُوّ
فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْأَبْرَصِ أَبْيَضَ بَيَاضًا فَاسِدًا ، وَمَثَلُ
الْآخَرِينَ مَثَلُ الْأَكْمَهِ الْأَعْمَى ، وَقَدْ أَعْطَاهُ اللّهُ مِنْ
الدّلَائِلِ عَلَى [ ص 14 ] وَتَنْفِي عَنْهُ الرّبُوبِيّةَ وَخَصَائِصُ
مُعْجِزَاتِهِ تَنْفِي عَنْ أُمّهِ الرّيبَةَ وَتُثْبِتُ لَهُ وَلَهَا النّبُوّةَ
وَالصّدّيقِيّةَ فَكَانَ فِي مَسِيحِ الْهُدَى مِنْ الْآيَاتِ مَا يُشَاكِلُ
حَالَهُ وَمَعْنَاهُ حِكْمَةٌ مِنْ اللّهِ كَمَا جَعَلَ فِي الصّورَةِ الطّاهِرَةِ
مِنْ مَسِيحِ الضّلَالَةِ وَهُوَ الْأَعْوَرُ الدّجّالُ مَا يُشَاكِلُ حَالَهُ
وَيُنَاسِبُ صُورَتَهُ الْبَاطِنَةَ عَلَى نَحْوِ مَا شَرَحْنَا وَبَيّنّا فِي
إمْلَاءٍ أَمْلَيْنَاهُ عَلَى هَذِهِ النّكْتَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ
وَالْحَمْدُ لِلّهِ .
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ
عِيسَى
ثُمّ اسْتَقْبَلَ لَهُمْ أَمْرَ عِيسَى : عَلَيْهِ السّلَامُ وَكَيْفَ كَانَ
بَدْءُ مَا أَرَادَ اللّهُ بِهِ فَقَالَ { إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا
وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِنْ
بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ثُمّ ذَكَرَ أَمْرَ امْرَأَةِ عِمْرَانَ
وَقَوْلِهَا : { رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرًا } أَيْ
نَذَرْته فَجَعَلْته عَتِيقًا ، تَعَبّدُهُ لِلّهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِشَيْءِ
مِنْ الدّنْيَا : { فَتَقَبّلْ مِنّي إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمّا
وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا
وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى } أَيْ لَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى
لِمَا جَعَلْتهَا مُحَرّرًا لَك نَذِيرَةً { وَإِنّي سَمّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنّي
أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } يَقُولُ اللّهُ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَقَبّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا
نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفّلَهَا زَكَرِيّا } بَعْدَ أَبِيهَا وَأُمّهَا . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : كَفّلَهَا : ضَمّهَا
آيَاتٌ عَنْ زَكَرِيّا وَمَرْيَمَ
[ ص 11 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَذَكَرَهَا بِالْيُتْمِ ثُمّ قَصّ خَبَرَهَا
وَخَبَرَ زَكَرِيّا ، وَمَا دَعَا بِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إذْ وَهَبَ لَهُ يَحْيَى
ثُمّ ذَكَرَ مَرْيَمَ ، وَقَوْلَ الْمَلَائِكَةِ وَطَهّرَك وَاصْطَفَاك لَهَا {
يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ
الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ
} يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إلَيْك
وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ } أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ { إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ
أَيّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَقْلَامَهُمْ سِهَامَهُمْ يَعْنِي قِدَاحَهُمْ الّتِي
اسْتَهَمُوا بِهَا عَلَيْهَا ، فَخَرَجَ قَدَحُ زَكَرِيّا فَضَمّهَا ، فِيمَا
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ .
دَعْوَى كَفَالَةِ جُرَيْجٍ الرّاهِبِ لِمَرْيَمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَفّلَهَا هَاهُنَا جُرَيْجٌ الرّاهِبُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
إسْرَائِيلَ نَجّارٌ خَرَجَ السّهْمُ عَلَيْهِ بِحَمْلِهَا ، فَحَمَلَهَا ،
وَكَانَ زَكَرِيّا قَدْ كَفّلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَصَابَتْ بَنِي إسْرَائِيلَ
أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَعَجَزَ زَكَرِيّا عَنْ حَمْلِهَا ، فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهَا
أَيّهُمْ يَكْفُلُهَا ، فَخَرَجَ السّهْمُ عَلَى جُرَيْجٍ الرّاهِبِ بِكُفُولِهَا
فَكَفّلَهَا . { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أَيْ مَا كُنْت
مَعَهُمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا . يُخْبِرُهُ بِخَفِيّ مَا كَتَمُوا مِنْهُ
مِنْ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ لِتَحْقِيقِ نُبُوّتِهِ وَالْحُجّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا
يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمّا أَخْفَوْا مِنْهُ . [ ص 12 ] قَالَ { إِذْ قَالَتِ
الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ
الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ أَمْرُهُ لَا كَمَا
تَقُولُونَ فِيهِ { وَجِيهًا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ } أَيْ عِنْدَ اللّهِ {
وَمِنَ الْمُقَرّبِينَ وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ
الصّالِحِينَ } يُخْبِرُهُمْ بِحَالَاتِهِ الّتِي يَتَقَلّبُ فِيهَا فِي عُمْرَهُ
كَتَقَلّبِ بَنِي آدَمَ فِي أَعْمَارِهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا ، إلّا أَنّ اللّهَ
خَصّهُ بِالْكَلَامِ فِي مَهْدِهِ آيَةً لِنُبُوّتِهِ وَتَعْرِيفًا لِلْعِبَادِ
بِمَوَاقِعِ قُدْرَتِهِ . { قَالَتْ رَبّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي
بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أَيْ يَصْنَعُ مَا أَرَادَ
وَيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ { إِذَا قَضَى أَمْرًا
فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ } مِمّا يَشَاءُ وَكَيْفَ يَشَاءُ { فَيَكُونُ }
كَمَا أَرَادَ .
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ آيَاتِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ
ثُمّ أَخْبَرَهَا بِمَا يُرِيدُ بِهِ فَقَالَ { وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ } الّتِي كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى
قَبْلَهُ { وَالْإِنْجِيلَ } كِتَابًا آخَرَ أَحْدَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلّا ذِكْرُهُ أَنّهُ كَائِنٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ
بَعْدَهُ وَرَسُولًا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةِ مِنْ
رَبّكُمْ أَيْ يُحَقّقُ بِهَا نُبُوّتِي ، أَنّي رَسُولٌ مَعَهُ إلَيْكُمْ { أَنّي
أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ
طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ } الّذِي بَعَثَنِي إلَيْكُمْ وَهُوَ رَبّي وَرَبّكُمْ {
وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
[ ص 13 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَكْمَهُ الّذِي يُولَدُ أَعْمَى . قَالَ
رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ : هَرّجْت فَارْتَدّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ
وَجَمْعُهُ كُمْهٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَرّجْت : صِحْت بِالْأَسَدِ وَجَلَبْت
عَلَيْهِ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . { وَأُحْيِي الْمَوْتَى
بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي
بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ } إنّي رَسُولُ اللّهِ مِنْ اللّهِ
إلَيْكُمْ { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمُصَدّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ
} أَيْ لَمَا سَبَقَنِي عَنْهَا { وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ
عَلَيْكُمْ } أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ أَنّهُ كَانَ عَلَيْكُمْ حَرَامًا
فَتَرَكْتُمُوهُ ثُمّ أُحِلّهُ لَكُمْ تَخْفِيفًا عَنْكُمْ فَتُصِيبُونَ يُسْرَهُ
وَتُخْرِجُوهُ مِنْ تِبَاعَاتِهِ { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ فَاتّقُوا
اللّهَ وَأَطِيعُونِ إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ } أَيْ تَبَرّيًا مِنْ الّذِينَ
يَقُولُونَ فِيهِ وَاحْتِجَاجًا لِرَبّهِ عَلَيْهِمْ { فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ
مُسْتَقِيمٌ } أَيْ هَذَا الّذِي قَدْ حَمَلَتْكُمْ عَلَيْهِ وَجِئْتُكُمْ بِهِ {
فَلَمّا أَحَسّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } وَالْعُدْوَانَ عَلَيْهِ { قَالَ مَنْ
أَنْصَارِي إلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنّا
بِاَللّهِ } هَذَا قَوْلُهُمْ الّذِي أَصَابُوا بِهِ الْفَضْلَ مِنْ رَبّهِمْ {
وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ } لَا مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُحَاجّونَك
{ رَبّنَا آمَنّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتّبَعْنَا الرّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ
الشّاهِدِينَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ . [ ص 14 ] [ ص 15 ]Sوَضَعْتهَا أُنْثَى
[ ص 15 ] وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ مَا نَزَلَ فِيهِمْ قَوْلَ حَنّةَ أُمّ مَرْيَمَ
، وَهِيَ بِنْتُ مَاثَانَ { رَبّ إنّي وَضَعْتهَا أُنْثَى } قَالَ بَعْضُ أَهْلِ
التّأْوِيلِ أَشَارَتْ إلَى مَعْنَى الْحَيْضِ أَنّ الْأُنْثَى تَحِيضُ فَلَا
تَخْدُمُ الْمَسْجِدَ وَلِذَلِكَ قَالَ { وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى } لِأَنّ
الذّكَرَ لَا يَحِيضُ فَهُوَ أَبَدًا فِي خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ إشَارَةٌ
حَسَنَةٌ . فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ وَلَيْسَ
الْأُنْثَى كَالذّكَرِ لِأَنّهَا دُونَهُ فَمَا بَالُهُ بَدَأَ بِالذّكْرِ ؟
وَالْجَوَابُ أَنّ الْأُنْثَى إنّمَا هِيَ دُونَ الذّكَرِ فِي نَظَرِ الْعَبْدِ
لِنَفْسِهِ لِأَنّهُ يَهْوَى ذُكْرَانَ الْبَنِينَ وَهُمْ مَعَ الْأَمْوَالِ
زِينَةُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَأَقْرَبُ إلَى فِتْنَةِ الْعَبْدِ وَنَظَرُ الرّبّ
لِلْعَبْدِ خَيْرٌ مِنْ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى عَلَى
هَذَا ، بَلْ الْأُنْثَى أَفْضَلُ فِي الْمَوْهِبَةِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ
سُبْحَانَهُ { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا } فَبَدَأَ بِذِكْرِهِنّ قَبْلَ
الذّكُورِ [ ص 16 ] ابْدَءُوا بِالْإِنَاثِ يَعْنِي : فِي الرّحْمَةِ وَإِدْخَالِ
السّرُورِ عَلَى الْبَنِينَ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا : مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ
دَخَلْت أَنَا وَهُوَ الْجَنّةَ كَهَاتَيْنِ فَتَرَتّبَ الْكَلَامُ فِي
التّنْزِيلِ عَلَى حَسْبِ الْأَفْضَلِ فِي نَظَرِ اللّهِ لِلْعَبْدِ وَاَللّهُ
أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ .
رَفَعَ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ
[ ص 16 ] ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَفَعَهُ عِيسَى إلَيْهِ حِينَ
اجْتَمَعُوا لِقَتْلِهِ فَقَالَ { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ
الْمَاكِرِينَ } ثُمّ أَخْبَرَهُمْ وَرَدّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَقَرّوا لِلْيَهُودِ
بِصَلْبِهِ كَيْفَ رَفَعَهُ وَطَهّرَهُ مِنْهُمْ فَقَالَ { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا
عِيسَى إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ وَمُطَهّرُكَ مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا
وَجَاعِلُ الّذِينَ اتّبَعُوكَ فَوْقَ الّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ } ثُمّ الْقِصّةَ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ { ذَلِكَ نَتْلُوهُ
عَليْكَ } يَا مُحَمّدُ { مِنَ الْآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ } الْقَاطِعِ
الْفَاصِلِ الْحَقّ الّذِي لَا يُخَالِطُهُ الْبَاطِلُ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى
، وَعَمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ فَلَا تَقْبَلْنَ خَبَرًا غَيْرَهُ {
إِنّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ } فَاسْتَمِعْ { كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ
تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقّ مِنْ رَبّكَ } أَيْ مَا جَاءَك
مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى { فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } أَيْ قَدْ
جَاءَك الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَمْتَرِينَ فِيهِ وَإِنْ قَالُوا : خُلِقَ
عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ فَقَدْ خَلَقْت آدَمَ مِنْ تُرَابٍ بِتِلْكَ
الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى لَحْمًا
وَدَمًا ، وَشَعْرًا وَبَشَرًا ، فَلَيْسَ خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ
بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا . فَمَنْ حَاجّك فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَك مِنْ
الْعِلْمِ أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا قَصَصْت عَلَيْك مِنْ خَبَرِهِ وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ
{ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا
وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ
اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
[ ص 17 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ نَبْتَهِلُ نَدْعُو
بِاللّعْنَةِ قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ :
لَا تَقْعُدَن وَقَدْ أَكّلْتهَا حَطَبًا ... نَعُوذُ مِنْ شَرّهَا يَوْمًا
وَنَبْتَهِلُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . يَقُولُ نَدْعُو بِاللّعْنَةِ . وَتَقُولُ
الْعَرَبُ : بَهَلَ اللّهُ فُلَانًا ، أَيْ لَعَنَهُ وَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللّهِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال : بَهْلَةُ اللّهِ أَيْ لَعْنَةُ اللّهِ
وَنَبْتَهِلُ أَيْضًا : نَجْتَهِدُ فِي الدّعَاءِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إنّ
هَذَا الّذِي جِئْت بِهِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى { لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ }
مِنْ أَمْرِهِ { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلّا اللّهُ وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ
الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ قُلْ يَا
أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ
أَلّا نَعْبُدَ إِلّا اللّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتّخِذَ
بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ تَوَلّوْا فَقُولُوا
اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ } فَدَعَاهُمْ إلَى النّصْفِ وَقَطَعَ عَنْهُمْ الْحُجّةَ
.
إبَاؤُهُمْ الْمُلَاعَنَةَ
فَلَمّا أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ
اللّهِ عَنْهُ وَالْفَضْلُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَأَمَرَ بِمَا
أَمَرَ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ إنْ رَدّوا ذَلِكَ عَلَيْهِ دَعَاهُمْ إلَى
ذَلِكَ فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ دَعْنَا نَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا ،
ثُمّ نَأْتِيك بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا دَعَوْتنَا إلَيْهِ
فَانْصَرَفُوا عَنْهُ ثُمّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ فَقَالُوا
: يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَاذَا تَرَى ؟ فَقَالَ وَاَللّهِ يَا مَعْشَرَ
النّصَارَى لَقَدْ عَرَفْتُمْ إنّ مُحَمّدًا لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ
بِالْفَضْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لَاعَنَ قَوْمٌ
نَبِيّا قَطّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ وَأَنّهُ
لِلِاسْتِئْصَالِ مِنْكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إلّا
إلْفَ دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي
صَاحِبِكُمْ فَوَادِعُوا الرّجُلَ ثُمّ انْصَرِفُوا إلَى بِلَادِكُمْ فَأَتَوْا
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ
قَدْ رَأَيْنَا أَلّا نُلَاعِنَك ، وَأَنْ نَتْرُكَك عَلَى دِينِك وَنَرْجِعَ
عَلَى دِينِنَا ، وَلَكِنْ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِك تَرْضَاهُ
لَنَا ، يَحْكُمُ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا
، فَإِنّكُمْ عِنْدَنَا رِضًا .
تَوْلِيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ أُمُورَهُمْ
[ ص 18 ] قَالَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتُونِي الْعَشِيّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمْ الْقَوِيّ الْأَمِينَ
قَالَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ مَا أَحْبَبْت الْإِمَارَةَ قَطّ
حُبّي إيّاهَا يَوْمَئِذٍ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا ، فَرُحْت إلَى
الظّهْرِ مُهَجّرًا ، فَلَمّا صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الظّهْرَ سَلّمَ ثُمّ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلْت
أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي ، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتّى رَأَى
أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فَدَعَاهُ فَقَالَ اُخْرُجْ مَعَهُمْ فَاقْضِ
بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ عُمَرُ فَذَهَبَ بِهَا أَبُو
عُبَيْدَةَ .Sالْمُبَاهَلَةُ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَهْلَ نَجْرَانَ إلَى الْمُبَاهَلَةِ
وَأَنّهُمْ رَضُوا بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالصّغَارِ وَأَنْ لَا يُلَاعِنُوهُ
وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّ بَعْضَهُمْ قَالَ لِبَعْضِ إنْ لَاعَنْتُمُوهُ
وَدَعَوْتُمْ بِاللّعْنَةِ عَلَى الْكَاذِبِ اضْطَرَمَ الْوَادِي عَلَيْكُمْ
نَارًا ، وَفِي تَفْسِيرِ الْكَشّيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ لَقَدْ تَدَلّى إلَيْهِمْ الْعَذَابُ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَوْ بَاهَلُونِي لَاسْتُؤْصِلُوا مِنْ عَلَى جَدِيدِ الْأَرْضِ نُكْتَةٌ فِي
قَوْلِهِ { نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ }
بَدَأَ بِالْأَبْنَاءِ وَالنّسَاءِ قَبْلَ الْأَنْفُسِ وَالْجَوَابُ أَنّ أَهْلَ
التّفْسِيرِ قَالُوا أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ أَيْ لِيَدْعُ بَعْضُنَا بَعْضًا
، وَهَذَا نَحْوَ [ ص 17 ] { فَسَلّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } فِي أَحَدِ
الْقَوْلَيْنِ أَيْ يُسَلّمُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فَبَدَأَ بِذِكْرِ
الْأَوْلَادِ الّذِينَ هُمْ فَلَذُ الْأَكْبَادِ ثُمّ بِالنّسَاءِ الّتِي جَعَلَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مَوَدّةً وَرَحْمَةً ثُمّ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ دُعَاءِ
بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، لِأَنّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْعُو نَفْسَهُ وَانْتَظَمَ
الْكَلَامَ عَلَى الْأُسْلُوبِ الْمُعْتَادِ فِي إعْجَازِ الْقُرْآنِ وَفِي حَدِيثِ
أَهْلِ نَجْرَانَ زِيَادَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ
ابْنِ هِشَامٍ ، [ ص 18 ] نَجْرَانَ حِينَ رَجَعَ الْوَفْدُ وَأَخْبَرُوهُ
الْخَبَرَ رَحَلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَمِعَ مَعَهُ
وَأَهْدَى إلَيْهِ الْقَضِيبَ وَالْقَعْبَ وَالْبُرْدَ الّذِي هُوَ الْآنَ عِنْدَ
خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبّاسِ يَتَوَارَثُونَهُ .
نُبَذٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ
ابْنُ أُبَيّ وَابْنُ صَيْفِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمَدِينَةَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ - وَسَيّدُ
أَهْلِهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ الْعَوْفِيّ ثُمّ أَحَدُ بَنِي
الْحُبْلَى ، لَا يَخْتَلِفُ عَلِيّ فِي شَرَفِهِ اثْنَانِ لَمْ تَجْتَمِعْ
الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحَدِ
الْفَرِيقَيْنِ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ غَيْرِهِ وَمَعَهُ فِي الْأَوْسِ رَجُلٌ
هُوَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْأَوْسِ شَرِيفٌ مُطَاعٌ أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو
بْنِ صَيْفِيّ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدُ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَبُو
حَنْظَلَةَ ، الْغَسِيلُ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَكَانَ قَدْ تَرَهّبَ فِي
الْجَاهِلِيّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الرّاهِبُ . فَشَقِيَا
بِشَرَفِهِمَا وَضَرّهُمَا .
إسْلَامُ ابْنِ أُبَيّ [ نِفَاقًا ]
[ ص 20 ] عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَكَانَ قَوْمُهُ قَدْ نَظَمُوا لَهُ
الْخَرَزَ لِيُتَوّجُوهُ ثُمّ يُمَلّكُوهُ عَلَيْهِمْ فَجَاءَهُمْ اللّهُ تَعَالَى
بِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ . فَلَمّا
انْصَرَفَ قَوْمُهُ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ ضَغِنَ وَرَأَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا . فَلَمّا رَأَى
قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلّا الْإِسْلَامَ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرّا عَلَى
نِفَاقٍ وَضِغْنٍ .
إصْرَارُ ابْنِ صَيْفِيّ عَلَى كُفْرِهِ
[ ص 21 ] فَأَبَى إلّا الْكُفْرَ وَالْفِرَاقَ لِقَوْمِهِ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى
الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ مِنْهُمْ إلَى مَكّةَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُفَارِقًا
لِلْإِسْلَامِ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي
أُمَامَةَ عَنْ بَعْضِ آلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ : لَا تَقُولُوا
الرّاهِبَ وَلَكِنْ قُولُوا : الْفَاسِقَ
مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي
الْحَكِيمِ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ وَكَانَ رَاوِيَةً أَنّ أَبَا عَامِرٍ
أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ،
قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكّةَ ، فَقَالَ مَا هَذَا الدّينُ الّذِي جِئْت بِهِ
؟ فَقَالَ جِئْت بِالْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ قَالَ فَأَنَا عَلَيْهَا ،
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك لَسْت عَلَيْهَا
قَالَ بَلَى ، قَالَ إنّك أَدْخَلْت يَا مُحَمّدُ فِي الْحَنِيفِيّةِ مَا لَيْسَ
مِنْهَا ، قَالَ مَا فَعَلْت ، وَلَكِنّي جِئْت بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً ؟ قَالَ
الْكَاذِبُ أَمَاتَهُ اللّهُ طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا - يُعَرّضُ بِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْ أَنّك جِئْت بِهَا كَذَلِكَ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلْ فَمَنْ كَذَبَ فَفَعَلَ
اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِ فَكَانَ هُوَ ذَلِكَ عَدُوّ اللّهِ خَرَجَ إلَى
مَكّةَ ، فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ
خَرَجَ إلَى الطّائِفِ فَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ لَحِقَ بِالشّامِ
فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدَا
الِاحْتِكَامُ إلَى قَيْصَرَ فِي مِيرَاثِهِ
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كَلّابٍ وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بْنِ عَمْرِو
بْنِ عُمَيْرِ الثّقَفِيّ ، فَلَمّا مَاتَ اخْتَصَمَا فِي مِيرَاثِهِ إلَى
قَيْصَرَ صَاحِبِ الرّومِ . فَقَالَ قَيْصَرُ يَرِثُ أَهْلُ الْمَدَرِ أَهْلَ
الْمَدَرِ وَيَرِثُ أَهْلُ الْوَبَرِ أَهْلَ الْوَبَرِ فَوَرِثَهُ كِنَانَةُ بْنُ
عَبْدِ يالَيْل بِالْمَدَرِ دُونَ عَلْقَمَةَ .
هِجَاءُ كَعْبٍ لِابْنِ صَيْفِيّ
فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِأَبِي عَامِرٍ فِيمَا صَنَعَ
مَعَاذَ اللّهِ مِنْ عَمَلٍ خَبِيثٍ ... كَسَعْيِك فِي الْعَشِيرَةِ عَبْدِ
عَمْرِو
فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ وَنَخْلٌ ... فَقَدْ مَا بِعْت إيمَانًا بِكُفْرِ
[ ص 22 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيَرْوِي : فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ وَمَالٌ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَأَقَامَ عَلَى
شَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ مُتَرَدّدًا ، حَتّى غَلَبَهُ الْإِسْلَامُ فَدَخَلَ فِيهِ
كَارِهًا .Sسَلُولُ
فَصْلٌ
[ ص 19 ] وَذَكَرَ قِصّةَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ وَسَلُولُ هِيَ
أُمّ أُبَيّ وَهِيَ خُزَاعِيّةٌ وَهُوَ أُبَيّ بْنُ مَالِكٍ مِنْ بَنِي الْحُبْلَى
، وَاسْمُ الْحُبْلَى : سَالِمٌ وَالنّسَبُ إلَيْهِ حُبُلِيّ بِضَمّتَيْنِ
كَرِهُوا أَنْ يَقُولُوا : حُبْلَوِيّ أَوْ حُبُلِيّ أَوْ حُبْلَاوِيّ عَلَى
قِيَاسِ النّسَبِ لِأَنّ حُبْلَى وَسَكْرَى وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَا اسْمًا
لِرَجُلِ لَمْ يَجْرِ فِي الْجَمْعِ عَلَى حُكْمِ التّأْنِيثِ وَكَذَلِكَ
فَعْلَاءُ بِالْمَدّ تَقُولُ فِي جَمْعِ رَجُلٍ اسْمُهُ سَلْمَى أَوْ وَرْقَاءُ
الْوَرْقَاوُونَ وَالسّلَمُونَ وَهَذَا بِخِلَافِ تَاءِ التّأْنِيثِ فَإِنّك
تَقُولُ فِي طَلْحَةَ اسْمُ رَجُلٍ طَلَحَاتٍ كَمَا كُنْت تَقُولُ فِي غَيْرِ
الْعَلَمِيّةِ لِأَنّ التّاءَ لَا تَكُونُ إلّا لِلتّأْنِيثِ وَالْأَلِفُ تَكُونُ لِلتّأْنِيثِ
وَغَيْرِهِ فَلَمّا كَانَتْ أَلِفُ التّأْنِيثِ بِخِلَافِ تَاءِ التّأْنِيثِ فِي
الْأَسْمَاءِ وَالْأَعْلَامِ كَانَ النّسَبُ إلَيْهَا مُخَالِفًا لِلنّسَبِ إلَى
مَا فِيهِ أَلِفُ التّأْنِيثِ فِي غَيْرِ الْأَعْلَامِ غَيْرَ أَنّ هَذَا فِي
بَابِ النّسَبِ لَا يَطْرُدُ وَإِنْ اطّرَدَ الْجَمْعُ كَمَا قَدّمْنَا ،
وَكَانَتْ النّكْتَةُ الّتِي خُصّ بِهَا النّسَبُ فِي بَنِي الْحُبْلَى
بِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ كَرَاهِيَتَهُمْ لِحُكْمِ التّأْنِيثِ فِيهِ لِأَنّ
الْحُبْلَى وَصْفٌ [ ص 20 ] اسْمُهُ سَلْمَى مِنْ الرّجَالِ كَكَرَاهِيَتِهِمْ
لِبَقَاءِ حُكْمِ التّأْنِيثِ فِيمَنْ اسْمُهُ حُبْلَى ، فَلِذَلِكَ غَيّرُوا
النّسَبَ حَتّى كَأَنّهُمْ نَسَبُوا إلَى حُبُلٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَأَمّا
سَلُولُ فِي خُزَاعَةَ ، وَقَدْ تَقَدّمَ عِنْدَ ذِكْرِ حُبْشِيّةَ ابْنِ سَلُولَ
قَاسِمُ رَجُلٍ مَصْرُوفٍ وَأَمّا بَنُو سَلُولَ بْنِ صَعْصَعَةَ إخْوَةُ بَنِي
عَامِرٍ فَهُمْ بَنُو مُرّةَ بْنِ صَعْصَعَةَ . وَسَلُولُ أُمّهُمْ وَهِيَ بِنْتُ
ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ فَجَمِيعُ مَا وَقَعَ لِابْنِ إسْحَاقَ فِي السّيَرِ مِنْ
سَلُولَ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ اسْمُ رَجُلٍ مَصْرُوفٍ وَثِنْتِيَانِ غَيْرُ
مَصْرُوفَتَيْنِ وَهُمَا اللّتَانِ ذَكَرْنَا .
الْمُلْكُ فِي الْعَرَبِ
وَذَكَرَ أَنّ الْأَنْصَارَ كَانُوا قَدْ نَظَمُوا الْخَرَزَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ
أُبَيّ لِيُتَوّجُوهُ وَيُمَلّكُوهُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنّ الْأَنْصَارَ يَمَنٌ
، وَقَدْ كَانَتْ الْمُلُوكُ الْمُتَوّجُونَ مِنْ الْيَمَنِ فِي آلِ قَحْطَانَ ،
وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَتَوّجَ مِنْهُمْ سَبَأُ بْنُ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ
قَحْطَانَ وَلَمْ يُتَوّجْ مِنْ الْعَرَبِ إلّا قَحْطَانِيّ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ فَقِيلَ لَهُ قَدْ تَتَوّجَ هَوْذَةُ بْنُ عَلِيّ الْحَنَفِيّ صَاحِبُ
الْيَمَامَةِ ، وَقَالَ فِيهِ الْأَعْشَى
مَنْ يَرَى هَوْذَةَ يَسْجُدُ غَيْرَ مُتّئِبٍ ... إذَا تَعَمّمَ فَوْقَ التّاجِ
أَوْ وَضَعَا
وَفِي الْخَرَزَاتِ الّتِي بِمَعْنَى التّاجِ يَقُولُ الشّاعِرُ [ لَبِيدٌ
يَذْكُرُ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي شِمْرٍ الْغَسّانِيّ ] .
رَعَى خَرَزَاتِ الْمُلْكِ عِشْرِينَ حَجّةً ... وَعِشْرِينَ حَتّى فَادَ
وَالشّيْبُ شَامِلُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَكُنْ تَاجًا ، وَإِنّمَا كَانَتْ خَرَزَاتُ
تُنَظّمُ وَكَانَ سَبَبُ تَتَوّجِ هَوْذَةَ أَنّهُ أَجَارَ لَطِيمَةً لِكَسْرَى
مَنَعَهَا مِمّنْ أَرَادَهَا مِنْ الْعَرَبِ ، فَلَمّا وَفَدَ عَلَيْهِ تَوَجّهَ
لِذَلِكَ وَمَلّكَهُ [ ص 21 ]
خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ
وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، حِبّ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ مِنْ شَكْوٍ
أَصَابَهُ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إكَافٌ فَوْقَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيّةٌ
مُخْتَطَمَةٌ بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ وَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْفَهُ قَالَ فَمَرّ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَهُوَ (
فِي ) ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُزَاحِمٌ اسْمُ الْأُطُمِ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَوْلَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ . فَلَمّا رَآهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَذَمّمَ مِنْ أَنْ يُجَاوِزَهُ
حَتّى يَنْزِلَ فَنَزَلَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ قَلِيلًا فَتَلَا الْقُرْآنَ
وَدَعَا إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَذَكَرَ بِاَللّهِ وَحَذّرَ وَبَشّرَ وَأَنْذَرَ
قَالَ وَهُوَ زَامّ لَا يَتَكَلّمُ حَتّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَقَالَتِهِ قَالَ " يَا هَذَا ، إنّهُ لَا أَحْسَنُ
مِنْ حَدِيثِك هَذَا إنْ كَانَ حَقّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِك فَمَنْ [ ص 23 ] قَالَ
فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ كَانُوا عِنْدَهُ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ بَلَى ، فَاغْشَنَا بِهِ وَأْتِنَا فِي مَجَالِسنَا وَدُورِنَا
وَبَيْتِنَا ، فَهُوَ وَاَللّهِ مِمّا نُحِبّ وَمِمّا أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ
وَهَدَانَا لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ حِينَ رَأَى مِنْ خِلَافِ
قَوْمِهِ مَا رَأَى :
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمُك لَا تَزَلْ ... تَذِلّ وَيَصْرَعْك الّذِينَ
تُصَارِعُ
وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ ... وَإِنْ جُذّ يَوْمًا رَيْشُهُ
فَهُوَ وَاقِعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبَيْتُ الثّانِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
غَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أُبَيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ،
عَنْ أُسَامَةَ قَالَ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَدَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَفِي وَجْهِهِ مَا قَالَ عَدُوّ اللّهِ
ابْنُ أُبَيّ ، فَقَالَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي لَأَرَى فِي وَجْهِك
شَيْئًا ، لَكَأَنّك سَمِعْت شَيْئًا تَكْرَهُهُ قَالَ " أَجَلْ " ثُمّ
أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ : فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ
اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللّهُ بِك ، وَإِنّا لَنُنَظّمُ لَهُ
الْخَرَزَ لِنُتَوّجَهُ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَرَى أَنْ قَدْ سَلَبْته مُلْكًا .Sمُزَاحِمٌ أُطُمِهِ
فَصْلٌ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ بِهِ وَهُوَ ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ وَآطَامُ
الْمَدِينَةِ : سُطُوحٌ وَلَهَا أَسْمَاءٌ فَمِنْهَا مُزَاحِمٌ وَمِنْهَا
الزّوْرَاءُ أُطُمُ بَنِي الْجِلَاحِ وَمِنْهَا مُعْرِضٌ أُطُمُ بَنِي سَاعِدَةَ
وَمِنْهَا : فَارِعٌ أُطُمُ بَنِي حُدَيْلَةَ وَمِنْهَا مِسْعَطٌ وَمِنْهَا :
وَاقِمٌ وَفِي مُعْرِضٌ يَقُولُ الشّاعِرُ
وَنَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ بُضَاعَةَ كُلّهَا ... وَنَحْنُ بَنَيْنَا مُعْرِضًا
فَهُوَ مُشْرِفُ
فَأَصْبَحَ مَعْمُورًا طَوِيلًا قَذَالُهُ ... وَتَخْرَبُ آطَامٌ بِهَا وَتَقَصّفُ
وَبُضَاعَةُ أَرْضُ بَنِي سَاعِدَةَ وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ بِئْرُ بَنِي بُضَاعَةَ
. وَالْأَجَشّ وَكَانَ بِقُبَاءَ وَالْحَمِيمُ وَالنّوّاحَانِ وَهُمَا أُطُمَانِ
لِبَنِي أُنَيْفٍ وَصِرَارٍ وَكَانَ بِالْجَوّانِيّةِ وَالرّثّانِ وَالشّبْعَانِ
وَهُوَ فِي تمغ . وراتح وَالْأَبْيَضُ وَمِنْهَا عَاصِمٌ وَالرّغْلُ وَكَانَ
لِحَضِيرِ بْنِ سِمَاكٍ وَمِنْهَا خَيْطٌ وَوَاسِطٌ وَحُبَيْشٌ وَالْأَغْلَبُ
وَمَنِيعٌ فَهَذِهِ آطَامُ الْمَدِينَةِ ذَكَرَ أَكْثَرَهَا الزّبَيْرُ
وَالْأُطُمُ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ [ ص 23 ] ائْتَطَمَ إذَا ارْتَفَعَ وَعَلَا ،
يُقَال : ائْتَطَمَ عَلَيّ فُلَانٌ إذَا غَضِبَ وَانْتَفَخَ وَالْأَطَمَاتُ نِيرَانٌ
مَعْرُوفَةٌ فِي جِبَالٍ لَا تَخْمُدُ فِيهَا ، تَأْخُذُ بِأَعْنَانِ السّمَاءِ
فَهِيَ أَبَدًا بَاقِيَةٌ لِأَنّهَا فِي مَعَادِنِ الْكِبْرِيتِ وَقَدْ ذَكَرَ
الْمَسْعُودِيّ مِنْهَا جُمْلَةً وَذَكَرَ مَوَاضِعَهَا ، وَقَوْلَ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ أُبَيّ :
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمُك لَا تَزَلْ ... تَذِلّ وَيَصْرَعْك الّذِينَ
تُصَارِعُ
يُقَالُ إنّ ابْنَ أَبِي تَمَثّلَ بِهِمَا ، وَيُقَالُ إنّهُمَا الْخُفَافِ ابْنُ
نُدْبَةَ وَخُفَافٌ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الشّرِيدِ أَحَدُ غِرْبَانِ الْعَرَبِ
، وَأُمّهُ نُدْبَةَ وَيُقَالُ فِيهَا : نَدْبَةُ وَنُدْبَةُ وَهُوَ سَلْمَى .
وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ
زِيَادَةٌ فِيهَا فِقْهٌ قَالَ كَانَ سَعْدٌ قَدْ دَعَاهُ رَجُلٌ مِنْ اللّيْلِ
فَخَرَجَ إلَيْهِ فَضَرَبَهُ الرّجُلُ بِسَيْفِ فَأَشْوَاهُ فَجَاءَهُ النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعُودُهُ مِنْ تِلْكَ الضّرْبَةِ وَلَامَهُ عَلَى
خُرُوجِهِ لَيْلًا ، وَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْفِقْهِ .
ذِكْرُ مَنْ اعْتَلّ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَرَضُ أَبِي بَكْرٍ وَعَامِرٍ وَبِلَالٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْهُمْ
[ ص 24 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، وَعُمَرُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللّهِ مِنْ
الْحُمّى ، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ فَصَرَفَ اللّهُ
تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ فَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، وَبِلَالٌ مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ مَعَ
أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَأَصَابَتْهُمْ الْحُمّى ، فَدَخَلْت عَلَيْهِمْ
أَعُودُهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ وَبِهِمْ مَا لَا
يَعْلَمُهُ إلّا اللّهُ مِنْ شِدّةِ الْوَعْكِ فَدَنَوْت مِنْ أَبِي بَكْرٍ
فَقُلْت لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا أَبَتْ ؟ فَقَالَ
كُلّ امْرِئِ مُصَبّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ
نَعْلَيْهِ
قَالَتْ فَقُلْت : وَاَللّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ . قَالَتْ ثُمّ
دَنَوْت إلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقُلْت لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا عَامِرُ ؟
فَقَالَ
لَقَدْ وَجَدْت الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إنّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ
فَوْقِهِ
كُلّ امْرِئِ مُجَاهَدٌ بِطَوْقِهِ ... كَالثّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
[ ص 25 ] بِطَاقَتِهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَتْ فَقُلْت : وَاَللّهِ
مَا يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ قَالَتْ وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ
الْحُمّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ . ثُمّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ... بِفَجّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ
وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَن يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ
وَطَفِيلٌ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَامَةٌ وَطَفِيلٌ جَبَلَانِ بِمَكّةَ .Sوَعْكُ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ
وَعَامِرٍ
[ ص 24 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ حِينَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ
وَعَامِرٌ بْنُ فُهَيْرٍ وَمَا أَجَابُوهَا بِهِ مِنْ الرّجَزِ فَيَذْكُرُ أَنّ
قَوْلَ عَامِرٍ لَقَدْ وَجَدْت الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ
[ ص 25 ] مَامَةَ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ حَنِينِهِمْ إلَى
مَكّةَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النّفُوسُ مِنْ حُبّ الْوَطَنِ وَالْحَنِينِ إلَيْهِ
وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُصَيْلٍ الْغِفَارِيّ وَيُقَالُ فِيهِ الْهُدَلِيّ أَنّهُ
قَدِمَ مِنْ مَكّةَ ، فَسَأَلْته عَائِشَةُ كَيْفَ تَرَكْت مَكّةَ يَا أُصَيْلُ ؟
فَقَالَ تَرَكْتهَا حِينَ ابْيَضّتْ أَبَاطِحُهَا ، وَأَحْجَن ثُمَامُهَا ،
وَأَغْدَقَ إذْخِرَهَا ، وَأَمْشَرَ سَلَمُهَا ، فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا رَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَالَ " لَا تُشَوّفْنَا يَا
أُصَيْلُ " ، وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ " دَعْ الْقُلُوبَ تَقَرْ
" ، وَقَدْ قَالَ الْأَوّلُ
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ... بِوَادِي الْخُزَامَى حَيْثُ
رَبّتْنِي أَهْلِي
بِلَادٌ بِهَا نِيطَتْ عَلَيّ تَمَائِمِي ... وَقُطّعْنَ عَنّي حِينَ أَدْرَكَنِي
عَقْلِي
وَأَمّا قَوْلُ بِلَالٍ بِفَجّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ
فَفَجّ مَوْضِعٌ خَارِجُ مَكّةَ بِهِ مُوَيْهٌ يَقُولُ فِيهِ الشّاعِرُ
مَاذَا بِفَجّ مِنْ الْإِشْرَاقِ وَالطّيبِ ... وَمِنْ جَوَارٍ نَقِيّاتٍ
رَعَابِيبِ
وَبِفَجّ اغْتَسَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ
مُحْرِمٌ وَالْإِذْخِرُ مِنْ نَبَاتِ مَكّةَ . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ
أَبُو حَنِيفَةَ الدّينَوَرِيّ صَاحِبُ كِتَابِ النّبَاتِ الْإِذْخِرُ فِيمَا حُكِيَ
عَنْ الْأَعْرَابِ الْأُوَلِ لَهُ أَصْلٌ مُنْدَفِقٌ وَقُضْبَانٌ دِقَاقٌ وَهُوَ
ذَفِرُ الرّيحِ وَهُوَ مِثْلُ الْأَصْلِ أَصْلِ الْكَوْلَانِ إلّا أَنّهُ أَعْرَضُ
كُعُوبًا ، وَلَهُ ثَمَرَةٌ كَأَنّهَا مَكَاسِحُ الْقَصَبِ إلّا أَنّهَا أَرَقّ
وَأَصْغَرُ . قَالَ أَبُو زِيَادٍ الْإِذْخِرُ يُشَبّهُ فِي نَبَاتِهِ بِنَبَاتِ
الْأَسَلِ الّذِي تُعْمَلُ مِنْهُ الْحُصْرُ ، وَيُشْبِهُ نَبَاتُهُ الْغَرَزَ
وَالْغَرَزُ ضَرْبٌ مِنْ الثّمَامِ وَاحِدَتُهُ غَرْزَةٌ وَيُتّخَذُ مِنْ
الْغَرَزِ الْغَرَابِيلُ وَالْإِذْخِرُ أَرَقّ مِنْهُ وَالْإِذْخِرُ يُطْحَنُ
فَيَدْخُلُ [ ص 26 ] وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو : وَهُوَ مِنْ الْجَنَبَةِ وَقَلّمَا
تَنْبُتُ الْإِذْخِرَةُ مُتَفَرّدَةً وَقَالَ فِي الْجَلِيلِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ
إنّ أَهْلَ الْحِجَازِ يُسَمّونَ الثّمَامَ الْجَلِيلَ ، وَمَعْنَى الْجَنَبَةِ
الّتِي ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو : وَهُوَ كُلّ نَبَاتٍ لَهُ أُصُولٌ ثَابِتَةٌ لَا
تَذْهَبُ بِذَهَابِ فَزَعِهِ فِي الْغَيْطِ وَتُلَقّحُ فِي الْخَرِيفِ وَلَيْسَتْ
كَالشّجَرِ الّذِي يَبْقَى أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ فِي الْغَيْطِ وَلَا كَالنّجْمِ
الّذِي يَذْهَبُ فَرْعُهُ وَأَصْلُهُ فَلَا يَعُودُ إلّا زِرّيعَتُهُ جَانِبَ
النّجْمِ وَالشّجَرِ فَسُمّيَ جَنَبَةً وَيُقَالُ لِلْجَنَبَةِ أَيْضًا :
الطّرِيفَةُ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ . وَمِجَنّةٌ سُوقٌ مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ
بَيْنَ عُكَاظٍ وَفِي الْمَجَازِ وَكُلّهَا ، أَسْوَاقٌ قَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهَا .
وَمَجَنّةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَفْعَلَةً وَفَعْلَةً فَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ
: فِي الْمِجَنّ إنّ مِيمَه أَصْلِيّةٌ وَأَنّهُ فَعَلَ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ
الْعَبّاسُ وَجَعَلُوهُ مِفْعَلًا ، مِنْ جَنّ إذَا سَتَرَ وَمِنْ أَسْوَاقِهِمْ
أَيْضًا حُبَاشَةُ وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ هَذِهِ وَأَمّا شَامَةُ وَطَفِيلُ فَقَالَ
الْخَطّابِيّ فِي كِتَابِ الْأَعْلَامِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيّ : كُنْت
أَحْسَبُهُمَا جَبَلَيْنِ حَتّى مَرَرْت بِهِمَا ، وَوَقَفْت عَلَيْهِمَا فَإِذَا
هُمَا عَيْنَانِ مِنْ مَاءٍ وَيُقَوّي قَوْلَ الْخَطّابِيّ إنّهُمَا عَيْنَانِ
قَوْلٌ كَثِيرٌ
وَمَا أَنْسَ م الْأَشْيَاءِ لَا أَنْسَ مَوْقِفًا ... لَنَا ، وَلَهَا
بِالْخَبْتِ خَبْتِ طَفِيلِ
وَالْخَبْتُ مُنْخَفَضُ الْأَرْضِ .
دُعَاءُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَقْلِ وَبَاءِ
الْمَدِينَةِ إلَى مَهْيَعَةَ
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : فَذَكَرْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا سَمِعْت مِنْهُمْ فَقُلْت : إنّهُمْ لَيَهْذُونَ
وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدّةِ الْحُمّى . قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْت
إلَيْنَا مَكّةَ ، أَوْ أَشَدّ وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ
وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ ومَهْيَعَةُ : الْجُحْفَةُ .Sوَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْت إلَيْنَا
مَكّةَ ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا يَعْنِي الطّعَامَ الّذِي
يُكَالُ بِالصّاعِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَيّلُوا طَعَامَكُمْ
يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ وَشَكَا إلَيْهِ قَوْمٌ سُرْعَةَ فَنَاءِ طَعَامِهِمْ
فَقَالَ أَتَهِيلُونَ أَمْ تَكِيلُونَ ؟ فَقَالُوا : بَلْ نَهِيلُ فَقَالَ
كَيّلُوا وَلَا تَهِيلُوا وَمَنْ رَوَاهُ قُوتُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ
فِيهِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ تَصْغِيرُ الْأَرْغِفَةِ وَهَكَذَا رَوَاهُ
الْبَزّارُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الدّرْدَاءِ وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِهِ مَا
قُلْنَاهُ وَذَكَرَ [ ص 27 ] عُبَيْدٍ : الْمُدّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَعْنِي
مُدّ الْمَدِينَةِ فَقَالَ هُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ وَالرّطْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ
وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا ، وَالدّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبّةً وَخُمُسَانِ . وَقَوْلُهُ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْقُلْ حُمّاهَا ، وَاجْعَلْهَا بِمَهْيَعَة
وَهِيَ الْجُحْفَةُ ، كَأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يُرِدْ إبْعَادَ الْحُمّى
عَنْ جَمِيعِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ اُنْقُلْ
حُمّاهَا ، وَلَمْ يَخُصّ مَوْضِعًا ، أَوْ كَانَ يَخُصّ بِلَادَ الْكُفْرِ
وَذَلِكَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - لِأَنّهُ قَدْ نَهَى عَنْ سَبّ الْحُمّى
وَلَعْنِهَا فِي حَدِيثِ أُمّ الْمُسَيّبِ وَأَخْبَرَ أَنّهَا طَهُورٌ وَأَنّهَا
حَظّ كُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ النّارِ فَجَمَعَ بَيْنَ الرّفْقِ بِأَصْحَابِهِ فَدَعَا
لَهُمْ بِالشّفَاءِ مِنْهَا ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يُحَرّمُوا أَيْضًا الْأَجْرَ
فِيمَا يُصِيبُوا مِنْهَا ، فَلَمْ يُبْعِدْهَا كُلّ الْبُعْدِ . وَأَمّا
مَهْيَعَةُ ، فَقَدْ اشْتَدّ الْوَبَاءُ فِيهَا بِسَبَبِ هَذِهِ الدّعْوَةِ حَتّى
قِيلَ إنّ الطّائِرَ يَمُرّ بِغَدِيرِ خُمّ فَيَسْقَمُ وَغَدِيرُ خُمّ فِيهَا ،
وَيُقَالُ إنّهَا ، مَا وُلِدَ فِيهَا مَوْلُودٌ فَبَلَغَ الْحُلْمَ وَهِيَ أَرْضٌ
بُجْعَةٍ لَا تُسْكَنُ وَلَا يُقَامُ فِيهَا إقَامَةً دَائِمَةً فِيمَا بَلَغَنِي
وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَذَكَرَ تَحْرِيمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ
عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كُنْت أَصْطَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ
بِالْوَقَاقِيصِ وَهِيَ شِبَاكُ الطّيْرِ فَاصْطَدْت نُهَسًا ، فَأَخَذَهُ زَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ ، وَصَكّ فِي قَفَايَ ثُمّ أَرْسَلَهُ .
مَا جَهَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
الْوَبَاءِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَتْهُمْ حُمّى
الْمَدِينَةِ ، حَتّى جَهَدُوا مَرَضًا ، وَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ
نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى كَانُوا مَا يُصَلّونَ إلّا وَهُمْ
قُعُودٌ قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُمْ يُصَلّونَ كَذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ ا عْلَمُوا أَنّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ
عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ قَالَ فَتَجَشّمَ الْمُسْلِمُونَ
الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الضّعْفِ وَالسّقَمِ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ .
بَدْءُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ
[ ص 28 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ تَهَيّأَ لِحَرْبِهِ قَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللّهُ مِنْ جِهَادِ عَدُوّهِ
وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِمّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَ
عَشْرَةَ سَنَةً .Sوَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ
السّلَامُ صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ حِينَ
رَآهُمْ يَصِفُونَ قُعُودًا مِنْ الْوَعْكِ قَالَ فَتَجَشّمَ النّاسُ الْقِيَامَ
عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ السّقَمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللّفْظِ يُقَوّي مَا
تَأَوّلَهُ الْخَطّابِيّ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ أَنّهَا عَلَى [ ص 28 ] قَالَ
الْخَطّابِيّ : إنّمَا ذَلِكَ لِلضّعِيفِ الّذِي يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ
بِكُلْفَةِ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ الْبَتّةَ فَصَلَاتُهُ مِثْلُ
صَلَاةِ الْقَائِمِ وَهَذَا كُلّهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَالنّافِلَةِ وَخَالَفَ
أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَخْصِيصِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِصَلَاةِ النّافِلَةِ فِي حَالِ
الصّحّةِ وَاحْتَجّ الْخَطّابِيّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَفِيهِ
وَصَلَاتُهُ قَائِمًا عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا ، قَالَ وَقَدْ أَجَمَعَتْ
الْأُمّةُ أَنْ لَا يُصَلّيَ أَحَدٌ مُضْطَجِعًا إلّا مِنْ مَرَضٍ فَدَلّ عَلَى
أَنّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْحَدِيثِ كُلّهِ إلّا الْمَرِيضَ الّذِي يَقْدِرُ
عَلَى الْقِيَامِ بِكُلْفَةِ أَوْ عَلَى الْقُعُودِ بِمَشَقّةِ وَنَسَبَ بَعْضُ
النّاسِ النّسَوِيّ إلَى التّصْحِيفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا : إنّمَا
هُوَ وَصَلَاتُهُ نَائِمًا عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا ، فَتَوَهّمَهُ
النّسَوِيّ قَائِمًا ، أَيْ مُضْطَجِعًا ، فَتَرْجَمَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ
بَابُ صَلَاةِ النّائِمِ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا ، فَإِنّ فِي الرّوَايَةِ
الثّانِيَةِ وَصَلَاةُ النّائِمِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ وَمِثْلُ
هَذَا لَا يَتَصَحّفُ وَقَوْلُ الْخَطّابِيّ : أَجَمَعَتْ الْأُمّةُ عَلَى أَنّ
الْمُضْطَجِعَ لَا يُصَلّي فِي حَالِ الصّحّةِ نَافِلَةً وَلَا غَيْرَهَا ،
وَافَقَهُ أَبُو عُمَرَ عَلَى ادّعَاءِ الْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ
وَلَيْسَتْ بِمَسْأَلَةِ إجْمَاعٍ كَمَا زَعَمَا ، بَلْ كَانَ مِنْ اللّهِ مَنْ
يُجِيزُ لِلصّحِيحِ أَنْ يَتَنَفّلَ مُضْطَجِعًا ، مَعَهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيّ
، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عِيسَى التّرْمِذِيّ فِي مُصَنّفِهِ .
تَارِيخُ الْهِجْرَةِ
[ ص 29 ] قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ
مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ
وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ
رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهُوَ التّارِيخُ ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ
ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ عَزّ
وَجَلّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ
الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا ، وَشَعْبَانَ
وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوّالًا ، وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحَجّةِ - وَوَلِيَ
تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ - وَالْمُحَرّمَ ثُمّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ
عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ .
غَزْوَةَ وَدّانَ
وَهِيَ أَوّلُ غَزَوَاتِهِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ
مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ وَالرّجُوعُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ وَدّانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ،
يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ
كِنَانَةَ [ ص 30 ] بَنُو ضَمْرَةَ ، وَكَانَ الّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ
عَلَيْهِمْ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمْرِيّ ، وَكَانَ سَيّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ
ذَلِكَ . ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى
الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ صَفَرَ
وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ أَوّلُ
غَزْوَةٍ غَزَاهَا .Sتَارِيخُ الْهِجْرَةِ وَغَزْوَةُ وَدّانَ
[ ص 29 ] ذَكَرَ قُدُومَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ وَقَدْ قَدّمْنَا فِي [ ص 30
] قَالَهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَفِي أَيّ شَهْرٍ كَانَ
قُدُومُهُ مِنْ شُهُورِ الْعَجَمِ . وَذَكَرَ أَنّهُ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ
بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَيْنِ
وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ وَشَهْرَيْ جُمَادَى ، أَوْ يَقُولُ وَبَقِيّةُ
رَبِيعٍ وَرَبِيعًا الْآخَرَ كَمَا قَالَ فِي سَائِرِ الشّهُورِ وَلَكِنْ الشّهْرُ
إذَا سَمّيْته بِالِاسْمِ الْعَلَمِ لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا ، وَكَانَتْ الْإِقَامَةُ
أَوْ الْعَمَلُ فِيهِ كُلّهِ إلّا أَنْ تَقُولَ شَهْرَ كَذَا ، كَمَا تَقَدّمَ
مِنْ كَلَامِنَا عَلَى شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ وَكَذَلِكَ قَالَ
سِيبَوَيْهِ ، فَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ : جُمَادَيْنِ وَرَجَبًا مُسْتَقِيمٌ عَلَى
هَذَا الْأَصْلِ . وَقَوْلُهُ بَقِيّةُ شَهْرِ رَبِيعٍ فَلِأَنّ الْعَمَلَ
وَالْإِقَامَةَ كَانَ فِي بَعْضِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بَقِيّةَ رَبِيعٍ
الْأَوّلِ لَكِنّهُ قَالَ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ لِيَزْدَوِجَ الْكَلَامُ
وَيُشَاكِلَ مَا قَبْلَهُ وَهَذَا كُلّهُ مِنْ فَصَاحَتِهِ رَحِمَهُ اللّهُ أَوْ
مِنْ فَصَاحَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ إنْ كَانَ رَوَاهُ عَلَى اللّفْظِ .
وَقَوْلُهُ وَجُمَادَيْنِ وَرَجَبًا . كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ
وَالْجُمَادَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللّامِ لِأَنّهُ اسْمُ عَلَمٍ وَلَا يُثَنّى
الْعَلَمُ فَيَكُونُ مَعْرِفَةً إلّا أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ
فَتَقُولُ الزّيْدَانِ وَالْعُمَرَانِ لَكِنّهُ أَجْرَاهُ بِفَصَاحَتِهِ مَجْرَى
أَبَانَيْنِ وَقَنَوَيْنِ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ اسْمٌ لِجَبَلَيْنِ وَلَا
تَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللّامُ لِأَنّ تَعْرِيفَهُ لَمْ يَزَلْ بِالتّثْنِيَةِ
لِأَنّهُمَا أَبَدًا مُتَلَازِمَانِ فَالتّثْنِيَةُ لَازِمَةٌ لَهُمَا مَعَ
الْعَلَمِيّةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيّينَ وَلَمّا كَانَ جُمَادَيَانِ شَهْرَيْنِ
مُتَكَارِهَيْنِ جَعَلَهُمَا فِي الزّمَانِ كَأَبَانَيْنِ فِي الْمَكَانِ وَلَمْ
يَجْعَلْهُمَا كَالزّيْدَيْنِ وَالْعُمَرَيْنِ اللّذَيْنِ لَا تَلَازُمَ
بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ . قَالَ الْحُطَيْئَةُ
بَاتَتْ لَهُ بِكَثِيبِ جَرْبَةَ لَيْلَةً ... وَطَفَاءَ بَيْنَ جُمَادَيْنِ
دَرُورُ
فَإِنْ قُلْت : فَقَدْ قَالُوا : السّمَاكَيْنِ فِي النّجُومِ وَهُمَا
مُتَلَازِمَانِ وَكَذَلِكَ السّرَطَانُ قُلْنَا : إنّمَا كَانَ ذَلِكَ لِوُجُودِ
مَعْنَى الصّفَةِ فِيهِمَا ، وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْحَارِثِ وَالْعَبّاسِ
فِي الْآدَمِيّينَ وَأَكْشَفَ سِرّ الْعَلَمِيّةِ فِي الشّهُورِ وَالْأَيّامِ
وَتَقْسِيمِ أَنْوَاعِ الْعَلَمِيّةِ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي [ ص 31 ] فَصَاحَةُ
ابْنِ إسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ بَقِيّةَ شَهْرِ كَذَا وَشَهْرَ كَذَا وَجُمَادَيْنِ
وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَنَزّلَ الْأَلْفَاظَ عِنْدَ مَنَازِلِهَا عِنْدَ
أَرْبَابِ اللّغَةِ الْفَاهِمِينَ لِحَقَائِقِهَا ، يَرْحَمُهُ اللّهُ .
سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ
وَهِيَ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 31 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَقَامِهِ
ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ قُصَيّ فِي سِتّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، فَسَارَ حَتّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ
بِأَسْفَلَ ثَنِيّةِ الْمَرّةِ ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ ،
فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَدْ رَمَى
يَوْمَئِذٍ بِسَهْمِ فَكَانَ أَوّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ .
مَنْ فَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ
ثُمّ انْصَرَفَ الْقَوْمُ عَنْ الْقَوْمِ وَالْمُسْلِمِينَ حَامِيَةٌ . وَفَرّ
مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو
الْبَهْرَانِيّ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةِ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ
الْمَازِنِيّ ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَا
مُسْلِمَيْنِ وَلَكِنّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصّلَا بِالْكُفّارِ . وَكَانَ عَلَى
الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي ابْنُ
أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُ كَانَ
عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ ، أَحَدُ بَنِي مَعِيصِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ .Sغَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ
وَذَكَرَ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ وَلِقَائِهِ الْمُشْرِكِينَ وَعَلَى
الْمُشْرِكِينَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ ، هَكَذَا الرّوَايَةُ
حَيْثُ وَقَعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ . وَذَكَرَ ابْنُ مَاكُولَا فِي الْمُؤْتَلَفِ
وَالْمُخْتَلَفِ عَنْ أَبِي عَبْدَةَ النّسّابَةِ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ مَكْرَزُ
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَأَنّهُ مِفْعَلٌ أَوْ مَفْعَلٌ مِنْ الْكَرِيزِ وَهُوَ
الْأَقِطُ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الْأَخْيَفِ هَهُنَا أَنّهُ
بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَكَانَ ابْنُ مَاكُولَا وَحْدَهُ
يَقُولُ فِي الْأَخْيَفِ مِنْ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَهُوَ
جَدّ الْخَشْخَاشِ التّمِيمِيّ : أُخَيْفٌ بِضَمّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ
وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ : أَخْيَفُ كَمَا قَالُوا فِي الْأَوّلِ .
شِعْرُ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 32 ] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ
أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدّمَائِثِ ... أَرِقْت وَأَمْرٍ فِي
الْعَشِيرَةِ حَادِثِ
تَرَى مِنْ لُؤَيّ فَرْقَةً لَا يَصُدّهَا ... عَنْ الْكُفْرِ تَذْكِيرٌ وَلَا
بَعْثُ بَاعِثِ
رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذّبُوا ... عَلَيْهِ وَقَالُوا : لَسْت فِينَا
بِمَاكِثِ
إذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْحَقّ أَدْبَرُوا ... وَهَرّوا هَرِيرَ
الْمُحْجَرَاتِ اللّوَاهِثِ
فَكَمْ قَدْ مَتَتْنَا فِيهِمْ بِقَرَابَةِ ... وَتَرْكُ التّقَى شَيْءٌ لَهُمْ
غَيْرُ كَارِثِ
فَإِنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُقُوقِهِمْ ... فَمَا طَيّبَاتُ الْحِلّ
مِثْلُ الْخَبَائِثِ
لِأَنْ يَرْكَبُوا طُغْيَانَهُمْ وَضَلَالَهُمْ ... فَلَيْسَ عَذَابُ اللّهِ
عَنْهُمْ بِلَابِثِ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ ذُؤَابَةَ غَالِبٌ ... لَنَا الْعِزّ مِنْهَا فِي
الْفُرُوعِ الْأَثَائِثِ
فَأُولِي بِرَبّ الرّاقِصَاتِ عَشِيّةً ... حَراجِيجُ تَخْدِي فِي الرّيحِ الرّثَائِثِ
كَأَدْمِ ظِبَاءٍ حَوْلَ مَكّةَ عُكّفٍ ... يَرِدْنَ حِيَاضَ الْبِئْرِ ذَاتِ
التّبَائِثِ
لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عَاجِلًا مِنْ ضَلَالِهِمْ ... وَلَسْت إذَا آلَيْتَ
قَوْلًا بِحَانِثِ
لَتَبْتَدِرَنهُمْ غَارَةٌ ذَاتُ مَصْدَقٍ ... تُحَرّمُ أَطْهَارَ النّسَاءِ
الطّوَامِثِ
تُغَادِرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَا تَرْأَفُ الْكُفّارَ
رَأْفَ ابْنِ حَارِثِ
فَأَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْك رِسَالَةً ... وَكُلّ كَفُورٍ يَبْتَغِي الشّرّ
بَاحِثِ
فَإِنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلَى سُوءِ رَأْيِكُمْ ... فَإِنّي مِنْ أَعْرَاضِكُمْ
غَيْرُ شَاعِثِ
[ ص 33 ] الزّبَعْرَى السّهْمِيّ فَقَالَ
أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ ... بَكَيْت بِعَيْنِ دَمْعُهَا
غَيْرُ لَابِثِ
وَمِنْ عَجَبِ الْأَيّامِ وَالدّهْرُ كُلّهُ ... لَهُ عَجَبٌ مِنْ سَابِقَاتٍ
وَحَادِثِ
لِجَيْشِ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ ... عُبَيْدَةُ يُدْعَى فِي الْهِيَاجِ
ابْنَ حَارِثِ
لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا بِمَكّةَ عُكّفًا ... مَوَارِيثَ مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ
لِوَارِثِ
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ بِسُمْرِ رُدَيْنَةٍ ... وَجُرْدٍ عِتَاقٍ فِي الْعَجَاجِ
لَوَاهِثِ
وَبِيضٍ كَأَنّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُونِهَا ... بِأَيْدِي كُمَاةٍ كَاللّيُوثِ
الْعَوَائِثِ
نُقِيمُ بِهَا إصْعَارَ مَنْ كَانَ مَائِلًا ... وَنَشْفِي الدّخُولَ عَاجِلًا
غَيْرَ لَابِثِ
فَكَفّوا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَيْبَةٍ ... وَأَعْجَبَهُمْ أَمْرٌ لَهُمْ
أَمْرُ رَائِثِ
وَلَوْ أَنّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا نَاحَ نِسْوَةٌ ... أَيَامَى لَهُمْ مِنْ بَيْنَ
نَسْءٍ وَطَامِثِ
وَقَدْ غُودِرَتْ قَتْلَى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ... حَفِيّ بِهِمْ أَوْ غَافِلٌ
غَيْرُ بَاحِثِ
فَأَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْك رِسَالَةً ... فَمَا أَنْتَ عَنْ أَغْرَاضِ
فِهْرٍ بِمَاكِثِ
وَلَمّا تَجِبْ مِنّي يَمِينٌ غَلِيظَةٌ ... تُجَدّدُ حَرْبًا حَلْفَةٌ غَيْرَ
حَانِثِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 34 ] الْقَصِيدَةَ لِابْنِ الزّبَعْرَى .
شِعْرُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ تِلْكَ
فِيمَا يَذْكُرُونَ
أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللّهِ أَنّي ... حَمَيْت صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي
أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ... بِكُلّ حُزُونَةٍ وَبِكُلّ سَهْلِ
فَمَا يَعْتَدّ رَامٍ فِي عَدُوّ ... بِسَهْمِ يَا رَسُولَ اللّهِ قَبْلِي
وَذَلِكَ أَنّ دِينَك دِينُ صَدْقٍ ... وَذُو حَقّ أَتَيْت بِهِ وَعَدْلِ
يُنْجِي الْمُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُجْزَى ... بِهِ الْكُفّارُ عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ
فَمَهْلًا قَدْ غَوِيتَ فَلَا تَعِبْنِي ... غَوِيّ الْحَيّ وَيْحَك يَا بْنَ
جَهْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِسَعْدِ .
أَوّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ
[ ص 35 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ -
فِيمَا بَلَغَنِي - أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَبَعْضُ
الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى
الْمَدِينَةِ .Sشَرْحُ
الْقَصِيدَةِ الْمَنْسُوبَةِ
إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَصِيدَةِ ابْنِ الزّبَعْرَى وَأَبِي جَهْلٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 32 ] الْقَصِيدَةَ الّتِي تُعْزَى إلَى أَبِي بَكْرٍ
وَنَقِيضَتُهَا لِابْنِ الزّبَعْرَى ، وَالّزِبَعْرَى فِي اللّغَةِ السّيّئُ
الْخُلُقِ يُقَالُ رَجُلٌ زِبَعْرَى ، وَامْرَأَةٌ زِبَعْرَاةَ وَالزّبَعْرَى
أَيْضًا الْبَعِيرُ الْأَزَبّ الْكَثِيرُ شَعْرِ الْأُذُنَيْنِ مَعَ قِصَرٍ
قَالَهُ الزّبَيْرُ . وَفِي هَذَا الشّعْرِ أَوْ الّذِي بَعْدَهُ ذَكَرَ الدّبّةَ
وَهُوَ الْكَثِيبُ مِنْ الرّمْلِ وَأَمّا الدّبّةُ بِضَمّ الدّالِ فَإِنّهُ
يُقَالُ جَرَى فُلَانٌ عَلَى دُبّةِ فُلَانٍ أَيْ عَلَى سُنّتِهِ وَطَرِيقَتِهِ
وَالدّبّةُ أَيْضًا ظَرْفٌ لِلزّيْتِ قَالَ الرّاجِزُ لِيَكُ بِالْعُنْفِ عِفَاصُ
الدّبّةِ
وَالدّبّةُ بِكَسْرِ الدّالِ هَيْئَةُ الدّبِيبِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُشْكِلُ
مَعْنَاهُ . وَقَوْلُهُ . . . تَحْدِي فِي السّرِيحِ الرّثَائِثِ [ ص 33 ]
الْحَرَاجِيجَ وَهِيَ الطّوَالُ تَحْدِي أَيْ تُسْرِعُ فِي سَرِيحٍ قَدْ رَثّ مِنْ
طُولِ السّيْرِ قَالَ الشّاعِرُ دَوَمَى الْأَيْدِ يَحْبِطْنَ السّرِيحَا
وَذَكَرَ الْعَثَاعَثَ ، وَاحِدُهَا : عَثْعَثٌ وَهُوَ مِنْ أَكْرَمِ مَنَابِتِ
الْعُشْبِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَفِي الْعَيْنِ الْعُثْعُثُ ظَهْرُ
الْكَثِيبِ الّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ . وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّ قَوْمًا مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ أَنْكَرُوا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ لِأَبِي
بَكْرٍ وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ مَنْ أَنْكَرَ لَهُ مَا رَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ
مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَذَبَ مَنْ
أَخْبَرَكُمْ أَنّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ بَيْتَ شِعْرٍ فِي الْإِسْلَامِ رَوَاهُ
مُحَمّدٌ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكّلِ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ . وَقَوْلُ
ابْنِ الزّبَعْرَى : بَيْنَ نَسْءٍ وَطَامِثِ وَالنّسْءُ حَمْلُ الْمَرْأَةِ [ ص
34 ] يُقَالُ نُسِئَتْ الْمَرْأَةُ [ نَسَأً ] إذَا تَأَخّرَ حَيْضُهَا مِنْ
أَجْلِ الْحَمْلِ . مِنْ كِتَابِ الْعَيْنِ . وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَأْبَ ابْنِ
حَارِثٍ . يَعْنِي : عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .
سَرِيّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ
الْبَحْرِ
مَا جَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفّارِ
وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ،
إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ . فَلَقِيَ أَبَا جَهْلٍ
بْنَ هِشَامٍ بِذَلِكَ السّاحِلِ فِي ثَلَاثِ مِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ
. فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِي بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ . وَكَانَ مُوَادِعًا
لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ
يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ .
كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَشِعْرُ حَمْزَةَ فِي
ذَلِكَ
وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وَذَلِكَ أَنْ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا ، فَشُبّهَ ذَلِكَ عَلَى
النّاسِ . وَقَدْ زَعَمُوا أَنّ حَمْزَةَ قَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ
فِيهِ أَنّ رَايَتَهُ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ إنْ
شَاءَ اللّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلّا حَقّا ، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ
كَانَ . فَأَمّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا . فَعُبَيْدَةُ
بْنُ الْحَارِثِ أَوّلُ مَنْ عَقَدَ لَهُ . فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ فِيمَا
يَزْعُمُونَ [ ص 36 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
أَلَا يَا لِقَوْمِي لِلتّحَلّمِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلنّقْصِ مِنْ رَأْيِ
الرّجَالِ وَلِلْعَقْلِ
وَلِلرّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ... لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ
وَلَا أَهْلٍ
كَأَنّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ... لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ
بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ
وَأَمْرٍ بِإِسْلَامِ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ... وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ
مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ
فَمَا بَرِحُوا حَتّى انْتَدَبْت لِغَارَةِ ... لَهُمْ حَيْثُ حَلّوا أَبْتَغِي
رَاحَةَ الْفَضْلِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ أَوّلُ خَافِقٍ ... عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ
مِنْ قَبْلِي
لِوَاءٌ لَدَيْهِ النّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ... إلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ
أَفْضَلُ الْفِعْلِ
عَشِيّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلّنَا ... مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ
تَغْلِي
فَلَمّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقّلُوا ... مَطَايَا وَعَقّلْنَا مَدَى غَرَضِ
النّبْلِ
فَقُلْنَا لَهُمْ حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ... وَمَا لَكُمْ إلّا الضّلَالَةُ
مِنْ حَبْلِ
فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ... فَخَابَ وَرَدّ اللّهُ كَيْدَ أَبِي
جَهْلٍ
وَمَا نَحْنُ إلّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ... وَهُمْ مِئَتَانِ بَعْدَ وَاحِدَةٍ
فَضْلِ
فَيَا لَلُؤَيّ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ... وَفِيئُوا إلَى الْإِسْلَامِ
وَالْمَنْهَجِ السّهْلِ
فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُصَبّ عَلَيْكُمْ ... عَذَابٌ فَتَدْعُوا بِالنّدَامَةِ
وَالثّكْلِ
شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرّدّ عَلَى حَمْزَةَ
[ ص 37 ] أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
عَجِبْت لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلشّاغِبِينَ بِالْخِلَافِ
وَبِالْبُطْلِ
وَلِلتّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا ... عَلَيْهِ ذَوِي الْأَحْسَابِ
وَالسّؤْدُدِ الْجَزْلِ
أَتَوْنَا بِإِفْكِ كَيْ يُضِلّوا عُقُولَنَا ... وَلَيْسَ مُضِلّا إفْكُهُمْ
عَقْلَ ذِي عَقْلِ
فَقُلْنَا لَهُمْ يَا قَوْمَنَا لَا تُخَالِفُوا ... عَلَى قَوْمِكُمْ إنّ
الْخِلَافَ مَدَى الْجَهْلِ
فَإِنّكُمْ إنْ تَفْعَلُوا تَدْعُ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بَوَاكٍ بِالرّزِيّةِ
وَالثّكْلِ
وَإِنْ تَرْجِعُوا عَمّا فَعَلْتُمْ فَإِنّنَا ... بَنُو عَمّكُمْ أَهْلُ الْحَفَائِظِ
وَالْفَضْلِ
فَقَالُوا لَنَا : إنّا وَجَدْنَا مُحَمّدًا ... رِضَا لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنّا
وَذِي الْعَقْلِ
فَلَمّا أَبَوْا إلّا الْخِلَافَ وَزَيّنُوا ... جِمَاعَ الْأُمُورِ بِالْقَبِيحِ
مِنْ الْفِعْلِ
تَيَمّمَتْهُمْ بِالسّاحِلَيْنِ بِغَارَةِ ... لِأَتْرُكهُمْ كَالْعَصْفِ لَيْسَ
بِذِي أَصْلِ
فَوَرّعَنِي مَجْدِي عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي ... وَقَدْ وَازْرُونِي بِالسّيُوفِ
وَبِالنّبْلِ
لِإِلّ عَلَيْنَا وَاجِبٍ لَا نُضَيّعُهُ ... أَمِينٌ قَوّاهُ غَيْرُ مُنْتَكِثِ
الْحَبْلِ
فَلَوْلَا ابْنُ عَمْرٍو كُنْت غَادَرْت مِنْهُمْ ... مَلَاحِمَ لِلطّيْرِ
الْعُكُوفِ بِلَا تَبْلِ
وَلَكِنّهُ آلَى بِإِلّ فَقَلّصَتْ ... بِأَيْمَانِنَا حَدّ السّيُوفِ عَنْ
الْقَتْلِ
فَإِنْ تُبْقِنِي الْأَيّامُ أَرْجِعُ عَلَيْهِمْ ... بِبِيضِ رِقَاقِ الْحَدّ
مُحْدَثَةِ الصّقْلِ
بِأَيْدِي حُمَاةٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ الْمَسَاعِي فِي
الْجُدُوبَةِ وَالْمَحْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا
الشّعْرَ لِأَبِي جَهْلٍ .Sأَسْمَاءٌ مَمْنُوعَةٌ مِنْ التّنْوِينِ
وَقَوْلُ أَبِي جَهْلٍ وَوَرّعَنِي مَجْدِي عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي
[ ص 35 ] تَرَكَ صَرْفَ مَجْدِي ، لِأَنّهُ عَلَمٌ وَتَرَكَ التّنْوِينَ فِي
الْمَعَارِفِ كُلّهَا أَصْلٌ لَا يُنَوّنُ مُضْمَرٌ وَلَا مُبْهَمٌ وَلَا مَا
فِيهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ وَلَا مُضَافٌ وَكَذَلِكَ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْعَلَمِ
فَإِذَا لَمْ يُنَوّنْ فِي الشّعْرِ فَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ لِأَنّ دُخُولَ
التّنْوِينِ فِي الْأَسْمَاءِ إنّمَا هُوَ عَلَامَةٌ لِانْفِصَالِهَا عَنْ
الْإِضَافَةِ فَمَا لَا يُضَافُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَنْوِينٍ وَقَدْ كَشَفْنَا
سِرّ التّنْوِينِ وَامْتِنَاعَ التّنْوِينِ وَالْخَفْضَ مِمّا لَا يَنْصَرِفُ فِي
مَسْأَلَةٍ أَفْرَدْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَتَيْنَا فِيهَا بِالْعَجَبِ
الْعُجَابِ وَالشّوَاهِدِ عَلَى حَذْفِ التّنْوِينِ فِي الشّعْرِ مِنْ الِاسْمِ
الْعَلَمِ كَثِيرَةٌ جِدّا ، فَتَأَمّلْهُ فِي أَشْعَارِ السّيَرِ وَالْمَغَازِي
تَجِدُهَا ، وَعَرَضْنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْأَشْعَارِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ
السّيرَةِ أَنْ نَشْرَحَ مِنْهَا مَا اُسْتُغْلِقَ لَفْظُهُ جِدّا ، أَوْ غَمُضَ
إعْرَابُهُ عَلَى شَرْطِنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ .
رِوَايَةُ شِعْرِ الْكَفَرَةِ
[ ص 36 ] نَالُوا فِيهَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا
شِعْرَ مَنْ أَسْلَمَ وَتَابَ كَضِرَارِ وَابْنِ الزّبَعْرَى ، وَقَدْ كَرِهَ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِعْلَ ابْنِ إسْحَاقَ فِي إدْخَالِهِ الشّعْرَ
الّذِي نِيلَ فِيهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
وَمِنْ النّاسِ مَنْ اعْتَذَرَ عَنْهُ قَالَ حِكَايَةَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرِ
وَالشّعْرُ كَلَامٌ وَلَا فَرْقَ أَنْ يُرْوَى كَلَامُ الْكَفَرَةِ
وَمُحَاجّتُهُمْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ
مَنْثُورًا وَبَيْنَ أَنْ يُرْوَى مَنْظُومًا ، وَقَدْ حَكَى رَبّنَا سُبْحَانَهُ
فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مَقَالَاتِ الْأُمَمِ لِأَنْبِيَائِهَا ، وَمَا طَعَنُوا
بِهِ عَلَيْهِمْ فَمَا ذَكَرَ مِنْ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ نَظْمًا أَوْ
نَثْرًا فَإِنّمَا يُقْصَدُ بِهِ الِاعْتِبَارُ بِمَا مَضَى ، وَتَذَكّرُ نِعْمَةِ
اللّهِ تَعَالَى عَلَى الْهُدَى ، وَالْإِنْقَاذِ مِنْ الْعَمَى . وَقَدْ قَالَ
عَلَيْهِ السّلَامُ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ
أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا وَتَأَوّلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فِي
الْأَشْعَارِ [ ص 37 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَنْكَرَتْ قَوْلَ مَنْ
حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ الشّعْرِ وَإِذَا قُلْنَا بِمَا رُوِيَ
عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلّا عَيْبُ امْتِلَاءِ
الْجَوْفِ مِنْهُ . وَأَمّا رِوَايَةُ الْيَسِيرِ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ
الْحِكَايَةِ أَوْ الِاسْتِشْهَادُ عَلَى اللّغَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي النّهْيِ
وَقَدْ رَدّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَنْ تَأَوّلَ الْحَدِيثَ فِي الشّعْرِ الّذِي
هُجِيَ بِهِ الْإِسْلَامُ وَقَالَ رِوَايَةُ نِصْفِ بَيْتٍ مِنْ ذَلِكَ الشّعْرِ
حَرَامٌ فَكَيْفَ يَخُصّ امْتِلَاءَ الْجَوْفِ مِنْهُ بِالذّمّ وَعَائِشَةُ
أَعْلَمُ فَإِنّ الْبَيْتَ وَالْبَيْتَيْنِ وَالْأَبْيَاتَ مِنْ تِلْكَ
الْأَشْعَارِ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ الْمَنْثُورِ
الّذِي ذَمّوا بِهِ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَا فَرْقَ
وَقَوْلُ عَائِشَةَ الّذِي ، قَدّمْنَاهُ ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ
وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ فَإِنّ النّفْسَ تَقَذّرُ تِلْكَ الْأَشْعَارَ
وَتُبْغِضُهَا وَقَائِلِيهَا فِي اللّهِ فَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا خَيْرٌ مِنْ
الْخَوْضِ فِيهَا وَالتّتَبّعِ لِمَعَانِيهَا .
غَزْوَةُ بُوَاطَ
[ ص 38 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ بُوَاطَ ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى ، ثُمّ
رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَلَبِثَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ
رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى .Sغَزْوَةُ بُوَاطَ
[ ص 38 ] وَبُوَاطُ جَبَلَانِ فَرْعَانِ لِأَصْلِ وَأَحَدُهُمَا : جَلْسِيّ ،
وَالْآخَرُ غَوْرِيّ ، وَفِي الْجَلْسِيّ بَنُو دِينَارٍ [ مَوَالِي بَنِي
كُلَيْبِ بْنِ كَثِيرٍ ] يُنْسَبُونَ إلَى دِينَارٍ مَوْلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ
مَرْوَانَ . ذَكَرَ فِيهِ اسْتِخْلَافَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - عَلَى الْمَدِينَةِ السّائِبَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ أَخُو عُثْمَانَ
بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، شَهِدَ
بَدْرًا فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي
الْبَدْرِيّينَ وَأَمّا السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ أَخِي هَذَا ،
فَشَهِدَ بَدْرًا فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمْ إلّا ابْنَ الْكَلْبِيّ وَقُتِلَ يَوْمَ
الْيَمَامَةِ شَهِيدًا .
غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ
أَبُو سَلَمَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ
ثُمّ غَزَا قُرَيْشًا ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنِ
عَبْدِ الْأَسَدِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 39 ]
الطّرِيقُ إلَى الْعُشَيْرَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ ، ثُمّ عَلَى
فَيْفَاءِ الْخَبَارِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِبَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ
يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ السّاقِ فَصَلّى عِنْدَهَا . فَثَمّ مَسْجِدُهُ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ فَأَكَلَ مِنْهُ
وَأَكَلَ النّاسُ مَعَهُ فَمَوْضِعُ أَثَافِي الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ
وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرِبُ ، ثُمّ ارْتَحَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ بِيَسَارِ
وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا : شُعْبَةُ عَبْدِ اللّهِ ، وَذَلِكَ اسْمُهَا
الْيَوْمَ ثُمّ صَبّ لِلْيَسَارِ حَتّى هَبَطَ يَلْيَلَ ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ
وَمُجْتَمَعِ الضّبُوعَةِ ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضّبُوعَةِ ثُمّ سَلَكَ الْفَرْشَ
فَرْشَ مَلَلَ ، حَتّى لَقِيَ الطّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ ثُمّ اعْتَدَلَ
بِهِ الطّرِيقُ حَتّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ . فَأَقَامَ
بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَادَعَ فِيهَا
بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ ثُمّ رَجَعَ إلَى
الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .
تَكْنِيَةُ عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ
[ ص 40 ] قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا قَالَ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيّ
، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي
يَزِيدَ عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ كُنْت أَنَا وَعَلِيّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِهَا ، رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بَنِي
مُدْلِجٍ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ ، فَقَالَ لِي عَلِيّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ
الْقَوْمَ فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ ؟ قَالَ قُلْت : إنْ شِئْت ، قَالَ
فَجِئْنَاهُمْ فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً ثُمّ غَشِينَا النّوْمُ .
فَانْطَلَقْت أَنَا وَعَلِيّ حَتّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ مِنْ النّخْلِ وَفِي
دَقْعَاءَ مِنْ التّرَابِ فَنِمْنَا ، فَوَاَللّهِ مَا أَهَبّنَا إلّا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَرّكُنَا بِرِجْلِهِ . وَقَدْ
تَتَرّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدّقْعَاءِ الّتِي نِمْنَا فِيهَا ، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا
لَك يَا أَبَا تُرَابٍ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التّرَابِ ثُمّ قَالَ أَلَا
أُحَدّثُكُمَا بِأَشْقَى النّاسِ رَجُلَيْنِ ؟ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ
قَالَ " أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الّذِي عَقَرَ النّاقَةَ وَاَلّذِي يَضْرِبُك يَا
عَلِيّ عَلَى هَذِهِ - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ - حَتّى يَبُلّ مِنْهَا
هَذِهِ وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ [ ص 41 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إنّمَا سَمّى عَلِيّا أَبَا تُرَابٍ ، أَنّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى فَاطِمَةَ
فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلّمْهَا ، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ إلّا
أَنّهُ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ . قَالَ فَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ التّرَابَ عَرَفَ
أَنّهُ عَاتِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ فَيَقُولُ مَا لَك يَا أَبَا تُرَابٍ ؟ فَاَللّهُ
أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .Sغَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ
يُقَالُ فِيهَا : الْعُشَيْرَةُ وَالْعُشَيْرَاءُ وَبِالسّينِ الْمُهْمَلَةِ
أَيْضًا الْعُسَيْرَةُ وَالْعُسَيْرَاءُ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْإِمَامُ
الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَفِي الْبُخَارِيّ : أَنّ قَتَادَةَ
سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ الْعُشَيْرُ وَمَعْنَى الْعُسَيْرَةِ وَالْعُسَيْرَاءِ
أَنّهُ اسْمٌ مُصَغّرٌ مِنْ الْعَسْرَاءِ وَالْعُسْرَى ، وَإِذَا صُغّرَ تَصْغِيرَ
التّرْخِيمِ [ ص 39 ] قِيلَ عُسَيْرَةُ وَهِيَ بَقْلَةٌ تَكُونُ أَذَنَةً أَيْ
عَصِيفَةً ثُمّ تَكُونُ سَحّاءَ ثُمّ يُقَالُ لَهَا : الْعُسْرَى . قَالَ
الشّاعِرُ
وَمَا مَنَعْنَاهَا الْمَاءَ إلّا ضَنَانَةً ... بِأَطْرَافِ عُسْرَى شَوْكُهَا
قَدْ تَخَدّدَا
وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ كَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ
لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ وَأَمّا الْعُشَيْرَةُ بِالشّينِ الْمَنْقُوطَةِ
فَوَاحِدَةُ الْعُشَرِ مُصَغّرَةٌ . وَذَكَرَ فِيهَا الضّبُوعَةَ ، وَهُوَ اسْمُ
مَوْضِعٍ وَهُوَ فَعُولَةٌ مِنْ ضَبَعَتْ الْإِبِلُ إذَا أَمَرّتْ أَضْبَاعَهَا
فِي السّيْرِ وَفِي الضّبُوعَةِ نَزَلَ عِنْدَ شَجَرَةٍ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ
السّاقِ وَابْتَنَى ثُمّ مَسْجِدًا ، وَاسْتَسْقَى مِنْ مَاءٍ هُنَالِكَ يُقَالُ
لَهُ الْمُشَيْرِبُ كَذَلِكَ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ
إسْحَاقَ . وَذَكَرَ فِيهِ مَلَلًا ، وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ إنّهُ إنّمَا
سُمّيَ مَلَلًا لِأَنّ الْمَاشِيَ إلَيْهِ مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يَبْلُغُهُ إلّا
بَعْدَ جَهْدٍ وَمَلَلٍ ، وَهُوَ عَلَى عِشْرِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، أَوْ
أَكْثَرُ قَلِيلًا وَذَكَرَ الْحَلَائِقَ وَهِيَ آبَارٌ مَعْلُومَةٌ . وَرَوَاهُ
غَيْرُ أَبِي الْوَلِيدِ الْخَلَائِقَ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ وَفَسّرَهَا بَعْضُهُمْ
جَمْعُ خَلِيقَةٍ وَهِيَ الْبِئْرُ الّتِي لَا مَاءَ فِيهَا ، وَأَكْثَرُ
رِوَايَاتِ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا فَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 40 ] وَذَكَرَ فَرْشَ
مَلَلٍ ، وَالْفَرْشُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَكَانٌ مُسْتَوٍ نَبْتُهُ
الْعُرْفُطُ وَالسّيَالُ وَالسّمُرُ يَكُونُ نَحْوًا مِنْ مِيلٍ أَوْ فَرْسَخٍ
فَإِنْ أَنْبَتَ الْعُرْفُطَ وَحْدَهُ فَهُوَ وَهْطٌ وَإِنْ أَنْبَتَ الطّلْحَ
وَحْدَهُ فَهُوَ غَوْلٌ وَجَمْعُهُ غَيْلَانُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَإِنْ
أَنْبَتَ النّصِيّ وَالصّلّيَانَ وَكَانَ نَحْوًا مِنْ مِيلَيْنِ قِيلَ لَهُ
لُمِعَةٌ .
تَكْنِيَةُ عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ
وَذَكَرَ حَدِيثَيْنِ فِي تَكْنِيَةِ عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ وَأَصَحّ مِنْ ذَلِكَ
مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي جَامِعِهِ وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ نَائِمًا وَقَدْ تَرِبَ
جَنْبُهُ فَجَعَلَ يَحُثّ التّرَابَ عَنْ جَنْبِهِ وَيَقُولُ قُمْ أَبَا تُرَابٍ
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ مُغَاضِبًا لِفَاطِمَةَ وَهَذَا مَعْنَى
الْحَدِيثِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ عَمّارٍ مُخَالِفٌ لَهُ
إلّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَنّاهُ بِهَا
مَرّتَيْنِ مَرّةً فِي الْمَسْجِدِ وَمَرّةً فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ فَاَللّهُ
أَعْلَمُ .
أَشْقَى النّاسِ
وَذَكَرَ أَشْقَى النّاسِ قَالَ وَهُوَ أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الّذِي عَقَرَ نَاقَةَ
صَالِحٍ وَاسْمُهُ [ ص 41 ] قَدَارُ بْنُ سَالِفِ وَأُمّهُ فُذَيْرَةُ وَهُوَ مِنْ
التّسْعَةِ رَهْطٍ الْمَذْكُورِينَ فِي سُورَةِ النّمْلِ وَقَدْ ذَكَرْت
أَسَمَاءَهُمْ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ .
مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ
وَذَكَرَ مُوَادَعَتَهُ لِبَنِي ضَمْرَةَ ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ ثُمّ
مِنْ بَنِي لَيْثٍ ، وَهُمْ بَنُو غِفَارٍ وَبَنُو نُعَيْلَةَ بَنِي مُلَيْلِ بْنِ
ضَمْرَةَ وَكَانَتْ نُسْخَةُ الْمُوَادَعَةِ فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ
[ ص 42 ] بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ
اللّهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ فَإِنّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ
وَأَنّ لَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ رَامَهُمْ إلّا أَنْ يُحَارِبُوا فِي دِينِ
اللّهِ مَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً وَإِنّ النّبِيّ إذَا دَعَاهُمْ لِنَصْرِهِ
أَجَابُوهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ وَلَهُمْ
النّصْرُ عَلَى مَنْ بَرّ مِنْهُمْ وَاتّقَى
سَرِيّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ
وَذَهَابُهُ إلَى الْخَرّارِ وَرُجُوعُهُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، فِي
ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ حَتّى بَلَغَ الْخَرّارَ مِنْ
أَرْضِ الْحِجَازِ ، ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ بَعْدَ حَمْزَةَ .
غَزْوَةُ سَفْوَانَ
وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَقُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ إلّا لَيَالِيَ
قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشْرَ حَتّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ
عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ،
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ وَادِيًا ،
يُقَالُ لَهُ سَفْوَانُ ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ .
، فَلَمْ يُدْرِكْهُ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى . ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَقَامَ بِهَا
بَقِيّةَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ .
سَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
وَنُزُولُ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ }
كِتَابُ الرّسُولِ لَهُ
[ ص 42 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ
الْأَسَدِيّ فِي رَجَبٍ مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى ، وَبَعَثَ مَعَهُ
ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ
، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ
يَوْمَيْنِ ثُمّ يَنْظُرَ فِيهِ فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ لَا يَسْتَكْرِهَ
مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا . وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ . ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : أَبُو
حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَمِنْ
حُلَفَائِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَعُكّاشَةُ
بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، حَلِيفٌ
لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ
بْنِ جَابِرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : سَعْدُ
بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ ، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ
، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ ،
حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ
. [ ص 43 ] سَارَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ
فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتّى
تَنْزِلَ نَخْلَةَ ، بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ ، فَتَرَصّدْ بِهَا قُرَيْشًا
وَتَعَلّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ . فَلَمّا نَظَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ
فِي الْكِتَابِ قَالَ سَمْعًا وَطَاعَةً ثُمّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ قَدْ أَمَرَنِي
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ ،
أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا ، حَتّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ وَقَدْ نَهَانِي أَنْ
لَا أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشّهَادَةَ
وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ فَأَمّا
أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَضَى
وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ مَعَهُمْ أَحَدٌ . وَسَلَكَ
عَلَى الْحِجَازِ ، حَتّى إذَا كَانَ بِمَعْدِنِ فَوْقَ الْفُرُعِ ، يُقَالُ لَهُ
بَحْرَانُ ، أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ
بَعِيرًا لَهُمَا ، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ . فَتَخَلّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ .
وَمَضَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيّةُ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ
بِنَخْلَةَ فَمَرّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا ،
وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ .
الْخِلَافُ حَوْلَ نَسَبِ الْحَضْرَمِيّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّادٍ ،
وَيُقَالُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ أَحَدُ [ ص 44 ] الصّدِفِ ، وَاسْمُ الصّدِفِ
عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ، أَحَدُ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَةَ ، وَيُقَالُ
كِنْدِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ ، وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِيّانِ
وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . فَلَمّا
رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ
لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَمّا رَأَوْهُ
أَمِنُوا ، وَقَالُوا عُمّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ . وَتَشَاوَرَ
الْقَوْمُ فِيهِمْ وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَقَالَ الْقَوْمُ
وَاَللّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللّيْلَةَ لَيَدْخُلَن الْحَرَمَ ،
فَلَيَمْتَنِعُنّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلَنهُمْ فِي
الشّهْرِ الْحَرَامِ فَتَرَدّدَ الْقَوْمُ وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ ثُمّ
شَجّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا
عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخَذَ مَا مَعَهُمْ . فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
التّمِيمِيّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَأْسَرَ
عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ ؛ وَأَفْلَتَ
الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَأَعْجَزَهُمْ . وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ
بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرِينَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ . وَقَدْ ذَكَرَ
بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ : أَنّ عَبْدَ اللّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ
إنّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ
وَذَلِكَ أَنْ يَفْرِضَ اللّهُ تَعَالَى الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ - فَعَزَلَ
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُمُسَ الْعِيرِ وَقَسّمَ
سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ .Sسَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
صِحّةُ الرّمَايَةِ بِالْمُنَاوَلَةِ
وَهُوَ الْمُجَدّعُ فِي اللّهِ وَسَيَأْتِي حَدِيثُهُ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ
وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ
احْتِجَاجًا بِهِ عَلَى صِحّةِ الرّوَايَةِ بِالْمُنَاوَلَةِ لِأَنّ رَسُولَ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَاوَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ
كِتَابَهُ فَفَتَحَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ عَلَى مَا فِيهِ . وَكَذَلِكَ
الْعَالِمُ إذَا نَاوَلَ [ ص 43 ] جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَا فِيهِ
وَهُوَ فِقَةٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنّ النّاسَ جَعَلُوا الْمُنَاوَلَةَ الْيَوْمَ
عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصّورَةِ يَأْتِي الطّالِبُ الشّيْخَ فَيَقُولُ نَاوِلْنِي
كُتُبَك ، فَيُنَاوِلُهُ ثُمّ يُمْسِكُ مَتَاعَهُ عِنْدَهُ ثُمّ يَنْصَرِفُ
الطّالِبُ فَيَقُولُ حَدّثَنِي فُلَانٌ مُنَاوَلَةٌ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَصِحّ
عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَتّى يَذْهَبَ بِالْكِتَابِ مَعَهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ
أَنْ يُحَدّثَ بِمَا فِيهِ عَنْهُ وَمِمّنْ قَالَ بِصِحّةِ الْمُنَاوَلَةِ عَلَى
الْوَجْهِ الّذِي ذَكَرْنَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ
صَالِحٍ عَنْهُ أَنّهُ أَخَرَجَ لَهُمْ كُتُبًا مَشْدُودَةً فَقَالَ هَذِهِ
كُتُبِي صَحّحْتهَا وَرَوَيْتهَا ، فَارْوُوهَا عَنّي ، فَقَالَ لَهُ إسْمَاعِيلُ
بْنُ صَالِحٍ فَنَقُولُ حَدّثَنَا مَالِكٌ ؟ قَالَ نَعَمْ رَوَى قِصّةَ إسْمَاعِيلَ
هَذِهِ الدّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ رُوَاةِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ .
أَوْلَادُ الْحَضْرَمِيّ
وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً عَمْرًا وَعَامِرًا
وَالْعَلَاءَ فَأَمّا الْعَلَاءُ فَمِنْ أَفَاضِلِ الصّحَابَةِ وَأُخْتُهُمْ الصّعْبَةُ
أُمّ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي
سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَفِيهَا يَقُولُ حِينَ فَارَقَهَا :
وَإِنّي وَصَعْبَةً فِيمَا نَرَى ... بَعِيدَانِ وَالْوِدّ وِدّ قَرِيبْ
فَإِنْ لَا يَكُنْ نَسَبٌ ثَاقِبٌ ... فَعِنْدَ الْفَتَاةِ جَمَالٌ وَطِيبْ
فَيَالَ قُصَيّ أَلَا تَعْجَبُونَ ... إلَى الْوَبْرِ صَارَ الْغَزَالَ الرّبِيبْ
[ ص 44 ] بَنِي الْحَضْرَمِيّ اضْطِرَابٌ فَقَدْ قِيلَ مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ
، وَقِيلَ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عِمَادِ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَقِيلَ ابْنُ
عَيّادٍ وَابْنُ عَبّادٍ بِالْبَاءِ وَاَلّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَصَحّ ،
وَهُمْ مِنْ الصّدِفِ ، وَيُقَالُ فِيهِ الصّدِفُ بِكَسْرِ الدّالِ قَالَهُ ابْنُ
دُرَيْدٍ وَالصّدِفُ : مَالِكُ بْنُ مُرَتّعِ بْنِ ثَوْرٍ وَهُوَ كِنْدَةُ وَقَدْ
قَدّمْنَا مَا قِيلَ فِي اسْمِ كِنْدَةَ وَفِي مَعْنَاهُ فِي الْمَبْعَثِ وَقَدْ
قِيلَ فِي الصّدِفِ : هُوَ ابْنُ سَمّالِ بْنِ دُعْمِيّ بْنِ زِيَادِ بْنِ
حَضْرَمَوْتَ ، وَقِيلَ فِي حَضْرَمَوْتَ : إنّهُ مِنْ وَلَدِ حِمْيَرِ بْنِ
سَبَأٍ ، وَقِيلَ هُوَ ابْنُ قَحْطَانَ بْنِ عَابِرٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَسْتَنْكِرُ الْقِتَالَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ
[ ص 45 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، قَالَ مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِ فِي
الشّهْرِ الْحَرَامِ فَوَقّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ . وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ
مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ سَقَطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ هَلَكُوا ،
وَعَنّفَهُمْ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا صَنَعُوا . وَقَالَتْ
قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَسَفَكُوا
فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ . فَقَالَ
مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ كَانَ بِمَكّةَ إنّمَا
أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ . وَقَالَتْ يَهُودُ - تَفَاءَلَ بِذَلِكَ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَمْرُو بْنُ
الْحَضْرَمِيّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، عَمْرٌو ، عَمَرْت الْحَرْبَ
وَالْحَضْرَمِيّ ، حَضَرْت الْحَرْبَ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَقُدْت
الْحَرْبَ . فَجَعَلَ اللّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ .
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي فِعْلِ ابْنِ جَحْشٍ
فَلَمّا أَكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أَنَزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ
قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ
وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ }
أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدّوكُمْ عَنْ
سَبِيلِ اللّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ،
وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ قَتْلِ
مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } أَيْ قَدْ
كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ حَتّى يَرُدّوهُ إلَى الْكُفْرِ
بَعْدَ إيمَانِهِ فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ الْقَتْلِ { وَلَا
يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا
} أَيْ ثُمّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ غَيْرَ
تَائِبِينَ ولا [ ص 46 ] نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ وَفَرّجَ
اللّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشّفَقِ قَبَضَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ
وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
وَالْحَكَمِ بْنِ كَيْسَانَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لَا نُفْدِيكُمُوهَا حَتّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ
أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ - فَإِنّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا ،
فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا ، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ . فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ
فَأَفْدَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ . فَأَمّا
الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَأَقَامَ عِنْدَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ
مَعُونَةَ شَهِيدًا . وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَلَحِقَ بِمَكّةَ
فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا . فَلَمّا تَجَلّى عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ
فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ تُعْطَى
فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهَدِينَ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { إِنّ
الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ
يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَوَضَعَهُمْ اللّهُ عَزّ
وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرّجَاءِ . وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنْ
الزّهْرِيّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ : أَنّ
اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَسَمَ الْفَيْءَ حِينَ أَحَلّهُ فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ
أَخْمَاسٍ لِمَنْ أَفَاءَهُ اللّهُ وَخُمُسًا إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ فَوَقَعَ
عَلَى مَا كَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ أَوّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ . وَعَمْرُو
بْنُ الْحَضْرَمِيّ أَوّلُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوّلُ مَنْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ .
مَا قِيلَ مِنْ شِعْرٍ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي
غَزْوَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَيُقَالُ بَلْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ
قَالَهَا ، حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ أَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ [ ص 47 ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هِيَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
تَعُدّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً ... وَأَعْظَمُ مِنْهُ لَوْ يَرَى
الرّشْدَ رَاشِدُ
صُدُودُكُمْ عَمّا يَقُولُ مُحَمّدُ ... وَكُفْرٌ بِهِ وَاَللّهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ
وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللّهِ أَهْلَهُ ... لِئَلّا يُرَى لِلّهِ فِي
الْبَيْتِ سَاجِدُ
فَإِنّا وَإِنْ عَيّرْتُمُونَا بِقِتْلَةِ ... وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ
وَحَاسِدُ
سَقَيْنَا مِنْ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ رِمَاحَنَا ... بِنَخْلَةَ لَمّا أَوْقَدَ
الْحَرْبَ وَاقِدُ
دَمًا وَابْنُ عَبْدِ اللّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا ... يُنَازِعُهُ غُلّ مِنْ
الْقَدّ عَانِدُSحِكْمَةُ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
[ ص 45 ] وَذَكَرَ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ السّرِيّةِ فِيهِ
وَأَنّهُ سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ لِمَا أَصَابُوا فِيهِ مِنْ الدّمِ وَذَلِكَ أَنّ
تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَانَ حُكْمًا مَعْمُولًا بِهِ
مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَكَانَ مِنْ حُرُمَاتِ اللّهِ وَمِمّا
جَعَلَهُ مَصْلَحَةً لِأَهْلِ مَكّةَ ، قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { جَعَلَ اللّهُ
الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنّاسِ وَالشّهْرَ الْحَرَامَ } [
الْمَائِدَةُ 97 ] وَذَلِكَ لَمّا دَعَا إبْرَاهِيمُ لِذُرّيّتِهِ بِمَكّةَ إذْ
كَانُوا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ أَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النّاسِ تَهْوِي
إلَيْهِمْ فَكَانَ فِيمَا فُرِضَ عَلَى النّاسِ مِنْ حَجّ الْبَيْتِ قِوَامًا
لِمَصْلَحَتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ ثُمّ جَعَلَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ أَرْبَعَةً
ثَلَاثَةً سَرْدًا ، وَوَاحِدًا فَرْدًا ، وَهُوَ رَجَبٌ أَمّا الثّلَاثَةُ
فَلِيَأْمَنَ الْحُجّاجُ وَارِدِينَ إلَى مَكّةَ ، وَصَادِرِينِ عَنْهَا شَهْرًا
قَبْلَ شَهْرِ الْحَجّ وَشَهْرًا بَعْدَهُ قَدْرَ مَا يَصِلُ الرّاكِبُ مِنْ
أَقْصَى بِلَادِ الْعَرَبِ ، ثُمّ يَرْجِعُ حِكْمَةً مِنْ اللّهِ وَأَمّا رَجَبٌ
فَلِلْعُمّارِ يَأْمَنُونَ فِيهِ مُقْبِلِينَ وَرَاجِعِينَ نِصْفُ [ ص 46 ]
لِلْإِيَابِ إذْ لَا تَكُونُ الْعُمْرَةُ مِنْ أَقَاصِي بِلَادِ الْعَرَبِ كَمَا
يَكُونُ الْحَجّ ، أَلَا تَرَى أَنّا لَا نَعْتَمِرُ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ
فَإِذَا أَرَدْنَا عُمْرَةً فَإِنّمَا تَكُونُ مَعَ الْحَجّ وَأَقْصَى مَنَازِلِ
الْمُعْتَمِرِينَ بَيْنَ مَسِيرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَكَانَتْ
الْأَقْوَاتُ تَأْتِيهِمْ فِي الْمَوَاسِمِ وَفِي سَائِرِ الْعَامِ تَنْقَطِعُ
عَنْهُمْ ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ وَقُطّاعُ السّبُلِ فَكَانَ فِي رَجَبٍ أَمَانٌ
لِلسّالِكِينَ إلَيْهَا مَصْلَحَةً لِأَهْلِهَا وَنَظَرًا مِنْ اللّهِ لَهُمْ
دَبّرَهُ وَأَبْقَاهُ مِنْ مِلّةِ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُغَيّرْ حَتّى جَاءَ
الْإِسْلَامُ فَكَانَ الْقِتَالُ فِيهِ مُحَرّمًا كَذَلِكَ صَدْرًا مِنْ
الْإِسْلَامِ ثُمّ أَبَاحَتْهُ آيَةُ السّيْفِ وَبَقِيَتْ حُرْمَةِ الْأَشْهُرِ
الْحُرُمِ لَمْ [ ص 47 ] قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ
ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ } [ التّوْبَةُ
36ْ ] ، فَتَعْظِيمُ حُرْمَتِهَا بَاقٍ وَإِنْ أُبِيحَ الْقِتَالُ وَقَدْ رُوِيَ
عَنْ عَطَاءٍ أَنّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِيهَا حُكْمٌ ثَابِتٌ لَمْ يُنْسَخْ
وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ نَسَبِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
ذِكْرُ سَعْدٍ رَجَبًا ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ سَنّهُ لِلْعَرَبِ فِيمَا زَعَمُوا .
صَرْفُ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَيُقَالُ صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ
ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ .
غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى
عِيرُ أَبِي سُفْيَان
[ ص 48 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ سَمِعَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلًا مِنْ الشّامِ فِي عِيرٍ
لِقُرَيْشِ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالٌ لِقُرَيْشِ وَتِجَارَةٌ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ
وَفِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ
بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ وَعَمْرُو بْنُ
الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ .
نَدْبُ الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ وَحَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، وَعَاصِمُ
بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ
رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا عَنْ
ابْنِ عَبّاسٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ
حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْت مِنْ حَدِيثِ بَدْرٍ قَالُوا : لَمّا سَمِعَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ مُقْبِلًا مِنْ الشّامِ
نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وَقَالَ [ ص 49 ] يُنْفِلُكُمُوهَا . فَانْتَدَبَ
النّاسُ فَخَفّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ أَنّهُمْ لَمْ يَظُنّوا
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَلْقَى حَرْبًا ، وَكَانَ أَبُو
سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ يَتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ
لَقِيَ مِنْ الرّكْبَانِ تَخَوّفًا عَلَى أَمْرِ النّاسِ . حَتّى أَصَابَ خَبَرًا
مِنْ بَعْضِ الرّكْبَانِ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَك
وَلِعِيرِك فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ . فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو
الْغِفَارِيّ فَبَعَثَهُ إلَى مَكّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا
فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ
لَهَا فِي أَصْحَابِهِ . فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلَى مَكّةَ .Sغَزْوَةُ بَدْر
[ ص 48 ] اسْمُ بِئْرٍ حَفَرَهَا رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ ثُمّ مِنْ بَنِي النّارِ
مِنْهُمْ اسْمُهُ بَدْرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ قَوْلَ مَنْ قَالَ
هُوَ بَدْرُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ يَخْلُدَ الّذِي سُمّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ . وَرَوَى
يُونُسُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَكَرِيّا عَنْ الشّعْبِيّ قَالَ بَدْرٌ اسْمُ رَجُلٍ
كَانَتْ لَهُ بَدْرٌ .
تَحَسّسُ الْأَخْبَارِ
فَصْلٌ
[ ص 49 ] وَذَكَرَ أَبَا سُفْيَانَ وَأَنّهُ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ كَانَ
يَتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ . التّحَسّسُ بِالْحَاءِ أَنْ تَتَسَمّعَ الْأَخْبَارَ
بِنَفْسِك ، وَالتّجَسّسُ بِالْجِيمِ هُوَ أَنْ تَفْحَصَ عَنْهَا بِغَيْرِك ،
وَفِي الْحَدِيثِ لَا تَجَسّسُوا ، وَلَا تَحَسّسُوا .
ذِكْرُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَا : وَقَدْ
رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكّةَ
بِثَلَاثِ لَيَالٍ رُؤْيَا أَفْزَعَتْهَا . فَبَعَثَتْ إلَى أَخِيهَا الْعَبّاسِ
بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَخِي ، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت
اللّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي ، وَتَخَوّفْت أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِك
مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ فَاكْتُمْ عَنّي مَا أُحَدّثُك بِهِ فَقَالَ لَهَا :
وَمَا رَأَيْت ؟ قَالَتْ رَأَيْت [ ص 50 ] أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتّى
وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلَا انْفِرُوا يَا آلَ
غُدُرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ فَأَرَى النّاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ ثُمّ
دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ
بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ثُمّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا : أَلَا
انْفِرُوا يَا آلَ غُدُرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ
عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا . ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً
فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي ، حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلَ الْجَبَلِ
ارْفَضّتْ فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكّةَ وَلَا دَارٌ إلّا دَخَلْتهَا
مِنْهَا فِلْقَةٌ قَالَ الْعَبّاسُ وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَرُؤْيَا ، وَأَنْتِ
فَاكْتُمِيهَا ، وَلَا تَذْكُرِيهَا لِأَحَدِ .
ذُيُوعُ الرّؤْيَا وَمَا أَحْدَثَتْ بَيْنَ أَبِي جَهْلٍ وَالْعَبّاسِ
ثُمّ أُخْرِجَ الْعَبّاسُ فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا ، فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إيّاهَا . فَذَكَرَهَا
الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ فَفَشَا الْحَدِيثُ بِمَكّةَ حَتّى تَحَدّثَتْ بِهِ
قُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا . قَالَ الْعَبّاسُ فَغَدَوْت لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ
وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُعُودٍ يَتَحَدّثُونَ
بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ فَلَمّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ إذَا
فَرَغْت مِنْ طَوَافِك فَأَقْبِلْ إلَيْنَا ، فَلَمّا فَرَغْت أَقْبَلْت حَتّى
جَلَسْت مَعَهُمْ فَقَالَ لِي أَبُو جَهْلٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَتَى
حَدّثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النّبِيّةُ ؟ قَالَ قُلْت : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ تِلْكَ
الرّؤْيَا الّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ قَالَ فَقُلْت : وَمَا رَأَتْ ؟ قَالَ يَا
بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبّأَ رِجَالُكُمْ حَتّى
تَتَنَبّأَ نِسَاؤُكُمْ قَدْ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنّهُ قَالَ
انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ فَسَنَتَرَبّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثّلَاثَ فَإِنْ يَكُ حَقّا
مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ وَإِنْ تَمْضِ الثّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ
شَيْءٌ نَكْتُبُ عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ
الْعَرَبِ . قَالَ الْعَبّاسُ فَوَاَللّهِ مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ كَبِيرٌ إلّا
أَنّي جَحَدْت ذَلِكَ وَأَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا : قَالَ . ثُمّ
تَفَرّقْنَا . [ ص 51 ] بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا أَتَتْنِي ، فَقَالَتْ
أَقْرَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ ثُمّ
قَدْ تَنَاوَلَ النّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ ثُمّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك غِيَرٌ
لِشَيْءِ مِمّا سَمِعْت ، قَالَ قُلْت : قَدْ وَاَللّهِ فَعَلْت ، مَا كَانَ مِنّي
إلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ . وَاَيْمُ اللّهِ لَأَتَعَرّضَن لَهُ فَإِنْ عَادَ
لأكْفِينّكُنّه . قَالَتْ فَغَدَوْت فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ مِنْ رُؤْيَا
عَاتِكَةَ وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أُرَى أَنّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ
أُحِبّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ . قَالَ فَدَخَلْت الْمَسْجِدَ فَرَأَيْته ،
فَوَاَللّهِ أَنّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرّضُهُ لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ
فَأَقَعُ بِهِ وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا ، حَدِيدَ الْوَجْهِ حَدِيدَ اللّسَانِ
حَدِيدَ النّظَرِ . قَالَ إذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدّ . قَالَ
فَقُلْت فِي نَفْسِي : مَا لَهُ لَعَنَهُ اللّهُ أَكُلّ هَذَا فَرَقٌ مِنْ أَنْ
أُشَاتِمَهُ قَالَ وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمِ
بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى
بَعِيرِهِ قَدْ جَدّعَ بَعِيرَهُ وَحَوّلَ رَحْلَهُ وَشَقّ قَمِيصَهُ وَهُوَ
يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللّطِيمَةَ اللّطِيمَةَ أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي
سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمّدٌ فِي أَصْحَابِهِ لَا . أَرَى أَنْ
تُدْرِكُوهَا ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ . قَالَ فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنّي
مَا جَاءَ مِنْ الْأَمْرِ .Sرُؤْيَا عَاتِكَةَ
وَذَكَرَ رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَالصّارِخَ الّذِي رَأَتْهُ يَصْرُخُ بِأَعْلَى
صَوْتِهِ يَا لَغُدُرِ هَكَذَا هُوَ بِضَمّ الْغَيْنِ وَالدّالِ جَمْعُ غَدُورٍ
وَلَا تَصِحّ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ يَا لَغُدَرِ بِفَتْحِ الدّالِ مَعَ كَسْرِ
الرّاءِ وَلَا فَتْحِهَا ، لِأَنّهُ لَا يُنَادِي وَاحِدًا ، وَلِأَنّ لَامَ
الِاسْتِغَاثَةِ لَا تَدْخُلُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ فِي النّدَاءِ
وَإِنّمَا يَقُولُ يَا لَغُدُرُ انْفِرُوا وَتَحْرِيضًا لَهُمْ أَيْ إنْ
تَخَلّفْتُمْ فَأَنْتُمْ غُدُرٌ لِقَوْمِكُمْ وَفُتِحَتْ لَامُ الِاسْتِغَاثَةِ لِأَنّ
الْمُنَادِيَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ الِاسْمِ الْمُضْمَرِ وَلِذَلِكَ بَنَى ،
فَلَمّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَامُ الِاسْتِغَاثَةِ وَهِيَ لَامُ جَرّ فُتِحَتْ
كَمَا تُفْتَحُ لَامُ الْجَرّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُضْمَرَاتِ هَذَا قَوْلُ
ابْنِ السّرَاجِ وَلِأَبِي سَعِيدٍ السّيرَافِيّ فِيهَا تَعْلِيلٌ غَيْرُ هَذَا
كَرِهْنَا الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ [ ص 50 ] وَقَعَ فِي
أَصْلِهِ وَأَمّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَالَ فِي الْمُصَنّفِ تَقُولُ يَا غُدُرُ
أَيْ يَا غَادِرُ فَإِذَا جَمَعْت قُلْت : يَا آلَ غُدَرِ وَهَكَذَا وَاَللّهُ
أَعْلَمُ . كَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَاَلّذِي تَقَدّمَ تَغْيِيرٌ .
وَقَوْلُهُ ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ سُمّيَ هَذَا
الْجَبَلُ أَبَا قُبَيْسٍ بِرَجُلِ هَلَكَ فِيهِ مِنْ جُرْهُمَ اسْمُهُ قُبَيْسِ
بْنِ شَالِخَ وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُضَاضٍ كَمَا سُمّيَ
حُنَيْنٌ الّذِي كَانَتْ فِيهِ حُنَيْنٌ بِحُنَيْنِ بْنِ قَالِيَةَ بْنِ
مِهْلَايِلَ أَظُنّهُ كَانَ مِنْ الْعَمَالِيقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي
كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ .
قُرَيْشٌ تَتَجَهّزُ لِلْخُرُوجِ
فَتَجَهّزَ النّاسُ سِرَاعًا ، وَقَالُوا : أَيَظُنّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ
تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ كَلّا وَاَللّهِ لَيَعْلَمَن غَيْرَ ذَلِكَ .
فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ إمّا خَارِجٌ وَإِمّا بَاعِثٌ مَكَانَهُ رَجُلًا .
وَأَوْعَبَتْ قُرَيْشٌ فَلَمْ يَتَخَلّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ . إلّا أَنّ
أَبَا لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَخَلّفَ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ
بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ قَدْ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ
دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَفْلَسَ بِهَا ، فَاسْتَأْجَرَهُ بِهَا عَلَى
أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ بَعَثَهُ فَخَرَجَ عَنْهُ وَتَخَلّفَ أَبُو لَهَبٍ .Sمَعْنَى اللّيَاطِ
[ ص 51 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي لَهَبٍ وَبَعْثَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامٍ
وَكَانَ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ . لَاطَ لَهُ أَيْ أَرْبَى لَهُ
وَكَذَلِكَ جَاءَ اللّيَاطُ مُفَسّرًا فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْخَطّابِيّ
وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ لِثَقِيفِ
وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دِينٍ لَا رَهْنَ فِيهِ فَهُوَ لِيَاطٌ مُبَرّأٌ مِنْ
اللّهِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسُمّيَ الرّبَا لِيَاطًا ، لِأَنّهُ مُلْصَقٌ
بِالْبَيْعِ وَلَيْسَ بِبَيْعِ وَقِيلَ لِلرّبَا لِيَاطًا لِأَنّهُ لَاصِقٌ
بِصَاحِبِهِ لَا يَقْضِيهِ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ وَأَصْلُ هَذَا اللّفْظِ مِنْ
اللّصُوقِ .
خُرُوجُ عُقْبَةَ
[ ص 52 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنّ
أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ أَجْمَعَ الْقُعُودَ وَكَانَ شَيْخًا جَلِيلًا
جَسِيمًا ثَقِيلًا ، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِي
الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ بِمِجْمَرَةِ يَحْمِلُهَا ، فِيهَا نَارٌ
وَمِجْمَرٌ حَتّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا أَبَا عَلِيّ
اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ ؟ قَالَ قَبّحَك اللّهُ وَقَبّحَ مَا
جِئْت بِهِ قَالَ ثُمّ تَجَهّزَ فَخَرَجَ مَعَ النّاسِ .Sالْمِجْمَرَةُ وَالْأُلُوّةُ
[ ص 52 ] أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَهُ بِمِجْمَرَةِ فِيهَا نَارٌ وَمِجْمَرٌ وَقَالَ
اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ . الْمِجْمَرَةُ هِيَ الْأَدَاةُ
الّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الْبَخُورُ وَالْمِجْمَرُ هُوَ الْبَخُورُ نَفْسُهُ وَفِي
الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنّةِ مَجَامِرُهُمْ الْأُلُوّةُ فَهَذَا جَمْعُ
مِجْمَرٍ لَا مِجْمَرَةٍ وَالْأُلُوّةُ هِيَ الْعُودُ الرّطْبُ وَفِيهَا أَرْبَعُ
لُغَاتٍ أُلُوّةٌ وَأَلُوّةٌ وَلُوّةٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلِيّةٌ قَالَهُ أَبُو
حَنِيفَةَ .
مَا وَقَعَ بَيْنَ قُرَيْشٍ
وَكِنَانَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ
ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ
كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ فَقَالُوا : إنّا نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ
خَلْفِنَا ، وَكَانَتْ الْحَرْبُ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي
بَكْرٍ - كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ - فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أَحَدِ بَنِي مَعِيصِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ خَرَجَ يَبْتَغِي ضَالّةً لَهُ بِضَجْنَانَ وَهُوَ
غُلَامٌ حَدَثَ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ وَعَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ وَكَانَ غُلَامًا
وَضِيئًا نَظِيفًا ، فَمَرّ بِعَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ
أَحَدِ بَنِي يَعْمَرَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَهُوَ بِضَجْنَانَ وَهُوَ سَيّدُ
بَنِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ فَرَآهُ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ ؟
قَالَ أَنَا ابْنٌ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ الْقُرَشِيّ . فَلَمّا وَلّى
الْغُلَامَ قَالَ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ يَا بَنِي بَكْرٍ مَا لَكُمْ فِي قُرَيْشٍ
مِنْ دَمٍ ؟ قَالُوا : بَلَى وَاَللّهِ إنّ لَنَا فِيهِمْ لَدِمَاءً ؟ قَالَ مَا
كَانَ رَجُلٌ لِيَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ بِرَجُلِهِ إلّا كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى
دَمَهُ . قَالَ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقَتَلَهُ بِدَمِ كَانَ لَهُ
فِي قُرَيْشٍ فَتَكَلّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ يَا
مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتْ لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ فَمَا شِئْتُمْ . إنْ
شِئْتُمْ فَأَدّوا عَلَيْنَا مَالَنَا قِبَلَكُمْ وَنُؤَدّي مَالَكُمْ قِبَلَنَا ،
وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنّمَا هِيَ الدّمَاءُ رَجُلٌ بِرَجُلِ فَتَجَافَوْا عَمّا
لَكُمْ قِبَلَنَا ، وَنَتَجَافَى عَمّا لَنَا قِبَلَكُمْ فَهَانَ ذَلِكَ
الْغُلَامُ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَالُوا : صَدَقَ رَجُلٌ بِرَجُلِ
. فَلَهَوْا عَنْهُ فَلَمْ يَطْلُبُوا بِهِ . [ ص 53 ] قَالَ فَبَيْنَمَا أَخُوهُ
مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ يَسِيرُ بِمَرّ الظّهْرَانِ إذْ نَظَرَ
إلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ الْمُلَوّحِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَلَمّا
رَآهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ حَتّى أَنَاخَ بِهِ وَعَامِرٌ مُتَوَشّحٌ سَيْفَهُ
فَعَلَاهُ مِكْرَزُ بِسَيْفِهِ حَتّى قَتَلَهُ ثُمّ خَاضَ بَطْنَهُ بِسَيْفِهِ
ثُمّ أَتَى بِهِ مَكّةَ فَعَلّقَهُ مِنْ اللّيْلِ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ .
فَلَمّا أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ
مُعَلّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَعَرَفُوهُ فَقَالُوا : إنّ هَذَا لَسَيْفُ
عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ عَدَا عَلَيْهِ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَهُ فَكَانَ
ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ . فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَرْبِهِمْ حَجَزَ
الْإِسْلَامُ بَيْنَ النّاسِ ؟ فَتَشَاغَلُوا بِهِ حَتّى أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ
الْمَسِيرَ إلَى بَدْرٍ فَذَكَرُوا الّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ
فَخَافُوهُمْ . وَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا :
لَمّا رَأَيْت أَنّهُ هُوَ عَامِرٌ
تَذَكّرْت أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحّب
وَقُلْت لِنَفْسِي : إنّهُ هُوَ عَامِرٌ
فَلَا تَرْهَبِيهِ وَانْظُرِي أَيّ مَرْكَب
وَأَيْقَنْت أَنّي إنْ أُجَلّلْهُ ضَرْبَةً
مَتَى مَا أُصِبْهُ بِالْفُرَافِرِ يَعْطَب
خَفَضْت لَهُ جَأْشِي وَأَلْقَيْت كَلْكَلِي
عَلَى بَطَلٍ شَاكِي السّلَاحِ مُجَرّبِ
وَلَمْ أَكُ لَمّا الْتَفّ رُوعِي وَرُوعِهِ
عُصَارَةَ هُجْنٍ مِنْ نِسَاءٍ وَلَا أَبِ
حَلَلْت بِهِ وِتْرِي وَلَمْ أَنْسَ ذَحْلَهُ
إذَا مَا تَنَاسَى ذَحْلَهُ كُلّ عَيْهَب
[ ص 54 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ الْفُرَافِرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الرّجُلُ
الْأَضْبَطُ وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ السّيْفُ . وَالْعَيْهَبُ الّذِي لَا عَقْلَ
لَهُ وَيُقَالُ تَيْسُ الظّبَاءِ وَفَحْلُ النّعَامِ قَالَ الْخَلِيلُ الْعَيْهَبُ
الرّجُلُ الضّعِيفُ عَنْ إدْرَاكِ وِتْرِهِ .Sوَذَكَرَ فِي شِعْرِ مِكْرَزٍ [ ص 53 ]
تَذَكّرْت أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحّبِ
شَرْحُ شِعْرِ مِكْرَزٍ
الْأَشْلَاءُ أَعْضَاءٌ مُقَطّعَةٌ وَالْمُلَحّبُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَحّبْت
اللّحْمَ إذَا قَطَعْته طُولًا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ . وَذَكَرَ فِي شِعْرِ
مِكْرَزٍ مَتَى مَا أُجَلّلْهُ الْفُرَافِرَ يَعْطَبْ
[ ص 54 ] وَقَالَ هُوَ اسْمُ سَيْفٍ وَهُوَ عِنْدِي مِنْ فَرْفَرَ اللّحْمَ إذَا
قَطَعَهُ أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدٍ
كَكَلْبِ طَسْمٍ وَقَدْ تَرَبّبَه
يَعُلْهُ بِالْحَلِيبِ فِي الْغَلَس
أَنْحَى عَلَيْهِ يَوْمًا يُفَرْفِرُه
إنْ يَلِغْ فِي الدّمَاءِ يَنْتَهِسُ
وَيَرْوِي : يُشَرْشِرُهُ . وَالْعَيْهَبُ الّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَيُقَالُ
لِذَكْرِ النّعَمِ عَيْهَبُ .
الشّيْطَانُ وَقُرَيْشٌ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتْ الّذِي كَانَ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَكَادَ ذَلِكَ يُثْنِيهِمْ فَتَبَدّى لَهُمْ
إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيّ ،
وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ فَقَالَ لَهُمْ أَنَا لَكُمْ جَارٌ مِنْ
أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءِ تَكْرَهُونَهُ فَخَرَجُوا
سِرَاعًا .
خُرُوجُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَصْحَابِهِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: خَرَجَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ -
وَاسْتَعْمَلَ عَمْرَو ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ - وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ
ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، عَلَى الصّلَاةِ
بِالنّاسِ ثُمّ رَدّ أَبَا لُبَابَةَ مِنْ الرّوْحَاءِ ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى
الْمَدِينَةِ .
اللّوَاءُ وَالرّايَتَانِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ
أَبْيَضَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ إحْدَاهُمَا مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ ، يُقَالُ لَهَا : الْعُقَابُ وَالْأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الْأَنْصَارِ .
إبِلُ الْمُسْلِمِينَ إلَى بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ إبِلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَعِيرًا ، [ ص 55 ] فَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَمَرْثَدُ
بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا ، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَأَبُو كَبْشَةَ ، وَأَنَسَةَ
مُولِيًا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا
، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ
بَعِيرًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَجَعَلَ عَلَى النّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي
صَعْصَعَةَ أَخَا بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ . وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ
مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .
الطّرِيقُ إلَى بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ طَرِيقَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ ، عَلَى
نَقْبِ الْمَدِينَةِ ، ثُمّ عَلَى الْعَقِيقِ ، ثُمّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمّ
عَلَى أُولَاتِ الْجَيْشِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ذَاتُ الْجَيْشِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : ثُمّ مَرّ عَلَى تُرْبَانَ ثُمّ عَلَى مَلَلٍ ، ثُمّ عَلَى غَمِيسِ
الْحَمَامِ مِنْ مَرَيَيْنِ ، ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ ، ثُمّ عَلَى
السّيَالَةِ ، ثُمّ عَلَى فَجّ الرّوْحَاءِ ، ثُمّ عَلَى شَنُوكَةَ ، وَهِيَ
الطّرِيقُ الْمُعْتَدِلَةُ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ - قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : الظّبْيَةُ : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ - لَقَوْا رَجُلًا مِنْ
الْأَعْرَابِ ، فَسَأَلُوهُ عَنْ النّاسِ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا ، فَقَالَ
لَهُ النّاسُ سَلّمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ
أَفِيكُمْ رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ فَسَلّمَ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنْ
كُنْت رَسُولَ اللّهِ فَأَخْبِرْنِي عَمّا فِي بَطْنِ نَاقَتِي ، هَذِهِ قَالَ
لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشٍ لَا تَسْأَلْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبِلْ عَلَيّ فَأَنَا أُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ .
نَزَوْت عَلَيْهَا ، فَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَهْ أَفْحَشْت عَلَى الرّجُلِ ، ثُمّ أَعَرَضَ عَنْ
سَلَمَةَ . [ ص 56 ] سَجْسَجَ ، وَهِيَ بِئْرُ الرّوْحَاءِ ، ثُمّ ارْتَحَلَ
مِنْهَا ، حَتّى إذَا كَانَ بِالْمُنْصَرَفِ تَرَكَ طَرِيقَ مَكّةَ بِيَسَارِ
وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النّازِيَةِ يُرِيدُ بَدْرًا ، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ
مَعَهَا ، حَتّى جَزَعَ وَادِيًا ، يُقَال لَهُ رُحْقَانُ ، بَيْنَ النّازِيّةِ
وَبَيْنَ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ ، ثُمّ عَلَى الْمَضِيقِ ثُمّ انْصَبّ مِنْهُ حَتّى
إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصّفْرَاءِ ، بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو [ ص 57 ]
الْجُهَنِيّ ، حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ
الْجُهَنِيّ حَلِيفُ بَنِي النّجّارِ إلَى بَدْرٍ يَتَحَسّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ
عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ .Sمَوَاضِعُ نَزَلَ فِيهَا الرّسُولُ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
[ ص 55 ] وَذَكَرَ عِرْقَ الظّبْيَةِ ، وَالظّبْيَةُ : شَجَرَةٌ شِبْهُ
الْقَتَادَةَ يُسْتَظَلّ بِهَا ، وَجَمْعُهَا : ظُبْيَانٌ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ
السّيَالَة فِي طَرِيقِ بَدْرٍ وَالسّيَالُ شَجَرٌ وَيُقَالُ هُوَ عِظَامُ
السّلَمِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ . [ ص 56 ] وَذَكَرَ النّازِيَةَ وَهِيَ
رَحْبَةٌ وَاسِعَةٌ فِيهَا عِضَاةٌ وَمُرُوجٌ . وَذَكَرَ سَجْسَجًا ، وَهِيَ بِ
الرّوْحَاءِ ، وَسُمّيَتْ سَجْسَجًا ، لِأَنّهَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَكُلّ شَيْءٍ
بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَهُوَ سَجْسَجٌ . وَفِي الْحَدِيثِ إنّ هَوَاءَ الْجَنّةِ سَجْسَجٌ
، أَيْ لَا حَرّ وَلَا بَرْدٌ وَهُوَ عِنْدِي مِنْ لَفْظِ السّجَاجِ وَهُوَ لَبَنٌ
غَيْرُ خَالِصٍ وَذَلِكَ إذَا أُكْثِرَ مَزْجُهُ بِالْمَاءِ قَالَ الشّاعِرُ
وَيَشْرَبُهَا مَزْجًا وَيَسْقِي عِيَالَهُ ... سَجَاجًا كَأَقْرَابِ الثّعَالِبِ
أَوْرَقَا
وَهَذَا الْقَوْلُ جَارٍ عَلَى قِيَاسِ مَنْ يَقُولُ إنّ الثّرْثَارَةَ مِنْ
لَفْظِ الثّرّةِ وَرَقْرَقْت مِنْ لَفْظِ رَقَقْت إلَى آخِرِ الْبَابِ . وَذَكَرَ
الصّفْرَاءَ ، وَهِيَ وَادٍ كَبِيرٌ .
أَنْسَابٌ
وَذَكَرَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ ، وَعَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْيَاءِ
حِينَ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُتَحَسّسَانِ
الْأَخْبَارَ عَنْ عِيرِ قُرَيْشٍ ، وَفِي مُصَنّفِ أَبِي دَاوُدَ بَسْبَسَةُ
مَكَان بَسْبَسٍ وَبَعْضُ رُوَاةِ أَبِي دَاوُدَ يَقُولُ بُسْبُسَةٌ بِضَمّ
الْبَاءِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَنَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ إلَى
جُهَيْنَةَ ، وَنَسَبَهُ غَيْرُهُ إلَى ذُبْيَانَ وَقَالَ هُوَ بَسْبَسُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ
وَأَمّا عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ ، وَاسْمُ أَبِي الزّغْبَاءِ سِنَانُ بْنُ
سُبَيْعٍ بَيْنَ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ بُذَيْلٍ وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ
بُذَيْلٌ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ غَيْرُ هَذَا ، قَالَهُ الدّارَقُطْنِيّ ،
وَهُوَ بُذَيْلُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَاهِلِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَلَكِ
بْنِ غَطَفَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ ، وَجُهَيْنَةُ : وَهُوَ ابْنُ سُودِ
بْنِ أَسْلُمَ بِضَمّ اللّامِ ابْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ ، قَالَ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ : عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ حَلِيفِ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ
مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ
مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَدّمَهَا . فَلَمّا اسْتَقْبَلَ الصّفْرَاءَ ،
وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ سَأَلَ عَنْ جَبَلَيْهِمَا مَا اسْمَاهُمَا ؟
فَقَالُوا : يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا ، هَذَا مُسْلِحٌ ، وَلِلْآخَرِ هَذَا مُخْرِئٌ
وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِهِمَا ، فَقِيلَ بَنُو النّارِ وَبَنُو حِرَاقٍ ، بَطْنَانِ
مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَكَرِهَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَالْمُرُورُ بَيْنَهُمَا ، وَتَفَاءَلَ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ أَهْلِهِمَا
. فَتَرَكَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالصّفْرَاءَ
بِيَسَارِ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى وَادٍ يُقَالُ لَهُ ذَفْرَانُ ،
فَجَزَعَ فِيهِ ثُمّ نَزَلَ .Sالتّطَيّرُ وَكَرَاهِيَةُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ
[ ص 57 ] وَذَكَرَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مَرّ بِجَبَلَيْنِ فَسَأَلَ عَلَى
اسْمَيْهِمَا ، فَقِيلَ لَهُ أَحَدُهُمَا مُسْلِحٌ وَالْآخَرُ مُخْرِئٌ ، فَعَدَلَ
عَنْ طَرِيقِهِمَا ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الطّيَرَةِ الّتِي نَهَى عَنْهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنْ مِنْ بَابِ كَرَاهِيَةِ
الِاسْمِ الْقَبِيحِ فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَكْتُبُ إلَى أُمَرَائِهِ
" إذَا أَبَرَدْتُمْ إلَيّ بَرِيدًا فَاجْعَلُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ
الِاسْمِ " ، ذَكَرَهُ الْبَزّارُ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدَةَ وَقَدْ قَالَ فِي
لِقْحَةٍ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ أَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَا اسْمُك ؟ فَقَالَ مُرّةُ
فَقَالَ " اُقْعُدْ " ، حَتّى قَالَ آخِرُهُمْ اسْمِي : يَعِيشُ قَالَ
اُحْلُبْ . اخْتَصَرْت الْحَدِيثَ وَفِيهِ زِيَادَةٌ رَوَاهَا ابْنُ وَهْبٍ ،
قَالَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ لَا أَدْرِي أَقُولُ أَمْ أَسْكُتُ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " قُلْ " ، فَقَالَ لَهُ
قَدْ كُنْت نَهَيْتنَا عَنْ التّطَيّرِ فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا تَطَيّرْت
، وَلَكِنّي آثَرْت الِاسْمَ الْحَسَنَ أَوْ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ .
وَقَدْ أَمْلَيْت فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْمُوَطّإِ فِي الشّؤْمِ وَأَنّهُ إنْ كَانَ
فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدّارِ تَحْقِيقًا وَبَيَانًا شَافِيًا
لِمَعْنَاهُ وَكَشَفَا عَنْ فِقْهِهِ لَمْ أَرَ أَحَدًا - وَالْحَمْدُ لِلّهِ -
سَبَقَنِي إلَى مِثْلِهِ .
جَبَلَا مُسْلِحٍ وَمُخْرِئٍ
وَهَذَا الْجَبَلَانِ لِتَسْمِيَتِهِمَا بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ سَبَب ، وَهُوَ
أَنّ عَبْدًا لِبَنِي غِفَارٍ كَانَ يَرْعَى بِهِمَا غَنَمًا لِسَيّدِهِ فَرَجَعَ
ذَاتَ يَوْمٍ عَنْ الْمَرْعَى ، فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ لِمَ رَجَعْت ؟ فَقَالَ إنّ
هَذَا الْجَبَلَ مُسْلِحٌ لِلْغَنَمِ وَإِنّ هَذَا الْآخَرَ مُخْرِئٌ ، فَسُمّيَا
بِذَلِكَ . وَجَدْت ذَلِكَ بِخَطّ الشّيْخِ الْحَافِظِ فِيمَا نُقِلَ عَنْ
الْوَقْشِيّ .
قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَالْمِقْدَادِ فِي الْجِهَادِ
[ ص 58 ] وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ
فَاسْتَشَارَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ
الصّدّيقُ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ . ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ
وَأَحْسَنُ ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ
امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك ، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا
قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا
هَاهُنَا قَاعِدُونَ . وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا
مُقَاتِلُونَ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بَرْكِ
الْغُمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " خَيْرًا " ، وَدَعَا
لَهُ
الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَشِيرُ الْأَنْصَارَ
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشِيرُوا عَلَيّ
أَيّهَا النّاسُ . وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارُ ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَدَدُ
النّاسِ وَأَنّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعُقْبَةِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ
إنّا بُرَآءُ مِنْ ذِمَامِك حَتّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا ، فَإِذَا وَصَلْت
إلَيْنَا ، فَأَنْتَ فِي ذِمّتِنَا نَمْنَعُك مِمّا نَمْنَعُ مَعَهُ أَبْنَاءَنَا
وَنِسَاءَنَا . فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَخَوّفُ
أَلّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلّا مِمّنْ دَهَمَهُ
بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوّهِ وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى
عَدُوّ مِنْ بِلَادِهِمْ . فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : وَاَللّهِ لَكَأَنّك
تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَجَلْ قَالَ لَقَدْ آمَنّا بِك
وَصَدّقْنَاك ، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْت بِهِ هُوَ الْحَقّ ، وَأَعْطَيْنَاك
عَلَى ذَلِكَ عُهُودِنَا وَمَوَاثِيقِنَا ، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ
يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْت فَنَحْنُ مَعَك ، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ
لَوْ اسْتَعْرَضْت بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْته لَخُضْنَاهُ مَعَك ، مَا
تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا
، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ . لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا
مَا تَقُرّ بِهِ عَيْنُك ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ . فَسُرّ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشّطَهُ ذَلِكَ ثُمّ
قَالَ سِيرُوا وَأَبْشِرُوا ، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى
الطّائِفَتَيْنِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ .Sبَرْكُ الْغُمَادِ
[ ص 58 ] وَذَكَرَ قَوْلَ الْمِقْدَادِ : وَلَوْ بَلَغْت بِنَا بَرْكَ الْغُمَادِ
، وَجَدْت فِي بَعْضِ كُتُبِ التّفْسِيرِ أَنّهَا مَدِينَةُ الْحَبَشَةِ .
تَفَرّقُ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ
[ ص 59 ] ُثمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
ذَافِرَانَ فَسَلَكَ عَلَى ثَنَايَا يُقَالُ لَهَا الْأَصَافِرُ ثُمّ انْحَطّ
مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ الدّبّةُ وَتَرَك الْحَنّانَ بِيَمِينِ وَهُوَ
كَثِيبٌ عَظِيمٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ ثُمّ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ
فَرَكِبَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الرّجُلُ هُوَ
أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
يَحْيَى بْنِ حِبّانَ : حَتّى وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْعَرَبِ ، فَسَأَلَهُ عَنْ
قُرَيْشٍ ، وَعَنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ فَقَالَ
الشّيْخُ لَا أُخْبِرُكُمَا حَتّى تُخْبِرَانِي مِمّنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَخْبَرْتنَا أَخْبَرْنَاك ،
قَالَ أَذَاكَ بِذَاكَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ الشّيْخُ فَإِنّهُ بَلَغَنِي أَنّ
مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ صَدَقَ
الّذِي أَخْبَرَنِي ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا ، لِلْمَكَانِ
الّذِي بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَلَغَنِي أَنّ
قُرَيْشًا خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ الّذِي أَخْبَرَنِي
صَدَقَنِي فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمَكَانِ الّذِي فِيهِ
قُرَيْشٌ . فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خَبَرِهِ قَالَ مِمّنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ مِنْ مَاءٍ ثُمّ انْصَرَفَ
عَنْهُ . قَالَ يَقُولُ الشّيْخُ مَا مِنْ مَاءٍ أَمِنْ مَاءِ الْعِرَاقِ ؟ قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ ذَلِكَ الشّيْخُ سُفْيَانُ الضّمْرِيّ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى
أَصْحَابِهِ فَلَمّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالزّبَيْرَ
بْنَ الْعَوّامِ ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ
إلَى مَاءِ بَدْرٍ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ - كَمَا حَدّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ - فَأَصَابُوا رَاوِيَةً
لِقُرَيْشِ فِيهَا أَسْلَمُ غُلَامُ بَنِي الْحَجّاجِ وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ ،
غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا ،
وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَقَالَا :
نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ ، بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ فَكَرِهَ
الْقَوْمُ خَبَرَهُمَا ، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لِأَبِي سُفْيَانَ
فَضَرَبُوهُمَا . فَلَمّا أَذْلَقُوهُمَا قَالَا : نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ
فَتَرَكُوهُمَا . وَرَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ ثُمّ [ ص 60 ] وَقَالَ إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا ،
وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا ، صَدَقَا وَاَللّهِ إنّهُمَا لِقُرَيْشِ
أَخْبَرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ ؟ قَالَا : هُمْ وَاَللّهِ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ
الّذِي تَرَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالْكَثِيبِ الْعَقَنْقَلُ - فَقَالَ
لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمْ الْقَوْمُ ؟ قَالَا :
كَثِيرٌ قَالَ مَا عِدّتُهُمْ ؟ قَالَا : لَا نَدْرِي ، قَالَ كَمْ يَنْحَرُونَ
كُلّ يَوْمٍ ؟ قَالَا : يَوْمًا تِسْعًا ، وَيَوْمًا عَشْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَ التّسْعِمِائَةِ
وَالْأَلْفِ . ثُمّ قَالَ لَهُمَا : فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ؟
قَالَا : عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو
الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ
، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ
نَوْفَلٍ ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَأَبُو
جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا
الْحَجّاجِ ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ . فَأَقْبَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ هَذِهِ
مَكّةُ قَدْ أَلْقَتْ إلَيْكُمْ أَفْلَاذ كَبِدِهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ قَدْ مَضَيَا
حَتّى نَزَلَا بَدْرًا ، فَأَنَاخَا إلَى تَلّ قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ ثُمّ أَخَذَا
شَنّا لَهُمَا يَسْتَقِيَانِ فِيهِ وَمَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ عَلَى
الْمَاءِ فَسَمِعَ عَدِيّ وَبَسْبَسٌ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ
وَهُمَا يَتَلَازَمَانِ عَلَى الْمَاءِ وَالْمَلْزُومَةُ تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا :
إنّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَد ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ ثُمّ أُفْضِيك
الّذِي لَك . قَالَ مَجْدِيّ : صَدَقْت ثُمّ خَلّصَ بَيْنَهُمَا . وَسَمِعَ ذَلِكَ
عَدِيّ وَبَسْبَسٌ فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا ، ثُمّ انْطَلَقَا حَتّى
أَتَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا
سَمِعَا .Sتَعْوِيرُ قُلَبِ
الْمُشْرِكِينَ
[ ص 59 ] وَذَكَرَ الْقُلَبَ الّتِي احْتَفَرَهَا الْمُشْرِكُونَ لِيَشْرَبُوا
مِنْهَا ، قَالَ فَأَمَرَ بِتِلْكَ الْقُلُبِ فَعُوّرَتْ وَهِيَ كَلِمَةٌ
نَبِيلَةٌ وَذَلِكَ أَنّ الْقَلْبَ لَمّا كَانَ عَيْنًا جَعَلَهَا كَعَيْنِ
الْإِنْسَانِ وَيُقَالُ فِي عَيْنِ الْإِنْسَانِ عُرْتهَا فَعَارَتْ وَلَا يُقَالُ
عَوّرْتهَا ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْقُلُبِ عُوّرَتْ بِسُكُونِ الْوَاوِ [ ص 60
] رَدّ الْفِعْلَ لِمَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ ضُمّتْ الْعَيْنُ فَجَاءَ عَلَى
لُغَةِ مَنْ يَقُولُ قُوّلَ الْقَوْلُ وَبُوعَ الْمَتَاعُ وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلِ
وَبَنِيّ دُبَيْرٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَبَنِيّ فَقُعِسَ وَبَنُو دُبَيْرٍ هُوَ
تَصْغِيرُ أَدْبَرَ عَلَى التّرْخِيمِ وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً رَدِيئَةً فَقَدْ
حَسُنَتْ هُنَا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى لَفْظِ الْوَاوِ إذْ لَوْ قَالُوا : عِيرَتْ
فَأُمِيتَتْ الْوَاو ، لَمْ " يُعْرَفْ أَنّهُ مِنْ الْعَوَرِ إلّا بَعْدَ
نَظَرٍ كَمَا حَافَظُوا فِي جَمْعِ عِيدٍ عَلَى لَفْظِ الْيَاءِ فِي عِيدٍ
فَقَالُوا : أَعْيَادٌ وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ الّذِي فِي رِيحٍ وَأَرْوَاحٍ عَلَى
أَنّ أَرْيَاحًا لُغَةُ بَنِي [ ص 61 ] أَسَدٍ كَيْ لَا تَذْهَبَ مِنْ اللّفْظِ
الدّلَالَةُ عَلَى مَعْنَى الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوْدَةِ وَقِسْ عَلَى
هَذَا الْقَوْلِ وَصِحّةِ الْوَاوِ فِيهِ وَكَمَا حَافَظُوا عَلَى الضّمّةِ فِي
سُبّوحٍ وَقُدّوسٍ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى فَعّولٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ
كَتَنّومِ وَشَبّوطٍ وَبَابِهِ وَلَكِنْ حَافِظُوا عَلَى الضّمّتَيْنِ لِيَسْلَمَ
لَفْظُ الْقُدُسِ وَالسّبُحَاتِ وَسُبْحَانَ اللّهِ يَسْتَشْعِرُ الْمُتَكَلّمُ
بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مَعْنَى الْقُدُسِ ، وَمَعْنَى سُبْحَانَ مِنْ أَوّلِ
وَهْلَةٍ وَلَمّا ذَكَرْنَاهُ كَثِيرَةٌ نَظَائِرُ يَخْرُجُنَا إيرَادُهَا عَنْ
الْغَرَضِ .
نَجَاةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْعِيرِ
وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حَتّى تَقَدّمَ الْعِيرُ حَذَرًا ، حَتّى
وَرَدَ الْمَاءَ فَقَالَ لِمَجْدِيّ بْنِ عَمْرٍو : هَلْ أَحْسَسْت أَحَدًا ،
فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَنْكَرَهُ إلّا أَنّي قَدْ رَأَيْت رَاكِبَيْنِ قَدْ
أَنَاخَا إلَى هَذَا التّلّ ثُمّ اسْتَقَيَا فِي شَنّ لَهُمَا ، ثُمّ انْطَلَقَا .
فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهَا ، فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا ،
فَفَتّهُ فَإِذَا فِيهِ النّوَى ، فَقَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ .
فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا ، فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنْ الطّرِيقِ
فَسَاحَلَ بِهَا ، وَتَرَكَ بَدْرًا بِيَسَارِ وَانْطَلَقَ حَتّى أَسْرَعَ .
رُؤْيَا جُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ
[ ص 61 ] قُرَيْشٌ ، فَلَمّا نَزَلُوا الْجُحْفَةَ ، رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصّلْتِ
بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رُؤْيَا ، فَقَالَ إنّي
رَأَيْت فِيمَا يَرَى النّائِمُ وَإِنّي لَبَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقْظَانِ . إذْ
نَظَرْت إلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حَتّى وَقَفَ وَمَعَهُ بَعِيرٌ
لَهُ ثُمّ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
وَأَبُو الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ
فَعَدّدَ رِجَالًا مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ، ثُمّ
رَأَيْته ضَرَبَ فِي لَبّةِ بَعِيرِهِ ثُمّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَمَا
بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلّا أَصَابَهُ نَضْحٌ مِنْ دَمِهِ . قَالَ
فَبَلَغْت أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا نَبِيّ آخَرُ مِنْ بَنِي
الْمُطّلِبِ سَيَعْلَمُ غَدًا مَنْ الْمَقْتُولُ إنْ نَحْنُ الْتَقَيْنَا .
كَانَ أَبُو سُفْيَانَ لَا يُرِيدُ
حَرْبًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنّهُ قَدْ أَحْرَزَ
عِيرَهُ أَرْسِلْ إلَى قُرَيْشٍ : إنّكُمْ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا
عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ فَارْجِعُوا ،
فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا -
وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ
شَوْقٌ كُلّ عَامٍ - فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، فَنَنْحَرَ الْجُزُرَ
وَنُطْعِمُ الطّعَامَ وَنَسْقِي الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ
وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا ، فَلَا يَزَالُونَ
يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا ، فَامْضُوا .
رُجُوعُ بَنِي زُهْرَةَ
وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ ، وَكَانَ
حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ يَا بَنِي زُهْرَةَ قَدْ نَجّى
اللّهُ لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَخَلّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ
نَوْفَلٍ وَإِنّمَا نَفَزْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ فَاجْعَلُوا لِي جُبْنَهَا
وَارْجِعُوا ، فَإِنّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِأَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ ضَيْعَةٍ
لَا مَا يَقُولُ هَذَا ، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ فَرَجَعُوا ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا
زُهْرِيّ وَاحِدٌ أَطَاعُوهُ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا . وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ
مِنْ قُرَيْشٍ بَطْنٌ إلّا وَقَدْ نَفَرَ مِنْهُمْ نَاسٌ [ ص 62 ] بَنِي عَدِيّ
بْنِ كَعْبٍ ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ
مَعَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ، فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنْ هَاتَيْنِ
الْقَبِيلَتَيْنِ أَحَدٌ ، وَمَشَى الْقَوْمُ . وَكَانَ بَيْنَ طَالِبِ بْنِ أَبِي
طَالِبٍ - وَكَانَ فِي الْقَوْمِ - وَبَيْنَ بَعْضِ قُرَيْشٍ مُحَاوَرَةٌ
فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْنَا يَا بَنِي هَاشِمٍ وَإِنْ خَرَجْتُمْ
مَعَنَا ، أَنّ هَوَاكُمْ لَمَعَ مُحَمّدٍ فَرَجَعَ طَالِبٌ إلَى مَكّةَ مَعَ مَنْ
رَجَعَ . وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ :
لَاهُمّ إمّا يَغْزُوَن طَالِبَ ... فِي عُصْبَةٍ مُحَالِفٌ مُحَارِب
فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِب ... فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبَ غَيْرَ
السّالِب
وَلِيَكُنْ الْمَغْلُوبَ غَيْرَ الْغَالِب قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ
فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبَ وَقَوْلُهُ وَلَكِنّ الْمَغْلُوبَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ
مِنْ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ .
مَنْزِلُ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْزِلُ
قُرَيْشٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ
الْقُصْوَى مِنْ الْوَادِي ، خَلْفَ الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي ، وَهُوَ
يَلْيَلُ ، بَيْنَ بَدْرٍ وَبَيْنَ الْعَقَنْقَلِ ، الْكَثِيبُ الّذِي خَلْفَهُ
قُرَيْشٌ ، وَالْقُلُبُ بِبَدْرِ فِي الْعُدْوَةِ الدّنْيَا مِنْ بَطْنِ يَلْيَلَ
إلَى الْمَدِينَةِ . وَبَعَثَ اللّهُ السّمَاءَ وَكَانَ الْوَدْيُ دَهْسًا ،
فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْهَا
مَا لَبّدَ لَهُمْ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ السّيْرِ وَأَصَابَ
قُرَيْشًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ . فَخَرَجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَادِرُهُمْ إلَى الْمَاءِ حَتّى
إذَا جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ بِهِ .
مَشُورَةُ الْحُبَابِ
[ ص 63 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحُدّثْت عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ
أَنّهُمْ ذَكَرُوا : أَنّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ يَا
رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ
لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ وَلَا نَتَأَخّرَ عَنْهُ أَمْ هُوَ الرّأْيُ
وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟ قَالَ بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ
وَالْمَكِيدَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ
فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ ، فَنَنْزِلَهُ
ثُمّ نُعَوّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا
فَنَمْلَؤُهُ مَاءً ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَقَدْ أَشَرْت
بِالرّأْيِ . فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ
مَعَهُ مِنْ النّاسِ فَسَارَ حَتّى إذَا أَتَى أَدُنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ
نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَعُوّرَتْ وَبَنَى حَوْضًا عَلَى
الْقَلِيبِ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً ثُمّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ
.
بِنَاءُ الْعَرِيشِ لِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ
حَدّثَ أَنّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ أَلَا نَبْنِي لَك
عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ نُعِدّ عِنْدَك رَكَائِبَك ، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا ،
فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوّنَا ، كَانَ ذَلِكَ مَا
أَحْبَبْنَا ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى ، جَلَسَتْ عَلَى رَكَائِبِك ،
فَلَحِقَتْ بِمَنْ وَرَاءَنَا ، فَقَدْ تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ يَا نَبِيّ
اللّهِ مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبّا مِنْهُمْ وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى
حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك ، يَمْنَعُك اللّهُ بِهِمْ يُنَاصِحُونَكَ
وَيُجَاهِدُونَ مَعَك : فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ . ثُمّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ .
ارْتِحَالُ قُرَيْشٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ
فَأَقْبَلَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
تُصَوّبُ مِنْ الْعَقَنْقَلِ ، - وَهُوَ الْكَثِيبُ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ إلَى
الْوَادِي - قَالَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا
وَفَخْرِهَا ، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك ، اللّهُمّ فَنَصْرُك الّذِي
وَعَدْتنِي ، اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ . وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( وَقَدْ ) رَأَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ
عَلَى جَمْلٍ لَهُ أَحْمَرَ - إنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ
فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا . [ ص 64 ]
كَانَ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ الْغِفَارِيّ ، أَوْ أَبُوهُ
أَيْمَاءُ بْنُ رَحْضَةَ الْغِفَارِيّ ، بَعَثَ إلَى قُرَيْشٍ ، حِينَ مَرّوا بِهِ
ابْنًا لَهُ بِجَزَائِرِهِ أَهْدَاهَا لَهُمْ وَقَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ
نَمُدّكُمْ بِسِلَاحِ وَرِجَالٍ فَعَلْنَا . قَالَ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ مَعَ
ابْنِهِ أَنْ وَصَلَتْك رَحِمٌ قَدْ قَضَيْت الّذِي عَلَيْك ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ
كُنّا إنّمَا نُقَاتِلْ النّاسَ فَمَا بِنَا مِنْ ضَعْفٍ عَنْهُمْ وَلَئِنْ كُنّا
إنّمَا نُقَاتِلُ اللّهَ كَمَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ فَمَا لِأَحَدِ بِاَللّهِ مِنْ
طَاقَةٍ . فَلَمّا نَزَلَ النّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى وَرَدُوا
حَوْضَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ
حِزَامٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ "
دَعُوهُمْ " . فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إلّا قُتِلَ إلّا مَا
كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، فَإِنّهُ لَمْ يَقْتُلْ ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدَ
ذَلِكَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ . فَكَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ قَالَ لَا
وَاَلّذِي نَجّانِي مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي
أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَشْيَاخٍ
مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالُوا : لَمّا اطْمَأَنّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ
وَهْبٍ الْجُمَحِيّ فَقَالُوا : احْزُرْ لَنَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ قَالَ
فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ
ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ وَلَكِنْ
أَمْهِلُونِي حَتّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ ؟ قَالَ فَضَرَبَ
فِي الْوَادِي حَتّى أُبْعِدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ
مَا وَجَدْت شَيْئًا ، وَلَكِنّي قَدْ رَأَيْت ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ،
الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا ، نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النّاقِعَ
قَوْمٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلّا سُيُوفُهُمْ وَاَللّهِ مَا
أَرَى أَنْ يَقْتُلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ فَإِذَا
أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ فَرَوْا
رَأْيَكُمْ . فَلَمّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النّاسِ
فَأَتَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إنّك كَبِيرُ
قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا ، وَالْمُطَاعُ فِيهَا ، هَلْ لَك إلَى أَنْ لَا تَزَالَ
تَذْكُرُ فِيهَا بِخَيْرِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ ؟ قَالَ وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ ؟
قَالَ تَرْجِعُ بِالنّاسِ وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِك عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ
، قَالَ قَدْ فَعَلْت ، أَنْتَ عَلَيّ بِذَلِكَ إنّمَا هُوَ حَلِيفِي ، فَعَلَيّ
عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ .
نَسَبُ الْحَنْظَلِيّةِ
[ ص 65 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالْحَنْظَلِيّةُ أُمّ أَبِي جَهْلٍ هِيَ
أَسْمَاءُ بِنْتُ مُخَرّبَةَ أَحَدِ بَنِي نَهْشِلْ بْنِ دَارِمَ بْنِ مَالِكِ
بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ - فَإِنّي لَا
أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ أَمْرَ النّاسِ غَيْرُهُ يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ
. ثُمّ قَامَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ خَطِيبًا ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ،
إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلْقَوْا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ
شَيْئًا ، وَاَللّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ الرّجُلُ يَنْظُرُ فِي
وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النّظَرَ إلَيْهِ قَتَلَ ابْنَ عَمّهِ أَوْ ابْنَ خَالِهِ
أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ فَارْجِعُوا وَخَلّوا بَيْنَ مُحَمّدٍ وَبَيْنَ
سَائِرِ الْعَرَبِ ، فَإِنْ أَصَابُوا فَذَاكَ الّذِي أَرَدْتُمْ وَإِنْ كَانَ
غَيْرَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعَرّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ . قَالَ حَكِيمٌ
فَانْطَلَقْت حَتّى جِئْت أَبَا جَهْلٍ وَجَدْته قَدْ نَثَلَ دُرْعًا لَهُ مِنْ
جِرَابِهَا ، فَهُوَ يَهْنِئُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُهَيّئُهَا - فَقُلْت
لَهُ يَا أَبَا الْحَكَمِ إنّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إلَيْك بِكَذَا وَكَذَا ،
لِلّذِي قَالَ فَقَالَ انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمّدًا
وَأَصْحَابَهُ كَلّا وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ وَلَكِنّهُ قَدْ رَأَى أَنّ
مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكْلَةُ جَزُورٍ وَفِيهِمْ ابْنُهُ فَقَدْ تَخَوّفَكُمْ
عَلَيْهِ . ثُمّ بَعَثَ إلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ ، فَقَالَ هَذَا حَلِيفُك
يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنّاسِ وَقَدْ رَأَيْت ثَأْرَك بِعَيْنِك ، فَقُمْ
فَأَنْشِدْ خُفْرَتَكَ وَمَقْتَلَ أَخِيك . فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ
فَاكْتَشَفَ ثُمّ صَرَخَ وَا عَمْرَاهُ وَا عَمْرَاهُ . فَحَمِيَتْ الْحَرْبُ
وَحَقِبَ النّاسُ وَاسْتَوْسَقُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشّرّ وَأُفْسِدَ
عَلَى النّاسِ الرّأْيُ الّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ عُتْبَةُ . فَلَمّا بَلَغَ
عُتْبَةُ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ " انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ " ، قَالَ
سَيَعْلَمُ مُصَفّرُ اسْتِهِ مَنْ انْتَقَخَ سَحْرُهُ أَنَا أَمْ هُوَ ؟ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : السّحْرُ الرّئَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِمّا يَعْلَقُ بِالْحُلْقُومِ
مِنْ فَوْقِ السّرّةِ . وَمَا كَانَ تَحْتَ السّرّةِ فَهُوَ الْقُصْبُ وَمِنْهُ
قَوْلُهُ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : حَدّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ . [ ص 66 ] عُتْبَةُ بَيْضَةً
لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُهُ مِنْ
عِظَمِ هَامَتِهِ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ عَلَى رَأْسِهِ بِبُرْدِ لَهُ .Sتَفْسِيرُ كَلِمَاتٍ
[ ص 62 ] وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ قُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ أَيْ اُطْلُبْ
مِنْ قُرَيْشٍ الْوَفَاءَ بِخُفْرَتِهِمْ لَك ، لِأَنّهُ كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ
وَجَارًا ، يُقَال : خَفَرْت الرّجُلَ خُفْرَةً إذَا أَجَرْته ، وَالْخَفِيرُ .
الْمُجِيرُ . قَالَ [ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ ] الْعِبَادِيّ .
مَنْ رَأَيْت الْأَيّامَ خَلّدْنَ أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُضَامَ
خَفِيرُ
[ ص 63 ] يُقَالُ حَقِبَ الْأَمْرُ إذَا اشْتَدّ وَضَاقَتْ فِيهِ الْمَسَالِكُ
وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ حَقِبَ الْبَعِيرُ إذَا اشْتَدّ عَلَيْهِ الْحَقَبُ
وَهُوَ الْحِزَامُ الْأَسْفَلُ وَرَاغَ حَتّى يَبْلُغَ ثِيلَهُ فَضَاقَ عَلَيْهِ
مَسْلَكُ الْبَوْلِ [ ص 64 ] عُتْبَةَ فِي أَبِي جَهْلٍ سَيَعْلَمُ مُصَفّرُ
اسْتِهِ مَنْ انْتَفَخَ سَحْرُهُ . السّحْرُ وَالسّحْرُ الرّئَةُ وَالسّحَرُ
أَيْضًا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ قِيَاسٌ مَنْ كُلّ اسْمٍ عَلَى فَعْلٍ إذَا
كَانَ عَيْنُ الْفِعْلِ حَرْفَ حَلْقٍ أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْفَتْحُ فَيُقَالُ فِي
الدّهْرِ الدّهَرُ وَفِي اللّحْمِ اللّحَمُ حَتّى قَالُوا فِي النّحْوِ النّحَوُ
ذَكَرَهَا ابْنُ جِنّي ، وَلَمْ يَعْتَمِدُوا عَلَى هَذَا التّحْرِيكِ الّذِي مِنْ
أَجْلِ حَرْفِ الْحَلْقِ لَمَا كَانَ لِعِلّةِ فَلَمْ يَقْلِبُوا الْوَاوَ مِنْ
أَجْلِهِ أَلِفًا حِينَ قَالُوا : النّحَوُ وَالزّهَدُ وَلَوْ اعْتَدّوا
بِالْفَتْحَةِ لَقَلَبُوا الْوَاو [ ص 65 ] كَانَ الْفَتْحُ فِيهِ مِنْ أَجْلِ
حَرْفِ الْحَلْقِ وَلَوْ اعْتَدّوا بِهِ لَرَدّوا الْوَاوَ فَقَالُوا : يُوضَعُ
وَيُوهَبُ كَمَا قَالُوا : يَوْجَلُ .
مَنْ قَائِلٌ أَبِي عُذْرِهَا وَمَا دَاءُ أَبِي جَهْلٍ
[ ص 66 ] عُتْبَةُ وَلَا هُوَ بِأَبِي عُذْرِهَا ، قَدْ قِيلَتْ قَبْلَهُ
لِقَابُوسِ بْنِ النّعْمَانِ أَوْ لِقَابُوسِ بْنِ الْمُنْذِرِ لِأَنّهُ كَانَ
مُرَفّهًا لَا يَغْزُو فِي الْحُرُوبِ فَقِيلَ لَهُ مُصَفّرُ اسْتِهِ يُرِيدُونَ
صُفْرَةَ الْخُلُوقِ وَالطّيبِ وَقَدْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ قَيْسُ بْنُ
زُهَيْرٍ فِي حُذَيْفَةَ يَوْمَ الْهَبَاءَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنّ
حُذَيْفَةَ كَانَ مَسْتُوهًا ، فَإِذَا لَا يَصِحّ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي أَبِي
جَهْلٍ مِنْ قَوْلِ عُتْبَةَ فِيهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ إنّهُ كَانَ مَسْتُوهًا
وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَسَادَةُ الْعَرَبِ لَا تَسْتَعْمِلُ الْخُلُوقَ وَالطّيبَ
إلّا فِي الدّعَةِ وَالْخَفْضِ وَتَعِيبُهُ فِي الْحَرْبِ أَشَدّ الْعَيْبِ
وَأَحْسِبُ أَنّ أَبَا جَهْلٍ لَمّا سَلِمَتْ الْعِيرُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ
الْجَزُورَ وَيَشْرَبَ الْخَمْرَ بِبَدْرِ وَتَعْزِفَ عَلَيْهِ الْقِيَانُ بِهَا
اسْتَعْمَلَ الطّيبَ أَوْ هَمّ بِهِ فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عُتْبَةُ هَذِهِ
الْمَقَالَةَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشّاعِرِ فِي بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ جَهْلٍ أَبُو جَهْلٍ أَخُوكُمْ ... غَزَا بَدْرًا بِمِجْمَرَةِ وَتَوْرِ
[ ص 67 ] أَرَادَ مُصَفّرَ بَدَنِهِ وَلَكِنّهُ قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ فِي الذّمّ
فَخَصّ مِنْهُ بِالذّكْرِ مَا يَسُوءُهُ أَنْ يَذْكُرَ .
مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْمَخْزُومِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ خَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ
الْمَخْزُومِيّ ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سَيّئَ الْخُلُقِ فَقَالَ أُعَاهِدُ
اللّهَ لَأَشْرَبَن مِنْ حَوْضِهِمْ أَوْ لَأَهْدِمَنهُ أَوْ لَأَمُوتَن دُونَهُ
فَلَمّا خَرَجَ خَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَلَمّا
الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُوَ دُونَ
الْحَوْضِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخَبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ
ثُمّ حَبَا إلَى الْحَوْضِ حَتّى اقْتَحَمَ فِيهِ يُرِيدُ ( زَعَمَ ) - أَنْ
يَبَرّ يَمِينَهُ وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ
.
دُعَاءُ عُتْبَةَ إلَى الْمُبَارَزَةِ
قَالَ ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، حَتّى إذَا فَصَلَ مِنْ الصّفّ
دَعَا إلَى الْمُبَارَزَةِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ
وَهُمْ عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ - وَأُمّهُمَا عَفْرَاءُ - وَرَجُلٌ
آخَرُ يُقَالُ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فَقَالُوا : مَنْ أَنْتُمْ ؟
فَقَالُوا : رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالُوا : مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ
ثُمّ نَادَى مُنَادِيهِمْ يَا مُحَمّدُ أَخْرِجْ إلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ
قَوْمِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا
عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ وَقُمْ يَا عَلِيّ فَلَمّا
قَامُوا دَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالَ عُبَيْدَةُ عُبَيْدَةُ
وَقَالَ حَمْزَةُ حَمْزَةُ وَقَالَ عَلِيّ : عَلِيّ ، قَالُوا : نَعَمْ أَكْفَاءٌ
كِرَامٌ . فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ [ ص 67 ] وَكَانَ أَسَنّ الْقَوْمِ عُتْبَةَ (
بْنَ ) رَبِيعَةَ ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَبَارَزَ
عَلِيّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ . فَأَمّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ
أَنْ قَتَلَهُ ؟ وَأَمّا عَلِيّ فَلَمْ يُمْهِلْ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ
وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ
صَاحِبَهُ وَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفّفَا
عَلَيْهِ وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إلَى أَصْحَابِهِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ عُتْبَةَ بْنَ
رَبِيعَةَ قَالَ لِلْفِتْيَةِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، حِينَ انْتَسَبُوا : أَكْفَاءٌ
كِرَامٌ إنّمَا نُرِيدُ قَوْمَنَا .
الْتِقَاءُ الْفَرِيقَيْنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ تَزَاحَفَ النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ
وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ
لَا يَحْمِلُوا حَتّى يَأْمُرَهُمْ وَقَالَ إنْ اكْتَنَفَكُمْ الْقَوْمُ
فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنّبْلِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ . فَكَانَتْ وَقْعَةُ
بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَمَا حَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ
الْحُسَيْنِ .
ابْنُ غَزِيّةَ وَضَرَبَ الرّسُولُ
لَهُ فِي بَطْنِهِ بِالْقَدَحِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حِبّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حِبّانَ عَنْ
أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي يَدِهِ قَدَحٌ يُعَدّلُ بِهِ
الْقَوْمَ فَمَرّ بِسَوّادِ بْنِ غَزِيّةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ -
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ سَوّادٌ مُثَقّلَةٌ وَسَوّادٌ فِي الْأَنْصَارِ
غَيْرُ هَذَا ، مُخَفّفٌ - وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصّفّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: وَيُقَالُ مُسْتَنْصِلٌ [ ص 68 ] وَقَالَ اسْتَوِ يَا سَوّادُ ، فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللّهِ أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَك اللّهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ قَالَ
فَأَقِدْنِي فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَطْنِهِ
وَقَالَ اسْتَقِدْ قَالَ فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك
عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ حَضَرَ مَا تَرَى ، فَأَرَدْت
أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك فَدَعَا لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرِ وَقَالَ لَهُSحَوْلَ سَوَادِ بَنِي غَزِيّةَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ قِصّةَ سَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ حِينَ مَرّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ أَمَامَ الصّفّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: وَيُقَالُ مُسْتَنْصِلٌ . قَوْلُهُ مُسْتَنْتِلٌ أَمَامَ الصّفّ يُقَالُ
اسْتَنْتَلْتُ وَاسْتَنْصَلْتُ وَابْرَنُذَعْتُ وَابْرَنُتَيْتُ بِالرّاءِ
الْمُهْمَلَةِ وَبِالزّايِ هَكَذَا تَقَيّدَ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ كُلّ
هَذَا إذَا تَقَدّمْت . سَوَادٌ هَذَا بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَكُلّ سَوَادٍ فِي
الْعَرَبِ ، فَكَذَلِكَ بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ [ ص 68 ] عَمْرَو بْنَ سَوَادٍ
أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ مِنْ شُيُوخِ الْحَدِيثِ وَسُوَادٌ بِضَمّ
السّينِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ هُوَ ابْنُ مُرّيّ بْنِ إرَاشَةَ بْنِ قُضَاعَةَ
ثُمّ مِنْ بَلِيّ حُلَفَاءِ الْأَنْصَارِ ، وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ مِنْ كَلَامِ
ابْنِ هِشَامٍ سَوّادٌ مُثَقّلَةٌ ابْنُ غَزِيّةَ إنّمَا الصّوَابُ مَا تَقَدّمَ
وَسَوَادٌ هَذَا هُوَ عَامِلُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
عَلَى خَيْبَرَ الّذِي جَاءَهُ بِتَمْرِ جَنِيبٍ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطّأِ
وَلَمْ يُسَمّهِ . وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ : مُسْتَنْصِلٌ مَعْنَاهُ خَارِجٌ مِنْ
الصّفّ مِنْ قَوْلِك : نَصّيْتُ الرّمْحَ إذَا أَخَرَجْت ثَعْلَبَةً مِنْ
السّنَانِ .
مُنَاشَدَةُ الرّسُولِ رَبّهُ النّصْرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَدّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الصّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو
بَكْرٍ الصّدّيقُ ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا
يَقُولُ اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ
وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ كَفَاك مُنَاشَدَتُك رَبّك ، فَإِنّ
اللّهَ مُنَجّزٌ لَك مَا وَعَدَك . [ ص 69 ] [ ص 70 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ " أَبْشِرْ
يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاك نَصْرُ اللّهِ هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ
يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُSتَفْسِيرُ بَعْضِ مُنَاشَدَتِك
وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ كَفَاك مُنَاشَدَتُك رَبّك ، فَإِنّ اللّهَ مُنَجّزٌ
لَك مَا وَعَدَك ، رَوَاهُ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ كَذَلِكَ مُنَاشَدَتُك ،
وَفَسّرَهُ قَاسِمٌ فِي الدّلَائِلِ فَقَالَ كَذَلِكَ قَدْ يُرَادُ بِهَا مَعْنَى
الْإِغْرَاءِ وَالْأَمْرِ بِالْكَفّ عَنْ الْفِعْلِ وَأُنْشِدَ لِجَرِيرِ
[ تَقُولُ وَقَدْ تَرَامَحَتْ الْمَطَايَا ] ... كَذَاكَ الْقَوْلُ إنّ عَلَيْك
عَيْنًا
[ ص 69 ] الْبُخَارِيّ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ
لِأَنْجَشَةَ " يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدُك سَوْقَك بِالْقَوَارِيرِ
وَأَوْرَدَهُ مَرّةً أُخْرَى فَقَالَ فِيهِ شَوْفَك وَإِنّمَا دَخَلَهُ مَعْنَى
النّصَبِ كَمَا دَخَلَ عَلَيْك زَيْدًا مَعْنَى النّصَبِ وَفِي دُونِك ، لِأَنّك
إذَا قُلْت دُونَك زَيْدًا وَهُوَ يَطْلُبُهُ فَقَدْ أَعْلَمْته بِمَكَانِهِ
فَكَأَنّك قُلْت : خُذْهُ وَمَسْأَلَةُ كَذَاكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنّك إذَا
قُلْت : كَذَاكَ الْقَوْلُ أَوْ السّيْرُ فَكَأَنّك قُلْت : كَذَاكَ أَمَرْت
فَاكْفُفْ وَدَعْ فَاصِلُ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ ظَرْفٌ بَعْدَهُ ابْتِدَاءٌ
وَهُوَ خَبَرٌ يَتَضَمّنُ مَعْنَى الْأَمْرِ أَوْ الْإِغْرَاءِ بِالشّيْءِ أَوْ
تَرْكِهِ فَنَصَبُوا بِمَا فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ وَحَسُنَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ
يَعْدِلُوا عَنْ عَامِلٍ لَفْظِيّ إلَى مَعْنَوِيّ وَإِنّمَا عَدَلُوا عَنْ
مَعْنَوِيّ إلَى مَعْنَوِيّ وَلَوْ أَنّهُمْ حِينَ قَالُوا : دُونَك زَيْدًا
يَلْفِظُونَ بِالْفِعْلِ فَيَقُولُونَ اسْتَقَرّ دُونَك زَيْدٌ وَهُمْ يُرِيدُونَ
الْإِغْرَاءَ بِهِ وَالْأَمْرَ بِأَخْذِهِ لَمَا جَازَ النّصْبُ بِوَجْهِ لِأَنّ
الْفِعْلَ ظَاهِرٌ لَفْظِيّ ، فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْمَعْنَوِيّ .
مَعْنَى مُنَاشَدَةِ أَبِي بَكْرٍ
فَصْلٌ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْمَعَانِي أَنْ يُقَالَ كَيْفَ جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ
يَأْمُرُ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْكَفّ عَنْ
الِاجْتِهَادِ فِي الدّعَاءِ وَيُقَوّي رَجَاءَهُ وَيُثَبّتُهُ وَمَقَامُ رَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - هُوَ الْمَقَامُ الْأَحْمَدُ
وَيَقِينُهُ فَوْقَ يَقِينِ كُلّ أَحَدٍ ، فَسَمِعْت شَيْخَنَا الْحَافِظَ -
رَحِمَهُ اللّهُ - يَقُولُ فِي هَذَا : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ وَكَانَ صَاحِبُهُ فِي مَقَامِ الرّجَاءِ
وَكِلَا ، الْمَقَامَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْفَضْلِ لَا يُرِيدُ أَنّ النّبِيّ
وَالصّدّيقَ سَوَاءٌ وَلَكِنْ الرّجَاءُ وَالْخَوْفُ مَقَامَانِ لَا بُدّ
لِلْإِيمَانِ مِنْهُمَا ، فَأَبُو بَكْرٍ كَانَ فِي تِلْكَ السّاعَةِ فِي مَقَامِ
الرّجَاءِ لِلّهِ وَالنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ مِنْ
اللّهِ لِأَنّ لِلّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ فَخَافَ أَنْ لَا يَعْبُدَ اللّهَ
فِي الْأَرْضِ بَعْدَهَا ، فَخَوْفُهُ ذَلِكَ عِبَادَةٌ . وَأَمّا قَاسِمُ بْنُ
ثَابِتٍ فَذَهَبَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إلَى غَيْرِ هَذَا ، وَقَالَ إنّمَا
قَالَ ذَلِكَ الصّدّيقُ مَأْوِيَةً لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرِقّةً
عَلَيْهِ لِمَا رَأَى مِنْ نَصَبِهِ فِي الدّعَاءِ وَالتّضَرّعِ حَتّى سَقَطَ
الرّدَاءُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضَ هَذَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَيْ
لِمَ تُتْعِبْ نَفْسَك هَذَا التّعَبَ وَاَللّهِ قَدْ وَعَدَك بِالنّصْرِ وَكَانَ
رَقِيقَ الْقَلْبِ شَدِيدَ الْإِشْفَاقِ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . [ ص 70 ]
جِهَادُ النّبِيّ فِي الْمَعْرَكَةِ
قَالَ الْمُؤَلّفُ وَأَمّا شِدّةُ اجْتِهَادِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَنَصَبُهُ فِي الدّعَاءِ فَإِنّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ تَنْصَبُ فِي
الْقِتَالِ وَجِبْرِيلُ عَلَى ثَنَايَاهُ الْغُبَارُ وَأَنْصَارُ اللّهِ
يَخُوضُونَ غِمَارَ الْمَوْتِ . وَالْجِهَادُ عَلَى ضَرْبَيْنِ جِهَادٌ بِالسّيْفِ
وَجِهَادٌ بِالدّعَاءِ وَمِنْ سُنّةِ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ
الْجُنْدِ لَا يُقَاتِلُ مَعَهُمْ فَكَانَ الْكُلّ فِي اجْتِهَادٍ وُجِدَ وَلَمْ
يَكُنْ لِيُرِيحَ نَفْسَهُ مِنْ أَحَدِ الْجِدّيْنِ وَالْجِهَادَيْنِ وَأَنْصَارُ
اللّهِ وَمَلَائِكَتُهُ يَجْتَهِدُونَ وَلَا لِيُؤْثِرَ الدّعَةَ وَحِزْبُ اللّهِ
مَعَ أَعْدَائِهِ يَجْتَلِدُونَ .
الْمُفَاعَلَةُ
وَقَوْلُهُ كَفَاك مُنَاشَدَتُك رَبّك ، وَالْمُفَاعَلَةُ لَا تَكُونُ إلّا مِنْ
اثْنَيْنِ وَالرّبّ لَا يَنْشُدُ عَبْدَهُ فَإِنّمَا ذَلِكَ لِأَنّهَا مُنَاجَاةٌ
لِلرّبّ وَمُحَاوَلَةٌ لِأَمْرِ يُرِيدُهُ فَلِذَلِكَ جَاءَتْ عَلَى بِنَاءِ
الْمُفَاعَلَةِ وَلَا بُدّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ فِعْلَيْنِ لِفَاعِلَيْنِ إمّا
مُتّفِقَيْنِ فِي اللّفْظِ وَإِمّا مُتّفِقَيْنِ فِي الْمَعْنَى ، وَظَنّ أَكْثَرُ
أَهْلِ اللّغَةِ أَنّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ نَحْوَ عَاقَبْت الْعَبْدَ
وَطَارَقْتُ النّعْلَ وَسَافَرْت ، وَعَافَاهُ اللّهُ فَنَقُولُ أَمّا عَاقَبْت
الْعَبْدَ فَهِيَ مُعَامَلَةٌ بَيْنَك وَبَيْنَهُ عَامَلَك بِالذّنْبِ وَعَامَلْته
بِالْعُقُوبَةِ فَأُخِذَ لَفْظُهَا مِنْ الْعُقُوبَةِ وَوَزْنُهَا مِنْ
الْمُعَاوَنَةِ وَأَمّا طَارَقْت النّعْلَ فَمِنْ الطّرْقِ وَهُوَ الْفَوْهُ
فَقَدْ قَوّيْتهَا وَقَوّتْك عَلَى الْمَشْيِ فَلَفْظُهَا مِنْ الطّرْقِ
وَبِنَاؤُهَا عَلَى وَزْنِ الْمُعَاوَنَةِ وَالْمُقَاوَاةِ فَهَذَا اتّفَاقٌ فِي
الْمَعْنَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اللّفْظِ وَأَمّا سَافَرَ الرّجُلُ فَمِنْ
سَفَرْت : إذَا كَشَفْت عَنْ وَجْهِك ، فَقَدْ سَفَرَ لِقَوْمِ وَسَفَرُوا لَهُ
فَهَذِهِ مُوَافَقَةٌ فِي اللّفْظِ وَالْمَعْنَى ، وَأَمّا الْمُعَافَاةُ فَإِنّ
السّيّدَ يُعْفِي عَبْدَهُ مِنْ بَلَاءٍ فَيُعْفِي الْعَبْدُ سَيّدَهُ مِنْ
الشّكْوَى وَالْإِلْحَاحِ فَهَذِهِ مُوَافَقَةٌ فِي اللّفْظِ ثُمّ تُضَافُ إلَى
اللّهِ سُبْحَانَهُ اتّسَاعًا فِي الْكَلَامِ وَمَجَازًا حَسَنًا .
عَصَبَ وَعَصَمَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - هَذَا جِبْرِيلُ
عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ وَهُوَ الْغُبَارُ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّهُ قَالَ
رَأَيْته عَلَى فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ حَمْرَاءُ ، وَقَدْ
عَصَمَ بِثَنِيّتِهِ الْغُبَارَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : عَصَمَ وَعَصَبَ
بِمَعْنَى وَاحِدٍ يُقَالُ عَصَبَ الرّيقَ بِفِيهِ إذَا يَبِسَ وَأَنْشَدَ
يَعْصِبُ فَاهُ الرّيقُ أَيّ عَصْبِ ... عَصْبَ الْجُبَابِ بِشِفَاهِ الْوَطْبِ
وَخَالَفَهُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَقَالَ هُوَ عُصُمٌ مِنْ الْعَصِيمِ
وَالْعُصْمَ وَهِيَ كَالْبَقِيّةِ تَبْقَى فِي الْيَدِ وَغَيْرِهَا مِنْ لَطْخِ
حِنّاءٍ أَوْ عَرَقٍ أَوْ شَيْءٍ يُلْصَقُ بِالْعَضُدِ كَمَا قَالَتْ [ ص 71 ]
الْعَرَبِ لِأُخْرَى : أَعْطِنِي عُصُمَ حِنّائِك ، أَيْ مَا سَلَتَتْ مِنْ
حِنّائِهَا ، وَقَشَرَتْهُ مِنْ يَدِهَا .
أَوّلُ قَتِيلٍ
[ ص 71 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ
الْخَطّابِ بِسَهْمِ فَقُتِلَ فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ
رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ ، وَهُوَ
يَشْرَبُ مِنْ الْحَوْضِ بِسَهْمِ فَأَصَابَ نَحْرَهُ فَقُتِلَ .
تَحْرِيضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى
الْقِتَالِ
قَالَ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّاسِ
فَحَرّضَهُمْ وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمْ
الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ
إلّا أَدْخَلَهُ اللّهُ الْجَنّةَ . فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ ، أَخُو
بَنِي سَلِمَةَ ، وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٌ يَأْكُلُهُنّ بَخٍ بَخٍ أَفَمَا بَيْنِي
وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ ؟ ثُمّ قَذَفَ التّمَرَاتِ
مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ عَوْفَ بْنَ
الْحَارِثِ ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا يُضْحِكُ
الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ قَالَ غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوّ حَاسِرًا . فَنَزَعَ
دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا ، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ حَتّى
قُتِلَ [ ص 72 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ
شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ
الْعُذْرِيّ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ، أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّهُ لَمّا التّقَى
النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ :
اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ
فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ .Sحَدِيثُ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
حَرَامٍ حِينَ أَلْقَى التّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَقَالَ بَخٍ بَخٍ وَهِيَ كَلِمَةٌ
مَعْنَاهَا التّعَجّبُ وَفِيهَا لُغَاتٌ بَخْ بِسُكُونِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهَا
مَعَ التّنْوِينِ وَبِتَشْدِيدِهَا مُنَوّنَةً وَغَيْرَ مُنَوّنَةً وَفِي حَدِيثِ
مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيّ : أَنّ هَذِهِ الْقِصّةَ كَانَتْ أَيْضًا يَوْمَ أُحُدٍ
لَكِنّهُ لَمْ يُسَمّ فِيهَا عُمَيْرًا ، وَلَا غَيْرَهُ فَاَللّهُ أَعْلَمُ .
حَدِيثُ عَوْفِ ابْنِ عَفْرَاءَ
وَقَوْلُ عَوْفِ ابْنِ عَفْرَاءَ : مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ يَا رَسُولَ
اللّهِ ؟ قَدْ قِيلَ فِي عَوْفٍ عَوْذٌ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ وَيُقَوّي هَذَا
الْقَوْلَ أَنّ أَخَوَيْهِ مُعَاذٌ وَمُعَوّذٌ . [ ص 72 ]
ضَحِكُ الرّبّ
وَيُضْحِكُ الرّبّ أَيْ يُرْضِيهِ غَايَةَ الرّضَى ، وَحَقِيقَتُهُ أَنّهُ رِضًى
مَعَهُ تَبْشِيرٌ وَإِظْهَارُ كَرَامَةٍ وَذَلِكَ أَنّ الضّحِكَ مُضَادّ
لِلْغَضَبِ وَقَدْ يَغْضَبُ السّيّدُ وَلَكِنّهُ يَعْفُو وَيُبْقِي الْعَتَبَ فَإِذَا
رَضِيَ فَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الْعَفْوِ فَإِذَا ضَحِكَ فَذَلِكَ غَايَةُ الرّضَى
، إذْ قَدْ يَرْضَى وَلَا يُظْهِرُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ الرّضَى ، فَعَبّرَ عَنْ
الرّضَى وَإِظْهَارِهِ بِالضّحِكِ فِي حَقّ الرّبّ سُبْحَانَهُ مَجَازًا
وَبَلَاغَةً وَتَضْمِينًا لِهَذِهِ الْمَعَانِي فِي لَفْظٍ وَجِيزٍ وَلِذَلِكَ
قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي طَلْحَةَ بْنِ الْبَرَاءِ اللّهُمّ الْقَ طَلْحَةَ
يَضْحَكُ إلَيْك ، وَتَضْحَكُ إلَيْهِ فَمَعْنَى هَذَا : الْقَهُ لِقَاءَ
مُتَحَابّيْنِ مُظْهِرَيْنِ لِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ رِضًى ، وَمَحَبّةٍ
فَإِذَا قِيلَ ضَحِكَ الرّبّ لِفُلَانِ فَهِيَ كَلِمَةٌ وَجِيزَةٌ تَتَضَمّنُ
رِضًى مَعَ مَحَبّةٍ وَإِظْهَارِ بِشْرٍ وَكَرَامَةٍ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِمَا ،
فَهِيَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الّتِي أُوتِيَهَا عَلَيْهِ السّلَامُ . [ ص 73 ]
رَمْيُ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ
بِالْحَصْبَاءِ
[ ص 73 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَ قُرَيْشًا بِهَا ، ثُمّ
قَالَ شَاهَتْ الْوُجُوهُ ، ثُمّ نَفَحَهُمْ بِهَا ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ
شِدّوا ، فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ فَقَتَلَ اللّهُ تَعَالَى مَنْ قَتَلَ مِنْ
صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ . فَلَمّا وَضَعَ
الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَائِمٌ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ
الّذِي فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُتَوَشّحًا السّيْفَ
فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَخَافُونَ عَلَيْهِ كَرّةَ الْعَدُوّ وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النّاسُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَكَأَنّك يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ
الْقَوْمُ ، قَالَ أَجَلْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ
أَوْقَعَهَا اللّهُ بِأَهْلِ الشّرْكِ . فَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ
بِأَهْلِ الشّرْكِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرّجَالِ
نَهَى النّبِيّ أَصْحَابَهُ عَنْ
قَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْبَدٍ
، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ إنّي قَدْ عَرَفْت أَنّ رِجَالًا مِنْ
بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أُخْرِجُوا كَرْهًا ، لَا حَاجَةَ لَهُمْ
بِقِتَالِنَا ، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا
يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، عَمّ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَا يَقْتُلْهُ فَإِنّهُ إنّمَا
أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا قَالَ فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ أَنَقْتُلُ أَبَاءَنَا
وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَتَنَا وَعَشِيرَتَنَا . وَنَتْرُكُ الْعَبّاسَ وَاَللّهِ
لَئِنْ لَقِيته لَأَلْجُمَنّهُ السّيْفَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
لَأَلْجُمَنّهُ ( السّيْفَ ) - قَالَ فَبَلّغْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ : " يَا أَبَا حَفْصٍ
" - قَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ إنّهُ لَأَوّلُ يَوْمٍ كَنّانِي فِيهِ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي حَفْصٍ - أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمّ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّيْفِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ يَا
رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ بِالسّيْفِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ
نَافَقَ . فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ مَا أَنَا بِآمِنِ مِنْ تِلْكَ
الْكَلِمَةِ الّتِي قُلْت يَوْمَئِذٍ وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا ، . إلّا
أَنْ تُكَفّرَهَا عَنّي الشّهَادَةُ . فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّمَا نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ لِأَنّهُ كَانَ أَكَفّ الْقَوْمِ عَنْ
رَسُولِ اللّهِ جَمِيعًا وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ
عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَكَانَ مِمّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ الّتِي
كَتَبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ . فَلَقِيَهُ
الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي
سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ، فَقَالَ الْمُجَذّرُ لِأَبِي الْبَخْتَرِيّ [ ص 74 ] صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ نَهَانَا عَنْ قَتْلِك - وَمَعَ أَبِي
الْبَخْتَرِيّ زَمِيلٌ لَهُ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكّةَ ، وَهُوَ جُنَادَةُ
بْنُ مُلَيْحَةَ بِنْتِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ : وَجُنَادَةُ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ . وَاسْمُ أَبِي الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ - قَالَ
وَزَمِيلِي ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذّرُ لَا وَاَللّهِ مَا نَحْنُ بِتَارِكِي
زَمِيلِك ، مَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِك
وَحْدَك ؟ فَقَالَ لَا وَاَللّهِ إذَنْ لَأَمُوتَن أَنَا وَهُوَ جَمِيعًا ، لَا
تَتَحَدّثُ عَنّي نِسَاءُ مَكّةَ أَنّي تَرَكْت زَمِيلِي حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ
. فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ حِينَ نَازَلَهُ الْمُجَذّرُ وَأَبَى إلّا
الْقِتَالَ يَرْتَجِزُ
لَنْ يُسْلِمَ ابْنُ حُرّة زَمِيلَهُ ... حَتّى يَمُوتَ أَوْ يَرَى سَبِيلَهُ
فَاقْتَتَلَا ، فَقَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ . وَقَالَ الْمُجَذّرُ بْنُ
ذِيَادٍ فِي قَتْلِهِ أَبَا الْبَخْتَرِيّ
إمّا جَهِلْت أَوْ نَسِيت نَسَبِي ... فَأَثْبِتْ النّسْبَةَ أَنّي مِنْ بَلِيَ
الطّاعِنِينَ بِرِمَاحِ الْيَزِنِي ... وَالضّارِبِينَ الْكَبْشَ حَتّى يَنْحَنِي
بَشّرْ بِيُتْمِ مِنْ أَبُوهُ الْبَخْتَرِيّ ... أَوْ بَشّرْنَ بِمِثْلِهَا مِنّي
بَنِي
أَنَا الّذِي يُقَالُ أَصْلِي مِنْ بَلِيَ ... أَطْعُنُ بِالصّعْدَةِ حَتّى
تَنْثَنِي
وَأَغْبِطُ الْقِرْنَ بِعَضْبِ مَشْرَفِي ... أُرْزِمَ لِلْمَوْتِ كَإِرْزَامِ
الْمَرِيّ
فَلَا تَرَى مُجَذّرًا يَفْرِي فَرِيّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : " الْمَرِيّ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
وَالْمَرِيّ : النّاقَةُ الّتِي يُسْتَنْزَلُ لَبَنُهَا عَلَى عُسْرٍ . [ ص 75 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ الْمُجَذّرَ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ جَهَدْت عَلَيْك
أَنْ يَسْتَأْسِرَ فَآتِيك بِهِ ( فَأَبَى ) إلّا أَنْ يُقَاتِلَنِي ، فَقَاتَلْته
فَقَتَلْته . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ .Sشَرْحُ كَلَامِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ وَالْمُجَذّرُ
فَصْلٌ
[ ص 74 ] أَبِي الْبَخْتَرِيّ أَنَا وَزَمِيلٌ . الزّمِيلُ الرّدِيفُ وَمِنْهُ
ازْدَمَلَ الرّجُلُ بِحَمْلِهِ إذَا أَلْقَاهُ عَلَى ظَهْرِهِ وَفِي مُسْنَدِ
الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنّا نَتَعَاقَبُ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً
عَلَى بَعِيرٍ فَكَانَ عَلِيّ وَأَبُو لُبَابَةَ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا كَانَتْ عُقْبَتُهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ -
قَالَا لَهُ ارْكَبْ وَلْنَمْشِ عَنْك يَا رَسُولَ اللّهِ فَيَقُولُ مَا أَنْتُمَا
بِأَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ مِنّي ، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ
مِنْكُمَا وَقَوْلُ الْمُجَذّرِ كَإِرْزَامِ الْمَرِيّ . الْمَرِيّ : النّاقَةُ
تُمْرَى لِلْحَلَبِ أَيْ تُمْسَحُ أَخْلَافُهَا . وَإِرْزَامُهَا : صَوْتُهَا
وَهَدْرُهَا ، وَقَدْ تَقَدّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَرْزَمَتْ وَرَزَمَتْ . [ ص 75 ]
مَقْتَلُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِيهِ أَيْضًا عَبْدُ
اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
قَالَ كَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ لِي صَدِيقًا بِمَكّةَ وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ
عَمْرٍو ، فَتَسَمّيْت ، حِينَ أَسْلَمْت ، عَبْدَ الرّحْمَنِ وَنَحْنُ بِمَكّةَ
فَكَانَ يَلْقَانِي إذْ نَحْنُ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، أَرَغِبْت
عَنْ اسْمٍ سَمّاكَهُ أَبَوَاك ؟ فَأَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ فَإِنّي لَا أَعْرِفُ
الرّحْمَنَ فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْئًا أَدْعُوك بِهِ أَمّا أَنْتَ فَلَا
تُجِيبُنِي بِاسْمِك الْأَوّلِ وَأَمّا أَنَا فَلَا أَدْعُوك بِمَا لَا أَعْرِفُ
قَالَ فَكَانَ إذَا دَعَانِي : يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، لَمْ أُجِبْهُ . قَالَ
فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا عَلِيّ اجْعَلْ مَا شِئْت ، قَالَ فَأَنْتَ عَبْدُ الْإِلَهِ
قَالَ فَقُلْت : نَعَمْ قَالَ فَكُنْت إذَا مَرَرْت بِهِ قَالَ يَا عَبْدَ
الْإِلَهِ فَأُجِيبُهُ فَأَتَحَدّثُ مَعَهُ . حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ
مَرَرْت بِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيّ بْنِ أُمَيّةَ أَخَذَ بِيَدِهِ
وَمَعِي أَدْرَاعٌ قَدْ اسْتَلَبْتهَا ، فَأَنَا أَحْمِلُهَا . فَلَمّا رَآنِي
قَالَ لِي : يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، فَلَمْ أُجِبْهُ فَقَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ ؟
فَقُلْت : نَعَمْ قَالَ هَلْ لَك فِي ، فَأَنَا خَيْرٌ لَك مِنْ هَذِهِ
الْأَدْرَاعِ الّتِي مَعَك ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ هَا اللّهِ ذَا ، قَالَ
فَطَرَحْت الْأَدْرَاعَ مِنْ يَدِي ، وَأَخَذْت بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ وَهُوَ
يَقُولُ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللّبَنِ ؟ (
قَالَ ) : ثُمّ خَرَجْت أَمْشِي بِهِمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُرِيدُ بِاللّبَنِ
أَنّ مَنْ أَسَرَنِي افْتَدَيْت مِنْهُ بِإِبِلِ كَثِيرَةِ اللّبَنِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ
إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ قَالَ لِي
أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا :
يَا عَبْدَ الْإِلَهِ مَنْ الرّجُلُ مِنْكُمْ الْمُعَلّمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي
صَدْرِهِ ؟ قَالَ قُلْت : ذَاكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَالَ ذَاكَ
الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَوَاَللّهِ إنّي
لَأَقُودُهُمَا إذْ رَآهُ بِلَالٌ مَعِي - وَكَانَ هُوَ الّذِي يُعَذّبُ بِلَالًا
بِمَكّةَ عَلَى تَرْكِ الْإِسْلَامِ فَيُخْرِجُهُ إلَى رَمْضَاءِ مَكّةَ إذَا
حَمِيَتْ فَيُضْجِعُهُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمّ يَأْمُرُ بِالصّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ
فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ ثُمّ يَقُولُ لَا تَزَالُ هَكَذَا أَوْ تُفَارِقَ دِينَ
مُحَمّدٍ فَيَقُولُ [ ص 76 ] أَحَدٌ أَحَدٌ . قَالَ فَلَمّا رَآهُ قَالَ رَأْسُ
الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ قُلْت : أَيْ
بِلَالٌ أَبِأَسِيرَيّ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ قُلْت : أَتَسْمَعُ
يَا ابْنَ السّوْدَاءِ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى
صَوْتِهِ يَا أَنْصَارَ اللّهِ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لَا
نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ فَأَحَاطُوا بِنَا حَتّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ
الْمُسْكَةِ وَأَنَا أَذُبّ عَنْهُ . قَالَ فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السّيْفَ فَضَرَبَ
رَجُلٌ ابْنَهُ فَوَقَعَ وَصَاحَ أُمَيّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْت مِثْلَهَا قَطّ
قَالَ فَقُلْت : اُنْجُ بِنَفْسِك ، وَلَا نَجَاءَ بِك فَوَاَللّهِ مَا أُغْنِي
عَنْك شَيْئًا . قَالَ فَهَبَرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ حَتّى فَرَغُوا مِنْهُمَا .
قَالَ فَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يَقُولُ يَرْحَمُ اللّهُ بِلَالًا ، ذَهَبَتْ
أَدْرَاعِي وَفَجَعَنِي بِأَسِيرَيّ .Sتَفْسِيرُ هَا اللّهِ وَهَبّرُوهُ
[ ص 76 ] عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِأُمَيّةِ هَا اللّهِ ذَا . هَا :
تَنْبِيهٌ وَذَا إشَارَةٌ إلَى نَفْسِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى الْقَسَمِ أَيْ
هَذَا قَسْمِي ، وَأُرَاهَا إشَارَةً إلَى الْمُقْسِمِ وَخَفْضُ اسْمِ اللّهِ
بِحَرْفِ الْقَسَمُ أَضْمَرَهُ وَقَامَ التّنْبِيهُ مَقَامَهُ كَمَا يَقُومُ
الِاسْتِفْهَامُ مَقَامَهُ فَكَأَنّهُ قَالَ هَا أَنَا ذَا مُقْسِمٌ ، وَفَصْلٌ
بِالِاسْمِ الْمُقْسَمِ بِهِ بَيْنَ هَا وَذَا ، فَعُلِمَ أَنّهُ هُوَ الْمُقْسِمُ
فَاسْتُغْنِيَ عَنْ أَنَا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لَاهَا اللّهُ ذَا ،
وَقَوْل زُهَيْرَةَ تَعَلّمْنَ هَا لَعَمْرُ اللّهِ ذَا قَسَمًا
أَكّدَ بِالْمَصْدَرِ قَسَمَهُ الّذِي دَلّ عَلَيْهِ التّقَدّمُ . وَقَوْلُهُ
هَبَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ مِنْ الْهَبْرَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ
اللّحْمِ أَيْ قَطَعُوهُ .
شُهُودُ الْمَلَائِكَةِ وَقْعَةَ
بَدْرٍ
[ ص 77 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
أَنّهُ حَدّثَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ،
قَالَ أَقْبَلْت أَنَا وَابْنُ عَمّ لِي حَتّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ يُشْرِفُ
بِنَا عَلَى بَدْرٍ وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ
تَكُونُ الدّبْرَةُ . فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْتَهِبُ . قَالَ فَبَيْنَا نَحْنُ
فِي الْجَبَلِ إذْ دَنَتْ مِنّا سَحَابَةٌ فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ
الْخَيْلِ فَسَمِعْت قَائِلًا يَقُولُ اُقْدُمْ حَيْزُومُ فَأَمّا ابْنُ عَمّي
فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ وَأَمّا أَنَا فَكِدْت أَهْلَكَ
ثُمّ تَمَاسَكْت قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ ، عَنْ بَعْضِ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ
، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ لَوْ كُنْت
الْيَوْمَ بِبَدْرِ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمْ الشّعْبَ الّذِي خَرَجَتْ
مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكّ فِيهِ وَلَا أَتَمَارَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ
النّجّارِ ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيّ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، قَالَ
إنّي لَأَتّبِعُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ إذْ
وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ سَيْفِي ، فَعَرَفْت أَنّهُ قَدْ
قَتَلَهُ غَيْرِي [ ص 78 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ
عَنْ مِقْسَمٍ ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَبّاسٍ ، قَالَ كَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا
قَدْ أَرْسَلُوهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ حُمْرًا قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ قَالَ الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ ، وَكَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ
يَوْمَ بَدْرٍ تَمَائِمُ بِيضًا قَدْ أَرْخَوْهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ إلّا
جِبْرِيلُ فَإِنّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ وَلَمْ
تُقَاتِلْ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى بَدْرٍ مِنْ الْأَيّامِ وَكَانُوا
يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَيّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَS[
ص 77 ] وَذَكَرَ قَوْلَ الْغِفَارِيّ حِينَ سَمِعَ حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ فِي
السّحَابَةِ وَسَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ اُقْدُمْ حَيْزُومُ . اُقْدُمْ بِضَمّ
الدّالِ أَيْ اُقْدُمْ الْخَيْلَ وَهُوَ اسْمُ فَرَسِ جِبْرِيلَ وَهُوَ فَيْعُولٌ
مِنْ الْحَزْمِ وَالْحَيْزُومُ أَيْضًا أَعْلَى الصّدْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
أَيْضًا سُمّيَ بِهِ لِأَنّهُ صَدْرٌ لِخَيْلِ الْمَلَائِكَةِ وَمُتَقَدّمٌ
عَلَيْهَا ، وَالْحَيَاةُ أَيْضًا فَرَسٌ أُخْرَى لِجِبْرِيلَ لَا تَمَسّ شَيْئًا
إلّا حَيِيَ وَهِيَ الّتِي قَبَضَ مِنْ أَثَرِهَا السّامِرِيّ ، فَأَلْقَاهَا فِي
الْعِجْلِ الّذِي صَاغَهُ مِنْ ذَهَبٍ فَكَانَ لَهُ خُوَارٌ ذَكَرَهُ الزّجّاجُ .
نَسَبُ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيّ
فَصَل
وَذَكَرَ أَبَا دَاوُدَ الْمَازِنِيّ وَقَوْلَهُ لَقَدْ أَتْبَعْت رَجُلًا مِنْ
الْمُشْرِكِينَ فَسَقَطَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إلَيْهِ . اسْمُ أَبِي
دَاوُدَ هَذَا عَمْرٌو ، وَقِيلَ عُمَيْرُ بْنُ عَامِرٍ وَهَذَا هُوَ الّذِي
قَتَلَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامٍ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فِي قَوْلِ طَائِفَةٍ
عَنْ أَهْلِ السّيَرِ غَيْرَ ابْنِ إسْحَاقَ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ قَتَلَهُ
الْمُجَذّرُ كَمَا تَقَدّمَ .
مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ يَرْتَجِزُ وَهُوَ
يُقَاتِلُ وَيَقُولُ
مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الْعَوَانُ مِنّي ... بَازِلِ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سِنّي
لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمّي
شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدٌ أَحَدٌ . [ ص 79 ]
عَوْدٌ إلَى مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ عَدُوّهِ أَمَرَ بِأَبِي جَهْلٍ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى .
وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ كَمَا حَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ
عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ
أَيْضًا قَدْ حَدّثَنِي ذَلِكَ قَالَا : قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ : سَمِعْت الْقَوْمَ وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ
الْحَرَجَةِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحَرَجَةُ الشّجَرُ الْمُلْتَفّ . وَفِي
الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ : أَنّهُ سَأَلَ أَعْرَابِيّا عَنْ
الْحَرَجَةِ فَقَالَ هِيَ شَجَرَةٌ مِنْ الْأَشْجَارِ لَا يُوصَلُ إلَيْهَا -
وَهُمْ يَقُولُونَ أَبُو الْحَكَمِ لَا يَخْلُصُ إلَيْهِ . قَالَ فَلَمّا
سَمِعْتهَا جَعَلْته مِنْ شَأْنِي ، فَصَمَدْت نَحْوَهُ فَلَمّا أَمْكَنَنِي
حَمَلْت عَلَيْهِ فَضَرَبْته ضَرْبَةً أَطَنّتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ
فَوَاَللّهِ مَا شَبّهْتهَا حِينَ طَاحَتْ إلّا بِالنّوَاةِ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ
مِرْضَخَةِ النّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا . قَالَ وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ
عَلَى عَاتِقِي ، فَطَرَحَ يَدِي فَتَعَلّقَتْ بِجِلْدَةِ مِنْ جَنْبِي ،
وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ فَلَقَدْ قَاتَلْت عَامّةَ يَوْمِي ، وَإِنّي
لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي ، فَلَمّا آذَتْنِي وَضَعْت عَلَيْهَا قَدَمِي ، ثُمّ
تَمَطّيْت بِهَا عَلَيْهَا حَتّى طَرَحْتهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَاشَ
بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ . ثُمّ مَرّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ
عَقِيرٌ مُعَوّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، فَضَرَبَهُ حَتّى أَثْبَتَهُ فَتَرَكَهُ
وَبِهِ رَمَقٌ . وَقَاتَلَ مُعَوّذٌ حَتّى قُتِلَ فَمَرّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي [ ص 80 ] اُنْظُرُوا ، إنْ
خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى ، إلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ فَإِنّي
ازْدَحَمْت يَوْمًا أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ
وَنَحْنُ غُلَامَانِ وَكُنْت أَشَفّ مِنْهُ بِيَسِيرِ فَدَفَعْته فَوَقَعَ عَلَى
رُكْبَتَيْهِ فَجُحِشَ فِي إحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ . قَالَ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : فَوَجَدْته بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْته ، فَوَضَعْت
رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ - قَالَ وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ بِي مَرّةً بِمَكّةَ
فَآذَانِي وَلَكَزَنِي ، ثُمّ قُلْت لَهُ هَلْ أَخْزَاك اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ
؟ قَالَ وَبِمَاذَا أَخْزَانِي ، اعْمَدْ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي
لِمَنْ الدّائِرَةَ الْيَوْمَ ؟ قَالَ قُلْت : لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : ضَبَثَ قَبَضَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ . قَالَ ضَابِئُ بْنُ الْحَارِثِ
الْبُرْجُمِيّ :
فَأَصْبَحْت مِمّا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... مِنْ الْوُدّ مِثْلَ الضّابِثِ
الْمَاءَ بِالْيَدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَعَارٌ عَلَى رَجُلِ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي
لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ
بَنِي مَخْزُومٍ ، أَنّ ابْنَ مَسْعُود ٍ كَانَ يَقُولُ قَالَ لِي : لَقَدْ
ارْتَقَيْت مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ قَالَ ثُمّ احْتَرَزْت رَأْسَهُ
ثُمّ جِئْت بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا
رَسُولَ اللّهِ هَذَا رَأْسُ عَدُوّ اللّهِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ قَالَ
وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ قُلْت :
نَعَمْ وَاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ ثُمّ أَلْقَيْت رَأْسَهُ بَيْنَ
يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ . [ ص 81 ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ
الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي : أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ
الْعَاصِ ، وَمَرّ بِهِ إنّي أَرَاك كَأَنّ فِي نَفْسِك شَيْئًا ، أَرَاك تَظُنّ
أَنّي قَتَلْت أَبَاك ، إنّي لَوْ قَتَلْته لَمْ أَعْتَذِرْ إلَيْك مِنْ قَتْلِهِ
وَلَكِنّي قَتَلْت خَالِي الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَأَمّا
أَبُوك فَإِنّي مَرَرْت وَهُوَ يَبْحَثُ بَحْثَ الثّوْرِ بِرَوْقِهِ فَحِدْت
عَنْهُ وَقَصَدَ لَهُ ابْنُ عَمّهِ عَلِيّ فَقَتَلَهُ .Sلُغَوِيّاتٌ
[ ص 78 ] مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو فِي مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ مَا شَبّهْت رِجْلَهُ
حِينَ طَاحَتْ إلّا بِالنّوَاةِ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ الْمِرْضَخَةِ . طَاحَتْ
ذَهَبَتْ وَلَا يَكُونُ إلّا ذَهَابَ هَلَاكٍ وَالْمِرْضَخَةُ . كَالْإِرْزَبّةِ
يُدَقّ بِهَا النّوَى لِلْعَلَفِ وَالرّضْخُ بِالْحَاءِ مُهْمَلَةً كَسْرُ
الْيَابِسِ وَالرّضْخُ كَسْرُ الرّطَبِ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الشّيْخِ
الْمُرْضَخَةُ بِالْحَاءِ وَالْخَاءِ مَعًا ، وَيَدُلّ عَلَى أَنّهُ كُسِرَ لَمّا
صُلِبَ وَأَنْشَدَ قَوْلَ الطّائِيّ
أَتَرْضَحُنِي رَضْحَ النّوَى وَهِيَ مُصْمَتٌ ... وَيَأْكُلُنِي أَكْلَ الدّبَا
وَهُوَ جَائِعٌ
[ ص 79 ]
الْغُلَامَانِ اللّذَانِ قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ
وَذَكَرَ الْغُلَامَيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ وَأَنّهُمَا مُعَاذُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَوّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ أَنّهُمَا مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ ، وَعَفْرَاء ُ هِيَ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْد ِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّار ِ عَرَفَ بِهَا بَنُو
عَفْرَاءَ وَأَبُوهُمْ الْحَارِثُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ عَلَى اخْتِلَافٍ
فِي ذَلِكَ وَرِوَايَةُ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، كَمَا فِي كِتَابِ
مُسْلِمٍ ، قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَصَحّ مِنْ هَذَا كُلّهِ حَدِيثُ أَنَسٍ حِينَ
قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ أَبِي جَهْلٍ
الْحَدِيثُ وَفِيهِ أَنّ ابْنَيْ عَفْرَاءَ قَتَلَاهُ . [ ص 80 ] أَبِي جَهْلٌ
اعْمَدْ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ وَيُرْوَى قَتَلَهُ قَوْمُهُ أَيْ هَلْ فَوْقَ
رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ مَعْنَى تَفْسِيرِ ابْنِ هِشَامٍ ، حَيْثُ قَالَ
أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ عَارٌ وَالْأَوّلُ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ
الْحَدِيثِ وَقَدْ [ أَنْشَدَ ] شَاهِدًا عَلَيْهِ
[ تُقَدّمُ قَيْسٌ كُلّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ ... وَيُثْنَى عَلَيْهَا فِي الرّخَاءِ
ذُنُوبُهَا ]
وَأَعْمَدُ مِنْ قَوْمٍ كَفَاهُمْ أَخُوهُمْ ... صِدَامَ الْأَعَادِي حِينَ فُلّتْ
نُيُوبُهَا
قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِمْ عَمِدَ
الْبَعِيرُ يَعْمَدُ إذَا انْفَسَخَ سَنَامُهُ فَهَلَكَ أَيْ أَهْلَكُ مِنْ رَجُلٍ
قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ هَذَا
، وَمَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ لِابْنِ مَسْعُودٍ لَقَدْ ارْتَقَيْت
مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ . مُرْتَقًى صَعْبًا يُعَارِضُ مَا
وَقَعَ فِي سَيْرِ ابْنِ شِهَابٍ وَفِي مَغَازِي ابْنِ عُقْبَةَ أَنّ ابْنَ
مَسْعُودٍ وَجَدَهُ جَالِسًا لَا يَتَحَرّكُ وَلَا يَتَكَلّمُ فَسَلَبَهُ دِرْعَهُ
فَإِذَا فِي بَدَنِهِ نُكَتٌ سُودٌ فَحَلّ تَسْبَغَةَ الْبَيْضَةِ وَهُوَ لَا
يَتَكَلّمُ وَاخْتَرَطَ سَيْفُهُ يَعْنِي سَيْفَ أَبِي جَهْلٍ فَضَرَبَ بِهِ
عُنُقَهُ ثُمّ سَأَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ
احْتَمَلَ رَأْسَهُ إلَيْهِ عَنْ تِلْكَ النّكَتِ السّودِ الّتِي رَآهَا فِي
بَدَنِهِ فَأَخْبَرَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّ الْمَلَائِكَةَ قَتَلَتْهُ وَأَنّ
تِلْكَ آثَارُ ضَرْبَاتِ الْمَلَائِكَةِ وَرَوَى يُونُسُ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ
قَالَ أَرَانِي الْقَاسِم بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ سَيْفَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ ، قَالَ هَذَا سَيْفُ أَبِي جَهْلٍ حِينَ قَتَلَهُ [ ص 81 ] فَأَخَذَهُ
فَإِذَا سَيْفٌ قَصِيرٌ عَرِيضٌ فِيهِ قَبَائِعُ فِضّةٍ وَحَلَقُ فِضّةٍ قَالَ
أَبُو عُمَيْسٍ فَضَرَبَ بِهِ الْقَاسِمُ عُنُقَ ثَوْرٍ فَقَطَعَهُ وَثَلَمَ فِيهِ
ثَلْمًا ، فَرَأَيْت الْقَاسِمَ جَزَعَ مِنْ ثَلْمِهِ جَزَعًا شَدِيدًا .
إضْمَارُ حَرْفِ الْجَرّ
وَقَوْلُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ اللّهُ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ
بِالْخَفْضِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ لِأَنّ الِاسْتِفْهَامَ عِوَضٌ مِنْ
الْخَافِضِ عِنْدَهُ وَإِذَا كُنْت مُخَيّرًا قُلْت : اللّهَ بِالنّصْبِ لَا
يُجِيزُ الْمُبَرّدُ غَيْرَهُ وَأَجَازَ سِيبَوَيْهِ الْخَفْضَ أَيْضًا لِأَنّهُ
قَسَمٌ وَقَدْ عَرَفَ أَنّ الْمُقْسِمَ بِهِ مَخْفُوضٌ بِالْبَاءِ أَوْ بِالْوَاوِ
وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ حُرُوفِ الْجَرّ إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ
مَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ جِدّا كَمَا رُوِيَ أَنّ رُؤْبَةَ كَانَ يَقُولُ إذَا
قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت ؟ خَيْرٌ عَافَاك اللّهُ . وَقَوْلُ النّبِيّ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي أَبِي جَهْلٍ حِينَ ذَكَرَ مُزَاحَمَتِهِ لَهُ فِي
مَأْدُبَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي الْمَوْلِدِ
التّعْرِيفُ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ وَذَكَرْنَا خَبَر جَفْنَتِهِ
وَسَبَبَ غِنَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ صُعْلُوكًا بِأَتَمّ بَيَانٍ .
خَبَرُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 82 ] وَقَاتَلَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ
حُرْثَانَ الْأَسَدِيّ ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ،
يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِهِ حَتّى انْقَطَعَ فِي يَدِهِ فَأَتَى رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ جِدَلًا مِنْ حَطَبٍ فَقَالَ قَاتِلْ
بِهَذَا يَا عُكّاشَةُ ، فَلَمّا أَخَذَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَزّهُ فَعَادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ الْقَامَةِ شَدِيدَ
الْمَتْنِ أَبْيَضَ الْحَدِيدَةِ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى فَتَحَ اللّهُ تَعَالَى
عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ السّيْفُ يُسَمّى : الْعَوْنَ . ثُمّ لَمْ
يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ فِي الرّدّةِ وَهُوَ عِنْدَهُ قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ
بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيّ ، فَقَالَ طُلَيْحَةُ فِي ذَلِكَ
فَمَا ظَنّكُمْ بِالْقَوْمِ إذْ تَقْتُلُونَهُمْ ... أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ
يُسْلِمُوا بِرِجَالِ
فَإِنْ تَكُ أَذَاوُدٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ تَذْهَبُوا قِرْعًا
بِقَتْلِ حِبَالِ
نَصَبْت لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إنّهَا ... مُعَاوِدَةٌ قِيلَ الْكُمَاةُ
نَزَالِ
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَةً ... وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذَاتِ
جِلَالِ
عَشِيّةَ غَادَرْت ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا ... وَعُكّاشَةَ الْغَنَمِيّ عِنْدَ
حِجَالِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حِبَالِ ابْنُ طُلَيْحَةَ بْنُ خُوَيْلِدٍ . وَابْنُ
أَقْرَمَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ الْأَنْصَارِيّ . [ ص 83 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْخُلُ
الْجَنّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ
قَالَ إنّك مِنْهُمْ أَوْ اللّهُمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ " ، فَقَامَ رَجُلٌ
مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي
مِنْهُمْ فَقَالَ " سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ . وَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغْنَا عَنْ أَهْلِهِ
مِنّا خَيْرُ فَارِسٍ فِي الْعَرَبِ ؛ قَالُوا : وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟
قَالَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ الْأَسَدِيّ :
ذَاكَ رَجُلٌ مِنّا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ لَيْسَ مِنْكُمْ وَلَكِنّهُ مِنّا
لِلْحِلْفِSخَبَرُ عُكّاشَةَ
بْنِ مِحْصَنٍ
يُقَالُ فِيهِ عُكّاشَةُ بِالتّشْدِيدِ وَالتّخْفِيفِ وَهُوَ مَنْ عَكَشَ عَلَى
الْقَوْمِ إذَا حَمَلَ عَلَيْهِمْ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ
لِعُكّاشَةَ [ وَالْعُكّاشُ ] الْعَنْكَبُوتُ وَأَمّا سَيْفُهُ الّذِي كَانَ
جِزْلًا [ ص 82 ] قِيلَ إنّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَوَارَثًا عِنْدَ آلِ عُكّاشَةَ
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُكّاشَةَ فِي السّيْفِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
جَحْشٍ ، وَسَيَأْتِي ، ذِكْرُهَا عِنْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ ، وَأَمّا قَوْلُهُ فَلَنْ
يَذْهَبُوا قِرْعًا بِقَتْلِ حِبَالِ
فَالْقِرْعُ أَنْ يُطَلّ الدّمُ وَلَا يُطْلَبُ بِثَأْرِهِ وَحِبَالُ هُوَ ابْنُ
أَخِي طُلَيْحَةَ لَا ابْنُهُ وَهُوَ حِبَالُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ ،
وَمَسْلَمَةُ أَبُوهُ هُوَ الّذِي قَتَلَ عُكّاشَةُ اعْتَنَقَهُ مَسْلَمَةُ
وَضَرَبَهُ طُلَيْحَةُ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهَا : اللّزَامُ وَكَانَ ثَابِتُ
عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهَا : الْمُخَبّرُ وَقِصّتُهُ مَشْهُورَةٌ فِي أَخْبَارِ
الرّدّةِ . وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ فِي الرّدّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَة ... وَيَوْمًا تَرَاهَا فِي ظِلَالِ
عَوَالٍ
إلَى آخِرِ الشّعْر . وَذَكَرَ فِي الْخَبَرِ أَنّ عُكّاشَةَ وَثَابِتَ بْنَ
أَقْرَمَ الْبَلَوِيّ حَلِيفَيْ الْأَنْصَارِ كَانَا فِي جَيْشِ خَالِدٍ حِينَ
نَهَدَ إلَى طُلَيْحَةَ ، فَاسْتُقْدِمَا أَمَامَ جَيْشِ خَالِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ
فَوَقَعَا فِي خَيْلٍ لِطُلَيْحَةَ وَهُوَ فِيهِمْ فَاسْتُشْهِدَا مَعًا ،
وَذَلِكَ فِي يَوْمِ بُزَاخَةَ كَذَلِكَ قَالَ كُلّ مَنْ أَلّفَ مِنْ السّيَرِ
إلّا سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ ، فَإِنّهُ ذَكَرَ أَنّ عُكّاشَةَ قُتِلَ فِي سَرِيّةٍ
بَعَثَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي أَسَدٍ ،
وَالْأَوّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ . [ ص 83 ]
سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ
وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُكّاشَةَ حِينَ قَالَ
اُدْعُ اللّهَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهُ ثُمّ
قَامَ رَجُلٌ آخَرَ فَقَالَ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ
سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ هَكَذَا الْحَدِيثُ فِي الصّحَاحِ ، وَزَادَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النّمَرِيّ عَنْ بَعْضِ
أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يُسَمّهِمْ أَنّ الرّجُلَ الّذِي قِيلَ لَهُ سَبَقَك
بِهَا عُكّاشَةُ كَانَ مُنَافِقًا ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَدْعُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ الْمُؤَلّفُ وَهَذَا لَا يَصِحّ ؛ لِأَنّ
فِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ خِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ ، فَقَالَ
اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَهُمْ قَالَ ابْنُ بَطّالٍ مَعْنَى قَوْلِهِ
سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ أَيْ سَبَقَك بِهَذِهِ الصّفَةِ الّتِي هِيَ صِفَةُ
السّبْعِينَ أَلْفًا ، تَرْكُ التّطَيّرِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَسْت مِنْهُمْ
وَلَا عَلَى أَخْلَاقِهِمْ بِحُسْنِ أَدَبِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ وَتَلَطّفِهِ فِي
الْكَلَامِ [ و ] لَا سِيّمَا مَعَ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ . قَالَ الْمُؤَلّفُ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - وَاَلّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنّهَا كَانَتْ سَاعَةَ
إجَابَةٍ عَلِمَهَا عَلَيْهِ السّلَامُ فَلَمّا انْقَضَتْ قَالَ لِلرّجُلِ مَا
قَالَ يُبَيّنُ هَذَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، فَإِنّهُ قَالَ فِيهِ
بَعْدَ ذِكْرِ عُكّاشَةَ ، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ اُدْعُ اللّهَ أَنْ
يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ اللّهُمّ اجْعَلْهُ [ ص 84 ] فَقَالَ اُدْعُ اللّهَ
أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَهُمْ فَقَالَ سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ وَصَاحِبَهُ وَلَوْ
قُلْت لَقُلْت ، وَلَوْ قُلْت لَوَجَبَتْ وَهِيَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي
شَيْبَةَ ، وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ أَيْضًا . وَيُقَوّي هَذَا الْمَعْنَى
رِوَايَةَ ابْنِ إسْحَاقَ ، فَإِنّهُ زَادَ فَقَالَ فِيهَا : سَبَقَك بِهِ
عُكّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ فَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرْته فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ
عُكّاشَةَ فَإِنّهُ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْكِتَابِ . وَمِمّنْ لَمْ يَشْهَدْ
بَدْرًا لِعُذْرِ وَهُوَ مِنْ النّقَبَاءِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيّدُ
الْخَزْرَجِ ، لِأَنّهُ نَهَشَتْهُ حَيّةٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ هَذَا
قَوْلُ الْقُتَبِيّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَلَا ابْنُ
عُقْبَةَ فِي الْبَدْرِيّينَ وَقَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ مِنْهُمْ ابْنُ
الْكَلْبِيّ وَجَمَاعَةٌ .
حَدِيثٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ
عَبْدِ الرّحْمَنِ يَوْمَ بَدْرٍ
[ ص 84 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنَادَى أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ابْنَهُ عَبْدَ
الرّحْمَنِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ أَيْنَ مَالِي يَا
خَبِيثُ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ :
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شِكّةَ ويَعْبُوبْ ... وَصَارِمٌ يَقْتُلُ ضُلّالَ الشّيبْ
فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمّدٍ الدّراوَرْديّ .Sتَفْسِيرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي
بَكْرٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ ِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لِابْنِهِ يَوْمَ
بَدْرٍ أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ فَقَالَ لَمْ يَبْقَ إلّا شِكّةٌ ويَعْبُوبْ
الشّكّةُ السّلَاحُ وَالْيَعْبُوبُ مِنْ الْخَيْلِ الشّدِيدُ الْجَرْي ، وَيُقَالُ
الطّوِيلُ وَالْأَوّلُ أَصَحّ ، لِأَنّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ عُبَابِ الْمَاءِ وَهُوَ
شِدّةُ جَرْيِهِ وَيُقَالُ لِلْجَدْوَلِ الْكَثِيرِ الْمَاءِ يَعْبُوبُ وَقَدْ
كَانَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَسٌ اسْمُهُ السّكْبُ وَهُوَ
مِنْ سَكَبْت الْمَاءَ فَهَذَا يُقَوّي مَعْنَى الْيَعْبُوبِ وَذَكَرَ غَيْرُ
ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ لِأَبِيهِ
بَعْدَمَا أَسْلَمَ : يَا أَبَتْ لَقَدْ [ ص 90 ] فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ كُنْت
أَهْدَفْت لِي أَنْتَ مَا صَدَفْت عَنْك .
طَرْحُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقَلِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقَتْلَى أَنْ يُطْرَحُوا فِي الْقَلِيبِ طَرَحُوا فِيهِ
إلّا مَا كَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، فَإِنّهُ انْتَفَخَ فِي دِرْعِهِ
فَمَلَأَهَا ، فَذَهَبُوا لِيُحَرّكُوهُ فَتَزَايَلَ لَحْمُهُ فَأَقَرّوهُ
وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مَا غَيّبَهُ مِنْ التّرَابِ وَالْحِجَارَةِ . فَلَمّا
أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ ، وَقَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 85 ] فَقَالَ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا
وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ فَإِنّي وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا ؟ قَالَتْ
فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُكَلّمُ قَوْمًا مَوْتَى ؟
فَقَالَ لَهُمْ لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ مَا وَعَدَهُمْ رَبّهُمْ حَقّا قَالَتْ
عَائِشَةُ وَالنّاسُ يَقُولُونَ لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْت لَهُمْ وَإِنّمَا قَالَ
لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ عَلِمُوا قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ،
قَالَ سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ يَا
أَهْلَ الْقَلِيبِ ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَيَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ،
وَيَا أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، فَعَدَدُ مَنْ
كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقَلِيبِ : هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا فَإِنّي
قَدْ وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ
اللّهِ أَتُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيّفُوا ؟ قَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا
أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُونِي [ ص 86 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ يَا أَهْلَ
الْقَلِيبِ بِئْسَ عَشِيرَةُ النّبِيّ كُنْتُمْ لِنَبِيّكُمْ ، كَذّبْتُمُونِي
وَصَدّقَنِي النّاسُ وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النّاسُ وَقَاتَلْتُمُونِي
نَصَرَنِي النّاسُ ثُمّ قَالَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟
لِلْمَقَالَةِ الّتِي قَالَ .Sنِدَاءُ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ
مَسْأَلَةٌ نَحْوِيّةٌ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ يَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ
وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ الْحَدِيثُ يَجُوزُ يَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ،
بِضَمّ التّاءِ وَنَصْبِ النّونِ وَبِنَصْبِهِمَا جَمِيعًا ، أَمّا مَنْ يَقُولُ
جَاءَنِي زَيْدُ ابْنُ فُلَانٍ بِالتّنْوِينِ فَهُوَ الّذِي يَقُولُ يَا زَيْدُ
ابْنُ بِضَمّ الدّالِ وَيُكْتَبُ ابْنٌ بِالْأَلِفِ عَلَى هَذَا ، وَمَنْ يَقُولُ
جَاءَنِي زَيْدُ ابْنُ بِلَا تَنْوِينٍ فَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِي النّدَاءِ يَا
زَيْدَ ابْنَ بِنَصْبِ الدّالِ [ ص 85 ] جَعَلَ الِابْنَ مَعَ مَا قَبْلِهِ اسْمًا
وَاحِدًا ، فَعَلَى هَذَا تَقُولُ يَا حَارِثَ ابْنَ عَمْرٍو فَتَكْتُبُهُ
بِأَلِفِ لِأَنّك أَرَدْت يَا حَارِثُ بِالضّمّ لِأَنّك لَوْ أَرَدْت يَا حَارِثَ
ابْنَ بِالنّصْبِ لَمْ تُرَخّمْهُ لِأَنّهُ قَدْ صَارَ وَسَطَ الِاسْمِ وَقَدْ
جَعَلَهُ سِيبَوَيْهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك : امْرِئِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَيَا أَبَا
جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ إنْ نَوّنْت اللّامَ مِنْ أَبِي جَهْلٍ كَتَبْت الِابْنَ
بِأَلِفِ وَإِنْ لَمْ تُنَوّنْهُ كَتَبْته بِغَيْرِ أَلِفٍ . وَذَكَرَ إنْكَارَ
عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْت ،
قَالَتْ وَإِنّمَا قَالَ لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ الّذِي كُنْت أَقُولُ حَقّ قَالَ
الْمُؤَلّفُ وَعَائِشَةُ لَمْ تَحْضُرْ وَغَيْرُهَا مِمّنْ حَضَرَ أَحْفَظُ
لِلَفْظِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ وَقَدْ قَالُوا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ
أَتُخَاطِبُ قَوْمًا قَدْ جَيّفُوا أَوْ أُجِيفُوا ، فَقَالَ مَا أَنْتُمْ
بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ
الْحَالِ عَالِمَيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونُوا سَامِعَيْنِ إمّا بِآذَانِ رُءُوسِهِمْ
إذَا قُلْنَا : إنّ الرّوحَ يُعَادُ إلَى الْجَسَدِ أَوْ إلَى بَعْضِ الْجَسَدِ
عِنْدَ الْمُسَاءَلَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ السّنّةِ وَإِمّا
بِإِذْنِ الْقَلْبِ أَوْ الرّوحِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِتَوَجّهِ
السّؤَالَ إلَى الرّوحِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ مَعَهُ إلَى الْجَسَدِ أَوْ إلَى
بَعْضِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَائِشَةَ احْتَجّتْ بِقَوْلِ اللّهِ سُبْحَانَهُ {
وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ
تَعَالَى : { أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصّمّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ } أَيْ إنّ
اللّهَ هُوَ الّذِي يُهْدِي وَيُوَفّقُ وَيُوصِلُ الْمَوْعِظَةَ إلَى آذَانِ الْقُلُوبِ
لَا أَنْتَ وَجَعَلَ الْكُفّارَ أَمْوَاتًا وَصُمّا عَلَى جِهَةِ التّشْبِيهِ
بِالْأَمْوَاتِ [ ص 86 ] الْحَقِيقَةِ إذَا شَاءَ لَا نَبِيّهُ وَلَا أَحَدٌ ،
فَإِذَا لَا تَعَلّقَ بِالْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّهَا إنّمَا
نَزَلَتْ فِي دُعَاءِ الْكُفّارِ إلَى الْإِيمَانِ . الثّانِي : أَنّهُ إنّمَا
نَفَى عَنْ نَبِيّهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمِسْمَعَ لَهُمْ وَصَدَقَ اللّهُ
فَإِنّهُ لَا يَسْمَعُهُمْ إذَا شَاءَ إلّا هُوَ وَيَفْعَلُ مَا شَاءَ وَهُوَ
عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
شِعْرُ حَسّانَ فِيمَنْ أُلْقُوا فِي
الْقَلِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : [ ص 87 ] [ ص 88 ] [ ص 89
]
عَرَفْت دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ ... كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ
الْقَشِيبِ
تَدَاوَلَهَا الرّيَاحُ وَكُلّ جَوْنٍ ... مِنْ الْوَسْمِيّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ
فَأَمْسَى رَسْمُهَا خَلَقًا وَأَمْسَتْ ... يَبَابًا بَعْدَ سَاكِنِهَا
الْحَبِيبِ
فَدَعْ عَنْك التّذَكّرَ كُلّ يَوْمٍ ... وَرُدّ حَرَارَةَ الصّدْرِ الْكَئِيبِ
وَخَبّرْ بِاَلّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ ... بِصَدْقِ غَيْرِ إخْبَارِ الْكَذُوبِ
بِمَا صَنَعَ الْمَلِيكُ غَدَاةَ بَدْرٍ ... لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ
النّصِيبِ
غَدَاةَ كَأَنّ جَمْعَهُمْ حِرَاءٌ ... بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الْغُرُوبِ
فَلَاقَيْنَاهُمْ مِنّا بِجَمْعِ ... كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ
أَمَامَ مُحَمّدٍ قَدْ وَازَرُوهُ ... عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الْحُرُوبِ
بِأَيْدِيهِمْ صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ ... وَكُلّ مُجَرّبٍ خَاطِي الْكُعُوبِ
بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفِ وَازَرَتْهَا ... بَنُو النّجّارِ فِي الدّينِ
الصّلِيبِ
فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعًا ... وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ
وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ ... ذَوِي حَسَبٍ إذَا نُسِبُوا حَسِيبِ
يُنَادِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ لَمّا ... قَذَفْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ
أَلَمْ تَجِدُوا كَلَامِي كَانَ حَقّا ... وَأَمْرُ اللّهِ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ
؟
فَمَا نَطَقُوا ، وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا : ... صَدَقْت وَكُنْت ذَا رَأْيٍ
مُصِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَنْ يُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ ، أُخِذَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
فَسُحِبَ إلَى الْقَلِيبِ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ ، فَإِذَا
هُوَ كَئِيبٌ قَدْ تَغَيّرَ لَوْنُهُ فَقَالَ يَا أَبَا حُذَيْفَةَ لَعَلّك قَدْ
دَخَلَك مِنْ شَأْنِ أَبِيك شَيْءٌ ؟ أَوْ كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ لَا ، وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا شَكَكْت فِي أَبِي وَلَا
فِي مَصْرَعِهِ وَلَكِنّنِي كُنْت أَعْرِفُ مِنْ أَبِي رَأْيًا وَحُلْمًا
وَفَضْلًا ، فَكُنْت أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ ذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا
رَأَيْت مَا أَصَابَهُ وَذَكَرْت مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ بَعْدَ الّذِي
كُنْت أَرْجُو لَهُ أَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرِ وَقَالَ لَهُ خَيْرًاSمِنْ مَعَانِي شِعْرِ حَسّانَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ وَقَالَ فِيهِ كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ
الْقَشِيبُ فِي اللّغَةِ الْجَدِيدُ وَلَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ
لِأَنّهُمْ إذَا وَصَفُوا الرّسُومَ وَشَبّهُوهَا بِالْكُتُبِ فِي الْوَرَقِ
فَإِنّمَا يَصِفُونَ الْخَطّ حِينَئِذٍ بِالدّرُوسِ وَالِامّحَاءِ فَإِنّ ذَلِكَ
أَدَلّ عَلَى عَفَاءِ الدّيَارِ وَطُمُوسِ الْآثَارِ وَكَثْرَةُ ذَلِكَ فِي
الشّعْرِ تُغْنِي عَنْ الِاسْتِشْهَادِ عَلَيْهِ وَلَكِنْ مِنْهُ قَوْلُ
النّابِغَةِ
وَقَفْت فِيهَا أُصَيْلَانَا أُسَائِلُهَا ... عَيّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرّبْعِ
مِنْ أَحَدِ
إلّا الْأُوَارَيْ لِأَيّامًا أُبَيّنُهَا ... وَالنّؤْيُ كَالْحَوْضِ
بِالْمَظْلُومَةِ الْجِلْدِ
[ ص 87 ] زُهَيْرٍ :
[ وَقَفْت بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجّةً ] ... فَلَأْيًا عَرَفْت الدّارَ
بَعْدَ تَوَهّمِ
وَقَالَ آخَرُ
وَإِلّا رُسُومُ الدّارِ قَفْرًا كَأَنّهَا ... سُطُورٌ مَحَاهَا الْبَاهِلِيّ
بْنُ أَصْمَعَا
وَلَكِنْ أَرَادَ حَسّانُ بِالْقَشِيبِ هَاهُنَا الّذِي خَالَطَهُ مَا يُفْسِدُهُ
إمّا مِنْ دَنَسٍ وَإِمّا مِنْ قِدَمٍ يُقَالُ طَعَامٌ مُقَشّبٌ إذَا كَانَ فِيهِ
السّمّ . وَقَالَ الشّاعِرُ [ خُوَيْلِدُ بْنُ مُرّةَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ :
بِهِ تَدَعُ الْكَمِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... نَحْرٌ تَخَالُهُ نَسْرًا قَشِيبَا
مَعْنَاهُ مَسْمُومٌ لِأَنّ الْقَشْبَ هُوَ السّمّ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي
تَفْسِيرِ حَدِيثِ آخِرُ مَنْ يَخْرَجُ مِنْ النّارِ وَفِيهِ قَشَبَنِي رِيحُهَا ،
وَأَحْرَقَنِي ذَكَاهَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْقِشْبِ هُوَ نَبَاتٌ
رَطْبٌ مَسْمُومٌ يُنْصَبُ لِسِبَاعِ الطّيْرِ فِي لَحْمٍ فَإِذَا أَكَلَتْهُ
مَاتَتْ قَالَ وَالْعَرَبُ يُجْنِبُونَهُ مَاشِيَتَهُمْ فِي الْمَرْعَى ، كَيْ لَا
تُحَطّمَهُ فَيَفُوحُ مِنْ رِيحِهِ مَا يَقْتُلُهَا ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ
الّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ الْقُتَبِيّ : تَخَالُهُ نَسْرًا قَشِيبًا ، أَيْ نَسْرًا
أَكَلَ ذَلِكَ الْقِشْبَ فِي اللّحْمِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ قَالَ وَالْأَلْبُ
أَيْضًا ، ضَرْبٌ مِنْ الْقِشْبِ إنْ وَجَدَتْ رِيحَهُ سِبَاعُ الطّيْرِ عَمِيَتْ
وَصَمّتْ وَإِنْ أَكَلَتْهُ مَاتَتْ قَالَ وَالضّجَاجُ أَيْضًا : كُلّ نَبَاتٍ
مَسْمُومٍ .
مَعْنَى أَلْقَائِهِمْ فِي الْقَلِيبِ
فَصْلٌ
فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى إلْقَائِهِمْ فِي الْقَلِيبِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ
الْفِقْهِ قُلْنَا : كَانَ مِنْ سُنّتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي مَغَازِيهِ إذَا
مَرّ بِجِيفَةِ إنْسَانٍ أَمَرَ بِدَفْنِهِ لَا يَسْأَلُ عَنْهُ مُؤْمِنًا ، كَانَ
أَوْ كَافِرًا هَكَذَا وَقَعَ فِي السّنَنِ لِلدّارَقُطْنِيّ ، فَلِقَاؤُهُمْ فِي
الْقَلِيبِ مِنْ هَذَا الْبَابِ غَيْرَ أَنّهُ كَرِهَ أَنْ يَشُقّ عَلَى
أَصْحَابِهِ لِكَثْرَةِ جِيَفِ الْكُفّارِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِدَفْنِهِمْ فَكَانَ
جَرّهُمْ إلَى الْقَلِيبِ أَيْسَرَ عَلَيْهِمْ وَوَافَقَ أَنّ الْقَلِيبَ حَفَرَهُ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّار ِ اسْمُهُ بَدْرٌ فَكَانَ . فَأْلًا مُقَدّمًا لَهُمْ
وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي بَدْرٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 88 ]
عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانَ
وَفِي شِعْرِ حَسّانَ أَيْضًا : بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفِ وَازَرَتْهَا
وَلَوْ قَالَ آزَرَتْهَا بِالْهَمْزِ لَجَازَ وَكَانَ مِنْ الْأَزْرِ وَفِي
التّنْزِيلِ { فَآزَرَهُ } أَيْ شَدّ أَزْرَهُ وَقَوّاهُ وَلَكِنْ أَرَادَ حَسّانُ
مَعْنَى الْوَزِيرِ فَإِنّهُ سُمّيَ وَزِيرًا مِنْ الْوِزْرِ وَهُوَ الثّقْلُ
لِأَنّهُ يَحْمِلُ عَنْ صَاحِبِهِ ثِقْلًا وَيُعِينُهُ وَقِيلَ هُوَ مِنْ
الْوِزْرِ وَهُوَ الْمَلْجَأُ لِأَنّ الْوَزِيرَ يَلْجَأُ إلَى رَأْيِهِ وَقَدْ
أَلْفَيْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ آزَرْتهَا مُصْلَحًا بِغَيْرِ
وَاوٍ إلّا أَنّ وَازَرَتْهَا وَزْنُهُ فَاعَلْت ، وَآزَرْت وَزْنُهُ أَفْعَلْت .
وَقَوْلُهُ وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ
مَعْنَى الْجَبُوبِ
الْجَبُوبُ اسْمٌ لِلْأَرْضِ لِأَنّهَا تُجَبّ أَيْ تُحْفَرُ وَتَجُبّ مَنْ دُفِنَ
فِيهَا ، أَيْ تَقْطَعُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى ، لِأَنّهُمْ قَالُوا :
جَبُوبٌ مِثْلَ صَبُورٍ وَشَكُورٍ فِي الْمُؤَنّثِ وَلَمْ يَقُولُوا : جَبُوبَةٌ
فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَلُوبَةٍ وَرَكُوبَةٍ ، وَيُدْخِلُونَ فِيهَا الْأَلِفَ
وَاللّامَ تَارَةً فَيَقُولُونَ الْجَبُوبُ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَتَارَةً
يَجْعَلُونَهُ اسْمًا عَلَمًا ، فَيَقُولُونَ جَبُوبٌ مِثْلَ شَعُوبٍ قَالَ الشّاعِرُ
بَنَى عَلَى قَلْبِي وَعَيْنِي مَكَانَهُ ... ثَوَى بَيْنَ أَحْجَارٍ رَهِينَ
جَبُوبِ
وَمِنْهُ قِيلَ جَبّانٌ وَجَبّانَةَ لِلْأَرْضِ الّتِي يُدْفَنُ فِيهَا الْمَوْتَى
، فَهُوَ فَعْلَانٌ مِنْ الْجَبّ وَالْجَبُوبِ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ فِي
مَعْنَى الْجَبّانِ وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ فَعّالًا مِنْ الْجُبْنِ .
مَرّةٌ أُخْرَى شِعْرُ حَسّانَ
وَقَوْلُهُ خَاطِي الْكُعُوبِ أَيْ مُكْتَنِزُ الْكُعُوبِ قَوِيّهَا [
وَالْكُعُوبُ عُقَدُ الْقَنَاةِ ] ، وَقَوْلُ حَسّانَ : الْغَطَارِفُ أَرَادَ
الْغَطَارِيفَ كَمَا تَقَدّمَ فِي شِعْرِ الْجُرْهُمِيّ تَطَلّ بِهَا أَمْنًا
وَفِيهَا الْعَصَافِرُ
أَرَادَ الْعَصَافِيرَ وَحَذَفَ الْيَاءَ ضَرُورَةً . [ ص 89 ]
مَنْ نَزَلَ فِيهِمْ { إِنّ الّذِينَ
تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ }
وَكَانَ الْفِتْيَةُ الّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرِ فَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ
فِيمَا ذُكِرَ لَنَا : { إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي
أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ
قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ
مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } فِتْيَةً مُسَمّينَ . مِنْ بَنِي
أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : الْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ
الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ . [ ص 90 ] بَنِي مَخْزُومٍ :
أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ . وَمِنْ بَنِي جُمَحَ : عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ
بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ . وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ :
الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ
بْنِ سَهْمٍ . وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا أَسْلَمُوا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ ، فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ
وَعَشَائِرُهُمْ بِمَكّةَ وَفَتَنُوهُمْ فَافْتُتِنُوا ، ثُمّ سَارُوا مَعَ
قَوْمِهِمْ إلَى بَدْرٍ فَأُصِيبُوا بِهِ جَمِيعًا .
ذِكْرُ الْفَيْءِ بِبَدْرِ
ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِمَا فِي
الْعَسْكَرِ مِمّا جَمَعَ النّاسُ فَجَمَعَ فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ
فَقَالَ مَنْ جَمَعَهُ هُوَ لَنَا ، وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ
الْعَدُوّ وَيَطْلُبُونَهُ وَاَللّهِ لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ لَنَحْنُ
شَغَلْنَا عَنْكُمْ الْقَوْمَ حَتّى أَصَبْتُمْ مَا أَصَبْتُمْ وَقَالَ الّذِينَ
كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَخَافَةَ
أَنْ يُخَالِفَ إلَيْهِ الْعَدُوّ وَاَللّهِ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهِ مِنّا ،
وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ الْعَدُوّ إذْ مَنَحَنَا اللّهُ
تَعَالَى أَكْتَافَهُ وَلَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ الْمَتَاعَ حِينَ لَمْ
يَكُنْ دُونَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ وَلَكِنّا خِفْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَرّةَ الْعَدُوّ فَقُمْنَا دُونَهُ فَمَا أَنْتُمْ
بِأَحَقّ بِهِ مِنّا . [ ص 91 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ
الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
مُوسَى ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ - وَاسْمُهُ
صِدْقِيّ بْنُ عَجْلَانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَالَ سَأَلْت عُبَادَةَ بْنَ
الصّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ
اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا ، فَنَزَعَهُ اللّهُ مِنْ
أَيْدِينَا ، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ يَقُولُ عَلَى السّوَاءِ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ
حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ مَالِكِ بْنِ
رَبِيعَةَ ، قَالَ أَصَبْت سَيْفَ بَنِي عَائِذٍ الْمَخْزُومِيّينَ الّذِي يُسَمّى
الْمَرْزُبَانُ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ أَنْ يَرُدّوا مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ النّفَلِ
أَقْبَلْت حَتّى أَلْقَيْته فِي النّفَلِ . قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا سُئِلَهُ فَعَرَفَهُ الْأَرْقَمُ
بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ .Sالْعَرْشُ وَالْعَرِيشُ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ تَنَازُعَهُمْ فِي النّفْلِ وَمَا احْتَجّتْ بِهِ الطّائِفَةُ الّذِينَ
كَانُوا يَحْمُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ
وَالْعَرِيشُ كُلّ مَا أَظَلّك وَعَلَاك مِنْ فَوْقِك ، فَإِنْ عَلَوْته أَنْتَ
فَهُوَ عَرْشٌ لَك ، لَا عَرِيشٌ وَالْعَرِيشُ أَيْضًا فِيمَا فَكّرَ أَبُو
حَنِيفَةَ أَرْبَعُ نَخَلَاتٍ أَوْ خَمْسٌ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ .
بَنُو عَابِدٍ وَبَنُو عَائِذٍ
وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي أُسَيْدٍ وَجَدْت يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفَ بَنِي عَابِدٍ الّذِي
يُقَالُ لَهُ الْمَرْزُبَانُ . بَنُو عَابِدٍ فِي بَنِي مَخْزُومٍ ، وَهُمْ بَنُو
عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَمّا بَنُو عَائِذٍ
بِالْيَاءِ وَالذّالِ [ ص 91 ] بَنُو عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ
رَهْطُ آلِ الْمُسَيّبِ ، وَالْأَوّلُونَ رَهْطُ آلِ بَنِي السّائِبِ .
حَوْلَ الْقَسْمِ
وَأَمّا قَوْلُهُ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
عَنْ بَوَاءٍ يَقُولُ عَلَى سَوَاءٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي
الْأَمْوَالِ ، فَقَالَ فِيهِ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - عَنْ فُوَاقٍ وَفَسّرَهُ فَقَالَ جَعَلَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ أَيْ
فَضّلَ فِي الْقَسْمِ مَنْ رَأَى تَفْضِيلَهُ وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ قَوْلًا
آخَرَ وَهُوَ أَنّ مَعْنَى عَنْ فُوَاقٍ السّرْعَةُ فِي الْقَسْمِ كَفُوَاقِ
النّاقَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَشْهَرُ وَأَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ
.
سَبَبُ نُزُولِ أَوّلِ الْأَنْفَالِ
وَفِي الْحَدِيثِ الّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ
، قَالَ قَتَلْت يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي ،
وَأَخَذْت سَيْفَهُ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الْكَتِيفَةِ . فَأَتَيْت بِهِ
رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ
نَفّلْنِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْعَلَهُ فِي الْقَبْضِ فَأَخَذَنِي مَا لَا يَعْلَمُهُ
إلّا اللّهُ فَقُلْت : قُتِلَ أَخِي عُمَيْرٌ وَأُخِذَ سَلَبِي فَأَنْزَلَ اللّهُ
{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ } الْآيَةَ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْفَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَهْلُ السّيَرِ
يَقُولُونَ قَتَلَ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ . [ ص 92 ]
بَعْثُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَزَيْدٍ
بَشِيرَيْنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 92 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْفَتْحِ
عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ بَشِيرًا إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ ، بِمَا فَتَحَ
اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى
الْمُسْلِمِينَ وَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ . قَالَ
أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ : فَأَتَانَا الْخَبَرُ - حِينَ سَوّيْنَا التّرَابَ عَلَى
رُقَيّةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، الّتِي كَانَتْ
عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ . كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ خَلّفَنِي عَلَيْهَا مَعَ عُثْمَانَ - أَنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثٍ قَدْ
قَدّمَ . قَالَ فَجِئْته وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلّى قَدْ غَشِيَهُ النّاسُ
وَهُوَ يَقُولُ " قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَأَبُو
الْبَخْتَرِيّ وَالْعَاصِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَنُبَيْهٌ
وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ . قَالَ قُلْت : يَا أَبَتْ أَحَقّ هَذَا . قَالَ
نَعَمْ وَاَللّهِ يَا بُنَيّ
قُفُولُ رَسُولِ اللّهِ مِنْ بَدْرٍ
ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا إلَى
الْمَدِينَةِ ، وَمَعَهُ الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ عُقْبَةُ بْنُ
أَبِي مُعَيْطٍ ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَاحْتَمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ النّفَلُ الّذِي أُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
وَجَعَلَ عَلَى النّفَلِ عَبْدِ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ
مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ، فَقَالَ
رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ إنّهُ عَدِيّ بْنُ
أَبِي الزّغْبَاءِ :
أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ ... أَلَيْسَ بِذِي الطّلْحِ لَهَا مُعَرّسُ
وَلَا بِصَحْرَاءِ غُمَيْرٍ مَحْبَسُ ... إنّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُخَيّسُ
فَحَمَلَهَا عَلَى الطّرِيقِ أَكْيَسُ ... قَدْ نَصَرَ اللّهُ وَفَرّ الْأَخْنَسُ
ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى إذَا خَرَجَ
مِنْ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ نَزَلَ عَلَى كَثِيبٍ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَبَيْنَ
النّازِيَةِ - يُقَالُ لَهُ سَيْرٌ - إلَى سَرْحَةٍ بِهِ . فَقَسَمَ هُنَالِكَ
النّفَلَ الّذِي أَفَاءَ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى
السّوَاءِ ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى
إذَا كَانَ بِالرّوْحَاءِ لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ يُهَنّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ
اللّهُ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ
سَلَامَةَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَيَزِيدُ بْنُ
رُومَانَ : مَا الّذِي [ ص 93 ] لَقِينَا إلّا عَجَائِزَ صُلْعًا كَالْبُدْنِ
الْمُعَقّلَةِ فَنَحَرْنَاهَا ، فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَيْ ابْنَ أَخِي ، أُولَئِكَ الْمَلَأُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: الْمَلَأُ الْأَشْرَافُ وَالرّؤَسَاءُ .
مَقْتَلُ النّضْرِ وَعُقْبَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى إذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ قُتِلَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ ، كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ قُتِلَ
عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عِرْقُ الظّبْيَةِ مِنْ
غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاَلّذِي أَسَرَ عُقْبَةَ :
عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِقَتْلِهِ فَمَنْ لِلصّبِيّةِ يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ النّارُ فَقَتَلَهُ عَاصِمُ
بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ الْأَنْصَارِيّ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ ، كَمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ
يَاسِرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَام : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
فِيمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .Sعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ
فَصْلٌ
[ ص 93 ] وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَتَلَ
عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
سَلِمَةَ ، وَسَلِمَةُ هَذَا بِكَسْرِ اللّامِ وَهُوَ سَلِمَةُ بْنُ مَالِكٍ
أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ بَلَوِيّ بِالنّسَبِ أَنْصَارِيّ بِالْحِلْفِ قُتِلَ
يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَأَمّا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَاسْمُ أَبِي
مُعَيْطٍ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ يُقَالُ
كَانَ أُمَيّةُ قَدْ سَاعَى أَمَةً أَوْ بَغَتْ أَمَةً لَهُ فَحَمَلَتْ بِأَبِي
عَمْرٍو ، فَاسْتَلْحَقَهُ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - لِعُقْبَةَ حِينَ قَالَ أَأُقْتَلُ مِنْ
بَيْنِ قُرَيْشٍ صَبْرًا ، فَقَالَ عُمَرُ حَنّ قِدْحٌ لَيْسَ مَعَهَا يَعْرِضُ
بِنَسَبِهِ وَذَلِكَ أَنّ الْقِدَاحَ فِي الْمَيْسِرِ رُبّمَا جُعِلَ مَعَهَا
قِدْحٌ [ ص 94 ] وَالْيُمْنُ فَيُسْتَعَارُ لِذَلِكَ وَيُسَمّى : الْمَنِيحَ
فَإِذَا حُرّكَ فِي الرّبَابَةِ مَعَ الْقِدَاحِ تَمَيّزَ صَوْتُهُ لِمُخَالَفَةِ
جَوْهَرِهِ جَوْهَرَ الْقِدَاحِ فَيُقَالُ حِينَئِذٍ حِنّ قِدْحٍ لَيْسَ مِنْهَا ،
فَتَمَثّلَ عُمَرُ بِهَذَا الْمَثَلِ يُرِيدُ أَنّ عُقْبَةَ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ
، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ
حِينَئِذٍ إنّمَا أَنْتَ يَهُودِيّ مِنْ أَهْلِ صَفّورِيَةَ لِأَنّ الْأَمَةَ
الّتِي وَلَدَتْ أَبَاهُ كَانَتْ لِيَهُودِيّ مِنْ أَهْلِ صَفّورِيَةَ ،
وَاسْمُهَا : تَرَنِي ، قَالَهُ الْقُتَبِيّ ، وَكَذَلِكَ قَالَ دَغْفَلُ بْنُ
حَنْظَلَةَ النّسّابَةُ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ سَأَلَهُ هَلْ أَدْرَكْت عَبْدَ
الْمُطّلِب ِ ؟ فَقَالَ نَعَمْ أَدْرَكْته شَيْخًا وَسِيمًا قَسِيمًا جَسِيمًا
يَحُفّ بِهِ عَشَرَةٌ مِنْ بَنِيهِ كَأَنّهُمْ النّجُومُ قَالَ فَهَلْ رَأَيْت
أُمَيّةَ بْنَ عَبْدِ شَمْسٍ ؟ قَالَ نَعَمْ رَأَيْته أُخَيْفِشُ أُزَيْرِقُ
دَمِيمًا ، يَقُودُهُ عَبْدُهُ ذَكْوَانُ ، فَقَالَ وَيْحَك ذَاكَ ابْنُهُ أَبُو
عَمْرٍو ، فَقَالَ دَغْفَلٌ أَنْتُمْ تَقُولُونَ ذَلِكَ .
الطّعْنُ فِي نَسَبِ بَنِي أُمَيّةَ
قَالَ الْمُؤَلّفُ وَهَذَا الطّعْنُ خَاصّ بِنَسَبِ عُقْبَةَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ
، وَفِي نَسَبِ أُمَيّةَ نَفْسِهِ مَقَالَةٌ أُخْرَى تَعُمّ جَمِيعَ الْفَصِيلَةِ
وَهِيَ مَا رُوِيَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمّ سَلَمَةَ حِينَ قِيلَ لَهُ إنّ
بَنِي أُمَيّةَ يَزْعُمُونَ أَنّ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ فَقَالَ كَذَبَتْ اسْتَاهُ
بَنِي الزّرْقَاءِ ، بَلْ هُمْ مُلُوكٌ وَمِنْ شَرّ الْمُلُوكِ فَيُقَالُ أَنّ
الزّرْقَاءَ هَذِهِ هِيَ [ أُمّ ] أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَاسْمُهَا
أَرْنَبُ قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ قَالَ وَكَانَتْ فِي
الْجَاهِلِيّةِ مِنْ صَوَاحِبِ الرّايَاتِ . قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ وَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ وَنَهَى عَنْ الطّعْنِ فِي
الْأَنْسَابِ وَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْكَفّ عَنْ نَسَبِ بَنِي أُمَيّةَ إلّا
لِمَوْضِعِ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَكَانَ حَرًى بذلك .
[ ص 94 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَلَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ
أَبُو هِنْدٍ ، مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَيَاضِيّ بِحَمِيتِ مَمْلُوءٍ
حَيْسًا . [ ص 95 ] وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحَمِيت : الزّقّ ، وَكَانَ قَدْ
تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ ، ثُمّ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ كَانَ حَجّامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا
هُوَ أَبُو هِنْدٍ امْرِئِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَنْكِحُوهُ وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ
فَفَعَلُوا [ ص 95 ]Sأَبُو هِنْدٍ الْحَجّامُ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ أَبَا هِنْدٍ الْحَجّامَ وَأَنّهُ لَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ بَدْرٍ . أَبُو هِنْدٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ
وَهُوَ مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبِيَاسِيّ وَأَمّا طَيْبَةُ الْحَجّامُ
فَهُوَ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ وَاسْمُهُ نَافِعٌ وَقِيلَ دُنَيْرٍ وَقِيلَ
مَيْسَرَةُ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْأُسَارَى بِيَوْمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسَعْدَ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ قَدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قَدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ ، فِي مَنَاحِتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابَ . قَالَ تَقُولُ سَوْدَةُ وَاَللّهِ إنّي لَعِنْدَهُمْ إذْ أَتَيْنَا ، فَقِيلَ هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى ، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ قَالَتْ فَرَجَعْت إلَى بَيْتِي ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ قَالَتْ فَلَا وَاَللّهِ مَا مَلَكَتْ نَفْسِي حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْت : أَيْ أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ إلّا مُتّمْ كِرَامًا ، فَوَاَللّهِ مَا أَنْبَهَنِي إلّا قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَيْتِ يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ تُحَرّضِينَ ؟ قَالَتْ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ مَا مَلَكْت نَفْسِي حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت مَا قُلْت
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي
نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ . أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرّقَهُمْ بَيْنَ
أَصْحَابِهِ وَقَالَ اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا قَالَ وَكَانَ أَبُو
عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ ، أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ
وَأُمّهِ فِي الْأُسَارَى . [ ص 96 ] قَالَ فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ مَرّ بِي أَخِي
مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي ، فَقَالَ شُدّ
يَدَك بِهِ فَإِنّ أُمّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ لَعَلّهَا تَفْدِيهِ مِنْك ، قَالَ
وَكُنْت فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ ،
فَكَانُوا إذَا قَدّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا
التّمْرَ لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ
بِنَا ، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلّا نَفَحَنِي
بِهَا . قَالَ فَأَسْتَحْيِي فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدّهَا عَلَى مَا
يَمَسّهَا .
بُلُوغُ مُصَابِ قُرَيْشٍ إلَى مَكّةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ
بِبَدْر ِ بَعْدَ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ فَلَمّا قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ
عُمَيْرٍ لِأَبِي الْيَسَرِ وَهُوَ الّذِي أَسَرَهُ مَا قَالَ قَالَ لَهُ أَبُو
عَزِيزٍ يَا أَخِي ، هَذِهِ وَصَاتُك بِي ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ إنّهُ أَخِي
دُونَك . فَسَأَلْت أُمّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيّ ، فَقِيلَ لَهَا
: أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَبِعْت بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَفَدَتْهُ
بِهَا . [ ص 96 ]Sأُسَارَى بَدْرٍ
ذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا عَزِيزِ بْنَ عُمَيْرٍ حِينَ مَرّ بِهِ وَهُوَ أَسِيرٌ عَلَى
أَخِيهِ مُصْعَبٍ فَقَالَ مُصْعَبٌ لِلّذِي أَسَرَهُ اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ
وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللّهُ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي
بَابِ الْهِجْرَةِ خَبَرُ إسْلَامِ مُصْعَبٍ وَمَا كَانَتْ أُمّهُ تَصْنَعُ بِهِ
وَأَرْجَأْت التّعْرِيفَ بِهِ وَبِإِخْوَتِهِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَمّا
أَبُو عَزِيزٍ فَاسْمُهُ زُرَارَةُ وَأُمّهُ الّتِي أَرْسَلَتْ فِي فِدَائِهِ أُمّ
الْخِنَاسِ بِنْتُ مَالِكٍ الْعَامِرِيّةُ وَهِيَ أُمّ أَخِيهِ مُصْعَبٍ
وَأُخْتُهُ هِنْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهِنْدٌ هِيَ أُمّ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ
حَاجِبُ الْكَعْبَةِ ، جَدّ بَنِي شَيْبَةَ أَسْلَمَ أَبُو عَزِيزٍ وَرَوَى
الْحَدِيثَ وَأَسْلَمَ أَخُوهُ أَبُو الرّومِ ، وَأَبُو يَزِيدَ وَلَا خَفَاءَ
بِإِسْلَامِ مُصْعَبٍ أَخِيهِ وَغَلِطَ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ ، فَقَالَ قُتِلَ
أَبُو عَزِيزٍ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا ، وَلَمْ يَصِحّ هَذَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ
أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ
وَلَعَلّ الْمَقْتُولُ بِأُحُدِ كَافِرًا أَخٌ لَهُمْ غَيْرَهُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلَ
مَنْ قَدِمَ مَكّةَ بِمُصَابِ قُرَيْشٍ الْحَيْسُمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
الْخُزَاعِيّ ، فَقَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ
، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ ، وَأُمَيّةُ بْنُ
خَلَفٍ ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ
، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ فَلَمّا جَعَلَ يُعَدّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ
. قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الْحِجْرِ : وَاَللّهِ إنْ
يَعْقِلْ هَذَا فَاسْأَلُوهُ عَنّي ؛ فَقَالُوا : مَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ
أُمَيّةَ ؟ قَالَ هَا هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ ، وَقَدْ وَاَللّهِ
رَأَيْت أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا [ ص 97 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي
حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ
مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُنْت غُلَامًا لِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ،
وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ، فَأَسْلَمَ الْعَبّاسُ
وَأَسْلَمَتْ أُمّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْت وَكَانَ الْعَبّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ
وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ
مُتَفَرّقٍ فِي قَوْمِهِ وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ فَبَعَثَ
مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَذَلِكَ كَانُوا صَنَعُوا
، لَمْ يَتَخَلّفْ رَجُلٌ إلّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا ، فَلَمّا جَاءَهُ
الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، كَبَتَهُ اللّهُ
وَأَخْزَاهُ وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوّةً وَعِزّا . قَالَ وَكُنْت رَجُلًا
ضَعِيفًا ، وَكُنْت أَعَمَلُ الْأَقْدَاحَ . أَنْحِتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ .
فَوَاَللّهِ إنّي لَجَالِسٌ فِيهَا أَنْحِتُ أَقْدَاحِي ، وَعِنْدِي أُمّ
الْفَضْلِ جَالِسَةٌ وَقَدْ سِرْنَا مَا جَاءَنَا مِنْ الْخَبَرِ ، إذْ أَقْبَلَ
أَبُو لَهَبٍ يَجُرّ رِجْلَيْهِ بِشَرّ حَتّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ
فَكَانَ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِي ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إذْ قَالَ النّاسُ
هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ - قَدْ قَدِمَ قَالَ فَقَالَ
أَبُو لَهَبٍ هَلُمّ إلَيّ فَعِنْدَك لَعَمْرِي الْخَبَرُ ، قَالَ فَجَلَسَ
إلَيْهِ وَالنّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي ، أَخْبِرْنِي كَيْفَ
كَانَ أَمْرُ النّاسِ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ
فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقُودُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا وَيَأْسِرُونَنَا
كَيْفَ شَاءُوا ، وَاَيْمُ اللّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْت النّاسَ لَقِيَنَا
رِجَالًا بِيضًا ، عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاَللّهِ
مَا تَلِيقُ شَيْئًا ، وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ . قَالَ أَبُو رَافِعٍ
فَرَفَعْت طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدِي ، ثُمّ قُلْت : تِلْكَ وَاَللّهِ
الْمَلَائِكَةُ . قَالَ فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهِي
ضَرْبَةً [ ص 98 ] شَدِيدَةً . قَالَ وَثَاوَرْتُهُ فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي
الْأَرْضَ ثُمّ بَرَكَ عَلِيّ يَضْرِبُنِي ، وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا ، فَقَامَتْ
أُمّ الْفَضْلِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَأَخَذْته فَضَرَبْته بِهِ
ضَرْبَةً فَلَعَتْ فِي رَأْسِهِ شَجّةً مُنْكَرَةً وَقَالَتْ اسْتَضْعَفْته أَنْ
غَابَ عَنْهُ سَيّدُهُ فَقَامَ مُوَلّيًا ذَلِيلًا ، فَوَاَللّهِ مَا عَاشَ إلّا
سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى رَمَاهُ اللّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلْته . [ ص 97 ]Sخَبَرُ أَبِي رَافِعٍ حِينَ
قَدِمَ فَلّ قُرَيْشٍ
اسْمُ أَبِي رَافِعٍ أَسْلَمُ ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : اسْمُهُ إبْرَاهِيمَ
وَقِيلَ اسْمُهُ هُرْمُزَ وَكَانَ عَبْدًا قِبْطِيّا لِلْعَبّاسِ فَوَهَبَهُ
لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا أَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَبَشّرَ
أَبُو رَافِعٍ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِإِسْلَامِهِ
فَأَعْتَقَهُ فَكَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
وَقِيلَ كَانَ عَبْدًا لِبَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي ، وَهُمْ عَشَرَةٌ
فَأَعْتَقُوهُ إلّا خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ ، فَإِنّهُ وَهَبَ حِصّتَهُ فِيهِ
لِلنّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَعْتَقَهُ النّبِيّ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَالْأَوّلُ أَصَحّ تُوُفّيَ فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيّ
قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِيَسِيرِ .
أُمّ الْفَضْلِ وَضَرْبُهَا لِأَبِي لَهَبٍ
وَذَكَرَ أَبَا لَهَبٍ وَضَرْبَهُ لِأَبِي رَافِعٍ حِينَ ذَكَرَ الْمَلَائِكَةَ
وَانْتِصَارَ أُمّ الْفَضْلِ لَهُ وَضَرْبَهَا لِأَبِي لَهَبٍ وَأُمّ الْفَضْلِ
هِيَ لُبَابَةُ الْكُبْرَى بِنْتُ الْحَارِثِ [ بْنِ حَزْنِ بْنِ بُجَيْرِ بْنِ
الْهُزَمِ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ [ ص 98 ] هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ]
الْهِلَالِيّةُ أُخْتُ مَيْمُونَةَ وَأُخْتُهَا لُبَابَةُ الصّغْرَى أُمّ خَالِدِ
بْنِ الْوَلِيدِ ، وَلَدَتْ أُمّ الْفَضْلِ مِنْ الْعَبّاسِ سَبْعَةً نُجَبَاءَ
قَالَ الشّاعِرُ
مَا وَلَدَتْ نَحِيبَةٌ مِنْ فَحْلٍ ... كَسَبْعَةِ مِنْ بَطْنِ أُمّ الْفَضْلِ
وَهُمْ عَبْدُ اللّهِ وَعُبَيْدُ اللّهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ وَالْفَضْلُ
وَمَعْبَدُ وَقُثَمُ ، وَيُقَالُ فِي السّابِعِ كَثِيرُ بْنُ الْعَبّاسِ
وَالْأَصَحّ فِي كَثِيرٍ أَنّ أُمّهُ رُومِيّةُ وَلَمْ تَلِدْ أُمّ الْفَضْلِ مِنْ
الْعَبّاسِ إلّا مَنْ سَمّيْنَا وَأُخْتًا لَهُمْ وَهِيَ أُمّ حَبِيبٍ وَقَدْ
ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ [ بْنِ بُكَيْرٍ ] ، وَذَكَرَ
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رَآهَا وَهِيَ طِفْلَةً
تَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ إنْ بَلَغْت هَذِهِ وَأَنَا حَيّ تَزَوّجْتهَا
فَقُبِضَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ فَتَزَوّجَهَا سُفْيَانُ بْنُ
الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ [ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَمْرٍو ] الْمَخْزُومِيّ فَوَلَدَتْ لَهُ رِزْقًا وَلُبَابَةَ . وَذَكَرَ ابْنُ
إسْحَاقَ أَنّ أَبَا لَهَبٍ حِينَ ضَرَبَتْهُ أُمّ الْفَضْلِ بِالْعَمُودِ عَلَى
رَأْسِهِ قَامَ مُنْكَسِرًا ، وَلَمْ يَلْبَثْ إلّا يَسِيرًا ، حَتّى رَمَاهُ
اللّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَهُ . وَذَكَرَ الطّبَرِيّ فِي كِتَابِهِ أَنّ
الْعَدَسَةَ قَرْحَةٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهَا ، وَيَرَوْنَ أَنّهَا
تُعْدِي أَشَدّ الْعَدْوَى ، فَلَمّا رُمِيَ بِهَا أَبُو لَهَبٍ تَبَاعَدَ عَنْهُ
بَنُوهُ فَبَقِيَ ثَلَاثًا لَا تُقْرَبُ جِنَازَتُهُ وَلَا يُدْفَنُ فَلَمّا
خَافُوا السّبّةَ دَفَعُوهُ بِعُودِ فِي حُفْرَتِهِ ثُمّ قَذَفُوهُ بِالْحِجَارَةِ
مِنْ بِعِيدِ حَتّى وَارَوْهُ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ لَمْ
يَحْفِرُوا لَهُ وَلَكِنْ أُسْنِدَ إلَى حَائِطٍ وَقُذِفَتْ عَلَيْهِ الْحِجَارَةُ
مِنْ خَلْفِ الْحَائِطِ وَوُرِيَ وَذَكَرَ أَنّ عَائِشَةَ كَانَتْ إذَا مَرّتْ
بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ غَطّتْ وَجْهَهَا ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ أَنّ بَعْضَ
أَهْلِهِ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فِي شَرّ رَحِيبَةٍ وَهِيَ الْحَالَةُ فَقَالَ مَا
لَقِيت بَعْدَكُمْ يَعْنِي : رَاحَةً غَيْرَ أَنّي سُقِيت فِي مِثْلِ هَذِهِ
بِعِتْقِي ثُوَيْبَةَ ، هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْأُصَيْلِيّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ
وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ قَالَ مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ رَاحَةً غَيْرَ أَنّي
سُقِيت فِي مِثْلِ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَى النّقْرَةِ بَيْنَ السّبّابَةِ
وَالْإِبْهَامِ بِعِتْقِي ثُوَيْبَةَ ، وَفِي غَيْرِ الْبُخَارِيّ أَنّ الّذِي
رَآهُ مِنْ أَهْلِهِ هُوَ أَخُوهُ الْعَبّاسُ قَالَ مَكَثْت حَوْلًا بَعْدَ مَوْتِ
أَبِي لَهَبٍ لَا [ ص 99 ] أَرَاهُ فِي نَوْمٍ ثُمّ رَأَيْته فِي شَرّ حَالٍ
فَقَالَ مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ رَاحَةً إلّا أَنّ الْعَذَابَ يُخَفّفُ عَنّي كُلّ
يَوْمِ اثْنَيْنِ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَكَانَتْ ثُوَيْبَةُ قَدْ بَشّرَتْهُ بِمَوْلِدِهِ
فَقَالَتْ لَهُ أَشَعَرْت أَنّ آمِنَةَ وَلَدَتْ غُلَامًا لِأَخِيك عَبْدِ اللّهِ
؟ فَقُلْ لَهَا : اذْهَبِي ، فَأَنْتِ حُرّةٌ فَنَفَعَهُ ذَلِكَ وَفِي النّارِ
كَمَا نَفَعَ أَخَاهُ أَبَا طَالِبٍ ذَبّهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَهُوَ أَهْوَنُ أَهْلِ النّارِ عَذَابًا ، وَقَدْ تَقَدّمَ
فِي بَابِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ هَذَا النّفْعَ إنّمَا هُوَ نُقْصَانٌ مِنْ
الْعَذَابِ وَإِلّا فَعَمَلُ الْكَافِرِ كُلّهُ مُحْبَطٌ بِلَا خِلَافٍ أَيْ لَا
يَجِدُهُ فِي مِيزَانِهِ وَلَا يَدْخُلُ بِهِ جَنّةً وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَصِلُ ثُوَيْبَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ
وَيُتْحِفُهَا ؛ لِأَنّهَا كَانَتْ أَرْضَعَتْهُ [ ص 100 ] عَمّهُ حَمْزَةَ
وَلَمّا افْتَتَحَ مَكّةَ سَأَلَ عَنْهَا ، وَعَنْ ابْنٍ لَهَا اسْمُهُ مَسْرُوحٌ
، فَأُخْبِرَ أَنّهُمَا قَدْ مَاتَا .
نُوَاحُ قُرَيْشٍ عَلَى قَتْلَاهُمْ
[ ص 99 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى
قَتْلَاهُمْ ، ثُمّ قَالُوا : لَا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ
فَيَشْمَتُوا بِكُمْ وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتّى تَسْتَأْنُوا بِهِمْ
لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ قَالَ وَكَانَ
الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ زَمَعَةُ
بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَعُقَيْلُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ
وَكَانَ يُحِبّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ
نَائِحَةً مِنْ اللّيْلِ فَقَالَ لِغُلَامِ لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ اُنْظُرْ
هَلْ أُحِلّ النّحْبُ هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا ؟ لَعَلّي أَبْكِي
عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ يَعْنِي زَمَعَةَ فَإِنّ جَوْفِي قَدْ احْتَرَقَ قَالَ
فَلَمّا رَجَعَ إلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ إنّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى
بَعِيرٍ لَهَا أَضَلّتْهُ . قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ
أَتَبْكِي أَنْ يَضِلّ لَهَا بَعِيرٌ ... وَيَمْنَعَهَا مِنْ النّوْمِ السّهُودُ
فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ ... عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتْ الْجُدُودُ
عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ ... وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ
وَبَكّي إنْ بَكَيْت عَلَى عُقَيْلٍ ... وَبَكّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ
وَبَكّيهِمْ وَلَا تَسِمِي جَمِيعًا ... وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ
أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ ... وَلَوْلَا يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا
[ ص 100 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا إقْوَاءٌ وَهِيَ مَشْهُورٌ مِنْ
أَشْعَارِهِمْ وَهِيَ عِنْدَنَا إكْفَاءٌ وَقَدْ أَسَقَطْنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ
إسْحَاقَ مَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذَا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِي
الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السّهْمِيّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ لَهُ بِمَكّةَ كَيّسًا تَاجِرًا ذَا
مَالٍ وَكَأَنّكُمْ بِهِ قَدْ جَاءَكُمْ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ فَلَمّا
قَالَتْ قُرَيْشٌ لَا تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أُسَرَائِكُمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ
مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَالَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ - وَهُوَ الّذِي
كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنِيَ صَدَقْتُمْ لَا
تَعْجَلُوا وَانْسَلّ مِنْ اللّيْلِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَخَذَهُ أَبَاهُ
بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَانْطَلَقَ بِهِ .
أَمْرُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَفِدَاؤُهُ
( قَالَ ) : ثُمّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى ، فَقَدِمَ مِكْرَزُ
بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ فِي فِدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ الّذِي
أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ
أَسَرْت سُهَيْلًا فَلَا أَبْتَغِي ... أَسِيرًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ
وَخِنْدِفُ تَعْلَمُ أَنّ الْفَتَى ... فَتَاهَا سُهَيْلٌ إذَا يُظَلّمْ
ضَرَبْت بِذِي الشّفْرِ حَتّى انْثَنَى ... وَأَكْرَهْت نَفْسِي عَلَى ذِي
الْعَلَمِ
وَكَانَ سُهَيْلٌ رَجُلًا أَعْلَمَ مِنْ شَفَتِهِ السّفْلَى . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِمَالِك بْنِ
الدّخْشُمِ . [ ص 101 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ عَطَاءٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ
قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ
دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَيَدْلَعْ لِسَانُهُ فَلَا
يَقُومُ عَلَيْك خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أُمَثّلُ بِهِ فَيُمَثّلُ اللّهُ بِي وَإِنْ
كُنْت نَبِيّا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعُمَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنّهُ عَسَى أَنْ
يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَ ذَلِكَ
الْمَقَامِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَلَمّا قَاوَلَهُمْ فِيهِ مِكْرَزٌ وَانْتَهَى إلَى رِضَاهُمْ قَالُوا : هَاتِ
الّذِي لَنَا ، قَالَ اجْعَلُوا رِجْلِي مَكَانَ رِجْلِهِ وَخَلّوا سَبِيلَهُ
حَتّى يَبْعَثَ إلَيْكُمْ بِفِدَائِهِ فَخَلّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ وَحَبَسُوا
مِكْرَزًا مَكَانَهُ عِنْدَهُمْ فَقَالَ مِكْرَزٌ [ ص 102 ]
فَدَيْت بِأَذْوَادِ ثِمَانٍ سَبَأٍ فَتًى ... يَنَالُ الصّمِيمَ غُرْمُهَا لَا
الْمَوَالِيَا
رَهَنْت يَدِي وَالْمَالُ أَيْسَرُ مِنْ يَدِي ... عَلَيّ وَلَكِنّي خَشِيت
الْمَخَازِيَا
وَقُلْت : سُهَيْلٌ خَيْرُنَا فَاذْهَبُوا بِهِ ... لِأَبْنَائِنَا حَتّى نُدِيرَ
الْأَمَانِيَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا
لِمِكْرَزٍ .Sضُبَيْرَةَ
وَذَكَرَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ وَقَدْ ذَكَرَ
الْخَطّابِيّ عَنْ الْعَنْبَرِيّ أَنّهُ يُقَالُ فِيهِ ضَبِيرَةُ بِالضّادِ
الْمُعْجَمَةِ وَاسْمُ أَبِي ضُبَيْرَةَ عَوْفٌ .
ابْنُ الدّخْشُمِ
وَذَكَرَ مَالِكَ بْنَ الدّخْشُمِ [ بْنِ مِرْضَخَةَ ] وَيُقَالُ فِيهِ الدّخَيْشُ
وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ الدّخَيْشِ وَيُقَالُ إنّهُ الّذِي سَارّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَلَمْ يُدْرَ مَا
سَارّهُ بِهِ حَتّى جَهَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا هُوَ
يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِهِ وَهُوَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأ ، وَاَلّذِي سَارّهُ
هُوَ عِتْبَانُ بْنُ [ ص 101 ] ، وَقَدْ بَرّأَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَالِكَ بْنَ الدّخْشُمِ مِنْ النّفَاقِ حَيْثُ قَالَ أَلَيْسَ يَشْهَدُ
أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ أَلَيْسَ يُصَلّي ؟ قَالُوا
: بَلَى فَقَالَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ : أُولَئِكَ الّذِينَ نَهَانِي اللّهُ
عَنْهُمْ ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ فَإِنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَى النّارِ
مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللّهِ حَوْلَ شِعْرِ
مِكْرَزٍ وَذِكْرُ مِكْرَزٍ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي اسْمِ مِكْرَزٍ أَنّهُ يُقَالُ
بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا ، وَلَكِنْ لَا يُرْوَى فِي السّيرَةِ إلّا
بِالْكَسْرِ . وَقَوْلُ مِكْرَزٍ فَدَيْت بِأَذْوَادِ ثِمَانٍ سِبًا فَتًى
بِكَسْرِ الثّاءِ مِنْ ثِمَانٍ لِأَنّهُ جَمْعُ ثَمِينٍ مِثْلَ سَمِينٍ وَسِمَانٍ
. [ ص 102 ]
أَسْرُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ
وَإِطْلَاقُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ
كَانَ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، وَكَانَ لِبِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ
أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُمّ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِنْتِ
أَبِي عَمْرٍو ، وَأُخْتُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو - أَسِيرًا فِي
يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ فَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ
افْدِ عَمْرًا ابْنَك ، قَالَ أَيُجْمَعُ عَلَيّ دَمِي وَمَالِي قَتَلُوا
حَنْظَلَةَ وَأَفْدِي عَمْرًا دَعُوهُ فِي أَيْدِيهِمْ يُمْسِكُوهُ مَا بَدَا
لَهُمْ . قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ مَحْبُوسٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ خَرَجَ سَعْدُ بْنُ
النّعْمَانِ بْنِ أَكّالٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ أَحَدُ بَنِي
مُعَاوِيَةَ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ مُرَيّةٌ لَهُ وَكَانَ شَيْخًا مُسْلِمًا ، فِي
غَنَمٍ لَهُ النّقِيعَ : فَخَرَجَ مِنْ هُنَالِكَ مُعْتَمِرًا ، وَلَا يَخْشَى
الّذِي صُنِعَ بِهِ لَمْ يَظُنّ أَنّهُ يُحْبَسُ بِمَكّةَ إنّمَا جَاءَ
مُعْتَمِرًا : وَقَدْ كَانَ عَهِدَ قُرَيْشًا لَا يَعْرِضُونَ لِأَحَدِ جَاءَ
حَاجّا ، أَوْ مُعْتَمِرًا إلّا بِخَيْرِ فَعَدَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ
حَرْبٍ بِمَكّةَ فَحَبَسَهُ بِابْنِهِ عَمْرٍو ، ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ
أَرَهْطَ ابْنِ أَكّالٍ أَجِيبُوا دُعَاءَهُ ... تَعَاقَدْتُمْ لَا تُسْلِمُوا
السّيّدَ الْكَهْلَا
فَإِنّ بَنِي عَمْرٍو لِئَامٌ أَذِلّةٌ ... لَئِنْ لَمْ يَفُكّوا عَنْ أَسِيرِهِمْ
الْكَبْلَا
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ
لَوْ كَانَ سَعْدٌ يَوْمَ مَكّةَ مُطْلَقًا ... لَأَكْثَرَ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ
يُؤْسَرَ الْقَتْلَا
بِعَضْبِ حُسَامٍ أَوْ بِصَفْرَاءَ نَبْعَةٍ ... تَحِنّ إذَا مَا أُنْبِضَتْ
تَحْفِزُ النّبْلَا
وَمَشَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ ؟ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ [ ص 103 ] أَبِي
سُفْيَانَ فَيَفُكّوا بِهِ صَاحِبَهُمْ فَفَعَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَبَعَثُوا بِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فَخَلّى سَبِيلَ سَعْدٍ
.
أَسْرُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بْنِ
الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، خَتَنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَوّجَ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ ، أَحَدُ بَنِي حَرَامٍ .
سَبَبُ زَوَاجِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ زَيْنَبَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكّةَ
الْمَعْدُودِينَ مَالًا ، وَأَمَانَةً وَتِجَارَةً وَكَانَ لِهَالَةِ بِنْتِ
خُوَيْلِدٍ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ خَالَتَهُ . فَسَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُزَوّجَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُخَالِفُهَا ، وَذَلِك قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ
عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَزَوّجَهُ وَكَانَتْ تَعُدّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا .
فَلَمّا أَكْرَمَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنُبُوّتِهِ
آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ وَبَنَاتُهُ فَصَدّقْنَهُ وَشَهِدْنَ أَنّ مَا جَاءَ بِهِ
الْحَقّ ، وَدِنّ بِدِينِهِ وَثَبَتَ أَبُو الْعَاصِ عَلَى شِرْكِهِ . [ ص 104 ]
سَعْيُ قُرَيْشٍ فِي تَطْلِيقِ بَنَاتِ الرّسُولِ مِنْ أَزْوَاجِهِنّ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ
أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ . فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ
اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ قَالُوا : إنّكُمْ قَدْ فَرَغْتُمْ مُحَمّدًا
مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ . فَمَشَوْا إلَى
أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ
امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْت ، قَالَ لَا وَاَللّهِ إنّي لَا أُفَارِقُ
صَاحِبَتِي ، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ . وَكَانَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ
خَيْرًا ، فِيمَا بَلَغَنِي ثُمّ مَشَوْا إلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ ،
فَقَالُوا لَهُ طَلّقْ بِنْتَ مُحَمّدٍ وَنَحْنُ نَنْكِحُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ
قُرَيْشٍ شِئْت ، فَقَالَ إنْ زَوّجْتُمُونِي بِنْتَ أَبَانِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
الْعَاصِ ، أَوْ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَارَقْتهَا . فَزَوّجُوهُ بِنْتَ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَارَقَهَا ، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا ، فَأَخْرَجَهَا
اللّهُ مِنْ يَدِهِ كَرَامَةً لَهَا ، وَهَوَانًا لَهُ وَخَلّفَ عَلَيْهَا
عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ بَعْدَهُ .
أَبُو الْعَاصِ عِنْدَ الرّسُولِ وَبَعْثُ زَيْنَبَ فِي فِدَائِهِ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِلّ بِمَكّةَ وَلَا
يُحْرِمُ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرّقَ بَيْنَ
زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَتْ
وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ ، إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا ، فَأَقَامَتْ
مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا صَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ صَارَ
فِيهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ فَأُصِيبَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ
فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [
ص 105 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا
بَعَثَ أَهْلُ مَكّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ
بِمَالِ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةِ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدَخَلَتْهَا
بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا ، قَالَتْ فَلَمّا رَآهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَقّ لَهَا رَقّةً شَدِيدَةً
وَقَالَ إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا
مَالَهَا ، فَافْعَلُوا ، فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَأَطْلَقُوهُ
وَرَدّوا عَلَيْهَا الّذِي لَهَاSأَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ
[ ص 103 ] وَذَكَرَ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَاسْمُ
أَبِي الْعَاصِ لَقِيطٌ وَقِيلَ فِيهِ هَاشِمٌ وَقِيلَ مُهَشّمٌ وَقِيلَ هَشِيمٌ ،
وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِي أَهْلِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَ بِالشّامِ تَاجِرًا حِين قَالَهَا :
ذَكَرَتْ زَيْنَبُ لَمَا يَمّمَتْ إضَمًا ... فَقُلْت : سَقْيًا لِشَخْصِ يَسْكُنُ
الْحَرَمَا
بِنْتُ الْأَمِينِ جَزَاهَا اللّهُ صَالِحَةً ... وَكُلّ بَعْلٍ سَيُثْنِي بِاَلّذِي
عَلِمَا
وَلَدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أُمَامَةَ وَعَلِيّا ، مَاتَ عَلِيّ وَهُوَ صَغِيرٌ وَتَزَوّجَ أُمَامَةَ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَتَزَوّجَهَا بَعْدَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهِيَ
الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الزّرَقِيّ عَنْ
أَبِي قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ
يُصَلّي ، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الْحَدِيثَ قَالَ عَمْرُو
بْنُ سُلَيْمٍ كَانَتْ تِلْكَ الصّلَاةُ صَلَاةَ الصّبْحِ هَكَذَا رَوَاهُ [ ص 104
] جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَتّابٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ وَرَوَاهُ ابْنُ
إسْحَاقَ فِي غَيْرِ السّيرَةِ عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ
فَقَالَ فِيهِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الظّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَكَانَ الّذِي
أَسَرَ أَبَا الْعَاصِ مِنْ الْأَنْصَارِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جُبَيْرٍ ، ذَكَرَهُ
غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَكَانَتْ رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ ، وَأُمّ كُلْثُومٍ تَحْتَ
عُتَيْبَةَ ، فَطَلّقَاهُمَا بِعَزْمِ أَبِيهِمَا عَلَيْهِمَا وَأُمّهِمَا حِينَ
نَزَلَتْ { تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } فَأَمّا عُتَيْبَةُ ، فَدَعَا عَلَيْهِ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُسَلّطَ اللّهُ عَلَيْهِ كَلْبًا
مِنْ كِلَابِهِ فَافْتَرَسَهُ الْأَسَدُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ نِيَامٌ
حَوْلَهُ وَأَمّا عُتْبَةُ وَمُعَتّبٌ ابْنَا أَبِي لَهَبٍ فَأَسْلَمَا وَلَهُمَا
عَقِبٌ . وَقَوْلُهُ فِي خَبَرِ هِنْدٍ : فَلَا تَضْطَنِي مِنّي . تَضْطَنِي ،
أَيْ لَا تَنْقَبِضِي عَنّي وَشَاهِدُهُ [ قَوْلُ الطّرِمّاحِ بْنِ حَكِيمٍ ] :
إذَا ذُكِرَتْ مَسْعَاةُ وَالِدِهِ اضْطَنَى ... وَلَا يَضْطَنِي مِنْ شَتْمِ
أَهْلِ الْفَضَائِلِ
[ ص 105 ] حَاشِيَةِ الشّيْخِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْبَيْتُ فِي الْحَمَاسَةِ
يُضْنِي بِالضّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَأَنّهُ يَفْتَعِلُ مِنْ الضّنَى وَهُوَ
الضّعْفُ .
خُرُوجُ زَيْنَبَ إلَى الْمَدِينَةِ
تَأَهّبُهَا وَإِرْسَالُ الرّسُولِ رَجُلَيْنِ لِيَصْحَبَاهَا
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ
وَعَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ أَنْ يُخَلّيَ
سَبِيلَ زَيْنَبَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي إطْلَاقِهِ
وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَيَعْلَمُ مَا هُوَ إلّا أَنّهُ لَمّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إلَى
مَكّةَ وَخُلّيَ سَبِيلُهُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ فَقَالَ كُونَا
بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتّى تَمُرّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتّى
تَأْتِيَانِي بِهَا فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا ، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرِ
أَوْ شَيْعِهِ فَلَمّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكّةَ أَمَرَهَا بِاللّحُوقِ
بِأَبِيهَا ، فَخَرَجَتْ تَجَهّزُ .
هِنْدٌ تُحَاوِلُ تَعْرِفُ أَمْرَ زَيْنَبَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ
حُدّثْت عَنْ زَيْنَبَ أَنّهَا قَالَتْ بَيْنَا أَنَا أَتَجَهّزُ بِمَكّةَ
لِلّحُوقِ بِأَبِي لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، فَقَالَتْ يَا بِنْتَ
مُحَمّدٍ أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنّك تُرِيدِينَ اللّحُوقَ بِأَبِيك ؟ قَالَتْ
فَقُلْت : مَا أَرَدْت ذَلِكَ فَقَالَتْ أَيَ ابْنَةَ عَمّي ، لَا تَفْعَلِي ، إنْ
كَانَتْ لَك حَاجَةٌ بِمَتَاعِ مِمّا يَرْفُقُ بِك فِي سَفَرِك ، أَوْ بِمَالِ
تَتَبَلّغِينَ بِهِ إلَى أَبِيك ، فَإِنّ عِنْدِي حَاجَتَك ، فَلَا تَضْطَنِي
مِنّي ، فَإِنّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النّسَاءِ مَا بَيْنَ الرّجَالِ . قَالَتْ
وَاَللّهِ مَا أُرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إلّا لِتَفْعَلَ قَالَتْ وَلَكِنّي
خِفْتهَا ، فَأَنْكَرْت أَنْ أَكُونَ أُرِيدَ ذَلِكَ وَتَجَهّزْت .
مَا أَصَابَ زَيْنَبَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَمَشُورَةُ أَبِي
سُفْيَانَ
[ ص 106 ] فَلَمّا فَرَغَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مِنْ جَهَازِهَا قَدّمَ لَهَا حَمُوهَا كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ أَخُو زَوْجِهَا
بَعِيرًا ، فَرَكِبَتْهُ وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ ثُمّ خَرَجَ بِهَا
نَهَارًا يَقُودُ بِهَا ، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا . وَتَحَدّثَ بِذَلِكَ
رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتّى أَدْرَكُوهَا بِذِي طُوًى
، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنُ الْمُطّلِبِ
بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَالْفِهْرِيّ ، فَرَوّعَهَا هَبّارُ بِالرّمْحِ
وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا - فِيمَا يَزْعُمُونَ -
فَلَمّا رِيعَتْ طَرَحَتْ ذَا بَطْنِهَا وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ وَنَثَرَ
كِنَانَتَهُ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَا يَدْنُو مِنّي رَجُلٌ إلّا وَضَعْت فِيهِ
سَهْمًا ، فَتَكَرْكَرَ النّاسُ عَنْهُ . وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جُلّةٍ مِنْ
قُرَيْشٍ فَقَالَ أَيّهَا الرّجُلُ كُفّ عَنّا نَبْلَك حَتّى نُكَلّمَك ، فَكَفّ .
فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنّك لَمْ تُصِبْ
خَرَجْت بِالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ النّاسِ عَلَانِيَةً وَقَدْ عَرَفْت
مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا ، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمّدٍ فَيَظُنّ
النّاسُ إذَا خَرَجْت بِابْنَتِهِ إلَيْهِ عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ النّاسِ مِنْ
بَيْنِ أَظْهُرِنَا أَنّ ذَلِكَ عَنْ ذُلّ أَصَابَنَا عَنْ مُصِيبَتِنَا الّتِي
كَانَتْ وَأَنّ ذَلِكَ مِنّا ضَعْفٌ وَوَهَنٌ وَلَعَمْرِي مَا لَنَا بِحَبْسِهَا
عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ وَمَا لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ ثَوْرَةٍ وَلَكِنْ
ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَتَحَدّثَ النّاسُ أَنْ
قَدْ رَدَدْنَاهَا ، فَسُلّهَا سِرّا ، وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا ، قَالَ فَفَعَلَ
. فَأَقَامَتْ لَيَالِيَ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا
حَتّى أَسْلَمَهَا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ فَقَدِمَا بِهَا عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
شِعْرٌ لِأَبِي خَيْثَمَةَ فِيمَا حَدَثَ لِزَيْنَبِ
[ ص 107 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، أَوْ
أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فِي الّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ
زَيْنَبَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هِيَ لِأَبِي خَيْثَمَةَ [ ص 108 ]
أَتَانِي الّذِي لَا يَقْدِرُ النّاسُ قَدَرَهُ ... لِزَيْنَبِ فِيهِمْ مِنْ
عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ
وَإِخْرَاجُهَا لَمْ يُخْزَ فِيهَا مُحَمّدٌ ... عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا
عِطْرُ مَنْشَمِ
وَأَمْسَى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ حِلْفِ ضَمْضَمٍ ... وَمِنْ حَرْبِنَا فِي رَغْمِ
أَنْفٍ وَمَنْدَمِ
فَرَنّا ابْنَهُ عَمْرًا وَمَوْلَى يَمِينِهِ ... بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصّلَاصِلِ
مُحْكَمِ
فَأَقْسَمْت لَا تَنْفَكّ مِنّا كَتَائِبُ ... سُرَاةُ خَمِيسٍ فِي لُهَامٍ
مُسَوّمِ
نُزُوعُ قُرَيْشَ الْكُفْرَ حَتّى نَعُلّهَا ... بِخَاطِمَةِ فَوْقَ الْأُنُوفِ
بِمِيسَمِ
نُنَزّلُهُمْ أَكْنَافَ نَجْدٍ وَنَخْلَةَ ... وَإِنْ يُتْهِمُوا بِالْخَيْلِ
وَالرّجْلِ نُتْهِمِ
يَدَ الدّهْرِ حَتّى لَا يُعَوّجَ سِرْبُنَا ... وَنُلْحِقُهُمْ آثَارَ عَادٍ
وَجُرْهُمِ
وَيَنْدَمُ قَوْمٌ لَمْ يُطِيعُوا مُحَمّدًا ... عَلَى أَمْرِهِمْ وَأَيّ حِينَ
تَنَدّمِ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ إمّا لَقِيته ... لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُخْلِصْ
سُجُودًا وَتَسْلَمْ
فَأَبْشِرْ بِخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ مُعَجّلٍ ... وَسِرْبَالِ قَارٍ خَالِدًا فِي
جَهَنّمِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَسِرْبَالِ نَارٍ .
الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ
فِي مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ الّذِي يَعْنِي :
عَامِرَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ ، كَانَ فِي الْأُسَارَى ، وَكَانَ حِلْفُ
الْحَضْرَمِيّ إلَى حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَوْلَى يَمِينِ
أَبِي سُفْيَانَ الّذِي يَعْنِي : عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ
الْحَضْرَمِيّ ، فَأَمّا عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ .
شِعْرُ هِنْدٍ وَكِنَانَةَ فِي خُرُوجِ زَيْنَبَ
وَلَمّا انْصَرَفَ الّذِينَ خَرَجُوا إلَى زَيْنَبَ لَقِيَتْهُمْ هِنْدُ بِنْتُ
عُتْبَةَ ، فَقَالَتْ لَهُمْ
أَفِي السّلْمِ أَعْيَارًا جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهَ
النّسَاءِ الْعَوَارِكِ
[ ص 109 ] وَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ فِي أَمْرِ زَيْنَبَ حِينَ دَفَعَهَا
إلَى الرّجُلَيْنِ
عَجِبْت لِهَبّارِ وَأَوْبَاشٍ قَوْمَهُ
يُرِيدُونَ إخْفَارِي بِبِنْتِ مُحَمّدِ
وَلَسْت أُبَالِي مَا حَيِيت عَدِيدَهُمْ
وَمَا اسْتَجْمَعَتْ قَبْضًا يَدِي بِالْمُهَنّدِ
الرّسُولُ يُحِلّ دَمَ هَبّارٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ بُكَيْرِ
بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْأَشَجّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
إسْحَاقَ الدّوْسِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً أَنَا فِيهَا ، فَقَالَ لَنَا : إنْ ظَفِرْتُمْ
بِهَبّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَوْ الرّجُلِ ( الْآخَرِ ) الّذِي سَبَقَ مَعَهُ إلَى
زَيْنَبَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ فِي
حَدِيثِهِ ( وَقَالَ هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ) فَحَرّقُوهُمَا بِالنّارِ
قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ بَعَثَ إلَيْنَا ، فَقَالَ إنّي كُنْت أَمَرْتُكُمْ
بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ إنْ أَخَذْتُمُوهُمَا ، ثُمّ رَأَيْت أَنّهُ
لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يُعَذّبَ بِالنّارِ إلّا اللّهُ فَإِنْ ظَفِرْتُمْ
بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا .Sاتّبَاعُ قُرَيْشٍ لِزَيْنَبِ
فَصْلٌ وَذَكَرَ خُرُوجَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - مِنْ مَكّةَ ، وَاتّبَاعَ قُرَيْشٍ لَهَا ، قَالَ [ ص 106 ] وَسَبَقَ
إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْفِهْرِيّ ، وَلَمْ يُسَمّ ابْنُ إسْحَاقَ
الْفِهْرِيّ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، وَفِي
غَيْرِ السّيرَةِ أَنّهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ
الْبَزّارُ فِيمَا بَلَغَنِي . وَذَكَرَ أَنّ زَيْنَبَ حِينَ رَوّعَهَا هَبّارُ
بْنُ الْأَسْوَدِ أَلْقَتْ ذَا بَطْنِهَا ، وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ
نَخَسَ بِهَا الرّاحِلَةَ فَسَقَطَتْ عَلَى صَخْرَةٍ وَهِيَ حَامِلٌ فَهَلَكَ
جَنِينُهَا ، وَلَمْ تَزَلْ تُهْرِيقُ الدّمَاءَ حَتّى مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ
بَعْدَ إسْلَامِ بَعْلِهَا أَبِي الْعَاصِ . وَذَكَرَ الزّبَيْرُ أَنّ هَبّارَ
بْنَ الْأَسْوَدِ لَمّا أَسْلَمَ وَصَحِبَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبّونَهُ بِمَا فَعَلَ حَتّى شَكَا ذَلِكَ
لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ سُبّ مَنْ سَبّك يَا
هَبّارُ فَكَفّ النّاسُ عَنْ سَبّهِ بَعْدُ . وَلَدَتْ زَيْنَبُ [ أُمَامَةَ ] ،
وَهِيَ الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ السّلَيْمِ بْنِ
خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ الزّرَقِيّ عَنْ أَبِي
قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلّي
وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الْحَدِيثَ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ
إلَى آخِرِ مَا تَقَدّمَ قَرِيبًا .
تَفْسِيرُ قَصِيدَةِ أَبِي خَيْثَمَةَ
[ ص 107 ] ابْنِ رَوَاحَةَ وَقِيلَ بَلْ قَالَهَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَفِيهَا :
عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا عِطْرُ مَنْشَمِ
الْمَأْقِطُ مُعْتَرَكُ الْحَرْبِ وَعِطْرُ مَنْشَمِ كِنَايَةٌ عَنْ شِدّةِ
الْحَرْبِ وَهُوَ مَثَلٌ وَأَصْلُهُ - فِيمَا زَعَمُوا - أَنّ مَنْشَمَ كَانَ امْرَأَةً
مِنْ خُزَاعَةَ تَبِيعُ الْعِطْرَ وَالطّيبَ فَيُشْتَرَى مِنْهَا لِلْمَوْتَى ،
حَتّى تَشَاءَمُوا بِهَا لِذَلِكَ وَقِيلَ إنّ قَوْمًا تَحَالَفُوا عَلَى
الْمَوْتِ فَغَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِي طِيبِ مَنْشَمِ الْمَذْكُورَةِ تَأْكِيدًا
لِلْحَلِفِ فَضُرِبَ طِيبُهَا مَثَلًا فِي شِدّةِ الْحَرْبِ وَقِيلَ مَنْشَمُ
امْرَأَةٌ مِنْ غُدَانَةَ وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ تَمِيمٍ ثُمّ مِنْ بَنِي يَرْبُوعِ
بْنِ حَنْظَلَةَ وَأَنّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ صَاحِبَةُ يَسَارٍ الّذِي يُقَالُ
لَهُ يَسَارُ الْوَاعِبِ وَأَنّهُ كَانَ عَبْدًا لَهَا ، وَأَنّهُ رَاوَدَهَا عَنْ
نَفْسِهَا ، فَقَالَتْ لَهُ امْهَلْ حَتّى أُشِمّك طِيبَ الْحَرَائِرِ فَلَمّا
أَمْكَنَهَا مِنْ أَنْفِهِ أَنْخَتْ عَلَيْهِ بِالْمُوسَى حَتّى أَوْعَبَتْهُ
جَدْعًا ، فَقِيلَ فِي الْمَثَلِ لَاقَى الّذِي لَاقَى يَسَارُ الْكَوَاعِبِ
فَقِيلَ عِطْرُ مَنْشَمِ . وَفِي الشّعْرِ بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصّلَاصِلِ
مُحْكَمِ
يَعْنِي : الْغُلّ وَالصّلَاصِلُ جَمْعُ : صَلْصَلَةٍ وَهِيَ صَلْصَلَةُ
الْحَدِيدِ . [ ص 108 ] وَذَكَرَ قَوْلَ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ لِفَلّ قُرَيْشٍ
حِينَ رَجَعُوا مِنْ بَدْرٍ .
أَفِي السّلْمِ أَعْيَارًا جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاه
النّسَاءِ الْعَوَارِكِ
يُقَالُ عَرَكَتْ الْمَرْأَةُ وَدَرَسَتْ وَطَمَثَتْ إذَا حَاضَتْ وَقَدْ قِيلَ
أَيْضًا : يُقَالُ ضَحِكَتْ إذَا حَاضَتْ وَتَأَوّلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى :
{ وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } وَقَدْ قِيلَ
أَيْضًا : يُقَالُ أَكْبَرَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ
عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى : { أَكْبَرْنَهُ وَقَطّعْنَ أَيْدِيَهُنّ }
وَالْهَاءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَكْبَرْنَهُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِ
وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَنُصِبَ أَعْيَارًا عَلَى الْحَالِ وَالْعَامِلُ فِيهِ
فِعْلٌ مُخْتَزَلٌ لِأَنّهُ أَقَامَ الْأَعْيَارَ مَقَامَ اسْمٍ مُشْتَقّ
فَكَأَنّهُ قَالَ أَفِي السّلْمِ بُلَدَاءَ جُفَاةً مِثْلَ الْأَعْيَارِ وَنَصْبُ
جَفَاءً وَغِلْظَةً نَصْبُ الْمَصْدَرِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ الْحَالِ كَمَا
تَقُولُ زَيْدٌ الْأَسَدُ شِدّةً أَيْ يُمَاثِلُهُ مُمَاثَلَةً شَدِيدَةً
فَالشّدّةُ صِفَةٌ لِلْمُمَاثَلَةِ كَمَا أَنّ الْمُشَافَهَةَ صِفَةٌ
لِلْمُكَالَمَةِ إذَا قُلْت : كَلّمْته مُشَافَهَةً فَهَذِهِ حَالٌ مِنْ
الْمَصْدَرِ فِي الْحَقِيقَةِ وَتَعَلّقُ حَرْفِ الْجَرّ مِنْ قَوْلِهَا : أَفِي
السّلْمِ بِمَا أَدّتْهُ الْأَعْيَارُ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ فَكَأَنّهَا قَالَتْ
[ ص 109 ] عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ] : وَعَائِذًا بِك أَنْ يَعْلُوا
فَيُطْغُونِي
اُنْظُرْهُ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ .
إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ
الرّبِيعِ
اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تِجَارَةٍ مَعَهُ وَإِجَارَةُ زَيْنَبَ لَهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 110 ] وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكّةَ وَأَقَامَتْ
زَيْنَبُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ
حِينَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ حَتّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ
خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشّأْمِ وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا ، بِمَالِ
لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالِ مِنْ قُرَيْشٍ ، أَيْضَعُوهَا مَعَهُ فَلَمّا فَرَغَ
مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ قَافِلًا ، لَقِيَتْهُ سَرِيّةٌ لِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا ،
فَلَمّا قَدِمَتْ السّرِيّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ أَقْبَلَ أَبُو
الْعَاصِ تَحْتَ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَجَارَ بِهَا ، فَأَجَارَتْهُ وَجَاءَ فِي
طَلَبِ مَالِهِ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى الصّبْحِ - كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ - فَكَبّرَ وَكَبّرَ
النّاسُ مَعَهُ صَرَخَتْ زَيْنَبُ مِنْ صُفّةِ النّسَاءِ أَيّهَا النّاسُ إنّي
قَدْ أَجَرْت أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ . قَالَ فَلَمّا سَلّمَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ
أَيّهَا النّاسُ هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْت ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ أَمَا
وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْت بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ حَتّى
سَمِعْت مَا سَمِعْتُمْ إنّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ . ثُمّ
انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى
ابْنَتِهِ فَقَالَ أَيْ بُنَيّةَ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ وَلَا يَخْلُصَن إلَيْك ،
فَإِنّك لَا تَحِلّينَ لَهُ
الْمُسْلِمُونَ يَرُدّونَ عَلَيْهِ مَالَهُ ثُمّ يُسْلِمُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى السّرِيّةِ الّذِينَ
أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ فَقَالَ لَهُمْ إنّ هَذَا الرّجُلَ مِنّا حَيْثُ
قَدْ عَلِمْتُمْ ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا ، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدّوا
عَلَيْهِ الّذِي لَهُ فَإِنّا نُحِبّ ذَلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ
اللّهِ الّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِهِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ
اللّهِ بَلْ نَرُدّهُ عَلَيْهِ فَرَدّوهُ عَلَيْهِ حَتّى إنّ الرّجُلَ لَيَأْتِي
بِالدّلْوِ وَيَأْتِي الرّجُلُ بِالشّنّةِ وَبِالْإِدَاوَةِ حَتّى إنّ أَحَدَهُمْ
لَيَأْتِي بِالشّظَاظِ حَتّى رَدّوا عَلَيْهِ مَالَهُ بِأَسْرِهِ لَا يَفْقِدُ
مِنْهُ شَيْئًا . ثُمّ احْتَمَلَ إلَى مَكّةَ فَأَدّى إلَى كُلّ ذِي مَالٍ مِنْ
قُرَيْشٍ مَالَهُ وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ
، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدِ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ ؟ قَالُوا : لَا
فَجَزَاك اللّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ وَجَدْنَاك وَفِيّا كَرِيمًا قَالَ فَأَنَا
أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
وَاَللّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلّا تَخَوّفُ أَنْ تَظُنّوا
أَنّي أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ فَلَمّا أَذَاهَا اللّهُ إلَيْكُمْ
وَفَرَغْت مِنْهَا أَسْلَمْت . ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
زَوْجَتُهُ تُرَدّ إلَيْهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ رَدّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ زَيْنَبَ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا ( بَعْدَ سِتّ
سِنِينَ )
مَثَلٌ مِنْ أَمَانَةِ أَبِي الْعَاصِ
[ ص 111 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا
الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ لَمّا قَدِمَ مِنْ الشّامِ وَمَعَهُ أَمْوَالُ
الْمُشْرِكِينَ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك أَنْ تُسْلِمَ وَتَأْخُذَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ
، فَإِنّهَا أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ بِئْسَ مَا
أَبْدَأُ بِهِ إسْلَامِي أَنْ أَخُونَ أَمَانَتِي . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ
أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبِيّ ، بِنَحْوِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ
عَنْ أَبِي الْعَاصِ .Sرَدّ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا
[ ص 110 ] وَذَكَرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي
الْعَاصِ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا بَعْدَ سِتّ سِنِينَ
وَيُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدّهِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهَا عَلَيْهِ
بِنِكَاحِ جَدِيدٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَإِنْ
كَانَ حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَصَحّ إسْنَادًا عِنْدَ أَهْلِ
الْحَدِيثِ وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَلِمْت
لِأَنّ الْإِسْلَامَ قَدْ كَانَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا ، قَالَ اللّهُ تَعَالَى : [ ص
111 ] { لَا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ } وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ : مَعْنَى رَدّهَا عَلَيْهِ عَلَى
النّكَاحِ الْأَوّلِ أَيْ عَلَى مِثْلِ النّكَاحِ الْأَوّلِ فِي الصّدَاقِ
وَالْحِبَاءِ لَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ .
الّذِينَ أُطْلِقُوا مِنْ غَيْرِ
فِدَاءٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى مِمّنْ مَنّ
عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو
الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ مَنّ عَلَيْهِ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ
بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِفِدَائِهِ . وَمِنْ بَنِي
مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ الْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
عُبَيْدَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، كَانَ لِبَعْضِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ ، فَتَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى خَلّوْا سَبِيلَهُ . فَلَحِقَ
بِقَوْمِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَبُو أَيّوبَ
الْأَنْصَارِيّ ، أَخُو بَنِي النّجّارِ . [ ص 112 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ مَخْزُومٍ ، تُرِكَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهِ فَلَمّا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فِي
فِدَائِهِ أَخَذُوا عَلَيْهِ لَيَبْعَثَن إلَيْهِمْ بِفِدَائِهِ فَخَلّوْا
سَبِيلَهُ فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِشَيْءِ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
وَمَا كَانَ صَيْفِيّ لِيُوفِيَ ذِمّةً ... قَفَا ثَعْلَبٍ أَعْيَا بِبَعْضِ
الْمَوَارِدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ
أُهَيْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ فَكَلّمَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ
عَرَفْت مَا لِي مِنْ مَالٍ ، وَإِنّي لَذُو حَاجَةٍ وَذُو عِيَالٍ فَامْنُنْ
عَلَيّ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخَذَ
عَلَيْهِ أَلّا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا فَقَالَ أَبُو عَزّةَ فِي ذَلِكَ
يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ فِي
قَوْمِهِ
مَنْ مُبَلّغٌ عَنّي الرّسُولَ مُحَمّدًا ... بِأَنّك حَقّ وَالْمَلِيكُ حَمِيدُ
وَأَنْتَ امْرِئِ وَتَدْعُو إلَى الْحَقّ وَالْهُدَى ... عَلَيْك مِنْ اللّهِ
الْعَظِيمِ شَهِيدُ
وَأَنْتَ امْرِئِ بُوّئْت فِينَا مَبَاءَةً ... لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ
وَصُعُودُ
فَإِنّك مَنْ حَارَبْته لَمُحَارَبٌ ... شَقِيّ وَمَنْ سَالَمَتْهُ لَسَعِيدُ
وَلَكِنْ إذَا ذُكّرْت بَدْرًا وَأَهْلَهُ ... تَأَوّبَ مَا بِي : حَسْرَةٌ
وَقُعُودُ
ثَمَنُ الْفِدَاءِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَانَ فِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ
دِرْهَمٍ لِلرّجُلِ إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَمَنّ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ .
شِعْرُ بِلَالٍ فِي مَقْتَلِ أُمَيّةَ
وَذَكَرَ قَتْلَ بِلَالٍ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ شِعْرَهُ فِي
ذَلِكَ وَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ وَهُوَ
فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ نُكَذّبْ بِحَمْلَةِ ... عَلَيْهِمْ بِأَسْيَافِ لَنَا
كَالْعَقَائِقِ
وَمَطْرُورَةُ حُمْرُ الظّبَاةِ كَأَنّهَا ... إذَا رُفِعَتْ أَشْطَانُ ذَاتِ
الْأَبَارِقِ
بَنِي جُمَحٍ قَدْ حَلّ قَعْصٌ بِشَيْخِكُمْ ... عَلَى مَاءِ بَدْرٍ رَأْسِ كُلّ
مُنَافِقِ
هَجَمْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَاشْتَجَرَتْ بِهِ ... مَصَالِيتُ لِلْأَنْصَارِ
غَيْرُ زَوَاهِقِ
هَوَى حِينَ لَاقَانَا وَفُرّقَ جَمْعُهُ ... عَلَى وَجْهِهِ فِي النّارِ مِنْ
رَأْسِ حَالِقِ
[ ص 112 ] وَذَكَرَ الزّبَيْرُ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ ابْنِ سَلّامٍ عَنْ
حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنّ أُمَيّةَ حِينَ أَحَاطَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ ، قَالَ
يَا أَحَدٌ رَأَى ، أَمَا لَكُمْ بِاللّبّنِ حَاجَةٌ ؟ قَالَ وَكَانَ أُمَيّةُ
يُذْكَرُ بِفَصَاحَتِهِ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِثْلَ
هَذَا ، ثُمّ قَرَنَ الزّبَيْرُ هَذَا الْحَدِيثَ بِحَدِيثِ أَسْنَدَهُ عَنْ
مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ قَالَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حِينَ نَزَلَتْ
{ قُلْ إِنْ كَانَ لِلرّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوّلُ الْعَابِدِينَ } [
الزّخْرُفِ 81 ] الْآيَةَ وَكَانَ النّضْرُ قَدْ قَالَ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ
الرّحْمَنِ فَلَمّا سَمِعَ الْآيَةَ قَالَ أَلَا تَرَاهُ قَدْ صَدّقَنِي ، فَقَالَ
لَهُ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ - وَكَانَ أَفْصَحَ مِنْهُ - لَا وَاَللّهِ بَلْ
كَذّبَك ، فَقَالَ مَا كَانَ لِلرّحْمَنِ مِنْ وَلَدٍ وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ
أَنّهُ قَالَ فِي قَوْلِ أُمَيّةَ يَا أَحَدٌ : يَا اسْتِفْتَاحٌ وَمَعْنَاهُ يَا
هَؤُلَاءِ . أَجِدُ رَاءٍ . [ ص 114 ]
إسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ
صَفْوَانُ يُحَرّضُهُ عَلَى قَتْلِ الرّسُولِ
[ ص 113 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ
، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ
مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي
الْحِجْرِ بِيَسِيرِ وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ
قُرَيْشٍ ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ ابْنُهُ
وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ
رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي
مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ
فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ فَقَالَ صَفْوَانُ وَاَللّهِ إنْ فِي
الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ صَدَقْت وَاَللّهِ أَمَا
وَاَللّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ وَعِيَالٌ أَخْشَى
عَلَيْهِمْ الضّيْعَةَ بَعْدِي ، لَرَكِبْت إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ فَإِنّ
لِي قِبَلَهُمْ عِلّةً ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ قَالَ فَاغْتَنَمَهَا
صَفْوَانُ وَقَالَ عَلَيّ دَيْنُك ، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْك ، وَعِيَالُك مَعَ
عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا ، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ
فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ فَاكْتُمْ شَأْنِي وَشَأْنَك ، قَالَ أَفْعَلُ .
رُؤْيَةُ عُمَرَ لَهُ وَإِخْبَارُ الرّسُولِ بِأَمْرِهِ
قَالَ ثُمّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشَحَذَ لَهُ وَسَمّ ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى
قَدِمَ الْمَدِينَةَ ؛ [ ص 114 ] فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي نَفَرٍ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ وَيَذْكُرُونَ مَا
أَكْرَمَهُمْ اللّهُ بِهِ وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهِمْ إذْ نَظَرَ عُمَرُ إلَى
عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشّحًا السّيْفَ
فَقَالَ هَذَا الْكَلْبُ عَدُوّ اللّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ وَاَللّهِ مَا جَاءَ
إلّا لِشَرّ وَهُوَ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا ، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ
بَدْرٍ . ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ هَذَا عَدُوّ اللّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ
مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ قَالَ فَأَدْخِلْهُ عَلَيّ قَالَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتّى
أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبّبَهُ بِهَا ، وَقَالَ لِرِجَالِ
مِمّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ : اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا
الْخَبِيثِ فَإِنّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ ثُمّ دُخِلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّسُولُ يُحَدّثُهُ بِمَا بَيْنَهُ هُوَ
وَصَفْوَانَ فَيُسْلِمُ فَلَمّا رَاهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ قَالَ أَرْسِلْهُ يَا
عُمَرُ اُدْنُ يَا عُمَيْرُ فَدَنَا ثُمّ قَالَ انْعَمُوا صَبَاحًا ، وَكَانَتْ
تَحِيّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ بَيْنَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَكْرَمَنَا اللّهُ بِتَحِيّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيّتِك يَا
عُمَيْرُ بِالسّلَامِ تَحِيّةِ أَهْلِ الْجَنّةِ . فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ يَا
مُحَمّدُ إنْ كُنْت بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ قَالَ فَمَا جَاءَ بِك يَا عُمَيْرُ ؟
قَالَ جِئْت لِهَذَا الْأَسِيرِ الّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ قَالَ
فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك ؟ قَالَ قَبّحَهَا اللّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ
أَغْنَتْ عَنّا شَيْئًا ؟ قَالَ اُصْدُقْنِي ، مَا الّذِي جِئْت لَهُ ؟ قَالَ مَا
جِئْت إلّا لِذَلِكَ قَالَ بَلْ قَعَدْت أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي
الْحِجْرِ ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ قُلْت :
لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْت حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا ،
فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ
وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ قَالَ عُمَيْرٌ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ
اللّهِ وَقَدْ كُنّا يَا رَسُولَ اللّهِ نُكَذّبُك بِمَا كُنْت تَأْتِينَا بِهِ
مِنْ خَبَرِ السّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْك مِنْ الْوَحْيِ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ
يَحْضُرْهُ إلّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاك بِهِ
إلّا اللّهُ فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا
الْمَسَاقَ ثُمّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَقّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ وَأَقْرِئُوهُ
الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرًا ، فَفَعَلُوا
رُجُوعُهُ إلَى مَكّةَ يَدْعُو لِلْإِسْلَامِ
ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللّهِ
شَدِيدٌ لِلْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَأَنَا أُحِبّ
أَنْ تَأْذَنَ لِي ، فَأَقْدَمَ مَكّةَ ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى ، [
ص 115 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلّ اللّهُ
يُهْدِيهِمْ وَإِلّا آذَيْتهمْ فِي دِينِهِمْ كَمَا كُنْت أُوذِيَ أَصْحَابَك فِي
دِينِهِمْ ؟ قَالَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَلَحِقَ بِمَكّةَ . وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ
وَهْبٍ يَقُولُ أَبْشِرُوا بِوَقْعَةِ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيّامٍ تُنْسِيكُمْ
وَقْعَةَ بَدْرٍ وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ حَتّى قَدِمَ
رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا ،
وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ
عُمَيْرٌ مَكّةَ ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ وَيُؤْذِي مَنْ
خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ .Sإسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ
[ ص 113 ] وَذَكَرَ إسْلَامَ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ إلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ
مَا يُشْكِلُ .
هُوَ أَوْ ابْنُ هِشَامٍ الّذِي رَأَى
إبْلِيسَ وَمَا نَزَلَ فِيهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ أَوْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ،
قَدْ ذَكَرَ لِي أَحَدُهُمَا ، الّذِي رَأَى إبْلِيسَ حِينَ نَكَصَ عَلَى
عَقِبَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ أَيْنَ أَيْ سُرّاقُ ؟ وَمَثَلَ عَدُوّ اللّهِ
فَذَهَبَ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ
أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ
لَكُمْ } فَذَكَرَ اسْتِدْرَاجَ إبْلِيسَ إيّاهُمْ وَتَشَبّهَهُ بِسُرَاقَةَ بْنِ
مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَهُمْ حِينَ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي
بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فِي الْحَرْبِ الّتِي كَانَتْ
بَيْنَهُمْ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { فَلَمّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ }
وَنَظَرَ عَدُوّ اللّهِ إلَى جُنُودِ اللّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَدْ أَيّدَ
اللّهُ بِهِمْ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى
عَدُوّهِمْ { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنّي أَرَى
مَا لَا تَرَوْنَ } وَصَدَقَ عَدُوّ اللّهِ رَأَى مَا لَمْ يَرَوْا ، وَقَالَ {
إِنّي أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } فَذُكِرَ لِي أَنّهُمْ كَانُوا
يَرَوْنَهُ فِي كُلّ مَنْزِلٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ لَا يُنْكِرُونَهُ حَتّى إذَا
كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ
فَأَوْرَدَهُمْ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
[ ص 116 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : نَكَصَ رَجَعَ . قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ أَحَدُ
بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ
نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ جِئْتُمْ ... تُزَجّونَ أَنْفَالَ
الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .Sهَلْ تَجَسّدَ إبْلِيسُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ؟
[ ص 115 ] وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ أَنّ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ هُوَ الّذِي
رَأَى إبْلِيسَ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ
أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ تَشَبّثَ بِهِ وَهُوَ يَرَى أَنّهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ
فَقَالَ إلَى أَيْنَ سُرّاقُ أَيْنَ تَفِرّ فَلَكَمَهُ لَكْمَةً طَرَحَهُ عَلَى
قَفَاهُ ثُمّ قَالَ إنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ وَإِنّمَا كَانَ
تَمَثّلَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ الْمُدْلِجِيّ لِأَنّهُمْ خَافُوا مِنْ بَنِي
مُدْلِجٍ أَنْ يَعْرِضُوا لَهُمْ فَيَشْغَلُوهُمْ مِنْ أَجْلِ الدّمَاءِ الّتِي
كَانَتْ بَيْنَهُمْ فَتَمَثّلَ لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ
الْمُدْلِجِيّ وَقَالَ إنّي جَارٌ لَكُمْ مِنْ النّاسِ أَيْ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ
وَيُرْوَى أَنّهُمْ رَأَوْا سُرَاقَةَ [ ص 116 ] فَقَالُوا لَهُ يَا سُرَاقَةَ
أَخَرَمْت الصّفّ وَأَوْقَعْت فِينَا الْهَزِيمَةَ ؟ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا
عَلِمْت بِشَيْءِ مِنْ أَمْرِكُمْ حَتّى كَانَتْ هَزِيمَتَكُمْ وَمَا شَهِدْت ،
وَمَا عَلِمْت فَمَا صَدّقُوهُ حَتّى أَسْلَمُوا وَسَمِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّهُ
فَعَلِمُوا أَنّهُ كَانَ إبْلِيسُ تَمَثّلَ لَهُمْ . وَقَوْلُ اللّعِينِ إنّي
أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ لِأَهْلِ التّأْوِيلِ فِيهِ أَقْوَالٌ
أَحَدُهَا : أَنّهُ كَذَبَ فِي قَوْلِهِ إنّي أَخَافُ اللّهَ لِأَنّ الْكَافِرَ
لَا يَخَافُ اللّهَ الثّانِي : أَنّهُ رَأَى جُنُودَ اللّهِ تَنْزِلُ مِنْ
السّمَاءِ فَخَافَ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ الْمَوْعُودَ الّذِي قَالَ اللّهُ فِيهِ
{ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ }
وَقِيلَ أَيْضًا : إنّمَا خَافَ أَنْ تُدْرِكَهُ الْمَلَائِكَةُ لَمّا رَأَى مِنْ
فِعْلِهَا بِحِزْبِهِ الْكَافِرِينَ وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي
الدّلَائِلِ أَنّ قُرَيْشًا حِينَ تَوَجّهَتْ إلَى بَدْرٍ مَرّ هَاتِفٌ مِنْ
الْجِنّ عَلَى مَكّةَ فِي الْيَوْمِ الّذِي أَوْقَعَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ
يَنْشُدُ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ وَلَا يُرَى شَخْصُهُ
أَزَارَ الْحَنِيفِيّونَ بَدْرًا وَقِيعَةً ... سَيَنْقَضّ مِنْهَا رُكْنُ كِسْرَى
وَقَيْصَرَا
أَبَادَتْ رِجَالًا مِنْ لُؤَيّ وَأَبْرَزَتْ ... خَرَائِدَ يَضْرِبْنَ
التّرَائِبَ حُسّرَا
فَيَا وَيْحَ مَنْ أَمْسَى عَدُوّ مُحَمّدٍ ... لَقَدْ جَارَ عَنْ قَصْدِ الْهُدَى
وَتَحَيّرَا
فَقَالَ قَائِلُهُمْ مَنْ الْحَنِيفِيّونَ ؟ فَقَالُوا : هُمْ مُحَمّدٌ
وَأَصْحَابُهُ يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِ ثُمّ لَمْ
يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ الْيَقِينُ . [ ص 117 ] [ ص 118 ]
شِعْرٌ لِحَسّانِ فِي الْفَخْرِ
بِقَوْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ تَغْرِيرِ إبْلِيسَ بِقُرَيْشِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ [ ص 117 ]
قَوْمِي الّذِينَ هُمْ آوَوْا نَبِيّهُمْ ... وَصَدّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ
كُفّارُ
إلّا خَصَائِصَ أَقْوَامٍ هُمْ سَلَفٌ ... لِلصّالِحِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ
أَنْصَارُ
مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللّهِ قَوْلُهُمْ ... لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ
الْأَصْلِ مُخْتَارُ
أَهْلًا وَسَهْلًا فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ ... نِعْمَ النّبِيّ وَنِعْمَ
الْقَسْمُ وَالْجَارُ
فَأَنْزَلُوهُ بِدَارِ لَا يُخَافُ بِهَا ... مَنْ كَانَ جَارَهُمْ دَارًا هِيَ
الدّارُ
وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَقْوَالَ إذْ قَدِمُوا ... مُهَاجِرِينَ وَقَسْمُ
الْجَاحِدِ النّارُ
سِرْنَا وَسَارُوا إلَى بَدْرٍ لِحِينِهِمْ ... لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ
الْعِلْمِ مَا سَارُوا
دَلّاهُمْ بِغُرُورِ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ ... إنّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالَاهُ
غَرّارُ
وَقَالَ إنّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ ... شَرّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْيُ
وَالْعَارُ
ثُمّ الْتَقَيْنَا فَوَلّوْا عَنْ سَرَاتِهُمُ ... مِنْ مُنْجِدِينَ وَمِنْهُمْ
فِرْقَةٌ غَارُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ " لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ
الْأَصْلِ مُخْتَارُ " أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .
الْمُطْمِعُونَ مِنْ قُرَيْشٍ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْمُطْمِعُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ
عَبْدِ شَمْسٍ .
مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ
، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ
أَسَدٍ ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
[ ص 118 ] بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ
كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ .
نَسَبُ النّضْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ
كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ أَبَا جَهْلِ بْنَ
هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو : نَبِيهًا وَمُنَبّهًا ابْنَيْ الْحَجّاجِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : سُهَيْلَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ
بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ .
أَسْمَاءُ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ كَانَ مَعَ
الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْخَيْلِ فَرَسُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ
الْغَنَوِيّ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ السّبَلُ وَفَرَسُ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو
الْبَهْرَانِيّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بَعْزَجَةُ وَيُقَالُ سَبْحَةُ وَفَرَسُ
الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْيَعْسُوبُ .
خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ مِائَةُ فَرَسٍ .
نُزُولُ سُورَةِ الْأَنْفَالِ
مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْأَنْفَالِ
[ ص 119 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْقَضَى أَمْرُ بَدْرٍ أَنْزَلَ اللّهُ
عَزّ وَجَلّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَنْفَالَ بِأَسْرِهَا ، فَكَانَ مِمّا
نَزَلَ مِنْهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي النّفَلِ حِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ {
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُوا
اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ ص 120 ] فَكَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ - فِيمَا
بَلَغَنِي - إذَا سُئِلَ عَنْ الْأَنْفَالِ قَالَ فِينَا مَعْشَرَ أَهْلِ بَدْرٍ
نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ فَانْتَزَعَهُ اللّهُ
مِنْ أَيْدِينَا حِينَ سَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا فَرَدّهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَسَمَهُ بَيْنَنَا عَنْ بَوَاءٍ - يَقُولُ عَلَى
السّوَاءِ - وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللّهِ وَطَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ
مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مَعَ الرّسُولِ لِمُلَاقَاةِ قُرَيْشٍ
ثُمّ ذَكَرَ الْقَوْمَ وَمَسِيرَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ عَرَفَ الْقَوْمُ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ سَارُوا إلَيْهِمْ وَإِنّمَا
خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ [ ص 121 ] { كَمَا
أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ كَأَنّمَا يُسَاقُونَ
إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ } أَيْ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ
وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ ، حِينَ ذَكَرُوا لَهُمْ { وَإِذْ يَعِدُكُمُ
اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أَنّ غَيْرَ ذَاتِ
الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } أَيْ الْغَنِيمَةُ دُونَ الْحَرْبِ { وَيُرِيدُ
اللّهُ أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ }
أَيْ [ ص 122 ] أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍSذِكْرُ مَا أَنْزَلَ اللّهُ
فِي بَدْرٍ
[ ص 119 ] أَنْزَلَ سُورَةَ الْأَنْفَالِ بِأَسْرِهَا ، وَالْأَنْفَالُ هِيَ
الْغَنَائِمُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ النّفَلُ إحْسَانٌ
وَتَفَضّلٌ مِنْ الْمُنْعِمِ فَسُمّيَتْ الْغَنَائِمُ أَنْفَالًا ، لِأَنّ اللّهَ
تَعَالَى تَفَضّلَ بِهَا عَلَى هَذِهِ الْأُمّةِ وَلَمْ يُحِلّهَا لِأَحَدِ
قَبْلَهُمْ . قَالَ الْمُؤَلّفُ أَمّا قَوْلُهُ إنّ اللّهَ تَفَضّلَ بِهَا
فَصَحِيحٌ فَقَالَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا أُحِلّتْ الْغَنَائِمُ لِأَحَدِ
سُودِ الرّءُوسِ قَبْلَكُمْ إنّمَا كَانَتْ نَارٌ تَنْزِلُ مِنْ السّمَاءِ
فَتَأْكُلُهَا وَأَمّا قَوْلُهُ فَسُمّيَتْ الْغَنَائِمُ أَنْفَالًا لِهَذَا ،
فَلَا أَحْسَبُهُ صَحِيحًا ، فَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيّةِ
الْجَهْلَاءِ تُسَمّيهَا أَنْفَالًا . وَقَدْ أَنْشَدَ ابْنُ هِشَامٍ لِأَوْسِ
بْنِ حَجَرٍ الْأَسِيدِيّ وَهُوَ جَاهِلِيّ قَدِيمٌ
نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ جِئْتُمْ ... تُزَجّونَ أَنْفَالَ
الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ
فَفِي هَذَا الْبَيْتِ أَنّهَا كَانَتْ تُسَمّى أَنْفَالًا قَبْلَ أَنْ يُحِلّهَا
اللّهُ لِمُحَمّدِ وَأُمّتِهِ فَأَصْلُ اشْتِقَاقِهَا إذًا مِنْ النّفَلِ وَهُوَ
الزّيَادَةُ لِأَنّهَا زِيَادَةٌ فِي أَمْوَالِ الْغَانِمِينَ وَفِي بَيْتِ أَوْسِ
بْنِ حَجَرٍ أَيْضًا شَاهِدٌ آخَرُ عَلَى أَنّ الْجَيْشَ كَانَ يُسَمّى : خَمِيسًا
فِي الْجَاهِلِيّةِ لِأَنّ قَوْمًا زَعَمُوا أَنّ اسْمَ الْخَمِيسِ مِنْ الْخُمُسِ
الّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَهَذَا لَمْ يَكُنْ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ
وَإِنّمَا كَانَ لِصَاحِبِ الْجَيْشِ الرّبُعُ وَهُوَ الْمِرْبَاعُ وَسَيَأْتِي
الْقَوْلُ فِي اشْتِقَاقِهِ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللّهُ . قَرَأَ ابْنُ
مَسْعُودٍ وَعَطَاءٌ " يَسْأَلُونَك الْأَنْفَالَ " وَقَرَأَتْ
الْجَمَاعَةُ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ } وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ فِي
الْقِرَاءَتَيْنِ لِأَنّهُمْ سَأَلُوهَا وَمَالُوا عَنْهَا لِمَنْ هِيَ . وَقَوْلُ
عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ : نَزَلَتْ فِينَا أَهْلَ بَدْرٍ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْأَنْفَالِ } لِأَنّا تَنَازَعْنَا [ ص 120 ] حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِ أَنّ
عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ مَعَ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَأَبَا الْيُسْرِ كَعْبُ
بْنُ عَمْرٍو فِي طَائِفَةٍ مَعَهُ وَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ قَدْ قَتَلَ
قَتِيلَيْنِ وَأَسَرَ أَسِيرَيْنِ تَنَازَعُوا ، فَقَالَ الّذِينَ حَوَوْا
الْمَغْنَمَ نَحْنُ أَحَقّ بِهِ وَقَالَ الّذِينَ شُغِلُوا بِالْقِتَالِ
وَاتّبَاعِ الْقَوْمِ نَحْنُ أَحَقّ بِهِ فَانْتَزَعَهُ اللّهُ مِنْهُمْ وَرَدّهُ
إلَى نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، حِينَ جَاءَ بِالسّيْفِ فَأُمِرَ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي
الْقَبَضِ فَشَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَانَ السّيْفُ لِلْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ
يُقَالُ لَهُ ذُو الْكَنِيفَةِ فَلَمّا نَزَلَتْ الْآيَةُ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - السّيْفَ لِسَعْدِ وَقَسَمَ الْغَنِيمَةَ عَنْ
بَوَاءٍ أَيْ عَلَى سَوَاءٍ وَقَدْ قَدّمْنَا الْحَدِيثَ الّذِي ذَكَرَهُ أَبُو
عُبَيْدٍ ، وَفِيهِ أَنّهُ قَسَمَهَا عَلَى فَوَاقٍ فَأَنْزَلَ اللّهُ بَعْدُ {
وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } الْآيَةَ فَنَسَخَتْ { قُلِ
الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ } وَهُوَ أَصَحّ الْأَقْوَالِ أَنّهَا
مَنْسُوخَةٌ . وَأَمّا مَنْ زَعَمَ أَنّ الْأَنْفَالَ مَا شَذّ مِنْ الْعَدُوّ
إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دَابّةٍ أَوْ نَحْوِهَا ، فَلَيْسَتْ مَنْسُوخَةً
عِنْدَهُ وَكَذَلِك قَوْلُ مُجَاهِدٍ : أَنّ الْأَنْفَالَ هُوَ الْخُمُسُ نَفْسُهُ
وَإِنّمَا تَكُونُ مَنْسُوخَةً إذَا قُلْنَا إنّهَا جُمْلَةُ الْغَنَائِمِ وَهُوَ
الْقَوْلُ الّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْآثَارُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالْأَنْفَالُ
تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ نَفَلٌ لَا يُخَمّسُ وَنَفَلٌ مِنْ رَأْسِ
الْغَنِيمَةِ وَنَفَلٌ مِنْ الْخُمُسِ وَنَفَلُ السّرَايَا وَهُوَ بَعْدَ إخْرَاجِ
الْخُمُسِ وَنَفَلٌ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ فَأَمّا الّذِي لَيْسَ فِيهِ خُمُسٌ
وَلَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ وَلَا مِنْ الْخُمُسِ فَهُوَ سَلَبُ
الْقَتِيلِ يُقْتَلُ فِي غَيْرِ مَعْمَعَةِ الْحَرْبِ وَفِي غَيْرِ الزّحْفِ
فَهُوَ مِلْكٌ لِلْقَاتِلِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيّ ،
وَأَهْلِ الشّامِ ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَفِيهِ قَوْلٌ
ثَانٍ وَهُوَ أَنّ السّلَبَ مِنْ جُمْلَةِ النّفَلِ يُخَمّسُ مَعَ الْغَنِيمَةِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ الّذِي فِي
الْمُوَطّأِ حِينَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ الْفَرَسُ مِنْ
النّفَلِ وَالدّرْعُ مِنْ النّفَلِ وَقَالَ فِي غَيْرِ الْمُوَطّأِ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ الْفَرَسُ مِنْ النّفَلِ وَفِي النّفَلِ الْخُمُسُ أَنّ [ ص 121 ]
الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ يُرِيدُ
أَنّ السّلَبَ لِلْقَاتِلِ فَفَسّرَهُ عَلَى مَذْهَبِ شَيْخِهِ وَمِنْ حُجّتِهِمْ
أَيْضًا أَنّ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ خَمّسَ سَلَبَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ
حِينَ قَتَلَ مَرْزُبَانَ الزّأْرَةِ فَسَلَبَهُ سِوَارَيْهِ وَمِنْطَقَتَهُ وَمَا
كَانَ عَلَيْهِ فَبَلَغَ ثَمَنُهُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَقَالَ أَصْحَابُ
الْقَوْلِ الْأَوّلِ لَا حُجّةَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ لِأَنّهُ إنّمَا خَمّسَ
الْمَرْزُبَانَ لِأَنّهُ اسْتَكْثَرَهُ وَقَالَ قَدْ كَانَ اللّبّ لَا يُخَمّسُ
وَإِنّ سَلَبَ الْبَرَاءِ بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَأَنَا خَامِسُهُ
وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ أَكْوَعَ إذْ قَتَلَ قَتِيلًا ، فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ وَمِنْ
حُجّةِ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ عُمُومُ آيَةِ الْخُمُسِ فَإِنّهُ قَالَ {
وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ
} وَحَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ
أَنّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنْ
الْعَدُوّ فَأَرَادَ سَلَبَهُ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ
فَأَخْبَرَ عَوْفٌ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ
لِخَالِدِ مَا مَنَعَك أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ ؟ فَقَالَ اسْتَكْثَرْته يَا
رَسُولَ اللّهِ قَالَ ادْفَعْهُ إلَيْهِ فَلَقِيَ عَوْفٌ خَالِدًا فَجَبَذَ
بِرِدَائِهِ وَقَالَ هَلْ أَنْجَزْت لَك مَا ذَكَرْت لَك مِنْ رَسُولِ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - [ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ] فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هَلْ أَنْتُمْ
تَارِكُو إلَيّ أُمَرَائِي [ إنّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ
اسْتَرْعَى إبِلًا وَغَنَمًا ، فَرَعَاهَا ، ثُمّ تَحَيّنَ سَقْيَهَا ،
فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَةً وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ
فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ] . وَلَوْ
كَانَ السّلَبُ حَقّا لَهُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لَمَا رَدّهُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْوَاحِدُ مِنْ النّفَلِ
. وَالْقِسْمُ الثّانِي : هُوَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ تَخْمِيسِهَا ،
وَهُوَ مَا يُعْطَى الْأَدِلّاءُ الّذِي يَدُلّونَ عَلَى عَوْرَةِ الْعَدُوّ
وَيَدُلّونَ [ عَلَى ] الطّرُقِ وَمَا يُعْطَى الدّعَاةُ وَغَيْرُهُ مِمّا
يَنْتَفِعُ أَهْلُ الْجَيْشِ بِهِ عَامّةً . وَالْقِسْمُ الثّالِثُ مَا تُنَفّلُهُ
السّرَايَا ، فَقَدْ كَانَتْ تُنَفّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ
وَفِي الْعَوْدَةِ الثّلُثَ مِمّا غَنِمُوهُ كَذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ
مَكْحُولٌ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَخَذَتْ بِهِ طَائِفَةٌ . [ ص 122 ]
كَانَ لِلرّسُولِ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ
بَعْدَهُ يَصْرِفُهُ فِيمَا كَانَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ يَصْرِفُهُ وَهُوَ
قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى
الْأَصْنَافِ الّتِي ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ وَهُمْ ذُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
وَالْمَسَاكِينُ وَابْنُ السّبِيلِ وَقَدْ أُعْطِيَ الْمِقْدَادُ حِمَارًا مِنْ
الْخُمُسِ أَعْطَاهُ لَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ فَرَدّهُ لَمّا لَمْ يَكُنْ مِنْ
هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ وَأَمّا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، فَإِنّهُ
فَعَلَ خِلَافَ هَذَا ، أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ ثَلَاثِينَ رَأْسًا مِنْ
الْغَنِيمَةِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ، إلّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْخُمُسِ
وَأَصَحّ الْقَوْلَيْنِ أَنّ الْإِمَامَ لَهُ النّظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى
صَرْفَ الْخُمُسِ إلَى مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تَكُنْ بِالْأَصْنَافِ
الْأَرْبَعَةِ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ إلَيْهِ صَرَفَهُ . وَإِلّا بَدَأَ بِهِمْ
وَصَرَفَ بَقِيّتَهُ فِيمَا يَرَى ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَوِي الْقُرْبَى مَنْ هُمْ
فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : كُنّا نَرَى أَنّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ ، فَأَبَى ذَلِكَ
عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، وَقَالُوا : هُمْ قُرَيْشٌ كُلّهُمْ كَذَلِكَ قَالَ فِي
الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ إلَى نَجْدَةَ الْحَرُورِيّ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي
قَرَابَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ "
أَهُمْ دَاخِلُونَ فِي الْآيَةِ أَمْ لَا ؟ " وَالصّحِيحُ دُخُولُهُمْ مِنْ
ذَوِي الْقُرْبَى ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ إذَا أَطْعَمَ اللّهُ نَبِيّا
طُعْمَةً فَهِيَ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ أَوْ قَالَ لِلْقَائِمِ بَعْدَهُ .
وَمِمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ مَعْنَى آيَةِ الْخُمُسِ قِسْمُ خُمُسِ الْخُمُسِ
فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ { فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ } أَيْ
لِلْكَعْبَةِ يَخْرُجُ لَهَا نَصِيبٌ مِنْ الْخُمُسِ وَلِلرّسُولِ نَصِيبٌ
وَبَاقِي الْخُمُسِ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ خُمُسُ الْخُمُسِ
لِلرّسُولِ وَبَاقِيهِ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ
الْخُمُسُ كُلّهُ لِلرّسُولِ يَصْرِفُهُ فِي تِلْكَ الْأَصْنَافِ وَغَيْرِهَا ،
وَإِنّمَا قَالَ اللّهُ { وَلِلرّسُولِ } تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِ الْمَكْسَبِ
وَطِيبِ الْمَغْنَمِ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْفَيْءِ وَهُوَ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَرْضِينَ الّتِي كَانَتْ لِأَهْلِ الْكُفْرِ
فَقَالَ فِيهِ { لِلّهِ وَلِلرّسُولِ } الْآيَةَ وَلَمْ يَقُلْ فِي آيَاتِ
الصّدَقَاتِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَا أَضَافَهَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِلرّسُولِ لِأَنّ
الصّدَقَةَ أَوْسَاخُ النّاسِ فَلَا تَطِيبُ لِمُحَمّدِ وَلَا لِآلِ مُحَمّدٍ
فَقَالَ فِيهَا : { إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } الْآيَةَ
أَيْ لَيْسَتْ لِأَحَدِ إلّا لِهَؤُلَاءِ وَهَذَا كُلّهُ قَوْلُ سُفْيَانَ
الثّوْرِيّ ، وَتَفْسِيرُهُ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فِيمَا
أَعْطَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ هَلْ
كَانَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ أَمْ مِنْ الْفَيْءِ أَمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ
إنْ شَاءَ اللّهُ .
{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ } أَيْ
لِدُعَائِهِمْ حِينَ نَظَرُوا إلَى كَثْرَةِ عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ {
فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } بِدُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَدُعَائِكُمْ [ ص 123 ] { أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ
} { إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ } أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْكُمْ
الْأَمَنَةَ حِينَ نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ
السّمَاءِ مَاءً } الْمَطَرِ الّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللّيْلَةَ فَحَبَسَ
الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسْبِقُوا إلَى الْمَاءِ وَخَلّى سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ
إلَيْهِ لِيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ {
وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ } أَيْ لِيُذْهِبَ
عَنْكُمْ شَكّ الشّيْطَانِ لِتَخْوِيفِهِ إيّاهُمْ عَدُوّهُمْ وَاسْتِجْلَادِ
الْأَرْضِ لَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَنْزِلِهِمْ الّذِي سَبَقُوا إلَيْهِ
عَدُوّهُمْ .Sعَنْ قِتَالِ
الْمَلَائِكَةِ
فَصْلٌ
[ ص 123 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ
مُرْدِفِينَ } وَقَدْ قَالَ فِي أُخْرَى : { بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ } فَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ إنّ الْأَلْفَ أَرْدَفَهُمْ
بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَكَانَ الْأَكْثَرُ مَدَدًا لِلْأَقَلّ وَكَانَ الْأَلْفُ
مُرْدِفِينَ لِمَنْ وَرَاءَهُمْ بِكَسْرِ الدّالِ مِنْ مُرْدِفِينَ وَكَانُوا
أَيْضًا مُرْدَفِينَ بِهِمْ بِفَتْحِ الدّالِ وَالْأَلْفُ هُمْ الّذِينَ قَاتَلُوا
مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ الّذِينَ قَالَ اللّهُ لَهُمْ { فَثَبّتُوا الّذِينَ
آمَنُوا } وَكَانُوا فِي صُوَرِ الرّجَالِ وَيَقُولُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ
اُثْبُتُوا ، فَإِنّ عَدُوّكُمْ قَلِيلٌ وَإِنّ اللّهَ مَعَكُمْ وَنَحْوَ هَذَا ،
وَقَوْلُ اللّهِ سُبْحَانَهُ { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ } جَاءَ فِي
التّفْسِيرِ أَنّهُ مَا وَقَعَتْ ضَرْبَةٌ يَوْمَ بَدْرٍ إلّا فِي رَأْسٍ أَوْ
مِفْصَلٍ وَكَانُوا يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ قَتْلَاهُمْ بِآثَارِ
سُودٍ فِي الْأَعْنَاقِ وَفِي الْبَنَانِ كَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي
غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ وَيُقَالُ لِمَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ وَغَيْرِهَا
بَنَانٌ وَاحِدَتُهَا بَنَانَةٌ وَهُوَ مِنْ أَبَنّ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ
فِيهِ وَثَبَتَ قَالَهُ الزّجّاجُ . وَقَوْلُهُ { لِيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ
عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ } الْآيَةَ كَانَ الْعَدُوّ قَدْ أَحْرَزُوا الْمَاءَ
دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَفَرُوا الْقُلُبَ لِأَنْفُسِهِمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ
قَدْ أَحْدَثُوا وَأَجْنَبَ بَعْضُهُمْ وَهُمْ لَا يَصِلُونَ إلَى الْمَاءِ
فَوَسْوَسَ الشّيْطَانُ لَهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ وَقَالَ تَزْعُمُونَ أَنّكُمْ
عَلَى الْحَقّ وَقَدْ سَبَقَكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ إلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ عِطَاشٌ
وَتُصَلّونَ بِلَا وُضُوءٍ وَمَا يَنْتَظِرُ أَعْدَاؤُكُمْ إلّا أَنْ يَقْطَعَ
الْعَطَشُ رِقَابَكُمْ وَيُذْهِبَ قُوَاكُمْ فَيَتَحَكّمُوا فِيكُمْ كَيْفَ
شَاءُوا ، فَأَرْسَلَ اللّهُ تَعَالَى السّمَاءَ فَحَلّتْ عَزَالِيهَا
فَتَطَهّرُوا وَرَوَوْا وَتَلَبّدَتْ الْأَرْضُ لِأَقْدَامِهِمْ وَكَانَتْ
رِمَالًا وَسَبَخَاتٍ فَثَبَتَتْ فِيهَا أَقْدَامُهُمْ وَذَهَبَ عَنْهُمْ رِجْزُ
الشّيْطَانِ ثُمّ نَهَضُوا إلَى أَعْدَائِهِمْ فَغَلَبُوهُمْ عَلَى الْمَاءِ
وَعَارُوا الْقُلُبَ الّتِي كَانَتْ تَلِي الْعَدُوّ فَعَطِشَ الْكُفّار ، وَجَاءَ
النّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَقَبَضَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَبْضَةً مِنْ الْبَطْحَاءِ وَرَمَاهُمْ بِهَا ، فَمَلَأَتْ عُيُونَ جَمِيعِ
الْعَسْكَرِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى } أَيْ عَمّ [ ص 124 ] سَائِرَهُمْ إذْ رَمَيْت أَنْتَ الْقَلِيلَ
مِنْهُمْ فَهَذَا قَوْلٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى : مَعْنَاهُ وَمَا رَمَيْت
قُلُوبَهُمْ بِالرّعْبِ حِينَ رَمَيْت الْحَصْبَاءَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى وَقَالَ
هِبَةُ اللّهِ بْنُ سَلَامَةَ الرّمْيُ أَخْذٌ وَإِرْسَالٌ وَإِصَابَةٌ
وَتَبْلِيغٌ فَاَلّذِي أَثْبَتَ اللّهُ لِنَبِيّهِ هُوَ الْأَخَذُ وَالْإِرْسَالُ
وَاَلّذِي نَفَى عَنْهُ هُوَ الْإِصَابَةُ وَالتّبْلِيغُ وَأَثْبَتَهُمَا
لِنَفْسِهِ .
مَا نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ
الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسَاعَدَةِ وَالنّصْرِ وَتَحْرِيضِهِمْ
[ ص 124 ] قَالَ تَعَالَى : { إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنّي
مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا } أَيْ آزِرُوا الّذِينَ آمَنُوا {
سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ
الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ
وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ } ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ
كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ
دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ
بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أَيْ تَحْرِيضًا
لَهُمْ عَلَى عَدُوّهِمْ لِئَلّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذَا لَقُوهُمْ وَقَدْ
وَعَدَهُمْ اللّهُ فِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ .
مَا نَزَلَ فِي رَمْيِ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى فِي رَمْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إيّاهُمْ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ حِينَ رَمَاهُمْ { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى } أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيِك ، لَوْلَا
الّذِي جَعَلَ اللّهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِك ، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوّك
مَعَهَا حِينَ هَزَمَهُمْ اللّهُ { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً
حَسَنًا } أَيْ لِيَعْرِفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي
إظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقّهُ
وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ .Sحَوْلَ التّوَلّي يَوْمَ الزّحْفِ وَالِانْتِصَارَاتِ
الْإِسْلَامِيّةِ الْبَاهِرَةِ
وَقَوْلُهُ { فَلَا تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ } الْآيَةَ قَالَ الْحَسَنُ لَيْسَ
الْفِرَارُ مِنْ الزّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ إلّا يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي
الْمَلْحَمَةِ الْكُبْرَى الّتِي تَأْتِي آخِرَ الزّمَانِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ
مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا حَضَرَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَتَحَيّزْ إلَى فِئَةٍ فَأَمّا
إذَا كَانَ الْفِرَارُ إلَى الْإِمَامِ فَهُوَ مُتَحَيّزٌ إلَى فِئَةٍ وَقَدْ
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ
مَسْعُودٍ وَمَا أَوْقَعَ الْفُرْسُ بِالْمُسْلِمِينَ هَلّا تَحَيّزَ إلَيّ أَبُو
عُبَيْدِ بْنُ مَسْعُودٍ فَإِنّي فِئَةٌ لِكُلّ مُسْلِمٍ [ ص 125 ] النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ الّذِينَ رَجَعُوا مِنْ
غَزْوَةِ مُؤْتَةَ ، ذَلِكَ أَنّهُمْ قَالُوا : نَحْنُ الْفَرّارُونَ يَا رَسُولَ
اللّهِ فَقَالَ بَلْ أَنْتُمْ الْعَكّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ وَهُوَ حَدِيثٌ
مَشْهُورٌ اخْتَصَرْته ، وَالْقَدْرُ الّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ الْفِرَارُ
الْوَاحِدُ مَعَ الْوَاحِدِ وَالْوَاحِدُ مَعَ الِاثْنَيْنِ فَإِذَا كَانَ
الْوَاحِدُ لِلثّلَاثَةِ لَمْ يُعَبْ عَلَى الْفَارّ فِرَارُهُ كَانَ مُتَحَيّزًا
إلَى فِئَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ . وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي
مُقَدّمَاتِهِ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قَالَ إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَا
عَشَرَ أَلْفًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ الْفِرَارُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهِمْ وَلَا
مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ [ ص 126 ] لَنْ تُغْلَبَ
اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلّةٍ وَقَدْ كَانَ وُقُوفُ الْوَاحِدِ إلَى
الْعَشَرَةِ حَتْمًا فِي أَوّلِ الْأَمْرِ ثُمّ خَفّفَ اللّهُ وَنَسَخَهُ
بِقَوْلِهِ { الْآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفًا } الْآيَةَ
كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ لَا
يَتَبَيّنُ فِيهِ النّسْخُ لِأَنّ قَوْلَهُ { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ
صَابِرُونَ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَدْخُلُهُ النّسْخُ
وَقَوْلُهُ { الْآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ } يَدُلّ عَلَى أَنّ ثَمّ حُكْمًا
مَنْسُوخًا ، وَهُوَ الثّبُوتُ لِلْعَشَرَةِ فَإِذًا الْآيَةُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ
فَظَاهِرُهَا خَبَرٌ وَوَعْدٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى أَنْ تَغْلِبَ الْعَشَرَةُ
الْمِائَةَ وَبَاطِنُهَا وُجُوبُ الثّبُوتِ لِلْمِائَةِ وَيَدُلّ عَلَى هَذَا
الْحُكْمِ قَوْلُهُ { حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ } عَلَى الْقِتَالِ فَتَعَلّقَ
النّسْخُ بِهَذَا الْحُكْمِ الْبَاطِنِ وَبَقِيَ الْخَبَرُ وَعْدًا حَقّا قَدْ
أَبْصَرَهُ الْمُؤْمِنُونَ - عِيَانًا فِي زَمَنِ [ ص 127 ] عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ
، وَفِي بَقِيّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي مُحَارَبَةِ الرّومِ وَفَارِسٍ
بِالْعِرَاقِ وَالشّامِ ، فَفِي تِلْكَ الْمَلَاحِمِ هَزَمَتْ الْمِئُونُ
الْآلَافَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ هَزَمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِائَةَ
أَلْفٍ حِينَ إقْبَالِهِ مِنْ الْعِرَاقِ إلَى الشّامِ وَلَمْ يَبْلُغْ عَسْكَرُهُ
خَمْسَةَ آلَافٍ بَلْ قَدْ رَأَيْت فِي بَعْضِ فُتُوحِ الشّامِ أَنّهُ كَانَ
يَوْمَئِذٍ فِي أَلْفِ فَارِسٍ ، وَكَانَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ الْعِرَاقِ مَدَدًا
لِلْمُسْلِمِينَ الّذِينَ بِالشّامِ وَكَانَ [ ص 128 ] الرّومُ فِي
أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ فَلَقِيَ مِنْهُمْ خَالِدٌ مِائَةَ أَلْفٍ فَفَضّ
جَمْعَهُمْ وَهَزَمَهُمْ وَقَدْ هَزَمَ أَهْلُ الْقَادِسِيّةِ جُيُوشَ رُسْتُمَ
وَقَتَلُوهُ وَكَانَ رُسْتُمُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ وَلَمْ يَكُنْ
الْمُسْلِمُونَ فِي عُشْرِ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَجَاءُوا مَعَهُمْ بِالْفِيَلَةِ
أَمْثَالَ الْحُصُونِ عَلَيْهَا الرّجَالُ فَفَرّتْ الْفِيَلَةُ وَأَطَاحَتْ مَا
عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَرُدّهَا شَيْءٌ دُونَ الْبَلَدِ الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ
وَكَذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْ فَتْحِ اللّهِ وَنَصْرِهِ عَلَى يَدَيْ مُوسَى بْنِ
نُصَيْرٍ بِإِفْرِيقِيّةَ وَالْأَنْدَلُسِ فَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ
الْعَجَبِ فَكَانَ وَعْدُ اللّهِ مَفْعُولًا وَنَصْرُهُ الْمُسْلِمِينَ نَاجِزًا ،
وَالْحَمْدُ لِلّهِ . [ ص 129 ] وَقَالَ النّقّاشُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى
: { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ }
مَعْنَاهُ إنْ يَصْبِرُوا يَغْلِبُوا ، وَغَلَبَتُهُمْ لَيْسَ بِأَنْ يُسْلِمُوا
كُلّهُمْ وَلَكِنْ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ رَأَى غَلَبَةَ أَهْلِ دِينِهِ
وَظُهُورَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يَقْدَحُ فِي وَعْدِ اللّهِ أَنْ
يَسْتَشْهِدَ جُمْلَةٌ مِنْ الصّابِرِينَ وَإِنّمَا هَذَا كَقَوْلِهِ { قَاتِلُوا
الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللّهِ } إلَى قَوْلِهِ { حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ
عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } فَقَدْ نُجِزَ الْمَوْعُودُ وَغَلَبُوا كَمَا
وُعِدُوا . هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ وَاَلّذِي قَدّمْنَاهُ أَبْيَنُ .
الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فِي بَدْرٍ
[ ص 130 ] { إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ }
نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ، ثُمّ
خَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ إلَى بَدْرٍ فَلَمّا رَأَوْا قِلّةَ الْمُسْلِمِينَ
شَكّوا ، وَقَالُوا : غَرّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ، مِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ الْوَلِيدِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَقَيْسُ بْنُ الْفَاكِهِ وَجَمَاعَةٌ سَمّاهُمْ أَبُو بَكْرٍ
النّقّاشُ وَهُمْ الّذِينَ قُتِلُوا فَضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ وُجُوهَهُمْ
وَأَدْبَارَهُمْ .
رَأْيُ الْأَخْنَسِ وَأَبِي جَهْلٍ فِي النّبِيّ
وَانْخَنَسَ يَوْمَئِذٍ أُبَيّ بْنِ شَرِيقٍ بِنَحْوِ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ مِنْ
قُرَيْشٍ ، فَسُمّيَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ
عِلَاجِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ
غِيرَةَ ] وَذَلِكَ أَنّهُ خَلَا بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ تَرَاءَى الْجَمْعَانِ
فَقَالَ أَتَرَى أَنّ مُحَمّدًا يَكْذِبُ ؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ كَيْفَ يَكْذِبُ
عَلَى اللّهِ وَقَدْ كُنّا نُسَمّيهِ الْأَمِينَ لِأَنّهُ مَا كَذَبَ قَطّ ،
وَلَكِنْ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ
وَالْمَشُورَةَ ثُمّ تَكُونُ فِيهِمْ النّبُوءَةُ فَأَيّ شَيْءٍ بَقِيَ لَنَا ،
فَحِينَئِذٍ [ ص 131 ] بِبَنِي زُهْرَةَ وَحَشَدَ إبْلِيسُ جَمِيعَ جُنُودِهِ
وَجَاءَ بِنَفْسِهِ وَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِأَلْفِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي صُوَرِ
الرّجَالِ فَكَانَ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مِنْ الْمَيْمَنَةِ
وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي الْمَيْسَرَةِ
وَوَرَاءَهُمْ مَدَدٌ لَمْ يُقَاتِلُوا ، وَهُمْ الْآلَافُ الْمَذْكُورُونَ فِي
سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَكَانَ إسْرَافِيلُ وَسَطَ الصّفّ لَا يُقَاتِلُ كَمَا
يُقَاتِلُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَكَانَ الرّجُلُ يَرَى الْمَلَكَ عَلَى
صُورَةِ رَجُلٍ يَعْرِفُهُ وَهُوَ يُثَبّتُهُ وَيَقُولُ لَهُ مَا هُمْ بِشَيْءِ
فَكَرّ عَلَيْهِمْ وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { فَثَبّتُوا
الّذِينَ آمَنُوا } ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ،
وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ حَسّانٌ
مِيكَالُ مَعْكَ وَجِبْرِيلُ كِلَاهُمَا
مَدَدٌ لِنَصْرِك مِنْ عَزِيزٍ قَادِرِ
وَيُقَالُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ مِنْ الْجِنّ ، كَانُوا
قَدْ أَسْلَمُوا .
مَا نَزَلَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ
[ ص 125 ] قَالَ { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ } أَيْ
لِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا
يَعْرِفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ . وَالِاسْتِفْتَاحُ الْإِنْصَافُ فِي الدّعَاءِ .
يَقُولُ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ { وَإِنْ تَنْتَهُوا } أَيْ لِقُرَيْشِ { فَهُوَ خَيْرٌ
لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ } أَيْ بِمِثْلِ الْوَقْعَةِ الّتِي أَصَبْنَاكُمْ
بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ { وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ
كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ أَنّ عَدَدَكُمْ
وَكَثْرَتَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا ، وَإِنّي مَعَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ .
مَا نَزَلَ فِي حَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَاعَةِ الرّسُولِ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ
وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } أَيْ لَا
تُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ وَتَزْعُمُونَ أَنّكُمْ
مِنْهُ { وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ }
أَيْ كَالْمُنَافِقِينَ الّذِي يُظْهِرُونَ لَهُ الطّاعَةَ وَيُسِرّونَ لَهُ
الْمَعْصِيَةَ { إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لَا
يَعْقِلُونَ } أَيْ الْمُنَافِقُونَ الّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَكُونُوا
مِثْلَهُمْ بُكْمٌ عَنْ الْخَيْرِ صُمّ عَنْ الْحَقّ لَا يَعْقِلُونَ لَا
يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ النّقْمَةِ وَالتّبَاعَةِ { وَلَوْ
عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ } أَيْ لَأَنْفَذَ لَهُمْ الّذِينَ
قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَكِنّ الْقُلُوبَ خَالَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَوْ
خَرَجُوا مَعَكُمْ { لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } مَا وَفَوْا لَكُمْ
بِشَيْءِ مِمّا خَرَجُوا عَلَيْهِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا
لِلّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } أَيْ لِلْحَرْبِ الّتِي
أَعَزّكُمْ اللّهُ بِهَا بَعْدَ الذّلّ وَقَوّاكُمْ بِهَا بَعْدَ الضّعْفِ
وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ مِنْهُمْ لَكُمْ [ ص 126 ] {
وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ
يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ
الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا
اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَيْ لَا
تُظْهِرُوا لَهُ مِنْ الْحَقّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ ثُمّ تُخَالِفُوهُ فِي
السّرّ إلَى غَيْرِهِ فَإِنّ ذَلِكَ هَلَاكٌ لِأَمَانَاتِكُمْ وَخِيَانَةٌ
لِأَنْفُسِكُمْ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ
لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ
ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } أَيْ فَصْلًا بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ لِيُظْهِرَ
اللّهُ بِهِ حَقّكُمْ وَيُطْفِئَ بِهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ .
مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللّهِ عَلَى الرّسُولِ
ثُمّ ذَكّرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ
حِينَ مَكَرَ بِهِ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ {
وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } أَيْ فَمَكَرْت
بِهِمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ حَتّى خَلّصْتُك مِنْهُمْ .
مَا نَزَلَ فِي غِرّةِ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ
ثُمّ ذَكَرَ غِرّةَ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إذْ قَالُوا :
{ اللّهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدِكَ } أَيْ مَا جَاءَ بِهِ
مُحَمّدٌ { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السّمَاءِ } كَمَا أَمْطَرْتهَا
عَلَى قَوْمِ لُوطٍ { أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أَيْ بَعْضَ مَا عَذّبْت
بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا ، وَكَانُوا يَقُولُونَ إنّ اللّهَ لَا يُعَذّبُنَا
وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُهُ وَلَمْ يُعَذّبْ أُمّةً وَنَبِيّهَا مَعَهَا حَتّى
يُخْرِجَهُ عَنْهَا . وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَذْكُرُ جَهَالَتَهُمْ وَغِرّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى
أَنْفُسِهِمْ حِينَ نَعَى سُوءَ أَعْمَالِهِمْ { وَمَا كَانَ اللّهُ
لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ } أَيْ لِقَوْلِهِمْ إنّا نَسْتَغْفِرُ وَمُحَمّدٌ بَيْنَ
أَظْهُرِنَا ، ثُمّ قَالَ { وَمَا لَهُمْ أَلّا يُعَذّبَهُمُ اللّهُ } وَإِنْ
كُنْت بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا يَقُولُونَ {
وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ
وَعَبَدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ اتّبَعَك ، { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ
أَوْلِيَاؤُهُ إِلّا الْمُتّقُونَ } الّذِينَ يُحَرّمُونَ حُرْمَتَهُ وَيُقِيمُونَ
الصّلَاةَ عِنْدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ آمَنَ بِك { وَلَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لَا
يَعْلَمُونَ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ } الّتِي يَزْعُمُونَ
أَنّهُ يُدْفَعُ بِهَا عَنْهُمْ { إِلّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
[ ص 127 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمُكَاءُ الصّفِيرُ . وَالتّصْدِيَةُ
التّصْفِيقُ . قَالَ عَنْتَرَةُ بْنُ عَمْرِو ( بْنِ شَدّادٍ الْعَبْسِيّ :
وَلَرُبّ قَرْنٍ قَدْ تَرَكْت مُجَدّلًا ... تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ
الْأَعْلَمِ
يَعْنِي : صَوْتَ خُرُوجِ الدّمِ مِنْ الطّعْنَةِ كَأَنّهُ الصّفِيرُ . وَهَذَا
الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ :
لَهَا كُلّمَا رِيعَتْ صُدَاةٌ وَرَكْدَةٌ ... بِمُصْدَانِ أَعْلَى ابْنَيْ
شَمّامٍ الْبَوَئِنِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . يَعْنِي الْأُرْوِيّةَ يَقُولُ إذَا
فَزِعَتْ قَرَعَتْ بِيَدِهَا الصّفَاةَ ثُمّ رَكَدَتْ تَسْمَعُ صَدَى قَرْعِهَا
بِيَدِهَا الصّفَاةُ مِثْلُ التّصْفِيقِ وَالْمُصْدَانُ الْحِرْزُ . وَابْنَا
شَمّامٍ جَبَلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَلِكَ مَا لَا يُرْضِي اللّهَ عَزّ
وَجَلّ وَلَا يُحِبّهُ وَلَا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ
{ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أَيْ لِمَا أَوْقَعَ بِهِمْ
يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْقَتْلِ .
الْمُدّةُ بَيْنَ يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ وَبَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاق : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ بَيْنَ
نُزُولِ { يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ } وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى فِيهَا : {
وَذَرْنِي وَالْمُكَذّبِينَ أُولِي النّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلًا إِنّ
لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا }
إلّا يَسِيرٌ حَتّى أَصَابَ اللّهُ قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَنْكَالُ الْقُيُودُ وَاحِدُهَا : نِكْلٌ . قَالَ
رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ : يَكْفِيك نِكْلِي بَغْيَ كُلّ نِكْلٍ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ .
مَا نَزَلَ فِيمَنْ عَاوَنُوا أَبَا سُفْيَانَ
[ ص 128 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { إِنّ الّذِينَ
كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ
فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ
كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ } يَعْنِي النّفَرَ الّذِينَ مَشَوْا إلَى
أَبِي سُفْيَانَ وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تِلْكَ
التّجَارَةِ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُقَوّوهُمْ بِهَا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَعَلُوا . ثُمّ قَالَ { قُلْ لِلّذِينَ
كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا }
لِحَرْبِك { فَقَدْ مَضَتْ سُنّةُ الْأَوّلِينَ } أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ
يَوْمَ بَدْرٍ .
الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْكُفّارِ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ
الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } أَيْ حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ وَيَكُونُ
التّوْحِيدُ لِلّهِ خَالِصًا لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ وَيَخْلَعُ مَا دُونَهُ
مِنْ الْأَنْدَادِ { فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
وَإِنْ تَوَلّوْا } عَنْ أَمْرِك إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ {
فَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَوْلَاكُمْ } الّذِي أَعَزّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ
يَوْمَ بَدْرٍ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِكُمْ { نِعْمَ الْمَوْلَى
وَنِعْمَ النّصِيرُ } .
مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْفَيْءِ
ثُمّ أَعْلَمَهُمْ مَقَاسِمَ الْفَيْءِ وَحُكْمَهُ فِيهِ حِينَ أَحَلّهُ لَهُمْ
فَقَالَ { وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ
وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ
إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ يَوْمَ
فَرّقْت فِيهِ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ بِقُدْرَتِي { يَوْمَ الْتَقَى
الْجَمْعَانِ } مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا }
مِنْ الْوَادِي { وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } مِنْ الْوَادِي إلَى مَكّةَ {
وَالرّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } أَيْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ الّتِي خَرَجْتُمْ
لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا مِنْ غَيْرِ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَلَا
مِنْهُمْ { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ } أَيْ وَلَوْ
كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَادٍ مَعَكُمْ وَمَعَهُمْ [ ص 129 ] كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ
وَقِلّةُ عَدَدِكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ { وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا
كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيَقْضِيَ مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إعْزَازِ
الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَنْ غَيْرِ بَلَاءٍ
مِنْكُمْ . فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ ثُمّ قَالَ { لِيَهْلِكَ
مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللّهَ
لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } أَيْ لِيَكْفُرَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ الْحُجّةِ لِمَا رَأَى
مِنْ الْآيَةِ وَالْعِبْرَةِ وَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ .
مَا نَزَلَ فِي لُطْفِ اللّهِ
بِالرّسُولِ
ثُمّ ذَكَرَ لُطْفَهُ بِهِ وَكَيْدَهُ لَهُ ثُمّ قَالَ { إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ
فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ
وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنّ اللّهَ سَلّمَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصّدُورِ } فَكَانَ مَا أَرَاك مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ
شَجّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوّهِمْ وَكَفّ بِهَا عَنْهُمْ مَا تُخُوّفَ عَلَيْهِمْ
مِنْ ضَعْفِهِمْ لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تُخُوّفَ
مُبْدَلَةٌ مِنْ كَلِمَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمْ أَذْكُرْهَا . { وَإِذْ
يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلّلُكُمْ فِي
أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيُؤَلّفَ
بَيْنَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ لِلنّقْمَةِ مِمّنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ
وَالْإِنْعَامَ عَلَى مَنْ أَرَادَ إتْمَامَ النّعْمَةِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ
وِلَايَتِهِ .
مَا نَزَلَ فِي وَعْظِ الْمُسْلِمِينَ
وَتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الْحَرْبِ
ثُمّ وَعَظَهُمْ وَفَهّمَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ الّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ
يَسِيرُوا بِهِ فِي حَرْبِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا
إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } تُقَاتِلُونَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ {
فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا } الّذِي لَهُ بَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ
وَالْوَفَاءَ لَهُ بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتِكُمْ { لَعَلّكُمْ
تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا }
أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرّقُ أَمْرُكُمْ { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أَيْ
وَتَذْهَبَ حِدّتُكُمْ { وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ } أَيْ إنّي
مَعَكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ { وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ } أَيْ لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْلٍ
وَأَصْحَابِهِ الّذِينَ قَالُوا : لَا نَرْجِعُ حَتّى نَأْتِيَ بَدْرًا فَنَنْحَرَ
بِهَا الْجُزُرَ وَتُسْقَى بِهَا [ ص 130 ] الْعَرَبُ : أَيْ لَا يَكُونُ
أَمْرُكُمْ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا الْتِمَاسَ مَا عِنْدَ النّاسِ
وَأَخْلِصُوا لِلّهِ النّيّةَ وَالْحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ وَمُوَازَرَةِ
نَبِيّكُمْ لَا تَعْمَلُوا إلّا لِذَلِكَ وَلَا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ . ثُمّ قَالَ
تَعَالَى : { وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ
لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ } . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ
اللّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ
وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ وَأَخْبَرَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَنْهُمْ حَتّى انْتَهَى إلَى أَنْ قَالَ { فَإِمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الْحَرْبِ
فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ } أَيْ فَنَكّلْ بِهِمْ
مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلّهُمْ يَعْقِلُونَ { وَأَعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ
مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّهِ
وَعَدُوّكُمْ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي
سَبِيلِ اللّهِ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } أَيْ لَا يَضِيعُ
لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَعَاجِلُ خَلَفِهِ فِي الدّنْيَا .
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } أَيْ إنْ
دَعَوْك إلَى السّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ { وَتَوَكّلْ
عَلَى اللّهِ } إنّ اللّهَ كَافِيك { إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 131 ] مَالُوا إلَيْك لِلسّلْمِ . الْجُنُوحُ الْمَيْلُ .
قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ :
جُنُوحُ الْهَالِكِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... مُكِبّا يَجْتَلِي نُقَبَ النّصَالِ
[ ص 132 ] قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالسّلْمُ أَيْضًا : الصّلْحُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ
عَزّ وَجَلّ { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ
} وَيُقْرَأُ إلَى السّلْمِ وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى . قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي
سُلْمَى :
وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نُدْرِكْ السّلْمَ وَاسِعًا ... بِمَالِ وَمَعْرُوفٍ مِنْ
الْقَوْلِ نَسْلَمَ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ
الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ ، أَنّهُ كَانَ يَقُولُ { وَإِنْ جَنَحُوا
لِلسّلْمِ } الْإِسْلَامِ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا
الّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السّلْمِ كَافّةً } وَيُقْرَأُ فِي السّلْمِ
وَهُوَ الْإِسْلَامُ . قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ :
فَمَا أَنَابُوا لِسَلْمِ حِينَ تُنْذِرُهُمْ ... رُسُلُ الْإِلَهِ وَمَا كَانُوا
لَهُ عَضُدَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِدَلْوِ تُعْمَلُ
مُسْتَطِيلَةً السّلْمُ . قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ أَحَدُ بَنِي قَيْسِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ يَصِفُ نَاقَةً لَهُ
لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلَانِ كَأَنّمَا ... تَمُرّ بِسَلْمَى دَالِحٍ مُتَشَدّدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ
فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ } هُوَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ { هُوَ الّذِي أَيّدَكَ
بِنَصْرِهِ } بَعْدَ الضّعْفِ { وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ }
عَلَى الْهُدَى الّذِي بَعَثَك اللّهُ بِهِ إلَيْهِمْ { لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي
الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ أَلّفَ
بَيْنَهُمْ } بِدِينِهِ الّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ { إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيّهَا النّبِيّ حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ
إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ
مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا بِأَنّهُمْ قَوْمٌ
لَا يَفْقَهُونَ } أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيّةٍ وَلَا حَقّ وَلَا
مَعْرِفَةٍ بِخَيْرِ وَلَا شَرّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ
بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَبّاسٍ قَالَ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اشْتَدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِلَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ وَمِائَةٌ أَلْفًا ، فَخَفّفَ
اللّهُ عَنْهُمْ فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى ، فَقَالَ { الْآنَ خَفّفَ
اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ
صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا
أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ } قَالَ فَكَانُوا إذَا
كَانُوا عَلَى الشّطْرِ [ ص 133 ] كَانُوا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ
قِتَالُهُمْ وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوّزُوا عَنْهُمْ .Sمَنْ الْآخَرُونَ ؟
وَذَكَرَ قَوْلَ اللّهِ تَعَالَى : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ
وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ } وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرِينَ مَنْ هُمْ وَقِيلَ فِي
ذَلِكَ أَقْوَالٌ قِيلَ هُمْ الْمُنَافِقُونَ وَقِيلَ هُمْ الْيَهُودُ وَأَصَحّ
مَا فِي ذَلِكَ أَنّهُمْ الْجِنّ ، لِرِوَايَةِ ابْنِ الْمُلَيْكِيّ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدّهِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي آخَرِينَ
مِنْ دُونِهِمْ قَالَ هُمْ الْجِنّ ثُمّ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ إنّ الشّيْطَانَ
لَا يَخْبِلُ أَحَدًا فِي دَارٍ فِيهَا فَرَسٌ عَتِيقٌ ذَكَرَهُ الْحَارِثُ فِي
مُسْنَدِهِ وَأَنْشَدَ
جُنُوحَ الْهَالِكِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... مُكِبّا يَجْتَلِي نُقَبَ النّصَالِ
الْهَالِكِيّ : الصّيْقَلُ . وَنُقَبُ النّصَالِ جَرَبُ الْحَدِيدِ وَصَدَؤُهُ
وَهُوَ فِي مَعْنَى النّقَبِ وَاحِدَتُهَا نُقْبَةٌ [ ص 132 ]
مَا نَزَلَ فِي الْأُسَارَى
وَالْمَغَانِمِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَاتَبَهُ اللّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى ،
وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ
يَأْكُلُ مَغْنَمًا مِنْ عَدُوّ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدٌ
أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُصِرْت بِالرّعْبِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا
وَطَهُورًا ، وَأُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَأُحِلّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ
تَحِلّ لِنَبِيّ كَانَ قَبْلِي ، وَأُعْطِيت الشّفَاعَةَ خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنّ
نَبِيّ قَبْلِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَال { مَا كَانَ لِنَبِيّ } أَيْ
قَبْلَك { أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى } مِنْ عَدُوّهِ { حَتّى يُثْخِنَ فِي
الْأَرْضِ } أَيْ يُثْخِنَ عَدُوّهُ حَتّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ { تُرِيدُونَ
عَرَضَ الدّنْيَا } أَيْ الْمَتَاعَ الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرّجَالِ { وَاللّهُ
يُرِيدُ الْآخِرَةَ } أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدّينِ الّذِي يُرِيدُ
إظْهَارَهُ وَاَلّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ [ ص 134 ] { لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ
اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ } أَيْ مِنْ الْأُسَارَى
وَالْمَغَانِمِ { عَذَابٌ عَظِيمٌ } أَيْ لَوْلَا أَنّهُ سَبَقَ مِنّي أَنّي لَا
أُعَذّبُ إلّا بَعْدَ النّهْيِ وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ لَعَذّبْتُكُمْ فِيمَا
صَنَعْتُمْ ثُمّ أَحَلّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ وَعَائِدَةً مِنْ
الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . فَقَالَ { فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيّبًا
وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا
النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي
قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ
وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }Sحَوْلَ غَنَائِمِ بَدْر
فَصْلٌ
[ ص 133 ] وَذَكَرَ فِي السّورَةِ { لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ } يَعْنِي
بِإِحْلَالِ الْغَنَائِمِ لِمُحَمّدِ وَأُمّتِهِ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ
عَذَابٌ عَظِيمٌ فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَقَدْ
عُرِضَ عَلَيّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ وَقَالَ لَوْ نَزَلَ
عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إلّا عُمَرُ لِأَنّ عُمَرَ كَانَ قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ
بِقَتْلِ الْأُسَارَى وَالْإِثْخَانِ فِي الْقَتْلِ وَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ
بِالْإِبْقَاءِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ثُمّ نَزَلَتْ الْآيَةُ { فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ
حَلَالًا طَيّبًا } وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
مَسْعُودٍ قَالَ " لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَأَخَذَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأُسَارَى ، فَقَالَ مَاذَا تَرَوْنَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ يَا
رَسُولَ اللّهِ كَذّبُوك وَأَخْرَجُوك ، اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ وَقَالَ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْتَ بِوَادٍ كَثِيرِ الْحَطَبِ فَأَضْرِمْهُ
نَارًا ، ثُمّ أَلْقِهِمْ فِيهَا ، فَقَالَ الْعَبّاسُ قَطَعَ اللّهُ رَحِمَك ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ عِتْرَتُك ، وَأَصْلُك وَقَوْمُك
تَجَاوَزْ عَنْهُمْ يَسْتَنْقِذْهُمْ اللّهُ بِك مِنْ النّارِ ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ الْقَوْلُ مَا
قَالَ عُمَرُ وَمِنْ قَائِلٍ [ ص 134 ] قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخَرَجَ النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا قَوْلُكُمْ فِي هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ
إنّ مَثَلَهُمَا كَمَثَلِ إخْوَةٍ لَكُمْ كَانُوا قَبْلَكُمْ قَالَ نُوحٌ { رَبّ
لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ } الْآيَةَ وَقَالَ مُوسَى : { رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى
أَمْوَالِهِمْ } الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى : { إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ
عِبَادُكَ } الْآيَةَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي }
الْآيَةَ . وَإِنّ اللّهَ يُشَدّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتّى تَكُونَ كَالْحَجَرِ
وَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ اللّبَنِ وَيُرْوَى مِنْ
اللّينِ وَإِنّ بِكُمْ عِيلَةً فَلَا يَفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِفِدَاءِ
أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ [ بْنُ مَسْعُودٍ ] : فَقُلْت : إلّا
سَهْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ وَقَدْ كُنْت سَمِعْته يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ قَالَ
فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَى السّمَاءِ مَتَى تَقَعُ عَلَيّ الْحِجَارَةُ فَقُلْت :
أُقَدّمُ الْقَوْلَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ فَفَرِحْت بِذَلِكَ " ،
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَمّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَغَازِي ، فَإِنّهُمْ
يَقُولُونَ إنّمَا هُوَ سَهْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ أَخُو سُهَيْلٍ فَأَمّا ، سُهَيْلٌ
فَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَقَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَدْرًا ، ثُمّ إنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - لَمْ يَفْدِ بَعْدَهَا بِمَالِ إنّمَا كَانَ يَمُنّ أَوْ يُفَادِي
أَسِيرًا بِأَسِيرِ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَذَلِكَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ
لِقَوْلِهِ { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا } يَعْنِي الْفِدَاءَ بِالْمَالِ وَإِنْ
كَانَ قَدْ أَحَلّ ذَلِكَ وَطَيّبَهُ ، وَلَكِنْ مَا فَعَلَهُ الرّسُولُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنّ أَوْ الْمُفَادَاةِ بِالرّجَالِ أَلَا تَرَى إلَى
قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { فَإِمّا مَنّا بَعْدُ وَإِمّا فِدَاءً } كَيْفَ قَدّمَ
الْمَنّ عَلَى الْفِدَاءِ فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدّمَهُ وَأَمّا مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا ،
فَالْأَوْزَاعِيّ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ يَكْرَهُونَ أَخْذَ الْمَالِ فِي
الْأَسِيرِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَقْوِيَةِ الْعَدُوّ بِالرّجَالِ وَاخْتَلَفُوا
فِي الصّغِيرِ إذَا كَانَ مَعَهُ أُمّهُ فَأَجَازَ فِدَاءَهُ بِالْمَالِ أَهْلُ
الْعِرَاقِ ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ وَالصّحِيحُ مَنْعُهُ وَكَانَ
الْعَبّاسُ عَمّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْأَسْرَى ،
فَفَدَى نَفْسَهُ وَفَدَى ابْنَيْ أَخِيهِ فَقَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ تَرَكْتنِي أَتَكَفّفُ قُرَيْشًا فَقِيرًا مُعْدِمًا ،
فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْنَ الذّهَبُ الّتِي
تَرَكْتهَا عِنْدَ أُمّ الْفَضْلِ وَعَدَدُهَا كَذَا وَكَذَا ، وَقُلْت لَهَا :
كَيْت وَكَيْت ، فَقَالَ مَنْ أَعْلَمَك بِهَذَا يَا ابْنَ أَخِي ، فَقَالَ اللّهُ
فَقَالَ حَدِيثٌ مَا اطّلَعَ عَلَيْهِ إلّا عَالِمُ الْأَسْرَارِ أَشْهَدُ أَنّك
رَسُولُ [ ص 135 ] فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَكَانَ فِي الْأَسْرَى مَنْ
يَكْتُبُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ أَحَدٌ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ فَكَانَ
مِنْهُمْ مَنْ لَا مَالَ لَهُ فَيَقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يُعَلّمَ عَشَرَةً مِنْ
الْغِلْمَانِ الْكِتَابَةَ وَيُخَلّيَ سَبِيلَهُ فَيَوْمَئِذٍ تَعَلّمَ
الْكِتَابَةَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ غِلْمَةِ الْأَنْصَارِ ،
وَهَذِهِ عُيُونُ أَخْبَارٍ وَصَلْتهَا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي يَوْمِ
بَدْرٍ جَمَعْتهَا مِنْ كُتُبِ التّفَاسِيرِ وَالسّيَرِ وَلَخّصْتهَا .
مَا نَزَلَ فِي التّوَاصُلِ بَيْنَ
الْمُسْلِمِينَ
[ ص 135 ] وَحَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التّوَاصُلِ وَجَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارَ أَهْلَ وِلَايَةٍ فِي الدّينِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ وَجَعَلَ
الْكُفّارَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ ثُمّ قَالَ { إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ
فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } أَيْ يُوَالِ الْمُؤْمِنُ الْمُؤْمِنَ
مِنْ دُونِ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ بِهِ { تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ
} أَيْ شُبْهَةٌ فِي الْحَقّ وَالْبَاطِلِ وَظُهُورُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ
بِتَوَلّي الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ دُونَ الْمُؤْمِنِ . [ ص 136 ] رَدّ
الْمَوَارِيثَ إلَى الْأَرْحَامِ مِمّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْوِلَايَةِ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ دُونَهُمْ إلَى الْأَرْحَامِ الّتِي بَيْنَهُمْ
فَقَالَ { وَالّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ
فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي
كِتَابِ اللّهِ } أَيْ بِالْمِيرَاثِ { إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
خَيْلُ بَدْرٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ الْخَيْلَ الّتِي كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
فَذَكَرَ بَعْزَجَةَ فَرَسَ الْمِقْدَادِ ، وَالْيَعْسُوبَ فَرَسَ الزّبَيْرِ
وَفَرَسًا لِمَرْثَدِ الْغَنَوِيّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْلٌ إلّا
هَذِهِ وَفِي فَرَسِ الزّبَيْرِ اخْتِلَافٌ وَقَدْ كَانَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْلٌ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مِنْهَا : السّكْبُ وَاللّزَازُ
وَالْمُرْتَجِزُ وَاللّحِيفُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيثِ عَبّاسِ
بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَيُقَالُ فِيهِ اللّخِيفُ بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْقُتَبِيّ : كَانَ الْمُرْتَجِزُ فَرَسًا اشْتَرَاهُ
عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ أَعْرَابِيّ ثُمّ أَنْكَرَ الْأَعْرَابِيّ أَنْ يَكُونَ
بَاعَهُ مِنْهُ فَشَهِدَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى الْأَعْرَابِيّ
بِالْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَ تَشْهَدُ
؟ قَالَ أَشْهَدُ بِصِدْقِك يَا رَسُولَ اللّهِ فَجُعِلَتْ شَهَادَتُهُ شَهَادَةَ
رَجُلَيْنِ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ غَيْرَ أَنّ فِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ زِيَادَةً
فِيهِ وَهِيَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ رَدّ الْفَرَسَ عَلَى الْأَعْرَابِيّ
وَقَالَ لَا بَارَكَ اللّهُ لَك فِيهَا فَأَصْبَحَتْ مِنْ الْغَدِ شَائِلَةً
بِرِجْلِهَا ، أَيْ قَدْ مَاتَتْ . قَالَ الطّبَرِيّ : وَمِنْ خَيْلِهِ الضّرِسُ
وَمُلَاوِحٌ وَالْوَرَدُ وَهُوَ الّذِي وَهَبَهُ لِعُمَرِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ
عُمَرُ رَجُلًا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَحَدِيثُهُ فِي الْمُوَطّأِ وَكَانَ لَهُ
عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ الدّرُوعِ ذَاتُ الْفُضُولِ وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا :
فَضّةُ وَرَايَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعُقَابُ وَقَوْسَانِ أَحَدُهُمَا : الصّفْرَاءُ
، وَالْأُخْرَى : الزّوْرَاءُ وَسَيْفُهُ ذُو الْفَقَارِ لِفِقْرَاتِ كَانَتْ فِي
وَسَطِهِ وَكَانَ لِنُبَيْهٍ وَمُنَبّهِ ابْنَيْ الْحَجّاجِ سُلِبَاهُ يَوْمَ
بَدْرٍ وَيُقَالُ إنّ أَصْلَهُ كَانَ مِنْ حَدِيدَةٍ وُجِدَتْ مَدْفُونَةً عِنْدَ
الْكَعْبَةِ ، فَصُنِعَ مِنْهَا ذُو [ ص 136 ] عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الّتِي
وَهَبَهَا لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ وَكَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ الْعَرَبِ ،
وَكَانَ لَهُ حَرْبَةٌ يُقَالُ لَهَا : النّبْعَةُ وَذَكَرَ الْعُقَيْلِيّ فِي
كِتَابِ الضّعَفَاءِ جُمْلَةً مِنْ آلَاتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَدِيثٍ
أَسْنَدَهُ فَمِنْهَا الْجَمْعُ اسْمُ كِنَانَتِهِ وَالْمُدِلّةُ اسْمٌ لِمِرْآةِ
كَانَ يَنْظُرُ فِيهَا ، وَقَضِيبٌ يُسْمَى : الْمَمْشُوقُ وَذَكَرَ الْجَلَمَيْنِ
وَنَسِيت مَا قَالَ فِي اسْمِهِ وَأَمّا بَغْلَتُهُ دُلْدُلُ وَحِمَارُهُ عُفَيْرٌ
فَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الْأَعْلَامِ وَذَكَرْنَا مَا كَانَ فِي أَمْرِ
الْحِمَارِ مِنْ الْآيَاتِ وَزِدْنَا هُنَالِكَ فِي اسْتِقْصَاءِ هَذَا الْبَابِ
وَرَأَيْنَا أَنْ لَا نُخْلِيَ هَذَا الْكِتَابَ مِمّا ذَكَرْنَا هُنَالِكَ أَوْ
أَكْثَرَهُ وَأَمّا دُلْدُلُ فَمَاتَتْ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَهِيَ الّتِي
أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ ، وَأَمّا الْيَعْفُورُ فَطَرَحَ نَفْسَهُ فِي
بِئْرٍ يَوْمَ مَاتَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَمَاتَ
وَذَكَرَ ابْنُ فَوْرَكٍ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ أَنّهُ كَانَ مِنْ مَغَانِمِ
خَيْبَرَ ، وَأَنّهُ كَلّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَهُ
يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا زِيَادُ بْنُ شِهَابٍ ، وَقَدْ كَانَ فِي آبَائِي
سِتّونَ حِمَارًا كُلّهُمْ رَكِبَهُ نَبِيّ ، فَارْكَبْنِي أَنْتَ وَزَادَ
الْجُوَيْنِيّ فِي كِتَابِ الشّامِلِ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْسَلَ إلَيْهِ هَذَا
الْحِمَارَ فَيَذْهَبُ حَتّى يَضْرِبَ بِرَأْسِهِ الْبَابَ فَيَخْرُجُ الرّجُلُ
فَيَعْلَمُ أَنّهُ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَيَأْتِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ لَهُ تُرْسٌ فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ فِيهِ تِمْثَالٌ
كَرَأْسِ الْكَبْشِ وَكَانَ يَكْرَهُهُ فِيهِ فَأَصْبَحَ ذَاتَ يَوْمٍ قَدْ
انْمَحَى ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ أَثَرٌ وَأَمّا رِدَاؤُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ
فَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْحَضْرَمِيّ ، وَبِهِ كَانَ يَشْهَدُ الْعِيدَيْنِ كَانَ
طُولُهُ أَرْبَعَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَانِ وَشِبْرٌ وَكَانَ لَهُ جَفْنَةٌ
عَظِيمَةٌ يُقَالُ لَهَا الْغَرّاءُ يَحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ جَرَى
ذِكْرُهَا فِي حَدِيثٍ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ ، فَهَذِهِ جُمْلَةٌ تَشْرَئِبّ
إلَى مَعْرِفَتِهَا أَنْفُسُ الطّالِبِينَ وَتَرْتَاحُ بِالْمُذَاكَرَةِ بِهَا
قُلُوبُ الْمُتَأَدّبِينَ وَكُلّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْمَعْرِفَةِ بِنَبِيّنَا
عَلَيْهِ السّلَامُ وَمُتّصِلًا بِأَخْبَارِ سِيرَتِهِ مِمّا يُونِقُ الْأَسْمَاعَ
وَيَهُزّ بِأَرْوَاحِ الْمَحَبّةِ الطّبَاعَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى مَا عُلِمَ
مِنْ ذَلِكَ .
مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ
الْمُسْلِمِينَ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطّلِبِ
[ ص 137 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ
الْمُسْلِمِينَ ، ثُمّ مِنْ ( قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ ) بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ
مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ . مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ سَيّدُ الْمُرْسَلِينَ ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ
هَاشِمِ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ
رَسُولِهِ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ
أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ
بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ
الْكَلْبِيّ ، أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
النّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ عَوْفِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ
بَكْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللّهِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ
بْنِ كَعْبِ بْنِ وَبَرَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو كَبْشَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 138 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَسَةُ
حَبَشِيّ ، وَأَبُو كَبْشَةَ : فَارِسِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَأَبُو مَرْثَدٍ
كَنّازُ بْنُ حِصْنِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ خَرَشَةَ
بْنِ سَعْدِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ جِلّانَ بْنِ غَنْمِ بْنِ غَنِيّ بْنِ يَعْصُرَ
بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَنّازُ بْنُ
حُصَيْنٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ ،
حَلِيفَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
الْمُطّلِبِ ؟ وَأَخَوَاهُ الطّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ
الْحَارِثِ ؟ وَمِسْطَحٌ وَاسْمُهُ عَوْفُ بْنُ أَثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ
الْمُطّلِبِ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .Sتَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا
[ ص 137 ] السّيرَةِ وَالتّنْبِيهُ إلَى مَا تَتَشَوّفُ إلَيْهِ نَفْسُ الطّالِبِ
مِنْ هَذَا الْفَنّ وَسَائِرُهُمْ قَدْ نَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَابْنُ هِشَامٍ
فِي هَذَا [ ص 138 ] طَائِفَةً لَمْ يَنْسُبْهُمْ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا
الْبَابِ مِنْهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ [ مَالِكُ ] بْنُ التّيْهَانِ تَقَدّمَ
التّعْرِيفُ بِهِ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ وَأَنّهُ مِنْ بَنِي إرَاشٍ فِي قَوْلِ
ابْنِ إسْحَاقَ ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : إرَاشَةَ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ
أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، تَخَلّفَ عَلَى امْرَأَتِهِ
رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَ لَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ قَالَ وَأَجْرِي يَا
رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ وَأَجْرُك ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ؟ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ مِهْشَمٌ .
نَسَبُ سَالِمٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَالِمٌ سَائِبَةٌ لِثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارِ بْنِ
زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، سَيّبَتْهُ فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ فَتَبَنّاهُ وَيُقَالُ كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارٍ تَحْتَ أَبِي
حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً فَقِيلَ سَالِمٌ
مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَعَمُوا أَنّ صُبَيْحًا
مَوْلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ تَجَهّزَ لِلْخُرُوجِ
مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ مَرِضَ فَحَمَلَ عَلَى
بَعِيرِهِ أَبَا سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛ ثُمّ شَهِدَ صُبَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَشَاهِدَ
كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
مِنْ حُلَفَاء بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
[ ص 139 ] بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ : عَبْدُ
اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ
كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ
حُرْثَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ
أَسَدٍ ، وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ صُهَيْبِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَأَخُوهُ عُقْبَةُ
بْنُ وَهْبٍ ؟ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ
بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ؟ وَأَبُو
سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسٍ ، أَخُو عُكّاشَةَ بْنِ
مِحْصَنٍ ؟ وَابْنُهُ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ،
وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ .
مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَبِيرٍ
وَمِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ : ثَقْفُ
بْنُ عَمْرٍو ، وَأَخَوَاهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، وَمُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِدْلَاجُ بْنُ عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهُمْ
مِنْ بَنِي حَجْرٍ آلِ بَنِي سُلَيْمٍ . وَأَبُو مَخْشِيّ حَلِيفٌ لَهُمْ . سِتّةَ
عَشَرَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو مَخْشِيّ طَائِيّ ، وَاسْمُهُ
سُوَيْدُ بْنُ مَخْشِيّ .
مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ
غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عَيْلَانَ وَخَبّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ - رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
[ ص 140 ] بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : الزّبَيْرُ بْنُ
الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَحَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ ،
وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَاطِبُ
بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وَاسْمُ أَبِي بَلْتَعَةَ عَمْرٌو ، لَخْمِيّ ، وَسَعْدٌ
مَوْلَى حَاطِبٍ كَلْبِيّ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُصْعَبُ بْنُ
عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ ،
وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ
السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي زُهْرَةَ
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ
عَوْفِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ ؟ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ -
وَأَبُو وَقّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ
وَأَخُوهُ عُمَيْرِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ الْمِقْدَادُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَة َ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ
مَطْرُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ ثَوْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ مَالِكِ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ هَزْلِ بْنِ قَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ
الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ بْنِ بَهْرَاءِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ
قُضَاعَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ هَزْلُ بْنُ قَاسِ بْنِ ذَرّ -
وَدَهِيرُ بْنُ ثَوْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ ، وَمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ
بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ
مُحَلّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، مِنْ
الْقَارَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْقَارَةُ : لَقَبٌ لَهُمْ . وَيُقَالُ قَدْ
أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا وَكَانُوا رُمَاةً . [ ص 141 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَذُو الشّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ
بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَقْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَامِرٍ ، مِنْ خُزَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ ذُو
الشّمَالَيْنِ لِأَنّهُ كَانَ أَعْسَرَ وَاسْمُهُ عُمَيْرٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: وَخَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ ، ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : خَبّابُ
بْنُ الْأَرَتّ ، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَلَهُ عَقِبٌ وَهُمْ بِالْكُوفَةِ وَيُقَالُ
خَبّابُ مِنْ خُزَاعَةَ .
مِنْ بَنِي تَيْمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ
، وَاسْمُهُ عَتِيقُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ اللّهِ
وَعَتِيقٌ لَقَبٌ لِحُسْنِ وَجْهِهِ وَعِتْقِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَبِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ - وَبِلَالٌ مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي بَنِي جُمَحَ
اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَهُوَ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ
، لَا عَقِبَ لَهُ - وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَامِرُ
بْنُ فُهَيْرَةَ ، مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي الْأَسَدِ أَسْوَدُ اشْتَرَاهُ أَبُو
بَكْرٍ مِنْهُمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ، مِنْ النّمِرِ
بْنِ قَاسِطٍ . نَسَبُ النّمِرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : النّمِرُ بْنُ قَاسِطِ بْنِ
هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ
وَيُقَالُ أَفْصَى بْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ
نِزَارٍ وَيُقَالُ صُهَيْبٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَيُقَالُ إنّهُ [ ص 142 ] فَقَالَ بَعْضُ
مَنْ ذُكِرَ إنّهُ مِنْ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ : إنّمَا كَانَ أَسِيرًا فِي
الرّومِ فَاشْتَرَى مَعَهُمْ . وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ صُهَيْبٌ سَابِقُ الرّومِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَطَلْحَةُ
بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ
تَيْمٍ ، كَانَ بِالشّامِ فَقَدِمَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فَكَلّمَهُ فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ
فَقَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ وَأَجْرُك . خَمْسَةُ نَفَرٍ
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ : أَبُو
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ
الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛
وَشَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيّ بْنِ
عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ
سَبَبُ تَسْمِيَةِ الشّمّاسِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ شَمّاسٍ عُثْمَانُ وَإِنّمَا سُمّيَ شَمّاسًا ،
لِأَنّ شَمّاسًا مِنْ الشّمَامِسَةِ قَدِمَ مَكّةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ
جَمِيلًا ، فَعَجِبَ النّاسُ مِنْ جَمَالِهِ . فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ،
وَكَانَ خَالَ شَمّاسٍ هَا أَنَا آتِيكُمْ بِشَمّاسِ أَحْسَنَ مِنْهُ فَأُتِيَ
بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَسُمّيَ شَمّاسًا ، فِيمَا ذَكَرَ
ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْأَرْقَمُ بْنُ
أَبِي الْأَرْقَمِ ، وَاسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ عَبْدُ مَنَافِ بْنِ أَسَدٍ ،
وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنّى : أَبَا جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ ؛ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ
، عَنْسِيّ ، مِنْ مَدْحِجٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ حَبَشِيّةَ ابْنِ سَلُولَ
بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَهُوَ الّذِي يُدْعَى
: عَيْهَامَةُ خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَدِيّ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ [ ص 143 ] بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ
نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ
رِزَاحِ بْنِ عَدِيّ ، وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ ؛ وَمِهْجَعٌ مَوْلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، وَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الصّفّيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ رُمِيَ بِسَهْمِ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : مِهْجَعٌ مِنْ عَكّ بْنِ عَدْنَانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَمْرُو
بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ أَذَاةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ؟ وَأَخُوهُ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُرَاقَةَ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ
بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ
زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ
وَمَالِكُ بْن أَبِي خَوْلِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو
خَوْلِيّ مِنْ بَنِي عِجْلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ
بْنِ وَائِلٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفُ آلِ
الْخَطّابِ ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْزُ بْنُ
وَائِلِ : بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ ، وَيُقَالُ أَفْصَى : بْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَالَيْلَ بْنِ
نَاشِبِ بْنِ غَيْرَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ وَعَاقِلِ بْنِ الْبُكَيْرِ
، وَخَالِدِ بْنِ الْبُكَيْرِ وَإِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ ، حُلَفَاءُ بَنِي
عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ
عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، قَدِمَ مِنْ الشّامِ بَعْدَمَا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فَكَلّمَهُ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ قَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ ؟
قَالَ وَأَجْرُك . أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا
مِنْ بَنِي جُمَحَ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ [ ص 144 ] بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ :
عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ،
وَابْنُهُ السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ ؟ وَأَخَوَاهُ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ ،
وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَظْعُونٍ ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ
حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ خَمْسَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي
سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ
قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي عَامِر
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ
بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى
بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ
بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ
شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ - كَانَ خَرَجَ
مَعَ أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، فَلَمّا نَزَلَ النّاسُ بَدْرًا فَرّ إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَشَهِدَهُ مَعَهُ - وَعُمَيْرُ
بْنُ عَوْفٍ ، مَوْلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ ، حَلِيفٌ
لَهُمْ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ ، مِنْ
الْيَمَنِ .
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : أَبُو عُبَيْدَةَ
بْنُ الْجَرّاحِ ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ
أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ
بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ
الْحَارِثِ ؟ وَسُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَبِي
أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ ، وَأَخُوهُ صَفْوَانُ بْنُ وَهْبٍ وَهُمَا
ابْنَا بَيْضَاءَ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ
أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ خَمْسَةُ نَفَرٍ .S[
ص 139 ] بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ عِيَاضِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ هَكَذَا
أَلْفَيْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ النّسَخِ
الصّحَاحِ ، وَهُوَ وَهْمٌ وَالصّوَابُ عِيَاضُ بْنُ زُهَيْرٍ وَلَيْسَ الْوَهْمُ
فِي ابْنِ إسْحَاقَ ، لِأَنّهُ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُهَاجِرِينَ إلَى
الْحَبَشَةِ ، فَقَالَ فِيهِ ابْنُ زُهَيْرٍ عَلَى الصّوَابِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي
ابْنِ أَخِيهِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرٍ ، وَغَنْمِ بْنِ زُهَيْرٍ
وَالِدُ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ صَاحِبِ الْفُتُوحَاتِ الّذِي يَقُولُ فِيهِ ابْنَ
الرّقَيّاتِ
وَعِيَاضٌ وَمَا عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ ... كَانَ مِنْ خَيْرِ مَنْ تُجِنّ النّسَاءُ
[ ص 140 ] عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ
عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ أَيْضًا ، فَقَالَ فِيهِ ابْنَ زُهَيْرٍ لَا ابْنَ أَبِي
زُهَيْرٍ وَالْحَمْدُ لِلّهِ .
عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ
فَجَمِيعُ [ ص 145 ] بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ثَلَاثَةٌ
وَثَمَانُونَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ
غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ ، يَذْكُرُونَ فِي الْمُهَاجِرِينَ بِبَدْرِ ، فِي بَنِي
عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : وَهْبَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، وَحَاطِبَ بْنَ
عَمْرٍو وَفِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : عِيَاضَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ .
الْأَنْصَارُ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ
بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : َشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ
الْأَوْسِ بْنِ حَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ
بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْس ِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ
امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَعَمْرُو بْنُ مُعَاذِ
بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ
وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ .
مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ كَعْبٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ : سَعْدُ بْنُ زَيْدِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدٍ . وَمِنْ بَنِي زَعُورَاءِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ -
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ زَعُورَاءُ - سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ
وَقْشِ بْنِ زَغَبَةَ ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشِ بْنِ زَغَبَةَ بْنِ
زَعُورَاءَ ، وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَرَافِعُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ
كُرْزِ بْنِ سَكَنِ بْنِ زَعُورَاءَ ، وَالْحَارِثُ بْنُ خَزْمَةَ بْنِ عَدِيّ
بْنِ أُبَيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ
الْخَزْرَجِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَمُحَمّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَلَمَةُ بْنُ
أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : أَسْلَمُ بْنُ حَرِيسِ بْنِ عَدِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو
الْهَيْثَمِ بْنُ التّيْهَانِ ، وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ . [ ص 146 ] قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَتِيكُ بْنُ التّيْهَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ . خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَبْدُ
اللّهِ بْنُ سَهْلٍ : أَخُو بَنِي زَعُورَاءَ ؟ وَيُقَالُ مِنْ غَسّانَ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ كَعْبٍ
وَكَعْبٌ هُوَ ظَفَرٌ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ظَفَرُ بْنُ الْخَزْرَجِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ مَالِكِ الْأَوْسِ : قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ سَوَادٍ ؟ وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَوَادٍ
رَجُلَانِ .
سَبَبُ تَسْمِيَةِ عُبَيْدٍ بِمُقَرّنِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ مُقَرّنٌ لِأَنّهُ
قَرَنَ أَرْبَعَةَ أَسْرَى فِي يَوْمِ بَدْرٍ . وَهُوَ الّذِي أَسَرَ عَقِيلَ بْنَ
أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ . مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ رِزَاحٍ وَحُلَفَائِهِمْ قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ كَعْبٍ نَضْرُ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ عَبْدٍ ؟ وَمُعَتّبُ بْنُ عَبْدٍ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ
بَلِيّ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي حَارِثَةَ
وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
مَسْعُودُ بْنُ عَبْدِ سَعْدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو عَبْسِ بْنِ
جَبْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ .
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ ثُمّ مِنْ بَلِيّ أَبُو بَرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَاسْمُهُ
هَانِئُ بْنُ نِيَارِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ
بْنِ غَنْمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَاهِلِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ هُنَيّ
بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ [ ص
147 ]
مِنْ بَنِي عَمْرٍو
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ ، وَقَيْسُ أَبُو
الْأَفْلَحِ بْنُ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ - وَمُعَتّبُ
بْنُ قُشَيْرِ بْنِ مُلَيْلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ ؟
وَأَبُو مُلَيْلِ بْنُ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ
وَعَمْرُو بْنُ مَعْبَدِ بْنِ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ
ضُبَيْعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُمَيْرُ بْنُ مَعْبَدٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبِ بْنِ الْحَكِيمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو وَعَمْرٌو الّذِي يُقَالُ لَهُ
بِخَرَجِ بْنُ حَنَسِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي أُمَيّةَ
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ مُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ
بْنِ زَنْبَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ
بْنِ زَنْبَرٍ ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَرَافِعُ ابْنُ
عُنْجُدَةَ - وَعُنْجُدَةُ أُمّهُ وَفِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَعُبَيْدُ بْنُ
أَبِي عُبَيْدٍ ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ . وَزَعَمُوا أَنّ أَبَا لُبَابَةَ
بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَالْحَارِثَ بْنَ حَاطِبٍ خَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجّعَهُمَا ، وَأَمَرَ أَبَا لُبَابَةَ عَلَى
الْمَدِينَةِ ، فَضَرَبَ لَهُمَا بِسَهْمَيْنِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ . تِسْعَةُ
نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : رَدّهُمَا مِنْ الرّوْحَاءِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَاسْمُ أَبِي لُبَابَةَ
بَشِيرٌ .
مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ أُنَيْسُ
بْنُ قَتَادَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ . [ ص
148 ] بَلِيّ : مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ ضُبَيْعَةَ
وَثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ ،
وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
الْعَجْلَانِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ
الْعَجْلَانِ ؟ وَرِبْعِيّ بْنُ رَافِعِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْجَدّ
بْنِ الْعَجْلَانِ . وَخَرَجَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ
، فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَضَرَبَ لَهُ
بِسَهْمِهِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ - سَبْعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ
بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الْبَرْكِ - وَاسْمُ الْبَرْكِ امْرُؤُ
الْقَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ - وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
عَاصِمُ بْنُ قَيْسِ : بْنِ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ
الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثَابِتِ
بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَأَبُو
حَيّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُوَ أَخُو أَبِي ضَيّاحٍ وَيُقَالُ أَبُو
حَيّةَ . وَيُقَالُ لِامْرِئِ الْقَيْسِ الْبَرْكُ بْنُ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَسَالِمُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ
بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
ثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ
النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَخَوّاتُ بْنُ
جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- بِسَهْمِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ . سَبْعَةُ نَفَرٍ . [ ص 149 ]
مِنْ بَنِي جَحْجَبَى وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ
مُنْذِرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ بْنِ
الْحَرِيشِ بْنِ جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ
الْحَرِيسُ بْنُ جَحْجَبَى . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ
بَنِي أُنَيْفِ أَبُو عُقَيْلِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بَيْحَانَ
بْنِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ
جُشَمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ
بْنِ قِسْمِيلِ بْنِ فَارَانَ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ
قُضَاعَةَ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ تَمِيمُ بْنُ إرَاشَةَ
وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ .
مِنْ بَنِي غَنْمٍ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ
الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ
وَمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ ؟ وَمَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ
عَرْفَجَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَرْفَجَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ
عَرْفَجَةَ ؟ وَتَمِيمٌ مَوْلَى بَنِي غَنْمٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : تَمِيمٌ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ .
مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ جَبْرُ بْنُ عَتِيكِ . بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ؟ وَمَالِكُ بْنُ
نُمَيْلَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ ، وَالنّعْمَانُ بْنُ عَصَرٍ ،
حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 150 ]
عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ
فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ أَحَدٌ وَسِتّونَ
رَجُلًا .S[ ص 141 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْبَدْرِيّينَ
عَاصِمَ بْنَ عَدِيّ لَمْ يَشْهَدْهَا ، لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهُ مِنْ الرّوْحَاءِ لِسَبَبِ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَلَغَهُ شَيْءٌ عَنْ أَهْلِ مَسْجِدِ الضّرَارِ ، وَكَانَ قَدْ اسْتَخْلَفَهُ
عَلَى قُبَاءَ وَالْعَالِيَةِ ، فَرَدّهُ لِيَنْظُرَ فِي ذَلِكَ وَضَرَبَ لَهُ
بِسَهْمِهِ مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ وَعَاصِمٌ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ اللّعَانِ
الّذِي يُقَالُ لَهُ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيّ وَهُوَ عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ
وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ أَشْقَرَ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تُوُفّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ
ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يُكْنَى أَبَا عَمْرٍو ، وَقِيلَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ .
[ ص 142 ]
قِصّةُ خَوّاتٍ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ رَدّهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ خَوّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ ،
رَدّهُ مِنْ الصّفْرَاءِ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ - فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ عُقْبَةَ أَنّ
حَجَرًا أَصَابَهُ فِي رِجْلِهِ فَوَرِمَتْ عَلَيْهِ [ ص 143 ] فَرَدّهُ النّبِيّ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِذَلِكَ وَهُوَ صَاحِبُ خَوْلَةَ ذَاتِ
النّحْيَيْنِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللّهِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ،
وَيُرْوَى أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سَأَلَهُ عَنْهَا
وَتَبَسّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ رَزَقَ اللّهُ خَيْرًا ، وَأَعُوذُ
بِاَللّهِ مِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ مَا
فَعَلَ بَعِيرُك الشّارِدُ ؟ فَقَالَ قَيّدَهُ الْإِسْلَامُ يَا رَسُولَ اللّهِ [
ص 144 ] وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ بَعِيرُك الشّارِدُ أَنّهُ مَرّ فِي
الْجَاهِلِيّةِ بِنِسْوَةِ أَعْجَبَهُ حُسْنُهُنّ فَسَأَلَهُنّ أَنْ يَفْتِلْنَ
لَهُ قَيْدًا لِبَعِيرِ لَهُ زَعَمَ أَنّهُ شَارِدٌ وَجَلَسَ إلَيْهِنّ بِهَذِهِ
الْعِلّةِ فَمَرّ بِهِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ
يَتَحَدّثُ إلَيْهِنّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَنْهُنّ فَلَمّا أَسْلَمَ سَأَلَهُ
عَنْ ذَلِكَ الْبَعِيرِ الشّارِدِ وَهُوَ يَتَبَسّمُ لَهُ فَقَالَ خَوّاتٌ
قَيّدَهُ الْإِسْلَامُ يَا رَسُولَ اللّه قَالَ الْوَاقِدِيّ : يُكَنّى أَبَا
صَالِحٍ وَرَوَى النّمَرِيّ فِي [ ص 145 ] خَوّاتٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ ،
كَنّاهُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ مَعَهُ فِي رَكْبٍ فَقَالَ
لَهُ الرّكْبُ غَنّنَا مِنْ شِعْرِ ضِرَارٍ ، فَقَالَ عُمَرُ دَعُوا أَبَا عَبْدِ
اللّهِ يُغَنّينَا بُنَيّاتِ فُؤَادِهِ قَالَ فَأَنْشَدَهُمْ حَتّى السّحَرِ
فَقَالَ عُمَرُ ارْفَعْ لِسَانَك يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ فَقَدْ أَسْحَرْنَا [ ص
146 ] عَصَرٍ : وَذَكَرَ النّعْمَانَ بْنَ عَصَرٍ ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ وَهُوَ
ابْنُ عَصَرِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَدِيمٍ الْبَلَوِيّ ، وَقِيلَ
عَصَرُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ وَائِلَةَ بْنِ حَارِثَةَ الْبَلَوِيّ ، قُتِلَ
بِالْيَمَامَةِ . [ ص 147 ] وَذَكَرَ فِي نَسَبِ زَيْدِ بْنِ وَدِيعَةَ جَزْءَ
بْنَ عَدِيّ . وَذَكَرَ أَبُو بَحْرٍ أَنّهُ قَيّدَهُ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ
جَزْءَ بِسُكُونِ الزّايِ وَأَنّهُ لَمْ يَجِدْهُ عَنْ غَيْرِهِ إلّا بِكَسْرِ
الزّايِ . [ ص 148 ] وَذَكَرَ رَافِعَ ابْنَ عُنْجُدَةَ وَقَالَ هِيَ أُمّهُ
وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَاهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْحَارِثِ وَالْعُنْجُدَةُ حَبّ
الزّبِيبِ وَيُقَالُ هُوَ الزّبِيبُ وَأَمّا عَجْمُ الزّبِيبِ فَهُوَ الْفِرْصِدُ
[ أَوْ الْفِرْصِيدُ أَوْ الْفِرْصَادُ ] قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ . وَذَكَرَ كَعْبَ
بْنَ جَمّازٍ بِالْجِيمِ وَالزّايِ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، لَا كَمَا قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ ، فَإِنّ أَهْلَ النّسَبِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، غَيْرَ
أَنّ الدّارَقُطْنِيّ قَيّدَ فِيهِ رِوَايَةً ثَالِثَةً ابْنَ حِمّانَ بِنُونِ
وَحَاءٍ مَكْسُورَةٍ . [ ص 149 ] وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا حُمَيْضَةَ وَاسْمُهُ
مَعْبَدُ بْنُ عَبّادٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ كَذَا قَيّدَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ
عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ فِيهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ يَقُولُ
فِيهِ أَبُو خُمَيْصَةَ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ . وَذَكَرَ فِي
الْبَلَوِيّينَ أَبَا عُقَيْلٍ وَلَمْ يُسَمّهِ وَكَانَ اسْمُهُ فِي
الْجَاهِلِيّةِ عَبْدَ الْعُزّى ، فَسَمّاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَبْدَ الرّحْمَنِ عَدُوّ الْأَوْثَانِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ . [ ص 150 ]
صَاحِبُ الصّاعِ
وَأَمّا أَبُو عَقِيلٍ صَاحِبُ الصّاعِ الّذِي لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ فَاسْمُهُ
حَثْحَاثٌ وَفِيهِ أُنْزِلَتْ { الّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطّوّعِينَ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ } وَذَلِكَ أَنّهُ جَاءَ بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ فَوَضَعَهُ فِي
الْعَرَقَةِ حِينَ حَثّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى
النّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَضَحِكَ مِنْهُ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا إنّ
اللّهَ لَغَنِيّ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ
مِنْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ
الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ : خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ
امْرِئِ الْقَيْسِ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ، وَخَلّادُ بْنُ
سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ
أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي زَيْدٍ
وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ . بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ
خِلَاسِ بْنِ زَيْدٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ جُلَاسٍ وَهُوَ عِنْدَنَا
خَطَأٌ - وَأَخُوهُ سِمَاكُ بْنُ سَعْدٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَدِيّ
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ : سُبَيْعُ بْنُ قَيْسِ عَيْشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ عَدِيّ وَعَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ أَخُوهُ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَيْسُ : بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْسٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 151 ]
مِنْ بَنِي أَحْمَرَ
وَمِنْ بَنِي أَحْمَرَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ أَحْمَرَ وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمٍ رَجُلٌ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فُسْحُمٌ أُمّهُ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جِسْرٍ .
مِنْ بَنِي جُشَمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
وَزَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمَا التّوْأَمَانِ خُبَيْبُ بْنُ
إسَافَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَدِيجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُشَمَ
وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ زَيْدٍ ،
وَأَخُوهُ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ زَعَمُوا ، وَسُفْيَانُ بْنُ
بُسْرٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سُفْيَانُ بْنُ بِشْرِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زَيْدِ .
مِنْ بَنِي جَدَارَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي جَدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
الْخَزْرَجِ : تَمِيمُ بْنُ يَعَارِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ
جَدَارَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنِ عُمَيْرِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ . [ ص 152 ] قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ
بْنِ جَدَارَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَيْدُ بْنُ الْمُزَيّنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
أُمَيّةَ بْنِ جَدَارَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : زَيْدُ بْنُ الْمُرَيّ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ
أُمَيّةَ بْنِ جَدَارَةَ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ
وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ الْخَزْرَجِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَبِيعِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي عَوْفٍ
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ بَنُو الْحُبْلَى
- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحُبْلَى : سَالِمُ بْنُ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ ،
وَإِنّمَا سُمّيَ الْحُبْلَى ، لِعِظَمِ بَطْنِهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ ( الْمَشْهُورُ
بِابْنِ سَلُولَ ) ، وَإِنّمَا سَلُولُ امْرَأَةٌ وَهِيَ أُمّ أُبَيّ وَأَوْسُ
بْنُ خَوْلِيّ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي جَزْءٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي جَزْءِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ : زَيْدُ
بْنُ وَدِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ جَزْءٍ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ
كَلَدَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفَانَ ؟ وَرِفَاعَةُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ
بْنِ غَنْمٍ ؟ وَعَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ
الْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ
بَلِيّ ، مِنْ قُضَاعَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو حُمَيْضَةَ مَعْبَدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ قُشَيْرِ
بْنِ الْمُقَدّمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ .
[ ص 153 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَعْبَدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ
الْمُقَدّمِ ، وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْقُدْمِ .
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . سِتّةُ
نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَامِرُ بْنُ الْعُكَيْرِ وَيُقَالُ عَاصِمُ بْنُ
الْعُكَيْرِ .
مِنْ بَنِي سَالِمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ
نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ
الْعَجْلَانِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي أَصْرَمَ
وَمِنْ بَنِي أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ
عَوْفٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ ، أَخُو سَالِمِ بْنِ
عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَغَنْمُ بْنُ سَالِمٍ الّذِي
قَبْلَهُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ - عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قَيْسِ
بْنِ أَصْرَمَ ؛ وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ الصّامِتِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي دَعْدٍ
وَمِنْ بَنِي دَعْدِ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : النّعْمَانُ بْنُ
مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دَعْدٍ ، وَالنّعْمَانُ الّذِي يُقَالُ لَهُ
قَوْقَلٌ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي قِرْيُوشِ بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ
لَوْذَان بْنِ سَالِمٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قِرْيُوسُ بْنُ غَنْمٍ -
ثَابِتُ بْنُ هَزّالِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قِرْيُوشٍ . رَجُلٌ .
وَمِنْ بَنِي مَرْضَخَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ : مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ بْنِ
مِرْضَخَةَ رَجُلٌ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ : بْنِ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ
بْنِ مَرْضَخَةَ [ ص 154 ]
مِنْ بَنِي لَوْذَان وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي لَوْذَان بْنِ سَالِمٍ : رَبِيعُ بْنُ إيَاسِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَان ، وَأَخُوهُ وَرَقَةُ بْنُ
إيَاسٍ ، وَعَمْرُو بْنُ إيَاسٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ .
ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ ، أَخُو
رَبِيعٍ وَوَرَقَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ ،
ثُمّ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : غُصَيْنَةُ أُمّهُمْ
وَأَبُوهُمْ عَمْرُو بْنُ عُمَارَةَ - الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
زُمْرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَارَةَ بْنِ مَالِكِ ابْنِ عُصَيْنَةَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ بُتَيْرَةَ بْنِ مَشْنُوّ بْنِ قَسْرِينَ بْنِ تَيْمِ بْنِ أَرَاشِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ قِسْمِيلِ بْنِ فَارَانَ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْخِفَافِ بْنِ قُضَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ . قَسْرُ بْنُ
تَمِيمِ بْنِ إرَاشَةَ وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ . وَاسْمُ الْمُجَذّرِ عَبْدُ
اللّهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُبَادَةُ بْنُ الْخَشْخَاشِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
زَمْزَمَةَ وَنَحّابُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ عُمَارَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَحّاثُ بْنُ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ . وَزَعَمُوا أَنّ
عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ - حَلِيفٌ لَهُمْ - مِنْ
بَهْرَاءَ ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، خَمْسَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُتْبَةُ بْنُ بَهْزٍ ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ .
مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ : أَبُو دُجَانَةَ
سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو دُجَانَةَ ( سِمَاكُ ) بْنُ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ
لَوْذَان بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . [ ص 155 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
لَوْذَان بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلَانِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَنْبَشَ
مِنْ بَنِي الْبَدِيّ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي الْبَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ أَبُو أُسَيْدِ مَالِكُ
بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْبَدِيّ وَمَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ إلَى الْبَدِيّ .
رَجُلَانِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَالِكُ بْنُ مَسْعُودِ : بْنِ الْبَدِيّ فِيمَا ذَكَرَ لِي
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ .
مِنْ بَنِي طَرِيفٍ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ :
عَبْدُ رَبّهِ بْنِ حَقّ بْنِ أَوْسِ بْنِ وَقْشِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ
رَجُلٌ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ جُهَيْنَةَ : كَعْبُ بْنُ حِمَارِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كَعْبُ بْنُ جِمَارٍ وَهُوَ مِنْ غُبْشَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَضَمْرَةُ وَزِيَادٌ وَبَسْبَسٌ بَنُو عَمْرٍو .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ضَمْرَةُ وَزِيَادٌ ابْنَا بِشْرٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ بَلِيّ . خَمْسَةُ
نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي جُشَمَ
وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ
عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ
ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ :
خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ
وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ،
وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَتَمِيمٌ
مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ ، وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَمُعَوّذُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ حَرَامٍ ، وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ
زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ، وَحَبِيبُ بْنُ أَسْوَدَ مَوْلًى لَهُمْ [ ص 156 ]
ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ وَثَعْلَبَةُ الّذِي يُقَالُ
لَهُ الْجَذَعُ وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
حَرَامٍ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
نَسَبُ الْجَمُوحِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كُلّ مَا كَانَ هَا هُنَا الْجَمُوحُ ( فَهُوَ الْجَمُوحُ )
بْنُ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ إلّا مَا كَانَ مِنْ جَدّ الصّمّةِ ( بْنِ عَمْرٍو ) ،
فَإِنّهُ الْجَمُوحُ بْنُ حَرَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُمَيْرُ بْنُ
الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ .Sقِرْيُوشٌ أَوْ قِرْيُوسٌ
[ ص 151 ] وَقَعَ فِي أَنْسَابِ الْبَدْرِيّينَ ابْنُ قِرْيُوشٍ بِكَسْرِ الْقَافِ
وَالشّينِ الْمَنْقُوطَةِ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قِرْيُوسٌ بِالسّينِ
الْمُهْمَلَةِ كَذَا قَيّدَهُ أَبُو الْوَلِيدِ وَفِي أَكْثَرِ الرّوَايَاتِ
قَرْبُوسٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمَضْمُومَةِ الْمَنْقُوطَةِ
بِوَاحِدَةِ فَقِرْيُوشٌ فِعْيُولٌ مِنْ التّقَرّشِ وَهُوَ التّكَسّبُ وَبِالسّينِ
فِعْيُولٌ مِنْ الْقَرْسِ وَهُوَ الْبَرْدُ وَقِرْيُوشٌ بِالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ
أَصَحّ فِيهِ لِأَنّهُ مِنْ التّقَرّشِ وَهُوَ التّكَسّبُ كَمَا سُمّيَتْ قُرَيْشٌ
بِهِ قَالَهُ قُطْرُبٌ . وَمِمّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِعُذْرِ وَهُوَ مِنْ
النّقَبَاءِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيّدُ الْخَزْرَجِ لِأَنّهُ نَهَشَتْهُ حَيّةٌ
فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ هَذَا قَوْلُ الْقُتَبِيّ وَلِذَلِكَ لَمْ
يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَا ابْنُ عُقْبَةَ وَقَدْ ذَكَرَتْهُ طَائِفَةٌ
فِيهِمْ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَجَمَاعَةٌ . وَذَكَرَ أَبَا الضّيَاحِ وَاسْمُهُ
النّعْمَانُ وَقِيلَ عُمَيْرُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ قُتِلَ يَوْمَ
خَيْبَرَ .
جَدَارَةٌ أَوْ خَدَارَةٌ
وَذَكَرَ فِي بَنِي النّجّارِ مَنْ يَنْسُبُ إلَى جَدَارَةِ بَنِي الْحَارِثِ ،
وَجَدَارَةُ أَخُو خُدْرَةَ رَهْطُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، وَغَيْرُ ابْنِ
إسْحَاقَ يَقُولُ فِي جَدَارَةَ خَدَارَةَ بِالْخَاءِ الْمَضْمُومَةِ قَالَهُ
ابْنُ دُرَيْدٍ [ ص 152 ] النّمَرِيّ ، فَهُمَا خُدْرَةُ وَخُدَارَةُ ابْنَا
الْحَارِثِ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ وَقَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ بِالْحَاءِ
الْمُهْمَلَةِ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَيّدَهُ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ عَنْ
أَبِي الْوَلِيدِ فَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 153 ]
رُجَيْلَةُ أَوْ رُخَيْلَةُ
وَذَكَرَ رُجَيْلَةَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَقُيّدَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ
رُخَيْلَةُ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ . [ ص 154 ]
تَصْوِيبُ نَسَبٍ
وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا شَيْخِ بْنَ ثَابِتٍ وَاسْمُهُ أُبَيّ وَهُوَ أَخُو
حَسّانٍ وَقِيلَ بَلْ هُوَ ابْنُ أُبَيّ بْنِ ثَابِتٍ وَحَسّانٌ عَمّهُ وَوَقَعَ
فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ غَلَطٌ أَصْلَحْته ، وَكَانَ قَبْلَ
الْإِصْلَاحِ أَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ . [ ص 155 ] [ ص
156 ] [ ص 157 ] [ ص 158 ] [ ص 159 ] [ ص 160 ] [ ص 161 ] [ ص 162 ] [ ص 163 ]
مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي خَنْسَاءِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ :
بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ خَنْسَاءَ
وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ ابْنِ خَنْسَاءَ وَالطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ ابْنِ
خَنْسَاءَ وَسِنَانُ بْنُ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ الْجَدّ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ ، وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ وَجَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ ابْنِ
خَنْسَاءَ وَخَارِجَةُ بْنُ حِمْيَرَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ حِمْيَرَ ، حَلِيفَانِ
لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ مِنْ بَنِي دُهْمَانَ . تِسْعَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خُنَاسٍ
مِنْ بَنِي خُنَاسٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ عُبَيْدٍ : يَزِيدُ
بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خُنَاسٍ ، وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ
سَرْحِ بْنِ خُنَاسٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ بَلْدَمَةَ قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بُلْذُمَةُ وَبُلْدُمَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
عَدِيّ ، وَسَوَادُ بْنُ زُرَيْقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سَوَادُ بْنُ رِزْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ . وَيُقَالُ
مَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ ،
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . [ ص 157 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمٍ
سَبْعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي النّعْمَانِ
وَمِنْ بَنِي النّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ النّعْمَانِ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ
النّعْمَانِ وَخُلَيْدَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ . وَالنّعْمَانُ بْنُ
سِنَانٍ مَوْلًى لَهُمْ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي سَوَادٍ
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي
حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو
بْنُ سَوَادٍ ، لَيْسَ لِسَوَادِ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ غَنْمٌ أَبُو الْمُنْذِرِ
وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ وَسُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
حَدِيدَةَ ؛ وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ ؛ وَعَنْتَرَةُ مَوْلَى
سُلَيْمِ بْنِ عَمْرٍو أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْتَرَةُ ، مِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ ، ثُمّ
مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي
عَدِيّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ : عَبْسُ بْنُ عَامِرِ
بْنِ عَدِيّ ، وَثَعْلَبَةُ بْن غَنَمَةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو الْيُسْرِ وَهُوَ
كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ ،
وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ
، وَعَمْرُو بْنُ طَلْقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
غَنْمٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ
سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ . سِتّةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
أَوْسُ بْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدَيّ بْنِ
سَعْدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ مُعَاذَ بْنَ
جَبَلٍ فِي بَنِي سَوَادٍ ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ لِأَنّهُ فِيهِمْ . [ ص 158 ]
تَسْمِيَةُ مَنْ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاَلّذِينَ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ : مُعَاذُ
بْنُ جَبَلٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَهُمْ
فِي بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ بْنِ
جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ -
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ الْأَزْرَقِ : قَيْسُ بْنُ مِحْصَنِ
بْنِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَيْسُ بْنُ حِصْنٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو خَالِدٍ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ
خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ وَجُبَيْرُ بْنُ إيَاسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ وَأَبُو
عُبَادَةَ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدٍ وَأَخُوهُ
عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدٍ وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ
قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدٍ ؟ وَمَسْعُودُ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ
بْنِ مَخْلَدٍ سَبْعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي خَالِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ
: عَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي
خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ : أَسْعَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْفَاكِهِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ وَالْفَاكِهُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ
بْنِ خَلَدَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بُسْرُ بْنُ الْفَاكِهِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَمُعَاذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَأَخُوهُ عَائِذُ
بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَمَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
خَلَدَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ
بْنِ زُرَيْقٍ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَأَخُوهُ خَلّادُ بْنُ
رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ ، وَعُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ
بْنِ الْعَجْلَانِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 159 ] وَمِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ
عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ . زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ وَدْفَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ وَرُجَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ
خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ رُخَيْلَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَطِيّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ
عَامِرِ بْنِ عَطِيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ ، وَخَلِيفَةُ بْنُ عَدِيّ
بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ بْنِ بَيَاضَةَ . سِتّةُ
نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَلِيفَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ بْنِ جُشَمَ
بْنِ الْخَزْرَجِ : رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَان بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ . رَجُلٌ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي النّجّارِ ، وَهُوَ تَيْمُ اللّهِ بْنُ
ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ :
أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلٌ .
وَمِنْ بَنِي عُسَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ : ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ
بْنِ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ . رَجُلٌ . [ ص 160 ] قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عُسَيْرٌ وَعُشَيْرَةُ .
مِنْ بَنِي عَمْرٍو
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ :
عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَان بْنِ عَمْرٍو ، وَسُرَاقَةُ بْنُ
كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ ، وَسُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ : وَاسْمُ قَهْدٍ
خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَارِثَةُ
بْنُ النّعْمَانِ : بْنِ نَفْعِ بْنِ زَيْدٍ .
مِنْ بَنِي عَائِذٍ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ -
وَيُقَالُ عَابِدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سُهَيْلُ بْنُ رَافِعِ بْنِ أَبِي
عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ ، وَعَدِيّ بْنُ الزّغْبَاءِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ
. رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي زَيْدٍ
وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ
زَيْدٍ وَأَبُو خُزَيْمَةَ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدٍ
وَرَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادِ بْنِ زَيْدٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي سَوَادٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمٍ : عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ وَمُعَاذٌ
بَنُو الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ .
نَسَبُ عَفْرَاءَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، وَيُقَالُ رِفَاعَةُ
بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالنّعْمَانُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَيُقَالُ نُعَيْمَانُ فِيمَا قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ . [ ص 161 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ خَلَدَةَ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ ، وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ
وَوَدِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ ، وَثَابِتُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَوَادٍ ( و ) زَعَمُوا أَنّ أَبَا
الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ ابْنِ عَفْرَاءَ ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا .
عَشْرَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ
بْنِ رِفَاعَةَ .
مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ -
وَعَامِرٌ مَبْذُولٌ ثُمّ مِنْ بَنِي عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ :
ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَتِيكٍ وَسَهْلُ بْنُ
عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَتِيكٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ ، كُسِرَ بِهِ بِالرّوْحَاءِ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ - وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ -
ثُمّ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ .
نَسَبُ حُدَيْلَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حُدَيْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ اللّهِ بْنِ حَبِيبِ
بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
وَهِيَ أُمّ مُعَاوِيَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ فَبَنُو
مُعَاوِيَةَ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أُبَيّ بْنُ كَعْبِ
بْنِ قَيْسٍ ، وَأَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَمْرٍو
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَهُمْ بَنُو مَغَالَةَ بِنْتِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ عَمْرِو
بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ ، وَيُقَالُ إنّهَا مِنْ بَنِي
زُرَيْقٍ ، وَهِيَ أُمّ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ فَبَنُو
عَدِيّ . يَنْتَسِبُونَ إلَيْهَا : [ ص 162 ] أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ
الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو
شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ
ثَابِتٍ أَخُو حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ
الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ ثَلَاثَةُ
نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّار ِ
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ ( بَنِي ) عَدِيّ بْنِ عَامِرِ
بْنِ غَنْمِ بْنِ النّجّارِ : حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ، وَعَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ
وَهْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ أَبُو حَكِيمٍ
وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ
عَامِرٍ وَأَبُو سَلِيطٍ ، وَهُوَ أُسَيْرَةَ بْنِ عَمْرٍو وَعَمْرُو أَبُو
خَارِجَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَثَابِتُ بْنُ
خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ؟ وَعَامِرُ بْنُ
أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ؟
وَمُحْرِزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ؟ وَسَوَادُ بْنُ
غَزِيّةَ بْنِ أُهَيْبِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سَوَادٌ .
مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدُبٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ : أَبُو زَيْدٍ ، قَيْسُ بْنُ سَكَنِ بْنِ
قَيْسِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو الْأَعْوَرِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
ظَالِمِ بْنِ عَبْسِ بْنِ حَرَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَبُو
الْأَعْوَرِ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ -
وَاسْمُ مِلْحَانَ مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ . أَرْبَعَةُ
نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ [ ص 163 ] قَيْسُ بْنُ
أَبِي صَعْصَعَةَ - وَاسْمُ صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفٍ -
وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ
لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي خَنْسَاءِ بْنِ مَبْذُولٍ
وَمِنْ بَنِي خَنْسَاءِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ :
أَبُو دَاوُدَ عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَسُرَاقَةُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنٍ
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ : قَيْسُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ
وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ
الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ النّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ
عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَالضّحّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ ،
وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ
دِينَارٍ ، وَهُوَ أَخُو الضّحّاكِ وَالنّعْمَانِ ابْنَيْ عَبْدِ عَمْرٍو ،
لِأُمّهِمَا ، وَجَابِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ
وَسَعْدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي
قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ :
كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ : وَبُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ
. رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بُجَيْرٌ مِنْ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ
رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْخَزْرَجِ مِائَةٌ
وَسَبْعُونَ رَجُلًا .
مَنْ فَاتَ ابْنَ إسْحَاقَ ذِكْرُهُمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الْخَزْرَجِ
بِبَدْرِ فِي بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ
عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عِتْيَانَ بْنَ مَالِكِ بْن
عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ [ ص 164 ] وَمُلَيْلَ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ
الْعَجْلَانِ وَعِصْمَةَ بْنِ الْحُصَيْنِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ
الْعَجْلَانِ وَفِي بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ
بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ فِي بَنِي زُرَيْقٍ هِلَالِ بْنِ
الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَان بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ .
عَدَدُ الْبَدْرِيّينَ جَمِيعًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ
بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ثَلَاثُ مِائَةَ رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ؟ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا ، مِنْ الْأَوْسِ وَاحِدٌ
وَسِتّونَ رَجُلًا ، وَمِنْ الْخَزْرَجِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا .
مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
يَوْمَ بَدْرٍ
الْقُرَشِيّونَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ
وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمّ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافٍ : عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ قَتَلَهُ عُتْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ ، قَطَعَ رِجْلَهُ فَمَاتَ بِالصّفْرَاءِ . رَجُلٌ . [ ص 165 ]
مِنْ بَنِي زُهْرَةَ
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ . عُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقّاصِ بْنِ أُهَيْبِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ،
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ؟ وَذُو الشّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ
نَضْلَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُبْشَانَ . رَجُلَانِ
.
مِنْ بَنِي عَدِيّ
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : عَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ ،
حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ
بْنِ كِنَانَةَ ، وَمِهْجَعُ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ . رَجُلَانِ . [ ص
166 ]
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : صَفْوَانُ ابْنُ بَيْضَاءَ رَجُلٌ . سِتّةُ
نَفَرٍ .
وَمِنْ الْأَنْصَارِ
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : سَعْدُ بْنُ
خَيْثَمَةَ ، وَمُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَهُوَ
الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمٍ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي سَلِمَةَ
وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ ؟ ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ : عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي حَبِيبٍ
وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ بْنِ جُشَمَ
: رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي النّجّارِ
وَمِنْ بَنِي النّجّارِ . حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي غَنْمٍ
وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا
الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ . رَجُلَانِ .
ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ .Sحَوْلَ الّذِينَ اُسْتُشْهِدُوا فِي بَدْرٍ
فَصْلٌ
[ ص 164 ] وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي
وَقّاصٍ ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
كَانَ قَدْ رَدّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنّهُ اسْتَصْغَرَهُ فَبَكَى عُمَيْرٌ
فَلَمّا رَأَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُكَاءَهُ أَذِنَ لَهُ فِي
الْخُرُوجِ مَعَهُ فَقُتِلَ وَهُوَ ابْنٌ لِسِتّ عَشْرَةَ سَنَةً قَتَلَهُ
الْعَاصُ بْنُ سَعِيدٍ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَارِثَةَ بْنَ سُرَاقَةَ ،
فِيمَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ أَوّلُ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي
ذَلِكَ الْيَوْمِ رَمَاهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرَقَةِ بِسَهْمِ فَأَصَابَ
حَنْجَرَتَهُ فَمَاتَ وَجَاءَتْ أُمّهُ وَهِيَ الرّبِيعُ بِنْتُ النّضْرِ عَمّةُ
أَنَسٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ عَلِمْت مَوْضِعَ حَارِثَةَ مِنّي
فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنّةِ أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ
فَسَتَرَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ أَوَ جَنّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ ؟ إنّمَا هِيَ جَنّاتٌ
وَإِنّ ابْنَك مِنْهَا لَفِي الْفِرْدَوْس [ ص 165 ] وَذَكَرَ فِيهِمْ عُمَيْرَ
بْنَ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذِكْرَهُ وَقَتَلَهُ خَالِدُ
بْنُ الْأَعْلَمِ . وَذَكَرَ ذَا الشّمَالَيْنِ الْخُزَاعِيّ الْغَبّاشَ حَلِيفُ
بَنِي زُهْرَةَ ، وَهُوَ الّذِي ذَكَرَهُ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِ التّسْلِيمِ مِنْ
رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَقَامَ ذُو الشّمَالَيْنِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ ،
فَقَالَ أَقُصِرَتْ الصّلَاةُ أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ لَمّا
لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ هَكَذَا بِهَذَا اللّفْظِ إلّا ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ،
وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِنّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ
السّلَمِيّ وَاسْمُهُ خِرْبَاقُ وَذُو الشّمَالَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ
وَحَدِيثُ التّسْلِيمِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ شَهِدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَكَانَ
إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ وَمَاتَ ذُو الْيَدَيْنِ السّلَمِيّ فِي
خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ ، وَرَوَى عَنْهُ حَدِيثَهُ فِي التّسْلِيمِ ابْنُهُ
مَطِيرُ بْنُ الْخِرْبَاقِ يَرْوِيهِ عَنْ مَطِيرٍ ابْنُهُ شُعَيْبُ بْنِ مَطِيرٍ
. وَلَمّا رَأَى الْمُبَرّدُ حَدِيثَ الزّهْرِيّ : فَقَامَ ذُو الشّمَالَيْنِ
وَفِي آخِرِهِ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ قَالَ هُوَ ذُو الشّمَالَيْنِ وَذُو
الْيَدَيْنِ ، كَانَ يُسَمّى بِهِمَا جَمِيعًا ، وَجَهِلَ مَا قَالَهُ أَهْلُ
الْحَدِيثِ وَالسّيَرِ فِي ذِي الشّمَالَيْنِ وَلَمْ يَعْرِفْ رِوَايَةً إلّا
الرّوَايَةَ الّتِي فِيهَا الْغَلَطُ قَالَ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْكَامِلِ
فِي بَابِ الْأَذْوَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ . وَمِنْ الْبَدْرِيّينَ عُلَيْفَةُ بْنُ
عَدِيّ الْبَيَاضِيّ أَيْضًا ، هَكَذَا اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ السّيَرِ وَسَمّاهُ
ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ عَدِيّ بِالْخَاءِ . وَمِمّنْ شَهِدَ
بَدْرًا ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ الْبَكّائِيّ وَذَكَرَهُ ابْنُ
إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَعْدٍ عَنْهُ عِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ
بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ وُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ وَهُوَ مِمّنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَقَدْ
ذَكَرَهُ فِي الْبَدْرِيّينَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيّاطٍ
وَجَمَاعَةٌ . وَمِمّنْ ذُكِرَ فِي الْبَدْرِيّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ
إسْحَاقَ يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ السّلَمِيّ ، وَابْنُهُ مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ
وَأَبُوهُ الْأَخْنَسُ وَلَا [ ص 166 ] بَيْعَةَ الرّضْوَانِ ، وَيَزِيدُ بْنُ
الْأَخْنَسِ هَذَا هُوَ ابْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ جَنَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ جُرّةَ
بِضَمّ الْجِيمِ ابْنِ زُغْبٍ مِنْ بَنِي بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ . قَالَ ابْنُ
مَاكُولَا : لَا يُعْرَفُ جُرّةُ بِضَمّ الْجِيمِ إلّا هَذَا ، وَلَا جِرّةَ
بِكَسْرِ الْجِيمِ إلّا السّوْمُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ جِرّةَ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ
أُمّ الشّدّاخِ وَاسْمُهُ يَعْمُرُ بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي
حَدِيثِ قُصَيّ وَلِمَ سُمّيَ الشّدّاخُ . وَمِمّنْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي
الْبَدْرِيّينَ خُدَيْمُ بْنُ فَاتِكِ [ بْنِ الْأَخْرَمِ ] وَأَخُوهُ سَبْرَةُ [
ص 167 ] الْأَسَدِيّانِ . وَمِمّنْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْبَدْرِيّينَ مِنْ
بَنِي سَلِمَةَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حِزَامٍ ، وَقَالَ
أَبُو عُمَرَ لَا يَصِحّ شُهُودُهُ بَدْرًا ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ النّاسِ فِي
ذَلِكَ وَفِي السّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ أَنّ جَابِرًا قَالَ كُنْت أَمِيحُ
أَصْحَابِي الْمَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ أَيْ كَانَ صَغِيرًا فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ هَذِهِ الرّوَايَةَ تَصْحِيفٌ وَأَنّ الصّحِيحَ كُنْت
مَنِيحَ أَصْحَابِي يَوْمَ بَدْرٍ وَالْمَنِيحُ السّهْمُ يُرِيدُ أَنّهُمْ كَانُوا
يُرْسِلُونَهُ فِي حَوَائِجِهِمْ لِصِغَرِ سِنّهِ . وَمِمّنْ شَهِدَ بَدْرًا
وَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ : طُلَيْبُ بْنُ
عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ ، وَأُمّهُ أَرْوَى عَمّةُ رَسُولِ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَدَدُهُمْ
[ ص 174 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَجَمِيعُ مَنْ أُحْصِيَ لَنَا مِنْ قَتْلَى
قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ خَمْسُونَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي
أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو : أَنّ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا ، وَالْأَسْرَى كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ ،
وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : {
أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُولُهُ لِأَصْحَابِ
أُحُدٍ - وَكَانَ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا - يَقُولُ قَدْ
أَصَبْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ ،
سَبْعِينَ قَتِيلًا وَسَبْعِينَ أَسِيرًا . وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ :
فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطّنِ مِنْهُمْ
سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي قَتْلَى بَدْرٍ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ
لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى فِي
مَوْضِعِهَا .
مَنْ فَاتَ ابْنَ إسْحَاقَ ذِكْرُهُمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ
السّبْعِينَ الْقَتْلَى .
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : وَهْبُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ
بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ حَلِيفٌ لَهُمْ وَعَامِرُ بْنُ زَيْدٍ ، حَلِيفٌ
لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ
مِنْ الْيَمَنِ ، وَعُمَيْرٌ مَوْلَى لَهُمْ . رَجُلَانِ . [ ص 175 ]
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : نُبَيْهُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُلَيْصٍ
وَعُبَيْدُ بْنُ سَلِيطٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قَيْسٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي تَيْمٍ
وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : مَالِكُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ
وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ أُسِرَ فَمَاتَ فِي
الْأُسَارَى ، فَعُدّ فِي الْقَتْلَى ، وَيُقَالُ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ جُدْعَانَ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَهِشَامُ بْنُ أَبِي
حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ، وَزُهَيْرُ بْنُ
أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ أَبُو أُسَيْدِ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَالسّائِبُ
بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَعَائِذُ بْنُ
السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ ، أُسِرَ ثُمّ اُفْتُدِيَ فَمَاتَ فِي الطّرِيقِ مِنْ
جِرَاحَةٍ جَرَحَهُ إيّاهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَعُمَيْرٌ
حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ طَيّءٍ ، وَخِيَارٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارَةِ .
سَبْعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : سَبْرَةُ بْنُ مَالِكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ .
رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو
الْحَارِثُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ،
وَعَامِرُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ أَخُو عَاصِمِ بْنُ ضُبَيْرَةَ ، قَتَلَهُ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ .
رَجُلَانِ .Sابْنُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ جُذْعَانَ
[ ص 174 ] عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُذْعَانَ التّيْمِيّ ، وَعَبْدُ
اللّهِ بْنُ جُذْعَانَ هُوَ الْجَوَادُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ الْجَفْنَةِ
الْعَظِيمَةِ الّتِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْهَا الرّاكِبُ عَلَى الْبَعِيرِ وَكَانَ
النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَسْتَظِلّ بِظِلّهَا ، وَوَقَعَ
فِيهَا إنْسَانٌ فَغَرِقَ وَمَاتَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ هَذَا الْكِتَابِ
حَدِيثَهُ وَالسّبَبَ فِي غِنَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ صُعْلُوكًا ، وَسُؤَالَ
عَائِشَةَ عَنْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ يَنْتَفِعُ
بِجُودِهِ أَمْ لَا . [ ص 175 ] أَبِي حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِيهِمْ
أَيْضًا حُذَيْفَةَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَاسْمُ أَبِي
حُذَيْفَةَ هَذَا مُهَشّمٌ وَهُوَ أَخُو هِشَامٍ وَهَاشِمٍ [ وَبِهِ كَانَ يُكَنّى
] ابْنَيْ الْمُغِيرَةِ وَهِشَامٌ وَالِدُ أَبِي جَهْلٍ وَهَاشِمٌ جَدّ عُمَرَ
لِأُمّهِ وَمُهَشّمٌ هُوَ أَبُو حُذَيْفَةَ وَأَمّا أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ
عُتْبَةَ فَاسْمُهُ قَيْسٌ ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَا ابْنُ
هِشَامٍ ، وَإِنّمَا قَالُوا فِيهِ مُهَشّمٌ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ غَلَطٌ
إنّمَا مُهَشّمٌ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ .
مَنْ قُتِلَ بِبَدْرِ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
[ ص 167 ] قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ :
حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ،
وَقَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ
وَعَلِيّ وَزَيْدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ وَعَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ
قَتَلَ عَامِرًا : عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَقَتَلَ الْحَارِثَ النّعْمَانُ بْنُ
عَصَرٍ ، حَلِيفُ الْأَوْسِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي
عُمَيْرٍ ، وَابْنُهُ مَوْلَيَانِ لَهُمْ . قَتَلَ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي عُمَيْرٍ :
سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَعُبَيْدَةُ بْنُ سَعِيدِ ( بْنِ ) الْعَاصِمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ
عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَالْعَاصُ بْنُ سَعِيدِ
بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . وَعُقْبَةُ
بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ،
قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ
عَوْفٍ ، صَبْرًا . [ ص 168 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ
عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْن الْمُطّلِبِ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : اشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ ؟ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي
أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . اثْنَا عَشَرَ
رَجُلًا .
مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ
نَوْفَلٍ ، قَتَلَهُ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - خَبِيبُ بْنُ إسَافَ ، أَخُو بَنِي
الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ قَتَلَهُ
عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؟ وَيُقَالُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .
رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : زَمْعَةُ بْنُ
الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ ، أَخُو بَنِي حَرَامٍ ،
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ وَثَابِتٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ
قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَعُقَيْلُ بْنُ
الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيّ ، اشْتَرَكَا فِيهِ -
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ وَهُوَ الْعَاصُ بْنُ هِشَامِ
بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصُ بْنُ هَاشِمٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيّةِ
عَدِيّ خُزَاعَةَ ، وَهُوَ الّذِي قَرَنَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ وَطَلْحَةَ بْنَ
عُبَيْدِ اللّهِ حِينَ أَسْلَمَا فِي حَبْلٍ فَكَانَا يُسَمّيَانِ الْقَرِينَيْنِ
لِذَلِكَ وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ - قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
. خَمْسَةُ نَفَرٍ . [ ص 169 ]
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ
عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ ، فِيمَا يَذْكُرُونَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بِالْأُثَيْلِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ النّضْرُ
بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَزَيْدُ بْنُ مُلَيْصِ مَوْلَى عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ
مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَ زَيْدَ
بْنَ مُلَيْصٍ بِلَالَ بْنَ رَبَاحٍ ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَزَيْدٌ حَلِيفٌ
لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
تَمِيمٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو .
مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : عُمَيْرُ بْنُ
عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ . رَجُلَانِ
.
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ : أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ -
وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ - ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ،
فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ يَدَ مُعَاذٍ فَطَرَحَهَا ، ثُمّ
ضَرَبَهُ مُعَوّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ حَتّى أَثْبَتَهُ ثُمّ تَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ
ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَاحْتَزّ رَأْسَهُ حِينَ
أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْسَابِ قُرَيْشٍ لَهُ
وَالْعَاصُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا حَدّثَ
إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ
كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ جَالِسٌ
فِي الْمَسْجِدِ [ وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ] إذْ مَرّ بِهِ
سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ ، [ ص 170 ] وَالْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَيَزِيدُ بْنُ
عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثُمّ
أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَيْمٍ ، وَكَانَ شُجَاعًا ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ
يَاسِرٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو مُسَافِعٍ الْأَشْعَرِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ
قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ -
وَحَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخُو
بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَيُقَالُ بَلْ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَرْمَلَةُ ، مِنْ الْأَسَدِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فِيمَا قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرِفَاعَةُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ
عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ
الرّبِيعِ ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَالْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ قَتَلَهُ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ
بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ حَلِيفُ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَعَبْدُ
اللّهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .Sمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصَ بْنَ سَعِيدِ
بْنِ الْعَاصِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ
الْحَدِيثَ الّذِي أَسْنَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ،
قَالَ قَتَلْت يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصَ بْنَ سَعِيدٍ وَأَخَذْت سَيْفَهُ ذَا
الْكَتِيفَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ [ ص 168 ] عَلِيّ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَبَعْضُ أَهْلِ التّفْسِيرِ يَقُولُونَ
قَتَلَهُ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ اللّهِ
الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي فِي [ ص 169 ] قُرَيْشٍ لَهُ وَالْعَاصِي
قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا حَدّثَ إبْرَاهِيمُ
بْنُ حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ
ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ
[ وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ] إذْ مَرّ بِهِ سَعِيدُ بْنُ
الْعَاصِي ، [ ص 170 ] فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إنّي وَاَللّهِ يَا ابْنَ أَخِي مَا قَتَلْت
أَبَاك يَوْمَ بَدْرٍ وَلَكِنّي قَتَلْت خَالِي الْعَاصَ بْنَ هِشَام ٍ وَمَا بِي
أَنْ أَكُونَ أَعْتَذِرُ مِنْ قَتْلِ مُشْرِكٍ قَالَ فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ
الْعَاصِ : [ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السّنّ ] لَوْ قَتَلْته كُنْت عَلَى
الْحَقّ وَكَانَ عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوَى
كَفّيْهِ وَقَالَ قُرَيْشٌ أَفْضَلُ النّاسِ إسْلَامًا ، وَأَعْظَمُ النّاسِ
أَمَانَةً وَمَنْ يُرِدْ بِقُرَيْشِ سُوءًا يَكُبّهُ اللّهُ لِفِيهِ وَقَالَ قَالَ
عَمّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ زَعَمُوا أَنّ عُمَرَ قَالَ رَأَيْته يَبْحَثُ
التّرَابَ كَأَنّهُ ثَوْرٌ فَصَدَدْت عَنْهُ وَحَمَلَ لَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ [ ص
171 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالسّائِبُ
بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ شَرِيكُ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الشّرِيكُ السّائِبُ لَا يُشَارِي
وَلَا يُمَارِي وَكَانَ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ - فِيمَا بَلَغَنَا -
وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ
بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ بْنِ
عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ مِمّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ
الْجِعْرَانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ غَيْرُ
ابْنِ إسْحَاقَ : أَنّ الّذِي قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ .
[ ص 172 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ
هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَحَاجِبُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَيُقَالُ حَاجِزُ بْنُ
السّائِبِ - وَاَلّذِي قَتَلَ حَاجِبَ بْنَ السّائِبِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُوَيْمِرُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ قَتَلَهُ
النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ مُبَارَزَةً فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ ، وَجَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ
حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ طَيّءٍ ، قَتَلَ عَمْرًا يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ ، وَقَتَلَ
جَابِرًا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيّارٍ ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا .
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ :
مُنَبّهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ
قَتَلَهُ أَبُو الْيُسْرِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، وَابْنُهُ الْعَاصُ بْنُ
مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَنُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرٍ قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ
سَهْمٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ
النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ . [ ص 173 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَاصِمُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ
سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، قَتَلَهُ أَبُو الْيُسْرِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ :
أُمَيّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، قَتَلَهُ رَجُلٌ
مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَازِنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَلْ
قَتَلَهُ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَخَبِيبُ بْنُ إسَافَ
، اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَابْنُهُ عَلِيّ بْنُ
أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَأَوْسُ بْنُ مِعْيَرِ
بْنِ لَوْذَان بْنِ سَعْدِ بْنِ جُمَحَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
الْمُطّلِبِ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : مُعَاوِيَةُ بْنُ عَامِرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ
مِنْ عَبْدِ الْقَيْس ِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . وَيُقَالُ قَتَلَهُ
عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَمَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثٍ ، قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا
الْبُكَيْرِ وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . رَجُلَانِ .Sالسّائِبُ بْنُ أَبِي
السّائِبِ
[ ص 171 ] وَذَكَرَ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ السّائِبَ بْنَ أَبِي
السّائِبِ ، وَاسْمُ أَبِي السّائِبِ صَيْفِيّ بْنُ عَابِدٍ وَأَنْكَرَ ابْنُ
هِشَامٍ أَنْ يَكُونَ السّائِبُ قُتِلَ كَافِرًا قَالَ وَقَدْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ
إسْلَامُهُ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ عَنْ ابْنِ الزّبَيْرِ أَنّ السّائِبَ قُتِلَ
كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ وَأَحْسَبُهُ اتّبَعَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ
إسْحَاقَ ، قَالَ وَقَدْ نَقَضَ الزّبَيْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ
كِتَابِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عِكْرِمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَعْبٍ
عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَالَ مَرّ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ
يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، وَمَعَهُ جُنْدُهُ فَزَحَمُوا السّائِبَ بْنَ صَيْفِيّ بْنِ
عَابِدٍ فَسَقَطَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ
فَقَالَ ارْفَعُوا الشّيْخَ فَلَمّا قَامَ قَالَ مَا هَذَا يَا مُعَاوِيَةُ ؟
تَصْرَعُونَنَا حَوْلَ الْبَيْتِ ؟ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ أَرَدْت أَنْ
أَتَزَوّجَ أُمّك ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْتَك فَعَلْت ، فَجَاءَتْ بِمِثْلِ
أَبِي السّائِبِ يَعْنِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ السّائِبِ وَهَذَا وَاضِحٌ فِي
إدْرَاكِهِ الْإِسْلَامَ وَفِي طُولِ عُمُرِهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ
حَدّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ اللّيْثِيّ ، قَالَ حَدّثَنِي أَبُو
السّائِبِ يَعْنِي : الْمُنَاجِزَ وَهُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ السّائِبِ ، قَالَ
كَانَ جَدّي أَبُو السّائِبِ شَرِيكَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الشّرِيكُ كَانَ أَبُو
السّائِبِ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي [ وَلَا يُدَارِي ] ، وَهَذَا كُلّهُ مِنْ
الزّبَيْرِ مُنَاقَضَةٌ فِيمَا ذُكِرَ أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ قُتِلَ
يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا . وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ
الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - نِعْمَ الشّرِيكُ أَبُو السّائِبِ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي كَانَ
قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ فِيمَا بَلَغَنَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ [ ص 172 ] عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ
بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ [ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ
كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ] مِمّنْ هَاجَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ . قَالَ
أَبُو عُمَرَ هَذَا أَوْلَى مَا عُوّلَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ
ذَكَرْنَا أَنّ الْحَدِيثَ فِيمَنْ كَانَ شَرِيكَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ هَؤُلَاءِ مُضْطَرِبٌ جِدّا ، مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ
الشّرِكَةَ لِلسّائِبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِأَبِي السّائِبِ أَبِيهِ
كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الزّبَيْرِ هَهُنَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِقَيْسِ
بْنِ السّائِبِ [ بْنِ عُوَيْمِرٍ ] ، وَمَعَهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِعَبْدِ بْنِ
أَبِي السّائِبِ وَهَذَا اضْطِرَابٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَقُومُ بِهِ
حُجّةٌ وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ مِنْ الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَمِمّنْ
حَسُنَ إسْلَامُهُ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ
حَدّثَنِي بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ عَنْ أَبِي عَلِيّ
الْغَسّانِيّ عَنْهُ كَذَلِكَ اخْتَلَفَتْ الرّوَايَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ كَانَ
خَيْرَ شَرِيكٍ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ
قَوْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَبِي السّائِبِ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي السّائِبِ فِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . [ ص 173 ]
أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ
وَذَكَرَ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ : أَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ أَحَدَ
بَنِي الْحُبْلَى ، يُقَالُ كَانَ مِنْ الْكَمَلَةِ وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ ،
وَالْخَوْلِيّ فِي اللّغَةِ هُوَ الّذِي يَقُومُ عَلَى الْخَيْلِ وَيَخْدُمُهَا
وَفِي الْخَبَرِ أَنّ جَمِيلًا الْكَلْبِيّ كَانَ خَوْلِيّا لِمُعَاوِيَةَ ، وَفِي
هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْيَاءَ فِي الْخَيْلِ أَصْلُهَا الْوَاوُ .
أَخُو طَلْحَةَ
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمّنْ لَمْ
يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ مَالِكَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ
أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ .
ذِكْرُ أَسْرَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
[ ص 176 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ
يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَقِيلُ بْنُ أَبِي
طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ؛ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ . [ ص 177 ]
مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ
وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : السّائِبُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ
يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ
بْنِ الْمُطّلِبِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ
بْنِ حَرْبِ بْنِ أَمَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي وَجْزَةَ
بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي
وَحْرَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو الْعَاصِ
بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ ( عَبْدِ ) شَمْسٍ ، وَأَبُو الْعَاصِ
بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . [ ص 178 ] وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ أَبُو رِيشَةَ
بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَزْرَقِ ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ
الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ سَبْعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَدِيّ بْنُ الْخِيَارِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ نَوْفَلٍ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ ابْنُ أَخِي غَزْوَانَ بْنِ
جَابِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَبُو ثَوْرٍ ،
حَلِيفٌ لَهُمْ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : أَبُو عَزِيزُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ
حَلِيفٌ لَهُمْ . وَيَقُولُونَ نَحْنُ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السّبّاقِ رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ . السّائِبُ بْنُ أَبِي
حُبَيْشِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ عَبّادِ بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَائِذِ بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَالِمُ بْنُ شَمّاسٍ حَلِيفٌ
لَهُمْ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ : خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأُمَيّةُ بْنُ
أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ
الْمُغِيرَةِ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؟ وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ
بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنُ أَبِي
رِفَاعَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ مَخْزُومٍ وَأَبُو عَطَاءٍ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ ، وَالْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ
عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، [ ص 179 ] كَانَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - أَوّلُ مَنْ
وَلّى فَارّا مُنْهَزِمًا ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
وَلَسْنَا عَلَى الْأَدْبَارِ تَدْمِي كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا
يَقْطُرُ الدّمُ
تِسْعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : " لَسْنَا عَلَى
الْأَعْقَابِ " . وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَيُقَالُ
عُقَيْلِيّ .
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ
: أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ صُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ كَانَ
أَوّلَ أَسِيرٍ اُفْتُدِيَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ افْتَدَاهُ ابْنُهُ الْمُطّلِبُ
بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ ؟ وَفَرْوَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ
سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَحَنْظَلَةُ بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ
سَهْمٍ وَالْحَجّاجُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ أَرْبَعَةُ
نَفَرٍ . [ ص 180 ]
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ
أُبَيّ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَأَبُو عَزّةَ
عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وُهَيْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ
وَالْفَاكِهُ مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، ادّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَبَاحُ بْنُ
الْمُغْتَرِفِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنّهُ مِنْ بَنِي شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ
فِهْرٍ - وَيُقَالُ إنّ الْفَاكِهَ بْنَ جَرْوَلَ بْنِ حِذْيَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ
غَضَبِ بْنِ شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ - وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ
وَهْبِ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَرَبِيعَةُ بْنُ
دَرّاجِ بْنِ الْعَنْبَسِ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ
. خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : سُهَيْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ
بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ أَسَرَهُ
مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ، [ ص 181 ] وَعَبْدُ
بْنِ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَشْنُوءِ بْنِ
وَقْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : الطّفَيْلُ بْنُ أَبِي قُنَيْعٍ وَعُتْبَةُ
بْنُ عَمْرِو بْنِ جَحْدَمٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ
حُفِظَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا .
مَا فَاتَ ابْنَ إسْحَاقَ ذِكْرُهُمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ رَجُلٌ لَمْ نَذْكُرْ
اسْمَهُ . وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ الْأُسَارَى :
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُتْبَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي
فِهْرٍ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ
وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَقِيلُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ
لَهُمْ وَأَخُوهُ تَمِيمُ بْنُ عَمْرٍو ، وَابْنُهُ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : خَالِدُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ
أَبِي الْعِيصِ ، وَأَبُو الْعَرِيضِ يَسَارٌ مَوْلَى الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ .
رَجُلَانِ . [ ص 182 ]
مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : نَبْهَانَ مَوْلًى لَهُمْ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عَبْدُ اللّهِ
بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : عَقِيلٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ
. رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي تَيْمٍ
وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : مُسَافِعُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ صَخْرِ بْنِ
عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَجَابِرُ بْنُ الزّبَيْرِ حَلِيفٌ
لَهُمْ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : قَيْسُ بْنُ السّائِبِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : عَمْرُو بْنُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، وَأَبُو
رُهْمِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَحَلِيفٌ لَهُمْ ذَهَبَ عَنّي
اسْمُهُ وَمَوْلَيَانِ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ أَحَدُهُمَا نِسْطَاسٌ وَأَبُو
رَافِعٍ غُلَامُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ . سِتّةُ نَفَرٍ . [ ص 183 ]
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو : أَسْلَمَ ، مَوْلَى نُبَيْهٍ الْحَجّاجِ .
رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : حَبِيبُ بْنُ جَابِرٍ وَالسّائِبُ بْنُ
مَالِكٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : شَافِعٌ وَشَفِيعٌ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ
أَرْضِ الْيَمَنِ . رَجُلَانِ .Sتَسْمِيَةُ مَنْ أُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
[ ص 176 ] ابْنُ إسْحَاقَ ، وَلَا ابْنُ هِشَامٍ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ
وَالْحَاجَةُ مَاسّةٌ بِقَارِئِ السّيرَةِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَأَوّلُهُمْ
وَأَفْضَلُهُمْ الْعَبّاسُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- وَلَا خَفَاءَ بِإِسْلَامِهِ وَفَضْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ إسْلَامِهِ فِي
فَصْلٍ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَأَنّ أَبَا الْيُسْرِ كَعْبَ بْنِ عَمْرٍو هُوَ
الّذِي أَسَرَهُ وَكَانَ قَصِيرًا ذَمِيمًا ، وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ أَنّهُ
قِيلَ لِلْعَبّاسِ كَيْفَ أَسَرَك أَبُو الْيُسْرِ وَلَوْ أَخَذْته بِكَفّك
لَوَسِعَتْهُ كَفّك ، فَقَالَ مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِيته ، فَظَهَرَ فِي عَيْنِي
كَالْخَنْدَمَةِ ، وَالْخَنْدَمَةُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مَكّةَ .
عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
وَعَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِمّنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ أَسْلَمَ عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا
يَزِيدَ إنّي أُحِبّك حُبّيْنِ حُبّا لِقَرَابَتِك مِنّي ، وَحُبّا لِمَا أَعْلَمُ
مِنْ حُبّ عَمّي إيّاكَ سَكَنَ عَقِيلٌ الْبَصْرَةَ ، وَمَاتَ بِالشّامِ فِي
خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ . رَوَى عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حَدِيثًا فِي الْوُضُوءِ بِالْمُدّ وَالطّهُورِ بِالصّاعِ وَحَدِيثًا
آخَرَ أَيْضًا : لَا تَقُولُوا بِالرّفَاءِ وَالْبَنِينَ وَقُولُوا : بَارَكَ
اللّهُ لَك ، وَبَارَكَ عَلَيْك . وَكَانَ أَسَنّ مِنْ جَعْفَرٍ بِعَشْرِ سِنِينَ
وَكَانَ جَعْفَرٌ أَسَنّ مِنْ عَلِيّ بِعَشْرِ سِنِينَ وَكَانَ طَالِبٌ أَسَنّ
مِنْ عَقِيلٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ
وَمِنْهُمْ نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، يُقَالُ أَسْلَمَ
عَامَ الْخَنْدَقِ ، وَهَاجَرَ ، وَقِيلَ بَلْ أَسْلَمَ حِينَ أُسِرَ وَذَلِكَ
أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ افْدِ نَفْسَك ، قَالَ
لَيْسَ لِي مَالٌ أَفْتَدِي بِهِ قَالَ افْدِ نَفْسَك بِأَرْمَاحِك الّتِي
بِجُدّةِ قَالَ وَاَللّهِ مَا عَلِمَ أَحَدٌ أَنّ لِي بِجُدّةِ أَرْمَاحًا [ ص 177
] وَهُوَ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
يَوْمَ حُنَيْن ٍ وَأَعَانَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا بِثَلَاثَةِ آلَافِ رُمْحٍ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَنّي أَنْظُرُ إلَى أَرْمَاحِك هَذِهِ تَقْصِفُ
ظُهُورَ الْمُشْرِكِينَ . مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَصَلّى
عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا - أَبُو الْعَاصِ بْنُ
الرّبِيعِ وَغَيْرُهُ وَمِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ صِهْرُ رَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَهُ مَعَ مَا
ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِهِ وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ
قَبْلَ هَذَا . وَمِنْهُمْ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيّ ، وَقَدْ
ذَكَرْنَا اسْمَهُ وَاسْمَ أُمّهِ وَإِخْوَتِهِ فِي أَوّلِ خَبَرِ بَدْرٍ .
وَمِنْهُمْ السّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ
عَبْدِ الْعُزّى ، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ - ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ عَيْبًا ، وَمَا أَحَدٌ إلّا
وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أَعِيبَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- وَقَدْ قِيلَ إنّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَالَهَا عُمَرُ فِي ابْنِهِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ السّائِبِ ، وَالسّائِبُ هَذَا هُوَ أَخُو فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي
حُبَيْشٍ الْمُسْتَحَاضَةِ . وَمِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ
فِي الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ . وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّائِبِ ،
وَاسْمُ أَبِي السّائِبِ صَيْفِيّ ، وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ عُمَرَ فِيهِ وَفِي
أَبِيهِ وَعَنْهُ أَخَذَ أَهْلُ مَكّةَ الْقِرَاءَةَ وَعَلَيْهِ قَرَأَ مُجَاهِدٌ
وَغَيْرُهُ مِنْ قُرّاءِ أَهْلِ مَكّةَ . [ ص 178 ] وَمِنْهُمْ الْمُطّلِبُ بْنُ
حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
مَخْزُومٍ ، وَبَنُو عُمَرَ بْنُ مَخْزُومٍ ثَلَاثَةٌ عَبْدُ الْعُزّى ، وَعَابِدٌ
وَمِنْ أَهْلِ النّسَبِ مَنْ ذَكَرَ فِيهِمْ عُثْمَانَ بْنَ عُمَرَ وَبَنُو
مَخْزُومٍ ثَلَاثَةٌ عُمَرُ وَالِدُ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ وَعِمْرَانُ وَعَامِرٌ
هَؤُلَاءِ فِيهِمْ الْعَدَدُ وَيُذْكَرُ فِي بَنِي مَخْزُومٍ أَيْضًا عُمَيْرٌ
وَعَمِيرَةُ وَلَمْ يُعْقِبْ عَمِيرَةُ إلّا بِنْتًا اسْمُهَا : زَيْنَبُ وَمِنْ
حَدِيثِ الْمُطّلِبِ [ ص 179 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ مِنّي بِمَنْزِلَةِ السّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنْ الرّأْسِ وَفِي إسْنَادِهِ
ضَعْفٌ .
الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
وَمِنْ وَلَدِهِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الْمُطّلِبِ ، وَكَانَ أَكْرَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَسْخَاهُمْ ثُمّ تَزَهّدَ فِي
آخِرِ عُمُرِهِ وَمَاتَ بِمَنْبِجَ وَفِيهِ يَقُولُ [ عَبَاءَةُ بْنُ عُمَرَ ]
الرّاتِجِيّ يَرْثِيهِ
سَأَلُوا عَنْ الْجُودِ وَالْمَعْرُوفِ مَا فَعَلَا ... فَقُلْت إنّهُمَا مَاتَا
مِنْ الْحَكَمِ
مَاتَا مَعَ الرّجُلِ الْمُوفِي بِذِمّتِهِ ... قَبْلَ السّؤَالِ إذَا لَمْ يُوفَ
بِالذّمَمِ
وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَعْرُوفٍ قَالَ حَضَرْت وَفَاةَ
الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ
حَنْطَبٍ فَأَصَابَتْهُ مِنْ الْمَوْتِ شِدّةٌ فَقَالَ قَائِلٌ فِي الْبَيْتِ
اللّهُمّ هَوّنْ عَلَيْهِ الْمَوْتَ فَقَدْ كَانَ وَقَدْ كَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ
فَأَفَاقَ الْحَكَمُ فَقَالَ مَنْ الْمُتَكَلّمُ ؟ فَقَالَ الرّجُلُ أَنَا ،
فَقَالَ الْحَكَمُ يَقُولُ لَك مَلَكُ الْمَوْتِ أَنَا بِكُلّ سَخِيّ رَفِيقٌ ثُمّ
كَأَنّمَا كَانَتْ [ ص 180 ] فَتِيلَةً فَطُفِئَتْ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ
الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا ، وَحِين سُجِنَ الْحَكَمُ فِي وِلَايَةٍ
وَلِيَهَا ، قَالَ فِيهِ شَاعِرٌ
خَلِيلِيّ إنّ الْجُودَ فِي السّجْنِ فَابْكِيَا ... عَلَى الْجُودِ إذْ سُدّتْ
عَلَيْهِ مَرَافِقُهْ
فِي أَبْيَاتٍ فَأَعْطَى قَائِلَ هَذَا الشّعْرِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ .
مِنْ الّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ
وَمِنْهُمْ أَبُو وَدَاعَةَ الْحَارِثُ بْنُ صُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ
بْنِ سَهْمٍ أَسْلَمَ هُوَ وَابْنُهُ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ يَوْمَ
فَتْحِ مَكّةَ . وَمِنْهُمْ الْحَجّاجُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ وَلَمْ يُوَافِقْ الْوَاقِدِيّ وَلَا غَيْرُهُ لِابْنِ
إسْحَاقَ عَلَى قَوْلِهِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ وَقَالُوا : إنّمَا هُوَ سَعْدٌ
وَقَدْ تَقَدّمَ هَذَا ، وَأَحْسَبُ ذِكْرَ الْحَجّاجِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
وَهْمًا فَإِنّهُ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ
أُحُدٍ ، فَكَيْفَ يُعَدّ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ . وَمِنْهُمْ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ
وَقُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَمِنْهُمْ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ الْجُمَحِيّ أَسْلَمَ
بَعْدَ أَنْ جَاءَ أَبُو عُمَيْرٍ فِي فِدَائِهِ فَأَسْلَمَا جَمِيعًا ، وَقَدْ
ذَكَرَ خَبَرَ إسْلَامِهِ ابْنُ إسْحَاقَ قَبْلَ هَذَا . وَمِنْهُمْ سُهَيْلُ بْنُ
عَمْرٍو أَسْلَمَ وَمَاتَ بِالشّامِ شَهِيدًا ، وَهُوَ خَطِيبُ قُرَيْشٍ ،
وَأَخْبَارُهُ مَشْهُورَةٌ فِي السّيرَةِ وَغَيْرِهَا . [ ص 181 ] وَمِنْهُمْ عَبْدُ
بْنُ زَمَعَةَ أَخُو سَوْدَةَ بِنْتِ زَمَعَةَ أَسْلَمَ ، وَهُوَ الّذِي خَاصَمَهُ
سَعْدٌ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ وَاسْمُ الِابْنِ الْمُخَاصَمُ فِيهِ عَبْدُ
الرّحْمَنِ وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ . [ ص 182 ] وَمِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ السّائِبِ
[ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ] الْمَخْزُومِيّ
إلَيْهِ كَانَ وَلَاءُ مُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ الْقَارِي ، وَيُقَالُ فِيهِ
مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ
فِي مَوْلَايَ قَيْسِ بْنِ السّائِبِ أَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { وَعَلَى
الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } فَأَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ
كُلّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَهُوَ الّذِي قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي الْجَاهِلِيّةِ شَرِيكِي ، فَكَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا
يُشَارِينِي وَلَا يُمَارِينِي وَقِيلَ إنّ أَبَاهُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ
وَتَقَدّمَ الِاضْطِرَابُ فِي ذَلِكَ وَالِاخْتِلَافُ وَقَوْلُهُ يُشَارِينِي مِنْ
شَرِيَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ إذَا تَغَاضَبُوا . وَمِنْهُمْ نِسْطَاسٌ مَوْلَى
أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، يُقَالُ إنّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ أُحُدٍ ، وَكَانَ يُحَدّثُ
عَنْ انْهِزَامِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَدُخُولِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ فِي
الْقُبّةِ وَهُرُوبِ صَفْوَانَ بِخَبَرِ عَجِيبٍ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ ،
فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأُسَارَى الّذِينَ أُسِرُوا يَوْمَ
بَدْرٍ . [ ص 183 ]
مِمّنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ الْأُسَارَى
وَذَكَرَ فِيمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرٍ
الْأَسَدِيّ ، وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْدٍ ، كَذَلِكَ
ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَأَبُو عُمَرَ وَالْكَلَابَاذِيّ أَبُو نَصْرٍ
وَهُوَ مَوْلَى حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ . وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ
فِي نَسَبِ بَلِيّ بْنِ فَارَانَ بْنِ عَمْرٍو ، فَإِنّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ
النّسَبِ فَرّانٍ بِغَيْرِ أَلِفٍ غَيْرَ أَنّ مِنْهُمْ مَنْ يُشَدّدُ الرّاءَ
وَهُوَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَقَالَ هُوَ فَعْلَانُ مِنْ الْفِرَارِ .
تَارِيخُ وَفَاةِ رُقَيّةَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ فِي السّيرَةِ تَخَلّفَ عُثْمَانَ عَلَى امْرَأَتِهِ رُقَيّةَ فَضَرَبَ
لَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ
كَانَ مَوْتُهَا يَوْمَ قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بَشِيرًا بِوَقْعَةِ بَدْرٍ
، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي وَفَاةِ رُقَيّةَ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي
التّارِيخِ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
- شَهِدَ دَفْنَ بِنْتِهِ رُقَيّةَ وَقَعَدَ عَلَى قَبْرِهَا ، وَدَمَعَتْ
عَيْنَاهُ فَقَالَ " أَيّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ اللّيْلَةَ ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ
أَنَا ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي قَبْرِهَا " ، ثُمّ أَنْكَرَ
الْبُخَارِيّ هَذِهِ الرّوَايَةَ وَخَرّجَهُ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ فَقَالَ فِيهِ
عَنْ أَنَسٍ شَهِدْنَا دَفْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يُسَمّ رُقَيّةَ وَلَا غَيْرَهَا وَرَوَاهُ
الطّبَرِيّ ، فَقَالَ فِيهِ عَنْ أَنَسٍ شَهِدْنَا دَفْنَ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَيّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَهُوَ كُلّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَمَنْ قَالَ كَانَتْ رُقَيّةَ فَقَدْ وَهِمَ بِلَا
شَكّ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ أَيّكُمْ يُقَارِفُ اللّيْلَةَ فَقَالَ فُلَيْحُ بْنُ
سُلَيْمَانَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ يَعْنِي : الذّنْبَ هَكَذَا وَقَعَ فِي
الْجَامِعِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ
أَوْلَى بِهَذَا ، وَإِنّمَا أَرَادَ أَيّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ أَهْلَهُ وَكَذَا
رَوَاهُ غَيْرُهُ بِهَذَا اللّفْظِ قَالَ ابْنُ بَطّالٍ : أَرَادَ النّبِيّ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ يَحْرِمَ عُثْمَانَ [ ص 184 ] كَانَ أَحَقّ
النّاسِ بِذَلِكَ لِأَنّهُ كَانَ بَعْلَهَا ، وَفَقَدَ مِنْهَا عِلْقًا لَا عِوَضَ
مِنْهُ لِأَنّهُ حِينَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ " أَيّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ
اللّيْلَةَ أَهْلَهُ سَكَتَ عُثْمَانُ " ، وَلَمْ يَقُلْ أَنَا ، لِأَنّهُ
كَانَ قَدْ قَارَفَ لَيْلَةَ مَاتَتْ بَعْضَ نِسَائِهِ وَلَمْ يَشْغَلْهُ الْهَمّ
بِالْمُصِيبَةِ وَانْقِطَاعِ صِهْرِهِ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَنْ الْمُقَارَفَةِ فَحُرِمَ بِذَلِكَ مَا كَانَ حَقّا لَهُ وَكَانَ
أَوْلَى بِهِ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرِهِ وَهَذَا بَيّنٌ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ
وَلَعَلّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ كَانَ عَلِمَ ذَلِكَ
بِالْوَحْيِ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا ، لِأَنّهُ فَعَلَ فِعْلًا حَلَالًا ،
غَيْرَ أَنّ الْمُصِيبَةَ لَمْ تَبْلُغْ مِنْهُ مَبْلَغًا يَشْغَلُهُ حَتّى حُرِمَ
مَا حُرِمَ مِنْ ذَلِكَ بِتَعْرِيضِ غَيْرِ تَصْرِيحٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ
بَدْرٍ
قَالَ [ ص 184 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ
بَدْر ٍ وَتَرَادّ بِهِ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ قَوْلُ حَمْزَةَ
بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَرْحَمُهُ اللّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا وَنَقِيضَتُهَا [ ص 185 ]
أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجَبِ الدّهْرِ ... وَلِلْحَيّنِ أَسْبَابٌ
مُبَيّنَةُ الْأَمْرِ
وَمَا ذَاكَ إلّا أَنّ قَوْمًا أَفَادَهُمْ ... فَحَانُوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ
وَبِالْكُفْرِ
عَشِيّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُونًا لِلرّكِيّةِ
مِنْ بَدْرِ
وَكُنّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إلَيْنَا
فَالْتَقَيْنَا عَلَى قَدْرِ
فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ
بِالْمُثَقّفَةِ السّمْرِ
وَضَرْبٍ بِبِيضِ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدّهَا ... مُشَهّرَةِ الْأَلْوَانِ
بَيّنَةِ الْأُثُرِ
وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَيّ ثَاوِيًا ... وَشَيْبَةَ فِي الْقَتْلَى
تَجَرْجُمُ فِي الْجَفْرِ
وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ ... فَشُقّتْ جُيُوبُ
النّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو
جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامٍ تَفَرّعْنَ الذّوَائِبَ
مِنْ فِهْرِ
أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ ... وَخَلّوْا لِوَاءً غَيْرَ
مُحْتَضَرِ النّصْرِ
لِوَاءَ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ إنّ الْخَبِيثَ إلَى
غَدْرِ
وَقَالَ لَهُمْ إذْ عَايَنَ الْأَمْرَ وَاضِحًا ... بَرِئْت إلَيْكُمْ مَا بِي
الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ
فَإِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَإِنّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ اللّهِ وَاَللّهُ
ذُو قَسْرِ
فَقَدّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتّى تَوَرّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ
الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ
فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا ... ثَلَاثُ مِئِينٍ
كَالْمُسَدّمَةِ الزّهْرِ
وَفِينَا جُنُودُ اللّهِ حِينَ يُمِدّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثَمّ
مُسْتَوْضَحِ الذّكْرِ
فَشَدّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمْ
تَجْرِي
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ [ ص 186 ]
أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلصّبَابَةِ وَالْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنّي
وَالْحَرَارَةِ فِي الصّدْرِ
وَلِلدّمْعِ مِنْ عَيْنَيّ جَوْدًا كَأَنّهُ ... فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْكٍ
نَاظِمُهُ يَجْرِي
عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشّمَائِلِ إذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ لِلرّكِيّةِ
مِنْ بَدْرِ
فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو مِنْ ذِي قُرَابَةٍ ... وَمِنْ ذِي نَدَمٍ كَانَ ذَا
خُلُقٍ غَمْرِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْك دَوْلَةً ... فَلَا بُدّ لِلْأَيّامِ مِنْ
دُوَلِ الدّهْرِ
فَقَدْ كُنْت فِي صَرْفِ الزّمَانِ الّذِي مَضَى ... هَوَانًا مِنْك ذَا سُبُلٍ
وَعْرِ
فَإِلّا أَمُتْ يَا عَمْرُو أَتْرُكْ ثَائِرًا ... وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي
إخَاءٍ وَلَا صِهْرِ
وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرِ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا
قَطَعُوا ظَهْرِي
أَغُرّهُمْ مَا جَمّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصّمِيمَ فِي الْقَبَائِلِ
مِنْ فِهْرِ
فَيَالَ لُؤَيّ ذَبّبوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا لِذِي
الْفَخْرِ
تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمْ ... أَوَاسِيّهَا وَالْبَيْتَ ذَا السّقْفِ
وَالسّتْرِ
فَمَا لِحَلِيمِ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ ... فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبٍ مِنْ
عُذْرِ
وَجِدّوا لِمَنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعًا فِي التّأَسّي
وَفِي الصّبْرِ
لَعَلّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ ... وَلَا شَيْءَ إنْ لَمْ تَثْأَرُوا
بِذَوِي عَمْرِو
بِمُطَرّدَاتِ فِي الْأَكُفّ كَأَنّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيّنَةَ
الْأُثْرِ
كَأَنْ مُدِبّ الذّرّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إذَا جُرّدَتْ يَوْمًا لِأَعْدَائِهَا
الْخُزْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ مِمّا
رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ ، وَهُمَا " الْفَخْرِ " فِي آخِرِ الْبَيْتِ و
" فَمَا لِحَلِيمِ " فِي أَوّلِ الْبَيْتِ لِأَنّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .Sأَشْعَارُ يَوْمَ بَدْرٍ
وَقَدْ قَدّمْنَا فِي آخِرِ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ أَنّا لَا نَعْرِضُ لِشَرْحِ
شَيْءٍ مِنْ الشّعْرِ الّذِي هُجِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَنَالَ فِيهِ مِنْ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُشْرِكُونَ إلّا شِعْرًا
أَسْلَمَ صَاحِبُهُ وَتَكَلّمْنَا هُنَالِكَ عَلَى مَا قِيلَ فِي تِلْكَ
الْأَشْعَارِ وَذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ طَعَنَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِسَبَبِهَا
هُنَالِكَ وَبَيّنّا الْحَقّ وَالْحَمْدُ لِلّهِ .
الشّعْرُ الْمَنْسُوبُ إلَى حَمْزَةَ
الشّعْرُ الْمَنْسُوبُ إلَى حَمْزَةَ فِيهِ وَمَا ذَاكَ إلّا أَنّ قَوْمًا
أَفَادَهُمْ أَفَادَهُمْ أَهْلَكَهُمْ يُقَالُ فَادَ الرّجُلُ وَفَاظَ وَفَطَسَ
وَفَازَ وَفَوّزَ إذَا هَلَكَ وَلَا يُقَالُ فَاضَ بِالضّادِ وَلَا يُقَالُ
فَاظَتْ نَفْسُهُ إلّا فِي لُغَةِ بَنِي ضَبّةَ بْنِ أُدّ . وَقَوْلُهُ تَوَاصٍ
هُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ الْوَصِيّةِ وَهُوَ الْفَاعِلُ بِأَفَادَهُمْ . [ ص 185 ] الْجَفْرِ
. الْجَفْرُ كُلّ بِئْرٍ لَمْ تُطْوَ وَمِثْلُهَا : الْجَفْرَةُ وَيُجَرْجَمُ
يُجْعَلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ . [ ص 186 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلَمْ أَرَ أَحَدًا
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا ، وَإِنّمَا
كَتَبْنَاهُمَا لِأَنّهُ يُقَالُ إنّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ
قُتِلَ يَوْمَ بَدْر ٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْقَتْلَى ،
وَذَكَرَهُ فِي هَذَا الشّعْر [ ص 187 ]
أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارٍ
وَذِي فَضْلِ
بِمَا أَنْزَلَ الْكُفّارَ دَارَ مَذَلّةٍ ... فَلَاقَوْا هَوَانًا مِنْ إسَارٍ
وَمِنْ قَتْلِ
فَأَمْسَى رَسُولُ اللّهِ قَدْ عَزّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ أُرْسِلَ
بِالْعَدْلِ
فَجَاءَ بِفُرْقَانِ مِنْ اللّهِ مُنَزّلٍ ... مُبَيّنَةٌ آيَاتُهُ لِذَوِي
الْعَقْلِ
فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا ... فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللّهِ
مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ
خَبْلًا عَلَى خَبْلِ
وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَهُ ... وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ
أَحْسَنُ الْفِعْلِ
بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجَلَاءِ
وَبِالصّقْلِ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِئٍ ذِي حَمِيّةٍ ... صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَةٍ
مِنْهُمْ كَهْلِ
تَبِيتُ عُيُونُ النّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ ... تَجُودُ بِإِسْبَالِ الرّشَاشِ
وَبِالْوَبْلِ
نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَةَ الْغَيّ وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَى
أَبَا جَهْلِ
وَذَا الرّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهُمُ ... مُسَلّبَةً حَرّى
مُبَيّنَةَ الثّكْلِ
ثَوَى مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ
وَفِي الْمَحْلِ
دَعَا الْغَيّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ ... وَلِلْغَيّ أَسْبَابٌ
مُرَمّقَةُ الْوَصْلِ
فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بِمَعْزِلِ ... عَنْ الشّغَبِ وَالْعُدْوَانِ
فِي أَشْغَلْ الشّغْلِ
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ [ ص 188 ]
عَجِبْت لِأَقْوَامِ تَغَنّى سَفِيهُهُمْ ... بِأَمْرِ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ
وَذِي بُطْلِ
تَغَنّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ
غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلِ
مَصَالِيتَ بِيضٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا
مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ
أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمِ سِوَاهُمْ نَازِحِي
الدّارِ وَالْأَصْلِ
كَمَا أَصْبَحَتْ غَسّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ... لَكُمْ بَدَلًا مِنّا فَيَا لَك
مِنْ فِعْلِ
عُقُوقًا وَإِنّمَا بَيّنًا وَقَطِيعَةً ... يَرَى جَوْرَكُمْ فِيهَا ذَوُو
الرّأْيِ وَالْعَقْلِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا
يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ
فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلًا
مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ
فَإِنّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتًا هَوَاكُمْ غَيْرُ
مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ ... وَعُتْبَةَ وَالْمَدْعُوّ
فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ
وَشَيْبَةَ فِيهُمُ وَالْوَلِيدَ وَفِيّهُمْ ... أُمَيّةُ مَأْوَى الْمُعْتَرِينَ
وَذُو الرّجْلِ
أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُو بِالرّزِيّةِ
وَالثّكْلِ
وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إلَى آطَامِ يَثْرِبَ
ذِي النّخْلِ
جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وذَبّبوا ... بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ
الصّقْلِ
وَإِلّا فَبَيّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلّ لِوَطْءِ الْوَاطِئِينَ
مِنْ النّعْلِ
عَلَى أَنّنِي وَاَللّاتِي يَا قَوْمُ فَاعْلَمُوا ... بِكُمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا
تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ
سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبِيضِ وَالْبِيضِ
الْقَوَاطِعِ وَالنّبْلِSشِعْرُ عَلِيّ
[ ص 187 ] وَقَالَ فِي الشّعْرِ الّذِي يُعْزَى إلَى عَلِيّ بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ
خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا يُقَالُ عَصَيْت بِالسّيْفِ وَعَصَوْت بِالْعَصَا ، فَإِذَا
أَخْبَرْت عَنْ جَمَاعَةٍ قُلْت : عَصُوا بِضَمّ الصّادِ كَمَا يُقَالُ عَمُوا ،
وَمِنْ الْعَصَا تَقُولُ عَصَوْا ، كَمَا تَقُولُ غَزَوْا . وَقَوْلُهُ مُسَلّبَةً
أَيْ قَدْ لَبِسَتْ السّلَابَ وَهِيَ خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ تَلْبَسُهَا الثّكْلَى .
قَالَ لَبِيدٌ
وَإِنّنِي مُلَاعِبُ الرّمَاحِ ... وَمِدْرَهَ الْكَتِيبَةَ الرّدَاحِ
يَضْرِبْنَ حُرّ أَوْجُهٍ صِحَاحٍ ... فِي السّلُبِ السّودِ وَفِي الْأَمْسَاحِ
فَالسّلُبُ جَمْعُ سِلَابٍ . [ ص 188 ]
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ
مِرْدَاسٍ ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ [ ص 189 ]
عَجِبْت لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرٌ ... عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدّهْرُ
فِيهِ بَصَائِرُ
وَفَخْرِ بَنِي النّجّارِ وَإِنْ كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرِ كُلّهِمْ
ثَمّ صَابِرُ
فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنّا رِجَالٌ بَعْدَهُمْ
سَنُغَادِرُ
وَتَرْدِي بِنّا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسْطَكُمْ ... بَنِي الْأَوْسِ حَتّى
يَشْفَى النّفْسَ ثَائِرُ
وَوَسْطَ بَنِي النّجّارِ سَوْفَ نَكُرّهَا ... لَهَا بِالْقَنَا وَالدّارِعِينَ
زَوَافِرُ
فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إلّا
الْأَمَانِيّ نَاصِرُ
وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بِهَا لَيْلٌ عَلَى
النّوْمِ سَاهِرُ
وَذَلِكَ أَنّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنّ دَمٌ مِمّنْ يُحَارِبْنَ
مَائِرُ
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدّكُمْ
وَهُوَ ظَاهِرُ
وَبِالنّفْرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي اللّأْوَاءِ
وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
يُعَدّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهُمُ ... وَيُدْعَى عَلِيّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ
ذَاكِرُ
وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ ... وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ فِي
الْحَرْبِ حَاضِرُ
أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتّجَبُ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الْأَوْسِ وَالنّجّارِ
حِينَ تُفَاخِرُ
وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا عُدّتْ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ
وَعَامِرُ
هُمْ الطّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ
الْأَكَاثِرُ
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ
عَجِبْت لِأَمْرِ اللّهِ وَاَللّهُ قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لِلّهِ
قَاهِرُ
قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا ... بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْيِ
بِالنّاسِ جَائِرُ
وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مَنْ يَلِيهِمْ ... مِنْ النّاسِ حَتّى
جَمْعُهُمْ مُتَكَاثِرُ
وَسَارَتْ إلَيْنَا لَا نُحَاوِلُ غَيْرَنَا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا
وَعَامِرُ
وَفِينَا رَسُولُ اللّهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ
وَنَاصِرُ
وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يُمَشّونَ فِي الْمَاذِي
وَالنّقْعُ ثَائِرُ
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ وَكُلّ مُجَاهِدٌ ... لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النّفْسِ
صَابِرُ
شَهِدْنَا بِأَنّ اللّهَ لَا رَبّ غَيْرَهُ ... وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ بِالْحَقّ
ظَاهِرُ
وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنّهَا ... مَقَايِيسُ يُزْهِيهَا لِعَيْنَيْك
شَاهِرُ
بِهِنّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدّدُوا ... وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ
هُوَ فَاجِرُ
فَكُبّ أَوْ جَهِلَ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهُوَ
عَائِرُ
وَشَيْبَةُ وَالتّيْمِيّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... مَا مِنْهُمْ إلّا بِذِي
الْعَرْشِ كَافِرُ
فَأَمْسَوْا وَقُودَ النّارِ فِي مُسْتَقَرّهَا ... وَكُلّ كَفُورٍ فِي جَهَنّمَ
صَائِرُ
تَلَظّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبّ حَمْيُهَا ... بِزُبُرِ الْحَدِيدِ
وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ قَدْ قَالَ أَقَبِلُوا ... فَوَلّوْا وَقَالُوا : إنّمَا
أَنْتَ سَاحِرُ
لِأَمْرِ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَهْلِكُوا بِهِ ... وَلَيْسَ لِأَمْرِ حَمّهُ
اللّهُ زَاجِرُ
[ ص 189 ]
[ ص 190 ] وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
الزّبَعْرَى السّهْمِيّ يَبْكِي قَتْلَى بَدْرٍ : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى
لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ أَحَدِ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ حَلِيفِ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدّارِ :
مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ
كِرَامِ
تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرِ خَصْمِ
فِئَامِ
وَالْحَارِثَ الْفَيّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدْرِ جَلّى لَيْلَةَ
الْإِظْلَامِ
وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبّهٍ ذَا مِرّةٍ ... رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَامِ
تَنْمِي بِهِ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ وَالْأَعْمَامِ
وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَلَ شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ
هِشَامِ
حَيّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبّ الْأَنَامِ وَخَصّهُمْ
بِسَلَامِ
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ ، فَقَالَ
ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاك ثُمّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمِ تُعَلّ غُرُوبُهَا سَجّامِ
مَاذَا بَكَيْت بِهِ الّذِينَ تَتَابَعُوا ... هَلّا ذَكَرْت مَكَارِمَ
الْأَقْوَامِ
وَذَكَرْت مِنّا مَاجِدًا ذَا هِمّةٍ ... سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ
الْإِقْدَامِ
أَعْنِي النّبِيّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنّدَى ... وَأَبَرّ مَنْ يُولِي عَلَى
الْإِقْسَامِ
فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الْمُمَدّحَ ثَمّ غَيْرَ
كَهَامِ
شِعْرٌ لِحَسّانِ فِي بَدْرٍ أَيْضًا
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ أَيْضًا [ ص 191 ] [ ص 192 ] [ ص 193
]
تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ ... تَشْفِي الضّجِيعَ بِبَارِدِ
بَسّامِ
كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذّبِيحِ
مُدَامِ
نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَصّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ
الْأَقْسَامِ
بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ ... فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ
وَتَكَادُ تَكْسَلُ أَنْ تَجِيءَ فِرَاشَهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وَحُسْنِ
قَوَامِ
أَمّا النّهَارُ فَلَا أَفْتُرُ ذِكْرَهَا ... وَاللّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا
أَحْلَامِي
أَقْسَمْت أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ... حَتّى تُغَيّبَ فِي الضّرِيحِ
عِظَامِي
يَا مَنْ لِعَاذِلَةِ تَلُومُ سَفَاهَةٌ ... وَلَقَدْ عَصَيْت عَلَى الْهَوَى
لُوّامِي
بَكَرَتْ عَلَيّ بِسُحْرَةِ بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ
الْأَيّامِ
زَعَمَتْ بِأَنّ الْمَرْءَ يَكْرُبُ عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لِمُعْتَكِرِ مِنْ
الْأَصْرَامِ
إنْ كُنْت كَاذِبَةَ الّذِي حَدّثْتنِي ... فَنَجَوْت مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ
هِشَامِ
تَرَكَ الْأَحِبّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمِرّةٍ
وَلِجَامِ
تَذَرُ الْعَنَاجِيحَ الْجِيَادَ بِقَفْرَةِ ... مَرّ الدّمُوكِ بِمُحْصَدِ
وَرِجَامِ
مَلَأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدّتْ بِهِ ... وَثَوَى أَحِبّتُهُ بِشَرّ
مَقَامِ
وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ ... نَصَرَ الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي
الْإِسْلَامِ
طَحَنَتْهُمْ وَاَللّهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ ... حَرْبٌ يُشَبّ سَعِيرُهَا بِضِرَامِ
لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السّبَاعِ وَدُسْنَهُ
بِحَوَامِي
مِنْ بَيْنِ مَأْسُورٍ يُشَدّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إذَا لَاقَى الْأَسِنّةَ
حَامِي
وَمُجَدّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةِ ... حَتّى تَزُولَ شَوَامِخُ الْأَعْلَامِ
بِالْعَارِ وَالذّلّ الْمُبَيّنِ إذْ رَأَى ... بِيضَ السّيُوفِ تَسُوقُ كُلّ
هُمَامِ
بِيَدَيْ أَغَرّ إذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَعٍ
مِقْدَامِ
بِيضٌ إذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلّ
غَمّامِSحَوْلَ شِعْرِ
حَسّانٍ
وَفِي شِعْرِ حَسّانٍ تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ [ ص 190 ] [ ص
191 ] يَكُونَ أَرَادَ بِالْمَنَامِ النّوْمَ وَمَوْضِعَ النّوْمِ وَوَقْتَ
النّوْمِ لِأَنّ مَفْعَلًا يَصْلُحُ فِي هَذَا كُلّهِ فِي ذَوَاتِ الْوَاوِ وَقَدْ
تُسَمّى الْعَيْنُ أَيْضًا مَنَامًا ، لِأَنّهَا مَوْضِعُ النّوْمِ وَعَلَيْهِ
تُؤُوّلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا }
أَيْ فِي عَيْنِك ، وَيُقَوّيهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { وَيُقَلّلُكُمْ فِي
أَعْيُنِهِمْ }
الْفَرْقُ بَيْنَ مَفْعَلٍ وَفَعْلٍ
وَلَا فَرْقَ عِنْدَ النّحْوِيّينَ بَيْنَ مَفْعَلٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَفَعْلٍ
نَحْوَ مَضْرَبٍ وَضَرْبٍ وَمَنَامٍ وَنَوْمٍ وَكَذَلِكَ هُمَا فِي التّعْدِيَةِ
سَوَاءٌ نَحْوَ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَمَضْرَبُ زَيْدٌ عَمْرًا ، وَأَمّا فِي
حُكْمِ الْبَلَاغَةِ وَالْعِلْمِ بِجَوْهَرِ الْكَلَامِ فَلَا سَوَاءَ فَإِنّ
الْمَصْدَرَ إذَا حَدّدْته قُلْت : ضَرْبَةً وَنَوْمَةً وَلَا يُقَالُ مَضْرَبَةً
وَلَا مَنَامَةً فَهَذَا فَرْقٌ وَفَرْقٌ آخَرُ تَقُولُ مَا أَنْتَ إلّا نَوْمٌ
وَإِلّا سَيْرٌ إذَا قَصَدْت التّوْكِيدَ وَلَا يَجُوزُ مَا أَنْتَ إلّا مَنَامٌ
وَإِلّا مَسِيرٌ وَمِنْ جِهَةِ النّظَرِ أَنّ الْمِيمَ لَمْ تُزَدْ إلّا لِمَعْنَى
زَائِدٍ كَالزّوَائِدِ الْأَرْبَعِ فِي الْمُضَارِعِ وَعَلَى مَا قَالُوهُ تَكُونُ
زَائِدَةً لِغَيْرِ مَعْنًى . فَإِنْ قُلْت : فَمَا ذَاكَ الْمَعْنَى الّذِي تُعْطِيهِ
الْمِيمُ ؟ قُلْنَا : الْحَدَثُ يَتَضَمّنُ زَمَانًا وَمَكَانًا وَحَالًا ،
فَالْمَذْهَبُ عِبَارَةٌ عَنْ الزّمَانِ الّذِي فِيهِ الذّهَابُ وَعَنْ الْمَكَانِ
أَيْضًا ، فَهُوَ يُعْطِي مَعْنَى الْحَدَثِ وَشَيْئًا زَائِدًا عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ إذَا أَرَدْت الْحَدَثَ مَقْرُونًا بِالْحَالَةِ وَالْهَيْئَةِ الّتِي
يَقَعُ عَلَيْهَا ، قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ
بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ } فَأَحَالَ عَلَى التّفَكّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ
الْمُسْتَمِرّةِ عَلَى الْبَشَرِ ثُمّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : { لَا تَأْخُذُهُ
سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } وَلَمْ يَقُلْ مَنَامٌ لِخُلُوّ هَذَا الْمَوْطِنِ مِنْ
تِلْكَ الْحَالَةِ وَتَعَرّيه مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الزّائِدِ فِي الْآيَةِ
الْأُخْرَى ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ جَوْهَرَ الْكَلَامِ لَمْ يَعْرِفْ إعْجَازَ الْقُرْآنِ
.
عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانٍ
وَفِي هَذَا الشّعْرِ بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ [ ص 192 ] وَأَجَمّ
أَيْ لَا عِظَامَ فِيهِ . وَقَوْلُهُ كَأَنّهُ فُضُلًا ، نُصِبَ فُضُلًا عَلَى
الْحَالِ أَيْ كَانَ قَطْعُهَا إذَا كَانَتْ فُضُلًا ، فَهُوَ حَالٌ مِنْ الْهَاءِ
فِي : كَأَنّهُ وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ مِنْ صِفَةِ الْمَرْأَةِ لَا مِنْ صِفَةِ
الْقَطَنِ وَلَكِنْ لَمّا كَانَ الْقَطَنُ بَعْضَهَا صَارَ كَأَنّهُ حَالٌ مِنْهَا
، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضّمِيرِ فِي قَعَدَتْ لِاسْتِحَالَةِ
أَنْ يَعْمَلَ مَا بَعْدَ إذَا فِيمَا قَبْلَهَا ، وَالْفُضُلُ مِنْ النّسَاءِ
وَالرّجَالِ الْمُتَوَشّحُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَالْمَدَاكُ صَلَاءَةُ الطّيبِ
وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنْ دُكْت أَدُوكُ إذَا دَقَقْت ، وَمِنْهُ الدّوْكَةُ
وَالدّوكَةُ وَقَوْلُهُ مَرّ الدّمُوكِ يُقَالُ دَمَكَهُ دَمْكًا ، إذَا طَحَنَهُ
طَحْنًا سَرِيعًا ، وَبَكَرَةٌ دَمُوكٌ أَيْ سَرِيعَةُ الْمَرّ وَكَذَلِكَ أَيْضًا
: رَحَى دَمُوكٌ وَالْمُحْصَدُ الْحَبْلُ الْمُحْكَمُ الْفَتْلُ وَالرّجَامُ
وَاحِدُ الرّجَامَيْنِ وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ اللّتَانِ تُلْقَى عَلَيْهِمَا
الْبَكَرَةُ وَالرّجَامُ أَيْضًا : جَمْعُ رُجْمَةٍ وَهِيَ حِجَارَةٌ مُجْتَمِعَةٌ
جَمْعُ رَجَمٍ وَهُوَ الْقَبْرُ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الطّيّبِ
تَمَتّعْ مِنْ رُقَادٍ أَوْ سُهَادٍ ... وَلَا تَأْمَلْ كَرًى تَحْتَ الرّجَامِ
فَإِنّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنًى ... سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِك
وَالْمَنَامِ
[ ص 193 ] الْأَلْوَانِ وَالْخُلُقِ عَزِيزٌ وَأَمّا انْقَضّ فَلَيْسَ مِنْهُ فِي
شَيْءٍ لِأَنّك تَقُولُ فِي مَعْنَاهُ تَقَضّضَ الْبِنَاءُ فَالْقَافُ فَاءُ
الْفِعْلِ وَكَذَلِكَ تَقَضّي الْبَازِي ، لِأَنّهُ مَعَهُ وَغَلِطَ الْفَسَوِيّ
فِي الْإِيضَاحِ فَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّ مِنْ بَابِ احْمَرّ وَإِنّمَا
هُوَ مِنْ بَابِ انْقَدّ وَانْجَرّ وَالنّونُ زَائِدَةٌ وَوَزْنُهُ انْفَعَلَ
وَكَذَلِكَ غَلِطَ الْقَالِي فِي النّوَادِرِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ وَجَرْيُهَا
انْثِرَارٌ أَنّهُ افْعِلَالٌ مِنْ النّثْرِ كَمَا قَالَ الْفَسَوِيّ فِي
الِانْقِضَاضِ وَإِنّمَا هُوَ انْفِعَالٌ مِنْ عَيْنٍ ثَرّةٍ أَيْ كَثِيرَةِ
الْمَاءِ . وَدُسْنَهُ بِحَوَامّ يَعْنِي : الْحَوَافِرَ وَمَا حَوْلَ
الْحَوَافِرِ يُقَالُ الْحَامِيَةُ وَجَمْعُهُ حَوَامّ .
شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى
حَسّانٍ
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ [ ص
194 ]
اللّهُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْت قِتَالَهُمْ ... حَتّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ
مُزْبِدِ
وَعَرَفْت أَنّي إنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي عَدُوّي
مَشْهَدِي
فَصَدَدْت عَنْهُمْ وَالْأَحِبّةُ فِيهُمُ ... طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ
مُفْسِدِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَهَا الْحَارِثُ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ يَوْمَ
بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْ قَصِيدَةِ حَسّانٍ ثَلَاثَةَ
أَبْيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا ، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا .Sحَوْلَ شِعْرِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ
وَقَوْلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ : حَتّى عَلَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِد ِ
يَعْنِي : الدّمَ وَمُزْبِدٌ قَدْ عَلَاهُ الزّبَدُ . [ ص 194 ] فِيهُمُ يَعْنِي
مَنْ قُتِلَ أَوْ أُسِرَ مِنْ رَهْطِهِ وَإِخْوَتِهِ .
شِعْرُ لِحَسّانِ فِيهَا أَيْضًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ
الشّدِيدِ
بِأَنّا حِينَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي
الْوَلِيدِ
قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارَا ... إلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ
الْحَدِيدِ
وَفَرّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النّجّارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ
وَوَلّتْ عِنْدَ ذَاكَ جُمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِثُ مِنْ
بَعِيدِ
لَقَدْ لَاقَيْتُمْ ذُلّا وَقَتْلًا ... جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ
وَكُلّ الْقَوْمِ وَلّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التّلِيدِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
يَا حَارّ قَدْ عَوّلْت غَيْرَ مُعَوّلٍ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ
الْأَحْسَابِ
إذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً ... مَرْطَى الْجِرَاءِ طَوِيلَةَ
الْأَقْرَابِ
وَالْقَوْمُ خَلْفَك قَدْ تَرَكْت قِتَالَهُمْ ... تَرْجُو النّجَاءَ وَلَيْسَ حِينَ
ذَهَابِ
أَلَا عَطَفْت عَلَى ابْنِ أُمّك إذْ ثَوَى ... قَعْصَ الْأَسِنّةِ ضَائِعَ
الْأَسْلَابِ
عَجِلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ ... بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ وَسُوءِ
عَذَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أَقْذَعَ فِيهِ . [ ص
195 ]
[ ص 195 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَلْ
قَالَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ السّهْمِيّ :
مُسْتَشْعِرِي حَلَقِ الْمَاذِيّ يَقْدُمُهُمْ ... جَلْدُ النّحِيزَةِ مَاضٍ
غَيْرُ رِعْدِيدِ
أَعْنِي رَسُولَ إلَهِ الْخَلْقِ فَضّلَهُ ... عَلَى الْبَرّيّةِ بِالتّقْوَى
وَبِالْجُودِ
وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَاركُمْ ... وَمَاءُ بَدْرٍ زَعَمْتُمْ
غَيْرَ مَوْرُودِ
ثُمّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمْ ... حَتّى شَرِبْنَا رُوَاءَ غَيْرَ
تَصْرِيدِ
مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلِ غَيْرِ مُنْجَدِمٍ ... مُسْتَحْكَمٍ مِنْ حِبَالِ اللّهِ
مَمْدُودِ
فِينَا الرّسُولُ وَفِينَا الْحَقّ نَتْبَعُهُ ... حَتّى الْمَمَاتِ وَنَصْرٌ
غَيْرُ مَحْدُودِ
وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلّ
الْأَمَاجِيدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَيْتُهُ " مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلِ غَيْرِ
مُنْجَذِمٍ " عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
خَابَتْ بَنُو أَسَدٍ وَآبَ غَزِيّهُمْ ... يَوْمَ الْقَلِيبِ بِسَوْءَةٍ وفُضُوحِ
مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي تَجَدّلَ مُقْعَصًا ... عَنْ ظَهْرِ صَادِقَةِ النّجَاءِ
سَبُوحِ
حَيْنًا لَهُ مِنْ مَانِعٍ بِسِلَاحِهِ ... لَمّا ثَوَى بِمَقَامِهِ الْمَذْبُوحِ
وَالْمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ وَنَحْرَهُ ... يُدْمِي بِعَانِدِ مُغْبَطٍ
مَسْفُوحِ
مُتَوَسّدًا حُرّ الْجَبِينِ مُعَفّرًا ... قَدْ عُرّ مَارِنُ أَنْفِهِ بِقُبُوحِ
وَنَجَا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيّةِ رَهْطِهِ ... بِشَفَا الرّمَاقِ مُوَلّيًا
بِجُرُوحِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا [ ص 196 ]
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى أَهْلَ مَكّةَ ... إبَارَتُنَا الْكُفّارَ فِي
سَاعَةِ الْعُسْرِ
قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا ... فَلَمْ يَرْجِعُوا إلّا
بِقَاصِمَةِ الظّهْرِ
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ
وَلِلنّحْرِ
قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمّ عُتْبَةَ بَعْدَهُ ... وَطُعْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ
ثَائِرَةِ الْقَتْرِ
فَكَمْ قَدْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ مُرَزّإِ ... لَهُ حَسَبٌ فِي قَوْمِهِ
نَابِهُ الذّكْرِ
تَرَكْنَاهُمْ لِلْعَاوِيَاتِ يَنُبْنَهُمْ ... وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدَ
حَامِيَةِ الْقَمْرِ
لَعُمْرك مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ ... وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ الْتَقَيْنَا
عَلَى بَدْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ
وَلِلنّحْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ
حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
نَجّى حَكِيمًا يَوْمَ بَدْرٍ شَدّهُ ... كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بَنَاتِ
الْأَعْوَجِ
لَمّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ ... بِكَتِيبَةِ خَضْرَاءَ مِنْ
بَلْخَزْرَجِ
لَا يَنْكُلُونَ إذَا لَقُوا أَعْدَاءَهُمْ ... يَمْشُونَ عَائِدَةَ الطّرِيقِ
الْمَنْهَجِ
كَمْ فِيهُمُ مِنْ مَاجِدٍ ذِي مَنْعَةٍ ... بَطَلٍ بِمَهْلَكَةِ الْجَبَانِ
الْمُحْرَجِ
وَمُسَوّدٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ بِكَفّهِ ... حَمّالِ أَثْقَالِ الدّيَاتِ مُتَوّجِ
زَيْنِ النّدِيّ مُعَاوِدٍ يَوْمَ الْوَغَى ... ضَرْبَ الْكُمَاةِ بِكُلّ أَبْيَضَ
سَلْجَجِ
[ ص 197 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ سَلْجَجِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .Sعَوْدٌ إلَى حَسّانٍ
[ ص 196 ] بِكَتِيبَةِ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَجِ الْعَرَبُ تَجْعَلُ
الْأَسْوَدَ أَخْضَرَ فَتَقُولُ لَيْلٌ أَخْضَرُ كَمَا قَالَ [ ذُو الرّمّةِ ] :
قَدْ أَعْسَفَ النّازِحُ الْمَجْهُولُ مَعْسَفُهُ ... فِي ظِلّ أَخْضَرَ يَدْعُو
هَامَةَ الْبُومِ
وَتُسَمّي الْأَخْضَرَ أَسْوَدَ إذَا اشْتَدّتْ خُضْرَتُهُ وَفِي التّنْزِيلِ
مُدْهَامّتَانِ قَالَ أَهْلُ التّأْوِيلِ سَوْدَاوَانِ مِنْ شِدّةِ الْخُضْرَةِ .
وَقَوْلُهُ بِكُلّ أَبْيَضَ سَلْجَجِ وَهُوَ السّيْفُ الْمَاضِي الّذِي يَقْطَعُ
الضّرْبَةَ بِسُهُولَةِ وَمَعَهُ الْمَثَلُ الْأَخْذُ سَلَجَانَ وَالْقَضَاءُ
لِيّانْ أَيْ الْأَخْذُ سَهْلٌ يَسُوغُ فِي الْحَلْقِ بِلَا عُسْرٍ كَمَا قَالُوا
: الْأَخْذُ سُرّيْطٌ [ وَسُرّيْطَى ] وَالْقَضَاءُ ضُرّيْطٌ [ وَضُرّيْطَى ]
فَسُرّيْطٌ مِنْ سَرِطْت الشّيْءَ إذَا [ ص 197 ] فَسَلْجَجُ مِنْ هَذَا ، إلّا
أَنّهُمْ ضَاعَفُوا الْجِيمَ كَمَا ضَاعَفُوا الدّالَ مِنْ مَهْدَدِ وَلَمْ
يُدْغِمُوا إلّا أَنّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِجَعْفَرِ . وَقَوْلُهُ بَلْخَزْرَجِ
أَرَادَ بَنِي الْخَزْرَجِ ، فَحَذَفَ النّونَ لِأَنّهَا مِنْ مَخْرَجِ اللّامِ
وَهُمْ يَحْذِفُونَ اللّامَ فِي مِثْلِ عَلْمَاءِ وَظِلْتُ كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ
اللّامَيْنِ وَكَذَلِكَ أَحَسْتُ كَرَاهِيَةَ التّضْعِيفِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ
- رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - تَرِبَتْ يَمِينُك وَأُلْتِ أَرَادَتْ أُلِلْتِ أَيْ
طُعِنْت مِنْ قَوْلِهِمْ مَالُهُ أُلّ وَغُلّ ، وَيُرْوَى : أُلّتْ فَتَكُونُ
التّاءُ عَلَمًا لِلتّأْنِيثِ أَيْ أُلّتْ يَدُك ، وَعِنْدَنَا فِيهِ رِوَايَةٌ
ثَالِثَةٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَهِيَ تَرِبَتْ يَدَاك وَأُلّتِ بِكَسْرِ التّاءِ
وَتَشْدِيدِ اللّامِ وَهِيَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ فِي : رَدَدْتِ رَدّتْ
فَيُدْغِمُ مَعَ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ وَهِيَ لُغَةٌ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ [ مِنْ
أَحْكَامِ الْأَفْعَالِ الْمَبْنِيّةِ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيّ لِلْمَجْهُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ
حَسّانٌ أَيْضًا :
فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ اللّهِ قَوْمًا ... وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ
الزّحُوفُ
إذَا مَا أَلّبُوا جَمْعًا عَلَيْنَا ... كَفَانَا حَدّهُمْ رَبّ رَءُوفُ
سَمَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَوَالِي ... سِرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا الْحُتُوفُ
فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النّاسِ أَنْكَى ... لِمَنْ عَادُوا إذَا لَقِحَتْ
كُشُوفُ
وَلَكِنّا تَوَكّلْنَا وَقُلْنَا ... مَآثِرُنَا وَمَعْقِلُنَا السّيُوفُ
لَقِينَاهُمْ بِهَا لَمّا سَمَوْنَا ... وَنَحْنُ عِصَابَةٌ وَهُمْ أُلُوفُ
[ ص 198 ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، يَهْجُو بَنِي جُمَحَ وَمَنْ
أُصِيبَ مِنْهُمْ
جَمَحَتْ بَنُو جُمَحٍ لِشِقْوَةِ جَدّهِمْ ... إنّ الذّلِيلَ مُوَكّلُ بِذَلِيلِ
قُتِلَتْ بَنُو جُمَحٍ بِبَدْرِ عِنْوَةً ... وَتَخَاذَلُوا سَعْيًا بِكُلّ
سَبِيلِ
جَحَدُوا الْكِتَابَ وَكَذّبُوا بِمُحَمّدِ ... وَاَللّهُ يُظْهِرُ دِينَ كُلّ
رَسُولِ
لَعَنَ الْإِلَهُ أَبَا خُزَيْمَةَ وَابْنَهُ ... وَالْخَالِدَيْنِ وَصَاعِدَ بْنَ
عَقِيلِ
شِعْرُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي
قَطْعِ رِجْلِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ فِي
يَوْمِ بَدْرٍ وَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ حِينَ أُصِيبَ فِي مُبَارَزَتِهِ هُوَ
وَحَمْزَةَ وَعَلِيّ حِينَ بَارَزُوا عَدُوّهُمْ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَبَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعُبَيْدَةَ
سَتَبْلُغُ عَنّا أَهْلَ مَكّةَ وَقْعَةٌ ... يَهُبّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ ذَاكَ
نَائِيَا
بِعُتْبَةَ إذْ وَلّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ ... وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْرُ عُتْبَةَ
رَاضِيَا
فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنّي مُسْلِمٌ ... أُرَجّي بِهَا عَيْشًا مِنْ
اللّهِ دَانِيَا
مَعَ الْحُورِ أَمْثَالِ التّمَاثِيلِ أَخَلِصَتْ ... مَعَ الْجَنّةِ الْعُلْيَا
لِمَنْ كَانَ عَالِيَا
وَبِعْت بِهَا عَيْشًا تَعَرّقْتُ صَفْوَهُ ... وَعَالَجْته حَتّى فَقَدْت
الْأَدَانِيَا
فَأَكْرَمَنِي الرّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنّهِ ... بِثَوْبِ مِنْ الْإِسْلَامِ
غَطّى الْمَسَاوِيَا
وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إلَيّ قِتَالُهُمْ ... غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ مَنْ
كَانَ دَاعِيَا
وَلَمْ يَبْغِ إذْ سَأَلُوا النّبِيّ سَوَاءَنَا ... ثَلَاثَتَنَا حَتّى حَضَرْنَا
الْمُنَادِيَا
لَقِينَاهُمْ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ... نُقَاتِلُ فِي الرّحْمَنِ مَنْ
كَانَ عَاصِيَا
فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ مَقَامِنَا ... ثَلَاثَتِنَا حَتّى أُزِيرُوا
الْمَنَائِيَا
[ ص 199 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : لَمّا أُصِيبَتْ رِجْلُ عُبَيْدَةَ قَالَ أَمَا
وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَعَلِمَ أَنّي أَحَقّ
مِنْهُ بِمَا قَالَ حِينَ يَقُولُ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ يُبْزَى مُحَمّدٌ ... وَلَمّا نُطَاعِنْ دُونَهُ
وَنُنَاضِلْ
وَنُسْلِمُهُ حَتّى نُصْرَعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا
وَالْحَلَائِلِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا
مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ .
رِثَاءُ كَعْبٍ لِعُبَيْدَةَ بْنِ
الْحَارِثِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا هَلَكَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مُصَابِ
رِجْلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ يَبْكِيهِ
أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي ... بِدَمْعِك حَقّا وَلَا تَنْزُرِي
عَلَى سَيّدٍ هَدّنَا هُلْكُهُ ... كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِ
جَرِيءِ الْمَقْدِمِ شَاكِي السّلَاحِ ... كَرِيمِ النّثَا طَيّبِ الْمَكْسِرِ
عُبَيْدَةَ أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِيهِ ... لِعُرْفِ عَرَانَا وَلَا مُنْكِرِ
وَقَدْ كَانَ يَحْمِي غَدَاةَ الْقِتَا ... لِ حَامِيَةَ الْجَيْشِ بِالْمِبْتِرِ
شِعْرٌ لِكَعْبِ فِي بَدْرٍ
[ ص 200 ] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا ... وَأَخْبَرُ شَيْءٍ بِالْأُمُورِ
عَلِيمُهَا
بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيّ عَدَاوَةٍ ... مَعَدّ مَعًا جُهّالُهَا
وَحَلِيمُهَا
لِأَنَا عَبَدْنَا اللّهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ ... رَجَاءَ الْجِنَانِ إذْ
أَتَانَا زَعِيمُهَا
نَبِيّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزّةٍ ... وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذّبَتْهَا
أُرُومُهَا
فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنّنَا ... أُسُودُ لِقَاءٍ لَا يُرْجَى
كَلِيمُهَا
ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى هَوَى فِي مَكَرّنَا ... لِمَنْخِرِ سَوْءٍ مِنْ لُؤَيّ
عَظِيمُهَا
فَوَلّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضِ صَوَارِمَ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا حِلْفُهَا
وَصَمِيمُهَا
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا :
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا ابْنَيْ لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ
لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللّقَاءِ
وَرَدْنَاهُ بِنُورِ اللّهِ يَجْلُو ... دُجَى الظّلْمَاءِ عَنّا وَالْغِطَاءِ
رَسُولُ اللّهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرِ ... مِنْ أَمْرِ اللّهِ أُحْكِمَ
بِالْقَضَاءِ
فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ بِالسّوَاءِ
فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ... جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ
كَدَاءِ
بِنَصْرِ اللّهِ رُوحُ الْقُدْسِ فِيهَا ... وَمِيكَالُ فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِSوَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبٍ
وَفِيهِ
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا ابْنَيْ لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ
الِانْتِخَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ النّخْوَةِ وَيُقَالُ نُخِيَ الرّجُلُ وَانْتَخَى .
وَمِنْ الزّهْوِ زُهِيَ وَازْدَهَى ، وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ مِنْ مِثْلِ هَذَا
إلّا بِاللّامِ لِأَنّ الْفِعْلَ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ وَإِذَا أُمِرَ مَنْ
لَيْسَ بِمُخَاطَبِ فَإِنّمَا يُؤْمَرُ بِاللّامِ كَقَوْلِك : لِتُزْهَ يَا
فُلَانٌ وَلِتُعْنَ بِحَاجَتِي ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَيْضًا أَنْ لَا يُقَالَ
مِنْ هَذَا الْفِعْلِ مَا أَفْعَلَهُ وَلَا هُوَ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا ، كَمَا لَا
يُقَالُ فِي الْمَرْكُوبِ مَا أَرْكَبَهُ وَلَا فِي الْمَضْرُوبِ مَا أَضْرَبَهُ
وَلَكِنّهُ قَدْ جَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَا أَزْهَاهُ وَمَا
أَعْنَاهُ بِحَاجَتِي ، وَقَالُوا : هُوَ أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النّحْيَيْنِ وَهُوَ
أَزْهَى مِنْ غُرَابٍ وَالْفِعْلُ فِي هَذَا كُلّهِ زُهِيَ وَشُغِلَ فَهُوَ
مَشْغُولٌ وَمَزْهُوّ . وَقِيلَ فِي الْمَجْنُونِ مَا أَجَنّهُ حَكَاهُ أَبُو [ ص
198 ] الْجَرْمِيّ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : وَاعْلَمْ أَنّ الْعَرَبَ تُقَدّمُ فِي
كَلَامِهَا مَا هُمْ بِهِ أَهَمّ ، وَهُمْ بِبَيَانِهِ أَعْنَى ، وَإِنْ كَانَ
جَمِيعًا يَهُمّانِهِمْ وَيَعْنِيَانِهِمْ فَقَالَ أَهَمّ وَأَعْنَى ، وَهُوَ مِنْ
هَمّهِمْ وَعَنَاهُمْ فَهُمْ بِهِ مَعْنِيّونَ مِثْلَ مَضْرُوبُونَ فَجَازَ فِي هَذِهِ
الْأَفْعَالِ مَا تَرَى ، وَسَبَبُ جَوَازِهِ أَنّ الْمَفْعُولَ فِيهَا فَاعِلٌ
فِي الْمَعْنَى ، فَالْمَزْهُوّ مُتَكَبّرٌ وَكَذَا الْمَنْخُوّ وَالْمَشْغُولُ
مُشْتَغِلٌ وَفَاعِلٌ لِشُغْلِهِ وَالْمَعْنِيّ بِالْأَمْرِ كَذَلِكَ
وَالْمَجْنُونُ كَالْأَحْمَقِ فَيُقَالُ مَا أَجَنّهُ كَمَا يُقَالُ مَا [ ص 199 ]
أَحْمَقَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَضْرُوبٌ وَلَا مَرْكُوبٌ وَلَا مَشْتُومٌ وَلَا
مَمْدُوحٌ فَلَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ مَا أَفْعَلَهُ وَلَا هُوَ أَفْعَلُ
مِنْ غَيْرِهِ . فَإِنْ قُلْت : فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا
أَنْ يُؤْمَرَ فِيهِ بِغَيْرِ اللّامِ كَمَا يُؤْمَرُ الْفَاعِلُ إذًا ، وَقَدْ
قُلْتُمْ أَنّهُ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى فَالْجَوَابُ أَنّ الْأَمْرَ إنّمَا هُوَ
بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ تَضْرِبُ وَتَخْرُجُ فَإِذَا أَمَرْت حَذَفْت
حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ وَبَقِيَتْ حُرُوفُ الْفِعْلِ عَلَى بِنْيَتِهَا ، وَلَيْسَ
كَذَلِكَ زُهِيت فَأَنْتَ تُزْهَى ، وَلَا شُغِلْت فَأَنْتَ تُشْغَلُ لِأَنّك لَوْ
حَذَفْت مِنْهُ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ لَبَقِيَ لَفْظُ الْفِعْلِ عَلَى بِنْيَةٍ
لَيْسَتْ لِلْغَائِبِ وَلَا لِلْمُخَاطَبِ لِأَنّ بِنْيَةَ الْأَمْرِ
لِلْمُخَاطَبِ افْعَلْ وَبِنْيَتُهُ لِلْغَائِبِ فَلْيَفْعَلْ وَالْبِنْيَةُ
الّتِي قَدّرْنَاهَا لَا تَصْلُحُ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا ، لِأَنّك كُنْت : تَقُولُ
أَزْهَى مِنْ زُهِيت ، وَكُنْت تَقُولُ مِنْ شُغِلْت أَشْغَلُ فَتَخْرُجُ مِنْ
بَابِ شُغِلْت فَأَنْتَ مَشْغُولٌ إلَى بَابِ شَغَلْت غَيْرَك ، فَأَنْتَ شَاغِلٌ
فَلَمْ يَسْتَقِمْ فِيهِ الْأَمْرُ إلّا بِاللّامِ . [ ص 200 ] وَمِيكَالُ فَيَا
طِيبَ الْمَلَاءِ
أَرَادَ الْمَلَأَ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ مَدّ الْمَقْصُورِ إذْ لَا يَجُوزُ فِي
عَصَى عَصَاءٌ وَلَا فِي رَحَى : رَحَاءٌ فِي الشّعْرِ وَلَا فِي الْكَلَامِ
وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَشْبَعُوا الْحَرَكَاتِ فِي الضّرُورَةِ فَقَالُوا : فِي
الْكَلْكَلِ الْكَلْكَالَ وَفِي الصّيَارِفِ الصّيَارِيفَ وَلَكِنّ مَدّ
الْمَقْصُورِ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا ، لِأَنّ زِيَادَةَ [ ص 201 ] زِيَادَةُ أَلِفٍ
وَهَمْزُ مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزِ غَيْرَ أَنّهُ قَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ طَرَفَةَ
وَكَشْحَانِ لَمْ يَنْقُصْ طَوَاءَهُمَا الْحَبَلْ
[ ص 202 ] طَرَفَةَ فِي أَنّهُ لَمْ يُرِدْ الطّوَى الّذِي هُوَ مَصْدَرُ طَوِيَ
يَطْوِي : إذَا جَاعَ وَخَوِيَ بَطْنُهُ وَإِنّمَا أَرَادَ رِقّةَ الْخَصْرِ
وَذَلِكَ جَمَالٌ فِي الْمَرْأَةِ وَكَمَالٌ فِي الْخِلْقَةِ فَجَاءَ بِاللّفْظِ
عَلَى وَزْنِ جَمَالٍ وَكَمَالٍ وَظَهَرَ فِي لَفْظِهِ كَانَ فِي نَفْسِهِ
وَالْعَرَبُ تَنْحُو بِالْكَلِمَةِ إلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا ، وَقَدْ
مَضَى مِنْهُ كَثِيرٌ وَسَيَرِدُ عَلَيْك مَا هُوَ أَكْثَرُ . [ ص 203 ] كَانَ
مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنّ هَمْزَتَهُ تُقْلَبُ أَلِفًا فِي الْوَقْفِ
بِإِجْمَاعِ نَعَمْ وَفِي الْوَصْلِ فِي بَعْضِ اللّغَاتِ فَيَكُونُ الْأَلِفُ
عِوَضًا مِنْ الْهَمْزَةِ وَقَدْ [ ص 204 ] قَالُوا : هَرَاقَ الْمَاءَ وَإِنّمَا
كَانَتْ الْهَاءُ بَدَلًا مِنْ الْهَمْزَةِ فَجَمَعُوا بَيْنَهُمَا ، وَقَالُوا
فِي النّسَبِ إلَى فَمٍ فَمَوِيّ وَقَالُوا : فِي النّسَبِ إلَى الْيَمَنِ : [ ص 205
] قَالُوا : يَمَانٍ فَعَوّضُوا الْأَلِفَ مِنْ إحْدَى الْيَاءَيْنِ ثُمّ قَالُوا
: يَمَانِيّ بِالتّشْدِيدِ فَجَمَعُوا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوّضِ مِنْهُ
فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ الْخَطَاءُ فِي
الْخَطَأِ . قَالَ الشّاعِرُ
فَكُلّهُمْ مُسْتَقْبِحٍ لِصَوَابِ مَنْ ... يُخَالِفُهُ مُسْتَحْسِنٌ لِخَطَائِهِ
[ ص 206 ] قَالَ وَرَقَةُ إلّا مَا غَفَرْت خَطَائِيَا
( فَإِنْ قِيلَ ) : فَقَدْ أَنْشَدَ أَبُو عَلِيّ فِي مَدّ الْمَقْصُورِ
يَا لَك مِنْ تَمْرٍ وَمِنْ شِيشَاءِ ... يَنْشَبُ فِي الْمَسْعَلِ وَاللّهَاءِ
[ ص 207 ] أَرَادَ جَمْعَ لَهَاةٍ . قُلْنَا : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا
مُوَلّدًا ، وَإِنْ كَانَ عَرَبِيّا ، فَلَعَلّ الرّوَايَةَ فِيهِ اللّهَاءُ
بِكَسْرِ اللّامّ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ أَكَمَةَ وَإِكَامٍ وَقَدْ ذَكَرَهَا أَبُو
عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ .
شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرّسُولِ
وَبُكَاءُ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ
[ ص 201 ] وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ
بَدْرٍ
أَلَا إنّ عَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا سَكْبًا ... تَبْكِي عَلَى كَعْبٍ وَمَا
إنْ تَرَى كَعْبَا
أَلَا إنّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمْ ذَا الدّهْرُ
وَاجْتَرَحُوا ذَنْبَا
وَعَامِرٌ تَبْكِي لِلْمُلِمّاتِ غُدْوَةً ... فَيَالَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى
لَهُمَا قُرْبَا
هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدّا لِغِيّةِ ... تَعُدّ وَلَنْ يَسْتَامَ جَارُهُمَا
غَصْبَا
فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... فِدَا لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا
بَيْنَنَا حَرْبَا
وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيهَا كُلّكُمْ
يَشْتَكِي النّكْبَا
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشُ أَبِي يَكْسُو
مَلَأَ الشّعْبَا
فَلَوْلَا دِفَاعُ اللّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ
لَكُمْ سِرْبَا
فَمَا إنْ جَنَيْنَا فِي قُرَيْشٍ عَظِيمَةً ... سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ
وَطِئَ التّرْبَا
أَخَا ثِقَةٍ فِي النّائِبَاتِ مُرَزّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لَا بَخِيلًا وَلَا
ذَرْبَا
يُطِيفُ بَهْ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يَؤُمّونَ بَحْرًا لَا نَزُورًا
وَلَا صَرْبَا
فَوَاَللّهِ لَا تَنْفَكّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمَلُ حَتّى تَصْدُقُوا
الْخَزْرَجَ الضّرْبَا
شِعْرُ ضِرَارٍ فِي رِثَاءِ أَبِي
جَهْلٍ
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ يَرْثِي أَبَا جَهْلٍ [ ص 202 ]
أَلَا مَنْ لِعَيْنِ بَاتَتْ اللّيْلَ لَمْ تَنَمْ ... تُرَاقِبُ نَجْمَانِ فِي
سَوَادٍ مِنْ الظّلَمْ
كَأَنّ قَذَى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذًى ... سِوَى عِبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ
الدّمْعِ تَنْسَجِمْ
فَبَلّغْ قُرَيْشًا أَنّ خَيْرَ نَدِبّهَا ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقِ
عَلَى قَدَمِ
ثَوَى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْنَ خَوْصَاءِ رَهْنُهَا ... كَرِيمُ الْمَسَاعِي غَيْرُ
وَغْدٍ وَلَا بَرَمْ
فَآلَيْت لَا تَنْفَكّ عَيْنِي بِعَبْرَةِ ... عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الرّئِيسِ
أَبِي الْحَكَمْ
عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيّ بْنَ غَالِبٍ ... أَتَتْهُ الْمَنَايَا يَوْمَ
بَدْرٍ فَلَمْ يَرِمْ
تَرَى كِسْرَ الْخَطّى فِي نَحْرِ مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ لَحْمِهِ
بَيْنَهَا خِذَمْ
وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بِيشَةٍ ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي بِبَطْحَاءَ
فِي أَجَمْ
بأْحر أَمْنُهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وَتُدْعَى نَزَلَ فِي الْقَمَاقِمَة
الْبُهْمِ
فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ... عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ
عَلَيْهِ فَلَمْ يُلَمْ
وَجِدّوا فَإِنّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ
الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ
وَقَدْ قُلْت إنّ الرّيحَ طَيّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزّ الْمَقَامِ غَيْرُ شَكّ
لِذِي فَهَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِضِرَارِ .
شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا
جَهْلٍ
أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ... وَهَلْ يُغْنِي التّلَفّظُ مِنْ
قَتِيلِ
يُخَبّرُنِي الْمُخَبّرُ أَنّ عَمْرًا ... أَمَامَ الْقَوْمِ فِي جَفْرٍ مُحِيلِ
فَقِدْمًا كُنْت أَحْسَبُ ذَاكَ حَقّا ... وَأَنْتَ لِمَا تَقَدّمَ غَيْرُ فِيلِ
وَكُنْت بِنِعْمَةِ مَا دُمْت حَيّا ... فَقَدْ خُلّفْت فِي دَرَجِ الْمَسِيلِ
كَأَنّي حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ... ضَعِيفُ الْعَقْدُ ذُو هَمّ طَوِيلِ
عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْت يَوْمًا ... وَطَرْفُ مَنْ تَذَكّرَهُ كَلِيلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَقَوْلُهُ " فِي جَعْفَرٍ " عَنْ غَيْرِ
ابْنِ إسْحَاقَ .
شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي بُكَاءِ
قَتْلَى بَدْرٍ
[ ص 203 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ
شَعُوبٍ اللّيْثِيّ وَهُوَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ :
تُحَيّي بِالسّلَامَةِ أُمّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشّرْبِ
الْكِرَامِ
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الشّيزَى تُكَلّلُ بِالسّنَامِ
وَكَمْ لَك بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْحَوْمَاتِ وَالنّعَمِ الْمُسَامِ
وَكَمْ لَك بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْغَايَاتِ وَالدّسُعِ الْعِظَامِ
وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيّ ... أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ وَالنّدَامِ
وَإِنّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عَقِيلٍ ... وَأَصْحَابَ الثّنِيّةِ مِنْ نَعَامِ
إذَنْ لَظَلِلْت مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ ... كَأُمّ السّقَبِ جَائِلَةِ الْمَرَامِ
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا ... وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ ؟
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ :
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
قَالَ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمّ ارْتَدّ .
شِعْرُ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ
فِي رِثَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ، يَرْثِي مَنْ
أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ [ ص 204 ] [ ص 205 ]
أَلَا بَكَيْت عَلَى الْكِرَا ... مِ بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ
كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو ... عِ الْأَيْكِ فِي الْغُصْنِ الْجَوَانِحْ
يَبْكِينَ حَرّى مُسْتَكِي ... نَاتٍ يَرُحْنَ مَعَ الرّوَائِحْ
أَمْثَالُهُنّ الْبَاكِيَا ... تُ الْمُعْوِلَاتِ مِنْ النّوَائِحْ
مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِ عَلَى ... حُزْنٍ وَيَصْدُقُ كُلّ مَادِحْ
مَاذَا بِبَدْرِ فَالْعَقَن ... جَحَاجِحْ
فَمُدَافِعُ الْبَرْقَيْنِ فَالْح ... الْأَوَاشِحْ
شُمْطٍ وَشُبّانٌ بِهَا ... لَيْلٍ مَغَاوِيرٍ وَحَاوِحْ
أَلَا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلّ لَامِحْ
أَنْ قَدْ تَغَيّرَ بَطْنُ م ... الْأَبَاطِحْ
مِنْ كُلّ بِطَرِيقِ لِطَ ... رِيقِ نَقِيّ الْقَوْنِ وَاضِحْ
دُعْمُوصُ أَبْوَابِ الْمُلُو ... كِ وَجَائِبُ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ
مِنْ السّرَاطِمَةِ الْخَلَا ... جِمَةِ الْمَلَاوِثَةِ الْمَنَاجِحْ
الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِي ... ينَ الْآمِرِينَ بِكُلّ صَالِحْ
الْمُطْعِمِينَ الشّحْمَ فَو ... كَالْأَنَافِحْ
نُقُلُ الْجِفَانِ مَعَ الْجِفَا ... نِ إلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ
لَيْسَتْ بِأَصْفَارِ لِمَنْ ... يَعْفُو وَلَا رَحّ رَحَاحْ
لِلضّيْفِ ثُمّ الضّيْفِ بَعْدَ ... [ الضّيْفِ ] وَالْبُسُطِ السّلَاطِحْ
وُهُبُ الْمِئِي ... نَ مِنْ الْمِئِينَ إلَى الْمِئِينَ مِنْ اللّوَاقِحْ
سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَب ... بَلَادِحْ
لِكِرَامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَا ... مِ مَزِيّةٌ وَزْنَ الرّوَاجِحْ
كَتَثَاقُلِ الْأَرْطَالِ بِالْق ... الْمَوَائِحْ
خَذَلَتْهُمْ فِئَةٌ وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ
الضّارِبِينَ التّقُدُمِي ... الصّفَائِحْ
وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ
لِلّهِ دَرّ بَنِي عَ ... لِيّ أَيّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ
إنْ لَمْ يُغَيّرُوا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلّ نَابِحْ
بِالْمُقْرَبَاتِ الْمُبْعَدَا ... تِ الطّامِحَاتِ مَعَ الطّوَامِحْ
مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إلَى ... أُسْدٍ مُكَالَبَةً كَوَالِحْ
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمّ أَلْ ... فٍ بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَنْشَدَنِي غَيْرُ
وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ بَيْتَهُ
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا :
وُهُبُ الْمِئِينَ مِنْ الْمِئِي ... ينَ إلَى الْمِئِينَ مِنْ اللّوَاقِحْ
سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَب ... بَلَادِحْ
[ ص 206 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ، يَبْكِي زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ ،
وَقَتْلَى بَنِي أَسَدٍ
عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبِلَاتِ أَبَا الْحَ ... ارِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى
زَمْعَهْ
وَابْكِي عَقِيلَ بْنَ أَسْوَدَ أَسَدَ الْبَ ... أْسِ لِيَوْمِ الْهِيَاجِ
وَالدّفَعَهْ
تِلْكَ بَنُو أَسَدٍ إخْوَةُ الْجَو ... خَدَعَهْ
هُمْ الْأَسِرّةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْ ... بٍ وَهُمْ ذُرْوَةُ السّنَامِ
وَالْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرِ شَعَرَ ال ... رّأْسِ وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ
أَمْسَى بَنُو عَمّهِمْ إذَا حَضَرَ الْبَ ... أْسُ أَكْبَادُهُمْ عَلَيْهِمْ
وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْ ... رُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذِهِ الرّوَايَةُ لِهَذَا الشّعْرِ مُخْتَلِطَةٌ لَيْسَتْ
بِصَحِيحَةِ الْبِنَاءِ لَكِنْ أَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ
وَغَيْرُهُ رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ
عَيْنُ بِكَيّ بِالْمُسْبِلَاتِ أَبَا الْحَا ... رِث لَا تَذْخَرِي عَلَى
زَمْعَهْ
وَعَقِيلَ بْنَ أَسْوَدَ أَسَدَ الْبَأْ ... سِ لِيَوْمِ الْهِيَاجِ وَالدّفَعَهْ
فَعَلَى مِثْلِ هُلْكِهِمْ خَوَتْ الْجَو ... خَدَعَهْ
وَهُمْ الْأَسِرّةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْ ... بٍ وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرَ شَعَرَ الرّأْ ... سِ وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ
فَبَنُو عَمّهُمْ إذَا حَضَرَ الْبَأْ ... سُ عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْ ... رُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ
شِعْرُ أَبِي أُسَامَةَ
[ ص 207 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ ، مُعَاوِيَةُ بْنُ
زُهَيْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ مَازِنِ
بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرّ بِهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَهُمْ
مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ أَعْيَى هُبَيْرَة ، فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ
دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ أَصَحّ
أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ [ ص 208 ] [ ص 209 ] [ ص 210 ] [ ص 211 ] [ ص 212 ]
وَلَمّا أَنْ رَأَيْت الْقَوْمَ خُفّوا ... وَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ
وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ خِيَارَهُمْ أَذُبَاحُ
عِتْرٍ
وَكَانَتْ جُمّةً وَافَتْ حِمَامًا ... وَلُقّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ
نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنّ زُهَاءَهُمْ عِيطَانُ بَحْرِ
وَقَالَ الْقَائِلُونَ مِنْ ابْنِ قَيْسٍ ؟ ... فَقُلْت : أَبُو أُسَامَةَ غَيْرُ
فَخْرِ
أَنَا الْجُشَمِيّ كَيْمَا تَعْرِفُونِي ... أُبَيّنُ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ
فَإِنْ تَكُ فِي الْغَلَاصِمِ مِنْ قُرَيْشٍ ... فَإِنّي مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ
بَكْرٍ
فَابْلُغْ مَالِكًا لَمّا غُشِينَا ... وَعِنْدَك مَالٌ إنْ نَبّأْت خُبْرِي
وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْت الْمَرْءَ عَنّا ... هُبَيْرَة ، وَهُوَ ذُو عِلْمٍ
وَقَدْرِ
بِأَنّي إذْ دُعِيت إلَى أُفَيْدِ ... كَرَرْت وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرّ صَدْرِي
عَشِيّة لَا يُكَرّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلَا ذِي نَعْمَةٍ مِنْهُمْ وَصِهْرٍ
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونك مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرٍو
فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِي
دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ... كَانَ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ
فَأُقْسِمُ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ رَبّي ... وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ
لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسْبِي إذَا مَا ... تَبَدّلَتْ الْجُلُودُ جُلُود نِمْرِ
فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجٍ ... مُدِلّ عَنْبَسٌ فِي الْغِيلِ مُجْرِي
فَقَدْ أَحْمَى الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافٍ ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ
بِخَلّ تَعْجِزُ الْحَلْفَاءُ عَنْهُ ... يُوَاثِبُ كُلّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ
بِأَوْشَكَ سُورَةً مِنّي إذَا مَا ... حَبَوْت لَهُ بِقَرْقَرَةِ وَهَدْرِ
بِبَيْضِ كَالْأَسِنّةِ مُرْهَقَاتٍ ... كَأَنّ ظُبَاتِهِنّ جَحِيمُ جَمْرِ
وَأَكْلَفَ مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءَ الْبُرَايَةِ ذَاتِ
أَزْرِ
وَأَبْيَض كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ
أُرَفّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ... كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْثٍ سِبَطْرِ
يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا ... فَقُلْت : لَعَلّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ
وَقُلْت أَبَا عَدِيّ لَا تَطُرْ ... وَذَلِكَ إنْ أَطَعْت الْيَوْمَ أَمْرِي
كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَا ... فَظَلّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ : نَصُدّ
عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا كَأَنّ سِرَاعَهُمْ تَيّارُ بَحْرِ وَقَوْلُهُ
مُدَلّ عَنْبَس فِي الْغِيلِ مُجْرِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .Sشَرْحُ شِعْرِ أَبِي أُسَامَةَ
وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي أُسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ الْجُشَمِيّ وَفِيهِ وَقَدْ
زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ
الْعَرَبُ تَضْرِبُ زَوَالَ النّعَامَةِ مَثَلًا لِلْفِرَارِ وَتَقُولُ شَالَتْ
نَعَامَةُ الْقَوْمِ إذَا فَرّوا وَهَلَكُوا . فَالَ الشّاعِرُ
يَا لَيْتَ مَا أُمّنَا شَالَتْ نَعَامَتُهَا ... إمّا إلَى جَنّةٍ إمّا إلَى
نَارٍ
وَقَالَ أُمَيّةُ اشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ
وَالنّعَامَةُ فِي اللّغَةِ بَاطِنُ الْقَدَمِ وَمَنْ مَاتَ فَقَدْ شَالَتْ
رِجْلُهُ أَيْ ارْتَفَعَتْ وَظَهَرَتْ نَعَامَتُهُ وَالنّعَامَةُ أَيْضًا
الظّلْمَةُ وَابْنُ النّعَامَةِ عِرْقٌ فِي بَاطِنِ الْقَدَمِ فَيَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ قَوْلُهُ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ كَمَا يُقَالُ زَالَ سَوَادُهُ وَضَحَا
ظِلّهُ إذَا مَاتَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ النّعَامَةَ مَثَلًا ، وَهُوَ
الظّاهِرُ فِي بَيْتِ أَبِي أُسَامَةَ ؟ لِأَنّهُ قَالَ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ
لِنَفْرِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَشْرَدُ مِنْ نَعَامَةٍ وَأَنْفَرُ مِنْ نَعَامَةٍ
قَالَ الشّاعِرُ
هُمْ تَرَكُوك أَسْلَحَ مِنْ حُبَارَى ... رَأَتْ صَقْرًا وَأَشْرَدَ مِنْ نَعَامٍ
[ ص 208 ] وَقَالَ آخَرُ وَكُنْت نَعَامًا عِنْدَ ذَاكَ مُنَفّرًا
فَإِذَا قُلْت : زَالَتْ نَعَامَتُهُ فَمَعْنَاهُ نَفَرَتْ نَفْسُهُ الّتِي هِيَ
كَالنّعَامَةِ فِي شَرُودِهَا وَقَوْلُهُ وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ
صَرْعَى
سَرَاةُ كُلّ شَيْءٍ مَا عَلَا مَعَهُ وَسَرَاةُ الْفَرَسِ : ظَهْرُهُ لِأَنّهُ
أَعْلَاهُ قَالَ الشّاعِرُ يَصِفُ حِمَارًا : بُسْرَاتِهِ نَدَبٌ لَهَا وَكُلُومٌ
وَقَوْلُهُمْ سَرَاةُ الْقَوْمِ كَمَا تَقُولُ كَاهِلُ الْقَوْمِ وَذِرْوَةُ
الْقَوْمِ قَالَ مُعَاوِيَةُ إنّ مُضَرَ كَاهِلُ الْعَرَبِ ، وَتَمِيمٌ كَاهِلُ
مُضَرَ ، وَبَنُو سَعْدٍ كَاهِلُ تَمِيمٍ . وَقَالَ بَعْضُ خُطَبَاءِ بَنِي
تَمِيمٍ لَنَا الْعِزّ الْأَقْعَسُ وَالْعَدَدُ الْهَيْضَلُ وَنَحْنُ فِي
الْجَاهِلِيّةِ الْقُدّامُ وَنَحْنُ الذّرْوَةُ وَالسّنَامُ وَهَذَا مَعْنًى
صَحِيحٌ بَيّنٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ فِي الذّرْوَةِ وَلَا فِي
السّنَامِ وَلَا فِي الْكَاهِلِ إنّهُ جَمْعٌ أَيْ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ
وَلَا اسْمٌ لِلْجَمْعِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَالَ فِي سَرَاةِ
الْقَوْمِ أَنّهُ جَمْعُ سَرِيّ لَا عَلَى الْقِيَاسِ وَلَا عَلَى غَيْرِ
الْقِيَاسِ كَمَا لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي كَاهِلِ الْقَوْمِ وَسَنَامِ الْقَوْمِ
وَالْعَجَبُ كَيْفَ خَفِيَ هَذَا عَلَى النّحْوِيّينَ حَتّى قَلّدَ الْخَالِفُ
مَعَهُمْ السّالِفَ فَقَالُوا : سَرَاةٌ جَمْعُ سَرِيّ وَيَا سُبْحَانَ اللّهِ
كَيْفَ يَكُونُ جَمْعًا لَهُ وَهُمْ يَقُولُونَ فِي جَمْعِ سَرَاةٍ سَرَوَاتٍ
مِثْلَ قَطَاةٍ وَقَطَوَاتٍ يُقَالُ هَؤُلَاءِ مِنْ سَرَوَاتِ النّاسِ كَمَا
تَقُولُ مِنْ رُءُوسِ النّاسِ قَالَ فِي بْنِ الْخَطِيمِ
وَعَمْرَةُ مِنْ سَرَوَاتِ النّسَا ... ءِ تَنْفَحُ بِالْمِسْكِ أَرْدَانُهَا
وَلَوْ كَانَ السّرَاةُ جَمْعًا مَا جُمِعَ لِأَنّهُ عَلَى وَزْنِ فَعْلَة ،
وَمِثْلُ هَذَا الْبِنَاءِ فِي الْجَمُوعِ لَا يُجْمَعُ وَإِنّمَا سَرِيّ فَعِيلٌ
مِنْ السّرْوِ وَهُوَ الشّرَفُ فَإِنْ جُمِعَ عَلَى لَفْظِهِ قِيلَ سُرًى
وَأَسْرِيَاءُ مِثْلَ غَنِيّ وَأَغْنِيَاءَ وَلَكِنّهُ قَلِيلٌ وُجُودُهُ وَقِلّةُ
وُجُودِهِ لَا يَدْفَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ وَقَدْ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ . وَقَوْلُهُ
أَذْبَاحُ عِتَرٍ جَمْعُ ذَبْحٍ وَعِتَرٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الصّنَمُ الّذِي
كَانَ يَعْتِرُ لَهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ أَيْ تُذْبَحُ بِهِ الْعَتَائِرُ جَمْعُ :
عَتِيرَةٍ وَهِيَ الرّجَبِيّةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي نَسَبِ [ ص 209 ] صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَوّل مَنْ سَنّ الْعَتِيرَة ، وَأَنّهُ بُورُ بْنُ صَحُورَا
، وَأَنّ أَبَاهُ سَنّ رَجَبًا لِلْعَرَبِ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ رَجَبٍ
وَلَوْ قَالَ أَذْبَاحُ عِتَرِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَجَازَ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ .
وَقَوْلُهُ وَكَانَتْ جُمّةً . الْجُمّةُ السّوَادُ وَالْجُمّةُ الْفِرْقَةُ
فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْجُمّةِ سَوَادَ الْقَوْمِ وَكَثْرَتَهُمْ فَلَهُ وَجْهٌ
وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْفِرْقَةَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَوْجَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ
صَاحِبُ الْعَيْنِ . وَقَوْله : عَطَيَانُ بَحْرٌ فَيَضَانُهُ . وَقَوْلُهُ
أُبَيّنُ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ
النّقْرُ الطّعْنُ فِي النّسَبِ وَغَيْرِهِ يَقُولُ إنْ طَعَنْتُمْ فِي نَسَبِي ،
وَعِبْتُمُوهُ بَيّنْت الْحَقّ وَنَقَرْت فِي أَنْسَابِكُمْ أَيْ عِبْتهَا ،
وَجَازَيْت عَلَى النّقْرِ بِالنّقْرِ وَقَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ الْعَرَبِ :
مَرّوا بِي عَلَى بَنِي نَظَرِي يَعْنِي الْفَتَيَانِ الّذِينَ يَنْظُرُونَ إلَيّ
وَلَا تَمُرّوا بِي عَلَى بَنَاتِ نَقْرِي ، يَعْنِي النّسَاءَ اللّوَاتِي
يَنْقُرْنَ أَيْ يَعِبْنَ . وَقَوْلُهُ دُعِيت إلَى أُفَيْدِ تَصْغِيرُ وَفْدٍ
وَهُمْ الْمُتَقَدّمُونَ مِنْ كُلّ شَيْءٍ مِنْ نَاسٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ إبِلٍ وَهُوَ
اسْمٌ لِلْجَمْعِ مِثْلَ رَكْبٍ وَلِذَلِكَ جَازَ تَصْغِيرُهُ وَقِيلَ أُفَيْدِ
اسْمُ مَوْضِعٍ . وَقَوْلُهُ عَلَى مُضَافٍ . الْمُضَافُ الْخَائِفُ الْمُضْطَرّ .
وَقَوْلُهُ فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ
[ ص 210 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَاشْتِقَاقُ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ
وَقُلْنَا فِي لُؤَيّ إنّهُ تَصْغِيرُ لَأْيٍ وَاخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى
قَوْلِ ابْنِ الْأَنْبَارِيّ وَقُطْرُبٍ وَحَكَيْنَا قَوْلَهُ وَشَاهِدَهُ
وَإِنّمَا أَرَادَ هَهُنَا بِبَنِي لَأْيٍ بَنِي لُؤَيّ فَجَاءَ بِهِ مُكْثَرًا
عَلَى مَا قُلْنَاهُ . وَقَوْلُهُ مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِ
يَعْنِي : الضّبُعَ وَمُوَقّفَةُ مِنْ الْوَقْفِ وَهُوَ الْخَلْخَالُ لِأَنّ فِي
قَوَائِمِهَا سَوَادًا . قَالَ الشّاعِرُ [ أَبُو وَجْزَةَ السّعْدِيّ ] :
وَخَائِفٍ لَحْمٍ شَاكًا برَاشَتُهُ ... كَأَنّهُ قَاطِمٌ وَقْفَيْنِ مِنْ عَاجِ
وَأُمّ أَجْرِ جَمْعُ جَرْ وَكَمَا نَقُولُ دَلْوٌ وَأَدْلٍ وَهَذَا كَقَوْلِ
الْهُذَلِيّ
وَغُودِرَ ثَاوِيًا وَتَأَوّبَتْهُ ... مُوَقّفَةُ أُمَيْمُ لَهَا فَلِيلُ
وَالْفَلِيلُ عُرْفُهَا ، وَكَقَوْلِ الْآخَرِ
يَا لَهْفَ مِنْ عَرْفَاءَ ذَاتِ فَلِيلَةٍ ... جَاءَتْ إلَيّ عَلَى ثَلَاثٍ
تَخْمَع
وَتَظِلّ تَنْشِطُنِي وَتَلْحَمُ أَجْرِيًا ... وَسَطَ الْعَرِينِ وَلَيْسَ حَيّ
يَدْفَعُ
لَوْ كَانَ سَيْفَيْ بِالْيَمِينِ دَفَعْتهَا ... عَنّي وَلَمْ أُوكَلْ وَجَنْبِي
الْأَضْبُعُ
فَوَصَفَهَا أَنّهَا تَخْمَع ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُهَلّبِ الضّبُعَةُ
الْعَرْجَاءُ وَلَحِنَ فِي قَوْلِهِ الضّبْعَةُ . وَقَالَ آخَرُ
فَلَوْ مِاْت مِنْهُمْ مَنْ جَرَحْنَا لَأَصْبَحَتْ ... ضِبَاعٌ بِأَكْنَافِ
الشّرَيْفِ عَرَائِسَا
[ ص 211 ] قَفَاهُ فِيمَا ذُكِرَ وَتَسْتَعْمِلُ كَمَرَتَهُ لِأَنّهَا أَشْيَقُ
الْبَهَائِمِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهَا حِينَ تُصْطَادُ أَبْشِرِي أُمّ عَامِرٍ
بِجَرَادِ عُضَالٍ وَكَمَرِ رِجَالٍ يَخْدَعُونَهَا بِذَلِكَ وَهِيَ تَكَنّى أُمّ
عَامِرٍ وَأُمّ عَمْرٍو ، وَأُمّ الْهِنّبْرِ [ وَأُمّ عِتَابٍ وَأُمّ طَرِيقٍ
وَأُمّ نَوْفَلٍ ] ، وَأُمّ خَنْوَرٍ وَأُمّ خَنْوَرٍ مَعًا وَتُسَمّى : حَضَاجِرَ
وَجَعَار [ وَالْعَثْوَاءُ وَذِيخَة وَعَيْلَم وجيعر ، وَأُمّ جَعْوَر ] وَقَثَام
وَجَيْأَل وَعَيْشُوم ، وَقَثَام أَيْضًا اسْمٌ لِلْغَنِيمَةِ الْكَثِيرَةِ يُقَالُ
أَصَابَ الْقَوْمُ قُثَامًا ، قَالَهُ الزّبَيْرُ وحيثل وَعَيْثُوم ، وَأَمّا
الذّكَرُ مِنْهَا فَعَيْلَام وَعِثْيَان وَذِيخٌ [ وَأَبُو كَلَدَةَ وَنَوْفَلٌ
وَالْأَعْشَى ] . وَقَوْلُهُ فِي وَصْفِ الْأَسَدِ فِي الْغِيلِ مُجْرٍ أَيْ ذُو
أُجَرَاءَ وَالْأَبَاءَةُ الْأَجَمَةُ الّتِي هُوَ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ الْغِيلُ
وَالْخِدْرُ وَالْعَرِين وَالْعِرّيسَة . وَقَوْلُهُ أُحْمَى الْأَبَاءَةَ أَيْ
حَمَاهَا ، وَأَحْمِي لُغَةٌ فِي حَمَى لَكِنّهَا ضَعِيفَةٌ وَلَعَلّهُ أَرَادَ .
أَحْمَى الْأَبَاءَةَ أَيْ جَعَلَهَا كَالنّارِ الْحَامِيَةِ يُقَالُ أَحْمَيْت
الْحَدِيدَةَ فِي النّارِ يَعْنِي : إنّ أَبَاءَتَهُ قَدْ حَمِيَتْ بِهِ فَلَا
تَقْرَبْ . وَقَوْلُهُ مِنْ كُلَافٍ ، لَعَلّهُ أَرَادَ مِنْ شِدّةِ كَلَفٍ بِمَا
يَحْمِيهِ فَجَاءَ بِهِ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ لِأَنّ الْكِلْفَ إذَا اشْتَدّ
كَالْهَيَامِ وَالْعِطَاشِ وَفِي مَعْنَى الشّعَارِ وَلَعَلّ كُلَافًا اسْمُ
مَوْضِعٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْكُلَاف : اسْمُ شَجَرٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
وَقَوْلُهُ بِخَلّ هُوَ الطّرِيقُ فِي الرّمْلِ وَالْهَجْهَجَة مِنْ قَوْلِك :
هَجْهَجْت بِالذّئْبِ إذَا زَجَرْته . قَالَ الشّاعِرُ لَمْ يُنْجِهِ مِنْهَا
صِيَاحُ الْهَجْهَجِ
وَقَوْلُهُ بِقَرْقَرَةِ وَهَدْرِ . الْقَرْقَرَةُ صَوْتٌ شَدِيدٌ مُتَقَطّعٌ
وَجَاءَ فِي صِفَةِ عَامِرٍ الْحَدّاءِ أَنّهُ كَانَ قَرَاقِرِي الصّوْتِ فَلَمّا
كَبِرَ وَضَعُفَ صَوْتُهُ قَالَ
أَصْبَحَ صَوْتُ عَامِرٍ صَئِيّا ... أَبْكَمَ لَا يُكَلّمُ الْمَطِيّا
[ ص 212 ] عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْحَدّاءُ التّغْلِبِيّ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ
بَنُو الْحَدّاءِ وَذَكَرَ أَهْلُ اللّغَةِ أَنّ الْكَشِيشَ أَوّلُ رُغَاءِ
الْجَمْلِ ثُمّ الْكَتِيتَ ثُمّ الْهَدَرَ ثُمّ الْقَرْقَرَةَ ، ثُمّ الزّغْدَ
وَيُقَالُ زَغَدَ يَزْغُدُ ثُمّ الْقُلَاخُ [ أَوْ الْقَلْخُ أَوْ الْقَلِيخُ
الْأَخِيرَةُ عَنْ سِيبَوَيْهِ ] إذَا جَعَلَ كَأَنّهُ يَتَقَلّعُ . وَقَوْلُهُ
وَأَكْنَفَ مُجْنَإِ يَعْنِي : التّرْسَ وَهُوَ مِنْ أَجَنَأْت الشّيْءَ إذَا
جَنَيْته فَهُوَ مُجْنَأً وَيَعْنِي : بِصَفْرَاءَ الْبُرَايَةِ الْقَوْسَ
وَبُرَايَتَهَا : مَا يُرَى مِنْهَا ، وَجَعَلَهَا صَفْرَاءَ . لِجَدّتِهَا
وَقُوّتِهَا . وَقَوْلُهُ وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ أَرَادَ السّيْفَ وَعُمَيْرٌ
اسْمُ صَانِعٍ وَالْمَدَاوِسُ جَمْعُ مِدْوَسٍ وَهِيَ الْآلَةُ الّتِي يُدَوّسُ
بِهَا الْحَدّادُ وَالصّيْقَلُ مَا يَصْنَعُهُ وَوَصَفَهُ إيّاهَا بِالْمُغْرِ
الْمُغْرُ جَمْعُ أَمْغَرَ وَهُوَ الْأَحْمَرُ وَالْخَادِرُ الدّاخِلُ فِي
الْخِدْرِ وَمُسْبَطِرّ : غَيْرُ مُنْقَبِضٍ . وَقَوْلُهُ يَقُولُ لِي الْفَتَى
سَعْدٌ هَدِيّا
الْهَدْيُ مَا يُهْدَى إلَى الْبَيْتِ وَالْهَدْي أَيْضًا الْعَرُوسُ تُهْدَى إلَى
زَوْجِهَا ، وَنَصَبَ هَدْيًا هُنَا عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ كَأَنّهُ أَرَادَ اهْدِ
هَدْيًا .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو
أُسَامَةَ أَيْضًا [ ص 213 ]
أَلَا مِنْ مُبَلّغٍ عَنّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا نَطِيفُ
أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك
الْكُفُوفُ
وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ
وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ
فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللّهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ
وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَجْدِي ... وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ
وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مُسْتَكِينٌ ... بِجَنْبِ كُرَاشَ مَكْلُومٌ نَزِيفُ
وَكُنْت إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ
فَأَسْمِعْنِي وَلَوْ أَحْبَبْت نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ
أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ
وَقِرْنٌ قَدْ تُرِكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ
دَلَفْت لَهُ إذَا اخْتَلَطُوا بِحَرّى ... مُسَحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ
فَذَلِكَ كَانَ صُنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَبْلُ أَخُو مَدَارَاة عَزُوفُ
أَخُوكُمْ فِي السّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ... وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ
وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ... جِنَانُ اللّيْلِ وَالْأَنَسُ اللّفِيفُ
أَخُوضُ الصّرّةَ الْحَمّاءَ خَوْضًا ... إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشّفِيفُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْت قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللّامّ لَيْسَ
فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلّا فِي أَوّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثّانِي ، كَرَاهِيَةُ
الْإِكْثَارِ .Sشَرْحُ
الْقَصِيدَةِ الْفَاوِيّةِ لِأَبِي أُسَامَةَ
[ ص 213 ] الْفَاوِيّ كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ
الْحَدَجُ جَمْعُ حَدَجَةٍ وَهِيَ الْحَنْظَلَةُ وَالنّقِيفُ الْمَنْقُوفُ كَمَا
قَالَ أَمْرُؤُ الْقِيسِ
كَأَنّ غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمّلُوا ... لَدَى سَمُرَاتِ الْحَيّ ]
نَاتِفُ حَنُظَلٍ
وَهُوَ الْمُسْتَخْرِجُ حَبّ الْحَنْظَلِ . وَقَوْلُهُ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ أَيْ
مُتَرَاكِمَةٌ مِنْ خَصَفْت النّعْلَ أَوْ مِنْ خَصَفْت اللّيفَ إذَا نَسَخْته ،
وَقَدْ يُقَالُ كَتِيبَةٌ خَصِيفٌ أَيْ مُنْتَسِجَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضِ
مُتَكَاثِفَةٌ وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ : كَتِيبَةٌ خَصِيفٌ أَيْ سَوْدَاءُ .
وَقَوْلُهُ وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ ، هُوَ الْمَوْضِعُ الّذِي فِيهِ
قَبْرُ آمِنَةَ أُمّ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَسُمّيَ
الْأَبْوَاءَ ، لِأَنّ السّيُولَ تَتَبَوّأهُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - زَارَ قَبْرَ أُمّهِ بِالْأَبْوَاءِ
فِي أَلْفٍ مُقَنّعٍ فَبَكَى وَأَبْكَى ، وَوَجَدْت عَلَى الْبَيْتِ الْمُتَقَدّمِ
الّذِي فِيهِ حَدَجٌ نَقِيفُ فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
الْحَنْظَلُ . مِنْ الْأَعْلَاثِ وَهُوَ يَنْبُتُ شَرْيًا ، كَمَا يَنْبُت شَرِيّ
الْقِثّاءِ وَالشّرِيّ : شَجَرُهُ ثُمّ يَخْرُجُ فِيهِ زَهْرٌ ثُمّ يَخْرُجُ فِي
الزّهْرُ جِرَاءَ مِثْلَ جِرَاءِ الْبِطّيخِ فَإِذَا ضَخُمَ وَسَمِنَ حَبّهُ
سَمّوْهُ الْحَدَجَ وَاحِدَتُهُ حَدَجَةٌ فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الصّفْرَةُ
سَمّوْهُ الْخُطْبَانُ وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنّ الْحَنْظَلَةَ إذَا اسْوَدّتْ
بَعْدَ الْخُضْرَةِ فَهِيَ قَهْقَرَةٌ وَذُكِرَ فِي الْقِثّاءِ الْحَدَجُ
وَالْجِرَاءُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَنْظَلِ وَكَذَلِكَ الشّرْيَةُ اسْمٌ
لِشَجَرَتِهِمَا ، وَفِي الْقِثّاءِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بِطّيخًا الْقُحّ
وَقَبْلَ الْقُحّ يَكُونُ خَضَفًا ، وَأَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقُشْعُرُ
وَالشّعْرُورُ وَالضّغْبُوسُ وَثَقِيفٌ مَعْنَاهُ مَكْسُورٌ .لِأَنّهُ يُقَالُ
نَقَفْت رَأْسَهُ عَنْ دِمَاغِهِ أَيّ كَسَرْته . [ ص 214 ] أَخُوضُ الصّرّةَ
الْحَمّاءَ . الصّرّةُ الْجَمَاعَةُ وَالصّرّةُ الصّيَاحُ وَالصّرّةُ شِدّةُ
الْبَرْدِ وَإِيّاهَا عَنِيَ لِأَنّهُ ذَكَرَ الشّفِيفَ فِي آخِرِ الْبَيْتِ
وَهُوَ بَرْدٌ وَرِيحٌ وَيُقَالُ لَهُ الشّفّانُ أَيْضًا ، أَنْشَدَ ابْنُ
الْأَنْبَارِيّ
قُلْ لِلشّمَالِ الّتِي هَبّتْ مُزَعْزَعَةً ... تُذْرِي مَعَ اللّيْلِ شَفّانًا
بِصُرّادِ
اقْرِي السّلَامَ عَلَى نَجْدٍ وَسَاكِنِهِ ... وَحَاضِرٍ بِاللّوَى إنْ كَانَ
أَوْ بَادِ
سَلَامُ مُغْتَرِبٍ فِقْدَانَ مَنْزِلِهِ ... إنّ أَنْجَدَ النّاسِ لَمْ يَهْمُمْ
بِإِنْجَادِ
شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَة َ تَبْكِي
أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ [ ص 215 ]
أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعِ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُذْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَدّ أَسْيَافِهِمْ ... يَعُلّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ
يَجُرّونَهُ وَعَفِيرُ التّرَابِ ... عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ
وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا ... جَمِيلَ الْمَرَاةِ كَثِيرَ الْعُشُبْ
وَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أَعْنِهِ ... فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ
وَقَالَتْ هِنْدٌ أَيْضًا :
يَرِيبُ عَلَيْنَا دَهْرُنَا فَيَسُوءُنَا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ
يُغَالِبُهْ
أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... يُرَاعُ امْرِئِ إنْ مَاتَ أَوْ
مَاتَ صَاحِبُهْ
أَلَا رُبّ يَوْمٍ قَدْ رُزِئْت مُرَزّأً ... تَرُوحُ وَتَغْدُو بِالْجَزِيلِ
مَوَاهِبُهْ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا فَسَوْفَ
أُعَاتِبُهْ
فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الْحَرْبَ إنّهُ ... لِكُلّ امْرِئِ فِي النّاسِ
مَوْلًى يُطَالِبُهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدِ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدٌ أَيْضًا :
لِلّهِ عَيْنًا مَنْ رَأَى ... مُلْكًا كَهُلْكِ رِجَالِيَهْ
يَا رُبّ بَاكٍ لِي غَدًا ... فِي النّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ
كَمْ غَادَرُوا يَوْمَ الْقَلِي ... بِ غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ
مِنْ كُلّ غَيْثٍ فِي السّنِي ... نَ إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ
قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَالْيَوْمُ حَقّ حَذَارِيَهْ
قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةَ مُوَامِيَهْ
يَا رُبّ قَائِلَةٍ غَدًا ... يَا وَيْحَ أُمّ مُعَاوِيَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدِ
. [ ص 216 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدٌ أَيْضًا :
يَا عَيْنُ بَكّي عُتْبَهْ ... شَيْخًا شَدِيدَ الرّقَبَهْ
يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ... يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَقْلَبَهْ
إنّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ... مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ
لَنَهْبِطَنّ يَثْرِبَهْ ... بِغَارَةِ مُنْثَعِبَهْ
فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ... كُلّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْSشِعْرُ هِنْدٍ
وَفِي شِعْرِ هِنْدٍ : جَمِيلُ الْمَرَاةِ أَرَادَتْ مِرْآةَ الْعَيْنِ فَنُقِلَتْ
حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ ؟ إلَى السّاكِنِ فَذَهَبَتْ الْهَمْزَةُ وَإِنّمَا تَذْهَبُ
الْهَمْزَةُ إذَا نُقِلَتْ حَرَكَتهَا ، لِأَنّهَا تَبْقَى فِي تَقْدِيرِ أَلِفٍ
سَاكِنَةٍ وَالسّاكِنُ الّذِي قَبْلَهَا بَاقٍ عَلَى حُكْمِ السّكُونِ لِأَنّ
الْحَرَكَةَ الْمَنْقُولَةَ إلَيْهِ عَارِضَةٌ فَكَأَنّهُ قَدْ اجْتَمَعَ
سَاكِنَانِ فَحُذِفَتْ الْأَلِفُ لِذَلِكَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ جِنّي . [
ص 215 ] هِنْدٍ : فَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أُعِنْهُ
فَهُوَ تَصْغِيرٌ الْبَرَاءِ اسْمُ رَجُلٍ وَقَوْلُهَا :
قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةُ مُوَامِيَهْ
[ ص 216 ] مُوَامِيَهْ أَيْ ذَلِيلَةٌ وَهُوَ مُؤَامِية بِهَمْزَةِ وَلَكِنّهَا
سُهّلَتْ فَصَارَتْ وَاوًا ، وَهِيَ مِنْ لَفْظِ الْأُمّةِ تَقُولُ تَأَمّيْتُ أَمَةً
أَيْ اتّخَذْتهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنْ الْمُوَاءَمَةِ وَهِيَ
الْمُوَافَقَةُ فَيَكُونُ الْأَصْلُ مُوَائِمَةً ثُمّ قُلِبَ فَصَارَ مُوَامِيَة
عَلَى وَزْنِ مُفَاعِلَةٍ تُرِيدُ أَنّهَا قَدْ ذَلّتْ فَلَا تَأْبَى ، بَلْ
تُوَافِقُ الْعَدُوّ عَلَى كُرْهٍ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ التّوْأَمِ لِأَنّ وَزْنَهُ
فَوْعَلَ مِثْلَ التّوْلَجِ وَالتّاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ
قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ . وَقَوْلُهَا : مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ
الْأَجْوَدُ فِي مُسْتَلَبَهْ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ اللّامّ مِنْ السّلَابِ
وَهِيَ الْخِرْقَةُ السّوْدَاءُ الّتِي تُخَمّرُ بِهَا الثّكْلَى ، وَمِنْهُ
قَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ
حِينَ مَاتَ عَنْهَا جَعْفَرٌ تَسَلّبِي ثَلَاثًا ، ثُمّ اصْنَعِي مَا شِئْت
وَهُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ بِالْإِحْدَادِ وَمُتَأَوّلٌ ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ .=
6. الروض الأنف
شِعْرُ صَفِيّةَ
وَقَالَ صَفِيّةُ بِنْتُ مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ
شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . تَبْكِي أَهْلَ الْقَلِيبِ الّذِينَ أُصِيبُوا
يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ : ( وَتَذْكُرُ مُصَابَهُمْ ) :
يَا مَنْ لِعَيْنِ قَذَاهَا عَائِرُ الرّمَدِ ... حَدّ النّهَارِ وَقَرْنُ
الشّمْسِ لَمْ يَقِدْ
أُخْبِرْت أَنّ سَرَاةَ الْأَكْرَمِينَ مَعًا ... قَدْ أَحَرَزَتهمْ مَنَايَاهُمْ
إلَى أَمَدِ
وَفَرّ بِالْقَوْمِ أَصْحَابُ الرّكَابِ وَلَمْ ... تَعْطِفْ غَدَائتِذٍ أُمّ
عَلَى وَلَدِ
قَوْمِي صَفِيّ وَلَا تَنْسَى قَرَابَتَهُمْ ... وَإِنْ بَكَيْت فَمَا تَبْكِينَ
مِنْ بُعُدِ
كَانُوا سُقُوبَ سَمَاءِ الْبَيْتِ فَانْقَصَفَتْ ... فَأَصْبَحَ السّمْكُ مِنْهَا
غَيْرَ ذِي عَمَدِ
[ ص 217 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَيْتَهَا : " كَانُوا سُقُوبًا
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَتْ صَفِيّةُ
بِنْتُ مُسَافِرٍ أَيْضًا :
أَلَا يَأْمَن لِعَيْنِ لِلتّ ... بَكّي دَمْعُهَا فَانٍ
كَغَرْنَيْ دَالِجٍ يَسْقِي ... خِلَالَ الْغَيّثِ الدّانِ
وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ ذُو ... أَظَافِيرَ وَأَسْنَانِ
أَبُو شِبْلَيْنِ وَثّابٌ ... شَدِيدُ الْبَطْشِ غَرْثَانِ
كَحِبّي إذْ تَوَلّى و ... أَلْوَانِ
وَبِالْكَفّ حُسَامٌ صَا ... رِمٌ أَبْيَضُ ذُكْرَانِ
وَأَنْتَ الطّاعِنُ النّجْلَا ... ءِ مِنْهَا مُزْبِدٌ آنٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيَرَوْنَ قَوْلَهَا : " وَمَا لَيْثُ غَرِيفٍ "
إلَى آخِرِهَا مَفْصُولًا مِنْ الْبَيْتَيْنِ اللّذَيْنِ قَبْلَهُ . [ ص 217 ]
شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ
أُثَاثَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عُبّادِ بْنِ
الْمُطّلِبِ تَرِثِي عُبَيْدَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ
لَقَدْ ضَمّنْ الصّفْرَاءُ مَجْدًا وَسُؤْدُدًا ... وَحِلْمًا أَصِيلًا وَافِرَ
اللّبّ وَالْعَقْلِ
عُبَيْدَةَ فَابْكِيهِ لِأَضْيَافِ غُرْبَةٍ ... وَأَرْمَلَةَ تَهْوِي لِأَشْعَثَ
كَالْجِذْلِ
وَبَكّيهِ لِلْأَقْوَامِ فِي كُلّ شَتْوَةٍ ... إذَا احْمَرّ آفَاقُ الْسمَاءِ
مِنْ الْمَحْلِ
وَبَكّيهِ لِلْأَيْتَامِ وَالرّيحُ زَفْزَفٌ ... وَتَشْبِيبُ قِدْرٍ طَالَمَا
أَزْبَدَتْ تَغْلِي
فَإِنْ تُصْبِحْ النّيرَانُ قَدْ مَاتَ ضَوْءُهَا ... فَقَدْ كَانَ يُذَكّيهِنّ
بِالْحَطَبِ الْجَزْلِ
لِطَارِقِ لَيْلٍ أَوْ لِمُلْتَمِسِ الْقِرَى ... وَمُسْتَنْبَحٍ أَضْحَى لَدَيْهِ
عَلَى رَسْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِهِنْدِ .
شِعْرُ قُتَيْلَةَ بِنْتِ
الْحَارِثِ
[ ص 218 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ قُتَيْلَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْتُ
النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ تَبْكِيهِ
يَا رَاكِبًا إنّ الْأُثَيْلَ مَظِنّةَ ... مِنْ صُبْحِ خَامِسَةٍ وَأَنْتَ
مُوَفّقُ
أَبْلِغْ بِهَا مَيْتًا بِأَنّ تَحِيّةَ ... مَا إنْ تَزَالُ بِهَا النّجَائِبُ
تَخْفُقُ
مِنّي إلَيْك وَعَبْرَةً مَسْفُوحَةً ... جَادَتْ بِوَاكِفِهَا وَأُخْرَى تَخْفُقُ
هَلْ يَسْمَعُنِي النّضْرُ إنْ نَادَيْته ... أَمْ كَيْفَ يَسْمَعُ مَيّتٌ لَا
يَنْطِقُ
أَمُحَمّدٌ يَا خَيْرَ ضَنْءِ كَرِيمَةٍ ... فِي قَوْمِهَا وَالْفَحْلُ فَحْلٌ
مُعَرّقُ
مَا كَانَ ضَرّك لَوْ مَنَنْت وَرُبّمَا ... من الْفَتَى وَهُوَ الْمَغِيظُ
الْمُحُنَقُ
أَوْ كُنْت قَابِلَ فَدِيَةٍ فَلْيُنْفِقَنْ ... بِأَعَزّ مَا يَغْلُو بِهِ مَا
يُنْفِقُ
فَالنّضْرُ أَقْرَبُ مَنْ أَسَرْت قَرَابَةً ... وَأَحَقّهُمْ إنْ كَانَ عِتْقٌ
يُعْتَقُ
ظَلّتْ سُيُوفُ بَنِي أَبِيهِ تَنُوشُهُ ... لِلّهِ أَرْحَامٌ هُنَاكَ تُشَقّقُ
صَبْرًا يُقَادُ إلَى الْمَنِيّةِ مُتْعَبًا ... رَسْفَ الْمُقَيّدِ وَهُوَ عَانٍ
مُوثَقُ
[ ص 219 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَيُقَالُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ إنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا بَلَغَهُ هَذَا الشّعْرُ قَالَ لَوْ
بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ قَتْلِهِ لَمَنَنْت عَلَيْهِ
تَارِيخُ الْفَرَاغِ مِنْ بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فَرَاغُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فِي عَقِبِ شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي شَوّالٍ .Sشِعْرُ قُتَيْلَةَ
[ ص 218 ] وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ شِعْرَ قُتَيْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ تَرِثِي
أَخَاهَا النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَالصّحِيحُ أَنّهَا بِنْتُ النّضْرِ لَا
أُخْتُهُ كَذَلِكَ قَالَ الزّبَيْرُ وَغَيْرُهُ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كِتَابِ
الدّلَائِلِ وَقُتَيْلَةُ هَذِهِ كَانَتْ تَحْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ
الْأَصْغَرِ فَهِيَ جَدّةُ الثّرَيّا بِنْتِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ الّتِي
يَقُولُ فِيهَا عُمَرُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ حِينَ خَطَبَهَا سُهَيْلُ بْنُ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ :
أَيّهَا الْمُنْكِحُ الثّرَيّا سُهَيْلًا ... عَمْرُك اللّهُ كَيْفَ يَلْتَقِيَانِ
هِيَ شَامِيّةٌ إذَا مَا اسْتَقَلّتْ ... وَسُهَيْلٌ إذَا اسْتَقَلّ يَمَانِ
وَرَهْطُ الثّرَيّا هَذِهِ يُقَالُ لَهُمْ الْعَبَلَاتُ ، لِأَنّ أُمّهُمْ
عَبْلَةُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ جَاذِبٍ . وَفِي شِعْرِ قُتَيْلَةَ أَمُحَمّدٌ هَا
أَنْتَ ضِئْيُ نَحِيبَةٍ
[ ص 219 ] قَالَ قَاسِمٌ أَرَادَتْ يَا مُحَمّدَاهُ عَلَى النّدْبَةِ قَالَ
وَالضّئْيُ الْوَلَدُ وَالضّئْيُ الْأَصْلُ يُقَالُ ضئت الْمَرْأَةُ واضئنات
وَضَنَتْ تَضْوِ إذَا وَلَدَتْ .
غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ
بِالْكُدْرِ
[ ص 220 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ لَمْ يَقُمْ بِهَا إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى
غَزَا بِنَفْسِهِ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ
عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَة الْغِفَارِيّ أَوْ ابْنَ أُمّ
مَكْتُومٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَلَغَ مَاءً مِنْ مِيَاهِهِمْ يُقَالُ لَهُ
الْكُدْرُ ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ،
وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَوّالٍ وَذَا الْقَعَدَةِ
وَأَفْدَى فِي إقَامَتِهِ تِلْكَ جَلّ الْأُسَارَى مِنْ قُرَيْشٍ .Sغَزْوَةُ
قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ
[ ص 220 ] الْقَرْقَرَةُ : أَرْضٌ مَلْسَاءُ وَالْكُدْرُ : طَيْرٌ فِي
أَلْوَانِهَا كُدْرَةٌ عُرِفَ بِهَا ذَلِكَ الْمَوْضِعُ وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - يَذْكُرُ مَسِيرَهُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَقَالَ لِعِمْرَانَ
بْنِ سَوَادَةَ حِينَ قَالَ لَهُ إنّ رَعِيّتَك تَشْكُو مِنْك عُنْفَ السّيَاقِ
وَقَهْرَ الرّعِيّةِ فَدَقَر عَلَى الدّرّةِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ سُيُورَهَا ، ثُمّ
قَالَ قَدْ كُنْت زَمِيل رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
قَرْقَرَةِ الْكُدْرِ ، فَكُنْت أُرْتِعُ فَأُشْبِعُ وَأَسْقِي فَأَرْوِي ،
وَأُكْثِرُ الزّجْرَ وَأُقِلّ الضّرْبَ وَأَرُدّ الْعَنُودَ وَأَزْجُرُ الْعَرُوضَ
وَاضَمّ اللّفُوتَ وَأُشْهِرُ الْعَصَا ، وَأَضْرِبُ بِالْيَدِ وَلَوْلَا ذَلِكَ
لَأَغْذَرْتُ [ بَعْضَ مَا أَسُوقُ ] أَيْ لَضَيّعْت فَتَرَكْت ، يَذْكُرُ حَسَنَ
سِيَاسَتِهِ فِيمَا وَلِي مِنْ ذَلِكَ . وَالْعَنُودُ الْخَارِجُ عَنْ الطّرِيقِ
وَالْعَرُوضُ الْمُسْتَصْعَبُ مِنْ النّاسِ وَالدّوَابّ .
غَزْوَةُ السّوِيقِ
[ ص 221 ] قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ
حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ
الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ غَزَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ غَزْوَةُ السّوِيقِ
فِي ذِي الْحِجّةِ وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تِلْكَ السّنَةِ
فَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ
، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ ، وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ الْأَنْصَارِ ، حِينَ رَجَعَ إلَى مَكّةَ ،
وَرَجَعَ فَلّ قُرَيْشٍ مِنْ بَدْرٍ نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ
جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ فِي
مِائَتَيْ رَاكِبٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، لِيَبَرّ يَمِينَهُ فَسَلَكَ النّجْدِيّةَ ،
حَتّى نَزَلَ بِصَدْرِ قَنَاةٍ إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ ثَيْب ، مِنْ
الْمَدِينَةِ عَلَى بَرِيدٍ أَوْ نَحْوِهِ ثُمّ خَرَجَ مِنْ اللّيْلِ حَتّى أَتَى
بَنِي النّضِيرِ تَحْتَ اللّيْلِ فَأَتَى حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ ، فَضَرَبَ
عَلَيْهِ بَابَهُ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ لَهُ بَابَهُ وَخَافَهُ فَانْصَرَفَ
عَنْهُ إلَى سَلّامِ بْنِ مِشْكَمٍ ، وَكَانَ سَيّدَ بَنِي النّضِيرِ فِي
زَمَانِهِ ذَلِكَ وَصَاحِبَ كَنْزِهِمْ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لَهُ
فَقْرَاهُ وَسَقَاهُ وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النّاسِ ثُمّ خَرَجَ فِي عَقِبِ
لَيْلَتِهِ حَتّى أَتَى أَصْحَابَهُ فَبَعَثَ رِجَالًا مِنْ قُرَيْشٍ إلَى
الْمَدِينَةِ ، فَأَتَوْا نَاحِيَةً مِنْهَا ، قَالَ لَهَا : الْعُرَيْض ،
فَحَرَقُوا فِي أَصْوَارٍ مِنْ نَخْلٍ بِهَا ، وَوَجَدُوا بِهَا رَجُلًا مِنْ
الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا [ ص 222 ] وَنَذَرَ بِهِمْ النّاسُ . فَخَرَجَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِمْ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى
الْمَدِينَةِ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَبُو لُبَابَةَ فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، حَتّى بَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ ، ثُمّ انْصَرَفَ
رَاجِعًا ، وَقَدْ فَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَقَدْ رَأَوْا
أَزْوَادًا مِنْ أَزْوَادِ الْقَوْمِ قَدْ طَرَحُوهَا فِي الْحَرْثِ يَتَخَفّوْنَ
مِنْهَا لِلنّجَاءِ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ رَجَعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَطْمَعُ لَنَا أَنْ تَكُونَ
غَزْوَةً ؟ قَالَ " نَعَمْ " . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا
سُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَكْثَرَ
مَا طَرَحَ الْقَوْمُ مِنْ أَزْوَادِهِمْ السّوِيقُ ، فَهَجَمَ الْمُسْلِمُونَ
عَلَى سَوِيقِ كَثِيرٍ فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ عِنْدَ مُنْصَرَفِهِ لِمَا صَنَعَ بِهِ
سَلّامُ بْنُ مِشْكَمٍ :
وَإِنّي تَخَيّرْت الْمَدِينَةَ وَاحِدًا ... لِحِلْفِ فَلَمْ أَنْدَمْ وَلَمْ
أَتَلَوّمْ
سَقَانِي فَرَوَانِي كُمَيْتًا مُدَامَةً ... عَلَى عَجَلٍ مِنّي سَلّامُ بْنُ
مِشْكَمِ
وَلَمّا تَوَلّى الْجَيْشُ قُلْت وَلَمْ أَكُنْ ... لِأُفْرِحَهُ أَبْشِرْ بِعِزّ
وَمَغْنَمِ
تَأَمّلْ فَإِنّ الْقَوْمَ سِرّ وَأَنّهُمْ ... صَرِيحُ لُؤَيّ لَا شَمَاطِيطُ
جُرْهُمِ
وَمَا كَانَ إلّا بَعْضُ لَيْلَةِ رَاكِبٍ ... أَتَى سَاعِيًا مِنْ غَيْرِ خَلّةِ
مُعْدِمِS[ ص 221 ]
وَذَكَرَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ كَانَ نَذَرَ أَلّا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ مِنْ
جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ مُحَمّدًا . فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ الْغُسْلَ مِنْ
الْجَنَابَةِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيّةِ بَقِيّةً مِنْ دِينِ
إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ كَمَا بَقِيَ فِيهِمْ الْحَجّ وَالنّكَاحُ وَلِذَلِكَ
سَمّوْهَا جَنَابَةً وَقَالُوا : رَجُلٌ جُنُبٌ وَقَوْمٌ جُنُبٌ لِمُجَانَبَتِهِمْ
فِي تِلْكَ الْحَالِ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ، وَمَوَاضِعَ قُرْبَاتِهِمْ وَلِذَلِكَ
عُرِفَ مَعْنَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْقُرْآنِ أَعْنِي قَوْلَهُ { وَإِنْ
كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطّهّرُوا } فَكَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ مَعْرُوفًا بِهَذَا
الِاسْمِ فَلَمْ يَحْتَاجُوا إلَى تَفْسِيرِهِ وَأَمّا الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ
وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلْوُضُوءِ فَلَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا قَبْلَ الْإِسْلَامِ
فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ فِيهِ وَإِنْ كُنْتُمْ مُحْدِثِينَ فَتَوَضّئُوا كَمَا
قَالَ { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطّهّرُوا } بَلْ قَالَ { فَاغْسِلُوا
وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } الْآيَةَ [ الْمَائِدَةُ 6 ]
فَبَيّنَ الْوُضُوءَ وَأَعْضَاءَهُ وَكَيْفِيّتَهُ وَالسّبَبَ الْمُوجِبَ لَهُ
كَالْقِيَامِ مِنْ النّوْمِ وَالْمَجِيءِ مِنْ الْغَائِطِ وَمُلَامَسَةِ النّسَاءِ
وَلَمْ يَحْتَجْ فِي أَمْرِ الْجَنَابَةِ إلَى بَيَانِ أَكْثَرَ مِنْ وُجُوبِ
الطّهَارَةِ مِنْهَا : الصّلَاةُ . وَقَوْلُهُ أَصْوَارِ نَخْلٍ ، هِيَ جَمْعُ
صُورٍ . وَالصّورُ نَخْلٌ مُجْتَمَعَةٌ .
سَلَامَةُ بْنُ مِشْكَمٍ
[ ص 222 ] وَذَكَرَ سَلّامَ بْنَ مِشْكَمٍ ، وَيُقَالُ فِيهِ سَلَامَةُ وَيُقَالُ
إنّهُ وَلَدُ شَعْثَاءَ الّتِي يَقُولُ فِيهَا حَسّانُ
لِشَعْثَاءَ الّتِي قَدْ تَيّمَتْهُ ... فَلَيْسَ لِعَقْلِهِ مَعَهَا شِفَاءٌ
وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ شَمَاطِيطُ جُرْهُمِ . الشّمَاطِيطُ الْخَيْلُ
الْمُتَفَرّقَةُ وَيُقَالُ لِلْأَخْلَاطِ مِنْ النّاسِ أَيْضًا : شَمَاطِيطُ
وَأَصْلُهُ مِنْ الشّمِيطِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الظّلَامِ بِالضّوْءِ وَمِنْهُ
الشّمَطُ فِي الرّأْسِ . وَقَوْلُهُ وَلَمْ أَكُنْ لِأُقْرِحَهُ وَالْمُقْرَحُ
الّذِي قَدْ أَثْقَلَهُ الدّيْنُ وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهُ .
غَزْوَةُ ذِي أَمْرٍ
[ ص 223 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ السّوِيقِ ، أَقَامَ
بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا ، ثُمّ غَزَا
نَجْدًا ، يُرِيدُ غَطَفَان ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمْرٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى
الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِنَجْدِ صَفَرًا كُلّهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ
رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . فَلَبِثَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ
الْأَوّلَ كُلّهُ أَوْ إلّا قَلِيلًا مِنْهُ .
غَزْوَةُ الْفُرُعِ مِنْ بَحْرَانِ
ثُمّ غَزَا ( رَسُولُ اللّهِ ) صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ قُرَيْشًا
، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ بَحْرَانِ ، مَعْدِنًا
بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ ، فَأَقَامَ بِهَا شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرَ
وَجُمَادَى الْأُولَى ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .S[
ص 223 ] وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَتَى
بَحْرَانِ مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرُعِ ، فَأَقَامَ بِهِ
شَهْرَ رَبِيعٍ الْآخِرَ وَجُمَادَى الْأُولَى . الْفُرُعُ بِضَمّتَيْنِ يُقَالُ
هِيَ أَوّلُ قَرْيَةٍ مَارَتْ إسْمَاعِيلَ وَأُمّهُ التّمْرَ بِمَكّةَ وَهِيَ مِنْ
نَاحِيَةِ الْمَدِينَةِ ، وَفِيهَا عَيْنَانِ يُقَالُ لَهُمَا : الرّبُضُ
وَالنّجْفُ يَسْقِيَانِ عِشْرِينَ أَلْفَ نَخْلَةٍ كَانَتْ لِحَمْزَةِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ . وَتَفْسِيرُ الرّبُضِ مَنَابِتُ الْأَرَاكِ فِي الرّمْلِ
وَالْفَرَعُ بِفَتْحَتَيْنِ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ . قَالَ
سُوَيْد بْنُ أَبِي كَاهِلٍ
حَلّ . أَهْلِي حَيْثُ لَا أَطْلُبُهَا ... جَانِبَ الْحَضْرِ وَحَلّتْ
بِالْفَرَعِ
ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ . وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ : أَقَامَ شَهْرَ
رَبِيعٍ وَجُمَادَى لِأَنّ الرّبِيعَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اسْمِ الشّهْرِ وَزَمَنِ
الرّبِيعِ فَكَانَ فِي لَفْظِ الشّهْرِ بَيَانٌ لِمَا أَرَادَ . وَجُمَادَى اسْمُ
عَلَمٍ لَيْسَ فِيهِ اشْتِرَاكٌ وَقَدْ قَدّمْنَا قَوْلَ سِيبَوَيْهِ ، وَمِمّا
لَا يَكُونُ الْعَمَلُ إلّا فِيهِ كُلّهِ الْمُحَرّمُ وَصَفَرٌ يَعْنِي هَذِهِ
الْأَسْمَاءَ كُلّهَا ، وَكَذَلِكَ أَسَمَاءُ الْأَيّامِ لَا تَقُولُ سِرْت
الْخَمِيسَ وَلَا مَشَيْت الْأَرْبِعَاءَ إلّا [ ص 224 ]
أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ
نَصِيحَةُ الرّسُولِ لَهُمْ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ
[ ص 224 ] قَالَ ) : وَقَدْ كَانَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمْرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ ، وَكَانَ مِنْ
حَدِيثِ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
جَمَعَهُمْ بِسُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ احْذَرُوا
مِنْ اللّهِ مِثْلَ مَا نَزَلَ بِقُرَيْشِ مِنْ النّقْمَةِ وَأَسْلِمُوا ،
فَإِنّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ أَنّي نَبِيّ مُرْسَلٌ تَجِدُونَ ذَلِكَ فِي
كِتَابِكُمْ وَعَهْدِ اللّهِ إلَيْكُمْ قَالُوا : يَا مُحَمّدُ إنّك تَرَى أَنّا
قَوْمُك لَا يَغُرّنّكَ أَنّك لَقِيت قَوْمًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ
فَأَصْبَحْت مِنْهُمْ فُرْصَةً إنّا وَاَللّهِ لَئِنْ حَارَبْنَاك لَتَعْلَمَنّ
أَنّا نَحْنُ النّاسَ
مَا نَزَلَ فِيهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، أَوْ عَنْ [ ص 225 ] عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ،
قَالَ مَا نَزَلَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتُ إلّا فِيهِمْ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا
سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ قَدْ كَانَ
لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا } أَيْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقُرَيْشٌ { فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي
سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ
وَاللّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي
الْأَبْصَارِ }
كَانُوا أَوّلَ مَنْ نَقَضَ الْعَهْدَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ
بَنِي قَيْنُقَاع َ كَانُوا أَوّلَ يَهُودَ نَقَضُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحَارَبُوا فِيمَا بَيْنَ بَدْرٍ
وَأُحُدٍ .
سَبَبُ الْحَرْبِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمِسْوَرِ
بْنِ مَخْرَمَةَ ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ بَنِي قَيْنُقَاعَ
أَنّ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ قَدِمَتْ بِجَلَبِ لَهَا ، فَبَاعَتْهُ بِسُوقِ
بَنِي قَيْنُقَاعَ وَجَلَسَتْ إلَى صَائِغٍ بِهَا ، فَجَعَلُوا يُرِيدُونَهَا
عَلَى كُشْفِ وَجْهِهَا ، فَأَبَتْ فَعَمِدَ الصّائِغُ إلَى طَرَفِ ثَوْبِهَا فَعَقَدَهُ
إلَى ظَهْرِهَا ، فَلَمّا قَامَتْ انْكَشَفَتْ سَوْءَتُهَا ، فَضَحِكُوا بِهَا ،
فَصَاحَتْ . فَوَثَبَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الصّائِغ فَقَتَلَهُ
وَكَانَ يَهُودِيّا ، وَشَدّتْ الْيَهُودُ عَلَى الْمُسْلِمِ فَقَتَلُوهُ
فَاسْتَصْرَخَ أَهْلُ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْيَهُودِ ، فَغَضِبَ
الْمُسْلِمُونَ فَوَقَعَ الشّرّ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي قَيْنُقَاعَ .
مَا كَانَ مِنْ ابْنِ أُبَيّ مَعَ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ
فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا
عَلَى حُكْمِهِ فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ ، حِينَ
أَمْكَنَهُ اللّهُ مِنْهُمْ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ
وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، قَالَ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيّ
قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللّهِ . [
ص 226 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ الْفُضُولِ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَرْسِلْنِي ، وَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى
رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلًا ، ثُمّ قَالَ وَيْحَك أَرْسِلْنِي ؛ قَالَ لَا
وَاَللّهِ لَا أُرْسِلَك حَتّى تُحْسِنَ فِي مُوَالِيّ أَرْبَعِ مِائَةِ حَاسِرٍ
وَثَلَاثِ مِائَةِ دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ
تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ إنّي وَاَللّهِ امْرِئِ أَخْشَى الدّوَائِرَ
قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " هُمْ لَك
" .
مُدّةَ حِصَارِهِمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ فِي مُحَاصَرَتِهِ إيّاهُمْ بَشِيرَ بْنَ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ وَكَانَتْ مُحَاصَرَتُهُ إيّاهُمْ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً .
تَبَرّؤُ ابْنِ الصّامِتِ مِنْ حِلْفِهِمْ وَمَا نَزَلَ فِيهِ وَفِي ابْنِ أبَيِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ عُبَادَةَ
بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ لَمّا حَارَبَتْ بَنُو
قَيْنُقَاعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَشَبّثَ بِأَمْرِهِمْ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَقَامَ دُونَهُمْ قَالَ وَمَشَى
عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَكَانَ أَحَدَ بَنِي عَوْفٍ لَهُ مِنْ حِلْفِهِ مِثْلَ الّذِي لَهُمْ مِنْ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ أُبَيّ ، فَخَلَعَهُمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَتَبَرّأَ إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَإِلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حِلْفِهِمْ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَوَلّى اللّهُ
وَرَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَأَبْرَأُ مِنْ
حِلْفِ هَؤُلَاءِ الْكُفّارِ وَوِلَايَتِهِمْ . قَالَ فَفِيهِ وَفِي عَبْدِ اللّهِ
بْنِ أُبَيّ نَزَلَتْ هَذِهِ السّورَةُ مِنْ الْمَائِدَةِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ
آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنّهُ مِنْهُمْ إِنّ اللّهَ
لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ }
أَيْ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَقَوْلُهُ إنّي أَخْشَى الدّائِرَ {
يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى
اللّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى
مَا أَسَرّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلَاءِ
الّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } ثُمّ الْقِصّةُ إلَى
قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا
الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ }
وَذَكَرَ لِتَوَلّي عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَاَلّذِينَ
آمَنُوا ، وَتَبَرّئِهِ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَحِلْفِهِمْ وَوِلَايَتِهِمْ {
وَمَنْ يَتَوَلّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ
الْغَالِبُونَ }Sخَبَرُ بَنِي قَيْنُقَاعَ
وَقَدْ تَقَدّمَ مِنْهُ طَرَفٌ قَبْلَ غَزْوَةِ بَدْرٍ . وَفِيهِ أَنّ عَبْدَ
اللّهِ بْنَ أُبَيّ قَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحْسِنْ فِي
مُوَالِيّ وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - غَضِبَ حَتّى
رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظِلَالًا ، هَكَذَا فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ مُصَحّحًا عَلَيْهِ
وَفِي غَيْرِهَا ظُلَلًا جَمْعُ ظُلّةٍ وَقَدْ تُجْمَعُ فُعْلَة عَلَى فَعَالٍ
نَحْوَ بُرْمَةٍ وَبِرَامٍ وَجُفْرَةٍ وَجِفَارٍ فَمَعْنَى الرّوَايَتَيْنِ إذًا
وَاحِدٌ وَالظّلّةُ مَا حَجَبَ عَنْك ضَوْءَ الشّمْسِ وَصَحْوَ السّمَاءِ وَكَانَ
وَجْهُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَشْرِقًا بَسّامًا ،
فَإِذَا غَضِبَ تَلَوّنَ أَلْوَانًا فَكَانَتْ تِلْكَ الْأَلْوَانُ حَائِلَةً
دُونَ الْإِشْرَاقِ وَالطّلَاقَةِ وَالضّيَاءِ الْمُنْشَرِ عِنْدَ تَبَسّمِهِ
وَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ كَانَ يَسْطَعُ عَلَى الْجِدَارِ نُورٌ مِنْ ثَغْرِهِ إذَا
تَبَسّمَ أَوْ قَالَ تَكَلّمَ يُنْظَرُ فِي الشّمَائِلِ لِلتّرْمِذِيّ . وَذَكَرَ
فِيهِ الْآيَةَ الّتِي نَزَلَتْ فِيهِمْ { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ
} الْفِئَةِ عَلَى وَزْنِ فِعَة مِنْ [ ص 225 ] فَأَوْتُ رَأْسَهُ بِالْعَصَا إذَا
شَقَقْته ، أَوْ مِنْ الْفَأْوِ وَهِيَ جِبَالٌ مُجْتَمَعَةٌ وَبَيْنَهُمَا
فُسْحَةٌ مِنْ الْأَرْضِ فَحَقِيقَةُ الْفِئَةِ الْفرْقَةُ الّتِي كَانَتْ
مُجْتَمَعَةً مَعَ الْأُخْرَى ، فَافْتَرَقَتْ . [ ص 226 ]
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ
حَارِثَةَ إلَى الْقَرَدَةِ
إصَابَةُ زَيْدٍ لِلْعِيرِ وَإِفْلَاتُ الرّجَالِ
[ ص 227 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الّتِي
بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا ، حِينَ أَصَابَ
عِيرَ قُرَيْشٍ ، وَفِيهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، عَلَى الْقَرَدَةِ مَاءٍ
مِنْ مِيَاهِ نَجْدٍ . وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا : أَنّ قُرَيْشًا خَافُوا
طَرِيقَهُمْ الّذِي كَانُوا يَسْلُكُونَ إلَى الشّامِ ، حِينَ كَانَ مِنْ وَقْعَةِ
بَدْرٍ مَا كَانَ فَسَلَكُوا طَرِيقَ الْعِرَاقِ ، فَخَرَجَ مِنْهُمْ تُجّارٌ
فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَمَعَهُ فِضّةٌ كَثِيرَةٌ وَهِيَ عِظَمُ
تِجَارَتِهِمْ وَاسْتَأْجَرُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، يُقَالُ
لَهُ فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ يَدُلّهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الطّرِيقِ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ ، مِنْ بَنِي عِجْلٍ حَلِيفٌ لِبَنِي سَهْمٍ قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ
بْنَ حَارِثَةَ فَلَقِيَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ فَأَصَابَ تِلْكَ الْعِيرَ وَمَا
فِيهَا ، وَأَعْجَزَهُ الرّجَالُ فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .Sسَرِيّةُ زَيْدٍ
[ ص 227 ] ذَكَرَ فِيهَا فُرَاتَ بْنَ حَيّانَ الْعِجْلِيّ مَنْسُوبٌ إلَى عَجِلِ
بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ . وَاللّجَيْمُ
تَصْغِيرُ لُجَمٍ وَهِيَ دُوَيْبّةٌ تَطِيرُ بِهَا الْعَرَبُ ، وَأَنْشَدُوا :
لَهَا ذَنَبٌ مِثْلَ ذَيْلِ الْعَرُو ... سِ إلَى سَبّةٍ مِثْلَ جُحْرِ اللّجَمْ
وَكَانَ عَيْنَ قُرَيْشٍ وَدَلِيلَ أَبِي سُفْيَانَ أَسْلَمَ فُرَاتٌ وَحَسُنَ
إسْلَامُهُ وَقَالَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّ
مِنْكُمْ رِجَالًا نَكِلْهُمْ إلَى إسْلَامِهِمْ مِنْهُمْ فُرَاتٌ وَأَرْسَلَهُ
رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ فِي
شَأْنِ مُسَيْلِمَةَ وَرَدّتْهُ وَمَرّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالرّجّالُ بْنُ عُنْفُوَةَ فَقَالَ
ضِرْسُ أَحَدِكُمْ فِي النّارِ مِثْلُ أُحُدٍ ، فَمَا زَالَ فُرَاتٌ وَأَبُو
هُرَيْرَةَ خَائِفِينَ حَتّى بَلَغَتْهُمَا رِدّةُ الرّجّالِ وَإِيمَانُهُ
بِمُسَيْلِمَةَ فَخَرّا سَاجِدِينَ وَاسْمُ الرّجّالِ نَهَارُ بْنُ عُنْفُوَةَ
وَالْعُنْفُوَةُ ضَرْبٌ مِنْ النّبْتِ يُقَالُ لَهُ الصّلّيَان .
شِعْرُ حَسّانَ فِي تَأْنِيبِ
قُرَيْشٍ
[ ص 228 ] فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ بَعْدَ أُحُدٍ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ
الْآخِرَةِ يُؤَنّبُ قُرَيْشًا لِأَخْذِهِمْ تِلْكَ الطّرِيقَ [ ص 229 ]
دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جَلّادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ
الْأَوَارِكِ
بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ... وَأَنْصَارُهُ حَقّا وَأَيْدِي
الْمَلَائِكِ
إذَا سَلَكَتْ لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ
الطّرِيقُ هُنَالِكِ
[ ص 230 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لِحَسّانَ
بْنِ ثَابِتٍ نَقَضَهَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَلّبِ
، وَسَنَذْكُرُهَا وَنَقِيضَتَهَا إنْ شَاءَ اللّهُ ( فِي ) مَوْضِعِهَا .S[
ص 228 ] دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا
الْفَلَجَاتُ جَمْعُ فَلَجٍ وَهِيَ الْعَيْنُ الْجَارِيَةُ يُقَالُ مَاءٌ فَلَجٌ
وَعَيْنٌ فَلَجٌ وَذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ : فَلَحَات بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَقَالَ الْفَلَحَةُ الْمَزْرَعَةُ . حَوْلَ كَلِمَةِ الْمُخَاصَمَةِ وَالْمُلْكِ
وَقَوْلُهُ جِلَادُ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ الْأَوَارِكِ
أَيْ الّتِي أَكَلَتْ الْأَرَاكَ ، فَدُمِيَتْ أَفْوَاهُهَا ، وَالْمَخَاضُ
وَاحِدَتُهَا خَلِفَةٌ مِنْ غَيْرِ لَفْظِهَا ، وَهِيَ الْحَامِلُ [ مِنْ النّوقِ
] ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْوَاحِدِ مَاخِضٌ وَمِنْهُ قَوْلُ الطّائِيّ وَأَخّرْتهَا
عَنْ وَقْتِهَا وَهِيَ مَاخِضُ
وَعِنْدِي أَنّ الْمَخَاضَ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِجَمْعِ إنّمَا هُوَ مَصْدَرٌ
وَلِذَلِكَ وُصِفَ بِهِ الْجَمِيعُ وَفِي التّنْزِيلِ { فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ }
وَقَوْلُهُمْ نَاقَةٌ مَاخِضٌ كَقَوْلِهِمْ حَامِلٌ أَيْ ذَاتُ مَخَاضٍ وَذَاتُ
حَمْلٍ وَقَدْ يَقُولُ الرّجُلُ لِنِسَائِهِ أَنْتُنّ الطّلَاقُ فَلَيْسَ
الطّلَاقُ بِجَمْعِ وَإِنّمَا مَعْنَاهُ ذَوَاتُ طَلَاقٍ وَكَذَلِكَ مَعْنَى
الْمَخَاضِ أَيْ ذَوَاتُ مَخَاضٍ غَيْرَ أَنّهُ قِيلَ لِلْوَاحِدَةِ مَاخِضٌ
وَلَمْ يَقُلْ نَاقَةٌ مَخَاضٌ أَيْ ذَاتُ مَخَاضٍ كَمَا يُقَالُ امْرَأَةٌ زَوْرٌ
وَصَوْمٌ لِأَنّ الْمَصْدَرَ إذَا وُصِفَ بِهِ فَإِنّمَا يُرَادُ بِهِ الْكَثِيرُ
وَلَا تَكْثِيرُ فِي حَمْلِ الْوَاحِدَةِ أَلَا تَرَى أَنّك تَقُولُ هِيَ أَصْوَمُ
النّاسِ وَمَا أَصْوَمَهَا ، وَلَا يُقَالُ إذَا حَبَلَتْ مَا أَحْبَلَهَا ،
لِأَنّهُ شَيْءٌ [ ص 229 ] يُقَالُ فِي الْمَوْتِ مَا أَمْوَتَهَا ، فَلَمّا عَدِمَ
قَصْدَ التّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ لَمْ تُوصَفْ بِهِ كَمَا لَا تُوصَفُ
بِالسّيْرِ إذَا قُلْت : مَا هِيَ الْأَسِيرُ فَإِذَا كَانَتْ إبِلًا كَثِيرَةً
حَصَلَ مَعْنَى الْكَثْرَةِ فَوُصِفَتْ بِالْمَخَاضِ وَهُوَ الْمَصْدَرُ لِذَلِكَ
فَإِنْ قُلْت : فَقَدْ يَقُولُ الرّجُلُ أَنْتِ الطّلَاقُ وَأَنْتِ الْفِرَاقُ
قُلْنَا : فِيهِ مَعْنَى التّكْثِيرِ وَالْمُبَالَغَةِ وَلِذَلِكَ جَازَ لِأَنّهُ
شَيْءٌ يَتَمَادَى وَيَدُومُ لَا سِيّمَا إنْ أَرَادَ بِالطّلَاقِ الطّلَاقَ
كُلّهُ لَا وَاحِدَةً وَلِي كَذَلِكَ الْمَخَاضُ وَالْحَمْلُ فَإِنّ مُدّتَهُ
مَعْلُومَةٌ وَمِقْدَارُهُ مُؤَقّتٌ . وَقَوْلُهُ بِأَيْدِي الْمَلَائِكِ هُوَ
جَمْعُ مَلَكٍ عَلَى غَيْرِ لَفْظِهِ وَلَوْ جَمَعُوهُ عَلَى لَفْظِهِ لَقَالُوا :
أَمْلَاكٌ وَلَكُنّ الْمِيمَ مِنْ مَلَكٍ زَائِدَةٌ فِيمَا زَعَمُوا ، وَأَصْلُهُ
مَأْلُك مِنْ الْأُلُوكِ وَهِيَ الرّسَالَةُ قَالَ لَبِيدٌ :
وَغُلَامٌ أَرْسَلْته أُمّهُ ... بِأَلُوكِ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلَ
وَقَالَ الطّائِيّ :
مَنْ مُبْلِغُ الْفِتْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا
أَبِي مَتَى يَتَثَلّمُوا أَتَهَدّمُ
و [ أَبُو تَمّامٍ حَبِيبُ بْنُ أَوْسٍ ] الطّائِيّ وَإِنْ كَانَ مُتَوَلّدًا ،
فَإِنّمَا يُحْتَجّ بِهِ لِتَلَقّي أَهْلِ الْعَرَبِيّةِ لَهُ بِالْقَبُولِ
وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَلْحَنْ وَإِذَا كَانَ الْأَصْلُ فِيهِ
مَأْلُكًا فَإِنّمَا قَلَبُوهُ إرَادَة إلْغَاءِ الْهَمْزَةِ إذْ سَهّلُوا وَلَوْ
سَهّلُوا مَأْلُكًا ، وَالْهَمْزَةُ مُقَدّمَةٌ لَمْ تَسْقُطْ وَإِنّمَا تَسْقُطُ
إذَا سُكّنَ قَبْلَهَا ، فَقَالُوا : مَلْك ، فَإِذَا جَمَعُوا عَادَتْ
الْهَمْزَةُ وَلَمْ تَعُدْ إلَى مَوْضِعِهَا لِئَلّا تَرْجِعَ كَجَمْعِ مَأْلُكَةٍ
وَهِيَ الرّسَالَةُ وَلَوْ قِيلَ إنّ لَفْظَ مَلَكٍ مَأْخُوذٌ مِنْ الْمَلَكُوتِ
فَلِذَلِكَ لَمْ يُهْمَزْ لِأَنّ . أَكْثَرَ الْمَلَائِكَةِ لَيْسُوا بِرُسُلِ
وَلَوْ أُرِيدَ مَعْنَى الرّسَالَةِ لَقَالُوا : مُؤْلَكٌ كَمَا تَقُولُ مُرْسَلٌ
وَلَضَمّتْ الْمِيمُ فِي الْوَاحِدِ وَتَكُونُ الْهَمْزَةُ عَلَى هَذَا زَائِدَةٌ
فِي الْجَمِيعِ كَمَا زَادُوهَا فِي شَمْأَلٍ وَهِيَ مِنْ شَمَلَتْ الرّيحُ
لَكَانَ هَذَا وَجْهًا حَسَنًا ، وَسِرّ زِيَادَةِ الْهَمْزَةِ فِي شَمْأَلٍ
وَهِيَ مِنْ شَمَلَتْ الرّيحُ فَأَطْلَعَتْ الْهَمْزَةُ رَأْسَهَا لِذَلِكَ إذْ
قَدْ اجْتَمَعَ فِيهَا أَنّهَا مِنْ عَنْ شِمَالِ الْبَيْتِ وَأَنّهَا شَامِيّةٌ
وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ هُمْ مِنْ مَلَكُوتِ اللّهِ وَفِيهِمْ رُسُلٌ
وَكَوَاحِدِ مِنْهُمْ مِنْ مَلَكُوتِ اللّهِ فَقَطْ لِأَنّهُ لَا يَتَبَعّضُ كَمَا
تَتَبَعّضُ الْجُمْلَةُ مِنْهُمْ فَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ
فَلَسْت لَا لِإِنْسِيّ وَلَكِنْ لَمَأْلُك ٍ
تَنْزِلُ مِنْ جَوّ السّمَاءِ يَصُوبُ
[ ص 230 ] قَائِلُهُ وَقَدْ نَسَبَهُ ابْنُ سِيدَهْ إلَى عَلْقَمَةَ وَأَنْكَرَ
ذَلِكَ عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ وَصَفَ مَأْلُكًا بِالرّسَالَةِ لِقَوْلِهِ
تَنْزِلُ مِنْ جَوّ السّمَاءِ يَصُوبُ فَحُسْنُ الْهَمْزَةِ لِتَضَمّنِهِ مَعْنَى
الْأُلُوكِ كَمَا حَسُنَ فِي جُمْلَةِ الْمَلَائِكَةِ إذْ لِلْجُمْلَةِ بَعْضُ
هَمّ إرْسَالٍ وَالْكُلّ مِنْ مَلَكُوتِ اللّهِ سُبْحَانَهُ وَلَيْسَ فِي الْوَاحِدِ
إلّا مَعْنَى الْمَلَكُوتِيّة فَقَطْ حَتّى يَتَخَصّصَ بِالرّسَالَةِ كَمَا فِي
هَذَا الْبَيْتِ الْمَذْكُورِ فَيَتَضَمّنُ حِينَئِذٍ الْمَعْنَيَيْنِ فَتَطْلُعُ
الْهَمْزَةُ فِي اللّفْظِ لِمَا فِي ضِمْنِهِ مَعْنَى الْأُلُوكِ وَهِيَ
الرّسَالَةُ .
مَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ
الْأَشْرَفِ
اسْتِنْكَارُهُ خَبَرَ رَسُولَيْ الرّسُولِ بِقَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ : أَنّهُ
لَمّا أُصِيبَ أَصْحَابُ بَدْرٍ ، وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ
السّافِلَةِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ
بَشِيرِينَ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْ
بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِفَتْحِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِ
وَقَتْلُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ
الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ الظّفَرِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ
بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ،
وَصَالِحُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ حَدِيثِهِ
قَالُوا : قَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَكَانَ رَجُلًا [ ص 231 ] طَيّءٍ ، ثُمّ
أَحَدَ بَنِي نَبْهَانَ ، وَكَانَتْ أُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ ، حِينَ بَلَغَهُ
الْخَبَرُ : أَحَقّ هَذَا ؟ أَتَرَوْنَ مُحَمّدًا قَتَلَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ
يُسَمّي هَذَانِ الرّجُلَانِ يَعْنِي زَيْدًا وَعَبْد اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ
فَهَؤُلَاءِ أَشْرَافُ الْعَرَبِ وَمُلُوكُ النّاسِ وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ
مُحَمّدٌ أَصَابَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ لَبَطْنُ الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا .
شِعْرُهُ فِي التّحْرِيضِ عَلَى الرّسُولِ
فَلَمّا تَيَقّنَ عَدُوّ اللّهِ الْخَبَرَ ، خَرَجَ حَتّى قَدِمَ مَكّةَ ،
فَنَزَلَ عَلَى عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ
السّهْمِيّ وَعِنْدَهُ عَاتِكَةُ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ
شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فَأَنْزَلَتْهُ وَأَكْرَمَتْهُ وَجَعَلَ يُحَرّضُ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيُنْشِدُ الْأَشْعَارَ
وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ، الّذِينَ أُصِيبُوا بِبَدْرِ
فَقَالَ
طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ ... وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ
وَتَدْمَعُ
قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِمْ ... لَا تَبْعُدُوا إنّ الْمُلُوكَ
تُصَرّعُ
كَمْ قَدْ أُصِيبَ بِهِ مِنْ أَبْيَضَ مَاجِدٍ ... ذِي بَهْجَةٍ يَأْوِي إلَيْهِ
الضّيّعُ
طَلْقُ الْيَدَيْنِ إذَا الْكَوَاكِبُ أَخْلَفَتْ ... حَمّالُ أَثْقَالٍ يَسُودُ
وَيُرْبَعُ
وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أُسَرّ بِسَخَطِهِمْ ... إنّ ابْنَ الْأَشْرَفِ ظَلّ كَعْبًا
يَجْزَعُ
صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضُ سَاعَةَ قُتّلُوا ... ظَلّتْ تَسَوّخُ بِأَهْلِهَا
وَتُصَدّعُ
صَارَ الّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنِهِ ... أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشًا لَا
يَسْمَعُ
نُبّئْت أَنّ بَنِي الْمُغِيرَةِ كُلّهُمْ ... خَشَعُوا الْقَتْلَ أَبِي
الْحَكِيمِ وَجُدّعُوا
وَابْنَا رَبِيعَةَ عِنْدَهُ وَمُنَبّهٌ ... مَا نَالَ مِثْلَ الْمُهْلِكِينَ
وَتُبّعُ
نُبّئْت أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ ... فِي النّاسِ يَبْنِي الصّالِحَاتِ
وَيُجْمَعُ
لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا ... يَحْمَى عَلَى الْحَسَبِ
الْكَرِيمِ الْأَرْوَعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " تُبّعٌ " وَأُسَرّ بِسَخَطِهِمْ
" عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . [ ص 232 ]
شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ ،
فَقَالَ
أَبَكَى لِكَعْبِ ثُمّ عُلّ بِعَبْرَةِ ... مِنْهُ وَعَاشٍ مُجَدّعًا لَا يَسْمَعُ
وَلَقَدْ رَأَيْت بِبَطْنِ بَدْرٍ مِنْهُمْ ... قَتْلَى تَسِحّ لَهَا الْعُيُونُ
وَتَدْمَعُ
فَأَبْكِي فَقَدْ أَبَكَيْت عَبْدًا رَاضِعًا ... شِبْهُ الْكُلَيْبِ إلَى
الْكُلَيْبَةِ يَتْبَعُ
وَلَقَدْ شَفَى الرّحْمَنُ مِنّا سَيّدًا ... وَأَهَانَ قَوْمًا قَاتَلُوهُ
وَصُرّعُوا
وَنَجَا وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ مِنْ قَلْبِهِ ... شَغَفٌ يَظِلّ لِخَوْفِهِ
يَتَصَدّعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِحَسّانَ . وَقَوْلُهُ " أَبْكِي لِكَعْبِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ .
شِعْرُ مَيْمُونَةَ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بَنِي
مُرَيْدٍ بَطْنٌ مِنْ بَلِيّ كَانُوا حُلَفَاءَ فِي بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ ،
يُقَالُ لَهُمْ الْجَعَادِرَةُ ، تُجِيبُ كَعْبًا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : اسْمُهَا
[ ص 233 ] مَيْمُونَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللّهِ ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ
بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ لَهَا ، وَيُنْكِرُ نَقِيضَتَهَا
لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
تَحَنّنّ هَذَا الْعَبْدَ كُلّ تَحَنّنٍ ... يُبْكَى عَلَى قَتْلَى وَلَيْسَ
بِنَاصِبِ
بَكَتْ عَيْنُ مَنْ يَبْكِي لِبَدْرِ وَأَهْلِهِ ... وَعُلّتْ بِمِثْلَيْهَا
لُؤَيّ بْنُ غَالِبِ
فَلَيْتَ الّذِينَ ضُرّجُوا بِدِمَائِهِمْ ... يَرَى مَا بِهِمْ مَنْ كَانَ بَيْنَ
الْأَخَاشِبِ
فَيَعْلَمُ حَقّا عَنْ يَقِينٍ وَيُبْصِرُوا ... مَجَرّهُمْ فَوْقَ اللّحَى
وَالْحَوَاجِبِ
شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى مَيْمُونَةَ
فَأَجَابَهَا كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فَقَالَ
أَلَا فَازْجُرُوا مِنْكُمْ سَفِيهًا لِتَسْلَمُوا ... عَنْ الْقَوْلِ يَأْنَى
مِنْهُ غَيْرَ مُقَارِبِ
أَتَشْتُمُنِي إنْ كُنْت أَبْكِي بِعَبْرَةِ ... لِقَوْمِ أَتَانِي رَدّهُمْ
غَيْرَ كَاذِبِ
فَإِنّي لَبَاكٍ مَا بَقِيت وَذَاكِرٌ ... مَآثِرَ قَوْمٍ مَجْدُهُمْ
بِالْجَبَاجِبِ
لَعَمْرِي لَقَدْ كَانَتْ مُرَيْدٌ بِمَعْزِلِ ... عَنْ الشّرّ فَاحْتَالَتْ
وُجُوهُ الثّعَالِبِ
فَحُقّ مُرَيْدٌ أَنْ تَجَدّ أُنُوفَهُمْ ... بِشَتْمِهِمْ حَيّ لُؤَيّ بْنِ
غَالِبِ
وَهَبْت نَصِيبِي مِنْ مُرَيْدٍ لِجَعْدَرٍ ... وَفَاءً وَبَيْتُ اللّهِ بَيْنَ
الْأَخَاشِبِ
تَشْبِيبُ كَعْبٍ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالْحِيلَةُ فِي قَتْلِهِ
ثُمّ رَجَعَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ إلَى الْمَدِينَةِ فَشَبّبَ بِنِسَاءِ
الْمُسْلِمِينَ حَتّى آذَاهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُغِيثِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ مَنْ
لِي بِابْنِ الْأَشْرَفِ ؟ فَقَالَ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَخُو بَنِي
عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَنَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا أَقْتُلُهُ ؟ قَالَ
فَافْعَلْ إنْ قَدَرْت عَلَى ذَلِكَ فَرَجَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَمَكَثَ
ثَلَاثًا لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ إلّا مَا يُعْلِقُ بِهِ نَفْسَهُ فَذَكَرَ
ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ
لِمَ تَرَكْت الطّعَامَ وَالشّرَابَ ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قُلْت لَك
قَوْلًا لَا أَدْرِي هَلْ أَفِيَنّ لَك بِهِ أَمْ لَا ؟ فَقَالَ " إنّمَا
عَلَيْك الْجَهْدُ " ؛ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ لَا بُدّ لَنَا مِنْ
أَنْ نَقُولَ قَالَ قُولُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَأَنْتُمْ فِي حِلّ مِنْ ذَلِكَ .
فَاجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ ، وَسِلْكَانُ بْنُ سَلّامِ
بْنِ وَقْشٍ وَهُوَ أَبُو نَائِلَةَ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَكَانَ [
ص 234 ] أَخَا كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ مِنْ الرّضَاعَةِ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ
بْنِ وَقْشٍ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَالْحَارِثُ مِنْ أَوْسِ بْنِ
مُعَاذٍ ، أَحَدُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ أَحَدُ
بَنِي حَارِثَةَ ؛ ثُمّ قَدّمُوا إلَى عَدُوّ اللّهِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
قَبْلَ أَنْ يَأْتُوهُ سَلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ [ بْنِ وَقْشٍ ] أَبَا نَائِلَةَ
، فَجَاءَهُ فَتَحَدّثَ مَعَهُ سَاعَةً وَتَنَاشَدُوا شِعْرًا ، وَكَانَ أَبُو
نَائِلَةَ يَقُولُ الشّعْرَ ثُمّ قَالَ وَيْحَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ إنّي قَدْ
جِئْتُك لِحَاجَةِ أُرِيدُ ذِكْرَهَا لَك ، فَاكْتُمْ عَنّي ؛ قَالَ افْعَلْ قَالَ
كَانَ قُدُومُ هَذَا الرّجُلِ عَلَيْنَا بَلَاءٌ مِنْ الْبَلَاءِ عَادَتْنَا بِهِ
الْعَرَبُ ، وَرَمَتْنَا عَنْ قَوْسٍ وَاحِدٍ وَقَطَعَتْ عَنّا السّبُلَ حَتّى
ضَاعَ الْعِيَالُ وَجَهَدَتْ الْأَنْفُسُ وَأَصْبَحْنَا قَدْ جُهِدْنَا وَجُهِدَ
عِيَالُنَا . فَقَالَ كَعْبٌ أَنَا ابْنُ الْأَشْرَفِ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ
كُنْت أُخْبِرُك يَا ابْنَ سَلَامَةَ أَنّ الْأَمْرَ سَيَصِيرُ إلَى مَا أَقُولُ
فَقَالَ لَهُ سَلْكَانُ : إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ تَبِيعَنَا طَعَامًا وَنَرْهَنَك
وَنُوثِقَ لَك ، وَنُحْسِنَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟
قَالَ لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تَفْضَحَنَا ، إنّ مَعِي أَصْحَابًا لِي عَلَى مِثْلِ
رَأْيِي ، وَقَدْ أَرَدْت أَنْ آتِيَك بِهِمْ فَتَبِيعُهُمْ وَتُحْسِنُ فِي ذَلِكَ
وَنَرْهَنُك مِنْ الْحَلَقَةِ مَا فِيهِ وَفَاءٌ وَأَرَادَ سَلْكَانُ أَنْ لَا
يُنْكِرَ السّلَاحَ إذَا جَاءُوا بِهَا ، قَالَ إنّ فِي الْحَلَقَةِ لَوَفَاءً
قَالَ فَرَجَعَ سَلْكَانُ إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَأَمَرَهُمْ
أَنْ يَأْخُذُوا السّلَاحَ ثُمّ يَنْطَلِقُوا فَيَجْتَمِعُوا إلَيْهِ
فَاجْتَمَعُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَتَرْهَنُونَنِي نِسَاءَكُمْ ؟ قَالَ كَيْفَ نَرْهَنُك
نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَشَبّ أَهْلِ يَثْرِبَ وَأَعْطَوْهُمْ قَالَ
أَتَرْهَنُونَنِي أَبْنَاءَكُمْ ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ
زَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ مَشَى مَعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، ثُمّ وَجّهَهُمْ
فَقَالَ انْطَلِقُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ اللّهُمّ أَعِنْهُمْ ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ وَهُوَ فِي لَيْلَةٍ
مُقْمِرَةٍ وَأَقْبَلُوا حَتّى انْتَهَوْا إلَى حِصْنِهِ فَهَتَفَ بِهِ أَبُو
نَائِلَةَ ، وَكَانَ حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسِ فَوَثَبَ فِي مِلْحَفَتِهِ فَأَخَذَتْ
امْرَأَتُهُ بِنَاحِيَتِهَا ، وَقَالَتْ إنّك امْرِئِ مُحَارِبٌ وَإِنّ أَصْحَابَ
الْحَرْبِ لَا يَنْزِلُونَ فِي هَذِهِ السّاعَةِ قَالَ إنّهُ أَبُو نَائِلَةَ ،
لَوْ وَجَدَنِي نَائِمًا لَمَا أَيْقَظَنِي ، فَقَالَتْ وَاَللّه إنّي لَأَعْرِفُ
فِي صَوْتِهِ الشّرّ ؟ قَالَ يَقُولُ لَهَا كَعْبٌ لَوْ يُدْعَى الْفَتَى
لِطَعْنَةِ لَأَجَابَ . فَنَزَلَ فَتَحَدّثَ مَعَهُمْ سَاعَةً وَحَدّثُوا مَعَهُ
ثُمّ قَالَ هَلْ لَك يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ أَنْ تَتَمَاشَى إلَى شِعْبٍ
الْعَجُوزِ ، فَنَتَحَدّثَ بِهِ بَقِيّة لَيْلَتِنَا هَذِهِ ؟ قَالَ إنْ شِئْتُمْ
. فَخَرَجُوا يَتَمَاشَوْنَ فَمَشَوْا سَاعَةً ثُمّ إنّ أَبَا نَائِلَةَ شَامَ
يَدَهُ فِي فَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ شَمّ يَدَهُ فَقَالَ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ
طِيبًا أَعْطَرَ قَطّ ، ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ لِمِثْلِهَا حَتّى اطْمَأَنّ
ثُمّ مَشَى سَاعَةً ثُمّ عَادَ [ ص 235 ] فَأَخَذَ بِفَوْدِ رَأْسِهِ ثُمّ قَالَ
اضْرِبُوا عَدُوّ اللّهِ فَضَرَبَهُ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُهُمْ فَلَمْ
تُغْنِ شَيْئًا . قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَذَكَرْت مِغْوَلًا فِي سَيْفِي
، حِينَ رَأَيْت أَسْيَافَنَا لَا تُغْنِي شَيْئًا ، فَأَخَذْته ، وَقَدْ صَاحَ
عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً لَمْ يَبْقَ حَوْلَنَا حِصْنٌ إلّا وَقَدْ أُوقِدَتْ
عَلَيْهِ نَارٌ قَالَ فَوَضَعْته فِي ثُنّتِهِ ثُمّ تَحَامَلْت عَلَيْهِ حَتّى
بَلَغْت عَانَتَهُ فَوَقَعَ عَدُوّ اللّهِ وَقَدْ أُصِيبَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ
بْنِ مُعَاذٍ فَجُرِحَ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي رِجْلِهِ أَصَابَهُ بَعْضُ
أَسْيَافِنَا . قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى سَلَكْنَا عَلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ
زَيْدٍ ، ثُمّ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، ثُمّ عَلَى بُعَاث حَتّى أَسْنَدْنَا فِي
حُرّةِ الْعُرَيْض ، وَقَدْ أَبْطَأَ عَلَيْنَا صَاحِبُنَا الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ
، وَنَزَفَ الدّمَ فَوَقَفْنَا لَهُ سَاعَةً ثُمّ أَتَانَا يَتْبَعُ آثَارَنَا .
قَالَ فَاحْتَمَلْنَاهُ فَجِئْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ آخِرَ اللّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَسَلّمْنَا عَلَيْهِ فَخَرَجَ
إلَيْنَا ، فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ وَتَفَلَ عَلَى جُرْحِ
صَاحِبِنَا ، فَرَجَعَ وَرَجَعْنَا إلَى أَهْلِنَا فَأَصْبَحْنَا وَقَدْ خَافَتْ
يَهُودُ لِوَقْعَتِنَا بِعَدُوّ اللّهِ فَلَيْسَ بِهَا يَهُودِيّ إلّا وَهُوَ
يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ .Sمَقْتَلُ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ
ذَكَرَ فِيهِ أَنّهُ شَبّبَ بِنِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَآذَاهُمْ وَكَانَ قَدْ
شَبّبَ بِأُمّ الْفَضْلِ زَوْجِ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَ
أَرَاحِلٌ أَنْتَ لَمْ تَرْحَلْ لَمِنْعَبَته ... وَتَارِكٌ أَنْتَ أُمّ الْفَضْلِ
بِالْحَرَمِ
فِي أَبْيَاتٍ رَوَاهَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ . [ ص 231 ] وَذَكَرَ فِيهِ
قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مَنْ لِكَعْبِ [ بْنِ الْأَشْرَفِ ] ، فَقَدْ آذَى
اللّهَ وَرَسُولَهُ . فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ وُجُوبُ قَتْلِ مَنْ سَبّ النّبِيّ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَإِنْ كَانَ ذَا عَهْدٍ خِلَافًا لِأَبِي
حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللّهُ فَإِنّهُ لَا يَرَى قَتْلَ الذّمّيّ فِي مِثْلِ هَذَا ،
وَوَقَعَ فِي كِتَابِ شَرَفِ الْمُصْطَفَى أَنّ الّذِينَ قُتِلُوا [ ص 232 ]
الْمَدِينَةِ ، فَقِيلَ إنّهُ أَوّلُ رَأْسٍ حُمِلَ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيلَ بَلْ
رَأْسُ أَبِي عَزّةَ الْجُمَحِيّ الّذِي قَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ فَقَتَلَهُ
وَاحْتَمَلَ رَأْسَهُ فِي رُمْحٍ إلَى الْمَدِينَةِ فِيمَا ذُكِرَ وَأَمّا أَوّلُ
مُسْلِمٍ حُمِلَ رَأْسُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَعَمْرُو بْنُ الْحَمِقِ وَلَهُ
صُحْبَةٌ . وَفِيهِ مِنْ قَوْلِ حَسّانَ فِي كَعْبٍ : بَكَى كَعْبٌ ثُمّ عُلّ
بِعَبْرَةِ
فِيهِ دُخُولُ زِحَافٍ عَلَى زِحَافٍ وَذَلِكَ أَنّ أَوّلَ الْجُزْءِ سَبَبٌ
ثَقِيلٌ وَسَبَبٌ خَفِيفٌ فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ الزّحَافُ الّذِي يُسَمّى
الْإِضْمَارُ صَارَا سَبَبَيْنِ خَفِيفَيْنِ فَيَعُودُ مُتَفَاعِلُن إلَى وَزْنِ
مُسْتَفْعِلُنْ وَمُسْتَفْعِلُنْ يَدْخُلُهُ الْخَبْنُ وَالطّيّ ، وَهُوَ حَذْفُ
الرّابِعِ مِنْهُ فَشَبّهَ حَسّانُ مُتَفَاعِلَانِ فِي الْكَامِلِ
بِمُسْتَفْعِلُنْ لَمّا صَارَ إلَى وَزْنِهِ فَحُذِفَ الْحَرْفُ السّاكِنُ وَهُوَ
الرّابِعُ مِنْ مُتَفَاعِلُن إلَى وَزْنِ مُفْتَعِلُنْ وَهُوَ غَرِيبٌ فِي
الزّحَافِ فَإِنّهُ زِحَافٌ سَهْلٌ زِحَافًا آخَرَ وَلَوْلَا الزّحَافُ الّذِي
هُوَ الْإِضْمَارُ مَا جَازَ الْبَتّةَ حَذْفُ الرّابِعِ مِنْ مُتَفَاعِلُن . [ ص
233 ] وَذَكَرَ فِي الّذِينَ قَتَلُوا كَعْبًا أَبَا عَبْسِ بْنِ جَبْر ٍ
وَاسْمُهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَذَكَرَ سَلْكَانَ بْنَ سَلَامَةَ وَاسْمُهُ سَعْدٌ
. [ ص 234 ] [ ص 235 ]
شِعْرُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
فِي مَقْتَلِ ابْنِ الْأَشْرَفِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ :
فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ
عَلَى الْكَفّيْنِ ثُمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ... بِأَيْدِينَا مُشْهَرَةٌ ذُكُورٌ
بِأَمْرِ مُحَمّدٍ إذْ دَسّ لَيْلًا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ
فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرِ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جُسُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي يَوْمِ بَنِي
النّضِيرِ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ فِي حَدِيثِ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي قَتْلِ
ابْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْق
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ
الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْق [ ص 236 ]
لِلّهِ دَرّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتهمْ ... يَا ابْنَ الْحُقَيْق وَأَنْتَ يَا ابْنَ
الْأَشْرَفِ
يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ ... مَرَحًا كَأُسْدِ فِي عَرِينٍ
مُغْرِفِ
حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحِلّ بِلَادِكُمْ ... فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضِ ذُفّفِ
مُسْتَنْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ ... مُسْتَصْغَرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ
مُجْحِفِ
[ ص 237 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَأَذْكُرُ قَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي
الْحُقَيْق فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ . وَقَوْلُهُ " ذُفّفِ "
عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .S[ ص 236
] وَذَكَرَ فِي شِعْر حَسّانَ الْفَاوِيّ وفيه : بِبِيضِ ذُفّفِ . الذّفّفُ جَمْعُ
ذَفِيفٍ وَهُوَ الْخَفِيفُ السّرِيعُ وَهُوَ جَمْعٌ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ
وَإِنّمَا فُعّل جَمْعُ فَاعِلٍ وَلَكِنّ الذّفِيفَ مِنْ السّيُوفِ فِي مَعْنَى
الْقَاطِعِ وَالصّارِمِ . وَفِيهِ فِي عَرِينٍ مُغْرِفٍ . الْعَرِينُ أَجَمَةُ
الْأَسَدِ وَهُوَ الْغَرِيفُ أَيْضًا ، وَالْغَرِيفُ أَيْضًا الْكَثِيرُ
فَيَحْتَمِلُ إنّ أَرَادَ بِمُغْرِفِ مُكْثِرًا مِنْ الْأُسْدِ وَيَحْتَمِلُ إنْ
أَرَادَ تَوْكِيدَ مَعْنَى الْغَرِيفِ كَمَا يُقَالُ خَبِيثٌ مُخْبِثٌ . وَذَكَرَ
قَوْلَ امْرَأَةِ كَعْبٍ وَاَللّهِ إنّي لَأَعْرِفُ فِي صَوْتِهِ الشّرّ وَفِي
كِتَابِ الْبُخَارِيّ : إنّي لَأَسْمَعُ صَوْتًا يَقْطُرُ مِنْهُ الدّمُ . وَفِيهِ
مَا رَأَيْت عِطْرًا كَالْيَوْمِ مَعْنَاهُ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ : مَا رَأَيْت
كَعِطْرِ أَرَاهُ الْيَوْمَ عِطْرًا : كَذَلِكَ قَالَ فِي قَوْلِ الْعَرَبِ : لَمْ
أَرَ كَالْيَوْمِ رَجُلًا ، أَيْ كَرَجُلِ أَرَاهُ الْيَوْمَ رَجُلًا ، فَحَذَفَ
مَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ الْكَافُ وَحَذَفَ الْفِعْلَ وَهُوَ أَرَى ، وَفَاعِلُهُ
وَمَفْعُولُهُ وَهَذَا حَذْفُ كَثِيرٍ لَا سِيمَا ، وَقَدْ يُقَالُ مَا رَأَيْت
كَالْيَوْمِ وَلَا تُذْكَرُ بَعْدَهُ شَيْئًا إذَا تَعَجّبْت ، فَدَلّ عَلَى
أَنّهُمْ لَمْ يَحْذِفُوا هَذَا الْحَذْفَ الْكَثِيرَ وَلَكِنّهُمْ أَوْقَعُوا التّعَجّبَ
عَلَى الْيَوْمِ لِأَنّ الْأَيّامَ تَأْتِي بِالْأَعَاجِيبِ وَالْعَرَبُ تَذُمّهَا
وَتَمْدَحُهَا فِي نَظْمِهَا وَنَثْرِهَا ، وَيَعْلَمُ الْمُخَاطَبُ أَنّ
الْيَوْمَ لَمْ يُذَمّ لِنَفْسِهِ وَلَا يُعْجَبُ مِنْهُ لِنَفْسِهِ فَيَلْتَمِسُ
مِنْك الْبَيَانَ وَالتّفْسِيرَ لِمَا تَعَجّبْت مِنْهُ فَتَأْتِي بِالتّمْيِيزِ
لِتُبَيّنَ . فَعِطْرًا مَنْصُوبٌ عَلَى التّمْيِيزِ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ
أَنّهُ يَحْسُنُ خَفْضُهُ بِمِنْ لِأَنّهُ مُتَعَجّبٌ مِنْهُ فَتَقُولُ لَمْ أَرَ
كَالْيَوْمِ مِنْ رَجُلٍ . وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
ابْنِ إسْحَاقَ بَعْدَ قَوْلِهِ فَمَشَوْا سَاعَةً قَالَ فَجَعَلَ كَعْبٌ
يُنْشِدُهُ [ ص 237 ]
رُبّ خَالٍ لِي لَوْ أَبْصَرْته ... سَبِطِ الْمِشْيَةِ أَبّاءٍ أَنِفْ
لَيّنِ الْجَانِبِ فِي أَقْرَبِهِ ... وَعَلَى الْأَعْدَاءِ كَالسّمّ الدّعُفْ
وَكِرَامٍ لَمْ يَشِنْهُمْ حَسَبٌ ... أَهْلِ عِزّ وَحُفّاظٍ وَشَرَفْ
يَبْذُلُونَ الْمَالَ فِيمَا نَابَهُمْ ... لِحُقُوقِ تَعْتَرِيهِمْ وَعُرَفْ
وَلُيُوثٍ حِينَ يَشْتَدّ الْوَغَى ... غَيْرِ أَنْكَاسٍ وَلَا مِيلٍ كُشُفْ
فَهُمْ أَهْلُ سَمَاحٍ وَقِرًى ... وَحُفّاظٍ لَمْ يُعَانُوا بِصَلَفْ
سَكَنُوا مِنْ يَثْرِبَ كُلّ رُبًى ... وَسُهُولٍ حَيْثُ حَلّوا فِي أُنُفْ
وَهُمْ أَهْلُ مَشَارِيبَ بِهَا ... وَحُصُونٍ وَنَخِيلٍ وَغُرَفْ
وَلَهَا بِئْرٌ رَوَاءٌ جَمّةٌ ... مَنْ يَرْدِهَا بِإِنَاءِ يَغْتَرِفْ
وَنَخِيلٍ فِي تِلَاعٍ جَمّةٍ ... تُخْرِجُ التّمْرَ كَأَمْثَالِ الْأَكُفّ
وَصَرِير مِنْ مَحَالٍ خِلْته ... آخِرَ اللّيْلِ مَهَارِيجَ نُدُفْ
تَدْلُجُ الْجُونُ عَلَى أَكْتَافِهَا ... بِدِلَاءِ ذَاتِ أَرْكَانٍ صَدَفْ
كُلّ حَاجَاتِي قَدْ قَضَيْتهَا ... غَيْرَ حَاجَاتِي فِي بَطْنِ الْجُرُفْ
أَمْرُ مُحَيّصَة وَحُوَيّصَة
لَوْمُ حُوَيّصَة لِأَخِيهِ مُحَيّصَة لِقَتْلِهِ يَهُودِيّا ثُمّ إسْلَامُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَنْ طَفَرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ فَوَثَبَ مَحِيصَةُ بْنُ
مَسْعُودٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 238 ] وَيُقَالُ مُحَيّصَة بْنُ مَسْعُودِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ عَلَى ابْنِ
سُبَيْنَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سُبَيْعَةَ رَجُلٌ مِنْ تُجّارِ
يَهُودَ كَانَ يُلَابِسُهُمْ وَيُبَايِعُهُمْ فَقَتَلَهُ وَكَانَ حُوَيّصَة بْنُ
مَسْعُودٍ إذْ ذَاكَ لَمْ يُسْلِمْ كَانَ أَسَنّ مِنْ مُحَيّصَة ، فَلَمّا
قَتَلَهُ جَعَلَ حُوَيّصَة يَضْرِبُهُ وَيَقُولُ أَيْ عَدُوّ اللّهِ أَقَتَلْته ،
أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ فِي بَطْنِك فِي مَالِهِ . قَالَ مُحَيّصَة :
فَقُلْت : وَاَللّهِ لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك
لَضَرَبْت عُنُقَك ، قَالَ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ لَأَوّلَ إسْلَامِ حُوَيّصَة ،
قَالَ أَوَاَللّه لَوْ أَمَرَك مُحَمّدٌ بِقَتْلِي لَقَتَلْتنِي ؟ قَالَ نَعَمْ
وَاَللّهِ لَوْ أَمَرَنِي بِضَرْبِ عُنُقِك لَضَرَبْتهَا قَالَ وَاَللّهِ إنّ
دِينًا بَلَغَ بِك هَذَا لَعَجَبٌ فَأَسْلَمَ حُوَيّصَة . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
حَدّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ مَوْلًى لِبَنِي حَارِثَةَ ، عَنْ ابْنَةِ مُحَيّصَة ،
عَنْ أَبِيهَا مُحَيّصَة . فَقَالَ مُحَيّصَة فِي ذَلِكَ .
يَلُومُ ابْنَ أُمّي لَوْ أُمِرْت بِقَتْلِهِ ... لَطَبّقْت ذِفْرَاهُ بِأَبْيَضَ
قَاضِبِ
حُسَامٍ كَلَوْنِ الْمِلْحِ أُخْلِصُ صَقْلَهُ ... مَتَى مَا أُصَوّبُهُ لَيْسَ
بِكَاذِبِ
وَمَا سَرّنِي أَنّي قَتَلْتُك طَائِعًا ... وَأَنْ لَنَا مَا بَيْنَ بِصَرَى
وَمَأْرِبِ
رِوَايَةٌ أُخْرَى فِي إسْلَامِ حُوَيّصَة
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ
قَالَ لَمّا ظَفِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَنِي
قُرَيْظَةَ أَخَذَ مِنْهُمْ نَحْوًا مِنْ أَرْبَعِ مِائَةِ رَجُلٍ مِنْ الْيَهُودِ
، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَنْ تُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ فَجَعَلَتْ
الْخَزْرَجُ تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَيَسُرّهُمْ ذَلِكَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْخَزْرَجِ وَوُجُوهُهُمْ مُسْتَبْشِرَةٌ
وَنَظَرَ إلَى الْأَوْسِ فَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِيهِمْ فَظَنّ أَنّ ذَلِكَ
لِلْحِلْفِ الّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَمْ يَكُنْ
بَقِيَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ إلّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا ، فَدَفَعَهُمْ إلَى
الْأَوْسِ ، فَدَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلَيْنِ مِنْ الْأَوْسِ رَجُلًا مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ
وَقَالَ لِيُضْرَبْ فُلَانٌ وَلْيُذَفّفْ فُلَانٌ فَكَانَ مِمّنْ دُفِعَ إلَيْهِمْ
كَعْبُ بْنُ يَهُوذَا ، وَكَانَ عَظِيمًا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَدَفَعَهُ إلَى
مُحَيّصَة بْنِ مَسْعُودٍ ، وَإِلَى [ ص 239 ] أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نَيّارٍ
وَأَبُو بُرْدَةَ الّذِي رَخّصَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي أَنْ يَذْبَحَ جَذْعًا مِنْ الْمَعْزِ فِي الْأَضْحَى وَقَالَ
لِيَضْرِبْهُ مُحَيّصَة وَلْيُذَفّفْ عَلَيْهِ أَبُو بُرْدَةَ فَضَرَبَهُ
مُحَيّصَة ضَرْبَةً لَمْ تَقْطَعْ وَذَفّفَ أَبُو بُرْدَةَ فَأَجْهَزَ عَلَيْهِ .
فَقَالَ حُوَيّصَة : وَكَانَ كَافِرًا ، لِأَخِيهِ مُحَيّصَة : أَقَتَلْت كَعْبَ
بْنَ يَهُوذَا ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ حُوَيّصَة : أَمَا وَاَللّهِ لَرُبّ شَحْمٍ
قَدْ نَبَتَ فِي بَطْنِك مِنْ مَالِهِ إنّك لَلَئِيمٌ يَا مُحَيّصَة ، فَقَالَ
لَهُ مُحَيّصَة : لَقَدْ أَمَرَنِي بِقَتْلِهِ مَنْ لَوْ أَمَرَنِي بِقَتْلِك
لَقَتَلْتُك فَعَجِبَ مِنْ قَوْلِهِ ثُمّ ذَهَبَ عَنْهُ مُتَعَجّبًا . فَذَكَرُوا
أَنّهُ جَعَلَ يَتَيَقّظُ مِنْ اللّيْلِ فَيَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ أَخِيهِ مُحَيّصَة
. حَتّى أَصْبَحَ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَدِينٌ . ثُمّ أَتَى
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ فَقَالَ مُحَيّصَة فِي ذَلِكَ
أَبْيَاتًا قَدْ كَتَبْنَاهَا .Sقَتْلُ مُحَيّصَة الْيَهُودِيّ
مُحَيّصَة بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ أَصْغَرَ مِنْ أَخِيهِ حُوَيّصَة ، لَكِنْ
سَبَقَهُ إلَى الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَشَهِدَ أُحُدًا
وَالْخَنْدَقَ ، وَأَرْسَلَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى
أَهْلِ فَدَكَ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَهُوَ الّذِي اسْتَفْتَى رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي أُجْرَةِ الْحَجّامِ فَقَالَ لَهُ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَمَا أَلَحّ عَلَيْهِ فِي
الْمَسْأَلَةِ أَعْلِفْهُ نَاضِحَك وَاجْعَلْهُ فِي كَرِشِك وَذَلِكَ أَنّ أَبَا
طِيبَةَ الْحَجّامَ كَانَ عَبْدًا لَهُ وَقَدْ تَقَدّمَ اسْمُ أَبِي طِيبَةَ . [ ص
238 ] بُصْرَى وَمَأْرِبِ . بُصْرَى بِالشّامِ ، وَمَأْرِبُ بِالْيَمَنِ ، حَيْثُ
كَانَ السّدّ ، وَمَأْرِبُ : اسْمُ قَصْرٍ كَانَ لِسَبَأِ . وَقَالَ
الْمَسْعُودِيّ : مَأْرِبُ اسْمُ كُلّ مَلِكٍ وَلِيَ أَمْرَ سَبَأٍ ، كَخَاقَانِ
فِي التّرْكِ ، وَكِسْرَى فِي الْفُرْسِ ، وَقَيْصَرَ فِي الرّومِ ، وَالنّجَاشِيّ
فِي الْحَبَشَةِ . وَحُوَيّصَة : تَصْغِيرُ حَوْصَة مِنْ حُصْت الثّوْبَ إذَا
خِطّته . [ ص 239 ] وَفِي حَدِيثِهِمَا ذِكْرُ سُنَيْنَةَ الْمَقْتُولِ كَأَنّهُ
تَصْغِيرُ سِنّ . وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ فِي اسْمِهِ سُبَيْنَةُ بِالْبَاءِ
كَأَنّهُ مُصَغّرٌ تَصْغِيرَ التّرْخِيمِ مِنْ سَبَنِيّةَ قَالَ صَاحِبُ الْعَيْنِ
السّبَنِيّةُ ضَرْبٌ مِنْ النّبَاتِ وَأَمّا شُنَيْنَةُ بِالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ
. فَوَالِدُ صِقْلَابِ بْنِ شُنَيْنَةَ قَرَأَ عَلَى نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ
، وَقَالَ قَالَ لِي نَافِعٌ يَا صِقْلَابُ بَيْنَ النّونِ عِنْدَ الْحَاءِ
وَالْخَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْغَيْنِ وَالْهَاءِ وَالْأَلِفِ .
الْمُدّةُ بَيْنَ قُدُومِ
الرّسُولِ بَحْرَانِ وَغَزْوَةِ أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ إقَامَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بَعْدَ قُدُومِهِ مِنْ بَحْرَانِ ، جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا
وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَغَزَتْهُ قُرَيْشٌ غَزْوَةَ أُحُدٍ فِي شَوّالٍ
سَنَةَ ثَلَاثٍ .
غَزْوَةُ أُحُدٍ
[ ص 240 ] وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ أُحُدٍ ، كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ
الزّهْرِيّ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ وَالْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ
مُعَاذٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا ، كُلّهُمْ قَدْ حَدّثَ بَعْضَ الْحَدِيثِ
عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ ، وَقَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ كُلّهُ فِيمَا سُقْت مِنْ
هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ قَالُوا ، أَوْ مَنْ قَالَهُ مِنْهُمْ [ ص
241 ]
التّحْرِيضُ عَلَى غَزْوِ الرّسُولِ
لَمّا أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ كُفّارِ قُرَيْشٍ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ ،
وَرَجَعَ فَلّهُمْ إلَى مَكّةَ ، وَرَجَعَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بَعِيرِهِ
مَشَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ،
وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِمّنْ أُصِيبَ
آبَاؤُهُمْ وَأَبْنَاؤُهُمْ وَإِخْوَانُهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَكَلّمُوا أَبَا
سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ فِي تِلْكَ الْعِيرِ مِنْ قُرَيْشٍ
تِجَارَةٌ فَقَالُوا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إنّ مُحَمّدًا قَدْ وَتَرَكُمْ ،
وَقَتَلَ خِيَارَكُمْ فَأَعِينُونَا بِهَذَا الْمَالِ عَلَى حَرْبِهِ فَلَعَلّنَا
نَدْرِك مَعَهُ ثَأْرَنَا بِمَنْ أَصَابَ مِنّا ، فَفَعَلُوا .
مَا نَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْقُرْآنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَفِيهِمْ كَمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ
أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ
لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ
حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ }Sغَزْوَةُ أُحُدٍ
فَضْلُ أُحُدٍ
[ ص 240 ] وَأُحُدٌ الْجَبَلُ الْمَعْرُوفُ بِالْمَدِينَةِ ، سُمّيَ بِهَذَا
الِاسْمِ لِتَوَحّدِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ جِبَالٍ أُخَرَ هُنَالِكَ وَقَالَ
فِيهِ الرّسُولُ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبّنَا
وَنُحِبّهُ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ . قِيلَ
أَرَادَ أَهْلَهُ وَهُمْ الْأَنْصَارُ ، وَقِيلَ أَرَادَ أَنّهُ كَانَ يُبَشّرُهُ
إذَا رَآهُ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ أَسْفَارِهِ بِالْقُرْبِ مِنْ أَهْلِهِ
وَلِقَائِهِمْ وَذَلِكَ فِعْلُ الْمُحِبّ وَقِيلَ بَلْ حُبّهُ حَقِيقَةً وُضِعَ
الْحُبّ فِيهِ كَمَا وُضِعَ التّسْبِيحُ فِي الْجِبَالِ الْمُسَبّحَةِ مَعَ دَاوُد
، وَكَمَا وُضِعَتْ الْخَشْيَةُ فِي الْحِجَارَةِ الّتِي قَالَ اللّهُ فِيهَا : {
وَإِنّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ } وَفِي الْآثَارِ
الْمُسْنَدَةِ أَنّ [ ص 241 ] أُحُدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ
مِنْ دَاخِلِهَا ، وَفِي بَعْضِهَا أَنّهُ رُكْنٌ لِبَابِ الْجَنّةِ ذَكَرَهُ
ابْنُ سَلّامٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَفِي الْمُسْنَدِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَبْسِ بْنِ
جَبْرٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أُحُدٌ
يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ وَهُوَ عَلَى بَابِ الْجَنّةِ قَالَ وَعَيْرٌ يَبْغُضُنَا
وَنَبْغُضُهُ وَهُوَ عَلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ النّارِ وَيُقَوّيهِ قَوْلُهُ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبّ مَعَ قَوْلِهِ
يُحِبّنَا وَنُحِبّهُ فَتَنَاسَبَتْ هَذِهِ الْآثَارُ وَشَدّ بَعْضُهَا بَعْضًا .
[ ص 242 ]
مُشَاكَلَةُ اسْمِ الْجَبَلِ لِأَغْرَاضِ التّوْحِيدِ
وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يُحِبّ الِاسْمَ الْحَسَنَ وَلَا أَحْسَنَ مِنْ
اسْمٍ مُشْتَقّ مِنْ الْأَحَدِيّةِ وَقَدْ سَمّى اللّهُ هَذَا الْجَبَلَ بِهَذَا
الِاسْمِ تَقْدِمَةً لِمَا أَرَادَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ مُشَاكَلَةِ اسْمِهِ
وَمَعْنَاهُ إذْ أَهْلُهُ وَهُمْ الْأَنْصَارُ نَصَرُوا التّوْحِيدَ
وَالْمَبْعُوثَ بِدِينِ التّوْحِيدِ عِنْدَهُ اسْتَقَرّ حَيّا وَمَيّتًا ، وَكَانَ
مِنْ عَادَتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْوِتْرَ وَيُحِبّهُ فِي
شَأْنِهِ كُلّهِ اسْتِشْعَارًا لِلْأَحَدِيّةِ فَقَدْ وَافَقَ اسْمُ هَذَا
الْجَبَلِ لِأَغْرَاضِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ وَمَقَاصِدِهِ فِي الْأَسْمَاءِ
فَقَدْ بَدّلَ كَثِيرًا مِنْ الْأَسْمَاءِ اسْتِقْبَاحًا لَهَا مِنْ أَسْمَاءِ
الْبِقَاعِ وَأَسْمَاءِ النّاسِ وَذَلِكَ لَا يُخْصَى كَثْرَةً فَاسْمُ هَذَا
الْجَبَلِ مِنْ أَوْفَقِ الْأَسْمَاءِ لَهُ وَمَعَ أَنّهُ مُشْتَقّ مِنْ
الْأَحَدِيّةِ فَحَرَكَاتُ حُرُوفِهِ الرّفْعُ وَذَلِكَ يُشْعِرُ بِارْتِفَاعِ دِينِ
الْأَحَدِ وَعُلُوّهِ فَتَعَلّقَ الْحُبّ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِهِ اسْمًا وَمُسَمّى ، فَخَصّ مِنْ بَيْنِ الْجِبَالِ بِأَنْ يَكُونَ
مَعَهُ فِي الْجَنّةِ { وَبُسّتِ الْجِبَالُ بَسّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثّا }
وَفِي أُحُدٍ قَبْرُ هَارُونَ أَخِي مُوسَى عَلَيْهِمَا السّلَامُ وَفِيهِ قُبِضَ
وَثَمّ وَارَاهُ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ وَكَانَا قَدْ مَرّا بِأُحُدِ حَاجّينِ
أَوْ [ ص 243 ] أَسْنَدَهُ الزّبَيْرُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي كِتَابِ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ . وَذَكَرَ ابْنُ
إسْحَاقَ مَسِيرَ قُرَيْشٍ بِالظّعُنِ الْتِمَاسَ الْحَفِيظِيّة ، وَالْحَفِيظَةُ
الْغَضَبُ لِلْحُرَمِ وَيُقَالُ أَحْفَظَ الرّجُلُ إذَا غَضِبَ
اجْتِمَاعُ قُرَيْشٍ
لِلْحَرْبِ
فَاجْتَمَعَتْ قُرَيْشٌ لِحَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حِينَ فَعَلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبِ وَأَصْحَابُ الْعِيرِ
بِأَحَابِيشِهَا ، وَمَنْ أَطَاعَهَا مِنْ قَبَائِلِ كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ
. وَكَانَ أَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْجُمَحِيّ قَدْ مَنّ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ
فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ [ ص 242 ] وَكَانَ فِي الْأُسَارَى فَقَالَ إنّي فَقِيرٌ ذُو
عِيَالٍ وَحَاجَةٍ قَدْ عَرَفْتهَا فَامْنُنْ عَلَيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْك
وَسَلّمَ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
لَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ : يَا أَبَا عَزّةَ إنّك امْرِئِ شَاعِرٌ فَأَعِنّا
بِلِسَانِك ، فَاخْرُجْ مَعَنَا ، فَقَالَ إنّ مُحَمّدًا قَدْ مَنّ عَلَيّ فَلَا
أُرِيدُ أَنْ أُظَاهِرَ عَلَيْهِ قَالَ فَأَعِنّا بِنَفْسِك ، فَلَك اللّهُ عَلَيّ
إنْ رَجَعْت أَنْ أُغْنِيَك ، وَإِنْ أُصِبْت أَنْ أَجْعَلَ بَنَاتَك مَعَ
بَنَاتِي ، يُصِيبُهُنّ مَا أَصَابَهُنّ مِنْ عُسْرٍ وَيُسْرٍ . فَخَرَجَ أَبُو
عَزّةَ فِي تِهَامَةَ ، وَيَدْعُو بَنِي كِنَانَةَ وَيَقُولُ
إيهًا بَنِي عَبْدِ مَنَاةَ الرّزّام ... أَنْتُمْ حُمَاةٌ وَأَبُوكُمْ حَامْ
لَا تَعِدُونِي نَصْرَكُمْ بَعْدَ الْعَامِ ... لَا تُسَلّمُونِي لَا يَحِلّ
إسْلَامْ
وَخَرَجَ مُسَافِعُ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحٍ
إلَى بَنِي مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ ، يُحَرّضُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إلَى حَرْبِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
يَا مَالِ مَالِ الْحَسَبِ الْمُقَدّمِ ... أَنْشُدُ ذَا الْقُرْبَى وَذَا
التّذَمّمِ
مِنْ كَانَ ذَا رُحْمٍ وَمَنْ لَمْ يَرْحَمْ ... الْحِلْفَ وَسْطَ الْبَلَدِ
الْمُحَرّمِ
عِنْدَ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ الْمُعَظّمِ
[ ص 243 ] وَدَعَا جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ غُلَامًا لَهُ حَبَشِيّا يُقَال لَهُ
وَحْشِيّ ، يَقْذِفُ بِحَرْبَةِ لَهُ قَذْفَ الْحَبَشَةِ ، قَلّمَا يُخْطِئُ بِهَا
، فَقَالَ لَهُ اُخْرُجْ مَعَ النّاسِ وَإِنْ أَنْتَ قَتَلْت حَمْزَةَ عَمّ
مُحَمّدٍ بِعَمّي طُعَيْمَة بْنِ عَدِيّ ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ .
خُرُوجُ قُرَيْشٍ مَعَهُمْ نِسَاؤُهُمْ
فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ بِحَدّهَا وَجَدّهَا وَحَدِيدِهَا وَأَحَابِيشِهَا ، وَمَنْ
تَابَعَهَا مِنْ بَنِي كِنَانَةَ ، وَأَهْلِ تِهَامَةَ ، وَخَرَجُوا مَعَهُمْ بِالظّعُنِ
الْتِمَاسَ الْحَفِيظَةِ وَأَلّا يَفِرّوا . فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ
، وَهُوَ قَائِدُ النّاسِ بِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ وَخَرَجَ عِكْرِمَةُ بْنُ
أَبِي جَهْلٍ بِأُمّ حَكِيمٍ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ
وَخَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ
الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَخَرَجَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بِبَرْزَةَ
بِنْتِ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ الثّقَفِيّ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ رُقَيّةُ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بِرَيْطَةَ بِنْتِ
مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَخَرَجَ
طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبُو طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى
بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ ، بِسُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شَهِيدٍ
الْأَنْصَارِيّةِ وَهِيَ أُمّ بَنِي طَلْحَةَ مُسَافِعٌ وَالْجُلَاسُ وَكِلَاب ،
قُتِلُوا يَوْمئِذٍ ( هُمْ ) وَأَبُوهُمْ ؟ وَخَرَجَتْ خِنَاسُ بِنْتُ مَالِكِ
بْنِ الْمُضْرِبِ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ مَعَ ابْنِهَا أَبِي
عَزِيزِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَهِيَ أُمّ مُصْعَب بْنِ عُمَيْرٍ ، وَخَرَجَتْ عَمْرَةُ
بِنْتُ عَلْقَمَةَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ
كِنَانَة َ . وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ كُلّمَا مَرّتْ بِوَحْشِيّ أَوْ
مَرّ بِهَا ، قَالَتْ وَيْهَا أَبَا دَسْمَةَ اشْفِ وَاسْتَشْفِ وَكَانَ وَحْشِيّ
يُكَنّى بِأَبِي دَسْمَةَ فَأَقْبَلُوا حَتّى نَزَلُوا بِعَيْنَيْنِ بِجَبَلِ
بِبَطْنِ السّبْخَةِ مِنْ قَنَاةَ عَلَى شَفِيرِ الْوَادِي ، مُقَابِلَ الْمَدِينَةِ
.
رُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
[ ص 244 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ نَزَلُوا حَيْثُ
نَزَلُوا ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَلِلْمُسْلِمِينَ إنّي قَدْ رَأَيْت وَاَللّهِ خَيْرًا ، رَأَيْت بَقَرًا ،
وَرَأَيْت فِي ذُبَابِ سَيْفِي ثُلْمًا ، وَرَأَيْت أَنّي أَدْخَلْت يَدِي فِي
دِرْعٍ حَصِينَةٍ فَأَوّلْتهَا : الْمَدِينَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي
بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ
رَأَيْت بَقَرًا لِي تُذْبَحُ ، قَالَ فَأَمّا الْبَقَرُ فَهِيَ نَاسٌ مِنْ
أَصْحَابِي يُقْتَلُونَ وَأَمّا الثّلْمُ الّذِي رَأَيْت فِي ذُبَابِ سَيْفِي ،
فَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي يُقْتَلُ .
مُشَاوَرَةُ الرّسُولِ الْقَوْمَ قِي الْخُرُوجِ أَوْ الْبَقَاءِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَإِنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُقِيمُوا بِالْمَدِينَةِ
وَتَدْعُوهُمْ حَيْثُ نَزَلُوا ، فَإِنْ أَقَامُوا أَقَامُوا بِشَرّ مَقَامٍ
وَإِنْ هُمْ دَخَلُوا عَلَيْنَا قَاتَلْنَاهُمْ فِيهَا وَكَانَ رَأْيُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ مَعَ رَأْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرَى رَأْيَهُ فِي ذَلِكَ وَأَلّا يَخْرُجَ إلَيْهِمْ وَكَانَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُ الْخُرُوجَ فَقَالَ
رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ أَكْرَمَ اللّهُ بِالشّهَادَةِ يَوْمَ أُحُدٍ
وَغَيْرِهِ مِمّنْ كَانَ فَاتَهُ بَدْرٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُخْرُجْ بِنَا إلَى
أَعْدَائِنَا ، لَا يَرَوْنَ أَنّا جَبُنّا عَنْهُمْ وَضَعُفْنَا . فَقَالَ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَقِمْ بِالْمَدِينَةِ لَا
تَخْرُجْ إلَيْهِمْ [ ص 245 ] قَطّ إلّا أَصَابَ مِنّا ، وَلَا دَخَلَهَا
عَلَيْنَا إلّا أَصَبْنَا مِنْهُ فَدَعْهُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنْ أَقَامُوا
أَقَامُوا بِشَرّ مَحْبِسٍ وَإِنْ دَخَلُوا قَاتَلَهُمْ الرّجَالُ فِي وَجْهِهِمْ
وَرَمَاهُمْ النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ فَوْقِهِمْ وَإِنْ
رَجَعُوا رَجَعُوا خَائِبِينَ كَمَا جَاءُوا . فَلَمْ يَزَلْ النّاسُ بِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ حُبّ
لِقَاءِ الْقَوْمِ حَتّى دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَيْتَهُ فَلَبِسَ لَأْمَتَهُ وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ حِينَ فَرَغَ مِنْ
الصّلَاةِ . وَقَدْ مَاتَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَال
لَهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، أَحَدُ بَنِي النّجّارِ ، فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ خَرَجَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ نَدِمَ
النّاسُ وَقَالُوا : اسْتَكْرَهْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا ذَلِكَ . فَلَمّا خَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَكْرَهْنَاك
وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَنَا ، فَإِنْ شِئْت فَاقْعُدْ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ،
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا يَنْبَغِي لِنَبِيّ
إذَا لَبِسَ لَأْمَتَهُ أَنْ يَضَعَهَا حَتّى يُقَاتِلَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَلْفٍ مِنْ أَصْحَابِهِ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَاسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ .Sرُؤْيَا رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَصْلٌ
[ ص 244 ] وَذَكَرَ رُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ
رَأَى بَقَرًا تُنْحَرُ حَوْلَهُ وَثُلْمَةً فِي سَيْفِهِ وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ
قَالَ رَأَيْت بَقَرًا تُنْحَرُ وَاَللّهِ خَيْرٌ فَأَوّلْت الْخَيْرَ مَا جَاءَ
اللّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ كَانَتْ بَدْرٌ قَبْلَ أُحُدٍ ،
وَلَكِنْ نَفَعَ اللّهُ بِذَلِكَ الْخَيْرِ الّذِي كَانَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ
وَكَانَ فِيهِ تَأْسِيَةً وَتَعْزِيَةً لَهُمْ فَلِذَلِكَ تَضَمّنَتْهُ الرّؤْيَا
بِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ
مِثْلَيْهَا } وَفِي الْبُخَارِيّ : مَا جَاءَ اللّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ بَعْدَ
بَدْرٍ . وَفِي مُسْلِمٍ : وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللّهُ بِهِ بَعْدُ
وَثَوَابُ الصّدْقِ الّذِي أَتَانَا اللّهُ بِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَهَذِهِ أَقَلّ
الرّوَايَاتِ إشْكَالًا . " قَالَ الْمُؤَلّفُ " أَبُو الْقَاسِمُ [
السّهَيْلِيّ ] : أَمّا الْبَقَرُ فَعِبَارَةٌ عَنْ رِجَالٍ مُسَلّحِينَ
يَتَنَاطَحُونَ وَقَدْ رَأَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - مِثْلَ هَذَا ،
فَكَانَ تَأْوِيلُهُ قَتْلَ مَنْ قُتِلَ مَعَهَا يَوْمَ الْجَمَلِ [ ص 245 ]
عَرَفَ هَذَا مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ لَكِنْ الصّوَرُ الْمُرَئّيَةُ فِي
النّوْمِ تَكُونُ فِي الْغَالِبِ أَمْثَالًا مَضْرُوبَةً وَقَدْ تَكُونُ عَلَى
ظَاهِرِهَا ، وَأَمّا الْكَلَامُ الّذِي يَسْمَعُهُ بِسَمْعِ الْوَهْمِ مُمَثّلًا
فِي الْخَلَدِ فَلَا يَكُونُ إلّا عَلَى ظَاهِرِهِ مِثْلَ أَنْ يَسْمَعَ أَنْتَ
سَالِمٌ أَوْ اللّهُ خَيْرٌ لَك ، أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ
فَلَيْسَ لَهُ مَعْنًى سِوَى ظَاهِرِهِ . وَذَكَرَ أَنّ فَرَسًا ذَبّبَ بِذَيْلِهِ
فَأَصَابَ كُلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كُلّابُ السّيْفِ
هِيَ الْحَدِيدَةُ الْعَقْفَاءُ وَهِيَ الّتِي ، تَلِي ، الْغِمْدَ وَفِي كِتَابِ
الْعَيْنِ الْكَلْبُ مِسْمَارٌ فِي قَائِمِ السّيْفِ .
انْخِذَالُ الْمُنَافِقِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى إذَا كَانُوا بِالشّوْطِ بَيْنَ الْمَدِينَةِ
وَأُحُدٍ ، انْخَزَلَ عَنْهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ بِثُلُثِ
النّاسِ وَقَالَ أَطَاعَهُمْ وَعَصَانِي ، مَا نَدْرِي عَلَامَ نَقْتُلُ
أَنْفُسَنَا هَاهُنَا أَيّهَا النّاسُ فَرَجَ بِمَنْ اتّبَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ
أَهْلِ النّفَاقِ وَالرّيْبِ وَاتّبَعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ
حَرَامٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، يَقُولُ يَا قَوْمِ أُذَكّرُكُمْ اللّهَ أَلّا
تَخْذُلُوا قَوْمَكُمْ وَنَبِيّكُمْ [ ص 246 ] حَضَرَ مِنْ عَدُوّهِمْ فَقَالُوا :
لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَمَا أَسْلَمْنَاكُمْ وَلَكِنّا لَا نَرَى
أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ . قَالَ فَلَمّا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ وَأَبَوْا إلّا
الِانْصِرَافَ عَنْهُمْ قَالَ أَبَعْدَكُمْ اللّهُ أَعْدَاءَ اللّهِ فَسَيُغْنِي
اللّهُ عَنْكُمْ نَبِيّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ زِيَادٌ مُحَمّدَ بْنَ
إسْحَاقَ عَنْ الزّهْرِيّ : أَنّ الْأَنْصَارَ يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالُوا لِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا نَسْتَعِينُ
بِحُلَفَائِنَا مِنْ يَهُودَ ؟ فَقَالَ لَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِمْ
حَادِثَةٌ تَفَاءَلَ بِهَا
الرّسُولُ
قَالَ زِيَادٌ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إسْحَاقَ قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى سَلَكَ فِي حَرّةِ بَنِي حَارِثَةَ ، فَذَبّ
فَرَسٌ بِذَنَبِهِ فَأَصَابَ كُلّابَ سَيْفٍ فَاسْتَلّهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَالُ كَلّابُ سَيْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يُحِبّ الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ لِصَاحِبِ
السّيْفِ شِمْ سَيْفَك ، فَإِنّي أَرَى السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ
مَا كَانَ مِنْ مِرْبَعٍ حِينَ سَلَكَ الْمُسْلِمُونَ حَائِطَهُ
[ ص 247 ] قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ
مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ بِنَا عَلَى الْقَوْمِ مِنْ كَثَبٍ أَيْ مِنْ قُرْبٍ مِنْ
طَرِيقٍ لَا يَمُرّ بِنَا عَلَيْهِمْ ؟ فَقَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي
حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَنَفَذَ بِهِ حَرّةَ بَنِي
حَارِثَةَ ، وَبَيْنَ أَمْوَالِهِمْ حَتّى سَلَكَ فِي مَالٍ لِمِرْبَعِ بْنِ
قَيْظِيّ وَكَانَ رَجُلًا مُنَافِقًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ فَلَمّا سَمِعَ حِسّ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
قَامَ يَحْثِي فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ وَيَقُولُ إنْ كُنْت رَسُولَ اللّهِ
فَإِنّي لَا أَحِلّ لَك أَنْ تَدْخُلَ حَائِطِي . وَقَدْ ذَكَرَ لِي أَنّهُ أَخَذَ
حَفْنَةً مِنْ تُرَابٍ فِي يَدِهِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَعْلَمُ أَنّي لَا
أُصِيبُ بِهَا غَيْرَك يَا مُحَمّدُ لَضَرَبْت بِهَا وَجْهَك . فَابْتَدَرَهُ
الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لَا تَقْتُلُوهُ فَهَذَا الْأَعْمَى أَعْمَى الْقَلْبِ ، أَعْمَى الْبَصَرِ وَقَدْ
بَدَرَ إلَيْهِ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قِيلَ نَهَى
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ فَضَرَبَهُ بِالْقَوْسِ فِي
رَأْسِهِ فَشَجّهُ . قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَتّى نَزَلَ الشّعْبُ مِنْ أُحُدٍ ، فِي عُدْوَةِ الْوَادِي إلَى الْجَبَلِ
فَجَعَلَ ظَهْرَهُ وَعَسْكَرَهُ إلَى أُحُدٍ ، وَقَالَ لَا يُقَاتِلُنّ أَحَدٌ
مِنْكُمْ حَتّى نَأْمُرُهُ بِالْقِتَالِ . وَقَدْ سَرّحَتْ قُرَيْشٌ الظّهْرَ
وَالْكُرَاعَ فِي زُرُوعٍ كَانَتْ بِالصّمْغَةِ مِنْ قَنَاةٍ لِلْمُسْلِمِينَ
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْقِتَالِ أَتُرَعّى زُرُوعُ بَنِي قَيْلَةَ وَلَمّا [ ص
248 ] وَتَعَبّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْقِتَالِ
وَهُوَ فِي سَبْعِ مِائَةِ رَجُلٍ وَأَمّرَ عَلَى الرّمَاةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ
جُبَيْرٍ ، أَخَا بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ مُعَلّمٌ يَوْمئِذٍ بِثِيَابِ
بِيضٍ وَالرّمَاةُ خَمْسُونَ رَجُلًا ، فَقَالَ انْضَحْ الْخَيْلَ عَنّا
بِالنّبْلِ ، لَا يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا ، إنْ كَانَتْ لَنَا أَوْ عَلَيْنَا ،
فَأَثْبُت مَكَانَك لَا نُؤْتَيَنّ مِنْ قِبَلِك . وَظَاهَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَب بْنِ
عُمَيْرٍ ، أَخِي بَنِي عَبْدِ الدّارِ .Sالْفَأْلُ وَالطّيَرَةُ
[ ص 246 ] قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحِبّ
الْفَأْلَ وَلَا يَعْتَافُ يَفْتَالُ يَفْتَعِلُ مِنْ الْعِيَافَةِ . وَظَاهِرُ
كَلَامِهِ أَنّ الْعِيَافَةَ فِي الْمَكْرُوهِ خَاصّةً وَالْفَأْلُ فِي
الْمَحْبُوبِ وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَكْرُوهِ وَالطّيَرَةُ تَكُونُ فِي
الْمَحْبُوبِ الْمَكْرُوهِ وَفِي الْحَدِيثِ أَنّهُ نَهَى عَنْ الطّيَرَةِ وَقَالَ
خَيْرُهَا الْفَأْلُ فَدَلّ عَلَى أَنّهَا تَكُونُ عَلَى وُجُوهٍ وَالْفَأْلُ
خَيْرُهَا . وَلَفْظُهَا يُعْطِي أَنّهَا تَكُونُ فِي الْخَيْرِ وَالشّرّ
لِأَنّهَا مِنْ الطّيْرِ تَقُولُ الْعَرَبُ : جَرَى لَهُ الطّائِرُ بِخَيْرِ
وَجَرَى لَهُ بِشَرّ وَفِي التّنْزِيلِ { وَكُلّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ
طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ } وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّي أَرَى
السّيُوفَ سَتُسَلّ الْيَوْمَ يُقَوّي مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ التّوَسّمِ وَالزّجْرِ
الْمُصِيبِ وَأَنّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لَكِنّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ إلّا أَنْ
يَكُونَ مِنْ كَلَامِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَدّمْنَا
فِيهِ قَوْلًا مُقْنِعًا فِي حَدِيثِ زَمْزَمَ وَنُقْرَة الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ
وَلِلّهِ فِي كُلّ شَيْءٍ حِكْمَةٌ وَإِعْمَالُ الْفِكْرِ فِي الْوُقُوفِ عَلَى
حِكْمَةِ اللّهِ عِبَادَةٌ .
مَنْ أَجَازَهُمْ الرّسُولُ
وَهُمْ فِي الْخَامِسَةَ عَشَرَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَجَازَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَوْمئِذٍ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْفَزَارِيّ وَرَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ ، أَخَا
بَنِي حَارِثَةَ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً وَكَانَ قَدْ رَدّهُمَا ،
فَقِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ رَافِعًا رَامٍ ، فَأَجَازَهُ فَلَمّا أَجَازَ
رَافِعًا ، قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ سَمُرَةَ يَصْرَعُ رَافِعًا ،
فَأَجَازَهُ وَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ
زَيْدٍ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ،
أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ ، أَحَدَ بَنِي
حَارِثَةَ وَعَمْرَو بْنَ حَزْمٍ ، أَحَدَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ
وَأُسَيْدَ بْنَ ظُهَيْرٍ ، أَحَدَ بَنِي حَارِثَةَ ثُمّ أَجَازَهُمْ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ ، وَهُمْ أَبْنَاءُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً . [ ص 249 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَتَعَبّأَتْ قُرَيْشٌ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافِ رَجُلٍ وَمَعَهُمْ
مِائَتَا فَرَسٍ قَدْ جَنَبُوهَا ، فَجَعَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ الْخَيْلِ خَالِدَ
بْنَ الْوَلِيدِ ، وَعَلَى مَيْسَرَتِهَا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ .Sالْمُسْتَصْغَرُونَ
يَوْمَ أُحُدٍ
[ ص 247 ] وَذَكَرَ الْمُسْتَصْغَرِينَ يَوْمَ أُحُدٍ الّذِينَ أَرَادُوا
الْخُرُوجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَرَدّ
أَصْغَرَهُمْ مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَأُسَيْدُ بْنُ ظُهَيْرٍ وَزَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ إلَى آخِرِهِمْ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمْ عَرَابَةَ بْنَ أَوْسِ بْنِ
قَيْظِيّ وَقَدْ ذَكَرَتْهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ وَمِمّنْ ذَكَرَهُ فِيهِمْ
الْقُتَبِيّ فِي كِتَابِ الْمَعَارِفِ وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِيهِ الشّمّاخُ
إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدِ ... تَلْقَاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
وَلِعَرَابَةَ أَخٌ اسْمُهُ كَبَاثَةُ لَهُ صُحْبَةٌ . وَمِنْ الْمُسْتَصْغَرِينَ
يَوْمَ أُحُدٍ سَعْدُ ابْنُ حَبْتَةَ عُرِفَ بِأُمّهِ وَهِيَ حَبْتَةُ بِنْتُ
مَالِكٍ أَنْصَارِيّةٌ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ بُجَيْرٍ مِنْ بَجِيلَةَ ، رَدّهُ
النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمَ أُحُدٍ لِصِغَرِ سِنّهِ
فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْخَنْدَقِ رَآهُ يُقَاتِلُ قِتَالًا شَدِيدًا ، فَدَعَاهُ
وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ
فَكَانَ عَمّا لِأَرْبَعِينَ وَخَالًا لِأَرْبَعِينَ وَأَبًا لِعِشْرِينَ وَمِنْ
وَلَدِهِ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَبِيبِ بْنِ
حُبَيْشِ بْنِ سَعْدِ بْنِ حَبْتَةَ .
أَمْرُ أَبِي دُجَانَةَ
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَأْخُذُ هَذَا
السّيْفَ بِحَقّهِ ؟ فَقَامَ إلَيْهِ رِجَالٌ فَأَمْسَكَهُ عَنْهُمْ حَتّى قَامَ
إلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ ، أَخُو بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ
وَمَا حَقّهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَنْ تَشْرَبَ بِهِ الْعَدُوّ حَتّى
يَنْحَنِي قَالَ أَنَا آخُذُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِحَقّهِ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ .
وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ رَجُلًا شُجَاعًا يَخْتَالُ عِنْدَ الْحَرْبِ إذَا
كَانَتْ وَكَانَ إذَا أُعْلِمَ بِعِصَابَةِ لَهُ حَمْرَاءَ ، فَاعْتَصَبَ بِهَا
عَلَى النّاسِ أَنّهُ سَيُقَاتِلُ فَلَمّا أَخَذَ السّيْفَ مِنْ يَدِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَرَجَ عِصَابَتَهُ تِلْكَ فَعَصَبَ
بِهَا رَأْسَهُ وَجَعَلَ يَتَبَخْتَرُ بَيْنَ الصّفّيْنِ . [ ص 250 ] قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَسْلَمَ ، مَوْلَى
عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى أَبَا
دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ إنّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغُضُهَا اللّهُ إلّا فِي مِثْلِ
هَذَا الْمَوْطِنِ .
أَمْرُ أَبِي عَامِرٍ الْفَاسِقِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ
أَبَا عَامِرٍ عَبْدَ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدُ
بَنِي ضُبَيْعَةَ وَقَدْ كَانَ خَرَجَ حِينَ خَرَجَ إلَى مَكّةَ مُبَاعِدًا
لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ خَمْسُونَ غُلَامًا مِنْ
الْأَوْسِ ، وَبَعْضُ النّاسِ كَانَ يَقُولُ كَانُوا خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا ،
وَكَانَ يَعِدُ قُرَيْشًا أَنْ لَوْ قَدْ لَقِيَ قَوْمَهُ لَمْ يَخْتَلِفْ
عَلَيْهِ مَعَهُمْ رَجُلَانِ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ كَانَ أَوّلَ مِنْ
لَقِيَهُمْ أَبُو عَامِرٍ فِي الْأَحَابِيشِ وَعُبْدَانُ أَهْلِ مَكّةَ ، فَنَادَى
: يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ ، أَنَا أَبُو عَامِرَةَ قَالُوا : فَلَا أَنْعَمَ
اللّهُ بِك عَيْنًا يَا فَاسِقُ وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ يُسَمّى فِي الْجَاهِلِيّةِ
الرّاهِبَ فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَاسِقَ
فَلَمّا سَمِعَ رَدّهُمْ عَلَيْهِ قَالَ لَقَدْ أَصَابَ قَوْمِي بَعْدِي شَرّ ،
ثُمّ قَاتَلَهُمْ قِتَالًا شَدِيدًا ، ثُمّ رَاضَخَهُمْ بِالْحِجَارَةِ .
أُسْلُوبُ أَبِي سُفْيَانَ فِي تَحْرِيضِ قُرَيْشٍ
[ ص 251 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِ
اللّوَاءِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ يُحَرّضُهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْقِتَالِ يَا
بَنِي عَبْدِ الدّارِ إنّكُمْ قَدْ وُلّيتُمْ لِوَاءَنَا يَوْمَ بَدْرٍ
فَأَصَابَنَا مَا قَدْ رَأَيْتُمْ وَإِنّمَا يُؤْتَى النّاسُ مِنْ قِبَلِ
رَايَاتِهِمْ إذَا زَالَتْ زَالُوا ، فَإِمّا أَنْ تَكْفُونَا لِوَاءَنَا ،
وَإِمّا أَنْ تُخَلّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَنَكْفِيكُمُوهُ فَهَمّوا بِهِ
وَتُوَاعَدُوهُ وَقَالُوا : نَحْنُ نُسَلّمُ إلَيْك لِوَاءَنَا ، سَتَعْلَمُ غَدًا
إذَا الْتَقَيْنَا كَيْفَ نَصْنَعُ وَذَلِكَ أَرَادَ أَبُو سُفْيَانَ .
تَحْرِيضُ هِنْدٍ وَالنّسْوَةِ مَعَهَا
فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَامَتْ هِنْدُ بِنْتُ
عُتْبَةَ فِي النّسْوَةِ اللّاتِي مَعَهَا ، وَأَخَذْنَ الدّفُوفَ يَضْرِبْنَ
بِهَا خَلْفَ الرّجَالِ وَيُحَرّضْنَهُمْ فَقَالَتْ هِنْدٌ فِيمَا تَقُولُ
وَيْهًا بَنِي عَبْدِ الدّارْ ... وَيْهًا حُمَاةَ الْأَدْبَارْ
ضَرْبًا بِكُلّ بَتّارْ
وَتَقُولُ
إنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... وَنَفْرِشُ النّمَارِقْ
أَوْ تُدْبِرُوا نُفَارِقْ ... فِرَاقَ غَيْرِ وَامِقْ
شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ
وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ
أُحُدٍ : أَمِتْ أَمِتْ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .
تَمَامُ قِصّةِ أَبِي دُجَانَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاقْتَتَلَ النّاسُ حَتّى حَمِيَتْ الْحَرْبُ وَقَاتَلَ
أَبُو دُجَانَةَ حَتّى أَمْعَنَ فِي النّاسِ . [ ص 252 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامّ
قَالَ وَجَدْت فِي نَفْسِي حِينَ سَأَلْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ السّيْفَ فَمَنَعْنِيهِ وَأَعْطَاهُ أَبَا دُجَانَةَ وَقُلْت : أَنَا
ابْنُ صَفِيّةَ عَمّتِهِ ، وَمِنْ قُرَيْشٍ ، وَقَدْ قُمْت إلَيْهِ فَسَأَلْته
إيّاهُ قَبْلَهُ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ وَتَرَكَنِي ، وَاَللّهِ لَأَنْظُرَنّ مَا
يَصْنَعُ فَاتّبَعْته ، فَأَخْرَجَ عِصَابَةً لَهُ حَمْرَاءَ ، فَعَصَبَ بِهَا
رَأْسَهُ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : أَخَرَجَ أَبُو دُجَانَةَ عِصَابَةَ الْمَوْتِ
، وَهَكَذَا كَانَتْ تَقُولُ لَهُ إذَا تَعَصّبَ بِهَا ، فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ
أَنَا الّذِي عَاهَدَنِي خَلِيلِي ... وَنَحْنُ بِالسّفْحِ لَدَى النّخِيلِ
أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ فِي الْكَيّولِ ... أَضْرِبْ بِسَيْفِ اللّهِ وَالرّسُولِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى فِي الْكُبُولِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَجَعَلَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا قَتَلَهُ . وَكَانَ فِي الْمُشْرِكِينَ رَجُلٌ
لَا يَدَعُ لَنَا جَرِيحًا إلّا ذَفّفَ عَلَيْهِ فَجَعَلَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
يَدْنُو مِنْ صَاحِبِهِ . فَدَعَوْت اللّهَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا ،
فَالْتَقَيَا ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَ الْمُشْرِكُ أَبَا دُجَانَةَ
فَاتّقَاهُ بِدَرَقَتِهِ فَعَضّتْ بِسَيْفِهِ وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ
فَقَتَلَهُ ثُمّ رَأَيْته قَدْ حَمَلَ السّيْفَ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِ هِنْدَ
بِنْتِ عُتْبَةَ ، ثُمّ عَدَلَ السّيْفَ عَنْهَا . قَالَ الزّبَيْرُ فَقُلْت :
اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو دُجَانَةَ
سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ : رَأَيْت إنْسَانًا يَخْمُشُ النّاسَ خَمْشًا شَدِيدًا ،
فَصَمَدْت لَهُ فَلَمّا حَمَلْت عَلَيْهِ السّيْفَ وَلْوَلَ فَإِذَا امْرَأَةٌ
فَأَكْرَمْت سَيْفَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَضْرِبَ
بِهِ امْرَأَةًSحَوْلَ شِعْرِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ
[ ص 248 ] وَذَكَرَ قَوْلَ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ : وَيْهًا بَنِي عَبْدِ الدّارِ
وَيْهًا كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا الْإِغْرَاءُ . قَالَ الرّاجِزُ
وَهُوَ إذَا قِيلَ لَهُ وَيْهًا فُلُ ... فَإِنّهُ مُوَاشِكٌ مُسْتَعْجِلُ
وَأَمّا وَاهَا ، فَإِنّ مَعْنَاهَا : التّعَجّبُ وَإِيهًا مَعْنَاهَا : الْأَمْرُ
بِالْكَفّ . وَقَوْلُهَا : إنْ تَقْبَلُوا نُعَانِقْ فَيُقَالُ إنّهَا تَمَثّلَتْ
بِهَذَا الرّجَزِ وَإِنّهُ لِهِنْدِ بِنْتِ طَارِقِ بْنِ بَيَاضَةَ الْإِيَادِيّة
، قَالَتْهُ فِي حَرْبِ الْفُرْسِ لِإِيَادِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ إنْشَاءَهُ
بَنَاتُ طَارِقْ بِالنّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ كَمَا قَالَ نَحْنُ بَنِي ضَبّةَ
أَصْحَابُ الْجَمَلْ
وَإِنْ كَانَتْ أَرَادَتْ النّجْمَ فَبَنَاتٌ مَرْفُوعٌ لِأَنّهُ خَبَرُ
مُبْتَدَأٍ أَيْ نَحْنُ شَرِيفَاتٌ رَفِيعَاتٌ كَالنّجُومِ وَهَذَا التّأْوِيلُ
عِنْدِي بَعِيدٌ لِأَنّ طَارِقًا وَصْفٌ لِلنّجْمِ لِطُرُوقِهِ فَلَوْ أَرَادَتْهُ
لَقَالَتْ [ ص 249 ] أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ قَالَ فِي كِتَابِ أَنْسَابِ قُرَيْشٍ
لَهُ أَوّلَ هَذَا الرّجَزِ الّذِي قَالَتْهُ عِنْدَ يَوْمِ أُحُدٍ : نَحْنُ
بَنَاتُ طَارِقْ
نَمْشِي عَلَى النّمَارِقْ
مَشْيَ الْقَطَا النّوَاتِقْ
إلَى آخِرِ الرّجَزِ قَالَ وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ
الْهُدَيْرِيّ قَالَ جَلَسْت لَيْلَةً وَرَاءَ الضّحّاكِ بْنِ عُثْمَانَ
الْجُذَامِيّ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا
مُتَقَنّعٌ فَذَكَرَ الضّحّاكُ وَأَصْحَابُهُ قَوْلَ هِنْدَ يَوْمَ أُحُدٍ نَحْنُ
بَنَاتُ طَارِقْ فَقَالُوا : مَا طَارِقُ ؟ فَقُلْت : النّجْمُ فَالْتَفَتَ
الضّحّاكُ ، فَقَالَ أَبَا زَكَرِيّا ، وَكَيْفَ بِذَلِكَ ؟ فَقُلْت : قَالَ
اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَالسّمَاءِ وَالطّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا
الطّارِقُ النّجْمُ الثّاقِبُ } فَإِنّهَا قَالَتْ نَحْنُ بَنَاتُ النّجْمِ
فَقَالَ أَحْسَنْت
أَبُو دُجَانَةَ
وَذَكَرَ أَبَا دُجَانَةَ وَلُبْسَهُ الْمُشَهّرَةَ وَأَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ
مِمّنْ دَافَعَ عَنْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَحَنَا
عَلَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرّسَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ حَتّى كَثُرَتْ النّبْلُ فِي
ظَهْرِهِ وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، بَعْدَ أَنْ شَارَكَ فِي قَتْلِ
مُسَيْلِمَةَ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِهِ هُوَ وَوَحْشِيّ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ
، وَسَنَذْكُرُ مَا قَالَهُ سَيْفُ بْنُ عُمَرَ فِي قَاتِلِ مُسَيْلِمَةَ فِي
آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللّهُ . [ ص 250 ] وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي دُجَانَةَ
إٍنّي امْرِئِ عَاهَدَنِي خَلِيلِي
يَعْنِي رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَذَلِكَ كَانَ
أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ حَدّثَنِي خَلِيلِي ، وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ بَعْضُ
الصّحَابَةِ وَقَالَ لَهُ مَتَى كَانَ خَلِيلُك وَإِنّمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِ
الْمُنْكِرَ هَذَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ لَوْ كُنْت مُتّخِذًا خَلِيلًا
لَاِتّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، وَلَكِنْ أُخُوّةُ الْإِسْلَامِ وَلَيْسَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدْفَعُ أَنْ يَقُولَ الصّحَابِيّ حَدّثَنِي خَلِيلِي ،
لِأَنّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ مَعْنَى الْحَبِيبِ وَإِنّمَا فِيهِ عَلَيْهِ أَنّ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَكُنْ يَقُولُهَا لِأُحُدِ مِنْ
أَصْحَابِهِ وَلَا خَصّ بِهَا أَحَدًا دُونَ أَنْ يَمْنَعَ غَيْرَهُ مِنْ
أَصْحَابِهِ أَنْ يَقُولَهَا لَهُ وَمَا كَانَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ الْمَحَبّةِ
لَهُ يَقْتَضِي هَذَا ، وَأَكْثَرَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ الْغُلُوّ وَالْقَوْلُ
الْمَكْرُوهُ فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا تُطْرُونِي ، كَمَا أَطْرَتْ
النّصَارَى الْمَسِيحَ فَإِنّمَا أَنَا عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ . وَقَالَ
لِرَجُلِ قَالَ لَهُ أَنْتَ سَيّدُنَا وَأَطْوَلُنَا طُولًا ، وَأَنْتَ
الْجَفْنَةُ الْغَرّاءُ فَقَالَ قُولُوا بِقَوْلِكُمْ وَلَا يَسْتجْوِيَنّكم
الشّيْطَانُ أَيْ قُولُوا بِقَوْلِ أَهْلِ [ ص 251 ] الْخَطّابِيّ ، وَمَعْنَاهُ
عِنْدِي : قُولُوا : بِقَوْلِكُمْ لَا بِقَوْلِ الشّيْطَانِ لِأَنّهُ قَدْ
جَعَلَهُمْ جَرِيّا لَهُ أَيْ وَكِيلًا وَرَسُولًا ، وَإِذَا كَانُوا جَرِيّا لَهُ
وَقَالُوا : مَا يُرْضِيهِ مِنْ الْغُلُوّ فِي الْمَنْطِقِ فَقَدْ قَالُوا
بِقَوْلِهِ وَيَسْتجْرِيَنّكم مِنْ قَوْلِهِمْ جَرَيْت جَرْيًا ، أَيْ وَكّلْت
وَكَيْلًا . وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ آخَرُ أَنْتَ أَشْرَفُنَا حَسَبًا وَأَكْرَمُنَا
أُمّا وَأَبًا ، فَقَالَ كَمْ دُونَ لِسَانِك مِنْ طَبَقٍ ؟ فَقَالَ أَرْبَعَةُ
أَطْبَاقٍ فَقَالَ أَمَا كَانَ فِيهَا مَا يَزَعُ عَنّي غَرِبَ لِسَانِك رَوَاهُ
ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ . [ ص 252 ] أَبِي دُجَانَةَ أَلّا أَقَوْمَ الدّهْرَ
فِي الْكَيّولِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْكَيّولُ آخِرُ الصّفُوفِ قَالَ وَلَمْ يُسْمَعْ إلّا
فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْهَرَوِيّ مِثْلَ مَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ ،
وَزَادَ فِي الشّرْحِ وَقَالَ سُمّيَ بِكَيّولِ الزّنْدِ وَهِيَ سَوَادٌ وَدُخَانٌ
يَخْرُجُ مِنْهُ آخِرًا ، بَعْدَ الْقَدَحِ إذَا لَمْ يُورِ نَارًا ، وَذَلِكَ
شَيْءٌ لَا غِنَاءَ فِيهِ يُقَالُ مِنْهُ كَالَ الزّنْدَ يَكُولُ فَالْكَيّولُ
فَيْعُول مِنْ هَذَا ، وَكَذَلِكَ كَيّولُ الصّفُوفِ لَا يُوقِدُ نَارَ الْحَرْبِ
وَلَا يُزْكِيهَا ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ لَا لَفْظِهِ . وَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ نَحْوًا مِنْ هَذَا إلّا أَنّهُ قَالَ كَالَ الزّنْدَ يَكِيلُ
بِالْيَاءِ لَا غَيْرُ . وَقَوْلُهُ رَأَيْت رَجُلًا يَحْمُشُ النّاسَ حَمْشًا
شَدِيدًا ، يُرْوَى بِالشّيْنِ وَبِالسّينِ فَالْمَعْنَى بِالسّينِ غَيْرُ
مُعْجَمَةٍ فِي هَذَا الْمَكَانِ الشّدّةُ كَأَنّهُ قَالَ يَشُدّهُمْ
وَيُشَجّعُهُمْ لِأَنّهُ يُقَالُ رَجُلٌ [ ص 253 ] أَحْمَسُ أَيْ شُجَاعٌ شَدِيدٌ
وَالْمَعْنَى فِيهِ بِالسّينِ مُعْجَمَةٌ أَلّا يُقَادُ وَالْإِغْضَابُ لِأَنّهُ
يُقَالُ أَحْمَشْتُ النّارَ أَوْقَدْتهَا وَحَمَشْت الرّجُلَ وَأَحْمَشْتُهُ
أَغْضَبْته ، فَيَكُونُ أَفَعَلْت مِنْ ذَلِكَ لِلْإِيقَادِ وَالْإِغْضَابِ
وَفَعَلْت لِلْإِغْضَابِ .
مَقْتَلُ حَمْزَةَ
[ ص 253 ] حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَتّى قَتَلَ أَرَطْأَةَ بْنَ عَبْدِ
شُرَحْبِيلَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَكَانَ أَحَدَ
النّفَرِ الّذِينَ يَحْمِلُونَ اللّوَاءَ ثُمّ مَرّ بِهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ
الْعُزّى الْغُبْشَانِيّ وَكَانَ يُكَنّى بِأَبِي نَيّارٍ فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ
هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ وَكَانَتْ أُمّهُ أُمّ أَنْمَارٍ
مُوَلّاةُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ . ( قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
شَرِيقُ بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ) وَكَانَتْ خَتّانَةً بِمَكّةَ فَلَمّا
الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَقَتَلَهُ . قَالَ وَحْشِيّ ، غُلَامُ جُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمٍ : وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى حَمْزَةَ يَهُدّ النّاسَ
بِسَيْفِهِ مَا يَلِيقُ بِهِ شَيْئًا ، مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ إذْ تَقَدّمَنِي
إلَيْهِ سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، فَقَالَ لَهُ حَمْزَةُ هَلُمّ إلَيّ يَا
ابْنَ مُقَطّعَةِ الْبُظُورِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَكَأَنّ مَا أَخْطَأَ رَأْسَهُ
وَهَزَزْت حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ
فِي ثُنّتِهِ حَتّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ فَأَقْبَلَ نَحْوِي ،
فَغَلَبَ فَوَقَعَ وَأَمْهَلْته حَتّى إذَا مَاتَ جِئْت فَأَخَذْت حَرْبَتِي ،
ثُمّ تَنَحّيْت إلَى الْعَسْكَرِ وَلَمْ تَكُنْ لِي بِشَيْءِ حَاجَةٌ غَيْرَهُ
وَحْشِيّ يُحَدّثُ الضّمْرِيّ وَابْنَ الْخِيَارِ عَنْ قَتْلِهِ حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ عَبّاسِ
بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ قَالَ خَرَجْت أَنَا وَعُبَيْدُ اللّهِ بْنُ
عَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ ، أَخُو بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ فِي زَمَانِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، فَأَدْرَبْنَا مَعَ النّاسِ فَلَمّا قَفَلْنَا
مَرَرْنَا بِحِمْصَ وَكَانَ وَحْشِيّ ، مَوْلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَدْ
سَكَنَهَا ، وَأَقَامَ بِهَا فَلَمّا قَدِمْنَاهَا ، قَالَ لِي عُبَيْدُ اللّهِ
بْنُ عَدِيّ هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ وَحْشِيّا فَنَسْأَلَهُ عَنْ قَتْلِ
حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلَهُ ؟ قَالَ قُلْت لَهُ إنْ شِئْت . فَخَرَجْنَا نَسْأَلُ
عَنْهُ بِحِمْصَ فَقَالَ لَنَا [ ص 254 ] دَارِهِ وَهُوَ رَجُلٌ قَدْ غَلَبَتْ
عَلَيْهِ الْخَمْرُ فَإِنْ تَجِدَاهُ صَاحِيًا تَجِدَا رَجُلًا عَرَبِيّا ،
وَتَجِدَا عِنْدَهُ بَعْضَ مَا تُرِيدَانِ وَتُصِيبَا عِنْدَهُ مَا شِئْتُمَا مِنْ
حَدِيثٍ تَسْأَلَانِهِ عَنْهُ وَإِنْ تَجِدَاهُ وَبَهْ بَعْضُ مَا يَكُونُ بِهِ
فَانْصَرَفَا عَنْهُ وَدَعَاهُ . قَالَ فَخَرَجْنَا نَمْشِي حَتّى جِئْنَاهُ
فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ دَارِهِ عَلَى طَنْفَسَةٍ لَهُ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ
مِثْلَ الْبُغَاثِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبُغَاثُ ضَرْبٌ مِنْ الطّيْرِ إلَى
السّوَادِ . فَإِذَا هُوَ صَاحٍ لَا بَأْسَ بِهِ . قَالَ فَلَمّا انْتَهَيْنَا
إلَيْهِ سَلّمْنَا عَلَيْهِ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إلَى عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ
فَقَالَ ابْنٌ لِعَدِيّ بْنِ الْخِيَارِ أَنْتَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَمَا
وَاَللّهِ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ نَاوَلْتُك أُمّك السّعْدِيّةَ الّتِي أَرْضَعَتْك
بِذِي طُوًى ، فَإِنّي نَاوَلْتُكهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا ، فَأَخَذَتْك
بِعُرْضَيْك ، فَلَمَعَتْ لِي قَدَمَاك حِينَ رَفَعْتُك إلَيْهَا ، فَوَاَللّهِ
مَا هُوَ إلّا أَنْ وَقَفْت عَلَيّ فَعَرَفْتهمَا . قَالَ فَجَلَسْنَا إلَيْهِ فَقُلْنَا
لَهُ جِئْنَاك لِتُحَدّثَنَا عَنْ قَتْلِك حَمْزَةَ كَيْفَ قَتَلْته ؟ فَقَالَ
أَمَا إنّي سَأُحَدّثُكُمَا كَمَا حَدّثْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حِينَ سَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ كُنْت غُلَامًا لِجُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ
وَكَانَ عَمّهُ طُعَيْمَة بْنُ عَدِيّ قَدْ أُصِيبَ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا سَارَتْ
قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ ، قَالَ لِي جُبَيْرٌ إنْ قَتَلْت حَمْزَةَ عَمّ مُحَمّدٍ
بِعَمّي فَأَنْتَ عَتِيقٌ . قَالَ فَخَرَجْت مَعَ النّاسِ وَكُنْت رَجُلًا
حَبَشِيّا أَقْذِفُ بِالْحَرْبَةِ قَذْفَ الْحَبَشَةِ ، قَلّمَا أُخْطِئُ بِهَا
شَيْئًا ؟ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ خَرَجْت أَنْظُرُ حَمْزَةَ وَأَتَبَصّرُهُ
حَتّى رَأَيْته فِي عُرْضِ النّاسِ مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ يَهُدّ النّاسَ
بِسَيْفِهِ هَذَا ، مَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَتَهَيّأُ لَهُ
أُرِيدُهُ وَأَسْتَتِرُ مِنْهُ [ ص 255 ] سِبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، فَلَمّا
رَآهُ حَمْزَةُ قَالَ لَهُ هَلُمّ إلَيّ يَا ابْنَ مُقَطّعَةَ الْبُظُورِ . قَالَ
فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً كَانَ مَا أُخْطِئُ رَأْسَهُ . قَالَ وَهَزَزْت حَرْبَتِي ،
حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا ، دَفَعْتهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِي ثُنّتِهِ حَتّى
خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ وَذَهَبَ لِيَنُوءَ نَحْوِي ، فَغَلَبَ
وَتَرَكْته وَإِيّاهَا حَتّى مَاتَ ثُمّ أَتَيْته فَأَخَذْت حَرْبَتِي ، ثُمّ
رَجَعْت إلَى الْعَسْكَرِ فَقَعَدْت فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لِي بِغَيْرِهِ حَاجَةٌ
وَإِنّمَا قَتَلْته لِأُعْتَقَ . فَلَمّا قَدِمْت مَكّةَ أُعْتِقْت ، ثُمّ أَقَمْت
حَتّى إذَا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ
هَرَبْت إلَى الطّائِفِ ، فَمَكَثْت بِهَا ، فَلَمّا خَرَجَ وَفْدُ الطّائِفِ إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيُسْلِمُوا تَعَيّتْ عَلَيّ
الْمَذَاهِبُ فَقُلْت : أَلْحِقْ بِالشّامِ أَوْ الْيَمَنِ ، أَوْ بِبَعْضِ
الْبِلَادِ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي ذَلِكَ مِنْ هَمّي ، إذْ قَالَ لِي رَجُلٌ
وَيْحَك إنّهُ وَاَللّهِ مَا يَقْتُلُ أَحَدًا مِنْ النّاسِ دَخَلَ فِي دِينِهِ
وَتَشْهَدُ شَهَادَتَهُ .
وَحْشِيّ بَيْنَ يَدَيْ الرّسُولِ يُسْلِمُ
فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ خَرَجْت حَتّى قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَلَمْ يَرُعْهُ إلّا بِي قَائِمًا عَلَى
رَأْسِهِ أَتَشْهَدُ بِشَهَادَةِ الْحَقّ ؟ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَوَحْشِيّ ؟
قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ اُقْعُدْ فَحَدّثْنِي كَيْفَ قَتَلْت
حَمْزَةَ ، قَالَ فَحَدّثْته كَمَا حَدّثْتُكُمَا ، فَلَمّا فَرَغْت مِنْ حَدِيثِي
قَالَ وَيْحَك غَيّبْ عَنّي وَجْهَك ، فَلَا أَرَيَنّكَ . قَالَ فَكُنْت
أَتَنَكّبُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ كَانَ لِئَلّا
يَرَانِي ، حَتّى قَبَضَهُ اللّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَتْلُ وَحْشِيّ لِمُسَيْلِمَةَ
فَلَمّا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ صَاحِبِ الْيَمَامَةِ
خَرَجْت مَعَهُمْ وَأَخَذْت [ ص 256 ] مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابَ قَائِمًا فِي
يَدِهِ السّيْفُ وَمَا أَعْرِفُهُ فَتَهَيّأْت لَهُ وَتَهَيّأَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ مِنْ النّاحِيَةِ الْأُخْرَى ، كِلَانَا يُرِيدُهُ فَهَزَزْت
حَرْبَتِي حَتّى إذَا رَضِيت مِنْهَا دَفَعْتهَا عَلَيْهِ فَوَقَعَتْ فِيهِ وَشَدّ
عَلَيْهِ الْأَنْصَارِيّ فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ
فَإِنْ كُنْت قَتَلْته ، فَقَدْ قَتَلْت خَيْرَ النّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَتَلْت شَرّ النّاسِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ
الْيَمَامَةَ ، قَالَ سَمِعْت يَوْمئِذٍ صَارِخًا يَقُولُ : قَتَلَهُ الْعَبْدُ
الْأَسْوَدُ .
خَلْعُ وَحْشِيّ مِنْ الدّيوَانِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَبَلَغَنِي أَنّ وَحْشِيّا لَمْ يَزَلْ يُحَدّ فِي
الْخَمْرِ حَتّى خُلِعَ مِنْ الدّيوَانِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ
قَدْ عَلِمْت أَنّ اللّهَ تَعَالَى لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ قَاتِلَ حَمْزَةَ .Sحَدِيثُ وَحْشِيّ
قَالَ فِيهِ فَإِذَا شَيْخٌ كَبِيرٌ كَالْبُغَاثِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ :
الْبُغَاثُ الطّيْرُ الّذِي لَا يُصَادُ بِهِ مِثْلُ الرّخَمِ وَالْحِدَاءِ
وَاحِدَتُهَا بِغَاثَةَ . وَيُقَالُ بِغَاثِيّ وَجَمْعُهُ بُغَاثٌ وَبِغْثَانٌ .
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ ذِكْرِ الْبُغَاثِ
الْبُغَاثُ هُوَ ذَكَرُ الرّخَمِ إذَا هَرِمَ اسْوَدّ . [ ص 254 ] السّعْدِيّةَ ،
وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا ، وَأُمّ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَدِيّ هِيَ أُمّ قِتَالٍ
بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ بْنِ أُمَيّةَ ذَكَرَهَا الْبُخَارِيّ فِي هَذَا الْخَبَرِ
، وَلَمْ يَقُلْ السّعْدِيّةُ فَهِيَ إذًا قُرَشِيّةٌ أُمَوِيّةٌ لَا سَعْدِيّةٌ
إلّا أَنْ يُرِيدَ بِهَا مُرْضِعَتَهُ إنْ كَانَتْ سَعْدِيّةً وَأَمّا عُبَيْدُ
اللّهِ بْنُ عَدِيّ فَوُلِدَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - وَمَاتَ فِي خِلَافَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَلَهُ دَارٌ
بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ دَارِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ -
يُرْوَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - وَغَيْرِهِ وَلَهُ
حَدِيثٌ فِي الْمُوَطّأِ فِي كِتَابِ الصّلَاةِ . وَقَوْلُهُ بِذِي طُوًى :
مَوْضِعٌ بِمَكّةَ وَقَدْ قَدّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذِي طِوَاءٍ
بِالْهَمْزِ وَالْمَدّ وَبَيْنَ طُوًى بِالضّمّ وَالْقَصْرِ فَأَغْنَى عَنْ
إعَادَتِهِ هَاهُنَا . وَقَوْلُ وَحْشِيّ يَهُذّ النّاسَ بِسَيْفِهِ مَا يَلِيقُ
شَيْئًا ، مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَوْرَقِ يُرِيدُ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - وَرَقَةَ
الْغُبَارِ وَإِنّهُ قَدْ نَافَعَ بِهِ إذْ الْأَوْرَقُ مِنْ الْإِبِلِ لَيْسَ
بِأَقْوَاهَا ، وَلَكِنّهُ أَطْيَبُهَا لَحْمًا فِيمَا ذَكَرُوا . [ ص 255 ]
ذَكَرَهُ صَاحِبُ الدّلَائِلِ وَفَسّرَهُ مِنْ الْهَذّ وَهِيَ السّرْعَةُ وَأَمّا
الْهَذْمُ بِالْمِيمِ فَسُرْعَةُ الْقَطْعِ يُقَالُ سَيْفٌ مِهْذَمٌ
وَالْهَيْذَامُ الْكَثِيرُ الْأَكْلِ وَهُوَ الشّجَاعُ أَيْضًا ، وَفِي الْحَدِيثِ
أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللّذّاتِ يُرْوَى بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ أَيْ
قَاطَعَهَا ، وَمِمّا ذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي خَبَرِ وَحْشِيّ قَالَ
فَخَرَجْت حِينَ قَالَ لَيْسَ سَيّدِي مَا قَالَ فَنَظَرْت فَإِذَا رَجُلٌ
عَبْعَبٌ عَلَيْهِ دِرْعٌ قَضّاءُ وَإِذَا هُوَ عَلِيّ ، فَقُلْت : لَيْسَ هَذَا
مِنْ شَأْنِي ، وَإِذَا رَجُلٌ حُلَابِسٌ أَيّهُمْ غَشَمْشَمٌ يَهُذّ النّاسَ
كَأَنّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ فَكَمَنْت لَهُ إلَى صَخْرَةٍ كَأَنّهَا فُسْطَاطٌ وَقُلْت
: هَذَا الّذِي أُرِيدُ وَهَزَزْت حَرْبَةً لِي عَرّاصَةً فَرَمَيْته بِهَا ،
فَأَصَبْت ثُنّتَهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ . الْعَبْعَبُ الشّابّ ،
وَالدّرْعُ الْقَضّاءُ الْمُحْكَمَةُ النّسْجِ وَالْأَيْهَمُ : الّذِي لَا
يَرُدّهُ شَيْءٌ . وَفِي الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ شَرّ الْأَيْهَمَيْنِ
يَعْنِي : السّيْلَ وَالْحَرِيقَ . وَالْعَرّاصَةُ الّتِي تَضْطَرِبُ مِنْ اللّينِ
. وَقَوْلُهُ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ سَبَقَنِي إلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ
، وَسَيَأْتِي ذِكْرُ مُسَيْلِمَةَ وَنَسَبَهُ [ ص 256 ] الْأَنْصَارِ الّذِي
ذَكَرَهُ وَحْشِيّ ، وَلَمْ يُسَمّهِ ابْنُ إسْحَاقَ ، فَذَكَرَ مُحَمّدَ بْنَ
عُمَرَ الْوَاقِدِيّ - رَحِمَهُ اللّهُ - فِي كِتَابِ الرّدّةِ أَنّ الرّجُلَ
الّذِي شَارَكَ وَحْشِيّا ، فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْمَازِنِيّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَذَكَرَ سَيْفَ بْنَ
عُمَرَ فِي كِتَابِ الْفُتُوحِ أَنّهُ عَدِيّ بْنُ سَهْلٍ وَأَنْشَدَ لَهُ
أَلَمْ تَرَ أَنّي وَوَحْشِيّهُمْ ... قَتَلْت مُسَيْلِمَةَ الْمُفْتَتَنْ
وَيَسْأَلُنِي النّاسُ عَنْ قَتْلِهِ ... فَقُلْت : ضَرَبْت ، وَهَذَا طَعَنْ
فِي أَبْيَاتٍ لَهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا قُبَيْلَ هَذَا الْحَدِيثِ . أَنّ أَبَا
دُجَانَةَ أَيْضًا شَارَكَ فِي قَتْلِ مُسَيْلِمَةَ وَذَكَرَهُ أَبُو عُمَر
النّمَرِيّ وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ أَرَادَ وَحْشِيّ .
وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ زِيَادَةٌ فِي إسْلَامِ وَحْشِيّ
قَالَ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، قَالَ النّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا
وَحْشِيّ ، فَقَالَ دَعُوهُ فَلِإِسْلَامِ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ
قَتْلِ أَلْفِ رَجُلٍ كَافِرٍ [ ص 257 ] وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي سَعْدِ بْنِ أَبِي
طُلَيْحَةَ : أَنَا قَاصِمُ مَنْ يُبَارِزُنِي ، فَبَرَزَ إلَيْهِ عَلِيّ ،
فَقَالَ أَبُو الْقُصَمِ بِالْقَافِ قَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ ، وَهُوَ أَصَحّ ،
وَإِنّمَا قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنَا أَبُو الْقُصَمِ لِقَوْلِ أَبِي
سَعْدٍ أَنَا قَاصِمُ مَنْ يُبَارِزُنِي ، فَالْقُصَمُ جَمْعُ قَصِمَةٍ وَهِيَ
الْعَضَلَةُ الْمُهْلِكَةُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ جَمْعَ الْقُصْمَى ، أَيْ
الدّاهِيَةُ الّتِي تَقْصِمُ . وَالدّوَاهِي الْقُصَمُ عَلَى وَزْنِ الْكُبَرِ
وَهَذَا الْمَعْنَى أَصَحّ ، لِأَنّهُ لَا يُعْرَفُ قُصَمَةٌ وَلَكِنّهُ لِمَا
قَالَ أَبُو سَعْدٍ أَنَا قَاصِمٌ قَالَ عَلِيّ : أَنَا أَقْصِمُ مِنْك ، بَلْ
أَنَا أَبُو الْقُصَمِ أَيْ أَبُو الْمُعْضِلَاتِ الْقُصَمُ وَالدّوَاهِي الْعُظَم
، وَالْقُصَمُ كَسْرُ بِبَيْنُونَةِ وَالْقُصَمُ كَسْرٌ بِغَيْرِ بَيْنُونَةٍ
كَكَسْرِ الْقَضِيبِ الرّطْبِ وَنَحْوِهِ وَفِي التّنْزِيلِ { وَكَمْ قَصَمْنَا
مِنْ قَرْيَةٍ } وَفِيهِ { لَا انْفِصَامَ لَهَا } وَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ :
قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طُلَيْحَةَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، كَذَلِكَ
رَوَاهُ الْكَشّيّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سَعْدٍ قَالَ لَمّا كَفّ عَنْهُ عَلِيّ
طَعَنْته فِي حَنْجَرَتِهِ فَدَلَعَ لِسَانَهُ إلَيّ كَمَا يَصْنَعُ الْكَلْبُ
ثُمّ مَاتَ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا هَذَا فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ
هِشَامٍ ، وَقَوْلُ عَلِيّ إنّهُ اتّقَانِي بِعَوْرَتِهِ فَأَذْكَرَنِي الرّحِمَ
فَعَطَفَتْنِي عَلَيْهِ الرّحِمُ وَقَدْ فَعَلَهَا عَلَيّ مَرّةً أُخْرَى يَوْمَ
صِفّينَ حَمَلَ عَلَى [ ص 258 ] كَشَفَ عَنْ عَوْرَتِهِ فَانْصَرَفَ عَنْهُ
وَيُرْوَى أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، مَعَ عَلِيّ -
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - يَوْمَ صِفّينَ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْحَارِثُ بْنُ
النّضْرِ السّهْمِيّ ، رَوَاهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَغَيْرُهُ
أَفِي كُلّ يَوْمٍ فَارِسٌ غَيْرُ مُنْتَهٍ ... وَعَوْرَتُهُ وَسْطَ الْعَجَاجَةِ
بَادِيَهْ
يَكُفّ لَهَا عَنْهُ عَلِيّ سِنَانَهُ ... وَيَضْحَكُ مَعَهُ فِي الْخَلَاءِ
مُعَاوِيَهْ
مَقْتَلُ مُصْعَبِ بْنِ
عُمَيْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَاتَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ وَكَانَ [ ص 257 ] قَمِئَةَ
اللّيْثِيّ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَرَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ قَتَلْت مُحَمّدًا . فَلَمّا قُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ
عُمَيْرٍ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّوَاءَ عَلِيّ
بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَقَاتَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرِجَالٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ
الْمَازِنِيّ ، قَالَ لَمّا اشْتَدّ الْقِتَالُ يَوْمَ أُحُدٍ ، جَلَسَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ رَايَةِ الْأَنْصَارِ ، وَأَرْسَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ
رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ أَنْ قَدّمْ الرّايَةَ . فَتَقَدّمَ عَلِيّ ، فَقَالَ
أَنَا أَبُو الْفُصَمِ وَيُقَالُ أَبُو الْقُصَمِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
فَنَادَاهُ أَبُو سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، وَهُوَ صَاحِبُ لِوَاءِ
الْمُشْرِكِينَ أَنْ هَلْ لَك يَا أَبَا الْقُصَمِ فِي الْبَرَازِ مِنْ حَاجَةٍ ؟
قَالَ نَعَمْ . فَبَرَزَ بَيْنَ الصّفّيْنِ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ
عَلِيّ فَصَرَعَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يَجْهَزْ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ
أَصْحَابُهُ أَفَلَا أَجْهَزْت عَلَيْهِ ؟ فَقَالَ إنّهُ اسْتَقْبَلَنِي
بِعَوْرَتِهِ ، فَعَطَفَتْنِي عَنْهُ الرّحِمُ وَعَرَفْت أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ
قَدْ قَتَلَهُ . وَيُقَالُ إنّ أَبَا سَعْدِ بْنَ أَبِي طَلْحَةَ خَرَجَ بَيْنَ
الصّفّيْنِ فَنَادَى أَنَا قَاصِمُ مَنْ يُبَارِزُ بَرَازًا ، فَلَمْ يَخْرُجْ
إلَيْهِ أَحَدٌ . فَقَالَ يَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ زَعَمْتُمْ أَنّ قَتَلَاكُمْ فِي
الْجَنّةِ وَأَنّ قَتَلَانَا فِي النّارِ كَذَبْتُمْ وَاَللّاتِي لَوْ تَعْلَمُونَ
ذَلِكَ حَقّا لَخَرَجَ إلَيّ بَعْضُكُمْ فَخَرَجَ إلَيْهِ عَلِيّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ ، فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَضَرَبَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ . [ ص 258 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ أَبَا سَعْدِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ سَعْدُ بْنُ
أَبِي وَقّاصٍ .
شَأْنُ عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ
وَقَاتَلَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ . فَقَتَلَ مُسَافِعَ بْنَ
طَلْحَةَ وَأَخَاهُ الْجُلَاسَ بْنَ طَلْحَةَ كِلَاهُمَا يُشْعِرُهُ سَهْمًا .
فَيَأْتِي أُمّهُ سُلَافَةَ . فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا فَتَقُولُ يَا
بُنَيّ . مَنْ أَصَابَك ؟ فَيَقُولُ سَمِعْت رَجُلًا حِينَ رَمَانِي وَهُوَ
يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ أَبِي الْأَقْلَحِ . فَنَذَرْت إنْ أَمْكَنَهَا
اللّهُ مِنْ رَأْسِ عَاصِمٍ أَنْ تَشْرَبَ فِيهِ الْخَمْرَ . وَكَانَ عَاصِمٌ قَدْ
عَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا . وَلَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ .
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ يَوْمئِذٍ وَهُوَ يَحْمِلُ لِوَاءَ
الْمُشْرِكِينَ
إنّ عَلَى أَهْلِ اللّوَاءِ حَقّا ... أَنْ يَخْضِبُوا الصّعْدَةَ أَوْ تَنْدَقّا
فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .
حَنْظَلَةُ غَسِيلُ
الْمَلَائِكَةِ
وَالْتَقَى حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلُ وَأَبُو سُفْيَانَ فَلَمّا
اسْتَعْلَاهُ حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي عَامِرٍ رَآهُ شَدّادَ بْنَ الْأَسْوَدِ ،
وَهُوَ ابْنُ شَعُوبٍ قَدْ عَلَا أَبَا سُفْيَانَ . فَضَرَبَهُ شَدّادٌ فَقَتَلَهُ
. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ صَاحِبَكُمْ يَعْنِي
حَنْظَلَةَ لَتُغَسّلُهُ الْمَلَائِكَةُ . فَسَأَلُوا أَهْلَهُ مِنْ شَأْنِهِ ؟
فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ
. [ ص 259 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْهَائِعَةُ . وَجَاءَ فِي
الْحَدِيثِ خَيْرُ النّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ كُلّمَا سَمِعَ
هَيْعَةً طَارَ إلَيْهَا . قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ ،
وَالطّرِمّاحُ الطّوِيلُ مِنْ الرّجَالِ
أَنَا ابْنُ حُمَاةِ الْمَجْدِ مِنْ آلِ مَالِكٍ ... إذَا جَعَلْت خَوْرَ
الرّجَالِ تَهِيعُ
( وَالْهَيْعَةُ الصّيْحَةُ الّتِي فِيهَا الْفَزَعُ ) . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِذَلِكَ غَسّلَتْهُ
الْمَلَائِكَةُ .
شِعْرُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِمَا حَنْظَلَةَ وَأَبَا سُفْيَانَ
( قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ) : وَقَالَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ فِي قَتْلِهِ
حَنْظَلَةَ
لَأَحْمِيَنّ صَاحِبِي وَنَفْسِي ... بِطَعْنَةِ مِثْلِ شُعَاعِ الشّمْسِ
وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ يَذْكُرُ صَبْرَهُ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ وَمُعَاوَنَةَ ابْنِ شَعُوبٍ إيّاهُ عَلَى حَنْظَلَةَ [ ص 260 ]
وَلَوْ شِئْت نَجّتْنِي كُمَيْتٌ طِمِرّةٌ ... وَلَمْ أَحْمِلْ النّعْمَاءَ
لَابْنِ شَعُوبٍ
وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غَدْوَةٍ حَتّى
دَنَتْ لِغُرُوبِ
أُقَاتِلُهُمْ وَأَدّعِي بِالْغَالِبِ ... وَأَدْفَعُهُمْ عَنّي بِرُكْنِ صَلِيبِ
فَبَكّي وَلَا تَرْعَى مَقَالَةَ عَاذِلٍ ... وَلَا تَسْأَمِي مِنْ عَبْرَةٍ
وَنَحِيبِ
أَبَاك وَإِخْوَانًا لَهُ قَدْ تَتَابَعُوا ... وَحُقّ لَهُمْ مِنْ عَبْرَةٍ
بِنَصِيبِ
وَسَلّى الّذِي قَدْ كَانَ فِي النّفْسِ أَنّنِي ... قَتَلْت مِنْ النّجّارِ كُلّ
نَجِيبِ
وَمِنْ هَاشِمٍ قَرْمًا كَرِيمًا وَمُصْعَبًا ... وَكَانَ لَدَى الْهَيْجَاءِ
غَيْرَ هَيُوبِ
وَلَوْ أَنّنِي لَمْ أَشْفِ نَفْسِي مِنْهُمْ ... لَكَانَتْ شَجًا فِي الْقَلْبِ
ذَاتَ نُذُوبِ
فَآبُوا وَقَدْ أَوْدَى الْجَلَابِيبُ مِنْهُمْ ... بِهِمْ خَدَبٌ مِنْ مُعْطَبٍ
وَكَئِيبِ
أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ ... كِفَاءً وَلَا فِي خُطّةٍ
بِضَرِيبِ
شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ
[ ص 261 ] حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
ذَكَرْت الْقُرُومَ الصّيْدَ مِنْ آلِ هَاشِمٍ ... وَلَسْت لِزُورِ قُلْته
بِمُصِيبِ
أَتَعْجَبُ أَنْ أَقَصَدْت حَمْزَةَ مِنْهُمْ ... نَجِيبًا وَقَدْ سَمّيْته
بِنَجِيبِ
أَلَمْ يَقْتُلُوا عَمْرًا وَعُتْبَةَ وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ وَالْحَجّاجَ
وَابْنَ حَبِيبِ
غَدَاةَ دَعَا الْعَاصِي عَلِيّا فَرَاعَهُ ... بِضَرْبَةِ عَضْبٍ بَلّهُ
بِخَضِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ابْنُ شَعُوبٍ يَذْكُرُ يَدَهُ عِنْدَ أَبِي
سُفْيَانَ فِيمَا دَفَعَ عَنْهُ فَقَالَ
وَلَوْلَا دِفَاعِي يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَشْهَدِي ... لَأَلْفَيْت يَوْمَ النّعْفِ
غَيْرَ مُجِيبِ
وَلَوْلَا مَكَرّي الْمُهْرِ بِالنّعْفِ قَرْقَرْت ... ضِبَاعٌ عَلَيْهِ أَوْ
ضِرَاءُ كَلِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَوْلُهُ " عَلَيْهِ أَوْ ضِرَاءُ " عَنْ غَيْرِ
ابْنِ إسْحَاقَ .
شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ أَيْضًا
[ ص 262 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يُجِيبُ أَبَا
سُفْيَانَ
جِزْيَتهمْ يَوْمًا بِبَدْرِ كَمِثْلِهِ ... عَلَى سَابِحٍ ذِي مَيْعَةٍ وَشَبِيبِ
لَدَى صَحْنِ بَدْرٍ أَوْ أَقَمْت نَوَائِحَا ... عَلَيْك وَلَمْ تَحْفِلْ مُصَابُ
حَبِيبِ
وَإِنّك لَوْ عَايَنْت مَا كَانَ مِنْهُمْ ... لَأَبَتْ بِقَلْبِ مَا بَقِيت
نَخِيبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا أَجَابَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ أَبَا سُفْيَانَ
لِأَنّهُ ظَنّ أَنّهُ عَرّضَ بِهِ فِي قَوْلِهِ وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرُ
الْكَلْبِ مِنْهُمْ
لِفِرَارِ الْحَارِثِ يَوْمَ بَدْرٍ .Sعَنْ مَقْتَلِ حَنْظَلَةَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ مَقْتَلَ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ الْغَسِيلِ ، وَاسْمَ أَبِي
عَامِرٍ عَمْرٌو ، وَقِيلَ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ ، وَذَكَرَ شَدّادُ بْنُ
الْأَسْوَدِ بْنِ شَعُوبٍ حِين قَتَلَهُ بَعْدَمَا كَانَ عَلَا حَنْظَلَةَ أَبَا
سُفْيَانُ لِيَقْتُلَهُ وَذَكَرَ الْحُمَيْدِيّ فِي التّفْسِيرِ مَكَانَ شَدّادٍ
جَعْوَنَةَ بْنَ شَعُوبٍ اللّيْثِيّ وَهُوَ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ أَبِي نُعَيْمٍ
الْقَارِيّ . وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّ
صَاحِبَكُمْ لَتُغَسّلُهُ الْمَلَائِكَةُ يَعْنِي : حَنْظَلَةَ وَفِي غَيْرِ
السّيرَةِ [ ص 259 ] قَالَ رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسّلُهُ فِي صِحَافِ
الْفِضّةِ بِمَاءِ الْمُزْنِ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ،
فَسُئِلَتْ صَاحِبَتُهُ فَقَالَتْ خَرَجَ وَهُوَ جُنُبٌ حِينَ سَمِعَ الْهَاتِفَةَ
. صَاحِبَتُهُ يَعْنِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ جَمِيلَةُ بِنْتُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ
أُخْتُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ، وَكَانَ ابْتَنَى بِهَا تِلْكَ اللّيْلَةَ
فَكَانَتْ عَرُوسًا عِنْدَهُ فَرَأَتْ فِي النّوْمِ تِلْكَ اللّيْلَ كَأَنّ بَابًا
فِي السّمَاءِ فُتِحَ لَهُ فَدَخَلَهُ ثُمّ أُغْلِقَ دُونَهُ فَعَلِمَتْ أَنّهُ
مَيّتٌ مِنْ غَدِهِ فَدَعَتْ رِجَالًا مِنْ قَوْمِهَا حِينَ أَصْبَحَتْ
فَأَشْهَدَتْهُمْ عَلَى الدّخُولِ بِهَا خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ نِزَاعٌ
ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ فِيمَا ذُكِرَ لِي ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّهُ اُلْتُمِسَ
فِي الْقَتْلَى ، فَوَجَدُوهُ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَلَيْسَ بِقُرْبِهِ مَاءٌ
تَصْدِيقًا لِمَا قَالَهُ الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي هَذَا
الْخَبَرِ مُتَعَلّقٌ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْفُقَهَاءِ إنّ الشّهِيدَ يُغَسّلُ إذَا
كَانَ جُنُبًا ، وَمِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَقُولُ لَا يُغَسّلُ كَسَائِرِ
الشّهَدَاءِ ، لِأَنّ التّكْلِيفَ سَاقِطٌ عَنْهُ بِالْمَوْتِ .
شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ
وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ
وَمَا زَالَ مُهْرِي مَزْجَرَ الْكَلْبِ مِنْهُمْ ... لَدُنْ غَدْوَةٍ حَتّى
دَنَتْ لِغُرُوبِ
[ ص 260 ] نَصْبُهُ فَغَرِيبٌ وَشَيْءٌ خَصّتْ الْعَرَبُ بِهِ غُدْوَةً وَلَا
يُقَاسَ عَلَيْهَا ، وَكَثِيرًا مَا يَذْكُرُهَا سِيبَوَيْهِ ، وَيَمْنَعُ مِنْ
الْقِيَاسِ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ أَنّ لَدُنْ يُقَالُ فِيهَا : لَدُنْ وَلَدٍ
فَلَمّا كَانَتْ تَارَةً تُنَوّنُ وَلَا تُنَوّنُ أُخْرَى ، شَبّهُوهَا إذَا
نُوّنَتْ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فَنَصَبُوا غُدْوَةً بَعْدَهَا ، تَشْبِيهًا
بِالْمَفْعُولِ وَلَوْلَا أَنّ غُدْوَةً تُنَوّنُ إذَا نُكّرَتْ وَتُنَوّنُ
ضَرُورَةً إذَا كَانَتْ مَعْرِفَةً مَا عُرِفَ نَصْبُهَا ، لِأَنّهَا اسْمٌ غَيْرُ
مُنْصَرِفٍ لِلْعَلَمِيّةِ وَالتّأْنِيثِ فَخَفْضُهَا وَنَصْبُهَا سَوَاءٌ فَإِذَا
نُوّنَتْ لِلضّرُورَةِ كَمَا فِي بَيْتِ أَبِي سُفْيَانَ أَوْ أَرَدْت غُدْوَةً
مِنْ الْغَدَوَاتِ تَبَيّنَ حِينَئِذٍ أَنّهُمْ قَصَدُوا النّصْبَ وَالتّشْبِيهَ
بِالْمَفْعُولِ وَوَجْهٌ آخَرُ مِنْ الْبَيَانِ وَهُوَ أَنّهُمْ قَدْ رَفَعُوهَا ،
فَقَالُوا : لَدُنْ غُدْوَةُ غَيْرُ مَصْرُوفَةٍ كَمَا يُرْفَعُ الِاسْمُ بَعْدَ
اسْمِ الْفَاعِلِ إذا كَانَ فَاعِلًا وَيُنْصَبُ إذَا كَانَ مَفْعُولًا إذَا
نُوّنَ اسْمُ الْفَاعِلِ كَذَلِكَ غُدْوَةٌ بَعْد لَدُنْ لَا يَكُونُ هَذَا فِيهَا
إلّا إذَا نُوّنَتْ لَدُنْ فَإِنْ قُلْت : لَدُ غُدْوَةٍ لَمْ يَكُنْ إلّا
الْخَفْضُ إنْ نَوّنْتهَا ، وَإِنْ تَرَكْت صَرْفَهَا لِلتّعْرِيفِ فَالْفَتْحَةُ
عَلَامَةُ خَفْضِهَا ، وَلَا تَكُونُ غَدْوَةٌ عَلَمًا إلّا إذَا أَرَدْتهَا
لِيَوْمِ بِعَيْنِهِ وَبُكْرَةٌ مِثْلُهَا فِي الْعَلَمِيّةِ وَلَيْسَتْ مِثْلَهَا
مَعَ لَدُنْ وَصَحْوَةٍ وَعَشِيّةٍ مَصْرُوفَتَانِ وَإِنْ أَرَدْتهمَا لِيَوْمِ
بِعَيْنِهِ . وَقَدْ فَرَغْنَا مِنْ كَشْفِ أَسْرَارِ هَذَا الْبَابِ فِي "
نَتَائِجِ الْفِكْرِ " وَأَوْضَحْنَا هُنَالِكَ بَدَائِعَ وَعَجَائِبَ لَمْ
يُبَيّنْهَا أَحَدٌ إلّا أَنّهَا مُنْتَزِعَةٌ مِنْ فَحَوَى كَلَامِ سِيبَوَيْهِ ،
وَمِنْ قَوَاعِدِهِ الّتِي أَصْلٌ وَالْحَمْدُ لِلّهِ . وَقَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ
فِي هَذَا الشّعْرِ بِهِمْ خَدَبٌ . الْخَدَبُ الْهَوَجُ وَفِي الْجَمْهَرَةِ
طَعْنَةٌ خَدْبَاءُ إذَا هَجَمَتْ عَلَى الْجَوْفِ وَهَذَا هُوَ الّذِي أَرَادَ
أَبُو سُفْيَانَ بِالْخَدَبِ . [ ص 261 ]
إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جَدَايَةُ شُرْكٍ مُعْلَمَاتِ
الْحَوَاجِبِ
شُرْكٌ جَمْعُ شِرَاكٍ . وَالْجَدَايَةُ جَدَايَةُ السّرْجِ عَلَى أَنّ
الْمَعْرُوفَ جَدِيّةُ السّرْجِ لَا جَدَابَتُهُ فِي أَقْرَبِ مِنْ هَذَا
الْمَعْنَى أَنْ يُرِيدَ الْجَدَايَةَ مِنْ الْوَحْشِ وَبِالشّرْكِ الْأَشْرَاكُ
الّتِي تُنْصَبُ لَهَا ، وَلِذَلِكَ قَالَ دَامِيَاتُ الْحَوَاجِبِ وَهَذَا أَصَحّ
فِي مَعْنَاهُ فَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ الْجَدَايَةَ يُقَالُ
لِلْوَاحِدِ وَالْجَمِيعِ وَالذّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الظّبَاءِ
وَيَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ الْجَدَايَةَ جَمْعُ جَدِيّةٍ وَهِيَ جَدِيّةُ السّرْجِ
وَالرّحْلُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقَالُ فِي الْجَمْعِ فَعَالٍ وَفِعَالَة نَحْوُ
جِمَالٍ وَجِمَالَةٍ وَلَكِنّهُ هَا هُنَا بَعِيدٌ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى
وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَيُرْوَى شِرْكٌ بِكَسْرِ الشّينِ وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ
فِي مَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ أَنّهُ أَرَادَ الْجِدَايَةَ مِنْ الْوَحْشِ وَهِيَ
أَوْلَادُ الظّبَاءِ وَنَحْوُهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّهُ يُقَالُ
جِدَايَةٌ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ وَالذّكَرِ وَالْأُنْثَى ، فَيَكُونُ الشّرْكُ
عَلَى هَذَا فِي مَعْنَى الْأَشْرَاكِ الّتِي يُصَادُ بِهَا ، وَقَدْ قِيلَ إنّ
شُرْكًا اسْمُ مَوْضِعٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَعَضَلٌ قَبِيلَةٌ مِنْ خُزَيْمَةَ
غَادِرَةٌ وَسَيَأْتِي ذِكْرُ غَدْرُ عَضَلٍ [ ص 262 ] وَالْقَارَةُ . وَقَوْلُهُ
مُعْلَمَات الْحَوَاجِبِ يَعْنِي : بِالدّمَاءِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدُ سَوَادَهَا
مَا بَيْنَ أَعْيُنِهَا ، كَمَا أَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ [ لِلْأَعْشَى ] :
وَكَأَنّهُ لَهْقُ السّرَاةِ كَأَنّهُ ... مَا حَاجِبَيْهِ مُعَيّنٌ بِسَوَادِ
حَدِيثُ الزّبَيْرِ عَنْ
سَبَبِ الْهَزِيمَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَنَزَلَ اللّهُ نَصْرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ
وَصَدّقَهُمْ وَعْدَهُ فَحَسّوهُمْ بِالسّيُوفِ حَتّى كَشَفُوهُمْ عَنْ
الْعَسْكَرِ وَكَانَتْ الْعَزِيمَةُ لَا شَكّ فِيهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ
أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الزّبَيْرِ أَنّهُ
قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنِي أَنْظُرُ إلَى خَدَمِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ
وَصَوَاحِبِهَا مُشَمّرَاتٍ هَوَارِبَ مَا دُونَ أَخْذِهِنّ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ
إذْ مَالَتْ الرّمَاةُ إلَى الْعَسْكَرِ حِينَ كَشَفْنَا الْقَوْمَ عَنْهُ
وَخَلَوْا ظُهُورَنَا لِلْخَيْلِ فَأُتِينَا مِنْ خَلْفِنَا ، وَصَرَخَ صَارِخٌ
أَلَا إنّ مُحَمّدًا قَدْ قُتِلَ . فَانْكَفَأْنَا وَانْكَفَأَ عَلَيْنَا
الْقَوْمُ بَعْدَ أَنْ أَصَبْنَا أَصْحَابَ اللّوَاءِ حَتّى مَا يَدْنُو مِنْهُ
أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ ،
يَعْنِي الشّيْطَانَ .
شُجَاعَةُ صُؤَابٍ وَشِعْرُ حَسّانَ فِي ذَلِكَ
[ ص 263 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ
اللّوَاءَ لَمْ يَزَلْ صَرِيعًا حَتّى أَخَذَتْهُ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ
الْحَارِثِيّةُ ، فَرَفَعَتْهُ لِقُرَيْشِ فَلَاثُوا بِهِ . وَكَانَ اللّوَاءُ
مَعَ صُؤَابٍ غُلَامٌ لِبَنِي أَبِي طَلْحَةَ حَبَشِيّ وَكَانَ آخِرَ مَنْ
أَخَذَهُ مِنْهُمْ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى قُطِعَتْ يَدَاهُ ثُمّ بَرَكَ عَلَيْهِ
فَأَخَذَ اللّوَاءَ بِصَدْرِهِ وَعُنُقِهِ حَتّى قُتِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَقُول :
اللّهُمّ هَلْ أَعَزَزْت يَقُولُ أَعَذَرْت فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي
ذَلِكَ
فَخُرْتُمْ بِاللّوَاءِ وَشَرّ فَخْرٍ ... لِوَاءٌ حِينَ رُدّ إلَى صُؤَابِ
جَعَلْتُمْ فَخْرَكُمْ فِيهِ بِعَبْدِ ... وَأَلْأَمُ مَنْ يَطَأُ عَفَرَ
التّرَابِ
ظَنَنْتُمْ وَالسّفِيهُ لَهُ ظُنُونٌ ... وَمَا إنّ ذَاكَ مِنْ أَمْرِ الصّوَابِ
بِأَنّ جِلَادَنَا يَوْمَ الْتَقَيْنَا ... بِمَكّةَ بَيْعُكُمْ حُمْرَ الْعِيَابِ
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهُ ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَاب
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : آخِرُهَا بَيْتًا يُرْوَى لِأَبِي خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ
وَأَنْشَدَ فِيهِ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ
أَقَرّ الْعَيْنَ أَنْ عُصِبَتْ يَدَاهَا ... وَمَا إنْ تُعْصَبَانِ عَلَى خِضَابِ
فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . يَعْنِي امْرَأَتَهُ . فِي غَيْرِ حَدِيثِ أُحُدٍ .
وَتُرْوَى الْأَبْيَاتُ أَيْضًا لِمَعْقِلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ الْهُذَلِيّ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي عَمْرَةَ الْحَارِثِيّةِ
[ ص 264 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَأْنِ
عَمْرَةَ بِنْتِ عَلْقَمَةَ الْحَارِثِيّةِ وَرَفْعِهَا اللّوَاءَ
إذَا عَضَلٌ سِيقَتْ إلَيْنَا كَأَنّهَا ... جَدَايَةُ شُرْكٍ مُعْلَمَاتِ
الْحَوَاجِبِ
أَقَمْنَا لَهُمْ طَعْنًا مُبِيرًا مُنَكّلًا ... وَحُزْنَاهُمْ بِالضّرْبِ مِنْ
كُلّ جَانِبِ
فَلَوْلَا لِوَاءُ الْحَارِثِيّةِ أَصْبَحُوا ... يُبَاعُونَ فِي الْأَسْوَاقِ
بَيْعَ الْجَلَائِبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ .Sالصّارِخُ يَوْمَ
أُحُدٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ الصّارِخَ يَوْمَ أُحُدٍ بِقَتْلِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ : الصّارِخُ أَزَبّ الْعَقَبَةِ ،
هَكَذَا قَيْدٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الزّاي ،
وَذَكَرْنَا فِي بَيْعَةِ [ ص 263 ] الْعَقَبَةِ مَا قَالَهُ ابْنُ مَاكُولَا فِي
أُمّ كُرْزٍ بِنْتُ الْأَزَبّ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَكِيلٍ ، وَأَنّهُ قَالَ لَا
يُعْرَفُ الْأَزَبّ فِي الْعَرَبِ إلّا هَذَا ، وَأَزَبّ الْعَقَبَةِ ،
وَذَكَرْنَا حَدِيثَ ابْنِ الزّبَيْرِ الّذِي ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ إذْ رَأَى
رَجُلًا طُولُهُ شِبْرَانِ عَلَى بَرْذعَةِ رَحْلِهِ فَنَفَضَهَا مِنْهُ ثُمّ عَدّ
إلَيْهِ فَقَالَ مَا أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا أَزَبّ ، قَالَ وَمَا أَزَبّ قَالَ رَجُلٌ
مِنْ الْجِنّ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلّ
عَلَى أَنّهُ أَزَبّ مَعَ قَوْلِ يَعْقُوبَ فِي الْأَلْفَاظِ الْإِزْبُ الرّجُلُ
الْقَصِيرُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ هَلْ الْإِزْبُ وَالْأَزَبّ شَيْطَانٌ وَاحِدٌ أَوْ
اثْنَانِ وَيُقَالُ الْمَوْضِعُ الّذِي صَرَخَ مِنْهُ الشّيْطَانُ جَبَلُ
عَيْنَيْنِ ، وَلِذَلِكَ قِيلَ لِعُثْمَانِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَفَرَرْت يَوْمَ
عَيْنَيْنِ ، وَعَيْنَانِ أَيْضًا : بَلَدٌ عِنْدَ الْحِيرَةِ ، وَبِهِ عُرِفَ
خُلَيْدُ عَيْنَيْنِ الشّاعِرُ .
مَا لَقِيَهُ الرّسُولُ يَوْمَ
أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَانْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ فَأَصَابَ فِيهِمْ الْعَدُوّ ،
وَكَانَ يَوْمَ بَلَاءٍ وَتَمْحِيصٍ أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ بِالشّهَادَةِ حَتّى خَلَصَ الْعَدُوّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَدُثّ بِالْحِجَارَةِ حَتّى وَقَعَ لِشِقّهِ
فَأُصِيبَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجّ فِي وَجْهِهِ وَكُلِمَتْ شَفَتُهُ وَكَانَ
الّذِي أَصَابَهُ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ كُسِرَتْ
رَبَاعِيَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَشُجّ فِي
وَجْهِهِ فَجَعَلَ الدّمُ يَسِيلُ عَلَى وَجْهِهِ وَجَعَلَ يَمْسَحُ الدّمَ وَهُوَ
يَقُولُ كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَبُوا وَجْهَ نَبِيّهِمْ ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ
إلَى رَبّهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ { لَيْسَ لَكَ مِنَ
الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ
ظَالِمُونَ } [ ص 265 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ رُبَيْحَ بْنَ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيّ أَنّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ رَمَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ فَكَسَرَ رَبَاعِيَتَهُ الْيُمْنَى السّفْلَى ،
وَجَرَحَ شَفَتَهُ السّفْلَى ، وَأَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ شِهَابٍ الزّهْرِيّ
شَجّهُ فِي جَبْهَتِهِ وَأَنّ ابْنَ قَمِئَةَ جَرَحَ وَجْنَتَهُ فَدَخَلَتْ
حَلَقَتَانِ مِنْ حِلَقِ الْمِغْفَرِ فِي وَجْنَتِهِ وَوَقَعَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَةٍ مِنْ الْحُفَرِ الّتِي عَمِلَ أَبُو
عَامِرٍ لِيَقَعَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ؟ فَأَخَذَ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِيَدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَرَفَعَهُ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ حَتّى اسْتَوَى قَائِمًا ، وَمَصّ
مَالِكُ بْنُ سِنَانٍ أَبُو أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ الدّمُ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ ازْدَرَدَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . مَنْ مَسّ دَمِي دَمَهُ لَمْ تُصِبْهُ النّارُ .
[ ص 266 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ
الدّرَاوَرْدِيّ : أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَنْ
أَحَبّ أَنّ يَنْظُرَ إلَى شَهِيدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ
إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ . وَذَكَرَ يَعْنِي عَبْدَ الْعَزِيزِ
الدّرَاوَرْدِيّ ، عَنْ إسْحَاقَ بْنِ يَحْيَى بْنِ طَلْحَةَ عَنْ عِيسَى بْنِ
طَلْحَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ أَنّ أَبَا عُبَيْدَةَ
بْنَ الْجَرّاحِ نَزَعَ إحْدَى الْحَلْقَتَيْنِ مِنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَقَطَتْ ثَنِيّتُهُ ثُمّ نَزَعَ الْأُخْرَى ،
فَسَقَطَتْ ثَنِيّتَهُ الْأُخْرَى ، فَكَانَ سَاقِطُ الثّنِيّتَيْنِ
شِعْرُ حَسّانَ فِي عُتْبَةَ وَمَا أَصَابَ بِهِ الرّسُولَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي
وَقّاصٍ
إذَا اللّهُ جَازَى مَعْشَرًا بِفَعَالِهِمْ ... وَضَرّهُمْ الرّحْمَنُ رَبّ
الْمَشَارِقِ
فَأَخْزَاك رَبّي يَا عُتَيْبُ بْنَ مَالِكٍ ... وَلَقّاك قَبْلَ الْمَوْتِ إحْدَى
الصّوَاعِقِ
بَسَطَتْ يَمِينًا لِلنّبِيّ تَعَمّدًا ... فَأَدْمَيْت فَاهُ قُطّعَتْ
بِالْبَوَارِقِ
فَهَلّا ذَكَرْت اللّهَ وَالْمَنْزِلَ الّذِي ... تَصِيرُ إلَيْهِ عِنْدَ إحْدَى
الْبَوَائِقِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ أَقْذَعَ فِيهِمَا .Sحَالُ مَنْ رَمَوْا
النّبِيّ
فَصْلٌ
[ ص 264 ] وَذَكَرَ ابْنَ قَمِئَةَ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ وَهُوَ الّذِي قَتَلَ
مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ ، وَجَرَحَ وَجْهَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - وَعُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ أَخُو سَعْدٍ هُوَ الّذِي كَسَرَ
رَبَاعِيَتَهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - ثُمّ لَمْ يُولَدْ مِنْ نَسْلِهِ وَلَدٌ
فَبَلَغَ الْحُلُمَ إلّا وَهُوَ أَبْحُرُ أَوْ أَهْتَمُ يُعْرَفُ ذَلِكَ فِي
عَقِبِهِ . وَمِمّنْ رَمَاهُ يَوْمئِذٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ شِهَابٍ جَدّ شَيْخِ
مَالِكٍ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ ، وَقَدْ قِيلَ
لَابْنِ شِهَابٍ : أَكَانَ جَدّك عَبْدَ اللّهِ بْنَ شِهَابٍ مِمّنْ شَهِدَ
بَدْرًا ؟ قَالَ نَعَمْ [ ص 265 ] شِهَابٍ ، وَهُوَ عَبْدُ اللّهِ الْأَكْبَرُ
فَهُوَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ ، تُوُفّيَ بِمَكّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا أَيّهُمَا كَانَ الْمُهَاجِرُ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ
، فَقِيلَ الْأَكْبَرُ وَقِيلَ الْأَصْغَرُ وَكَانَ أَحَدُهُمَا جَدّ الزّهْرِيّ
لِأَبِيهِ وَالْآخَرُ لِأُمّهِ وَقَدْ أَسْلَمَ الّذِي شَهِدَ أَحَدًا مَعَ
الْكُفّارِ وَجُرِحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَاَللّهُ
يَنْفَعُهُ بِإِسْلَامِهِ .
أَسْمَاءُ أَجْزَاءِ اللّيْلِ
وَذَكَرَ مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ وَالِدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ مِنْ بَنِي
خُدْرَةَ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ الْخَزْرَجِ ، وَالْخُدْرَةُ فِي اللّغَةِ نَحْوٌ
مِنْ خُمْسِ اللّيْلِ وَبَعْدَهُ الْيَعْفُورُ وَهُوَ خُمْسٌ آخَرُ مِنْ اللّيْلِ
وَبَعْدَهُ الْجَهْمَةُ وَالسّدْقَةُ وَاَلّذِي قَبْلَ الْخُدْرَةِ يُقَالُ لَهُ
الْهَزِيعُ كُلّ هَذَا مِنْ كِتَابِ كُرَاعٍ .
عَنْ الدّمِ وَالْبَوْلِ
وَذَكَرَ أَنّ مَالِكَ بْنَ سِنَانٍ مَصّ دَمَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَازْدَرَدَهُ وَقَدْ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ابْنُ الزّبَيْرِ
وَهُوَ غُلَامٌ حَزَوّرٌ حِينَ أَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - دَمَ مَحَاجِمِهِ لِيَدْفِنَهُ فَشَرِبَهُ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا قَالَ لِمَالِكِ حِينَ ازْدَرَدَ دَمَ جُرْحِهِ
مَنْ مَسّ دَمَهُ دَمِي ، لَمْ تُصِبْهُ النّارُ . لَكِنّهُ قَالَ لَابْنِ
الزّبَيْرِ وَيْلٌ لَك مِنْ النّاسِ وَوَيْلٌ لِلنّاسِ مِنْك . ذَكَرَهُ
الدّارَقُطْنِيّ فِي السّنَنِ وَفِي هَذَا مِنْ الْفِقْهِ أَنّ دَمَ رَسُولِ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُخَالِفُ دَمَ غَيْرِهِ فِي التّحْرِيمِ
وَكَذَاك بَوْلُهُ قَدْ شَرِبَتْهُ أُمّ أَيْمَنَ حِينَ وَجَدَتْهُ فِي إنَاءٍ
مِنْ عِيدَانٍ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهَا ، وَذَلِكَ
وَاَللّهُ أَعْلَمُ لِلْمَعْنَى الّذِي بَيّنّاهُ فِي حَدِيثِ نُزُولِ
الْمَلَكَيْنِ عَلَيْهِ حِينَ غَسَلَا جَوْفَهُ بِالثّلْجِ فِي [ ص 266 ] فَصَارَ
بِذَلِكَ مِنْ الْمُتَطَهّرِينَ وَبَيّنَا أَيْضًا هُنَالِكَ أَنّهُ مِنْ
الْمُتَطَهّرِينَ كَأُمّتِهِ لِتَطَهّرِهِ مِنْ الْأَحْدَاثِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ
إلّا أَنّ أَبَا عُمَرَ النّمَرِيّ ذَكَرَ فِي الِاسْتِيعَابِ [ ص 267 ] أَنّ
رَجُلًا مِنْ الصّحَابَةِ اسْمُهُ سَالِمٌ حَجَمَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ثُمّ ازْدَرَدَ دَمَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَمَا عَلِمْت أَن الدّمُ كُلّهُ حَرَامٌ ؟
غَيْرَ أَنّهُ حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ لَهُ إسْنَادٌ وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَحَدِيثُ
ابْنِ الزّبَيْرِ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ رَوَى الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
مَا يَشُدّهُ وَيُتَمّمُ مَعْنَاهُ . قَالَ فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ [ ص 268 ]
لَمّا وُلِدَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ نَظَرَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هُوَ هُوَ فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ أَسْمَاءُ
أُمّهُ أَمْسَكَتْ عَنْ إرْضَاعِهِ فَقَالَ لَهَا - عَلَيْهِ السّلَامُ
أَرْضِعِيهِ وَلَوْ بِمَاءِ عَيْنَيْك ، كَبْشٌ بَيْنَ ذِئَابٍ وَذِئَابٌ
عَلَيْهَا ثِيَابٌ لَيَمْنَعَنّ الْبَيْتَ أَوْ لَيُقْتَلَنّ دُونَهُ
ابْنُ السّكَنِ وَبَلَاؤُهُ
يَوْمَ أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حِينَ غَشِيَهُ الْقَوْمُ مَنْ رَجُلٌ يَشْرِي لَنَا نَفْسَهُ ؟ كَمَا حَدّثَنِي
الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، عَنْ
مَحْمُودِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ فَقَامَ زِيَادُ بْنُ السّكَنِ فِي نَفَرٍ
خَمْسَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ إنّمَا هُوَ عُمَارَةُ بْنُ
يَزِيدَ بْنِ السّكَنِ فَقَاتَلُوا دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ رَجُلًا ثُمّ رَجُلًا ، يُقْتَلُونَ دُونَهُ حَتّى كَانَ آخِرُهُمْ
زِيَادٌ أَوْ عُمَارَةُ فَقَاتَلَ حَتّى أَثَبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ ثُمّ فَاءَتْ
فِئَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاجْهَضُوهُمْ عَنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَدْنُوهُ مِنّي ، فَأَدْنَوْهُ مِنْهُ فَوَسّدَهُ
قَدَمَهُ فَمَاتَ وَخَدّهُ عَلَى قَدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَدِيثُ أُمّ سَعْدٍ عَنْ
نَصِيبِهَا فِي الْجِهَادِ يَوْمَ أُحُدٍ
[ ص 267 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَاتَلَتْ أُمّ عُمَارَةَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ
كَعْبٍ الْمَازِنِيّةُ يَوْمَ أُحُدٍ . فَذَكَرَ سَعِيدَ بْنَ أَبِي زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيّ أَنّ أُمّ سَعْدٍ بِنْتَ سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ كَانَتْ تَقُولُ
دَخَلْت عَلَى أُمّ عُمَارَةَ فَقُلْت لَهَا : يَا خَالَةُ أَخْبِرِينِي خَبَرَك ،
فَقَالَتْ خَرَجْت أَوّلَ النّهَارِ وَأَنَا أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ
وَمَعِي سِقَاءٌ فِيهِ مَاءٌ فَانْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ فِي أَصْحَابِهِ وَالدّوْلَةُ وَالرّيحُ لِلْمُسْلِمِينَ
. فَلَمّا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ انْحَزْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُمْت أُبَاشِرُ الْقِتَالَ وَأَذُبّ عَنْهُ بِالسّيْفِ
وَأَرْمِي عَنْ الْقَوْسِ حَتّى خَلَصَتْ الْجِرَاحُ إلَيّ . قَالَتْ فَرَأَيْت
عَلَى عَاتِقِهَا جُرْحًا أَجَوْفَ لَهُ غَوْرٌ ، فَقُلْت : مَنْ أَصَابَك بِهَذَا
؟ قَالَتْ ابْنُ قَمِئَةَ أَقْمَأَهُ اللّهُ لَمّا وَلِيَ النّاسُ عَنْ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَقْبَلَ يَقُولُ دُلّونِي عَلَى مُحَمّدٍ
، فَلَا نَجَوْت إنْ نَجَا ، فَاعْتَرَضْت لَهُ أَنَا وَمَصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ،
وَأُنَاسٌ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَضَرَبَنِي هَذِهِ الضّرْبَةَ وَلَكِنْ فَلَقَدْ ضَرَبْته عَلَى ذَلِكَ ضَرْبَاتٍ
وَلَكِنْ عَدُوّ اللّهِ كَانَ عَلَيْهِ دِرْعَانِ .
أَبُو دُجَانَةَ وَابْنُ أَبِي
وَقّاصٍ يَدْفَعَانِ عَنْ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَرّسَ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَبُو دُجَانَةَ بِنَفْسِهِ يَقَعُ النّبْلُ فِي ظَهْرِهِ وَهُوَ
مُنْحَنٍ عَلَيْهِ حَتّى كَثُرَ فِيهِ النّبْلُ . وَرَمَى سَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقّاصٍ دُونَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ سَعْدٌ
فَلَقَدْ رَأَيْته يُنَاوِلُنِي النّبْلَ وَهُوَ يَقُولُ ارْمِ فِدَاك أَبِي وَأُمّي
، حَتّى إنّهُ لَيُنَاوِلُنِي السّهْمَ مَا لَهُ نَصْلٌ . فَيَقُولُ ارْمِ بِهِ
بَلَاءُ قَتَادَةَ وَحَدِيثُ
عَيْنِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ أَنّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَمَى عَنْ قَوْسِهِ حَتّى
انْدَقّتْ سِيَتُهَا ، فَأَخَذَهَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، فَكَانَتْ
عِنْدَهُ وَأُصِيبَتْ يَوْمئِذٍ عَيْنُ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ ، حَتّى
وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ
عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
رَدّهَا بِيَدِهِ فَكَانَتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدّهُمَا
شَأْنُ أَنَسِ بْنِ النّضْرِ
[ ص 268 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ
بْنِ رَافِعٍ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ قَالَ انْتَهَى أَنَسُ بْنُ
النّضْرِ ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَطَلْحَةَ
بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ ، فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَقَدْ
أَلْقَوْا بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ مَا يُجْلِسُكُمْ ؟ قَالُوا : قُتِلَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَمَاذَا تَصْنَعُونَ بِالْحَيَاةِ
بَعْدَهُ ؟ ( قُومُوا ) فَمُوتُوا عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ اسْتَقْبَلَ الْقَوْمَ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ
وَبِهِ سُمّيَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ
الطّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ لَقَدْ وَجَدْنَا بِأَنَسِ بْنِ
النّضْرِ يَوْمئِذٍ سَبْعِينَ ضَرْبَةً فَمَا عَرَفَهُ إلّا أُخْتُهُ عَرَفَتْهُ
بِبَنَانِهِ .
مَا أَصَابَ ابْنَ عَوْفٍ مِنْ الْجِرَاحَاتِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ
بْنَ عَوْفٍ أُصِيبَ فُوهُ يَوْمئِذٍ فَهَتَمَ وَجُرِحَ عِشْرِينَ جِرَاحَةً أَوْ
أَكْثَرَ أَصَابَهُ بَعْضُهَا فِي رِجْلِهِ فَعَرَجَ .
أَوّلُ مَنْ عَرَفَ الرّسُولَ
بَعْدَ الْهَزِيمَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلَ مَنْ عَرَفَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ الْهَزِيمَةِ وَقَوْلُ النّاسِ قُتِلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ كَعْبُ
بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ عَرَفْت عَيْنَيْهِ تَزْهَرَانِ مِنْ تَحْتِ الْمِغْفَرِ
فَنَادَيْت بِأَعْلَى صَوْتِي : يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَبْشِرُوا ، هَذَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَشَارَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَنْصِتْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا
عَرَفَ الْمُسْلِمُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَضُوا
بِهِ وَنَهَضَ مَعَهُمْ نَحْوُ الشّعْبِ ، مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ،
وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَطَلْحَةُ بْنُ
عُبَيْدِ اللّهِ ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ
وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ وَرَهْطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
قَتْلُ الرّسُولِ لِأُبَيّ
بْنِ خَلَفٍ
( قَالَ ) : فَلَمّا أَسْنَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
الشّعْبِ أَدْرَكَهُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ وَهُوَ يَقُولُ أَيْ مُحَمّدُ لَا نَجَوْت
إنْ نَجَوْت ، فَقَالَ الْقَوْمُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيَعْطِفُ عَلَيْهِ رَجُلٌ
مِنّا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " دَعُوهُ
" فَلَمّا دَنَا ، تَنَاوَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْحَرْبَةَ مِنْ الْحَارِثِ بْنِ الصّمّةِ يَقُولُ بَعْضُ الْقَوْمِ فِيمَا
ذُكِرَ لِي : فَلَمّا أَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مِنْهُ انْتَفَضَ بِهَا انْتِفَاضَةً تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُرَ الشّعْرَاءِ
عَنْ ظَهْرِ الْبَعِيرِ إذَا انْتَفَضَ بِهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الشّعْرَاءُ
ذُبَابٌ لَهُ لَدْغٌ ثُمّ اسْتَقْبَلَهُ فَطَعَنَهُ فِي عُنُقِهِ طَعْنَةً
تَدَأْدَأَ مِنْهَا عَنْ فَرَسِهِ مِرَارًا . [ ص 270 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
تَدَأْدَأَ يَقُولُ تَقَلّبَ عَنْ فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَتَدَحْرَجُ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَكَانَ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، كَمَا حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ
إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، يَلْقَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا مُحَمّدُ إنّ عِنْدِي الْعَوْذَ
فَرَسًا أَعْلِفُهُ كُلّ يَوْمٍ فَرَقًا مِنْ ذرةٍ أَقْتُلُك عَلَيْهِ . فَيَقُولُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ أَنَا أَقْتُلُك إنْ شَاءَ
اللّهُ فَلَمّا رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ وَقَدْ خَدَشَهُ فِي عُنُقِهِ خَدْشًا غَيْرَ
كَبِيرٍ فَاحْتَقَنَ الدّمُ فَقَالَ قَتَلَنِي وَاَللّهِ مُحَمّدٌ قَالُوا لَهُ
ذَهَبَ وَاَللّهِ فُؤَادُك وَاَللّهِ إن بِك مِنْ بَأْسٍ قَالَ إنّهُ قَدْ كَانَ
قَالَ لِي بِمَكّةَ أَنَا أَقْتُلُك ، فَوَاَللّهِ لَوْ بَصَقَ عَلَيّ لَقَتَلَنِي
. فَمَاتَ عَدُوّ اللّهِ بِسَرِفِ وَهُمْ قَافِلُونَ بِهِ إلَى مَكّةَ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي مَقْتَلِ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
لَقَدْ وَرِثَ الضّلَالَةَ عَنْ أَبِيهِ ... أُبَيّ يَوْمَ بَارَزَهُ الرّسُولُ
أَتَيْت إلَيْهِ تَحْمِلُ رِمّ عَظْمٍ ... وَتُوعِدُهُ وَأَنْتَ بِهِ جَهُولُ
وَقَدْ قَتَلَتْ بَنُو النّجّارِ مِنْكُمْ ... أُمَيّةَ إذْ يَغُوثُ يَا عَقِيلُ
وَتَبّ ابْنَا رَبِيعَةَ إذْ أَطَاعَا ... أَبَا جَهْلٍ لَأُمّهِمَا الْهُبُولُ
وَأَفْلَتْ حَارِثٌ لَمّا شَغَلْنَا ... بِأَسْرِ الْقَوْمِ أُسْرَتُهُ فَلَيْلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُسْرَتُهُ قَبِيلَتُهُ . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ
أَيْضًا فِي ذَلِكَ
أَلَا مَنْ مُبَلّغٌ عَنّي أُبَيّا ... لَقَدْ أَلْقَيْت فِي سُحْقِ السّعِيرِ
تَمَنّى بِالضّلَالَةِ مِنْ بِعِيدِ ... وَتُقْسِمُ إنْ قَدَرَتْ مَعَ النّذُورِ
تَمَنّيك الْأَمَانِي مِنْ بِعِيدِ ... وَقَوْلُ الْكُفْرِ يَرْجِعُ فِي غُرُورِ
فَقَدْ لَاقَتْك طَعْنَةُ ذِي حِفَاظٍ ... كَرِيمِ الْبَيْتِ لَيْسَ بِذِي فُجُورِ
لَهُ فَضْلٌ عَلَى الْأَحْيَاءِ طُرّا ... إذَا نَابَتْ مُلِمّاتُ الْأُمُورِSقَتْلُ الرّسُولِ
لِأُبَيّ بْنِ خَلَفٍ
فَصْلٌ
[ ص 269 ] وَذَكَرَ قَتْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لِأُبَيّ وَفِيهِ تَطَايَرْنَا عَنْهُ تَطَايُر الشّعْرَاءِ عَنْ ظَهْرِ
الْبَعِيرِ . الشّعْرَاءُ ذُبَابٌ صَغِيرٌ لَهُ لَدْغٌ تَقُولُ الْعَرَبُ فِي
أَمْثَالِهَا : قِيلَ لِلذّئْبِ مَا تَقُولُ فِي غَنِيمَةٍ تَحْرُسُهَا
جُوَيْرِيَةُ ؟ قَالَ شُحَيْمَةُ فِي حَلْقِي ، قِيلَ فَمَا تَقُولُ فِي غَنِيمَةٍ
يَحْسُرُهَا غُلَيْمٌ ؟ قَالَ شَعْرَاءُ فِي إبْطِي أَخْشَى خُطُوَاتِهِ
الْخُطُوَاتُ سِهَامٌ مِنْ قُضْبَانٍ لَيّنَةٍ يَتَعَلّمُ بِهَا الْغِلْمَانُ
الرّمْيَ وَهِيَ الْجُمّاحُ أَيْضًا قَالَ الشّاعِرُ
أَصَابَتْ حَبّةَ الْقَلْبِ ... بِسَهْمِ غَيْرَ جُمّاحِ
مِنْ كِتَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَاهُ الْقُتَبِيّ تَطَايُرَ الشّعَرِ وَقَالَ
هِيَ جَمْعُ شَعْرَاءَ وَهِيَ ذُبَابٌ أَصْغَرُ مِنْ الْقَمَعِ وَفِي الْحَدِيثِ
مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ فَزَجَلَهُ بِالْحَرْبَةِ أَيْ رَمَاهُ
بِهَا . [ ص 270 ]
انْتِهَاءُ الرّسُولِ إلَى
الشّعْبِ
[ ص 271 ] قَالَ ) : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَى فَمِ الشّعْبِ خَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، حَتّى مَلَأ
دَوْقَتَهُ مَاءً مِنْ الْمِهْرَاسِ ، فَجَاءَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَوَجَدَهُ لَهُ رِيحًا ، فَعَافَهُ
فَلَمْ يَشْرَبْ مِنْهُ وَغَسَلَ عَنْ وَجْهِهِ الدّمَ وَصَبّ عَلَى رَأْسِهِ
وَهُوَ يَقُولُ اشْتَدّ غَضَبُ اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ نَبِيّهِ
حِرْصُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ
عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا حَرَصْت عَلَى
قَتْلِ رَجُلٍ قَطّ كَحِرْصِي عَلَى قَتْلِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، وَإِنْ
كَانَ مَا عَلِمْت لَسَيّئَ الْخُلُقِ مُبْغَضًا فِي قَوْمِهِ وَلَقَدْ كَفَانِي
مَعَهُ قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اشْتَدّ غَضَبُ
اللّهِ عَلَى مَنْ دَمّى وَجْهَ رَسُولِهِ
حَوْلَ عَيْنِ قَتَادَةَ
[ ص 271 ] وَذَكَرَ قَتَادَةَ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَخُو أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ لِأُمّهِ وَهُوَ الرّجُلُ الّذِي سَمِعَهُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَقْرَأُ { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ }
يُرَدّدُهَا ، فَقَالَ وَجَبَتْ وَحَدِيثُهُ فِي الْمُوَطّأِ وَذَكَرَ أَنّ
عَيْنَهُ أُصِيبَتْ يَوْمَ أُحُدٍ . رَوَى عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ،
قَالَ أُصِيبَتْ عَيْنُ رَجُلٍ مِنّا يَوْمَ أُحُدٍ ، وَهُوَ قَتَادَةُ بْنُ
النّعْمَانِ ، حَتّى وَقَعَتْ عَلَى وَجْنَتِهِ فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ إنّ لِي امْرَأَةً أُحِبّهَا ،
وَأَخْشَى إنْ رَأَتْنِي أَنْ تَقْذَرَنِي ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِيَدِهِ وَرَدّهَا إلَى مَوْضِعِهَا ، وَقَالَ
اللّهُمّ اكْسِبْهُ جَمَالًا فَكَانَتْ أَحَسَنَ عَيْنَيْهِ وَأَحَدّهُمَا نَظَرًا
، وَكَانَتْ لَا تَرْمَدُ إذَا رَمِدَتْ الْأُخْرَى " ، وَقَدْ وَفَدَ عَلَى
عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللّهُ - رَجُلٌ مِنْ ذُرّيّتِهِ
فَسَأَلَهُ عُمَرُ مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ
أَنَا ابْنُ الّذِي سَالَتْ عَلَى الْخَدّ عَيْنُهُ ... فَرُدّتْ بِكَفّ
الْمُصْطَفَى أَيّمَا رَدّ
فَعَادَتْ كَمَا كَانَتْ لِأَوّلِ أَمْرِهَا ... فَيَا حُسْنَ مَا عَيْنٍ وَيَا
حُسْنَ مَا خَدّ
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
تِلْكَ الْمَكَارِمُ لَا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ... شِيبَا بِمَاءِ فَعَادَا
بَعْدُ أَبْوَالَا
[ ص 272 ] وَأَحْسَنَ جَائِزَتَهُ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَيْنَيْهِ جَمِيعًا
سَقَطَتَا ، فَرَدّهُمَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رَوَاهُ
مُحَمّدُ بْنُ أَبِي عُثْمَانَ [ أَبُو مَرْوَانَ الْأُمَوِيّ ] عَنْ مَالِكِ بْنِ
أَنَسٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَخِيهِ قَتَادَةَ بْنِ النّعْمَانِ قَالَ أُصِيبَتْ عَيْنَايَ
يَوْمَ أُحُدٍ ، فَسَقَطَتَا عَلَى وَجْنَتِي ، فَأَتَيْت بِهِمَا النّبِيّ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَعَادَهُمَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَكَانَهُمَا ، وَبَصَقَ فِيهِمَا فَعَادَتَا تَبْرُقَانِ [ ص
273 ] قَالَ الدّارَقُطْنِيّ : هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ عَنْ مَالِكٍ تَفَرّدَ
بِهِ عَمّارُ بْنُ نَضْرٍ وَهُوَ ثِقَةٌ وَرَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ عَنْ
إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيّ عَنْ عَمّارِ بْنِ نَصْرٍ [ السّعْدِيّ أَبُو يَاسِرٍ
الْمَرْوَزِيّ ] .
صُعُودُ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ
وَقِتَالُ عُمَرَ لَهُمْ
[ ص 272 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالشّعْبِ مَعَهُ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ عَلَتْ
عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ الْجَبَلَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَانَ عَلَى تِلْكَ
الْخَيْلِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ إنّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ
يَعْلُونَا فَقَاتَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَرَهْطٌ مَعَهُ مِنْ
الْمُهَاجِرِينَ حَتّى أَهْبَطُوهُمْ مِنْ الْجَبَلِ .
ضَعْفُ الرّسُولِ عَنْ
النّهُوضِ وَمُعَاوَنَةُ طَلْحَةَ لَهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى صَخْرَةٍ مِنْ الْجَبَلِ لِيَعْلُوَهَا ، وَقَدْ كَانَ بَدّنَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ فَلَمّا ذَهَبَ
لِيَنْهَضَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَطِعْ فَجَلَسَ تَحْتَهُ
طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، فَنَهَضَ بِهِ حَتّى اسْتَوَى عَلَيْهَا .
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي يَحْيَى
بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ الزّبَيْرِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يَقُولُ أَوْجَبَ طَلْحَةُ حِينَ صَنَعَ بِرَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَبَلَغَنِي عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَبْلُغْ الدّرَجَةَ الْمَبْنِيّةَ فِي الشّعْبِ
صَلَاةُ الرّسُولِ قَاعِدًا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ عُمَرُ مَوْلَى غُفْرَةَ : أَنّ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى الظّهْرَ يَوْمَ أُحُدٍ قَاعِدًا مِنْ الْجِرَاحِ
الّتِي أَصَابَتْهُ وَصَلّى الْمُسْلِمُونَ خَلْفَهُ قُعُودًا
مَقْتَلُ الْيَمَانِ وَابْنِ
وَقْشٍ
[ ص 273 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ النّاسُ انْهَزَمُوا عَنْ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى بَعْضُهُمْ إلَى الْمُنَقّى
، دَوّنَ الْأَعْوَصِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، قَالَ [ ص 274 ] لَمّا خَرَجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُحُدٍ ، رَفَعَ حُسَيْلُ
بْنُ جَابِرٍ وَهُوَ الْيَمَانِ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَثَابِتُ
بْنُ وَقْشٍ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا
لِصَاحِبِهِ وَهُمَا شَيْخَانِ كَبِيرَانِ لَا أَبَا لَك ، مَا تَنْتَظِرُ ؟
فَوَاَللّهِ لَا بَقِيَ لِوَاحِدِ مِنّا مِنْ عُمُرِهِ إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ إنّمَا
نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمِ أَوْ غَد ، أَفَلَا نَأْخُذُ أَسْيَافَنَا ، ثُمّ
نَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّ اللّهُ
يَرْزُقُنَا شَهَادَةً مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟
فَأَخَذَا أَسْيَافَهُمَا ثُمّ خَرَجَا ، حَتّى دَخَلَا فِي النّاسِ وَلَمْ
يُعْلَمْ بِهِمَا ، فَأَمّا ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ فَقَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ
وَأَمّا حُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ
فَقَتَلُوهُ وَلَا يَعْرِفُونَهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ أَبِي ، فَقَالُوا : وَاَللّهِ
إنْ عَرَفْنَاهُ وَصَدَقُوا . قَالَ حُذَيْفَةُ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ
أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَنْ يَدِيَهُ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَزَادَهُ
ذَلِكَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًاSحَوْلَ نَسَبِ
حُذَيْفَةَ الْيَمَانِيّ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ ثَابِتُ بْنُ وَقْشٍ وَالْوَقْشُ الْحَرَكَةُ وَحُسَيْلُ بْنُ جَابِرٍ
وَالِدُ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ ، وَسُمّيَ حُسَيْلَ بْنَ جَابِرٍ الْيَمَانِيّ
لِأَنّهُ مِنْ وَلَدِ جِرْوَةِ بْنِ مَازِنِ بْنِ قُطَيْعَةَ بْنِ عَبْسِ [ بْنِ
بَغِيضٍ ] وَكَانَ جِرْوَةُ قَدْ بَعُدَ عَنْ أَهْلِهِ فِي الْيَمَنِ زَمَنًا
طَوِيلًا ، ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَسَمّوْهُ الْيَمَانِيّ وَحُذَيْفَةُ بْنُ
الْيَمَانِ يُكَنّى أَبَا عَبْدِ اللّهِ حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أُمّهُ
الرّبَابُ بِنْتُ كَعْبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاخْتَلَفَتْ عَلَيْهِ يَعْنِي
الْيَمَانِيّ أَسْيَافُ الْمُسْلِمِينَ . وَفِي تَفْسِيرِ ابْنِ عَبّاسٍ : إنّ
الّذِي قَتَلَهُ مِنْهُمْ خَطَأً هُوَ عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ أَخُو عَبْدِ
اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، وَجَدّ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ
بْنِ مَسْعُودٍ الْفَقِيهِ ذَكَرَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي التّفْسِيرِ
وَعُتْبَةُ هُوَ أَوّلُ مَنْ سَمّى الْمُصْحَفَ مُصْحَفًا ، فِيمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ
فِي الْجَامِعِ .
الْهَامَةُ وَالظّمْءُ
وَقَوْلُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَحُسَيْلٍ إنّمَا نَحْنُ هَامَةُ الْيَوْمَ أَوْ
غَد ، يُرِيد : الْمَوْتَ وَكَانَ مِنْ مَذْهَبِ الْعَرَبِ فِي الْمَيّتِ أَنّ
رُوحَهُ تَصِيرُ هَامَةً وَلِذَلِكَ قَالَ الْآخَرُ وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ
وَهَامِ
وَقَوْلُهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمُرِنَا إلّا ظِمْءُ حِمَارٍ . إنّمَا قَالَ ذَلِكَ
لِأَنّ الْحِمَارَ أَقْصَرُ الدّوَابّ ظِمْئًا ، وَالْإِبِلُ أَطْوَلُهَا إظْمَاءً
.
مَقْتَلُ حَاطِبٍ وَمَقَالَةُ
أَبِيهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ
رَجُلًا مِنْهُمْ كَانَ يُدْعَى حَاطِبَ بْنَ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ وَكَانَ لَهُ
ابْنٌ يُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ حَاطِبٍ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ يَوْمَ أُحُدٍ ،
فَأُتِيَ بِهِ إلَى دَارِ قَوْمِهِ وَهُوَ بِالْمَوْتِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ أَهْلُ
الدّارِ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ لَهُ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ
أَبْشِرْ يَا ابْنَ حَاطِبٍ بِالْجَنّةِ ، قَالَ وَكَانَ حَاطِبٌ شَيْخًا قَدْ
عَسَا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَنَجَمَ يَوْمئِذٍ نِفَاقُهُ فَقَالَ بِأَيّ شَيْءٍ تُبَشّرُونَهُ
؟ بِجَنّةِ مِنْ حَرْمَلٍ غَرَرْتُمْ وَاَللّهِ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ نَفْسِهِ .
مَقْتَلُ قُزْمَانَ مُنَافِقًا كَمَا حَدّثَ الرّسُولُ بِذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ
كَانَ فِينَا رَجُلٌ أَتِيّ لَا يَدْرِي مِمّنْ هُوَ يُقَالُ لَهُ قُزْمَانُ ،
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ إذَا ذُكِرَ لَهُ
إنّهُ لَمِنْ أَهْلِ النّارِ ، قَالَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَاتَلَ
قِتَالًا شَدِيدًا ، فَقَتَلَ وَحْدَهُ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ
الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ ذَا بَأْسٍ فَأَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَاحْتُمِلَ إلَى
دَارِ بَنِي ظَفَرَ ، قَالَ فَجَعَلَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ لَهُ
وَاَللّهِ لَقَدْ أَبْلَيْت الْيَوْمَ يَا قُزْمَانُ ، فَأَبْشِرْ قَالَ بِمَاذَا
أَبْشِرْ ؟ فَوَاَللّهِ إنْ قَاتَلْت إلّا عَنْ أَحْسَابِ قَوْمِي ، وَلَوْلَا
ذَلِكَ مَا قَاتَلْت . قَالَ فَلَمّا اشْتَدّتْ عَلَيْهِ جِرَاحَتُهُ أَخَذَ
سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَقَتَلَ بِهِ نَفْسَهُSحَوْلَ بَعْضِ رِجَالِ أُحُدٍ
[ ص 274 ] وَذَكَرَ قُزْمَانَ ، وَهُوَ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ الْقَزَمِ وَهُوَ
رُذَالُ الْمَالِ وَيُقَالُ الْقُزْمَانُ الرّدِيءُ مِنْ كُلّ شَيْءٍ . وَذَكَرَ
الْأُصَيْرِمَ ، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ ، وَيُقَالُ فِيهِ
وَقَشٌ بِتَحْرِيكِ الْقَافِ . وَقَوْلُ حَاطِبٍ الْمُنَافِقِ الْجَنّةُ مِنْ
حَرْمَلٍ يُرِيدُ الْأَرْضَ الّتِي دُفِنَ فِيهَا وَكَانَتْ تُنْبِتُ الْحَرْمَلَ
أَيْ لَيْسَ لَهُ جَنّةٌ إلّا ذَاكَ . [ ص 275 ]
قَتْلُ مُخَيْرِيقٍ
[ ص 275 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ
مُخَيْرِيقٌ ، وَكَانَ أَحَدَ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْفِطْيُونِ قَالَ لَمّا
كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ ، قَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ وَاَللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ
أَنّ نَصْرَ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ لَحَقّ ، قَالُوا : إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ
السّبْتِ قَالَ لَا سَبْتَ لَكُمْ . فَأَخَذَ سَيْفَهُ وَعُدّتَهُ وَقَالَ إنْ
أُصِبْت فَمَالِي لِمُحَمّدِ يَصْنَعُ فِيهِ مَا شَاءَ ثُمّ غَدَا إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَاتَلَ مَعَهُ حَتّى قُتِلَ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنَا : مُخَيْرِيقٌ
خَيْرُ يَهُودَ
أَمْرُ الْحَارِثِ بْنِ
سُوَيْد
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد بْنِ صَامِتٍ مُنَافِقًا
، فَخَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا الْتَقَى النّاسُ عَدَا
عَلَى الْمُجَذّرِ بْنِ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَقَيْسِ بْنِ زَيْدٍ أَحَدِ بَنِي
ضُبَيْعَةَ فَقَتَلَهُمَا ، ثُمّ لَحِقَ بِمَكّةَ بِقُرَيْشِ وَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا يَذْكُرُونَ قَدْ أَمَرَ عُمَرَ
بْنَ الْخَطّابِ بِقَتْلِهِ إنْ هُوَ ظَفِرَ بِهِ فَفَاتَهُ فَكَانَ بِمَكّةَ ثُمّ
بَعَثَ إلَى أَخِيهِ الْجُلَاسِ بْنِ سُوَيْد يَطْلُبُ التّوْبَةَ لِيَرْجِعَ إلَى
قَوْمِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ فِيمَا بَلَغَنِي ، عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ : { كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ
وَشَهِدُوا أَنّ الرّسُولَ حَقّ وَجَاءَهُمُ الْبَيّنَاتُ وَاللّهُ لَا يَهْدِي
الْقَوْمَ الظّالِمِينَ } إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
تَحْقِيقُ ابْنِ هِشَامٍ فِيمَنْ قَتَلَ الْمُجَذّرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ
الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْد قَتَلَ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ وَلَمْ يَقْتُلْ قَيْسَ
بْنَ زَيْدٍ وَالدّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنّ ابْنَ إسْحَاقَ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي
قَتْلَى أُحُدٍ ، وَإِنّمَا قَتَلَ الْمُجَذّرَ لِأَنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ
كَانَ قَتَلَ أَبَاهُ سُوَيْدًا فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ الّتِي كَانَتْ بَيْن
الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا
الْكِتَابِ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ
مِنْ أَصْحَابِهِ إذْ خَرَجَ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْد مِنْ بَعْضِ حَوَائِطِ
الْمَدِينَةِ ، وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُضَرّجَانِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ
وَيُقَالُ بَعْضُ الْأَنْصَارِ . [ ص 276 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَتَلَ سُوَيْد
بْنَ الصّامِتِ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ غِيلَةً فِي غَيْرِ حَرْبٍ رَمَاهُ
بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ قَبْلَ يَوْمِ بُعَاثٍ .
أَمْرُ أُصَيْرِمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي
أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ كَانَ يَقُولُ حَدّثُونِي عَنْ رَجُلٍ
دَخَلَ الْجَنّةَ لَمْ يُصَلّ قَطّ ، فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْهُ النّاسُ سَأَلُوهُ
مَنْ هُوَ ؟ فَيَقُولُ أُصَيْرِمُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ عَمْرُو بْنُ ثَابِتِ
بْنِ وَقْشٍ . قَالَ الْحُصَيْنُ فَقُلْت لِمَحْمُودِ بْنِ أَسَدٍ : كَيْفَ كَانَ
شَأْنُ الْأُصَيْرِمِ ؟ قَالَ كَانَ يَأْبَى الْإِسْلَامَ عَلَى قَوْمِهِ .
فَلَمّا كَانَ يَوْمٌ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى
أُحُدٍ ، بَدَا لَهُ فِي الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَعَدَا
حَتّى دَخَلَ فِي عُرْضِ النّاسِ فَقَاتَلَ حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ .
قَالَ فَبَيْنَا رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَلْتَمِسُونَ قَتْلَاهُمْ
فِي الْمَعْرَكَةِ إذَا هُمْ بِهِ فَقَالُوا : وَاَللّهِ إنّ هَذَا لَلْأُصَيْرِمُ
مَا جَاءَ بِهِ ؟ لَقَدْ تَرَكْنَاهُ وَأَنّهُ لَمُنْكِرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ
فَسَأَلُوهُ مَا جَاءَ بِهِ فَقَالُوا : مَا جَاءَ بِك يَا عَمْرُو ؟ أَحَدَبٌ
عَلَى قَوْمِك أَمْ رَغْبَةٌ فِي الْإِسْلَامِ ؟ قَالَ بَلْ رَغْبَةٌ فِي
الْإِسْلَامِ آمَنْت بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَأَسْلَمْت ، ثُمّ أَخَذْت سَيْفِي
، فَغَدَوْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَاتَلْت
حَتّى أَصَابَنِي مَا أَصَابَنِي ، ثُمّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فِي أَيْدِيهِمْ
. فَذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ
لَمِنْ أَهْلِ الْجَنّةِ .
مَقْتَلُ عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ
مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْجَمُوحِ كَانَ رَجُلًا أَعْرَجَ شَدِيدَ
الْعَرَجِ ، وَكَانَ لَهُ بَنُونَ أَرْبَعَةٌ مِثْلُ الْأُسْدِ يَشْهَدُونَ مَعَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَشَاهِدَ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ
أُحُدٍ أَرَادُوا حَبْسَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّ اللّهَ [ ص 277 ] عَزّ وَجَلّ قَدْ
عَذَرَك ، فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ
بَنِيّ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْبِسُونِي عَنْ هَذَا الْوَجْهِ وَالْخُرُوجِ مَعَك
فِيهِ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرْجَتِي هَذِهِ فِي الْجَنّةِ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا أَنْتَ فَقَدْ
عَذَرَك اللّهُ فَلَا جِهَادَ عَلَيْك ، وَقَالَ لِبَنِيهِ مَا عَلَيْكُمْ أَنْ
لَا تَمْنَعُوهُ لَعَلّ اللّهَ أَنْ يَرْزُقَهُ الشّهَادَةَ فَخَرَجَ مَعَهُ
فَقُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ .Sابْنُ الْجَمُوحِ
فَصْلٌ
[ ص 276 ] وَذَكَرَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ حِينَ أَرَادَ بَنُوهُ أَنْ
يَمْنَعُوهُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى آخِرِ الْقِصّةِ وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ
أَنّهُ لَمّا خَرَجَ قَالَ اللّهُمّ لَا تَرُدّنِي ، فَاسْتُشْهِدَ فَجَعَلُوهُ
بَنُوهُ عَلَى بَعِيرٍ لِيَحْمِلُوهُ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَاسْتَصْعَبَ عَلَيْهِمْ
الْبَعِيرُ فَكَانَ إذَا وَجّهُوهُ إلَى كُلّ جِهَةٍ سَارَعَ إلّا جِهَةِ
الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يَأْبَى الرّجُوعَ إلَيْهَا ، فَلَمّا لَمْ يَقْدِرُوا
عَلَيْهِ ذَكَرُوا قَوْلَهُ اللّهُمّ لَا تَرُدّنِي إلَيْهَا ، فَدَفَنُوهُ فِي
مَصْرَعِهِ .
هِنْدُ وَتَمْثِيلُهَا
بِحَمْزَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، كَمَا حَدّثَنِي
صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، وَالنّسْوَةُ اللّاتِي مَعَهَا ، يُمَثّلْنَ
بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يُجَدّعْنَ الْآذَانَ وَالْأُنُفَ حَتّى اتّخَذَتْ هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرّجَالِ
وَأُنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا
وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا ، غُلَامَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، وَبَقَرَتْ عَنْ
كَبِدِ حَمْزَةَ فَلَاكَتْهَا ، فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا ،
فَلَفَظَتْهَا ، ثُمّ عَلَتْ عَلَى صَخْرَةٍ مُشْرِفَةٍ فَصَرَخَتْ بِأَعْلَى
صَوْتهَا فَقَالَتْ
نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بِيَوْمِ بَدْرٍ ... وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْبِ ذَاتُ
سُعْرِ
مَا كَانَ عَنْ عُتْبَةَ لِي مِنْ صَبْرِ ... وَلَا أَخِي وَعَمّهِ وَبَكْرِي
شَفَيْت نَفْسِي وَقَضَيْت نَذْرِي ... شَفَيْت وَحْشِيّ غَلِيلَ صَدْرِي
فَشُكْرُ وَحْشِيّ عَلَيّ عُمْرِي ... حَتّى تُرَمّ أَعْظُمِي فِي قَبْرِي
شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ فِي الرّدّ عَلَى هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ
فَأَجَابَتْهَا هِنْدُ بِنْتُ أُثَاثَةَ بْنِ عُبّادِ بْنِ الْمُطَلّبِ فَقَالَتْ
[ ص 278 ]
خَزِيت فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرٍ ... يَا بِنْت وَقّاعٍ عَظِيمِ الْكُفْرِ
صَبّحَك اللّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ ... مِلْهاشِمِيّينِ الطّوّالِ الزّهْرِ
بِكُلّ قُطّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي ... حَمْزَةُ لَيْثِيٌ وَعَلِيّ صَقْرِيّ
إذَا رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوك غَدْرِي ... فَخَضْبًا مِنْهُ ضَوَاحِي النّحْرِ
وَنَذْرُك السّوءُ فَشَرّ نَذْرٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ أَقَذَعَتْ فِيهَا .
شِعْرٌ لِهِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ أَيْضًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ أَيْضًا :
شَفَيْت مِنْ حَمْزَةَ نَفْسِي بِأُحُدْ ... حَتّى بَقَرْت بَطْنَهُ عَنْ
الْكَبِدْ
أَذَهَبَ عَنّي ذَاكَ مَا كُنْت أَجِدْ ... مِنْ لَذْعَةِ الْحُزْنِ الشّدِيدِ
الْمُعْتَمِدْ
وَالْحَرْبُ تَعْلُوكُمْ بِشُؤْبُوبٍ بَرِدْ ... تُقْدِمُ إقْدَامًا عَلَيْكُمْ
كَالْأَسَدِ
تَحْرِيضُ عُمَرَ لِحَسّانَ عَلَى هَجْوِ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَنّهُ حَدّثَ أَنّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ يَا ابْنَ الْفُرَيْعَةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفُرَيْعَةُ بِنْتُ خَالِدِ بْنِ خُنَيْسٍ وَيُقَالُ
خُنَيْسُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَان بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ
ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ لَوْ
سَمِعْت مَا تَقُولُ هِنْدٌ ، وَأَرَيْت أَشِرَهَا قَائِمَةً عَلَى صَخْرَةٍ
تَرْتَجِزُ بِنَا ، وَتَذْكُرُ مَا صَنَعَتْ بِحَمْزَةِ ؟ قَالَ لَهُ حَسّانُ
وَاَللّهِ إنّي لَأَنْظُرُ إلَى الْحَرْبَةِ تَهْوِي وَأَنَا عَلَى رَأْسٍ فَارِعٍ
يَعْنِي أُطُمَهُ فَقُلْت : وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَسِلَاحَ مَا هِيَ بِسِلَاحِ
الْعَرَبِ ، وَكَأَنّهَا إنّمَا تَهْوِي إلَى حَمْزَةَ وَلَا أَدْرِي ، لَكِنْ
أَسْمِعْنِي بَعْضَ قَوْلِهَا أَكْفِكُمُوهَا ، قَالَ فَأَنْشَدَهُ عُمَرُ بْنُ
الْخَطّابِ بَعْضَ مَا قَالَتْ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
أَشِرَتْ لَكَاعُ وَكَانَ عَادَتُهَا ... لُؤْمًا إذَا أَشَرَتْ مَعَ الْكُفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ تَرَكْنَاهَا ،
وَأَبْيَاتًا أَيْضًا لَهُ عَلَى الدّالِ . وَأَبْيَاتًا أُخَرُ عَلَى الذّالِ
لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا .
اسْتِنْكَارُ الْحُلَيْسِ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ تَمْثِيلَهُ بِحَمْزَةِ
[ ص 279 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ الْحُلَيْسُ بْنُ زَبّانٍ أَخُو
بَنِي الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ سَيّدُ الأبيش ، قَدْ مَرّ
بِأَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَضْرِبُ فِي شِدْقِ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
بِزُجّ الرّمْحِ وَيَقُولُ ذُقْ عُقَقُ . فَقَالَ الْحُلَيْسُ يَا بَنِي كِنَانَةَ
هَذَا سَيّدُ قُرَيْشٍ يَصْنَعُ بِابْنِ عَمّهِ مَا تَرَوْنَ لَحْمًا ؟ فَقَالَ
وَيْحَك اُكْتُمْهَا عَنّي ، فَإِنّهَا كَانَتْ زَلّةًSحُكْمُ ( مِنْ )
وَالسّاكِنُ بَعْدَهَا
فَصْلٌ
[ ص 277 ] هِنْدَ بِنْتِ أُثَاثَةَ مِلْ هَاشِمِيّيْنِ الطّوّالِ الزّهْرِ
بِحَذْفِ النّونِ مِنْ حَرْفِ مِنْ لِالْتِقَاءِ السّاكِنَيْنِ وَلَا يَجُوزُ
ذَلِكَ إلّا فِي مِنْ وَحْدَهَا لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا ، كَمَا خُصّتْ
نُونُهَا بِالْفَتْحِ إذَا الْتَقَتْ مَعَ لَامِ التّعْرِيفِ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ
فِي نُونٍ سَاكِنَةٍ غَيْرِهَا ، كَرِهُوا تُوَالِي الْكَسْرَتَيْنِ مَعَ تَوَالِي
الِاسْتِعْمَالِ فَإِنْ الْتَقَتْ مَعَ سَاكِنٍ غَيْرِ لَامِ التّعْرِيفِ نَحْوُ
مَنْ ابْنُك ، وَمَنْ اسْمُك ، كَسَرْت عَلَى الْأَصْلِ وَالْقِيَاسِ
الْمُسْتَتِبّ . قَالَ سِيبَوَيْهِ : وَقَدْ فَتَحَهَا قَوْمٌ فُصَحَاءُ يَعْنِي
مَعَ غَيْرِ لَامِ التّعْرِيفِ .
لَكَاعُ وَلُكَعُ
[ ص 278 ] هِنْدٍ : أَشِرَتْ لَكَاعُ جَعَلَهُ اسْمًا لَهَا فِي غَيْرِ النّدَاءِ
وَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ فِي النّدَاءِ أَكْثَرُ نَحْوُ يَا غَدَارِ وَيَا
فَسَاقِ وَكَذَلِكَ لُكَعٌ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي غَيْرِ النّدَاءِ نَحْوُ [ ص 279
] أَيْنَ لُكَعُ يَعْنِي : الْحَسَنَ أَوْ الْحُسَيْنَ مُمَازِحًا لَهُمَا .
فَإِنْ قِيلَ إنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ يَمْزَحُ
وَلَا يَقُولُ إلّا حَقّا ، فَكَيْفَ يَقُولُ أَيْنَ لُكَعُ وَقَدْ سَمّاهُ
سَيّدًا فِي حَدِيثٍ آخَرَ ؟ فَالْجَوَابُ أَنّهُ أَرَادَ التّشْبِيهَ بِاللّكَعِ
الّذِي هُوَ الْفَلُوّ أَوْ الْمُهْرُ لِأَنّهُ طِفْلٌ كَمَا أَنّ الْفَلُوّ
وَالْمُهْرُ كَذَلِكَ وَإِذَا قَصَدَ بِالْكَلَامِ قَصْدَ التّشْبِيهِ لَمْ يَكُنْ
كَذِبًا ، وَنَحْوُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى
يَكُونَ أَسْعَدَ النّاسِ فِي الدّنْيَا لُكَعُ بْنُ لُكَعٍ وَاللّكَعُ فِي اللّغَةِ
وَسَخُ الْغُرْلَةِ وَهُوَ أَيْضًا الْفَلُوّ الصّغِيرُ فَمِنْ أَجْلِ هَذَا جَازَ
أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي غَيْرِ النّدَاءِ لِأَنّهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ غَيْرُ
مَعْدُولٍ كَمَا عُدِلَ خُبَثُ عَنْ خَبِيثٍ وَفُسَقُ عَنْ فَاسِقٍ وَقَالَ ابْنُ
الْأَنْبَارِيّ فِي الزّاهِرِ : اشْتِقَاقُهُ مِنْ الْمَلَاكِعِ وَهُوَ مَا
يَخْرُجُ مَعَ الْمَوْلُودِ مِنْ مَاءِ الرّحِمِ وَدَمِهَا ، وَأَنْشَدَ
رَمَتْ الْفَلَاةُ بِمَعْجَلٍ مُتَسَرْبِلٍ ... غِرْسَ السّلَى وَمَلَاكِعَ
الْأَمْشَاجِ
[ ص 280 ] قَالَ وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدِ يَا لُكَعُ وَفِي الِاثْنَيْنِ يَا
ذَوِي لَكِيعَةَ وَلَكَاعَةٍ وَلَا تُصْرَفُ لَكِيعَةَ وَلَكِنْ تُصْرَفُ
لَكَاعَةُ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ وَفِي الْجَمِيعِ يَا ذَوِي لَكِيعَةَ وَلَكَاعَةٍ
وَفِي الْمُؤَنّثِ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَلَا يُقَالُ يَا
لُكَاعَانِ وَلَا فُسَقَانِ لِسِرّ شَرَحْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ .
وَتَلْخِيصُ مَعْنَاهُ أَنّ الْعَرَبَ قَصَدَتْ بِهَذَا النّبَإِ مِنْ النّدَاءِ
قَصْدَ الْعَلَمِ لِأَنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ أَلْزَمُ لِلْمُسَمّى مِنْ الْوَصْفِ
الْمُشْتَقّ مِنْ الْفِعْلِ نَحْوُ فَاسِقٍ وَغَادِرٍ كَمَا قَالُوا : عُمَرُ
وَعَدَلُوا عَنْ عَامِرٍ الّذِي هُوَ وَصْفٌ فِي الْأَصْلِ تَحْقِيقًا مِنْهُمْ
لِلْعَلَمِيّةِ ثُمّ إنّ الِاسْمَ الْعَلَمَ لَا يُثَنّى وَلَا يُجْمَعُ وَهُوَ
عَلَمٌ فَإِذَا ثُنّيَ زَالَ عَنْهُ تَعْرِيفُ الْعَلَمِيّةِ فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ
لَمْ يُثَنّوا يَا فُسَقُ وَيَا غُدَرُ لِأَنّ فِي ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا قَصْدُوهُ
مِنْ تَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الِاسْمِ الْعَلَمِ أَيْ إنّهُ مُسْتَحِقّ لِأَنْ
يُسَمّى بِهَذَا الِاسْمِ فَهَذَا أَبْلَغُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا : يَا فَاسِقُ
فَيَجِيئُوا بِالِاسْمِ الّذِي يَجْرِي مَجْرَى الْفِعْلِ وَالْفِعْلُ غَيْرُ
لَازِمٍ وَالْعَلَمُ أُلْزِمَ مَعَهُ وَالتّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تُبْطِلُ
الْعَلَمِيّةَ كَمَا ذَكَرْنَا فَافْهَمْهُ وَوَقَعَ فِي الْمُوَطّإِ مِنْ
رِوَايَةِ يَحْيَى فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ
لِمُوَلّاةِ لَهُ اُقْعُدِي لُكَعُ وَفْد عِيبَتْ هَذِهِ الرّوَايَةُ عَلَى
يَحْيَى ، لِأَنّ الْمَرْأَةَ إنّمَا يُقَالُ لَهَا : لَكَاعِ وَقَدْ وَجَدْت
الْحَدِيثَ كَمَا رَوَاهُ يَحْيَى فِي كِتَابِ الدّارَقُطْنِيّ ، وَوَجْهُهُ فِي
الْعَرَبِيّةِ أَنّهُ مَنْقُولٌ غَيْرُ مَعْدُولٍ فَجَائِزٌ أَنْ يُقَالَ
لِلْأَمَةِ يَا لُكَعُ كَمَا يُقَالُ لَهَا إذَا سُبّتْ يَا زُبَلُ وَيَا وُسَخُ
إذْ اللّكَعُ ضَرْبٌ مِنْ الْوَسَخِ كَمَا قَدّمْنَاهُ وَهُوَ فِي كِتَابِ
الْعَيْنِ .
شَمَاتَةُ أَبِي سُفْيَانَ
بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ أُحُدٍ وَحَدِيثُهُ مَعَ عُمَرَ
ثُمّ إنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ حِينَ أَرَادَ الِانْصِرَافَ أَشْرَفَ عَلَى
الْجَبَلِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ فَقَالَ أَنِعْمَتْ فَعَالِ وَإِنّ
الْحَرْبَ سِجَالٌ يَوْمٌ بِيَوْمِ أَعْلِ هُبَلُ أَيْ اظْهَرْ دِينك ، فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُمَرُ فَأَجِبْهُ ،
فَقُلْ اللّهُ أَعَلَى وَأَجَلّ ، لَا سَوَاءَ قَتْلَانَا فِي الْجَنّةِ
وَقَتْلَاكُمْ فِي النّارِ . فَلَمّا أَجَابَ عُمَرُ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ لَهُ
أَبُو سُفْيَانَ هَلُمّ إلَيّ يَا عُمَرُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُمَرِ ائْتِهِ فَانْظُرْ مَا شَأْنُهُ ؛ فَجَاءَهُ فَقَالَ
لَهُ أَبُو سُفْيَانَ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عُمَرُ أَقَتَلْنَا مُحَمّدًا ؟ قَالَ
عُمَرُ اللّهُمّ لَا ، وَإِنّهُ لَيَسْمَعَ كَلَامَك الْآنَ قَالَ أَنْتَ أَصْدَقُ
عِنْدِي مِنْ ابْنِ قَمِئَةَ وَأَبَرّ لِقَوْلِ ابْنِ قَمِئَةَ لَهُمْ إنّي قَدْ
قَتَلْت مُحَمّدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ ابْنِ قَمِئَةَ عَبْدُ اللّهِ
.
تَوَعّدُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُسْلِمِينَ
[ ص 280 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ نَادَى أَبُو سُفْيَانَ إنّهُ قَدْ كَانَ
فِي قَتْلَاكُمْ مُثُلٌ وَاَللّهِ مَا رَضِيت ، وَمَا سَخِطْت ، وَمَا نَهَيْت ،
وَمَا أَمَرْت . وَلَمّا انْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ نَادَى : إنّ
مَوْعِدَكُمْ بَدْرٌ لِلْعَامِ الْقَابِلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَجُلِ مِنْ أَصْحَابِهِ قُلْ نَعَمْ هُوَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكُمْ مَوْعِدٌ
خُرُوجُ عَلِيّ فِي آثَارِ الْمُشْرِكِينَ
ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ ، فَقَالَ اُخْرُجْ فِي آثَارِ الْقَوْمِ ، فَانْظُرْ مَاذَا يَصْنَعُونَ
وَمَا يُرِيدُونَ فَإِنْ كَانُوا قَدْ جَنّبُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ
فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ مَكّةَ ، وَإِنْ رَكِبُوا الْخَيْلَ وَسَاقُوا الْإِبِلَ
فَإِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْمَدِينَةَ ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ
أَرَادُوهَا لَأَسِيرَنّ إلَيْهِمْ فِيهَا ، ثُمّ لَأُنَاجِزَنّهُمْ . قَالَ
عَلِيّ : فَخَرَجْت فِي آثَارِهِمْ أَنْظُرُ مَاذَا يَصْنَعُونَ فَجَنّبُوا
الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ وَوَجّهُوا إلَى مَكّةَ
أَمْرُ الْقَتْلَى بِأُحُدِ
[ ص 281 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي
مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ
الْمَازِنِيّ أَخُو بَنِي النّجّارِ مِنْ رَجُلٍ يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ
بْنُ الرّبِيعِ ؟ أَفِي الْأَحْيَاءِ هُوَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ
مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا أَنْظُرُ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ مَا فَعَلَ سَعْدٌ
فَنَظَرَ فَوَجَدَهُ جَرِيحًا فِي الْقَتْلَى وَبِهِ رَمَقٌ . قَالَ فَقُلْت لَهُ
إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي أَنْ أَنْظُرَ أَفِي
الْأَحْيَاءِ أَنْتَ أَمْ فِي الْأَمْوَاتِ ؟ قَالَ أَنَا فِي الْأَمْوَاتِ
فَأَبْلِغْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنّي السّلَامَ وَقُلْ
لَهُ إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَك : جَزَاك اللّهُ عَنّا خَيْرَ مَا
جَزَى نَبِيّا عَنْ أُمّتِهِ وَأَبْلِغْ قَوْمَك عَنّي السّلَامَ وَقُلْ لَهُمْ
إنّ سَعْدَ بْنَ الرّبِيعِ يَقُولُ لَكُمْ إنّهُ لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ
إنْ خُلِصَ إلَى نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْكُمْ عَيْنٌ
تَطْرِفُ . قَالَ ثُمّ لَمْ أَبْرَحْ حَتّى مَاتَ قَالَ فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته خَبَرَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الزّبَيْرِيّ أَنّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ
الصّدّيقِ وَبِنْتٌ لِسَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ جَارِيَةٌ صَغِيرَةٌ عَلَى صَدْرِهِ
يَرْشُفُهَا وَيُقَبّلُهَا فَقَالَ لَهُ الرّجُلُ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَ هَذِهِ
بِنْتُ رَجُلٍ خَيْرٍ مِنّي ، سَعْدِ بْنِ الرّبِيعِ ، كَانَ مِنْ النّقَبَاءِ
يَوْمَ الْعَقَبَةِ ، وَشَهِدَ بَدْرًا ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍSالرّسُولُ يَسْأَلُ
عَنْ ابْنِ الرّبِيعِ
فَصْلٌ
[ ص 281 ] وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ رَجُلٌ
يَنْظُرُ لِي مَا فَعَلَ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ : أَنَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . الرّجُلُ هُوَ مُحَمّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ ذَكَرَهُ الْوَاقِدِيّ ، وَذَكَرَ أَنّهُ نَادَى فِي الْقَتْلَى : يَا
سَعْدُ بْنَ الرّبِيعِ مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ، حَتّى قَالَ
يَا سَعْدُ إنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَرْسَلَنِي
أَنْظُرُ مَا صَنَعْت ، فَأَجَابَهُ حِينَئِذٍ بِصَوْتِ ضَعِيفٍ وَذَكَرَ
الْحَدِيثَ وَهَذَا خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ الصّحَابَةِ
فَإِنّهُ ذَكَرَ فِيهِ مِنْ طَرِيقِ رُبَيْحِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ الرّجُلَ الّذِي الْتَمَسَ
سَعْدًا فِي الْقَتْلَى هُوَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ .
حُزْنُ الرّسُولِ عَلَى
حَمْزَةَ وَتَوَعّدُهُ الْمُشْرِكِينَ بِالْمُثْلَةِ
قَال [ ص 282 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي يَتَلَمّسُ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ،
فَوَجَدَهُ بِبَطْنِ الْوَادِي قَدْ بُقِرَ بَطْنُهُ عَنْ كَبِدِهِ وَمُثّلَ بِهِ
فَجُدِعَ أَنْفُهُ وَأُذُنَاهُ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ
الزّبَيْرِ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ
رَأَى مَا رَأَى : لَوْلَا أَنْ تَحْزَنَ صَفِيّةُ ، وَيَكُونَ سُنّةً مِنْ
بَعْدِي لَتَرَكْته ، حَتّى يَكُونَ فِي بُطُونِ السّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطّيْرِ
وَلَئِنْ أَظَهَرَنِي اللّهُ عَلَى قُرَيْشٍ فِي مَوْطِنٍ مِنْ الْمَوَاطِنِ
لَأُمَثّلَنّ بِثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَلَمّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَزِنَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَغَيْظَهُ عَلَى مَنْ فَعَلَ
بِعَمّهِ مَا فَعَلَ قَالُوا : وَاَللّهِ لَئِنْ أَظْفَرَنَا اللّهُ بِهِمْ
يَوْمًا مِنْ الدّهْرِ لَنُمَثّلَنّ بِهِمْ مُثْلَةً لَمْ يُمَثّلْهَا أَحَدٌ مِنْ
الْعَرَبِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلَمّا وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى حَمْزَةَ قَالَ " لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِك أَبَدًا ؟
مَا وَقَفْت مَوْقِفًا قَطّ أَغْيَظَ إلَيّ مِنْ هَذَا ثُمّ قَالَ " جَاءَنِي
جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنّ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَكْتُوبٌ فِي
أَهْلِ السّمَوَاتِ السّبْعِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَسَدُ اللّهِ
وَأَسَدُ رَسُولِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَحَمْزَةُ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ إخْوَةً مِنْ الرّضَاعَةِ
أَرْضَعَتْهُمْ مُوَلّاةٌ لِأَبِي لَهَبٍ .
مَا نَزَلَ فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بُرَيْدَةُ بْنُ سُفْيَانَ بْنِ فَرْوَةَ
الْأَسْلَمِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَحَدّثَنِي مَنْ لَا
أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنَزَلَ فِي ذَلِكَ مِنْ
قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَوْلِ أَصْحَابِهِ {
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ
صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلّا بِاللّهِ
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ } فَعَفَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَبَرَ وَنَهَى عَنْ الْمُثْلَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ
سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ ، [ ص 283 ] قَالَ مَا قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَقَامٍ قَطّ . فَفَارَقَهُ حَتّى يَأْمُرَنَا بِالصّدَقَةِ
وَيَنْهَانَا عَنْ الْمُثْلَةِS[ ص 282
] وَذَكَرَ عَنْ حُمَيْدٍ الطّوِيلِ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ عَنْ النّبِيّ -
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي النّهْيِ عَنْ الْمُثْلَةِ وَحُمَيْدٌ
الطّوِيلُ هُوَ حُمَيْدُ بْنُ تِيرَوَيْهِ وَيُقَالُ ابْنُ تِيرِي يُكَنّى أَبَا
حُمَيْدَةَ مَوْلَى طَلْحَةَ [ ص 283 ] فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ مَثّلَ رَسُولُ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْعُرَنِيّينَ فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ
وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعَيْنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرّةِ قُلْنَا : فِي
ذَلِكَ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ فَعَلَ ذَلِكَ قِصَاصًا لِأَنّهُمْ
قَطَعُوا أَيْدِي الرّعَاءِ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلُوا أَعْيُنَهُمْ رُوِيَ ذَلِكَ
فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَقِيلَ إنّ ذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْمُثْلَةِ . فَإِنْ
قِيلَ فَقَدْ تَرَكَهُمْ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتّى مَاتُوا عَطَشًا ،
قُلْنَا : عَطّشَهُمْ لِأَنّهُمْ عَطّشُوا أَهْلَ بَيْتِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تِلْكَ اللّيْلَةَ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَنّهُ
عَلَيْهِ السّلَامُ لَمّا بَقِيَ وَأَهْلُهُ تِلْكَ اللّيْلَةَ بِلَا لَبَنٍ قَالَ
" اللّهُمّ عَطّشْ مَنْ عَطّشَ أَهْلَ بَيْتِ نَبِيّك " . وَقَعَ هَذَا
فِي شَرْحِ ابْنِ بَطّالٍ ، وَقَدْ خَرّجَهُ النّسَوِيّ .
صَلَاةُ الرّسُولِ عَلَى
حَمْزَةَ وَالْقَتْلَى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، مَوْلَى
عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحَمْزَةِ فَسُجّيَ بِبُرْدَةِ ثُمّ صَلّى
عَلَيْهِ فَكَبّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمّ أُتِيَ بِالْقَتْلَى فَيُوضَعُونَ
إلَى حَمْزَةَ فَصَلّى عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتّى صَلّى عَلَيْهِ
ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَلَاةً [ ص 284 ]
صَفِيّةُ وَحُزْنُهَا عَلَى حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ أَقْبَلَتْ فِيمَا بَلَغَنِي ، صَفِيّةُ بِنْتُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ لِتَنْظُرَ إلَيْهِ وَكَانَ أَخَاهَا لِأَبِيهَا وَأُمّهَا ،
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَابْنِهَا الزّبَيْرِ
بْنِ الْعَوَامّ : الْقَهَا فَارْجِعْهَا ، لَا تَرَى مَا بِأَخِيهَا ، فَقَالَ
لَهَا : يَا أُمّهْ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُك
أَنْ تَرْجِعِي ، قَالَتْ وَلِمَ ؟ وَقَدْ بَلَغَنِي أَنْ قَدْ مُثّلَ بِأَخِي ،
وَذَلِكَ فِي اللّهِ فَمَا أَرْضَانَا بِمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ لَأَحْتَسِبَنّ
وَلَأَصْبِرَنّ إنْ شَاءَ اللّهُ . فَلَمّا جَاءَ الزّبَيْرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ خَلّ سَبِيلَهَا ،
فَأَتَتْهُ فَنَظَرَتْ إلَيْهِ فَصَلّتْ عَلَيْهِ وَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ
لَهُ ثُمّ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدُفِنَ .Sالصّلَاةُ عَلَى
الشّهَدَاءِ
وَرَوَى ابْنُ إسْحَاقَ عَمّنْ لَا يَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ
أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - صَلّى عَلَى حَمْزَةَ وَعَلَى
شُهَدَاءِ يَوْمِ أُحُد ٍ ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فُقَهَاءُ
الْحِجَازِ ، وَلَا الْأَوْزَاعِيّ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَعْفُ إسْنَادِ
هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنّ ابْنَ إسْحَاقَ قَالَ حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ
يَعْنِي : الْحَسَنَ بْنَ عُمَارَةَ - فِيمَا ذَكَرُوا - وَلَا خِلَافَ فِي ضَعْفِ
الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَرَوْنَهُ
شَيْئًا ، وَإِنْ كَانَ الّذِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا
أَتّهِمُ غَيْرَ الْحَسَنِ فَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْجَهْلُ يُوبِقُهُ . وَالْوَجْهُ
الثّانِي : أَنّهُ حَدِيثٌ لَمْ يَصْحَبْهُ الْعَمَلُ وَلَا يُرْوَى عَنْ رَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّهُ صَلّى عَلَى شَهِيدٍ فِي شَيْءٍ
مِنْ مَغَازِيهِ إلّا هَذِهِ الرّوَايَةَ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ ، وَكَذَلِكَ فِي
مُدّةِ [ ص 284 ] الْخَلِيفَتَيْنِ إلّا أَنْ يَكُونَ الشّهِيدُ مُرْتَثّا مِنْ
الْمَعْرَكَةِ وَأَمّا تَرْكُ غَسْلِهِ فَقَدْ أَجَمَعُوا عَلَيْهِ وَإِنْ
اخْتَلَفُوا فِي الصّلَاةِ إلّا رِوَايَةً شَاذّةً عِنْدَ بَعْضِ التّابِعِينَ
وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - تَحْقِيقُ حَيَاةِ الشّهَدَاءِ
وَتَصْدِيقُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي
سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا } الْآيَةَ مَعَ أَنّ فِي تَرْكِ غُسْلِهِ مَعْنًى
آخَرُ وَهُوَ أَنّ دَمَهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ وَهُوَ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَجُرْحُهُ يُثْعَبُ دَمًا ، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ فَكَيْفَ يَطْهُرُ مِنْهُ
وَهُوَ طَيّبٌ وَأَثَرُ عِبَادَةٍ وَمِنْ هَذَا الْأَصْلِ انْتَزَعَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ كَرَاهِيَةَ تَجْفِيفِ الْوَجْهِ مِنْ مَاءِ الْوُضُوءِ وَهُوَ
قَوْلُ الزّهْرِيّ ، قَالَ الزّهْرِيّ : وَبَلَغَنِي أَنّهُ يُوزَنُ وَمِنْ هَذَا
الْأَصْلِ انْتَزَعَ كَرَاهِيَةَ السّوَاكِ بِالْعَشِيّ لِلصّائِمِ لِئَلّا
يَذْهَبُ خُلُوفُ فَمِهِ وَهُوَ أَثَرُ عِبَادَةٍ وَجَاءَ فِيهِ مَا جَاءَ فِي
دَمِ الشّهَدَاءِ أَنّهُ أَطْيَبُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ وَيُرْوَى
أَطْيَبُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِاللّفْظَيْنِ
جَمِيعًا ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ وَجَاءَتْ الْكَرَاهِيَةُ لِلسّوَاكِ بِالْعَشِيّ
لِلصّائِمِ عَنْ عَلِيّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، ذَكَرَ ذَلِكَ الدّارَقُطْنِيّ .
دفن عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ
مَعَ حَمْزَةَ
قَالَ فَزَعَمَ لِي آلُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَكَانَ لِأُمَيْمَةِ بِنْتِ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، حَمْزَةُ خَالُهُ وَقَدْ كَانَ مُثّلَ بِهِ كَمَا مُثّلَ
بِحَمْزَةِ إلّا أَنّهُ لَمْ يُبْقَرْ عَنْ كَبِدِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَفَنَهُ مَعَ حَمْزَةَ فِي قَبْرِهِ وَلَمْ أَسْمَعْ
ذَلِكَ إلّا عَنْ أَهْلِهِ .Sعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ الْمُجْدَعُ
وَذَكَرَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ ابْنَ أُخْت حَمْزَةَ وَأَنّهُ مُثّلَ بِهِ
كَمَا مُثّلَ بِحَمْزَةِ وَعِنْدَ اللّهِ هَذَا يُعْرَفُ بِالْمُجْدَعِ فِي اللّهِ
لِأَنّهُ جُدِعَ أَنْفُهُ وَاذُنَاه يَوْمئِذٍ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ
يُحَدّثُ أَنّهُ لَقِيَهُ يَوْمَ أُحُدٍ أَوّلَ النّهَارِ فَخَلَا بِهِ وَقَالَ
لَهُ عَبْدُ اللّهِ يَا سَعْدُ هَلُمّ فَلْنَدْعُ اللّهَ وَلِيَذْكُرَ كُلّ [ ص
285 ] قَالَ سَعْدٌ فَدَعَوْت اللّهَ أَنْ أَلْقَى فَارِسًا شَدِيدًا بَأْسُهُ
شَدِيدًا حَرْدُهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَقْتُلُهُ وَآخُذُ سَلَبَهُ فَقَالَ
عَبْدُ اللّهِ آمِنْ ثُمّ اسْتَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ الْقِبْلَةَ وَرَفَعَ
يَدَيْهِ إلَى السّمَاءِ وَقَالَ اللّهُمّ لَقّنِي الْيَوْمَ فَارِسًا شَدِيدًا
بَأْسُهُ شَدِيدًا حَرْدُهُ يَقْتُلُنِي وَيَجْدَعُ أَنْفِي وَأُذُنِي ، فَإِذَا
لَقِيتُك غَدًا تَقُولُ لِي : يَا عَبْدِي : فِيمَ جُدِعَ أَنْفُك وَأُذُنَاك ،
فَأَقُولُ فِيك يَا رَبّ وَفِي رَسُولِك ، فَتَقُولُ لِي : صَدَقْت ، قُلْ يَا
مُحَمّدُ آمِينَ قَالَ فَقُلْت : آمِينَ ثُمّ مَرَرْت بِهِ آخِرَ النّهَارِ
قَتِيلًا مَجْدُوع الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ وَأَنّ أُذُنَيْهِ وَأَنْفَهُ
مُعَلّقَانِ بِخَيْطِ وَلَقِيت أَنَا فُلَانًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلْته ،
وَأَخَذْت سَلَبَهُ وَذَكَرَ الزّبَيْرُ أَنّ سَيْفَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
انْقَطَعَ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عُرْجُونًا ، فَعَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا ، فَقَاتَلَ لَهُ فَكَانَ
يُسَمّى ذَلِكَ السّيْفُ الْعُرْجُونَ وَلَمْ يَزَلْ يُتَوَارَثُ حَتّى بِيعَ مِنْ
بِغَاء التّرْكِيّ بِمِائَتَيْنِ دِينَارٍ ، وَهَذَا نَحْوٌ مِنْ حَدِيثِ
عُكَاشَةَ الّذِي تَقَدّمَ إلّا سَيْفَ عُكَاشَةَ كَانَ يُسَمّى الْعَوْنَ
وَكَانَتْ قِصّةُ عُكَاشَةَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ الّذِي قَتَلَ عَبْدَ اللّهِ
بْنَ جَحْشٍ أَبُو الْحُكْم بْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ
حِينَ قُتِلَ ابْنَ بِضْعٍ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً فِيمَا ذَكَرُوا وَدُفِنَ مَعَ
حَمْزَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ .
دَفْنُ الشّهَدَاءِ
قَال [ ص 285 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ قَدْ احْتَمَلَ نَاسٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ قَتْلَاهُمْ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَفَنُوهُمْ بِهَا ، ثُمّ نَهَى
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ ادْفِنُوهُمْ
حَيْثُ صُرِعُوا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ
الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ ،
حَلِيفِ بَنِي زُهْرَةَ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لَمّا أَشْرَفَ عَلَى الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ ، قَالَ أَنَا شَهِيدٌ عَلَى
هَؤُلَاءِ ، إنّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يَخْرُجُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ
يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى جُرْحُهُ اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ
رِيحُ مِسْكٍ وَانْظُرُوا أَكْثَرَ هَؤُلَاءِ جَمْعًا لِلْقُرْآنِ فَاجْعَلُوهُ
أَمَامَ أَصْحَابِهِ فِي الْقَبْرِ وَكَانُوا يَدْفِنُونَ الِاثْنَيْنِ
وَالثّلَاثَةَ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ قَالَ وَحَدّثَنِي عَمّي مُوسَى بْنُ
يَسَارٍ أَنّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي اللّهِ إلّا وَاَللّهُ
يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَدْمَى ، اللّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرّيحُ
رِيحُ مِسْكٍ . [ ص 286 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ
يَسَارٍ ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمئِذٍ حِينَ أَمَرَ بِدَفْنِ الْقَتْلَى : اُنْظُرُوا
إلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ
فَإِنّهُمَا كَانَا مُتَصَافِيَيْنِ فِي الدّنْيَا ، فَاجْعَلُوهُمَا فِي قَبْرٍ
وَاحِدٍ .
حُزْنُ حَمْنَةَ عَلَى حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَقِيَتْهُ حَمْنَةُ بِنْتُ جَحْشٍ ، كَمَا ذُكِرَ
لِي ، فَلَمّا لَقِيَتْ النّاسَ نُعِيَ إلَيْهَا أَخُوهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ
جَحْشٍ ، فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ نُعِيَ لَهَا خَالُهَا
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَاسْتَرْجَعَتْ وَاسْتَغْفَرَتْ لَهُ ثُمّ
نُعِيَ لَهَا زَوْجُهَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، فَصَاحَتْ وَوَلْوَلَتْ فَقَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ زَوْجَ الْمَرْأَةِ مِنْهَا
لَبِمَكَانِ لِمَا رَأَى مِنْ تَثَبّتِهَا عِنْدَ أَخِيهَا وَخَالِهَا ،
وَصِيَاحِهَا عَلَى زَوْجِهَا .
بُكَاءُ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ عَلَى حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِدَارِ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَل ِ وَظَفَرَ
فَسَمِعَ الْبُكَاءَ وَالنّوَائِحَ عَلَى قَتْلَاهُمْ فَذَرَفْت عَيْنَا رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَكَى ، ثُمّ قَالَ لَكِنّ حَمْزَةَ لَا
بَوَاكِيَ لَهُ فَلَمّا رَجَعَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى
دَارِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَمَرَا نِسَاءَهُمْ أَنْ يَتَحَزّمْنَ ثُمّ
يَذْهَبْنَ فَيَبْكِينَ عَلَى عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ عَبّادِ بْنِ
حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ رِجَالِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَالَ لَمّا سَمِعَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُكَاءَهُنّ عَلَى حَمْزَةَ خَرَجَ
عَلَيْهِنّ وَهُنّ عَلَى بَابِ مَسْجِدِهِ يَبْكِينَ عَلَيْهِ فَقَالَ ارْجِعْنَ
يَرْحَمُكُنّ اللّهُ فَقَدْ آسَيْتُنّ بِأَنْفُسِكُنّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنُهِيَ
يَوْمئِذٍ عَنْ النّوْحِ . [ ص 287 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو
عُبَيْدَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا سَمِعَ
بُكَاءَهُنّ قَالَ رَحِمَ اللّهُ الْأَنْصَارَ فَإِنّ الْمُوَاسَاةَ مِنْهُمْ مَا
عَلِمْت لَقَدِيمَةٌ مَرّوهُنّ فَلْيَنْصَرِفْنَ .
شَأْنُ الْمَرْأَةِ الدّينَارِيّةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ
إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، قَالَ مَرّ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِامْرَأَةِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ ، وَقَدْ
أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا وَأَبُوهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأُحُدِ فَلَمّا نُعُوا لَهَا ، قَالَتْ فَمَا فَعَلَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالُوا : خَيْرًا يَا أُمّ فُلَانٍ هُوَ
بِحَمْدِ اللّهِ كَمَا تُحِبّينَ قَالَتْ أَرُونِيهِ حَتّى أَنْظُرَ إلَيْهِ قَالَ
فَأُشِيرَ لَهَا إلَيْهِ حَتّى إذَا . رَأَتْهُ قَالَتْ كُلّ مُصِيبَةٍ بَعْدَك
جَلَلٌ تُرِيدُ صَغِيرَةً . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْجَلَلُ يَكُونُ مِنْ
الْقَلِيلِ وَمِنْ الْكَثِيرِ وَهُوَ هَاهُنَا مِنْ الْقَلِيلِ . قَالَ امْرُؤُ
الْقَيْسِ فِي الْجَلَلِ الْقَلِيلِ
لَقَتْلُ بَنِي أَسَدٍ رَبّهُمْ ... أَلَا كُلّ شَيْءٍ سِوَاهُ جَلَلْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا قَوْلُ الشّاعِرِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ وَعْلَةَ
الْجَرْمِيّ
وَلَئِنْ عَفَوْت لَأَعْفُوَنْ جَلَلًا ... وَلَئِنْ سَطَوْت لَأُوهِنَنّ عَظْمِي
( فَهُوَ مِنْ الْكَثِيرِ ) .
حَدِيث عُمَرَ وَأَبِي
سُفْيَانَ
فَصْلٌ
[ ص 286 ] وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ الْكَلِمِ الّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ
قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ قَالَ اُعْلُ هُبَلْ أَيْ زِدْ عُلُوّا ، ثُمّ قَالَ
أَنْعَمَتْ فَعَالِ قَالُوا : مَعْنَاهُ الْأَزْلَامُ وَكَانَ اسْتَقْسَمَ بِهَا
حِينَ خَرَجَ إلَى أُحُد ٍ ، فَخَرَجَ الّذِي يُحِبّ وَقَوْلُهُ فَعَالِ أَمْرٌ
أَيْ عَالِ عَنْهَا وَأَقْصِرْ عَنْ لَوْمِهَا ، تَقُولُ الْعَرَبُ : اُعْلُ عَنّي
، وَعَالِ عَنّي بِمَعْنَى : أَيْ ارْتَفِعْ عَنّي ، وَدَعْنِي . وَيُرْوَى أَنّ
الزّبَيْرَ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَيْنَ قَوْلُك : أَنْعَمَتْ
فَعَالِ ؟ فَقَالَ قَدْ صَنَعَ اللّهُ خَيْرًا ، وَذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيّةِ .
[ ص 287 ] لَا سَوَاءَ أَيْ لَا نَحْنُ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ دُخُولُ لَا عَلَى
اسْمٍ مُبْتَدَأٍ مَعْرِفَةٍ إلّا مَعَ التّكْرَارِ نَحْوُ لَا زَيْدٌ قَائِمٌ
وَلَا عَمْرٌو خَارِجٌ وَلَكِنّهُ جَازَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لِأَنّ الْقَصْدَ
فِيهِ إلَى نَفْيِ الْفِعْلِ أَيْ لَا يَسْتَوِي ، كَمَا جَازَ لَا نُوَلّك ، أَيْ
لَا يَنْبَغِي لَك ، وَقَدْ بَيّنّا هَذَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ حَيْثُ
تَكَلّمْنَا عَلَى قَوْلِهِ فَشَتْتَنَا سَعْدٌ فَلَا نَحْنُ مِنْ سَعْدِ
حَدِيثُ مُخَيْرِيقٍ وَأَوّلُ
وَقْفٍ فِي الْإِسْلَامِ
وَمِمّا يَلِيقُ ذِكْرُهُ بِهَذِهِ الْغَزَاةِ حَدِيثُ مُخَيْرِيقٍ ، وَهُوَ
أَحَدُ بَنِي النّضِيرِ ، وَقَوْلُهُ إنْ أُصِبْت فَمَالِي لِمُحَمّدِ يَصْنَعُ
فِيهِ مَا شَاءَ فَأُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ انْصَرَفَ مَالُهُ أَوْقَافًا ، وَهُوَ أَوّلُ
حَبْسٍ حُبِسَ فِي الْإِسْلَامِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ
الْقُرَظِيّ ، وَقَالَ الزّهْرِيّ : كَانَتْ سَبْعَ حَوَائِطَ وَأَسْمَاؤُهَا :
الْأَعْرَافُ وَالْأَعْوَافُ وَالصّافِيَةُ وَالذّلَالُ وَبُرْقَةُ [ ص 288 ] أُمّ
إبْرَاهِيمَ ، وَإِنّمَا سُمّيَتْ مُشْرَبَةَ أُمّ إبْرَاهِيمَ لِأَنّهَا كَانَتْ
تَسْكُنُهَا ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ مُخَيْرِيقٍ ، وَهَذَا الّذِي
ذَكَرْنَاهُ تَكْمِلَةٌ لَهُ وَزِيَادَةُ فَائِدَةٍ فِيهِ .
غَسْلُ السّيُوفِ
قَالَ [ ص 288 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ نَاوَلَ سَيْفَهُ ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ فَقَالَ
اغْسِلِي عَنْ هَذَا دَمَهُ يَا بُنَيّةُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ
وَنَاوَلَهَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ سَيْفَهُ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا ،
فَاغْسِلِي عَنْهُ دَمَهُ فَوَاَللّهِ لَقَدْ صَدَقَنِي الْيَوْمَ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَئِنْ كُنْت صَدَقْت الْقِتَالَ لَقَدْ
صَدَقَ مَعَك سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَأَبُو دُجَانَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَكَانَ يُقَالُ لِسَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذُو
الْفَقَارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ
ابْنَ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ نَادَى مُنَادٍ يَوْمَ أُحُدٍ :
لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ ... وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لَا يُصِيبُ
الْمُشْرِكُونَ مِنّا مِثْلَهَا حَتّى يَفْتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَكَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ السّبْتِ لِلنّصْفِ مِنْ شَوّالٍ .Sوَذَكَرَ لَا
سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ بِفَتْحِ الْفَاءِ جَمْعُ فَقَارَةٍ وَإِنْ قِيلَ ذُو
الْفِقَارِ بِالْكَسْرِ فَهُوَ جَمْعُ فِقْرَةٍ وَقَدْ تَقَدّمَ شَرْحُهُ . وَوَقَعَ
فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنّ رِيحًا هَبّتْ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَسَمِعُوا
قَائِلًا يَقُولُ
لَا سَيْفَ إلّا ذُو الْفَقَارِ ... وَلَا فَتَى إلّا عَلِيّ
[ ص 289 ] ذَكَرَهَا ، وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَيْضًا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ
الْبَكّائِيّ قَوْلَ عَلِيّ لِفَاطِمَةَ حِينَ غَسَلَتْ سَيْفَهُ مِنْ الدّمِ
أَفَاطِمُ هَاتِي السّيْفَ غَيْرَ ذَمِيمِ فَلَسْت بِرِعْدِيدِ وَلَا بِلَئِيمِ
خُرُوجُ الرّسُولِ فِي أَثَرِ
الْعَدُوّ لِيُرْهِبَهُ
قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ ( مِنْ ) يَوْمِ الْأَحَدِ لِسِتّ عَشْرَةَ لَيْلَةً
مَضَتْ مِنْ شَوّالٍ أَذّنَ مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي النّاسِ بِطَلَبِ الْعَدُوّ فَأَذّنَ مُؤَذّنُهُ أَنْ لَا يَخْرُجَنّ
مَعَنَا أَحَدٌ إلّا أَحَدٌ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ . فَكَلّمَهُ جَابِرُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَرَامٍ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ
أَبِي كَانَ خَلّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ وَقَالَ يَا بُنَيّ إنّهُ لَا
يَنْبَغِي لِي وَلَا لَك أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ [ ص 289 ] أُوثِرُكَ
بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَفْسِي ،
فَتَخَلّفْ عَلَى أَخَوَاتِك ، فَتَخَلّفْت عَلَيْهِنّ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ مَعَهُ وَإِنّمَا خَرَجَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُرْهِبًا لِلْعَدُوّ وَلِيُبَلّغْهُمْ
أَنّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِهِمْ لِيَظُنّوا بِهِ قُوّةً وَأَنّ الّذِي أَصَابَهُمْ
لَمْ يُوهِنْهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ .
مثل من اسْتِمَاتَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي نُصْرَةِ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ
بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِي السّائِبِ مَوْلَى عَائِشَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ أَنّ
رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَنِي
عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، كَانَ شَهِدَ أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ شَهِدْت أُحُدًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا وَأَخٌ لِي ، فَرَجَعْنَا جَرِيحَيْنِ فَلَمّا أَذّنَ
مُؤَذّنُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخُرُوجِ فِي طَلَبِ
الْعَدُوّ قُلْت لِأَخِي أَوْ قَالَ لِي : أَتَفُوتُنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ وَاَللّهِ مَا لَنَا مِنْ دَابّةٍ
نَرْكَبُهَا وَمَا مِنّا إلّا جَرِيحٌ ثَقِيلٌ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُنْت أَيْسَرَ جُرْحًا ، فَكَانَ إذَا غَلَبَ
حَمَلْته عُقْبَةً حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ
اسْتِعْمَالُ ابْنِ أُمّ مَكْتُومٍ عَلَى الْمَدِينَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَتّى انْتَهَى إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، وَهِيَ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى
ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ ،
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ بِهَا
الِاثْنَيْنِ وَالثّلَاثَاءَ وَالْأَرْبِعَاءَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ .
شَأْنُ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ
قَالَ وَقَدْ مَرّ بِهِ كَمَا حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ،
مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، وَكَانَ خُزَاعَةُ ، مُسْلِمُهُمْ
وَمُشْرِكُهُمْ عَيْبَةَ نُصْحٍ لِرَسُولِ اللّهِ بِتِهَامَةَ صَفْقَتُهُمْ مَعَهُ
لَا يُخْفُونَ عَنْهُ شَيْئًا كَانَ بِهَا ، وَمَعْبَدٌ يَوْمئِذٍ مُشْرِكٌ
فَقَالَ يَا مُحَمّدُ ، أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ عَزّ عَلَيْنَا مَا أَصَابَك ،
وَلَوَدِدْنَا أَنّ اللّهَ عَافَاك فِيهِمْ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ
بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حَتّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ
بِالرّوْحَاءِ وَقَدْ أَجَمَعُوا الرّجْعَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 290 ] وَقَالُوا : أَصَبْنَا حَدّ أَصْحَابِهِ
وَأَشْرَافَهُمْ وَقَادَتَهُمْ ثُمّ نَرْجِعُ قَبْلَ أَنْ نَسْتَأْصِلَهُمْ
لَنَكُرّنّ عَلَى بَقِيّتِهِمْ فَلْنَفْرُغَنّ مَعَهُمْ . فَلَمّا رَأَى أَبُو
سُفْيَانَ مَعْبَدًا ، قَالَ مَا وَرَاءَك يَا مَعْبَدُ ؟ قَالَ مُحَمّدٌ قَدْ
خَرَجَ فِي أَصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ ،
يَتَحَرّقُونَ عَلَيْكُمْ تَحَرّقًا ، قَدْ اجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلّفَ
عَنْهُ فِي يَوْمِكُمْ وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيهِمْ مِنْ الْحَنَقِ
عَلَيْكُمْ شَيْءٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ قَطّ ، قَالَ وَيْحَك مَا تَقُولُ ؟ قَالَ
وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ تَرْتَحِلَ حَتّى أَرَى نَوَاصِيَ الْخَيْلِ قَالَ
فَوَاَللّهِ لَقَدْ أَجَمَعْنَا الْكَرّةَ عَلَيْهِمْ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ
. قَالَ فَإِنّي أَنَهَاك عَنْ ذَلِكَ فَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ حَمَلَنِي مَا
رَأَيْت عَلَى أَنْ قُلْت فِيهِمْ أَبْيَاتًا مِنْ شِعْرٍ قَالَ وَمَا قُلْت ؟
قَالَ قُلْت : [ ص 291 ]
كَادَتْ تُهَدّ مِنْ الْأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي ... إذْ سَالَتْ الْأَرْضُ
بِالْجُرْدِ الْأَبَابِيلِ
تَرْدِي بِأُسْدِ كِرَامٍ لَا تَنَابِلَةٍ ... عِنْدَ اللّقَاءِ وَلَا مِيلٍ
مَعَازِيلِ
فَظَلّتْ عَدْوًا أَظُنّ الْأَرْضَ مَائِلَةً ... لَمّا سَمَوْا بِرَئِيسِ غَيْرِ
مَخْذُولِ
فَقُلْت : وَيْلُ ابْنِ حَرْبٍ مِنْ لِقَائِكُمْ ... إذَا تَغَطْمَطَتْ
الْبَطْحَاءُ بِالْخَيْلِ
إنّي نَذِيرٌ لِأَهْلِ الْبَسْلِ . ضَاحِيَةً ... لِكُلّ ذِي إرْبَةٍ مِنْهُمْ
وَمَعْقُولِ
مِنْ جَيْشِ أَحْمَدَ لَا وَخْشِ تَنَابِلَةٍ ... وَلَيْسَ يُوصَفُ مَا أَنْذَرْت
بِالْقِيلِ
فَثَنَى ذَلِكَ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ
رِسَالَةُ أَبِي سُفْيَانَ إلَى الرّسُولِ عَلَى لِسَانِ رَكْبٍ
وَمَرّ بِهِ رَكْبٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ قَالُوا :
نُرِيدُ الْمَدِينَةَ ؟ قَالَ وَلِمَ ؟ قَالُوا : نُرِيدُ الْمِيرَةَ قَالَ فَهَلْ
أَنْتُمْ مُبَلّغُونَ عَنّي مُحَمّدًا رِسَالَةً أُرْسِلُكُمْ بِهَا إلَيْهِ
وَأَحْمِلُ لَكُمْ هَذِهِ غَدًا زَبِيبًا بِعُكَاظِ إذَا وَافَيْتُمُوهَا ؟
قَالُوا : نَعَمْ قَالَ فَإِذَا وَافَيْتُمُوهُ فَأَخْبِرُوهُ أَنّا قَدْ
أَجَمَعْنَا السّيْرَ إلَيْهِ وَإِلَى أَصْحَابِهِ لِنَسْتَأْصِلَ بَقِيّتَهُمْ
فَمَرّ الرّكْبُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ
بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَأَخْبَرُوهُ بِاَلّذِي قَالَ أَبُو سُفْيَانَ . فَقَالَ {
حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
كَفّ صَفْوَانَ لِأَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُعَاوَدَةِ الْكَرّةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ
حَرْبٍ لَمّا انْصَرَفَ يَوْمَ أُحُدٍ ، أَرَادَ الرّجُوعَ إلَى الْمَدِينَةِ ،
لِيَسْتَأْصِلَ بَقِيّةَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالَ لَهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنُ خَلَفٍ : لَا تَفْعَلُوا ، فَإِنّ
الْقَوْمَ قَدْ حَرِبُوا ، وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ قِتَالٌ غَيْرُ
الّذِي كَانَ فَارْجِعُوا ، فَرَجَعُوا . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَهُوَ بِحَمْرَاءِ الْأَسَدِ حِينَ بَلَغَهُ أَنّهُمْ هَمّوا
بِالرّجْعَةِ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سُوّمَتْ لَهُمْ حِجَارَةٌ لَوْ
صُبّحُوا بِهَا لَكَانُوا كَأَمْسِ الذّاهِبِSغَزْوَةُ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ
شَرْحُ قَصِيدَةِ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ
[ ص 290 ] ذَكَرَ شِعْرَ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ وَفِيهِ إذَا تَغَطْمَطَتْ
الْبَطْحَاءُ بِالْخَيْلِ لَفْظٌ مُسْتَعَارٌ مِنْ الغطمة ، وَهُوَ صَوْتُ
غَلَيَانِ الْقِدْرِ . قَوْلُهُ بِالْخَيْلِ جَعَلَ الرّدْفَ حَرْفَ لِينٍ
وَالْأَبْيَاتُ كُلّهَا مُرْدَفَةُ الرّوِيّ بِحَرْفِ مَدّ وَلِينٍ وَهَذَا هُوَ
السّنَادُ الّذِي بَيّنّاهُ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ عِنْدَ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ
فَسُونِدَ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَنَظِيرُهُ قَوْلُ [ عَمْرِو ] بْنِ كُلْثُومٍ :
أَلَا هُبّي بِصَحْنِك فَاصْبَحِينَا ثُمّ قَالَ تُصَفّقُهَا الرّيَاحُ إذَا
جَرَيْنَا [ ص 291 ] قَالَ عَدِيّ بْنُ الرّقَاعِ
وَقَصِيدَةٍ قَدْ بِتّ أَجْمَعُ بَيْنَهَا ... حَتّى أُقَوّمَ مِيلَهَا
وَسِنَادَهَا
نَظَرَ الْمُثَقّفِ فِي كُعُوبِ قَنَاتِهِ ... كَيْمَا يُقِيمُ ثِقَافُهُ
مُنْآدَهَا
وَقَوْلُهُ لَا تَنَابِلَةٍ . التّنَابِلَةُ الْقِصَارُ وَأَحَدُهُمْ تِنْبَالٌ
تِفْعَالٌ مِنْ النّبْلِ وَهِيَ صِغَارُ الْحَصَى .
مَقْتَلُ أَبِي عَزّةَ
وَمُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ
قَالَ [ ص 292 ] عُبَيْدَةَ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِي جِهَةِ ذَلِكَ قَبْلَ رُجُوعِهِ إلَى الْمَدِينَةِ ، مُعَاوِيَةَ بْنَ
الْمُغِيرَةِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَهُوَ جَدّ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ ، أَبُو أُمّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ مُعَاوِيَةَ
وَأَبَا عَزّةَ الْجُمَحِيّ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَسَرَهُ بِبَدْر ِ ثُمّ مَنّ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ
أَقِلْنِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ "
وَاَللّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ بَعْدَهَا وَتَقُولُ خَدَعْت مُحَمّدًا
مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا زُبَيْرُ . فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ
جُحْرٍ مَرّتَيْنِ اضْرِبْ عُنُقَهُ يَا عَاصِمُ بْنَ ثَابِتٍ فَضَرَبَ عُنُقَهُ
مَقْتَلُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَمّارَ بْنَ
يَاسِرٍ قَتَلَا مُعَاوِيَةَ بْنَ الْمُغِيرَةِ بَعْدَ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ،
كَانَ لَجَأَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَاسْتَأْمَنَ لَهُ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّنَهُ عَلَى أَنّهُ إنْ وُجِدَ بَعْدَ
ثَلَاثٍ قُتِلَ فَأَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَتَوَارَى ، فَبَعَثَهُمَا النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّكُمَا سَتَجِدَانِهِ بِمَوْضِعِ كَذَا
وَكَذَا ، فَوَجَدَاهُ فَقَتَلَاهُSأَبُو عَزّةَ الْجُمَحِيّ
وَذَكَرَ [ ص 292 ] أَبَا عَزّةَ وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ عُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ كَذَا ذَكَرَ بَعْضُهُمْ وَأَحْسَبُهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَيْرٍ أَحَدَ
بَنِي خُدَارَةَ أَوْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَيْرٍ الْخَطْمِيّ . وَمِنْ خَبَرِ
أَبِي عَزّةَ مَا ذَكَرَ الزّبَيْرُ عَنْ ابْنِ جُعْدُبَةَ وَالضّحّاكِ بْنِ
عُثْمَانَ . وَالْجُعْدُبَةُ فِي اللّغَةِ وَاحِدَةٌ الْجِعَادِبِ وَهِيَ
النّفّاخَاتُ الّتِي تَكُونُ فِي الْمَاءِ . قَالَا : بَرِصَ أَبُو عَزّةَ
الْجُمَحِيّ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ لَا تُؤَاكِلُهُ وَلَا تُجَالِسُهُ فَقَالَ
لَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ هَذَا ، فَأَخَذَ حَدِيدَةً وَدَخَلَ بَعْضَ شِعَابِ
مَكّةَ فَطَعَنَ بِهَا فِي مَعَدّهِ وَالْمَعَدّ مَوْضِعٌ عَقِبَ الرّاكِبِ مِنْ الدّابّةِ
وَقَالَ ابْنُ جُعْدُبَةَ فَمَارَتْ الْحَدِيدَةُ وَقَالَ الضّحّاكُ : بَيْنَ
الْجِلْدِ وَالصّفَاقِ فَسَالَ مِنْهُ أَصْفَرُ فَبَرِئَ فَقَالَ
اللّهُمّ رَبّ وَائِلٍ وَنَهْدِ ... وَالتّهِمَاتِ وَالْجِبَالِ الْجُرْدِ
وَرَبّ مَنْ يَرْعَى بِأَرْضِ نَجِدْ ... أَصْبَحْت عَبْدًا لَك وَابْنَ عَبْدِ
أَبَرّأَتْنِي مِنْ وَضَحٍ بِجِلْدِ ... مِنْ بَعْدَ مَا طَعَنْت فِي مَعَدّي
مُوصِلُ مَقَالَةِ أَبِي سُفْيَانَ
وَذَكَرَ [ ص 293 ] أَبِي سُفْيَانَ مَعَ الرّكْبِ بِالْوَعِيدِ وَكَانَ
الْمُوَصّلُ مَقَالَتَهُ لِلْمُؤْمِنَيْنِ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالُوا {
حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } ، كَذَلِكَ جَاءَ فِي التّفْسِيرِ .
شَأْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنُ
أُبَيّ بَعْدَ ذَلِكَ
قَالَ [ ص 293 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنُ سَلُولَ
، كَمَا حَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، لَهُ مَقَامٌ يَقُومُهُ كُلّ
جُمُعَةٍ لَا يُنْكِرُ شَرَفًا لَهُ فِي نَفْسِهِ وَفِي قَوْمِهِ وَكَانَ فِيهِمْ
شَرِيفًا ، إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ وَهُوَ يَخْطُبُ النّاسَ قَامَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ هَذَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ أَكْرَمَكُمْ اللّهُ
وَأَعَزّكُمْ بِهِ فَانْصُرُوهُ وَعَزّرُوهُ وَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا ثُمّ
يَجْلِسُ حَتّى إذَا صَنَعَ يَوْمَ أُحُدٍ مَا صَنَعَ وَرَجَعَ بِالنّاسِ قَامَ
يَفْعَلُ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَفْعَلُهُ فَأَخَذَ الْمُسْلِمُونَ بِثِيَابِهِ مِنْ
نَوَاحِيهِ وَقَالُوا : اجْلِسْ أَيْ عَدُوّ اللّهِ لَسْت لِذَلِكَ بِأَهْلِ ،
وَقَدْ صَنَعْت مَا صَنَعْت ، فَخَرَجَ يَتَخَطّى رِقَابَ النّاسِ وَهُوَ يَقُولُ
وَاَللّهِ لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا إنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ . فَلَقِيَهُ
رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ مَا لَك ؟ وَيْلَك قَالَ
قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ فَوَثَبَ عَلَيّ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَجْذِبُونَنِي
وَيُعَنّفُونَنِي ، لَكَأَنّمَا قُلْت بَجْرًا أَنْ قُمْت أُشَدّدُ أَمْرَهُ قَالَ
وَيْلَك ارْجِعْ يَسْتَغْفِرْ لَك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ وَاَللّهِ مَا ابْتَغِي أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِيSقَوْلٌ لِعَبْدِ
اللّهِ بْنِ أُبَيّ
وَذَكَرَ قَوْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ حِينَ أُخْرِجَ مِنْ الْمَسْجِدِ
لَكَأَنّمَا قُلْت : بَجْرًا . الْبَجْرُ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ وَالْبَجَارِي :
الدّوَاهِي ، وَفِي وَصِيّةِ أَبِي بَكْرٍ يَا هَادِي الطّرِيقِ جُرْت ، إنّمَا
هُوَ الْفَخْرُ أَوْ الْبَجْرُ قَالَ الْخَطّابِيّ : مَعْنَاهُ الدّاهِيَةُ .
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ : " يَا لَيْتَنِي غُودِرْت
مَعَ أَصْحَابٍ نُحْصِ الْجَبَلَ نُحْصُ الْجَبَلِ أَسْفَلُهُ قَالَهُ صَاحِبُ
الْعَيْنِ .
كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ
مِحْنَةٍ
كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ يَوْمَ بَلَاءٍ وَمُصِيبَةٍ وَتَفْحِيصٍ اخْتَبَرَ اللّهُ
بِهِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَحَقَ بِهِ الْمُنَافِقِينَ مِمّنْ كَانَ يُظْهِرُ
الْإِيمَانَ بِلِسَانِهِ وَهُوَ مُسْتَخْفٍ بِالْكُفْرِ فِي قَلْبِهِ وَيَوْمًا
أَكْرَمَ اللّهُ فِيهِ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتَهُ بِالشّهَادَةِ مِنْ أَهْلِ
وِلَايَتِهِ .
ذِكْرُ مَا أَنَزَلَ اللّهُ
فِي أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
[ ص 294 ] قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ
حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ
الْمُطّلِبِيّ قَالَ فَكَانَ مِمّا أَنَزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي
يَوْمِ أُحُدٍ مِنْ الْقُرْآنِ سِتّونَ آيَةً مِنْ آلِ عِمْرَانَ ، فِيهَا صِفَةُ
مَا كَانَا فِي يَوْمِهِمْ ذَلِكَ وَمُعَاتَبَةُ مَنْ عَاتَبَ مِنْهُمْ يَقُولُ
اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { وَإِذْ
غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ } [ آلُ عِمْرَانَ : 121 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ تُبَوّئُ
لِلْمُؤْمِنِينَ تَتّخِذُ لَهُمْ مُقَاعِدَ وَمَنَازِلَ . قَالَ الْكُمَيْت بْنُ
زَيْدٍ
لَيْتَنِي كُنْت قَبْلَهُ ... قَدْ تَبَوّأْت مَضْجَعًا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . أَيْ سَمِيعٌ بِمَا تَقُولُونَ عَلِيمٌ
بِمَا تَخْفُونَ . { إِذْ هَمّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا } أَنْ
تَتَخَاذَلَا ، وَلَلطّائِفَتَانِ بَنُو سَلِمَةَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ،
وَبَنُو حَارِثَةَ بْنِ النّبِيت مِنْ الْأَوْسِ ، وَهُمَا الْجَنَاحَانِ .
يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَاللّهُ وَلِيّهُمَا } أَيْ الْمَدَافِعُ عَنْهُمَا
مَا هَمّتَا بِهِ مِنْ فَشَلِهِمَا ، وَذَلِكَ أَنّهُ إنّمَا كَانَ ذَلِكَ
مِنْهُمَا عَنْ ضَعْفٍ وَوَهَنٍ أَصَابَهُمَا غَيْرَ شَكّ فِي دِينِهِمَا ،
فَتَوَلّى دَفْعَ ذَلِكَ عَنْهُمَا بِرَحْمَتِهِ وَعَائِدَتِهِ حَتّى سَلِمَتَا
مِنْ وُهُونِهِمَا وَضَعْفِهِمَا ، وَلَحِقَتَا بِنَبِيّهِمَا صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأُسْدِ مِنْ
أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ قَالَتْ الطّائِفَتَانِ مَا نُحِبّ أَنّا لَمْ نَهُمّ
بِمَا هَمَمْنَا بِهِ ، لِتَوَلّي اللّهَ إيّانَا فِي ذَلِكَ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }
أَيْ مَنْ كَانَ بِهِ ضَعْفٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَلْيَتَوَكّلْ عَلَيّ
وَلْيَسْتَعِنْ بِي ، أَعِنْهُ عَلَى أَمْرِهِ وَأَدْفَعُ عَنْهُ حَتّى أُبَلّغَ
بِهِ وَأَدْفَعُ عَنْهُ وَأُقَوّيهِ عَلَى نِيّتِهِ . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ
اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلّةٌ فَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ }
أَيْ فَاتّقُونِي ، فَإِنّهُ شُكْرُ نِعْمَتِي . { وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ
بِبَدْرٍ } وَأَنْتُمْ أَقَلّ عَدَدًا [ ص 295 ] وَأَضْعَفُ قُوّةً { إِذْ تَقُولُ
لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدّكُمْ رَبّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ
مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتّقُوا وَيَأْتُوكُمْ
مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ
الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ } أَيْ إنْ تَصْبِرُوا لِعَدُوّي ، وَتُطِيعُوا
أَمْرِي ، وَيَأْتُوكُمْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا ، أَمَدّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ
مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُسَوّمِينَ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسَوّمِينَ مُعَلّمِينَ بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ
أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ أَعْلِمُوا عَلَى أَذْنَابِ خَيْلِهِمْ
وَنَوَاصِيهَا بِصُوفِ أَبْيَضَ فَأَمّا ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ كَانَتْ
سِيمَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا وَقَدْ ذَكَرْت ذَلِكَ فِي حَدِيثِ
بَدْرٍ وَالسّيمَا الْعَلَامَةُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { سِيمَاهُمْ
فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ } أَيْ عَلَامَتُهُمْ و { حِجَارَةً مِنْ
سِجّيلٍ مَنْضُودٍ مُسَوّمَةً } يَقُولُ مُعَلّمَةٌ بَلَغَنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ
أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّهُ قَالَ عَلَيْهَا عَلَامَةٌ أَنّهَا لَيْسَتْ
مِنْ حِجَارَةٍ لِلدّنْيَا ، وَأَنّهَا مِنْ حِجَارَةِ الْعَذَابِ قَالَ رُؤْبَةُ
بْنِ الْعَجّاجِ :
فَالْآنَ تُبْلَى بِي الْجِيَادُ السّهْمُ ... وَلَا تُجَارِينِي إذَا مَا
سَوّمُوا
وَشَخَصَتْ أَبْصَارُهُمْ وَأَجْذَمُوا
[ أَجَذَمُوا " بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ " : أَيْ أَسْرَعُوا :
وَأَجْدَمُوا " بِالدّالِ الْمُهْمَلَةِ " : أَقَطَعُوا ] وَهَذِهِ
الْأَبْيَاتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ وَالْمُسَوّمَةُ ( أَيْضًا ) الْمَرْعِيّةُ
وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى : { وَالْخَيْلِ الْمُسَوّمَةِ } و { شَجَرٌ فِيهِ
تُسِيمُونَ } تَقُولُ الْعَرَبُ : سَوّمَ خَيْلَهُ وَإِبِلَهُ وَأَسَامَهَا : إذَا
رَعَاهَا . قَالَ الْكُمَيْت بْنُ زَيْدٍ
رَاعِيَا كَانَ مُسْجِحًا فَفَقَدْنَا ... هُ وَفَقْدُ الْمُسِيمِ هُلْكُ
السّوَامِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُسْجِحًا : سَلِسُ السّيَاسَةِ مُحْسِنٌ ( إلَى الْغَنَمِ
) وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلّا بُشْرَى
لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النّصْرُ إِلّا مِنْ عِنْدِ اللّهِ
الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ } أَيْ مَا سَمّيْت لَكُمْ مَنْ سَمّيْت مِنْ جُنُودِ
مَلَائِكَتِي إلّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنّ قُلُوبُكُمْ بِهِ لِمَا أَعْرِفُ
مِنْ ضَعْفِكُمْ وَمَا النّصْرُ إلّا مِنْ عِنْدِي ، لِسُلْطَانِي وَقُدْرَتِي ،
وَذَلِكَ أَنّ الْعِزّ وَالْحُكْمَ إلَيّ لَا إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِي . ثُمّ
قَالَ { لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ
فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ } أَيْ لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ
بِقَتْلِ يَنْتَقِمُ بِهِ [ ص 296 ] خَائِبِينَ أَيْ وَيَرْجِعُ مَنْ بَقِيَ
مِنْهُمْ فَلَا خَائِبِينَ لَمْ يَنَالُوا شَيْئًا مِمّا كَانُوا يَأْمُلُونَ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَكْبِتُهُمْ يَغُمّهُمْ أَشَدّ الْغَمّ وَيَمْنَعُهُمْ مَا
أَرَادُوا . قَالَ ذُو الرّمّةِ
مَا أَنْسَ مِنْ شَجَنٍ لَا أَنْسَ مَوْقِفَنَا ... فِي حِيرَةٍ بَيْنَ مَسْرُورٍ
وَمَكْبُوتِ
وَيَكْبِتُهُمْ ( أَيْضًا ) يَصْرَعُهُمْ لِوُجُوهِهِمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
ثُمّ قَالَ لِمُحَمّدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { لَيْسَ
لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإِنّهُمْ
ظَالِمُونَ } أَيْ لَيْسَ لَك مِنْ الْحُكْمِ شَيْءٌ فِي عِبَادِي ، إلّا مَا
أَمَرْتُك بِهِ فِيهِمْ أَوْ أَتُوبَ عَلَيْهِمْ بِرَحْمَتِي ، فَإِنْ شِئْت
فَعَلْت ، أَوْ أُعَذّبَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَبِحَقّي { فَإِنّهُمْ ظَالِمُونَ }
أَيْ قَدْ اسْتَوْجَبُوا ذَلِكَ بِمَعْصِيَتِهِمْ إيّايَ { وَاللّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ } أَيْ يَغْفِرُ الذّنْبَ وَيَرْحَمُ الْعِبَادَ عَلَى مَا فِيهِمْ .
النّهْيُ عَنْ الرّبَا
[ ص 297 ] قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرّبَا
أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً } أَيْ لَا تَأْكُلُوا فِي الْإِسْلَامِ إذْ هَدَاكُمْ
اللّهُ بِهِ مَا كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ إذْ أَنْتُمْ عَلَى غَيْرِهِ مِمّا لَا يَحِلّ
لَكُمْ فِي دِينِكُمْ { وَاتّقُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ } أَيْ
فَأَطِيعُوا اللّهَ لَعَلّكُمْ تَنْجُونَ مِمّا حَذّرَكُمْ اللّهُ مِنْ عَذَابِهِ
وَتُدْرِكُونَ مَا رَغّبَكُمْ اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ { وَاتّقُوا النّارَ
الّتِي أُعِدّتْ لِلْكَافِرِينَ } أَيْ الّتِي جُعِلَتْ دَارًا لِمَنْ كَفَرَ بِي
.
الْحَضّ عَلَى الطّاعَةِ
ثُمّ قَالَ { وَأَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ لَعَلّكُمْ تُرْحَمُونَ }
مُعَاتَبَةً لِلّذِينَ عَصَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حِينَ أَمَرَهُمْ بِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي غَيْرِهِ .
ثُمّ قَالَ { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبّكُمْ وَجَنّةٍ عَرْضُهَا
السّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدّتْ لِلْمُتّقِينَ } أَيْ دَارًا لِمَنْ أَطَاعَنِي
وَأَطَاعَ رَسُولِي : { الّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السّرّاءِ وَالضّرّاءِ
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النّاسِ وَاللّهُ يُحِبّ
الْمُحْسِنِينَ } أَيْ وَذَلِكَ هُوَ الْإِحْسَانُ وَأَنَا أُحِبّ مَنْ عَمِلَ
بِهِ { وَالّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا
اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذّنُوبَ إِلّا اللّهُ
وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أَيْ إنْ أَتَوْا
فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَعْصِيَةِ ذَكَرُوا نَهْيَ اللّه عَنْهَا
، وَمَا حَرّمَ عَلَيْهِمْ فَاسْتَغْفَرُوهُ لَهَا ، وَعَرَفُوا أَنّهُ لَا
يَغْفِرُ الذّنُوبَ إلّا هُوَ . { وَلَمْ يُصِرّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ
يَعْلَمُونَ } أَيْ لَمْ يُقِيمُوا عَلَى مَعْصِيَتِي كَفِعْلِ مَنْ أَشْرَكَ بِي
فِيمَا غَلَوْا بِهِ فِي كُفْرِهِمْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا حَرّمْت عَلَيْهِمْ
مِنْ عِبَادَةِ غَيْرِي . [ ص 298 ] { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبّهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } أَيْ ثَوَابُ الْمُطِيعِينَ .Sتَفْسِيرُ مَا
نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي أُحُدٍ
بَعْضُ مَنْ آمَنَ رَغْمَ الدّعَاءِ عَلَيْهِمْ
[ ص 294 ] ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ قَارِئُ السّيرَةِ مِنْ
تَفْسِيرِ ذَلِكَ وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ
شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } الْآيَةَ لَمْ يُزِدْ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ
مِنْهُ . وَفِي تَفْسِيرِ [ ص 295 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ
يَدْعُو عَلَى أَبِي سُفْيَانَ وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ [ ص 296 ] الْعَاصِي ،
حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ } قَالَ فَتَابُوا وَأَسْلَمُوا ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُمْ وَهَذَا
حَدِيثٌ ثَابِتٌ فِي حُسْنِ إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ
غَيْرَ ذَلِكَ وَأَمّا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ فَلَا خِلَافَ فِي حُسْنِ
إسْلَامِهِ وَفِي مَوْتِهِ شَهِيدًا بِالشّامِ وَأَمّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي ،
فَقَدْ قَالَ فِيهِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ أَسْلَمَ النّاسُ وَآمَنَ عَمْرٌو
وَقَالَ فِي حَدِيثٍ جَرَى : مَا كَانَتْ هِجْرَتِي لِلْمَالِ وَإِنّمَا كَانَتْ
لِلّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
نِعِمّا بِالْمَالِ الصّالِحِ لِلرّجُلِ الصّالِحِ فَسَمّاهُ رَجُلًا صَالِحًا ،
وَالْحَدِيثُ الّذِي جَرَى : أَنّهُ كَانَ قَالَ لَهُ إنّي أُرِيدُ أَنْ أَبْعَثَك
وَجْهًا يُسَلّمُك اللّهُ فِيهِ وَيُغَنّمُكَ وَأَزْعَبُ لَك زَعْبَةً مِنْ
الْمَالِ وَسَتَأْتِي نُكَتٌ . وَعُيُونٌ مِنْ أَخْبَارِ الْحَارِثِ وَأَبِي
سُفْيَانَ - فِيمَا بَعْدُ - إنْ شَاءَ اللّهُ .
مَعْنَى اتّخَذَ
وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } وَفِيهِ فَضْلٌ
عَظِيمٌ لِلشّهَدَاءِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى حُبّ اللّهِ إيّاهُمْ حَيْثُ قَالَ {
وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } وَلَا يُقَالُ اتّخَذْت وَلَا اتّخَذَ إلّا فِي
مُصْطَفًى [ ص 297 ] قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { مَا اتّخَذَ اللّهُ مِنْ وَلَدٍ }
وَقَالَ { مَا اتّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا } فَالِاتّخَاذُ إنّمَا هُوَ
اقْتِنَاءٌ وَاجْتِبَاءٌ وَهُوَ افْتِعَالٌ مِنْ الْأَخَذِ فَإِذَا قُلْت :
اتّخَذْت كَذَا ، فَمَعْنَاهُ أَخَذْته لِنَفْسِي ، وَاخْتَرْته لَهَا ، فَالتّاءُ
الْأُولَى بَدَلٌ مِنْ يَاءٍ وَتِلْكَ الْيَاءُ بَدَلٌ مِنْ هَمْزَةِ أَخَذَ
فَقُلِبَتْ تَاءً إذْ كَانَتْ الْوَاوُ تَنْقَلِبُ تَاءً فِي مِثْلِ هَذَا
الْبِنَاءِ نَحْوُ اُتّعِدَ وَاِتّزِرْ وَالْيَاءُ أُخْت الْوَاوِ فَقُلِبَتْ فِي
هَذَا الْمَوْضِعِ تَاءً وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُمْ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ حَتّى
قَالُوا : تَخِذْت بِحَذْفِ إحْدَى التّاءَيْنِ اكْتِفَاءً بِأَحَدَيْهِمَا عَنْ
الْأُخْرَى ، وَلَا يَكُونُ هَذَا الْحَذْفُ إلّا فِي الْمَاضِي خَاصّةً لَا
يُقَالُ تَتّخِذُ كَمَا يُقَالُ تَخِذَ لِأَنّ الْمُسْتَقْبَلَ لَيْسَ فِيهِ
هَمْزَةُ وَصْلٍ وَإِنّمَا فَرّوا فِي الْمَاضِي مِنْ ثِقَلِ الْهَمْزَةِ فِي
الِابْتِدَاءِ وَاسْتَغْنَوْا بِحَرَكَةِ التّاءِ عَنْهَا ، وَكَسَرُوا الْخَاءَ
مِنْ تَخِذْت لِأَنّهُ لَا مُسْتَقْبَلَ لَهُ مَعَ الْحَذْفِ فَحَرّكُوا عَيْنَ
الْفِعْلِ بِالْحَرَكَةِ الّتِي كَانَتْ لَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ . وَكَلَامُنَا
هَذَا عَلَى اللّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِلّا فَقَدْ حُكِيَ يَتّخِذُ فِي لُغَةٍ
ضَعِيفَةٍ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ ، وَذَكَرَهَا النّحّاسُ فِي إعْرَابِ
الْقُرْآنِ .
ذَكَرَ مَا أَصَابَهُمْ
وَتَعْزِيَتَهُمْ عَنْهُ
ثُمّ اسْتَقْبَلَ ذِكْرَ الْمُصِيبَةِ الّتِي نَزَلَتْ بِهِمْ وَالْبَلَاءَ الّذِي
أَصَابَهُمْ وَالتّمْحِيصَ لِمَا كَانَ فِيهِمْ وَاِتّخَاذَهُ الشّهَدَاءَ
مِنْهُمْ فَقَالَهُ تَعْزِيَةً لَهُمْ وَتَعْرِيفًا لَهُمْ فِيمَا صَنَعُوا ،
وَفِيمَا هُوَ صَانِعٌ بِهِمْ { قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذّبِينَ } أَيْ قَدْ مَضَتْ
مِنْهُ وَقَائِعُ نِقْمَةٍ فِي أَهْلِ التّكْذِيبِ لِرُسُلِي وَالشّرْكِ بِي :
عَادٌ وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ، قَرَءُوا مُثُلَاتٍ قَدْ
مَضَتْ مِنّي فِيهِمْ وَلِمَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ
مِنّي ، فَإِنّي أَمْلَيْت لَهُمْ أَيْ لِئَلّا يَظُنّوا أَنّ نِقْمَتِي
انْقَطَعَتْ عَنْ عَدُوّكُمْ وَعَدُوّي لِلدّوْلَةِ الّتِي أَدَلّتْهُمْ بِهَا
عَلَيْكُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ بِذَلِكَ لِيُعَلّمَكُمْ مَا عِنْدَكُمْ . ثُمّ قَالَ
تَعَالَى : { هَذَا بَيَانٌ لِلنّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتّقِينَ } أَيْ
هَذَا تَفْسِيرٌ لِلنّاسِ إنْ قَبِلُوا الْهُدَى { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ } أَيْ
نُورٌ وَأَدَبٌ { لِلْمُتّقِينَ } أَيْ لِمَنْ أَطَاعَنِي وَعَرَفَ أَمْرِي ، {
وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا } أَيْ لَا تَضْعُفُوا وَلَا تَبْتَئِسُوا عَلَى
مَا أَصَابَكُمْ { وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ } أَيْ لَكُمْ تَكُونُ الْعَاقِبَةُ
وَالظّهُورُ { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ صَدّقْتُمْ نَبِيّي
بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي ، { إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسّ الْقَوْمَ
قَرْحٌ مِثْلُهُ } أَيْ جِرَاحٌ مِثْلُهَا ، { وَتِلْكَ الْأَيّامُ نُدَاوِلُهَا
بَيْنَ النّاسِ } أَيْ نُصَرّفُهَا بَيْنَ النّاسِ لِلْبَلَاءِ وَلِلتّمْحِيصِ {
وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللّهُ لَا
يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَلْيُكْرِمْ مَنْ أَكْرَمَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ بِالشّهَادَةِ { وَاللّهُ لَا
يُحِبّ الظّالِمِينَ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يُظْهِرُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ
الطّاعَةَ وَقُلُوبُهُمْ مُصِرّةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ { وَلِيُمَحّصَ اللّهُ
الّذِينَ آمَنُوا } أَيْ يُخْتَبَرُ الّذِينَ آمَنُوا حَتّى يَخْلُصُهُمْ
بِالْبَلَاءِ الّذِي نَزَلَ بِهِمْ [ ص 299 ] وَكَيْفَ صَبْرُهُمْ وَيَقِينُهُمْ {
وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ } أَيْ يُبْطِلُ مِنْ الْمُنَافِقِينَ قَوْلَهُمْ
بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ حَتّى يَظْهَرَ مَعَهُمْ كُفْرُهُمْ
الّذِي يَسْتَتِرُونَ بِهِ
دَعْوَةُ الْجَنّةِ
لِلْمُجَاهِدِينَ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا
يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ } أَيْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ فَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَةَ
وَلَمْ أَخْتَبِرْكُمْ بِالشّدّةِ وَأَبْتَلِيكُمْ بِالْمَكَارِهِ حَتّى أَعْلَمَ
صِدْقَ ذَلِكَ مِنْكُمْ بِالْإِيمَانِ بِي ، وَالصّبْرِ عَلَى مَا أَصَابَكُمْ
فِيّ وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الشّهَادَةَ عَلَى الّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ
مِنْ الْحَقّ قَبْلَ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوّكُمْ يَعْنِي الّذِينَ اسْتَنْهَضُوا
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُرُوجَهُ بِهِمْ إلَى عَدُوّهِمْ
لِمَا فَاتَهُمْ مِنْ حُضُورِ الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَتَلَهُ بِبَدْرِ
وَرَغْبَةً فِي الشّهَادَةِ الّتِي فَاتَتْهُمْ بِهَا ، فَقَالَ { وَلَقَدْ
كُنْتُمْ تَمَنّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ } يَقُولُ { فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ
وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ } أَيْ الْمَوْتَ بِالسّيُوفِ فِي أَيْدِي الرّجَالِ قَدْ
خَلّى بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ إلَيْهِمْ ثُمّ صَدّهُمْ
عَنْكُمْ { وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ
أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ }
أَيْ لِقَوْلِ النّاسِ قُتِلَ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَانْهِزَامُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ وَانْصِرَافُهُمْ عَنْ عَدُوّهِمْ { أَفَإِنْ
مَاتَ أَوْ قُتِلَ } رَجَعْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ كُفّارًا كَمَا كُنْتُمْ
وَتَرَكْتُمْ جِهَادَ عَدُوّكُمْ وَكِتَابَ اللّهِ وَمَا خَلّفَ نَبِيّهُ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ دِينِهِ مَعَكُمْ وَعِنْدَكُمْ وَقَدْ بَيّنَ لَكُمْ
فِيمَا جَاءَكُمْ بِهِ عَنّي أَنّهُ مَيّتٌ وَمُفَارِقُكُمْ { وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ } أَيْ يَرْجِعُ عَنْ دِينِهِ { فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا }
أَيْ لَيْسَ يَنْقُصُ ذَلِكَ عِزّ اللّهِ تَعَالَى وَلَا مُلْكه وَلَا سُلْطَانَهُ
وَلَا قُدْرَتَهُ { وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ أَطَاعَهُ
وَعَمِلَ بِأَمْرِهِ . [ ص 300 ]
ذِكْرُهُ أَنّ الْمَوْتَ بِإِذْنِ اللّهِ
ثُمّ قَالَ { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ كِتَابًا
مُؤَجّلًا } أَيْ أَنّ لِمُحَمّدِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلًا هُوَ
بَالِغُهُ فَإِذَا أَذِنَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ كَانَ . { وَمَنْ يُرِدْ
ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ
مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشّاكِرِينَ } أَيْ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الدّنْيَا ،
لَيْسَتْ لَهُ رَغْبَةٌ فِي الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا مَا قَسَمَ لَهُ مِنْ
رِزْقٍ وَلَا يَعُدّوهُ فِيهَا ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ حَظّ { وَمَنْ
يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا } مَا وَعَدَ بِهِ مَعَ مَا يُجْزَى
عَلَيْهِ مِنْ رِزْقِهِ فِي دُنْيَاهُ وَذَلِكَ جَزَاءُ الشّاكِرِينَ أَيْ
الْمُتّقِينَ .Sأَدِلّةٌ عَلَى صِحّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ
[ ص 298 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ } إلَى قَوْلِهِ { وَسَيَجْزِي اللّهُ
الشّاكِرِينَ } ظَهَرَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الْآيَةِ حِينَ انْقَلَبَ أَهْلُ الرّدّةِ
عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَلَمْ يَضُرّ ذَلِكَ دِينَ اللّهِ وَلَا أُمّةَ نَبِيّهِ
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُسَمّى : أَمِير الشّاكِرِينَ لِذَلِكَ وَفِي هَذِهِ
الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى صِحّةِ خِلَافَتِهِ لِأَنّهُ الّذِي قَاتَلَ
الْمُنْقَلِبِينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ حِينَ رَدّهُمْ إلَى الدّينِ الّذِي
خَرَجُوا مِنْهُ وَكَانَ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَسَيَجْزِي اللّهُ
الشّاكِرِينَ } دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُمْ سَيَظْفَرُونَ بِمَنْ ارْتَدّ وَتَكْمُلُ
عَلَيْهِمْ النّعْمَةُ فَيَشْكُرُونَ فَتَحْرِيضُهُ إيّاهُمْ عَلَى الشّكْرِ -
وَالشّكْرُ لَا يَكُونُ إلّا عَلَى نِعْمَةٍ - دَلِيلٌ عَلَى أَنّ بَلَاءَ
الرّدّةِ لَا يَطُولُ وَأَنّ الظّفَرَ بِهِمْ سَرِيعٌ كَمَا كَانَ . [ ص 299 ] {
قُلْ لِلْمُخَلّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ } فِيهِ أَيْضًا : التّصْحِيحُ
لِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ لِأَنّهُ الّذِي دَعَا الْأَعْرَابَ إلَى جِهَادِ
حَنِيفَةَ وَكَانُوا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ وَلَمْ يُقَاتِلُوا لِجِزْيَةِ
وَإِنّمَا قُوتِلُوا لِيُسْلِمُوا ، وَكَانَ قِتَالُهُمْ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ
وَفِي سُلْطَانِهِ ثُمّ قَالَ { فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْرًا
حَسَنًا } فَأَوْجَبَ عَلَيْهِمْ الطّاعَةَ لِأَبِي بَكْرٍ فَكَانَ فِي الْآيَةِ
كَالنّصّ عَلَى خِلَافَتِهِ . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا
اتّقُوا اللّهَ وَكُونُوا مَعَ الصّادِقِينَ } وَقَدْ بَيّنَ فِي سُورَةِ
الْحَشْرِ مَنْ الصّادِقُونَ وَهُمْ الْمُهَاجِرُونَ بِقَوْلِهِ { أُولَئِكَ هُمُ
الصّادِقُونَ } فَأَمَرَ الّذِينَ تَبَوّءُوا الدّارَ وَالْإِيمَانَ أَنْ
يَكُونُوا مَعَهُمْ أَيْ تَبَعًا لَهُمْ فَحَصَلَتْ الْخِلَافَةُ فِي الصّادِقِينَ
بِهَذِهِ الْآيَةِ فَاسْتَحَقّوهَا بِهَذَا الِاسْمِ وَلَمْ يَكُنْ فِي
الصّادِقِينَ مَنْ سَمّاهُ اللّهُ الصّدّيقَ إلّا أَبُو بَكْرٍ فَكَانَتْ لَهُ
خَاصّةً ثُمّ لِلصّادِقِينَ بَعْدَهُ . .
ذِكْرُ شَجَاعَةِ
الْمُجَاهَدِينَ مِنْ قَبْلُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ
ثُمّ قَالَ { وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ فَمَا
وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا
وَاللّهُ يُحِبّ الصّابِرِينَ } أَيْ وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ
وَمَعَهُ رِبّيّونَ كَثِيرٌ أَيْ جَمَاعَةٌ فَمَا وَهَنُوا لِفَقْدِ نَبِيّهِمْ
وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوّهِمْ وَمَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي
الْجِهَادِ عَنْ اللّهِ تَعَالَى وَعَنْ دِينِهِمْ وَذَلِكَ الصّبْرِ وَاَللّهُ
يُحِبّ الصّابِرِينَ { وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلّا أَنْ قَالُوا رَبّنَا اغْفِرْ
لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا
وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ } [ ص 301 ]
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاحِدُ الرّبّيّينَ رِبّيّ وَقَوْلُهُمْ الرّبَابُ ،
لِوَلَدِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ أَدّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إلْيَاسَ وَلِضَبّةَ
لِأَنّهُمْ تَجَمّعُوا وَتَحَالَفُوا ، مِنْ هَذَا ، يُرِيدُونَ الْجَمَاعَاتِ .
وَوَاحِدَةُ الرّبَابِ : رِبّةٌ ( وَرِبَابَةٌ ) وَهِيَ جَمَاعَاتٌ قِدَاحٌ أَوْ
عِصِيّ وَنَحْوِهَا ، فَشَبّهُوهَا بِهَا . قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ :
وَكَأَنّهُنّ رِبَابَةٌ وَكَأَنّهُ ... يَسَرٌ يَفِيضُ عَلَى الْقِدَاحِ
وَيَصْدَعُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ :
حَوْلَ شَيَاطِينِهِمْ أَبَابِيلُ رِبّ ... يّونَ شَدّوا سِنّوْرًا مَدْسُورَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالرّبَابَةُ (
أَيْضًا ) الْخِرْقَةُ الّتِي تُلَفّ فِيهَا الْقِدَاحُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَالسّنّوْرُ الدّرُوعُ . وَالدّسُرُ هِيَ الْمَسَامِيرُ الّتِي فِي الْحِلَقِ
يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ }
قَالَ الشّاعِرُ وَهُوَ أَبُو الْأَخْرَزِ الْحِمّانِيّ ، مِنْ تَمِيمٍ دَسْرًا
بِأَطْرَافِ الْقَنَا الْمُقَوّمِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَيْ فَقُولُوا مِثْلَ مَا قَالُوا ، وَاعْلَمُوا إنّمَا
ذَلِكَ بِذُنُوبِ مِنْكُمْ وَاسْتَغْفِرُوهُ كَمَا اسْتَغْفَرُوهُ وَامْضُوا عَلَى
دِينِكُمْ كَمَا مَضَوْا عَلَى دِينِهِمْ وَلَا تَرْتَدّوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ
رَاجِعِينَ وَاسْأَلُوهُ كَمَا سَأَلُوهُ أَنْ يُثَبّتَ أَقْدَامَكُمْ
وَاسْتَنْصِرُوهُ كَمَا اسْتَنْصَرُوهُ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَكُلّ
هَذَا مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ كَانَ . وَقَدْ قُتِلَ نَبِيّهُمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا
كَمَا فَعَلْتُمْ { فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدّنْيَا } بِالظّهُورِ عَلَى
عَدُوّهِمْ { وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ } وَمَا وَعَدَ اللّهُ فِيهَا ،
وَاَللّهُ يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ .Sرِبّيّونَ وَرَفْعُهَا فِي
الْآيَةِ
[ ص 300 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى : " وَكَأَيّنْ مِنْ نَبِيّ قُتِلَ
مَعَهُ رِبّيّونَ كَثِير ٌ " ارْتَفَعَ رِبّيّونَ عَلَى تَفْسِيرِ ابْنِ
إسْحَاقَ بِالِابْتِدَاءِ وَالْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الضّمِيرِ فِي
قُتِلَ وَهَذَا أَصَحّ التّفْسِيرَيْنِ لِأَنّهُ قَالَ فَمَا وَهَنُوا لِمَا
أَصَابَهُمْ وَلَوْ كَانُوا هُمْ الْمَقْتُولِينَ مَا قَالَ فِيهِمْ مَا وَهَنُوا
لِمَا أَصَابَهُمْ أَيْ مَا ضَعُفُوا ، وَقَدْ يُخَرّجُ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ
رِبّيّونَ مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ بِقُتِلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَى
قَوْلِهِ فَمَا وَهَنُوا أَيْ مَا وَهَنَ الْبَاقُونَ مِنْهُمْ لِمَا أُصِيبُوا
بِهِ مِنْ قَتْلِ إخْوَانِهِمْ وَهَذَا وَجْهٌ وَلَكِنْ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ
يَدُلّ عَلَى صِحّةِ التّفْسِيرِ الْأَوّلِ . وَقَوْلُهُ رِبّيّونَ وَهُمْ
الْجَمَاعَاتُ فِي قَوْلِ أَهْلِ اللّغَةِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رِبّيّونَ
أُلُوفٌ وَقَالَ أَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ : الرّبّيّ : عَشَرَةُ آلَافٍ .
تَحْذِيرُهُ إيّاهُمْ مِنْ
إطَاعَةِ الْكُفّارِ
[ ص 302 ] { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الّذِينَ كَفَرُوا
يَرُدّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ } أَيْ عَنْ
عَدُوّكُمْ فَتَذْهَبُ دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتُكُمْ { بَلِ اللّهُ مَوْلَاكُمْ
وَهُوَ خَيْرُ النّاصِرِينَ } فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِكُمْ
صِدْقًا فِي قُلُوبِكُمْ فَاعْتَصِمُوا بِهِ وَلَا تَسْتَنْصِرُوا بِغَيْرِهِ
وَلَا تَرْجِعُوا عَلَى أَعْقَابِكُمْ مُرْتَدّينَ عَنْ دِينِهِ . { سَنُلْقِي فِي
قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ } أَيْ الّذِي بَهْ كُنْت أَنْصُرُكُمْ
عَلَيْهِمْ بِمَا أَشْرَكُوا بِي مَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ حُجّةٍ أَيْ فَلَا
تَظُنّوا أَنّ لَهُمْ عَاقِبَةَ نَصْرٍ وَلَا ظُهُورٍ عَلَيْكُمْ مَا
اعْتَصَمْتُمْ بِي ، وَاتّبَعْتُمْ أَمْرِي ، لِلْمُصِيبَةِ الّتِي أَصَابَتْكُمْ
مِنْهُمْ بِذُنُوبِ قَدّمْتُمُوهَا لِأَنْفُسِكُمْ خَالَفْتُمْ بِهَا أَمْرِي
لِلْمَعْصِيَةِ وَعَصَيْتُمْ بِهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {
وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذَا
فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ
مَا تُحِبّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ
الْآخِرَةَ ثُمّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ
وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ وَقَدْ وَفّيْت لَكُمْ بِمَا
وَعَدْتُكُمْ مِنْ النّصْرِ عَلَى عَدُوّكُمْ إذْ تُحِسّونَهُمْ بِالسّيُوفِ أَيْ
الْقَتْلِ بِإِذْنِي وَتَسْلِيطِي أَيْدِيكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَفّي أَيْدِيهمْ
عَنْكُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحِسّ : الِاسْتِئْصَالُ يُقَالُ حَسَسْت
الشّيْءَ أَيّ اسْتَأْصَلْته بِالسّيْفِ وَغَيْرِهِ . قَالَ جَرِيرٌ
تُحِسّهُمْ السّيُوفُ كَمَا تَسَامَى ... حَرِيقُ النّارِ فِي الْأَجَمِ
الْحَصِيدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ :
إذَا شَكَوْنَا سَنَةً حَسُوسَا ... تَأْكُلُ بَعْدَ الْأَخْضَرِ الْيَبِيسَا
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . [ ص 303 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
{ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ } أَيْ تَخَاذَلْتُمْ { وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ }
أَيْ اخْتَلَفْتُمْ فِي أَمْرِي ، أَيْ تَرَكْتُمْ أَمْرَ نَبِيّكُمْ وَمَا عَهِدَ
إلَيْكُمْ يَعْنِي الرّمَاةَ { وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا
تُحِبّونَ } أَيْ الْفَتْحَ لَا شَكّ فِيهِ وَهَزِيمَةُ الْقَوْمِ عَنْ
نِسَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ { مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدّنْيَا } أَيْ الّذِينَ
أَرَادُوا النّهْبَ فِي الدّنْيَا وَتَرْكَ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ الطّاعَةِ
الّتِي عَلَيْهَا ثَوَابُ الْآخِرَةِ { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } أَيْ
الّذِينَ جَاهَدُوا فِي اللّهِ وَلَمْ يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ
لِعَرَضِ مِنْ الدّنْيَا ، رَغْبَةً فِيهَا ، رَجَاءَ مَا عِنْدَ اللّهِ مِنْ
حُسْنِ ثَوَابِهِ فِي الْآخِرَةِ أَيْ الّذِينَ جَاهَدُوا فِي الدّينِ وَلَمْ
يُخَالِفُوا إلَى مَا نُهُوا عَنْهُ لِعَرَضِ مِنْ الدّنْيَا ، لِيَخْتَبِرَكُمْ
وَذَلِك بِبَعْضِ ذُنُوبِكُمْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْ عَظِيمِ ذَلِكَ أَنْ لَا
يُهْلِكَكُمْ بِمَا أَتَيْتُمْ مِنْ مَعْصِيَةِ نَبِيّكُمْ وَلَكِنّي عُدْت
بِفَضْلِي عَلَيْكُمْ وَكَذَلِكَ { مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } أَنْ
عَاقَبَ بِبَعْضِ الذّنُوبِ فِي عَاجِلِ الدّنْيَا أَدَبًا وَمَوْعِظَةً فَإِنّهُ
غَيْرُ مُسْتَأْصِلٍ لِكُلّ مَا فِيهِمْ مِنْ الْحَقّ لَهُ عَلَيْهِمْ بِمَا
أَصَابُوا مِنْ مَعْصِيَتِهِ رَحْمَةً لَهُمْ وَعَائِدَةً عَلَيْهِمْ لِمَا
فِيهِمْ مِنْ الْإِيمَانِ .Sمِنْ تَفْسِيرِ آيَاتِ أُحُدٍ
[ ص 301 ] { فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ } وَعَلَى : تَفْسِيرِ ابْنِ إسْحَاقَ
غَمّا بَعْدَ غَمّ الْبَاءُ مُتَعَلّقَةٌ بِمَحْذُوفِ التّقْدِيرُ غَمّ مَقْرُونٌ
بِغَمّ وَعَلَى تَفْسِيرٍ آخَرَ مُتَعَلّقَةٌ بِأَثَابَكُمْ أَيْ أَثَابَكُمْ
غَمّا بِمَا غَمَمْتُمْ نَبِيّهُ حِينَ خَالَفْتُمْ أَمْرَهُ . [ ص 302 ] {
وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : هُوَ عَبْدُ اللّهِ
بْنُ جُبَيْرٍ الّذِي كَانَ أَمِيرًا عَلَى الرّمَاةِ وَكَانَ أَمَرَهُمْ أَنْ
يَلْزَمُوا مَكَانَهُمْ وَأَلّا يُخَالِفُوا أَمْرَ نَبِيّهِمْ فَثَبَتَتْ مَعَهُ
طَائِفَةٌ فَاسْتُشْهِدَ وَاسْتُشْهِدُوا ، وَهُمْ الّذِينَ أَرَادُوا الْآخِرَةَ
وَأَقْبَلَتْ طَائِفَةٌ عَلَى الْمَغْنَمِ وَأَخْذِ السّلَبِ فَكَرّ عَلَيْهِمْ
الْعَدُوّ ، وَكَانَتْ الْمُصِيبَةُ وَفِي الْخَبَرِ : لَقَدْ رَأَيْت خَدَمَ
هِنْدٍ وَصَوَاحِبَهَا ، وَهُنّ مُشَمّرَاتٌ فِي الْحَرْبِ . وَالْخَدَمُ
الْخَلَاخِيلُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ حِينَ ذَكَرَ هِنْدًا ، وَأَنّهَا اتّخَذَتْ
مِنْ آذَانِ الشّهَدَاءِ وَآنُفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا
وَقَلَائِدَهَا وَقِرَطَتَهَا وَحْشِيّا ، مَعْنَاهُ الْخَلَاخِلُ أَيْضًا . [ ص
303 ] { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا } فِي
صَحِيحِ التّفْسِيرِ أَنّ عَتّابَ بْنَ قُشَيْرٍ هُوَ قَائِلٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ
وَكَانَ مَنْبُوذًا بِالنّفَاقِ .
تَأْنِيبُهُ إيّاهُمْ
لِفِرَارِهِمْ عَنْ نَبِيّهِمْ
ثُمّ أَنّبَهُمْ بِالْفِرَارِ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُمْ يَدْعُونَ لَا يَعْطِفُونَ عَلَيْهِ لِدُعَائِهِ إيّاهُمْ فَقَالَ { إِذْ
تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي
أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّا بِغَمّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ
وَلَا مَا أَصَابَكُمْ } أَيْ كَرْبًا بَعْدَ كَرْبٍ بِقَتْلِ مَنْ قُتِلَ مِنْ
إخْوَانِكُمْ وَعُلُوّ عَدُوّكُمْ عَلَيْكُمْ وَبِمَا وَقَعَ فِي أَنْفُسِكُمْ
مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ قُتِلَ نَبِيّكُمْ فَكَانَ ذَلِكَ مِمّا تَتَابَعَ
عَلَيْكُمْ غَمّا بِغَمّ { لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ } مِنْ
ظُهُورِكُمْ عَلَى عَوْدِكُمْ بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُمُوهُ بِأَعْيُنِكُمْ { وَلَا
مَا أَصَابَكُمْ } مِنْ قَتْلِ إخْوَانِكُمْ حَتّى فَرّجْت ذَلِكَ الْكَرْبَ
عَنْكُمْ { وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } وَكَانَ الّذِي فَرّجَ اللّهُ
بِهِ عَنْهُمْ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الْكَرْبِ وَالْغَمّ الّذِي أَصَابَهُمْ
أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ رَدّ عَنْهُمْ كِذْبَةَ الشّيْطَانِ بِقَتْلِ نَبِيّهِمْ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيّا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ هَانَ عَلَيْهِمْ مَا فَاتَهُمْ مِنْ
الْقَوْمِ بَعْدَ الظّهُورِ عَلَيْهِمْ وَالْمُصِيبَةُ الّتِي أَصَابَتْهُمْ فِي
إخْوَانِهِمْ حِينَ صَرَفَ اللّهُ الْقَتْلَ عَنْ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ { ثُمّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نُعَاسًا
يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ
بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ
الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنّ الْأَمْرَ كُلّهُ لِلّهِ يُخْفُونَ فِي
أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ
شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ
الّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ
مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ
الصّدُورِ } [ ص 304 ] فَأَنْزَلَ اللّهُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ عَلَى أَهْلِ
الْيَقِينِ بِهِ فَهُمْ نِيَامٌ لَا يَخَافُونَ وَأَهْلُ النّفَاقِ قَدْ أَهَمّتْهُمْ
أَنْفُسُهُمْ يَظُنّونَ بِاَللّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ تَخَوّفَ
الْقَتْلِ وَذَلِكَ أَنّهُمْ لَا يَرْجُونَ عَاقِبَةً فَذَكَرَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
تَلَاوُمَهُمْ وَحَسْرَتَهُمْ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ . ثُمّ قَالَ اللّهُ
سُبْحَانَهُ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي
بُيُوتِكُمْ } لَمْ تَحْضُرُوا هَذَا الْمَوْطِنَ الّذِي أَظْهَرَ اللّهُ فِيهِ
مَعَكُمْ مَا أَظْهَرَ مِنْ سَرَائِرِكُمْ لَبَرَزَ لَأَخْرَجَ { الّذِينَ كُتِبَ
عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } إلَى مَوْطِنٍ غَيْرِهِ يَصْرَعُونَ
فِيهِ حَتّى يَبْتَلِيَ بِهِ مَا فِي صُدُورِهِمْ { وَلِيُمَحّصَ مَا فِي
قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } أَيْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مَا
فِي صُدُورِهِمْ مِمّا اسْتَخْفُوا بِهِ مَعَكُمْ .S[
ص 304 ] { يَظُنّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقّ } أَيْ يَظُنّونَ أَنّ اللّهَ
خَاذِلٌ دِينَهُ وَنَبِيّهُ . وَقَوْلُهُ { ظَنّ الْجَاهِلِيّةِ } أَيْ أَهْلَ
الْجَاهِلِيّةِ كَأَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ .
تَحْذِيرُهُمْ أَنْ يَكُونُوا
مِمّنْ يَخْشَوْنَ الْمَوْتَ فِي اللّهِ
ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالّذِينَ كَفَرُوا
وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزّى لَوْ
كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً
فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }
أَيْ لَا تَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ الّذِينَ يَنْهَوْنَ إخْوَانَهُمْ عَنْ
الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالضّرْبُ فِي الْأَرْضِ فِي طَاعَةِ اللّهِ عَزّ
وَجَلّ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَقُولُونَ إذَا
مَاتُوا أَوْ قُتِلُوا : لَوْ أَطَاعُونَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا {
لِيَجْعَلَ اللّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ } لِقِلّةِ الْيَقِينِ
بِرَبّهِمْ { وَاللّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ } أَيْ يُعَجّلُ مَا يَشَاءُ وَيُؤَخّرُ
مَا يَشَاءُ مِنْ ذَلِكَ مَنْ أَجَابَهُمْ بِقُدْرَتِهِ . قَالَ تَعَالَى : {
وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللّهِ
وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ } أَيْ إنّ الْمَوْتَ لَكَائِنٌ لَا بُدّ
مِنْهُ فَمَوْتٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ قَتْلٌ خَيْرٌ لَوْ عَلِمُوا
وَأَيْقَنُوا مِمّا يَجْمَعُونَ مِنْ الدّنْيَا الّتِي لَهَا يَتَأَخّرُونَ عَنْ
الْجِهَادِ تَخَوّفَ الْمَوْتِ وَالْقَتْلِ لِمَا جَمَعُوا مِنْ زَهْرَةِ
الدّنْيَا زَهَادَةً فِي الْآخِرَةِ { وَلَئِنْ مُتّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ } أَيْ ذَلِكَ
كَانَ { لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ } أَيْ إنّ إلَى اللّهِ الْمَرْجِعَ فَلَا
تَغُرّنكُمْ الدّنْيَا ، وَلَا تَغْتَرّوا بِهَا ، وَلِيَكُنْ الْجِهَادُ وَمَا
رَغّبَكُمْ اللّهُ فِيهِ مِنْ ثَوَابِهِ آثَرَ عِنْدَكُمْ مِنْهَا .
ذِكْرُهُ رَحْمَةَ الرّسُولِ عَلَيْهِمْ
ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ
وَلَوْ كُنْتَ فَظّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضّوا مِنْ حَوْلِكَ } أَيْ
لَتَرَكُوك { فَاعْفُ عَنْهُمْ } أَيْ فَتَجَاوَزْ عَنْهُمْ { وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ
إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ } فَذَكَرَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ [ ص 305 ] لِينَهُ لَهُمْ وَصَبْرَهُ عَلَيْهِمْ لِضَعْفِهِمْ وَقِلّةِ
صَبْرِهِمْ عَلَى الْغِلْظَةِ لَوْ كَانَتْ مِنْهُ عَلَيْهِمْ فِي كُلّ مَا
خَالَفُوا عَنْهُ مِمّا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ طَاعَةِ نَبِيّهِمْ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَاعْفُ عَنْهُمْ
} أَيْ تَجَاوَزْ عَنْهُمْ { وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ذُنُوبَهُمْ مَنْ قَارَفَ مِنْ
أَهْلِ الْإِيمَانِ مِنْهُمْ { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } أَيْ لِتُرِيهِمْ
أَنّك تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَتَسْتَعِينُ بِهِمْ وَإِنْ كُنْت غَنِيّا عَنْهُمْ
تَأَلّفًا لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى دِينِهِمْ { فَإِذَا عَزَمْتَ } أَيْ عَلَى
أَمْرٍ جَاءَك مِنّي وَأَمْرٍ مِنْ دِينِك فِي جِهَادِ عَدُوّك لَا يُصْلِحُك
وَلَا يُصْلِحُهُمْ إلّا ذَلِكَ فَامْضِ عَلَى مَا أُمِرْت بِهِ عَلَى خِلَافِ
مَنْ خَالَفَك ، وَمُوَافَقَةِ مَنْ وَافَقَك ، { فَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ } أَيْ
ارْضَ بِهِ مِنْ الْعِبَادِ { إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُتَوَكّلِينَ إِنْ
يَنْصُرْكُمُ اللّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الّذِي
يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ } أَيْ لِئَلّا تَتْرُكَ أَمْرِي لِلنّاسِ وَارْفُضْ
أَمْرَ النّاسِ إلَى أَمْرِي ، { وَعَلَى اللّهِ } لَا عَلَى النّاسِ {
فَلْيَتَوَكّلِ الْمُؤْمِنُونَ }S[ ص 305
] وَذَكَرَ قَوْلَهُ { وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ } وَفَسّرَهُ وَقَدْ جَاءَ
عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أُمِرَ
بِمُشَاوَرَتِهِمَا .
مَا نَزَلَ فِي الْغُلُولِ
ثُمّ قَالَ { وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلّ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمّ تُوَفّى كُلّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا
يُظْلَمُونَ } أَيْ مَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَكْتُمَ النّاسَ مَا بَعَثَهُ اللّهُ
بِهِ إلَيْهِمْ عَنْ رَهْبَةٍ مِنْ النّاسِ وَلَا رَغْبَةٍ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ
يَأْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِهِ ثُمّ يُجْزَى بِكَسْبِهِ غَيْرَ مَظْلُومٍ وَلَا
مُعْتَدًى عَلَيْهِ { أَفَمَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَ اللّهِ } عَلَى مَا أَحَبّ
النّاسُ أَوْ سَخِطُوا { كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ } لِرِضَا النّاسِ
أَوْ لِسَخَطِهِمْ . يَقُولُ أَفَمَنْ كَانَ عَلَى طَاعَتِي ، فَثَوَابُهُ
الْجَنّةُ وَرِضْوَانٌ مِنْ اللّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطِ مِنْ اللّهِ
وَاسْتَوْجَبَ سَخَطَهُ فَكَانَ { وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ }
أَسَوَاءٌ الْمَثَلَانِ فَاعْرِفُوا . { هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللّهِ وَاللّهُ
بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ } لِكُلّ دَرَجَاتٌ مِمّا عَمِلُوا فِي الْجَنّةِ
وَالنّارِ أَيْ إنّ اللّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَهْلُ طَاعَتِهِ مِنْ أَهْلِ
مَعْصِيَتِهِ .Sحُكْمُ الْغُلُولِ
وَذَكَرَ قَوْلَهُ { وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ } وَفَسّرَهُ أَنْ يَكْتُمَ
مَا أَنَزَلَ اللّهُ وَأَكْثَرُ الْمُفَسّرِينَ يَقُولُونَ نَزَلَتْ فِي
الْغُلُولِ وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ أَنّهُمْ فَقَدُوا قَطِيفَةً مِنْ الْمَغْنَمِ
فَقَالَ قَائِلٌ لَعَلّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَخَذَهَا ،
فَأَنْزَلَ اللّهُ الْآيَةَ وَمَنْ قَرَأَ يُغَلّ بِضَمّ الْيَاءِ وَفَتْحِ
الْغَيْنِ فَمَعْنَاهُ أَنْ يَلْقَى غَالّا ، تَقُولُ أَجْبَنْت الرّجُلَ إذَا
أَلْفَيْته جَبَانًا ، وَكَذَلِكَ أَغَلَلْته : إذَا وَجَدْته . غَالّا ، وَقَدْ
قَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ لِبَنِي سُلَيْمٍ : قَاتَلْنَاكُمْ فَمَا
أَجْبَنّاكُمْ وَسَأَلْنَاكُمْ فَمَا أَبْخَلْنَاكُمْ وَتَفْسِيرُ ابْنِ إسْحَاقَ
[ ص 306 ] فَمَنْ كَتَمَ فَقَدْ غَلّ أَيْ سَتَرَ وَكَذَلِكَ مَنْ خَانَ فِي
شَيْءٍ وَأَخَذَهُ خُفْيَةً فَقَدْ سَتَرَهُ وَكَتَمَهُ وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ
السّتْرُ وَالْإِخْفَاءُ وَمِنْهُ الْغِلَالَةُ وَالْغَلَلُ لِلْمَاءِ الّذِي
يُغَطّيهِ الشّجَرُ وَالنّبَاتُ وَقَدْ أَمَرَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - فِي بَعْضِ الْمَغَازِي بِإِحْرَاقِ مَتَاعِ الْغَالّ وَأَخَذَتْ بِهِ
طَائِفَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ .
فَضْلُ اللّهِ عَلَى النّاسِ
بِبَعَثُ الرّسُلَ
[ ص 306 ] قَالَ { لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ
رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }
أَيْ لَقَدْ مَنّ اللّهُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْإِيمَانِ إذْ بَعَثَ فِيكُمْ
رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِهِ فِيمَا أَحْدَثْتُمْ
وَفِيمَا عَمِلْتُمْ فَيُعَلّمُكُمْ الْخَيْرَ وَالشّرّ لِتَعْرِفُوا الْخَيْرَ
فَتَعْمَلُوا بِهِ وَالشّرّ فَتَتّقُوهُ وَيُخْبِرُكُمْ بِرِضَاهُ عَنْكُمْ إذَا
أَطَعْتُمُوهُ فَتَسْتَكْثِرُوا مِنْ طَاعَتِهِ وَتَجْتَنِبُوا مَا سَخِطَ
مِنْكُمْ مِنْ مَعْصِيَتِهِ لِتَتَخَلّصُوا بِذَلِكَ مِنْ نِقْمَتِهِ وَتُدْرِكُوا
بِذَلِكَ ثَوَابَهُ مِنْ جَنّتِهِ وَإِنْ كُنْتُمْ { مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ } أَيْ لَفِي عَمْيَاءَ مِنْ الْجَاهِلِيّةِ أَيْ لَا تَعْرِفُونَ
حَسَنَةً وَلَا تَسْتَغْفِرُونَ مِنْ سَيّئَةٍ صُمّ عَنْ الْخَيْرِ بُكْمٌ عَنْ
الْحَقّ عُمْيٌ عَنْ الْهُدَى .
ذِكْرُهُ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ
ثُمّ ذَكَرَ الْمُصِيبَةَ الّتِي أَصَابَتْهُمْ فَقَالَ { أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ
مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ
عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ إنْ تَكُ قَدْ
أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ فِي إخْوَانِكُمْ بِذُنُوبِكُمْ فَقَدْ أَصَبْتُمْ
مِثْلَيْهَا قَبْلُ مِنْ عَدُوّكُمْ فِي الْيَوْمِ الّذِي كَانَ قَبْلَهُ بِبَدْرِ
قَتْلًا وَأَسْرًا وَنَسِيتُمْ مَعْصِيَتَكُمْ وَخِلَافَكُمْ عَمّا أَمَرَكُمْ
بِهِ نَبِيّكُمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتُمْ أَحَلَلْتُمْ ذَلِكَ
بِأَنْفُسِكُمْ { إِنّ اللّهَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ إنّ اللّهَ عَلَى
مَا أَرَادَ بِعِبَادِهِ مِنْ نِقْمَةٍ أَوْ عَفْوٍ قَدِيرٌ { وَمَا أَصَابَكُمْ
يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ }
أَيْ مَا أَصَابَكُمْ حِينَ الْتَقَيْتُمْ أَنْتُمْ وَعَدُوّكُمْ فَبِإِذْنِي ،
كَانَ ذَلِكَ حِينَ فَعَلْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بَعْدَ أَنْ جَاءَكُمْ نَصْرِي ،
وَصَدَقْتُكُمْ وَعْدِي ، لِيُمَيّزَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ {
وَلِيَعْلَمَ الّذِينَ نَافَقُوا } مِنْكُمْ أَيْ لِيَظْهَرَ مَا فِيهِمْ . {
وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُوا } يَعْنِي
عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ الّذِينَ رَجَعُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ سَارَ إلَى عَدُوّهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
بِأُحُدِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ نَعْلَمُ أَنّكُمْ تُقَاتِلُونَ لَسِرْنَا مَعَكُمْ
وَلَدَفَعْنَا عَنْكُمْ وَلَكِنّا لَا نَظُنّ أَنّهُ يَكُونُ قِتَالٌ . فَأَظْهَرَ
مَعَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {
هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ
بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ } أَيْ يُظْهِرُونَ لَك الْإِيمَانَ
وَلَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ { وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ } أَيْ مَا
يُخْفُونَ { الّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ } [ ص 307 ] { لَوْ أَطَاعُونَا مَا
قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
} أَيْ أَنّهُ لَا بُدّ مِنْ الْمَوْتِ فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَدْفَعُوهُ
عَنْ أَنْفُسِكُمْ فَافْعَلُوا ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ إنّمَا نَافَقُوا وَتَرَكُوا
الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ حِرْصًا عَلَى الْبَقَاءِ فِي الدّنْيَا ،
وَفِرَارًا مِنْ الْمَوْتِ .
التّرْغِيبُ فِي الْجِهَادِ
ثُمّ قَالَ لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرَغّبُ الْمُؤْمِنِينَ
فِي الْجِهَادِ وَيُهَوّنُ عَلَيْهِمْ الْقَتْلَ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ
يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ
بِالّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ } أَيْ لَا تَظُنّن الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ
أَمْوَاتًا : أَيْ قَدْ أَحْيَيْتهمْ فَهُمْ عِنْدِي يُرْزَقُونَ فِي رَوْحِ الْجَنّةِ
وَفَضْلِهَا ، مَسْرُورِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى
جِهَادِهِمْ عَنْهُ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِاَلّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ
خَلْفِهِمْ أَيْ وَيُسَرّونَ بِلُحُوقِ مَنْ لَحِقَهُمْ مِنْ إخْوَانِهِمْ عَلَى
مَا مَضَوْا عَلَيْهِ مِنْ جِهَادِهِمْ لِيُشْرِكُوهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ مِنْ
ثَوَابِ اللّهِ الّذِي أَعْطَاهُمْ قَدْ أَذَهَبَ اللّهُ عَنْهُمْ الْخَوْفَ
وَالْحُزْنَ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ
اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ } لِمَا
عَايَنُوا مِنْ وَفَاءِ الْمَوْعُودِ وَعَظِيمِ الثّوَابِ .
مَصِيرُ قَتْلَى أُحُدٍ
[ ص 308 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ عَنْ
أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدِ جَعَلَ اللّهُ
أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ وَتَأْكُلُ
مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ
فَلَمّا وَجَدُوا طِيبَ مَشْرَبِهِمْ وَمَأْكَلِهِمْ وَحُسْنَ مَقِيلِهِمْ قَالُوا
: يَا لَيْتَ إخْوَانَنَا يَعْلَمُونَ مَا صَنَعَ اللّهُ بِنَا ، لِئَلّا
يَزْهَدُوا فِي الْجِهَادِ وَلَا يَنْكُلُوا عَنْ الْحَرْبِ فَقَالَ اللّهُ
تَعَالَى : فَأَنَا أُبَلّغُهُمْ عَنْكُمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ { وَلَا تَحْسَبَنّ } [ ص 309 ] [ ص
310 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْحَارِثُ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ
مَحْمُودِ بْنِ لَبِيَدٍ الْأَنْصَارِيّ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّهَدَاءُ عَلَى بَارِقِ نَهَرٍ
بِبَابِ الْجَنّةِ ، فِي فِئَةٍ خَضْرَاءَ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْ
الْجَنّةِ بُكْرَةً وَعَشِيّا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا
أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ هَؤُلَاءِ
الْآيَاتِ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا
بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } فَقَالَ أَمَا إنّا قَدْ سَأَلْنَا
عَنْهَا فَقِيلَ لَنَا : إنّهُ لَمّا أُصِيبَ إخْوَانُكُمْ بِأُحُدِ جَعَلَ اللّهُ
أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ تَرِدُ أَنْهَارَ الْجَنّةِ وَتَأْكُلُ
مِنْ ثِمَارِهَا ، وَتَأْوِي إلَى قِنْدِيلٍ مِنْ ذَهَبٍ فِي ظِلّ الْعَرْشِ
فَيَطّلِعُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ،
مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ ؟ قَالَ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا
أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا قَالَ ثُمّ يَطّلِعُ
اللّهُ عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ
فَأَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ رَبّنَا لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ
نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا قَالَ ثُمّ يَطّلِعُ عَلَيْهِمْ إطْلَاعَةً
فَيَقُولُ يَا عِبَادِي ، مَا تَشْتَهُونَ فَأَزِيدُكُمْ ؟ فَيَقُولُونَ رَبّنَا
لَا فَوْقَ مَا أَعْطَيْتنَا ، الْجَنّةُ نَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا . إلّا
أَنّا نُحِبّ أَنْ تُرَدّ أَرْوَاحُنَا فِي أَجْسَادِنَا ، ثُمّ نُرَدّ إلّا
الدّنْيَا ، فَنُقَاتِلُ فِيك ، حَتّى نُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى [ ص 311 ] قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
مُحَمّدِ بْنِ عُقَيْلٍ ، قَالَ سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ يَقُولُ قَالَ
لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا أُبَشّرُك يَا جَابِرُ ؟
قَالَ قُلْت : بَلَى يَا نَبِيّ اللّهِ قَالَ إنّ أَبَاك حَيْثُ أُصِيبَ بِأُحُدِ
أَحْيَاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ ثُمّ قَالَ لَهُ مَا تُحِبّ يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ
عَمْرٍو أَنْ أَفْعَلَ بِك ؟ قَالَ أَيْ رَبّ أُحِبّ أَنْ تَرُدّنِي إلَى
الدّنْيَا فَأُقَاتِلُ فِيك ، فَأُقْتَلَ مَرّةً أُخْرَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ
يُفَارِقُ الدّنْيَا يُحِبّ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ وَأَنّ
لَهُ الدّنْيَا وَمَا فِيهَا إلّا الشّهِيدُ فَإِنّهُ يُحِبّ أَنْ يُرَدّ إلَى
الدّنْيَا ، فَيُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلُ مَرّةً أُخْرَىSالشّهَادَةُ
وَالشّهَدَاءُ
فَصْلٌ
[ ص 307 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ قُتِلُوا
فِي سَبِيلِ اللّهِ } الْآيَاتِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الّذِينَ سَمّاهُمْ اللّهُ
شُهَدَاءَ بِقَوْلِهِ { وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } وَهَذَا الِاسْمُ
مَأْخُوذٌ مِنْ الشّهَادَةِ أَوْ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ فَإِنْ كَانَ مِنْ
الشّهَادَةِ فَهُوَ شَهِيدٌ بِمَعْنَى مَشْهُودٍ أَيْ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ
وَمَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنّةِ أَمّا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ فَلِأَنّ النّبِيّ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ وَقَفَ عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ ، قَالَ هَؤُلَاءِ
الّذِينَ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَيْ أَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالْوَفَاءِ وَقَالَ
عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ لِأَنّ الْمَعْنَى : أَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
شَهِيدًا عَلَيْهِمْ وَهِيَ وِلَايَةٌ وَقِيَادَةٌ فَوُصِلَتْ بِحَرْفِ عَلَى ،
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الشّهَادَةِ وَتَكُونُ فَعِيلًا بِمَعْنَى فَاعِلٍ
لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى يَقُولُ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ أَيْ
تَشْهَدُونَ عَلَيْهِمْ وَهَذَا ، وَإِنْ كَانَ عَامّا فِي جَمِيعِ أُمّةِ
مُحَمّدٍ - عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ - فَالشّهَدَاءُ أَوْلَى بِهَذَا
الِاسْمِ إذْ هُمْ تَبَعٌ لِلصّدّيقِينَ وَالنّبِيّينَ . قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ
{ فَأُولَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النّبِيّينَ
وَالصّدّيقِينَ وَالشّهَدَاءِ } فَهَذَانِ وَجْهَانِ فِي مَعْنَى الشّهِيدِ إذَا
جَعَلْته مُشْتَقّا مِنْ الشّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ
فَعِيلٌ بِمَعْنَى : فَاعِلٍ أَيْضًا ، لِأَنّهُ يُشَاهِدُ مِنْ مَلَكُوتِ اللّهِ
وَيُعَايِنُ مِنْ مَلَائِكَتِهِ مَا لَا يُشَاهِدُ غَيْرُهُ وَيَكُونُ أَيْضًا
بِمَعْنَى مَفْعُولٍ وَهُوَ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ أَيْ إنّ الْمَلَائِكَةَ
تُشَاهِدُ قَبْضَهُ وَالْعُرُوجَ بِرُوحِهِ وَنَحْوِ [ ص 308 ] وَأَوْلَى هَذِهِ
الْوُجُوهِ كُلّهَا بِالصّحّةِ أَنْ يَكُونَ فَعِيلًا بِمَعْنَى مَفْعُولٍ
وَيَكُونُ مَعْنَاهُ . مَشْهُودًا لَهُ بِالْجَنّةِ أَوْ يَشْهَدُ عَلَيْهِ
النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمَا قَالَ " هَؤُلَاءِ أَنَا شَهِيدٌ
عَلَيْهِمْ أَيْ قَيّمٌ عَلَيْهِمْ بِالشّهَادَةِ لَهُمْ وَإِذَا حُشِرُوا تَحْتَ
لِوَائِهِ فَهُوَ وَالٍ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ شَاهِدًا لَهُمْ فَمِنْ هَاهُنَا
اتّصَلَ الْفِعْلُ بِعَلَى ، فَتَقَوّى هَذَا الْوَجْهُ مِنْ جِهَةِ الْخَبَرِ ،
وَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ مِنْ الْعَرَبِيّةِ وَهُوَ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ ذَكَرَ الشّهَدَاءَ قَالَ " وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ
بِجَمْعِ شَهِيدٍ " ، وَلَمْ يَقُلْ شَهِيدَةً وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ
" وَالنّفَسَاءُ شَهِيدٌ يَجُرّهَا جَنِينُهَا بِسَرَرِهِ إلَى الْجَنّةِ
" ، وَلَمْ يَقُلْ شَهِيدَةً وَفَعِيلٌ إذَا كَانَ صِفَةً لِمُؤَنّثِ كَانَ بِغَيْرِ
هَاءٍ إذَا كَانَ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ نَحْوَ امْرَأَةٍ قَتِيلٍ وَجَرِيحٍ وَإِنْ
كَانَ بِمَعْنَى فَاعِلٍ كَانَ بِالْهَاءِ كَقَوْلِهِمْ امْرَأَةٌ عَلِيمَةٌ
وَرَحِيمَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَدَلّ عَلَى أَنّ الشّهِيدَ مَشْهُودٌ لَهُ
وَمَشْهُودٌ عَلَيْهِ وَهَذَا اسْتِقْرَاءٌ مِنْ اللّغَةِ صَحِيحٌ وَاسْتِنْبَاطٌ
مِنْ الْحَدِيثِ بَدِيعٌ فَقِفْ عَلَيْهِ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَدِيثَ ابْنِ
عَبّاسٍ الْمَرْفُوعَ وَفِيهِ أَنّ اللّهَ جَعَلَ أَرْوَاحَهُمْ فِي أَجْوَافِ
طَيْرٍ خُضْرٍ وَعَنْ قَتَادَةَ قَالَ ذُكِرَ لَنَا أَنّ أَرْوَاحَ الشّهَدَاءَ
تَتَعَارَفُ عِنْدَ السّدْرَةِ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ بِيضٍ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ
الرّوَايَةَ قَوْمٌ وَقَالُوا : لَا يَكُونُ رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ وَإِنّ
ذَلِكَ مُحَالٌ وَهَذَا جَهْلٌ بِالْحَقَائِقِ فَإِنّ مَعْنَى الْكَلَامِ بَيّنٌ
فَإِنّ رُوحَ الشّهِيدِ الّذِي كَانَ فِي جَسَدِهِ فِي الدّنْيَا ، يُجْعَلُ فِي
جَسَدٍ آخَرَ كَأَنّهُ صُورَةُ طَائِرٍ فَيَكُونُ فِي هَذَا الْجَسَدِ الْآخَرِ
كَمَا كَانَ فِي الْأَوّلِ إلَى أَنْ يُعِيدَهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا
خَلَقَهُ وَهَذِهِ الرّوَايَةُ لَا تُعَارِضُ مَا رَوَوْهُ مِنْ قَوْلِهِ فِي
صُوَرِ طَيْرٍ خُضْرٍ وَالشّهَدَاءُ طَيْرٌ خُضْرٌ وَجَمِيعُ الرّوَايَاتِ كُلّهَا
مُتّفِقَةُ الْمَعْنَى ، وَإِنّمَا الّذِي يَسْتَحِيلُ فِي الْعَقْلِ قِيَامُ
حَيَاتَيْنِ بِجَوْهَرِ وَاحِدٍ فَيَحْيَا الْجَوْهَرُ بِهِمَا جَمِيعًا ، وَأَمّا
رَوْحَانِ فِي جَسَدٍ فَلَيْسَ بِمُحَالِ إذَا لَمْ نَقُلْ بِتَدَاخُلِ
الْأَجْسَامِ فَهَذَا الْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمّهِ وَرُوحِهِ غَيْرُ [ ص 309 ]
قِيلَ لَهُمْ إنّ الطّائِرَ لَهُ رُوحٌ غَيْرُ رُوحِ الشّهِيدِ وَهُمَا فِي جَسَدٍ
وَاحِدٍ فَكَيْفَ وَإِنّمَا قَالَ فِي أَجْوَافِ طَيْرٍ خُضْرٍ أَيْ فِي صُورَةِ
طَيْرٍ خُضْرٍ كَمَا تَقُولُ رَأَيْت مَلَكًا فِي صُورَةِ إنْسَانٍ وَكَذَلِكَ
قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ " إنّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلَقُ
فِي ثَمَرِ الْجَنّةِ " تَأَوّلَهُ بَعْضُهُمْ مَخْصُوصًا بِالشّهِيدِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنّمَا الشّهِيدُ فِي الْجَنّةِ يَأْكُلُ مِنْهَا حَيْثُ شَاءَ
ثُمّ يَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ مُعَلّقَةٍ فِي الْعَرْشِ وَغَيْرُ الشّهِيدِ مِنْ
الْمُؤْمِنِينَ نَسَمَتُهُ أَيْ رُوحُهُ طَائِرٌ لَا أَنّ رُوحَهُ جُعِلَ فِي
جَوْفِ طَائِرٍ لِيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ كَمَا فَعَلَ بِالشّهِيدِ لَكِنّ الرّوحَ
نَفْسَهُ طَائِرٌ يَعْلَقُ بِشَجَرِ الْجَنّةِ يَعْلَقُ بِفَتْحِ اللّامِ يَنْشَبُ
بِهَا ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْهَا ، وَمَنْ رَوَاهُ يَعْلَقُ فَمَعْنَاهُ
يُصِيبُ الْعَلَقَةَ أَيْ يَنَالُ مَعَهَا مَا هُوَ دُونَ نَيْلِ الشّهِيدِ
فَضَرَبَ الْعَلَقَةَ مَثَلًا ، لِأَنّ مَنْ أَصَابَ الْعَلَقَةَ مِنْ الطّعَامِ
وَالشّرَابِ فَقَدْ أَصَابَ دُونَ مَا أَصَابَ غَيْرُهُ مِمّنْ أَدْرَكَ الرّغَدَ
فَهُوَ مِثْلُ مَضْرُوبٍ يُفْهَمُ مِنْهُ هَذَا الْمَعْنَى . وَإِنْ كَانَ أَرَادَ
بِيَعْلَقُ الْأَكْلَ نَفْسَهُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالشّهِيدِ فَتَكُونُ رِوَايَةُ
مَنْ رَوَاهُ بِالضّمّ لِلشّهَدَاءِ وَرِوَايَةُ الْفَتْحِ لِمَنْ دُونَهُمْ
فَاَللّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ رَسُولُهُ مِنْ ذَلِكَ . وَقَوْلُهُ ثُمّ
تَأْوِي إلَى قَنَادِيلَ يُصَدّقُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى عَزّ وَجَلّ {
وَالشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ } [ الْحَدِيدُ 19 ]
. وَإِنّمَا تَأْوِي إلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ لَيْلًا ، وَتَسْرَحُ نَهَارًا ، فَتَعْلَمُ
بِذَلِكَ اللّيْلَ مِنْ النّهَارِ وَبَعْدَ دُخُولِ الْجَنّةِ فِي الْآخِرَةِ لَا
تَأْوِي إلَى تِلْكَ الْقَنَادِيلِ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - وَإِنّمَا ذَلِكَ
مُدّةُ الْبَرْزَخِ هَذَا مَا يَدُلّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ . وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الشّهَدَاءُ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ الْجَنّةِ وَلَيْسُوا فِيهَا ،
وَقَدْ أَنْكَرَ أَبُو عُمَرَ قَوْلَ مُجَاهِدٍ ، وَرَدّهُ وَلَيْسَ بِمُنْكَرِ
عِنْدِي ، وَيَشْهَدُ لَهُ مَا وَقَعَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ
وَغَيْرِهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ "
الشّهَدَاءُ بِنَهَرِ " أَوْ عَلَى نَهَرٍ يُقَالُ لَهُ " بَارِقٌ
عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ فِي قِبَابٍ خُضْرٍ يَأْتِيهِمْ رِزْقُهُمْ مِنْهَا
بُكْرَةً وَعَشِيّا " ، فَهَذَا يُبَيّنُ مَا أَرَادَ مُجَاهِدٌ ، وَاَللّهُ
أَعْلَمُ . وَمِمّا وَقَعَ السّيرَةُ أَيْضًا ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ هِشَامٍ
حَدِيثٌ رَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، قَالَ حَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ أَبِي فَرْوَةَ قَالَ حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ
- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ [ ص 310 ] الشّهَدَاءُ ثَلَاثَةٌ
فَأَدْنَى الشّهَدَاءُ عِنْدَ اللّهِ مَنْزِلَةً رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا
بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ لَا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ وَلَا يُقْتَلَ أَتَاهُ سَهْمٌ
غَرْبٌ فَأَصَابَهُ قَالَ فَأَوّلُ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهِ يَغْفِرُ اللّهُ
بِهَا مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ثُمّ يُهْبِطُ اللّهُ إلَيْهِ جَسَدًا مِنْ
السّمَاءِ فَيَجْعَلُ فِيهِ رُوحَهُ ثُمّ يُصْعَدُ بِهِ إلَى اللّهِ فَمَا يَمُرّ
بِسَمَاءِ مِنْ السّمَوَاتِ إلّا شَيّعَتْهُ الْمَلَائِكَةُ حَتّى يَنْتَهِيَ بِهِ
إلَى اللّهِ فَإِذَا انْتَهَى بِهِ إلَيْهِ وَقَعَ سَاجِدًا ، ثُمّ يُؤْمَرُ بِهِ
فَيُكْسَى سَبْعِينَ زَوْجًا مِنْ الْإِسْتَبْرَقِ " ، ثُمّ يَقُولُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ شَقَائِقِ
النّعْمَان وَحَدّثَ كَعْبُ الْأَخْبَارِ عَنْ قَوْلِ - رَسُولِ اللّهِ عَلَيْهِ
السّلَامُ - فَقَالَ كَعْبُ الْأَخْبَارِ أَجَلّ كَأَحْسَنِ مَا رَأَيْتُمْ مِنْ
شَقَائِقِ النّعْمَانِ ثُمّ يَقُولُ اذْهَبُوا بِهِ إلَى إخْوَتِهِ مِنْ
الشّهَدَاءِ ، فَاجْعَلُوهُ . مَعَهُمْ فَيُؤْتَى بِهِ إلَيْهِمْ مِنْ قُبّةٍ خَضْرَاءَ
فِي رَوْضَةٍ خَضْرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْجَنّةِ يَخْرُجُ عَلَيْهِمْ حُوتٌ وَنُورٌ
مِنْ الْجَنّةِ لِغَدَائِهِمْ فَيَلْعَبَانِهِمْ حَتّى إذَا كَثُرَ عَجَبُهُمْ
مِنْهَا طَعَنَ الثّوْرُ الْحُوتَ بِقَرْنِهِ فَبَقَرَهُ . لَهُمْ عَمّا يَدْعُونَ
. ثُمّ يَرُوحَانِ عَلَيْهِمْ لِعَشَائِهِمْ فَيُلَعّبَانِهِمْ حَتّى إذَا كَثُرَ
عَجَبُهُمْ مِنْهُمَا ضَرَبَ الْحُوتُ الثّوْرَ بِذَنْبِهِ فَبَقَرَهُ . لَهُمْ
عَمّا يَدْعُونَ فَإِذَا انْتَهَى إلَى إخْوَانِهِ سَأَلُوهُ . تَسْأَلُوا
الرّاكِبَ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ بِلَادَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟
فَيَقُولُ أَفْلَسَ فَيَقُولُونَ فَمَا أَهْلَكَ مَالَهُ فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ
لَكَيّسًا جَمُوعًا تَاجِرًا ، فَيُقَالُ لَهُمْ إنّا لَا نَعُدّ الْفَلَسَ مَا
تَعُدّونَ وَإِنّمَا نَعُدّ الْفَلَسَ مِنْ الْأَعْمَالِ فَمَا فَعَلَ فُلَانٌ
وَامْرَأَتُهُ فُلَانَةُ ؟ فَيَقُولُ طَلّقَهَا ، فَيَقُولُونَ فَمَا الّذِي
نَزَلَ بَيْنَهُمَا ، حَتّى طَلّقَهَا ، فَوَاَللّهِ إنْ كَانَ بِهَا لَمُعْجَبًا
؟ فَيَقُولُونَ مَا فَعَلَ فُلَانٌ ؟ فَيَقُولُونَ مَاتَ أيهات قَبْلُ بِزَمَانِ
فَيَقُولُونَ هَلَكَ وَاَللّهِ مَا سَمِعْنَا لَهُ بِذِكْرِ إنّ لِلّهِ
طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا : عَلَيْنَا ، [ ص 311 ] أَرَادَ اللّهُ بِعَبْدِ خَيْرًا
أَمَرّ بِهِ عَلَيْنَا ، فَعَرَفْنَا ، وَعَرَفْنَا مَتَى مَاتَ وَاذَا أَرَادَ
اللّهُ بِعَبْدِ شَرّا خُولِفَ بِهِ عَنّا ، فَلَمْ نَسْمَعْ لَهُ بِذِكْرِ هَلَكَ
وَاَللّهِ فُلَانٌ فَإِنّ هَذَا لِأَدْنَى الشّهَدَاءِ عِنْدَ اللّهِ نَزْلَةً
وَإِنّ الْآخَرَ رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ وَرَحْلِهِ يُحِبّ أَنْ
يَقْتُلَ وَلَا يُقْتَلَ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَأَصَابَهُ فَذَلِكَ رَفِيقُ
إبْرَاهِيمَ خَلِيلِ الرّحْمَنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحُكّ رُكْبَتَاهُ
رُكْبَتَيْهِ وَأَفْضَلُ الشّهَدَاءِ : رَجُلٌ خَرَجَ مُسَوّدًا بِنَفْسِهِ
وَرَحْلِهِ يُحِبّ أَنْ يَقْتُلَ وَأَنْ يُقْتَلَ وَقَاتَلَ حَتّى قَتَلَ قَعْصًا
فَذَلِكَ يَبْعَثُهُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَاهِرًا سَيْفَهُ يَتَمَنّى
عَلَى اللّهِ لَا يَسْأَلُهُ شَيْئًا إلّا أَعْطَاهُ إيّاهُ [ ص 312 ] وَقَعَ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ الْحُوتِ وَلَعِبُهُ مَعَ الثّوْرِ وَقَدْ خَرّجَهُ
هَنّادُ بْنُ السّرِيّ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ فِي كِتَابِ الرّقَاقِ لَهُ بِأَكْثَرَ
مِمّا وَقَعَ هَا هُنَا ، وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْهُ ذَكَرَ أَكْلَ أَهْلِ
الْجَنّةِ مِنْ كَبِدٍ أَوّلَ مَا يَأْكُلُونَ ثُمّ يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ
الْجَنّةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَابِ التّفَكّرِ وَالِاعْتِبَارِ أَنّ
الْحُوتَ لَمّا كَانَ عَلَيْهِ قَرَرُ هَذِهِ الْأَرْضِ وَهُوَ حَيَوَانٌ سَابِحٌ
لِيَسْتَشْعِرَ أَهْلُ هَذِهِ الدّارِ أَنّهُمْ فِي مَنْزِلٍ قُلْعَةٍ وَلَيْسَ
بِدَارِ قَرَارٍ فَإِذَا نُحِرَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا الْجَنّةَ
فَأَكَلُوا مِنْ كَبِدِهِ كَانَ فِي ذَلِكَ إشْعَارٌ لَهُمْ بِالرّاحَةِ مِنْ
دَارِ الزّوَالِ وَأَنّهُمْ قَدْ صَارُوا إلَى دَارِ الْقَرَارِ كَمَا يُذْبَحُ
لَهُمْ الْكَبْشُ الْأَمْلَحُ عَلَى الصّرَاطِ وَهُوَ صُورَةُ الْمَوْتِ
لِيَسْتَشْعِرُوا أَنْ لَا مَوْتَ وَأَمّا الثّوْرُ فَهُوَ آلَةُ الْحَرْثِ وَأَهْلُ
الدّنْيَا لَا يَخْلَوْنَ مِنْ أَحَدِ الْحَرْثَيْنِ حَرْثٍ لِدُنْيَاهُمْ
وَحَرْثٍ لِأُخْرَاهُمْ فَفِي نَحْرِ الثّوْرِ لَهُمْ هُنَالِكَ إشْعَارٌ
بِإِرَاحَتِهِمْ مِنْ الْكَدّيْنِ وَتَرْفِيهِهِمْ مِنْ نَصَبِ الْحَرْثَيْنِ
فَاعْتَبِرْ وَاَللّهُ الْمُسْتَعَانُ .
إغْفَالُ ابْنِ إسْحَاقَ نَسَبَ عُبَيْدِ بْنِ التّيّهَانِ
فَصْلٌ
[ ص 313 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ عُبَيْدَ
بْنَ التّيّهَانِ . وَاسْمُ التّيّهَانِ مَالِكٌ " وَلَمْ يَرْفَعْ نَسَبَهُ
وَكَذَلِكَ فَعَلَ فِي هَذَا النّسَبِ حَيْثُ وَقَعَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَهُوَ
نَسَبٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَقَدْ رَفَعْنَاهُ عِنْدَ ذِكْرِ أَبِي الْهَيْثَمِ
وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ هُنَالِكَ . وَقَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : وَلَا
مِثْلَ أَضْيَافِ الْأَرَاشِيّ مَعْشَرَا
[ ص 314 ] أَبَا الْهَيْثَمِ فَجَعَلَهُ إرَاشِيّا ، وَلَيْسَتْ إرَاشَةً مِنْ
الْأَنْصَارِ ، وَنَسَبَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي جَمَاعَةٍ مَعَهُ إلَى بَلِيّ
، وَقَالُوا : هُوَ حَلِيفُ الْأَنْصَارِ ، وَلَيْسَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيّ فِي الْمُسْتَشْهَدِ يَوْمَ أُحُدٍ : عُبَيْدُ بْنُ
التّيّهَانِ ، وَقَالَ ابْنُ عُقْبَةَ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَابْنُ عُمَارَةَ هُوَ
عَتِيكُ بْنُ التّيّهَانِ .
أَبُو حَنّةَ أَوْ حَبّةَ
[ ص 315 ] وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا حَبّةٍ الْأَنْصَارِيّ الْبَدْرِيّ وَقَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو حَنّةَ بْنُ ثَابِتٍ بِالنّونِ وَكَذَلِكَ قَالَ
الْوَاقِدِيّ ، قَالَ لَيْسَ فِيمَنْ شَهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ اسْمِهِ أَبُو
حَبّة بِالْبَاءِ وَكَذَلِكَ رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ :
أَبُو حَنّةَ بِالنّونِ شَهِدَ بَدْرًا ، وَاسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَهُوَ
مِنْ [ ص 316 ] الْأَوْسِ ، وَاسْمُهُ ثَابِتٍ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ ثَابِتٍ
وَالِاخْتِلَافُ فِي اسْمِهِ وَفِي كُنْيَتِهِ كَثِيرٌ . وَأَمّا أَبُو حَبّةَ
الْمُسْتَشْهَدُ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، فَهُوَ أَبُو حَبّةَ بْنُ غَزِيّةَ بِالْبَاءِ
الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ مِنْ أَسْفَلَ وَلَمْ [ ص 317 ] يُؤْبَهُ بِقَوْلِهِ
وَاسْمُهُ زَيْدُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو ، وَهُوَ مِنْ الْخَزْرَجِ ،
وَالْأَوّلُ مِنْ الْأَوْسِ ، وَقَدْ قِيلَ فِي الْأَوّلِ أَوْ حَيّةُ بِيَاءِ
مُعْجَمَةٍ بِاثْنَتَيْنِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 318 ] بِالشّامِ ، وَحَنّةُ
أُمّ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَخَنّةُ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ بِنْتُ يَحْيَى بْنِ
أَكْثَمَ الْقَاضِي ، وَهِيَ أُمّ مُحَمّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيّ الْفَقِيهِ
وَجَنّةُ بِالْجِيمِ لَا يُعْرَفُ إلّا أَبُو جَنّةَ خَالُ ذِي الرّمّةِ الشّاعِرِ
قَالَهُ ابْنُ مَاكُولَا . [ ص 319 ] وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ
عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ سَلَمَةُ بِفَتْحِ اللّامِ تَقَيّدَ
فِي الْأَصْلِ وَفِي الْأُصُولِ الصّحَاحِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ،
وَذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي بَابِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ [ ص 320 ] وَأَخْبَرَ
أَنّهَا رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَكَذَلِكَ
ذَكَرَ أَبُو عُمَرَ أَيْضًا أَنّهَا رِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ،
وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
ذِكْرُ مَنْ خَرَجُوا مَعَ
الرّسُولِ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { الّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلّهِ
وَالرّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ } أَيْ الْجِرَاحُ وَهُمْ
الْمُؤْمِنُونَ الّذِينَ سَارُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ
أُحُدٍ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ أَلَمِ الْجِرَاحِ {
لِلّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الّذِينَ قَالَ لَهُمُ
النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا
حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } وَالنّاسُ الّذِينَ قَالُوا لَهُمْ مَا
قَالُوا ، النّفَرُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ الّذِينَ قَالَ لَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ
مَا قَالَ قَالُوا إنّ أَبَا سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ رَاجِعُونَ إلَيْكُمْ
يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَمْ
يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتّبَعُوا رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ }
لِمَا صَرَفَ اللّهُ عَنْهُمْ مِنْ لِقَاءِ عَدُوّهِمْ { إِنّمَا ذَلِكُمُ
الشّيْطَانُ } أَيْ لِأُولَئِكَ الرّهْطِ وَمَا أَلْقَى الشّيْطَانُ عَلَى
أَفْوَاههمْ { يُخَوّفُ أَوْلِيَاءَهُ } أَيْ يَرْهَبُكُمْ بِأَوْلِيَائِهِ {
فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَلَا يَحْزُنْكَ
الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ } أَيْ الْمُنَافِقُونَ [ ص 312 ] { إِنّهُمْ
لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللّهُ أَلّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّا فِي
الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِنّ الّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ
بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرّوا اللّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَا
يَحْسَبَنّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ
إِنّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ
اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ
الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ } أَيْ الْمُنَافِقِينَ { وَمَا كَانَ اللّهُ
لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ } أَيْ فِيمَا يُرِيدُ أَنْ يَبْتَلِيَكُمْ بِهِ
لِتَحْذَرُوا مَا يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ فِيهِ وَلَكِنّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ
رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ أَيْ يُعَلّمُهُ ذَلِكَ { فَآمِنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ
وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتّقُوا } أَيْ تَرْجِعُوا وَتَتُوبُوا { فَلَكُمْ أَجْرٌ
عَظِيمٌ }
ذِكْرُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ
بِأُحُدِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ
قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ؟ قَتَلَهُ وَحْشِيّ ، غُلَامُ
جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ . مِنْ بَنِي أُمَيّةَ وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ
شَمْسٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ
خُزَيْمَةَ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
[ ص 313 ] بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ ، قَتَلَهُ
ابْنُ قَمِئَةَ اللّيْثِيّ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : شَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ . أَرْبَعَةُ
نَفَرٍ .
مِنْ الْأَنْصَارِ
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ : عَمْرُو بْنُ مُعَاذِ
بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعٍ وَعُمَارَةُ بْنُ زِيَادِ
بْنِ السّكَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّكَنُ بْنُ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ
الْقَيْسِ ، وَيُقَالُ السّكَنُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ
بْنِ وَقْشٍ وَعَمْرُو بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ
إسْحَاقَ : وَقَدْ زَعَمَ لِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ
أَبَاهُمَا ثَابِتًا قُتِلَ يَوْمَئِذٍ . وَرِفَاعَةُ بْنُ وَقْشٍ . وَحُسَيْلُ
بْنُ جَابِرٍ أَبُو حُذَيْفَةَ وَهُوَ الْيَمَانُ أَصَابَهُ الْمُسْلِمُونَ فِي
الْمَعْرَكَةِ وَلَا يَدْرُونَ فَتَصَدّقَ حُذَيْفَةُ بِدِيَتِهِ عَلَى مَنْ
أَصَابَهُ وَصَيْفِيّ بْنُ قَيْظِيّ . وَحَبَابُ بْنُ قَيْظِيّ . وَعَبّادُ بْنُ
سَهْلٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذٍ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
مِنْ رَاتِجٍ
وَمِنْ أَهْلِ رَاتِجٍ : إيَاسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ ؟
وَعُبَيْدُ بْنُ التّيّهَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَتِيكُ بْنُ
التّيّهَانِ . وَحَبِيبُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ تَيْمٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي ظَفَرٍ
[ ص 314 ] بَنِي ظَفَرٍ : يَزِيدُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ رَافِعٍ .
رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ :
أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَيْدٍ ، وَحَنْظَلَةُ بْنُ
أَبِي عَامِرِ بْنِ صَيْفِيّ بْنِ نُعْمَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أُمَةَ ، هُوَ
غَسِيلُ الْمَلَائِكَةِ قَتَلَهُ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شَعُوبٍ
اللّيْثِيّ رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَيْسُ : بْنُ زَيْدِ بْنِ
ضُبَيْعَةَ وَمَالِكُ بْنُ أُمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ .
مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدٍ : أُنَيْسُ بْنُ
قَتَادَةَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : أَبُو
حَيّةَ وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ لِأُمّهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
أَبُو حَيّةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَابِتٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ وَهُوَ أَمِيرُ الرّمَاةِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي السّلْمِ
وَمِنْ بَنِي السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ :
خَيْثَمَةُ أَبُو سَعْدِ بْنُ خَيْثَمَةَ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ
وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ :
رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ
وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكٍ سُبَيْعُ بْنُ حَاطِبِ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي النّجّارِ
[ ص 315 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سُوَيْبِقُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ
حَاطِبِ بْنِ هَيْشَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ
مَالِكِ بْنِ غَنِيّ عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ ، وَابْنُهُ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ قَيْسِ : بْنُ زَيْدِ بْنِ سَوَادٍ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ ، وَعَامِرُ بْنُ مَخْلَدٍ .
أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي مَبْذُولٍ
وَمِنْ بَنِي مَبْذُولٍ أَبُو هُبَيْرَةَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ ثَقَفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ مَبْذُولٍ وَعَمْرُو بْنُ مُطّرِفِ بْنِ
عَلْقَمَةَ بْنِ عَمْرٍو رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَمْرٍو
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ : أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ .
رَجُلٌ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْسُ بْنُ ثَابِتٍ أَخُو حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ .
مِنْ بَنِي عَدِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّار ِ أَنَسُ بْنُ النّضْرِ
بْنِ ضَمْضَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ
بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَسُ بْنُ
النّضْرِ ، عَمّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : خَادِمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
مِنْ بَنِي مَازِنٍ
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّار ِ قَيْسُ بْنُ مَخْلَدٍ وَكَيْسَانُ عَبْدٌ
لَهُنّ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي دِينَارٍ
وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ : سُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ وَنُعْمَانُ
بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
[ ص 316 ] بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي
زُهَيْرٍ وَسَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ دُفِنَا فِي
قَبْرٍ وَاحِدٍ وَأَوْسُ بْنُ الْأَرْقَمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ
النّعْمَانِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ
وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ : مَالِكُ بْنُ سِنَانِ بْنِ
عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ ، وَهُوَ أَبُو أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اسْمُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ سِنَانٌ وَيُقَالُ سَعْدٌ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَعِيدُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ ، وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ رَافِعِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْأَبْجَرِ .
ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ
وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ : ثَعْلَبَةُ بْنُ سَعْدِ
بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ وَثَقْفُ بْنُ فَرْوَةَ بْنِ الْبَدِيّ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي طَرِيفٍ
وَمِنْ بَنِي طَرِيفٍ ، رَهْطُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ
عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ ،
وَضَمْرَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي جُهَيْنَةَ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَوْفٍ
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمٍ ، ثُمّ مِنْ
بَنِي مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنَمِ بْنِ سَالِمٍ نَوْفَلُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْعَجْلَانِ ، وَنُعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ فِهْرِ بْنِ غَنَمِ
بْنِ سَالِمٍ وَالْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ ،
وَعُبَادَةُ بْنُ الْحِسْحَاسِ . دُفِنَ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ وَالْمُجَذّرُ
وَعُبَادَةُ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي الْحُبْلَى
[ ص 317 ] بَنِي الْحُبْلَى : رِفَاعَةُ بْنُ عَمْرٍو . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي سَلِمَةَ
وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ
حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ وَعَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
حَرَامٍ ، دَفْنًا فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ
بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو أَيْمَنَ مَوْلَى عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ .
أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي سَوَادٍ
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنَمٍ : سُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ ،
وَمَوْلَاهُ عَنْتَرَةُ ، وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ
ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ
وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرٍ : ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، وَعُبَيْدُ
بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَانَ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُبَيْدُ
بْنُ الْمُعَلّى ، مِنْ بَنِي حَبِيبٍ .
عَدَدُ الشّهَدَاءِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَعَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ ، خَمْسَةٌ وَسِتّونَ رَجُلًا .
مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ السّبْعِينَ
الشّهَدَاءِ الّذِينَ ذَكَرْنَا ، مِنْ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ
بْنِ مَالِكٍ : مَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ .
مِنْ بَنِي خَطْمَةَ
وَمِنْ بَنِي خَطْمَةَ - وَاسْمُ خَطْمَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُشَمِ بْنِ مَالِكِ
بْنِ الْأَوْسِ - الْحَارِثُ بْنُ عَدِيّ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ
عَامِرِ بْنِ خَطْمَةَ .
مِنْ بَنِي الْخَزْرَجِ
[ ص 318 ] الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكٍ : مَالِكُ بْنُ
إيَاسَ .
مِنْ بَنِي عَمْرٍو
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : إيَاسُ بْنُ عَدِيّ .
مِنْ بَنِي سَالِمٍ
وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ : عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ .
ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ قُرَيْشٍ
، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ مِنْ أَصْحَابِ اللّوَاءِ :
طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ
الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
، ( و ) أَبُو سَعِيدِ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ
. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَمُسَافِعُ بْنُ طَلْحَةَ ، وَالْجُلّاسُ بْنُ طَلْحَةَ ،
قَتَلَهُمَا عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، وَكِلَابُ بْنُ
طَلْحَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ طَلْحَةَ قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ ، حَلِيفٌ لِبَنِي
ظَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَ كِلَابًا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَرْطَاةُ بْنُ عَبْدِ شُرَحْبِيلَ بْنِ
هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ ، وَأَبُو يَزِيدَ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ
بْنِ عَبْدِ الدّارِ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَصُؤَابٌ غُلَامٌ لَهُ حَبَشِيّ ،
قَتَلَهُ قُزْمَانُ . [ ص 319 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَيُقَالُ أَبُو
دُجَانَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْقَاسِطُ بْنُ شُرَيْحِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ
عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ قُزْمَانُ . أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ
حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ . قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي زُهْرَةِ
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : أَبُو الْحَكَمِ بْنِ الْأَخْنَسِ بْنِ
شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ عَلِيّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَسُبَاعُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى وَاسْمُ عَبْد الْعُزّى :
عَمْرُو بْنُ نَضْلَةَ بْنُ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَفْصَى
- حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .
رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ ، هِشَامُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ هِشَامِ
بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ قُزْمَانُ ، وَأَبُو أُمَيّةَ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ
بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَخَالِدُ بْنُ
الْأَعْلَمِ حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ قُزْمَانُ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرِ
بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، وَهُوَ أَبُو عَزّةَ قَتَلَهُ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَبْرًا ، وَأُبَيّ بْنُ خَلَفِ بْنِ
وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، قَتَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : عُبَيْدَةُ بْنُ جَابِرٍ ، وَشَيْبَةُ بْنُ
مَالِكِ بْنِ الْمُضَرّبِ قَتَلَهُمَا قُزْمَانُ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَ عُبَيْدَةَ بْنَ جَابِرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
.
عَدَدُ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ
[ ص 320 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ قَتَلَ اللّهُ تَبَارَكَ
وَتَعَالَى يَوْمَ أُحُدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ رَجُلًا .
ذِكْرُ مَا قِيلَ مِنْ
الشّعْرِ يَوْمَ أُحُدٍ
شِعْرُ هُبَيْرَةَ
[ ص 321 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ
أُحُدٍ ، قَوْلُ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ
عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَائِذُ بْنُ
عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ [ ص 322 ] [ ص 323 ]
مَا بَالُ هَمّ عَمِيدٍ بَاتَ يَطْرُقُنِي ... بِالْوُدّ مِنْ هِنْدَ إذْ تَعْدُو
عَوَادِيهَا
بَاتَتْ تُعَاتِبُنِي هِنْدٌ وَتَعْذُلُنِي ... وَالْحَرْبُ قَدْ شُغِلَتْ عَنّي
مَوَالِيهَا
مَهْلًا فَلَا تَعْذِلِينِي إنّ مِنْ خُلُقِي ... مَا قَدْ عَلِمْت وَمَا إنْ
لَسْت أُخْفِيهَا
مُسَاعِفٌ لِبَنِي كَعْبٍ بِمَا كَلِفُوا ... حَمّالُ عَبْءٍ وَأَثْقَالٌ
أُعَانِيهَا
وَقَدْ حَمَلْت سِلَاحِي فَوْقَ مُشْتَرَفٍ ... سَاطٍ سَبُوحٍ إذَا تَجْرِي
يُبَارِيهَا
كَأَنّهُ إذْ جَرَى عِيرٌ بِفَدْفَدَةِ ... مُكَدّمٌ لَاحِقٌ بِالْعَوْنِ
يَحْمِيهَا
مِنْ آلِ أَعْوَجَ يَرْتَاحُ النّدِيّ لَهُ ... كَجَذْعِ شَعْرَاءَ مُسْتَعْلٍ
مَرَاقِيهَا
أَعْدَدْته وَرِقَاقَ الْحَدّ مُنْتَخَلَا ... وَمَارِنًا لِخُطُوبِ قَدْ
أُلَاقِيهَا
هَذَا وَبَيْضَاءَ مِثْلُ النّهْيِ مُحْكَمَةٌ ... نِيطَتْ عَلَيّ فَمَا تَبْدُو
مَسَاوِيهَا
سُقْنَا كِنَانَةَ مِنْ أَطْرَافِ ذِي يَمَنٍ ... عُرْضُ الْبِلَادِ عَلَى مَا
كَانَ يُزْجِيهَا
قَالَتْ كِنَانَةُ أَنّى تَذْهَبُونَ بِنَا ؟ ... قُلْنَا : النّخِيلَ فَأَمّوهَا
وَمَنْ فِيهَا
نَحْنُ الْفَوَارِسُ يَوْمَ الْجَرّ مِنْ أُحُدٍ ... هَابَتْ مَعَدّ فَقُلْنَا
نَحْنُ نَأْتِيهَا
هَابُوا ضِرَابًا وَطَعْنًا صَادِقًا خَذِمًا ... مِمّا يَرَوْنَ وَقَدْ ضُمّتْ
قَوَاصِيهَا
ثُمّتْ رُحْنَا كَأَنّا عَارِضٌ بَرِدٌ ... وَقَامَ هَامُ بَنِي النّجّارِ
يَبْكِيهَا
كَأَنّ هَامَهُمْ عِنْدَ الْوَغَى فِلَقٌ ... مِنْ قَيْضِ رُبْدٍ نَفَتْهُ عَنْ
أَدَاحِيهَا
أَوْ حَنْظَلَ ذَعْذَعَتْهُ الرّيحُ فِي غُصْنٍ ... بَالٍ تَعَاوَرَهُ مِنْهَا
سَوَافِيهَا
قَدْ نَبْذُلُ الْمَالَ سَحّا لَا حِسَابَ لَهُ ... وَنَطْعَنُ الْخَيْلَ شَزْرًا
فِي مَآقِيهَا
وَلَيْلَةً يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى
الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا
وَلَيْلَةً مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيّةٍ قَدْ بِتّ
أَسْرِيهَا
لَا يَنْبَحُ الْكَلْبُ فِيهَا غَيْرَ وَاحِدَةٍ ... مِنْ الْقَرِيسِ وَلَا
تَسْرِي أَفَاعِيهَا
أَوْقَدَتْ فِيهَا لِذِي الضّرّاءِ جَاحِمَةً ... كَالْبَرْقِ ذَاكِيَةَ
الْأَرْكَانِ أَحْمِيهَا
أَوْرَثَنِي ذَاكُمْ عَمْرٌو وَوَالِدُهُ ... مِنْ قَبْلِهِ كَانَ بِالْمَثْنَى
يُغَالِيهَا
كَانُوا يُبَارُونَ أَنْوَاءَ النّجُومِ فَمَا ... دَنَتْ عَنْ السّورَةِ
الْعُلْيَا مَسَاعِيهَا
شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَى هُبَيْرَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ
سُقْتُمْ كِنَانَةَ جَهْلًا مِنْ سَفَاهَتِكُمْ ... إلَى الرّسُولِ فَجَنّدَ
اللّهُ مُخْزِيهَا
أَوْرَدْتُمُوهَا حِيَاضَ الْمَوْتِ صَاحِيَةً ... فَالنّارُ مَوْعِدُهَا ،
وَالْقَتْلُ لَاقِيهَا
جَمَعْتُمُوهَا أَحَابِيشًا بِلَا حَسَبٍ ... أَئِمّةُ الْكُفْرِ غَرّتْكُمْ
طَوَاغِيهَا
أَلّا اعْتَبَرْتُمْ بِخَيْلِ اللّهِ إذْ قَتَلَتْ ... أَهْلَ الْقَلِيبِ وَمَنْ
أَلْقَيْنَهُ فِيهَا
كَمْ مِنْ أَسِيرٍ فَكَكْنَاهُ بِلَا ثَمَنٍ ... وَجَزّ نَاصِيَةٍ كُنّا
مَوَالِيهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَيّتَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الّذِي
يَقُولُ فِيهِ
وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى
الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا
يُرْوَى لِجَنُوبَ أُخْتِ عَمْرٍو ذِي الْكَلْبِ الْهُذَلِيّ فِي أَبْيَاتٍ لَهَا
فِي غَيْرِ يَوْمِ أُحُدٍ .Sشَرْحُ مَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ مِنْ
الْأَشْعَارِ
[ ص 321 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلّا مَنْ [ ص 322 ] آمَنَ مِنْهُمْ
لَكِنّهُ ذَكَرَ فِي شِعْرِ هُبَيْرَةَ الّذِي بَدَأَ بِهِ بَيْتَيْنِ لَيْسَا
مِنْ شِعْرِهِ فَلِذَلِكَ ذَكَرْتهمَا ، وَهُمَا :
وَلَيْلَةٍ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ جَازِرُهَا ... يَخْتَصّ بِالنّقَرَى
الْمُثْرِينَ دَاعِيهَا
فِي لَيْلَةٍ مِنْ جُمَادَى ذَاتِ أَنْدِيَةٍ ... جَرْبَا جُمَادِيّةٍ قَدْ بِتّ
أَسْرِيهَا
قَوْلُهُ يَصْطَلِي بِالْفَرْثِ أَيْ يَسْتَدْفِئُ بِهِ مِنْ شِدّةِ الْبَرْدِ .
حَوْلَ جَمْعِ نَدَى وَأَسْمَاءِ الشّهُورِ
وَقَوْلُهُ يَخْتَصّ بِالنّقَرَى الْمُثْرِينَ يُرِيدُ يَخْتَصّ الْأَغْنِيَاءَ
طَلَبًا لِمُكَافَأَتِهِمْ وَلِيَأْكُلَ عِنْدَهُمْ يَصِفُ شِدّةَ الزّمَانِ
قَالَهُ يَعْقُوبُ فِي الْأَلْفَاظِ وَنَسَبَهُمَا الْهُذَلِيّ ، وَكَذَلِكَ قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَيْنِ الْبَيْتَيْنِ أَنّهُمَا لَيْسَا لِهُبَيْرَةَ
وَنَسَبَهُمَا لِجَنُوبَ أُخْتِ عَمْرٍو ذِي الْكَلْبِ الْهُذَلِيّ . وَقَوْلُهُ
ذَاتُ أَنْدِيَةٍ جَمْعُ نَدَى عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَقَدْ قِيلَ إنّهُ جَمْعُ
الْجَمْعِ كَأَنّهُ [ ص 323 ] جَمْعُ نَدَى عَلَى نِدَاءٍ مِثْلُ جَمَلٍ وَجِمَالٍ
ثُمّ جَمْعُ الْجَمْعِ عَلَى أَفْعِلَةٍ وَهَذَا بَعِيدٌ فِي الْقِيَاسِ لِأَنّ
الْجَمْعَ الْكَثِيرَ لَا يُجْمَعُ وَفَعّالٌ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ
الْكَثِيرِ وَقَدْ قِيلَ هُوَ جَمْعُ نَدِيّ وَالنّدِيّ الْمَجْلِسُ وَهَذَا لَا
يُشْبِهُ مَعْنَى الْبَيْتِ وَلَكِنّهُ جَمْعٌ جَاءَ عَلَى مِثَالٍ أَفْعِلَةٍ
لِأَنّهُ فِي مَعْنَى الْأَهْوِيَةِ وَالْأَشْتِيَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَأَقْرَبُ
مِنْ ذَلِكَ أَنّهُ فِي مَعْنَى الرّذَاذِ وَالرّشَاشِ وَهُمَا يُجْمَعَانِ عَلَى
أَفْعِلَةٍ وَأَرَادَ بِجُمَادَى الشّهْرَ وَكَانَ هَذَا الِاسْمُ قَدْ وَقَعَ
عَلَى هَذَا الشّهْرِ فِي زَمَنِ جُمُودِ الْمَاءِ ثُمّ انْتَقَلَ بِالْأَهِلّةِ
وَبَقِيَ الِاسْمُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي الصّيْفِ وَالْقَيْظِ وَكَذَلِكَ
أَكْثَرُ هَذِهِ الشّهُورِ الْعَرَبِيّةِ سُمّيَتْ بِأَسْمَاءِ مَأْخُوذَةٍ مِنْ
أَحْوَالِ السّنَةِ الشّمْسِيّةِ ثُمّ لَزِمَتْهَا ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ تِلْكَ
الْأَوْقَاتِ .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ
عَلَى هُبَيْرَةَ
[ ص 324 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ
بْنِ أَبِي وَهْبٍ أَيْضًا [ ص 325 ] [ ص 326 ] [ ص 327 ]
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ عَنّا وَدُونَهُمْ ... مِنْ الْأَرْضِ خَرْقٌ سَيْرُهُ
مُتَنَعْنِعُ
صَحَارٍ وَأَعْلَامٌ كَأَنّ قَتَامَهَا ... مِنْ الْبُعْدِ نَقْعٌ هَامِدٌ
مُتَقَطّعُ
تَظَلّ بِهِ الْبُزْلُ الْعَرَامِيسُ رُزّحًا ... وَيَخْلُو بِهِ غَيْثُ السّنِينَ
فَيُمْرَعُ
بِهِ جِيَفُ الْحَسْرَى يَلُوحُ صَلِيبُهَا ... كَمَا لَاحَ كَتّانُ التّجَارِ
الْمُوَضّعُ
بِهِ الْعِينُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خَلِفَةً ... وَبَيْضُ نَعَامٍ قَيْضُهُ
يَتَقَلّعُ
مَجَالِدُنَا عَنْ دِينِنَا كُلّ فَخْمَةٍ ... مُذَرّبَةٍ فِيهَا الْقَوَانِسُ
تَلْمَعُ
وَكُلّ صَمُوتٍ فِي الصّوَانِ كَأَنّهَا ... إذَا لُبِسَتْ تَهْيٌ مِنْ الْمَاءِ
مُتْرَعُ
وَلَكِنْ بِبَدْرِ سَائِلُوا مَنْ لَقِيتُمْ ... مِنْ النّاسِ وَالْأَنْبَاءِ
بِالْغَيْبِ تُدْفَعُ
وَإِنّا بِأَرْضِ الْخَوْفِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا ... سِوَانَا لَقَدْ أَجْلَوْا
بِلَيْلِ فَأَقْشَعُوا
إذَا جَاءَ مِنّا رَاكِبٌ كَانَ قَوْلُهُ ... أَعِدّوا لِمَا يُزْجِي ابْنُ حَرْبٍ
وَيَجْمَعُ
فَمَهْمَا يُهِمّ النّاسَ مِمّا يَكِيدُنَا ... فَنَحْنُ لَهُ مِنْ سَائِرِ
النّاسِ أَوْسَعُ
فَلَوْ غَيْرُنَا كَانَتْ جَمِيعًا : تَكِيدُهُ الْبَ ... رّيّةُ قَدْ أَعْطَوْا
يَدًا وَتَوَزّعُوا
نُجَالِدُ لَا تَبْقَى عَلَيْنَا قَبِيلَةٌ ... مِنْ النّاسِ إلّا أَنْ يَهَابُوا
وَيَفْظَعُوا
وَلَمّا ابْتَنَوْا بِالْعَرْضِ قَالَ سُرَاتُنَا ... عَلَامَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ
الْعِرْضَ نَزْرَعُ ؟
وَفِينَا رَسُولُ اللّهِ نَتْبَعُ أَمْرَهُ ... إذَا قَالَ فِينَا الْقَوْلَ لَا
نَتَطَلّعُ
تَدَلّى عَلَيْهِ الرّوحُ مِنْ عِنْدِ رَبّهِ ... يَنْزِلُ مِنْ جَوّ السّمَاءِ
وَيُرْفَعُ
نُشَاوِرُهُ فِيمَا نُرِيدُ وَقَصْرُنَا ... إذَا مَا اشْتَهَى أَنّا نُطِيعُ
وَنَسْمَعُ
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ لَمّا بَدَوْا لَنَا ... ذَرُوا عَنْكُمْ هَوْلَ
الْمَنِيّاتِ وَاطْمَعُوا
وَكُونُوا كَمَنْ يَشْرِي الْحَيَاةَ تَقَرّبًا ... إلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيْهِ
وَيُرْجَعُ
وَلَكِنْ خُذُوا أَسْيَافَكُمْ وَتَوَكّلُوا ... عَلَى اللّهِ إنّ الْأَمْرَ
لِلّهِ أَجْمَعُ
فَسِرْنَا إلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحَالِهِمْ ... ضُحَيّا عَلَيْنَا الْبِيضُ لَا
نَتَخَشّعُ
بِمَلْمُومَةِ فِيهَا السّنّوْرُ وَالْقَنَا ... إذَا ضَرَبُوا أَقْدَامَهَا لَا
تَوَرّعُ
فَجِئْنَا إلَى مَوْجٍ مِنْ الْبَحْرِ وَسَطُهُ ... أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ
وَمُقَنّعٌ
ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيّةٌ ... ثَلَاثُ مِئِينٍ إنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ
نُغَاوِرُهُمْ تَجْرِي الْمَنِيّةُ بَيْنَنَا ... نُشَارِعُهُمْ حَوْضَ
الْمَنَايَا وَنَشْرَعُ
تَهَادَى قَسَيّ النّبْعِ فِينَا وَفِيهِمْ ... وَمَا هُوَ إلّا الْيَثْرِبِيّ
الْمُقَطّعُ
وَمَنْجُوفَةٌ حِرْمِيّةٌ صَاعِدِيّةٌ ... يُذَرّ عَلَيْهَا السّمّ سَاعَةَ
تُصْنَعُ
تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرّجَالِ وَتَارَةً ... تَمُرّ بِأَعْرَاضِ الْبِصَارِ
تَقَعْقَعُ
وَخَيْلٌ تَرَاهَا بِالْفَضَاءِ كَأَنّهَا ... جَرَادٌ صَبّا فِي قَرّةٍ
يَتَرَيّعُ
فَلَمّا تَلَاقَيْنَا وَدَارَتْ بِنَا الرّحَى ... وَلَيْسَ لِأَمْرِ حَمّهُ
اللّهُ مَدْفَعُ
ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ ... كَأَنّهُمْ بِالْقَاعِ خُشُبٌ
مُصَرّعُ
لَدُنْ غُدْوَةً حَتّى اسْتَفَقْنَا عَشِيّةً ... كَأَنّ ذَكَانَا حَرّ نَارٍ
تَلَفّعُ
وَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجِفِينَ كَأَنّهُمْ ... جِهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرّيحُ
مُقَلّعُ
وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنّنَا ... أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةِ
ظُلّعُ
فَنَلِنَا وَنَالَ الْقَوْمُ مِنّا وَرُبّمَا ... فَعَلْنَا وَلَكِنْ مَا لَدَى
اللّهِ أَوْسَعُ
وَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ ... وَقَدْ جُعِلُوا كُلّ مِنْ
الشّرّ يَشْبَعُ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبّةً ... عَلَى كُلّ مَنْ يَحْمِي
الذّمَارَ وَيَمْنَعُ
جِلَادٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لَا نَرَى ... عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا
الدّهْرَ تَدْمَعُ
بَنُو الْحَرْبِ لَا نَعْيَا بِشَيْءِ نَقُولُهُ ... وَلَا نَحْنُ بِمَا جَرَتْ
الْحَرْبُ نَجْزَعُ
بَنُو الْحَرْبِ إنْ نَظْفَرْ فَلَسْنَا بِفُحْشِ ... وَلَا نَحْنُ مِنْ
أَظْفَارِهَا نَتَوَجّعُ
وَكُنّا شِهَابًا يَتّقِي النّاسُ حَرّهُ ... وَيَفْرُجُ عَنْهُ مَنْ يَلِيهِ
وَيَسْفَعُ
فَخَرْت عَلَيّ ابْنَ الزّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى ... لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ
اللّيْلِ مُتْبَعُ
فَسَلْ عَنْك فِي عُلْيَا مَعَدّ وَغَيْرِهَا ... مِنْ النّاسِ مَنْ أَحْزَى
مَقَامًا وَأَشْنَعَ
وَمَنْ هُوَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الْحَرْبُ مَفْخَرًا ... وَمَنْ حَدّهُ يَوْمَ
الْكَرِيهَةِ أَضْرَعُ
شَدَدْنَا بِحَوْلِ اللّهِ وَالنّصْرِ شِدّةً ... عَلَيْكُمْ وَأَطْرَافُ
الْأَسِنّةِ سُرّعُ
تَكُرّ الْقَنَا فِيكُمْ كَأَنّ فُرُوعَهَا ... عَزّ إلَى مَزَادٍ مَاؤُهَا
يَتَهَرّعُ
عَمَدْنَا إلَى أَهْلِ اللّوَاءِ وَمَنْ يَطِرْ ... بِذِكْرِ اللّوَاءِ فَهُوَ فِي
الْحَمْدِ أَسْرَعُ
فَخَانُوا وَقَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَخَاذَلُوا ... أَبَى اللّهُ إلّا أَمْرَهُ
وَهُوَ أَصْنَعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ قَالَ مُجَالَدُنَا عَنْ
جِذْمِنَا كُلّ فَخْمَةٍ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ
مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا ؟ فَقَالَ كَعْبٌ نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهُوَ أَحْسَنُ فَقَالَ كَعْبٌ مُجَالَدُنَا عَنْ
دِينِنَاSشَرْحُ شِعْرِ كَعْبٍ
[ ص 324 ] وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ وَأَوّلُهُ
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ . وَقَدْ افْتَتَحَ قَصِيدَةً أُخْرَى فِي أَشْعَارِ
بَدْرٍ بِهَذَا اللّفْظِ فَقَالَ أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا
وَإِنّمَا يَذْكُرُ غَسّانَ لِأَنّهُمْ بَنُو عَمّ الْأَنْصَارِ ، وَالْأَنْصَارُ
بَنُو حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ . وَاَلّذِينَ
بِالشّامِ بَنُو جُحْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، وَالْكُلّ غَسّانُ ، لِأَنّ
غَسّانَ مَاءٌ شَرِبُوا مِنْهُ حِينَ ارْتِحَالُهُمْ مِنْ الْيَمَنِ فَسُمّوا بِهِ
. وَقَوْلُهُ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ أَيْ مُضْطَرِبٌ . وَقَوْلُهُ الْعَرَامِيسُ
جَمْعُ عِرْمِسٌ وَهِيَ النّاقَةُ الْقَوِيّةُ عَلَى السّيْرِ . وَقَوْلُهُ
قَيْضُهُ يَتَفَلّعُ أَيْ يَتَشَقّقُ وَالْقَيْضُ قُشُورُ الْبَيْضِ
وَالْقَوَانِسُ جَمْعُ قَوْنَسٍ وَهِيَ بَيْضَةُ السّلَاحِ . وَقَوْلُهُ وَكُلّ
صَمُوتٍ فِي الصّوَانِ ، يَعْنِي : الدّرْعَ جَعَلَهَا صَمُوتًا لِشِدّةِ
نَسْجِهَا وَإِحْكَامِ [ ص 325 ] الْغَدِيرُ ، سُمّيَ بِذَلِكَ لِأَنّ مَاءَهُ
قَدْ مُنِعَ مِنْ الْجَرَيَانِ بِارْتِفَاعِ الْأَرْضِ فَغَادَرَهُ السّيْلُ
فَسُمّيَ غَدِيرًا ، وَنَهَتْهُ الْأَرْضُ فَسُمّيَ نَهْيًا . وَقَوْلُهُ
وَمَنْجُوفَةٌ مَفْعُولَةٌ مِنْ نَجَفْت : إذَا حَفَرْت ، وَيَكُونُ أَيْضًا مِنْ
نَجَفْت الْعَنْزَ إذَا [ ص 326 ] كَانَ أَرَادَ الرّمَاحَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ
مَنْجُوفَةٌ أَيْ مَشْدُودَةٌ مُثَقّفَةٌ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ أَسِنّتَهَا ،
فَهِيَ أَيْضًا مُتَجَوّفَةٌ مِنْ نَجَفْت إذَا حَفَرْت ، لِأَنّ ثَعْلَبَ
الرّمْحِ دَاخِلٌ فِي الْحَدِيدَةِ فَهِيَ مَنْجُوفَةٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ
السّيُوفَ فَمَنْجُوفَةٌ أَيْ كَالْمَحْفُورَةِ لِأَنّ مُتُونَهَا مِدْوَسَةٌ
مَضْرُوبَةٌ بِمَطَارِقِ الْحَدِيدِ فَهِيَ كَالْمَحْفُورَةِ . وَقَوْلُهُ
تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرّجَالِ وَتَارَةً ... تَمُرّ بِأَعْرَاضِ الْبِصَارِ
تَقَعْقَعُ
يَقُولُ تَشُقّ أَبْدَانَ الرّجَالِ حَتّى تَبْلُغَ الْبِصَارَ فَتَقَعْقَعُ فِيهَا
، وَهِيَ جَمْعُ بَصْرَةٍ وَهِيَ حِجَارَةٌ لَيّنَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
أَرَادَ جَمْعَ بَصِيرَةٍ مِثْلُ كَرِيمَةٍ وَكِرَامٍ وَالْبَصِيرَةُ الدّرْعُ
وَقِيلَ التّرْسُ وَالْبَصِيرَةُ أَيْضًا : طَرِيقَةُ الدّمِ فِي الْأَرْضِ فَإِنْ
كَانَتْ فِي الْجَسَدِ فَهِيَ جَدِيّةٌ وَلَا مَعْنَى لَهَا فِي هَذَا الْبَيْتِ .
شِعْرٌ لِابْنِ الزّبَعْرَى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ
: [ ص 328 ]
يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسَمِعْت فَقُلْ ... إنّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ فُعِلْ
إنّ لِلْخَيْرِ وَلِلشّرّ مَدًى ... وَكِلًا وَجْهٌ وَقَبَلْ
وَالْعَطِيّاتُ خِسَاسٌ بَيْنَهُمْ ... وَسَوَاءٌ قَبْرٌ مُثْرٍ وَمُقِلْ
كُلّ عَيْشٍ وَنَعِيمٍ زَائِلٌ ... وَبَنَاتُ الدّهْرِ يَلْعَبْنَ بِكُلّ
أَبْلِغْنَ حَسّانَ عَنّي آيَةً ... فَقَرِيضُ الشّعْرِ يَشْفِي ذَا الْعِلَلْ
كَمْ تَرَى بِالْجَرّ مِنْ جُمْجُمَةٍ ... وَأَكُفّ قَدْ أُتِرّتْ وَرِجِلْ
وَسَرَابِيلَ حِسَانٍ سُرِيَتْ ... عَنْ كُمَاةٍ أُهْلِكُوا فِي الْمُنْتَزَلْ
كَمْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ سَيّدٍ ... مَاجِدِ الْجَدّيْنِ مِقْدَامٍ بَطَلْ
صَادِقِ النّجْدَةِ قَرْمٍ بَارِعٍ ... غَيْرِ مُلْتَاثٍ لَدَى وَقْعِ الْأَسَلْ
فَسَلْ الْمِهْرَاسَ مَنْ سَاكِنُهُ ؟ ... بَيْنَ أَقْحَافٍ وَهَامٍ كَالْحَجَلْ
لَيْتَ أَشْيَاخِي بِبَدْرِ شَهِدُوا ... جَزَعَ الْخَزْرَجِ مِنْ وَقْعِ
الْأَسَلْ
حِينَ حَكّتْ بِقَبَاءِ بَرْكَهَا ... وَاسْتَحَرّ الْقَتْلَ فِي عَبْدِ الْأَشَلْ
ثُمّ خُفّوا عِنْدَ ذَاكُمْ رُقّصًا ... رَقَصَ الْحَفّان يَعْلُو فِي الْجَبَلْ
فَقَتَلْنَا الضّعْفَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ ... وَعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْرٍ
فَاعْتَدَلْ
لَا أَلُومُ النّفْسَ إلّا أَنّنَا ... لَوْ كَرّرْنَا لَفَعَلْنَا الْمُفْتَعَلْ
بِسُيُوفِ الْهِنْدِ تَعْلُو هَامَهُمْ ... عِلَلًا تَعْلُوهُمْ بَعْدَ نَهَلْSشَرْحُ شِعْرٍ
لِابْنِ الزّبَعْرَى
[ ص 327 ] ابْنِ الزّبَعْرَى :
يَا غُرَابَ الْبَيْنِ أَسَمِعْت ، فَقُلْ ... إنّمَا تَنْطِقُ شَيْئًا قَدْ
فُعِلْ
إقْرَارُ الْجَاهِلِيّةِ بِالْقَدَرِ قَوْلُهُ قَدْ فُعِلْ أَيْ قَدْ فُرِغَ
مِنْهُ وَقَدْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيّةِ يُقِرّونَ بِالْقَدْرِ وَقَالَ لَبِيدٌ
فِي الْجَاهِلِيّةِ
إنّ تَقْوَى رَبّنَا خَيْرُ نَفَلْ ... وَبِإِذْنِ اللّهِ رَيْثِي وَالْعَجَلْ
مَنْ هُدَاهُ سُبُلَ الْخَيْرِ اهْتَدَى ... نَاعِمَ الْبَالِ وَمَنْ شَاءَ أَضَلْ
وَقَالَ رَاجِزُهُمْ
يَا أَيّهَا اللّائِمُ لُمْنِي ، أَوْ فَذَرْ ... إنْ كُنْت أَخْطَأْت فَمَا
أَخْطَا الْقَدَرُ
[ ص 328 ] مُلْتَاثٍ هُوَ مُفْتَعَلٌ مِنْ اللّوثَةِ كَمَا قَالَ الضّبّيّ :
عِنْدَ الْحَفِيظَةِ إنْ ذِي لُوثَةٍ لَانَا
وَالْمِهْرَاسُ : حَجَرٌ مَنْقُورٌ يَمْسِكُ الْمَاءَ فَيَتَوَضّأُ مِنْهُ شُبّهَ
بِالْمِهْرَاسِ الّذِي هُوَ الْهَاوُونُ وَوَهِمَ الْمُبَرّدُ فَجَعَلَ
الْمِهْرَاسَ اسْمًا عَلَمًا لِلْمِهْرَاسِ الّذِي بِأُحُدِ خَاصّةً وَإِنّمَا
هُوَ اسْمٌ لِكُلّ حَجَرٍ نُقِرَ فَأَمْسَكَ الْمَاءَ . وَرَوَى ابْنُ عَبْدُوسٍ
عَنْ مَالِكٍ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ يَمُرّ بِمِهْرَاسِ فِي أَرْضِ فَلَاةٍ
كَيْفَ يَغْتَسِلُ مِنْهُ ؟ فَقَالَ مَالِكٌ هَلّا قُلْت مَرّ بِغَدِيرِ وَمَنْ
يُجْعَلُ لَهُ مِهْرَاسًا فِي أَرْضِ فَلَاةٍ ؟ فَهَذَا يُبَيّنُ لَك أَنّ
الْمِهْرَاسَ لَيْسَ مَخْصُوصًا بِالْمِهْرَاسِ الّذِي كَانَ بِأُحُدِ وَكَذَلِكَ
وَقَعَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
مَرّ بِقَوْمِ يَتَجَاذَوْنَ مِهْرَاسًا أَيْ يَرْفَعُونَهُ .
رَدّ حَسّانَ عَلَى ابْنِ
الزّبَعْرَى
[ ص 329 ] حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ
ذَهَبَتْ يَا ابْنَ الزّبَعْرَى وَقْعَةٌ ... كَانَ مِنّا الْفَضْلُ فِيهَا لَوْ
عَدَلْ
وَلَقَدْ نِلْتُمْ وَنَلِنَا مِنْكُمْ ... وَكَذَاكَ الْحَرْبُ أَحْيَانًا دُوَلْ
نَضَعُ الْأَسْيَافَ فِي أَكْتَافِكُمْ ... حَيْثُ نَهْوِي عِلَلًا بَعْدَ نَهَلْ
نُخْرِجُ الْأَصْبَحَ مِنْ أَسْتَاهِكُمْ ... كَسِلَاحِ النّبِيبِ يَأْكُلْنَ
الْعَصَلْ
إذْ تُوَلّونَ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ... هَرَبًا مِنْ الشّعْبِ أَشْبَاهَ الرّسَلْ
إذْ شَدَدْنَا شِدّةً صَادِقَةً ... فَأَجَأْنَاكُمْ إلَى سَفْحِ الْجَبَلْ
بِخَنَاطِيلَ كَأَشْرَافِ الْمَلَا ... مَنْ يُلَاقُوهُ مِنْ النّاسِ يُهَلْ
ضَاقَ عَنّا الشّعْبُ إذْ يَجْزَعُهُ ... وَمَلَأْنَا الْفَرْطَ مِنْهُ وَالرّجَلْ
بِرِجَالِ لَسْتُمْ أَمْثَالَهُمْ ... أَيّدُوا جِبْرِيلَ نَصْرًا فَنَزَلْ
وَعَلَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالتّقَى ... طَاعَةِ اللّهِ وَتَصْدِيقِ الرّسُلْ
وَقَتَلْنَا كُلّ رَأْسٍ مِنْهُمْ ... وَقَتَلْنَا كُلّ جَحْجَاحٍ رِفَلْ
وَتَرَكْنَا فِي قُرَيْشٍ عَوْرَةً ... يَوْمَ بَدْرٍ وَأَحَادِيثَ الْمَثَلْ
وَرَسُولُ اللّهِ حَقّا شَاهِدٌ ... يَوْمَ بَدْرٍ وَالتّنَابِيلُ الْهُبُلْ
فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جُمّعُوا ... مِثْلَ مَا يُجْمَعُ فِي الْخِصْبِ
الْهَمَلْ
نَحْنُ لَا أَمْثَالُكُمْ وُلْدَ اسْتِهَا ... نَحْضُرُ النّاسَ إذَا الْبَأْسُ
نَزَلْ
[ ص 331 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ :
" وَأَحَادِيثُ الْمِثْلِ " وَالْبَيْتُ الّذِي قَبْلَهُ . وَقَوْلُهُ
" فِي قُرَيْشٍ مِنْ جُمُوعٍ جَمّعُوا " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .Sشِعْرُ حَسّانَ
يَرُدّ بِهِ عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى
[ ص 329 ] هُرّبًا فِي الشّعْبِ أَشْبَاهَ الرّسَلْ
يَعْنِي : الْغَنَمَ إذَا أَرْسَلَهَا الرّاعِي ، يُقَالُ لَهَا حِينَئِذٍ رَسَلٌ
. وَقَوْلُهُ كَأَشْرَافِ الْمَلَا ، الْأَشْرَافُ جَمْعُ شَرَفٍ وَهُوَ الشّخْصُ
وَالْمَلَا : مَا اتّسَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَيُرِيدُ بِالْأَشْرَافِ هَاهُنَا
أَشْخَاصُ الشّجَرِ وَأُصُولُهَا . وَقَوْلُهُ يُهَلّ ، أَرَادَ فَيُهَالُ ثُمّ
جُزِمَ لِلشّرْطِ فَانْحَذَفَتْ الْأَلِفُ لِالْتِقَاءِ السّاكِنَيْنِ وَهُوَ مِنْ
الْهَوْلِ يُقَالُ هَالَنِي الْأَمْرُ يَهُولُنِي هَوْلًا إذَا أَفْزَعَك .
وَقَوْلُهُ وَمَلَأْنَا الْفَرْطَ أَرَادَ الْفَرَطَ بِتَحْرِيكِ الرّاءِ وَهِيَ
الْأَكَمَةُ وَمَا ارْتَفَعَ مِنْ الْأَرْضِ وَالرّجَلُ جَمْعُ رَجْلَةٍ وَهُوَ
الْمُطَمّسُ مِنْ الْأَرْضِ وَالرّجْلَةُ أَيْضًا فِي مَعْنَى الرّجْلِ مِنْ
الْجَرَادِ قَالَ الشّاعِرُ
وَتَحْتَ نُحُورِ الْخَيْلِ حَرْشَفُ رَجْلَةٍ
يُرِيدُ بِالْحَرْشَفِ جَمَاعَةَ الرّبَا ، وَهُمْ صِغَارُ الْجَرَادِ ضَرَبَهُمْ
مَثَلًا لِلرّجّالَةِ وَالرّمَاةِ وَجَمْعُ الْفَرَطِ أَفْرَاطٌ . [ ص 330 ]
الْعَرَبُ عِنْدَ السّبّ تَقُولُ يَا بَنِي اسْتِهَا ، وَالْوَلَدُ بِمَعْنَى
الْأَوْلَادِ . وَكَتَبَ أَهْلُ دِمَشْقَ إلَى أَهْلِ مِزّةَ وَهِيَ عَلَى
فَرْسَخٍ مِنْ دِمَشْقَ وَكَانُوا أَمْسَكُوا عَنْهُمْ الْمَاءَ فَكَتَبُوا
إلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ إلَى بَنِي اسْتِهَا . وَبَعْدُ فَإِمّا أَنْ
يُمْسِيَنَا الْمَاءُ وَإِلّا صَبّحَتْكُمْ الْخَيْلُ . ذَكَرَهُ الْجَاحِظُ .
مَتَى يَضُرّ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرّ ؟
وَقَوْلُهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ أَيّدُوا جِبْرِيلَ أَيْ أَيّدُوا بِجِبْرِيلَ
وَحُذِفَ الْجَارُ فَتَعَدّى الْفِعْلُ فَنُصِبَ وَلَا يَضُرّ هَذَا الْحَذْفُ
إلّا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ الْمُتَعَدّي بِحَرْفِ جَرّ مُتَضَمّنًا لِمَعْنَى
فِعْلٍ آخَرَ نَاصِبٍ كَقَوْلِهِمْ أَمَرْتُك الْخَيْرَ أَيْ كَلّفْتُك الْخَيْرَ
وَأَلْزَمْتُكَهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ نَهَيْتُك الشّرّ إذْ لَيْسَ فِي مَعْنَى نَهَيْتُك
فِعْلٌ نَاصِبٌ وَقَوْلُهُ أَيّدُوا جِبْرِيلَ أَيْ أُصْحِبُوهُ وَنَحْوُ هَذَا ،
فَحَسُنَ حَذْفُ الْبَاءِ لِهَذَا .
عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانَ
وَقَوْلُ حَسّانَ
نُخْرِجُ الْأَصْبَحَ مِنْ اسْتَاهِكُمْ
رَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ نُخْرِجُ الْأَضْيَاحَ وَهُوَ اللّبَنُ الْمَمْزُوجُ
بِالْمَاءِ وَهُوَ فِي مَعْنَى الْأَصْبَحِ لِأَنّ الصّبْحَةَ بَيَاضٌ غَيْرُ
خَالِصٍ فَجَعَلَهُ وَصْفًا لِلّبَنِ الْمَمْذُوقِ الْمُخْرَجِ مِنْ بُطُونِهِمْ .
وَقَوْلُهُ
كَسِلَاحِ النّيْبِ يَأْكُلْنَ الْعَصَلْ
[ ص 331 ] أَكَلَتْهُ وَيُكْثِرُ شُرْبَهَا لِلْمَاءِ وَهُوَ مِنْ الْحَمْضِ ،
وَيَنْبُتُ فِي السّبَاخِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ
حَمْزَةَ وَقَتْلَى أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ وَقَتْلَى أُحُدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
نَشَجْت وَهَلْ لَك مِنْ مَنْشِجِ ... وَكُنْت مَتَى تَذّكِرْ تَلْجَجَ
تَذَكّرُ قَوْمٍ أَتَانِي لَهُمْ ... أَحَادِيثُ فِي الزّمَنِ الْأَعْوَجِ
فَقَلْبُك مِنْ ذِكْرِهِمْ خَافِقٌ ... مِنْ الشّوْقِ وَالْحَزَنِ الْمُنْضِجِ
وَقَتْلَاهُمْ فِي جِنَانِ النّعِيمِ ... كِرَامُ الْمَدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ
بِمَا صَبَرُوا تَحْتَ ظِلّ اللّوَاءِ ... لِوَاءُالرّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجِ
غَدَاةَ أَجَابَتْ بِأَسْيَافِهَا ... جَمِيعًا بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ
وَأَشْيَاعُ أَحْمَدَ إذْ شَايَعُوا ... عَلَى الْحَقّ النّورَ وَالْمَنْهَجَ
فَمَا بَرِحُوا يَضْرِبُونَ الْكُمَاةَ ... وَيَمْضُونَ فِي الْقَسْطَلِ
الْمُرْهَجِ
كَذَلِكَ حَتّى دَعَاهُمْ مَلِيكٌ ... إلَى جَنّةِ دَوْحَةِ الْمَوْلِجِ
فَكُلّهُمْ مَاتَ حُرّ الْبَلَاءِ ... عَلَى مِلّةِ اللّهِ لَمْ يَحْرَجْ
كَحَمْزَةِ لَمّا وَفّى صَادِقًا ... بِذِي هِبَةٍ صَارِمِ سَلْجَجْ
فَلَاقَاهُ عَبْدُ بَنِي نَوْفَلٍ ... يُبَرْبِرُ كَالْجَمَلِ الْأَدْعَجْ
فَأَوْجَرَهُ حَرْبَةً كَالشّهَابِ ... تَلَهّبُ فِي اللّهَبِ الْمُوهَجْ
وَنُعْمَانُ أَوْفَى بِمِيثَاقِهِ ... وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرُ لَمْ يُحْنَجْ
عَنْ الْحَقّ حَتّى غَدَتْ رُوحُهُ ... إلَى مَنْزِلٍ فَاخِرِ الزّبْرِجْ
أُولَئِكَ لَا مَنْ ثَوَى مِنْكُمْ ... مِنْ النّارِ فِي الدّرَكِ الْمُرْتَجْSشِعْرُ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ
وَقَوْلُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : لِوَاءِ الرّسُولِ بِذِي الْأَضْوُجِ
الْأَضْوُجُ جَمْعُ ضَوْجٍ وَالضّوْجُ جَانِبُ الْوَادِي . وَقَوْلُهُ فِي
الْقَسْطَلِ الْمُرْهِجِ . الْقَسْطَلُ الْغُبَارُ وَكَذَلِكَ الرّهَجُ وَقَدْ
شَرَحْنَا السّلْجَجَ فِيمَا مَضَى ، وَالْجَمَلُ الْأَدْعَجُ يَعْنِي الْأَسْوَدَ
وَمِنْهُ الْحَدِيثُ فِي صِفَةِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي
عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ . [ ص 332 ]
وَحَنْظَلَةُ الْخَيْرُ لَمْ يُحْنَجْ
أَيْ لَمْ يُمْلِهِ شَيْءٌ عَنْ الطّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ يُقَالُ حَنَجْت
الشّيْءَ إذَا أَمَلْته وَعَدَلْته عَنْ وَجْهِهِ وَيُقَالُ أَيْضًا :
أَحْنَجْتُهُ فَهُوَ مُحْنَجٌ وَسَيَأْتِي فِي الشّعْرِ بَعْدَ هَذَا مَا يَدُلّ
عَلَيْهِ . وَقَوْلُهُ
عَنْ الْحَقّ حَتّى غَدَتْ رُوحُهُ
أَنّثَ الرّوحَ لِأَنّهُ فِي مَعْنَى النّفْسِ وَهِيَ لُغَةٌ مَشْهُورَةٌ
مَعْرُوفَةٌ . أَمَرَ ذُو الرّمّةِ عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى قَبْرِهِ
يَا نَازِعَ الرّوحِ مِنْ جِسْمِي إذَا قُبِضْت ... وَفَارِجَ الْكَرْبِ
أَنْقِذْنِي مِنْ النّارِ
فَكَانَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عَلَى قَبْرِهِ . وَقَوْله : فَاخِرِ الزّبْرِجِ أَيْ
فَاخِرُ الزّينَةِ أَيْ ظَاهِرُهَا . وَقَوْلُهُ فِي الدّرَكِ الْمُرْتَجِ أَيْ
الْمُغْلَقِ يُقَالُ ارْتَجْتُ الْبَابَ إذَا أَغْلَقْته ، وَهُوَ مِنْ الرّتَاجِ
قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ الْعَرَبِ مَاتَتْ أُمّهَا ، وَتَزَوّجَ أَبُوهَا :
وَلَكِنْ قَدْ أَتَى مِنْ دُونِ وُدّي ... وَبَيْنَ فُؤَادِهِ غَلْقُ الرّتَاجِ
وَمَنْ لَمْ يُؤْذِهِ أَلَمٌ بِرَأْسِي ... وَمَا الرّئْمَانُ إلّا بِالنّتَاجِ
وَمِنْهُ قِيلَ ارْتَجْ عَلَى الْخَطِيبِ إذَا أُغْلِقَ عَلَيْهِ بَابُ الْقَوْلِ
.
شِعْرُ ضِرَارٍ فِي الرّدّ
عَلَى كَعْبٍ
[ ص 333 ] ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ ، فَقَالَ
أَيَجْزَعُ كَعْبٌ لِأَشْيَاعِهِ ... وَيَبْكِي مِنْ الزّمَنِ الْأَعْوَجِ
عَجِيجَ الْمُذَكّي رَأَى إلْفَهُ ... تَرُوحُ فِي صَادِرِ مُحْنَجِ
فَرَاحَ الرّوَايَا وَغَادَرْنَهُ ... يُعَجْعَجُ قَسْرًا وَلَمْ يُخْدَجْ
فَقُولَا لِكَعْبِ يُثْنِي اُلْبُكَا ... وَلِلنّيءِ مِنْ لَحْمِهِ يَنْضَجْ
لِمَصْرَعِ إخْوَانِهِ فِي مَكَرّ ... مِنْ الْخَيْلِ ذِي قَسْطَلِ مُرْهَجِ
فَيَا لَيْتَ عَمْرًا وَأَشْيَاعَهُ ... وَعُتْبَةَ فِي جَمَعْنَا السّوْرَجُ
فَيَشْفُوا النّفُوسَ بِأَوْتَارِهَا ... بِقَتْلَى أُصِيبَتْ مِنْ الْخَزْرَجِ
وَقَتْلَى مِنْ الْأَوْسِ فِي مَعْرَكٍ ... أُصِيبُوا جَمِيعًا بِذِي الْأَضْوُجِ
وَمَقْتَلُ حَمْزَةَ تَحْتَ اللّوَاءِ ... بِمُطَرّدِ مَازِنٍ مُخْلَجِ
وَحَيْثُ انْثَنَى مُصْعَبٌ ثَاوِيًا ... بِضَرْبَةِ ذِي هَبّةٍ سَلْجَجِ
بِأُحُدِ وَأَسْيَافُنَا فِيهِمْ ... تَلَهّبُ كَاللّهَبِ الْمُوَهّجِ
غَدَاةَ لَقِينَاكُمْ فِي الْحَدِيدِ ... كَأُسْدِ الْبَرَاحِ فَلَمْ تُعْنَجْ
بِكُلّ مُجَلّحَةٍ كَالْعُقَابِ ... وَأَجْرَدَ ذِي مَيْعَةَ مُسْرَجِ
فَدُسْنَاهُمْ ثُمّ حَتّى انْثَنَوْا ... سِوَى زَاهِقِ النّفْسِ أَوْ مُحْرَجِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِضِرَارِ . وَقَوْلُ كَعْبٍ " ذِي النّورِ وَالْمَنْهَجِ " عَنْ أَبِي
زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .S[ ص 333 ] شِعْرِ
ضِرَارٍ : فِي جَمْعِنَا السّوْرَجُ وَهُوَ فَوْعَلٌ مِنْ السّرَاجِ يُرِيدُ
الْمُضِيءَ .
شِعْرُ ابْنِ الزّبَعْرَى فِي
يَوْمِ أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى فِي يَوْمِ أُحُدٍ
، يَبْكِي الْقَتْلَى :
أَلَا ذَرَفَتْ مِنْ مُقْلَتَيْك دُمُوعُ ... وَقَدْ بَانَ مِنْ حَبْلِ الشّبَابِ
قُطُوعُ
وَشَطّ بِمَنْ تَهْوَى الْمَزَارُ وَفَرّقَتْ ... نَوَى الْحَيّ دَارٌ
بِالْحَبِيبِ فَجُوعُ
وَلَيْسَ لِمَا وَلّى عَلَى ذِي حَرَارَةٍ ... وَإِنْ طَالَ تَذْرَافُ الدّمُوعِ
رُجُوعُ
فَذَرْ ذَا وَلَكِنْ هَلْ أَتَى أُمّ مَالِكٍ ... أَحَادِيثُ قَوْمِي وَالْحَدِيثُ
يَشِيعُ
وَمُجْنَبُنَا جُرْدًا إلَى أَهْلِ يَثْرِبَ ... عَنَاجِجَ مِنْهَا مُتْلَدُ
وَنَزِيعُ
[ ص 334 ] سِرْنَا فِي لِهَامِ يَقُودُنَا ... ضَرُورُ الْأَعَادِي لِلصّدِيقِ
نَفُوعُ
نَشُدّ عَلَيْنَا كُلّ زَعْفٍ كَأَنّهَا ... غَدِيرٌ بِضَوْجِ الْوَادِيَيْنِ
نَقِيعُ
فَلَمّا رَأَوْنَا خَالَطَتْهُمْ مَهَابَةٌ ... وَعَايَنَهُمْ أَمْرٌ هُنَاكَ
فَظِيعُ
وَوَدّوا لَوْ أَنّ الْأَرْضَ يَنْشَقّ ظُهْرُهَا ... بِهِمْ وَصَبُورُ الْقَوْمِ
ثُمّ جَزُوعُ
وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ كَأَنّ وَمِيضَهَا ... حَرِيقٌ تَرَقّى فِي الْأَبَاءِ
سَرِيعُ
بِأَيْمَانِنَا نَعْلُو بِهَا كُلّ هَامَةٍ ... وَمِنْهَا سِمَامٌ لِلْعَدُوّ
ذَرِيعُ
فَغَادَرْنَ قَتْلَى الْأَوْسِ غَاصِبَةً بِهِمْ ... ضِبَاعٌ وَطَيْرٌ يَعْتَقِينَ
وُقُوعُ
وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ فِي كُلّ تَلْعَةٍ ... بِأَبْدَانِهِمْ مَنْ وَقَعْنَ
نَجِيعُ
وَلَوْلَا عُلُوّ الشّعْبِ غَادَرْنَ أَحْمَدًا ... وَلَكِنْ عَلَا وَالسّمْهَرِيّ
شُرُوعُ
كَمَا غَادَرَتْ فِي الْكَرّ حَمْزَةَ ثَاوِيًا ... وَفِي صَدْرِهِ مَاضِي
الشّبَاةِ وَقِيعُ
وَنُعْمَانُ قَدْ غَادَرْنَ تَحْتَ لِوَائِهِ ... عَلَى لَحْمِهِ طَيْرٌ يَجُفْنَ
وُقُوعُ
بِأُحُدِ وَأَرْمَاحُ الْكُمَاةِ يُرِدْنَهُمْ ... كَمَا غَالَ أَشْطَانَ
الدّلَاءِ نُزُوعُ
.
شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ
عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ
أُشَاقّك مِنْ أُمّ الْوَلِيدِ رُبُوعٌ ... بَلَاقِعُ مَا مِنْ أَهْلِهِنّ جَمِيعُ
عَفَاهُنّ صَيْفِيّ الرّيَاحِ وَوَاكِفٌ ... مِنْ الدّلْوِ رَجّافُ السّحَابِ
هَمُوعُ
فَلَمْ يَبْقَ إلّا مَوْقِدُ النّارِ حَوْلَهُ ... رَوَاكِدُ أَمْثَالِ الْحَمَامِ
كُنُوعِ
فَدَعْ ذِكْرَ دَارٍ بَدّدَتْ بَيْنَ أَهْلِهَا ... نَوًى لِمَتِينَاتِ الْحِبَالِ
قَطُوعُ
وَقُلْ إنْ يَكُنْ يَوْمٌ بِأُحُدِ يَعُدّ ... سَفِيهٌ فَإِنّ الْحَقّ سَوْفَ
يَشِيعُ
فَقَدْ صَابَرَتْ فِيهِ بَنُو الْأَوْسِ كُلّهُمْ ... وَكَانَ لَهُمْ ذِكْرٌ
هُنَاكَ رَفِيعُ
وَحَامَى بَنُو النّجّارِ فِيهِ وَصَابِرُوا ... وَمَا كَانَ مِنْهُمْ فِي
اللّقَاءِ جَزُوعُ
أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ لَا يَخْذُلُونَهُ ... لَهُمْ نَاصِرٌ مِنْ رَبّهِمْ
وَشَفِيعُ
وَفُوا إذْ كَفَرْتُمْ يَا سَخِينَ بِرَبّكُمْ ... وَلَا يَسْتَوِي عَبْدٌ وَفَى
وَمُضِيعُ
[ ص 335 ] ... فَلَا بُدّ أَنْ يَرْدَى لَهُنّ صَرِيعُ
كَمَا غَادَرَتْ فِي النّقْعِ عُتْبَةُ ثَاوِيًا ... وَسَعْدًا صَرِيعًا
وَالْوَشِيجُ شُرُوعُ
وَقَدْ غَادَرَتْ تَحْتَ الْعَنَاجَةِ مُسْنَدًا ... أَبِيّا وَقَدْ بَلّ
الْقَمِيصَ نَجِيعُ
يَكُفّ رَسُولُ اللّهِ حَيْثُ تَنَضّبَتْ ... عَلَى الْقَوْمِ مِمّا قَدْ يُثِرْنَ
نُقُوعُ
أُولَئِكَ قَوْمٌ سَادَةٌ مِنْ فُرُوعِكُمْ ... وَفِي كُلّ قَوْمٍ سَادَةٌ
وَفُرُوعُ
بِهِنّ نُعِزّ اللّهَ حَتّى يُعِزّنَا ... وَإِنْ كَانَ أَمْرُ يَا سَخِينَ
فَظِيعُ
فَلَا تَذْكُرُوا قَتْلَى وَحَمْزَةُ فِيهِمْ ... قَتِيلٌ ثَوَى لِلّهِ وَهُوَ
مُطِيعُ
فَإِنّ جِنَانَ الْخُلْدِ مَنْزِلَةٌ لَهُ ... وَأَمْرُ الّذِي يَقْضِي الْأُمُورَ
سَرِيعُ
وَقَتَلَاكُمْ فِي النّارِ أَفْضَلُ رِزْقُهُمْ ... حَمِيمٌ مَعًا فِي جَوْفِهَا
وَصَرِيعُ
.Sمِنْ شِعْرِ
حَسّانَ
وَفِي شِعْرِ حَسّانَ : وَفُوا إذْ كَفَرْتُمْ يَا سَخِينَ بِرَبّكُمْ
[ ص 334 ] [ ص 335 ] أَرَادَ سَخِينَةَ فَرَخّمَ وَعَنَى قُرَيْشًا لِأَنّهَا
كَانَتْ تُلَقّبُ بِذَلِكَ [ لِمُدَاوَمَتِهِمْ عَلَى ضَرْبِ هَذَا الْحِسَاءِ
الْمُتّخَذِ مِنْ الدّقِيقِ الّذِي يُسَمّى : سَخِينَةً ] ، وَفِي أَشْعَارِ
ضِرَارٍ فِي الْعَيْنِيّةِ مِنْهَا أَمْرُهَا شَاعٍ أَرَادَ شَائِعٌ فَقُلِبَتْ
كَمَا قَالَ الْآخَرُ لَاثٍ بِهِ الْأَشَاءُ وَالْعُبْرِيّ أراد :لائث ؛ وكما جاء
في الحديث : لا يحتكر الطعام إلا طاغ أو باغ أونازغ أراد : زائغ . وفي شعره القافي
: رَشّاشُ الطّعْنِ وَالْوَرَقِ الْوَرَقُ مَا تَعَقّدَ مِنْ الدّمِ قَالَهُ ابْنُ
دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ وَفِيهِ مَا بِهِ رَهَقٌ أَيْ عَيْبٌ وَالْمُرَهّقُ مِنْ
الرّجَالِ الْمَعِيبُ . [ ص 336 ]
شِعْرُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
فِي يَوْمِ أُحُدٍ
[ ص 336 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ
يُنْكِرُهُمَا لِحَسّانَ وَابْنِ الزّبَعْرَى وَقَوْلُهُ " مَاضِي الشّبَاةِ
وَطَيْرٌ يُجْفَنُ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي ( فِي ) يَوْمِ أُحُدٍ :
خَرَجْنَا مِنْ الْفَيْفَا عَلَيْهِمْ كَأَنّنَا ... مَعَ الصّبْحِ مِنْ رَضْوَى
الْحَبِيكِ الْمُنَطّقِ
تَمَنّتْ بَنُو النّجّارِ جَهْلًا لِقَاءَنَا ... لَدَى جَنْبَ سَلْعٍ
وَالْأَمَانِيّ تَصْدُقُ
فَمَا رَاعَهُمْ بِالشّرّ إلّا فُجَاءَةً ... كَرَادِيسُ خَيْلٍ فِي الْأَزِقّةِ
تَمْرُقُ
أَرَادُوا لِكَيْمَا يَسْتَبِيحُوا قِبَابَنَا ... وَدُونِ الْقِبَابِ الْيَوْمَ
ضَرْبٌ مُحَرّقُ
وَكَانَتْ قِبَابًا أُومِنَتْ قَبْلَ مَا تَرَى ... إذْ رَامَهَا قَوْمٌ أُبِيحُوا
وَأُحْنِقُوا
كَأَنّ رُءُوسَ الْخَزْرَجِيّينَ غَدْوَةً ... وَأَيْمَانُهُمْ بِالْمَشْرِقِيّةِ
بَرْوَقُ
شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ الْعَاصِي
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
أَلَا أَبْلِغَا فِهْرًا عَلَى نَأْيِ دَارِهَا ... وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِنَا
الْيَوْمَ مَصْدَقُ
بِأَنّا غَدَاةَ السّفْحِ مِنْ بَطْنِ يَثْرِبَ ... صَبَرْنَا وَرَايَاتُ
الْمَنِيّةِ تَخْفِقُ
صَبَرْنَا لَهُمْ وَالصّبْرُ مِنّا سَجِيّةٌ ... إذَا طَارَتْ الْأَبْرَامُ
نَسْمُوا وَنَرْتُقُ
عَلَى عَادَةِ تِلْكُمْ جَرَيْنَا بِصَبْرِنَا ... وَقِدْمًا لَدَى الْغَايَاتِ
نَجْرِي فَنَسْتَبِقْ
لَهَا حَوْمَةٌ لَا تُسْتَطَاعُ يَقُودُهَا ... نَبِيّ أَتَى بِالْحَقّ عَفّ
مُصَدّقُ
أَلَا هَلْ أَتَى أَفْنَاءَ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ ... مُقَطّعُ أَطْرَافٍ وَهَامٌ
مُفَلّقُ
شِعْرُ ضِرَارِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ : [ ص 337 ]
إنّي وَجَدّك لَوْلَا مُقْدَمِي فَرَسِي ... إذْ جَالَتْ الْخَيْلُ بَيْنَ
الْجِزْعِ وَالْقَاعِ
مَا زَالَ مِنْكُمْ بِجَنْبِ الْجَزْعِ مِنْ أُحُدٍ ... أَصْوَاتُ هَامٍ تَزَاقَى
أَمْرُهَا شَاعِي
وَفَارِسٌ قَدْ أَصَابَ السّيْفُ مَفْرِقَهُ ... أَفْلَاقُ هَامَتِهِ كَفَرْوَةِ
الرّاعِي
إنّي وَجَدّك لَا أَنْفَكّ مُنْتَطِقًا ... بِصَارِمِ مِثْلِ لَوْنِ الْمِلْحِ
قَطّاعِ
عَلَى رِحَالَةِ مِلْوَاحٍ مُثَابَرَةٍ ... نَحْوَ الصّرِيخِ إذَا مَا ثَوّبَ
الدّاعِي
وَمَا انْتَمَيْت إلَى خُورٍ وَلَا كُشُفٍ ... وَلَا لِئَامٍ غَدَاةَ الْبَأْسِ
أَوْرَاعِ
بَلْ ضَارِبِينَ حَبِيك الْبِيضَ إذْ لَحِقُوا ... شُمّ الْعَرَانِينَ عِنْدَ
الْمَوْتِ لُذّاعِ
شُمّ بَهَالِيلُ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... يَسْعَوْنَ لِلْمَوْتِ سَعْيًا
غَيْرَ دَعْدَاعِ
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ أَيْضًا :
لَمّا أَتَتْ مِنْ بَنِي كَعْبٍ مُزَيّنَةً ... وَالْخَزْرَجِيّةُ فِيهَا الْبِيضُ
تَأْتَلِقُ
وَجَرّدُوا مَشْرَفِيّاتٍ مُهَنّدَةً ... وَرَايَةً كَجَنَاحِ النّسْرِ تَخْتَفِقُ
فَقُلْت يَوْمٌ بِأَيّامِ وَمَعْرَكَةٌ ... تُنْسَى لِمَا خَلْفَهَا مَا هُزْهُزُ
الْوَرَقِ
قَدْ عُوّدُوا كُلّ يَوْمٍ أَنْ تَكُونَ لَهُمْ ... رِيحُ الْقِتَالِ وَأَسْلَابُ
الّذِينَ لَقَوْا
خَيّرْت نَفْسِي عَلَى مَا كَانَ مِنْ وَجَلٍ ... مِنْهَا وَأَيْقَنْت أَنّ
الْمَجْدَ مُسْتَبَقُ
أَكْرَهْت مُهْرِي حَتّى خَاضَ غَمْرَتَهُمْ ... وَبَلّهُ مِنْ نَجِيعٍ عَانِكٍ
عَلَقُ
فَظَلّ مُهْرِي وَسِرْبَالِي جَسِيدُهُمَا ... نَفَخَ الْعُرُوقَ رِشَاشُ الطّعْنِ
وَالْوَرَقُ
أَيْقَنْت أَنّي مُقِيمٌ فِي دِيَارِهِمْ ... حَتّى يُفَارِقَ مَا فِي جَوْفِهِ
الْحَدَقُ
لَا تَجْزَعُوا يَا بَنِي مَخْزُومٍ إنّ لَكُمْ ... مِثْلَ الْمُغِيرَةِ فِيكُمْ
مَا بِهِ زَهَقُ
صَبْرًا فَدَى لَكُمْ أُمّي وَمَا وَلَدَتْ ... تَعَاوَرُوا الضّرْبَ حَتّى
يُدْبِرَ الشّفَقُ
.
شِعْرُ عَمْرٍو فِي يَوْمِ
أُحُدٍ
وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي [ ص 338 ]
لَمّا رَأَيْت الْحَرْبَ يَنْ ... زُو شَرّهَا بِالرّضْفِ نَزْرَا
وَتَنَاوَلَتْ شَهْبَاءُ تَلْحُ ... و النّاسَ بِالضّرّاءِ لَحْوًا
أَيْقَنْت أَنّ الْمَوْتَ حَقّ ... وَالْحَيَاةَ تَكُونُ لَغْوًا
حَمَلَتْ أَثَوَابِي عَلَى ... عَتَدٍ يَبُذّ الْخَيْلَ رَهْوَا
سَلِسٍ إذَا نُكِبْنَ فِي الْ ... بَيْدَاءِ يَعْلُو الطّرَفَ عُلْوَا
وَإِذَا تَنَزّلَ مَاؤُهُ ... مِنْ عِطْفِهِ يَزْدَادُ زَهْوَا
رَبِذٍ كَيَعْفُورِ الصّرِيـ ... مَةِ رَاعَهُ الرّامُونَ دَحْوَا
شَنِجٍ نَسَاهُ ضَابِطٍ ... لِلْخَيْلِ إرْخَاءً وَعَدْوَا
فَفِدَى لَهُمْ أُمّي غَدَا ... ةَ الرّوْعِ إذْ يَمْشُونَ قَطْوَا
سَيْرًا إلَى كَبْشِ الْكَتِيـ ... بَةِ إذْ جَلَتْهُ الشّمْسُ جَلْوَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِعَمْرِو .Sفِي شِعْرِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
[ ص 337 ] الْعَاصِي : يَمْشُونَ قَطْوًا . الْقَطْوُ وَالْأَقْطِيطَاءُ مَشْيُ
الْقَطَا .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرّدّ
عَلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَجَابَهُمَا كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، فَقَالَ [ ص 339 ]
أَبْلِغْ قُرَيْشًا وَخَيْرُ الْقَوْلِ أَصْدَقُهُ ... وَالصّدْقُ عِنْدَ ذَوِي
الْأَلْبَابِ مَقْبُولُ
أَنْ قَدْ قَتَلْنَا بِقَتْلَانَا سَرَاتُكُمْ ... أَهْلَ اللّوَاءِ فَفِيمَا
يَكْثُرُ الْقِيلُ
وَيَوْمَ بَدْرٍ لَقِينَاكُمْ لَنَا مَدَدٌ ... فِيهِ مَعَ النّصْرِ مِيكَالُ
وَجِبْرِيلُ
إنْ تَقْتُلُونَا فَدِينُ الْحَقّ فِطْرَتُنَا ... وَالْقَتْلُ فِي الْحَقّ عِنْدَ
اللّهِ تَفضِيلُ
وَإِنْ تَرَوْا أَمْرَنَا فِي رَأْيِكُمْ سَفَهًا ... فَرَأْيُ مَنْ خَالَفَ
الْإِسْلَامَ تَضْلِيلُ
فَلَا تَمَنّوْا لِقَاحَ الْحَرْبِ وَاقْتَعِدُوا ... إنّ أَخَا الْحَرْبِ أَصْدَى
اللّوْنِ مَشْغُولُ
إنّ لَكُمْ عِنْدَنَا ضَرْبًا تَرَاحُ لَهُ ... عُرْجُ الضّبَاعِ لَهُ خَذْمٌ
رَعَابِيلُ
إنّا بَنُو الْحَرْبِ نَمْرِيهَا وَنَنْتُجُهَا ... وَعِنْدَنَا لِذَوِي
الْأَضْغَانِ تَنْكِيلُ
إنْ يَنْجُ مِنْهَا ابْنُ حَرْبٍ بَعْدَمَا بَلَغَتْ ... مِنْهُ التّرَاقِي ،
وَأَمْرُ اللّهِ مَفْعُولُ
فَقَدْ أَفَادَتْ لَهُ حِلْمًا وَمَوْعِظَةً ... لِمَنْ يَكُونُ لَهُ لُبّ
وَمَعْقُولُ
وَلَوْ هَبَطْتُمْ بِبَطْنِ السّيْلِ كَافَحَكُمْ ... ضَرْبٌ بِشَاكِلَةِ
الْبَطْحَاءِ تَرْعِيلُ
تَلْقَاكُمْ عُصَبٌ حَوْلَ النّبِيّ لَهُمْ ... مِمّا يُعِدّونَ لِلْهَيْجَا
سَرَابِيلُ
مِنْ جِذَمُ غَسّانَ مُسْتَرْخٍ حَمَائِلُهُمْ ... لَا جُبَنَاءُ وَلَا مِيلٌ
مَعَازِيلُ
يَمْشُونَ تَحْتَ عَمَايَاتِ الْقِتَالِ كَمَا ... تَمْشِي الْمَصَاعِبَةُ
الْأُدْمُ الْمَرَاسِيلُ
أَوْ مِثْلَ مَشْيِ أُسُودِ الظّلّ أَلْثَقَهَا ... يَوْمَ رَذَاذٍ مِنْ
الْجَوْزَاءِ مَشْمُولُ
فِي كُلّ سَابِغَةٍ كَالنّهْيِ مُحْكَمَةٍ ... قِيَامُهَا فَلَجٌ كَالسّيْفِ
بُهْلُولُ
تَرُدّ حَدّ قِرَامِ النّبْلِ خَاسِئَةً ... وَيَرْجِعُ السّيْفُ عَنْهَا وَهُوَ
مَفْلُولُ
وَلَوْ قَذَفْتُمْ بِسَلْعِ عَنْ ظُهُورِكُمْ ... وَلِلْحَيَاةِ وَدُفَعُ الْمَوْتِ
تَأْجِيلُ
مَا زَالَ فِي الْقَوْمِ وَتْرٌ مِنْكُمْ أَبَدًا ... تَعْفُو السّلَامَ عَلَيْهِ
وَهُوَ مَطْلُولُ
عَبْدٌ وَحُرّ كَرِيمٌ مُوثِقٌ قَنَصًا ... شطرع الْمَدِينَةِ مَأْسُورٌ
وَمَقْتُولُ
كُنّا نُؤَمّلُ أُخْرَاكُمْ فَأَعْجَلَكُمْ ... مِنّا فَوَارِسُ لَا عُزْلٌ وَلَا
مِيلُ
إذَا جَنَى فِيهِمْ الْجَانِي فَقَدْ عَلِمُوا ... حَقّا بِأَنّ الّذِي قَدْ جَرّ
مَحْمُولُ
مَا نَحْنُ لَا نَحْنُ مِنْ إثْمٍ مُجَاهَرَةً ... وَلَا مَلُومٌ وَلَا فِي
الْغُرْمِ مَخْذُولُSشِعْرِ كَعْب
[ ص 338 ] يُقَالُ خِبَاءٌ مُرَعْبَلٌ أَيْ مُتَمَزّقٌ . وَقَوْلُهُ إنّا بَنُو
الْحَرْبِ نَمْرِيهَا وَنَنْتُجُهَا
مُسْتَعَارٌ مِنْ مَرَيْت النّاقَةَ إذَا اسْتَدْرَرْت لَبَنَهَا ، وَنَتَجْتَهَا
إذَا اسْتَخْرَجَتْ مِنْهَا وَلَدًا ، يُقَالُ نُتِجَتْ النّاقَةُ وَنَتَجَهَا
أَهْلُهَا ، وَأَمّا أَنْتَجَتْ تُنْتِجُ فَإِذَا دَنَا نِتَاجُهَا . [ ص 339 ]
يَوْمَ رَذَاذٍ مِنْ الْجَوْزَاءِ مَشْمُولُ
يُرِيدُ مِنْ أَيّامِ أَنْوَاءِ الْجَوْزَاءِ ، وَهُوَ نَوْءُ الْهَفْعَةِ أَوْ
الْهَنْعَةِ وَذَلِكَ فِي الشّتَاءِ فِي شَهْرِ كَانُونَ الْأَوّلِ وَمَشْمُولٌ
مِنْ الرّيحِ الشّمَالِ . وَقَوْلُهُ أَلْثَقَهَا مِنْ اللّثَقِ وَهُوَ الْبَلَلُ
وَالطّينُ الْيَسِيرُ وَالرّذَاذُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ أَكْثَرُ مِنْ الطّشّ
وَالْبَغْشِ وَالطّلّ نَحْوٌ مِنْهُ أَوْ أَقْوَى مِنْهُ قَلِيلًا ، يُقَالُ
أَرْضٌ مَطْلُولَةٌ وَمَبْغُوشَةٌ وَلَا يُقَالُ مَرْذُوذَةٌ وَلَكِنْ يُقَالُ
مُرَذّةٌ وَمُرَذّ عَلَيْهَا قَالَهُ الْخَطّابِيّ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي أَصْحَابِ
اللّوَاءِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، يَذْكُرُ عِدّةَ أَصْحَابِ اللّوَاءِ يَوْمَ
أُحُدٍ : - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذِهِ أَحْسَنُ مَا قِيلَ [ ص 340 ]
مَنَعَ النّوْمَ بِالْعِشَاءِ الْهُمُومُ ... وَخَيَالٌ إذَا تَغُورُ النّجُومُ
مِنْ حَبِيبٍ أَضَافَ قَلْبَك مِنْهُ ... سَقَمٌ فَهُوَ دَاخِلٌ مَكْتُومُ
يَا لَقَوْمِي هَلْ يَقْتُلُ الْمَرْءَ مِثْلِي ... وَاهِنُ الْبَطْشِ
وَالْعِظَامِ سَئُومُ
لَوْ يَدِبّ الْحَوْلِيّ مِنْ وَلَدِ الذّ ... رّ عَلَيْهَا لَأَنْدَبَتْهَا
الْكُلُومُ
شَأْنُهَا الْعِطْرُ وَالْفِرَاشُ وَيَعْلُو ... هَا لُجَيْنٌ وَلُؤْلُؤٌ
مَنْظُومُ
لَمْ تَفُتْهَا شَمْسُ النّهَارِ بِشَيْءِ ... غَيْرَ أَنّ الشّبَابَ لَيْسَ
يَدُومُ
إنّ خَالِي خَطِيبُ جَابِيَةِ الْجَوْ ... لَانِ عِنْدَ النّعْمَانِ حِينَ يَقُومُ
وَأَنَا الصّقْرُ عِنْدَ بَابِ ابْنِ سَلْمَى ... يَوْمَ نُعْمَانَ فِي الْكُبُولِ
سَقِيمُ
وَأُبَيّ وَوَاقِدُ أَطْلَقَا لِي ... يَوْمَ رَاحَا وَكَبْلُهُمْ مَخْطُومُ
وَرَهَنْت الْيَدَيْنِ عَنْهُمْ جَمِيعًا ... كُلّ كَفّ جُزْءٌ لَهَا مَقْسُومُ
وَسَطَتْ نِسْبَتِي الذّوَائِبَ مِنْهُمْ ... كُلّ دَارٍ فِيهَا أَبٌ لِي عَظِيمُ
وَأُبَيّ فِي سُمَيْحَةِ الْقَائِلِ الْفَا ... صِلْ يَوْمَ الْتَقَتْ عَلَيْهِ
الْخُصُومُ
تِلْكَ أَفْعَالُنَا وَفِعْلُ الزّبَعْرَى ... خَامِلٌ فِي صَدِيقِهِ مَذْمُومُ
رُبّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ الْمَالِ ... وَجَهْلٌ غَطَا عَلَيْهِ النّعِيمُ
إنّ دَهْرًا يَبُورُ فِيهِ ذَوُو الْعِ ... لْمِ لَدَهْرٌ هُوَ الْعَتُوّ
الزّنِيمُ
لَا تَسُبّنّنِي فَلَسْت بِسَبّي ... إنّ سَبّي مِنْ الرّجَالِ الْكَرِيمِ
مَا أُبَالِي أَنَبّ بِالْحَزْنِ تَيْسٌ ... أَمْ لَحَانِي بِظَهْرِ غَيْبٍ
لَئِيمُ
وَلِيَ الْبَأْسَ مِنْكُمْ إذْ رَحَلْتُمْ ... أَسِرّةٌ مِنْ بَنِي قُصَيّ صَمِيمُ
تِسْعَةٌ تَحْمِلُ اللّوَاءَ وَطَارَتْ ... فِي رَعَاعٍ مِنْ الْقَنَا مَخْزُومُ
وَأَقَامُوا حَتّى أُبِيحُوا جَمِيعًا ... فِي مَقَامٍ وَكُلّهُمْ مَذْمُومُ
بِدَمِ عَانِكٍ وَكَانَ حِفَاظًا ... أَنْ يُقِيمُوا إنّ الْكَرِيمَ كَرِيمُ
وَأَقَامُوا حَتّى أُزِيرُوا شُعُوبًا ... وَالْقَنَا فِي نُحُورِهِمْ مَخْطُومُ
وَقُرَيْشٌ تَفِرّ مِنّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفّ مِنْهَا الْحُلُومُ
لَمْ تَطُقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إنّمَا يَحْمِل اللّوَاءَ
النّجُومُ
[ ص 341 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ حَسّانُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ مَنَعَ
النّوْمَ بِالْعِشَاءِ الْهُمُومُ لَيْلًا ، فَدَعَا قَوْمَهُ فَقَالَ لَهُمْ
خَشِيت أَنْ يُدْرِكَنِي أَجَلِي قَبْلَ أَنْ أُصْبِحَ فَلَا تَرْوُوهَا عَنّيSأَجْوَدُ مَا قَالَ
حَسّانُ
وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذِهِ أَجْوَدُ مَا قَالَ
وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ الّتِي قَالَهَا حَسّانُ [ ص 340 ] أَمَرَهُمْ أَنْ
يَرْوُوهَا عَنْهُ قَبْلَ النّهَارِ مَخَافَةَ أَنْ يَعُوقَهُ عَائِقٌ فَخَرّ
فِيهَا عَلَى ابْنِ الزّبَعْرَى بِمَقَامَاتِ لَهُ عِنْدَ مُلُوكِ الشّامِ مِنْ
أَبْنَاءِ جَفْنَةٍ افْتَكّ فِيهَا عُنَاةً مِنْ قَوْمِهِ . وَذَكَرَ مَقَامَ
خَالِدِ عِنْدَ النّعْمَانِ الْغَسّانِيّ مِنْ آلِ جَفْنَةَ وَلَيْسَ
بِالنّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ فِيهَا :
رُبّ حِلْمٍ أَضَاعَهُ عَدَمُ الْمَا ... لِ وَجَهْلٍ غَطَا عَلَيْهِ النّعِيمُ
غَطَا بِتَخْفِيفِ الطّاءِ أَنْشَدَهُ يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ وَهَكَذَا كَانَ فِي
حَاشِيَةِ الشّيْخِ مَذْكُورًا عَنْ يُونُسَ وَغَطَا ارْتَفَعَ وَعَلَا ،
وَأَنْشَدَ الْقُتَبِيّ :
وَمِنْ تَعَاجِيبِ خَلْقِ اللّهِ غَاطِيَةٌ ... يُعْصَى مِنْهَا مُلَاحِيّ
وَغِرْبِيبُ
مُلَاحِيّ بِتَخْفِيفِ اللّامِ وَيُقَالُ مُلَاحِيّ كَمَا قَالَ كَعُنْقُودِ مُلّاحِيّةٍ
حِينَ نَوّرَا
[ ص 341 ] وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَنْ قَالَ مُلّاحِيّةٌ بِالتّشْدِيدِ
شَبّهَهُ بِالْمُلّاحِ وَهُوَ ثَمَرُ الْأَرَاكِ وَفِيهِ مُلُوحَةٌ وَقَالَ
وَالْغِرْبِيبُ اسْمٌ لِنَوْعِ مِنْ الْعِنَبِ وَلَيْسَ بِنَعْتِ . قَالَ
الْمُؤَلّفُ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَعَلّك أَنْ تَفْهَمَ مِنْهُ مَعْنَى
قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَغَرَابِيبُ سُودٌ } [ فَاطِرٌ 27 ] . حِينَ وَصَفَ
الْجُدُدَ وَسُودٌ عِنْدِي بَدَلٌ لَا نَعْتٌ وَإِنّمَا يَتِمّ شَرْحَ الْآيَةِ
لِمَنْ لَحَظَهُ مِنْ هَذَا الْمَطْلَعِ فَإِنّ أَبَا حَنِيفَةَ زَعَمَ أَنّ
الْغِرْبِيبَ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ وَلَمْ يُقَيّدْ بِشَيْءِ مَوْصُوفٍ بِهِ
فَإِنّمَا يُفْهَمُ مِنْهُ الْعِنَبُ الّذِي هَذَا اسْمُهُ خَاصّةً وَاَللّهُ
الْمُوَفّقُ لِلصّوَابِ وَفَهْمِ الْكِتَابِ . وَذَكَرَ فِيهِ حُمَاةَ اللّوَاءِ
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ ، وَأَنّهُمْ صَرَعُوا حَوْلَهُ حَتّى أَخَذَتْهُ
امْرَأَةٌ مِنْهُمْ وَهِيَ عَمْرَةُ بِنْتُ عَلْقَمَةَ ، فَلِذَلِكَ قَالَ
لَمْ تَطُقْ حَمْلَهُ الْعَوَاتِقُ مِنْهُمْ ... إنّمَا يَحْمِلُ اللّوَاءَ
النّجُومُ
[ ص 342 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ
: أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ لِلْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ السّلَمِيّ يَمْدَحُ
أَبَا الْحَسَنِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَيَذْكُرُ
قَتْلَهُ طَلْحَةُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عُثْمَانَ بْنِ
عَبْدِ الدّارِ صَاحِبِ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ أُحُدٍ :
لِلّهِ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ ... أَعْنِي ابْنَ فَاطِمَةَ الْمُعَمّ
الْمُخْوِلَا
سَبَقَتْ يَدَاك لَهُ بِعَاجِلِ طَعْنَةٍ ... تَرَكَتْ طُلَيْحَةَ لِلْجَبِينِ
مُجَدّلَا
وَشَدَدْت شَدّةَ بَاسِلٍ فَكَشَفْتهمْ ... بِالْجَرّ إذْ يَهْوُونَ أَخْوَالٌ
أَخْوَلَاS[ ص 342 ] ابْنِ
عِلَاطٍ وَقَالَ فِي شِعْرِ حَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ يَمْدَحُ عَلِيّا رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ . لِلّهِ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ
أَلْفَيْت فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فِي حَاشِيَةِ
الْأَصْلِ يَعْنِي أَصْلَ أَبِي الْوَلِيدِ قَالَ إبْرَاهِيمُ أَيّ نُصِبَ
لِأَنّهُ مَدِيحٌ وَالْمَدِيحُ نُصِبَ فِي أَيّ حَالَيْهِ فَأَمّا ابْنُ هِشَامٍ
فَرَفَعَ أَيّ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَهَذَا الّذِي ذَكَرَهُ مَنْ نَصَبَ أَيْ
عَلَى الْمَدِيحِ لَا يَسْتَقِيمُ إلّا أَنْ تَقَدّرَ حَذْفُ الْمُبْتَدَأِ
قَبْلَهُ كَأَنّهُ قَالَ لِلّهِ أَنْتَ لِأَنّهُ لَا يُنْصَبُ عَلَى الْمَدْحِ
إلّا بَعْدَ جُمْلَةٍ تَامّةٍ وَأَمّا الرّفْعُ عَلَى أَنْ تَجْعَلَ خَبَرَهُ
لِلّهِ فَقَبِيحٌ لِأَنّهَا وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا ، فَأَصْلُهَا الِاسْتِفْهَامُ
فَلَهَا صَدْرُ الْكَلَامِ كَمَا كَانَ ذَلِكَ فِي كَمْ خَبَرِيّةً كَانَتْ أَوْ
اسْتِفْهَامِيّةً فَالتّقْدِيرُ إذًا : لِلّهِ دَرّهُ أَيّ مُذَبّبٍ عَنْ حُرْمَةٍ
هُوَ أَلَا تَرَى أَنّهُ يَقْبُحُ أَنْ يَقُولَ جَاءَنِي أَيّ فَتًى ، فَإِنْ جَعَلْته
وَصْفًا جَارِيًا عَلَى مَا قَبْلَهَا ، فَقُلْت : جَارَتِي رَجُلٌ أَيّ رَجُلٍ
جَازَ ذَلِكَ لِأَنّهُ إذَا كَانَ وَصْفًا لَمْ تَلِهِ الْعَوَامِلُ اللّفْظِيّةُ
فَكَأَنّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ أَصْلِهِ إذْ الْمُبْتَدَأُ لَا تَلِيهِ
الْعَوَامِلُ اللّفْظِيّةُ . وَقَوْلُهُ أَخْوَلُ أَخْوَلًا ، أَيْ مُتَفَرّقِينَ
وَوَقَعَ تَفْسِيرُهُ فِي بَعْضِ النّسْخِ مِنْ قَوْلِ ابْنِ هِشَامٍ ، وَكَانَ
أَصْلُهُ مِنْ الْخَالِ وَهُوَ الْخُيَلَاءُ وَالْكِبْرُ تَقُولُ فُلَانٌ أَخْوَلُ
مِنْ فُلَانٍ أَيْ أَشَدّ كِبْرًا مِنْهُ وَاخْتِيَالًا ، فَمَعْنَى قَوْلِهِمْ
إذَا جَاءَ الْقَوْمُ أَخْوَلَ أَخْوَلًا ، أَيْ انْفَرَدَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ
بِنَفْسِهِ وَازْدَهَاهُ الْخَالُ أَنْ يَكُونَ تَابِعًا لِغَيْرِهِ فَكُلّمَا
رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُمْ قُلْت : هَذَا أَخْوَلُ مِنْ الْآخَرِ هَذَا هُوَ
الْأَصْلُ ثُمّ كَثُرَ حَتّى اُسْتُعْمِلَ فِي التّفَرّقِ مَثَلًا ، وَإِنْ لَمْ
يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ مَعْنَى الْخَالِ شَيْءٌ وَقَدْ قِيلَ فِي أَخْوَلَ إنّهُ
مِنْ تَخَوّلْت بِالْمَوْعِظَةِ وَنَحْوِهَا إذَا فَعَلْت ذَلِكَ شَيْئًا
فَشَيْئًا ، وَفِي الْحَدِيثِ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - يَتَخَوّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ مَخَافَةَ السّآمَةِ عَلَيْنَا .
شِعْرُ حَسّانَ فِي قَتْلَى
يَوْمِ أُحُدٍ
[ ص 343 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي حَمْزَةَ
بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ أُحُدٍ [ ص 344 ] [ ص 345 ] [ ص 346 ]
يَا مَيّ قَوْمِي فَانْدُبْنَ ... بِسُحَيْرَةٍ شَجْوَ النّوَائِحْ
كَالْحَامِلَاتِ الْوِقْرَ بِالْ ... ثّقْلِ الْمُلِحّاتِ الدّوَالِحْ
الْمُعْوِلَاتُ الْخَامِشَاتُ ... وُجُوهَ حُرّاتِ صَحَائِحْ
وَكَأَنّ سَيْلَ دُمُوعِهَا الْ ... أَنْصَابُ تَخْضَبُ بِالذّبَائِحْ
يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنّ ... هُنَاكَ بَادِيَةَ الْمَسَائِحْ
وَكَأَنّهَا أَذْنَابُ خَيْ ... لٍ بِالضّحَى شُمْسٍ رَوُاسِحْ
مِنْ بَيْنَ مَشْزُورٍ وَمَجْ ... زُورٍ يُذَعْذَعُ بِالْبَوَارِحْ
يَبْكِينَ شَجْوًا مُسْلَبَا ... تِ كَدّحَتْهُنّ الْكَوَادِحْ
وَلَقَدْ أَصَابَ قُلُوبَهَا ... مَجْلٌ لَهُ جَلَبٌ قَوَارِحْ
إذْ أَقْصَدَ الْحِدْثَانَ مَنْ ... كُنّا نُرَجّي إذْ نُشَايِحُ
أَصْحَابَ أُحُدٍ غَالَهُمْ ... دَهْرٌ أَلَمّ لَهُ جَوَارِحُ
مَنْ كَانَ فَارِسَنَا وَحَا ... مِينَا إذَا بُعِثَ الْمَسَالِحُ
يَا حَمْزَ لَا وَاَللّهِ لَا ... أَنْسَاك مَاصُرّ اللّقَائِحُ
لِمُنَاخِ أَيْتَامٍ وَأضْ ... يَافٍ وَأَرْمَلَةٍ تُلَامِحُ
وَلَمّا يَنُوبُ الدّهْرُ فِي ... حَرْبٍ لِحَرْبِ وَهْيَ لَافِحُ
يَا فَارِسًا يَا مِدْرَهًا ... يَا حَمْزُ قَدْ كُنْت الْمُصَامِحَ
عَنّا شَدِيدَاتِ الْخُطُو ... بِ إذَا يَنُوبُ لَهُنّ فَادِحْ
ذَكّرْتنِي أَسَدَ الرّسُو ... لِ وَذَاكَ مِدْرَهُنَا الْمُنَافِحْ
عَنّا وَكَانَ يُعَدّ إذْ ... عُدّ الشّرِيفُونَ الْجَحَاجِحْ
يَعْلُو الْقَمَاقِمَ جَهْرَةً ... سَبْطَ الْيَدَيْنِ أَغَرّ وَاضِحْ
لَا طَائِشٌ رَعْشٌ وَلَا ... ذُو عِلّةٍ بِالْحِمْلِ آنِخْ
بَحْرٌ فَلَيْسَ يُغِبّ جَا ... رًا مِنْهُ بِسَيْبِ أَوْ مَنَادِخْ
أَوْدَى شَبَابُ أُولِي الْحَفَا ... ئِظِ وَالثّقِيلُونَ الْمَرَاجِحْ
الْمُطْعِمُونَ إذَا الْمَشَا ... تِي مَا يُصَفّقُهُنّ نَاضِحْ
لَحْمَ الْجِلَادِ وَفَوْقَهُ ... مِنْ شَحْمِهِ شُطَبٌ شَرَائِحْ
لِيُدَافِعُوا عَنْ جَارِهِمْ ... مَا رَامَ ذُو الضّغْنِ الْمُكَاشِحْ
لَهْفِي لِشُبّانِ رُزِئْ ... نَاهُمْ كَأَنّهُمْ المَصَابِحْ
شُمّ ، بَطَارِقَةٌ غَطَا ... رِفَةٌ خَضَارِمَةٌ مَسَامِحْ
الْمُشْتَرُونَ الْحَمْدَ بِالْ ... أَمْوَالِ إنّ الْحَمْدَ رَابِحْ
وَالْجَامِزُونَ بِلُجْمِهِمْ ... يَوْمًا إذَا مَا صَاحَ صَائِحْ
مَنْ كَانَ يُرْمَى بِالنّوَا ... قِرْ مِنْ زَمَانٍ غَيْرِ صَالِحْ
مَا إنْ تَزَالُ رِكَابُهُ ... يَرْسِمْنَ فِي غُبْرٍ صَحَاصِحْ
رَاحَتْ تَبَارَى وَهُوَ فِي ... رَكْبٍ صُدُورُهُمْ رَوَاشِحْ
حَتّى تَئُوبَ لَهُ الْمَعَا ... لِي لَيْسَ مِنْ فَوْزِ السّفَائِحْ
يَا حَمْزُ قَدْ أَوْحَدْتَنِي ... كَالْعُودِ شَذّ بِهِ الْكَوَافِحُ
أَشْكُو إلَيْك وَفَوْقَك الْ ... تّرَابُ الْمُكَوّرُ وَالصّفَائِحُ
مِنْ جَنْدَلٍ نُلْقِيهِ فَوْ ... قَك إذْ أَجَادَ الضّرْحُ ضَارِحُ
فِي وَاسِعٍ يَحْشُونَهُ ... بِالتّرْبِ سَوّتْهُ الْمَمَاسِحُ
فَعَزَاؤُنَا أَنّا نَقُو ... لُ وَقَوْلُنَا بَرْحٌ بَوَارِحُ
مَنْ كَانَ أَمْسَى وَهُوَ عَمّ ... ا أَوْقَعَ الْحِدْثَانُ جَانِحُ
فَلْيَأْتِنَا فَلْتَبْكِ عَيْ ... نَاهُ لِهَلْكَانَا النّوَافِحُ
الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِينَ ... ذَوِي السّمَاحَةِ وَالْمَمَادِحِ
مَنْ لَا يَزَالُ نَدَى يَدَيْهِ ... لَهُ طَوَالَ الدّهْرِ مَائِحُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِحَسّانَ وَبَيْتُهُ " الْمُطْعِمُونَ إذَا الْمَشَاتِي " وَبَيْتُهُ
" الْجَامِزُونَ بِلُجُمِهِمْ " وَبَيْتُهُ " مَنْ كَانَ يَرْمِي
بِالنّوَاقِرِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .Sشِعْرُ حَسّانَ
الْحَائِيّ
[ ص 343 ] وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ الْحَائِيّ وَقَالَ فِيهِ
كَالْحَامِلَاتِ الْوِقْرَ بِالثّ ... قَلِ الْمُلِحّات الدّوَالِحْ
الدّوَالِحُ جَمْعُ دَالِحَةٍ وَهِيَ الْمُثَقّلَةُ وَكَذَلِكَ الدّلُوحُ مِنْ
السّحَابِ وَهِيَ الْمُثْقَلَةُ بِالْمَاءِ وَفِيهِ .
يَنْقُضْنَ أَشْعَارًا لَهُنّ ... هُنَاكَ بَادِيَةَ الْمَسَائِحْ
الْمَسَائِحُ جَمْعُ : مَسِيحَةٍ وَهُوَ مَا لَمْ يُمْشَطْ مِنْ الشّعْرِ بِدُهْنِ
وَلَا شَيْءٍ وَالْمَسِيحَةُ أَيْضًا الْقِطْعَةُ مِنْ الْفِضّةِ وَالْمَسِيحَةُ
الْفَرَسُ . وَقَوْلُهُ مِنْ بَيْنِ مَشْرُورٍ أَيْ مُفَرّقٍ وَيُقَالُ شَرَرْت
الْمِلْحَ إذَا فَرّقْته ، وَالْمَجْلُ كَالْجُرْحِ تَقُولُ مَجِلَتْ يَدِي مِنْ
الْعَمَلِ . [ ص 344 ] نُشَائِحُ أَيْ نُحَاذِرُ كَمَا قَالَ الْآخَرُ وَشَايَحْتَ
قَبْلَ الْيَوْمِ إنّك شِيحُ
وَقَوْلُهُ قَدْ كُنْت الْمُصَامِحَ وَفِي الْحَاشِيَةِ عِنْدَ الشّيْخِ
الْمُصَافِحِ بِالْفَاءِ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى ، وَأَمّا الْمُصَامِحُ بِالْمِيمِ
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ صَمَحْت الشّيْءَ إذَا أَذَبْته ، قَالَهُ صَاحِبُ
الْعَيْنِ قَالَ وَالصّمَحْمَحُ مِنْ الرّجَالِ الشّدِيدُ الْعَصَبِ وَسِنّهُ مَا
بَيْنَ الثّلَاثِينَ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالصّمَاحُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو
حَنِيفَةَ الرّيحُ الْمُنْتِنَةُ . وَقَوْلُهُ سَبَبٌ أَوْ مَنَادِحٌ يَجُوزُ أَنْ
يَكُونَ جَمْعُ : مَنْدُوحَةٍ وَهِيَ السّعَةُ وَقِيَاسُهُ مَنَادِيحُ بِالْيَاءِ
وَحَذْفُهَا ضَرُورَةٌ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ النّدْحِ فَيَكُونُ مُفَاعِلًا
بِضَمّ الْمِيمِ أَيْ [ ص 345 ] جَمْعُ مَنْدَحَةٍ مَفْعَلَةً مِنْ الْكَثْرَةِ
وَالسّعَةِ وَأَمّا قَوْلُهُمْ أَنَا فِي مَنْدُوحَةٍ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَهِيَ
مَفْعُولَةٌ مِنْ النّدْحِ وَوَهِمَ أَبُو عُبَيْدٍ ، فَجَعَلَهُ مِنْ انْدَاحَ
بَطْنُهُ إذَا اتّسَعَ وَالنّونُ فِي مَنْدُوحَةٍ أَصْلٌ وَهِيَ فِي انْدَاحَ
زَائِدَةٌ لِأَنّ وَزْنَهُ انْفَعَلَ وَالْأَلِفُ فِي انْدَاحَ أَصْلٌ وَهِيَ
بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ كَأَنّهُ مَنْدُوحَةُ الشّجّ وَالْمِيمُ فِي مَنْدُوحَةٍ
زَائِدَةٌ وَالدّالُ عَيْنُ الْفِعْلِ وَهُوَ فِي انْدَاحَ فَاءُ الْفِعْلِ وَمِنْ
هَاهُنَا قَالَ الْخَطّابِيّ : يَا عَجَبًا لِابْنِ قُتَيْبَةَ يَتْرُكُ مِثْلَ هَذَا
مِنْ غَلَطِ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَيُعَنّفُ فِي الرّدّ عَلَيْهِ فِيمَا لَا بَالَ
لَهُ مِنْ الْغَلَطِ . وَقَوْلُهُ خَضَارِمَةٌ جَمْعُ خَضْرَمَ وَهُوَ الْكَثِيرُ
الْعَطَاءِ .
وَقَوْلُهُ يَرْسِمْنَ مِنْ الرّسِيمِ فِي السّيْرِ وَالصّحَاصِحُ جَمْعُ صَحْصَحٍ
وَهِيَ الْأَرْضُ الْمَلْسَاءُ .
وَقَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ فَوْزِ السّفَائِحْ السّفَائِحُ جَمْعُ سَفِيحَةٍ وَهِيَ
كَالْجُوَالَقِ وَنَحْوِهِ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ
حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي حَمْزَةَ
بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ [ ص 347 ]
أَتَعْرِفُ الدّارَ عَفَا رَسْمُهَا ... بَعْدَك صَوْبَ الْمُسَنْبَلِ الْهَاطِلِ
بَيْنَ السّرَادِيحِ فَأُدْمَانَةٍ ... فَمَدْفَعُ الرّوْحَاءِ فِي حَائِلِ
سَاءَلْتهَا عَنْ ذَاكَ فَاسْتَعْجَمَتْ ... لَمْ تَدْرِ مَا مَرْجُوعَةُ السّائِلِ
؟
دَعْ عَنْك دَارًا قَدْ عَفَا رَسْمُهَا ... وَابْكِ عَلَى حَمْزَةَ ذِي النّائِلِ
الْمَالِئِ الشّيزَي إذَا أَعْصَفَتْ ... غَبْرَاءُ فِي ذِي الشّيْمِ الْمَاحِلِ
وَالتّارِكِ الْقِرْنَ لَدَى لِبْدَةٍ ... يَعْثُرُ فِي ذِي الْخُرُصِ الذّابِلِ
وَاللّابِسِ الْخَيْلَ إذْ أَجْحَمَتْ ... كَاللّيْثِ فِي غَابَتِهِ الْبَاسِلِ
أَبْيَضُ فِي الذّرْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ ... لَمْ يَمُرّ دُونَ الْحَقّ بِالْبَاطِلِ
مَالَ شَهِيدًا بَيْنَ أَسْيَافِكُمْ ... شُلّتْ يَدًا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِلِ
أَيّ امْرِئِ غَادَرَ فِي أَلّةٍ ... مَطْرُورَةٍ مَارِنَةِ الْعَامِلِ
أَظْلَمَتْ الْأَرْضُ لِفِقْدَانِهِ ... وَاسْوَدّ نُورُ الْقَمَرِ النّاصِلِ
صَلّى عَلَيْهِ اللّهُ فِي جَنّةٍ ... عَالِيَةٍ مُكْرَمَةِ الدّاخِلِ
كُنّا نَرَى حَمْزَةَ حِرْزًا لَنَا ... فِي كُلّ أَمْرٍ نَابَنَا نَازِلِ
وَكَانَ فِي الْإِسْلَامِ ذَا تُدْرَإِ ... يَكْفِيك فَقْدَ الْقَاعِدِ الْخَاذِلِ
لَا تَفْرَحِي يَا هِنْدُ وَاسْتَحْلِبِي ... دَمْعًا وَأَذْرِي عَبْرَةَ
الثّاكِلِ
وَأَبْكِي عَلَى عُتْبَةَ إذْ قَطّهُ ... بِالسّيْفِ تَحْتَ الرّهْجِ الْجَائِلِ
إذَا خَرّ فِي مَشْيَخَةٍ مِنْكُمْ ... مِنْ كُلّ عَاتٍ قَلْتُةُ جَاهِلِ
أَرْدَاهُمْ حَمْزَةُ فِي أُسْرَةٍ ... يَمْشُونَ تَحْتَ الْحَلَقِ الْفَاضِلِ
غَدَاةَ جِبْرِيلَ وَزِيرٌ لَهُ ... نِعْمَ وَزِيرُ الْفَارِسِ الْحَامِلِSشِعْرُ حَسّانَ
اللّامِيّ
[ ص 346 ] وَقَالَ فِي الْقَصِيدَةِ اللّامِيّةِ ذِي الْخُرُصِ الذّابِلِ يُرِيدُ
الرّمْحَ وَالْخُرُصُ سِنَانُهُ [ ص 347 ] شُلّتْ يَدَا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِلِ
تَرْكُ تَنْوِينِ الْعَلَمِ لِلضّرُورَةِ تَرْكُ التّنْوِينِ لِلضّرُورَةِ لَمّا
كَانَ اسْمًا عَلَمًا ، وَالْعَلَمُ قَدْ يُتْرَكُ صَرْفُهُ كَثِيرًا ، وَمَنَعَ
مِنْ ذَلِكَ الْبَصْرِيّونَ ، وَاحْتَجّ الْكُوفِيّونَ فِي إجَازَتِهِ بِأَنّ
الشّاعِرَ قَدْ يَحْذِفُ الْحَرْفَ وَالْحَرْفَيْنِ نَحْوَ قَوْلِ عَلْقَمَةَ [
بْنِ عَبَدَةَ ] :
كَأَنّ إبْرِيقَهُمْ ظَبْيٌ عَلَى شَرَفٍ ... مُقَدّمٍ بِسَبَا الْكَتّانِ
مَلْئُومُ
أَيْ بِسَبَائِبَ وَقَوْلُ لَبِيَدٍ كَالْحَمَالِيجِ بِأَيْدِي التّلَامِ
أَيْ التّلَامِيذِ . وَقَالَ ابْنُ السّرّاجِ مُحْتَجّا عَلَيْهِمْ لَيْسَ
التّنْوِينُ مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ لِأَنّهُ زَائِدٌ لِمَعْنَى ، وَمَا زِيدَ
مَعْنًى لَا يُحْذَفُ .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي بُكَاءِ
حَمْزَةَ
[ ص 348 ] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَبْكِي حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
:
طَرَقَتْ هُمُومُك فَالرّقَادُ مُسَهّدُ ... وَجَزِعْت أَنْ سُلِخَ الشّبَابُ
الْأَغْيَدُ
وَدَعَتْ فُؤَادَك لِلْهَوَى ضَمْرِيّةٌ ... فَهَوَاك غَوْرِيّ وَصَحْوُك مُنْجِدُ
فَدَعْ التّمَادِي فِي الْغَوَايَةِ سَادِرًا ... قَدْ كُنْت فِي طَلَبِ
الْغَوَايَةِ تُفْنَدُ
وَلَقَدْ أَتَى لَك أَنّ تَنَاهَى طَائِعًا ... أَوْ تَسْتَفِيقَ إذَا نَهَاك
الْمُرْشِدُ
وَلَقَدْ هُدِدْت لِفَقْدِ حَمْزَةَ هَدّةً ... ظَلّتْ بَنَاتُ الْجَوْفِ مِنْهَا
تَرْعَدُ
وَلَوْ أَنّهُ فُجِعَتْ حِرَاءٌ بِمِثْلِهِ ... لَرَأَيْت رَأْسِي صَخْرُهَا
يَتَبَدّدُ
قَرْمٌ تَمَكّنَ فِي ذُؤَابَةِ هَاشِمٍ ... حَيْثُ النّبُوّةُ وَالنّدَى
وَالسّودَدُ
وَالْعَاقِرُ الْكُومَ الْجِلَادَ إذَا غَدَتْ ... رِيحٌ يَكَادُ الْمَاءُ مِنْهَا
يَجْمُدُ
وَالتّارِكُ الْقِرْنَ الْكَمِيّ مُجَدّلًا ... يَوْمَ الْكَرِيهَةِ وَالْقَنَا
يَتَقَصّدُ
وَتَرَاهُ يَرْفُلُ فِي الْحَدِيدِ كَأَنّهُ ... ذُو لِبْدَةٍ شَثْنُ الْبَرَاثِنِ
أَرْبَدُ
عَمّ النّبِيّ مُحَمّدٍ وَصَفِيّهُ ... وَرَدَ الْحِمَامَ فَطَابَ ذَاكَ
الْمَوْرِدِ
وَأَتَى الْمَنِيّةَ مُعْلِمًا فِي أُسْرَةٍ ... نَصَرُوا النّبِيّ وَمِنْهُمْ
الْمُسْتَشْهَدُ
وَلَقَدْ إخَالُ بِذَاكَ هِنْدًا بُشّرَتْ ... لَتُمِيتُ دَاخِلَ غُصّةٍ لَا
تَبْرُدُ
مِمّا صَبّحْنَا بِالْعَقَنْقَلِ قَوْمَهَا ... يَوْمًا تَغَيّبَ فِيهِ عَنْهَا
الْأَسْعَدُ
وَبِبِئْرِ بَدْرٍ إذْ يَرُدّ وُجُوهَهُمْ ... جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا
وَمُحَمّدُ
حَتّى رَأَيْت لَدَى النّبِيّ سَرَاتَهُمْ ... قِسْمَيْنِ يَقْتُلُ مَنْ نَشَاءُ
وَيَطْرُدُ
فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطّنِ مِنْهُمْ ... سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمْ
وَالْأَسْوَدُ
وَابْنُ الْمُغِيرَةِ قَدْ ضَرَبْنَا ضَرْبَةً ... فَوْقَ الْوَرِيدِ لَهَا
رَشَاشٌ مُزِيدُ
وَأُمَيّةُ الْجُمَحِيّ قَوّمَ مَيْلَهُ ... عَضْبٌ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ
مُهَنّدُ
فَأَتَاك فَلّ الْمُشْرِكِينَ كَأَنّهُمْ ... وَالْخَيْلُ تَثْفِنُهُمْ نَعَامٌ
شُرّدُ
شَتّانَ مَنْ هُوَ فِي جَهَنّمَ ثَاوِيًا ... أَبَدًا وَمَنْ هُوَ فِي الْجِنَانِ
مُخَلّدُ
[ ص 349 ] وَقَالَ كَعْبٌ أَيْضًا يَبْكِي حَمْزَةَ
صَفِيّةُ قَوْمِي وَلَا تَعْجِزِي ... وَبَكّي النّسَاءَ عَلَى حَمْزَةِ
وَلَا تَسْأَمِي أَنْ تُطِيلِي اُلْبُكَا ... عَلَى أَسَدِ اللّهِ فِي الْهِزّةِ
فَقَدْ كَانَ عِزّا لِأَيْتَامِنَا ... وَلَيْثَ الْمَلَاحِمِ فِي الْبِزّةِ
يُرِيدُ بِذَاكَ رِضَا أَحْمَدَ ... وَرِضْوَانَ ذِي الْعَرْشِ وَالْعِزّةِSشِعْرُ كَعْبٍ
[ ص 348 ] طَرَقَتْ هُمُومُك فَالرّقَادُ مُسَهّدُ
أَرَادَ الرّقَادَ مُسَهّدٌ صَاحِبَهُ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ
إلَيْهِ مَقَامَهُ وَهُوَ الضّمِيرُ الْمَخْفُوضُ فَصَارَ الضّمِيرُ مَفْعُولًا
لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ فَاسْتَتَرَ فِي الْمُسَهّدِ . وَمِنْهُ
وَجَزِعْت أَنْ سُلِخَ الشّبَابُ الْأَغْيَدُ
أَيْ الْأَغْيَدُ صَاحِبُهُ وَهُوَ النّاعِمُ . [ ص 349 ] تَثْفِنُهُمْ أَيْ
تَتّبِعُ آثَارَهُمْ وَأَصْلُهُ مِنْ ثَفِنَاتِ الْبَعِيرِ وَهُوَ مَا حَوْلَ
الْخُفّ مِنْهُ . قَصِيدَةُ كَعْبٍ الزّائِيّةُ وَقَوْلُ كَعْبٍ فِي الشّعْرِ
الزّائِيّ
وَلَيْثُ الْمَلَاحِمِ فِي الْبِزّةِ
الْبِزّةُ الشّارَةُ الْحَسَنَةُ وَالْبِزّةُ السّلَاحُ أَيْضًا ، وَهُوَ مِنْ
بَزَزْت الرّجُلَ إذَا سَلَبْته بِزّتَهُ يُقَالُ مَنْ عَزّ بَزّ أَيْ مَنْ غَلَبَ
سَلَبَ وَالْبُزَابِزُ الرّجُلُ الشّدِيدُ .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي أُحُدٍ
[ ص 350 ] وَقَالَ كَعْبٌ أَيْضًا فِي أُحُدٍ [ ص 351 ] [ ص 352 ] [ ص 353 ]
إنّك عَمْرُ أَبِيك الْكَرِي ... مِ أَنْ تَسْأَلِي عَنْك مَنْ يَجْتَدِينَا
فَإِنْ تَسْأَلِي ثَمّ لَا تَكْذِبِي ... يُخْبِرُك مَنْ قَدْ سَأَلْت الْيَقِينَا
بِأَنّا لَيَالِيَ ذَاتِ الْعِظَا مِ ... كُنّا ثِمَالًا لِمَنْ يَعْتَرِينَا
تَلُوذُ الْبُجُودُ بِأَذْرَائِنَا ... مِنْ الضّرّ فِي أَزَمَاتِ السّنِينَا
بِجَدْوَى فُضُولِ أُولِي وَجْدِنَا ... وَبِالصّبْرِ وَالْبَذْلِ فِي
الْمُعْدِمِينَا
وَأَبْقَتْ لَنَا جَلَمَاتُ الْحُرُو ... بِ مِمّنْ نُوَازِي لَدُنْ أَنْ بُرِينَا
مَعَاطِنَ تَهْوِي إلَيْهَا الْحُقُو ... قُ يَحْسَبُهَا مَنْ رَآهَا الْفَتِينَا
نُخَيّسُ فِيهَا عِتَاقُ الْجَمَا ... لِ صُحْمًا دَوَاجِنَ حُمْرًا وُجُونَا
وَدُفّاعُ رَجُلٍ كَمَوْجِ الْفُرَا ... تَ يَقْدَمُ جَأْوَاءَ جَوْلًا طَحُونَا
تَرَى لَوْنَهَا مِثْلَ لَوْنِ النّجُوّ ... مِ رَجْرَاجَةً تُبْرِقُ
النّاظِرِينَا
فَإِنْ كُنْت عَنْ شَأْنِنَا جَاهِلًا ... فَسَلْ عَنْهُ ذَا الْعِلْمِ مِمّنْ
يَلِينَا
بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ إنْ قَلّصَتْ ... عَوَانًا . ضَرُوسًا عَضُوضًا جَحُونَا
أَلَسْنَا نَشُدّ عَلَيْهَا الْعِصَا ... بَ حَتّى تَدُرّ وَحَتّى تَلِينَا
وَيَوْمٌ لَهُ رَهَجٌ دَائِمٌ ... شَدِيدُ التّهَاوُلِ حَامِي الْأَرِينَا
طَوِيلٌ شَدِيدُ أُوَارِ الْقِتَا ... لِ تَنْفِي قَوَاحِزُهُ الْمُقْرِفِينَا
تَخَالُ الْكُمَاةَ بِأَعْرَاضِهِ ... ثِمَالًا عَلَى لَذّةٍ مُنْزِفِينَا
تَعَاوَرُ أَيْمَانُهُمْ بَيْنَهُمْ ... كُؤُوسَ الْمَنَايَا بِحَدّ الظّبِينَا
شَهِدْنَا كَكُنّا أُولِي بَأْسِهِ ... وَتَحْتَ الْعَمَايَةِ وَالْمُعْلِمِينَا
بِخُرْسِ الْحَسِيسِ حِسَانٍ رِوَاءٍ ... وَبُصْرِيّةٍ قَدْ أَجَمْنَ الْجُفُونَا
فَمَا يَنْفَلِلْنَ وَمَا يَنْحَنِينَ ... وَمَا يَنْتَهِينَ إذَا مَا نُهِينَا
كَبَرْقِ الْخَرِيفِ بِأَيْدِي الْكُمَاةِ ... يُفَجّعَن بِالظّلّ هَامًا سُكُونَا
وَعَلّمَنَا الضّرْبَ آبَاؤُنَا ... وَسَوْفَ نَعْلَمُ أَيْضًا بَنِينَا
جِلَادَ الْكُمَاةِ وَبَذْلَ التّلَا ... دِ عَنْ جُلّ أَحْسَابِنَا مَا بَقِينَا
إذَا مَرّ قَرْنٌ كَفَى نَسْلُهُ ... وَأَوْرَثَهُ بَعْدَهُ آخَرِينَا
نَشِبّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا ... وَبِينَا نُرَبّي بَنِينَا فَنِينَا
سَأَلْت بِك ابْنَ الزّبَعْرَى فَلَمْ ... أُنَبّأْك فِي الْقَوْمِ إلّا هَجِينَا
خَبِيثًا تُطِيفُ بِك الْمُنْدِيَاتُ ... مُقِيمًا عَلَى اللّؤْمِ حَيْنًا
فَحِينَا
تَبَجّسْت تَهْجُو رَسُولَ الْمَلِيّ ... كِ قَاتَلَك اللّهُ جِلْفًا لَعِينَا
تَقُولُ الْخَنَائِمُ تَرْمِي بِهِ ... نَقِيّ الثّيَابِ تَقِيّا أَمِينَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ " بِنَا كَيْفَ نَفْعَلُ "
، وَالْبَيْتَ الّذِي يَلِيهِ وَالْبَيْتَ الثّالِثَ مِنْهُ وَصَدْرَ الرّابِعَ
مِنْهُ وَقَوْلَهُ " نَشِبّ وَتَهْلِكُ آبَاؤُنَا وَالْبَيْتَ الّذِي يَلِيهِ
وَالْبَيْتَ الثّالِثَ مِنْهُ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .Sنُونِيّةُ كَعْبٍ
[ ص 350 ] وَقَالَ أَيْضًا فِي الْقَصِيدَةِ النّونِيّةِ تَلُوذُ الْبُجُودُ
بِأَذْرَائِنَا
الْبُجُودُ جَمْعُ بَجَدٍ وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ النّاسِ وَيُرْوَى النّجُودُ
بِالنّونِ وَهِيَ الْمَرْأَةُ الْمَكْرُوبَةُ . وَالنّجُودُ مِنْ الْإِبِلِ
الْقَوِيّةُ وَقَوْلُهُ بِأَذْرَائِنَا ، جَمْعُ ذَرَا مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَا فِي
ذَرَا فُلَانٍ أَيْ فِي سِتْرِهِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ : لَيْسَ فِي الشّجَرِ
أَذْرَى مِنْ السّلَمِ أَيْ أَدْفَأَ ذَرَا مِنْهُ لِأَنّهُ يُقَالُ مَا مَاتَ
أَحَدٌ صَرْدًا قَطّ فِي ذَرَا سَلَمَة . وَقَوْلُهُ جَلَمَاتُ الْحُرُوبِ . مِنْ
قَوْلِك : جَلَمْت الشّيْءَ وَجَرَشْته إذَا قَطَعْته ، وَمِنْهُ الْجَلَمَانُ .
وَقَوْلُهُ لَدُنْ أَنْ بُرِينَا أَيْ خُلِقْنَا ، وَالْبَارِي : الْخَالِقُ
سُبْحَانَهُ أَيْ هَذَا حَالُنَا مِنْ لَدُنْ خُلِقْنَا . وَقَوْلُهُ يَحْسِبُهَا
مَنْ رَآهَا الْفَتِينَا ، هِيَ الصّخُورُ السّودُ سُمّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنّهَا
تُشْبِهُ مَا فُتِنَ بِالنّارِ أَيْ أُحْرِقَ . وَفِي التّنْزِيلِ { عَلَى النّارِ
يُفْتَنُونَ } [ الذّارِيَاتُ 13 ] وَأَصْلُ الْفِتَنِ الِاخْتِبَارُ وَإِنّمَا
قِيلَ فَتَنْت الْحَدِيدَةَ بِالنّارِ لِأَنّك تَخْتَبِرُ طَيّبَهَا مِنْ
خَبِيثِهَا . وَقَوْلُهُ دَوَاجِنُ حُمْرًا وَجُونًا ، أَيْ حُمْرًا وَسُودًا ،
وَقَوْلُهُ جَأْوَاءُ أَيْ كَتِيبَةٌ لَوْنُهَا لَوْنُ الْحَدِيدِ . [ ص 351 ]
جُولًا طَحُونًا : الْجُولُ جَانِبُ الْبِئْرِ . وَقَوْلُهُ إنْ قَلّصَتْ يَعْنِي
الْحَرْبَ ثُمّ وَصَفَهَا فَقَالَ عَضُوضًا جَحُونَا مِنْ الْعَضّ وَحَجُونًا مِنْ
حَجَنْت الْعُودَ إذَا لَوَيْته ، وَقَوْلُهُ
أَلَسْنَا نَشُدّ عَلَيْهَا الْعِصَا ... بَ حَتّى تَدُرّ وَحَتّى تَلِينَا
هَذَا كُلّهُ مِنْ صِفَةِ الْحَرْبِ شَبّهَهَا بِنَاقَةِ صَعْبَةٍ قَلّصَتْ أَيْ
صَارَتْ قَلُوصًا ، أَيْ إنّا نُذَلّلُ صَعْبَهَا ، وَتَلِينُ مِنْ ضِرَاسِهَا .
وَقَوْلُهُ وَيَوْمٌ لَهُ رَهَجٌ دَائِمٌ الرّهَجِ الْغُبَارُ . وَقَوْلُهُ شَدِيدُ
التّهَاوُلِ جَمْعُ تَهْوِيلٍ وَالتّهَاوِيلُ أَلْوَانٌ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ
الشّاعِرُ [ عَبْدُ الْمَسِيحِ بْنُ عَسَلَةَ ] يَصِفُ رَوْضًا :
وَعَازِبٌ قَدْ عَلَا التّهْوِيلُ جَنْبَتَهُ ... لَا تَنْفَعُ النّعْلُ فِي
رَقْرَاقِهِ الْحَافِي
وَقَوْلُهُ حَامِي الْأَرِينَا : جَمْعُ إرَةٍ وَهُوَ مُسْتَوْقَدُ النّارِ
يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهَا عِلّةً مِنْ الْأُوَارِ وَهُوَ الْحَرّ ،
فَحُذِفَتْ الْهَمْزَةُ وَهُمِزَتْ الْوَاوُ لِانْكِسَارِهَا ، وَجَائِزٌ أَنْ
يَكُونَ وَزْنُهَا فِعَلَةً مِنْ تَأَرّيْتُ بِالْمَكَانِ لِأَنّهُمْ يَتَأَرّوْنَ
حَوْلَهَا ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصّحِيحُ لِأَنّهُمْ جَمَعُوهَا عَلَى إرِينَ
مِثْلُ سِنِينَ وَلَا يُجْمَعُ هَذَا الْجَمْعُ الْمُسْلَمُ كَجَمْعِ مَنْ
يَعْقِلُ إلّا إذَا حُدّدَتْ لَامُهُ وَكَانَ مُؤَنّثًا ، وَكَانَ لَامُ الْفِعْلِ
حَرْفَ عِلّةٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُذَكّرٌ كَالْأُمّةِ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ
هَذِهِ الشّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ جُمِعَ بِالْوَاوِ وَالنّونِ فِي الرّفْعِ .
وَالْيَاءِ وَالنّونِ فِي الْخَفْضِ وَالنّصْبِ كَسِنِينَ وَعِضِينَ غَيْرَ
أَنّهُمْ قَدْ قَالُوا : رِقِينَ فِي جَمْعِ الرّقّةِ وَهِيَ الْوَرِقُ وَقَدْ
تَكَلّمْنَا عَلَى سِرّ هَذَا الْجَمْعِ وَسِرّ أَرْضِينَ فِي " نَتَائِجِ
الْفِكْرِ " بِمَا فِيهِ جَلَاءٌ وَالْحَمْدُ لِلّهِ . [ ص 352 ] كَنَارِ
أَبِي حُبَاحِبَ وَالضّبِينَا
يُقَالُ أَبُو حُبَاحِبَ ذُبَابٌ يَلْمَعُ بِاللّيْلِ وَقِيلَ كَانَ رَجُلًا
لَئِيمًا لَا يَرْفَعُ نَارَهُ خَشْيَةَ الْأَضْيَافِ وَلَا يُوقِدُهَا إلّا
ضَعِيفَةً وَتَرَكَ صَرْفَهُ وَلَمْ يَخْفِضْ وَهُوَ فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ لِمَا
قَدّمْنَاهُ مِنْ أَنّ الِاسْمَ إذَا تُرِكَ صَرْفُهُ ضَرُورَةً أَوْ غَيْرَ
ضَرُورَةٍ لَمْ يَدْخُلْهُ الْخَفْضُ كَمَا لَا يَدْخُلُهُ التّنْوِينُ لِئَلّا
يُشْبِهَ مَا يُضِيفُهُ الْمُتَكَلّمُ إلَى نَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا
أَدْرِي مَا حُبَاحِبُ وَلَا أَبُو حُبَاحِبَ وَلَا بَلَغَنِي عَنْ الْعَرَبِ
فِيهِ شَيْءٌ وَقَالَ فِي الْإِرَةِ عَنْ قَوْمٍ حَكَى قَوْلَهُمْ هُوَ مِنْ
أَرَيْت الشّيْءَ إذَا عَلِمْته ، وَقَالَ الْأَرْيُ هُوَ عَمَلُ النّحْلِ
وَفِعْلُهَا ، ثُمّ سُمّيَ الْعَسَلُ أَرْيًا لِهَذَا كَمَا يُسَمّى مَزْجًا
وَأَنْشَدَ [ لِأَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ ] :
وَجَاءُوا بِمَزْجِ لَمْ يَرَ النّاسُ مِثْلَهُ ... هُوَ الضّحِكُ إلّا أَنّهُ
عَمَلُ النّحْلِ
قَالَ وَالضّحْكُ الزّبْدُ الْأَبْيَضُ وَقِيلَ الثّغْرُ وَقِيلَ الطّلْعُ وَقِيلَ
الْعَجَبُ . وَقَوْلُهُ وَالظّبِينَا : جَمْعُ ظُبَةٍ جَمَعَهَا عَلَى هَذَا
الْجَمْعِ الْمُسْلَمِ لِمَا قَدّمْنَاهُ فِي الْأَرِينَ وَالسّنِينَ غَيْرَ
أَنّهُ لَمْ يَكْسِرْ أَوّلَ الْكَلِمَةِ كَمَا كُسِرَتْ السّينُ مِنْ سِنِينَ
إشْعَارًا بِالْجَمْعِ لِأَنّ ظُبِينَ لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا ، إذْ
لَيْسَ فِي الْأَسْمَاءِ فَعِيلٌ وَكَسَرُوا أَوّلَ سِنِينَ إيذَانًا بِأَنّهُ
جَمْعٌ كَيْ لَا يُتَوَهّمَ أَنّهُ اسْمٌ عَلَى فُعُولٍ إذْ لَيْسَ فِي
الْأَسْمَاءِ فُعُولٌ وَلَا فِعِيلٍ وَلَمْ يَبْلُغْ سِيبَوَيْهِ أَنّ ظُبَةَ
تُجْمَعُ عَلَى ظُبِينَ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا الشّعْرِ وَفِي غَيْرِهِ كَمَا تَرَاهُ
. وَقَوْلُهُ قَوَاحِزُهُ جَمْعُ قَاحِزٍ وَهُوَ الْوَثّابُ الْقَلِقُ يُقَالُ
قَحَزَ قَحَزَانًا [ وَقَحْزًا وَقُحُوزًا ] ، إذَا وَثَبَ وَقَلِقَ . وَقَوْلُهُ
بِخُرْسِ الْحَسِيسِ يَصِفُ السّيُوفَ بِالْخَرَسِ لِوُقُوعِهَا فِي الدّمِ
وَاللّحْمِ . وَقَوْلُهُ حِسَانٍ رِوَاءٍ مِنْ الدّمِ وَقَوْلُهُ بُصْرِيّةٌ
مَنْسُوبَةٌ إلَى بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، كَمَا أَنّ الْمَشْرَفِيّةَ
مَنْسُوبَةٌ إلَى مَشَارِفَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، لِأَنّهَا تُصْنَعُ فِيهَا .
وَقَوْلُهُ قَدْ أَجَمْنَ الْجُفُونَا ، أَيْ كَرِهْنَ الْمُقَامَ فِيهَا ،
وَمَلَلْنَهُ وَمِنْهُ قَوْلُ هِشَامٍ لِسَالِمِ بْنِ [ ص 353 ] قَالَ الْخُبْزُ
بِالزّيْتِ قَالَ أَمَا تَأْجِمُهُمَا ؟ قَالَ إذَا أَجِمْتهمَا تَرَكْتهمَا حَتّى
أَشْتَهِيهِمَا . وَقَوْلُهُ وَتَحْتَ الْعَمَايَةِ وَالْمُعْلِمِينَا
بِإِسْقَاطِ الْوَاوِ مِنْ أَوّلِ الْقَسِيمِ الثّانِي وَقَعَ فِي الْأَصْلِ وَفِي
الْحَاشِيَةِ وَتَحْتَ الْعَمَايَةِ بِوَاوِ الْعَطْفِ وَقَعَ فِي الْأَصْلَيْنِ
وَبِهَا يَكْمُلُ الْوَزْنُ وَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهَا إلّا عَلَى مَذْهَبِ
الْأَخْفَشِ الّذِي يُجِيزُ الْخَرْمَ فِي أَوّلِ الْقَسِيمِ الثّانِي مِنْ
الْبَيْتِ كَمَا يُجِيزُهُ الْعَرُوضِيّونَ فِي أَوّلِ الْبَيْتِ . وَقَوْلُهُ
تُطِيفُ بِك الْمُنْدِيَاتُ أَيْ الْأُمُورُ الشّنِيعَةُ . وَقَوْلُهُ تَبَجّسْت ،
مِنْ تَبَجّسَ الْمَاءُ إذَا انْفَجَرَ [ ص 354 ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا ، فِي يَوْمِ أُحُدٍ : [ ص 354 ]
سَائِلْ قُرَيْشًا غَدَاةَ السّفْحِ مِنْ أُحُدٍ ... مَاذَا لَقِينَا وَمَا
لَاقُوا مِنْ الْهَرَبِ
كُنّا الْأُسُودَ وَكَانُوا النّمْرَ إذَا زَحَفُوا ... مَا إنْ نُرَاقِبْ مِنْ
آلٍ وَلَا نَسَبٍ
فَكَمْ تَرَكْنَا بِهَا مِنْ سَيّدٍ بَطَلٍ ... حَامِي الذّمَارِ كَرِيمِ الْجَدّ
وَالْحَسَبِ
فِينَا الرّسُولُ شِهَابٌ ثُمّ يَتْبَعُهُ ... نُورٌ مُضِيءٌ لَهُ فَضْلٌ عَلَى
الشّهُبِ
الْحَقّ مَنْطِقُهُ وَالْعَدْلُ سِيرَتُهُ ... فَمَنْ يُجِبْهُ إلَيْهِ يَنْجُ
مِنْ تَبَبِ
نَجْدُ الْمُقَدّمِ مَاضِي الْهَمّ مُعْتَزَمٌ ... حِينَ الْقُلُوبِ عَلَى رَجْفٍ
مِنْ الرّعُبِ
يَمْضِي وَيَذْمُرُنَا عَنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ ... كَأَنّهُ الْبَدْرُ لَمْ
يُطْبَعْ عَلَى الْكَذِبِ
بَدَا لَنَا فَاتّبَعْنَاهُ نُصَدّقُهُ ... وَكَذّبُوهُ فَكُنّا أَسْعَدَ
الْعَرَبِ
جَالُوا وَجُلْنَا فَمَا فَاءُوا وَمَا رَجَعُوا ... وَنَحْنُ نَثْقِنَهُمْ لَمْ
نَأْلُ فِي الطّلَبِ
لَيْسَ سَوَاءً وَشَتّى بَيْنَ أَمْرِهِمَا ... حَزْبُ الْإِلَهِ وَأَهْلُ
الشّرْكِ وَالنّصُبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي مِنْ قَوْلِهِ " يَمْضِي وَيَذْمُرُنَا
" إلَى آخِرهَا ، أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .
شِعْرُ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي
بُكَاءِ حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ يَبْكِي حَمْزَةَ
بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : قَالَ ابْنُ هِشَامِ : أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ [ ص 355 ]
بَكَتْ عَيْنِي وَحُقّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا
الْعَوِيلُ
عَلَى أَسَدِ الْإِلَهِ غَدَاةَ قَالُوا ... أَحَمْزَةَ ذَاكُمْ الرّجُلُ
الْقَتِيلُ
أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ جَمِيعًا ... هُنَاكَ وَقَدْ أُصِيبَ بِهِ الرّسُولُ
أَبَا يَعْلَى لَك الْأَرْكَانُ هُدّتْ ... وَأَنْتَ الْمَاجِدُ الْبَرّ
الْوَصُولُ
عَلَيْك سَلَامُ رَبّك فِي جِنَانٍ ... مُخَالِطُهَا نَعِيمٌ لَا يَزُولُ
أَلَا يَا هَاشِمَ الْأَخْيَارِ صَبْرًا ... فَكُلّ فِعَالِكُمْ حَسَنٌ جَمِيلُ
رَسُولُ اللّهِ مُصْطَبِرٌ كَرِيمٌ ... بِأَمْرِ اللّهِ يَنْطِقُ إذْ يَقُولُ
أَلَا مَنْ مُبْلِغٍ عَنّي لُؤَيّا ... فَبَعْدَ الْيَوْمِ دَائِلَةٌ تَدُولُ
وَقَبْلَ الْيَوْمِ مَا عَرَفُوا وَذَاقُوا ... وَقَائِعَنَا بِهَا يُشْفَى
الْغَلِيلُ
نَسِيتُمْ ضَرْبَنَا بِقَلِيبِ بَدْرٍ ... غَدَاةَ أَتَاكُمْ الْمَوْتُ الْعَجِيلُ
غَدَاةَ ثَوَى أَبُو جَهْلٍ صَرِيعًا ... عَلَيْهِ الطّيْرُ حَائِمَةٌ تَجُولُ
وَعُتْبَةُ وَابْنُهُ خَرّا جَمِيعًا ... وَشَيْبَةُ عَضّهُ السّيْفُ الصّقِيلُ
وَمَتْرَكُنَا أُمَيّةَ مُجْلَعِبّا ... وَفِي حَيْزُومِهِ لَدْنٌ نَبِيلِ
وَهَامَ بَنِي رَبِيعَةَ سَائِلُوهَا ... فَفِي أَسْيَافِنَا مِنْهَا فُلُولُ
أَلَا يَا هِنْدُ فَابْكِي لَا تَمَلّي ... فَأَنْتِ الْوَالِهُ الْعَبْرَى
الْهَبُولُ
أَلَا يَا هِنْدُ لَا تُبْدِي شِمَاتًا ... بِحَمْزَةِ إنْ عَزّكُمْ ذَلِيلُ
.
شِعْرُ كَعْبٍ فِي أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ :
أَبْلِغْ قُرَيْشًا عَلَى نَأْيِهَا ... أَتَفْخَرُ مِنّا بِمَا لَمْ تَلِي
فَخَرْتُمْ بِقَتْلَى أَصَابَتْهُمْ ... فَوَاضِلُ مِنْ نِعَمِ الْمُفْضِلِ
فَحَلّوا جِنَانًا وَأَبْقَوْا لَكُمْ ... أُسُودًا تَحَامِي عَنْ الْأَشْبُلِ
تُقَاتِلُ عَنْ دِينِهَا وَسْطَهَا ... نَبِيّ عَنْ الْحَقّ لَمْ يَنْكُلْ
رَمَتْهُ مَعَدّ بِعُورِ الْكَلَامِ ... وَنَبْلِ الْعَدَاوَةِ لَا تَأْتَلِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ " لَمْ تَلِي " ،
وَقَوْلَهُ " مِنْ نِعَمِ الْمُفْضِلِ " أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .
شِعْرُ ضِرَارٍ فِي أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ فِي يَوْمِ أُحُدٍ : [ ص
356 ]
مَا بَالُ عَيْنِك قَدْ أَزْرَى بِهَا السّهُدُ ... كَأَنّمَا جَالَ فِي
أَجْفَانِهَا الرّمَدُ
أَمِنْ فِرَاقِ حَبِيبٍ كُنْت تَأْلَفُهُ ... قَدْ حَالَ مِنْ دُونِهِ
الْأَعْدَاءُ وَالْبُعْدُ
أَمْ ذَاكَ مِنْ شَغْبِ قَوْمٍ لَا جَدَاءَ بِهِمْ ... إذْ الْحُرُوبُ تَلَظّتْ
نَارُهَا تَقِدُ
مَا يَنْتَهُونَ عَنْ الْغَيّ الّذِي رَكِبُوا ... وَمَا لَهُمْ مِنْ لُؤَيّ
وَيْحَهمْ عَضُدُ
وَقَدْ نَشَدْنَاهُمْ بِاَللّهِ قَاطِبَةً ... فَمَا تَرُدّهُمْ الْأَرْحَامُ
وَالنّشَدُ
حَتّى إذَا مَا أَبَوْا إلّا مُحَارَبَةً ... وَاسْتَحْصَدَتْ بَيْنَنَا
الْأَضْغَانُ وَالْحِقِدُ
سِرْنَا إلَيْهِمْ بِجَيْشِ فِي جَوَانِبِهِ ... قَوَانِسُ الْبِيضِ
وَالْمَحْبُوكَةُ السّرُدُ
وَالْجُرْدُ تَرْفُلُ بِالْأَبْطَالِ شَازِيَةَ ... كَأَنّهَا حِدَأٌ فِي
سَيْرِهَا تُؤَدُ
جَيْشٌ يَقُودُهُمْ صَخْرٌ وَيَرْأَسُهُمْ ... كَأَنّهُ لَيْثُ غَابٍ هَاصِرٌ حَرِدُ
فَأَبْرَزَ الْحَيْنَ قَوْمًا مِنْ مَنَازِلِهِمْ ... فَكَانَ مِنّا وَمِنْهُمْ
مُلْتَقَى أُحُدِ
فَغُودِرَتْ مِنْهُمْ قَتْلَى ، مُجَدّلَة ... كَالْمَعْزِ أَصْرَدَهُ
بِالصّرْدَحِ الْبَرْدِ
قَتْلَى كِرَامٌ بَنُو النّجّارِ وَسْطَهُمْ ... وَمُصْعَبٌ مِنْ قَنَانَا
حَوْلَهُ قِصَدٌ
وَحَمْزَةُ الْقَرْمُ مَصْرُوعٌ تُطِيفُ بِهِ ... ثَكْلَى وَقَدْ حُزّ مِنْهُ
الْأَنْفُ وَالْكَبِدُ
كَأَنّهُ حِينَ يَكْبُو فِي جَدِيّتِهِ ... تَحْتَ الْعِجَاجِ وَفِيهِ ثَعْلَبٌ
جَسِدُ
حُوَارُ نَابٍ وَقَدْ وَلّى صَحَابَتُهُ ... كَمَا تَوَلّى النّعَامُ الْهَارِبُ
الشّرُدُ
مُجَلّحِينَ وَلَا يَلْوُونَ قَدْ مُلِئُوا ... رُعْبًا ، فَنَجّتْهُمْ
الْعَوْصَاءُ وَالْكُوّدُ
تَبْكِي عَلَيْهِمْ نِسَاءٌ لَا يَعُولُ لَهَا ... مِنْ كُلّ سَالِبَةٍ
أَثْوَابُهَا قِدَدُ
وَقَدْ تَرَكْنَاهُمْ لِلطّيْرِ مَلْحَمَةً ... وَلِلضّبَاعِ إلَى أَجْسَادِهِمْ
تَفِدُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا
لِضِرَارِ .Sشِعْرُ ضِرَارٍ
[ ص 355 ] ضِرَارٍ فِي قَصِيدَتِهِ الدّالِيّةِ يَكْبُو فِي جَدِيّتِهِ أَيْ فِي
دَمِهِ . [ ص 356 ] ثَعْلَبٌ جَسَدُ يُرِيدُ ثَعْلَبَ الرّمْحِ وَجَسِدَ مِنْ
الْجِسَادِ وَهُوَ الدّمُ . وَقَوْلُهُ الْأَضْغَانُ وَالْحِقِدُ حَرّكَ الْقَافَ
بِالْكَسْرِ ضَرُورَةً وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الدّالِ بِالسّكُونِ وَكَانَ الِاسْمُ
مَخْفُوضًا كَانَ الْكَسْرُ أَحْسَنَ فِي الْوَقْفِ كَمَا قَالَ وَاصْطِفَافًا
بِالرّجْلِ أَيْ الرّجْلِ . وَقَوْلُهُ الْعَوْصَاءُ وَالْكُؤُدُ يُرِيدُ
الرّمُلَةَ الْعَوِيصُ مَسْلَكُهَا ، وَالْكُؤُدُ جَمْعُ عَقَبَةٍ كَؤُودٍ وَهِيَ
الشّاقّةُ .
رَجَزُ أَبِي زَعْنَةَ يَوْمَ
أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو زَعْنَةَ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ عُتْبَةَ أَخُو بَنِي جُشَمٍ بْنِ الْخَزْرَجِ ، يَوْمَ أُحُدٍ
أَنَا أَبُو زَعْنَةَ يَعْدُو بِي الْهُزَمْ ... لَمْ تُمْنَعْ الْمَخْزَاةُ إلّا
بِالْأَلَمْ
يَحْمِي الذّمَارَ خَزْرَجِيّ مِنْ جُشَمْ
رَجَزٌ يُنْسَبُ لِعَلِيّ فِي يَوْمِ أُحُدٍ
[ ص 357 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : قَالَهَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ غَيْرُ عَلِيّ
فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ
يَعْرِفُهَا لِعَلِيّ
لَا هُمّ إنّ الْحَارِثَ بْنَ الصّمّةْ ... كَانَ وَفِيّا وَبِنَا ذَا ذِمّةْ
أَقْبَلَ فِي مَهَامِهِ مُهِمّةْ ... كَلَيْلَةِ ظَلْمَاءَ مُدْلَهِمّةْ
بَيْنَ سُيُوفٍ وَرِمَاحٍ جَمّةْ ... يَبْغِي رَسُولَ اللّهِ فِيمَا ثَمّةْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ " كَلَيْلَةِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ
إسْحَاقَ .
رَجَزُ عِكْرِمَةَ فِي يَوْمِ أُحُدٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ فِي يَوْمِ أُحُدٍ :
كُلّهُمْ يَزْجُرُهُ أَرْحِبْ هَلّا ... وَلَنْ يَرَوْهُ الْيَوْمَ إلّا مُقْبِلَا
يَحْمِلُ رُمْحًا وَرَئِيسًا جَحْفَلَا
.Sرَجَزُ عِكْرِمَةَ
[ ص 357 ] عِكْرِمَةَ أَرْحِبْ هَلّا ، هُوَ مِنْ زَجْرِ الْخَيْلِ وَكَذَلِكَ
هِقِطْ وَهِقِطْ وَهَبْ وَسَقَبْ . وَذَكَرَ قَوْلَ نُعَيْمٍ
شِعْرُ الْأَعْشَى التّمِيمِيّ
فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَنِي عَبْدِ الدّارِ يَوْمَ أُحُدٍ
وَقَالَ الْأَعْشَى بْنُ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ التّمِيمِيّ - قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : ثُمّ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ - يَبْكِي قَتْلَى
بَنِي عَبْدِ الدّارِ يَوْمَ أُحُدٍ : [ ص 358 ]
حِيّيَ مِنْ حَيّ عَلَيّ نَأْيُهُمْ ... بَنُو أَبِي طَلْحَةَ لَا تُصْرَفُ
يَمُرّ سَاقِيهِمْ عَلَيْهِمْ بِهَا ... وَكُلّ سَاقٍ لَهُمْ يَعْرِفُ
لَا جَارُهُمْ يَشْكُو وَلَا ضَيْفُهُمْ ... مِنْ دُونِهِ بَابٌ لَهُمْ يَصْرِفُ
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى يَوْمَ أُحُدٍ :
قَتَلْنَا ابْنَ جَحْشٍ فَاغْتَبَطْنَا بِقَتْلِهِ ... وَحَمْزَةَ فِي فُرْسَانِهِ
وَابْنُ قَوْقَلِ
وَأَفْلَتَنَا مِنْهُمْ رِجَالٌ فَأَسْرَعُوا ... فَلَيْتَهُمْ عَاجُوا وَلَمْ
نَتَعَجّلْ
أَقَامُوا لَنَا حَتّى تَعَضّ سُيُوفُنَا ... سَرَاتَهُمْ وَكُلّنَا غَيْرُ عُزّلِ
وَحَتّى يَكُونَ الْقَتْلُ فِينَا وَفِيهِمْ ... وَيَلْقُوا صَبُوحًا شَرّهُ
غَيْرَ مُنْجَلِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَوْلُهُ " وَكُلّنَا " وَقَوْلُهُ "
وَيَلْقُوا صَبُوحًا " : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
شِعْرُ صَفِيّةَ فِي بُكَاءِ حَمْزَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَبْكِي
أَخَاهَا حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ :
أَسَائِلَةٌ أَصْحَابَ أُحْدٍ مَخَافَةً ... بَنَاتُ أَبِي مِنْ أَعْجَمَ
وَخَبِيرِ
فَقَالَ الْخَبِيرُ أَنّ حَمْزَةَ قَدْ ثَوَى ... وَزِيرُ رَسُولِ اللّهِ خَيْرُ
وَزِيرِ
دَعَاهُ إلَهُ الْحَقّ ذُو الْعَرْشِ دَعْوَةً ... إلَى جَنّةٍ يَحْيَا بِهَا
وَسُرُورُ
فَذَلِكَ مَا كُنّا نُرْجِي وَنَرْتَجِي ... لِحَمْزَةِ يَوْمَ الْحَشْرِ خَيْرُ
مَصِيرِ
فَوَاَللّهِ لَا أَنْسَاك مَا هَبّتْ الصّبَا ... بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي
وَمَسِيرِي
عَلَى أَسَدِ اللّهِ الّذِي كَانَ مِدْرَهَا ... يَذُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ كُلّ
كَفَوْرِ
فَيَا لَيْتَ شِلْوِي عِنْدَ ذَاكَ وَأَعْظُمِي ... لَدَى أَضْبُعٍ تَعْتَادَنِي
وَنُسُورِ
أَقُولُ وَقَدْ أَعْلَى النّعِيّ عَشِيرَتِي ... جَزَى اللّهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ
وَنَصِيرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ
قَوْلَهَا : بُكَاءً وَحُزْنًا مَحْضَرِي وَمَسِيرِي
شِعْرُ نُعْمَ فِي بُكَاءِ
شَمّاسٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ نُعْمُ امْرَأَةُ شَمّاسِ بْنِ عُثْمَانَ ، تَبْكِي
شَمّاسًا ، وَأُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ : [ ص 359 ]
يَا عَيْنُ جُودِي بِفَيْضِ غَيْرِ إبْسَاسِ ... عَلَى كَرِيمٍ مِنْ الْفِتْيَانِ
أَبّاسِ
صَعْبِ الْبَدِيهَةِ مَيْمُونٍ نَقِيبَتُهُ ... حَمّالِ أَلْوِيَةٍ رَكّابِ
أَفْرَاسِ
أَقُولُ لَمّا أَتَى النّاعِي لَهُ جَزَعًا ... أَوْدَى الْجُوَادُ وَأَوْدَى
الْمُطْعِمُ الْكَاسِي
وَقُلْت لَمّا خَلَتْ مِنْهُ مَجَالِسُهُ ... لَا يَبْعُدُ اللّهَ عَنّا قُرْبَ
شَمّاسٍ
شِعْرُ أَبِي الْحَكَمِ فِي تَعْزِيَةِ نُعْمَ
فَأَجَابَهَا أَخُوهَا ، وَهُوَ أَبُو الْحَكَمِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ
يُعَزّيهَا ، فَقَالَ
اقْنَى حَيَاءَك فِي سِتْرٍ وَفِي كَرْمٍ ... فَإِنّمَا كَانَ شَمّاسٌ مِنْ
النّاسِ
لَا تَقْتُلِي النّفْسَ إذْ حَانَتْ مَنِيّتُهُ ... فِي طَاعَةِ اللّهِ يَوْمَ
الرّوْعِ وَالِبَاسِ
قَدْ كَانَ حَمْزَةُ لَيْثَ اللّهِ فَاصْطَبِرِي ... فَذَاقَ يَوْمَئِذٍ مِنْ
كَأْسِ شَمّاسِ
شِعْرُ هِنْدٍ بَعْدَ عَوْدَتِهَا مِنْ أُحُدٍ
[ ص 360 ] وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، حِينَ انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ
عَنْ أُحُدٍ :
رَجَعْت وَفِي نَفْسِي بَلَابِلُ جَمّةٌ ... وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الّذِي كَانَ
مَطْلَبِي
مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَيْرِهِمْ ... بَنِي هَاشِمٍ مِنْهُمْ
وَمِنْ أَهْلِ يَثْرِبِ
وَلَكِنّنِي قَدْ نِلْت شَيْئًا وَلَمْ يَكُنْ ... كَمَا كُنْت أَرْجُو فِي
مَسِيرِي وَمَرْكَبِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ
قَوْلَهَا : وَقَدْ فَاتَنِي بَعْضُ الّذِي كَانَ مَطْلَبِي
وَبَعْضُهُمْ يُنْكِرُهَا لِهِنْدِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .Sشِعْرُ نُعْمَ
يَا عَيْنُ جُودِيّ بِفَيْضِ غَيْرِ إبْسَاسِ [ ص 358 ] [ ص 359 ] لَبَنَ
النّاقَةِ بِأَنْ تَمْسَحَ ضَرْعَهَا ، وَتَقُولُ لَهَا : بَسْ بَسْ
فَاسْتَعَارَتْ هَذَا الْمَعْنَى لِلدّمْعِ الْفَائِضِ بِغَيْرِ تَكَلّفٍ وَلَا
اسْتِدْرَارٍ لَهُ . وَقَوْلُهَا : صَعْبُ الْبَدِيهَةِ أَيْ بَدِيهَتُهُ لَا
تُعَارَضُ وَلَا تُطَاقُ فَكَيْفَ رَوِيّتُهُ وَاحْتِفَالُهُ .
شِعْرُ كَعْبٍ اللّامِيّ
وَفِي شِعْرِ كَعْبٍ
بَكَتْ عَيْنِي وَحُقّ لَهَا بُكَاهَا ... وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا
الْعَوِيلُ
وَضَعَ الْمَقْصُورَ فِي مَوْضِعِهِ وَالْمَمْدُودَ فِي مَوْضِعِهِ لِأَنّ
الْبُكَاءَ مَقْصُورٌ بِمَعْنَى الْحُزْنِ وَالْغَمّ وَإِنْ كَانَ مَمْدُودًا
فَهُوَ الصّرَاخُ وَكَذَلِكَ قِيَاسُ الْأَصْوَاتِ أَنْ تَكُونَ عَلَى فِعَالٍ
فَقَوْلُهُ حُقّ لَهَا بُكَاهَا ، أَيْ حُقّ لَهَا حُزْنُهَا ، لِأَنّهُ الّذِي
يَحِقّ دُونَ الصّرَاخِ . ثُمّ قَالَ وَمَا يُغْنِي الْبُكَاءُ وَلَا الْعَوِيلُ
أَيْ لَيْسَ يَنْفَعُ الصّيَاحُ وَلَا الصّرَاخُ وَلَا يُجْدِي عَلَى أَحَدٍ ،
فَتَنَزّلَتْ كُلّ كَلِمَةٍ مَنْزِلَتَهَا . وَقَوْلُهُ حُقّ لَهَا ، أَيْ حُقّ
وَالْأَصْلُ حَقِقَ عَلَى فَعِلَ فَبُكَاهَا : فَاعِلٌ لَا مَفْعُولٌ وَكُلّ
فِعْلٍ إذَا أَرَدْت الْمُبَالَغَةَ فِي الْأَمْرِ وَمَعْنَى التّعَجّبِ نُقِلَتْ
الضّمّةُ مِنْ عَيْنِ الْفِعْلِ إلَى فَائِهِ فَتَقُولُ حَسُنَ زَيْدٌ أَيْ حَسُنَ
جِدّا ، فَإِنْ لَمْ تُرِدْ مَعْنَى التّعَجّبِ لَمْ يَجُزْ إلّا الضّمّ أَوْ
التّسْكِينُ تَقُولُ كَبُرَ زَيْدٌ وَكَبْرُ وَلَا تَقُولُ كُبْرَ إلّا مَعَ قَصْدِ
التّعَجّبِ . قَالَ الشّاعِرُ [ الْأَخْطَلُ ] :
فَقُلْت : اُقْتُلُوهَا عَنْكُمْ بِمِزَاجِهَا ... وَحُبّ بِهَا مَقْتُولَةً حِينَ
تُقْتَلُ
[ ص 360 ] وَقَالَ آخَرُ [ سَهْمُ بْنُ حَنْظَلَةَ الْغَنَوِيّ ] :
لَمْ يَمْنَعْ الْقَوْمُ مِنّي مَا أَرَدْت وَلَمْ ... أُعْطِيهِمْ مَا أَرَادُوا
حُسْنَ ذَا أَدَبَا
أَيْ حَسُنَ وَقَالَ آخَرُ أَلَا حُبّ بِالْبَيْتِ الّذِي أَنْتَ زَائِرُهُ
وَقَالَ بِالْبَيْتِ لِأَنّ مَعْنَاهُ كَمَعْنَى أَحْبِبْ بِالْبَيْتِ تَعَجّبًا .
وَقَوْلُ كَعْبٍ أَبَا يَعْلَى لَك الْأَرْكَانُ هَدّتْ
كَانَ حَمْزَةُ يُكَنّى أَبَا يَعْلَى بِابْنِهِ يَعْلَى ، وَلَمْ يَعِشْ
لِحَمْزَةِ وَلَدٌ غَيْرُهُ وَأَعْقَبَ يَعْلَى خَمْسَةٌ مِنْ الْبَنِينَ ثُمّ
انْقَرَضَ عَقِبُهُمْ فِيمَا ذَكَرَ مُصْعَبٌ وَيُكَنّى حَمْزَةُ أَيْضًا أَبَا
عُمَارَةَ وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي الْمَبْعَثِ بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ قِيلَ
إنّ عُمَارَةَ بِنْتٌ لَهُ كُنّيَ بِهَا ، وَهِيَ الّتِي وَقَعَ ذِكْرُهَا فِي
السّنَنِ لِلدّارَقُطْنِيّ أَنّ مَوْلَى لِحَمْزَةِ مَاتَ وَتَرَكَ بِنْتًا
فَوَرِثَتْ مِنْهُ النّصْفُ وَوَرِثَتْ بِنْتُ حَمْزَةَ النّصْفَ الْآخَرَ وَلَمْ
يُسَمّهَا فِي السّنَنِ وَلَكِنْ جَاءَ اسْمُهَا فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ
لِبَكْرِ بْنِ الْعَلَاءِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ الْوَلَاءَ كَانَ
لَهَا ، وَأَنّهَا كَانَتْ الْمُعْتِقَةَ لَا حَمْزَةَ .
ذَكَرَ يَوْمَ الرّجِيعِ
فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ مَقْتَلَ خَبِيبٍ وَأَصْحَابِهِ
قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا
زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ
الْمُطّلِبِيّ قَالَ حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ قَدِمَ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أُحُدٍ رَهْطٌ مِنْ
عَضَلٍ وَالْقَارَةِ .
نَسَبُ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَضَلٌ وَالْقَارَةُ ، مِنْ الْهَوْنِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ
مُدْرِكَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْهُونُ ، بِضَمّ الْهَاءِ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 362 ] فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ فِينَا إسْلَامًا
، فَابْعَثْ مَعَنَا نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِك يُفَقّهُونَنَا فِي الدّينِ
وَيُقْرِئُونَنَا الْقُرْآنَ وَيُعَلّمُونَنَا شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ . فَبَعَثَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرًا سِتّةً مِنْ أَصْحَابِهِ
وَهُمْ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ ، حَلِيفُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ اللّيْثِيّ ، حَلِيفُ بَنِي عَدِيّ بْنِ
كَعْبٍ ، وَعَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو
بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، وَخَبِيبُ بْنُ عَدِيّ ، أَخُو بَنِي
جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ أَخُو بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ
حَارِثَةَ بْنِ غَضْبِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ؛ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
طَارِقٍ حَلِيفُ بَنِي ظَفَرِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ
الْأَوْسِ . وَأَمّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى
الْقَوْمِ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ فَخَرَجَ مَعَ الْقَوْمِ .
حَتّى إذَا كَانُوا عَلَى الرّجِيعِ ، مَاءٍ لِهُذَيْلٍ بِنَاحِيَةِ الْحِجَازِ ،
عَلَى صُدُورِ الْهَدْأَةِ غَدَرُوا بِهِمْ فَاسْتَصْرَخُوا عَلَيْهِمْ هُذَيْلًا
فَلَمْ يَرُعْ الْقَوْمُ وَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ إلّا الرّجَالُ بِأَيْدِيهِمْ
السّيُوفُ قَدْ غَشُوهُمْ فَأَخَذُوا أَسْيَافَهُمْ لِيُقَاتِلُوهُمْ فَقَالُوا
لَهُمْ إنّا وَاَللّهِ مَا نُرِيدُ قَتْلَكُمْ ، وَلَكِنّا نُرِيدُ أَنْ نُصِيبَ
بِكُمْ شَيْئًا مِنْ أَهْلِ مَكّةَ وَلَكُمْ عَهْدُ اللّهِ وَمِيثَاقُهُ أَنْ لَا
نَقْتُلَكُمْ
مَقْتَلُ مَرْثَدٍ وَابْنِ الْبُكَيْرِ وَعَاصِمٍ
فَأَمّا مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ ، وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ وَعَاصِمُ
بْنُ ثَابِتٍ فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَا نَقْبَلُ مِنْ مُشْرِكٍ عَهْدًا وَلَا
عَقْدًا أَبَدًا فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ [ ص 363 ]
مَا عِلّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلٌ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنَابِلُ
تَزِلّ عَنْ صَفْحَتِهَا الْمَعَابِلُ ... الْمَوْتُ حَقّ وَالْحَيَاةُ بَاطِلُ
وَكُلّ مَا حَمّ الْإِلَهُ نَازِلُ ... بِالْمَرْءِ وَالْمَرْءُ إلَيْهِ آئِلُ
إنْ لَمْ أُقَاتِلْكُمْ فَأُمّي هَابِلُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَابِلُ ثَاكِلُ . وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ الْمُقْعَدِ ... وَضَالّةٌ مِثْلُ الْجَحِيمِ
الْمُوقَدِ
إذَا النّوَاجِي اُفْتُرِشَتْ لَمْ أُرْعَدْ ... وَمُجْنَأٌ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ
أَجْرَدِ
وَمُؤْمِنٌ بِمَا عَلَى مُحَمّدٍ
وَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
أَبُو سُلَيْمَانَ وَمِثْلِي رَامِي ... وَكَانَ قَوْمِي مَعْشَرًا كِرَامَا
وَكَانَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ يُكَنّى : أَبَا سُلَيْمَانَ . ثُمّ قَاتَلَ
الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ وَقُتِلَ صَاحِبَاهُ .Sمَقْتَلُ خَبِيبٍ
وَأَصْحَابِهِ
[ ص 361 ] وَذَكَرَ غَدْرَ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ ، وَهُمَا بَطْنَانِ مِنْ بَنِي
الْهُونِ ، وَالْهُونُ هُمْ بَنُو الرّيشِ وَيَثِيعُ ابْنَيْ الْهُونِ بْنِ
خُزَيْمَةَ ، وَقَدْ تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِمَعْنَى الْقَارَةِ ، وَبِالْمِثْلِ
جَرَى فِيهِمْ وَالْقَارَةُ الْحَرّةُ ، وَذَكَرْنَا السّبَبَ فِي تَسْمِيَتِهِمْ
بِهَا . وَذَكَرَ أَنّ أَصْحَابَ خَبِيبٍ كَانُوا سِتّةً وَفِي الْجَامِعِ
الصّحِيحِ لِلْبُخَارِيّ أَنّهُمْ كَانُوا عَشْرَةً وَهُوَ أَصَحّ ، وَاَللّهُ
أَعْلَمُ . [ ص 362 ] وَذَكَرَ أَسَمَاءَ السّتّةِ وَقَدْ نَسَبَهُمْ فِيمَا
تَقَدّمَ فَأَمّا خُبَيْبٌ فَهُوَ مِنْ بَنِي جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّةِ بْنِ
مُعَاوِيَةَ مَقْلُوبٌ مِنْ الثّدَنَةِ وَالثّدَنُ اسْتِرْخَاءُ اللّحْمِ .
وَذَكَرَ فِيهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَقَوْلَهُ
مَا عِلّتِي وَأَنَا جَلْدٌ نَابِلُ ... وَالْقَوْسُ فِيهَا وَتَرٌ عُنَابِلُ
وَالْعُنَابِلُ الشّدِيدُ وَكَأَنّهُ مِنْ الْعَبَالَةِ وَهِيَ الْقُوّةُ
وَالنّونُ زَائِدَةٌ وَالْعَبَالَةُ أَيْضًا : شَجَرَةٌ صُلْبَةٌ وَفِي الْخَبَرِ
أَنّ عَصَا مُوسَى كَانَتْ مِنْ عَبَالَةٍ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَصَا مُوسَى
كَانَتْ مِنْ عَيْنِ وَرَقَةِ آسِ الْجَنّةِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْحُوتًا
مِنْ أَصْلَيْنِ مِنْ الْعَنَنِ وَالنّبْلِ كَأَنّهُ يُصِيبُ مَا عَزَلَهُ
بِنَبْلِهِ . [ ص 363 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَرِيشُ الْمُقْعَدِ
. قَوْلُهُ أَبُو سُلَيْمَانَ أَيْ أَنَا أَبُو سُلَيْمَانَ قَدْ عُرِفْت فِي
الْحُرُوبِ وَعِنْدِي نَبْلٌ رَاشَهَا الْمُقْعُدُ وَكَانَ رَائِشًا صَانِعًا .
وَرِيشٌ السّهْمُ الْمَحْمُودُ فِيهِ اللّؤَامُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الرّيشَةُ
بَطْنُهَا إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى ، وَاللّغَابُ يَعْكِسُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ
ظَهْرُ وَاحِدَةٍ إلَى ظَهْرِ الْأُخْرَى ، وَهُوَ الظّهَارُ أَيْضًا ، وَهُوَ
اللّؤَامُ أُخِذَ اللّأْمُ وَهُوَ السّهْمُ الْمَرِيشُ قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ :
كَرّكَ لَأْمَيْنِ عَلَى نَابِلٍ
وَسُئِلَ رُؤْبَةُ عَنْ مَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ فَقَالَ حَدّثَنِي أَبِي عَنْ
أَبِيهِ قَالَ حَدّثَتْنِي عَمّتِي ، وَكَانَتْ فِي بَنِي دَارِمٍ قَالَتْ سَأَلْت
امْرَأَ الْقَيْسِ وَهُوَ يَشْرَبُ طِلَاءً لَهُ مَعَ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدَةَ :
مَا مَعْنَى قَوْلِك : كَرّكَ لَأْمَيْنِ عَلَى نَابِلٍ
فَقَالَ مَرَرْت بِنَابِلِ وَصَاحِبُهُ يُنَاوِلُهُ الرّيشَ لُؤَمًا وَظُهَارًا ،
فَمَا رَأَيْت شَيْئًا أَسْرَعَ مِنْهُ وَلَا أَحْسَنَ فَشَبّهْت بِهِ ذَكَرَ
هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ . وَقَوْلُهُ وَضَالّةٌ أَيْ سِهَامٌ قِدَاحُهَا مِنْ
الضّالِ وَهُوَ السّدْرُ . قَالَ الشّاعِرُ [ ذُو الرّمّةِ ] :
قَطَعْت إذَا تَخَوّفْت الْعَوَاطِي ... ضُرُوبَ السّدْرِ عُبْرِيًا وَضَالَا
[ ص 364 ] فَالْعُبْرِيّ مِنْهَا مَا كَانَ عَلَى شُطُوطِ الْأَنْهَارِ وَالضّالّ
مَا كَانَ فِي الْبَرّيّةِ وَالْعَوَاطِي هِيَ الْمَاشِيَةُ تَعْطُو أَيْ
تَتَنَاوَلُ وَإِنّمَا تَتَنَاوَلُ أَطْرَافَ الشّجَرِ فِي الصّيْفِ فَمَعْنَاهُ
قَطَعْت هَذِهِ الصّحْرَاءَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَتَخَوّفْت : أَيْ تَنَقّضْتُ
مِنْ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوّفٍ } [ النّحْلُ 47 ]
. وَذَكَرَ أَنّ حُجَيْرَ بْنَ أَبِي إهَابٍ هُوَ الّذِي اشْتَرَى خُبَيْبًا ،
وَكَانَ خُبَيْبٌ قَدْ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ نَوْفَلٍ أَخَا حُجَيْرٍ لِأُمّهِ
وَقَالَ مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ اشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ
لِأَنّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ وَالْمَعْنَى قَرِيبٌ مِمّا ذَكَرَ ابْنُ
إسْحَاقَ . وَقَوْلُهُ مَاوِيّةُ بِنْتُ حُجَيْرٍ بِالْوَاوِ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ
بُكَيْرٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ :
مَارِيّةُ بِالرّاءِ وَبِالْوَاوِ وَقَعَ فِي النّسَخِ الْعَتِيقَةِ مِنْ
رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ بُكَيْرٍ وَقَدْ تَكَلّمْنَا عَنْ اشْتِقَاقِ
هَذَا الِاسْمِ فِي صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ
وَذَكَرْنَا أَنّ الْمَارِيَةَ بِالتّخْفِيفِ هِيَ الْبَقَرَةُ وَبِتَشْدِيدِ
الْيَاءِ الْقَطَاةُ الْمَلْسَاءُ وَأَمّا الْغُلَامُ الّذِي أَعْطَتْهُ
الْمُدْيَةَ فَقِيلَ هُوَ أَبُو عِيسَى بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلِ
بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَهُ الزّبَيْرُ وَهُوَ جَدّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ
الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ الّذِي يَرْوِي عَنْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطّأِ .
وَذَكَرَ أَنّ أَبَا مَيْسَرَةَ هُوَ الّذِي طَعَنَ خُبَيْبًا فِي الْخَشَبَةِ
وَهُوَ أَبُو مَيْسَرَةَ بْنُ عَوْفِ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ
وَاَلّذِي طَعَنَهُ مَعَهُ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ يُكَنّى أَبَا سِرْوَعَةَ
وَيُقَالُ إنّ أَبَا سِرْوَعَةَ وَعُقْبَةُ أَخَوَانِ أَسْلَمَا جَمِيعًا
وَلِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَدِيثٌ وَاحِدٌ فِي الرّضَاعِ وَشَهَادَةُ
امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِيهِ . وَحَدِيثُهُ مَشْهُورٌ فِي الصّحَاحِ ، فِيهِ أَنّهُ
قَالَ تَزَوّجْت بِنْتَ أَبِي إهَابِ بْنِ عَزِيزٍ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ
فَقَالَتْ إنّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَزَادَ فِيهِ
الدّارَقُطْنِيّ قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ تَسْأَلُ فَلَمْ نُعْطِهَا
شَيْئًا ، فَقَالَتْ إنّي وَاَللّهِ أَرْضَعْتُكُمَا ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّهَا كَاذِبَةٌ يَا رَسُولَ اللّهِ
فَقَالَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ فَطَلّقْهَا وَنَكَحَتْ
ضَرِيبَ بْنَ الْحَارِثِ فَوَلَدَتْ لَهُ أُمّ قِتَالٍ وَهِيَ امْرَأَةُ جُبَيْرِ
بْنِ مُطْعِمٍ ، وَأُمّ ابْنِهِ مُحَمّدٌ وَنَافِعٌ ابْنَا جَابِرٍ وَاسْمُ هَذِهِ
الْمَرْأَةِ الّتِي طَلّقَهَا عُقْبَةُ غُنَيّةُ وَتُكَنّى أُمّ يَحْيَى ، ذَكَرَ
اسْمَهَا أَبُو الْحَسَنِ الدّارَقُطْنِيّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ
وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ النّسَاءِ وَلَا كَثِيرٌ مِمّنْ
أَلّفَ فِي الْحَدِيثِ .
حِمَايَةُ الدّبْرِ لِعَاصِمِ
فَلَمّا [ ص 364 ] أَرَادَتْ هُذَيْل ٌ أَخْذَ رَأْسِهِ لِيَبِيعُوهُ مِنْ
سُلَافَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ شُهَيْدٍ وَكَانَتْ قَدْ نَذَرَتْ حِينَ أَصَابَ
ابْنَيْهَا يَوْمَ أُحُدٍ : لَئِنْ قَدَرْت عَلَى رَأْسِ عَاصِمٍ لَتَشْرَبَن فِي
[ ص 365 ] حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ الدّبْرُ قَالُوا : دَعُوهُ يُمْسِي
فَتَذْهَبُ عَنْهُ فَنَأْخُذَهُ . فَبَعَثَ اللّهُ الْوَادِيَ فَاحْتَمَلَ
عَاصِمًا ، فَذَهَبَ بِهِ . وَقَدْ كَانَ عَاصِمٌ قَدْ أَعْطَى اللّهَ عَهْدًا
أَنْ لَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا ، تَنَجّسًا ؛ فَكَانَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ حِينَ بَلَغَهُ أَنّ
الدّبْرَ مَنَعَتْهُ يَحْفَظُ اللّهُ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ ، كَانَ عَاصِمٌ
نَذَرَ أَنْ لَا يَمَسّهُ مُشْرِكٌ وَلَا يَمَسّ مُشْرِكًا أَبَدًا فِي حَيَاتِهِ
فَمَنَعَهُ اللّهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ كَمَا امْتَنَعَ مِنْهُ فِي حَيَاتِهِ .Sوَذَكَرَ قِصّةَ
عَاصِمٍ حِينَ حَمَتْهُ الدّبْرُ . الدّبْرُ هَاهُنَا : الزّنَابِيرُ وَأَمّا
الدّبْرُ فَصِغَارُ الْجَرَادِ وَمِنْهُ يُقَالُ مَاءٌ دِبْرٌ قَالَهُ أَبُو
حَنِيفَةَ ، قَالَ وَقَدْ يُقَالُ لِلنّحْلِ أَيْضًا : دَبْرٌ بِفَتْحِ الدّالِ
وَاحِدَتُهَا [ ص 365 ] قَالَ وَيُقَالُ لَهُ خَشْرَمٌ وَلَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ
لَفْظِهِ هَذِهِ رِوَايَةُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ الْأَصْمَعِيّ ، وَرِوَايَةُ
غَيْرِهِ عَنْهُ أَنّ وَاحِدَتَهُ خَشْرَمَةٌ . وَالثّوْلُ جَمَاعَةُ النّحْلِ
أَيْضًا ، وَلَا وَاحِدَ لَهَا ، وَكَذَلِكَ النّوَبُ وَاللّوْبُ . وَمِنْ
اللّوْبِ حَدِيثُ زَبّان بْنِ قَسْوَرٍ قَالَ رَأَيْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ نَازِلٌ بِوَادِي الشّوْحَطِ فَكَلّمْته ، فَقُلْت : يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّ مَعَنَا لَوْبًا لَنَا - يَعْنِي نَخْلًا - كَانَتْ فِي
عَيْلَمٍ لَنَا بِهِ طَرْمٌ وَشَمْعٌ فَجَاءَ رَجُلٌ فَضَرَبَ مَيّتَيْنِ
فَأُنْتِجَ حَيّا ، وَكَفّتْهُ بِالتّمَامِ يَعْنِي نَارًا مِنْ زَنْدَيْنِ ونحسه
يَعْنِي : دُخْنَهُ فَطَارَ اللّوبُ هَارِبًا ، وَدَلّى مِشْوَارَهُ فِي
الْعَيْلَمِ فَاشْتَارَ الْعَسَلُ فَمَضَى بِهِ فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - " مَلْعُونٌ مَلْعُونٌ مَنْ سَرَقَ وَقَوْم ، فَأَضَرّ
بِهِمْ أَفَلَا تَبِعْتُمْ أَثَرَهُ وَعَرَفْتُمْ خَبَرَهُ ؟ " قَالَ قُلْت :
يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ دَخَلَ فِي قَوْمٍ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَهُمْ جِيرَانُنَا
مِنْ هُذَيْلٍ ، فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - "
صَبْرَك صَبْرَك تَرِدُ نَهَرَ الْجَنّةِ وَإِنّ سِعَتَهُ كَمَا بَيْنَ
اللّقِيقَةِ وَالسّحِيقَةِ يَتَسَبْسَبُ جَرْيًا بِعَسَلِ صَافٍ مِنْ قَدّاهُ مَا
تَقَيّاهُ لُوبٌ وَلَا مَجّهُ ثَوْبٌ " . فَالْعَيْلَمُ الْبِئْرُ وَأَرَادَ
بِهَا هَا هُنَا قُبّةَ النّخْلِ أَوْ الْخَلِيّةَ وَقَدْ يُقَالُ لِمَوْضِعِ
النّحْلِ إذَا كَانَ صَدْعًا فِي جَبَلٍ شِيقٌ وَجَمْعُهُ شِيقَانٌ وَيُقَالُ
لِكُلّ دُخَانٍ نُحَاسٌ وَلَا يُقَالُ أَيّامٌ إلّا لِدُخَانِ النّحْلِ خَاصّةً
يُقَالُ آمَهَا يَئُومُهَا إذَا دَخّنَهَا ، قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .
مَصْرَعُ خُبَيْبٍ وَابْنِ
طَارِقٍ وَابْنِ الدّثِنّة
وَأَمّا زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة وَخُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
طَارِقٍ ، فَلَانُوا وَرَقّوا وَرَغِبُوا فِي الْحَيَاةِ فَأَعْطَوْا
بِأَيْدِيهِمْ فَأَسَرُوهُمْ ثُمّ خَرَجُوا إلَى مَكّةَ ، لِيَبِيعُوهُمْ بِهَا ،
حَتّى إذَا كَانُوا بِالظّهْرَانِ انْتَزَعَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ يَدَهُ
مِنْ الْقِرَانِ ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ وَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ الْقَوْمُ فَرَمَوْهُ
بِالْحِجَارَةِ حَتّى قَتَلُوهُ فَقَبَرَهُ رَحِمَهُ اللّهُ بِالظّهْرَانِ وَأَمّا
خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ وَزَيْدُ بْنُ الدّثِنّة فَقَدِمُوا بِهِمَا مَكّةَ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فَبَاعُوهُمَا مِنْ قُرَيْشٍ بِأَسِيرَيْنِ مِنْ هُذَيْلٍ كَانَا
بِمَكّةَ . [ ص 366 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَابْتَاعَ خُبَيْبًا حُجَيْرُ بْنُ
أَبِي إهَابٍ التّمِيمِيّ ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلٍ لِعُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ
بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَكَانَ أَبُو إهَابٍ أَخَا الْحَارِثِ بْنِ عَامِرٍ
لِأُمّهِ لَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ
خَالُ أَبِي إهَابٍ وَأَبُو إهَابٍ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ
وَيُقَالُ أَحَدُ بَنِي عُدَس بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ دَارِمٍ مِنْ
بَنِي تَمِيمٍ .
مَثَلٌ مِنْ وَفَاءِ ابْنِ الدّثِنّة لِلرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمّا زَيْدُ بْنُ الدّثِنّة فَابْتَاعَهُ صَفْوَانُ
بْنُ أُمَيّةَ لِيَقْتُلَهُ بِأَبِيهِ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَبَعَثَ بِهِ
صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ مَعَ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ نِسْطَاسُ إلَى
التّنْعِيمِ ، وَأَخْرَجُوهُ مِنْ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ . وَاجْتَمَعَ رَهْطٌ
مِنْ قُرَيْشٍ ، فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَقَالَ لَهُ أَبُو
سُفْيَانَ حِينَ قَدِمَ لِيُقْتَلَ أَنْشُدُك اللّهَ يَا زَيْدُ أَتُحِبّ أَنّ
مُحَمّدًا عِنْدَنَا الْآنَ فِي مَكَانِك نَضْرِبُ عُنُقَهُ وَأَنّك فِي أَهْلِك ؟
قَالَ وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّ مُحَمّدًا الْآنَ فِي مَكَانِهِ الّذِي هُوَ
فِيهِ تُصِيبُهُ شَوْكَةٌ تُؤْذِيهِ وَأَنّي جَالِسٌ فِي أَهْلِي . قَالَ يَقُولُ
أَبُو سُفْيَانَ مَا رَأَيْت مِنْ النّاسِ أَحَدًا يُحِبّ أَحَدًا كَحُبّ
أَصْحَابِ مُحَمّدٍ مُحَمّدًا ؛ ثُمّ قَتَلَهُ نِسْطَاسُ يَرْحَمُهُ اللّهُ .
مَقْتَلُ خُبَيْبٍ وَحَدِيثُ
دَعْوَتِهِ
وَأَمّا [ ص 367 ] خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ ، فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي
نَجِيحٍ ، أَنّهُ حَدّثَ عَنْ مَاوِيّةَ مُوَلّاةِ حُجَيْرِ بْنِ أَبِي إهَابٍ ،
وَكَانَتْ قَدْ أَسْلَمَتْ قَالَتْ كَانَ خُبَيْبٌ عِنْدِي ، حبسَ فِي بَيْتِي ،
فَلَقَدْ اطّلَعْت عَلَيْهِ يَوْمًا ، وَإِنّ فِي يَدِهِ لَقِطْفًا مِنْ عِنَبٍ
مِثْلَ رَأْسِ الرّجُل يَأْكُل مِنْهُ وَمَا أَعْلَم فِي أَرْضِ اللّهِ عِنَبًا
يُؤْكَلُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ جَمِيعًا أَنّهَا قَالَتْ قَالَ لِي
حِينَ حَضَرَهُ الْقَتْلُ ابْعَثِي إلَيّ بِحَدِيدَةِ أَتَطَهّر بِهَا لِلْقَتْلِ
قَالَتْ فَأَعْطَيْت غُلَامًا مِنْ الْحَيّ الْمُوسَى ، فَقُلْت : اُدْخُلْ بِهَا
عَلَى هَذَا الرّجُلِ الْبَيْتَ قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ وَلّى
الْغُلَامُ بِهَا إلَيْهِ فَقُلْت : مَاذَا صَنَعْت أَصَابَ وَاَللّهِ الرّجُلُ ثَأْرَهُ
بِقَتْلِ هَذَا الْغُلَامِ فَيَكُونُ رَجُلًا بِرَجُلِ فَلَمّا نَاوَلَهُ
الْحَدِيدَةَ أَخَذَهَا مِنْ يَدِهِ ثُمّ قَالَ لَعَمْرُك ، مَا خَافَتْ أُمّك
غَدْرِي حِينَ بَعَثْتُك بِهَذِهِ الْحَدِيدَةِ إلَيّ ثُمّ خَلّى سَبِيلَهُ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إنّ الْغُلَامَ ابْنُهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: قَالَ عَاصِمٌ ثُمّ خَرَجُوا بِخُبَيْبٍ حَتّى إذَا جَاءُوا بِهِ إلَى
التّنْعِيمِ لِيَصْلُبُوهُ قَالَ لَهُمْ إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تَدْعُونِي حَتّى
أَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَافْعَلُوا ، قَالُوا : دُونَك فَارْكَعْ . فَرَكَعَ
رَكْعَتَيْنِ أَتَمّهُمَا وَأَحْسَنَهُمَا ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ
فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنْ تَظُنّوا أَنّي إنّمَا طَوّلْت جَزَعًا مِنْ
الْقَتْلِ لَاسْتَكْثَرْت مِنْ الصّلَاةِ . قَالَ فَكَانَ خُبَيْبُ بْنُ عَدِيّ
أَوّلَ مَنْ سَنّ هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ لِلْمُسْلِمِينَ .
قَالَ ثُمّ رَفَعُوهُ عَلَى خَشَبَةٍ فَلَمّا أَوْثَقُوهُ قَالَ اللّهُمّ إنّا
قَدْ بَلّغْنَا رِسَالَةَ رَسُولِك ، فَبَلّغْهُ الْغَدَاةَ مَا يُصْنَعُ بِنَا ،
ثُمّ قَالَ اللّهُمّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلَا تُغَادِرْ
مِنْهُمْ أَحَدًا . ثُمّ قَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللّهُ . فَكَانَ مُعَاوِيَةُ بْنُ
أَبِي سُفْيَانَ يَقُولُ حَضَرْته يَوْمئِذٍ فِيمَنْ حَضَرَهُ مَعَ أَبِي
سُفْيَانَ فَلَقَدْ رَأَيْته يُلْقِينِي إلَى الْأَرْضِ فَرَقًا مِنْ دَعْوَةِ
خُبَيْبٍ وَكَانُوا يَقُولُونَ إنّ الرّجُلَ إذَا دُعِيَ عَلَيْهِ فَاضْطَجَعَ
لِجَنْبِهِ زَالَتْ عَنْهُ . [ ص 368 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَحْيَى
بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ مَا أَنَا وَاَللّهِ قَتَلْت
خُبَيْبًا ، لِأَنّي كُنْت أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنّ أَبَا مَيْسَرَةَ أَخَا
بَنِي عَبْدِ الدّارِ أَخَذَ الْحَرْبَةَ فَجَعَلَهَا فِي يَدِي ، ثُمّ أَخَذَ
بِيَدِي وَبِالْحَرْبَةِ ثُمّ طَعَنَهُ بِهَا حَتّى قَتَلَهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ
: وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا ، قَالَ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرِ بْنِ حِذْيَمٍ الْجُمَحِيّ عَلَى
بَعْضِ الشّامِ ، فَكَانَتْ تُصِيبُهُ غَشْيَةٌ وَهُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْ الْقَوْمِ
فَذَكَرَ ذَلِكَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ وَقِيلَ إنّ الرّجُلَ مُصَابٌ ؟
فَسَأَلَهُ عُمَرُ فِي قَدْمَةٍ قَدِمَهَا عَلَيْهِ فَقَالَ يَا سَعِيدُ مَا هَذَا
الّذِي يُصِيبُك ؟ فَقَالَ وَاَللّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بِي مِنْ
بَأْسٍ وَلَكِنّي كُنْت فِيمَنْ حَضَرَ خُبَيْبَ بْنَ عَدِيّ حِينَ قُتِلَ
وَسَمِعْت دَعْوَتَهُ فَاَللّهِ مَا خَطَرَتْ عَلَى قَلْبِي وَأَنَا فِي مَجْلِسٍ
قَطّ إلّا غُشِيَ عَلَيّ فَزَادَتْهُ عِنْدَ عُمَرَ خَيْرًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
أَقَامَ خُبَيْبٌ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى انْقَضَتْ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ، ثُمّ
قَتَلُوهُ .Sمَقْتَلُ حُجْر بْنِ عَدِيّ
فَصْلٌ
[ ص 366 ] وَذَكَرَ أَنّ خُبَيْبًا أَوّلُ مَنْ سَنّ الرّكْعَتَيْنِ عِنْدَ
الْقَتْلِ . قَوْلُهُ هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُمَا سُنّةٌ جَارِيَةٌ وَكَذَلِكَ
فَعَلَهُمَا حُجْر بْنُ عَدِيّ بْنِ الْأَدْبَرِ حِينَ قَتَلَهُ مُعَاوِيَةُ -
رَحْمَةُ اللّهِ - وَذَلِكَ أَنّ زِيَادًا كَتَبَ مِنْ الْبَصْرَةِ إلَى
مُعَاوِيَةَ يَذْكُرُ أَنّ حُجْرا وَأَصْحَابَهُ قَدْ خَرَجُوا عَلَى السّلْطَانِ
وَشَقّوا عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَوَجّهَ مَعَ الْكِتَابِ بِك فِيهِ شَهَادَةُ
سَبْعِينَ رَجُلًا فِيهِمْ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ وَابْنُ
سِيرِينَ وَالرّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ عِلْيَةِ التّابِعِينَ
ذَكَرَهُمْ الطّبَرِيّ يَشْهَدُونَ بِمَا قَالَ زِيَادٌ مِنْ خُرُوجِ حُجْر بْنِ
عَدِيّ عَلَيْهِ وَكَانَ حُجْر شَدِيدَ الْإِنْكَارِ لِلظّلْمِ غَلِيظًا عَلَى
الْأُمَرَاءِ وَأَنْكَرَ عَلَى زِيَادٍ أُمُورًا مِنْ الظّلْمِ فَخَرَجَ عَلَيْهِ
وَلَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ الْخُرُوجَ عَلَى مُعَاوِيَةَ فَلَمّا حَمَلَ حُجْر إلَى
مُعَاوِيَةَ فِي خَمْسَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ لَهُ السّلَامُ عَلَيْك يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ أَوَأَنَا لِلْمُؤْمِنَيْنِ
أَمِيرٌ ؟ ثُمّ أَمَرَ بِقَتْلِهِ فَعِنْدَ ذَلِكَ صَلّى حُجْر الرّكْعَتَيْنِ
ثُمّ لَقِيَ مُعَاوِيَةُ عَائِشَةَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَتْ أَمَا اتّقَيْت
اللّهَ يَا مُعَاوِيَةُ فِي حُجْر بْنِ عَدِيّ وَأَصْحَابِهِ ؟ فَقَالَ أَوْ أَنَا
قَتَلْتهمْ إنّمَا قَتَلَهُمْ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِمْ فَلَمّا أَكْثَرْت عَلَيْهِ
قَالَ لَهَا دَعِينِي وَحُجْرًا [ ص 367 ] مُلَاقِيهِ غَدًا عَلَى الْجَادّةِ
قَالَتْ فَأَيْنَ عَزَبَ عَنْك حُلْمُ أَبِي سُفْيَانَ ؟ فَقَالَ حِينَ غَابَ
عَنّي مِثْلُك مِنْ قَوْمِي لِمَ صَارَتْ صَلَاةُ خُبَيْبٍ سُنّةً ؟ وَإِنّمَا [ ص
368 ] صَارَ فِعْلُ خُبَيْبٍ سُنّةً حَسَنَةً . وَالسّنّةُ إنّمَا هِيَ أَقْوَالٌ
مِنْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَفْعَالٌ وَإِقْرَارٌ
لِأَنّهُ فَعَلَهَا فِي حَيَاتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْ
فِعْلِهِ وَاسْتَحْسَنَهُ الْمُسْلِمُونَ مَعَ أَنّ الصّلَاةَ خَيْرُ مَا خُتِمَ
بِهِ عَمَلُ الْعَبْدِ وَقَدْ صَلّى هَاتَيْنِ الرّكْعَتَيْنِ أَيْضًا زَيْدُ بْنُ
حَارِثَةَ مَوْلَى النّبِيّ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَذَلِكَ فِي
حَيَاتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ حَدّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ طَاهِرِ بْنِ طَاهِرٍ
الْإِشْبِيلِيّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيّ الْغَسّانِيّ ، قَالَ أَخْبَرَنَا
أَبُو عُمَرَ الْعُمَرِيّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَارِثِ
بْنُ سُفْيَانَ بْنِ جَبْرُونٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمّدٍ قَاسِمُ بْنُ
أَصْبَغَ ، قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ أَخْبَرَنَا
ابْنُ مَعِينٍ : أَخْبَرَنَا قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
بُكَيْرٍ الْمِصْرِيّ ، قَالَ أَخْبَرَنَا اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ بَلَغَنِي
أَنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ بَغْلًا مِنْ الطّائِفِ
اشْتَرَطَ عَلَيْهِ الْكَرْيَ أَنْ يُنْزِلَهُ حَيْثُ شَاءَ قَالَ فَمَالَ بِهِ
إلَى خَرِبَةٍ فَقَالَ لَهُ انْزِلْ فَنَزَلَ فَمَاذَا فِي الْخَرِبَةِ قَتْلَى
كَثِيرَةٌ قَالَ فَلَمّا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ قَالَ دَعْنِي أُصَلّي
رَكْعَتَيْنِ قَالَ صَلّ فَقَدْ صَلّى قَبْلَك هَؤُلَاءِ فَلَمْ تَنْفَعْهُمْ صَلَاتُهُمْ
شَيْئًا ، قَالَ فَلَمّا صَلّيْت أَتَانِي ، لِيَقْتُلَنِي ، قَالَ فَقُلْت : يَا
أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ قَالَ فَسَمِعَ صَوْتًا : لَا تَقْتُلْهُ قَالَ فَهَابَ
ذَلِكَ فَخَرَجَ يَطْلُبُ أَحَدًا ، فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَرَجَعَ إلَيّ
فَنَادَيْت : يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ فَفَعَلَ ذَلِكَ [ ص 369 ] فَأَنْفَذَهُ
مِنْ ظَهْرِهِ فَوَقَعَ مَيّتًا ، ثُمّ قَالَ لَمّا دَعَوْت الْمَرّةَ الْأُولَى
يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ كُنْت فِي السّمَاءِ السّابِعَةِ فَلَمّا دَعَوْت
الْمَرّةَ الثّانِيَةَ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ كُنْت فِي السّمَاءِ الدّنْيَا ،
فَلَمّا دَعَوْت الْمَرّةَ الثّالِثَةَ يَا أَرْحَمَ الرّاحِمِينَ أَتَيْتُك
مَا نَزَلَ فِي سَرِيّةِ
الرّجِيعِ مِنْ الْقُرْآنِ
قَالَ [ ص 369 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي
تِلْكَ السّرِيّةِ كَمَا حَدّثَنِي مَوْلًى لِآلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، أَوْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ . قَالَ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : لَمّا أُصِيبَتْ السّرِيّةُ الّتِي كَانَ
فِيهَا مَرْثَدٌ وَعَاصِمٌ بِالرّجِيعِ قَالَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَا
وَيْحَ هَؤُلَاءِ الْمَفْتُونِينَ الّذِينَ هَلَكُوا ( هَكَذَا ) ، لَا هُمْ
قَعَدُوا فِي أَهْلِيهِمْ وَلَا هُمْ أَدّوْا رِسَالَةَ صَاحِبِهِمْ فَأَنْزَلَ
اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ وَمَا أَصَابَ أُولَئِكَ
النّفَرَ مِنْ الْخَيْرِ بِاَلّذِي أَصَابَهُمْ فَقَالَ سُبْحَانَهُ { وَمِنَ
النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا } أَيْ لِمَا يُظْهِرُ
مِنْ الْإِسْلَامِ بِلِسَانِهِ { وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ }
وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُ بِلِسَانِهِ { وَهُوَ أَلَدّ الْخِصَامِ } : أَيْ
ذُو جَدَالٍ إذَا كَلّمَك وَرَاجَعَك . [ ص 370 ]
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَلَدّ : الّذِي يَشْغَبُ فَتَشْتَدّ خُصُومَتُهُ ؟
وَجَمْعُهُ لُدّ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا
لُدّا } . وَقَالَ الْمُهَلْهَلُ بْنُ رَبِيعَةَ التّغْلِبِيّ ، وَاسْمُهُ امْرُؤُ
الْقَيْسِ ، وَيُقَالُ عَدِيّ بْنُ رَبِيعَةَ :
إنّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَدّا وَلِينَا ... وَخَصِيمًا أَلَدّ ذَا مِعْلَاقِ
وَيُرْوَى ذَا مِغْلَاقِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي
قَصِيدَةٍ لَهُ وَهُوَ الْأَلَنْدَدُ . قَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ
يَصِفُ الْحِرْبَاءَ
يُوفِي عَلَى جِذْمِ الْجُذُولِ كَأَنّهُ ... خَصْمٌ أَبَرّ عَلَى الْخُصُومِ
أَلَنْدَد
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ تَعَالَى :
{ وَإِذَا تَوَلّى } أَيْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِك سَعَى فِي الْأَرْضِ { لِيُفْسِدَ
فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنّسْلَ وَاللّهُ لَا يُحِبّ الْفَسَادَ } أَيْ
لَا يُحِبّ عَمَلَهُ وَلَا يَرْضَاهُ . [ ص 371 ] { وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتّقِ
اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنّمُ وَلَبِئْسَ
الْمِهَادُ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّهِ
وَاللّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ } أَيْ قَدْ شَرَوْا أَنْفُسَهُمْ مِنْ اللّهِ
بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ وَالْقِيَامِ بِحَقّهِ حَتّى هَلَكُوا عَلَى ذَلِكَ
يَعْنِي تِلْكَ السّرِيّةَ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَشْرِي نَفْسَهُ يَبِيعُ نَفْسَهُ . وَشَرَوْا : بَاعُوا .
قَالَ يَزِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ مُفَرّغٍ الْحِمْيَرِيّ :
وَشَرَيْت بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْت هَامَهْ
بُرْدٌ غُلَامٌ لَهُ بَاعَهُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَشَرَى
أَيْضًا : اشْتَرَى . قَالَ الشّاعِرُ
فَقُلْت لَهَا لَا تَجْزَعِي أُمّ مَالِكٍ ... عَلَى ابْنَيْك إنْ عَبْدٌ لَئِيمٌ
شَرَاهُمَا
.Sمَا أَنَزَلَ
اللّهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي حَقّ خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا أَنَزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي خَبَرِ خُبَيْبٍ
وَأَصْحَابِهِ مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ فِيهِمْ { وَمِنَ النّاسِ مَنْ
يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي
قَلْبِهِ } [ الْبَقَرَةُ 204 ] الْآيَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ التّفْسِيرِ عَلَى
خِلَافِ قَوْلِهِ وَأَنّهَا نَزَلَتْ فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ الثّقَفِيّ ، رَوَاهُ
أَبُو مَالِكٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَقَالَهُ مُجَاهِدٌ ، وَقَالَ ابْنُ
الْكَلْبِيّ كُنْت بِمَكّةَ فَسُئِلْت عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقُلْت : نَزَلَتْ
فِي الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ، فَسَمِعَنِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِهِ فَقَالَ لِي :
يَا هَذَا إنّمَا أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَهْلِ مَكّةَ ، فَلَا تُسَمّ أَحَدًا
مَا دُمْت فِيهَا ، وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي قَوْلِهِ { وَمِنَ النّاسِ مَنْ
يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللّهِ } [ الْبَقَرَةُ 207 ] نَزَلَتْ فِي
صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ حِينَ هَاجَرَ ، وَتَرَكَ جَمِيعَ مَالِهِ لِقُرَيْشِ
وَيَدَعُونَهُ يُهَاجِرُ بِنَفْسِهِ إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاسْتَشْهَدَ ابْنُ
هِشَامٍ عَلَى تَفْسِيرِ الْأَلَدّ بِقَوْلِ مُهَلْهَلٍ قَالَ وَاسْمُهُ امْرُؤُ
الْقَيْسِ ، وَيُقَالُ عَدِيّ ، وَقَدْ صَرّحَ مُهَلْهَلٌ بِاسْمِ نَفْسِهِ فِي
الشّعْرِ الّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
صَرَبَتْ صَدْرَهَا إلَيّ وَقَالَتْ ... يَا عَدِيّا لَقَدْ وَقَتْك الْأَوَاقِي
[ ص 370 ] ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ :
إنّ تَحْتَ الْأَحْجَارِ حَدّا وَلِينَا ... وَخَصِيمًا أَلَدّ ذَا مِعْلَاقِ
وَيُرْوَى : مِغْلَاقِ بَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ وَالْمِعْلَاقُ اللّسَانُ وَأَمّا
الْمِغْلَاقُ بَالِغِينَ مُعْجَمَةً فَالْقَوْلُ الّذِي يَغْلِقُ فَمَ الْخَصْمِ
وَيُسَكّتُهُ . وَبَعْدَهُ
حَيّةٌ فِي الْوِجَارِ أَرْبَدُ لَا يَنْ ... فَعُ مِنْهَا السّلِيمَ نَفَثَ الرّاقِي
وَسُمّيَ مُهَلْهِلًا بِقَوْلِهِ
لَمّا تَوَقّلَ فِي الْكُرَاعِ هَجِينُهُمْ ... هَلْهَلْت أَثَارُ جَابِرًا أَوْ
صِنْبِلَا
هَلْهَلْت : أَيْ كِدْت وَقَارَبْت ، وَأَمّا الْأَلَدّ ، فَهُوَ مِنْ
اللّدِيدَيْنِ وَهُمَا جَانِبًا الْعُنُقِ فَالْأَلَدّ الّذِي يُرِيغُ الْحُجّةَ
مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ يُقَالُ تَرَكْته يَتَلَدّدُ وَقَالَ الزّجّاجُ
الْخِصَامُ جَمْعٌ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ
الْمُخَاصَمَةَ لِأَنّ أَفَعَلَ الّذِي يُرَادُ بِهِ التّفْضِيلُ إنّمَا يَكُونُ
بَعْضَ مَا أُضِيفَ إلَيْهِ تَقُولُ زَيْدٌ أَفْصَحُ النّاسِ وَلَا تَقُولُ زَيْدٌ
أَفْصَحُ الْكَلَامِ . [ ص 371 ] قَالَ الشّيْخُ الْحَافِظُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
وَهَذَا الّذِي قَالَهُ حَسَنٌ إنْ كَانَ أَلَدّ مِنْ هَذَا الْبَابِ الّذِي
مُؤَنّثُهُ " الْفُعْلَى ، أَمّا إنْ كَانَ مِنْ بَابِ أَفْعَل الّذِي
مُؤَنّثُهُ فَعْلَاء نَحْوُ أَخْرَس وَخَرْسَاء ، فَالْخِصَامُ مَصْدَرُ خَاصَمْته
، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الْمُفَسّرِينَ فَإِنّهُمْ فَسَرّوهُ بِالشّدِيدِ
الْخُصُومَةِ فَاللّدَد إذًا مِنْ صِفَةِ الْمُخَاصَمَةِ وَإِنْ وُصِفَ بِهِ
الرّجُلُ مَجَازًا ، وَيُقَوّي هَذَا قَوْلُهُ وَخَصِيمًا [ ص 372 ] أَلَدّ وَلَمْ
يُضِفْهُ وَلَا قَالَ أَلَدّ مِنْ كَذَا ، فَجَعَلَهُ مِنْ بَابِ أَصَمّ وَأَشَمّ
وَنَحْوِهِ وَيُقَوّيهِ أَيْضًا قَوْلُهُمْ فِي الْجَمْعِ قَوْمٌ لُدّ ، رَوَتْ
عَائِشَةُ عَنْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّهُ قَالَ
أَبْغَضُ الْخَلْقِ إلَى اللّهِ الْخَصِمُ الْأَلَدّ وَقَرَأَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ {
وَيُشْهِدُ اللّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ } بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْهَاءِ
وَرَفْعِ الْهَاءِ مِنْ اسْمِ اللّهِ تَعَالَى ، أَيْ وَيَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي
قَلْبِهِ .
شِعْرُ خُبَيْبٍ حِينَ أُرِيدَ
صَلْبُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ فِي ذَلِكَ مِنْ الشّعْرِ قَوْلُ
خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ ، حِينَ بَلَغَهُ أَنّ الْقَوْمَ قَدْ اجْتَمَعُوا
لِصَلْبِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ
يُنْكِرُهَا لَهُ . [ ص 372 ]
لَقَدْ جَمّعَ الْأَحْزَابُ حَوْلِي وَأَلّبُوا ... قَبَائِلَهُمْ وَاسْتَجْمَعُوا
كُلّ مَجْمِعِ
وَكُلّهُمْ مُبْدِي الْعَدَاوَةَ جَاهِدٌ ... عَلَيّ لِأَنّي فِي وِثَاقٍ
بِمَضْبَعِ
وَقَدْ جَمَعُوا أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ ... وَقُرّبْت مِنْ جِذْعٍ طَوِيلٍ
مُمَنّعِ
إلَى اللّهِ أَشْكُو غُرْبَتِي ثُمّ كُرْبَتِي ... وَمَا أَرْصَدَ الْأَحْزَاب لِي
عِنْدَ مَصْرَعِي
فَذَا الْعَرْشِ صَبّرْنِي عَلَى مَا يُرَادُ بِي ... فَقَدْ بَضّعُوا الْحُمّى
وَقَدْ يَاسَ مَطْمَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ
مُمَزّعِ
وَقَدْ خَيّرُونِي الْكُفْرَ وَالْمَوْتَ دُونَهُ ... وَقَدْ هَمَلْت عَيْنَايَ
مِنْ غَيْرِ مَجْزَعِ
وَمَا بِي حِذَارِ الْمَوْتِ أَنّي لَمَيّتٌ ... وَلَكِنْ حَذَارِي جَحْمَ نَارٍ
مُلَفّعِ
فَوَاَللّهِ مَا أَرْجُو إذَا مُتّ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيّ جَنْبٍ كَانَ فِي
اللّهِ مَصْرَعِي
فَلَسْت بِمُبْدٍ لِلْعَدُوّ تَخَشّعًا ... وَلَا جَزَعًا إنّي إلَى اللّهِ
مَرْجِعِي
.
شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ
خُبَيْبٍ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي خُبَيْبًا :
مَا بَالُ عَيْنَيْك لَا تَرْقا مَدَامِعُهَا ... سُحّا عَلَى الصّدْرِ مِثْلَ
اللّؤْلُؤِ الْقَلِقِ
عَلَى خُبَيْبٍ فَتَى الْفِتْيَانِ قَدْ عَلِمُوا ... لَا فَشَلّ حِينَ تَنَقّاهُ
وَلَا نَزِقِ
فَاذْهَبْ خُبَيْبُ جَزَاك اللّهُ طَيّبَةً ... وَجَنّةُ الْخُلْدِ عِنْدَ
الْحَوَرِ فِي الرّفُقِ
مَاذَا تَقُولُونَ إنْ قَالَ النّبِيّ لَكُمْ ... حِينَ الْمَلَائِكَةُ
الْأَبْرَارُ فِي الْأُفُقِ
فِيمَ قَتَلْتُمْ شَهِيدَ اللّهِ فِي رَجُلٍ ... طَاغٍ قَدْ أَوْعَثَ فِي
الْبُلْدَانِ وَالرّفَقِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : " الطّرُق " وَتَرَكْنَا مَا بَقِيَ
مِنْهَا ، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ
بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَبْكِي خُبَيْبًا : [ ص 373 ]
يَا عَيْنُ جُودِي بِدُفَعِ مِنْك مُنْسَكِبِ ... وَأَبْكِي خُبَيْبًا مَعَ
الْفَتَيَانِ لَمْ يَؤُبْ
صَقْرًا تَوَسّطَ فِي الْأَنْصَارِ مَنْصِبَهُ ... سَمْحَ السّجِيّةِ مَحْضًا
غَيْرَ مُؤْتَشِبِ
قَدْ هَاجَ عَيْنِي عَلَى عِلّاتِ عَبْرَتُهَا ... إذْ قِيلَ نُصّ إلَى جِذْعٍ
مِنْ الْخَشَبِ
يَا أَيّهَا الرّاكِبُ الْغَادِي لِطِيّتِهِ ... أَبْلِغْ لَدَيْك وَعِيدًا لَيْسَ
بِالْكَذِبِ
بَنِي كُهَيْبَةَ أَنّ الْحَرْبَ قَدْ لَقِحَتْ ... مَحْلُوبَهَا الصّابُ إذْ
تُمْرَى لِمُحْتَلِبِ
فِيهَا أُسُودُ بَنِي النّجّارِ تَقْدُمُهُمْ ... شُهُبُ الْأَسِنّةِ فِي
مُعْصَوْصَبٍ لَجِبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ الْقَصِيدَةُ مِثْلُ الّتِي قَبْلَهَا ، وَبَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهُمَا لِحَسّانَ وَقَدْ تَرَكْنَا أَشْيَاءَ
قَالَهَا حَسّانُ فِي أَمْرِ خُبَيْبٍ لِمَا ذَكَرْت . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
لَوْ كَانَ فِي الدّارِ قَرَمٌ مَاجِدٌ بَطَلُ ... أَلْوِي مِنْ الْقَوْمِ صَقْرٌ
خَالُهُ أَنَسُ
إذَنْ وَجَدْت خُبَيْبًا مَجْلِسًا فَسِحًا ... وَلَمْ يُشَدّ عَلَيْك السّجْنُ
وَالْحَرَسُ
وَلَمْ تَسُقْك إلَى التّنْعِيمِ زَعْنَفَةٌ ... مِنْ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ مَنْ
نَفَتْ عُدَسُ
دَلّوك غَدْرًا وَهُمْ فِيهَا أُولُو خُلُفٍ ... وَأَنْتَ ضَيْمٌ لَهَا فِي
الدّارِ مُحْتَبَسُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَسُ الْأَصَمّ السّلَمِيّ : خَالُ مُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ
بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . وَقَوْلُهُ " مِنْ نَفَتْ عُدَسُ "
يَعْنِي حُجَيْرَ بْنَ أَبِي إهَابٍ ، وَيُقَالُ الْأَعْشَى بْنُ زُرَارَةَ بْنُ
النّبّاشِ الْأَسَدِيّ ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ .Sعُدَس فِي شِعْرِ
حَسّانَ فِي خُبَيْبٍ
وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ فِي قِصّةِ خُبَيْبٍ . [ ص 373 ] مِنْ الْقَبَائِلِ
مِنْهُمْ مَنْ نَفَتْ عُدَسُ قَوْلُهُ مَنْ نَفَتْ عُدَسُ يَعْنِي : حُجَيْرَ بْنَ
أَبِي إهَابِ بْنِ عُرَيْنٍ وَهُوَ يُنْتَسَبُ إلَى بَنِي عُدَس بْنِ زَيْدِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ دَارِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَيُقَالُ بَلْ هُوَ
مِنْ بَنِي رَبِيعَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَمِنْ هَاهُنَا ذَكَرَ نَفْيَ
بَنِي عُدَس لَهُ مِنْ أَجْلِ الِاخْتِلَافِ فِي نَسَبِهِ . وَعُدَس بِضَمّ
الدّالِ فِي تَمِيمٍ وَهُوَ هَذَا ، وَكُلّ عُدَس فِي الْعَرَبِ سِوَاهُ فَهُوَ
بِفَتْحِ الدّالِ وَهُوَ مِنْ عَدَسَ فِي الْأَرْضِ إذَا ذَهَبَ فِيهَا ،
وَاَللّهُ أَعْلَمُ فَمِنْ الْمَفْتُوحِ الدّالِ عُدَس بْنُ عُبَيْدٍ فِي
الْأَنْصَارِ ، ثُمّ فِي بَنِي النّجّارِ وَهُوَ جَدّ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدُ
بْنُ زُرَارَةَ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ النّسّابِينَ فِي عُدُس بْنِ زَيْدِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ دَارِمٍ الّذِي تَقَدّمَ ذِكْرُهُ عَدَس بِفَتْحِ الدّالِ
وَالْأَوّلُ أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ . [ ص 374 ]
دَعْوَةُ خُبَيْبٍ عَلَى قَاتِلِيهِ
وَذَكَرَ قَوْلَ خُبَيْبٍ حِينَ رَفَعُوهُ فِي الْخَشَبَةِ اللّهُمّ أَحْصِهِمْ
عَدَدًا ، وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا فَمَنْ رَوَاهُ بَدَدًا بِكَسْرِ الْهَاءِ فَهُوَ
مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التّبَدّدِ أَيْ ذَوِي بَدَدٍ فَإِنْ قِيلَ فَهَلْ أُجِيبَتْ
فِيهِمْ دَعْوَةُ خُبَيْبٍ وَالدّعْوَةُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ
الْعَبْدِ مُسْتَجَابَةٌ ؟ قُلْنَا : أَصَابَتْ مِنْهُمْ مَنْ سُبِقَ فِي عِلْمِ
اللّهِ أَنْ يَمُوتَ كَافِرًا ، وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ فَلَمْ يَعْنِهِ
خُبَيْبٌ وَلَا قَصَدَهُ بِدُعَائِهِ وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ كَافِرًا بَعْدَ
هَذِهِ الدّعْوَةِ فَإِنّمَا قُتِلُوا بَدَدًا غَيْرَ مُعَسْكِرِينَ وَلَا
مُجْتَمَعِينَ كَاجْتِمَاعِهِمْ فِي أُحُد ٍ ، وَقَبْلَ ذَلِكَ فِي بَدْرٍ ،
وَإِنْ كَانَتْ الْخَنْدَقُ بَعْدَ قِصّةِ خُبَيْبٍ فَقَدْ قُتِلَ مِنْهُمْ آحَادٌ
فِيهَا مُتَبَدّدُونَ ثُمّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ جَمْعٌ وَلَا
مُعَسْكَرٌ غَزَوْا فِيهِ فَنَفَذَتْ الدّعْوَةُ عَلَى صُورَتِهَا وَفِيمَنْ
أَرَادَ خُبَيْبٌ - رَحِمَهُ اللّهُ - وَحَاشَا لَهُ أَنْ يَكْرَهَ إيمَانَهُمْ
وَإِسْلَامَهُمْ . [ ص 375 ] [ ص 376 ]
ابْنُ كُهَيْبَةَ فِي شِعْرِ حَسّانَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ أَشْعَارَ حَسّانَ فِي خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَعْنًى
خَفِيّ ، وَلَا لَفْظٌ غَرِيبٌ وَحْشِيّ ، فَيَحْتَاجُ إلَى تَفْسِيرِهِ وَلَكِنْ
فِي بَعْضِهَا : بَنِي كُهَيْبَةَ أَنّ الْحَرْبَ قَدْ لَقِحَتْ [ ص 377 ] جَعَلَ
كُهَيْبَةَ كَأَنّهُ اسْمُ عِلْمٍ لِأُمّهِمْ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ بَنِي
ضَوْطَرَي وَبَنِيّ الْغَبْرَاءِ وَبَنِيّ دَرَزَةَ قَالَ الشّاعِرُ أَوْلَاد
دَرْزَةَ أَسْلَمُوك وَطَارُوا وَهَذَا كُلّهُ اسْمٌ لِمَنْ يُسَبّ ، وَعِبَارَةٌ
عَنْ السّفْلَةِ مِنْ النّاسِ وَكُهَيْبَةُ مِنْ الْكُهْبَةِ وَهِيَ الْغُبْرَةُ
وَهَذَا كَمَا قَالُوا : بَنِي الْغَبْرَاءِ وَأَكْثَرُ أَشْعَارِ حَسّانَ فِي
هَذِهِ الْقِصّةِ قَالَ فِيهَا مِنْ هُذَيْلٍ ، لِأَنّهُمْ إخْوَةُ الْقَارَةِ ،
وَالْمُشَارَكُونَ لَهُمْ فِي الْغَدْرِ بِخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ وهُذَيل
وَخُزَيْمَةُ أَبْنَاءُ مُدْرِكَةَ بْنِ إلْيَاسَ وَعَضَلَ وَالْقَارَةُ مِنْ
بَنِي خُزَيْمَةَ .
مَنْ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِ
خُبَيْبٍ
قَالَ [ ص 374 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الّذِينَ أَجَلَبُوا عَلَى خُبَيْبٍ فِي
قَتْلِهِ حِينَ قُتِلَ مِنْ قُرَيْشٍ : عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَسَعِيدُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ ، وَالْأَخْنَسُ بْنُ
شَرِيقٍ الثّقَفِيّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَعُبَيْدَةُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ
أُمَيّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السّلَمِيّ ، حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ
بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي عُتْبَةَ وَبَنُو الْحَضْرَمِيّ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي هِجَاءِ
هُذَيْلٍ لِقَتْلِهِمْ خُبَيْبًا
وَقَالَ حَسّانُ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا فِيمَا صَنَعُوا بِخُبَيْبِ بْنِ
عَدِيّ
أَبْلِغْ بَنِي عَمْرٍو بِأَنّ أَخَاهُمْ ... شَرَاهُ امْرِئِ قَدْ كَانَ لِلْغَدْرِ
لَازِمَا
شَرَاهُ زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرّ وَجَامِعٌ ... وَكَانَا جَمِيعًا يَرْكَبَانِ
الْمَحَارِمَا
أَجَرْتُمْ فَلَمّا أَنْ أَجَرْتُمْ غَدَرْتُمْ ... وَكُنْتُمْ بِأَكْنَافِ
الرّجِيعِ لَهَاذِمَا
فَلَيْتَ خُبَيْبًا لَمْ تَخُنْهُ أَمَانَةٌ ... وَلَيْتَ خُبَيْبًا كَانَ
بِالْقَوْمِ عَالِمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : زُهَيْرُ بْنُ الْأَغَرّ وَجَامِعٌ الْهُذَلِيّانِ
اللّذَانِ بَاعَا خُبَيْبًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ
ثَابِتٍ أَيْضًا : [ ص 375 ]
إنْ سَرّك الْغَدْرُ صِرْفًا لَا مِزَاجَ لَهُ ... فَأْتِ الرّجِيعَ فَسَلْ عَنْ
دَارِ لِحْيَانَ
قَوْمٌ تَوَاصَوْا بِأَكْلِ الْجَارِ بَيْنَهُمْ ... فَالْكَلْبُ وَالْقِرْدُ
الْإِنْسَانُ مِثْلَانِ
لَوْ يَنْطِقُ التّيْسُ يَوْمًا قَامَ يَخْطُبُهُمْ ... وَكَانَ ذَا شَرَفٍ
فِيهِمْ وَذَا شَأْنِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَوْلَهُ
لَوْ يَنْطِقُ التّيْسُ يَوْمًا قَامَ يَخْطُبُهُمْ ... وَكَانَ ذَا شَرَفٍ
فِيهِمْ وَذَا شَأْنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذيَلًا :
سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللّهِ فَاحِشَةً ... ضَلّتْ هُذَيْلٌ بِمَا سَالَتْ
وَلَمْ تُصِبْ
سَالُوا رَسُولَهُمْ مَا لَيْسَ مُعْطِيهِمْ ... حَتّى الْمَمَاتِ وَكَانُوا
سُبّةَ الْعَرَبِ
وَلَنْ تَرَى لِهُذَيْلٍ دَاعِيًا أَبَدًا ... يَدْعُو لِمَكْرُمَةِ عَنْ مَنْزِلِ
الْحَرْبِ
لَقَدْ أَرَادُوا خِلَالَ الْفُحْشِ وَيْحُهُمْ ... وَأَنْ يَحِلّوا حَرَامًا
كَانَ فِي الْكُتُبِ
.
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ
أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا :
لَعَمْرِي لَقَدْ شَانَتْ هُذَيْلُ بْنُ مُدْرِكٍ ... أَحَادِيثُ كَانَتْ فِي
خُبَيْبٍ وَعَاصِمِ
أَحَادِيثُ لِحْيَانٍ صَلّوْا بِقَبِيحِهَا ... وَلِحْيَانُ جَرّامُونَ شَرّ
الْجَرَائِمِ
أُنَاسٌ هُمْ مِنْ قَوْمِهِمْ مِنْ صَمِيمِهِمْ ... بِمَنْزِلَةِ الزّمْعَانِ
دُبْرَ الْقَوَادِمِ
هُمْ غَدَرُوا يَوْمَ الرّجِيعِ وَأَسْلَمَتْ ... أَمَانَتُهُمْ ذَا عِفّةٍ
وَمَكَارِمِ
رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ غَدْرًا وَلَمْ تَكُنْ ... هُذَيْلٌ تَوَفّى مُنْكَرَاتِ
الْمَحَارِمِ
فَسَوْفُ يَرَوْنَ النّصْرَ يَوْمًا عَلَيْهِمْ ... بِقَتْلِ الّذِي تَحْمِيهِ
دُونَ الْجَرَائِمِ
أَبَابِيلُ دُبْرٍ شُمّسٍ دُونَ لَحْمِهِ ... حَمَتْ لَحْمَ شَهّادٍ عِظَامَ
الْمَلَاحِمِ
لَعَلّ هُذَيْلًا أَنْ يَرَوْا بِمُصَابِهِ ... مَصَارِعَ قَتْلَى أَوْ مَقَامًا
لِمَأْتَمِ
وَنُوقِعُ فِيهِمْ وَقْعَةً ذَاتَ صَوْلَةٍ ... يُوَافِي بِهَا الرّكْبَانُ أَهْلَ
الْمَوَاسِمِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ إنّ رَسُولَهُ ... رَأَى رَأْيَ ذِي حَزْمٍ بِلِحْيَانَ
عَالَمِ
قَبِيلَةٌ لَيْسَ الْوَفَاءُ يُهِمّهُمْ ... وَإِنْ ظَلَمُوا ثُمّ يَدْفَعُوا كَفّ
ظَالِمٍ
إذَا النّاسُ حَلّوا بِالْفَضَاءِ رَأَيْتهمْ ... بِمَجْرَى مَسِيلِ الْمَاءِ
بَيْنَ الْمَخَارِمِ
مَحْلُهُمْ دَارُ الْبَوَارِ وَرَأْيُهُمْ ... إذَا نَابَهُمْ أَمْرٌ كَرَأْيِ
الْبَهَائِمِ
[ ص 376 ] وَقَالَ حَسّانُ
بْنُ ثَابِتٍ يَهْجُو هُذَيْلًا :
لَحَى اللّهُ لِحْيَانًا فَلَيْسَتْ دِمَاؤُهُمْ ... لَنَا مِنْ قَتِيلِي غَدْرَةٍ
بِوَفَاءِ
هُمُو قَتَلُوا يَوْمَ الرّجِيعِ ابْنَ حُرّةٍ ... أَخَا ثِقَةٍ فِي وُدّهِ
وَصَفَاءِ
فَلَوْ قُتِلُوا يَوْمَ الرّجِيعِ بِأَسْرِهِمْ ... بِذِي الدّبْرِ مَا كَانُوا
لَهُ بِكِفَاءِ
قَتِيلٌ حَمَتْهُ الدّبْرُ بَيْنَ بُيُوتِهِمْ ... لَدَى أَهْلِ كُفْرٍ ظَاهِرٍ
وَجَفَاءِ
فَقَدْ قَتَلَتْ لِحْيَانُ أَكْرَمَ مِنْهُمْ ... وَبَاعُوا خُبَيْبًا وَيْلَهُمْ
بِلِفَاءِ
فَأُفّ لِلِحْيَانَ عَلَى كُلّ حَالِهِ ... عَلَى ذِكْرِهِمْ فِي الذّكْرِ كُلّ
عِفَاءِ
قَبِيلَةٌ بِاللّؤْمِ وَالْغَدْرِ تَغْتَرِي ... فَلَمْ تَمَسّ يَخْفِي لَوْمُهَا
بِخِفَاءِ
فَلَوْ قُتِلُوا لَمْ تُوفِ مِنْهُ دِمَاؤُهُمْ ... بَلَى إنّ قَتْلَ
الْقَاتِلِيهِ شِفَائِي
فَإِلّا أَمُتْ أَذْعَرُ هُذَيْلًا بِغَارَةِ ... كَغَادِي الْجَهَامِ
الْمُغْتَدِي بِإِفَاءِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ وَالْأَمْرُ أَمْرُهُ ... يَبِيت لِلِحْيَانَ الْخَنَا
بِفِنَاءِ
يُصْبِحُ قَوْمًا بِالرّجِيعِ كَأَنّهُمْ ... جِدَاءَ شِتَاءٍ بِتْنَ غَيْرَ
دِفَاءِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا يَهْجُو هُذَيْلًا :
فَلَا وَاَللّهِ مَا تَدْرِي هُذَيْلٌ ... أَصَافٍ مَاءُ زَمْزَمَ أَمْ مَشُوبُ
وَلَا لَهُمْ إذَا اعْتَمَرُوا وَحَجّوا ... مِنْ الْحِجْرَيْنِ وَالْمَسْعَى
نَصِيبُ
وَلَكِنّ الرّجِيعَ لَهُمْ مَحَلّ ... بِهِ اللّؤْمُ الْمُبَيّنُ وَالْعُيُوبُ
كَأَنّهُمْ لَدَى الكّنّات أُصْلًا ... تُيُوسٌ بِالْحِجَازِ لَهَا نَبِيبُ
هُمْ غَرّوا بِذِمّتِهِمْ خُبَيْبًا ... فَبِئْسَ الْعَهْدُ عَهْدُهُمْ الْكَذُوبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : آخِرُهَا بَيْتًا عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ
خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي خُبَيْبًا
وَأَصْحَابَهُ [ ص 377 ] [ ص 378 ]
صَلّى الْإِلَهُ عَلَى الّذِينَ تَتَابَعُوا ... يَوْمَ الرّجِيعِ فَأُكْرِمُوا
وَأُثِيبُوا
رَأْسُ السّرِيّةِ مَرْثَدٌ وَأَمِيرُهُمْ ... وَابْنُ الْبُكَيْرِ إمَامُهُمْ
وَخُبَيْبُ
وَابْنٌ لِطَارِقِ وَابْنُ دَثْنَة مِنْهُمْ ... وَافَاهُ ثَمّ حِمَامُهُ
الْمَكْتُوبُ
وَالْعَاصِمُ الْمَقْتُولُ عِنْدَ رَجِيعِهِمْ ... كَسَبَ الْمَعَالِيَ إنّهُ
لَكَسُوبُ
مَنَعَ الْمَقَادَةَ أَنْ يَنَالُوا ظَهْرَهُ ... حَتّى يُجَالِدُ إنّهُ لَنُجِيبُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : حَتّى يَجْدِلُ إنّهُ لَنَجِيبُ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ لِحَسّانَ .Sحَوْلَ الْعَلَمِ
وَضْعُهُ مِنْ التّنْوِينِ مَعَ الْخَفْضِ
وَقَوْلُهُ وَابْنٌ لِطَارِقِ وَابْنُ دَثْنَة مِنْهُمْ حَذَفَ التّنْوِين كَمَا
تَقَدّمَ فِي قَوْلِهِ شُلّتْ يَدَا وَحْشِيّ مِنْ قَاتِلٍ وَلَوْ أَنّهُ حِينَ
حَذَفَ التّنْوِينَ نَصَبَ وَجَعَلَهُ كَالِاسْمِ الّذِي لَا يَنْصَرِفُ وَهُوَ
فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ مَفْتُوحٌ لَكَانَ وَجْهًا وَقِيَاسًا صَحِيحًا ، لِأَنّ
الْخَفْضَ تَابِعُ التّنْوِينِ فَإِذَا زَالَ التّنْوِينُ زَالَ الْخَفْضُ لِئَلّا
يَلْتَبِسُ بِالْمُضَافِ إلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلّمِ لِأَنّ ضَمِيرَ الْمُتَكَلّمِ
وَإِنْ كَانَ يَاءً فَقَدْ يُحْذَفُ وَيَكْتَفِي بِالْكِسْرَةِ مِنْهُ وَزَوَالُ
التّنْوِينِ فِي أَكْثَرِ مَا لَا يَنْصَرِفُ إنّمَا هُوَ لِاسْتِغْنَاءِ الِاسْمِ
عَنْهُ إذْ هُوَ عَلَامَةُ الِانْفِصَالِ عَنْ الْإِضَافَةِ فَكُلّ اسْمٍ لَا يُتَوَهّمُ
فِيهِ الْإِضَافَةُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التّنْوِينِ لَكِنّهُ إذَا لَمْ يُنَوّنْ
لَمْ يُخْفَضْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْتِبَاسِهِ بِالْمُضَافِ إلَى
الْمُتَكَلّمِ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي أَشْعَارِ أُحُدٍ : كَنَارِ أَبِي حُبَاحِبَ
وَالظّبَيْنَا بِفَتْحِ الْبَاءِ مِنْ حُبَاحِبَ فِي مَوْضِعِ الْخَفْضِ وَكَانَ
حَقّ كُلّ عَلَمٍ أَلّا يُنَوّنَ لِأَنّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْإِضَافَةِ كَمَا
لَمْ يُنَوّنْ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمَعَارِفِ وَلَكِنّهُ نُوّنَ مَا نُوّنَ
مَعَهُ لِلسّرّ الّذِي بَيّنّاهُ فِي أَسْرَارِ مَا لَا يَنْصَرِفُ مِنْ
الْأَسْمَاءِ وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي ذَلِكَ جُزْءًا ، وَلَكِنْ الْخَفْضُ فِي
طَارِقٍ وَوَحْشِيّ مَرْوِيّ ، وَوَجْهُهُ أَنّهُ لَمّا كَانَ ضَرُورَةَ شِعْرٍ
وَلَمْ يَكْثُرْ فِي كَلَامِهِمْ لَمْ يُتْبِعُوا الْخَفْضَ فِيهِ التّنْوِينَ إذْ
لَا يُتَوَهّمُ إضَافَتُهُ إلَى الْمُتَكَلّمِ إذْ لَا يَقَعُ إلّا نَادِرًا فِي
شِعْرٍ فَاللّبْسُ فِيهِ بَعِيدٌ .
اشْتِقَاقُ اسْمِ خُبَيْبٍ وهُذَيل
وَقَوْلُهُ وَابْنُ الْبُكَيْرِ إمَامُهُمْ وَخُبَيْبُ
[ ص 378 ] أَرْدَفَ حَرْفَ الرّوِيّ بِيَاءِ مَفْتُوحٌ مَا قَبْلَهَا ، وَقَدْ
تَقَدّمَ الْقَوْلُ فِيهِ مَرّتَيْنِ . وَخُبَيْبٌ فِي اللّغَةِ تَصْغِيرُ خِبّ
وَهُوَ الْمَاكِرُ مِنْ الرّجَالِ لِلْخِدَاعِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصْغِيرَ
خَابٍ مِنْ الْخَبِيبِ فَيَكُونُ . مِنْ بَابِ تَصْغِيرِ التّرْخِيمِ وَهُوَ
الّذِي يَنْبَنِي عَلَى حَذْفِ الزّوَائِدِ وَأَمّا هُذَيْلٌ فَقَالُوا فِيهِ
إنّهُ مُصَغّرٌ تَصْغِيرُ لِلتّرْخِيمِ لِأَنّهُ مِنْ هَوْذَل الرّجُلُ بِبَوْلِهِ
إذَا بَاعَدَ بِهِ فَكَأَنّهُ تَصْغِيرُ مُهَوْذِلٍ عَلَى حَذْفِ الزّوَائِدِ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَصْغِيرَ هُذْلُولٍ وَهُوَ التّلّ الصّغِيرُ مِنْ
الرّمْلِ عَلَى تَصْغِيرِ التّرْخِيمِ أَيْضًا . سَالَتْ بِدُونِ هَمْزَةٍ
وَقَوْلُهُ سَالَتْ هُذَيْلٌ رَسُولَ اللّهِ فَاحِشَةً
لَيْسَ عَلَى تَسْهِيلِ الْهَمْزَةِ فِي سَالَتْ وَلَكِنّهَا لُغَةٌ بِدَلِيلِ
قَوْلِهِمْ تَسَايَلَ الْقَوْمُ وَلَوْ كَانَ تَسْهِيلًا ، لَكَانَتْ الْهَمْزَةُ
بَيْنَ بَيْنَ وَلَمْ يَسْتَقِمْ وَزْنُ الشّعْرِ بِهَا ، لِأَنّهَا
كَالْمُتَحَرّكَةِ وَقَدْ تُقْلَبُ أَلِفًا سَاكِنَةً كَمَا قَالُوا : الْمِنْسَاة
، وَلَكِنّهُ شَيْءٌ لَا يُقَاسَ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَتْ سَالَ لُغَةً فِي
سَأَلَ فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُضَارِعُ يَسِيلُ وَلَكِنْ قَدْ حَكَى يُونُسُ
سِلْت تَسَالُ مِثْلَ خِفْت تَخَافُ هُوَ عِنْدَهُ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَقَالَ
الزّجّاجُ الرّجُلَانِ يَتَسَايَلَانِ وَقَالَ النّحّاسُ وَالْمُبَرّدُ يَتَسَاوَلَانِ
وَهُوَ مِثْلُ مَا حَكَى يُونُسُ .
حَدِيثُ بِئْرِ مَعُونَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَقِيّةَ شَوّالٍ وَذَا الْقَعَدَةِ وَذَا الْحَجّةِ - وَوَلِيَ تِلْكَ الْحِجّةَ
الْمُشْرِكُونَ - وَالْمُحَرّمَ ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَصْحَابَ بِئْرِ مَعُونَةَ فِي صَفَرٍ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ
مِنْ أُحُدٍ .
سَبَبُ إرْسَالِ بَعْثِ بِئْرِ مَعُونَةَ
[ ص 379 ] وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ كَمَا حَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ
عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُسْلِمٍ وَعَبْدِ
اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ، وَغَيْرِهِ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا : قَدِمَ أَبُو بَرَاءٍ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ
جَعْفَرٍ مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ الْإِسْلَامَ وَدَعَاهُ
إلَيْهِ فَلَمْ يُسْلِمْ وَلَمْ يَبْعُدْ مِنْ الْإِسْلَامِ وَقَالَ يَا مُحَمّدُ
لَوْ بَعَثْت رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِك إلَى أَهْلِ نَجْدٍ ، فَدَعَوْهُمْ إلَى
أَمْرِك ، رَجَوْت أَنْ يَسْتَجِيبُوا لَك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي أَخْشَى عَلَيْهِمْ أَهْلَ نَجْدٍ . قَالَ أَبُو بَرَاءٍ
أَنَا لَهُمْ جَارٌ فَابْعَثْهُمْ فَلْيَدْعُوا النّاسَ إلَى أَمْرِك .
رِجَالُ الْبَعْثِ
فَبَعَثَ [ ص 380 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو ،
أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ الْمُعْنِقَ لِيَمُوتَ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ
أَصْحَابِهِ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ
وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُو بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ وَعُرْوَةُ بْنُ
أَسَمَاءَ بْنِ الصّلْت السّلَمِيّ ، وَنَافِعُ بْنُ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ
الْخُزَاعِيّ ، وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ فِي
رِجَالٍ مُسَمّينَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ . فَسَارُوا حَتّى نَزَلُوا
بِبِئْرِ مَعُونَةَ ، وَهِيَ بَيْنَ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ وَحَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ
، كِلَا الْبَلَدَيْنِ مِنْهَا قَرِيبٌ وَهِيَ إلَى حَرّةِ بَنِي سُلَيْمٍ
أَقْرَبُ .
عَامِرٌ يَقْتُلُ صَحَابِيّا
فَلَمّا نَزَلُوهَا بَعَثُوا حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى عَدُوّ اللّهِ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ .
فَلَمّا أَتَاهُ لَمْ يَنْظُرْ فِي كِتَابِهِ حَتّى عَدَا عَلَى الرّجُلِ
فَقَتَلَهُ ثُمّ اسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ بَنِي عَامِرٍ فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوهُ
إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ وَقَالُوا : لَنْ نُخْفِر أَبَا بَرَاءٍ ، وَقَدْ
عَقَدَ لَهُمْ عَقْدًا وَجِوَارًا ، فَاسْتَصْرَخَ عَلَيْهِمْ قَبَائِلَ مِنْ
بَنِي سُلَيْمٍ مِنْ عُصَيّةَ وَرِعْلٍ وَذَكْوَانَ ، فَأَجَابُوهُ إلَى ذَلِكَ
فَخَرَجُوا حَتّى غَشَوْا الْقَوْمَ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فِي رِحَالِهِمْ فَلَمّا
رَأَوْهُمْ أَخَذُوا سُيُوفَهُمْ [ ص 381 ] أَخَا بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ
فَإِنّهُمْ تَرَكُوهُ وَبِهِ رَمَقٌ فَارْتُثّ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى ، فَعَاشَ
حَتّى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَق ِ شَهِيدًا ، رَحِمَهُ اللّهُ .
ابْنُ أُمَيّةَ وَالْمُنْذِرُ وَمَوْقِفُهُمَا مِنْ الْقَوْمِ بَعْدَ عِلْمِهِمَا
بِمَقْتَلِ أَصْحَابِهِمَا
وَكَانَ فِي سَرْحِ الْقَوْمِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، وَرَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ
الْمُنْذِرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ . قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمْ يُنْبِئْهُمَا بِمُصَابِ أَصْحَابِهِمَا إلّا الطّيْرُ
تَحُومُ عَلَى الْعَسْكَرِ فَقَالَا : وَاَللّهِ إنّ لِهَذِهِ الطّيْرِ لَشَأْنًا
، فَأَقْبَلَا لِيَنْظُرَا ، فَإِذَا الْقَوْمُ فِي دِمَائِهِمْ وَإِذَا الْخَيْلُ
الّتِي أَصَابَتْهُمْ وَاقِفَةٌ . فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ
مَا تَرَى ؟ قَالَ أَرَى أَنْ نَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَنُخْبِرُهُ الْخَبَرَ ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ : لَكِنْ مَا كُنْت
لِأَرْغَبَ بِنَفْسِي عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو ،
وَمَا كُنْت لِتُخْبِرَنِي عَنْهُ الرّجَالُ ثُمّ قَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ
وَأَخَذُوا عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ أَسِيرًا فَلَمّا أَخْبَرَهُمْ أَنّهُ مِنْ
مُضَرَ ، أَطْلَقَهُ عَامِرُ بْنُ الطّفَيْلِ ، وَجَرّ نَاصِيَتَهُ وَأَعْتَقَهُ
عَنْ رَقَبَةٍ زَعَمَ أَنّهَا كَانَتْ عَلَى أُمّهِ .
قَتْلُ الْعَامِرِيّيْنِ
[ ص 382 ] فَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ حَتّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ
صَدْرِ قَنَاةٍ ، أَقْبَلَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
ثُمّ مِنْ بَنِي كِلَابٍ وَذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُمَا مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى نَزَلَا مَعَهُ فِي ظِلّ هُوَ فِيهِ . وَكَانَ
مَعَ الْعَامِرِيّيْنِ عَقْدٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَجِوَارٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ وَقَدْ سَأَلَهُمَا حِينَ
نَزَلَا ، مَنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَا : مِنْ بَنِي عَامِرٍ فَأَمْهَلَهُمَا ،
حَتّى إذَا نَامَا ، عَدَا عَلَيْهِمَا فَقَتَلَهُمَا ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ قَدْ
أَصَابَ بِهِمَا ثَوْرَةً مِنْ بَنِي عَامِرٍ فِيمَا أَصَابُوا مِنْ أَصْحَابِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا قَدِمَ عَمْرُو بْنُ
أُمَيّةَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ
الْخَبَرَ ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ قَتَلْت
قَتِيلَيْنِ لَأَدِيَنّهُمَا
كَرَاهِيَةُ الرّسُولِ عَمَلَ أَبِي بَرَاءٍ
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ
، قَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا مُتَخَوّفًا . فَبَلَغَ ذَلِكَ أَبَا بَرَاءٍ
فَشَقّ عَلَيْهِ إخْفَارُ عَامِرٍ إيّاهُ وَمَا أَصَابَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَبَبِهِ وَجِوَارِهِ وَكَانَ فِيمَنْ أُصِيبَ
عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَSخَبَرُ بِئْرِ مَعُونَةَ
[ ص 379 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانُوا أَرْبَعِينَ رَجُلًا ، وَالصّحِيحُ
أَنّهُمْ كَانُوا سَبْعِينَ كَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمٍ .
مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ وَإِخْوَتُهُ وَمُعَوّذٌ الْحُكَمَاءُ
وَذَكَرَ أَبَا بَرَاءٍ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ وَأَنّهُ أَجَارَ أَصْحَابَ بِئْرِ
مَعُونَةَ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ
كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ سُمّيَ مُلَاعِبَ
الْأَسِنّةِ فِي يَوْمِ سُوبَانَ وَهُوَ يَوْمٌ كَانَتْ فِيهِ وَقِيعَةٌ فِي
أَيّامِ جَبَلَةَ ، وَهِيَ أَيّامُ حَرْبٍ كَانَتْ بَيْنَ قَيْسٍ وَتَمِيمٍ
وَجَبَلَةُ اسْمٌ لِهَضْبَةِ عَالِيَةٍ وَقَدْ تَقَدّمَ طَرَفٌ مِنْ هَذَا
الْحَدِيثِ فِي أَوّلِ الْكِتَابِ وَكَانَ سَبَبُ تَسْمِيَتِهِ فِي يَوْمِ سُوبَانَ
مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ أَنّ أَخَاهُ الّذِي يُقَالُ لَهُ فَارِسُ قُرْزل ، وَهُوَ
طُفَيْلُ بْنُ مَالِكٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ مَعْنَى قُرْزل ،
كَانَ أَسْلَمَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفَرّ فَقَالَ شَاعِرٌ
فَرَرْت وَأَسْلَمْت ابْنَ أُمّك عَامِرًا ... يُلَاعِبُ أَطْرَافَ الْوَشِيجِ
الْمُزَعْزَعِ
فَسُمّيَ مُلَاعِبَ الْأَسِنّةِ وَمُلَاعِبُ الرّمَاحِ . قَالَ لَبِيدٌ
وَإِنّنِي مُلَاعِبُ الرّمَاحِ ... وَمِدْرَهُ الْكَتِيبَةِ الرّدَاحِ
[ ص 380 ] لَبِيدِ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَكَانُوا إخْوَةً خَمْسَةً طُفَيْلٌ فَارِسُ
قُرْزل ، وَعَامِرٌ مُلَاعِبُ الْأَسِنّةِ وَرَبِيعَةُ الْمُقْتِرِينَ وَهُوَ
وَالِدُ لَبِيدٍ وَعُبَيْدَةُ الْوَضّاحُ وَمُعَاوِيَةُ مُعَوّذُ الْحُكَمَاءِ
وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
إذَا سَقَطَ السّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا
وَفِي هَذَا الشّعْرِ يَقُولُ
يَعُوذُ مِثْلَهَا الْحُكَمَاءُ بَعْدِي ... إذَا مَا الْأَمْرُ فِي الْحَدَثَانِ
نَابَا
وَبِهَذَا الْبَيْتِ سُمّيَ مُعَوّذَ الْحُكَمَاءِ .
شِعْرُ لَبِيدٍ عَنْ مُلَاعِبٍ وَإِخْوَتِهِ أَمَامَ النّعْمَانِ
وَإِيّاهُمْ عَنَى لَبِيدٌ حِينَ قَالَ بَيْنَ يَدَيْ النّعْمَانِ بْنِ
الْمُنْذِرِ :
نَحْنُ بَنِي أُمّ الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةِ ... الْمُطْمِعُونَ الْجَفْنَةَ
الْمُدَعْدَعَهْ
وَالضّارِبُونَ الْهَامَ تَحْت الْخَيْضَعَهْ ... يَا رُبّ هَيْجَا هِيَ خَيْرٌ
مِنْ دَعَهْ
ثُمّ ذَكَرَ الرّبِيعَ بْنَ زِيَادٍ [ الْعَبْسِيّ ] فَقَالَ مَهْلًا أَبَيْتَ
اللّعْنَ لَا تَأْكُلْ مَعَهْ
[ ص 381 ] قَالَ الْأَرْبَعَةُ وَهُمْ خَمْسَةٌ لِأَنّ أَبَاهُ رَبِيعَةَ قَدْ
كَانَ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا كَمَا قَالَ بَعْضُ النّاسِ وَهُوَ قَوْلٌ يُعْزَى
إلَى الْفَرّاءِ أَنّهُ قَالَ إنّمَا قَالَ أَرْبَعَةً وَلَمْ يَقُلْ خَمْسَةً
مِنْ أَجْلِ الْقَوَافِي ، فَيُقَالُ لَهُ لَا يَجُوزُ لِلشّاعِرِ أَنْ يَلْحَنُ
لِإِقَامَةِ وَزْنِ الشّعْرِ فَكَيْفَ بِأَنْ يَكْذِبَ لِإِقَامَةِ الْوَزْنِ
وَأَعْجَبُ مِنْ هَذَا أَنّهُ اسْتَشْهَدَ بِهِ عَلَى تَأْوِيلٍ فَاسِدٍ
تَأَوّلَهُ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنّتَانِ }
[ الرّحْمَنُ 46 ] وَقَالَ أَرَادَ جَنّةً وَاحِدَةً وَجَاءَ بِلَفْظِ
التّثْنِيَةِ لِتَتّفِقَ رُءُوسُ الْآيِ أَوْ كَلَامًا هَذَا مَعْنَاهُ فَصَمّي
صَمَامْ مَا أَشْنَعَ هَذَا الْكَلَامَ وَأَبْعَدَهُ عَنْ الْعِلْمِ وَفَهْمِ
الْقُرْآنِ وَأَقَلّ هَيْبَةَ قَائِلِهِ مِنْ أَنْ يَتَبَوّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ
النّارِ فَحَذَارِ مِنْهُ حَذَارِ . وَمِمّا يَدُلّك أَنّهُمْ كَانُوا أَرْبَعَةً
حِينَ قَالَ لَبِيدٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إنّ فِي الْخَبَرِ ذِكْرُ يُتْمِ
لَبِيَدٍ وَصِغَرِ سِنّهِ وَأَنّ أَعْمَامَهُ الْأَرْبَعَةَ اسْتَصْغَرُوهُ أَنْ
يُدْخِلُوهُ مَعَهُمْ عَلَى النّعْمَانِ حِينَ هَمّهُمْ مَا قَاوَلَهُمْ بِهِ
الرّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ فَسَمِعَهُمْ لَبِيدٌ يَتَحَدّثُونَ بِذَلِكَ
وَيَهْتَمّونَ لَهُ فَسَأَلَهُمْ أَنْ يُدْخِلُوهُ مَعَهُمْ عَلَى النّعْمَانِ
وَزَعَمَ أَنّهُ سَيُفْحِمُهُ فَتَهَاوَنُوا بِقَوْلِهِ حَتّى اخْتَبَرُوهُ
بِأَشْيَاءَ مَذْكُورَةٍ فِي الْخَبَرِ ، فَبَانَ بِهَذَا كُلّهِ أَنّهُمْ كَانُوا
أَرْبَعَةً وَلَوْ سَكَتَ الْجَاهِلُ لَقَلّ الْخِلَافُ وَالْحَمْدُ لِلّهِ .
ابْنُ فُهَيْرَةَ وَالسّمَاءُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ
عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ كَانَ يَقُولُ مَنْ رَجُلٌ مِنْهُمْ لَمّا قُتِلَ
رَأَيْته رَفَعَ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتّى رَأَيْت السّمَاءَ مِنْ
دُونِهِ ؟ قَالُوا : هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
سَبَبُ إسْلَامِ ابْنِ سَلْمَى
[ ص 383 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي جَبّارِ بْنِ
سَلْمَى بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْفَرٍ ، قَالَ - وَكَانَ جَبّارٌ فِيمَنْ حَضَرَهَا
يَوْمئِذٍ مَعَ عَامِرٍ ثُمّ أَسْلَمَ - ( قَالَ ) فَكَانَ يَقُولُ إنّ مِمّا
دَعَانِي إلَى الْإِسْلَامِ أَنّي طَعَنْت رَجُلًا مِنْهُمْ يَوْمئِذٍ بِالرّمْحِ
بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَنَظَرْت إلَى سِنَانِ الرّمْحِ حِينَ خَرَجَ مِنْ صَدْرِهِ
فَسَمِعْته يَقُولُ فُزْت وَاَللّهِ فَقُلْت فِي نَفْسِي : مَا فَازَ أَلَسْت قَدْ
قَتَلْت الرّجُلَ قَالَ حَتّى سَأَلْت بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِ فَقَالُوا :
لِلشّهَادَةِ فَقُلْت : فَازَ لَعَمْرو اللّهِ .Sمَصِيرُ ابْنِ فُهَيْرَةَ
[ ص 382 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ
عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ قَالَ يَوْمئِذٍ مَنْ رَجُلٌ لَمّا طَعَنْته رَفَعَ حَتّى
رَأَيْت السّمَاءَ مِنْ دُونِهِ . هَذِهِ رِوَايَةُ الْبَكّائِيّ عَنْ ابْنِ
إسْحَاقَ ، وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَنّ
عَامِرَ بْنَ الطّفَيْلِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ لِلنّبِيّ
عَلَيْهِ السّلَامُ مَنْ رَجُلٌ يَا مُحَمّدُ لَمّا طَعَنْته رَفَعَ إلَى
السّمَاءِ ؟ فَقَالَ هُوَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَرَوَى [ ص 383 ] عَبْدُ
الرّزّاقِ وَابْنُ الْمُبَارَكِ أَنّ عَامِرَ بْنَ فُهَيْرَةَ اُلْتُمِسَ فِي
الْقَتْلَى يَوْمئِذٍ فَفُقِدَ فَيَرَوْنَ أَنّ الْمَلَائِكَةَ رَفَعَتْهُ أَوْ
دَفَنَتْهُ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي تَحْرِيضِ
بَنِي أَبِي بَرَاءٍ عَلَى عَامِرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُحَرّضُ بَنِي أَبِي
بَرَاءٍ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ :
بَنِي أُمّ الْبَنِينَ أَلَمْ يَرْعَكُمْ ... وَأَنْتُمْ مِنْ ذَوَائِبِ أَهْلِ
نَجِدْ
تَهَكّمْ عَامِرٌ بِأَبِي بَرَاءٍ ... لِيُخْفِرَهُ وَمَا خَطَأٌ كَعَمْدِ
أَلَا أَبْلِغْ رَبِيعَةَ ذَا الْمَسَاعِي ... فَمَا أَحْدَثْت فِي الْحَدَثَانِ
بَعْدِي
أَبُوك أَبُو الْحُرُوبِ أَبُو بَرَاءٍ ... وَخَالُك مَاجِدٌ حَكَمُ بْنُ سَعْدِ
نَسَبُ حَكَمٍ وَأُمّ الْبَنِينَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَكَمُ بْنُ سَعْدٍ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جِسْرٍ ، وَأُمّ
الْبَنِينَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ
صَعْصَعَةَ وَهِيَ أُمّ أَبِي بَرَاءٍ .
طَعْنُ رَبِيعَةَ لِعَامِرِ
[ ص 384 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَمَلَ رَبِيعَةُ ( بْنُ عَامِرِ ) بْنِ
مَالِكٍ عَلَى عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ ، فَطَعَنَهُ بِالرّمْحِ فَوَقَعَ فِي
فَخِذِهِ فَأَشْوَاهُ وَوَقَعَ عَنْ فَرَسِهِ فَقَالَ هَذَا عَمَلُ أَبِي بَرَاءٍ
، إنْ أَمُتْ فَدَمِي لِعَمّي ، فَلَا يُتْبَعَنّ بِهِ وَإِنْ أَعِشْ فَسَأَرَى
رَأْيِي فِيمَا أُتِيَ إلَيّ .Sأُمّ الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةِ
وَذَكَرَ قَوْلَ حَسّانَ
بَنِي أُمّ الْبَنِينَ أَلَمْ يَرْعَكُمْ ... وَأَنْتُمْ فِي ذَوَائِبِ أَهْلِ
نَجْدِ
وَهَذِهِ أُمّ الْبَنِينَ الّتِي ذَكَرَ لَبِيدٌ فِي قَوْلِهِ نَحْنُ بَنِي أُمّ
الْبَنِينَ الْأَرْبَعَةِ
وَاسْمُهَا : لَيْلَى بِنْتُ عَامِرٍ - فِيمَا ذَكَرُوا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ
هِشَامٍ نَسَبَهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَهَا .
مَقْتَلُ ابْنِ وَرْقَاءَ
وُرَثَاءُ ابْنِ رَوَاحَةَ لَهُ
وَقَالَ أَنَسُ بْنُ عَبّاسٍ السّلَمِيّ ، وَكَانَ خَالَ طُعَيْمَةَ بْنِ عَدِيّ
بْنِ نَوْفَلٍ وَقَتَلَ يَوْمئِذٍ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ
الْخُزَاعِيّ :
تَرَكْت ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ثَاوِيًا ... بِمُعْتَرَكِ تَسْفِي عَلَيْهِ
الْأَعَاصِرُ
ذَكَرْت أَبَا الرّيّانِ لَمّا رَأَيْته ... وَأَيْقَنْت أَنّي عِنْدَ ذَلِكَ
ثَائِرُ
وَأَبُو الرّيّانِ طُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ . وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ
يَبْكِي نَافِعَ بْنَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ :
رَحِمَ اللّهُ نَافِعَ بْنَ بُدَيْلٍ ... رَحْمَةَ الْمُبْتَغِي ثَوَابَ
الْجِهَادِ
صَابِرٌ صَادِقٌ وَفِيّ إذَا مَا ... أَكْثَرَ الْقَوْمُ قَالَ قَوْلَ السّدَادِ
شِعْرُ حَسّانَ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي قَتْلَى بِئْرِ مَعُونَةَ ، وَيَخُصّ
الْمُنْذِرَ بْنَ عَمْرٍو :
عَلَى قَتْلَى مَعُونَةَ فَاسْتَهِلّي ... بِدَمْعِ الْعَيْنِ سَحّا غَيْرَ نَزْرِ
عَلَى خَيْلِ الرّسُولِ غَدَاةَ لَاقَوْا ... مَنَايَاهُمْ وَلَاقَتْهُمْ بِقَدْرِ
[ ص 385 ] أَصَابَهُمْ الْفَنَاءُ بِعَقْدِ قَوْمٍ ... نُخُوّن عَقْدُ حَبْلِهِمْ
بِغَدْرِ
فَيَا لَهْفِي لِمُنْذِرِ إذْ تَوَلّى ... وَأَعْنَقَ فِي مَنِيّتِهِ بِصَبْرِ
وَكَائِنٌ قَدْ أُصِيبَ غَدَاةَ ذَاكُمْ ... مِنْ أَبْيَضِ مَاجِدٍ مِنْ سِرّ
عَمْرِو
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي آخِرَهَا بَيْتًا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ
. [ ص 384 ]Sوَذَكَرَ قَوْلَ أَنَسِ بْنِ عَبّاسٍ السّلَمِيّ
تَرَكْت ابْنَ وَرْقَاءَ الْخُزَاعِيّ ثَاوِيًا ... بِمُعْتَرَكِ تسْفِي عَلَيْهِ
الْأَعَاصِرُ
ذَكَرْت أَبَا الزّبّانِ لَمّا رَأَيْته ... وَأَيْقَنْت أَنّي عِنْدَ ذَلِكَ
ثَائِرُ
الزّبّانُ أَوْ الرّيّانُ
هَكَذَا وَقَعَ فِي النّسْخَةِ أَبَا الزّبّانِ وَفِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ
سَعْدٍ : أَبَا الرّيّانِ بِالرّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْيَاءِ أُخْتِ الْوَاوِ
وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الدّارَقُطْنِيّ فِي الْمُؤْتَلِفِ وَالْمُخْتَلِفِ كَمَا فِي
رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ .
شِعْرُ كَعْبٍ فِي يَوْمِ
بِئْرِ مَعُونَةَ
وَأَنْشَدَنِي لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فِي يَوْمِ بِئْرِ مَعُونَةَ ، يُعَيّرُ
بَنِي جَعْفَرِ بْنِ كِلَابٍ
تَرَكْتُمْ جَارَكُمْ لِبَنِي سُلَيْمٍ ... مَخَافَةَ حَرْبِهِمْ عَجْزًا وَهُونَا
فَلَوْ حَبْلًا تَنَاوَلَ مِنْ عُقَيْلٍ ... لَمَدّ بِحَبْلِهَا حَبْلًا مَتِينَا
أَوْ القرُطَاء مَا إنْ أَسْلَمُوهُ ... وَقِدْمًا مَا وَفَوْا إذْ لَا تَفُونَا
نَسَبُ القُرطاء
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : القُرطاء : قَبِيلَةٌ مِنْ هَوَازِنَ ، وَيُرْوَى "
مِنْ نُفَيْلٍ " مَكَانٌ " مِنْ عَقِيلٍ " ، وَهُوَ الصّحِيحُ
لِأَنّ القُرطاء مِنْ نُفَيل قَرِيبٌ .Sالقُرطاء
[ ص 386 ] [ ص 385 ] وَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبٍ وَفِيهِ أَوْ القُرطاء مَا إنْ
أَسْلَمُوهُ . القُرطاء : هُمْ بَنُو قُرْطٍ وَقُرَيْطٍ وَقَرِيطٍ وَهُمْ أَبَطْنُ
مِنْ بَنِي عَامِرٍ ثُمّ مِنْ بَنِي كِلَابٍ .
شَيْءٌ مَنْسُوخٌ
وَلَمّا قُتِلَ أَصْحَابُ بِئْرِ مَعُونَةَ نَزَلَ فِيهِمْ قُرْآنٌ ثُمّ رفعَ أَنْ
أَبْلِغُوا قَوْمَنَا أَنْ قَدْ لَقِينَا رَبّنَا فَرَضِيَ عَنّا وَرَضِينَا
عَنْهُ فَثَبَتَ هَذَا فِي الصّحِيحِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَوْنَقُ الْإِعْجَازِ
فَيُقَالُ إنّهُ لَمْ يَنْزِلْ بِهَذَا النّظْمِ وَلَكِنْ بِنَظْمِ مُعْجِزٍ
كَنَظْمِ الْقُرْآنِ . فَإِنْ قِيلَ إنّهُ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَدْخُلُهُ
النّسْخُ قُلْنَا : لَمْ يُنْسَخْ مِنْهُ الْخَبَرُ ، وَإِنّمَا نُسِخَ مِنْهُ
الْحُكْمُ فَإِنّ حُكْمَ الْقُرْآنِ أَنْ يُتْلَى فِي الصّلَاةِ وَأَنْ لَا
يَمَسّهُ إلّا طَاهِرٌ وَأَنْ يَكْتُبَ بَيْنَ اللّوْحَيْنِ وَأَنْ يَكُونَ
تَعَلّمُهُ مِنْ فَرَوْضِ الْكِفَايَةِ فَكُلّ مَا نُسِخَ وَرُفِعَتْ مِنْهُ
هَذِهِ الْأَحْكَامُ وَإِنْ بَقِيَ مَحْفُوظًا ، فَإِنّهُ مَنْسُوخٌ فَإِنْ
تَضَمّنَ حُكْمًا جَازَ أَنْ يَبْقَى ذَلِكَ الْحُكْمُ مَعْمُولًا بِهِ
وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ الْمُعْتَزِلَةُ ، وَإِنْ تَضَمّنَ خَبَرًا بَقِيَ ذَلِكَ
الْخَبَرُ مُصَدّقًا بِهِ وَأَحْكَامُ التّلَاوَةِ مَنْسُوخَةٌ [ ص 386 ] نَزَلَ
لَوْ أَنّ لِابْنِ آدَمَ وَادِيَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ لَابْتَغَى لَهُمَا ثَالِثًا ،
وَلَا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلّا التّرَابُ وَيَتُوبُ اللّهُ عَلَى مَنْ تَاب
وَيُرْوَى : لَا يَمْلَأُ عَيْنَيْ ابْنِ آدَمَ وَفَمَ ابْنِ آدَم كُلّ ذَلِكَ فِي
الصّحِيحِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ وَادِيًا مِنْ مَالٍ أَيْضًا ، فَهَذَا خَبَرٌ حَقّ ،
وَالْخَبَرُ لَا يُنْسَخُ وَلَكِنْ نُسِخَ مِنْهُ أَحْكَامُ التّلَاوَةِ لَهُ
وَكَانَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَعْنِي قَوْلَهُ لَوْ أَنّ لِابْنِ آدَمَ فِي سُورَةِ
يُونُسَ بَعْدَ قَوْلِهِ { كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصّلُ
الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ } كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سَلّام ، وَأَمّا
الْحُكْمُ الّذِي بَقِيَ وَكَانَ قُرْآنًا يُتْلَى : " فَالشّيْخُ
وَالشّيْخَةُ إذَا زَنَيَا ، فَارْجُمُوهُمَا الْبَتّةَ نَكَالًا مِنْ اللّهِ
وَلَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنّ ذَلِكَ كُفْرٌ بِكُمْ " ، فَهَذَا
حُكْمٌ كَانَ نَسْخُهُ جَائِزًا حِينَ نُسِخَ حُكْمُ التّلَاوَةِ وَكَانَ جَائِزًا
أَنْ يَبْقَى حُكْمُ التّلَاوَةِ وَيُنْسَخُ هَذَا الْحُكْمُ بِخِلَافِ هَذَا
الْخَبَرِ كَمَا تَقَدّمَ .
أَمْرُ إجْلَاءِ بَنِي
النّضِيرِ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ
بَنُو النّضِيرِ يَأْتَمِرُونَ بِالرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَى بَنِي النّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك الْقَتِيلَيْنِ
مِنْ بَنِي عَامِرٍ اللّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ،
لِلْجِوَارِ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَقَدَ
لَهُمَا ، كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، وَكَانَ بَيْنَ بَنِي
النّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي عَامِرٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ . فَلَمّا أَتَاهُمْ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ ذَيْنِك
الْقَتِيلَيْنِ قَالُوا : نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ نُعِينُك عَلَى مَا
أَحْبَبْت ، مِمّا اسْتَعَنْت بِنَا عَلَيْهِ . ثُمّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ
فَقَالُوا : إنّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ -
وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ
بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ - فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَيُلْقِي
عَلَيْهِ صَخْرَةً فَيُرِيحَنَا مِنْهُ ؟ فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ عَمْرَو بْنَ
جِحَاش بْنِ كَعْبٍ أَحَدُهُمْ فَقَالَ أَنَا لِذَلِكَ فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ
عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا [ ص 388 ] قَالَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيّ ،
رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ .
اللّهُ يُعْلِمُ نَبِيّهُ بِمَا دَبّرُوا
فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرَ مِنْ السّمَاءِ
بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ ، فَلَمّا
اسْتَلْبَثَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ قَامُوا فِي
طَلَبِهِ فَلَقُوا رَجُلًا مُقْبِلًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَسَأَلُوهُ عَنْهُ فَقَالَ
" رَأَيْته دَاخِلًا الْمَدِينَةَ " . فَأَقْبَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَوْا إلَيْهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُمْ الْخَبَرَ ، بِمَا كَانَتْ الْيَهُودُ أَرَادَتْ
مِنْ الْغَدْرِ بِهِ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالتّهَيّؤِ لِحَرْبِهِمْ وَالسّيْرِ إلَيْهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
ثُمّ سَارَ النّاسُ حَتّى نَزَلَ بِهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَلِكَ فِي
شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ فَحَاصَرَهُمْ سِتّ لَيَالٍ وَنَزَلَ تَحْرِيمُ
الْخَمْرِ .
حِصَارُ الرّسُولِ لِبَنِي النّضِيرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَتَحَصّنُوا مِنْهُ فِي الْحُصُونِ فَأَمَرَ رَسُولَ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَطْعِ النّخِيلِ وَالتّحْرِيقِ فِيهَا
، فَنَادَوْهُ أَنْ يَا مُحَمّدُ قَدْ كُنْت تَنْهَى عَنْ الْفَسَادِ ،
وَتَعِيبُهُ عَلَى مَنْ صَنَعَهُ فَمَا بَالُ قَطْعِ النّخْلِ وَتَحْرِيقِهَا ؟
تَحْرِيضُ الرّهْطِ لَهُمْ ثُمّ مُحَاوَلَتُهُمْ الصّلْحَ
[ ص 389 ] كَانَ رَهْطٌ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، مِنْهُمْ ( عَدُوّ
اللّهِ ) عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ وَوَدِيعَةُ وَمَالِكُ بْنُ
أَبِي قَوْقَلٍ وَسُوَيْدٌ وَدَاعِسٌ قَدْ بَعَثُوا إلَى بَنِي النّضِيرِ أَنْ
اُثْبُتُوا وَتَمَنّعُوا ، فَإِنّا لَنْ نُسْلِمَكُمْ إنْ قُوتِلْتُمْ قَاتَلْنَا
مَعَكُمْ وَإِنْ أُخْرِجْتُمْ خَرَجْنَا مَعَكُمْ فَتَرَبّصُوا ذَلِكَ مِنْ
نَصْرِهِمْ فَلَمْ يَفْعَلُوا ، وَقَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ
وَسَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُجَلّيَهُمْ وَيَكُفّ
عَنْ دِمَائِهِمْ عَلَى أَنّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ
إلّا الْحَلْقَةَ فَفَعَلَ . فَاحْتَمَلُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ مَا اسْتَقَلّتْ
بِهِ الْإِبِلُ فَكَانَ الرّجُلُ مِنْهُمْ يَهْدِهِ بَيْتَهُ عَنْ نِجَافِ بَابِهِ
فَيَضَعُهُ عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ فَيَنْطَلِقُ بِهِ . فَخَرَجُوا إلَى خَيْبَرَ
وَمَعَهُمْ مَنْ سَارَ إلَى الشّامِ .
مَنْ هَاجَرَ مِنْهُمْ إلَى خَيْبَرَ
فَكَانَ أَشْرَافُهُمْ مَنْ سَارَ مِنْهُمْ إلَى خَيْبَرَ : سَلّام بْنُ أَبِي
الْحُقَيْقِ وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَحُيَيّ بْنُ
أَخْطَبَ . فَلَمّا نَزَلُوهَا دَانَ لَهُمْ أَهْلُهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حَدّثَ أَنّهُمْ اسْتَقَلّوا
بِالنّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ مَعَهُ الدّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ
وَالْقِيَانُ يَعْزِفْنَ خَلْفَهُمْ وَإِنّ فِيهِمْ لَأُمّ عَمْرٍو صَاحِبَةَ
عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِيّ ، الّتِي ابْتَاعُوا مِنْهُ وَكَانَتْ إحْدَى
نِسَاءِ بَنِي غِفَارٍ ، بِزُهَاءِ وَفَخْرِ مَا رُئِيَ مِثْلُهُ مِنْ حَيّ مِنْ
النّاسِ فِي زَمَانِهِمْ .
تَقْسِيمُ الرّسُولِ أَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ
وَخَلّوْا الْأَمْوَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَاصّةً يَضَعُهَا
حَيْثُ يَشَاءُ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى
الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ دُونَ الْأَنْصَارِ . إلّا أَنّ سَهْلَ بْنَ
حُنَيْفٍ وَأَبَا دُجَانَةَ سِمَاكَ بْنَ خَرَشَةَ ذَكَرًا فَقْرًا ،
فَأَعْطَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي النّضِيرِ
[ ص 390 ] بَنِي النّضِيرِ إلّا رَجُلَانِ يَامِينُ بْنُ عُمَرَ أَبُو كَعْبِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ ؛ وَأَبُو سَعْدِ بْنِ وَهْبٍ ، أَسْلَمَا عَلَى
أَمْوَالِهِمَا فَأَحْرَزَاهَا .
تَحْرِيضُ يَامِينَ عَلَى قَتْلِ ابْنِ جِحَاشٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : - وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ آلِ يَامِينَ : أَنّ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِيَامِينَ أَلَمْ تَرَ مَا لَقِيت
مِنْ ابْنِ عَمّك ، وَمَا هم بِهِ مِنْ شَأْنِي ؟ فَجَعَلَ يَامِينُ بْنُ عُمَيْرٍ
لِرَجُلِ جُعْلًا عَلَى أَنْ يَقْتُلَ لَهُ عَمْرَو بْنَ جِحَاشٍ ، فَقَتَلَهُ
فِيمَا يَزْعُمُونَSغَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ وَمَا نَزَلَ فِيهَا
[ ص 387 ] ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ هَذِهِ الْغَزْوَةَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهَا بَعْدَ بَدْرٍ لِمَا رَوَى عُقَيْلُ بْنُ خَالِدٍ
وَغَيْرُهُ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ كَانَتْ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ بَعْدَ
بَدْرٍ بِسِتّةِ أَشْهُرٍ .
قَطْعُ اللّينَةِ وَتَأْوِيلُهُ
[ ص 388 ] وَذَكَرَ نُزُولَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
بِبَنِي النّضِيرِ وَسَيْرَهُ إلَيْهِمْ حِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ الّذِي كَانَ
بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَهَمّوا بِقَتْلِهِ فَلَمّا تَحَصّنُوا فِي حُصُونِهِمْ
وَحَرّقَ نَخْلَهُمْ نَادَوْهُ أَنْ يَا مُحَمّدُ قَدْ كُنْت تَنْهَى عَنْ
الْفَسَادِ وَتَعِيبُهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . قَالَ أَهْلُ التّأْوِيلِ وَقَعَ
فِي نَفُوسِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ شَيْءٌ حَتّى أَنَزَلَ اللّهُ
تَعَالَى : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى
أُصُولِهَا } [ الْحَشْرُ 5 ] الْآيَةُ . وَاللّينَةُ أَلْوَانُ التّمْرِ مَا
عَدَا الْعَجْوَةَ وَالْبَرْنِيّ فَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنّ النّبِيّ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَمْ يُحَرّقْ مِنْ نَخْلِهِمْ إلّا مَا لَيْسَ
بِقُوتِ لِلنّاسِ وَكَانُوا يَقْتَاتُونَ الْعَجْوَةَ وَفِي الْحَدِيثِ
الْعَجْوَةُ مِنْ الْجَنّةِ وَثَمَرُهَا يَغْذُو أَحْسَنَ غِذَاءٍ وَالْبَرْنِيّ
أَيْضًا كَذَلِكَ . وَقَالَ أَبُو [ ص 389 ] بَرّ مَعْنَاهُ حِمْلٌ وَنِيّ
مَعْنَاهُ جَيّدٌ أَوْ مُبَارَكٌ فَعَرّبَتْهُ الْعَرَبُ ، وَأَدْخَلَتْهُ فِي
كَلَامِهَا ، وَفِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ لَهُمْ وَفَكّرَ الْبَرْنِيّ : إنّهُ مِنْ
خَيْرِ تَمْرِكُمْ وَإِنّهُ دَوَاءٌ وَلَيْسَ بِدَاءِ رَوَاهُ مِنْهُمْ مَزِيدَةُ
الْعَصْرِيّ ، فَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ } وَلَمْ
يَقُلْ مِنْ نَخْلِهِ عَلَى الْعُمُومِ تَنْبِيهٌ عَلَى كَرَاهَةِ قَطْعِ مَا
يَقْتَاتُ وَيَغْذُو مِنْ شَجَرِ الْعَدُوّ إذَا رُجِيَ أَنْ يَصِيرَ إلَى
الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ كَانَ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يُوصِي الْجُيُوشَ
أَلّا يَقْطَعُوا شَجَرًا مُثْمِرًا ، وَأَخَذَ بِذَلِكَ أَبُو عَمْرٍو عَبْدُ
الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو ] ، الْأَوْزَاعِيّ ، فَإِمّا تَأَوّلُوا حَدِيثَ بَنِي
النّضِيرِ وَإِمّا رَأَوْهُ خَاصّا لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَلَمْ [ ص 390 ]
بَنِي النّضِيرِ وَلَا اخْتَلَفُوا فِي أَمْوَالِهِمْ لِأَنّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ
يُوجِفُوا عَلَيْهَا بِخَيْلِ وَلَا رِكَابٍ وَإِنّمَا قُذِفَ الرّعْبُ فِي
قُلُوبِهِمْ وَجَلَوْا عَنْ مَنَازِلِهِمْ إلَى خَيْبَرَ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ
عَنْ قِتَالٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ فَقَسَمَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ لِيَرْفَعَ بِذَلِكَ مُؤْنَتَهُمْ عَنْ
الْأَنْصَارِ ، إذْ كَانُوا قَدْ سَاهَمُوهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالدّيَارِ
غَيْرَ أَنّهُ أَعْطَى أَبَا دُجَانَةَ وَسَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ لِحَاجَتِهِمَا ،
وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ : وَأَعْطَى ثَلَاثَةً مِنْ الْأَنْصَارِ ،
وَذَكَرَ الْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ فِيهِمْ .
مَا نَزَلَ فِي بَنِي
النّضِيرِ مِنْ الْقُرْآنِ
وَنَزَلَ فِي بَنِي النّضِيرِ سُورَةُ الْحَشْرِ بِأَسْرِهَا ، يَذْكُرُ فِيهَا
مَا أَصَابَهُمْ اللّهُ بِهِ مِنْ نِقْمَتِهِ . وَمَا سَلّطَ عَلَيْهِمْ بِهِ رَسُولَهُ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا عَمِلَ فِيهِ فِيهِمْ فَقَالَ تَعَالَى : {
هُوَ الّذِي أَخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ
لِأَوّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنّوا أَنّهُمْ
مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ
يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ
بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ } وَذَلِكَ لِهَدْمِهِمْ بُيُوتَهُمْ عَنْ
نُجُفِ أَبْوَابِهِمْ إذَا احْتَمَلُوهَا . { فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي
الْأَبْصَارِ وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ الْجَلَاءَ } وَكَانَ
لَهُمْ مِنْ اللّهِ نِقْمَةٌ { لَعَذّبَهُمْ فِي الدّنْيَا } أَيْ بِالسّيْفِ {
وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابُ النّارِ } مَعَ ذَلِكَ . { مَا قَطَعْتُمْ مِنْ
لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا } . وَاللّينَةُ مَا
خَالَفَ الْعَجْوَةَ مِنْ النّخْلِ { فَبِإِذْنِ اللّهِ } أَيْ فَبِأَمْرِ اللّهِ
قُطِعَتْ لَمْ يَكُنْ فَسَادًا ، وَلَكِنْ كَانَ نِقْمَةً مِنْ اللّهِ {
وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
[ ص 391 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اللّينَةُ مِنْ الْأَلْوَانِ وَهِيَ مَا لَمْ
تَكُنْ بَرْنِيّةَ وَلَا عَجْوَةً مِنْ النّخْلِ فِيمَا حَدّثَنَا أَبُو
عُبَيْدَةَ . قَالَ ذُو الرّمّةِ
كَأَنّ قُتُودِي فَوْقَهَا عُشّ طَائِرٍ ... عَلَى لِينَةٍ سَوْقَاءَ تَهْفُو
جُنُوبُهَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَمَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْهُمْ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : يَعْنِي مِنْ بَنِي النّضِيرِ { فَمَا
أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنّ اللّهَ يُسَلّطُ
رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ لَهُ
خَاصّةً .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أوْجَفْتُمْ حَرّكْتُمْ وَأَتْعَبْتُمْ فِي السّيْرِ .
قَالَ تَمِيمُ بْنُ أُبَيّ بْنِ مُقْبِلٍ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ
مَذَاوِيدُ بِالْبِيضِ الْحَدِيثِ صِقَالُهَا ... عَنْ الرّكْبِ أَحْيَانًا إذَا
الرّكْبُ أَوْجَفُوا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَهُوَ الْوَجِيفُ . ( وَ ) قَالَ أَبُو
زَيْدٍ الطّائِيّ ، وَاسْمُهُ حَرْمَلَةُ بْنُ الْمُنْذِرِ
مُسْنِفَاتٌ كَأَنّهُنّ قِنَا الْهِنْ دِ ... لِطُولِ الْوَجِيفِ جَدْبَ
الْمَرُودِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . [ ص 392 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
السّنَافُ الْبِطَانُ . وَالْوَجِيفُ ( أَيْضًا ) : وَجِيفُ الْقَلْبِ وَالْكَبِدِ
وَهُوَ الضّرْبَانِ . قَالَ قَيْسُ بْنُ الخَطِيم الظّفَرِيّ
إنّا وَإِنْ قَدّمُوا الّتِي عَلِمُوا ... أَكْبَادَنَا مِنْ وَرَائِهِمْ تَجِفُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ
مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مَا يُوجَفُ
عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ بِالْخَيْلِ وَالرّكَابِ وَفَتْحٍ بِالْحَرْبِ عَنْوَةً
فَلِلّهِ وَلِلرّسُولِ - { وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَابْنِ السّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا
آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } يَقُولُ هَذَا
قَسَمٌ آخَرُ فِيمَا أُصِيبَ بِالْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا
وَضَعَهُ اللّهُ عَلَيْهِ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ
نَافَقُوا } يَعْنِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُبَيّ وَأَصْحَابَهُ وَمَنْ كَانَ عَلَى
مِثْلِ أَمْرِهِمْ { يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ } يَعْنِي بَنِي النّضِيرِ إلَى قَوْلِهِ { كَمَثَلِ الّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }
يَعْنِي بَنِي قَيْنُقَاعَ . ثُمّ الْقِصّةُ . . إلَى قَوْلِهِ { كَمَثَلِ
الشّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قَالَ إِنّي بَرِيءٌ
مِنْكَ إِنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنّهُمَا
فِي النّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظّالِمِينَ }Sحَوْلَ أَوّلِ
سُورَةِ الْحَشْرِ
وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي
الْمُؤْمِنِينَ } [ الْحَشْرُ 2 ] أَيْ يُخَرّبُونَهَا مِنْ دَاخِلٍ
وَالْمُؤْمِنُونَ مِنْ خَارِجٍ وَقِيلَ مَعْنَى بِأَيْدِيهِمْ بِمَا كَسَبَتْ
أَيْدِيهِمْ مِنْ نَقْضِ الْعَهْدِ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ أَيْ بِجِهَادِهِمْ .
[ ص 391 ] { لِأَوّلِ الْحَشْرِ } رَوَى مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنّهُمْ قَالُوا
لَهُ إلَى أَيْنَ تَخْرُجُ يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ إلَى الْحَشْرِ يَعْنِي : أَرْضَ
الْمَحْشَرِ وَهِيَ الشّامُ ، وَقِيلَ إنّهُمْ كَانُوا مِنْ بَسْطٍ لَمْ
يُصِبْهُمْ جَلَاءٌ قَبْلَهَا ، فَلِذَلِكَ قَالَ لِأَوّلِ الْحَشْرِ وَالْحَشْرُ
الْجَلَاءُ وَقِيلَ إنّ الْحَشْرَ الثّانِي ، هُوَ حَشْرُ النّارِ الّتِي تَخْرُجُ
مِنْ قَعْرِ عَدَنَ فَتَحْشُرُ النّاسَ إلَى الْمَوْقِفِ تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ
بَاتُوا ، وَتَقِيلُ مَعَهُمْ قَالُوا ، وَتَأْكُلُ مَنْ تَخَلّفَ وَالْآيَةُ
مُتَضَمّنَةٌ لِهَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلّهَا ، وَلِزَائِدِ عَلَيْهَا ، فَإِنّ
قَوْلَهُ لِأَوّلِ الْحَشْرِ يُؤْذِنُ أَنّ ثَمّ حَشْرًا آخَرَ فَكَانَ هَذَا
الْحَشْرُ وَالْجَلَاءُ إلَى خَيْبَرَ ، ثُمّ أَجْلَاهُمْ عُمَرُ مِنْ خَيْبَرَ
إلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَا ، وَذَلِكَ حِينَ بَلَغَهُ التّثَبّتُ عَنْ النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا يَبْقِيَنّ دِينَانِ بِأَرْضِ
الْعَرَبِ [ ص 392 ] { فَأَتَاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا } [
الْحَشْرُ 2 ] ، يُقَالُ نَزَلَتْ فِي قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { مَا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى
} [ الْحَشْرُ 2 ] وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنّهُ قَالَ هُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ ،
وَأَهْلُ التّأْوِيلِ عَلَى أَنّهَا عَامّةٌ فِي جَمِيعِ الْقُرَى الْمُفْتَتِحَةِ
عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا ، فَرَأَى قَوْمٌ
قَسْمَهَا كَمَا تَقْسِمْ الْغَنَائِمِ وَرَأَى بَعْضُهُمْ لِلْإِمَامِ أَنْ
يَقِفَهَا ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ إنْ
شَاءَ اللّهُ .
مَا قِيلَ فِي بَنِي النّضِيرِ
مِنْ الشّعْرِ
وَكَانَ مِمّا قِيلَ فِي بَنِي النّضِيرِ مِنْ الشّعْرِ قَوْلُ ابْنِ لُقَيْمٍ
الْعَيْثَمِيّ وَيُقَالُ قَالَهُ قَيْسُ بْنُ بَحْرِ بْنِ طَرِيفٍ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : قَيْسُ بْنُ بَحْرٍ الْأَشْجَعِيّ - فَقَالَ [ ص 393 ]
أَهْلِي فِدَاءٌ لِامْرِئِ غَيْرِ هَالِكٍ ... أَحَلّ الْيَهُودَ بِالْحِسّيّ
الْمُزَنّمِ
يَقِيلُونَ فِي جَمْرِ الغَضَاةِ وَبَدّلُوا ... أُهَيْضِبَ عُودِي بِالْوَدِيّ
الْمُكَمّمِ
فَإِنْ يَكُ ظَنّي صَادِقًا بِمُحَمّدِ ... تَرَوْا خَيْلَهُ بَيْنَ الصّلَا
وَيَرَمْرَمِ
يَؤُمّ بِهَا عَمْرَو بْنَ بُهْثَةَ إنّهُمْ ... عَدُوّ وَمَا حَيّ صِدّيقٌ
كَمُجْرِمِ
عَلَيْهِنّ أَبْطَالٌ مَسَاعِيرُ فِي الْوَغَى ... يَهُزّونَ أَطْرَافَ الْوَشِيجِ
الْمُقَوّمِ
وَكُلّ رَقِيقٍ الشّفْرَتَيْنِ مُهَنّدٌ ... تُوُورِثْنَ مِنْ أَزْمَانِ عَادٍ
وَجُرْهُمِ
فَمَنْ مُبَلّغٌ عَنّي قُرَيْشًا رِسَالَةً ... فَهَلْ بَعْدَهُمْ فِي الْمَجْدِ
مِنْ مُتَكَرّمِ
بِأَنّ أَخَاكُمْ فَاعْلَمُنّ مُحَمّدًا ... تَلِيدُ النّدَى بَيْنَ الْحَجُونِ
وَزَمْزَمِ
فَدِينُوا لَهُ بِالْحَقّ تَجْسُمْ أُمُورُكُمْ ... وَتُسْمُوا مِنْ الدّنْيَا
إلَى كُلّ مِعْظَمِ
نَبِيّ تَلَاقَتْهُ مِنْ اللّهِ رَحْمَةٌ ... وَلَا تَسْأَلُوهُ أَمْرَ غَيْبٍ
مُرَجّمِ
فَقَدْ كَانَ فِي بَدْرٍ لَعَمْرِي عِبْرَةٌ ... لَكُمْ يَا قُرَيْشًا
وَالْقَلِيبُ الْمُلَمّمِ
غَدَاةَ أَتَى فِي الْخَزْرَجِيّةِ عَامِدًا ... إلَيْكُمْ مُطِيعًا لِلْعَظِيمِ
الْمُكَرّمِ
[ ص 394 ] مُعَانًا بِرُوحِ الْقُدُسِ يُنْكِي عَدُوّهُ ... رَسُولًا مِنْ الرّحْمَنِ
حَقّا بِعَلَمِ
رَسُولًا مِنْ الرّحْمَنِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... فَلَمّا أَنَارَ الْحَقّ لَمْ
يُتَلَعْثَمْ
أَرَى أَمْرَهُ يَزْدَادُ فِي كُلّ مَوْطِنٍ ... عُلُوّا لِأَمْرِ حَمّهُ اللّهُ
مُحْكَمِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ بُهْثَةَ ، مِنْ غَطَفَانَ . وَقَوْلُهُ
" بِالْحِسّيّ الْمُزَنّمِ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ :S[
ص 393 ] وَذَكَرَ شِعْرَ الْعَبْسِيّ فِي إجْلَاءِ الْيَهُودِ ، فَقَالَ أَحَلّ
الْيَهُودُ بِالْحِسّيّ الْمُزَنّمِ
يُرِيدُ أَحَلّهُمْ بِأَرْضِ غُرْبَةٍ وَفِي غَيْرِ عَشَائِرِهِمْ وَالزّنِيمُ
وَالْمُزَنّمُ الرّجُلُ يَكُونُ فِي الْقَوْمِ وَلَيْسَ مِنْهُمْ أَيْ
أَنَزَلَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْحِسّيّ أَيْ الْمُبْعَدُ الطّرِيدُ وَإِنّمَا جَعَلَ
الطّرِيدَ الذّلِيلَ حِسّيّا لِأَنّهُ عُرْضَةُ الْأَكْلِ وَالْحِسّيّ وَالْحَسْوُ
مَا يُحْسَى مِنْ الطّعَامِ حَسْوًا ، أَيْ أَنّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَلَى آكِلٍ
وَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِالْحِسّيّ مَعْنَى الْغَذِيّ مِنْ الْغَنَمِ وَهُوَ
الصّغِيرُ - الضّعِيفُ الّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الرّعْيَ يُقَالُ بُدّلُوا
بِالْمَالِ الدّثْرِ وَالْإِبِلِ الْكُومِ رُذَالَ الْمَالِ وَغِذَاءَ الْغَنَمِ
وَالْمُزَنّمُ مِنْهُ فَهَذَا وَجْهٌ يُحْتَمَلُ وَقَدْ أَكْثَرْت النّقِيرَ عَنْ
الْحِسّيّ فِي مَضَانّهِ مِنْ اللّغَةِ فَلَمْ أَجِدْ نَصّا شَافِيًا أَكْثَرَ
مِنْ قَوْلِ أَبِي عَلِيّ الْحِسّيّةُ وَالْحِسّيّ مَا يُحْسَى مِنْ الطّعَامِ
وَإِذْ قَدْ وَجَدْنَا الْغَذِيّ وَاحِدَ غِذَاءِ الْغَنَمِ فَالْحِسّيّ فِي
مَعْنَاهُ غَيْرُ مُمْتَنِعٍ أَنْ يُقَالَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَالْمُزَنّمُ
أَيْضًا : صِغَارُ الْإِبِلِ وَسَائِرُ هَذَا الشّعْرِ مَعَ مَا يَعُدّهُ مِنْ
الْأَشْعَارِ لَيْسَ فِيهِ عَوِيصٌ مِنْ الْغَرِيبِ وَلَا مُسْتَغْلِقٌ مِنْ
الْكَلَامِ .
الْكَاهِنَانِ
[ ص 394 ] ذَكَرَ مِنْ أَمْرِ الْكَاهِنَيْنِ فَهُمَا قُرَيْظَةُ وَالنّضِيرُ
وَفِي الْحَدِيثِ يَخْرُجُ فِي الْكَاهِنَيْنِ رَجُلٌ يَدْرُسُ الْقُرْآنَ دَرْسًا
لَمْ يَدْرُسْهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ وَلَا يَدْرُسُهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ فَكَانُوا
يَرَوْنَهُ أَنّهُ مُحَمّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ وَهُوَ مُحَمّدُ بْنُ كَعْبِ
بْنِ عَطِيّةَ وَسَيَأْتِي خَبَرُ جَدّهِ عَطِيّةَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ
وَالْكَاهِنُ فِي اللّغَةِ بِمَعْنَى الْكَاهِلِ وَهُوَ الّذِي يَقُومُ بِحَاجَةِ
أَهْلِهِ إذَا خَلَفَ عَلَيْهِمْ يُقَالُ هُوَ كَاهِنُ أَبِيهِ وَكَاهِلُهُ
قَالَهُ الْهَرَوِيّ ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ سُمّيَ الْكَاهِنَانِ بِهَذَا .
Sخُرُوجُ بَنِي النّضِيرِ إلَى
خَيْبَرَ
فَصْلٌ
[ ص 395 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ خُرُوجَ بَنِي النّضِيرِ إلَى خَيْبَرَ ،
وَأَنّهُمْ اسْتَقَلّوا بِالنّسَاءِ وَالْأَبْنَاءِ وَالْأَمْوَالِ مَعَهُمْ -
الدّفُوفُ وَالْمَزَامِيرُ وَالْقِيَانُ يَعْزِفْنَ خَلْفَهُمْ وَأَنّ فِيهِمْ
لَأُمّ عَمْرٍو صَاحِبَةُ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الّتِي ابْتَاعُوا مِنْهُ
وَكَانَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي غِفَارٍ . انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَلَمْ
يَذْكُرْ اسْمَهَا فِي رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ عَنْهُ وَذَكَرَهُ فِي غَيْرِهَا ،
وَهِيَ سَلْمَى ، قَالَ الْأَصْمَعِيّ : اسْمُهَا : لَيْلَى بِنْتُ شَعْوَاءَ
وَقَالَ أَبُو الْفَرَجِ هِيَ سَلْمَى أُمّ وَهْبٍ امْرَأَةٌ مِنْ كِنَانَةَ
كَانَتْ نَاكِحًا فِي مُزَيْنَةَ ، فَأَغَارَ عَلَيْهَا عُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدُ
فَسَبَاهَا ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَوْلُ أَبِي الْفَرَجِ إنّهَا مِنْ كِنَانَةَ
لَا يَدْفَعُ قَوْلَ ابْنِ إسْحَاقَ إنّهَا مِنْ غِفَارٍ ، لِأَنّ غِفَارَ مِنْ
كِنَانَةَ غِفَارُ بْنُ مُلَيْلِ بْنِ ضَمْرَةَ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ
عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ . وَعُرْوَةُ بْنُ الْوَرْدِ بْنِ زَيْدٍ وَيُقَالُ
ابْنُ عَمْرِو بْنِ نَاشِبِ بْنِ هَدْمِ بْنِ عَوْذِ بْنِ غَالِبِ بْنِ قَطِيعَةَ
بْنِ عَبْسٍ فَهُوَ عَبْسِيّ غَطَفَانِيّ قَيْسِيّ ، لِأَنّ عَبْسًا هُوَ ابْنُ
بِغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ قَالَ فِيهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ
: مَا يَسُرّنِي أَنّ أَحَدًا مِنْ الْعَرَبِ وَلَدَنِي إلّا عُرْوَةُ بْنُ
الْوَرْدِ لِقَوْلِهِ
أَتَهْزَأُ مِنّي أَنْ سَمِنْت ، وَقَدْ تَرَى ... بِجِسْمِي مَسّ الْحَقّ
وَالْحَقّ
جَاهِدُ إنّي امْرِئِ عَافِي إنَائِي شِرْكَةٌ ... وَأَنْتَ امْرِئِ عَافِي
إنَائِك
وَاحِدُ أُقَسّمُ جِسْمِي فِي جُسُومٍ كَثِيرَةٍ ... وَأَحْسُو قِرَاحَ الْمَاءِ
وَالْمَاءُ بَارِدُ
[ ص 396 ] وَكَانَ يُقَالُ مَنْ قَالَ إنّ حَاتِمًا أَسْمَحُ الْعَرَبِ ، فَقَدْ
ظَلَمَ عُرْوَةَ بْنَ الْوَرْدِ قَالَ أَبُو الْفَرَجِ وَكَانَ عُرْوَةُ
يَتَرَدّدُ عَلَى بَنِي النّضِيرِ فَيَسْتَقْرِضُهُمْ إذَا احْتَاجَ وَيَبِيعُ
مِنْهُمْ إذَا غَنِمَ فَرَأَوْا عِنْدَهُ سَلْمَى ، فَأَعْجَبَتْهُمْ فَسَأَلُوهُ
أَنْ يَبِيعَهَا ، مِنْهُمْ فَأَبَى فَسَقَوْهُ الْخَمْرَ وَاحْتَالُوا عَلَيْهِ
حَتّى ابْتَاعُوهَا مِنْهُ وَأَشْهَدُوا عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ
سَقَوْنِي الْخَمْرَ ثُمّ تَكَنّفُونِي ... عُدَاةَ اللّهِ مِنْ كَذِبٍ وَزُورِ
[ ص 397 ] وَكَانَ يَظُنّ أَنّهَا لَا تَخْتَارُ عَلَيْهِ أَحَدًا ، وَلَا
تُفَارِقُهُ فَاخْتَارَتْ قَوْمَهَا ، فَنَدِمَ وَكَانَ لَهُ مِنْهَا بَنُونَ
فَقَالَتْ لَهُ وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ امْرَأَةً مِنْ الْعَرَبِ أَرَخْت سِتْرًا
عَلَى بَعْلٍ مِثْلِك أَغَضّ طَرَفًا ، وَلَا أَنْدَى كَفّا وَلَا أَغْنَى غِنَاءً
وَإِنّك لَرَفِيعُ الْعِمَادِ كَثِيرُ الرّمَادِ خَفِيفٌ عَلَى ظُهُورِ الْخَيْلِ
ثَقِيلٌ عَلَى مُتُونِ الْأَعْدَاءِ رَاضٍ لِلْأَهْلِ وَالْجَارِ وَمَا كُنْت
لَأُوثِرَ عَنْك أَهْلِي ، لَوْلَا أَنّي كُنْت أَسْمَعُ بَنَاتَ عَمّك يَقُلْنَ
فَعَلَتْ أُمّةُ عُرْوَةَ وَقَالَ أُمّةُ عُرْوَةَ فَأَجِدُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْتَ
وَاَللّهِ لَا يُجَامِعُ وَجْهِي وَجْهَ غَطَفَانِيّةٍ أَبَدًا ، فَاسْتَوْصِ
بِبَنِيك [ ص 398 ] قَالَ ثُمّ تَزَوّجَهَا بَعْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّضِيرِ
فَسَأَلَهَا أَنْ تُثْنِيَ عَلَيْهِ فِي نَادِي قَوْمِهِ كَمَا أَثْنَتْ عَلَى
عُرْوَةَ فَقَالَتْ اُعْفُنِي ، فَإِنّي لَا أَقُولُ إلّا مَا عَلِمْته ، فَأَبَى
أَنْ يُعْفِيَهَا ، فَجَاءَتْ حَتّى وَقَفَتْ عَلَى النّادِي ، وَهُوَ فِيهِ
فَقَالَتْ عَمُوا صَبَاحًا ، ثُمّ قَالَتْ إنّ هَذَا أَمَرَنِي أَنْ أَثْنِي
عَلَيْهِ بِمَا عَلِمْت فِيهِ ثُمّ قَالَتْ لَهُ وَاَللّهِ إنّ شَمْلَتَك
لَالْتِفَافٌ وَإِنّ شُرْبَك لِاشْتِفَافِ وَإِنّ [ ص 399 ] تَخَافُ فَقَالَ لَهُ
قَوْمُهُ قَدْ كُنْت فِي غِنًى عَنْ هَذَا ، وَفِيهَا يَقُولُ عُرْوَةُ بْنُ
الْوَرْدِ
أَرِقْت وَصُحْبَتِي بِمَضِيقِ عُمْقٍ ... لِبَرْقِ فِي تِهَامَةَ مُسْتَطِيرِ
إذَا قُلْت اسْتَهَلّ عَلَى قُدَيْدٍ ... يَحُورُ رَبَابُهُ حُورَ الْكَسِيرِ
سَقَى سَلْمَى ، وَأَيْنَ مَحَلّ سَلْمَى ... إذَا حَلّتْ مُجَاوِرَةَ السّرِيرِ
إذَا حَلّتْ بِأَرْضِ بَنِي عَلِيّ ... وَأَهْلُك بَيْنَ أَمّرَةٍ وَكِيرِ
ذَكَرْت مَنَازِلًا مِنْ أُمّ وَهْبٍ ... مَحَلّ الْحَيّ أَسْفَلَ ذِي النّقِيرِ
وَآخَرُ مَعْهَدٍ مِنْ أُمّ وَهْبٍ ... مُعَرّسُنَا فُوَيْقَ بَنِي النّضِيرِ
[ ص 400 ] وَقَالَتْ مَا تُشَاءُ فَقُلْت : أَلْهُو ... إلَى الْإِصْبَاحِ آثُرَ
ذِي أَثِيرِ
بِآنِسَةِ الْحَدِيثِ رُضَابُ فِيهَا ... بُعَيْدَ النّوْمِ كَالْعِنَبِ
الْعَصِيرِ
أَطَعْت الْآمِرِينَ بِصِرْمِ سَلْمَى ... فَطَارُوا فِي بِلَادِ الْيَسْتَعُورِ
سَقَوْنِي الْخَمْرَ ثُمّ تَكَنّفُونِي ... عُدَاةُ اللّهِ مِنْ كَذِبٍ وَزُورِ
وَقَالُوا لَيْسَتْ بَعْدَ فِدَاءِ سَلْمٍ ... بِمُغْنٍ مَا لَدَيْك وَلَا فَقِيرِ
وَلَا وَأَبِيك لَوْ كَالْيَوْمِ أَمْرِي ... وَمَنْ لَك بِالتّدَبّرِ فِي
الْأُمُورِ
إذًا لَمَلَكْت عِصْمَةَ أُمّ وَهْبٍ ... عَلَى مَا كَانَ مِنْ حَسَكِ الصّدُورِ
فَيَا لِلنّاسِ كَيْفَ غَلَبْت نَفْسِي ... عَلَى شَيْءٍ وَيَكْرَهُهُ ضَمِيرِي
قَوْلُهُ السّرِيرُ مَوْضِعٌ فِي نَاحِيَةِ كِنَانَةَ وَقَوْلُهُ الْيَسْتَعُورِ
هُوَ مَوْضِعٌ قَبْلَ حَرّةِ الْمَدِينَةِ ، فِيهِ عَضّاهُ مِنْ سَمُرٍ وَطَلْحٍ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْيَسْتَعُورُ شَجَرٌ يَسْتَاكُ بِهِ يَنْبُتُ
بِالسّرَاةِ وَالْيَسْتَعُورُ أَيْضًا مِنْ أَسْمَاءِ الدّوَاهِي ، وَالْيَاءُ فِي
الْيَسْتَعُورِ أَصْلِيّةٌ فَهَذَا شَرْحُ مَا أَوْمَأَ إلَيْهِ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ
حَدِيثِ أُمّ عَمْرٍو ، وَإِنّمَا هِيَ أُمّ وَهْبٍ كَمَا تَكَرّرَ فِي شِعْرِهِ .
.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي النّضِيرِ وَقَتْلَ
كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَهَا رَجُلٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ غَيْرَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ
أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ يَعْرِفُهَا لِعَلِيّ
عَرَفْت وَمَنْ يَعْتَدِلْ يَعْرِفْ ... وَأَيْقَنْت حَقّا وَلَمْ أَصْدِفْ
عَنْ الْكَلِمِ الْمُحْكَمِ اللّاءِ مِنْ ... لَدَى اللّهِ ذِي الرّأْفَةِ
الْأَرْأَفِ
رَسَائِلُ تُدْرَسُ فِي الْمُؤْمِنِينَ ... بِهِنّ اصْطَفَى أَحْمَدَ الْمُصْطَفَى
فَأَصْبَحَ أَحْمَدُ فِينَا عَزِيزًا ... عَزِيزَ الْمُقَامَةِ وَالْمَوْقِفِ
فَيَا أَيّهَا الْمُوعِدُوهُ سَفَاهًا ... وَلَمْ يَأْتِ جَوْرًا وَلَمْ يَعْنُفْ
أَلَسْتُمْ تَخَافُونَ أَدُنَى الْعَذَابِ ... وَمَا آمِنُ اللّهِ كَالْأَخْوَفِ
وَأَنْ تَصْرَعُوا تَحْتَ أَسْيَافِهِ ... كَمَصْرَعِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ
غَدَاةَ رَأَى اللّهُ طُغْيَانَهُ ... وَأَعْرَضَ كَالْجَمْلِ الْأَجْنَفِ
فَأَنْزَلَ جِبْرِيلَ فِي قَتْلِهِ ... بِوَحْيِ إلَى عَبْدِهِ مُلْطَفِ
[ ص 395 ] فَدَسّ الرّسُولُ رَسُولًا لَهُ ... بِأَبْيَضَ ذِي هِبَةٍ مُرْهَفِ
فَبَاتَتْ عُيُونٌ لَهُ مَعُولَاتٍ ... مَتَى يُنْعَ كَعْبٌ لَهَا تَذْرِفُ
وَقُلْنَ لِأَحْمَدَ ذَرْنَا قَلِيلًا ... فَإِنّا مِنْ النّوْحِ لَمْ نَشْتَفِ
فَخَلّاهُمْ ثُمّ قَالَ اظْعَنُوا ... دُحُورًا عَلَى رَغْمِ الْآنِفِ
وَأَجْلَى النّضِيرَ إلَى غُرْبَةٍ ... وَكَانُوا بِدَارِ ذَوِي زُخْرُفِ
إلَى أَذَرِعَاتٍ رِدَافِي وَهُمْ ... عَلَى كُلّ ذِي دَبَرِ أَعْجَفِ
فَأَجَابَهُ سِمَاكٌ الْيَهُودِيّ ، فَقَالَ [ ص 396 ]
إنْ تَفْخَرُوا فَهُوَ فَخْرٌ لَكُمْ ... بِمَقْتَلِ كَعْبٍ أَبِي الْأَشْرَفِ
غَدَاةَ غَدَوْتُمْ عَلَى حَتْفِهِ ... وَلَمْ يَأْتِ غَدْرًا وَلَمْ يُخْلِفْ
فَعّلَ اللّيَالِيَ وَصَرَفَ الدّهُورَ ... يُدِيلُ مِنْ الْعَادِلِ الْمَنْصِفِ
بِقَتْلِ النّضِيرِ وَأَخْلَافِهَا ... وَعَقْرِ النّخِيلِ وَلَمْ تُقْطَفْ
فَإِنْ لَا أَمُتْ نَأْتِكُمْ بِالْقَنَا ... وَكُلّ جِسَامٍ مَعًا مُرْهَفِ
بِكَفّ كَمِيّ بِهِ يَحْتَمِي ... مَتَى يَلْقَ قَرْنًا لَهُ يُتْلِف
مَعَ الْقَوْمِ صَخْرٌ وَأَشْيَاعُهُ ... إذَا غَاوَرَ الْقَوْمَ لَمْ يُضَعّف
كَلَيْثِ بِتَرْجِ حَمَى غِيلَهُ ... أَخِي غَابَةٍ هَاصِرٍ أَجْوَفِ
.
شِعْرُ كَعْبٍ فِي إجْلَاءِ
بَنِي النّضِيرِ وَقَتْلُ ابْنِ الْأَشْرَفِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يَذْكُرُ إجْلَاءَ بَنِي
النّضِيرِ وَقَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ : [ ص 397 ]
لَقَدْ خَزِيَتْ بِغَدْرَتِهَا الْحُبُورُ ... كَذَاك الدّهْرُ ذُو صَرْفٍ يَدُورُ
وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَفَرُوا بِرَبّ ... عَزِيزٍ أَمْرُهُ أَمْرٌ كَبِيرُ
وَقَدْ أُوقُوا مَعًا فَهْمًا وَعِلْمًا ... وَجَاءَهُمْ مِنْ اللّهِ النّذِيرُ
نَذِيرٌ صَادِقٌ أَدّى كِتَابًا ... وَآيَاتٍ مُبَيّنَةً تُنِيرُ
فَقَالُوا : مَا أَتَيْت بِأَمْرِ صِدْقٍ ... وَأَنْتَ بِمُنْكَرِ مِنّا جَدِيرُ
فَقَالَ بَلَى لَقَدْ أَدّيْت حَقّا ... يُصَدّقُنِي بِهِ الْفَهْمُ الْخَبِيرُ
فَمَنْ يَتْبَعْهُ يُهْدَ لِكُلّ رُشْدٍ ... وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ يُجْزَ
الْكَفُورُ
فَلَمّا أُشْرِبُوا غَدْرًا وَكُفْرًا ... وَحَادَ بِهِمْ عَنْ الْحَقّ النّفُورُ
أَرَى اللّهُ النّبِيّ بِرَأْيِ صِدْقٍ ... وَكَانَ اللّهُ يَحْكُمُ لَا يَجُورُ
فَأَيّدَهُ وَسَلّطَهُ عَلَيْهِمْ ... وَكَانَ نَصِيرُهُ نِعْمَ النّصِيرُ
فَغُودِرَ مِنْهُمْ كَعْبٌ صَرِيعًا ... فَذَلّتْ بَعْدَ مَصْرَعِهِ النّضِيرُ
عَلَى الْكَفّيْنِ ثُمّ وَقَدْ عَلَتْهُ ... بِأَيْدِينَا مُشَهّرَةٌ ذُكُورُ
بِأَمْرِ مُحَمّدٍ إذْ دَسّ لَيْلًا ... إلَى كَعْبٍ أَخَا كَعْبٍ يَسِيرُ
فَمَا كَرِهَ فَأَنْزَلَهُ بِمَكْرِ ... وَمَحْمُودٌ أَخُو ثِقَةٍ جُسُورُ
فَتِلْكَ بَنُو النّضِيرِ بِدَارِ سَوْءٍ ... أَبَارَهُمْ بِمَا اجْتَرَمُوا
الْمُبِيرُ
غَدَاةَ أَتَاهُمْ فِي الزّحْفِ رَهْوًا ... رَسُولُ اللّهِ وَهُوَ بِهِمْ بَصِيرُ
وَغَسّانَ الْحَمَاةَ مُوَازِرُوهُ ... عَلَى الْأَعْدَاءِ وَهُوَ لَهُمْ وَزِيرُ
فَقَالَ السّلْمُ وَيْحَكُمْ فَصَدّوا ... وَحَالَفَ أَمْرَهُمْ كَذِبٌ وَزُورُ
فَذَاقُوا غِبّ أَمْرِهِمْ وَبَالًا ... لِكُلّ ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ بَعِيرُ
وَأَجْلَوْا عَامِدِينَ لِقَيْنُقَاعَ ... وَغُودِرَ مِنْهُمْ نَخْلٌ وَدُورُ
شِعْرُ سِمَاكٍ فِي الرّدّ عَلَى كَعْبٍ
فَأَجَابَهُ سِمَاكٌ الْيَهُودِيّ ، فَقَالَ
أَرِقْت وَضَافَنِي هَمّ كَبِيرُ ... بِلَيْلِ غَيْرُهُ لَيْلٌ قَصِيرُ
أَرَى الْأَخْبَارَ تُنْكِرُهُ جَمِيعًا ... وَكُلّهُمْ لَهُ عِلْمٌ خَبِيرُ
وَكَانُوا الدّارِسِينَ لِكُلّ عِلْمٍ ... بِهِ التّوْرَاةُ تَنْطِقُ وَالزّبُورُ
قَتَلْتُمْ سَيّدَ الْأَخْبَارِ كَعْبًا ... وَقِدْمًا كَانَ يَأْمَنُ مَنْ
يُجِيرُ
[ ص 398 ] أَخِيهِ ... وَمَحْمُودٌ سَرِيرَتُهُ الْفُجُورُ
فَغَادَرَهُ كَأَنّ دَمًا نَجِيعًا ... يَسِيلُ عَلَى مَدَارِعِهِ عَبِيرُ
فَقَدْ وَأَبِيكُمْ وَأَبِي جَمِيعًا ... أُصِيبَتْ إذْ أُصِيبَ بِهِ النّضِيرُ
فَإِنْ نُسْلِمْ لَكُمْ نَتْرُكْ رِجَالًا ... بِكَعْبِ حَوْلَهُمْ طَيْرٌ
تُدَوّرُ
كَأَنّهُمْ عَتَائِرُ يَوْمِ عِيدٍ ... تُذَبّحُ وَهِيَ لَيْسَ لَهَا نَكِيرُ
بِبِيضِ لَا تَلِيقُ لَهُنّ عَظْمًا ... صَوَافِي الْحَدّ أَكْثَرُهَا ذُكُورُ
كَمَا لَاقَيْتُمْ مِنْ بَأْسِ صَخْرٍ ... بأُحْد حَيْثُ لَيْسَ لَكُمْ نَصِيرُ
.
شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي
امْتِدَاحِ رِجَالِ بَنِي النّضِيرِ
وَقَالَ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي سُلَيْمٍ يَمْتَدِحُ رِجَالَ بَنِي
النّضِيرِ :
لَوْ أَنّ أَهْلَ الدّارِ لَمْ يَتَصَدّعُوا ... رَأَيْت خِلَالِ الدّارِ مَلْهًى
وَمَلْعَبَا
فَإِنّك عَمْرِي هَلْ أُرِيك ظَعَائِنَا ... سَلَكْنَ عَلَى رُكْنِ الشّطاة
فَتَيْأَبَا
عَلَيْهِنّ عِينٌ مِنْ ظِبَاءِ تَبَالَةٍ ... أَوَانِسُ يُصْبِينَ الْحَلِيمَ
الْمُجَرّبَا
إذَا جَاءَ بَاغِي الْخَيْرِ قُلْنَ فُجَاءَةً ... لَهُ بِوُجُوهِ كَالدّنَانِيرِ
مَرْحَبًا
وَأَهْلًا فَلَا مَمْنُوعُ خَيْرٍ طَلَبْته ... وَلَا أَنْتَ تَخْشَى عِنْدَنَا
أَنْ تُؤَنّبَا
فَلَا تُحْسِبَنّي كُنْت مَوْلَى ابْنِ مِشْكَمٍ ... سَلّامٍ وَلَا مَوْلَى حُيَيّ
بْنِ أَخَطَبَا
شِعْرُ خَوّاتٍ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ
فَأَجَابَهُ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، فَقَالَ
تَبْكِي عَلَى قَتْلَى يَهُودَ وَقَدْ تَرَى ... مِنْ الشّجْوِ لَوْ تَبْكِي
أَحَبّ وَأَقْرَبَا
فَهَلّا عَلَى قَتْلَى بِبَطْنِ أُرَيْنِق ... بَكَيْت وَلَمْ تُعْوِل مِنْ
الشّجْوِ مُسْهَبًا
إذَا السّلْمُ دَارَتْ فِي صَدِيقٍ رَدَدْتهَا ... وَفِي الدّينِ صُدّادًا وَفِي
الْحَرْبِ ثَعْلَبًا
عَمِدْت إلَى قَدْرٍ لِقَوْمِك تَبْتَغِي ... لَهُمْ شَبَهًا كَيْمَا تَعِزّ
وَتَغْلِبَا
[ ص 399 ] كَلِفْت تَمَدّحًا ... لِمَنْ كَانَ عَيْبًا مَدْحُهُ وَتَكَذّبَا
رَحَلَتْ بِأَمْرِ كُنْت أَهْلًا لِمِثْلِهِ ... وَلَمْ تُلْفِ فِيهِمْ قَائِلًا
لَك مَرْحَبَا
فَهَلّا إلَى قَوْمٍ مُلُوكٍ مَدَحْتهمْ ... تَبْنُوا مِنْ الْعِزّ الْمُؤَثّلِ
مَنْصِبَا
إلَى مَعْشَرٍ صَارُوا مُلُوكًا وَكُرّمُوا ... وَلَمْ تُلْفِ فِيهِمْ طَالِبُ
الْعُرْفِ مُجْدِبًا
أُولَئِكَ أُخْرَى مِنْ يَهُودَ بِمِدْحَةِ ... تَرَاهُمْ وَفِيهِمْ عِزّةُ
الْمَجْدِ تَرْتُبَا
شِعْرُ ابْنِ مِرْدَاسٍ فِي الرّدّ عَلَى خَوّاتٍ
فَأَجَابَهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ ، فَقَالَ
هَجَوْت صَرِيحَ الْكَاهِنَيْنِ وَفِيكُمْ ... لَهُمْ نَعَمْ كَانَتْ مِنْ
الدّهْرِ تُرْتُبا
أُولَئِكَ أَحْرَى لَوْ بَكَيْت عَلَيْهِمْ ... وَقَوْمُك لَوْ أَدّوْا مِنْ
الْحَقّ مُوجِبَا
مِنْ الشّكْرِ إنّ الشّكْرَ خَيْرٌ مَغَبّةً ... وَأَوْفَقُ فَعَلَا لِلّذِي كَانَ
أَصْوَبَا
فَكُنْت كَمَنْ أَمْسَى يَقْطَعُ رَأْسَهُ ... لِيَبْلُغَ عِزّا كَانَ فِيهِ
مُرَكّبَا
فَبِك بَنِي هَارُونَ وَاذْكُرْ فَعَالَهُمْ ... وَقَتْلَهُمْ لِلْجُوعِ إذْ كُنْت
مُجْدِبَا
أَخَوّاتُ أَذْرِ الدّمْعَ بِالدّمْعِ وَابْكِهِمْ ... وَأَعْرِضْ عَنْ
الْمَكْرُوهِ مِنْهُمْ وَنَكّبَا
فَإِنّك لَوْ لَاقَيْتهمْ فِي دِيَارِهِمْ ... لَأُلْفِيت عَمّا قَدْ تَقُولُ
مُنَكّبَا
سِرَاعٌ إلَى الْعُلْيَا كِرَامٌ لَدَى الْوَغَى ... يُقَالُ لِبَاغِي الْخَيْرِ
أَهْلًا وَمَرْحَبَا
شِعْرٌ لِكَعْبِ أَوْ ابْنِ رَوَاحَةَ فِي الرّدّ عَلَى ابْنِ مِرْدَاسٍ
[ ص 400 ] كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَوْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
لَعَمْرِي لَقَدْ حَكّتْ رَحَى الْحَرْبِ بَعْدَمَ ... أَطَارَتْ لُؤَيّا قَبْلُ
شَرْقًا وَمَغْرِبَا
بَقِيّةُ آلِ الْكَاهِنَيْنِ وَعِزّهَا ... فَعَادَ ذَلِيلًا بَعْدَمَا كَانَ
أَغَلَبَا
فَطَاحَ سَلّامٌ وَابْنُ سَعْيَةَ عَنْوَةً ... وَقَيْدَ ذَلِيلًا لِلْمَنَايَا
ابْنُ أَخَطَبَا
وَأَجْلَبَ يَبْغِي الْعِزّ وَالذّلّ يَبْتَغِي ... خِلَافَ يَدَيْهِ مَا جَنَى
حِينَ أَجْلَبَا
كَتَارِكِ سَهْلِ الْأَضّ وَالْحُزْنُ هَمّهُ ... وَقَدْ كَانَ ذَا فِي النّاسِ
أَكْدَى وَأَصْعَبَا
وَشَأْسٌ وعَزّال وَقَدْ صَلِيَا بِهَا ... وَمَا غَيْبًا عَنْ ذَاكَ فِيمَنْ
تَغَيّبَا
وُعُوفُ بْنُ سَلْمَى وَابْنُ عَوْفٍ كِلَاهُمَا ... وَكَعْبٌ رَئِيسُ الْقَوْمِ
حَانَ وَخُيّبَا
فَبُعْدًا وَسُحْقًا لِلنّضِيرِ وَمِثْلُهَا ... إنْ أَعْقَبَ فَتْحٌ أَوْ إنّ
اللّهَ أَعْقَبَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ : ثُمّ غَزَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ بَنِي النّضِير ِ بَنِي
الْمُصْطَلِقِ . وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهُمْ إنْ شَاءَ اللّهُ فِي الْمَوْضِعِ
الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِيهِ .
غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ فِي
سَنَةِ أَرْبَعٍ
[ ص 401 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ غَزْوَةِ بَنِي النّضِيرِ شَهْرَ رَبِيعٍ
الْآخِرِ وَبَعْضَ جُمَادَى ، ثُمّ غَزَا نَجْدًا مُحَارِبًا وَبَنِيّ ثَعْلَبَةَ مِنْ
غَطَفَانَ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا ذَرّ الْغِفَارِيّ ،
وَيُقَالُ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .
لِمَ سُمّيَتْ بِذَاتِ الرّقَاعِ ؟
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى نَزَلَ نَخْلًا ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهَا : غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ ،
لِأَنّهُمْ رَقّعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ وَيُقَالُ ذَاتُ الرّقَاعِ : شَجَرَةٌ
بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ الرّقَاعِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ غَطَفَانَ ، فَتَقَارَبَ النّاسُ وَلَمْ
يَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ وَقَدْ خَافَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا حَتّى صَلّى
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّاسِ صَلَاةَ الْخَوْفِ ،
ثُمّ انْصَرَفَ بِالنّاسِ .Sغَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ
[ ص 401 ] ذَاتَ الرّقَاعِ ، لِأَنّهُمْ رَقّعُوا فِيهَا رَايَاتِهِمْ فِي قَوْلِ
ابْنِ هِشَامٍ ، قَالَ وَيُقَالُ ذَاتُ الرّقَاعِ شَجَرٌ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ
يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ الرّقَاعِ ، وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّهَا أَرْضٌ فِيهَا
بُقَعٌ سُودٌ وَبُقَعٌ بِيضٌ كَأَنّهَا مُرَقّعَةٌ بِرِقَاعِ مُخْتَلِفَةٍ
فَسُمّيَتْ ذَاتَ الرّقَاعِ لِذَلِكَ وَكَانُوا قَدْ نَزَلُوا فِيهَا فِي تِلْكَ
الْغَزَاةِ وَأَصَحّ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ كُلّهَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ
مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ، قَالَ خَرَجْنَا مَعَ النّبِيّ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتّةُ نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ
نَعْتَقِبُهُ فَنَقِبَتْ أَقْدَامُنَا ، وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ
أَظْفَارِي ، فَكُنّا نَلُفّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ
ذَاتِ الرّقَاعِ ، لِمَا كُنّا نَعْصِبُ مِنْ الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا ،
فَحَدّثَ أَبُو مُوسَى بِهَذَا ، ثُمّ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَ مَا كُنْت أَصْنَعُ
بِأَنْ أَذْكُرَهُ كَأَنّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ
.
صَلَاةُ الْخَوْفِ
[ ص 402 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ
التّنّورِيّ - وَكَانَ يُكَنّى : أَبَا عُبَيْدَةَ - قَالَ حَدّثَنَا يُونُسُ بْنُ
عُبَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِطَائِفَةِ رَكْعَتَيْنِ ثُمّ سَلّمَ وَطَائِفَةٌ مُقْبِلُونَ عَلَى الْعَدُوّ .
قَالَ فَجَاءُوا فَصَلّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمّ سَلّمَ قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ ، قَالَ حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ
أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ صَفّنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفّيْنِ فَرَكَعَ بِنَا جَمِيعًا ، ثُمّ سَجَدَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ الصّفّ الْأَوّلُ فَلَمّا رَفَعُوا
سَجَدَ الّذِينَ يَلُونَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ ثُمّ تَأَخّرَ الصّفّ الْأَوّلُ
وَتَقَدّمَ الصّفّ الْآخَرُ حَتّى قَامُوا مَقَامَهُمْ ثُمّ رَكَعَ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ جَمِيعًا ثُمّ سَجَدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ الّذِينَ يَلُونَهُ مَعَهُ فَلَمّا رَفَعُوا
رُءُوسَهُمْ سَجَدَ الْآخَرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَرَكَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهِمْ جَمِيعًا ، وَسَجَدَ كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
بِأَنْفُسِهِمْ سَجْدَتَيْنِ [ ص 403 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ
بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ قَالَ حَدّثَنَا أَيّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ يَقُومُ الْإِمَامُ وَتَقُومُ مَعَهُ طَائِفَةٌ ، وَطَائِفَةٌ مِمّا يَلِي
عَدُوّهُمْ فَيَرْكَعُ بِهِمْ الْإِمَامُ وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمّ يَتَأَخّرُونَ
فَيَكُونُونَ مِمّا يَلِي الْعَدُوّ يَتَقَدّمُ الْآخَرُونَ فَيَرْكَعُ بِهِمْ
الْإِمَامُ رَكْعَةً وَيَسْجُدُ بِهِمْ ثُمّ تُصَلّي كُلّ طَائِفَةٍ
بِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً فَكَانَتْ لَهُمْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً رَكْعَةً
وَصَلّوْا بِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً رَكْعَةًSصَلَاةُ الْخَوْفِ
فَصْلٌ
[ ص 402 ] وَذَكَرَ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَأَوْرَدَهَا مِنْ طُرُقٍ ثَلَاثٍ وَهِيَ
مَرْوِيّةٌ بِصُوَرِ مُخْتَلِفَةٍ أَكْثَرَ مِمّا ذُكِرَ . سَمِعْت شَيْخَنَا
أَبَا بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللّهُ - يَقُولُ فِيهَا سِتّ عَشْرَةَ رِوَايَةً وَقَدْ
خَرّجَ الْمُصَنّفُونَ أَصَحّهَا ، وَخَرّجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْهَا جُمْلَةً ثُمّ
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي التّرْجِيحِ فَقَالَ طَائِفَةٌ يُعْمَلُ مِنْهَا بِمَا
كَانَ أَشْبَهَ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُجْتَهَدُ فِي طَلَبِ
الْآخِرِ مِنْهَا ، فَإِنّهُ النّاسِخُ لِمَا قَبْلَهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ
يُؤْخَذُ بِأَصَحّهَا نَقْلًا ، وَأَعْلَاهَا رُوَاةً وَقَالَتْ طَائِفَةٌ -
وَهُوَ مَذْهَبُ شَيْخِنَا : يُؤْخَذُ بِجَمِيعِهَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ
أَحْوَالِ الْخَوْفِ فَإِذَا اشْتَدّ الْخَوْفُ أُخِذَ بِأَيْسَرِهَا مُؤْنَةً
فَإِذَا تَفَاقَمَ الْخَوْفُ صَلّوْا بِغَيْرِ إمَامٍ لِقِبْلَةِ أَوْ لِغَيْرِ
قِبْلَةٍ وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَلَامٍ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السّلَفِ أَنّ صَلَاةَ
الْخَوْفِ قَدْ تَئُولُ إلَى أَنْ تَكُونَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ وَذَلِكَ عِنْدَ
مَعْمَعَةِ الْقِتَالِ وَسَيَأْتِي بَقِيّةُ الْقَوْلِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي
خَبَرِ بَنِي قُرَيْظَة َ إنْ شَاءَ اللّهُ وَمِمّا تُخَالِفُ بِهِ صَلَاةُ
الْخَوْفِ حُكْمَ غَيْرِهَا أَنّهُ لَا سَهْوَ فِيهَا عَلَى إمَامٍ وَلَا عَلَى
مَأْمُومٍ رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ بِسَنَدِ ثَابِتٍ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ لَا سَهْوَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ .
هَمّ غَوْرَثَ بْنِ الْحَارِثِ
بِقَتْلِ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ الْحَسَنِ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ : أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُحَارِبٍ ، يُقَالُ لَهُ
غَوْرَثُ قَالَ لِقَوْمِهِ مِنْ غَطَفَانَ وَمُحَارِبٍ أَلَا أَقْتُلُ لَكُمْ
مُحَمّدًا ؟ قَالُوا : بَلَى ، وَكَيْفَ تَقْتُلُهُ ؟ قَالَ أَفْتِكُ بِهِ . قَالَ
فَأَقْبَلَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ
وَسَيْفُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِجْرِهِ فَقَالَ يَا
مُحَمّدُ أَنْظُرُ إلَى سَيْفِك هَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ - وَكَانَ مُحَلّى بِفِضّةِ
فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - قَالَ فَأَخَذَهُ فَاسْتَلّهُ ثُمّ جَعَلَ يَهُزّهُ
وَيَهُمّ فَيَكْبِتُهُ اللّهُ ثُمّ قَالَ يَا مُحَمّدُ أَمَا تَخَافُنِي ؟ قَالَ
" لَا ، وَلَا أَخَافُ مِنْك ؟ " قَالَ أَمَا تَخَافُنِي وَفِي يَدِي
السّيْفُ قَالَ " لَا ، يَمْنَعُنِي اللّهُ مِنْك " . ثُمّ عَمَدَ إلَى
سَيْفِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَدّهُ عَلَيْهِ " .
قَالَ فَأَنْزَلَ اللّهُ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ
اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ
فَكَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتّقُوا اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكّلِ
الْمُؤْمِنُونَ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ :
أَنّهَا إنّمَا أُنْزِلَتْ فِي عَمْرِو بْنِ جِحَاشٍ ، أَخِي بَنِي النّضِيرِ
وَمَا هَمّ بِهِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
قِصّةُ جَمَلِ جَابِرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي وَهْبُ بْنُ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَى غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ ، عَلَى جَمَلٍ لِي ضَعِيفٍ
فَلَمّا قَفَلَ [ ص 404 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ جَعَلَتْ
الرّفَاقُ تَمْضِي ، وَجَعَلْت أَتَخَلّفُ حَتّى أَدْرَكَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ " مَا لَك يَا جَابِرُ ؟ " قَالَ
قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَبْطَأَنِي جَمَلِي هَذَا ؛ قَالَ " أَنِخْهُ
" ؛ قَالَ فَأَنَخْته ، وَأَنَاخَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ " أَعْطِنِي هَذِهِ الْعَصَا مِنْ يَدِك ، أَوْ اقْطَعْ
لِي عَصَا مِنْ شَجَرَةٍ " ؛ قَالَ فَفَعَلْت . قَالَ فَأَخَذَهَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَخَسَهُ بِهَا نَخَسَاتٍ ثُمّ قَالَ
" ارْكَبْ " ، فَرَكِبْت ، فَخَرَجَ وَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ
يُوَاهِقُ نَاقَتَهُ مُوَاهَقَةً . قَالَ وَتَحَدّثْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِي : " أَتَبِيعُنِي جَمَلَك هَذَا يَا
جَابِرُ ؟ " قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ أَهَبُهُ لَك ؛ قَالَ
" لَا ، وَلَكِنْ بِعْنِيهِ " ، قَالَ قُلْت : فَسُمْنِيهِ يا [ ص 405 ]
قَالَ " قَدْ أَخَذْته بِدِرْهَمِ " ؟ قَالَ قُلْت : لَا ، إذَنْ
تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ " فَبِدِرْهَمَيْنِ " ، قَالَ قُلْت
: لَا . قَالَ فَلَمْ يَزَلْ يَرْفَعُ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي ثَمَنِهِ حَتّى بَلَغَ الْأُوقِيّةَ . قَالَ فَقُلْت : أَفَقَدْ
رَضِيتَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ " نَعَمْ " ؟ قُلْت : فَهُوَ لَك ،
قَالَ [ ص 406 ] قَالَ ثُمّ قَالَ " يَا جَابِرُ هَلْ تَزَوّجْت بَعْدُ ؟
" قَالَ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ " أَثَيّبًا أَمْ
بِكْرًا ؟ " قَالَ قُلْت : لَا ، بَلْ ثَيّبًا ؛ قَالَ " أَفَلَا
جَارِيَةً تُلَاعِبُهَا وَتُلَاعِبُك " قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ
أَبِي أُصِيبَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ بَنَاتٍ لَهُ سَبْعًا ، فَنَكَحَتْ
امْرَأَةً جَامِعَةً تَجْمَعُ رُءُوسَهُنّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنّ ؟ قَالَ "
أَصَبْت إنْ شَاءَ اللّهُ أَمَا إنّا لَوْ قَدْ جِئْنَا صُرّارًا أَمَرْنَا
بِجَزُورِ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا يَوْمَنَا ذَاكَ وَسَمِعَتْ بِنَا ،
فَنَفَضَتْ نَمَارِقَهَا " قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا
لَنَا مِنْ نَمَارِقَ قَالَ " إنّهَا سَتَكُونُ فَإِذَا أَنْتَ قَدِمْت
فَاعْمَلْ عَمَلًا كَيْسًا " قَالَ فَلَمّا جِئْنَا صُرّارًا أَمَرَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجَزُورِ فَنُحِرَتْ وَأَقَمْنَا
عَلَيْهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَمّا أَمْسَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ دَخَلَ وَدَخَلْنَا ، قَالَ " فَحَدّثَتْ الْمَرْأَةُ الْحَدِيثَ
" ، وَمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ
فَدُونَك ، فَسَمْعٌ وَطَاعَةٌ . قَالَ فَلَمّا أَصْبَحْت أَخَذْت بِرَأْسِ
الْجَمَلِ فَأَقْبَلْت بِهِ حَتّى أَنَخْته عَلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ ثُمّ جَلَسْت فِي الْمَسْجِدِ قَرِيبًا مِنْهُ قَالَ
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَى الْجَمَلَ
فَقَالَ مَا هَذَا ؟ [ ص 407 ] قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا جَمَلٌ جَاءَ
بِهِ جَابِرٌ قَالَ فَأَيْنَ جَابِرٌ ؟ قَالَ فَدُعِيت لَهُ قَالَ فَقَالَ يَا
ابْنَ أَخِي خُذْ بِرَأْسِ جَمَلِك ، فَهُوَ لَك ، وَدَعَا بِلَالًا ، فَقَالَ
لَهُ اذْهَبْ بِجَابِرِ فَأَعْطِهِ أُوقِيّةً قَالَ فَذَهَبْت مَعَهُ فَأَعْطَانِي
أُوقِيّةً وَزَادَنِي شَيْئًا يَسِيرًا . قَالَ [ ص 408 ] زَالَ يَنْمِي عِنْدِي ،
وَيُرَى مَكَانُهُ مِنْ بَيْتِنَا ، حَتّى أُصِيبَ أَمْسِ فِيمَا أُصِيبَ لَنَا ،
يَعْنِي يَوْمَ الْحَرّةِ .Sرَفْعُ الْمَنْصُوبِ
فَصْلٌ
[ ص 403 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ جَابِرٍ حِينَ أَبْطَأَ بِهِ جَمَلُهُ فَنَخَسَهُ
النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَخَسَاتٍ فخرج [ ص 404 ]
مُوَاهَقَةً . الْمُوَاهَقَةُ كَالْمُسَابَقَةِ وَالْمُجَارَاةِ وَأَنْشَدَ
سِيبَوَيْهِ لِأَوْسِ بْنِ حَجَرٍ
تُوَاهِقُ رِجْلَاهَا يَدَاهَا وَرَأْسُهُ ... لَهَا قَتَبٌ خَلْفَ الْحَقِيبَةِ
رَادِفُ
رَفَعَ يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا رَفْعَ الْفَاعِلِ لِأَنّ الْمُوَاهَقَةَ لَا
تَكُونُ إلّا مِنْ اثْنَيْنِ فَكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى
كَمَا ذَكَرُوا فِي قَوْلِ الرّاجِزِ
قَدْ سَالَمَ الْحَيّاتُ مِنْهُ الْقَدَمَا ... الْأُفْعُوَانَ وَالشّجَاعَ
الشّجْعَمَا
[ وَذَاتَ قَرْنَيْنِ ضَمُورًا ضِرْزِمَا ] هَكَذَا تَأَوّلَهُ سِيبَوَيْهِ ، وَلَعَلّ
هَذَا الشّاعِرَ كَانَ مِنْ لُغَتِهِ أَنْ يَجْعَلَ التّثْنِيَةَ بِالْأَلِفِ فِي
الرّفْعِ وَالنّصْبِ وَالْخَفْضِ كَمَا قَالَ
تَزَوّدْ مِنّا بَيْنَ أُذُنَاهُ طَعْنَةً ... دَعَتْهُ إلَى هَابِي التّرَابِ
عَقِيمِ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ قَدْ بَلَغَا فِي الْمَجْدِ غَايَتَاهَا
وَهِيَ لُغَةُ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ ، قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ . وَقَالَ
النّحّاسُ فِي الْكِتَابِ الْمُقْنِعِ هِيَ أَيْضًا لُغَةٌ لِخَثْعَمَ وَطَيّئٍ
وَأَبْطُنٍ مِنْ كِنَانَةَ ، وَالْبَيْتُ أَعْنِي : تُوَاهِقُ رِجْلَاهَا يَدَاهَا
، هُوَ لِأَوْسِ بْنِ حَجَرٍ الْأَسَدِيّ وَلَيْسَ مِمّنْ هَذِهِ لُغَتُهُ
فَالْبَيْتُ إذًا عَلَى مَا قَالَهُ سِيبَوَيْهِ .
مُسَاوَمَةُ جَابِرٍ فِي جَمَلِهِ وَمَا فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ
وَذَكَرَ مُسَاوَمَةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِجَابِرِ فِي الْجَمَلِ
حَتّى اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأُوقِيّةِ وَأَنّهُ أَعْطَاهُ أَوّلًا دِرْهَمًا ،
فَقَالَ لَا إذَا تَغْبِنُنِي يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنْ كَانَ أَعْطَاهُ
الدّرْهَمَ مَازِحًا ، فَقَدْ كَانَ يَمْزَحُ [ ص 405 ] كَانَ حَقّا ، فَفِيهِ
مِنْ الْفِقْهِ إبَاحَةُ الْمُكَايَسَةِ الشّدِيدَةِ فِي الْبَيْعِ وَأَنْ
يُعْطِيَ فِي السّلْعَةِ مَا لَا يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا لَهَا بِنَصّ
الْحَدِيثِ وَفِي دَلِيلِهِ أَنّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِمَا لَا يُشْبِهُ أَنْ
يَكُونَ لَهَا ثَمَنًا ، وَهُوَ عَاقِلٌ بَصِيرٌ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْبَيْعِ
تَدْلِيسٌ عَلَيْهِ فَهُوَ بَيْعٌ مَاضٍ لَا رُجُوعَ فِيهِ وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ
صَحِيحٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ لَهُ كُلّمَا زَادَ لَهُ دِرْهَمًا قَدْ أَخَذْته
بِكَذَا وَاَللّهُ يَغْفِرُ لَك ، فَكَأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَرَادَ بِإِعْطَائِهِ
إيّاهُ دِرْهَمًا دِرْهَمًا أَنْ يُكْثِرَ اسْتِغْفَارَهُ لَهُ وَفِي جَمَلِ
جَابِرٍ هَذَا أُمُورٌ مِنْ الْفِقْهِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا ، وَذَلِكَ أَنّ
طَائِفَةً مِنْ الْفُقَهَاءِ احْتَجّوا بِهِ فِي جَوَازِ بَيْعٍ وَشَرْطٍ لِأَنّ
النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - شَرَطَ لَهُ ظَهْرَهُ إلَى
الْمَدِينَةِ ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ بَيْعٌ وَشَرْطٌ وَإِنْ وَقَعَ
فَالشّرْطُ بَاطِلٌ وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ
شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ عَنْ جَدّ أَبِيهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ الْعَاصِي أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَهَى عَنْ
شَرْطٍ وَبَيْعٍ وَعَنْ بَيْعٍ وَسَلَفٍ .
شُعَيْبٌ لَا يَرْوِي عَنْ أَبِيهِ وَإِنّمَا عَنْ جَدّهِ
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ
عَنْ أَبِيهِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو
عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو . وَهَذِهِ رِوَايَةٌ مُسْتَغْرَبَةٌ
عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ جِدّا ، لِأَنّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَهُمْ أَنّ شُعَيْبًا
إنّمَا يَرْوِي عَنْ جَدّهِ عَبْدِ اللّهِ لَا عَنْ أَبِيهِ مُحَمّدٍ لِأَنّ
أَبَاهُ مُحَمّدًا مَاتَ قَبْلَ جَدّهِ عَبْدِ اللّهِ فَقِفْ عَلَى هَذِهِ
التّنْبِيهَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَلّ مَنْ تَنَبّهَ إلَيْهَا ، وَقَالُوا :
حُجّةٌ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَابِ فَقَدْ رُوِيَ أَنّهُ
قَالَ أَفْقِرْنِي ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَرُوِيَ أَنّهُ قَالَ
اسْتَثْنَيْت ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَرُوِيَ أَنّهُ قَالَ شَرَطَ لِي
ظَهْرَهُ وَقَالَ الْبُخَارِيّ : الِاشْتِرَاطُ أَكْثَرُ وَأَصَحّ ، وَكَذَلِكَ اضْطَرَبُوا
فِي الثّمَنِ فَقَالُوا : بِعْته مِنْهُ بِأُوقِيّةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ
بِأَرْبَعِ أَوَاقِيّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِخَمْسِ أَوَاقِيّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ
بِخَمْسَةِ دَنَانِيرَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ هُوَ فِي مَعْنَى الْأُوقِيّةِ وَكُلّ هَذِهِ الرّوَايَاتِ قَدْ
ذَكَرَهَا الْبُخَارِيّ ، وَقَالَ مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ دِينَارَيْنِ
وَدِرْهَمَيْنِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِإِبْطَالِ الشّرْطِ وَجَوَازِ الْبَيْعِ
وَاحْتَجّوا بِحَدِيث بَرِيرَةَ حِينَ [ ص 406 ] بَاعَهَا أَهْلُهَا مِنْ
عَائِشَةَ وَاشْتَرَطُوا الْوَلَاءَ فَأَجَازَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْبَيْعَ وَأَبْطَلَ الشّرْطَ وَاسْتَعْمَلَ مَالِكٌ هَذِهِ
الْأَحَادِيثَ أَجْمَعَ فَقَالَ بِإِبْطَالِ الْبَيْعِ وَالشّرْطِ عَلَى صُورَةٍ
وَبِجِوَازِهِمَا عَلَى صُورَةٍ أُخْرَى ، وَبِإِبْطَالِ الشّرْطِ وَجَوَازِ
الْبَيْعِ عَلَى صُورَةٍ أَيْضًا ، وَذَلِكَ بَيّنٌ فِي الْمَسَائِلِ لِمَنْ
تَدَبّرَهَا ، وَأَبْيَنُ مَا تُوجَدُ مُحْكَمَةَ الْأُصُولِ مُسْتَثْمَرَةَ
الْجَنَا وَالْفُصُولِ فِي كِتَابِ الْمُقَدّمَاتِ لِابْنِ رُشْدٍ فَلْيَنْظُرْهَا
هُنَالِكَ مَنْ أَرَادَهَا .
الْحِكْمَةُ مِنْ مُسَاوَمَةِ النّبِيّ لِجَابِرِ
فَصْلٌ
وَمِنْ لَطِيفِ الْعِلْمِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ بَعْدَ أَنْ تَعْلَمَ قَطْعًا أَنّ
النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُ شَيْئًا
عَبَثًا بَلْ كَانَتْ أَفْعَالُهُ مَقْرُونَةً بِالْحِكْمَةِ وَمُؤَيّدَةً
بِالْعِصْمَةِ فَاشْتِرَاؤُهُ الْجَمَلَ مِنْ جَابِرٍ ثُمّ أَعْطَاهُ الثّمَنَ
وَزَادَهُ عَلَيْهِ زِيَادَةً ثُمّ رَدّ الْجَمَلَ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ يُمْكِنُ
أَنْ يُعْطِيَهُ ذَلِكَ الْعَطَاءَ دُونَ مُسَاوَمَةٍ فِي الْجَمَلِ وَلَا
اشْتِرَاءٍ وَلَا شَرْطٍ وَلَا تَوْصِيلٍ فَالْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ بَدِيعَةٌ
جِدّا ، فَلْتَنْظُرْ بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ وَذَلِكَ أَنّهُ سَأَلَهُ هَلْ
تَزَوّجْت ، ثُمّ قَالَ لَهُ هَلّا بِكْرًا ، فَذَكَرَ لَهُ مَقْتَلَ أَبِيهِ
وَمَا خَلّفَ مِنْ الْبَنَاتِ وَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ أَخْبَرَ
جَابِرًا بِأَنّ اللّهَ قَدْ أَحْيَا أَبَاهُ وَرَدّ عَلَيْهِ رُوحَهُ وَقَالَ مَا
تَشْتَهِي فَأَزِيدُك فَأَكّدَ عَلَيْهِ السّلَامُ هَذَا الْخَبَرَ بِمِثْلِ مَا يُشْبِهُهُ
فَاشْتَرَى مِنْهُ الْجَمَلَ وَهُوَ مَطِيّتُهُ كَمَا اشْتَرَى اللّهُ تَعَالَى
مِنْ أَبِيهِ وَمِنْ الشّهَدَاءِ أَنْفُسَهُمْ بِثَمَنِ هُوَ الْجَنّةُ وَنَفْسُ
الْإِنْسَانِ مَطِيّتُهُ كَمَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ - إنْ نَفْسِي [ ص 407 ] زَادَهُمْ زِيَادَةً فَقَالَ { لِلّذِينَ
أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ } [ يُونُسَ 26 ] ثُمّ رَدّ عَلَيْهِمْ
أَنْفُسَهُمْ الّتِي اشْتَرَى مِنْهُمْ فَقَالَ { وَلَا تَحْسَبَنّ الّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا } [ آلَ عِمْرَانَ : 169 ] الْآيَةَ
فَأَشَارَ عَلَيْهِ السّلَامُ بِاشْتِرَائِهِ الْجَمَلَ مِنْ جَابِرٍ
وَإِعْطَائِهِ الثّمَنَ وَزِيَادَتِهِ عَلَى الثّمَنِ ثُمّ رَدّ الْجَمَلِ
الْمُشْتَرَى عَلَيْهِ أَشَارَ بِذَلِكَ كُلّهِ إلَى تَأْكِيدِ الْخَبَرِ الّذِي
أَخْبَرَ بِهِ عَنْ فِعْلِ اللّهِ تَعَالَى بِأَبِيهِ فَتَشَاكَلَ الْفِعْلُ مَعَ
الْخَبَرِ ، كَمَا تَرَاهُ وَحَاشَ لِأَفْعَالِهِ أَنْ تَخْلُوَ مِنْ حِكْمَةٍ
بَلْ هِيَ كُلّهَا نَاظِرَةٌ إلَى الْقُرْآنِ وَمُنْتَزَعَةٌ مِنْهُ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
سِيَاقُهُ الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ
فَصْلٌ
وَحَدّثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ جَابِرٍ وَذَكَرَ
حَدِيثَ غَوْرَثَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فَقَالَ فِيهِ غَوْرَثُ بْنُ
الْحَارِثِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْخَطّابِيّ ، فَقَالَ فِيهِ أَنّهُ لَمّا هَمّ
بِقَتْلِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رُمِيَ بِالزّلَخَةِ
فَنَدَرَ السّيْفُ مِنْ يَدِهِ وَسَقَطَ إلَى الْأَرْضِ الزّلَخَةُ وَجَعٌ
يَأْخُذُ فِي الصّلْبِ وَأَمّا رِوَايَتُهُ الْحَدِيثَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ
فَأَعْجَبُ شَيْءٍ سِيَاقَتُهُ إيّاهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ ، وَقَدْ
رَوَاهُ الْأَثْبَاتُ عَنْ جَابِرٍ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ مُتّفَقٌ عَلَى وَهْنِ
حَدِيثِهِ وَتَرْكِ الرّوَايَةِ عَنْهُ لِمَا اشْتَهَرَ مِنْ بِدْعَتِهِ وَسُوءِ
نِحْلَتِهِ فَإِنّهُ حُجّةُ الْقَدَرِيّةِ فِيمَا يُسْنِدُونَ إلَى الْحَسَنِ -
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - مِنْ الْقَوْلِ بِالْقَدَرِ وَقَدْ بَرّأَهُ اللّهُ مِنْهُ
وَكَانَ عِنْدَ اللّهِ وَجِيهًا ، وَأَمّا عَمْرُو بْنُ عُبَيْدِ بْنِ دَأْبٍ ،
فَقَدْ كَانَ عَظِيمًا فِي زَمَانِهِ عَالِيَ الرّتْبَةِ فِي الْوَرَعِ حَتّى
اُفْتُتِنَ بِهِ وَبِمَقَالَتِهِ أُمّةٌ فَصَارُوا قَدَرِيّةً ، وَقَدْ نُبِزَ
بِمَذْهَبِهِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَلَمْ يُسْقَطْ حَدِيثُهُمْ
لِأَنّهُمْ لَمْ يُجَادِلُوا عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَلَا طَعَنُوا فِي
مُخَالِفِيهِمْ مِنْ أَهْلِ السّنّةِ كَمَا فَعَلَ عَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ .
فَمِمّنْ نُبِزَ بِالْقَدَرِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَقَتَادَةُ وَدَاوُدُ بْنُ
الْحُصَيْنِ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَطَائِفَةٌ سِوَاهُمْ مِنْ
الْأَثْبَاتِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ يُكَنّى أَبَا عُثْمَانَ
وَأَبُوهُ عُبَيْدُ بْنُ دَأْبٍ كَانَ صَاحِبَ شُرْطَةٍ فِيمَا ذَكَرُوا وَسَمِعَ
يَوْمًا نَاسًا فِي ابْنِهِ هَذَا خَيْرُ النّاسِ ابْنُ شَرّ النّاسِ فَالْتَفَتَ
إلَيْهِمْ وَقَالَ وَمَا يُعْجِبُكُمْ مِنْ هَذَا ؟ هُوَ كَإِبْرَاهِيمَ وَأَنَا
كَآزَرَ وَكَانَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَنْصُورُ ، يَقُولُ بَعْدَ مَوْتِ عَمْرِو
بْنِ عُبَيْدٍ : مَا بَقِيَ أَحَدٌ يُسْتَحْيَا مِنْهُ بَعْدَ عَمْرٍو ، وَكَانَ
يَقُولُ كُلّكُمْ خَاتِلُ صَيْدٍ
كُلّكُمْ يَمْشِي رُوَيْدٍ
غَيْرَ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ
وَقَدْ نُبِزَ ابْنُ إسْحَاقَ بِالْقَدَرِ أَيْضًا ، وَرِوَايَتُهُ عَنْ عَمْرِو
بْنِ عُبَيْدٍ تُؤَيّدُ قَوْلَ مَنْ عَزَاهُ إلَيْهِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
وَقْعَةُ الْحَرّةِ وَمَوْقِفُ الصّحَابَةِ مِنْهَا
فَصْلٌ
[ ص 408 ] وَذَكَرَ قَوْلَ جَابِرٍ فَوَاَللّهِ مَا زَالَ يَنْمِي عِنْدَنَا ، وَيُرَى
مَكَانُهُ مِنْ بَيْتِنَا حَتّى أُصِيبَ فِيمَا أُصِيبَ مِنّا يَوْمَ الْحَرّةِ
يَعْنِي : وَقْعَةَ الْحَرّةِ الّتِي كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ أَيّامَ يَزِيدَ بْنِ
مُعَاوِيَةَ عَلَى يَدِي مُسْلِمِ بْنِ عُقْبَةَ الْمُرّيّ الّذِي يُسَمّيهِ
أَهْلُ الْمَدِينَةِ مُسْرِفَ بْنَ عُقْبَةَ وَكَانَ سَبَبُهَا أَنّ أَهْلَ
الْمَدِينَةِ خَلَعُوا يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ وَأَخْرَجُوا مَرْوَانَ بْنَ
الْحَكَمِ وَبَنِيّ أُمَيّة َ وَأَمّرُوا عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ
حَنْظَلَةَ الْغَسِيلِ الّذِي غَسّلَتْ أَبَاهُ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَ أُحُدٍ ،
وَلَمْ يُوَافِقْ عَلَى هَذَا الْخَلْعِ أَحَدٌ مِنْ أَكَابِرِ الصّحَابَةِ
الّذِينَ كَانُوا فِيهِمْ . رَوَى الْبُخَارِيّ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ
لَمّا أُرْجِفَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِيَزِيدَ دَعَا بَنِيهِ وَمَوَالِيَهُ
وَقَالَ لَهُمْ إنّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرّجُلَ عَلَى بَيْعَةِ اللّهِ
وَبَيْعَةِ رَسُولِهِ وَإِنّهُ وَاَللّهِ لَا يَبْلُغَنّي عَنْ أَحَدٍ مِنْكُمْ
أَنّهُ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَتِهِ إلّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
ثُمّ لَزِمَ بَيْتَهُ وَلَزِمَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ بَيْتَهُ فَدُخِلَ
عَلَيْهِ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ الّتِي اُنْتُهِبَتْ الْمَدِينَةُ فِيهَا ،
فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ أَيّهَا الشّيْخُ ؟ فَقَالَ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ
الْخُدْرِيّ صَاحِبُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالُوا لَهُ
قَدْ سَمِعْنَا خَبَرَك ، وَلَنِعْمَ مَا فَعَلْت حِينَ كَفَفْت يَدَك ، وَلَزِمْت
بَيْتَك ، وَلَكِنْ هَاتِ الْمَالَ فَقَالَ قَدْ أَخَذَهُ الّذِينَ دَخَلُوا
قَبْلَكُمْ عَلَيّ وَمَا عِنْدِي شَيْءٌ فَقَالُوا : كَذَبْت وَنَتَفُوا
لِحْيَتَهُ وَأَخَذُوا مَا وَجَدُوا حَتّى صُوفَ الْفَرْشِ وَحَتّى أَخَذُوا
زَوْجَيْنِ مِنْ حَمَامٍ كَانَ صِبْيَانُهُ يَلْعَبُونَ بِهِمَا وَأَمّا جَابِرُ
بْنُ عَبْدِ اللّهِ الّذِي كُنّا بِمَسَاقِ حَدِيثِهِ فَخَرَجَ فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ يَطُوفُ فِي أَزِقّةِ الْمَدِينَةِ وَالْبُيُوتُ تُنْتَهَبُ وَهُوَ
أَعْمَى ، وَهُوَ يَعْثِرُ فِي الْقَتْلَى ، وَيَقُولُ تَعِسَ مَنْ أَخَافَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ وَمَنْ
أَخَافَ رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَقُولُ مَنْ أَخَافَ الْمَدِينَةَ ، فَقَدْ أَخَافَ مَا بَيْنَ جَنْبَيّ
فَحَمَلُوا عَلَيْهِ لِيَقْتُلُوهُ فَأَجَارَهُ مِنْهُمْ مَرْوَانُ وَأَدْخَلَهُ
بَيْتَهُ وَقُتِلَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ وُجُوهِ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ أَلْفٌ وَسَبْعُمِائَةٍ وَقُتِلَ مِنْ أَخْلَاطِ النّاسِ عَشَرَةُ
آلَافٍ سِوَى النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنّ امْرَأَةً مِنْ
الْأَنْصَارِ دَخَلَ عَلَيْهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشّامِ ، وَهِيَ تُرْضِعُ
صَبِيّهَا ، وَقَدْ أَخَذَ مَا كَانَ عِنْدَهَا ، فَقَالَ لَهَا : هَاتِ الذّهَبَ
وَإِلّا قَتَلْتُك ، وَقَتَلْت صَبِيّك ، فَقَالَتْ وَيْحَك إنْ قَتَلْته
فَأَبُوهُ أَبُو كَبْشَةَ صَاحِبُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ -
وَأَنَا مِنْ النّسْوَةِ اللّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمَا خُنْت اللّهَ فِي شَيْءٍ بَايَعْت رَسُولَهُ عَلَيْهِ
فَانْتَفَضَ الصّبِيّ مِنْ حِجْرِهَا ، وَثَدْيُهَا فِي فِيهِ وَضَرَبَ بِهِ
الْحَائِطَ حَتّى انْتَثَرَ دِمَاغُهُ فِي الْأَرْضِ وَالْمَرْأَةُ تَقُولُ يَا
بُنَيّ لَوْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ نَفْدِيك بِهِ لَفَدَيْتُك ، فَمَا خَرَجَ مِنْ
الْبَيْتِ حَتّى اسْوَدّ نِصْفُ وَجْهِهِ وَصَارَ مُثْلَةً فِي النّاسِ . [ ص 409
] قَالَ الْمُؤَلّفُ وَأَحْسَبُ أَنّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ جَدّةُ الصّبِيّ لَا
أُمّا لَهُ إذْ يَبْعُدُ فِي الْعَادَةِ أَنْ تُبَايِعَ النّبِيّ عَلَيْهِ
السّلَامُ وَتَكُونَ يَوْمَ الْحَرّةِ فِي سِنّ مَنْ تُرْضِعُ . وَالْحَرّةُ
الّتِي يُعْرَفُ بِهَا هَذَا الْيَوْمُ يُقَالُ لَهَا : حَرّةُ زُهْرَةَ وَفِي
الْحَدِيثِ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَفَ بِهَا ،
وَقَالَ لَيُقْتَلَنّ بِهَذَا الْمَكَانِ رِجَالٌ هُمْ خِيَارُ أُمّتِي بَعْدَ
أَصْحَابِي ، وَيُذْكَرُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ ، أَنّهُ قَالَ لَقَدْ
وَجَدْت صِفَتَهَا فِي كِتَابِ يَهُودَ بْنِ يَعْقُوبَ الّذِي لَمْ يَدْخُلْهُ
تَبْدِيلٌ وَأَنّهُ يُقْتَلُ فِيهَا قَوْمٌ صَالِحُونَ يَجِيئُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَسِلَاحُهُمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . وَعُرِفَتْ
حَرّةُ زُهْرَةَ بِقَرْيَةِ كَانَتْ لِبَنِي زُهْرَةَ قَوْمٍ مِنْ الْيَهُودِ ،
وَكَانَتْ كَبِيرَةً فِي الزّمَانِ الْأَوّلِ وَيُقَالُ كَانَ فِيهَا
ثَلَاثُمِائَةِ صَائِغٍ ذَكَرَ هَذَا الزّبَيْرُ فِي فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ لَهُ
وَكَانَتْ هَذِهِ الْوَقْعَةُ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتّينَ وَقَدْ كَانَ يَزِيدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ قَدْ أَعْذَرَ إلَيْهِمْ فِيمَا ذَكَرُوا ، وَبَذَلَ لَهُمْ مِنْ
الْعَطَاءِ أَضْعَافَ مَا يُعْطِي النّاسَ وَاجْتَهَدَ فِي اسْتِمَالَتِهِمْ إلَى
الطّاعَةِ وَتَحْذِيرِهِمْ مِنْ الْخِلَافِ وَلَكِنْ أَبَى اللّهُ إلّا مَا
أَرَادَ وَاَللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
{ تِلْكَ أُمّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ
عَمّا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ البقرة : 134 ، 141 ] .
ابْنُ يَاسِرٍ وَابْنُ بِشْرٍ
وَقِيَامُهُمَا عَلَى حِرَاسَةِ جَيْشِ الرّسُولِ وَمَا أُصِيبَا بِهِ
[ ص 409 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَمّي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ
عُقَيْلِ بْنِ جَابِرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْأَنْصَارِيّ قَالَ
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ
الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ ، فَأَصَابَ رَجُلٌ امْرَأَةَ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا ،
أَتَى زَوْجُهَا وَكَانَ غَائِبًا ، فَلَمّا أُخْبِرَ الْخَبَرَ حَلَفَ لَا
يَنْتَهِي حَتّى يُهَرِيق فِي أَصْحَابِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
دَمًا ، فَخَرَجَ يَتْبَعُ أَثَرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْزِلًا ، فَقَالَ مَنْ
رَجُلٌ يَكْلَؤُنَا لَيْلَتَنَا ( هَذِهِ ) ؟ " قَالَ فَانْتَدَبَ رَجُلٌ
مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَرَجُلٌ آخَرُ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَا : نَحْنُ يَا
رَسُولَ اللّهِ قَالَ " فَكُونَا بِفَمِ الشّعْبِ . قَالَ وَكَانَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ قَدْ نَزَلُوا إلَى شِعْبٍ
مِنْ الْوَادِي ، وَهُمَا عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فِيمَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا خَرَجَ الرّجُلَانِ إلَى
فَمِ الشّعْبِ ، قَالَ الْأَنْصَارِيّ لِلْمُهَاجِرِيّ أَيّ اللّيْلِ تُحِبّ أَنْ
أَكْفِيَكَهُ : أَوّلَهُ أَمْ آخِرَهُ ؟ قَالَ بَلْ اكْفِنِي أَوّلَهُ قَالَ
فَاضْطَجَعَ الْمُهَاجِرِيّ فَنَامَ وَقَامَ الْأَنْصَارِيّ يُصَلّي ، قَالَ
وَأَتَى الرّجُلُ فَلَمّا رَأَى شَخْصَ الرّجُلِ عَرَفَ أَنّهُ رَبِيئَةُ
الْقَوْمِ . قَالَ فَرَمَى بِسَهْمِ فَوَضَعَهُ فِيهِ قَالَ فَنَزَعَهُ وَوَضَعَهُ
فَثَبَتَ قَائِمًا ، قَالَ ثُمّ رَمَاهُ بِسَهْمِ آخَرَ فَوَضَعَهُ فِيهِ . قَالَ
فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ وَثَبَتَ قَائِمًا ، ثُمّ عَادَ لَهُ بِالثّالِثِ
فَوَضَعَهُ فِيهِ قَالَ فَنَزَعَهُ فَوَضَعَهُ ثُمّ رَكَعَ وَسَجَدَ ثُمّ أَهَبّ
صَاحِبَهُ فَقَالَ اجْلِسْ فَقَدْ أُثْبِتّ قَالَ فَوَثَبَ فَلَمّا رَآهُمَا
الرّجُلُ عَرَفَ أَنْ قَدْ نَذِرَا بِهِ فَهَرَبَ قَالَ وَلَمّا رَأَى
الْمُهَاجِرِيّ مَا [ ص 410 ] قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ أَفَلَا أَهْبَبْتَنِي
أَوّلَ مَا رَمَاك ؟ قَالَ كُنْت فِي سُورَةٍ أَقْرَؤُهَا فَلَمْ أُحِبّ أَنْ
أَقْطَعَهَا حَتّى أُنْفِذَهَا ، فَلَمّا تَابَعَ عَلَيّ الرّمْيَ رَكَعْت
فَأَذِنْتُك ، وَأَيْمُ اللّهِ لَوْلَا أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا أَمَرَنِي رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ نَفْسِي قَبْلَ أَنْ
أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِذَهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أُنْفِذَهَا .
رُجُوعُ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ غَزْوَةِ الرّقَاعِ أَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى
الْأُولَى وَجُمَادَى الْآخِرَةَ وَرَجَبًا .Sمَعْنَى الرّبِيئَةِ
فَصْلٌ
[ ص 410 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ الْأَنْصَارِيّ وَالْمُهَاجِرِيّ وَهُمَا عَبّادُ بْنُ
بِشْرٍ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَأَنّ رَجُلًا مِنْ الْعَدُوّ رَمَى
الْأَنْصَارِيّ بِسَهْمِ وَهُوَ يُصَلّي لَمّا عَلِمَ أَنّهُ رَبِيئَةُ الْقَوْمِ
. الرّبِيئَةُ هُوَ الطّلِيعَةُ يُقَالُ رَبَأَ عَلَى الْقَوْمِ يَرْبَأُ فَهُوَ
رَبّاءٌ وَرَبِيئَةٌ قَالَ الشّاعِرُ [ الْهُذَلِيّ ] :
رَبّاءُ شَمّاءُ لَا يَأْوِي لِقُلّتِهَا ... إلّا السّحَابُ وَإِلّا الْأَوْبُ
وَالسّبَلُ
فَرَبّاءُ فَعّالُ مِنْ رَبَا إذَا نَظَرَ مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ وَشَمّاءُ
يُرِيدُ هَضْبَةً شَمّاءَ وَإِنّمَا قَالُوا : رَبِيئَةٌ بِهَاءِ التّأْنِيثِ
وَطَلِيعَةٌ لِأَنّهُمَا فِي مَعْنَى الْعَيْنِ وَالْعَيْنُ مُؤَنّثَةٌ تَقُولُ
ثَلَاثُ أَعْيُنٍ وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا ، يَعْنِي الطّلَائِعَ لِأَنّ
الطّلِيعَةَ وَالرّبِيئَةَ إنّمَا يُرَادُ مِنْهُ عَيْنُهُ النّاظِرَةُ كَمَا
تَقُولُ فِي ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ أَعْتَقْت ثَلَاثَ رِقَابٍ فَتُؤَنّثُ لِأَنّ
الرّقَبَةَ تَرْجَمَةٌ عَنْ جَمِيعِ الْعَبْدِ كَمَا أَنّ الْعَيْنَ [ ص 411 ]
تَكُونَ الْهَاءُ فِي رَبِيئَةٍ وَطَلِيعَةٍ لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا هِيَ فِي
عَلّامَةٍ وَنَسّابَةٍ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوّلِ تَقُولُ ثَلَاثَ طَلَائِعَ
وَثَلَاثَ رَبَايَا فِي جَمْعِ رَبِيئَةٍ كَمَا تَقُولُ ثَلَاثَ أَعْيُنٍ لِأَنّهُ
بَابٌ وَاحِدٌ مِنْ التّأْنِيثِ وَإِذَا كَانَتْ الْهَاءُ لِلْمُبَالَغَةِ قُلْت :
ثَلَاثَةً وَأَرْبَعَةً لِأَنّك تَقْصِدُ التّذْكِيرَ لِأَنّ هَاءَ الْمُبَالَغَةِ
لَا تُوجِبُ تَأْنِيثَ الْمُسَمّى ، وَلِأَنّهَا فِي الصّفَةِ وَالصّفَةُ بَعْدَ
الْمَوْصُوفِ وَلِذَلِكَ تَقُولُ هَذَا عَلّامَةٌ وَلَا تَقُولُ هَذِهِ عَلّامَةٌ
بِخِلَافِ الرّقَبَةِ وَالْعَيْنِ لِأَنّك تَقُولُ فِي الْعَبْدِ الذّكَرِ هَذِهِ
رَقَبَةٌ فَأَعْتِقْهَا ، وَفِي الْعَيْنِ هَذِهِ طَلِيعَةٌ وَهَذِهِ عَيْنٌ
وَأَنْت تَعْنِي الرّجُلَ . هَذَا مَعْنَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا .
فِقْهُ الْحَدِيثِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفِقْهِ صَلَاةُ الْمَجْرُوحِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ
دَمًا ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَقَدْ تَرْجَمَ بَعْضُ
الْمُصَنّفِينَ عَلَيْهِ لِمَوْضِعِ هَذِهِ الْفِقْهِ وَفِيهِ مُتَعَلّقٌ لِمَنْ
يَقُولُ إنّ غُسْلَ النّجَاسَةِ لَا يُعَدّ فِي شُرُوطِ صِحّةِ الصّلَاةِ وَفِيهِ
مِنْ الْفِقْهِ أَيْضًا تَعْظِيمُ حُرْمَةِ الصّلَاةِ وَأَنّ لِلْمُصَلّي أَنْ
يَتَمَادَى عَلَيْهَا ، وَإِنْ جَرّ إلَيْهِ ذَلِكَ الْقَتْلَ وَتَفْوِيتُ
النّفْسِ مَعَ أَنّ التّعَرّضَ لِفَوَاتِ النّفْسِ لَا يَحِلّ إلّا فِي حَالِ
الْمُحَارَبَةِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ لَوْلَا أَنْ أُضَيّعَ ثَغْرًا
أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحِفْظِهِ لَقَطَعَ
نَفْسِي قَبْلَ أَنْ أَقْطَعَهَا أَوْ أُنْفِذَهَا يَعْنِي : السّورَةَ الّتِي
كَانَ يَقْرَؤُهَا .
غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةِ
فِي شَعْبَانَ سَنَةَ أَرْبَعٍ
خُرُوجُ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ فِي شَعْبَانَ إلَى بَدْرٍ لِمِيعَادِ أَبِي
سُفْيَانَ حَتّى نَزَلَهُ .
اسْتِعْمَالُهُ ابْنَ أُبَيّ عَلَى الْمَدِينَةِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ الْأَنْصَارِيّ [ ص 411 ]
رُجُوعُ أَبِي سُفْيَانَ فِي رِجَالِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَمَانِيَ لَيَالٍ يَنْتَظِرُ أَبَا
سُفْيَانَ وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكّةَ حَتّى نَزَلَ مِجَنّةَ ،
مِنْ نَاحِيَةِ الظّهْرَانِ ، وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ قَدْ بَلَغَ عُسْفَانَ ،
ثُمّ بَدَا لَهُ فِي الرّجُوعِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّهُ لَا
يُصْلِحُكُمْ إلّا عَامٌ خَصِيبٌ تَرْعَوْنَ فِيهِ الشّجَرَ وَتَشْرَبُونَ فِيهِ
اللّبَنَ وَإِنّ عَامَكُمْ هَذَا عَامُ جَدْبٍ وَإِنّي رَاجِعٌ فَارْجِعُوا
فَرَجَعَ النّاسُ . فَسَمّاهُمْ أَهْلُ مَكّةَ جَيْشَ السّوِيقِ ، يَقُولُونَ
إنّمَا خَرَجْتُمْ تَشْرَبُونَ السّوِيقَ .
الرّسُولُ وَمَخْشِيّ الضّمْرِيّ
وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَدْرٍ يَنْتَظِرُ
أَبَا سُفْيَانَ لِمِيعَادِهِ فَأَتَاهُ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمْرِيّ ،
وَهُوَ الّذِي كَانَ وَادَعَهُ عَلَى بَنِي ضَمْرَةَ فِي غَزْوَةِ وَدّانَ ،
فَقَالَ يَا مُحَمّدُ أَجِئْت لِلِقَاءِ قُرَيْشٍ عَلَى هَذَا الْمَاءِ ؟ قَالَ
" نَعَمْ يَا أَخَا بَنِي ضَمْرَةَ ، وَإِنْ شِئْت مَعَ ذَلِكَ رَدَدْنَا
إلَيْك مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك ، ثُمّ جَالَدْنَاك حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ
بَيْنَنَا وَبَيْنَك " ، قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ مَا لَنَا
بِذَلِكَ مِنْك مِنْ حَاجَةٍ
مَعْبَدٌ وَشِعْرُهُ فِي
نَاقَةٍ لِلرّسُولِ هَوَتْ
[ ص 412 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْتَظِرُ أَبَا سُفْيَانَ ، فَمَرّ
بِهِ مَعْبَدُ بْنُ أَبِي مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيّ ، فَقَالَ وَقَدْ رَأَى مَكَانَ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَاقَتُهُ تَهْوِي بِهِ .
قَدْ نَفَرَتْ مِنْ رُفْقَتَيْ مُحَمّدٍ ... وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ
كَالْعَنْجَدِ
تَهْوِي عَلَى دِينِ أَبِيهَا الْأَتْلَدِ ... قَدْ جَعَلَتْ مَاءَ قُدَيْدٍ
مَوْعِدِي
وَمَاءَ ضُجْنَانَ لَهَا ضُحَى الْغَدِ
شِعْرٌ لِابْنِ رَوَاحَةَ أَوْ كَعْبٍ فِي بَدْرٍ
وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي ذَلِكَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
أَنْشَدَنِيهَا أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ :
وَعَدْنَا أَبَا سُفْيَانَ بَدْرًا فَلَمْ نَجِدْ ... لِمِيعَادِهِ صِدْقًا وَمَا
كَانَ وَافِيَا
فَأُقْسِمُ لَوْ وَافَيْتنَا فَلَقِيتنَا ... لَأُبْت ذَمِيمًا وَافْتَقَدْت
الْمَوَالِيَا
تَرَكْنَا بِهِ أَوْصَالَ عُتْبَةَ وَابْنِهِ ... وَعَمْرًا أَبَا جَهْلٍ
تَرَكْنَاهُ ثَاوِيَا
عَصَيْتُمْ رَسُولَ اللّهِ أُفّ لِدِينِكُمْ ... وَأَمْرِكُمْ السّيّئِ الّذِي
كَانَ غَاوِيَا
فَإِنّي وَإِنْ عَنّفْتُمُونِي لِقَائِلِ ... فِدَى لِرَسُولِ اللّهِ أَهْلِي
وَمَالِيَا
أَطَعْنَاهُ لَمْ نَعْدِلْهُ فِينَا بِغَيْرِهِ ... شِهَابًا لَنَا فِي ظُلْمَةِ
اللّيْلِ هَادِيَا
شِعْرُ حَسّانَ فِي بَدْرٍ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ قَدْ حَالَ دُونَهَا ... جِلَادٌ كَأَفْوَاهِ الْمَخَاضِ
الْأَوَارِكِ
[ ص 413 ]
بِأَيْدِي رِجَالٍ هَاجَرُوا نَحْوَ رَبّهِمْ ... وَأَنْصَارِهِ حَقّا وَأَيْدِي
الْمَلَائِكِ
إذَا سَلَكْت لِلْغَوْرِ مِنْ بَطْنِ عَالِجٍ ... فَقُولَا لَهَا لَيْسَ الطّرِيقُ
هُنَالِكِ
أَقَمْنَا عَلَى الرّسّ النّزُوعِ ثَمَانِيًا ... بِأَرْعَنَ جَرّارٍ عَرِيضِ
الْمَبَارِكِ
بِكُلّ كُمَيْتٍ جَوْزُهُ نِصْفُ خَلْقِهِ ... وَقُبّ طِوَالٍ مُشْرِفَاتِ
الْحَوَارِكِ
تَرَى الْعَزْفَجَ الْعَامّيّ تَذْرِي أُصُولُهُ ... مَنَاسِمَ أَخْفَافِ
الْمَطِيّ الرّوَاتِكِ
فَإِنْ تَلْقَ فِي تَطْوَافِنَا وَالْتِمَاسِنَا ... فُرَاتَ بْنَ حَيّانٍ يَكُنْ
رَهْنَ هَالِكِ
وَإِنْ تَلْقَ قَيْسَ بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ بَعْدَهُ ... يُزَدْ فِي سَوَادٍ
لَوْنُهُ لَوْنُ حَالِكِ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي رِسَالَةً ... فَإِنّك مِنْ غُرّ الرّجَالِ
الصّعَالِكِ
شِعْرُ أَبِي سُفْيَانَ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانَ
فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَقَالَ
أَحَسّانُ إنّا يَا ابْنَ آكِلَةِ الْفَغَا ... وَجَدّك نَغْتَالُ الْحُرُوقَ
كَذَلِكِ
خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا ... وَلَوْ وَأَلَتْ مِنّا
بِشَدّ مُدَارِكِ
إذَا مَا انْبَعَثْنَا مِنْ مُنَاخٍ حَسِبْته ... مُدَمّنَ أَهْلِ الْمَوْسِمِ
الْمُتَعَارِكِ
أَقَمْت عَلَى الرّسّ النّزُوعِ تُرِيدُنَا ... وَتَتْرُكُنَا فِي النّخْلِ عِنْدَ
الْمَدَارِكِ
عَلَى الزّرْعِ تَمْشِي خَيْلُنَا وَرِكَابُنَا ... فَمَا وَطِئَتْ أَلْصَقْنَهُ
بِالدّكَادِكِ
أَقَمْنَا ثَلَاثًا بَيْنَ سَلْعٍ وَفَارِعٍ ... بِجُرْدِ الْجِيَادِ وَالْمَطِيّ
الرّوَاتِكِ
حَسِبْتُمْ جِلَادَ الْقَوْمِ عِنْدَ قِبَابِهِمْ ... كَمَأْخَذِكُمْ بِالْعَيْنِ
أَرْطَالَ آنِكِ
فَلَا تَبْعَثْ الْخَيْلَ الْجِيَادَ وَقُلْ لَهَا ... عَلَى نَحْوِ قَوْلِ
الْمُعْصِمِ الْمُتَمَاسِكِ
سَعِدْتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ كَانَ أَهْلَهَا ... فَوَارِسُ مِنْ أَبْنَاءِ
فِهْرِ بْنِ مَالِكِ
فَإِنّك لَا فِي هِجْرَةٍ إنْ ذَكَرْتهَا ... وَلَا حُرُمَاتِ الدّينِ أَنْتَ
بِنَاسِكِ
[ ص 414 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَقِيَتْ مِنْهَا أَبْيَاتٌ تَرَكْنَاهَا .
لِقُبْحِ اخْتِلَافِ قَوَافِيهَا . وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ
هَذَا الْبَيْتَ خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا
وَالْبَيْتُ الّذِي بَعْدَهُ لِحَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي قَوْلِهِ دَعُوا
فَلَجَاتِ الشّأْمِ قَدْ حَالَ دُونَهَا
وَأَنْشَدَنِي لَهُ فِيهَا بَيْتَهُ " فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ " .Sحَوْلَ رَجَزِ
مَعْبَدٍ وَشِعْرِ حَسّانَ وَأَبِي سُفْيَانَ
وَذَكَرَ قَوْلَ مَعْبَدٍ وَعَجْوَةٍ مِنْ يَثْرِبَ كَالْعَنْجَدِ
الْعَنْجَدُ حَبّ الزّبِيبِ وَقَدْ يُقَالُ الزّبِيبُ نَفْسُهُ أَيْضًا عَنْجَدٌ
وَأَمّا الْعِنَبُ فَيُقَالُ لِعَجْمِهِ الْفِرْصِدُ . وَالْأَتْلَدُ الْأَقْدَمُ
مِنْ الْمَالِ التّلِيدِ . وَأَمّا قَوْلُ حَسّانَ دَعُوا فَلَجَاتِ الشّامِ
. [ ص 413 ] جَمْعُ فَلَجٍ وَهُوَ الْمَاءُ الْجَارِي ، سُمّيَ فَلَجًا ، لِأَنّهُ
قَدْ خَدّ فِي الْأَرْضِ وَفَرّقَ بَيْنَ جَانِبَيْهِ مَأْخُوذٌ مِنْ فَلَجِ
الْأَسْنَانِ أَوْ مِنْ الْفَلْجِ وَهُوَ الْقَسْمُ وَالْفَالِجُ مِكْيَالٌ
يُقْسَمُ بِهِ وَالْفَلْجُ وَالْفَالِجُ بَعِيرٌ ذُو سَنَامَيْنِ وَهُوَ مِنْ
هَذَا الْأَصْلِ وَرَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِالْحَاءِ وَقَالَ الْفَلْجَةُ
الْمَزْرَعَةُ . وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي سُفْيَانَ : أَحَسّانُ إنّا يَا ابْنَ
آكِلَةِ الْفَغَا
الْفَغَا : ضَرْبٌ مِنْ التّمْرِ وَيُقَالُ هِيَ غَبَرَةٌ تَعْلُو ، الْبُسْرَ
وَالْغَفَالِغَةُ فِي الْفَغَا . [ ص 414 ] كَمَأْخَذِكُمْ بِالْعَيْنِ أَرْطَالَ
آنِكِ
أَلْفَيْتُ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فِي حَاشِيَةِ أَبِي بَحْرٍ مَا هَذَا نَصّهُ
ذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ سَلَامٍ فِي الطّبَقَاتِ لَهُ هَذَا الْبَيْتَ
حَسِبْتُمْ جِلَادَ الْقَوْمِ حَوْلَ بُيُوتِكُمْ ... كَأَخَذِكُمْ فِي الْعَيْنِ
أَرْطَالَ آنِكِ
وَوَصَلَ بِهِ بِأَنْ قَالَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ لِأَبِي
سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ يَا ابْنَ أَخِي : لِمَ جَعَلْتهَا آنِكِ إنْ كَانَتْ
لَفِضّةً بَيْضَاءَ جَيّدَةً . وَقَوْلُهُ سَعِدْتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ كَانَ
أَهْلَهَا
وَفِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ شَقِيتُمْ بِهَا وَغَيْرُكُمْ أَهْلُ ذِكْرِهَا .
وَقَوْلُهُ خَرَجْنَا وَمَا تَنْجُو الْيَعَافِيرُ بَيْنَنَا
الْيَعَافِيرُ الظّبَاءُ الْعُفْرُ يُرِيدُ أَنّهُمْ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ لَا
تَنْجُوا مِنْهُمْ الْيَعَافِيرُ .
غَزْوَةُ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ
فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ خَمْسٍ
[ ص 415 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَقَامَ مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَا أَشْهُرًا حَتّى مَضَى ذُو الْحِجّةِ
وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ وَهِيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ ثُمّ غَزَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ . قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ : فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ
سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ رَجَعَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهَا ،
وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ سَنَتِهِ . [ ص 415 ]Sغَزْوَةُ دَوْمَةِ
الْجَنْدَلِ
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْبَكْرِيّ : سُمّيَتْ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ بِدُومِيّ بْنِ
إسْمَاعِيلَ كَانَ نَزَلَهَا .
غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ
فِي شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ
تَارِيخُهَا
[ ص 416 ] قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ
مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ ثُمّ كَانَتْ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ
فِي شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ .
الْيَهُودُ تُحَرّضُ قُرَيْشًا
فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ مَوْلَى آلِ الزّبَيْرِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ
الزّبَيْرِ ، وَمَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ،
وَمُحَمّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، وَالزّهْرِيّ ، وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
قَتَادَةَ [ ص 417 ] وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ
عُلَمَائِنَا ، كُلّهُمْ قَدْ اجْتَمَعَ حَدِيثُهُ فِي الْحَدِيثِ عَنْ
الْخَنْدَقِ ، وَبَعْضُهُمْ يُحَدّثُ مَا لَا يُحَدّثُ بِهِ بَعْضٌ قَالُوا :
إنّهُ كَانَ مِنْ حَدِيثِ الْخَنْدَقِ أَنّ نَفَرًا مِنْ الْيَهُودِ ، مِنْهُمْ
سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ النّضَرِيّ ، وَحُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ النّضَرِيّ ،
وَكِنَانَةُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ النّضَرِيّ وَهَوْذَةُ بْنُ قَيْسٍ
الْوَائِلِيّ ، وَأَبُو عَمّارٍ الْوَائِلِيّ ، فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي النّضِيرِ ،
وَنَفَرٍ مِنْ بَنِي وَائِلٍ ، وَهُمْ الّذِينَ حَزّبُوا الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجُوا حَتّى قَدِمُوا عَلَى قُرَيْشٍ
مَكّةَ ، فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَقَالُوا : إنّا سَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ حَتّى نَسْتَأْصِلَهُ - فَقَالَتْ
لَهُمْ قُرَيْشٌ : يَا مَعْشَرَ يَهُودَ إنّكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأَوّلِ
وَالْعِلْمِ بِمَا أَصْبَحْنَا نَخْتَلِفُ فِيهِ نَحْنُ وَمُحَمّدٌ أَفَدِينُنَا
خَيْرٌ أَمْ دِينُهُ ؟ قَالُوا : بَلْ دِينُكُمْ خَيْرٌ مِنْ دِينِهِ وَأَنْتُمْ
أَوْلَى بِالْحَقّ ( مِنْهُ ) فَهُمْ الّذِينَ أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ {
أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ
بِالْجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ
الّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا أُولَئِكَ الّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ
اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { أَمْ
يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ } أَيْ النّبُوّةِ {
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ
مُلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدّ عَنْهُ وَكَفَى
بِجَهَنّمَ سَعِيرًا } .
الْيَهُودُ تُحَرّضُ غَطَفَانَ
قَالَ فَلَمّا قَالُوا ذَلِكَ لِقُرَيْشِ سَرّهُمْ وَنَشَطُوا لِمَا دَعَوْهُمْ
إلَيْهِ مِنْ حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاجْتَمَعُوا
لِذَلِكَ وَاتّعَدُوا لَهُ . ثُمّ خَرَجَ أُولَئِكَ النّفَرُ مِنْ يَهُودَ حَتّى
جَاءُوا غَطَفَانَ ، مِنْ قَيْسِ عَيْلَانَ ، فَدَعَوْهُمْ إلَى حَرْبِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْبَرُوهُمْ أَنّهُمْ سَيَكُونُونَ
مَعَهُمْ عَلَيْهِ وَأَنّ قُرَيْشًا قَدْ تَابَعُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَاجْتَمَعُوا
مَعَهُمْ فِيهِ .Sغَزْوَةُ الْخَنْدَقِ
[ ص 416 ] الْخَنْدَقِ لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنّهُ مِنْ
مَكَايِدِ الْفُرْسِ وَحُرُوبِهَا ، وَلِذَلِك أَشَارَ بِهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ
، وَأَوّلُ مَنْ خَنْدَقَ الْخَنَادِقَ مِنْ مُلُوكِ الْفُرْسِ فِيمَا ذَكَرَ
الطّبَرِيّ " مِنُوشِهْرُ بْنُ أبيرج بْنُ أَفْرِيدُونَ وَقَدْ قِيلَ فِي
أَفْرِيدُونَ إنّهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَأَكْثَرُهُمْ يَقُولُ
فِيهِ هُوَ ابْنُ أَثْقِيَانَ وَهُوَ أَوّلُ مَنْ اتّخَذَ آلَةَ " الرّمْيِ
وَإِلَى رَأْسِ سِتّينَ سَنَةً مِنْ مُلْكِهِ بُعِثَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ
وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُ الْكَمَائِنِ فِي الْحُرُوبِ وَأَنّ أَوّلَ مَنْ فَعَلَهَا
بُخْتَنَصّرُ فِي قَوْلِ الطّبَرِيّ . [ ص 417 ] وَذَكَرَ تَحْزِيبَ بَنِي
قُرَيْظَةَ الْأَحْزَابَ ، وَنَسَبَ طَائِفَةً مِنْ بَنِي النّضِيرِ ، فَقَالَ
فِيهِمْ النّضَرِيّ ، وَهَكَذَا تَقَيّدَ فِي النّسْخَةِ الْعَتِيقَةِ وَقِيَاسُهُ
النّضِيرِيّ إلّا أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِمْ ثَقَفِيّ وَقُرَشِيّ ،
وَهُوَ خَارِجٌ عَنْ الْقِيَاسِ وَإِنّمَا يُقَالُ فَعَلِيّ فِي النّسَبِ إلَى
فَعِيلَةٍ .
خُرُوجُ الْأَحْزَابِ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ ، وَقَائِدُهَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ
حَرْبٍ ؛ وَخَرَجَتْ غَطَفَانُ ، وَقَائِدُهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ
حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، فِي بَنِي فَزَازَةَ ؛ [ ص 418 ] وَالْحَارِثُ بْنُ
عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ ، فِي بَنِي مُرّةَ ؛ وَمِسْعَرُ بْنُ
رُخَيْلَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
هِلَالِ بْنِ خُلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، فِيمَنْ
تَابَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَشْجَعَ .Sعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ
وَذَكَرَ قَائِدَ غَطَفَانَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ ، وَهُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ
وَاسْمُهُ حُذَيْفَةُ وَسُمّيَ عُيَيْنَةُ [ ص 418 ] كَانَ بِعَيْنِهِ وَهُوَ
الّذِي قَالَ فِيهِ عَلَيْهِ السّلَامُ الْأَحْمَقُ الْمُطَاع لِأَنّهُ كَانَ مِنْ
الْجَرّارِينَ تَتْبَعُهُ عَشَرَةُ آلَافِ قَنَاةٍ ، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ شَرّ النّاسِ مَنْ وَدَعَهُ النّاسُ
اتّقَاءَ شَرّهِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : أَنّهُ قَالَ إنّي أُدَارِيهِ لِأَنّي
أَخْشَى أَنْ يُفْسِدَ عَلَيّ خَلْقًا كَثِيرًا وَفِي هَذَا بَيَانُ مَعْنَى
الشّرّ الّذِي اتّقَى مِنْهُ وَكَانَ دَخَلَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَلَمّا قَالَ لَهُ [ ص 419 ] قَالَ مَا اسْتَأْذَنْت
عَلَى مُضَرِيّ قَبْلَك ، وَقَالَ مَا هَذِهِ الْحُمَيْرَاءُ مَعَك يَا مُحَمّدُ ؟
فَقَالَ هِيَ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ " ، فَقَالَ طَلّقْهَا ،
وَأَنْزِلُ لَك عَنْ أُمّ الْبَنِينَ فِي أُمُورٍ كَثِيرَةٍ تُذْكَرُ مِنْ
جَفَائِهِ أَسْلَمَ ، ثُمّ ارْتَدّ وَآمَنَ بِطُلَيْحَةَ حِينَ تَنَبّأَ وَأُخِذَ
أَسِيرًا ، فَأُتِيَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَسِيرًا ، فَمَنّ
عَلَيْهِ وَلَمْ يَزَلْ مُظْهِرًا لِلْإِسْلَامِ عَلَى جَفْوَتِهِ
وَعَنْجَهِيّتِهِ وَلُوثَةِ أَعْرَابِيّتِهِ حَتّى مَاتَ . قَالَ الشّاعِرُ
وَإِنّي عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَنْجَهِيّتِي ... وَلُوثَةِ أَعْرَابِيّتِي
لَأَدِيبُ
حَفْرُ الْخَنْدَقِ
وَتَخَاذُلُ الْمُنَافِقِينَ وَجِدّ الْمُؤْمِنِينَ
فَلَمّا سَمِعَ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا
أَجْمَعُوا لَهُ مِنْ الْأَمْرِ ضَرَبَ الْخَنْدَقَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَعَمِلَ
فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَرْغِيبًا لِلْمُسْلِمِينَ
فِي الْأَجْرِ وَعَمِلَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَدَأَبَ فِيهِ وَدَأَبُوا .
وَأَبْطَأَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَنْ
الْمُسْلِمِينَ فِي عَمَلِهِمْ ذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَجَعَلُوا
يُوَرّونَ بِالضّعِيفِ مِنْ الْعَمَلِ وَيَتَسَلّلُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ بِغَيْرِ
عِلْمٍ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا إذْنٍ وَجَعَلَ
الرّجُلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إذَا نَابَتْهُ النّائِبَةُ مِنْ الْحَاجَةِ الّتِي
لَا بُدّ لَهُ مِنْهَا ، يَذْكُرُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَيَسْتَأْذِنُهُ فِي اللّحُوقِ بِحَاجَتِهِ فَيَأْذَنُ لَهُ فَإِذَا
قَضَى حَاجَتَهُ رَجَعَ إلَى مَا كَانَ فِيهِ مِنْ عَمَلِهِ رَغْبَةً فِي
الْخَيْرِ وَاحْتِسَابًا لَهُ .
مَا نَزَلَ فِي حَقّ الْعَامِلِينَ فِي الْخَنْدَقِ
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أُولَئِكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ { إِنّمَا الْمُؤْمِنُونَ
الّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ
جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنّ الّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ
أُولَئِكَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ
لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللّهَ
إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْحِسْبَةِ وَالرّغْبَةِ فِي الْخَيْرِ وَالطّاعَةِ
لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى ،
يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ الّذِينَ كَانُوا يَتَسَلّلُونَ مِنْ الْعَمَلِ
وَيَذْهَبُونَ بِغَيْرِ إذْنٍ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { لَا
تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ
يَعْلَمُ اللّهُ الّذِينَ يَتَسَلّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
أَلِيمٌ } [ ص 419 ]
تَفْسِيرُ بَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اللّوَاذُ الِاسْتِتَارُ بِالشّيْءِ عِنْدَ الْهَرَبِ قَالَ
حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
وَقُرَيْشٌ تَفِرّ مِنّا لِوَاذًا ... أَنْ يُقِيمُوا وَخَفّ مِنْهَا الْحُلُومُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ قَدْ ذَكَرْتهَا فِي أَشْعَارِ يَوْمِ
أُحُدٍ . { أَلَا إِنّ لِلّهِ مَا فِي السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا
أَنْتُمْ عَلَيْهِ } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مَنْ صَدَقَ أَوْ كَذَبَ . { وَيَوْمَ
يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ
عَلِيمٌ }
الْمُسْلِمُونَ يَرْتَجِزُونَ فِي الْحَفْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَمِلَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ حَتّى أَحْكَمُوهُ
وَارْتَجَزُوا فِيهِ بِرَجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُقَالُ لَهُ جُعَيْلٌ سَمّاهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرًا ، فَقَالُوا :
سَمّاهُ مِنْ بَعْدِ جُعَيْلٍ عَمْرًا ... وَكَانَ لِلْبَائِسِ يَوْمًا ظَهْرًا
فَإِذَا مَرّوا " بِعَمْرِو " قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ " عَمْرًا " ، وَإِذَا مَرّوا " بِظَهْرِ "
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " ظَهْرًا " .
الْآيَاتُ الّتِي ظَهَرَتْ فِي حَفْرٍ الْخَنْدَقِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِي حَفْرِ الْخَنْدَقِ أَحَادِيثُ بَلَغَتْنِي ،
فِيهَا مِنْ اللّهِ تَعَالَى عِبْرَةٌ فِي تَصْدِيقِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَحْقِيقِ نُبُوّتِهِ عَايَنَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ .
فَكَانَ مِمّا بَلَغَنِي أَنّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ كَانَ يُحَدّثُ أَنّهُ
اشْتَدّتْ عَلَيْهِمْ فِي بَعْضِ الْخَنْدَقِ كُدْيَةٌ فَشَكَوْهَا إلَى رَسُولِ
اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَدَعَا بِإِنَاءِ مِنْ مَاءٍ فَتَفَلَ
فِيهِ ثُمّ دَعَا بِمَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ ثُمّ نَضَحَ ذَلِكَ
الْمَاءَ عَلَى تِلْكَ الْكُدْيَةِ فَيَقُولُ مَنْ حَضَرَهَا : فَوَاَلّذِي
بَعَثَهُ بِالْحَقّ نَبِيّا ، لَانْهَالَتْ حَتّى عَادَتْ كَثِيبًا ، لَا تَرُدّ
فَأْسًا وَلَا مِسْحَاةً [ ص 420 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَعِيدُ
بْنُ مِينَا أَنّهُ حُدّثَ أَنّ ابْنَةً لِبَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ أُخْتَ النّعْمَانِ
بْنِ بَشِيرٍ قَالَتْ دَعَتْنِي أُمّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ، فَأَعْطَتْنِي
حَفْنَةً مِنْ تَمْرٍ فِي ثَوْبِي ، ثُمّ قَالَ أَيْ بُنَيّةُ اذْهَبِي إلَى
أَبِيك وَخَالِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا ، قَالَتْ
فَأَخَذْتهَا ، فَانْطَلَقْت بِهَا ، فَمَرَرْت بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَلْتَمِسُ أَبِي وَخَالِي ، فَقَالَ تَعَالَيْ يَا
بُنَيّةُ مَا هَذَا مَعَك ؟ قَالَتْ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا تَمْرٌ
بَعَثَتْنِي بِهِ أُمّي إلَى أَبِي بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِي عَبْدِ اللّهِ
بْنِ رَوَاحَةَ يَتَغَدّيَانِهِ قَالَ هَاتِيهِ قَالَتْ فَصَبَبْته فِي كَفّيّ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَا مَلَأْتهمَا ، ثُمّ أَمَرَ
بِثَوْبِ فَبُسِطَ لَهُ ثُمّ دَحَا بِالتّمْرِ عَلَيْهِ فَتَبَدّدَ فَوْقَ
الثّوْبِ ثُمّ قَالَ لِإِنْسَانِ عِنْدَهُ اُصْرُخْ فِي أَهْلِ الْخَنْدَقِ : أَنْ
هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ فَجَعَلُوا
يَأْكُلُونَ مَعَهُ وَجَعَلَ يَزِيدُ حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهُ
وَإِنّهُ لَيَسْقُطُ مِنْ أَطْرَافِ الثّوْبِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مِينَا ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ
عَمِلْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخَنْدَقِ ،
فَكَانَتْ عِنْدِي شُوَيْهَةٌ غَيْرُ جِدّ سَمِينَةٍ . قَالَ فَقُلْت : وَاَللّهِ
لَوْ صَنَعْنَاهَا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ
فَأَمَرْت امْرَأَتِي ، فَطَحَنَتْ لَنَا شَيْئًا مِنْ شَعِيرٍ فَصَنَعَتْ لَنَا
مِنْهُ خُبْزًا ، وَذَبَحَتْ تِلْكَ الشّاةَ فَشَوَيْنَاهَا لِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَلَمّا أَمْسَيْنَا وَأَرَادَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الِانْصِرَافَ عَنْ الْخَنْدَقِ - قَالَ
وَكُنّا نَعْمَلُ فِيهِ نَهَارَنَا ، فَإِذَا أَمْسَيْنَا رَجَعْنَا إلَى
أَهَالِينَا - قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ صَنَعْت لَهُ
شُوَيْهَةً كَانَتْ عِنْدَنَا ، وَصَنَعْنَا مَعَهَا شَيْئًا مِنْ خُبْزِ هَذَا
الشّعِيرِ فَأُحِبّ أَنْ تَنْصَرِفَ مَعِي إلَى مَنْزِلِي ، وَإِنّمَا أُرِيدُ أَنْ
يَنْصَرِفَ مَعِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَحْدَهُ . قَالَ
فَلَمّا أَنْ قُلْت لَهُ ذَلِكَ قَالَ نَعَمْ ثُمّ أَمَرَ صَارِخًا فَصَرَخَ أَنْ
انْصَرِفُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ؟ قَالَ قُلْت : إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ
رَاجِعُونَ قَالَ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَقْبَلَ النّاسُ مَعَهُ قَالَ فَجَلَسَ وَأَخْرَجْنَاهَا إلَيْهِ . قَالَ
فَبَرّكَ وَسَمّى ( اللّهَ ) ، ثُمّ أَكَلَ وَتَوَارَدَهَا النّاسُ كُلّمَا فَرَغَ
قَوْمٌ قَامُوا وَجَاءَ نَاسٌ حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَنْهَا قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ ، أَنّهُ قَالَ ضَرَبْت
فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْخَنْدَقِ ، فَغَلُظَتْ عَلَيّ صَخْرَةٌ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرِيبٌ مِنّي ؛ فَلَمّا رَآنِي أَضْرِبُ وَرَأَى شِدّةَ
الْمَكَانِ عَلَيّ نَزَلَ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ مِنْ يَدِي ، فَضَرَبَ بِهِ
ضَرْبَةً لَمَعَتْ تَحْتَ الْمِعْوَلِ بَرْقَةٌ [ ص 421 ] قَالَ ثُمّ ضَرَبَ بِهِ
ضَرْبَةً أُخْرَى ، فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بَرْقَةٌ أُخْرَى ؟ قَالَ ثُمّ ضَرَبَ
بِهِ الثّالِثَةَ فَلَمَعَتْ تَحْتَهُ بَرْقَةٌ أُخْرَى . قَالَ قُلْت : بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمّي يَا رَسُولَ اللّهِ مَا هَذَا الّذِي رَأَيْت لَمَعَ تَحْتَ
الْمِعْوَلِ وَأَنْتَ تَضْرِبُ ؟ قَالَ أَوَقَدْ رَأَيْت ذَلِكَ يَا سَلْمَانُ ؟
قَالَ قُلْت : نَعَمْ قَالَ أَمّا الْأَوّلُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا
الْيَمَنَ ؛ وَأَمّا الثّانِيَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الشّامَ
وَالْمَغْرِبَ وَأَمّا الثّالِثَةُ فَإِنّ اللّهَ فَتَحَ عَلَيّ بِهَا الْمَشْرِقَ
. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنّهُ كَانَ يَقُولُ حِينَ فُتِحَتْ هَذِهِ الْأَمْصَارُ فِي زَمَانِ عُمَرَ
وَزَمَانِ عُثْمَانَ وَمَا بَعْدَهُ افْتَتِحُوا مَا بَدَا لَكُمْ فَوَاَلّذِي
نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ مَا افْتَتَحْتُمْ مِنْ مَدِينَةٍ وَلَا
تَفْتَتِحُونَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلّا وَقَدْ أَعْطَى اللّهُ
سُبْحَانَهُ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَفَاتِيحَهَا قَبْلَ
ذَلِكَS[ ص 420 ] وَذَكَرَ حَفْرَهُ الْخَنْدَقَ ، وَأَنّهُ
عَرَضَتْ لَهُ صَخْرَةٌ وَوَقَعَ فِي غَيْرِ السّيرَةِ عَبْلَةٌ وَهِيَ الصّخْرَةُ
الصّمّاءُ وَجَمْعُهَا عَبَلَاتٌ وَيُقَالُ لَهَا : الْعَبْلَاءُ وَالْأَعْبَلُ
أَيْضًا ، وَهِيَ صَخْرَةٌ بَيْضَاءُ . [ ص 421 ]
الْبَرَقَاتُ الّتِي لَمَعَتْ
وَذَكَرَ أَنّهُ لَمَعَتْ لَهُ مِنْ تِلْكَ الصّخْرَةِ بَرْقَةٌ بَعْدَ بَرْقَةٍ
وَخَرّجَهُ النّسَوِيّ مِنْ طَرِيقِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ بِأَتَمّ مِمّا
وَقَعَ فِي السّيرَةِ قَالَ لَمّا أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - أَنْ نَحْفِرَ الْخَنْدَقَ عَرَضَ لَنَا حَجَرٌ لَا يَأْخُذُ فِيهِ
الْمِعْوَلُ فَأَخَذَ الْمِعْوَلَ وَقَالَ " بِسْمِ اللّهِ " ، فَضَرَبَ
ضَرْبَةً فَكَسَرَ ثُلُثَ الصّخْرَةِ وَقَالَ اللّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيت مَفَاتِيحَ
الشّامِ ، وَاَللّهِ إنّي لَأُبْصِرُ قُصُورَهَا الْحُمْرَ مِنْ مَكَانِي هَذَا ،
قَالَ ثُمّ ضَرَبَ أُخْرَى ، وَقَالَ " بِسْمِ اللّهِ " ، وَكَسَرَ
ثُلُثًا آخَرَ قَالَ " اللّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيت مَفَاتِيحَ فَارِسَ ،
وَاَللّهِ إنّي لَأُبْصِرُ قَصْرَ الْمَدَائِنِ الْأَبْيَضَ الْآنَ " ، ثُمّ
ضَرَبَ ثَالِثَةً وَقَالَ " بِسْمِ اللّهِ " ، فَقَطَعَ الْحَجَرَ ،
وَقَالَ " اللّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيت مَفَاتِيحَ الْيَمَنِ ، وَاَللّهِ إنّي
لَأُبْصِرُ بَابَ صَنْعَاءَ [ مِنْ مَكَانِي هَذَا السّاعَةَ ] وَقَوْلُهُ "
فَأْسًا وَلَا مِسْحَاةً " . الْمِسْحَاةُ مِفْعَلَةٌ مِنْ سَحَوْت الطّينَ
إذَا قَشَرْته ، وَيُقَالُ لِحَدّ الْفَأْسِ وَالْمِسْحَاةِ الْغُرَابُ
وَلِنَصْلَيْهِمَا : الْفِعَالُ بِكَسْرِ الْفَاءِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي
حَدِيثِ سَلْمَانَ التّيْمِيّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النّهْدِيّ أَنّهُ عَلَيْهِ
السّلَامُ حِينَ ضَرَبَ فِي الْخَنْدَقِ قَالَ
بِسْمِ اللّهِ وَبِهِ بَدِينَا ... وَلَوْ عَبَدْنَا غَيْرَهُ شَقِينَا
حَبّذَا رَبّا وَحَبّذَا دِينَا
.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْخَنْدَقِ ،
أَقْبَلَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلَتْ بِمُجْتَمَعِ الْأَسْيَالِ مِنْ رُومَةَ ،
بَيْنَ الْجُرُفِ وَزَغَابَةَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَحَابِيشِهِمْ وَمَنْ [ ص
422 ] بَنِي كِنَانَةَ وَأَهْلِ تِهَامَةَ ، وَأَقْبَلَتْ غَطَفَانُ وَمَنْ
تَبِعَهُمْ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ ، حَتّى نَزَلُوا بِذَنَبِ نَقْمَى ، إلَى جَانِبِ
أُحُدٍ . وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَالْمُسْلِمُونَ حَتّى جَعَلُوا ظُهُورَهُمْ إلَى سَلْعٍ ، فِي ثَلَاثَةِ آلَافٍ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبَ هُنَالِكَ عَسْكَرَهُ وَالْخَنْدَقُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْقَوْمِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ
ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمَرَ بِالذّرَارِيّ
وَالنّسَاءِ فَجُعِلُوا فِي الْآطَامِ .Sتَحْقِيقُ اسْمِ زَغَابَةَ
وَقَوْلُهُ حَتّى نَزَلُوا بَيْنَ الْجُرُفِ وَزَغَابَةَ . زَغَابَةُ اسْمُ
مَوْضِعٍ بِالْغَيْنِ الْمَنْقُوطَةِ وَالزّايِ [ ص 422 ] وَذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ
بِهَذَا اللّفْظِ بَعْدَ أَنْ قَدّمَ الْقَوْلَ بِأَنّهُ زُعَابَةُ بِضَمّ الزّايِ
وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَحُكِيَ عَنْ الطّبَرِيّ أَنّهُ قَالَ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ بَيْنَ الْجُرُفِ وَالْغَابَةِ ، وَاخْتَارَ هَذِهِ الرّوَايَةَ
وَقَالَ لِأَنّ زَغَابَةَ لَا تُعْرَفُ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَالْأَعْرَفُ عِنْدِي
فِي هَذِهِ الرّوَايَةِ رِوَايَةُ مَنْ قَالَ زَغَابَةَ بِالْغَيْنِ
الْمَنْقُوطَةِ لِأَنّ فِي الْحَدِيثِ الْمُسْنَدِ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ
قَالَ فِي نَاقَةٍ أَهْدَاهَا إلَيْهِ أَعْرَابِيّ ، فَكَافَأَهُ بِسِتّ بَكَرَاتٍ
فَلَمْ يَرْضَ فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَلَا تَعْجَبُونَ لِهَذَا
الْأَعْرَابِيّ أَهْدَى إلَيّ نَاقَةً أَعْرِفُهَا بِعَيْنِهَا ، كَمَا أَعْرِفُ
بَعْضَ أَهْلِي ذَهَبَتْ مِنّي يَوْمَ زَغَابَةَ ، وَقَدْ كَافَأْته بِسِتّ
فَسَخِطَ . الْحَدِيثَ وَقَالَ ذَنَبِ نُقْمٍ وَنَقْمَى مَعًا
تَحْرِيضُ حُيَيّ بْنِ
أَخْطَبَ لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ
وَخَرَجَ عَدُوّ اللّهِ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ النّضَرِيّ ، حَتّى أَتَى كَعْبَ
بْنَ أَسَدٍ الْقُرَظِيّ ، صَاحِبَ عَقْدِ بَنِي قُرَيْظَةَ وَعَهْدِهِمْ وَكَانَ
قَدْ وَادَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى قَوْمِهِ
وَعَاقَدَهُ عَلَى ذَلِكَ وَعَاهَدَهُ فَلَمّا سَمِعَ كَعْبٌ حَيَيّ بْنَ أَخْطَبَ
أَغْلَقَ دُونَهُ بَابَ حِصْنِهِ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأَبَى أَنْ يَفْتَحَ
لَهُ فَنَادَاهُ حُيَيّ : وَيْحَك يَا كَعْبُ افْتَحْ لِي ، قَالَ وَيْحَك يَا
حُيَيّ : إنّك امْرِئِ مَشْئُومٌ وَإِنّي قَدْ عَاهَدْت مُحَمّدًا ، فَلَسْت
بِنَاقِضِ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَلَمْ أَرَ مِنْهُ إلّا وَفَاءً [ ص 423 ]
قَالَ وَيْحَك افْتَحْ لِي أُكَلّمْك ؛ قَالَ مَا أَنَا بِفَاعِلِ قَالَ وَاَللّهِ
إنْ أَغْلَقْت دُونِي إلّا تَخَوّفْت عَلَى جَشِيشَتِك أَنْ آكُلَ مَعَهَا مِنْهَا
، فَأَحْفَظَ الرّجُلَ فَفَتَحَ لَهُ فَقَالَ وَيْحَك يَا كَعْبُ جِئْتُك بِعِزّ
الدّهْرِ وَبِبَحْرِ طَامٍ جِئْتُك بِقُرَيْشِ عَلَى قَادَتِهَا وَسَادَتِهَا ،
حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِمُجْتَمَعِ مِنْ رُومَةَ ، وَبِغَطَفَانَ عَلَى قَادَتِهَا
وَسَادَتِهَا حَتّى أَنْزَلْتهمْ بِذَنَبِ نَقْمَى إلَى جَانِبِ أُحُدٍ ، قَدْ
عَاهَدُونِي وَعَاقَدُونِي عَلَى أَنْ لَا يَبْرَحُوا حَتّى نَسْتَأْصِلَ
مُحَمّدًا وَمَنْ مَعَهُ . قَالَ فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ جِئْتنِي وَاَللّهِ بِذُلّ
الدّهْرِ وَبِجَهَامِ قَدْ هَرَاقَ مَاءَهُ فَهُوَ يُرْعِدُ وَيُبْرِقُ لَيْسَ
فِيهِ شَيْءٌ وَيْحَك يَا حُيَيّ فَدَعْنِي وَمَا أَنَا عَلَيْهِ فَإِنّي لَمْ
أَرَ مِنْ مُحَمّدٍ إلّا صِدْقًا وَوَفَاءً . فَلَمْ يَزَلْ حُيَيّ بِكَعْبِ
يَفْتِلُهُ فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ حَتّى سَمَحَ لَهُ عَلَى أَنْ أَعْطَاهُ
عَهْدًا مِنْ اللّهِ وَمِيثَاقًا : لَئِنْ رَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ ، وَلَمْ
يُصِيبُوا مُحَمّدًا أَنْ أَدْخُلَ مَعَك فِي حِصْنِك حَتّى يُصِيبَنِي مَا
أَصَابَك . فَنَقَضَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ عَهْدَهُ وَبَرِئَ مِمّا كَانَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
التّحَرّي عَنْ نَقْضِ كَعْبٍ لِلْعَهْدِ
فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ
وَإِلَى الْمُسْلِمِينَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
سَعْدَ بْنَ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْأَوْسِ ،
وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ بَنِي دُلَيْمٍ أَحَدَ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ
الْخَزْرَجِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْخَزْرَجِ وَمَعَهُمَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ،
أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ؛ فَقَالَ انْطَلِقُوا حَتّى تَنْظُرُوا ، أَحَقّ
مَا بَلَغَنَا عَنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ أَمْ لَا ؟ فَإِنْ كَانَ حَقّا
فَالْحَنُوا لِي لَحْنًا أَعْرِفُهُ وَلَا تَفُتّوا فِي أَعْضَادِ النّاسِ وَإِنْ
كَانُوا عَلَى الْوَفَاءِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْهَرُوا بِهِ
لِلنّاسِ . [ ص 424 ] قَالَ فَخَرَجُوا حَتّى أَتَوْهُمْ فَوَجَدُوهُمْ عَلَى
أَخْبَثِ مَا بَلَغَهُمْ عَنْهُمْ نَالُوا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالُوا : مَنْ رَسُولُ اللّهِ ؟ لَا عَهْدَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَلَا عَقْدَ . فَشَاتَمَهُمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَشَاتَمُوهُ
وَكَانَ رَجُلًا فِيهِ حِدّةٌ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : دَعْ عَنْك
مُشَاتَمَتَهُمْ فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَرْبَى مِنْ الْمُشَاتَمَةِ . ثُمّ
أَقْبَلَ سَعْدٌ وَسَعْدٌ وَمَنْ مَعَهُمَا ، إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَلّمُوا عَلَيْهِ ثُمّ قَالُوا : عَضَلٌ وَالْقَارَةُ ، أَيْ
كَغَدْرِ عَضَلٍ وَالْقَارَةِ بِأَصْحَابِ الرّجِيعِ ، خُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ أَكْبَرُ
أَبْشِرُوا يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ [ ص 425 ]
ظُهُورُ نِفَاقِ الْمُنَافِقِينَ وَاشْتِدَادُ خَوْفِ الْمُسْلِمِينَ
وَعَظُمَ عِنْدَ ذَلِكَ الْبَلَاءُ وَاشْتَدّ الْخَوْفُ وَأَتَاهُمْ عَدُوّهُمْ
مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ حَتّى ظَنّ الْمُؤْمِنُونَ كُلّ ظَنّ
وَنَجَمَ النّفَاقُ مِنْ بَعْضِ الْمُنَافِقِينَ حَتّى قَالَ مُعَتّبُ بْنُ
قُشَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ كَانَ مُحَمّدٌ يَعِدُنَا أَنْ
نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا يَأْمَنُ عَلَى
نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إلَى الْغَائِطِ .
أَكَانَ مُعَتّبٌ مُنَافِقًا ؟
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ
مُعَتّبَ بْنَ قُشَيْرٍ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَاحْتَجّ بِأَنّهُ
كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَتّى قَالَ أَوْسُ بْنُ
قَيْظِيّ أَحَدُ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ
بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنْ الْعَدُوّ وَذَلِكَ عَنْ مَلَأٍ مِنْ رِجَالِ قَوْمِهِ
فَأَذِنَ لَنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنَرْجِعَ إلَى دَارِنَا ، فَإِنّهَا خَارِجٌ مِنْ
الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ
عَلَيْهِ الْمُشْرِكُونَ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ لَمْ
تَكُنْ بَيْنَهُمْ حَرْبٌ إلّا الرّمْيَا بِالنّبْلِ وَالْحِصَارُ . قَالَ ابْنُ
هِشَامٍ : وَيُقَالُ الرّمْيَا .Sيَفْتِلُ فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ
وَذَكَرَ حَيَيّ بْنَ أَخْطَبَ ، وَمَا قَالَ لِكَعْبِ وَأَنّهُ لَمْ يَزَلْ
يَفْتِلُ فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ . هَذَا مَثَلٌ وَأَصْلُهُ فِي الْبَعِيرِ
يُسْتَصْعَبُ عَلَيْك فَتَأْخُذُ الْقُرَادَ مِنْ ذِرْوَتِهِ وَغَارِبِ سَنَامِهِ
وَتَفْتِلُ هُنَاكَ فَيَجِدُ الْبَعِيرُ لَذّةً فَيَأْنَسُ عِنْدَ ذَلِكَ فَضُرِبَ
هَذَا الْكَلَامُ مَثَلًا فِي الْمُرَاوَضَةِ وَالْمُخَاتَلَةِ وَكَذَلِكَ جَاءَ
فِي حَدِيثِ ابْنِ الزّبَيْرِ حِينَ أَرَادَ عَائِشَةَ عَلَى الْخُرُوجِ إلَى
الْبَصْرَةِ ، فَأَبَتْ عَلَيْهِ فَجَعَلَ يَفْتِلُ فِي الذّرْوَةِ وَالْغَارِبِ
حَتّى أَجَابَتْهُ . وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ
لَعَمْرُك مَا قُرَادُ بَنِي بَغِيضٍ ... إذَا نُزِعَ الْقُرَادُ بِمُسْتَطَاعِ
يُرِيدُ أَنّهُمْ لَا يُخْدَعُونَ وَلَا يُسْتَذَلّونَ [ ص 423 ]
اللّحْنُ
وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْحَنُوا لِي
لَحْنًا أَعْرِفُهُ وَلَا تَفُتّوا فِي أَعْضَادِ النّاسِ اللّحْنُ الْعُدُولُ
بِالْكَلَامِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَ النّاسِ إلَى وَجْهٍ لَا
يَعْرِفُهُ إلّا صَاحِبُهُ كَمَا أَنّ اللّحْنَ الّذِي هُوَ الْخَطَأُ عُدُولٌ
عَنْ الصّوَابِ الْمَعْرُوفِ . [ ص 424 ] قَالَ السّيرَافِيّ : مَا عَرَفْت
حَقِيقَةَ مَعْنَى النّحْوِ إلّا مِنْ مَعْنَى اللّحْنِ الّذِي هُوَ ضِدّهُ فَإِنّ
اللّحْنَ عُدُولٌ عَنْ طَرِيقِ الصّوَابِ وَالنّحْوُ قَصْدٌ إلَى الصّوَابِ
وَأَمّا اللّحَنُ بِفَتْحِ الْحَاءِ فَأَصْلُهُ مِنْ هَذَا إلّا أَنّهُ إذَا
لَحَنَ لَك لِتَفْهَمَ عَنْهُ فَفَهِمْت سُمّيَ ذَلِكَ الْفَهْمُ لَحَنًا ، ثُمّ
قِيلَ لِكُلّ مَنْ فَهِمَ قَدْ لَحِنَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَأَصْلُهُ مَا
ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْفَهْمِ عَنْ اللّاحِنِ قَالَ الْجَاحِظُ فِي قَوْلِ مَالِكِ
بْنِ أَسْمَاءَ [ بْنِ خَارِجَةَ الْفَزَارِيّ ] :
مَنْطِقٌ صَائِبٌ وَتَلْحَنُ أَحْيَا ... نًا وَخَيْرُ الْحَدِيثِ مَا كَانَ
لَحْنَا
أَرَادَ أَنّ اللّحْنَ الّذِي هُوَ الْخَطَأُ قَدْ يُسْتَمْلَحُ وَيُسْتَطَابُ
مِنْ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السّنّ وَخُطّئَ الْجَاحِظُ فِي هَذَا التّأْوِيلِ
وَأُخْبِرَ بِمَا قَالَهُ الْحَجّاجُ بْنُ يُوسُفَ لِامْرَأَتِهِ هِنْدِ بِنْتِ
أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ حِينَ لَحَنَتْ فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا ، اللّحْنَ
فَاحْتَجّتْ بِقَوْلِ أَخِيهَا مَالِكِ بْنِ أَسْمَاءَ وَخَيْرُ الْحَدِيثِ مَا
كَانَ لَحْنًا
فَقَالَ لَهَا الْحَجّاجُ لَمْ يُرِدْ أَخُوك هَذَا ، إنّمَا أَرَادَ اللّحْنَ
الّذِي هُوَ التّوْرِيَةُ وَالْإِلْغَازُ فَسَكَتَتْ فَلَمّا حُدّثَ الْجَاحِظُ
بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ لَوْ كَانَ بَلَغَنِي هَذَا قَبْلَ أَنْ أُؤَلّفَ
كِتَابَ الْبَيَانِ مَا قُلْت فِي ذَلِكَ مَا قُلْت ، فَقِيلَ لَهُ أَفَلَا
تُغَيّرُهُ ؟ فَقَالَ كَيْفَ وَقَدْ سَارَتْ بِهِ الْبِغَالُ الشّهْبُ وَأَنْجَدَ
فِي الْبِلَادِ وَغَارَ . وَكَمَا قَالَ الْجَاحِظُ فِي مَعْنَى تَلْحَنُ
أَحْيَانًا قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ مِثْلَهُ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ . وَقَوْلُهُ
يَفُتّ فِي أَعْضَادِ النّاسِ أَيْ يَكْسِرُ مِنْ قُوّتِهِمْ وَيُوهِنُهُمْ
وَضُرِبَ الْعَضُدُ مَثَلًا ، وَالْفَتّ : الْكَسْرُ وَقَالَ فِي أَعْضَادِهِمْ
وَلَمْ يَقُلْ يَفُتّ أَعْضَادَهُمْ لِأَنّهُ كِنَايَةٌ عَنْ الرّعْبِ الدّاخِلِ
فِي الْقَلْبِ وَلَمْ يُرِدْ كَسْرًا حَقِيقِيّا ، وَلَا الْعَضُدَ الّذِي هُوَ
الْعُضْوُ وَإِنّمَا هُوَ عِبَارَةٌ عَمّا يَدْخُلُ فِي الْقَلْبِ مِنْ الْوَهْنِ
وَهُوَ مِنْ أَفْصَحِ الْكَلَامِ . [ ص 425 ] وَذَكَرَ أَوْسَ بْنَ قَيْظِيّ
وَهُوَ الْقَائِلُ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَابْنُهُ عَرَابَةُ بْنُ أَوْسٍ كَانَ
سَيّدًا ، وَلَا صُحْبَةَ لَهُ وَقَدْ قِيلَ لَهُ صُحْبَةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ
فِيمَنْ اُسْتُصْغِرَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِيهِ الشّمّاخُ
إذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدِ ... تَلَقّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ
وَلِعَرَابَةَ أَخٌ اسْمُهُ كَبَاثَةُ مَذْكُورٌ فِي الصّحَابَةِ أَيْضًا .
الْهَمّ بِعَقْدِ الصّلْحِ
مَعَ غَطَفَانَ
فَلَمّا اشْتَدّ عَلَى النّاسِ الْبَلَاءُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَمَنْ
لَا أَتّهِمُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ شِهَابٍ
الزّهْرِيّ - إلَى [ ص 426 ] عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ
، وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي حَارِثَةَ الْمُرّيّ ، وَهُمَا
قَائِدَا غَطَفَانَ ، فَأَعْطَاهُمَا ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ عَلَى أَنْ
يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَجَرَى بَيْنَهُ
وَبَيْنَهُمَا الصّلْحُ حَتّى كَتَبُوا الْكِتَابَ وَلَمْ تَقَعْ الشّهَادَةُ وَلَا
عَزِيمَةُ الصّلْحِ إلّا الْمُرَاوَضَةَ فِي ذَلِكَ . فَلَمّا أَرَادَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَفْعَلَ بَعَثَ إلَى سَعْدِ بْنِ
مُعَاذٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمَا ، وَاسْتَشَارَهُمَا
فِيهِ فَقَالَا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَمْرًا نُحِبّهُ فَنَصْنَعُهُ أَمْ
شَيْئًا أَمَرَك اللّهُ بِهِ لَا بُدّ لَنَا مِنْ الْعَمَلِ بِهِ أَمْ شَيْئًا
تَصْنَعُهُ لَنَا ؟ قَالَ بَلْ شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ ، وَاَللّهِ مَا أَصْنَعُ
ذَلِكَ إلّا لِأَنّنِي رَأَيْت الْعَرَبَ قَدْ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ
وَكَالَبُوكُمْ مِنْ كُلّ جَانِبٍ فَأَرَدْت أَنْ أَكْسِرَ عَنْكُمْ مِنْ
شَوْكَتِهِمْ إلَى أَمْرٍ مَا ؛ فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا رَسُولَ
اللّهِ قَدْ كُنّا نَحْنُ وَهَؤُلَاءِ الْقَوْمُ عَلَى الشّرْكِ بِاَللّهِ وَعِبَادَةِ
الْأَوْثَانِ لَا نَعْبُدُ اللّهَ وَلَا نَعْرِفُهُ . وَهُمْ لَا يَطْمَعُونَ أَنْ
يَأْكُلُوا مِنْهَا تَمْرَةً إلّا قِرَى أَوْ بَيْعًا ، أَفَحِينَ أَكْرَمَنَا
اللّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ وَأَعَزّنَا بِك وَبِهِ نُعْطِيهِمْ
أَمْوَالَنَا ( وَاَللّهِ ) مَا لَنَا بِهَذَا مِنْ حَاجَةٍ وَاَللّهِ لَا
نُعْطِيهِمْ إلّا السّيْفَ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْتَ وَذَاكَ . فَتَنَاوَلَ
سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الصّحِيفَةَ فَمَحَا مَا فِيهَا مِنْ الْكِتَابِ ثُمّ قَالَ
لِيَجْهَدُوا عَلَيْنَاSمُصَالَحَةُ الْأَحْزَابِ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ مَا هَمّ بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مُصَالَحَةِ
الْأَحْزَابِ عَلَى ثُلُثِ تَمْرِ الْمَدِينَةِ ، وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ جَوَازُ
إعْطَاءِ الْمَالِ لِلْعَدُوّ إذَا كَانَ فِيهِ نَظَرُ الْمُسْلِمِينَ وَحِيَاطَةٌ
لَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ [ ص 426 ] الْخَبَرَ ، وَأَنّهُ أَمْرٌ
مَعْمُولٌ بِهِ وَذَكَرَ أَنّ مُعَاوِيَةَ صَالَحَ مَلِكَ الرّومِ عَلَى الْكَفّ
عَنْ ثُغُورِ الشّامِ بِمَالِ دَفَعَهُ إلَيْهِ قِيلَ كَانَ مِائَةَ أَلْفِ
دِينَارٍ ، وَأَخَذَ مِنْ الرّومِ رَهْنًا ، فَغَدَرَتْ الرّومُ ، وَنَقَضَتْ
الصّلْحَ فَلَمْ يَرَ مُعَاوِيَةُ قَتْلَ الرّهَائِنِ وَأَطْلَقَهُمْ وَقَالَ
وَفَاءً بِغَدْرِ خَيْرٌ مِنْ غَدْرٍ بِغَدْرِ قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيّ
وَأَهْلِ الشّامِ أَلّا تُقْتَلَ الرّهَائِنُ وَإِنْ غَدَرَ الْعَدُوّ .
عُبُورُ نَفَرٍ مِنْ
الْمُشْرِكِينَ الْخَنْدَقَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَالْمُسْلِمُونَ وَعَدُوّهُمْ مُحَاصِرُوهُمْ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ
إلّا أَنّ فَوَارِسَ مِنْ قُرَيْشٍ ، مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ بْنِ
أَبِي قَيْسٍ ، أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ . - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
وَيُقَال : عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ أَبِي قَيْسٍ - قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعِكْرِمَةُ
بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّانِ وَضِرَارُ
بْنُ الْخَطّابِ الشّاعِرُ ابْنُ مِرْدَاسٍ أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْر ٍ ،
تَلَبّسُوا لِلْقِتَالِ ثُمّ خَرَجُوا عَلَى خَيْلِهِمْ حَتّى مَرّوا بِمَنَازِلِ
بَنِي كِنَانَةَ ، فَقَالُوا : تَهَيّئُوا يَا بَنِي كِنَانَةَ لِلْحَرْبِ
فَسَتَعْلَمُونَ مِنْ الْفُرْسَانُ الْيَوْمَ ثُمّ أَقْبَلُوا تُعْنِقُ بِهِمْ
خَيْلُهُمْ حَتّى وَقَفُوا عَلَى الْخَنْدَقِ ، فَلَمّا رَأَوْهُ قَالُوا :
وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَمَكِيدَةٌ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَكِيدُهَا . [ ص 427 ]
سَلْمَانُ وَإِشَارَتُهُ بِحَفْرِ الْخَنْدَقِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ إنّ سَلْمَانَ الْفَارِسِيّ أَشَارَ بِهِ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ
الْعِلْمِ أَنّ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَالُوا : سَلْمَانُ مِنّا ؛
وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : سَلْمَانُ مِنّا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلْمَانُ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِSسَلْمَانُ مِنّا
[ ص 427 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ سَلْمَانُ مِنّا أَهْلَ الْبَيْتِ
بِالنّصْبِ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوْ عَلَى إضْمَارِ أَعْنِي ، وَأَمّا الْخَفْضُ
عَلَى الْبَدَلِ فَلَمْ يَرَهُ سِيبَوَيْهِ جَائِزًا مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلّمِ
وَلَا مِنْ ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ لِأَنّهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَجَازَهُ الْأَخْفَشُ
.
مُبَارَزَةُ عَلِيّ لِعَمْرِو
بْنِ عَبْدِ وُدّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ تَيَمّمُوا مَكَانًا ضَيّقًا مِنْ الْخَنْدَقِ ،
فَضَرَبُوا خَيْلَهُمْ فَاقْتَحَمَتْ مِنْهُ فَجَالَتْ بِهِمْ فِي السّبْخَةِ
بَيْنَ الْخَنْدَقِ وَسَلْعٍ ، وَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ
السّلَامُ فِي نَفَرٍ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتّى أَخَذُوا عَلَيْهِمْ
الثّغْرَةَ الّتِي أَقْحَمُوا مِنْهَا خَيْلَهُمْ وَأَقْبَلَتْ الْفُرْسَانُ
تُعْنِقُ نَحْوَهُمْ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ قَدْ قَاتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ
حَتّى أَثْبَتَتْهُ الْجِرَاحَةُ فَلَمْ يَشْهَدْ يَوْمَ أُحُدٍ ، فَلَمّا كَانَ
يَوْمُ الْخَنْدَقِ خَرَجَ مُعْلِمًا لِيُرَى مَكَانُهُ . فَلَمّا وَقَفَ هُوَ
وَخَيْلُهُ قَالَ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَبَرَزَ لَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
فَقَالَ لَهُ يَا عَمْرُو ، إنّك قَدْ كُنْت عَاهَدْت اللّهَ أَلّا [ ص 428 ]
يَدْعُوك رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى إحْدَى خَلّتَيْنِ إلّا أَخَذْتهَا مِنْهُ
قَالَ لَهُ أَجَلْ قَالَ لَهُ عَلِيّ : فَإِنّي أَدْعُوك إلَى اللّهِ وَإِلَى
رَسُولِهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ قَالَ فَإِنّي
أَدْعُوك إلَى النّزَالِ فَقَالَ لَهُ لِمَ يَا ابْنَ أَخِي ؟ فَوَاَللّهِ مَا
أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك ، قَالَ لَهُ عَلِيّ : لَكِنّي وَاَللّهِ أُحِبّ أَنْ
أَقْتُلَك ، فَحَمِيَ عَمْرٌو عِنْدَ ذَلِكَ فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهُ
وَضَرَبَ وَجْهَهُ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيّ فَتَنَازَلَا وَتَجَاوَلَا ،
فَقَتَلَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً
حَتّى اقْتَحَمَتْ مِنْ الْخَنْدَقِ هَارِبَةً . [ ص 429 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ :
وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ
نَصَرَ الْحِجَارَةَ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ ... وَنَصَرْت رَبّ مُحَمّدٍ
بِصَوَابِي
فَصَدَدْت حِينَ تَرَكْته مُتَجَدّلًا ... كَالْجِذْعِ بَيْنَ دَكَادِكٍ
وَرَوَابِي
وَعَفَفْت عَنْ أَثْوَابِهِ وَلَوْ أَنّنِي ... كُنْت الْمُقَطّرَ بَزّنِي
أَثْوَابِي
لَا تَحْسَبُنّ اللّهَ خَاذِلَ دِينِهِ ... وَنَبِيّهِ يَا مَعْشَرَ الْأَحْزَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَشُكّ فِيهَا
لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ .
شِعْرُ حَسّانَ فِي عِكْرِمَةَ
[ ص 430 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَلْقَى عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ
رُمْحَهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مُنْهَزِمٌ عَنْ عَمْرٍو ، فَقَالَ حَسّانُ بْنُ
ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
فَرّ وَأَلْقَى لَنَا رُمْحَهُ ... لَعَلّك عِكْرِمَ لَمْ تَفْعَلْ
وَوَلّيْت تَعْدُو كَعَدْوِ الظّلِيمِ ... مَا إنْ تَجُورَ عَنْ الْمَعْدِلِ
وَلَمْ تَلْقَ ظَهْرَك مُسْتَأْنِسًا ... كَأَنّ قَفَاك قَفَا فُرْعُلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْفُرْعُلُ صَغِيرُ الضّبَاعِ وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي
أَبْيَاتٍ لَهُ .Sحَوْلَ مُبَارَزَةِ ابْنِ وُدّ لِعَلِيّ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ خَبَرَ عَمْرِو بْنِ وُدّ الْعَامِرِيّ ، وَمُبَارَزَتَهُ لِعَلِيّ إلَى
آخِرِ الْقِصّةِ وَوَقَعَ فِي مَغَازِي ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ
ابْنِ هِشَامٍ عَنْ الْبَكّائِيّ فِيهَا زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ رَأَيْت أَنْ
أُورِدَهَا هُنَا تَتْمِيمًا لِلْخَبَرِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إنّ عَمْرَو
بْنَ وُدّ خَرَجَ فَنَادَى : هَلْ مِنْ مُبَارِزٍ ؟ فَقَامَ عَلِيّ - رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ - وَهُوَ مُقَنّعٌ بِالْحَدِيدِ فَقَالَ أَنَا لَهُ يَا نَبِيّ
اللّهِ فَقَالَ " إنّهُ عَمْرٌو اجْلِسْ " ، وَنَادَى عَمْرٌو أَلَا
رَجُلٌ يُؤَنّبُهُمْ وَيَقُولُ أَيْنَ جَنّتُكُمْ الّتِي تَزْعُمُونَ أَنّهُ مَنْ
قُتِلَ مِنْكُمْ دَخَلَهَا ، أَفَلَا تُبْرِزُونَ لِي رَجُلًا ، فَقَامَ عَلِيّ ،
فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ " اجْلِسْ إنّهُ عَمْرٌو "
ثُمّ نَادَى الثّالِثَةَ وَقَالَ [ ص 428 ]
وَلَقَدْ بَحِحْت مِنْ النّدَا ... ءِ بِجَمْعِكُمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزْ ؟
وَوَقَفْت إذْ جَبُنَ الْمُشَ ... جّعُ مَوْقِفَ الْقِرْنِ الْمُنَاجِزْ
وَكَذَاك إنّي لَمْ أَزَلْ ... مُتَسَرّعًا قَبْلَ الْهَزَاهِزْ
إنّ الشّجَاعَةَ فِي الْفَتَى ... وَالْجُودَ مِنْ خَيْرِ الْغَرَائِزْ
فَقَامَ عَلِيّ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا لَهُ فَقَالَ " إنّهُ
عَمْرٌو " ، فَقَالَ وَإِنْ كَانَ عَمْرًا ، فَأَذِنَ لَهُ النّبِيّ - صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَمَشَى إلَيْهِ عَلِيّ ، حَتّى أَتَاهُ وَهُوَ
يَقُولُ
لَا تَعْجَلَنّ فَقَدْ أَتَا ... ك مُجِيبُ صَوْتِك غَيْرَ عَاجِزْ
ذُو نِيّةٍ وَبَصِيرَةٍ ... وَالصّدْقُ مُنْجِي كُلّ فَائِزْ
إنّي لَأَرْجُو أَنْ أُقِ ... يمَ عَلَيْك نَائِحَةَ الْجَنَائِزْ
مِنْ ضَرْبَةٍ نَجْلَاءَ يَبْ ... قَى ذِكْرُهَا عِنْدَ الْهَزَاهِزْ
فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو : مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا عَلِيّ ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ
مَنَافٍ ؟ قَالَ أَنَا ابْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ غَيْرَك يَا ابْنَ أَخِي مِنْ
أَعْمَامِك مَنْ هُوَ أَسَنّ مِنْك ، فَإِنّي أَكْرَهُ أَنْ أُهْرِيقَ دَمَك ،
فَقَالَ لَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلَكِنّي وَاَللّهِ لَا أَكْرَهُ أَنْ
أُهْرِيقَ دَمَك ، فَغَضِبَ وَنَزَلَ فَسَلّ سَيْفَهُ كَأَنّهُ شُعْلَةُ نَارٍ
ثُمّ أَقْبَلَ نَحْوَ عَلِيّ مُغْضَبًا ، وَذَكَرَ أَنّهُ كَانَ عَلَى فَرَسِهِ
فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : كَيْفَ أُقَاتِلُك وَأَنْتَ عَلَى فَرَسِك ، وَلَكِنْ
انْزِلْ مَعِي ، فَنَزَلَ عَنْ فَرَسِهِ ثُمّ أَقْبَلَ نَحْوَ عَلِيّ
وَاسْتَقْبَلَهُ عَلِيّ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - بِدَرَقَتِهِ فَضَرَبَهُ عَمْرٌو
فِيهَا فَقَدّهَا وَأَثْبَتَ فِيهَا السّيْفَ وَأَصَابَ رَأْسَهُ فَشَجّهُ
وَضَرَبَهُ عَلِيّ عَلَى حَبْلِ الْعَاتِقِ فَسَقَطَ وَثَارَ الْعَجَاجُ وَسَمِعَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ التّكْبِيرَ فَعَرَفَ أَنّ عَلِيّا -
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - قَدْ قَتَلَهُ فَثَمّ يَقُولُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
[ ص 429 ]
أَعَلَيّ تَقْتَحِمُ الْفَوَارِسُ هَكَذَا ... عَنّي وَعَنْهُ أَخّرُوا أَصْحَابِي
فَالْيَوْمَ تَمْنَعُنِي الْفِرَارَ حَفِيظَتِي ... وَمُصَمّمٌ فِي الرّأْسِ
لَيْسَ بِنَابِي
أَدّى عُمَيْرٌ حِينَ أُخْلِصَ صَقْلُهُ ... صَافِي الْحَدِيدَةِ يَسْتَفِيضُ
ثَوَابِي
فَغَدَوْت أَلْتَمِسُ الْقِرَاعَ بِمُرْهَفِ ... عَضْبٍ مَعَ الْبَثْرَاءِ فِي
أَقْرَابِ
قَالَ ابْنُ عَبْدٍ حِينَ شَدّ أَلِيّةً ... وَحَلَفْت فَاسْتَمِعُوا مِنْ
الْكَذّابِ
أَلّا يَفِرّ وَلَا يُهَلّلَ فَالْتَقَى ... رَجُلَانِ يَلْتَقِيَانِ كُلّ ضِرَابِ
وَبَعْدَهُ نَصَرَ الْحِجَارَةَ إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ إلّا أَنّهُ رُوِيَ
عَبَدَ الْحِجَارَةَ وَعَبَدْت رَبّ مُحَمّدٍ وَرُوِيَ فِي مَوْضِعٍ وَلَقَدْ
بَحِحْت : وَلَقَدْ عَجِبْت ، وَيُرْوَى : فَالْتَقَى أَسَدَانِ يَضْطَرِبَانِ
كُلّ ضِرَابِ وَفِيهِ إنْصَافٌ مِنْ عَلِيّ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - لِقَوْلِهِ
أَسَدَانِ وَنَسَبِهِ إلَى الشّجَاعَةِ وَالنّجْدَةِ . وَقَوْلُهُ أَدّى عُمَيْرٌ
إلَى قَوْلِهِ ثَوَابِي ، أَيْ أَدّى إلَيّ ثَوَابِي ، وَأَحْسَنَ جَزَائِي حِينَ
أَخْلَصَ صَقْلَهُ ثُمّ أَقْبَلَ نَحْوَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَهُوَ مُتَهَلّلٌ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
هَلّا سَلَبْته دِرْعَهُ فَإِنّهُ لَيْسَ فِي الْعَرَبِ دِرْعٌ خَيْرٌ مِنْهَا ،
فَقَالَ إنّي حِينَ ضَرَبْته اسْتَقْبَلَنِي بِسَوْأَتِهِ فَاسْتَحْيَيْت ابْنَ
عَمّي أَنْ أَسْتَلِبَهُ وَخَرَجَتْ خَيْلُهُمْ مُنْهَزِمَةً حَتّى اقْتَحَمَتْ
الْخَنْدَقَ هَارِبَةً فَمِنْ هُنَا لَمْ يَأْخُذْ عَلِيّ سَلَبَهُ وَقِيلَ
تَنَزّهَ عَنْ أَخْذِهَا ، وَقِيلَ إنّهُمْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيّةِ إذَا
قَتَلُوا الْقَتِيلَ لَا يَسْلُبُونَهُ ثِيَابَهُ . وَقَوْلُ عَمْرٍو لِعَلِيّ
وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك ، زَادَ فِيهِ غَيْرُهُ فَإِنّ أَبَاك كَانَ
لِي صَدِيقًا ، قَالَ الزّبَيْرُ كَانَ أَبُو طَالِبٍ يُنَادِمُ مُسَافِرَ بْنَ
أَبِي عَمْرٍو ، فَلَمّا هَلَكَ اتّخَذَ عَمْرَو بْنَ وُدّ نَدِيمًا ، فَلِذَلِكَ
قَالَ لِعَلِيّ حِينَ بَارَزَهُ مَا قَالَ .
الْفُرْعُلُ
[ ص 430 ] عِكْرِمَةَ : كَأَنّ قَفَاك قَفَا فُرْعُلِ
الْفُرْعُلُ وَلَدُ الضّبْعِ . وَذَكَرَ قَوْلَ سَعْدٍ لَبّثْ قَلِيلًا يَلْحَقْ
الْهَيْجَا حَمَلْ
هُوَ بَيْتٌ تَمَثّلَ بِهِ عَنَى بِهِ حَمَلَ بْنَ سَعْدَانَةَ بْنِ حَارِثَةَ
بْنِ مَعْقِلِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُلَيْمِ بْنِ جَنَابٍ الْكَلْبِيّ . وَقَوْلُهُ
يَرْقَدّ بِالْحَرْبَةِ أَيْ يُسْرِعُ بِهَا ، يُقَالُ ارْقَدّ وَارْمَدّ
بِمَعْنَى وَاحِدٍ . قَالَ ذُو الرّمّةِ
يَرْقَدّ فِي أَثَرِ عَرّاصٍ وَتَتْبَعُهُ ... صَهْبَاءُ شَامِيّةٌ عُثْنُونُهَا
حَصِبُ
[ ص 431 ]
شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ
وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ وَبَنِيّ قُرَيْظَةَ : حم ، لَا يُنْصَرُونَ
حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبُو لَيْلَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلِ بْنِ
عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيّ ، أَخُو بَنِي حَارِثَةَ : أَنّ
عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي حِصْنِ بَنِي حَارِثَةَ يَوْمَ
الْخَنْدَقِ ، وَكَانَ مِنْ أَحْرَزِ حُصُونِ الْمَدِينَةِ . قَالَ وَكَانَتْ أُمّ
سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ مَعَهَا فِي الْحِصْنِ . فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَذَلِكَ قَبْلَ
أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ فَمَرّ سَعْدٌ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ
مُقَلّصَةٌ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهَا ذِرَاعُهُ كُلّهَا ، وَفِي يَدِهِ حَرْبَتُهُ
يَرْفُلُ بِهَا وَيَقُولُ
لَبّثْ قَلِيلًا يَشْهَدْ الْهَيْجَا حَمَلْ ... لَا بَأْسَ بِالْمَوْتِ إذَا
حَانَ الْأَجَلْ
[ ص 431 ] قَالَ فَقَالَتْ لَهُ أُمّهُ الْحَقْ أَيْ بُنَيّ فَقَدْ وَاَللّهِ
أَخّرْت ؛ قَالَتْ عَائِشَةُ فَقُلْت لَهَا : يَا أُمّ سَعْدٍ وَاَللّهِ لَوَدِدْت
أَنّ دِرْعَ سَعْدٍ كَانَتْ أَسْبَغَ مِمّا هِيَ قَالَتْ وَخِفْت عَلَيْهِ حَيْثُ
أَصَابَ السّهْمُ مِنْهُ فَرُمِيَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ بِسَهْمِ فَقَطَعَ مِنْهُ
الْأَكْحَلَ رَمَاهُ كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، حِبّانُ
بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ أَحَدُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، فَلَمّا
أَصَابَهُ قَالَ خُذْهَا مِنّي وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ
عَرّقَ اللّهُ وَجْهَك فِي النّارِ اللّهُمّ إنْ كُنْت أَبْقَيْت مِنْ حَرْبِ
قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا ، فَإِنّهُ لَا قَوْمَ أَحَبّ إلَيّ أَنْ
أُجَاهِدَهُمْ مِنْ قَوْمٍ آذَوْا رَسُولَك وَكَذّبُوهُ وَأَخْرَجُوهُ اللّهُمّ
وَإِنْ كُنْت قَدْ وَضَعْت الْحَرْبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ فَاجْعَلْهُ لِي
شَهَادَةً وَلَا تُمِتْنِي حَتّى تُقِرّ عَيْنَيّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ .
مَنْ قَاتِلُ سَعْدٍ ؟
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ مَا أَصَابَ سَعْدًا يَوْمَئِذٍ إلّا
أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ ، حَلِيفُ بَنِي مَخْزُوم ٍ . [ ص 432 ] قَالَ أَبُو
أُسَامَةَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ
أَعِكْرِمَ هَلّا لُمْتنِي إذْ تَقُولُ لِي ... فِدَاك بِآطَامِ الْمَدِينَةِ
خَالِدُ
أَلَسْت الّذِي أَلْزَمْت سَعْدًا مُرِشّةً ... لَهَا بَيْنَ أَثْنَاءِ
الْمَرَافِقِ عَانِدُ
قَضَى نَحْبَهُ مِنْهَا سُعَيْدٌ فَأَعْوَلَتْ ... عَلَيْهِ مَعَ الشّمْطِ
الْعَذَارَى النّوَاهِدُ
وَأَنْتَ الّذِي دَافَعْت عَنْهُ وَقَدْ دَعَا ... عُبَيْدَةُ جَمْعًا مِنْهُمْ
إذْ يُكَابِدُ
عَلَى حِينِ مَا هُمْ جَائِرٌ عَنْ طَرِيقِهِ ... وَآخَرُ مَرْعُوبٌ عَنْ
الْقَصْدِ قَاصِدُ
( وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ ) . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ إنّ
الّذِي رَمَى سَعْدًا خَفَاجَةُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ حِبّانَ .Sابْنُ الْعَرِقَةِ
وَأُمّ سَعْدٍ
وَابْنُ الْعَرِقَةِ الّذِي رَمَى سَعْدًا هُوَ حِبّانُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْعَرِقَةِ
وَالْعَرِقَةُ هِيَ قِلَابَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمِ [ بْنِ
سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ] تُكَنّى أُمّ
فَاطِمَةَ سُمّيَتْ الْعَرِقَةَ لِطِيبِ رِيحِهَا ، وَهِيَ جَدّةُ خَدِيجَةَ أُمّ
أُمّهَا هَالَةُ وَحِبّانُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ مُنْقِدِ بْنِ عَمْرِو
بْنِ مَعِيصَ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ . وَأُمّ سَعْدٍ اسْمُهَا : كَبْشَةُ
بِنْتُ رَافِعِ [ بْنِ عُبَيْدٍ ] .
حَوْلَ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ
وَحَدِيثُ اهْتِزَازِ الْعَرْشِ ثَابِتٌ مِنْ وُجُوهٍ وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ
أَنّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ نَزَلَ حِينَ مَاتَ سَعْدٌ مُعْتَجِرًا
بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ مَنْ هَذَا الْمَيّتُ الّذِي
فُتّحَتْ لَهُ أَبْوَابُ السّمَاءِ وَاهْتَزّ لَهُ الْعَرْشُ ؟ وَفِي حَدِيثٍ
آخَرَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لَقَدْ نَزَلَ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ
سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَا وَطِئُوا الْأَرْضَ قَبْلَهَا وَيُذْكَرُ أَنّ
قَبْرَهُ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَةُ الْمِسْكِ وَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لَوْ
نَجَا أَحَدٌ مِنْ ضَغْطَةِ الْقَبْرِ لَنَجَا مِنْهَا سَعْد وَفِي كِتَابِ [ ص
432 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَلَسَ عَلَى قَبْرِ سَعْدٍ حِينَ وُضِعَ
فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَ اللّهِ لِهَذَا الْعَبْدِ الصّالِحِ ضُمّ فِي قَبْرِهِ
ضَمّةً ثُمّ فُرّجَ عَنْهُ وَأَمّا ضَغْطَةُ الْقَبْرِ الّتِي ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ
فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا قَالَتْ يَا
رَسُولَ اللّهِ مَا انْتَفَعْت بِشَيْءِ مُنْذُ سَمِعْتُك تَذْكُرُ ضَغْطَةَ
الْقَبْرِ وَضَمّتَهُ [ وَصَوْتَ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ ] فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إنّ
ضَغْطَةَ الْقَبْرِ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَوْ قَالَ ضَمّةُ الْقَبْرِ عَلَى
الْمُؤْمِنِ كَضَمّةِ الْأُمّ الشّفِيقَةِ يَدَيْهَا عَلَى رَأْسِ ابْنِهَا ،
يَشْكُو إلَيْهَا الصّدَاعَ وَصَوْتُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ كَالْكُحْلِ فِي
الْعَيْنِ وَلَكِنْ يَا عَائِشَةُ وَيْلٌ لِلشّاكّينَ [ فِي اللّهِ ] أُولَئِكَ
الّذِينَ يُضْغَطُونَ فِي قُبُورِهِمْ ضَغْطَ الْبَيْضِ عَلَى الصّخْر ذَكَرَهُ
أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيّ فِي كِتَابِ الْمُعْجَمِ . وَذَكَرَ ابْنُ
إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ [ يُونُسَ ] الشّيْبَانِيّ عَنْهُ قَالَ حَدّثَنِي
أُمَيّةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَالَ قُلْت لِبَعْضِ أَهْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ :
مَا بَلَغَكُمْ فِي هَذَا ، يَعْنِي : الضّمّةَ الّتِي انْضَمّهَا الْقَبْرُ
عَلَيْهِ ؟ قَالَ كَانَ يُقَصّرُ فِي بَعْضِ الطّهُورِ مِنْ الْبَوْلِ بَعْضَ
التّقْصِيرِ .
الْحَدِيثُ عَنْ جُبْنِ
حَسّانَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ [ ص 433 ] كَانَتْ صَفِيّةُ بِنْتُ
عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي فَارِعٍ ، حِصْنِ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ ؛ قَالَتْ وَكَانَ
حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ مَعَنَا فِيهِ مَعَ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ قَالَتْ
صَفِيّةُ فَمَرّ بِنَا رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ فَجَعَلَ يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَقَدْ
حَارَبَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَقَطَعَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ أَحَدٌ يَدْفَعُ
عَنّا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي
نُحُورِ عَدُوّهِمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْصَرِفُوا عَنْهُمْ إلَيْنَا إنْ
أَتَانَا آتٍ . قَالَتْ فَقُلْت : يَا حَسّانُ إنّ هَذَا الْيَهُودِيّ كَمَا تَرَى
يُطِيفُ بِالْحِصْنِ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا آمَنُهُ أَنْ يَدُلّ عَلَى عَوْرَتِنَا
مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ يَهُودَ وَقَدْ شُغِلَ عَنّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ فَانْزِلْ إلَيْهِ فَاقْتُلْهُ قَالَ يَغْفِرُ
اللّهُ لَك يَا ابْنَةَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْت مَا أَنَا
بِصَاحِبِ هَذَا : قَالَتْ فَلَمّا قَالَ لِي ذَلِكَ وَلَمْ أَرَ عِنْدَهُ شَيْئًا
، احْتَجَزْت ثُمّ أَخَذْت عَمُودًا ، ثُمّ نَزَلْت مِنْ الْحِصْنِ إلَيْهِ
فَضَرَبْته بِالْعَمُودِ حَتّى تَقْتُلَهُ . قَالَتْ فَلَمّا فَرَغْت مِنْهُ
رَجَعْت إلَى الْحِصْنِ فَقُلْت : يَا حَسّانُ انْزِلْ إلَيْهِ فَاسْلُبْهُ
فَإِنّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ سَلَبِهِ إلّا أَنّهُ رَجُلٌ قَالَ مَا لِي
بِسَلَبِهِ مِنْ حَاجَةٍ يَا ابْنَةَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .Sأَكَانَ حَسّانُ
جَبَانًا ؟
فَصْلٌ
وَذَكَرَ حَدِيثَ حَسّانَ حِينَ جُعِلَ فِي الْآطَامِ مَعَ النّسَاءِ
وَالصّبْيَانِ وَمَا قَالَتْ لَهُ صَفِيّةُ فِي أَمْرِ الْيَهُودِيّ حِينَ
قَتَلَتْهُ وَمَا قَالَ لَهَا ، وَمَحْمَلُ هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ النّاسِ عَلَى
أَنّ [ ص 433 ] كَانَ جَبَانًا شَدِيدَ الْجُبْنِ وَقَدْ دَفَعَ هَذَا بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ وَأَنْكَرَهُ وَذَلِكَ أَنّهُ حَدِيثٌ مُنْقَطِعُ الْإِسْنَادِ
وَقَالَ لَوْ صَحّ هَذَا لَهُجِيَ بِهِ حَسّانُ فَإِنّهُ كَانَ يُهَاجِي
الشّعَرَاءَ كَضِرَارِ وَابْنِ الزّبَعْرَى ، وَغَيْرِهِمَا ، وَكَانَ
يُنَاقِضُونَهُ وَيَرُدّونَ عَلَيْهِ فَمَا عَيّرَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِجُبْنِ
وَلَا وَسَمَهُ بِهِ فَدَلّ هَذَا عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَإِنْ
صَحّ فَلَعَلّ حَسّانَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَلّا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِعِلّةِ مِنْ
شُهُودِ الْقِتَالِ وَهَذَا أَوْلَى مَا تَأَوّلَ عَلَيْهِ وَمِمّنْ أَنْكَرَ أَنْ
يَكُونَ هَذَا صَحِيحًا أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللّهُ فِي كِتَابِ الدّرَرِ لَهُ .
نُعَيْمٌ يُخَذّلُ
الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَصْحَابُهُ فِيمَا وَصَفَ اللّهُ مِنْ الْخَوْفِ وَالشّدّةِ لِتَظَاهُرِ
عَدُوّهِمْ عَلَيْهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ إيّاهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ أَسْفَلَ
مِنْهُمْ . قَالَ ثُمّ إنّ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ
بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ قُنْفُدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ
رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ أَسْلَمْت ، وَإِنّ قَوْمِي لَمْ يَعْلَمُوا
بِإِسْلَامِي ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْت ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا أَنْتَ فِينَا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، فَخَذّلْ عَنّا إنْ
اسْتَطَعْت ، فَإِنّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ فَخَرَجَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتّى
أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَكَانَ لَهُمْ نَدِيمًا فِي الْجَاهِلِيّةِ فَقَالَ يَا
بَنِي قُرَيْظَةَ قَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي إيّاكُمْ وَخَاصّةَ مَا بَيْنِي
وَبَيْنَكُمْ قَالُوا : صَدَقْت ، لَسْت عِنْدَنَا بِمُتّهَمِ فَقَالَ لَهُمْ إنّ
قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ لَيْسُوا كَأَنْتُمْ الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ فِيهِ
أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ
تَحَوّلُوا مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ وَإِنّ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ قَدْ جَاءُوا
لِحَرْبِ مُحَمّدٍ [ ص 434 ] وَنِسَاؤُهُمْ بِغَيْرِهِ فَلَيْسُوا كَأَنْتُمْ
فَإِنْ رَأَوْا نُهْزَةً أَصَابُوهَا ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ لَحِقُوا
بِبِلَادِهِمْ وَخَلّوْا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الرّجُلِ بِبَلَدِكُمْ وَلَا طَاقَةَ
لَكُمْ بِهِ إنْ خَلَا بِكُمْ فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ الْقَوْمِ حَتّى تَأْخُذُوا
مِنْهُمْ رُهُنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ يَكُونُونَ بِأَيْدِيكُمْ ثِقَةً لَكُمْ
عَلَى أَنْ تُقَاتِلُوا مَعَهُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُنَاجِزُوهُ فَقَالُوا لَهُ
لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى قُرَيْشًا ، فَقَالَ لِأَبِي
سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ رِجَالِ قُرَيْشٍ : قَدْ عَرَفْتُمْ
وُدّي لَكُمْ وَفِرَاقِي مُحَمّدًا ، وَإِنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَمْرٌ قَدْ رَأَيْت
عَلَيّ حَقّا أَنْ أُبَلّغَكُمُوهُ نُصْحًا لَكُمْ فَاكْتُمُوا عَنّي ؛ فَقَالُوا
: نَفْعَلُ قَالَ تَعْلَمُوا أَنّ مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا
صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَقَدْ أَرْسَلُوا إلَيْهِ أَنْ
قَدْ نَدِمْنَا عَلَى مَا فَعَلْنَا ، فَهَلْ يُرْضِيك أَنْ نَأْخُذَ لَك مِنْ
الْقَبِيلَتَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِجَالًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ
فَنُعْطِيَكَهُمْ فَتَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ثُمّ نَكُونَ مَعَك عَلَى مَنْ بَقِيَ
مِنْهُمْ حَتّى نَسْتَأْصِلَهُمْ ؟ فَأَرْسَلَ إلَيْهِمْ أَنْ نَعَمْ . فَإِنْ
بَعَثَتْ إلَيْكُمْ يَهُودُ يَلْتَمِسُونَ مِنْكُمْ رُهُنًا مِنْ رِجَالِكُمْ
فَلَا تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ مِنْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى
غَطَفَانَ ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ ، إنّكُمْ أَصْلِي وَعَشِيرَتِي ،
وَأَحَبّ النّاسِ إلَيّ وَلَا أَرَاكُمْ تَتّهِمُونِي ، قَالُوا : صَدَقْت ، مَا
أَنْتَ عِنْدَنَا بِمُتّهَمِ قَالَ فَاكْتُمُوا عَنّي ، قَالُوا : نَفْعَلُ فَمَا
أَمْرُك ؟ ثُمّ قَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشِ وَحَذّرَهُمْ مَا
حَذّرَهُمْ . فَلَمّا كَانَتْ لَيْلَةُ السّبْتِ مِنْ شَوّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ
وَكَانَ مِنْ صُنْعِ اللّهِ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ
أَرْسَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَرُءُوسُ غَطَفَانَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ
عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ ، فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ ، فَقَالُوا
لَهُمْ إنّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامٍ ، قَدْ هَلَكَ الْخُفّ وَالْحَافِرُ
فَاغْدُوا لِلْقِتَالِ حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا ، وَنَفْرُغَ مِمّا بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِمْ إنّ الْيَوْمَ يَوْمُ السّبْتِ وَهُوَ ( يَوْمٌ
) لَا نَعْمَلُ فِيهِ شَيْئًا ، وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ فِيهِ بَعْضُنَا حَدَثًا ،
فَأَصَابَهُ مَا لَمْ يَخْفَ عَلَيْكُمْ وَلَسْنَا مَعَ ذَلِكَ بِاَلّذِينَ
نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُعْطُونَا رُهُنًا مِنْ رِجَالِكُمْ يَكُونُونَ
بِأَيْدِينَا ثِقَةً لَنَا حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا ، فَإِنّا نَخْشَى إنْ
ضَرّسَتْكُمْ الْحَرْبُ وَاشْتَدّ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ أَنْ تَنْشَمِرُوا إلَى
بِلَادِكُمْ وَتَتْرُكُونَا ، وَالرّجُلُ فِي بَلَدِنَا ، وَلَا طَاقَةَ لَنَا
بِذَلِكَ مِنْهُ . فَلَمّا رَجَعَتْ إلَيْهِمْ الرّسُلُ بِمَا قَالَتْ بَنُو
قُرَيْظَةَ ، قَالَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ : وَاَللّهِ إنّ الّذِي حَدّثَكُمْ
نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقّ ، فَأَرْسِلُوا بَنِي قُرَيْظَةَ إنّا وَاَللّهِ
لَا نَدْفَعُ إلَيْكُمْ رَجُلًا وَاحِدًا مِنْ رِجَالِنَا ، فَإِنْ كُنْتُمْ
تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا ، فَقَالَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ ،
حِينَ انْتَهَتْ الرّسُلُ إلَيْهِمْ بِهَذَا : إنّ الّذِي ذَكَرَ لَكُمْ نُعَيْمُ
بْنُ مَسْعُودٍ لَحَقّ ، مَا يُرِيدُ الْقَوْمُ إلّا أَنْ يُقَاتِلُوا ، فإن [ ص 435
] كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ انْشَمَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ . وَخَلّوْا بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَ الرّجُلِ فِي بَلَدِكُمْ فَأَرْسَلُوا إلَى قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ : إنّا
وَاَللّهِ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ مُحَمّدًا حَتّى تُعْطُونَا رُهُنًا ، فَأَبَوْا
عَلَيْهِمْ وَخَذّلَ اللّهُ بَيْنَهُمْ وَبَعَثَ اللّهُ عَلَيْهِمْ الرّيحَ فِي
لَيَالٍ شَاتِيَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ فَجَعَلَتْ تَكْفَأُ قُدُورَهُمْ
وَتَطْرَحُ أَبْنِيَتَهُمْ .
تَعَرّفُ مَا حَلّ بِالْمُشْرِكِينَ
( قَالَ ) : فَلَمّا انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَا اخْتَلَفَ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا فَرّقَ اللّهُ مِنْ جَمَاعَتِهِمْ دَعَا
حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ ، فَبَعَثَهُ إلَيْهِمْ لِيَنْظُرَ مَا فَعَلَ
الْقَوْمُ لَيْلًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ،
عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قَالَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ لِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَرَأَيْتُمْ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَحِبْتُمُوهُ ؟ قَالَ نَعَمْ
يَا ابْنَ أَخِي ، قَالَ فَكَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ
كُنّا نَجْهَدُ قَالَ فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكْنَاهُ مَا تَرَكْنَاهُ
يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَعْنَاقِنَا . قَالَ فَقَالَ
حُذَيْفَةُ يَا ابْنَ أَخِي ، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخَنْدَقِ وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوِيّا مِنْ اللّيْلِ ثُمّ الْتَفَتَ إلَيْنَا فَقَالَ
مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ ثُمّ يَرْجِعُ -
يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّجْعَةَ -
أَسْأَلُ اللّهَ تَعَالَى أَنْ يَكُونَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ ؟ فَمَا قَامَ
رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، مِنْ شِدّةِ الْخَوْفِ وَشِدّةِ الْجُوعِ وَشِدّةِ
الْبَرْدِ فَلَمّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ ، دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدّ مِنْ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي ،
فَقَالَ يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ ، فَانْظُرْ مَاذَا
يَصْنَعُونَ وَلَا تُحْدِثَنّ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنَا . قَالَ فَذَهَبْت
فَدَخَلَتْ فِي الْقَوْمِ وَالرّيحُ وَجُنُودُ اللّهِ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا
تَفْعَلُ لَا تُقِرّ لَهُمْ قِدْرًا وَلَا نَارًا وَلَا بِنَاءً . فَقَامَ أَبُو
سُفْيَانَ . فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ : لِيَنْظُرْ امْرؤ مَنْ جَلِيسُهُ ؟
قَالَ حُذَيْفَةُ فَأَخَذْت بِيَدِ الرّجُلِ الّذِي كَانَ إلَى جَنْبِي ، فَقُلْت
: مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ
أَبُو سُفْيَانَ يُنَادِي بِالرّحِيلِ
ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا
أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ ،
وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمْ الّذِي نَكْرَهُ
وَلَقِينَا مِنْ شِدّةِ الرّيحِ مَا تَرَوْنَ مَا تَطْمَئِنّ لَنَا قِدْرٌ وَلَا
تَقُومُ لَنَا نَارٌ وَلَا يَسْتَمْسِكُ لَنَا بِنَاءٌ فَارْتَحِلُوا فَإِنّي
مُرْتَحِلٌ ثُمّ قَامَ إلَى جَمَلِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ فَجَلَسَ عَلَيْهِ ثُمّ
ضَرَبَهُ فَوَثَبَ بِهِ عَلَى ثَلَاثٍ فَوَاَللّهِ مَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إلّا
وَهُوَ قَائِمٌ وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَيّ أَنْ لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَنِي ثُمّ شِئْت ، لَقَتَلْته
بِسَهْمِ . [ ص 436 ] قَالَ حَذِيقَةُ فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي فِي مِرْطٍ لِبَعْضِ نِسَائِهِ
مَرَاجِلَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمَرَاجِلُ ضَرْبٌ مِنْ وَشْيِ الْيَمَنِ .
فَلَمّا رَآنِي أَدْخَلَنِي إلَى رِجْلَيْهِ وَطَرَحَ عَلَيّ طَرَفَ الْمِرْطِ
ثُمّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَإِنّي لَفِيهِ فَلَمّا سَلّمَ أَخْبَرْته الْخَبَرَ ،
وَسَمِعَتْ غَطَفَانُ بِمَا فَعَلَتْ قُرَيْشٌ ، فَانْشَمَرُوا رَاجِعِينَ إلَى
بِلَادِهِمْ .
الِانْصِرَافُ عَنْ الْخَنْدَقِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاق : وَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ انْصَرَفَ عَنْ الْخَنْدَقِ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ وَالْمُسْلِمُونَ
وَوَضَعُوا السّلَاحَ .
غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ فِي
سَنَةِ خَمْسٍ
الْأَمْرُ الْإِلَهِيّ بِحَرْبِ بَنِي قُرَيْظَةَ
فَلَمّا كَانَتْ الظّهْرُ أَتَى جِبْرِيلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ كَمَا حَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، مُعْتَجِرًا بِعِمَامَةِ مِنْ إسْتَبْرَقٍ
عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ فَقَالَ
أَوَقَدْ وَضَعْت السّلَاحَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ جِبْرِيلُ
فَمَا وَضَعَتْ الْمَلَائِكَةُ السّلَاحَ بَعْدُ وَمَا رَجَعَتْ الْآنَ إلّا مِنْ
طَلَبِ الْقَوْمِ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ يَأْمُرُك يَا مُحَمّدُ بِالْمَسِيرِ
إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَإِنّي عَامِدُ إلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ . فَأَمَرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُؤَذّنًا ، فَأَذّنَ فِي النّاسِ
مَنْ كَانَ سَامِعًا مُطِيعًا ، فَلَا يُصَلّيَنّ الْعَصْرَ إلّا بِبَنِي
قُرَيْظَةَ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ فِيمَا قَالَ
ابْنُ هِشَامٍ .
عَلِيّ يُبَلّغُ الرّسُولَ مَا سَمِعَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 437 ] وَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِرَايَتِهِ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ
وَابْتَدَرَهَا النّاسُ . فَسَارَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، حَتّى إذَا دَنَا
مِنْ الْحُصُونِ سَمِعَ مِنْهَا مَقَالَةً قَبِيحَةً لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعَ حَتّى لَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالطّرِيقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا عَلَيْك أَنْ لَا
تَدْنُوَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَخَابِثِ قَالَ لِمَ ؟ أَظُنّك سَمِعْت مِنْهُمْ لِي
أَذَى ؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ لَوْ رَأَوْنِي لَمْ يَقُولُوا
مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا . فَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ حُصُونِهِمْ . قَالَ يَا إخْوَانَ الْقِرَدَةِ هَلْ أَخْزَاكُمْ
اللّهُ وَأَنْزَلَ بِكُمْ نِقْمَتَهُ ؟ قَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْت
جَهُولًا
جِبْرِيلُ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ
وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفَرِ مِنْ أَصْحَابِهِ
بِالصّوْرَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ هَلْ مَرّ
بِكُمْ أَحَدٌ ؟ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ مَرّ بِنَا دِحْيَةُ بْنُ
خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ ، عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ عَلَيْهَا
قَطِيفَةُ دِيبَاجٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
ذَلِكَ جِبْرِيلُ بُعِثَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ يُزَلْزِلُ بِهِمْ حُصُونَهُمْ
وَيَقْذِفُ الرّعْبَ فِي قُلُوبِهِمْ وَلَمّا أَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي قُرَيْظَةَ نَزَلَ عَلَى بِئْرٍ مِنْ آبَارِهَا مِنْ
نَاحِيَةِ أَمْوَالِهِمْ يُقَالُ لَهَا بِئْرُ أَنَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
بِئْرُ آنَى .Sالْحَدِيثُ عَنْ الصّوْرَيْنِ وَدِحْيَةَ
[ ص 437 ] وَذَكَرَ خُرُوجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي
قُرَيْظَةَ حِينَ مَرّ بِالصّوْرَيْنِ وَالصّوْرُ الْقِطْعَةُ مِنْ النّخْلِ
فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا : مَرّ بِنَا دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ . هُوَ
دِحْيَةُ بِفَتْحِ الدّالِ وَيُقَالُ دِحْيَةُ بِكَسْرِ الدّالِ أَيْضًا ،
وَالدّحْيَةُ بِلِسَانِ الْيَمَنِ : الرّئِيسُ وَجَمْعُهُ دِحَاءٌ وَفِي مَقْطُوعِ
الْأَحَادِيثِ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رَأَى الْبَيْتَ
الْمَعْمُورَ يَدْخُلُهُ كُلّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ دِحْيَةٍ تَحْتَ يَدِ كُلّ
دِحْيَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ ذَكَرَهُ الْقُتَبِيّ ، وَرَوَاهُ ابْنُ
سُنْجُرٍ فِي تَفْسِيرِهِ مُسْنَدًا إلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْهُذَيْلِ رَوَاهُ
عَنْهُ أَبُو التّيّاحِ وَذَكَرَ أَنّ حَمّادَ بْنَ سَلَمَةَ قَالَ لِأَبِي
التّيّاحِ حِينَ حَدّثَهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَا الدّحْيَةُ ؟ قَالَ الرّئِيسُ
وَأَمّا نَسَبُ دِحْيَةَ فَهُوَ ابْنُ خَلِيفَةَ بْنِ فَرْوَةَ بْنِ فَضَالَةَ
بْنِ زَيْدِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَالْخَزْرَجُ الْعَظِيمُ
الْبَطْنِ ابْنُ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَامِرِ
الْأَكْبَرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللّاتِ بْنِ رُقَيْدَةَ بْنِ
ثَوْرِ بْنِ كَلْبٍ يُذْكَرُ مِنْ جَمَالِهِ أَنّهُ كَانَ إذَا قَدِمَ
الْمَدِينَةَ لَمْ تَبْقَ مُعْصِرٌ وَهِيَ الْمُرَاهِقَةُ لِلْحَيْضِ إلّا
خَرَجَتْ تَنْظُرُ إلَيْهِ .
تَلَاحُقُ النّاسِ بِالرّسُولِ
[ ص 438 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَتَلَاحَقَ بِهِ النّاسُ فَأَتَى رِجَالٌ
مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَلَمْ يُصَلّوا الْعَصْرَ لِقَوْلِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُصَلّيَنّ أَحَدٌ الْعَصْرَ
إلّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ فَشَغَلَهُمْ مَا لَمْ يَكُنْ مِنْ بُدّ فِي حَرْبِهِمْ
وَأَبَوْا أَنْ يُصَلّوا ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللّهِ حَتّى تَأْتُوا بَنِي
قُرَيْظَةَ فَصَلّوْا الْعَصْرَ بِهَا ، بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَمَا
عَابَهُمْ اللّهُ بِذَلِكَ فِي كِتَابِهِ وَلَا عَنّفَهُمْ بِهِ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . حَدّثَنِي بِهَذَا الْحَدِيثِ أَبِي إسْحَاقُ
بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ .Sفِقْهُ لَا
يُصَلّيَنّ أَحَدُكُمْ الْعَصْرَ إلّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ
وَذَكَرَ قَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَا يُصَلّيَنّ أَحَدُكُمْ الْعَصْرَ إلّا
فِي بَنِي قُرَيْظَةَ فَغَرَبَتْ عَلَيْهِمْ الشّمْسُ قَبْلَهَا ، فَصَلّوْا
الْعَصْرَ بِهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَمَا عَابَهُمْ اللّهُ بِذَلِكَ
فِي كِتَابِهِ [ ص 438 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفِي هَذَا مِنْ
الْفِقْهِ أَنّهُ لَا يُعَابُ عَلَى مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِ حَدِيثٍ أَوْ آيَةٍ
فَقَدْ صَلّتْ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ قَبْل أَنْ تَغْرُبَ الشّمْسُ وَقَالُوا : لَمْ
يُرِدْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إخْرَاجَ الصّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا
، وَإِنّمَا أَرَادَ الْحَثّ وَالْإِعْجَالَ فَمَا عُنّفَ أَحَدٌ مِنْ
الْفَرِيقَيْنِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنّ كُلّ مُخْتَلِفَيْنِ فِي
الْفُرُوعِ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ مُصِيبٌ وَفِي حُكْمِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ فِي
الْحَرْثِ أَصْلٌ لِهَذَا الْأَصْلِ أَيْضًا ، فَإِنّهُ قَالَ سُبْحَانَهُ {
فَفَهّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } [
الْأَنْبِيَاءَ 79 ] ، وَلَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ الشّيْءُ صَوَابًا فِي حَقّ
إنْسَانٍ وَخَطَأً فِي حَقّ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مَنْ اجْتَهَدَ فِي مَسْأَلَةٍ
فَأَدّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى التّحْلِيلِ مُصِيبًا فِي اسْتِحْلَالِهِ وَآخَرُ
اجْتَهَدَ فَأَدّاهُ اجْتِهَادُهُ وَنَظَرُهُ إلَى تَحْرِيمِهَا ، مُصِيبًا فِي
تَحْرِيمِهَا ، وَإِنّمَا الْمُحَالُ أَنْ يُحْكَمَ فِي النّازِلَةِ بِحُكْمَيْنِ
مُتَضَادّيْنِ فِي حَقّ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَإِنّمَا عَسُرَ فَهْمُ هَذَا الْأَصْلِ
عَلَى طَائِفَتَيْنِ الظّاهِرِيّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ ، أَمّا الظّاهِرِيّةُ
فَإِنّهُمْ عَلّقُوا الْأَحْكَامَ بِالنّصُوصِ فَاسْتَحَالَ عِنْدَهُمْ أَنْ
يَكُونَ النّصّ يَأْتِي بِحَظْرِ وَإِبَاحَةٍ مَعًا إلّا عَلَى وَجْهِ النّسْخِ
وَأَمّا الْمُعْتَزِلَةُ ، فَإِنّهُمْ عَلّقُوا الْأَحْكَامَ بِتَقْبِيحِ
الْعَقْلِ وَتَحْسِينِهِ فَصَارَ حُسْنُ الْفِعْلِ عِنْدَهُمْ أَوْ قُبْحُهُ
صِفَةَ عَيْنٍ فَاسْتَحَالَ عِنْدَهُمْ أَنْ يَتّصِفَ فِعْلٌ بِالْحُسْنِ فِي حَقّ
زَيْدٍ وَالْقُبْحِ فِي حَقّ عَمْرٍو ، كَمَا يَسْتَحِيلُ ذَلِكَ فِي الْأَلْوَانِ
وَالْأَكْوَانِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصّفَاتِ الْقَائِمَةِ بِالذّوَاتِ وَأَمّا
مَا عَدَا هَاتَيْنِ الطّائِفَتَيْنِ مِنْ أَرْبَابِ الْحَقَائِقِ فَلَيْسَ
الْحَظْرُ وَالْإِبَاحَةُ عِنْدَهُمْ بِصِفَاتِ أَعْيَانٍ وَإِنّمَا هِيَ صِفَاتُ
أَحْكَامٍ وَالْحُكْمُ [ ص 439 ] أَدّاهُ وَاجْتِهَادُهُ إلَى الْحَظْرِ
وَكَذَلِكَ الْإِبَاحَةُ وَالنّدْبُ وَالْإِيجَابُ وَالْكَرَاهَةُ كُلّهَا صِفَاتُ
أَحْكَامٍ فَكُلّ مُجْتَهِدٍ وَافَقَ اجْتِهَادُهُ وَجْهًا مِنْ التّأْوِيلِ
وَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ أَدَوَاتِ الِاجْتِهَادِ مَا يَتَرَفّعُ بِهِ عَنْ حَضِيضِ
التّقْلِيدِ إلَى هَضْبَةِ النّظَرِ فَهُوَ مُصِيبٌ فِي اجْتِهَادِهِ مُصِيبٌ
لِلْحُكْمِ الّذِي تَعَبّدَ بِهِ وَإِنْ تَعَبّدَ غَيْرُهُ فِي تِلْكَ النّازِلَةِ
بِعَيْنِهَا بِخِلَافِ مَا تَعَبّدَ هُوَ بِهِ فَلَا يُعَدّ فِي ذَلِكَ إلّا عَلَى
مَنْ لَا يَعْرِفُ الْحَقَائِقَ أَوْ عَدَلَ بِهِ الْهَوَى عَنْ أَوْضَحِ
الطّرِيقِ .
الْحِصَارُ
( قَالَ ) : وَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمْسًا
وَعِشْرِينَ لَيْلَةً حَتّى جَهِدَهُمْ الْحِصَارُ وَقَذَفَ اللّهُ فِي
قُلُوبِهِمْ الرّعْبَ . وَقَدْ كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ دَخَلَ مَعَ بَنِي
قُرَيْظَةَ فِي حِصْنِهِمْ حِينَ رَجَعَتْ عَنْهُمْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ ،
وَفَاءً لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ بِمَا كَانَ عَاهَدَهُ عَلَيْهِ .
نَصِيحَةُ كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ لِقَوْمِهِ
[ ص 439 ] فَلَمّا أَيْقَنُوا بِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ غَيْرُ مُنْصَرِفٍ عَنْهُمْ حَتّى يُنَاجِزَهُمْ قَالَ كَعْبُ بْنُ
أَسَدٍ لَهُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْأَمْرِ مَا
تَرَوْنَ ، وَإِنّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا ، فَخُذُوا أَيّهَا
شِئْتُمْ قَالُوا : وَمَا هِيَ ؟ قَالَ نُتَابِعُ هَذَا الرّجُلَ وَنُصَدّقُهُ
فَوَاَللّهِ لَقَدْ تَبَيّنَ لَكُمْ أَنّهُ لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَأَنّهُ لَلّذِي تَجِدُونَهُ
فِي كِتَابِكُمْ فَتَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ
وَنِسَائِكُمْ قَالُوا : لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التّوْرَاةِ أَبَدًا ، وَلَا
نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ قَالَ فَإِذَا أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ فَهَلُمّ
فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا ، ثُمّ نَخْرُجْ إلَى مُحَمّدٍ
وَأَصْحَابِهِ رِجَالًا مُصْلِتِينَ السّيُوفَ لَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا ثِقَلًا ،
حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ فَإِنْ نَهْلِكْ نَهْلِكْ
وَلَمْ نَتْرُكْ وَرَاءَنَا فَلَا نَخْشَى عَلَيْهِ وَإِنْ نَظْهَرْ فَلَعَمْرِي
لَنَجِدَنّ النّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ قَالُوا : نَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينَ
فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ ؟ قَالَ فَإِنْ أَبَيْتُمْ عَلَيّ هَذِهِ
فَإِنّ اللّيْلَةَ لَيْلَةُ السّبْتِ وَإِنّهُ عَسَى أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ
قَدْ أَمِنُونَا فِيهَا ، فَانْزِلُوا لَعَلّنَا نُصِيبُ مِنْ مُحَمّدٍ
وَأَصْحَابِهِ غُرّةً قَالُوا : نُفْسِدُ سَبْتَنَا عَلَيْنَا ، وَنُحْدِثُ فِيهِ
مَا لَمْ يُحْدِثْ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا إلّا مَنْ قَدْ عَلِمْت ، فَأَصَابَهُ مَا
لَمْ يَخْفَ عَلَيْك مِنْ الْمَسْخِ قَالَ مَا بَاتَ رَجُلٌ مِنْكُمْ مُنْذُ
وَلَدَتْهُ أُمّهُ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ الدّهْرِ حَازِمًا
قِصّةُ أَبِي لُبَابَةَ
[ ص 440 ] ثُمّ إنّهُمْ بَعَثُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَنْ ابْعَثْ إلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخَا
بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانُوا حُلَفَاء الْأَوْسِ ، لِنَسْتَشِيرَهُ فِي
أَمْرِنَا ، فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَيْهِمْ فَلَمّا رَأَوْهُ قَامَ إلَيْهِ الرّجَالُ وَجَهَشَ إلَيْهِ النّسَاءُ
وَالصّبْيَانُ يَبْكُونَ فِي وَجْهِهِ فَرَقّ لَهُمْ وَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا
لُبَابَةَ أَتَرَى أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ وَأَشَارَ
بِيَدِهِ إلَى حَلْقِهِ إنّهُ الذّبْحُ . قَالَ أَبُو لُبَابَةَ فَوَاَللّهِ مَا
زَالَتْ قَدَمَايَ مِنْ مَكَانِهِمَا حَتّى عَرَفْت أَنّي قَدْ خُنْت اللّهَ
وَرَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ انْطَلَقَ أَبُو لُبَابَةَ عَلَى
وَجْهِهِ وَلَمْ يَأْتِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى
ارْتَبَطَ فِي الْمَسْجِدِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِهِ وَقَالَ لَا أَبْرَحُ مِنْ
عُمُدِهِ وَقَالَ لَا أَبْرَحُ مَكَانِي هَذَا حَتّى يَتُوبَ اللّهُ عَلَيّ مِمّا
صَنَعْت ، وَعَاهَدَ اللّهَ أَنْ لَا أَطَأَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَبَدًا ، وَلَا
أُرَى فِي بَلَدٍ خُنْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فِيهِ أَبَدًا
تَوْبَةُ اللّهِ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي أَبِي لُبَابَةَ فِيمَا
قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا
اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [
الْأَنْفَالَ 27 ] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرُهُ وَكَانَ قَدْ اسْتَبْطَأَهُ قَالَ أَمَا إنّهُ
لَوْ جَاءَنِي لَاسْتَغْفَرْت لَهُ فَأَمّا إذْ قَدْ فَعَلَ مَا فَعَلَ فَمَا
أَنَا بِاَلّذِي أُطْلِقُهُ مِنْ مَكَانِهِ حَتّى يَتُوبَ اللّهُ عَلَيْهِ قَالَ
ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 441 ] قُسَيْطٍ إنّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ السّحَرِ وَهُوَ فِي بَيْتِ
أُمّ سَلَمَةَ . ( فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ ) : فَسَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ السّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ . قَالَتْ فَقُلْت : مِمّ
تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ أَضْحَكَ اللّهُ سِنّك ؟ قَالَ تِيبَ عَلَى أَبِي
لُبَابَةَ ، قَالَتْ قُلْت : أَفَلَا أُبَشّرُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى
، إنْ شِئْت . قَالَ فَقَامَتْ عَلَى بَابِ حُجْرَتِهَا ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ
يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابُ فَقَالَتْ يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ
تَابَ اللّهُ عَلَيْك . قَالَتْ فَثَارَ النّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ فَقَالَ
لَا وَاَللّهِ حَتّى يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ
الّذِي يُطْلِقُنِي بِيَدِهِ فَلَمّا مَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ خَارِجًا إلَى صَلَاةِ الصّبْحِ أَطْلَقَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ :
أَقَامَ أَبُو لُبَابَةَ مُرْتَبِطًا بِالْجِذْعِ سِتّ لَيَالٍ تَأْتِيهِ
امْرَأَتُهُ فِي كُلّ وَقْتِ صَلَاةٍ فَتَحُلّهُ لِلصّلَاةِ ثُمّ يَعُودُ
فَيَرْتَبِطُ بِالْجِذْعِ فِيمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْآيَةُ
الّتِي نَزَلَتْ فِي تَوْبَتِهِ قَوْلُ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { وَآخَرُونَ
اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى
اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }Sحَوْلَ قِصّةِ
أَبِي لُبَابَةَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ أَبَا لُبَابَةَ وَاسْمُهُ رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ
زَنْبَر وَقِيلَ اسْمُهُ مُبَشّرٌ وَتَوْبَتَهُ [ ص 440 ] وَذَكَرَ فِيهِ أَنّهُ
أَقْسَمَ أَلّا يَحُلّهُ إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَرَوَى حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ عَلِيّ بْنِ
الْحُسَيْنِ أَنّ فَاطِمَةَ أَرَادَتْ حَلّهُ حِينَ نَزَلَتْ تَوْبَتُهُ فَقَالَ
قَدْ أَقْسَمْت أَلّا يَحُلّنِي إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ فَاطِمَةَ
مُضْغَةٌ مِنّي فَصَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى فَاطِمَةَ فَهَذَا حَدِيثٌ يَدُلّ
عَلَى أَنّ مَنْ سَبّهَا فَقَدْ كَفَرَ وَأَنّ مَنْ صَلّى عَلَيْهَا ، فَقَدْ
صَلّى عَلَى أَبِيهَا - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَفِيهِ أَنْزَلَ اللّهُ
تَعَالَى : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا } [
التّوْبَةَ 102 ] الْآيَةَ غَيْرَ أَنّ الْمُفَسّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي ذَنْبِهِ
مَا كَانَ فَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا ذَكَرَهُ فِي السّيرَةِ مِنْ إشَارَتِهِ
عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَقَالَ آخَرُونَ كَانَ مِنْ الْمُخَلّفِينَ الّذِينَ
تَخَلّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ ، فَنَزَلَتْ تَوْبَةُ اللّهِ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
لَعَلّ وَعَسَى وَلَيْتَ
[ ص 441 ] قِيلَ لَيْسَ فِي الْآيَةِ نَصّ عَلَى تَوْبَتِهِ وَتَوْبَةِ اللّهِ
عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ } فَالْجَوَابُ أَنّ عَسَى مِنْ اللّهِ وَاجِبَةٌ وَخَبَرُ صِدْقٍ .
فَإِنْ قِيلَ وَهُوَ سُؤَالٌ يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ إنّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ
الْعَرَبِ ، وَلَيْسَتْ عَسَى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِخَبَرِ وَلَا تَقْتَضِي
وُجُوبًا ، فَكَيْفَ تَكُونُ عَسَى وَاجِبَةً فِي الْقُرْآنِ وَلَيْسَ بِخَارِجِ
عَنْ كَلَامِ الْعَرَبِ ؟ وَأَيْضًا : فَإِنّ لَعَلّ تُعْطِي مَعْنَى التّرَجّي ،
وَلَيْسَتْ مِنْ اللّهِ وَاجِبَةً فَقَدْ قَالَ { لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ } فَلَمْ
يَشْكُرُوا ، وَقَالَ { لَعَلّهُ يَتَذَكّرُ أَوْ يَخْشَى } فَلَمْ يَتَذَكّرْ
وَلَمْ يَخْشَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ لَعَلّ وَعَسَى حَتّى صَارَتْ عَسَى
وَاجِبَةً ؟ . قُلْنَا : لَعَلّ تُعْطِي التّرَجّيَ وَذَلِكَ التّرَجّي مَصْرُوفٌ
إلَى الْخَلْقِ وَعَسَى مِثْلُهَا فِي التّرَجّي ، وَتَزِيدُ عَلَيْهَا
بِالْمُقَارَبَةِ وَلِذَلِكَ قَالَ { عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَامًا
مَحْمُودًا } [ الْإِسْرَاءَ 79 ] وَمَعْنَاهُ التّرَجّي مَعَ الْخَبَرِ بِالْقُرْبِ
كَأَنّهُ قَالَ قَرُبَ أَنْ يَبْعَثَك ، فَالتّرَجّي مَصْرُوفٌ إلَى الْعَبْدِ
كَمَا فِي لَعَلّ وَالْخَبَرُ عَنْ الْقُرْبِ وَالْمُقَارَبَةِ مَصْرُوفٌ إلَى
اللّهِ تَعَالَى ، وَخَبَرُهُ حَقّ وَوَعْدُهُ حَتْمٌ فَمَا تَضَمّنَتْهُ مِنْ
الْخَبَرِ فَهُوَ الْوَاجِبُ دُونَ التّرَجّي الّذِي هُوَ مُحَالٌ عَلَى اللّهِ
تَعَالَى وَمَصْرُوفٌ إلَى الْعَبْدِ وَلَيْسَ فِي لَعَلّ مِنْ تَضَمّنِ الْخَبَرِ
مِثْلُ مَا فِي عَسَى ، فَمِنْ ثَمّ كَانَتْ عَسَى وَاجِبَةً إذَا تَكَلّمَ اللّهُ
بِهَا ، وَلَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَعَلّ . [ ص 442 ] قِيلَ فَهَلْ يَجُوزُ فِي
لَيْتَ مَا كَانَ فِي لَعَلّ مِنْ وُرُودِهَا فِي كَلَامِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ
عَلَى أَنْ يَكُونَ التّمَنّي مَصْرُوفًا إلَى الْعَبْدِ كَمَا كَانَ التّرَجّي
فِي لَعَلّ كَذَلِكَ ؟ قُلْنَا : هَذَا غَيْرُ جَائِزٍ وَإِنّمَا جَازَ ذَلِكَ فِي
لَعَلّ عَلَى شَرْطٍ وَصُورَةٍ نَحْوَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهَا فِعْلٌ وَبَعْدَهَا
فِعْلٌ وَالْأَوّلُ سَبَبٌ لِلثّانِي نَحْوَ قَوْلِهِ { يَعِظُكُمْ لَعَلّكُمْ
تَذَكّرُونَ } [ النّحْلَ 90 ] ، فَقَالَ بَعْضُ النّاسِ لَعَلّ هَاهُنَا
بِمَعْنَى كَيْ أَيْ كَيْ تَذْكُرُوهُ وَأَنَا أَقُولُ لَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا
مَعْنَى التّرَجّي ، لِأَنّ الْمَوْعِظَةَ مِمّا يُرْجَى أَنْ تَكُونَ سَبَبًا
لِلتّذَكّرِ فَعَلَى هَذِهِ الصّورَةِ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ وَنَحْوَ قَوْلِهِ
أَيْضًا : { فَلَعَلّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ
صَدْرُكَ } [ هُودٌ : 12 ] هِيَ هَاهُنَا تَوَقّعٌ وَتَخَوّفٌ أَيْ مَا أَصَابَك
مِنْ التّكْذِيبِ مِمّا يَتَخَوّفُ وَيُتَوَقّعُ مِنْهُ ضِيقُ الصّدْرِ فَهَذَا
هُوَ الْجَائِزُ فِي لَعَلّ وَأَمّا أَنْ تَرِدَ فِي الْقُرْآنِ دَاخِلَةً عَلَى
الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ مِثْلَ أَنْ تَقُولَ مُبْتَدِئًا : لَعَلّ زَيْدًا
يُؤْمِنُ فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ لِأَنّ الرّبّ سُبْحَانَهُ لَا يَتَرَجّى ،
وَإِنّ صُرِفَ التّرَجّي إلَى حَقّ الْمَخْلُوقِ وَمَوْضُوعُهَا فِي كَلَامِ
الْعَرَبِ أَنْ يَكُونَ الْمُتَكَلّمُ بِهَا لَا يَسْتَقِيمُ أَيْضًا إلّا عَلَى
الصّورَةِ الّتِي قَدّمْنَا مِنْ كَوْنِهَا بِمَعْنَى : كَيْ وَوُقُوعُهَا بَيْنَ
السّبَبِ وَالْمُسَبّبِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَلَا إشْكَالَ فِي لَيْتَ أَنّهَا
لَا تَكُونُ فِي كَلَامِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ لِأَنّ التّمَنّي مُحَالٌ عَلَيْهِ
وَالتّرَجّي وَالتّوَقّعُ وَالتّخَوّفُ كَذَلِكَ حَتّى تُزِيلَهَا عَنْ
الْمَوْضِعِ الّذِي يَكُونُ مَعْنَاهَا فِيهِ لِلْمُتَكَلّمِ بِهَا .