1.سورة الاخلاص

............................................................................................................... *

  القرآن الكريم مكتوبا كاملا

110. ب مم.

·  تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث

Translate ***

15.موقع جادو

باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود  /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج  طبيعة 1. / /طلبعة 3.

الأربعاء، 3 أغسطس 2022

ج9. الروض الأنف وهو آخر الكتاب

 

9.   الروض الأنف

وَبَعَثَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ إلَى الْمُقَوْقِسِ ، مَلِكِ الإسكندرية ، وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ السّهْمِيّ إلَى جَيْفَرَ وَعَيّادٍ ابْنَيْ الْجُلَنْدَى الْأَزْدِيّيْنِ مَلِكَيْ عُمَانَ ، وَبَعَثَ سَلِيطَ بْنَ عَمْرٍو ، أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، إلَى ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالَ وَهَوْذَةَ بْنِ عَلِيّ الْحَنَفِيّيْنِ مَلِكَيْ الْيَمَامَةِ ، وَبَعَثَ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى الْعَبْدِيّ مَلِكِ الْبَحْرَيْنِ ، وَبَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ الْأَسَدِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ الْغَسّانِيّ ، مَلِكِ تُخُومِ الشّامِ .Sرَسُولُهُ إلَى الْمُقَوْقِسِ
وَأَمّا حَاطِبٌ فَقَدِمَ عَلَى الْمُقَوْقِسِ ، وَاسْمُهُ جُرَيْجُ بْنُ مِينَاءَ ، فَقَالَ لَهُ " إنّهُ قَدْ كَانَ رَجُلٌ قَبْلَك يَزْعُمُ أَنّهُ الرّبّ الْأَعْلَى ، فَأَخَذَهُ اللّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى ، فَانْتَقَمَ بِهِ ثُمّ انْتَقَمَ مِنْهُ فَاعْتَبِرْ بِغَيْرِك ، وَلَا يَعْتَبِرْ بِك غَيْرُك ، قَالَ هَاتِ قَالَ إنّ ذَلِكَ دِينٌ لَنْ تَدَعَهُ إلّا لِمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَهُوَ الْإِسْلَامُ الْكَافِي بِهِ اللّهُ فَقْدَ مَا سِوَاهُ . إنّ هَذَا النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - دَعَا النّاسَ فَكَانَ أَشَدّهُمْ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ ، وَأَعْدَاهُمْ لَهُ يَهُودُ وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ النّصَارَى ، وَلَعَمْرِي مَا بِشَارَةُ مُوسَى بِعِيسَى إلّا كَبِشَارَةِ عِيسَى بِمُحَمّدٍ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمَا دُعَاؤُنَا إيّاكَ إلَى الْقُرْآنِ إلّا كَدُعَائِك أَهْلَ التّوْرَاةِ إلَى الْإِنْجِيلِ ، وَكُلّ نَبِيّ أَدْرَكَ قَوْمًا فَهُمْ مِنْ أُمّتِهِ فَالْحَقّ عَلَيْهِمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَأَنْتَ مِمّنْ أَدْرَكَهُ هَذَا النّبِيّ ، وَلَسْنَا نَنْهَاك عَنْ دِينِ الْمَسِيحِ وَلَكِنْ نَأْمُرُك بِهِ " قَالَ الْمُقَوْقِسُ : " إنّي قَدْ نَظَرْت فِي أَمْرِ هَذَا النّبِيّ فَوَجَدْته لَا يَأْمُرُ بِمَزْهُودٍ فِيهِ وَلَا يَنْهَى إلّا عَنْ مَرْغُوبٍ عَنْهُ وَلَمْ أَجِدْهُ بِالسّاحِرِ الضّالّ وَلَا الْكَاهِنِ الْكَاذِبِ وَوَجَدْت مَعَهُ آلَةَ النّبُوّةِ بِإِخْرَاجِ الْخَبْءِ وَالْإِخْبَارِ بِالنّجْوَى ، وَسَأَنْظُرُ فَأَهْدَى لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ إبْرَاهِيمَ الْقِبْطِيّةَ وَاسْمُهَا : مَارِيَةُ بِنْتُ شَمْعُونَ وَأُخْتَهَا مَعَهَا ، وَاسْمُهَا سِيرِينُ وَهِيَ أُمّ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ وَغُلَامًا اسْمُهُ مَأْبُورُ وَبَغْلَةً اسْمهَا دُلْدُلُ وَكُسْوَةً وَقَدَحًا مِنْ قَوَارِيرَ كَانَ يَشْرَبُ فِيهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَاتَبَهُ .
رَسُولُهُ إلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى
وَأَمّا الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ ، فَقَدِمَ عَلَى الْمُنْذِرِ بْنِ سَاوَى فَقَالَ لَهُ " يَا مُنْذِرُ إنّك عَظِيمُ الْعَقْلِ فِي الدّنْيَا ، فَلَا تَصْغُرَنّ عَنْ الْآخِرَةِ إنّ هَذِهِ الْمَجُوسِيّةَ شَرّ دِينٍ لَيْسَ فِيهَا تَكَرّمُ الْعَرَبِ ، [ ص 391 ] أَكْلِهِ وَيَعْبُدُونَ فِي الدّنْيَا نَارًا تَأْكُلُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَسْت بِعَدِيمِ عَقْلٍ وَلَا رَأْيٍ فَانْظُرْ هَلْ يَنْبَغِي لِمَنْ لَا يَكْذِبُ أَنْ لَا تُصَدّقَهُ وَلِمَنْ لَا يَخُونُ أَنْ لَا تَأْمَنَهُ وَلِمَنْ لَا يُخْلِفُ أَنْ لَا تَثِقَ بِهِ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا ، فَهُوَ هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي وَاَللّهِ لَا يَسْتَطِيعُ ذُو عَقْلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْتَ مَا أَمَرَ بِهِ نَهَى عَنْهُ أَوْ مَا نَهَى عَنْهُ أَمَرَ بِهِ أَوْ لَيْتَ زَادَ فِي عَفْوِهِ أَوْ نَقَصَ مِنْ عِقَابِهِ إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى أُمْنِيَةِ أَهْلِ الْعَقْلِ وَفِكْرِ أَهْلِ الْبَصَرِ " . فَقَالَ الْمُنْذِرُ قَدْ نَظَرْت فِي هَذِهِ الْأَمْرِ الّذِي فِي يَدِي ، فَوَجَدْته لِلدّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ وَنَظَرْت فِي دِينِكُمْ فَوَجَدْته لِلْآخِرَةِ وَالدّنْيَا ، فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ قَبُولِ دِينٍ فِيهِ أُمْنِيَةُ الْحَيَاةِ وَرَاحَةُ الْمَوْتِ وَلَقَدْ عَجِبْت أَمْسِ مِمّنْ يَقْبَلُهُ وَعَجِبْت الْيَوْمَ مِمّنْ يَرُدّهُ وَإِنّ مِنْ إعْظَامِ مَنْ جَاءَ بِهِ أَنْ يُعَظّمَ رَسُولُهُ وَسَأَنْظُرُ .
مِفْتَاحُ الْجَنّةِ
فَصْلٌ
وَمِمّا وَقَعَ فِي السّيرَةِ فِي حَدِيثِ الْعَلَاءِ قَوْلُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَهُ إذَا سُئِلْت عَنْ مِفْتَاحِ الْجَنّةِ فَقُلْ مِفْتَاحُهَا ، لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَفِي الْبُخَارِيّ : قِيلَ لِوَهْبٍ أَلَيْسَ مِفْتَاحُ الْجَنّةِ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ فَقَالَ بَلَى ، وَلَكِنْ لَيْسَ مِنْ مِفْتَاحٍ إلّا وَلَهُ أَسْنَانٌ فَإِنْ جِئْت بِمِفْتَاحٍ لَهُ أَسْنَانٌ فُتِحَ لَك ، وَإِلّا لَمْ يُفْتَحْ لَك ، وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ ذُكِرَ لَهُ قَوْلُ وَهْبٍ فَقَالَ صَدَقَ وَهْبٌ وَأَنَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ الْأَسْنَانِ مَا هِيَ فَذَكَرَ الصّلَاةَ وَالزّكَاةَ وَشَرَائِعَ الْإِسْلَامِ .
عَمْرٌو الْجُلَنْدَى
وَأَمّا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِي ، فَقَدِمَ عَلَى الْجُلَنْدَى ، فَقَالَ لَهُ يَا جُلَنْدَى إنّك وَإِنْ كُنْت مِنّا بَعِيدًا ، فَإِنّك مِنْ اللّهِ غَيْرُ بَعِيدٍ إنّ الّذِي تَفَرّدَ بِخَلْقِك أَهْلٌ أَنْ تُفْرِدَهُ بِعِبَادَتِك ، وَأَنْ لَا تُشْرِكَ بِهِ مَنْ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيك ، وَاعْلَمْ أَنّهُ يُمِيتُك الّذِي أَحْيَاك ، وَيُعِيدُك الّذِي بَدَأَك ، فَانْظُرْ فِي هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي جَاءَ بِالدّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِهِ أَجْرًا فَامْنَعْهُ أَوْ يَمِيلُ بِهِ هَوًى فَدَعْهُ ثُمّ اُنْظُرْ فِيمَا يَجِيءُ بِهِ هَلْ يُشْبِهُ مَا يَجِيءُ بِهِ النّاسُ فَإِنْ كَانَ يُشْبِهُهُ فَسَلْهُ الْعِيَانَ وَتَخَيّرْ عَلَيْهِ فِي الْخَبَرِ ، وَإِنْ كَانَ لَا يُشْبِهُهُ فَاقْبَلْ مَا قَالَ وَخَفْ مَا وَعَدَ قَالَ الْجُلَنْدَى : إنّهُ وَاَللّهِ لَقَدْ دَلّنِي عَلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ أَنّهُ لَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ إلّا كَانَ أَوّلَ مَنْ أَخَذَ [ ص 392 ] كَانَ أَوّلَ تَارِكٍ لَهُ وَأَنّهُ يَغْلِبُ فَلَا يَبْطَرُ وَيُغْلَبُ فَلَا يَضْجَرُ وَأَنّهُ يَفِي بِالْعَهْدِ وَيُنْجِزُ الْمَوْعُودَ وَأَنّهُ لَا يَزَالُ سِرّ قَدْ اطّلَعَ عَلَيْهِ يُسَاوِي فِيهِ أَهْلَهُ وَأَشْهَدُ أَنّهُ نَبِيّ .

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَعَثَ شُجَاعَ بْنَ وَهْبٍ إلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ الْغَسّانِيّ وَبَعَثَ الْمُهَاجِرَ بْنَ أَبِي أُمَيّةَ الْمَخْزُومِيّ إلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ الْحِمْيَرِيّ ، مَلِكِ الْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَا نَسِيت سَلِيطًا وَثُمَامَةَ وَهَوْذَةَ وَالْمُنْذِرَ .Sشُجَاعٌ وَجَبَلَةُ
وَأَمّا شُجَاعُ بْنُ وَهْبٍ فَقَدِمَ عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الْأَيْهَمِ ، وَهُوَ جَبَلَةُ بْنُ الْأَيْهَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي شِمْرٍ ، وَجَبَلَةُ ، وَهُوَ الّذِي أَسْلَمَ ثُمّ تَنَصّرَ مِنْ أَجْلِ لَطْمَةٍ حَاكَمَ فِيهَا إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَكَانَ طُولُهُ اثْنَيْ عَشَرَ شِبْرًا ، وَكَانَ يَمْسَحُ بِرِجْلَيْهِ الْأَرْضَ وَهُوَ رَاكِبٌ فَقَالَ لَهُ يَا جَبَلَةُ إنّ قَوْمَك نَقَلُوا هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ مِنْ دَارِهِ إلَى دَارِهِمْ يَعْنِي : الْأَنْصَارَ ، فَآوَوْهُ وَمَنَعُوهُ وَإِنّ هَذَا الدّينَ الّذِي أَنْتَ عَلَيْهِ لَيْسَ بِدِينِ آبَائِك ، وَلَكِنّك مَلَكْت الشّامَ وَجَاوَرْت بِهَا الرّومَ ، وَلَوْ جَاوَرْت كِسْرَى دِنْت بِدِينِ الْفُرْسِ لِمَلِكِ الْعِرَاقِ ، وَقَدْ أَقَرّ بِهَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ مِنْ أَهْلِ دِينِك مَنْ إنْ فَضّلْنَاهُ عَلَيْك لَمْ يُغْضِبْك ، وَإِنْ فَضّلْنَاك عَلَيْهِ لَمْ يُرْضِك ، فَإِنْ أَسْلَمْت أَطَاعَتْك الشّامُ وَهَابَتْك الرّومُ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا كَانَتْ لَهُمْ الدّنْيَا وَلَك الْآخِرَةُ وَكُنْت قَدْ اسْتَبْدَلْت الْمَسَاجِدَ بِالْبِيَعِ وَالْأَذَانَ بِالنّاقُوسِ وَالْجُمَعَ بِالشّعَانِينِ وَالْقِبْلَةَ بِالصّلِيبِ وَكَانَ مَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى ، فَقَالَ لَهُ جَبَلَةُ : إنّي وَاَللّهِ لَوَدِدْت أَنّ النّاسَ أَجْمَعُوا عَلَى هَذَا النّبِيّ الْأُمّيّ اجْتِمَاعَهُمْ عَلَى خَلْقِ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ سَرّنِي اجْتِمَاعُ قَوْمِي لَهُ وَأَعْجَبَنِي قَتْلُهُ أَهْلَ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودَ ، وَاسْتِبْقَاؤُهُ النّصَارَى ، وَلَقَدْ دَعَانِي قَيْصَرُ إلَى قِتَالِ أَصْحَابِهِ يَوْمَ مُؤْتَةَ ، فَأَبَيْت عَلَيْهِ فَانْتَدَبَ مَالِكَ بْنَ نَافِلَةَ مِنْ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ فَقَتَلَهُ اللّهُ وَلَكِنّي لَسْت أَرَى حَقّا يَنْفَعُهُ وَلَا بَاطِلًا يَضُرّهُ وَاَلّذِي يَمُدّنِي إلَيْهِ أَقْوَى مِنْ الّذِي يَخْتَلِجُنِي عَنْهُ وَسَأَنْظُرُ .
الْمُهَاجِرُ وَابْنُ كُلَالٍ
وَأَمّا الْمُهَاجِرُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ فَقَدِمَ عَلَى الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ ، وَقَالَ لَهُ يَا حَارِثُ إنّك كُنْت أَوّلَ مَنْ عَرَضَ عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفْسَهُ فَخَطِئْت عَنْهُ وَأَنْتَ أَعْظَمُ الْمُلُوكِ قَدْرًا ، فَإِذَا نَظَرْت فِي غَلَبَةِ الْمُلُوكِ فَانْظُرْ فِي غَالِبِ الْمُلُوكِ وَإِذَا سَرّك يَوْمُك فَخَفْ غَدَك ، وَقَدْ كَانَ قَبْلَك مُلُوكٌ ذَهَبَتْ آثَارُهَا وَبَقِيَتْ أَخْبَارُهَا ، عَاشُوا طَوِيلًا ، أَمّلُوا بَعِيدًا وَتَزَوّدُوا قَلِيلًا ، مِنْهُمْ مَنْ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَكَلَتْهُ النّقَمُ وَإِنّي أَدْعُوك إلَى الرّبّ الّذِي إنْ أَرَدْت الْهُدَى لم [ ص 393 ] أَرَادَك لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْك أَحَدٌ ، وَأَدْعُوك إلَى النّبِيّ الْأُمّيّ الّذِي لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِمّا يَأْمُرُ بِهِ وَلَا أَقْبَحُ مِمّا يَنْهَى عَنْهُ وَاعْلَمْ أَنّ لَك رَبّا يُمِيتُ الْحَيّ وَيُحْيِي الْمَيّتَ وَيَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصّدُورُ فَقَالَ الْحَارِثُ قَدْ كَانَ هَذَا النّبِيّ عَرَضَ نَفْسَهُ عَلَيّ فَخَطِئْت عَنْهُ وَكَانَ ذُخْرًا لِمَنْ صَارَ إلَيْهِ وَكَانَ أَمْرُهُ أَمْرًا سَبَقَ فَحَضَرَهُ الْيَأْسُ وَغَابَ عَنْهُ الطّمَعُ وَلَمْ يَكُنْ لِي قَرَابَةٌ أَحْتَمِلُهُ عَلَيْهَا ، وَلَا لِي فِيهِ هَوًى أَتّبِعُهُ لَهُ غَيْرَ أَنّي أَرَى أَمْرًا لَمْ يُوَسْوِسْهُ الْكَذِبُ وَلَمْ يُسْنِدْهُ الْبَاطِلُ . لَهُ بَدْءٌ سَارّ ، وَعَاقِبَةٌ نَافِعَةٌ وَسَأَنْظُرُ . وَمِمّا قَالَهُ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ فِي قُدُومِهِ عَلَى قَيْصَرَ
أَلَا هَلْ أَتَاهَا عَلَى نَأْيِهَا ... قَدِمْت عَلَى قَيْصَرَ
فَقَدّرْته بِصَلَاةِ الْمَسِي ... حِ وَكَانَتْ مِنْ الْجَوْهَرِ الْأَحْمَرِ
وَتَدْبِيرِ رَبّك أَمْرَ السّمَا ... ءِ وَالْأَرْضِ فَأَغْضَى وَلَمْ يُنْكِرْ
وَقُلْت : تُقِرّ بِبُشْرَى الْمَسِي ... حِ فَقَالَ سَأَنْظُرُ قُلْت : اُنْظُرْ
فَكَانَ يُقِرّ بِأَمْرِ الرّسُو ... لِ فَمَالَ إلَى الْبَدَلِ الْأَعْوَرِ
فَشَكّ وَجَاشَتْ لَهُ نَفْسُهُ ... وَجَاشَتْ نَفُوسُ بَنِي الْأَصْفَرِ
عَلَى وَضْعِهِ بِيَدَيْهِ الْكِتَا ... بَ عَلَى الرّأْسِ وَالْعَيْنِ وَالْمَنْخِرِ
فَأَصْبَحَ قَيْصَرُ مِنْ أَمْرِهِ ... بِمَنْزِلَةِ الْفَرَسِ الْأَشْقَرِ
يُرِيدُ بِالْفَرَسِ الْأَشْقَرِ مَثَلًا لِلْعَرَبِ يَقُولُونَ
أَشْقَرُ إنْ يَتَقَدّمْ يُنْحَرْ ... وَإِنْ يَتَأَخّرْ يُعْقَرْ
وَقَالَ الشّاعِرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى :
وَهَلْ كُنْت إلّا مِثْلَ سَيّقِهِ الْعِدَا ... إنْ اسْتَقْدَمَتْ نَحْرٌ وَإِنْ جَبَأَتْ عَقْرُ
وَفِي حَدِيثِ دِحْيَةَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ فِي مُسْنَدِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ مَنْ يَنْطَلِقُ بِكِتَابِي هَذَا إلَى قَيْصَرَ وَلَهُ الْجَنّةُ " ، فَقَالُوا : وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ " وَإِنْ لَمْ يُقْتَلْ " ، فَانْطَلَقَ بِهِ رَجُلٌ يَعْنِي دِحْيَةَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . [ ص 394 ]

رِوَايَةُ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ بَعْثِ الرّسُولِ رُسُلَهُ
[ ص 394 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ الْمِصْرِيّ : أَنّهُ وَجَدَ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْبُلْدَانِ وَمُلُوكِ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ ، وَمَا قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ بَعَثَهُمْ . قَالَ فَبَعَثْت بِهِ إلَى مُحَمّدِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ فَعَرَفَهُ وَفِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ لَهُمْ إنّ اللّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَكَافّةً فَأَدّوا عَنّي يَرْحَمْكُمْ اللّهُ وَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيّ كَمَا اخْتَلَفَ الْحَوَارِيّونَ عَلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ " ، قَالُوا : وَكَيْفَ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَ اخْتِلَافُهُمْ ؟ قَالَ " دَعَاهُمْ لِمِثْلِ مَا دَعَوْتُكُمْ لَهُ فَأَمّا مَنْ قَرّبَ بِهِ فَأَحَبّ وَسَلّمَ وَأَمّا مَنْ بَعّدَ بِهِ فَكَرِهَ وَأَبَى ، فَشَكَا ذَلِكَ عِيسَى مِنْهُمْ إلَى اللّهِ فَأَصْبَحُوا وَكُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَتَكَلّمُ بِلُغَةِ الْقَوْمِ الّذِينَ وُجّهَ إلَيْهِمْ
أَسْمَاءُ رُسُلِ عِيسَى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مَنْ بَعَثَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ الْحَوَارِيّينَ وَالْأَتْبَاعِ الّذِينَ كَانُوا بَعْدَهُمْ فِي الْأَرْضِ بُطْرُسُ الْحَوَارِيّ ، وَمَعَهُ بُولُسُ وَكَانَ بُولُسُ مِنْ الْأَتْبَاعِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيّينَ إلَى رُومِيّةَ وَأَنْدِرَائِسُ وَمَنْتَا إلَى الْأَرْضِ الّتِي يَأْكُلُ أَهْلُهَا النّاسَ وَتُومَاسُ إلَى أَرْضِ بَابِلَ ، مِنْ أَرْضِ الْمَشْرِقِ وَفِيلِبّسُ إلَى أَرْضِ قَرْطَاجَنّةَ ، وَهِيَ إفْرِيقِيَةُ وَيُحَنّسُ إلَى إفسوس ، قَرْيَةِ الْفِتْيَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، وَيَعْقُوبُسُ إلَى أُورَاشَلِمُ وَهِيَ إيلِيَاءُ ، قَرْيَةُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَابْنُ ثَلْمَاءَ إلَى الْأَعْرَابِيّةِ وَهِيَ أَرْضُ الْحِجَازِ ، وَسِيمُنُ إلَى أَرْضِ الْبَرْبَرِ ، وَيَهُوذَا ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْحَوَارِيّينَ جُعِلَ مَكَانَ يُودِسَ .

ذِكْرُ جُمْلَةِ الْغَزَوَاتِ
بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
قَالَ حَدّثَنَا أَبُو مُحَمّدٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ وَكَانَ جَمِيعُ مَا غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَفْسِهِ سَبْعًا وَعِشْرِينَ غَزْوَةً مِنْهَا غَزْوَةُ وَدّانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ، ثُمّ غَزْوَةُ بُوَاطٍ ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى ، ثُمّ غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ ، مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى ، يَطْلُبُ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى ، الّتِي قَتَلَ اللّهُ فِيهَا صَنَادِيدَ قُرَيْشٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ ، حَتّى بَلَغَ الْكُدْرَ ، ثُمّ غَزْوَةُ السّوِيقِ ، يَطْلُبُ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ غَطَفَانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ ذِي أَمِر ، ثُمّ غَزْوَةُ بَحْرَانَ مَعْدِنٍ بِالْحِجَازِ ثُمّ غَزْوَةُ أُحُدٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ؛ ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي النّضِيرِ [ ص 395 ] غَزْوَةُ ذَاتِ الرّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْآخِرَةُ ثُمّ غَزْوَةُ دُومَةِ الْجَنْدَلِ ، ثُمّ غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي قُرَيْظَةَ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي لِحْيَانَ ، مِنْ هُذَيْلٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ ذِي قَرَدٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ ، ثُمّ غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا ، فَصَدّهُ الْمُشْرِكُونَ ثُمّ غَزْوَةُ خَيْبَرَ ، ثُمّ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ ثُمّ غَزْوَةُ الْفَتْحِ ، ثُمّ غَزْوَةُ حُنَيْنٍ ، ثُمّ غَزْوَةُ الطّائِفِ ، ثُمّ غَزْوَةُ تَبُوكَ . قَاتَلَ مِنْهَا فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ بَدْرٍ وَأُحُدٍ ، وَالْخَنْدَقِ ، وَقُرَيْظَةَ وَالْمُصْطَلِقِ وَخَيْبَرَ ، وَالْفَتْحِ وَحُنَيْنٍ ، وَالطّائِفِ .
Sعِدّةُ الْغَزَوَاتِ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عِدّةَ الْغَزَوَاتِ وَهِيَ سِتّ وَعِشْرُونَ وَقَالَ الْوَاقِدِيّ : كَانَتْ سَبْعًا وَعِشْرِينَ وَإِنّمَا جَاءَ الْخِلَافُ لِأَنّ غَزْوَةَ خَيْبَرَ اتّصَلَتْ بِغَزْوَةِ وَادِي الْقُرَى ، فَجَعَلَهَا بَعْضُهُمْ غَزْوَةً وَاحِدَةً وَأَمّا الْبُعُوثُ وَالسّرَايَا فَقِيلَ هِيَ سِتّ وَثَلَاثُونَ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعُونَ وَهُوَ قَوْلُ الوّاقِدِيّ ، وَنَسَبَ الْمَسْعُودِيّ إلَى بَعْضِهِمْ أَنّ الْبُعُوثَ وَالسّرَايَا كَانَتْ سِتّينَ . قَاتَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تِسْعِ غَزَوَاتٍ وَقَالَ الْوَاقِدِيّ : قَاتَلَ فِي إحْدَى عَشْرَةَ غَزْوَةً مِنْهَا الْغَابَةُ وَوَادِي الْقُرَى وَاَللّهُ أَعْلَمُ .

ذِكْرُ جُمْلَةِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ
وَكَانَتْ بُعُوثُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَرَايَاهُ ثَمَانِيًا وَثَلَاثِينَ ، مِنْ بَيْنِ بَعْثٍ وَسَرِيّةٍ غَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَسْفَلَ مِنْ ثَنِيّةِ ذِي الْمَرْوَةِ ، ثُمّ غَزْوَةُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ سَاحِلَ الْبَحْرِ مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ ؛ وَبَعْضُ النّاسِ يُقَدّمُ غَزْوَةَ حَمْزَةَ قَبْلَ غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ وَغَزْوَةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ الْخَرّارَ ، وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ نَخْلَةَ ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْقَرَدَةَ ، وَغَزْوَةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَغَزْوَةُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ الرّجِيعَ ، وَغَزْوَةُ الْمُنْذِرِ بْنِ عَمْرٍو بِئْرَ مَعُونَةَ ، وَغَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ ذَا الْقَصّةِ مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ ، وَغَزْوَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ تُرَبَةَ مِنْ أَرْضِ بَنِي عَامِرٍ ، وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْيَمَنَ ، وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْكَلْبِيّ ، كَلْبِ لَيْثٍ الْكَدِيدَ ، فَأَصَابَ بَنِي الْمُلَوّحِ .
Sغَزْوَةُ عُمَرَ
فَصْلٌ
[ ص 395 ] وَذَكَرَ غَزْوَةَ عُمَرَ إلَى تُرَبَةَ ، وَهِيَ تُرَبَةُ بِفَتْحِ الرّاءِ أَرْضٌ كَانَتْ لِخَثْعَمَ وَفِيهَا جَاءَ الْمَثَلُ صَادَفَ بَطْنُهُ بَطْنَ تُرَبَةَ ، يُرِيدُونَ الشّبَعَ وَالْخِصْبَ . قَالَ الْبَكْرِيّ : وَكَذَلِكَ عُرَنَةُ بِفَتْحِ الرّاءِ يَعْنِي الّتِي عِنْدَ عَرَفَةَ .

خَبَرُ غَزْوَةِ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِيّ بَنِي الْمُلَوّحِ
شَأْنُ ابْنِ الْبَرْصَاءِ
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا أَنّ يَعْقُوبَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ الْأَخْنَسِ ، حَدّثَنِي عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ خُبَيْبٍ الْجُهَنِيّ عَنْ الْمُنْذِرِ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ مَكِيثٍ الْجُهَنِيّ ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَالِبَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ الْكَلْبِيّ ، كَلْبَ بْنَ عَوْفِ بْنِ لَيْثٍ فِي سَرِيّةٍ كُنْت فِيهَا ، [ ص 396 ] وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَةَ عَلَى بَنِي الْمُلَوّحِ ، وَهُمْ بِالْكَدِيدِ فَخَرَجْنَا ، حَتّى إذَا كُنّا بِقُدَيْدٍ لَقِينَا الْحَارِثَ بْنَ مَالِكٍ وَهُوَ ابْنُ الْبَرْصَاءِ اللّيْثِيّ ، فَأَخَذْنَاهُ فَقَالَ إنّي جِئْت أُرِيدُ الْإِسْلَامَ مَا خَرَجْت إلّا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْنَا لَهُ إنْ تَكُ مُسْلِمًا فَلَنْ يَضِيرَك رِبَاطُ لَيْلَةٍ وَإِنْ تَكُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ كُنّا قَدْ اسْتَوْثَقْنَا مِنْك ، فَشَدَدْنَاهُ رِبَاطًا ، ثُمّ خَلّفْنَا عَلَيْهِ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِنَا أَسْوَدَ وَقُلْنَا لَهُ إنْ عَازَك فَاحْتَزّ رَأْسَهُ .
بَلَاءُ ابْنِ مَكِيثٍ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ
قَالَ ثُمّ سِرْنَا حَتّى أَتَيْنَا الْكَدِيدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ فَكُنّا فِي نَاحِيَةِ الْوَادِي ، وَبَعَثَنِي أَصْحَابِي رَبِيئَةً لَهُمْ فَخَرَجْت حَتّى آتِيَ تَلّا مُشْرِفًا عَلَى الْحَاضِرِ فَأَسْنَدْت فِيهِ فَعَلَوْت عَلَى رَأْسِهِ فَنَظَرْت إلَى الْحَاضِرِ فَوَاَللّهِ إنّي لَمُنْبَطِحٌ عَلَى التّلّ إذْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ خِبَائِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ إنّي لَأَرَى عَلَى التّلّ سَوَادًا مَا رَأَيْته فِي أَوّلِ يَوْمِي ، فَانْظُرِي إلَى أَوْعِيَتِك هَلْ تَفْقِدِينَ مِنْهَا شَيْئًا ، لَا تَكُونُ الْكِلَابُ جَرّتْ بَعْضَهَا ، قَالَ فَنَظَرَتْ فَقَالَتْ لَا ، وَاَللّهِ مَا أَفْقِدُ شَيْئًا ، قَالَ فَنَاوِلِينِي قَوْسِي وَسَهْمَيْنِ فَنَاوَلَتْهُ قَالَ فَأَرْسَلَ سَهْمًا ، فَوَاَللّهِ مَا أَخْطَأَ جَنْبِي ، فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ وَثَبَتّ مَكَانِي ، قَالَ ثُمّ أَرْسَلَ الْآخَرَ فَوَضَعَهُ فِي مَنْكِبِي ، فَأَنْزِعُهُ فَأَضَعُهُ وَثَبَتّ مَكَانِي . فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ لَوْ كَانَ رَبِيئَةً لِقَوْمٍ لَقَدْ تَحَرّكَ لَقَدْ خَالَطَهُ سَهْمَايَ لَا أَبَالَك ، إذَا أَصْبَحْت فَابْتَغِيهِمَا ، فَخُذِيهِمَا ، لَا يَمْضُغُهُمَا عَلَيّ الْكِلَابُ . قَالَ ثُمّ دَخَلَ .
نَجَاءُ الْمُسْلِمِينَ بِالنّعَمِ
قَالَ وَأَمْهَلْنَاهُمْ حَتّى إذَا اطْمَأَنّوا وَنَامُوا ، وَكَانَ فِي وَجْهِ السّحَرِ شَنَنّا عَلَيْهِمْ الْغَارَةَ قَالَ فَقَتَلْنَا ، وَاسْتَقْنَا النّعَمَ وَخَرَجَ صَرِيخُ الْقَوْمِ فَجَاءَنَا دَهْمٌ لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ وَمَضَيْنَا بِالنّعَمِ وَمَرَرْنَا بِابْنِ الْبَرْصَاءِ وَصَاحِبِهِ فاحتملناهما مَعَنَا ، قَالَ وَأَدْرَكَنَا الْقَوْمُ حَتّى قَرُبُوا مِنّا ، قَالَ فَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إلّا وَادِي قُدَيْدٍ ، فَأَرْسَلَ اللّهُ الْوَادِيَ بِالسّيْلِ مِنْ حَيْثُ شَاءَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، مِنْ غَيْرِ سَحَابَةٍ نَرَاهَا وَلَا مَطَرٍ فَجَاءَ بِشَيْءٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ بِهِ قُوّةٌ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُجَاوِزَهُ فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إلَيْنَا ، وَإِنّا لَنَسُوقُ نَعَمَهُمْ مَا يَسْتَطِيعُ مِنْهُمْ رَجُلٌ أَنْ يُجِيزَ إلَيْنَا ، وَنَحْنُ نَحْدُوهَا سِرَاعًا ، حَتّى فَتَنّاهُمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى طَلَبِنَا .
شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ
قَالَ فَقَدِمْنَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 397 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنّ شِعَارَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ تِلْكَ اللّيْلَةَ أَمِتْ أَمِتْ . فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ يَحْدُوهَا :
أَبِي أَبُو الْقَاسِمِ أَنْ تَعَزّبِي ... فِي خَضِلٍ نَبَاتُهُ مُغْلَوْلِبِ
صُفْرٍ أَعَالِيهِ كَلَوْنِ الْمِدْهَبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : " كَلَوْنِ الذّهَبِ " . تَمّ خَبَرُ الْغَزَاةِ وَعُدْت إلَى ذِكْرِ تَفْصِيلِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ . [ ص 396 ]

تَعْرِيفٌ بِعِدّةِ غَزَوَاتٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بَنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدٍ مِنْ أَهْلِ فَدَكِ ، وَغَزْوَةُ أَبِي الْعَوْجَاءِ السّلَمِيّ أَرْضَ بَنِي سُلَيْمٍ ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا ، وَغَزْوَةُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ الْغَمْرَةَ ، وَغَزْوَةُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ قَطَنًا ، مَاءٌ مِنْ مِيَاهِ بَنِي أَسَدٍ ، مِنْ نَاحِيَةِ نَجْدٍ ، قُتِلَ بِهَا مَسْعُودُ بْنُ عُرْوَةَ ، وَغَزْوَةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ أَخِي بَنِي حَارِثَةَ ، الْقُرَطَاءَ مِنْ هَوَازِنَ ، وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ بَنِي مُرّةَ بِفَدَكِ وَغَزْوَةُ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ نَاحِيَةَ خَيْبَرَ ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْجَمُومَ مِنْ أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ ، وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ جُذَامَ ، مِنْ أَرْضِ خُشَيْنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْ نَفْسِهِ وَالشّافِعِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ : مِنْ أَرْضِ حَسْمَى . [ ص 397 ]

غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى جُذَامَ
سَبَبُهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا كَمَا حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ كَانُوا عُلَمَاءَ بِهَا ، أَنّ رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ ، لَمّا قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكِتَابِهِ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ قَدِمَ دِحْيَةُ بْنُ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ صَاحِبِ الرّومِ ، حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ وَمَعَهُ تِجَارَةٌ لَهُ حَتّى إذَا كَانُوا بِوَادٍ مِنْ أَوْدِيَتِهِمْ يُقَالُ لَهُ شَنَارُ ، أَغَارَ عَلَى دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْهُنَيْدُ بْنُ عُوصٍ وَابْنُهُ عُوصُ بْنُ الْهُنَيْدِ الضّلَعِيّانِ . وَالضّلَيْعُ . بَطْنٌ مِنْ جُذَامَ ، فَأَصَابَا كُلّ شَيْءٍ كَانَ مَعَهُ فَبَلَغَ ذَلِكَ قَوْمًا مِنْ الضّبَيْبِ رَهْطِ رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ مِمّنْ كَانَ أَسْلَمَ وَأَجَابَ فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ [ ص 398 ] وَابْنِهِ فِيهِمْ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ النّعْمَانُ بْنُ أَبِي جِعَالٍ ، حَتّى لَقُوهُمْ فَاقْتَتَلُوا ، وَانْتَمَى يَوْمَئِذٍ قُرّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضّنَاوِيّ ثُمّ الضّلَعِيّ ، فَقَالَ أَنَا ابْنُ لُبْنَى ، وَرَمَى النّعْمَانَ بْنَ أَبِي جِعَالٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ رُكْبَتَهُ فَقَالَ حِينَ أَصَابَهُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ لُبْنَى ، وَكَانَتْ لَهُ أُمّ تُدْعَى لُبْنَى ، وَقَدْ كَانَ حَسّانُ بْنُ مَلّةَ الضّبَيْبِيّ قَدْ صَحِبَ دِحْيَةَ بْنَ خَلِيفَةَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلّمَهُ أُمّ الْكِتَابِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قُرّةُ بْنُ أَشْقَرَ الضّفَارِيّ ، وَحَيّانُ بْنُ مَلّةَ .
تَمَكّنُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكُفّارِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ رِجَالٍ مِنْ جُذَامَ ، قَالَ فَاسْتَنْقَذُوا مَا كَانَ فِي يَدِ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فَرَدّوهُ عَلَى دِحْيَةَ فَخَرَجَ دِحْيَةُ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُ وَاسْتَسْقَاهُ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، وَذَلِكَ الّذِي هَاجَ غَزْوَةَ زَيْدٍ جُذَامَ ، وَبَعَثَ مَعَهُ جَيْشًا ، وَقَدْ وَجّهَتْ غَطَفَانُ مِنْ جُذَامَ وَوَائِلٍ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلَامَانَ وَسَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ حِينَ جَاءَهُمْ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكِتَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا الْحَرّةَ ، حَرّةَ الرّجْلَاءِ ، وَرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ لَمْ يَعْلَمْ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ وَسَائِرُ بَنِي الضّبَيْبِ بِوَادِي مَدَانَ ، مِنْ نَاحِيَةِ الْحَرّةِ ، مِمّا يَسِيلُ مُشَرّقًا ، وَأَقْبَلَ جَيْشُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ الْأَوْلَاجَ ، فَأَغَارَ بِالْمَاقِصِ مِنْ قِبَلِ الْحَرّةِ ، فَجَمَعُوا مَا وَجَدُوا مِنْ مَالٍ أَوْ نَاسٍ وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَرَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي الْأَجْنَفِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِنْ بَنِي الْأَحْنَفِ .
شَأْنُ حَسّانَ وَأُنَيْفٍ ابْنَيْ مَلّةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ وَرَجُلَانِ مِنْ بَنِي الْخَصِيبِ . فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ بَنُو الضّبَيْبِ وَالْجَيْشُ بِفَيْفَاءِ مَدَانَ رَكِبَ نَفَرٌ مِنْهُمْ وَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ مَعَهُمْ حَسّانُ بْنُ مَلّةَ ، عَلَى فَرَسٍ لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ يُقَالُ لَهَا : الْعَجَاجَةُ وَأُنَيْفُ بْنُ مَلّةَ عَلَى فَرَسٍ لِمَلّةَ يُقَالُ لَهَا : رِغَالُ وَأَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهَا : شَمِرٌ ، فَانْطَلَقُوا حَتّى إذَا دَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَحَسّانُ لِأُنَيْفِ بْنِ مَلّةَ كُفّ عَنّا وَانْصَرِفْ فَإِنّا نَخْشَى لِسَانَك ، فَوَقَفَ عَنْهُمَا فَلَمْ يَبْعُدَا مِنْهُ حَتّى جَعَلَتْ فَرَسُهُ تَبْحَثُ بِيَدَيْهَا وَتَوَثّبُ فَقَالَ لَأَنَا أَضَنّ بِالرّجُلَيْنِ مِنْك بِالْفَرَسَيْنِ فَأَرْخَى لَهَا ، حَتّى أَدْرَكَهُمَا ، فَقَالَا لَهُ أَمَا إذَا فَعَلْت مَا فَعَلْت فَكُفّ عَنّا لِسَانَك ، وَلَا تَشْأَمْنَا الْيَوْمَ فَتَوَاصَوْا أَنْ لَا يَتَكَلّمَ مِنْهُمْ إلّا حَسّانُ بْنُ مَلّةَ ، وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ كَلِمَةٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ قَدْ عَرَفَهَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ [ ص 399 ] قَالَ بُورِي أَوْ ثُورِي ، فَلَمّا بَرَزُوا عَلَى الْجَيْشِ أَقْبَلَ الْقَوْمُ يَبْتَدِرُونَهُمْ فَقَالَ لَهُمْ حَسّانُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ أَدْهَمَ فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ فَقَالَ أُنَيْفٌ بُورِي ، فَقَالَ حَسّانُ مَهْلًا ، فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ حَسّانُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ فَاقْرَءُوا أُمّ الْكِتَابِ فَقَرَأَهَا حَسّانُ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ : نَادُوا فِي الْجَيْشِ أَنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَيْنَا ثُغْرَةَ الْقَوْمِ الّتِي جَاءُوا مِنْهَا إلّا مَنْ خَتَرَ .
قُدُومُهُمْ عَلَى الرّسُولِ وَشِعْرُ أَبِي جِعَالٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِذَا أُخْتُ حَسّانَ بْنِ مَلّةَ ، وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي وَبْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الضّبَيْبِ فِي الْأُسَارَى ، فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ خُذْهَا ، وَأَخَذَتْ بِحَقْوَيْهِ فَقَالَتْ أُمّ الْفِزْزِ الضّلَعِيّةُ أَتَنْطَلِقُونَ بِبَنَاتِكُمْ وَتَذَرُونَ أُمّهَاتِكُمْ ؟ فَقَالَ أَحَدُ بَنِي الْخَصِيبِ إنّهَا بَنُو الضّبَيْبِ وَسِحْرُ أَلْسِنَتِهِمْ سَائِرَ الْيَوْمِ فَسَمِعَهَا بَعْضُ الْجَيْشِ فَأَخْبَرَ بِهَا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، فَأَمَرَ بِأُخْتِ حَسّانَ فَفُكّتْ يَدَاهَا مِنْ حَقْوَيْهِ وَقَالَ لَهَا : اجْلِسِي مَعَ بَنَاتِ عَمّك حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ فِيكُنّ حُكْمَهُ فَرَجَعُوا ، وَنَهَى الْجَيْشَ أَنْ يَهْبِطُوا إلَى وَادِيهِمْ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ وَاسْتَعْتَمُوا ، ذَوْدًا لِسُوَيْدِ بْنِ زَيْدٍ فَلَمّا شَرِبُوا عَتَمَتَهُمْ رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَكَانَ مِمّنْ رَكِبَ إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ تِلْكَ اللّيْلَةَ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو ، وَأَبُو شَمّاسِ بْنُ عَمْرٍو ، وَسُوَيْدُ بْنُ زَيْدٍ ، وَبَعْجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَبَرْذَعُ بْنُ زَيْدٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ زَيْدٍ وَمُخَرّبَةُ بْنُ عَدِيّ وَأُنَيْفُ بْنُ مَلّةَ ، وَحَسّانُ بْنُ مَلّةَ ، حَتّى صَبّحُوا رِفَاعَةَ بْنَ زَيْدٍ بِكُرَاعِ رِبَةَ بِظَهْرِ الْحَرّةِ عَلَى بِئْرٍ هُنَالِكَ مِنْ حَرّةِ لَيْلَى ، فَقَالَ لَهُ حَسّانُ بْنُ مَلّةَ : إنّك لَجَالِسٌ تَحْلُبُ الْمِعْزَى وَنِسَاءُ جُذَامَ أُسَارَى قَدْ غَرّهَا كِتَابُك الّذِي جِئْت بِهِ فَدَعَا رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِجَمَلٍ لَهُ فَجَعَلَ يَشُدّ عَلَيْهِ رَحْلَهُ وَهُوَ يَقُولُ هَلْ أَنْتَ حَيّ أَوْ تُنَادِي حَيّا
ثُمّ غَدَا وَهُمْ مَعَهُ بِأُمَيّةِ بْنِ ضَفَارَةَ أَخِي الْخَصِيبِيّ الْمَقْتُولِ مُبَكّرِينَ مِنْ ظَهْرِ الْحَرّةِ ، فَسَارُوا إلَى جَوْفِ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَلَمّا دَخَلُوا الْمَدِينَةَ ، وَانْتَهَوْا إلَى الْمَسْجِدِ نَظَرَ إلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ النّاسِ فَقَالَ لَا تُنِيخُوا إبِلَكُمْ فَتُقْطَعَ أَيْدِيهِنّ ، فَنَزَلُوا عَنْهُنّ وَهُنّ قِيَامٌ فَلَمّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَآهُمْ أَلَاحَ إلَيْهِمْ بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَوْا مِنْ وَرَاءِ النّاسِ فَلَمّا اسْتَفْتَحَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْمَنْطِقَ قَامَ رَجُلٌ مِنْ النّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ سَحَرَةٌ فَرَدّدَهَا مَرّتَيْنِ فَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ رَحِمَ اللّهُ مَنْ لَمْ يَحْذُنَا فِي يَوْمِهِ هَذَا إلّا [ ص 400 ] ثُمّ دَفَعَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ كِتَابَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي كَانَ كَتَبَهُ لَهُ . فَقَالَ دُونَك يَا رَسُولَ اللّهِ قَدِيمًا كِتَابُهُ حَدِيثًا غَدْرُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اقْرَأْهُ يَا غُلَامُ وَأَعْلِنْ " ؛ فَلَمّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُ فَأَخْبَرُوهُمْ الْخَبَرَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى ؟ " ( ثَلَاثَ مَرّاتٍ ) . فَقَالَ رِفَاعَةُ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْلَمُ لَا نُحَرّمُ عَلَيْك حَلَالًا ، وَلَا نُحَلّلُ لَك حَرَمًا ، فَقَالَ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو : أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ كَانَ حَيّا ، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَذِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ ، ارْكَبْ مَعَهُمْ يَا عَلِيّ " فَقَالَ لَهُ عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إنّ زَيْدًا لَنْ يُطِيعَنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ " فَخُذْ سَيْفِي هَذَا فَأَعْطَاهُ سَيْفَهُ فَقَالَ عَلِيّ : لَيْسَ لِي يَا رَسُولَ اللّهِ رَاحِلَةٌ أَرْكَبُهَا ، فَحَمَلُوهُ عَلَى بَعِيرٍ لِثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرٍو ، يُقَالُ لَهُ مِكْحَالٌ فَخَرَجُوا ، فَإِذَا رَسُولٌ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ أَبِي وَبْرٍ يُقَالُ لَهَا : الشّمِرُ فَأَنْزَلُوهُ عَلَيْهَا ، فَقَالَ يَا عَلِيّ ، مَا شَأْنِي ؟ فَقَالَ مَا لَهُمْ عَرَفُوهُ فَأَخَذُوهُ ثُمّ سَارُوا فَلَقُوا الْجَيْشَ بِفَيْفَاءِ الْفَحْلَتَيْنِ فَأَخَذُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى كَانُوا يَنْزِعُونَ لُبَيْدَ الْمَرْأَةِ مِنْ تَحْتِ الرّحْلِ فَقَالَ أَبُو جِعَالٍ حِينَ فَرَغُوا مِنْ شَأْنِهِمْ
وَعَاذِلَةٍ وَلَمْ تَعْذُلْ بِطِبّ ... وَلَوْلَا نَحْنُ حُشّ بِهَا السّعِيرُ
تُدَافِعُ فِي الْأُسَارَى بِابْنَتَيْهَا ... وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ
وَلَوْ وُكِلَتْ إلَى عُوصٍ وَأَوْسٍ ... لَحَارَ بِهَا عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ
وَلَوْ شَهِدَتْ رَكَائِبَنَا بِمِصْرٍ ... تُحَاذِرُ أَنْ يُعَلّ بِهَا الْمَسِيرُ
وَرَدْنَا مَاءَ يَثْرِبَ عَنْ حِفَاظٍ ... لِرَبْعٍ إنّهُ قَرَبٌ ضَرِيرُ
بِكُلّ مُجَرّبٍ كَالسّيدِ نَهْدٍ ... عَلَى أَقْتَادِ نَاجِيَةٍ صَبُورُ
فِدًى لِأَبِي سُلَيْمَى كُلّ جَيْشٍ ... بِيَثْرِبَ إذْ تَنَاطَحَتْ النّحُورُ
غَدَاةَ تَرَى الْمُجَرّبَ مُسْتَكِينًا ... خِلَافَ الْقَوْمِ هَامَتُهُ تَدُورُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ وَلَا يُرْجَى لَهَا عِتْقٌ يَسِيرُ . وَقَوْلُهُ عَنْ الْعِتْقِ الْأُمُورُ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . تَمّتْ الْغَزَاةُ وَعُدْنَا إلَى تَفْصِيلِ ذِكْرِ السّرَايَا وَالْبُعُوثِ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا الطّرَفَ مِنْ نَاحِيَةِ نَخْلٍ . مِنْ طَرِيقِ الْعِرَاقِ . [ ص 401 ]
غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بَنِي فَزَارَةَ وَمُصَابُ أُمّ قِرْفَةَ
بَعْضُ مَنْ أُصِيبَ بِهَا
وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَيْضًا وَادِيَ الْقُرَى ، لَقِيَ بِهِ بَنِي فَزَارَةَ ، فَأُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَارْتُثّ زَيْدٌ مِنْ بَيْنِ الْقَتْلَى ، وَفِيهَا أُصِيبَ وَرْدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَدَاشٍ وَكَانَ أَحَدَ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ ، أَصَابَهُ أَحَدُ بَنِي بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ هَشّامٍ : سَعْدُ بْنُ هُذَيْمٍ .
مُعَاوَدَةُ زَيْدٍ لَهُمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ إلَى أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ غُسْلٌ مِنْ جَنَابَةٍ حَتّى يَغْزُوَ بَنِي فَزَارَةَ فَلَمّا اسْتَبَلّ مِنْ جِرَاحَتِهِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي فَزَارَةَ فِي جَيْشٍ فَقَتَلَهُمْ بِوَادِي الْقُرَى ، وَأَصَابَ فِيهِمْ وَقَتَلَ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحّرِ الْيَعْمُرِيّ مَسْعَدَةَ بْنَ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، وَأَسَرَتْ أُمّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ بَدْرٍ كَانَتْ عَجُوزًا كَبِيرَةً عِنْدَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، وَبِنْتٌ لَهَا ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعَدَةَ ، فَأَمَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ قَيْسَ بْنَ الْمُسَحّر أَنْ يَقْتُلَ أُمّ قِرْفَةَ فَقَتَلَهَا قَتْلًا عَنِيفًا ؟ ثُمّ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِابْنَةِ أُمّ قِرْفَةَ وَبِابْنِ مَسْعَدَةَ .
شَأْنُ أُمّ قِرْفَةَ
وَكَانَتْ بِنْتَ أُمّ قِرْفَةَ لِسَلَمَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْأَكْوَعِ كَانَ هُوَ الّذِي أَصَابَهَا ، وَكَانَتْ فِي بَيْتِ شَرَفٍ مِنْ قَوْمِهَا ؟ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ لَوْ كُنْت أَعَزّ مِنْ أُمّ قِرْفَةَ مَا زِدْت . فَسَأَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلَمَةَ فَوَهَبَهَا لَهُ فَأَهْدَاهَا لِخَالِهِ حَزَنِ بْنِ وَهْبٍ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ حَزَنٍ .
شِعْرُ ابْنِ الْمُسَحّرِ فِي قَتْلِ مَسْعَدَةَ
فَقَالَ قَيْسُ بْنُ الْمُسَحّرِ فِي قَتْلِ مَسْعَدَةَ
سَعَيْت بِوَرْدِ مِثْلَ سَعْيِ ابْنِ أُمّهِ ... وَإِنّي بِوَرْدِ فِي الْحَيَاةِ لَثَائِرُ
كَرَرْت عَلَيْهِ الْمُهْرَ لَمّا رَأَيْته ... عَلَى بَطَلٍ مِنْ آلِ بَدْرٍ مَغَاوِرِ
فَرَكِبْت فِيهِ قَعْضَبِيّا كَأَنّهُ ... شِهَابٌ بِمَعْرَاةٍ يُذَكّى لِنَاظِرِ
.

غَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ لِقَتْلِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ خَيْبَرَ مَرّتَيْنِ إحْدَاهُمَا الّتِي أَصَابَ فِيهَا الْيَسِيرَ بْنَ رِزَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ابْنُ رَازِمٍ .
مَقْتَلُ الْيَسِيرِ
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ الْيَسِيرِ بْنِ رِزَامٍ أَنّهُ كَانَ بِخَيْبَرِ يَجْمَعُ غَطَفَانَ لِغَزْوِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ مِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ ، فَلَمّا قَدِمُوا عَلَيْهِ كَلّمُوهُ وَقَرّبُوا لَهُ وَقَالُوا لَهُ إنّك إنْ قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعْمَلَك وَأَمّرَك ، فَلَمْ يَزَالُوا بِهِ حَتّى خَرَجَ مَعَهُمْ فِي نَفَرٍ مِنْ يَهُودَ فَحَمَلَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى بَعِيرِهِ حَتّى إذَا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ خَيْبَر ، عَلَى سِتّةِ أَمْيَالٍ نَدِمَ الْيَسِيرُ بْنُ رِزَامٍ عَلَى مَسِيرِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَطِنَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَهُوَ يُرِيدُ السّيْفَ فَاقْتَحَمَ بِهِ ثُمّ ضَرَبَهُ بِالسّيْفِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَهُ الْيَسِيرُ بِمِخْرَشِ فِي يَدِهِ مِنْ شَوْحَطٍ فَأَمّهُ وَمَالَ كُلّ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ يَهُودَ فَقَتَلَهُ إلّا رَجُلًا وَاحِدًا أَفْلَتَ عَلَى رِجْلَيْهِ فَلَمّا قَدِمَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَفَلَ عَلَى شَجّتِهِ فَلَمْ تَقِحْ وَلَمْ تُؤْذِهِ .

غَزْوَةُ ابْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَتِيكٍ خَيْبَرَ ، فَأَصَابَ بِهَا أَبَا رَافِعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ .

غَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ لِقَتْلِ خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ
مَقْتَلُ ابْنِ نُبَيْحٍ
وَغَزْوَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ خَالِدَ بْنَ سُفْيَانَ بْنِ نُبَيْحٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ ، يَجْمَعُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ لِيَغْزُوهُ فَقَتَلَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ : دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ ابْنَ سُفْيَانَ بْنَ نُبَيْحٍ الْهُذَلِيّ يَجْمَعُ لِي النّاسَ لِيَغْزُونِي ، وَهُوَ بِنَخْلَةَ أَوْ بِعُرَنَةَ فَأْتِهِ فَاقْتُلْهُ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ انْعَتْهُ لِي حَتّى أَعْرِفَهُ . قَالَ " إنّك إذَا رَأَيْته أَذْكَرَك الشّيْطَانَ وَآيَةٌ مَا بَيْنَك وَبَيْنَهُ أَنّك إذَا رَأَيْته وَجَدْت لَهُ . [ ص 403 ] قَالَ فَخَرَجْت مُتَوَشّحًا سَيْفِي ، حَتّى دَفَعْت إلَيْهِ وَهُوَ فِي ظُعُنٍ يَرْتَادُ لَهُنّ مَنْزِلًا ، وَحَيْثُ كَانَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَلَمّا رَأَيْته وَجَدْت مَا قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْقُشَعْرِيرَةِ فَأَقْبَلْت نَحْوَهُ وَخَشِيت أَنْ تَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مُجَاوَلَةٌ تَشْغَلُنِي عَنْ الصّلَاةِ فَصَلّيْت وَأَنَا أَمْشِي نَحْوَهُ أُومِي بِرَأْسِي ، فَلَمّا انْتَهَيْت إلَيْهِ قَالَ مَنْ الرّجُلُ ؟ قُلْت : رَجُلٌ مِنْ الْعَرَبِ سَمِعَ بِك وَبِجَمْعِك لِهَذَا الرّجُلِ فَجَاءَك لِذَلِكَ . قَالَ أَجَلْ إنّي لَفِي ذَلِك . قَالَ فَمَشَيْت مَعَهُ شيئا ، حتى إذا أَمْكَنَنِي حَمَلْت عَلَيْهِ بِالسّيْفِ فَقَتَلْته ، ثُمّ خَرَجْت ، وَتَرَكْت ظَعَائِنَهُ مُنَكّبَاتٍ عَلَيْهِ ؟ فَلَمّا قَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَآنِي ، أَفْلَحَ الْوَجْهِ ؟ قُلْت : قَدْ قَتَلْته يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ " صَدَقْت "
إهْدَاءُ الرّسُولِ عَصًا لَابْنِ أُنَيْسٍ
ثُمّ قَامَ بِي ، فَأَدْخَلَنِي بَيْتَهُ فَأَعْطَانِي عَصًا ، فَقَالَ أَمْسِكْ هَذِهِ الْعَصَا عِنْدَك يَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ أُنَيْسٍ . قَالَ فَخَرَجْت بِهَا عَلَى النّاسِ فَقَالُوا : مَا هَذَا الْعَصَا ؟ قُلْت : أَعْطَانِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَهَا عِنْدِي . قَالُوا : أَفَلَا تَرْجِعُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَسْأَلَهُ لِمَ ذَلِكَ ؟ قَالَ فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَ أَعْطَيْتنِي هَذِهِ الْعَصَا ؟ قَالَ آيَةٌ بَيْنِي وَبَيْنَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ . إنّ أَقَلّ النّاسِ الْمُتَخَصّرُونَ يَوْمئِذٍ قَالَ فَقَرَنَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فَلَمْ تَزَلْ مَعَهُ حَتّى مَاتَ ثُمّ أَمَرَ بِهَا فَضُمّتْ فِي كَفَنِهِ ثُمّ دُفِنَا جَمِيعًا
شِعْرُ ابْنِ أُنَيْسٍ فِي قَتْلِهِ ابْنَ نُبَيْحٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فِي ذَلِكَ [ ص 404 ]
تَرَكْت ابْنَ ثَوْرٍ كَالْحُوَارِ وَحَوْلَهُ ... نَوَائِحُ تَفْرِي كُلّ جَيْبٍ مُقَدّدِ
تَنَاوَلْته وَالظّعُنُ خَلْفِي وَخَلْفَهُ ... بِأَبْيَضَ مِنْ مَاءِ الْحَدِيدِ مُهَنّدِ
عُجُومٍ لِهَامِ الدّارِعِينَ كَأَنّهُ ... شِهَابُ غَضّى مِنْ مُلْهَبٍ مُتَوَقّدِ
أَقُولُ لَهُ وَالسّيْفُ يَعْجُمُ رَأْسَهُ ... أَنَا ابْنُ أُنَيْسٍ فَارِسًا غَيْرَ قُعْدُدِ
أَنَا ابْنُ الّذِي لَمْ يُنْزِلْ الدّهْرُ قَدْرَهُ ... رَحِيبُ فِنَاءِ الدّارِ غَيْرُ مُزَنّدِ
وَقُلْت لَهُ خُذْهَا بِضَرْبَةِ مَاجِدٍ ... حَنِيفٍ عَلَى دِينِ النّبِيّ مُحَمّدِ
وَكُنْت إذَا هَمّ النّبِيّ بِكَافِرِ ... سَبَقْت إلَيْهِ بِاللّسَانِ وَبِالْيَدِ
تَمّتْ الْغَزَاةُ وَعُدْنَا إلَى خَبَرِ الْبُعُوثِ .

غَزَوَاتٌ أُخَرُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، فَأُصِيبُوا بِهَا جَمِيعًا ، وَغَزْوَةُ كَعْبِ بْنِ عُمَيْرٍ الْغِفَارِيّ ذَاتَ أَطْلَاحٍ ، مِنْ أَرْضِ الشّامِ ، أُصِيبَ بِهَا هُوَ وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا .

غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ
وَعَدَ الرّسُولُ عَائِشَةَ بِإِعْطَائِهَا سَبْيًا مِنْهُمْ لِتُعْتِقَهُ
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ إلَيْهِمْ فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ فَأَصَابَ مِنْهُمْ أُنَاسًا ، وَسَبَى مِنْهُمْ أُنَاسًا . فَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ عَلَيّ رَقَبَةً مِنْ وَلَدِ إسْمَاعِيلَ . قَالَ أَهَذَا سَبْيُ بَنِي الْعَنْبَرِ يَقْدَمُ الْآنَ فَنُعْطِيك مِنْهُمْ إنْسَانًا فَتُعْتِقِينَهُ .
بَعْضُ مَنْ سُبِيَ وَبَعْضُ مَنْ قُتِلَ وَشِعْرُ سَلْمَى فِي ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ بِسَبْيِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَكِبَ فِيهِمْ وَفْدٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ وَسَبْرَةُ بْنُ عَمْرٍو ، وَالْقَعْقَاعُ بْنُ مَعْبَدٍ وَوَرْدَانُ بْنُ مُحْرِزٍ وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ، وَمَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ ، وَفِرَاسُ بْنُ حَابِسٍ فَكَلّمُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ فَأَعْتَقَ بَعْضًا ، وَأَفْدَى بَعْضًا ، وَكَانَ مِمّنْ قُتِلَ يَوْمئِذٍ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ عَبْدُ اللّهِ وَأَخَوَانِ لَهُ بَنُو وَهْبٍ وَشَدّادُ بْنُ فِرَاسٍ وَحَنْظَلَةُ بْنُ دَارِمٍ وَكَانَ مِمّنْ سُبِيَ مِنْ نِسَائِهِمْ يَوْمئِذٍ أَسْمَاءُ بِنْتُ مَالِكٍ وَكَاسٍ بِنْتُ أَرِيّ وَنَجْوَةُ بِنْتُ نَهْدٍ وَجُمَيْعَةُ بِنْتُ قَيْسٍ ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ مَطَرٍ ، فَقَالَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ سَلْمَى بِنْتُ عَتّابٍ
لَعَمْرِي لَقَدْ لَاقَتْ عَدِيّ بْنُ جُنْدُبٍ ... مِنْ الشّرّ مُهَوّاةً شَدِيدًا كَئُودُهَا
تَكَنّفَهَا الْأَعْدَاءُ مِنْ كُلّ جَانِبٍ ... وَغُيّبَ عَنْهَا عِزّهَا وَجُدُودُهَا
شِعْرُ الْفَرَزْدَقِ فِي ذَلِكَ
[ ص 405 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ فِي ذَلِكَ
وَعِنْدَ رَسُولِ اللّهِ قَامَ ابْنُ حَابِسٍ ... بِخُطّةِ سِوَارٍ إلَى الْمَجْدِ حَازِمِ
لَهُ أَطْلَقَ الْأَسْرَى الّتِي فِي حِبَالِهِ ... مُغَلّلَةً أَعْنَاقِهَا فِي الشّكَائِمِ
كَفَى أُمّهَاتَ الْخَالِفِينَ عُلِيّهمْ ... غَلَاءَ الْمُفَادِي أَوْ سِهَامَ الْمَقَاسِمِ
وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَعَدِيّ بْنُ جُنْدُبٍ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ وَالْعَنْبَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ .

غَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ أَرْضَ بَنِي مُرّةَ
مَقْتَلُ مِرْدَاسٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْكَلْبِيّ - كَلْبِ لَيْثٍ - أَرْضَ بَنِي مُرّةَ ، فَأَصَابَ بِهَا مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ ، حَلِيفًا لَهُمْ مِنْ الْحُرْقَةِ ، مِنْ جُهَيْنَةَ ، قَتَلَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحُرْقَةُ ، فِيمَا حَدّثَنِي عُبَيْدَةُ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ أَدْرَكْته أَنَا وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَلَمّا شَهّرْنَا عَلَيْهِ السّلَاحَ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ قَالَ فَلَمْ نَنْزِعْ عَنْهُ حَتّى قَتَلْنَاهُ فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرْنَاهُ خَبَرَهُ فَقَالَ يَا أُسَامَةُ مَنْ لَك بِلَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ " قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ إنّمَا قَالَهَا تَعَوّذًا بِهَا مِنْ الْقَتْلِ قَالَ " فَمَنْ لَك بِهَا يَا أُسَامَةُ ؟ " قَالَ فَوَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ مَا زَالَ يُرَدّدُهَا عَلَيّ حَتّى لَوَدِدْت أَنّ مَا مَضَى مِنْ إسْلَامِي لَمْ يَكُنْ وَأَنّي كُنْت أَسْلَمْت يَوْمئِذٍ وَأَنّي لَمْ أَقْتُلْهُ قَالَ قُلْت : أَنْظِرْنِي يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُعَاهِدُ اللّهَ أَنْ لَا أَقْتُلَ رَجُلًا يَقُولُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ أَبَدًا ، قَالَ " تَقُولُ بَعْدِي يَا أُسَامَةُ " قَالَ قُلْت : بَعْدَك

غَزْوَةُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتَ السّلَاسِلِ
إرْسَالُ عَمْرٍو ثُمّ إمْدَادُهُ
[ ص 406 ] عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ذَاتَ السّلَاسِلِ مِنْ أَرْضِ بَنِي عُذْرَةَ ، وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ يَسْتَنْفِرُ الْعَرَبَ إلَى الشّامِ وَذَلِك أَنّ أُمّ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ كَانَتْ امْرَأَةً مِنْ بَلِيّ . فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ يَسْتَأْلِفُهُمْ لِذَلِكَ حَتّى إذَا كَانَ عَلَى مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامٍ ، يُقَالُ لَهُ السّلْسَلُ . وَبِذَلِكَ سُمّيَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ غَزْوَةَ ذَاتِ السّلَاسِلِ ، فَلَمّا كَانَ عَلَيْهِ خَافَ فَبَعَثَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَمِدّهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوّلِينَ فِيهِمْ أَبُو بَكْر ٍ وَعُمَر وَقَالَ لِأَبِي عُبَيْدَةَ حِينَ وَجّهَهُ لَا تَخْتَلِفَا فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ حَتّى إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ عَمْرٌو : إنّمَا جِئْت مَدَدًا لِي ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَا ، وَلَكِنّي عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَنْتَ عَلَى مَا أَنْتَ عَلَيْهِ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ رَجُلًا لَيّنًا سَهْلًا ، هَيّنًا عَلَيْهِ أَمْرُ الدّنْيَا ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو بَلْ أَنْتَ مَدَدٌ لِي فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ يَا عَمْرُو وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِي : لَا تَخْتَلِفَا ، وَإِنّك إنْ عَصَيْتنِي أَطَعْتُك قَالَ فَإِنّي الْأَمِيرُ عَلَيْك ، وَأَنْتَ مَدَدٌ لِي ، قَالَ فَدُونَك . فَصَلّى عَمْرٌو بِالنّاسِ .
وَصِيّةُ أَبِي بَكْرٍ رَافِعَ بْنَ رَافِعٍ
قَالَ وَكَانَ مِنْ الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْغَزَاةِ أَنّ رَافِعَ بْنَ أَبِي رَافِعٍ الطّائِيّ ، وَهُوَ رَافِعُ بْنُ عُمَيْرَةَ كَانَ يُحَدّثُ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْ نَفْسِهِ قَالَ كُنْت امْرِئِ نَصْرَانِيّا ، وَسُمّيت سَرْجِسَ فَكُنْت أَدَلّ النّاسِ وَأَهْدَاهُمْ بِهَذَا الرّمْلِ كُنْت أَدْفِنُ الْمَاءَ فِي بَيْضِ النّعَامِ بِنَوَاحِي . [ ص 407 ] أُغِيرُ عَلَى إبِلِ النّاسِ فَإِذَا أَدْخَلْتهَا الرّمْلَ غَلَبْت عَلَيْهَا ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدٌ أَنْ يَطْلُبَنِي فِيهِ حَتّى أَمَرَ بِذَلِكَ الْمَاءِ الّذِي خَبّأْت فِي بَيْضِ النّعَامِ فَأَسْتَخْرِجُهُ فَأَشْرَبُ مِنْهُ فَلَمّا أَسْلَمْت خَرَجْت فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ الّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلَاسِلِ ، قَالَ فَقُلْت : وَاَللّهِ لَأَخْتَارَنّ لِنَفْسِي صَاحِبًا ، قَالَ فَصَحِبْت أَبَا بَكْرٍ قَالَ فَكُنْت مَعَهُ فِي رَحْلِهِ قَالَ وَكَانَتْ عَلَيْهِ عَبَاءَةٌ لَهُ فَدَكِيّةٌ فَكَانَ إذَا نَزَلْنَا بَسَطَهَا ، وَإِذَا رَكِبْنَا لَبِسَهَا ، ثُمّ شَكّهَا عَلَيْهِ بِخِلَالِ لَهُ قَالَ وَذَلِكَ الّذِي لَهُ يَقُولُ أَهْلُ نَجْدٍ حِينَ ارْتَدّوا كُفّارًا : نَحْنُ نُبَايِعُ ذَا الْعَبَاءَةِ قَالَ فَلَمّا دَنَوْنَا مِنْ الْمَدِينَةِ قَافِلِينَ قَالَ قُلْت : يَا أَبَا بَكْرٍ إنّمَا صَحِبَتْك لِيَنْفَعَنِي اللّهُ بِك ، فَانْصَحْنِي وَعَلّمْنِي ، قَالَ لَوْ لَمْ تَسْأَلْنِي ذَلِكَ لَفَعَلْت ، قَالَ آمُرُك أَنْ تُوَحّدَ اللّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تُقِيمَ الصّلَاةَ وَأَنْ تُؤْتِيَ الزّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجّ هَذَا الْبَيْتَ ، وَتَغْتَسِلَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَا تَتَآمَرْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبَدًا . قَالَ قُلْت : يَا أَبَا بَكْرٍ أَمّا أَنَا وَاَللّهِ فَإِنّي أَرْجُو أَنْ لَا أُشْرِكَ بِاَللّهِ أَحَدًا أَبَدًا ، وَأَمّا الصّلَاةُ فَلَنْ أَتْرُكَهَا أَبَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ وَأَمّا الزّكَاةُ فَإِنْ يَكُ لِي مَالٌ أُؤَدّهَا إنْ شَاءَ اللّهُ وَأَمّا رَمَضَانُ فَلَنْ أَتْرُكَهُ أَبَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ وَأَمّا الْحَجّ فَإِنْ أَسْتَطِعْ أَحَجّ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى ، وَأَمّا الْجَنَابَةُ فَسَأَغْتَسِلُ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللّهُ وَأَمّا الْإِمَارَةُ فَإِنّي رَأَيْت النّاسَ يَا أَبَا بَكْرٍ لَا يَشْرُفُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعِنْدَ النّاسِ إلّا بِهَا ، فَلِمَ تَنْهَانِي عَنْهَا ؟ قَالَ إنّك إنّمَا اسْتَجْهَدْتَنِي لِأَجْهَدَ لَك ، وَسَأُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ بَعَثَ مُحَمّدًا صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَذَا الدّينِ فَجَاهَدَ عَلَيْهِ حَتّى دَخَلَ النّاسُ فِيهِ طَوْعًا وَكَرْهًا ، فَلَمّا دَخَلُوا فِيهِ كَانُوا عُوُاذًا لِلّهِ وَجِيرَانِهِ وَفِي ذِمّتِهِ فَإِيّاكَ لَا تُخْفِرْ اللّهَ فِي جِيرَانِهِ فَيَتْبَعَك اللّهُ فِي خُفْرَتِهِ فَإِنّ أَحَدَكُمْ يُخْفَرُ فِي جَارِهِ فَيَظِلّ نَاتِئًا عَضَلَهُ غَضَبًا لِجَارِهِ أَنْ أُصِيبَتْ لَهُ شَاةٌ أَوْ بَعِيرٌ فَاَللّهُ أَشَدّ غَضَبًا لِجَارِهِ قَالَ فَفَارَقْته عَلَى ذَلِكَ . قَالَ فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأُمّرَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النّاسِ قَالَ قَدِمْت عَلَيْهِ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَمْ تَكُ نَهَيْتنِي عَنْ أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ بَلَى ، وَأَنَا الْآنَ أَنَهَاك عَنْ ذَلِكَ قَالَ فَقُلْت لَهُ فَمَا حَمَلَك عَلَى أَنْ تَلِي أَمْرَ النّاسِ ؟ قَالَ لَا أَجِدُ مِنْ ذَلِكَ بُدّا ، خَشِيت عَلَى أُمّةِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفُرْقَةَ
تَقْسِيمُ عَوْفٍ الْأَشْجَعِيّ الْجَزُورَ بَيْنَ قَوْمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ أَنّهُ حَدّثَ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ [ ص 408 ] قَالَ كُنْت فِي الْغَزَاةِ الّتِي بَعَثَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى ذَاتِ السّلَاسِلِ ، قَالَ فَصَحِبْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فَمَرَرْت بِقَوْمِ عَلَى جَزُورٍ لَهُمْ قَدْ نَحَرُوهَا ، وَهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُعْضُوهَا ، قَالَ وَكُنْت امْرِئِ لَبِقًا جَازِرًا ، قَالَ فَقُلْت : أَتُعْطُونَنِي مِنْهَا عَشِيرًا عَلَى أَنْ أُقَسّمَهَا بَيْنَكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ فَأَخَذْت الشّفْرَتَيْنِ فَجَزّأْتهَا مَكَانِي ، وَأَخَذْت مِنْهَا جُزْءًا ، فَحَمَلْته إلَى أَصْحَابِي ، فَاطّبَخْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ . فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّى لَك هَذَا اللّحْمُ يَا عَوْفُ ؟ قَالَ فَأَخْبَرْتهمَا خَبَرَهُ فَقَالَا : وَاَللّهِ مَا أَحْسَنْت حِينَ أَطْعَمْتنَا هَذَا ، ثُمّ قَامَا يَتَقَيّآنِ مَا فِي بُطُونِهِمَا مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَلَمّا قَفَلَ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ السّفَرِ كُنْت أَوّلَ قَادِمٍ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَجِئْته وَهُوَ يُصَلّي فِي بَيْتِهِ قَالَ فَقُلْت : السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللّهِ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ " أَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ؟ لَا قَالَ قُلْت : نَعَمْ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، قَالَ " أَصَاحِبُ الْجَزُورِ ؟ " وَلَمْ يَزِدْنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا
Sذِكْرُ غَزْوَةِ ذَاتِ السّلَاسِلِ
[ ص 406 ] سَلْسَلٌ وَأَنّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ الْأَمِيرَ يَوْمئِذٍ وَكَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ أَمَرَهُ أَنّ يَسِيرَ إلَى بَلِيّ ، وَأَنّ أُمّ أَبِيهِ الْعَاصِي كَانَتْ مِنْ بَلِيّ : وَاسْمُهَا : سَلْمَى فِيمَا ذَكَرَ الزّبِيرُ وَأَمّا أُمّ عَمْرٍو ، فَهِيَ لَيْلَى تُلَقّبُ بِالنّابِغَةِ سُبِيَتْ مِنْ بَنِي جِلّانِ بْنِ عَنْتَرَةَ بْنِ رَبِيعَةَ . وَذَكَرَ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ صُحْبَةَ رَافِعِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ لِأَبِي بَكْرٍ وَهُوَ رَافِعُ بْنُ عُمَيْرَةَ وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ عُمَيْرٍ وَهُوَ الّذِي كَلّمَهُ الذّئْبُ وَلَهُ شِعْرٌ مَشْهُورٌ فِي تَكْلِيمِ الذّئْبِ لَهُ وَكَانَ الذّئْبُ قَدْ أَغَارَ عَلَى غَنَمِهِ فَاتّبَعَهُ فَقَالَ لَهُ الذّئْبُ . أَلَا أَدُلّك عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَك ، قَدْ بُعِثَ نَبِيّ اللّهِ وَهُوَ يَدْعُو إلَى اللّهِ فَالْحَقْ بِهِ فَفَعَلَ ذَلِكَ رَافِعٌ وَأَسْلَمَ . [ ص 407 ] وَذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ مَعَ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ أَطْعَمَهُ وَعُمَرَ لَحْمَ جَزُورٍ كَانَ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا عَشِيرًا عَلَى أَنْ يُجَزّئَهَا لِأَهْلِهَا ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَتَقَيّآ مَا أَكَلَا ، وَقَالَا : أَتُطْعِمُنَا مِثْلَ هَذَا ، وَذَلِكَ [ ص 408 ] أَعْلَمُ أَنّهُمَا كَرِهَا أُجْرَةً مَجْهُولَةً لِأَنّ الْعَشِيرَ وَاحِدُ الْأَعْشَارِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ يُقَالُ بُرْمَةٌ أَعْشَارٌ إذَا انْكَسَرَتْ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَشِيرُ بِمَعْنَى الْعُشْرِ كَالثّمِينِ بِمَعْنَى الثّمَنِ وَلَكِنّهُ عَامَلَهُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ إخْرَاجِ الْجَزُورِ مِنْ جِلْدِهَا ، وَقَبْلَ النّظَرِ إلَيْهَا ، أَوْ يَكُونَا كَرِهَا جِزَارَةَ الْجَزّارِ عَلَى كُلّ حَالٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .

حُرْقَةُ
وَذَكَرَ غَزْوَةَ غَالِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَقَتْلَهُ مِرْدَاسَ بْنَ نَهِيكٍ مِنْ الْحُرْقَةِ ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحُرْقَةُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي يَشْكُرَ حُرَقَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَحُرْقَةُ بْنُ مَالِكٍ كِلَاهُمَا مِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ كَعْبِ بْنِ يَشْكُرَ وَفِي قُضَاعَةَ : حُرْقَةُ بْنُ جَذِيمَةَ بْنِ نَهْدٍ وَفِي تَمِيمٍ حُرَقَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ هَكَذَا وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَسْمَاءُ كُلّهَا بِالْقَافِ وَذَكَرَهَا الدّارَقُطْنِيّ كُلّهَا بِالْفَاءِ .

أَنْسَابٌ
وَذَكَرَ غَزْوَةَ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إلَى الْقُرَطَاءِ وَهُمْ بَنُو قُرْطٍ وَقَرِيطٍ وَقُرَيْطٍ بَنُو أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ . [ ص 409 ] وَذَكَرَ حَيّانَ بْنَ مِلّةَ وَهُوَ حَسّانُ بْنُ مِلّةَ ، وَكَذَلِكَ قَالَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ . وَذَكَرَ سَعْدَ بْنَ هُذَيْمٍ وَإِنّمَا هُوَ سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ سَوْدِ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ ، وَإِنّمَا نُسِبَ إلَى هُذَيْمٍ لِأَنّ هُذَيْمًا حَضَنَهُ وَهُوَ عَبْدٌ حَبَشِيّ .

حَدِيثُ أُمّ قِرْفَةَ
الّتِي جَرَى فِيهَا الْمَثَلُ أَمْنَعُ مِنْ أُمّ قِرْفَةَ لِأَنّهَا كَانَتْ يُعَلّقُ فِي بَيْتِهَا خَمْسُونَ سَيْفًا [ لِخَمْسِينَ فَارِسًا ] كُلّهُمْ لَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَاسْمُهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ كُنِيَتْ بِابْنِهَا قِرْفَةَ قَتَلَهُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فِيمَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيّ . وَذَكَرَ أَنّ سَائِرَ بَنِيهَا ، وَهُمْ تِسْعَةٌ قُتِلُوا مَعَ طُلَيْحَةَ بْنِ بُزَاخَةَ فِي الرّدّةِ وَهُمْ حَكَمَةُ وَخَرَشَةُ وَجَبَلَةُ وَشَرِيكٌ وَوَالَانُ وَرَمْلٌ وَحُصَيْنٌ وَذَكَرَ بَاقِيَهُمْ . وَذَكَرَ أَنّ قِرْفَةَ قُتِلَتْ يَوْمَ بُزَاخَةَ أَيْضًا ، وَذَكَرَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ أَنّهُ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَهُوَ الصّحِيحُ كَمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ وَذَكَرَ الدّولَابِيّ أَنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ حِينَ قَتَلَهَا رَبَطَهَا بِفَرَسَيْنِ ثُمّ رَكَضَا بِهَا حَتّى مَاتَتْ وَذَلِكَ لِسِبّهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَكَرَ الْمَرْأَةَ الّتِي سَأَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ سَلِمَةَ وَهِيَ بِنْتُ أُمّ قِرْفَةَ وَفِي مُصَنّفِ أَبِي دَاوُدَ . وَخَرّجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِسَلَمَةَ هَبْ لِي الْمَرْأَةَ يَا سَلَمَةُ لِلّهِ أَبُوك فَقَالَ هِيَ لَك يَا رَسُولَ اللّهِ فَفَدَى بِهَا أَسِيرًا كَانَ فِي قُرَيْشٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَهَذِهِ الرّوَايَةُ أَصَحّ ، وَأَحْسَنُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ ، فَإِنّهُ ذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَبَهَا لِخَالِهِ بِمَكّةَ وَهُوَ حَزْنُ بْنُ أَبِي وَهْبِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَفَاطِمَةُ جَدّةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ أَبِيهِ هِيَ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ ، فَهَذِهِ الْخَئُولَةُ الّتِي ذَكَرَ وَقُتِلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ حَزْمٍ بِالْيَمَامَةِ شَهِيدًا ، وَحَزْنٌ هَذَا هُوَ جَدّ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ بْنِ حَزْنٍ ، وَمَسْعَدَةُ الّذِي ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ قَتَلَ هُوَ ابْنَ حَكَمَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ وَسَلَمَةُ الّذِي كَانَتْ عِنْدَهُ الْجَارِيَةُ قِيلَ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ ، وَاسْمُ الْأَكْوَعِ سِنَانٌ وَقِيلَ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ قَالَهُ الزّبَيْرُ .

غَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ بَطْنَ إضَمَ وَقَتَلَ عَامِرَ
بْنَ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيّ
[ ص 410 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ الْقَعْقَاعِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى إضَمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ وَمُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ بْنِ قَيْسٍ ، فَخَرَجْنَا حَتّى إذَا كُنّا بِبَطْنِ إضَمَ ، مَرّ بِنَا عَامِرُ بْنُ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيّ ، عَلَى تَعَوّدٍ لَهُ وَمَعَهُ مُنَيّعٌ لَهُ وَوَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ . قَالَ فَلَمّا مَرّ بِنَا سَلّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيّةِ الْإِسْلَامِ فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ ، فَقَتَلَهُ لِشَيْءِ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَأَخَذَ بَعِيرَهُ وَأَخَذَ مُتَيّعَهُ . قَالَ فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخْبَرْنَاهُ الْخَبَرَ ، نَزَلَ فِينَا : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا } [ النّسَاءُ 94 ] . . إلَى آخِرِ الْآيَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَرَأَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا } لِهَذَا الْحَدِيثِ .
ابْنُ حَابِسٍ وَابْنُ حِصْنٍ يَخْتَصِمَانِ فِي دَمِ ابْنِ الْأَضْبَطِ إلَى الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ سَمِعْت زِيَادَ بْنَ ضُمَيْرَةَ بْنِ سَعْدٍ السّلَمِيّ يُحَدّثُ عَنْ عُرْوَةِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ وَكَانَا شَهِدَا حُنَيْنًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ ثُمّ عَمِدَ إلَى ظِلّ شَجَرَةٍ فَجَلَسَ تَحْتَهَا ، وَهُوَ بِحُنَيْنٍ ، فَقَامَ إلَيْهِ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ ، وَعُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ ، يَخْتَصِمَانِ فِي عَامِرِ بْنِ أَضْبَطَ الْأَشْجَعِيّ عُيَيْنَةُ يَطْلُبُ بِدَمِ عَامِرٍ وَهُوَ يَوْمئِذٍ رَئِيسُ . [ ص 411 ] غَطَفَانَ ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَدْفَعُ عَنْ مُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ ، لِمَكَانِهِ مِنْ خَنْدَفٍ ، فَتَدَاوَلَا الْخُصُومَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ نَسْمَعُ فَسَمِعْنَا عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا أَدَعُهُ حَتّى أُذِيقَ نِسَاءَهُ مِنْ الْحُرْقَةِ مِثْلَ مَا أَذَاقَ نِسَائِي ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ بَلْ تَأْخُذُونَ الدّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا ، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا ، وَهُوَ يَأْبَى عَلَيْهِ إذَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ مُكَيْثِرٌ قَصِيرٌ مَجْمُوعٌ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مكبتل - فَقَالَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا وَجَدْت لِهَذَا الْقَتِيلِ شَبَهًا فِي غُرّةِ الْإِسْلَامِ إلّا كَغَنَمِ وُرِدَتْ فَرَمَيْت أُولَاهَا ، فَنَفَرْت أُخْرَاهَا ، أَسْنُنْ الْيَوْمَ وَغَيّرْ غَذًا . قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ . فَقَالَ بَلْ تَأْخُذُونَ الدّيَةَ خَمْسِينَ فِي سَفَرِنَا هَذَا ، وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا . قَالَ فَقَبِلُوا الدّيَةَ . قَالَ ثُمّ قَالُوا : أَيْنَ صَاحِبُكُمْ هَذَا ، يَسْتَغْفِرُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ آدَمُ ضَرْبٌ طَوِيلٌ عَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ قَدْ كَانَ تَهَيّأَ لِلْقَتْلِ فِيهَا : حَتّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ " مَا اسْمُك ؟ " قَالَ أَنَا مُحَمّدُ بْنُ جَثّامَةَ قَالَ رَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ ثُمّ قَالَ " اللّهُمّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ " ثَلَاثًا . قَالَ فَقَامَ وَهُوَ يَتَلَقّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ . قَالَ فَأَمّا نَحْنُ فَنَقُولُ فِيمَا بَيْنَنَا : إنّا لَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ قَدْ اسْتَغْفَرَ لَهُ وَأَمّا مَا ظَهَرَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَذَا
مَوْتُ مُحَلّمٍ وَمَا حَدَثَ لَهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْهِ أَمّنْته بِاَللّهِ ثُمّ قَتَلْته ثُمّ قَالَ لَهُ الْمَقَالَةَ الّتِي قَالَ قَالَ فَوَاَللّهِ مَا مَكَثَ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ إلّا سَبْعًا حَتّى مَاتَ فَلَفَظَتْهُ - وَاَلّذِي نَفْسُ الْحَسَنِ بِيَدِهِ - الْأَرْضُ ثُمّ عَادُوا لَهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ ثُمّ عَادُوا فَلَفَظَتْهُ فَلَمّا غَلَبَ قَوْمُهُ عَمِدُوا إلَى صُدّيْنِ فَسَطَحُوهُ بَيْنَهُمَا ثُمّ رَضَمُوا عَلَيْهِ الْحِجَارَةَ حَتّى وَارَوْهُ قَالَ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَأْنُهُ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّ الْأَرْضَ لَتَطّابَقُ عَلَى مَنْ هُوَ شَرّ مِنْهُ وَلَكِنّ اللّهَ أَرَادَ أَنْ يَعِظَكُمْ فِي حُرْمِ مَا بَيْنَكُمْ بِمَا أَرَاكُمْ مَعَهُ [ ص 412 ]
دِيَةُ ابْنِ الْأَضْبَطِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَخْبَرَنَا سَالِمٌ أَبُو النّضْرِ أَنّهُ حَدّثَ أَنّ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَقَيْسًا حِينَ قَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ وَخَلَا بِهِمْ يَا مَعْشَرَ قَيْسٍ ، مَنَعْتُمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَتِيلًا يَسْتَصْلِحُ بِهِ النّاسَ أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَلْعَنَكُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَلْعَنُكُمْ اللّه بِلَعْنَتِهِ أَوْ أَنْ يَغْضَبَ اللّهُ عَلَيْكُمْ بِغَضَبِهِ ؟ وَاَللّهِ الّذِي نَفْسُ الْأَقْرَعِ بِيَدِهِ لَتُسَلّمَنّهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَيَصْنَعَنّ فِيهِ مَا أَرَادَ أَوْ لَآتِيَنّ بِخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يَشْهَدُونَ بِاَللّهِ كُلّهُمْ . لِقَتْلِ صَاحِبِكُمْ كَافِرًا ، مَا صَلّى قَطّ ، فَلَأَطُلّنّ دَمَهُ فَلَمّا سَمِعُوا ذَلِكَ قَبِلُوا الدّيَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُحَلّمٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُلّهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَهُوَ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ بْنِ قَيْسٍ اللّيْثِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مُحَلّمٌ فِيمَا حُدّثْنَاهُ زِيَادٌ عَنْهُ .
Sغَزْوَةُ أَبِي حَدْرَدٍ
[ ص 410 ] وَذَكَرَ غَزْوَةَ أَبِي حَدْرَدٍ وَاسْمُهُ سَلَمَةُ بْنُ عُمَيْرٍ وَقِيلَ عُبَيْدَةُ بْنُ عَامِرٍ . وَذَكَرَ قَتْلَ مُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ ، وَخَبَرَهُ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ مُحَلّمَ بْنَ جَثّامَةَ مَاتَ بِحِمْصَ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزّبَيْرِ ، وَأَمّا الّذِي نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ { لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السّلَامَ } [ النّسَاءُ 94 ] وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ شَدِيدٌ فَقَدْ قِيلَ اسْمُهُ فُلَيْتٌ وَقِيلَ وَهُوَ مُحَلّمٌ كَمَا تَقَدّمَ وَقِيلَ نَزَلَتْ فِي الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو ، وَقِيلَ فِي أُسَامَةَ وَقِيلَ فِي أَبِي الدّرْدَاءِ وَاخْتُلِفَ أَيْضًا فِي الْمَقْتُولِ فَقِيلَ مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ ، وَقِيلَ عَامِرُ الْأَضْبَطُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .
كُلّ هَذَا مَذْكُورٌ فِي التّفَاسِيرِ وَالْمُسْنَدَاتِ .

غَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ لِقَتْلِ رِفَاعَةَ بْنِ قَيْسٍ الْجُشَمِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ الْغَابَةَ . وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهَا فِيمَا بَلَغَنِي ، عَمّنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ تَزَوّجْت امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي ، وَأَصْدَقْتهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ قَالَ فَجِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْتَعِينُهُ عَلَى نِكَاحِي ، فَقَالَ وَكَمْ أَصْدَقْت ؟ فَقُلْت : مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَهُ لِلّهِ لَوْ كُنْتُمْ تَأْخُذُونَ الدّرَاهِمَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ مَا زِدْتُمْ وَاَللّهِ مَا عِنْدِي مَا أُعِينُك بِهِ . قَالَ فَلَبِثْت أَيّامًا ، وَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، يُقَال لَهُ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ ، أَوْ قَيْسُ بْنُ رِفَاعَةَ ، فِي بَطْنِ جُشَمَ حَتّى نَزَلَ بِقَوْمِهِ وَمَنْ مَعَهُ بِالْغَابَةِ يُرِيدُ أَنْ يَجْمَعَ قَيْسًا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ ذَا اسْمٌ فِي جُشَمَ وَشَرَفٌ . قَالَ فَدَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَجُلَيْنِ مَعِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ اُخْرُجُوا إلَى هَذَا الرّجُلِ حَتّى تَأْتُوا مَعَهُ بِخَبَرِ وَعِلْمٍ . قَالَ وَقَدّمَ لَنَا شَارِفًا عَجْفَاءَ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدُنَا ، فَوَاَللّهِ مَا قَامَتْ بِهِ ضَعْفًا حَتّى دَعَمَهَا الرّجَالُ مِنْ خَلْفِهَا بِأَيْدِيهِمْ حَتّى اسْتَقَلّتْ وَمَا كَادَتْ ثُمّ قَالَ تَبْلُغُوا عَلَيْهَا وَاعْتَقَبُوهَا
انْتِصَارُ الْمُسْلِمِينَ وَنَصِيبُ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مِنْ فَيْءٍ اسْتَعَانَ بِهِ عَلَى الزّوَاجِ
[ ص 413 ] قَالَ فَخَرَجْنَا وَمَعَنَا سِلَاحُنَا مِنْ النّبْلِ وَالسّيُوفِ حَتّى إذَا جِئْنَا قَرِيبًا مِنْ الْحَاضِرِ عُشَيْشِيةً مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ . قَالَ كَمَنْت فِي نَاحِيَةٍ وَأَمَرْت صَاحِبِي ، فَكَمِنَا فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى مِنْ حَاضِرِ الْقَوْمِ وَقُلْت لَهُمَا : إذًا سَمِعْتُمَانِي قَدْ كَبّرْت وَشَدَدْت فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَكَبّرَا وَشَدّا مَعِي . قَالَ فَوَاَللّهِ إنّا لَكَذَلِكَ نَنْتَظِرُ غُرّةَ الْقَوْمِ أَوْ أَنْ نُصِيبَ مِنْهُمْ شَيْئًا . قَالَ وَقَدْ غَشِيَنَا اللّيْلُ حَتّى ذَهَبَتْ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ وَقَدْ كَانَ لَهُمْ رَاعٍ قَدْ سَرّحَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ فَأَبْطَأَ عَلَيْهِمْ حَتّى تُخَوّفُوا عَلَيْهِ قَالَ فَقَامَ صَاحِبُهُمْ ذَلِكَ رِفَاعَةُ بْنُ قَيْسٍ ، فَأَخَذَ سَيْفَهُ فَجَعَلَهُ فِي عُنُقِهِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَأَتّبِعَنّ أَثَرَ رَاعِينَا هَذَا ، وَلَقَدْ أَصَابَهُ شَرّ ، فَقَالَ لَهُ نَفَرٌ مِمّنْ مَعَهُ وَاَللّهِ لَا تَذْهَبُ نَحْنُ نَكْفِيك ؛ قَالَ وَاَللّهِ لَا يَذْهَبُ إلّا أَنَا ؛ قَالُوا : فَنَحْنُ مَعَك ؛ قَالَ وَاَللّهِ لَا يَتْبَعُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ قَالَ وَخَرَجَ حَتّى يَمُرّ بِي . قَالَ فَلَمّا أَمْكَنَنِي نَفَحْته بِسَهْمِي ، فَوَضَعَتْهُ فِي فُؤَادِهِ . قَالَ فَوَاَللّهِ مَا تَكَلّمَ وَوَثَبْت إلَيْهِ فَاحْتَزَزْتُ رَأْسَهُ . قَالَ وَشَدَدْت فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ وَكَبّرْت ، وَشَدّ صَاحِبَايَ وَكَبّرَا . قَالَ فَوَاَللّهِ مَا كَانَ إلّا النّجَاءَ مِمّنْ فِيهِ عِنْدَك ، عِنْدَك ، بِكُلّ مَا قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْ نِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَمَا خُصّ مَعَهُمْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ . قَالَ وَاسْتَقْنَا إبِلًا عَظِيمَةً وَغَمًا كَثِيرَةً فَجِئْنَا بِهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ وَجِئْت بِرَأْسِهِ أَحْمِلُهُ مَعِي . قَالَ فَأَعَانَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ تِلْكَ الْإِبِلِ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا فِي صَدَاقِي ، فَجَمَعْت إلَيّ أَهْلِي .

غَزْوَةُ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ
شَيْءٌ مِنْ وَعْظِ الرّسُولِ لِقَوْمِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ [ ص 414 ] عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ سَمِعْت رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَسْأَلُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، عَنْ إرْسَالِ الْعِمَامَةِ مِنْ خَلْفِ الرّجُلِ إذَا اُعْتُمّ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ سَأُخْبِرُك إنْ شَاءَ اللّهُ عَنْ ذَلِكَ بِعِلْمِ كُنْت عَاشِرَ عَشَرَةِ رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَسْجِدِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيّ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَابْنُ مَسْعُودٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، وَأَنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ أَقْبَلَ فَتًى مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَسَلّمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، أَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَفَضْلُ ؟ فَقَالَ أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا قَالَ فَأَيّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ ذِكْرًا لِلْمَوْتِ وَأَحْسَنُهُمْ اسْتِعْدَادًا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ بِهِ أُولَئِكَ الْأَكْيَاسُ ثُمّ سَكَتَ الْفَتَى ، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسُ خِصَالٍ إذَا نَزَلْنَ بِكَمْ وَأَعُوذُ بِاَللّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنّ إنّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ حَتّى يُعْلِنُوا بِهَا إلّا ظَهَرَ فِيهِمْ الطّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الّتِي لَمْ تَكُنْ فِي أَسْلَافِهِمْ الّذِينَ مَضَوْا ؛ وَلَمْ يَنْقُضُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إلّا أُخِذُوا بِالسّنِينَ وَشِدّةِ الْمُؤْنَةِ وَجَوْرِ السّلْطَانِ وَلَمْ يَمْنَعُوا الزّكَاةَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ إلّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السّمَاءِ فَلَوْلَا الْبَهَائِمُ مَا مُطِرُوا ؛ وَمَا نَقَضُوا عَهْدَ اللّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إلّا سُلّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوّ مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذَ بَعْضَ مَا كَانَ فِي أَيْدِيهمْ وَمَا لَمْ يَحْكُمْ أَئِمّتُهُمْ بِكِتَابِ اللّهِ وَتَجَبّرُوا فِيمَا أَنَزَلَ اللّهُ إلّا جَعَلَ اللّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ .
تَأْمِيرُ ابْنِ عَوْفٍ وَاعْتِمَامُهُ
ثُمّ أَمَرَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْ يَتَجَهّزَ لِسَرِيّةِ بَعَثَهُ عَلَيْهَا ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ اعْتَمّ بِعِمَامَةِ مِنْ كَرَابِيسَ سَوْدَاءَ فَأَدْنَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُ ثُمّ نَقَضَهَا ، ثُمّ عَمّمَهُ بِهَا ، وَأَرْسَلَ مَنْ خَلْفَهُ أَرْبَعَ أَصَابِعَ أَوْ نَحْوًا مِنْ ذَلِكَ ثُمّ قَالَ هَكَذَا يَا ابْنَ عَوْفٍ فَاعْتَمّ ، فَإِنّهُ أَحْسَنُ وَأَعْرَفُ ثُمّ أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ اللّوَاءَ . فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَحَمِدَ اللّهَ تَعَالَى ، وَصَلّى عَلَى نَفْسِهِ ثُمّ قَالَ خُذْهُ يَا ابْنَ عَوْفٍ اُغْزُوَا جَمِيعًا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَقَاتَلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ لَا تَغْلُوا ، وَلَا تَغْدِرُوا ، وَلَا تُمَثّلُوا ، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا ، فَهَذَا عَهْدُ اللّهِ وَسِيرَةُ نَبِيّهِ فِيكُمْ . فَأَخَذَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ اللّوَاءَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَخَرَجَ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ .

غَزْوَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ
نَفَادُ الطّعَامِ وَخَبَرُ دَابّةِ الْبَحْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ [ ص 415 ] عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ ، عَلَيْهِمْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ ، وَزَوّدَهُمْ جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ فَجَعَلَ بِقُوتِهِمْ إيّاهُ حَتّى صَارَ إلَى أَنْ يَعُدّهُ عَلَيْهِمْ عَدَدًا . قَالَ ثُمّ نَفِدَ التّمْرُ حَتّى كَانَ يُعْطَى كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ كُلّ يَوْمٍ تَمْرَةً . قَالَ فَقَسَمَهَا يَوْمًا بَيْنَنَا . قَالَ فَنَقَضَتْ تَمْرَةٌ عَنْ رَجُلٍ فَوَجَدْنَا فَقْدَهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ . قَالَ فَلَمّا جَهَدَنَا الْجَوْعُ أَخْرَجَ اللّهُ لَنَا دَابّةً مِنْ الْبَحْرِ فَأَصَبْنَا مِنْ لَحْمِهَا وَوَدَكِهَا ، وَأَقَمْنَا عَلَيْهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً حَتّى سَمِنّا وَابْتَلَلْنَا ، وَأَخَذَ أَمِيرُنَا ضِلَعًا مِنْ أَضْلَاعِهَا ، فَوَضَعَهَا عَلَى طَرِيقِهِ ثُمّ أَمَرَ بِأَجْسَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا ، فَحَمَلَ عَلَيْهِ أَجْسَمَ رَجُلٍ مِنّا . قَالَ فَجَلَسَ عَلَيْهِ قَالَ فَخَرَجَ مِنْ تَحْتِهَا وَمَا مَسّتْ رَأْسَهُ . قَالَ فَلَمّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرْنَاهُ خَبَرَهَا ، وَسَأَلْنَاهُ عَمّا صَنَعْنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَكْلِنَا إيّاهُ فَقَالَ رِزْقٌ رَزَقَكُمُوهُ اللّهُ

بَعْثُ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ لِقِتَالِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَمَا صَنَعَ فِي طَرِيقِهِ
قُدُومُهُ مَكّةَ وَتَعْرِفُ الْقَوْمِ عَلَيْهِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ بُعُوثِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَرَايَاهُ بَعْثَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ الضّمْرِيّ ، بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا حَدّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَ مَقْتَلِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ وَأَصْحَابِهِ إلَى مَكّةَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَبَعَثَ مَعَهُ جَبّارَ بْنَ صَخْرٍ الْأَنْصَارِيّ فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا مَكّةَ وَحَبَسَا جَمَلَيْهِمَا بِشِعْبِ مِنْ شِعَابِ يَأْجَجَ ، ثُمّ دَخَلَا مَكّةَ لَيْلًا ، فَقَالَ جَبّارٌ لِعَمْرِو : لَوْ أَنّا طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَصَلّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ؟ فَقَالَ عَمْرٌو : إنّ الْقَوْمَ إذَا تَعَشّوْا جَلَسُوا بِأَفْنِيَتِهِمْ فَقَالَ كَلّا ، إنْ شَاءَ اللّهُ فَقَالَ عَمْرٌو : فَطُفْنَا بِالْبَيْتِ وَصَلّيْنَا ، ثُمّ خَرَجْنَا نُرِيدُ أَبَا سُفْيَانَ فَوَاَللّهِ إنّا لَنَمْشِي بِمَكّة إذْ نَظَرَ إلَيّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ فَعَرَفَنِي ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ وَاَللّهِ إنْ قَدِمَهَا إلّا لِشَرّ فَقُلْت لِصَاحِبِي : النّجَاءَ فَخَرَجْنَا نَشْتَدّ ، حَتّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِنَا ، حَتّى إذَا عَلَوْنَا الْجَبَلَ يَئِسُوا مِنّا ، فَرَجَعْنَا ، فَدَخَلْنَا كَهْفًا فِي الْجَبَلِ فَبِتْنَا فِيهِ وَقَدْ أَخَذْنَا حِجَارَةً فَرَضَمْنَاهَا دُونَنَا ، فَلَمّا أَصْبَحْنَا غَدَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَقُودُ فَرَسًا لَهُ وَيُخْلِي عَلَيْهَا ، فَغَشِيَنَا وَنَحْنُ فِي الْغَارِ فَقُلْت : إنْ رَآنَا صَاحَ بِنَا ، فَأُخِذْنَا فَقُتِلْنَا . قَالَ وَمَعِي خَنْجَرٌ قَدْ أَعْدَدْته لِأَبِي سُفْيَانَ فَأَخْرُجُ إلَيْهِ فَأَضْرِبُهُ عَلَى ثَدْيِهِ ضَرْبَةً وَصَاحَ صَيْحَةً أَسْمَعَ أَهْلَ مَكّةَ ، وَأَرْجَعَ فَأَدْخُلُ مَكَانِي ، وَجَاءَهُ النّاسُ يَشْتَدّونَ وَهُوَ بِآخِرِ . [ ص 416 ] فَقَالُوا : مَنْ ضَرَبَك ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ وَغَلَبَهُ الْمَوْتُ فَمَاتَ مَكَانَهُ وَلَمْ يُدَلّلْ عَلَى مَكَانِنَا ، فَاحْتَمَلُوهُ . فَقُلْت لِصَاحِبِي ، لَمّا أَمْسَيْنَا : النّجَاءَ فَخَرَجْنَا لَيْلًا مِنْ مَكّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ ، فَمَرَرْنَا بِالْحَرَسِ وَهُمْ يَحْرُسُونَ جِيفَةَ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ وَاَللّهِ مَا رَأَيْت كَاللّيْلَةِ أَشَبَهَ بِمِشْيَةِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ لَوْلَا أَنّهُ بِالْمَدِينَةِ لَقُلْت هُوَ عَمْرُو بْنُ أُمَيّةَ قَالَ فَلَمّا حَاذَى الْخَشَبَةَ شَدّ عَلَيْهَا ، فَأَخَذَهَا فَاحْتَمَلَهَا ، وَخَرَجَا شَدّا ، وَخَرَجُوا وَرَاءَهُ حَتّى أَتَى جُرُفًا بِمَهْبِطِ مَسِيلِ يَأْجَجَ ، فَرَمَى بِالْخَشَبَةِ فِي الْجُرْفِ ، فَغَيّبَهُ اللّهُ عَنْهُمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ قَالَ وَقُلْت لِصَاحِبِي : النّجَاءَ النّجَاءَ حَتّى تَأْتِيَ بَعِيرَك فَتَقْعُدَ عَلَيْهِ فَإِنّي سَأَشْغَلُ عَنْك الْقَوْمَ وَكَانَ الْأَنْصَارِيّ لَا رَجِلَةَ لَهُ
قَتْلُهُ بَكْرِيّا فِي غَارٍ
قَالَ وَمَضَيْت حَتّى أَخْرُجَ عَلَى ضَجْنَانَ ثُمّ أَوَيْت إلَى جَبَلٍ فَأَدْخُلُ كَهْفًا ، فَبَيْنَا أَنَا فِيهِ إذْ دَخَلَ عَلَيّ شَيْخٌ مِنْ بَنِي الدّيلِ أَعْوَرُ فِي غُنَيْمَةٍ لَهُ فَقَالَ مَنْ الرّجُلُ ؟ فَقُلْت : مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقُلْت : مَرْحَبًا ، فَاضْطَجَعَ ثُمّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ
وَلَسْت بِمُسْلِمِ مَا دُمْت حَيّا ... وَلَا دَانٍ لِدِينِ الْمُسْلِمِينَا
فَقُلْت فِي نَفْسِي : سَتَعْلَمُ فَأَمْهَلْته ، حَتّى إذَا نَامَ أَخَذْت قَوْسِي ، فَجَعَلْت سِيَتَهَا فِي عَيْنِهِ الصّحِيحَةِ ثُمّ تَحَامَلْت عَلَيْهِ حَتّى بَلَغَتْ الْعَظْمَ ثُمّ خَرَجْت النّجَاءَ حَتّى جِئْت الْعَرْجَ ، ثُمّ سَلَكْت رَكُوبَةً ، حَتّى إذَا هَبَطْت النّقِيعَ إذَا رَجُلَانِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانَتْ قُرَيْشٌ بَعَثَتْهُمَا عَيْنًا إلَى الْمَدِينَةِ يَنْظُرَانِ وَيَتَحَسّسَانِ فَقُلْت : اسْتَأْسِرَا ، فَأَبَيَا ، فَأَرْمِي أَحَدَهُمَا بِسَهْمِ فَأَقْتُلُهُ وَاسْتَأْسَرَ الْآخَرُ فَأُوثِقُهُ رِبَاطًا ، وَقَدِمْت بِهِ الْمَدِينَةَ .

سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مَدْيَنَ
بَعْثُهُ هُوَ وَضُمَيْرَةُ وَقِصّةُ السّبْيِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى مَدْيَن . ذَكَرَ ذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ ، عَنْ أُمّهِ [ ص 417 ] فَاطِمَةَ ابْنَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ نَحْوَ مَدْيَنَ ، وَمَعَهُ ضُمَيْرَةُ مَوْلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ وَأَخٌ لَهُ . قَالَتْ فَأَصَابَ سَبْيًا مِنْ أَهْل مِينَاءَ ، وَهِيَ السّوَاحِلُ وَفِيهَا جُمّاعٌ مِنْ النّاسِ فَبِيعُوا ، فَفُرّقَ بَيْنهمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يَبْكُونَ فَقَالَ مَا لَهُمْ ؟ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ فُرّقَ بَيْنهمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَبِيعُوهُمْ إلّا جَمِيعًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَرَادَ الْأُمّهَاتَ وَالْأَوْلَادَ .

سَرِيّةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ
سَبَبُ نِفَاقِ أَبِي عَفَكٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَغَزْوَةُ سَالِمِ بْنِ عُمَيْرٍ لِقَتْلِ أَبِي عَفَكٍ أَحَدِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدَةَ وَكَانَ قَدْ نَجَمَ نِفَاقُهُ حِينَ قَتَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ ، فَقَالَ
لَقَدْ عِشْت دَهْرًا وَمَا إنْ أَرَى ... مِنْ النّاسِ دَارًا وَلَا مَجْمَعًا
أَبَرّ عُهُودًا وَأَوْفَى لِمَنْ ... يُعَاقِدُ فِيهِمْ إذَا مَا دَعَا
مِنْ أَوْلَادِ قَيْلَةَ فِي جَمْعِهِمْ ... يَهُدّ الْجِبَالَ وَلَمْ يَخْضَعَا
فَصَدّعَهُمْ رَاكِبٌ جَاءَهُمْ ... حَلَالٌ حَرَامٌ لِشَتّى مَعًا
فَلَوْ أَنّ بِالْعِزّ صَدّقْتُمْ ... أَوْ الْمُلْكِ تَابَعْتُمْ تُبّعَا
قَتْلُ ابْنِ عُمَيْرٍ لَهُ وَشِعْرُ الْمُزَيْرِيّة
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ لِي بِهَذَا الْخَبِيثِ ؟ فَخَرَجَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَهُوَ أَحَدُ الْبَكّائِينَ فَقَتَلَهُ فَقَالَتْ أُمَامَةُ الْمُزَيْرِيّة فِي ذَلِكَ تُكَذّبُ دِينَ اللّهِ وَالْمَرْءَ أَحْمَدَا لَعَمْرُ الّذِي أَمْنَاكَ أَنّ بِئْسَ مَا يُمْنِي حَبَاك حَنِيفٌ آخِرَ اللّيْلِ طَعْنَةً أَبَا عَفَكٍ خُذْهَا عَلَى كِبَرِ السّنّ

غَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ الْخَطْمِيّ لِقَتْلِ عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ
نِفَاقُهَا وَشِعْرُهَا فِي ذَلِكَ
وَغَزْوَةُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ الْخَطْمِيّ [ ص 418 ] عَصْمَاءَ بِنْتِ مَرْوَانَ ، وَهِيَ مِنْ بَنِي أُمَيّة بْنِ زَيْدٍ فَلَمّا قُتِلَ أَبُو عَفَكٍ نَافَقَتْ فَذَكَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ وَيُقَالُ لَهُ يَزِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَتْ تَعِيبُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ
بِاسْتِ بَنِي مَالِكٍ وَالنّبِيتِ ... وَعَوْفٍ وَبِاسْتِ بَنِي الْخَزْرَجِ
أَطَعْتُمْ أَتَاوِيّ مِنْ غَيْرِكُمْ ... فَلَا مِنْ مُرَادٍ وَلَا مَذْحِجِ
تَرْجُونَهُ بَعْدَ قَتْلِ الرّءُوس ... كَمَا يُرْتَجَى مَرِقَ الْمُنْضِجِ
أَلَا أَنِفٌ يَبْتَغِي غِرّةً ... فَيَقْطَعَ مِنْ أَمَلِ الْمُرْتَجِي
شِعْرُ حَسّانَ فِي الرّدّ عَلَيْهَا
قَالَ فَأَجَابَهَا حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ، فَقَالَ
بَنُو وَائِلٍ وَبَنُو وَاقِفٍ ... وَخَطْمَةَ دُونَ بَنِي الْخَزْرَجِ
مَتَى مَا دَعَتْ سَفَهًا وَيْحَهَا ... بِعَوْلَتِهَا وَالْمَنَايَا تَجِي
فَهَزّتْ فَتًى مَاجِدًا عِرْقُهُ ... كَرِيمَ الْمُدَاخِلِ وَالْمَخْرَجِ
فَضَرّجَهَا مِنْ نَجُعْ الْدِمَا ... ءِ بَعْدَ الْهُدُوّ فَلَمْ يَحْرَجْ
خُرُوجُ الْخَطْمِيّ لِقَتْلِهَا
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِين بَلَغَهُ ذَلِكَ أَلَا آخِذٌ لِي مِنْ ابْنَةِ مَرْوَانَ ؟ فَسَمِعَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ الْخَطْمِيّ ، وَهُوَ عِنْدَهُ ؟ فَلَمّا أَمْسَى مِنْ تِلْكَ اللّيْلَةَ سَرَى عَلَيْهَا فِي بَيْتِهَا فَقَتَلَهَا ، ثُمّ أَصْبَحَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ قَتَلْتهَا . فَقَالَ نَصَرْت اللّهَ وَرَسُولَهُ يَا عُمَيْرُ ، فَقَالَ هَلْ عَلَيّ شَيْءٌ مِنْ شَأْنِهَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالَ لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ
شَأْنُ بَنِي خَطْمَةَ
فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إلَى قَوْمِهِ وَبَنُو خَطْمَةَ يَوْمئِذٍ كَثِيرٌ مَوْجُهُمْ فِي شَأْنِ بِنْتِ مَرْوَانَ وَلَهَا يَوْمئِذٍ بَنُونَ خَمْسَةُ رِجَالٍ فَلَمّا جَاءَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَا بَنِي خَطْمَةَ أَنَا قَتَلْت ابْنَةَ مَرْوَانَ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمّ لَا تُنْظِرُونَ . فَذَلِكَ الْيَوْمُ أَوّلُ مَا عَزّ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ بَنِي خَطْمَةَ وَكَانَ يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِمْ فِيهِمْ مَنْ أَسْلَمَ ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ عُمَيْرُ بْنُ عَدِيّ وَهُوَ الّذِي يُدْعَى الْقَارِئَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ أَوْسِ ، بْنِ ثَابِتٍ ، وَأَسْلَمَ ، يَوْمَ قُتِلَتْ ابْنَةُ مَرْوَانَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ لِمَا رَأَوْا وَخُزَيْمَةُ مِنْ عِزّ الْإِسْلَامِ .

أَسْرُ ثُمَامَةَ بْنِ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ وَإِسْلَامُهُ
وَالسّرِيّةُ الّتِي أَسَرَتْ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ
إسْلَامُهُ
بَلَغَنِي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيّ عَنْ [ ص 420 ] أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّهُ قَالَ خَرَجَتْ خَيْلٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَتْ رَجُلًا مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ لَا يَشْعُرُونَ مَنْ هُوَ حَتّى أَتَوْا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَتَدْرُونَ مَنْ أَخَذْتُمْ ، هَذَا ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ ، أُحْسِنُوا إسَارَهُ . وَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ اجْمَعُوا مَا كَانَ عِنْدكُمْ مِنْ طَعَامٍ فَابْعَثُوا بِهِ إلَيْهِ وَأَمَرَ بِلِقْحَتِهِ أَنْ يَغْدَى عَلَيْهِ بِهَا وَيُرَاحُ فَجَعَلَ لَا يَقَعُ مِنْ ثُمَامَةَ مَوْقِعًا وَيَأْتِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُ أَسْلِمْ يَا ثُمَامَةُ فَيَقُولُ إيهًا يَا مُحَمّدُ إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُرِدْ الْفِدَاءَ فَسَلْ مَا شِئْت ، فَمَكَثَ مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَمْكُثَ ثُمّ قَالَ النّبِيّ يَوْمًا : أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَلَمّا أَطْلَقُوهُ خَرَجَ حَتّى أَتَى الْبَقِيعَ ، فَتَطَهّرَ فَأَحْسَنَ طَهُورَهُ ثُمّ أَقْبَلَ فَبَايَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا أَمْسَى جَاءُوهُ بِمَا جَاءُوهُ بِمَا كَانُوا يَأْتُونَهُ مِنْ الطّعَامِ فَلَمْ يَنَلْ مَعَهُ إلّا قَلِيلًا ، وَبِاللّقْحَةِ فَلَمْ يُصِبْ مِنْ حِلَابِهَا إلّا يَسِيرًا ، فَعَجِبَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ ذَلِكَ مِمّ تَعْجَبُونَ ؟ أَمِنْ رَجُلٍ أَكَلَ أَوّلَ النّهَارِ . فِي مِعَى كَافِرٍ وَأَكَلَ آخِرَ النّهَارِ فِي مِعَى مُسْلِمٍ إنّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَإِنّ الْمُسْلِمَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ
خُرُوجُهُ إلَى مَكّةَ وَقِصّتُهُ مَعَ قُرَيْشٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَبَلَغَنِي أَنّهُ خَرَجَ مُعْتَمِرًا ، حَتّى إذَا كَانَ بِبَطْنِ مَكّةَ لَبّى ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ دَخَلَ مَكّةَ يُلَبّي ، فَأَخَذَتْهُ قُرَيْشٌ ، فَقَالُوا : لَقَدْ اخْتَرْت عَلَيْنَا ، فَلَمّا قَدِمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ دَعُوهُ فَإِنّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلَى الْيَمَامَةِ لِطَعَامِكُمْ فَحَثَوْهُ فَقَالَ الْحَنَفِيّ فِي ذَلِكَ
وَمِنّا الّذِي لَبّى بِمَكّة مُعْلِنًا ... بِرَغْمِ أَبِي سُفْيَان فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
حُدّثْت أَنّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَ ، لَقَدْ كَانَ وَجْهُك أَبْغَضَ الْوُجُوهِ إلَيّ وَلَقَدْ أَصْبَحَ وَهُوَ أَحَبّ الْوُجُوهِ إلَيّ . وَقَالَ فِي الدّينِ وَالْبِلَادِ مِثْلَ ذَلِكَ . ثُمّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا ، فَلَمّا قَدِمَ مَكّةَ ، قَالُوا : أَصَبَوْت يَا ثُمَامُ ؟ فَقَالَ لَا ، وَلَكِنّي اتّبَعْت خَيْرَ الدّينِ دِينَ مُحَمّدٍ وَلَا وَاَللّهِ لَا تَصِلُ إلَيْكُمْ حَبّةٌ مِنْ الْيَمَامَةِ حَتّى يَأْذَنَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ خَرَجَ إلَى الْيَمَامَةِ ، فَمَنَعَهُمْ أَنْ يَحْمِلُوا إلَى مَكّةَ شَيْئًا ، فَكَتَبُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك تَأْمُرُ بِصِلَةِ الرّحِمِ وَإِنّك قَدْ قَطَعْت أَرْحَامَنَا ، وَقَدْ قَتَلْت الْآبَاءَ بِالسّيْفِ وَالْأَبْنَاءَ بِالْجُوعِ فَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ أَنْ يُخَلّيَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْحَمْلِ .
Sثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ
[ ص 415 ] [ ص 416 ] [ ص 417 ] [ ص 418 ] [ ص 419 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ الْحَنَفِيّ وَإِسْلَامَهُ وَقَدْ خَرّجَ أَهْلُ الْحَدِيثِ حَدِيثَ إسْلَامِهِ وَفِيهِ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ تَقْتُلْ تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ وَإِنْ تُرِدْ الْمَالَ تُعْطَهُ فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ اللّهُمّ أَكْلَةٌ مِنْ جَزُورٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ دَمِ ثُمَامَةَ فَأَطْلَقَهُ فَتَطَهّرَ وَأَسْلَمَ ، وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَنَفَعَ اللّهُ بِهِ الْإِسْلَامَ كَثِيرًا ، وَقَامَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَقَامًا حَمِيدًا حِينَ ارْتَدّتْ الْيَمَامَةُ مَعَ مُسَيْلِمَةَ وَذَلِكَ أَنّهُ قَامَ فِيهِمْ خَطِيبًا ، وَقَالَ يَا بَنِي حَنِيفَةَ أَيْنَ عَزَبَتْ عُقُولُكُمْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ { حم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذّنْبِ وَقَابِلِ التّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } أَيْنَ هَذَا مِنْ يَا ضِفْدَعُ نِقّي كَمَا تَنِقّينَ لَا الشّرَابَ تُكَدّرِينَ وَلَا الْمَاءَ تَمْنَعِينَ مِمّا كَانَ يُهْدِي بِهِ مُسَيْلِمَةَ فَأَطَاعَهُ مَعَهُمْ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَانْحَازُوا إلَى الْمُسْلِمِينَ فَفَتّ ذَلِكَ فِي أَعْضَادِ حَنِيفَةَ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّهُ الّذِي [ ص 420 ] قَالَ فِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ الْحَدِيثَ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيّ ، وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنّهُ جَهْجَاهُ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ سَعْدِ بْنِ حَرَامٍ الْغِفَارِيّ ، وَفِي الدّلَائِلِ أَنّ اسْمَهُ نَضْلَةُ وَقَدْ أَمْلَيْنَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ نَحْوًا مِنْ كُرّاسَةٍ رَدَدْنَا فِيهِ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنّهُ مَخْصُوصٌ بِرَجُلِ وَاحِدٍ وَبَيّنَا مَعْنَى الْأَكْلِ وَالسّبْعَةِ الْأَمْعَاءِ وَأَنّ الْحَدِيثَ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ خَاصّ ، وَلَكِنْ مَعْنَاهُ عَامّ ، وَأَتَيْنَا فِي ذَلِكَ بِمَا فِيهِ شِفَاءٌ وَالْحَمْدُ لِلّهِ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيّ : ذَا دَمٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ : ذَا ذِمّ بِالذّالِ الْمُعْجَمَةِ .

سَرِيّةُ عَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزّزٍ
سَبَبُ إرْسَالِ عَلْقَمَةَ
[ ص 421 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ . لَمّا قُتِلَ وَقّاصُ بْنُ مُجَزّزٍ الْمُدْلِجِيّ يَوْمَ ذِي قَرَدٍ سَأَلَ عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزّزٍ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَبْعَثَهُ فِي آثَارِ الْقَوْمِ لِيُدْرِكَ ثَأْرَهُ فِيهِمْ .
دُعَابَةُ ابْنِ حُذَافَةَ مَعَ جَيْشِهِ
فَذَكَرَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ : وَأَنَا فِيهِمْ - حَتّى إذَا بَلَغْنَا رَأْسَ غَزَاتِنَا أَوْ كُنّا بِبَعْضِ الطّرِيقِ أَذِنَ لِطَائِفَةِ مِنْ الْجَيْشِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حُذَافَةَ السّهْمِيّ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ فَلَمّا كَانَ بِبَعْضِ الطّرِيقِ أَوْقَدَ نَارًا ، ثُمّ قَالَ لِلْقَوْمِ أَلَيْسَ لِي عَلَيْكُمْ السّمْعُ وَالطّاعَةُ ؟ قَالُوا : بَلَى ؛ قَالَ أَفَمَا أَنَا آمُرُكُمْ بِشَيْءِ إلّا فَعَلْتُمُوهُ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ فَإِنّي أَعْزِمُ عَلَيْكُمْ بِحَقّي وَطَاعَتِي إلّا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النّارِ قَالَ فَقَامَ بَعْضُ الْقَوْمِ يَحْتَجِزُ حَتّى ظَنّ أَنّهُمْ وَاثِبُونَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُمْ اجْلِسُوا ، فَإِنّمَا كُنْت أَضْحَكُ مَعَكُمْ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةِ مِنْهُمْ فَلَا تُطِيعُوهُ . [ ص 422 ] وَذَكَرَ مُحَمّدُ بْنُ طَلْحَةَ أَنّ عَلْقَمَةَ بْنَ مُجَزّزٍ رَجَعَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .

سَرِيّةُ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ لِقَتْلِ الْبَجَلِيّينَ الّذِينَ قَتَلُوا يَسَارًا
شَأْنُ يَسَارٍ
حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَمّنْ حَدّثَهُ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، قَالَ أَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ مُحَارِبٍ وَبِنِيّ ثَعْلَبَة عَبْدًا يُقَالُ لَهُ يَسَارٌ فَجَعَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لِقَاحٍ لَهُ كَانَتْ تُرْعَى فِي نَاحِيَةِ الْجَمّاء ، فَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرٌ مِنْ قَيْسِ كُبّةَ مِنْ بَجِيلَةَ ، فَاسْتَوْبَئُوا ، وَطَلِحُوا ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى اللّقَاحِ فَشَرِبْتُمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا ، فَخَرَجُوا إلَيْهَا
قَتْلُ الْبَجَلِيّينَ وَتَنْكِيلُ الرّسُولِ بِهِمْ
فَلَمّا صَحّوا وَانْطَوَتْ بُطُونُهُمْ عَدَوْا عَلَى رَاعِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسَارٍ فَذَبَحُوهُ وَغَرَزُوا الشّوْكَ فِي عَيْنَيْهِ وَاسْتَاقُوا اللّقَاحَ . فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي آثَارِهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ ، فَلَحِقَهُمْ فَأَتَى بِهِمْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْجِعُهُ مِنْ غَزْوَةِ ذِي قَرَدٍ ، فَقَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ .

غَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ
وَغَزْوَةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ إلَى الْيَمَنِ غَزَاهَا مَرّتَيْنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو عَمْرٍو الْمَدَنِيّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ إلَى الْيَمَنِ ، وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي جُنْدٍ آخَرَ وَقَالَ " إنْ الْتَقَيْتُمَا فَالْأَمِيرُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ " . [ ص 423 ] ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ بَعْثَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِي حَدِيثِهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي عِدّةِ الْبُعُوثِ وَالسّرَايَا ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِدّةُ فِي قَوْلِهِ تِسْعَةٍ وَثَلَاثِينَ .
Sمَا زَادَهُ ابْنُ هِشَامٍ مِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ
وَذَكَرَ [ ص 421 ] الْعَاصِي رَحِمَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ نَقَلْت مِنْ حَاشِيَةِ نُسْخَةٍ مِنْ كِتَابِ السّيَرِ مَنْسُوبَةً بِسَمَاعِ أَبِي سَعِيدٍ عَبْدِ الرّحِيمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ وَأَخَوِيّهِ مُحَمّدٍ وَأَحْمَدَ ابْنَيْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ مَا هَذَا نُصْحُهُ وَجَدْت بِخَطّ أَخِي قَوْلَ ابْنِ هِشَامٍ : هَذَا مِمّا لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ هُوَ غَلَطٌ مِنْهُ قَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ فِيمَا حَدّثَ أَسَدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيّاءَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَالْقَائِلُ فِي الْحَاشِيَةِ وَجَدْت بِخَطّ أَخِي هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحِيمِ . وَفِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْمَذْكُورُ فِي غَزْوَةِ الطّائِفِ بَعْدَ قَوْلِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي مُرّةَ . إلَى هَاهُنَا انْتَهَى سَمَاعِي مِنْ أَخِي ، وَمَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ سَمِعْته مِنْ ابْنِ هِشَامٍ نَفْسِهِ . [ ص 422 ]
عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ
وَذَكَرَ سَرِيّةَ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ وَحَلّةً لِخُبَيْبِ بْنِ عَدِيّ مِنْ خَشَبَتِهِ الّتِي صُلِبَ فِيهَا وَفِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَسَنَةٌ أَنّهُمَا حِينَ حَلّاهُ مِنْ الْخَشَبَةِ الْتَقَمَتْهُ الْأَرْضُ . وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ مَقْتَلَ الْعَصْمَاءِ بِنْتِ مَرْوَانَ وَفِي خَبَرِهَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَانِ وَكَانَتْ تَسُبّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَتَلَهَا بَعْلُهَا عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 423 ] اشْهَدُوا أَنّ دَمَهَا هَدَرٌ " . قَالَ الدّارَقُطْنِيّ : مِنْ هَاهُنَا يَقُمْ أَصْلُ التّسْجِيلِ فِي الْفِقْهِ لِأَنّهُ قَدْ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِإِمْضَاءِ الْحُكْمِ وَوَقَعَ فِي مُصَنّفِ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنّهَا كَانَتْ يَهُودِيّةً وَكَانَتْ تُطْرَحُ الْمَحَائِضُ فِي مَسْجِدِ بَنِي حَطْمَةَ فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمَهَا ، وَقَالَ " لَا يَنْتَطِحُ فِيهَا عَنْزَان ِ " . [ ص 424 ]

بَعْثُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى أَرْضِ فِلَسْطِينَ
وَهُوَ آخِرُ الْبُعُوثِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الشّامِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُوطِئ الْخَيْلَ تُخُومَ الْبَلْقَاءِ وَالدّارُومِ ، مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ فَتَجَهّزَ النّاسُ وَأُوعِبَ مَعَ أُسَامَةَ الْمُهَاجِرُونَ الْأَوّلُونَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُوَ آخِرُ بَعْثٍ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

ابْتِدَاءُ شَكْوَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بَدْءُ الشّكْوَى
قَالَ [ ص 424 ] ابْنُ إسْحَاقَ : فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ اُبْتُدِئَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِشَكْوَاهُ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ فِيهِ إلَى مَا أَرَادَ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ وَرَحْمَتِهِ فِي لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرٍ أَوْ فِي أَوّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ فَكَانَ أَوّلَ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فِيمَا ذُكِرَ لِي ، أَنّهُ خَرَجَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ فَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ثُمّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ فَلَمّا أَصْبَحَ اُبْتُدِئَ بِوَجَعِهِ مِنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ مَوْلَى الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، عَنْ أَبِي مُوَيْهِبَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ فَقَالَ " يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ أَنّي قَدْ أُمِرْت أَنْ أَسَتَغْفِرُ لِأَهْلِ هَذَا الْبَقِيعِ ، فَانْطَلِقْ مَعِي " ، فَانْطَلَقْت مَعَهُ فَلَمّا وَقَفَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ قَالَ " السّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْمَقَابِرِ لِيَهْنِئَ لَكُمْ مَا أَصْبَحْتُمْ فِيهِ مِمّا أَصْبَحَ النّاسُ فِيهِ أَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ يَتْبَعُ آخِرُهَا أَوّلَهَا ، الْآخِرَةُ شَرّ مِنْ الْأُولَى " ، ثُمّ أَقْبَلَ عَلِيّ ، فَقَالَ " يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ إنّي قَدْ أُوتِيت مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدِ فِيهَا ، ثُمّ الْجَنّةُ فَخُيّرْت بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبّي وَالْجَنّةِ " . قَالَ فَقُلْت : بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، فَخُذْ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الدّنْيَا وَالْخُلْدَ فِيهَا ، ثُمّ الْجَنّةَ قَالَ " لَا وَاَللّهِ يَا أَبَا مُوَيْهِبَةَ لَقَدْ اخْتَرْت لِقَاءَ رَبّي وَالْجَنّةَ " ، ثُمّ اسْتَغْفَرَ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ ، ثُمّ انْصَرَفَ فَبَدَأَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ الّذِي قَبَضَهُ اللّهُ فِيهِ . [ ص 425 ]
تَمْرِيضُهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَقِيعِ ، فَوَجَدَنِي وَأَنَا أَجِدُ صُدَاعًا فِي رَأْسِي ، وَأَنَا أَقُولُ وَارْأَسَاهُ ، فَقَالَ " بَلْ أَنَا وَاَللّهِ يَا عَائِشَةُ وَارْأَسَاهُ " قَالَتْ ثُمّ قَالَ " وَمَا ضَرّك لَوْ مُتّ قَبْلِي ، فَقُمْت عَلَيْك وَكَفّنْتُك ، وَصَلّيْت عَلَيْك وَدَفَنْتُك ؟ " قَالَتْ قُلْت : وَاَللّهِ لَكَأَنّي بِك ، لَوْ قَدْ فَعَلْت ذَلِكَ لَقَدْ رَجَعْت إلَى بَيْتِي ، فَأَعْرَسْت فِيهِ بِبَعْضِ نِسَائِك ، قَالَتْ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ وَهُوَ يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ حَتّى اسْتَعَزّ بِهِ وَهُوَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ فَدَعَا نِسَاءَهُ فَاسْتَأْذَنَهُنّ فِي أَنْ يُمَرّضَ فِي بَيْتِي ، فَأَذِنَ لَهُ .

ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أُمّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
أَسَمَاؤُهُنّ
قَالَ [ ص 426 ] ابْنُ هِشَامٍ : وَكُنّ تِسْعًا : عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَبِيبٍ ، وَأُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، وَصَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، فِيمَا حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
زَوَاجُهُ بِخَدِيجَةَ
[ ص 427 ] وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَزَوّجَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَهِيَ أَوّلُ مَنْ تَزَوّجَ زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ ، وَيُقَالُ أَخُوهَا عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَدَهُ كُلّهُمْ إلّا إبْرَاهِيمَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ بْنِ مَالِكٍ أَحَدِ بَنِي أُسَيّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي هَالَةَ عِنْدَ عُتَيّق بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللّهِ وَجَارِيَةً قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : جَارِيَةٌ مِنْ الْجَوَارِي ، تَزَوّجَهَا صَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ .
زَوَاجُهُ بِعَائِشَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ بِمَكّةَ وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَبَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ عَشْرٍ وَلَمْ يَتَزَوّجْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكْرًا غَيْرَهَا ، زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ [ ص 428 ]
زَوَاجُهُ بِسَوْدَةِ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، زَوّجَهُ إيّاهَا سَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو ، وَيُقَالُ أَبُو حَاطِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ابْنُ إسْحَاقَ يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ يَذْكُرُ أَنّ سَلِيطًا وَأَبَا حَاطِبٍ كَانَا غَائِبَيْنِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ . وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ السّكْرَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ .
Sذِكْرُ أَزْوَاجِ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ خَدِيجَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا
قَدْ [ ص 425 ] [ ص 426 ] وَذَكَرَ هَاهُنَا خَدِيجَةَ وَأَنّهَا كَانَتْ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُتَيّق بْنِ عَائِذٍ قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَلَدَتْ لِعُتَيّق عَبْدَ مَنَافٍ وَكَانَ اسْمُ أَبِي هَالَةَ هِنْدَ بْنَ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ وَقِيلَ بَلْ أَبُو هَالَةَ هُوَ زُرَارَةُ وَابْنُهُ هِنْدٌ ، مَاتَ هِنْدٌ فِي طَاعُونِ الْبَصْرَةِ . [ ص 427 ]
عَنْ عَائِشَةَ
وَمِمّا نَزِيدُهُ هُنَا فِي ذِكْرِ عَائِشَةَ أَنّهَا كَانَتْ تُكَنّى أُمّ عَبْدِ اللّهِ رَوَى ابْنُ الْأَعْرَابِيّ ، فِي الْمُعْجَمِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا أَنّهَا أَسَقَطَتْ جَنِينًا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسُمّيَ عَبْدَ اللّهِ فَكَانَتْ تُكَنّى بِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُورُ عَلَى دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبّرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَصَحّ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهَا : " تَكَنّي بِابْنِ أُخْتِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ " ، وَيُرْوَى بِابْنِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، لِأَنّهَا كَانَتْ قَدْ اسْتَوْهَبَتْهُ مِنْ أَبَوَيْهِ فَكَانَ فِي حِجْرِهَا يَدْعُوهَا ، أُمّا ، ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَأَصَحّ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِهَا عَلَى النّسَاءِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ " فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَى الطّعَامِ " ، وَأَرَادَ الثّرِيدَ بِاللّحْمِ كَذَا رَوَاهُ مُعْمَرٌ فِي جَامِعِهِ مُفَسّرًا عَنْ قَتَادَةَ ، وَأَبَانُ يَرْفَعُهُ فَقَالَ فِيهِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ بِاللّحْمِ وَوَجْهُ التّفْضِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ " سَيّدُ إدَامِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللّحْمُ " ، مَعَ أَنّ الثّرِيدَ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ فَهُوَ ثَرِيدُ اللّحْمِ وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ :
إذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمِ ... فَذَاكَ أَمَانَةَ اللّهِ الثّرِيدُ
خَدِيجَةُ وَعَائِشَةُ وَمَرْيَمُ
وَلَوْلَا مَا تَقَدّمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُخَصّصِ لِخَدِيجَةَ بِالْفَضْلِ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ وَاَللّهِ مَا أَبْدَلَنِي اللّهُ خَيْرًا مِنْهَا لَقُلْنَا بِتَفْضِيلِهَا عَلَى خَدِيجَةَ وَعَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي [ ص 428 ] مَرْيَمَ الصّدّيقَةِ فَإِنّهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ نَبِيّةٌ نَزَلَ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالْوَحْيِ وَلَا يُفَضّلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُهُمْ وَمَنْ قَالَ لَمْ تَكُنْ نَبِيّةً وَجَعَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى : { وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ } [ آلُ عِمْرَانَ : 42 ] مَخْصُوصًا بِعَالَمِ زَمَانِهَا ، فَمِنْ قَوْلِهِ إنّ عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَفَضْلُ مِنْهَا ، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي سَائِرِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّهُنّ أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَنَزَعُوا فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي فَاطِمَةَ هِيَ سَيّدَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ إلّا مَرْيَمَ .

زَوَاجُهُ بِزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّةَ . زَوّجَهُ إيّاهَا أَخُوهَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفِيهَا أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَلَمّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوّجْنَاكَهَا }
زَوَاجُهُ بِأُمّ سَلَمَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّةَ ، وَاسْمُهَا هِنْدٌ ؛ زَوّجَهُ إيّاهَا سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ابْنُهَا ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِرَاشًا حَشْوُهُ لِيفٌ وَقَدَحًا . [ ص 429 ] وَمَجِشّةٌ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ فَوَلَدَتْ لَهُ سَلَمَةَ وَعُمَرَ وَزَيْنَبَ وَرُقَيّةَ
زَوَاجُهُ بِحَفْصَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدِ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السّهْمِيّ .
زَوَاجُهُ بِأُمّ حَبِيبَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمّ حَبِيبَةَ وَاسْمُهَا رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، زَوّجَهُ إيّاهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، وَهُمَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَأَصْدَقَهَا النّجَاشِيّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ ، وَهُوَ الّذِي كَانَ خَطَبَهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيّ .
زَوَاجُهُ بِجِوَيْرِيَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيّة ، كَانَتْ فِي سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَوَقَعَتْ فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ الْأَنْصَارِيّ فَكَاتَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا ، فَقَالَ لَهَا : " هَلْ لَك فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ ؟ لَمّا قَالَتْ وَمَا هُوَ ؟ قَالَ " أَقْضِي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوّجُك ؟ " فَقَالَتْ نَعَمْ فَتَزَوّجَهَا . [ ص 430 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبُكَائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ لَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ ، وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ ، فَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا ، وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ الّتِي جَاءَ بِهَا لِلْفِدَاءِ فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا ، فَغَيّبَهُمَا فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ ، ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ ، أَصَبْتُمْ ابْنَتِي ، وَهَذَا فَدَاؤُهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللّذَانِ غَيّبْت بِالْعَقِيقِ فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا ؟ " فَقَالَ الْحَارِثُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْك ، فَوَاَللّهِ مَا اطّلَعَ عَلَى ذَلِكَ إلّا اللّهُ تَعَالَى فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ وَأَرْسَلَ إلَى الْبَعِيرَيْنِ فَجَاءَ بِهِمَا فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُفِعَتْ إلَيْهِ ابْنَتُهُ جُوَيْرِيَةُ فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا ، وَخَطَبَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِيهَا ، فَزَوّجَهُ إيّاهَا ، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَ قَبْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ ابْنِ عَمّ لَهَا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ اشْتَرَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا ، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ .
زَوَاجُهُ بِصَفِيّةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، سَبَاهَا مِنْ خَيْبَرَ ، فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلِيمَةً مَا فِيهَا شَحْمٌ وَلَا لَحْمٌ كَانَ سَوِيقًا وَتَمْرًا ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ [ ص 431 ]
زَوَاجُهُ بِمَيْمُونَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بَحِيرِ بْنِ هُزَمَ بْنِ رُوَيْبِةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، زَوّجَهُ إيّاهَا الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَأَصْدَقَهَا الْعَبّاسُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ؛ وَيُقَالُ إنّهَا الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَلِكَ أَنّ خُطْبَةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْتَهَتْ إلَيْهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا ، فَقَالَتْ الْبَعِيرُ وَمَا عَلَيْهِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ } [ الْأَحْزَابُ : 50 ] . وَيُقَالُ إنّ الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ ، وَيُقَالُ أُمّ شَرِيكٍ غَزِيّةُ بِنْتُ جَابِرِ بْنِ وَهْبٍ مِنْ بَنِي مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، وَيُقَالُ بَلْ هِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ لُؤَيّ فَأَرْجَأَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
زَوَاجُهُ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ، وَكَانَتْ تُسَمّى أُمّ الْمَسَاكِينِ لِرَحْمَتِهَا إيّاهُمْ وَرِقّتِهَا عَلَيْهِمْ زَوّجَهُ إيّاهَا قَبِيصَةُ بْنُ عَمْرٍو الْهِلَالِيّ ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَتْ قَبْلَ عُبَيْدَةَ عِنْدَ جَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ ، وَهُوَ ابْنُ عَمّهَا
عِدّتُهُنّ وَشَأْنُ الرّسُولِ مَعَهُنّ
فَهَؤُلَاءِ اللّاتِي بَنَى بِهِنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إحْدَى عَشْرَة ، فَمَاتَ قَبْلَهُ مِنْهُنّ ثِنْتَانِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ . وَتُوُفّيَ عَنْ تِسْعٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُنّ فِي أَوّلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَثِنْتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا : أَسْمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ تَزَوّجَهَا فَوَجَدَ بِهَا بَيَاضًا ، فَمَتّعَهَا وَرَدّهَا إلَى أَهْلِهَا ، وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيّةُ وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرِ فَلَمّا قَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَنِيعٌ عَائِذُ اللّهِ " ، فَرَدّهَا إلَى أَهْلِهَا ، وَيُقَالُ إنّ الّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِنْدِيّةُ بِنْتُ عَمّ . [ ص 432 ] وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعَاهَا ، فَقَالَتْ إنّا قَوْمٌ نُؤْتَى وَلَا نَأْتِي ؛ فَرَدّهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَهْلِهَا .
تَسْمِيَةُ الْقُرَشِيّاتِ مِنْهُنّ
الْقُرَشِيّاتُ مِنْ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِتّ : خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ؛ وَأُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَة بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ .
تَسْمِيَةُ الْعَرَبِيّاتِ وَغَيْرُهُنّ
وَالْعَرَبِيّاتُ وَغَيْرُهُنّ سَبْعٌ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمَرَ بْنِ صُبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ؛ وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بَحِيرِ بْنِ هُزَمَ بْنِ رُوَيْبِةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيَلَانَ ؛ وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ بْنِ . [ ص 433 ] عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارِ الْخُزَاعِيّة ، ثُمّ الْمُصْطَلِقيّة ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيّةُ .
غَيْرُ الْعَرَبِيّاتِ
وَمِنْ غَيْرِ الْعَرَبِيّاتِ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ ، مِنْ بَنِي النّضِيرِ .
Sأُمّ سَلَمَةَ
وَذَكَرَ أُمّ سَلَمَةَ وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْدَقَهَا مَجِشّةً وَهِيَ الرّحَى . وَمَعَهُ سُمّيَ الْجَشِيشُ . وَذَكَرَ مَعَ الْمَجِشّةِ أَشْيَاءَ لَا تُعْرَفُ قِيمَتُهَا ، مِنْهَا جَفْنَةٌ وَفِرَاشٌ . وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ [ ص 429 ] قِيمَتِهَا ، قَالَ أَنَسُ أَصْدَقَهَا مَتَاعًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِم قَالَ الْبَزّارُ : وَيُرْوَى أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا .
جُوَيْرِيَةُ
وَذَكَرَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ مُسَافِعِ بْنِ صَفْوَانَ الْخُزَاعِيّ وَقَالَ أَسْلَمُ الْحَارِثُ وَأَسْلَمَ ابْنَاهُ وَلَمْ يُسَمّهِمَا ، وَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ .
زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ
وَذَكَرَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ ، وَأَنّ أَخَاهَا أَبَا أَحْمَدَ هُوَ الّذِي أَنْكَحَهَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهَذَا خِلَافُ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنّهَا كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى صَوَاحِبِهَا ، وَتَقُولُ " زَوّجَكُنّ أَهْلُوكُنّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَوّجَنِي رَبّ الْعَالَمِينَ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ [ ص 430 ] أَنّه لَمّا نَزَلَتْ الْآيَةُ { زَوّجْنَاكهَا } [ الْأَحْزَابُ : 37 ] قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ فِي أَزْوَاجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَرَافِ بِنْتَ خَلِيفَةَ أُخْتَ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ ، وَذَكَرَهَا غَيْرُهُ وَلَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ إلّا يَسِيرًا حَتّى مَاتَتْ وَكَذَلِكَ الْعَالِيَةُ بِنْتُ ظَبْيَانَ [ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ ] ذَكَرَهَا غَيْرُهُ فِي أَزْوَاجِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَكَذَلِكَ وَسْنَى بِنْتُ الصّلْتِ تَزَوّجَهَا ثُمّ خَلّى سَبِيلَهَا ، وَيُقَالُ فِيهَا : سَنَا بِنْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ [ ص 431 ] وَمِنْهُنّ أَسْمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ بْنِ الْجَوْنِ الْكِنْدِيّةُ اتّفَقُوا عَلَى تَزْوِيجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهَا ، وَاخْتَلَفُوا ، فِي سَبَبِ فِرَاقِ النّبِيّ لَهَا . وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي : شَرَافِ بِنْتِ خَلِيفَةَ إنّهَا هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا ، فَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 432 ] وَذَكَرَ خَوْلَةَ وَيُقَالُ فِيهَا : خُوَيْلَةُ ذُكِرَتْ فِيمَنْ تَزَوّجَهُمْ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَيُقَالُ هِيَ الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ .

تَمْرِيضُ رَسُولِ اللّهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ
مَجِيئُهُ إلَى بَيْتِ عَائِشَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَة َ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبّاسِ وَرَجُلٌ آخَرُ عَاصِبًا رَأْسَهُ تُخَطّ قَدَمَاهُ حَتّى دَخَلَ بَيْتِي . قَالَ عُبَيْدُ اللّهِ فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْعَبّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَنْ الرّجُلُ الْآخَرُ ؟ قَالَ قُلْت : لَا ، قَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
شِدّةُ الْمَرَضِ وَصَبّ الْمَاءِ عَلَيْهِ
ثُمّ غُمِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاشْتَدّ بِهِ وَجَعُهُ فَقَالَ " هَرِيقُوا عَلَيّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ آبَارٍ شَتّى ، حَتّى أَخْرُجَ إلَى النّاسِ فَأَعْهَدَ إلَيْهِمْ " . قَالَتْ فَأَقْعَدْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ ثُمّ صَبَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى طَفِقَ يَقُولُ " حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ " .
Sوَفَاةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
ذِكْرُ خُرُوجِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَرَضِهِ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَنّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يَأْتَمّ بِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ فِي السّيرَةِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الصّحَاحِ أَنّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَالنّاسُ يُصَلّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَكِنْ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقٍ مُتّصِلٍ أَنّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ يَوْمئِذٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " مَا مَاتَ نَبِيّ حَتّى يَؤُمّهُ رَجُلٌ [ ص 433 ] أُمّتِهِ " ، وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثَ إلّا أَنّهُ سَاقَهُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ مُرْسَلًا ، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبَزّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَفِي مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَرِضَ عَشَرَةَ أَيّامِ صَلّى أَبُو بَكْرٍ بِالنّاسِ تِسْعَةَ أَيّامٍ مِنْهَا ، ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْهَا يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ أُسَامَةَ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ حَتّى صَلّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ ، فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ مَرِضَ عَشَرَةَ أَيّامٍ وَهُوَ غَرِيبٌ وَفِيهِ أَنّ أَحَدَ الرّجُلَيْنِ كَانَ أُسَامَةَ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَفِيهِ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ . [ ص 434 ]

كَلِمَةٌ لِلنّبِيّ وَاخْتِصَاصُهُ أَبَا بَكْرٍ بِالذّكْرِ
قَالَ [ ص 434 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الزّهْرِيّ : حَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ بَشِيرٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمّ كَانَ أَوّلَ مَا تَكَلّمَ بِهِ أَنّهُ صَلّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ فَأَكْثَرَ الصّلَاةَ عَلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ " إنّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللّهِ خَيّرَهُ اللّهُ بَيْنَ الدّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللّهِ " . قَالَ فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعَرَفَ أَنّ نَفْسَهُ يُرِيدُ فَبَكَى وَقَالَ بَلْ نَحْنُ نَفْدِيك بِأَنْفَسِنَا وَأَبْنَائِنَا ، فَقَالَ " عَلَى رِسْلِك يَا أَبَا بَكْرٍ " ، ثُمّ قَالَ " اُنْظُرُوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ اللّافِظَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدّوهَا إلّا بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ فِي الصّحْبَةِ عِنْدِي يَدًا مِنْهُ " . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : إلّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ بَعْضِ آلِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمئِذٍ فِي كَلَامِهِ هَذَا : " فَإِنّي لَوْ كُنْت مُتّخِذًا مِنْ الْعِبَادِ خَلِيلًا لَاِتّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا ، وَلَكِنْ صُحْبَةٌ وَإِخَاءٌ إيمَانٌ حَتّى يَجْمَعَ اللّهُ بَيْنَنَا عِنْدَهُ " .

أَمْرُ الرّسُولِ بِإِنْفَاذِ بَعْثِ أُسَامَةَ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَبْطَأَ النّاسَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَدْ كَانَ النّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ أُسَامَةَ أَمّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جُلّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ . فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمّ قَالَ " أَيّهَا النّاسُ اُنْفُذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ فَلَعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَإِنّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا " . قَالَ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْكَمَشَ النّاسُ فِي جِهَازِهِمْ وَاسْتَعَزّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعُهُ فَخَرَجَ أُسَامَةُ وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ حَتّى نَزَلُوا الْجُرْفَ ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ وَتَتَامّ إلَيْهِ النّاسُ وَثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنّاسُ لِيَنْظُرُوا مَا اللّهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 435 ]
وَصِيّةُ الرّسُولِ بِالْأَنْصَارِ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ صَلّى وَاسْتَغْفَرَ لِأَصْحَاب ِ أُحُد ٍ ، وَذَكَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ مَعَ مَقَالَتِهِ يَوْمئِذٍ " يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ اسْتَوْصُوا بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا ، فَإِنّ النّاسَ يَزِيدُونَ وَإِنّ الْأَنْصَارَ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ وَإِنّهُمْ كَانُوا عَيْبَتِي الّتِي أَوَيْت إلَيْهَا ، فَأَحْسِنُوا إلَى مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ " . قَالَ عَبْدُ اللّهِ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ حَتّى غُمِرَ .

شَأْنُ اللّدُودِ
قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِ أُمّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةُ وَنِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُنّ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ ، وَعِنْدَهُ الْعَبّاسُ عَمّهُ فَأَجْمَعُوا أَنْ يَلُدّهُ وَقَالَ الْعَبّاسُ لَأَلُدّنّهُ قَالَ فَلَدّوهُ فَلَمّا أَفَاقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " مَنْ صَنَعَ هَذَا بِي ؟ " قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ عَمّك ، قَالَ " هَذَا دَوَاءٌ أَتَى بِهِ نِسَاءٌ جِئْنَ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْأَرْضِ " ، وَأَشَارَ نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ؛ قَالَ " وَلِمَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ ؟ " فَقَالَ عَمّهُ الْعَبّاسُ خَشِينَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَكُونَ بِك ذَاتُ الْجَنْبِ فَقَالَ " إنّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لِيَقْذِفَنِي بِهِ لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلّا لُدّ إلّا عَمّي ، فَلَقَدْ لُدّتْ مَيْمُونَةُ وَإِنّهَا لَصَائِمَةٌ " ، لِقَسَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ بِمَا صَنَعُوا بِهِ . [ ص 436 ]
Sحَدِيثُ الْعَبّاسِ
فَصْلٌ [ ص 435 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ الْعَبّاسِ وَأَنّهُ قَالَ لَأَلُدّنّهُ فَلَدّوهُ وَحَسَبُوا أَنّ بِهِ ذَاتَ الْجَنْبِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ الْعَبّاسَ حَضَرَهُ وَلّدَهُ مَعَ مَنْ لَدّ . وَفِي الصّحِيحَيْنِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ " لَا يَبْقِيَنّ أَحَدٌ بِالْبَيْتِ إلّا لُدّ إلّا عَمّي الْعَبّاسُ فَإِنّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ " ، وَهَذِهِ أَصَحّ مِنْ [ ص 436 ] ابْنِ إسْحَاقَ وَإِنّمَا لَدّوهُ لِأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ قَالَ فِي الْقُسْطِ فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ يُلَدّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَيُسْعَطُ بِهِ مِنْ الْعَذِرَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَمْسَةَ . قَالَ ابْنُ شِهَابٍ : فَنَحْنُ نَسْتَعْمِلُهُ فِي أَدْوِيَتِنَا كُلّهَا لَعَلّنَا نُصِيبُهَا ، وَاللّدُودُ فِي جَانِبِ الْفَمِ مِنْ دَاخِلِهِ يَجْعَلُ هُنَاكَ الدّوَاءَ وَيُحَكّ بِالْإِصْبَعِ قَلِيلًا . وَقَوْلُهُ فِي ذَاتِ الْجَنْبِ ذَاكَ دَاءٌ مَا كَانَ اللّهُ لِيَقْذِفَنِي بِهِ وَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ الطّبَرِيّ لَهُ أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللّهِ مِنْ أَنْ يَقْذِفَنِي بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : وَهِيَ مِنْ الشّيْطَانِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُسَلّطَهَا عَلَيّ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهَا مِنْ سَيّئِ الْأَسْقَامِ الّتِي تَعَوّذَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْهَا فِي دُعَائِهِ حَيْثُ يَقُولُ " اللّهُمّ إنّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَسَيّئِ الْأَسْقَامِ " ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبُهَا مِنْ الشّهَدَاءِ السّبْعَةِ وَلَكِنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ تَعَوّذَ مِنْ الْغَرَقِ وَالْحَرْقِ مَعَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ " الْغَرِيقُ شَهِيدٌ وَالْحَرِيقُ شَهِيدٌ " . وَقَدْ ذَكَرَ أَنّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ هِيَ الّتِي لَدّتْهُ فَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَالْوَجَعُ الّذِي كَانَ بِالنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَلُدّ هُوَ الْوَجَعُ الّذِي يُسَمّى خَاصِرَةً وَقَدْ جَاءَ ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ النّذُورِ مِنْ الْمُوَطّأِ ، قَالَ فِيهِ فَأَصَابَتْنِي خَاصِرَةٌ قَالَتْ عَائِشَةُ وَكَثِيرًا مَا كَانَ يُصِيبُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَاصِرَةُ . قَالَتْ وَلَا نَهْتَدِي لِاسْمِ الْخَاصِرَةِ وَنَقُولُ أَخَذَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِرْقٌ فِي الْكُلّيّةِ وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي أُسَامَةَ يَرْفَعُهُ إلَى النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ " الْخَاصِرَةُ عِرْقٌ فِي الْكُلّيّةِ إذَا تَحَرّكَ وَجَعُ صَاحِبِهِ دَوَاؤُهُ الْعَسَلُ بِالْمَاءِ الْمُحْرَق " ، وَهُوَ حَدِيثٌ يَرْوِيهِ عَبْدُ الرّحِيمِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ وَعَبْدِ الرّحِيمِ ضَعِيفٌ مَذْكُورٌ عِنْدَ الْمُحَدّثِينَ فِي الضّعَفَاءِ وَلَكِنْ قَدْ رَوَتْ عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ . وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ هَذَا يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ بِنْتُ خَارِجَةَ اسْمُهَا : حَبِيبَةُ وَقِيلَ مَلَكِيّة ، وَخَارِجَةُ هُوَ ابْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ وَابْنُ خَارِجَةَ هُوَ زَيْدُ بْنُ خَارِجَةَ الّذِي تَكَلّمَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِيمَا رَوَى ثِقَاتُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنّهُ مَاتَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ فَلَمّا سُجّيَ عَلَيْهِ سَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ ثُمّ تَكَلّمَ فَقَالَ أَحْمَدُ أَحْمَدُ فِي الْكِتَابِ الْأَوّلِ صِدْقٌ صِدْقٌ وَأَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ الضّعِيفُ فِي نَفْسِهِ الْقَوِيّ فِي أَمْرِ اللّهِ فِي الْكِتَابِ الْأَوّلِ صِدْقٌ صِدْقٌ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، الْقَوِيّ الْأَمِينُ فِي الْكِتَابِ الْأَوّلِ صِدْقٌ [ ص 437 ] عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ عَلَى مِنْهَاجِهِمْ مَضَتْ أَرْبَعٌ وَبَقِيَتْ سَنَتَانِ أَتَتْ الْفِتَنُ وَأَكَلَ الشّدِيدُ الضّعِيفَ وَقَامَتْ السّاعَةُ وَسَيَأْتِيكُمْ خَبَرُ بِئْرِ أَرِيسَ وَمَا بِئْرُ أَرِيسَ . قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ : ثُمّ هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ فَسُجّيَ بِثَوْبِ فَسَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ ثُمّ تَكَلّمَ فَقَالَ إنّ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ صِدْقٌ صِدْقٌ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ عُرِضَ مِثْلُ هَذِهِ الْقِصّةِ لِرَبِيعِ بْنِ حِرَاشٍ أَخِي رِبْعِيّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ رِبْعِيّ : مَاتَ أَخِي فَسَجَيْنَاهُ وَجَلَسْنَا عِنْدَهُ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِك إذْ كَشَفَ الثّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمّ قَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ قَلّتَا : سُبْحَانَ اللّهِ أَبَعْدَ الْمَوْتِ ؟ قَالَ إنّي لَقِيت رَبّي فَتَلَقّانِي بِرَوْحِ وَرَيْحَانٍ وَرَبّ غَيْرِ غَضْبَانَ وَكَسَانِي ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ أَسْرِعُوا بِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَإِنّهُ قَدْ أَقَسَمَ أَنْ لَا يَبْرَحَ حَتّى آتِيَهُ وَأُدْرِكُهُ وَإِنّ الْأَمْرَ أَهْوَنُ مَا تَذْهَبُونَ إلَيْهِ فَلَا تَغْتَرّوا ، ثُمّ وَاَللّهِ كَأَنّمَا كَانَتْ نَفْسُهُ حَصَاةً فَأُلْقِيَتْ فِي طَسْتٍ

دُعَاءُ الرّسُولِ لِأُسَامَةَ بِالْإِشَارَةِ
قَالَ [ ص 437 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ لَمّا ثَقُلَ رَسُولُ اللّهِ هَبَطْت وَهَبَطَ النّاسُ مَعِي إلَى الْمَدِينَةِ ، فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ أَصْمَتَ فَلَا يَتَكَلّمُ فَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ ثُمّ يَضَعُهَا عَلَيّ فَأَعْرِفُ أَنّهُ يَدْعُو لِي . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ : حَدّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ " إنّ اللّهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيّا حَتّى يُخَيّرَهُ " . قَالَتْ فَلَمّا حُضِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتهَا وَهُوَ يَقُولُ " بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ " ، قَالَتْ فَقُلْت : إذًا وَاَللّهِ لَا يَخْتَارُنَا ، وَعَرَفْت أَنّهُ الّذِي كَانَ يَقُولُ لَنَا : إنّ نَبِيّا لَمْ يُقْبَضْ حَتّى يُخَيّرَ .
Sآخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا عَلَيْهِ السّلَامُ
فَصْلٌ وَذَكَرَ أَنّ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا عَلَيْهِ السّلَامُ اللّهُمّ الرّفِيقَ الْأَعْلَى ، وَهَذَا مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَأُولَئِكَ مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ } إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } [ النّسَاءُ 69 ] فَهَذَا هُوَ الرّفِيقُ الْأَعْلَى ، وَلَمْ يَقُلْ الرّفَقَاءُ [ ص 438 ] تَكَلّمَ بِهَا عَلَيْهِ السّلَامُ وَهِيَ تَتَضَمّنُ مَعْنَى التّوْحِيدِ الّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ كَلَامِ الْمُؤْمِنِ لِأَنّهُ قَالَ { مَعَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ } وَهُمْ أَصْحَابُ الصّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَهُمْ أَهْلُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { اهْدِنَا الصّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } ثُمّ بَيّنَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدّمَةِ مِنْ الّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ فَذَكَرَهُمْ وَهُمْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى الّذِي ذَكَرَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ خُيّرَ فَاخْتَارَ وَبَعْضُ الرّوَاةِ يَقُولُ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ وَقَالَ فِي الرّفِيقِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنّهُ قَالَ " اللّهُمّ الرّفِيقَ " ، وَأَشَارَ بِالسّبّابَةِ يُرِيدُ التّوْحِيدَ فَقَدْ دَخَلَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ " مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ دَخَلَ الْجَنّةَ " ، وَلَا شَكّ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي أَعَلَى دَرَجَاتِ الْجَنّةِ وَلَوْ لَمْ يُشِرْ وَلَكِنْ ذَكَرْنَا هَذَا لِئَلّا يَقُولَ الْقَائِلُ لِمَ لَمْ يَكُنْ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَوّلُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ وَهُوَ مُسْتَرْضِعٌ عِنْدَ حَلِيمَةَ أَنْ قَالَ " اللّهُ أَكْبَرُ رَأَيْت ذَلِكَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْوَاقِدِيّ " . وَأَمّا آخِرَ مَا أَوْصَى بِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ بِأَنْ قَالَ " الصّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ حَرّكَ لَهَا لِسَانَهُ وَمَا يَكَادُ يُبِينُ " ، وَفِي قَوْلِهِ " مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ قَوْلَانِ " : قِيلَ أَرَادَ الرّفْقَ بِالْمَمْلُوكِ وَقِيلَ أَرَادَ الزّكَاةَ لِأَنّهَا فِي الْقُرْآنِ مَقْرُونَةٌ بِالصّلَاةِ وَهِيَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ قَالَهُ الْخَطّابِيّ . وَقَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنّي أَنّهُ قُبِضَ فِي حِجْرِي فَوَضَعْت رَأْسَهُ عَلَى الْوِسَادَةِ وَقُمْت أَلْتَدِمُ مَعَ النّسَاءِ الِالْتِدَامُ ضَرْبُ الْخَدّ بِالْيَدِ وَلَمْ يَدْخُلْ هَذَا فِي [ ص 439 ] وَقَعَ عَلَى الصّرَاخِ وَالنّوَاحِ وَلُعِنَتْ الْخَارِقَةُ وَالْحَالِقَةُ وَالصّالِقَةُ وَهِيَ الرّافِعَةُ لِصَوْتِهَا ، وَلَمْ يَذْكُرْ اللّدْمَ لَكِنّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَإِنّهُ مَكْرُوهٌ فِي حَالِ الْمُصِيبَةِ وَتَرْكُهُ أَحْمَدُ إلّا عَلَى أَحْمَدَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَالصّبْرُ يُحْمَدَ فِي الْمَصَائِبِ كُلّهَا إلّا عَلَيْك فَإِنّهُ مَذْمُومُ وَقَدْ كَانَ يُدْعَى لَابِسُ الصّبْرِ حَازِمًا فَأَصْبَحَ يُدْعَى حَازِمًا حِينَ يَجْزَعُ

صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ
[ ص 438 ] قَالَ الزّهْرِيّ : وَحَدّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا اسْتَعَزّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ " قَالَتْ قُلْت : يَا نَبِيّ اللّهِ إنّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ ضَعِيفُ الصّوْتِ كَثِيرُ الْبُكَاءِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ قَالَ " مُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ " . قَالَتْ فَعُدْت بِمِثْلِ قَوْلِي ، فَقَالَ " إنّكُنّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَمُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ ، قَالَتْ فَوَاَللّهِ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلّا أَنّي كُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَرَفْت أَنّ النّاسَ لَا يُحِبّونَ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا ، وَأَنّ النّاسَ سَيَتَشَاءَمُونَ بِهِ فِي كُلّ حَدَثٍ كَانَ فَكُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ [ ص 439 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ، قَالَ لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ دَعَاهُ بِلَالٌ إلَى الصّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا مَنْ يُصَلّي بِالنّاسِ قَالَ فَخَرَجْت فَإِذَا عُمَرُ فِي النّاسِ . وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا ، فَقُلْت : قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلّ بِالنّاسِ قَالَ فَقَامَ فَلَمّا كَبّرَ سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَوْتَهُ وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مِجْهَرًا ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ ؟ يَأْبَى اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ يَأْبَى اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ قَالَ فَبَعَثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلّى عُمَرُ تِلْكَ الصّلَاةَ فَصَلّى بِالنّاسِ . قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَمْعَةَ قَالَ لِي عُمَرُ وَيْحَك ، مَاذَا صَنَعْت بِي يَا ابْنَ زَمْعَةَ وَاَللّهِ مَا ظَنَنْت حِينَ أَمَرْتنِي إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَك بِذَلِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَلّيْت بِالنّاسِ . قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ وَلَكِنّي حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْرٍ رَأَيْتُك أَحَقّ مَنْ حَضَرَ بِالصّلَاةِ بِالنّاسِ .

الْيَوْمُ الّذِي قَبَضَ اللّهُ فِيهِ نَبِيّهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الزّهْرِيّ : حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ : أَنّهُ لَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الّذِي قَبَضَ اللّهُ فِيهِ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ إلَى النّاسِ وَهُمْ يُصَلّونَ الصّبْحَ فَرَفَعَ السّتْرَ وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ فَكَادَ الْمُسْلِمُونَ يُفْتَنُونَ فِي صَلَاتِهِمْ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَرَحًا بِهِ وَتَفَرّجُوا ، فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ قَالَ [ ص 440 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُرُورًا لَمّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحْسَنَ هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السّاعَةَ قَالَ ثُمّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَفْرَقَ مِنْ وَجَعِهِ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ حِينَ سَمِعَ تَكْبِيرَ عُمَرَ فِي الصّلَاةِ أَيْنَ أَبُو بَكْرٍ ؟ يَأْبَى اللّهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ فَلَوْلَا مَقَالَةٌ قَالَهَا عُمَرُ عِنْدَ وَفَاتِهِ لَمْ يَشُكّ الْمُسْلِمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ ، وَلَكِنّهُ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ إنْ أَسْتَخْلَفَ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي ، وَإِنْ أَتْرُكُهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي فَعَرَفَ النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا ، وَكَانَ عُمَرُ غَيْرَ مُتّهَمٍ عَلَى أَبِي بَكْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ إلَى الصّبْحِ وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلّي بِالنّاسِ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَفَرّجَ النّاسُ فَعَرَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنّ النّاسَ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ إلّا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَكَصَ عَنْ مُصَلّاهُ فَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ظَهْرِهِ وَقَالَ صَلّ بِالنّاسِ ، وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِهِ فَصَلّى قَاعِدًا عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَكَلّمَهُمْ رَافِعًا صَوْتَهُ حَتّى خَرَجَ صَوْتُهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ سُعّرَتْ النّارُ ، وَأَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ وَإِنّي وَاَللّهِ مَا تَمَسّكُونَ عَلَيّ بِشَيْءِ إنّي لَمْ أَحِلّ إلّا مَا أَحَلّ الْقُرْآنُ وَلَمْ أُحَرّمْ إلّا مَا حَرّمَ الْقُرْآنُ قَالَ فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِهِ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِيّ اللّهِ إنّي أَرَاك قَدْ أَصْبَحْت بِنِعْمَةِ مِنْ اللّهِ وَفَضْلٍ كَمَا نُحِبّ ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ أَفَآتِيهَا ؟ قَالَ " نَعَمْ " ، ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ . [ ص 441 ]
شَأْنُ الْعَبّاسِ وَعَلِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ خَرَجَ يَوْمئِذٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ عَلَى النّاسِ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ النّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " قَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللّهِ بَارِئًا ، قَالَ فَأَخَذَ الْعَبّاسُ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ يَا عَلِيّ ، أَنْتَ وَاَللّهِ عَبْدُ الْعَصَا بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْت الْمَوْتَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا كُنْت أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِينَا عَرَفْنَاهُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا ، أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا النّاسَ . قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيّ : إنّي وَاَللّهِ لَا أَفْعَلُ وَاَللّهِ لَئِنْ مَنَعْنَاهُ لَا يُؤْتِينَاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ . فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ .
Sمَتَى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ ؟
وَاتّفَقُوا أَنّهُ تُوُفّيَ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إلّا شَيْئًا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ الْأَرْبِعَاءِ قَالُوا كُلّهُمْ وَفِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ غَيْرَ أَنّهُمْ قَالُوا ، أَوْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ فِي الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ وَلَا يَصِحّ أَنْ يَكُونَ تُوُفّيَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا فِي الثّانِي مِنْ الشّهْرِ أَوْ الثّالِثَ عَشَرَ أَوْ الرّابِعَ عَشَرَ أَوْ الْخَامِسَ عَشَرَ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنّ وَقْفَةَ عَرَفَةَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ التّاسِعُ مِنْ ذِي الْحَجّةِ فَدَخَلَ ذُو الْحَجّةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَكَانَ الْمُحَرّمُ إمّا الْجُمُعَةُ وَإِمّا السّبْتُ فَإِنْ [ ص 440 ] كَانَ الْجُمُعَةُ فَقَدْ كَانَ صَفَرٌ إمّا السّبْتُ وَإِمّا الْأَحَدُ فَإِنْ كَانَ السّبْتُ فَقَدْ كَانَ رَبِيعٌ الْأَحَدَ أَوْ الِاثْنَيْنِ وَكَيْفَا دَارَتْ الْحَالُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ فَلَمْ يَكُنْ الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِوَجْهِ وَلَا الْأَرْبِعَاءَ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْقُتَبِيّ وَذَكَرَ الطّبَرِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ أَنّهُ تُوُفّيَ فِي الثّانِي مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ أَهْلِ الْجُمْهُورِ فَإِنّهُ لَا يُبْعَدُ أَنْ كَانَتْ الثّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ الّتِي قَبْلَهُ كُلّهَا مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَدَبّرْهُ فَإِنّهُ صَحِيحٌ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَفَطّنَ لَهُ وَقَدْ رَأَيْت لِلْخَوَارِزْمِيّ أَنّهُ تُوُفّيَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي أَوّلِ يَوْمٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ فِي الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ .

سِوَاك الرّسُولِ قُبَيْلَ الْوَفَاةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ ، عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ قَالَتْ رَجَعَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَ دَخَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاضْطَجَعَ فِي حِجْرِي ، فَدَخَلَ عَلَيّ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ ، وَفِي يَدِهِ سِوَاكٌ أَخْضَرُ . قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ فِي يَدِهِ نَظَرًا عَرَفْت أَنّهُ يُرِيدُهُ قَالَتْ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُحِبّ أَنْ أُعْطِيَك هَذَا السّوَاكَ ؟ قَالَ " نَعَمْ " ، قَالَتْ فَأَخَذَتْهُ فَمَضَغَتْهُ لَهُ حَتّى لَيّنَتْهُ ثُمّ أَعْطَيْته إيّاهُ قَالَتْ فَاسْتَنّ بِهِ كَأَشَدّ مَا رَأَيْته يَسْتَنّ بِسِوَاكِ قَطّ ، ثُمّ وَضَعَهُ وَوَجَدْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 442 ] بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ ، قَالَتْ فَقُلْت : خُيّرْت فَاخْتَرْت وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ قَالَتْ وَقُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ . قَالَ سَمِعْت عَائِشَةَ تَقُولُ مَاتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي ، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا ، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنّي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبِضَ وَهُوَ فِي حِجْرِي ، ثُمّ وَضَعْت رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقُمْت أَلْتَدِمُ مَعَ النّسَاءِ وَأَضْرِبُ وَجْهِي .
Sالسّوَاكُ
فَصْلٌ
[ ص 441 ] وَذَكَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا أَنّهَا نَاوَلَتْهُ السّوَاكَ حِينَ رَأَتْهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَاسْتَاك بِهِ وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ التّنَظّفُ وَالتّطَهّرُ لِلْمَوْتِ وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبّ الِاسْتِحْدَادُ لِمَنْ اسْتَشْعَرَ الْقَتْلَ أَوْ الْمَوْتَ كَمَا فَعَلَ خُبَيْبٌ لِأَنّ الْمَيّتَ قَادِمٌ عَلَى رَبّهِ كَمَا أَنّ الْمُصَلّيَ مُنَاجٍ لِرَبّهِ فَالنّظَافَةُ مِنْ شَأْنِهِمَا ، وَفِي الْحَدِيثِ إنّ اللّهَ نَظِيفٌ يُحِبّ النّظَافَةَ خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُولَ السّنَدِ ، فَإِنّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ النّظِيفُ مِنْ أَسْمَاءِ الرّبّ وَلَكِنّهُ حَسُنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِازْدِوَاجِ الْكَلَامِ وَلِقُرْبِ مَعْنَى النّظَافَةِ مِنْ مَعْنَى الْقُدُسِ ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ الْقُدّوسُ وَكَانَ السّوَاكُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ عَسِيبِ نَخْلٍ فِيمَا رَوَى بَعْضُهُمْ [ ص 442 ] وَالْعَرَبُ تَسْتَاكُ بِالْعَسِيبِ وَكَانَ أَحَبّ السّوَاكِ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - صُرْعُ الْأَرَاكِ ، وَاحِدُهَا صَرِيعٌ وَهُوَ قَضِيبٌ يَنْطَوِي مِنْ الْأَرَاكَةِ حَتّى يَبْلُغَ التّرَابَ فَيَبْقَى فِي ظِلّهَا فَهُوَ أَلْيَنُ مِنْ فَرْعِهَا . وَمِمّا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - فِي مَعْنَى قَوْلِهَا : بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي ، أَنّهَا قَالَتْ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَدَاقِنَتِي فَالْحَاقِنَةُ الثّغْرَةُ وَالدّاقِنَةُ تَحْتَ الدّقْنِ وَيُقَالُ لَهَا : النّونَةُ أَيْضًا . وَرُوِيَ أَيْضًا : بَيْنَ شَجْرِي - بِالشّيْنِ وَالْجِيمِ - وَنَحْرِي ، وَسُئِلَ عُمَارَةُ بْنُ عُقَيْلٍ عَنْ مَعْنَاهُ فَشَبّكَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ وَضَمّهَا إلَى نَحْرِهِ . وَغُسّلَ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ قُبِضَ مِنْ بِئْرٍ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ يُقَالُ لَهَا : بِئْرُ الْغَرْسِ .
كَرَامَاتٌ وَمُعْجِزَاتٌ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ أَنّهُمْ كُلّمُوا حِينَ أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ لِلْغُسْلِ وَكُلّهُمْ سَمِعَ الصّوْتَ وَلَمْ يُرَ الشّخْصُ وَذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمِنْ آيَاتِ نُبُوّتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَرَامَاتٌ وَمُعْجِزَاتٌ فِي حَيَاتِهِ وَقَبْلَ مَوْلِدِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ . وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللّهُ فِي التّمْهِيدِ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ أَنّ أَهْلَ بَيْتِهِ سَمِعُوا وَهُوَ مُسَجّى بَيْنَهُمْ قَائِلًا يَقُولُ السّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ إنّ فِي اللّهِ عِوَضًا مِنْ كُلّ تَالِفٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلّ هَالِكٍ وَعَزَاءً مِنْ كُلّ مُصِيبَةٍ فَاصْبِرُوا وَاحْتَسِبُوا ، إنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ وَهُوَ حَسْبُنَا ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَ فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنّهُ الْخَضِرُ صَلّى اللّهُ عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ " وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنّ الْفَضْلَ بْنَ عَبّاسٍ كَانَ يُغَسّلُهُ هُوَ وَعَلِيّ ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ وَهُوَ يَصُبّ الْمَاءَ يَقُولُ أَرِحْنِي أَرِحْنِي ، فَإِنّي [ ص 443 ] ظَهْرِي . وَمِنْهَا أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ مِمّا يَظْهَرُ مِنْ الْمَوْتَى ، وَلَا تَغَيّرَتْ لَهُ رَائِحَةٌ وَقَدْ طَالَ مُكْثُهُ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ وَكَانَ مَوْتُهُ فِي شَهْرِ أَيْلُولَ فَكَانَ طَيّبًا حَيّا وَمَيّتًا ، وَإِنْ كَانَ عَمّهُ الْعَبّاسُ قَدْ قَالَ لِعَلِيّ إنّ ابْنَ أَخِي مَاتَ لَا شَكّ وَهُوَ مِنْ بَنِي آدَمَ يَأْسُنُ كَمَا يَأْسِنُونَ فَوَارَوْهُ . وَكَانَ مِمّا زَادَ الْعَبّاسُ يَقِينًا بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ كَانَ قَدْ رَأَى قَبْلَ ذَلِكَ بِيَسِيرِ كَأَنّ الْقَمَرَ رُفِعَ مِنْ الْأَرْضِ إلَى السّمَاءِ بِأَشْطَانِ فَقَصّهَا عَلَى نَبِيّ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ " هُوَ ابْنُ أَخِيك " . وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي السّيرَةِ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ وَضَعْت يَدِي عَلَى صَدْرِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ مَيّتٌ فَمَرّتْ عَلَيّ جُمَعٌ لَا آكُلُ وَلَا أَتَوَضّأُ إلّا وَجَدْت رِيحَ الْمِسْكِ مِنْ يَدِي ، وَفِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا : أَنّ عَلِيّا نُودِيَ وَهُوَ يُغَسّلُهُ أَنْ ارْفَعْ طَرَفَك إلَى السّمَاءِ . وَفِيهَا أَيْضًا أَنّ عَلِيّا وَالْفَضْلَ حِينَ انْتَهَيَا فِي الْغُسْلِ إلَى أَسْفَلِهِ سَمِعُوا مُنَادِيًا يَقُولُ لَا تَكْشِفُوا عَوْرَةَ نَبِيّكُمْ عَلَيْهِ السّلَامُ .

مَقَالَةُ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ
[ ص 443 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ : وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تُوُفّيَ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مَاتَ وَلَكِنّهُ ذَهَبَ إلَى رَبّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ ، فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قَدْ مَاتَ وَوَاللّهِ لَيَرْجَعَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا رَجَعَ مُوسَى ، فَلَيَقْطَعَنّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَاتَ .
Sمُوَازَنَةٌ بَيْنَ عُمَرَ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ
وَأَمّا جَزَعُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَاَللّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيَرْجِعَنّ كَمَا رَجَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ حَتّى كَلّمَهُ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَذَكّرَهُ بِالْآيَةِ فَعَقِرَ حَتّى سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ وَمَا كَانَ مِنْ ثَبَاتِ جَأْشِ أَبِي بَكْرٍ وَقُوّتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ فَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْ شِدّةِ التّأَلّهِ وَتَعَلّقِ الْقَلْبِ بِالْإِلَهِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا ، فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ . وَمَنْ قُوّةِ تَأَلّهِهِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - حِينَ أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى رَدّ جَيْشِ أُسَامَةَ حِينَ رَأَوْا الرّدّةَ قَدْ اسْتَعَرَتْ نَارُهَا ، وَخَافُوا عَلَى نِسَاءِ الْمَدِينَةِ وَذَرَارِيّهَا ، فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ لَعِبَتْ الْكِلَابُ بِخَلَاخِلِ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ ، مَا رَدَدْت جَيْشًا أَنْفَذَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَلّمَهُ عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، وَكَانَ أَشَدّ شَيْءٍ عَلَيْهِ أَنْ يُخَالِفَ رَأْيُهُ رَأْيَ سَالِمٍ فَكَلّمُوهُ أَنْ يَدَعَ لِلْعَرَبِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْعَامِ تَأَلّفًا لَهُمْ حَتّى يَتَمَكّنَ لَهُ الْأَمْرُ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَتَأَلّفُهُمْ وَكَلّمَهُ عُمَرُ أَنْ [ ص 444 ] مَكَانَ أُسَامَةَ مَنْ هُوَ أَسَنّ مِنْهُ وَأَجْلَدُ فَأَخَذَ بِلِحْيَةِ عُمَرَ وَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْخَطّابِ أَتَأْمُرُنِي أَنْ أَكُونَ أَوّلَ حَالّ عَقْدًا عَقَدَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَاَللّهِ لَأَنْ أَخِرّ مِنْ السّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ فَتَخْطَفُنِي الطّيْرُ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ أُمَالِئَكُمْ عَلَى هَذَا الرّأْيِ وَقَالَ لَهُمْ وَاَللّهِ لَوْ أَفْرَدْت مِنْ جَمِيعِكُمْ لَقَاتَلْتهمْ وَحْدِي حَتّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي ، وَلَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا ، لَجَاهَدْتهمْ عَلَيْهِ أَوَفِي شَكّ أَنْتُمْ أَنّ وَعَدَ اللّهِ لَحَقّ . وَإِنّ قَوْلَهُ لَصِدْقٌ وَلَيُظْهِرَنّ اللّهُ هَذَا الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . ثُمّ خَرَجَ وَحْدَهُ إلَى ذِي الْقِصّةِ حَتّى اتّبَعُوهُ وَسَمِعَ الصّوْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي كُلّ قَبِيلَةٍ أَلَا إنّ الْخَلِيفَةَ قَدْ تَوَجّهَ إلَيْكُمْ الْهَرَبَ الْهَرَبَ حَتّى اتّصَلَ الصّوْتُ مِنْ يَوْمِهِ بِبِلَادِ حِمْيَرَ ، وَكَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ يَلُوحُ الْفَرَقُ فِي التّأَلّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا ، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ حِينَ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمِعْتُك وَأَنْتَ تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِك يَعْنِي فِي صَلَاةِ اللّيْلِ فَقَالَ قَدْ أَسْمَعْت مَنْ نَاجَيْت ، وَقَالَ لِلْفَارُوقِ سَمِعْتُك وَأَنْتَ تَرْفَعُ مِنْ صَوْتِك ، فَقَالَ كَيْ أَطْرُدَ الشّيْطَانَ وَأُوقِظَ الْوَسْنَانَ . قَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيّ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ اُنْظُرُوا إلَى فَضْلِ الصّدّيقِ عَلَى الْفَارُوقِ هَذَا فِي مَقَامِ الْمُجَاهَدَةِ وَهَذَا فِي بِسَاطِ الْمُشَاهَدَةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَقَالَتَهُ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ وَكَذَلِكَ فِي أَمْرِ الصّدَقَةِ حِينَ رَغِبَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيهَا ، فَجَاءَ عُمَرُ بِنِصْفِ مَالِهِ وَجَاءَ الصّدّيقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا أَبْقَيْت لِأَهْلِك قَالَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَكَذَلِكَ فَعَلَهُ فِي قِسْمِ الْفَيْءِ حِينَ سَوّى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ هُمْ إخْوَةٌ أَبُوهُمْ الْإِسْلَامُ فَهُمْ فِي هَذَا الْفَيْءِ أُسْوَةٌ وَأُجُورُ أَهْلِ السّوَابِقِ عَلَى اللّهِ . وَفَضْلُ عُمَرَ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عَلَى حَسَبِ سَوَابِقِهِمْ ثُمّ قَالَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأُسَوّيَنّ بَيْنَ النّاسِ وَأَرَادَ الرّجُوعَ إلَى رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَعَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

مَوْقِفُ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ
[ ص 444 ] قَالَ وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ ، وَهُوَ يُكَلّمُ النّاسَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَرَسُولُ [ ص 445 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُسَجّى فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ عَلَيْهِ بُرْدٌ حِبَرَةٌ فَأَقْبَلَ حَتّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَبّلَهُ ثُمّ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، أَمّا الْمَوْتَةُ الّتِي كَتَبَ اللّهُ عَلَيْك فَقَدْ ذُقْتهَا ، ثُمّ لَنْ تُصِيبَك بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا . قَالَ ثُمّ رَدّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللّهِ ثُمّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَقَالَ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ أَنْصِتْ فَأَبَى إلّا أَنْ يَتَكَلّمَ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يُنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَا يَمُوتُ . قَالَ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ { وَمَا مُحَمّدٌ إِلّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ } [ آلُ عِمْرَانَ : 144 ] . [ ص 446 ] قَالَ فَوَاَللّهِ لَكَانَ النّاسُ لَمْ يَعْلَمُوا أَنّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حَتّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ يَوْمئِذٍ قَالَ وَأَخَذَهَا النّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : قَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا ، فَعَقَرْت حَتّى وَقَعْت إلَى الْأَرْضِ مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ وَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ مَاتَ .
Sمَا حَدَثَ لِلصّحَابَةِ عَقِبَ وَفَاتِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا مِنْ الصّحَابَةِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا [ ص 445 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَلَائِكَةَ دُهِشَ النّاسُ وَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ وَأُقْحِمُوا ، وَاخْتَلَطُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ خُبِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ أُصْمِتَ وَمِنْهُمْ مَنْ أُقْعِدَ إلَى أَرْضٍ فَكَانَ عُمَرُ مِمّنْ خُبِلَ وَجَعَلَ يَصِيحُ وَيَحْلِفُ مَا مَاتَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَ مِمّنْ أُخْرِسَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ حَتّى جَعَلَ يُذْهَبُ بِهِ وَيُجَاءُ وَلَا يَسْتَطِيعُ كَلَامًا ، وَكَانَ مِمّنْ أُقْعِدَ عَلِيّ ، رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَرَاكًا ، وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، فَأُضْنِيَ حَتّى مَاتَ كَمَدًا ، وَبَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ بِالسّنْحِ فَجَاءَ وَعَيْنَاهُ نَهْمُلَانَ وَزَفَرَاتُهُ تَتَرَدّدُ فِي صَدْرِهِ وَغُصَصُهُ تَرْتَفِعُ كَقِطَعِ الْجِرّةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ جَلْدُ الْعَقْلِ وَالْمَقَالَةِ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَكَبّ عَلَيْهِ وَكَشَفَ وَجْهَهُ وَمَسَحَهُ وَقَبّلَ جَبِينَهُ وَجَعَلَ يَبْكِي ، وَيَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي طِبْت حَيّا وَمَيّتًا ، وَانْقَطَعَ لِمَوْتِك مَا لَمْ يَنْقَطِعْ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ النّبُوّةِ فَعَظُمْت عَنْ الصّفّةِ وَجَلَلْت عَنْ الْبُكَاءِ وَخَصَصْت حَتّى صِرْت مَسْلَاةً وَعَمَمْت حَتّى صِرْنَا فِيك سَوَاءً وَلَوْ أَنّ مَوْتَك كَانَ اخْتِيَارًا لَجُدْنَا لِمَوْتِك بِالنّفُوسِ وَلَوْلَا أَنّك نَهَيْت عَنْ الْبُكَاءِ لَأَنْفَدْنَا عَلَيْك مَاءَ الشّؤُونِ فَأَمّا مَا لَا نَسْتَطِيعُ نَفِيَهُ فَكَمَدٌ وَإِدْنَافٌ يَتَحَالَفَانِ لَا يَبْرَحَانِ اللّهُمّ أَبْلِغْهُ عَنّا ، اُذْكُرْنَا يَا مُحَمّدُ عِنْدَ رَبّك ، وَلْنَكُنْ مِنْ بَالِك ، فَلَوْلَا مَا خَلّفْت مِنْ السّكِينَةِ لَمْ نَقُمْ لِمَا خَلّفْت مِنْ الْوَحْشَةِ اللّهُمّ أَبْلِغْ نَبِيّك عَنّا ، وَاحْفَظْهُ فِينَا ، ثُمّ خَرَجَ لَمّا قَضَى النّاسُ غَمَرَاتِهِمْ وَقَامَ خَطِيبًا فِيهِمْ بِخُطْبَةِ جُلّهَا الصّلَاةُ عَلَى النّبِيّ مُحَمّدٍ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَالَ فِيهَا : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَاتَمُ أَنْبِيَائِهِ وَأَشْهَدُ أَنّ الْكِتَابَ كَمَا نَزَلَ وَأَنّ الدّينَ كَمَا شُرِعَ وَأَنّ الْحَدِيثَ كَمَا حُدّثَ وَأَنّ الْقَوْلَ كَمَا قَالَ وَأَنّ اللّهَ هُوَ الْحَقّ الْمُبِينُ فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا ، فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ فَإِنّ اللّهَ حَيّ لَمْ يَمُتْ وَأَنّ اللّهَ قَدْ تَقَدّمَ [ ص 446 ] أَمْرِهِ فَلَا تَدْعُوهُ جَزَعًا ، وَأَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ اخْتَارَ لِنَبِيّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا عِنْدَهُ عَلَى مَا عِنْدَكُمْ وَقَبَضَهُ إلَى ثَوَابِهِ وَخَلّفَ فِيكُمْ كِتَابَهُ وَسُنّةَ نَبِيّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهِمَا عَرَفَ وَمَنْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا أَنْكَرَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ } [ النّسَاءُ 135 ] وَلَا يَشْغَلَنّكُمْ الشّيْطَانُ بِمَوْتِ نَبِيّكُمْ وَلَا يَلْفِتَنّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَعَاجِلُوا الشّيْطَانَ بِالْخِزْيِ تُعْجِزُوهُ وَلَا تَسْتَنْظِرُوهُ فَيَلْحَقَ بِكَمْ . فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ قَالَ يَا عُمَرُ أَأَنْتَ الّذِي بَلَغَنِي عَنْك أَنّك تَقُولُ عَلَى بَابِ نَبِيّ اللّهِ وَاَلّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ مَا مَاتَ نَبِيّ اللّهِ أَمّا عَلِمْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ يَوْمَ كَذَا : كَذَا ، وَكَذَا ، وَقَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي كِتَابِهِ { إِنّكَ مَيّتٌ وَإِنّهُمْ مَيّتُونَ } [ الزّمَرُ 30 ] فَقَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ لَكَأَنّي لَمْ أَسْمَعْ بِهَا فِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى قَبْلَ الْآنَ لَمَا نَزَلَ بِنَا ، أَشْهَدُ أَنّ الْكِتَابَ كَمَا نَزَلَ وَأَنّ الْحَدِيثَ كَمَا حُدّثَ وَأَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيّ لَا يَمُوتُ إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَى رَسُولِهِ وَعِنْدَ اللّهِ نَحْتَسِبُ رَسُولَهُ . وَقَالَ عُمَرُ فِيمَا كَانَ مِنْهُ
لَعَمْرِي لَقَدْ أَيْقَنْت أَنّك مَيّتٌ ... وَلَكِنّمَا أَبْدَى الّذِي قُلْته الْجَزَعْ
وَقُلْت يَغِيبُ الْوَحْيُ عَنّا لِفَقْدِهِ ... كَمَا غَابَ مُوسَى ، ثُمّ يَرْجِعْ كَمَا رَجَعَ
وَكَانَ هَوَايَ أَنْ تَطُولَ حَيَاتُهُ ... وَلَيْسَ لِحَيّ فِي بَقَا مَيّتٍ طَمَعْ
فَلَمّا كَشَفْنَا الْبُرْدَ عَنْ حُرّ وَجْهِهِ ... إذَا الْأَمْرُ بِالْجَزَعِ الْمُوهِبِ قَدْ وَقَعْ
فَلَمْ تَكُ لِي عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حِيلَةٌ ... أَرُدّ بِهَا أَهْلَ الشّمَاتَةِ وَالْقَذَعْ
سِوَى آذَنَ اللّهُ فِي كِتَابِهِ ... وَمَا آذَنَ اللّهُ الْعِبَادَ بِهِ يَقَعْ
وَقَدْ قَلّتْ مِنْ بَعْدِ الْمَقَالَةِ قَوْلَةً ... لَهَا فِي حُلُوقِ الشّامِتِينَ بِهِ بَشَعْ
أَلَا إنّمَا كَانَ النّبِيّ مُحَمّدٌ ... إلَى أَجَلٍ وَافِي بِهِ الْوَقْتُ فَانْقَطَعْ
نَدِينُ عَلَى الْعِلّاتِ مِنّا بِدِينِهِ ... وَنُعْطِي الّذِي أَعْطَى ، وَنَمْنَعُ مَا مَنّعَ
وَوَلّيْت مَحْزُونًا بِعَيْنِ سَخِينَةٍ ... أَكَفْكِفُ دَمْعِي وَالْفُؤَادُ قَدْ انْصَدَعْ
وَقُلْت لِعَيْنِي : كُلّ دَمْعٍ ذَخَرْته ... فَجُودِي بِهِ إنّ الشّجِيّ لَهُ دُفَعْ
وَفِي هَذَا الْخَبَرِ أَنّ عُمَرَ قَالَ فَعَقِرْت إلَى الْأَرْضِ يَعْنِي حِينَ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ مَا قَالَ يُقَالُ عَقِرَ الرّجُلُ إذَا سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ قَامَتِهِ وَحَكَاهُ يَعْقُوبُ عَفَرَ بِالْفَاءِ كَأَنّهُ مِنْ الْعَفَرِ [ ص 447 ] كَيْسَانَ الرّوَايَتَيْنِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَوْ نَزَلَ = بِالْجِبَالِ الصّمّ مَا نَزَلَ بِأَبِي لَهَاضَهَا ، ارْتَدّتْ الْعَرَبُ وَاشْرَأَبّ النّفَاقُ فَمَا [ ص 448 ] طَارَ أَبِي بِحَظّهَا وَغِنَائِهَا ، وَيُرْوَى فِي بُقْطَةٍ بِالْبَاءِ قَالَهُ الْهَرَوِيّ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَفَسّرَهُ بِاللّمْعَةِ وَنَحْوِهَا ، وَاسْتَشْهَدَ بِالْحَدِيثِ فِي النّفْيِ عَنْ بَقْطِ الْأَرْضِ وَهُوَ أَنْ يَقْطَعَ شَجَرَهَا فَتُتّخَذُ بُقَعًا لِلزّرْعِ وَبَقْطُهَا ضَرْبٌ مِنْ الْمُخَابِرَةِ قَدْ فَسّرَهُ .

أَمْرُ سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ
تَفَرّقُ الْكَلِمَةِ
[ ص 447 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْحَازَ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَاعْتَزَلَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ وَانْحَازَ بَقِيّةُ الْمُهَاجِرِينَ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَانْحَازَ مَعَهُمْ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَل ِ فَأَتَى آتٍ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقَالَ إنّ هَذَا الْحَيّ مِنْ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ قَدْ انْحَازُوا إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ بِأَمْرِ النّاسِ حَاجَةٌ فَأَدْرِكُوا قَبْلَ أَنْ يَتَفَاقَمَ أَمْرُهُمْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِهِ لَمْ يُفْرَغْ مِنْ أَمْرِهِ قَدْ أَغْلَقَ دُونَهُ الْبَابَ أَهْلُهُ . قَالَ عُمَرُ فَقُلْت لِأَبِي بَكْرٍ انْطَلِقْ بِنَا إلَى إخْوَانِنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، حَتّى نَنْظُرَ مَا هُمْ عَلَيْهِ .
ابْنُ عَوْفٍ وَمَشُورَتُهُ عَلَى عُمَرَ بِشَأْنِ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِنْ حَدِيثِ السّقِيفَةِ حِينَ اجْتَمَعَتْ بِهَا الْأَنْصَارُ ، أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ ، حَدّثَنِي عَنْ ابْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ قَالَ وَكُنْت فِي مَنْزِلِهِ بِمَنَى أَنْتَظِرُهُ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ فِي آخِرِ حَجّةٍ حَجّهَا عُمَرُ قَالَ فَرَجَعَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ عِنْدِ عُمَرَ فَوَجَدَنِي فِي مَنْزِلِهِ بِمَنَى أَنْتَظِرُهُ وَكُنْت أُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ ، فَقَالَ لِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : لَوْ رَأَيْت رَجُلًا أَتَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَلْ لَك فِي فُلَانٍ يَقُولُ وَاَللّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ لَقَدْ بَايَعْت فُلَانًا ، وَاَللّهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إلّا فَلْتَةً فَتَمّتْ . قَالَ فَغَضِبَ عُمَرُ فَقَالَ إنّي إنْ شَاءَ اللّهُ لَقَائِمٌ الْعَشِيّةَ فِي النّاسِ فَمُحَذّرُهُمْ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَغْصِبُوهُمْ أَمْرَهُمْ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَقُلْت : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا تَفْعَلْ فَإِنّ الْمَوْسِمَ يَجْمَعُ رِعَاعَ النّاسِ وَغَوْغَائِهِمْ وَإِنّهُمْ هُمْ الّذِينَ يَغْلِبُونَ عَلَى قُرْبِك ، حِينَ تَقُومُ فِي النّاسِ وَإِنّي أَخْشَى أَنْ تَقُومَ فَتَقُولُ مَقَالَةً يَطِيرُ بِهَا أُولَئِكَ عَنْك كُلّ مَطِيرٍ وَلَا يَعُوهَا ، وَلَا يَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا ، فَأَمْهِلْ حَتّى تَقْدَمَ الْمَدِينَةَ فَإِنّهَا دَارُ السّنّةِ وَتَخْلُصَ بِأَهْلِ الثّقَةِ وَأَشْرَافِ النّاسِ فَتَقُولَ مَا قُلْت بِالْمَدِينَةِ مُتَمَكّنًا ، فَيَعِي أَهْلُ الْفِقْهِ مَقَالَتَك ، وَيَضَعُوهَا عَلَى مَوَاضِعِهَا ، قَالَ فَقَالَ عُمَرُ أَمَا وَاَللّهِ إنْ شَاءَ اللّهُ لَأَقُومَنّ بِذَلِكَ أَوّلَ مَقَامٍ أَقُومَهُ بِالْمَدِينَةِ [ ص 448 ]
خُطْبَةُ عُمَرَ عِنْدَ بَيْعَةِ أَبِي بَكْرٍ
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فِي عَقِبِ ذِي الْحَجّةِ فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ عَجّلْت الرّوَاحَ حِينَ زَالَتْ الشّمْسُ فَأَجِدُ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ جَالِسًا إلَى رُكْنِ الْمِنْبَرِ فَجَلَسْت حَذْوَهُ تَمَسّ رُكْبَتِي رُكْبَتَهُ فَلَمْ أَنْشَبْ أَنْ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَلَمّا رَأَيْته مُقْبِلًا ، قُلْت لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ لَيَقُولَنّ الْعَشِيّةَ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ مَقَالَةً لَمْ يَقُلْهَا مُنْذُ اُسْتُخْلِفَ قَالَ فَأَنْكَرَ عَلَيّ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ ذَلِكَ وَقَالَ مَا عَسَى أَنْ يَقُولَ مِمّا لَمْ يَقُلْ قَبْلَهُ فَجَلَسَ عُمَرُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمّا سَكَتَ الْمُؤَذّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ أَهْلٌ لَهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ فَإِنّي قَائِلٌ لَكُمْ الْيَوْمَ مَقَالَةً قَدْ قُدّرَ لِي أَنْ أَقُولَهَا ، وَلَا أَدْرِي لَعَلّهَا بَيْنَ يَدَيْ أَجَلِي ، فَمَنْ عَقَلَهَا وَوَعَاهَا فَلْيَأْخُذْ بِهَا حَيْثُ انْتَهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ وَمَنْ خَشِيَ أَنْ لَا يَعِيَهَا فَلَا يَحِلّ لِأَحَدِ أَنْ يَكْذِبَ عَلَيّ إنّ اللّهَ بَعَثَ مُحَمّدًا ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ مِمّا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةَ الرّجْمِ فَقَرَأْنَاهَا وَعَلِمْنَاهَا وَوَعَيْنَاهَا ، وَرَجَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ وَاَللّهِ مَا نَجِدُ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللّهِ فَيَضِلّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللّهُ وَإِنّ الرّجْمَ فِي كِتَابِ اللّهِ حَقّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَإِذَا قَامَتْ الْبَيّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبْلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ ثُمّ إنّا قَدْ كُنّا نَقْرَأُ فِيمَا نَقْرَأُ مِنْ كِتَابِ اللّهِ لَا تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ فَإِنّهُ كُفْرٌ بِكَمْ أَنْ تَرْغَبُوا عَنْ آبَائِكُمْ أَلَا إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا تُطْرُونِي كَمَا أُطْرِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَقُولُوا : عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ ثُمّ إنّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنّ فُلَانًا قَالَ وَاَللّهِ لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ لَقَدْ بَايَعْت فُلَانًا ، فَلَا يَغُرّنّ امْرِئِ أَنْ يَقُولَ إنّ بَيْعَةَ أَبِي بَكْرٍ كَانَتْ فَلْتَةً فَتَمّتْ وَإِنّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ إلّا أَنّ اللّهَ قَدْ وَقَى شَرّهَا ، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تَنْقَطِعُ الْأَعْنَاقُ إلَيْهِ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنّهُ لَا بَيْعَةَ لَهُ هُوَ وَلَا الّذِي بَايَعَهُ تَغِرّةً أَنْ يُقْتَلَا ، إنّهُ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفّى اللّهُ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الْأَنْصَارَ خَالَفُونَا ، فَاجْتَمَعُوا بِأَشْرَافِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، وَتَخَلّفَ عَنّا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ وَمَنْ مَعَهُمَا ، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقُلْت لِأَبِي بَكْرٍ [ ص 449 ] الْأَنْصَارِ ، فَانْطَلَقْنَا نَؤُمّهُمْ حَتّى لَقِينَا مِنْهُمْ رَجُلَانِ صَالِحَانِ فَذَكَرَا لَنَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ وَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ؟ قُلْنَا : نُرِيدُ إخْوَانَنَا هَؤُلَاءِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالَا : فَلَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَقْرَبُوهُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ اقْضُوا أَمْرَكُمْ . قَالَ قُلْت : وَاَللّهِ لَنَأْتِيَنّهُمْ فَانْطَلَقْنَا حَتّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَإِذَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ رَجُلٌ مُزَمّلٌ فَقُلْت : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالُوا : سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَقُلْت : مَا لَهُ ؟ فَقَالُوا : وَجِعٌ . فَلَمّا جَلَسْنَا تَشَهّدَ خَطِيبُهُمْ فَأَثْنَى عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ وَكَتِيبَةُ الْإِسْلَامِ وَأَنْتُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ مِنّا ، وَقَدْ دَفّتْ دَافّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ قَالَ وَإِذَا هُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يَحْتَازُونَا مِنْ أَصْلِنَا ، وَيَغْصِبُونَا الْأَمْرَ فَلَمّا سَكَتَ أَرَدْت أَنْ أَتَكَلّمَ وَقَدْ زُوّرَتْ فِي نَفْسِي مَقَالَةٌ قَدْ أَعْجَبَتْنِي ، أُرِيدُ أَنْ أُقَدّمَهَا بَيْنَ يَدَيْ أَبِي بَكْرٍ وَكُنْت أَدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدّ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ فَكَرِهْت أَنْ أُغْضِبَهُ فَتَكَلّمَ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمُ مِنّي وَأَوْقَرَ فَوَاَللّهِ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي مِنْ تَزْوِيرِي إلّا قَالَهَا فِي بَدِيهَتِهِ أَوْ مِثْلِهَا أَوْ أَفْضَلَ حَتّى سَكَتَ قَالَ أَمّا مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ وَلَنْ تَعْرِفَ الْعَرَبُ هَذَا الْأَمْرَ إلّا لِهَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا ؛ وَقَدْ رَضِيت لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ فَبَايَعُوا أَيّهمَا شِئْتُمْ وَأَخَذَ بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَهُوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا ، وَلَمْ أَكْرَهْ شَيْئًا مِمّا قَالَهُ غَيْرُهَا ، كَانَ وَاَللّهِ أَنْ أَقْدَمَ فَتُضْرَبُ عُنُقِي ، لَا يُقَرّبُنِي ذَلِكَ إلَى إثْمٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ . قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكّكُ وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجّبُ مِنّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ . قَالَ فَكَثُرَ اللّغَطُ وَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ حَتّى تَخَوّفْت الِاخْتِلَافَ فَقُلْت : أَبْسِطْ يَدَك يَا أَبَا بَكْرٍ فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْته ، ثُمّ بَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ ، ثُمّ بَايَعَهُ الْأَنْصَارُ ، وَنَزَوْنَا عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ : قَالَ فَقُلْت : قَتَلَ اللّهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ .
تَعْرِيفُ بِالرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ لَقِيَا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي طَرِيقِهِمَا إلَى السّقِيفَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَ الزّهْرِيّ : أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزّبَيْرِ أَنّ أَحَدَ الرّجُلَيْنِ اللّذَيْنِ لَقَوْا مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ ذَهَبُوا إلَى السّقِيفَةِ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَالْآخَرُ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ أَخُو بَنِي الْعَجْلَانِ . فَأَمّا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ فَهُوَ الّذِي بَلَغَنَا أَنّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ الّذِينَ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لَهُمْ { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبّونَ أَنْ يَتَطَهّرُوا وَاللّهُ يُحِبّ الْمُطّهّرِينَ } [ التّوْبَةُ 108 ] ؟ [ ص 450 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ الْمَرْءُ مِنْهُمْ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَأَمّا مَعْنُ بْنُ عَدِيّ فَبَلَغَنَا أَنّ النّاسَ بَكَوْا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ تَوَفّاهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَقَالُوا : وَاَللّهِ لَوَدِدْنَا أَنّا مُتْنَا قَبْلَهُ إنّا نَخْشَى أَنْ نُفْتَتَنَ بَعْدَهُ . قَالَ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ لَكِنّي وَاَللّهِ مَا أُحِبّ أَنّي مُتّ قَبْلَهُ حَتّى أُصَدّقَهُ مَيّتًا كَمَا صَدّقْته حَيّا ؛ فَقُتِلَ مَعْنٌ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ مُسَيْلِمَةَ الْكَذّابِ .

خُطْبَةُ عُمَرَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ الْبَيْعَةِ عَامّةً
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، قَالَ حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، قَالَ لَمّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ فِي السّقِيفَةِ وَكَانَ الْغَدُ جَلَسَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَامَ عُمَرُ ، فَتَكَلّمَ قَبْلَ أَبِي بَكْرٍ ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّي كُنْت قُلْت لَكُمْ بِالْأَمْسِ مَقَالَةً مَا كَانَتْ مِمّا وَجَدْتهَا فِي كِتَابِ اللّهِ وَلَا كَانَتْ عَهْدًا عَهِدَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنّي قَدْ كُنْت أَرَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيُدَبّرُ أَمْرَنَا ؛ يَقُولُ يَكُونُ آخِرُنَا وَإِنّ اللّهَ قَدْ أَبْقَى فِيكُمْ كِتَابَهُ الّذِي بِهِ هَدَى اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ هَدَاكُمْ اللّهُ لِمَا كَانَ هَدَاهُ لَهُ وَإِنّ اللّهَ قَدْ جَمَعَ أَمْرَكُمْ عَلَى خَيْرِكُمْ صَاحِبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَانِي اثْنَيْنِ إذْ هُمَا فِي الْغَارِ فَقُومُوا فَبَايِعُوهُ فَبَايَعَ النّاسُ أَبَا بَكْرٍ بَيْعَةَ الْعَامّةِ بَعْدَ بَيْعَةِ السّقِيفَةِ .
خُطْبَةُ أَبِي بَكْرٍ
فَتَكَلّمَ أَبُو بَكْرٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِاَلّذِي هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ أَيّهَا النّاسُ فَإِنّي قَدْ وُلّيت عَلَيْكُمْ وَلَسْت بِخَيْرِكُمْ فَإِنْ أَحْسَنْت فَأَعِينُونِي ، وَإِنْ أَسَأْت فَقَوّمُونِي ، الصّدْقُ أَمَانَةٌ وَالْكَذِبُ خِيَانَةٌ وَالضّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيّ عِنْدِي حَتّى أُرِيحَ عَلَيْهِ حَقّهُ إنْ شَاءَ اللّهُ وَالْقَوِيّ فِيكُمْ ضَعِيفٌ عِنْدِي حَتّى آخُذَ الْحَقّ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللّهُ لَا يَدَعُ قَوْمٌ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللّهِ إلّا ضَرَبَهُمْ اللّهُ بِالذّلّ وَلَا تَشِيعُ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطّ إلّا عَمّهُمْ اللّهُ بِالْبَلَاءِ أَطِيعُونِي مَا أَطَعْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِذَا عَصَيْت اللّهَ وَرَسُولَهُ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ . قُومُوا إلَى صَلَاتِكُمْ يَرْحَمْكُمْ اللّهُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ وَاَللّهِ إنّي لَأَمْشِي مَعَ عُمَرَ فِي خِلَافَتِهِ وَهُوَ عَامِدٌ إلَى حَاجَةٍ لَهُ وَفِي يَدِهِ الدّرّةُ وَمَا مَعَهُ [ ص 451 ] قَالَ وَهُوَ يُحَدّثُ نَفْسَهُ وَيَضْرِبُ وَحْشِيّ قَدَمِهِ بِدِرّتِهِ قَالَ إذَا الْتَفَتَ إلَيّ فَقَالَ يَا ابْنَ عَبّاسٍ ، هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ حَمَلَنِي عَلَى مَقَالَتِي الّتِي قُلْت حِينَ تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ قُلْت : لَا أَدْرِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنّهُ وَاَللّهِ إنْ كَانَ الّذِي حَمَلَنِي عَلَى ذَلِكَ إلّا أَنّي كُنْت أَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النّاسِ وَيَكُونَ الرّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [ الْبَقَرَةُ 143 ] ، فَوَاَللّهِ إنْ كُنْت لَأَظُنّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيَبْقَى فِي أُمّتِهِ حَتّى يَشْهَدَ عَلَيْهَا بِآخِرِ أَعْمَالِهَا ، فَإِنّهُ لَلّذِي حَمَلَنِي عَلَى أَنْ قُلْت مَا قُلْت .

جِهَازُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَفْنُهُ
مَنْ تَوَلّى غُسْلَ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا بُويِعَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَقْبَلَ النّاسُ عَلَى جِهَازِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الثّلَاثَاءِ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا : أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَالْفَضْلَ بْنَ الْعَبّاسِ وَقُثَمَ بْنَ الْعَبّاسِ ، وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَشُقْرَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُمْ الّذِينَ وُلّوا غَسْلَهُ وَأَنّ أَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ أَحَدَ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنْشُدُك اللّهَ يَا عَلِيّ وَحَظّنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَوْسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَهْلِ بَدْرٍ قَالَ اُدْخُلْ فَدَخَلَ فَجَلَسَ وَحَضَرَ غُسْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْنَدَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى صَدْرِهِ وَكَانَ الْعَبّاسُ وَالْفَضْلُ وَقُثَمُ يُقَلّبُونَهُ مَعَهُ وَكَانَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَشُقْرَانُ مَوْلَاهُ هُمَا اللّذَانِ يَصُبّانِ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَعَلِيّ يُغَسّلُهُ قَدْ أَسْنَدَهُ إلَى صَدْرِهِ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يُدَلّكُهُ بِهِ مِنْ وَرَائِهِ لَا يُفْضِي بِيَدِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ يَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَطْيَبَك حَيّا وَمَيّتًا وَلَمْ يُرَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْءٌ مِمّا يُرَى مِنْ الْمَيّتِ .
كَيْفَ غُسّلَ الرّسُولُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا أَرَادُوا غَسْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اخْتَلَفُوا فِيهِ . فَقَالُوا : وَاَللّهِ مَا نَدْرِي ، أَنُجَرّدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ثِيَابِهِ كَمَا نُجَرّدُ مَوْتَانَا ، أَوْ نُغَسّلُهُ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ ؟ قَالَتْ فَلَمّا اخْتَلَفُوا أَلْقَى اللّهُ عَلَيْهِمْ النّوْمَ حَتّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا ذَقْنُهُ فِي صَدْرِهِ ثُمّ كَلّمَهُمْ مُكَلّمٌ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ لَا يَدْرُونَ مَنْ هُوَ أَنْ اغْسِلُوا النّبِيّ وَعَلَيْهِ ثِيَابُهُ قَالَتْ فَقَامُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَغَسّلُوهُ وَعَلَيْهِ قَمِيصُهُ يَصُبّونَ الْمَاءَ فَوْقَ الْقَمِيصِ وَيُدَلّكُونَهُ وَالْقَمِيصُ دُونَ أَيْدِيهِمْ
تَكْفِينُ الرّسُولِ
[ ص 452 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُفّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثَوَابِ ثَوْبَيْنِ صَحَارِيّيْنِ وَبُرْدٌ حَبِرَةٌ أُدْرِجَ فِيهَا إدْرَاجًا ، كَمَا حَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَالزّهْرِيّ ، عَنْ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ .
حَفْرُ الْقَبْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ لَمّا أَرَادُوا أَنْ يَحْفِرُوا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ يَضْرَحُ كَحَفْرِ أَهْلِ مَكّةَ ، وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ هُوَ الّذِي يَحْفِرُ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ، فَكَانَ يُلْحَدُ فَدَعَا الْعَبّاسُ رَجُلَيْنِ فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا : اذْهَبْ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَلِلْآخَرِ اذْهَبْ إلَى أَبِي طَلْحَةَ . اللّهُمّ خِرْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَجَدَ صَاحِبُ أَبِي طَلْحَةَ أَبَا طَلْحَةَ فَجَاءَ بِهِ فَلَحَدَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

دَفْنُ الرّسُولِ وَالصّلَاةُ عَلَيْهِ
فَلَمّا فَرَغَ مِنْ جَهَازِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الثّلَاثَاءِ وَضَعَ فِي سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ . فَقَالَ قَائِلٌ نَدْفِنُهُ فِي مَسْجِدِهِ وَقَالَ قَائِلٌ بَلْ نَدْفِنُهُ مَعَ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مَا قُبِضَ نَبِيّ إلّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَض فَرُفِعَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي تُوُفّيَ عَلَيْهِ فَحُفِرَ لَهُ تَحْتَهُ ثُمّ دَخَلَ النّاسُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّونَ عَلَيْهِ أَرْسَالًا ، دَخَلَ الرّجَالُ حَتّى إذَا فَرَغُوا أَدَخَلَ النّسَاءَ حَتّى إذَا فَرَغَ النّسَاءُ أَدَخَلَ الصّبْيَانَ . وَلَمْ يَؤُمّ النّاسَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدٌ . [ ص 453 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَسَطِ اللّيْلِ لَيْلَةَ الْأَرْبِعَاءِ . [ ص 454 ]
دَفْنُ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ امْرَأَتِهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ عُمَارَةَ عَنْ عُمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسَعْدَ بْنِ زُرَارَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : جَوْفُ اللّيْلِ مِنْ لَيْلَةِ الْأَرْبِعَاءِ . [ ص 455 ]
مَنْ تَوَلّى دَفْنَ الرّسُولِ
وَكَانَ الّذِينَ نَزَلُوا فِي قَبْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ ، وَقُثَمُ بْنُ عَبّاسٍ ، وَشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 456 ] قَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَا عَلِيّ ، أَنْشُدُك اللّهَ وَحَظّنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ انْزِلْ فَنَزَلَ مَعَ الْقَوْمِ وَقَدْ كَانَ مَوْلَاهُ شُقْرَانُ حِينَ وُضِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حُفْرَتِهِ وَبَنَى عَلَيْهِ قَدْ أَخَذَ قَطِيفَةً وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَلْبَسُهَا وَيَفْتَرِشُهَا ، دَفَنَهَا فِي الْقَبْرِ وَقَالَ وَاَللّهِ لَا يَلْبَسُهَا أَحَدٌ بَعْدَك أَبَدًا . قَالَ فَدُفِنَتْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
Sكَيْفَ صُلّيَ عَلَى جِنَازَتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ
[ ص 452 ] ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ أَنّ الْمُسْلِمِينَ صَلّوْا عَلَيْهِ أَفْذَاذًا ، لَا يَؤُمّهُمْ أَحَدٌ ، كُلّمَا جَاءَتْ طَائِفَةٌ صَلّتْ عَلَيْهِ وَهَذَا خُصُوصٌ بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَكُونُ هَذَا الْفِعْلُ إلّا عَنْ تَوْقِيفٍ وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّهُ أَوْصَى بِذَلِكَ ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ مُسْنَدًا ، وَوَجْهُ الْفِقْهِ فِيهِ أَنّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى افْتَرَضَ [ ص 453 ] { صَلّوا عَلَيْهِ وَسَلّمُوا تَسْلِيمًا } [ الْأَحْزَابُ : 56 ] وَحُكْمُ هَذِهِ الصّلَاةِ الّتِي تَضَمّنَتْهَا الْآيَةُ أَلّا تَكُونَ بِإِمَامِ وَالصّلَاةُ عَلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ دَاخِلَةٌ فِي لَفْظِ الْآيَةِ وَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لَهَا ، وَلِلصّلَاةِ عَلَيْهِ عَلَى كُلّ حَالٍ وَأَيْضًا فَإِنّ الرّبّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، قَدْ أَخْبَرَهُ أَنّهُ يُصَلّي عَلَيْهِ وَمَلَائِكَتُهُ فَإِذَا كَانَ الرّبّ تَعَالَى هُوَ الْمُصَلّي وَالْمَلَائِكَةُ قَبْلَ الْمُؤْمِنِينَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْمُؤْمِنِينَ تَبَعًا لِصَلَاةِ الْمَلَائِكَةِ وَأَنْ تَكُونَ الْمَلَائِكَةُ هُمْ الْإِمَامُ وَالْحَدِيثُ الّذِي ذَكَرْته عَنْ الطّبَرِيّ فِيهِ طُولٌ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَزّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُرّةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَفِيهِ أَنّهُ حِينَ جَمَعَ أَهْلَهُ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - أَنّهُمْ قَالُوا : فَمَنْ يُصَلّي عَلَيْك يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ فَهَلّا غَفَرَ اللّهُ لَكُمْ وَجَزَاكُمْ عَنْ نَبِيّكُمْ خَيْرًا ، فَبَكَيْنَا وَبَكَى النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ إذَا غَسّلْتُمُونِي ، وَكَفّنْتُمُونِي ، فَضَعُونِي عَلَى سَرِيرِي فِي بَيْتِي هَذَا عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي ، ثُمّ اُخْرُجُوا عَنّي سَاعَةً فَإِنّ أَوّلَ مَنْ يُصَلّي عَلَيّ جَلِيسِي وَخَلِيلِي جِبْرِيلُ ثُمّ مِيَكَائِيلُ ثُمّ إسْرَافِيلُ ثُمّ مَلَكُ الْمَوْتِ مَعَ جُنُودِهِ ثُمّ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْمَعِهَا ، ثُمّ اُدْخُلُوا عَلَيّ فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ فَصَلّوا عَلَيّ وَسَلّمُوا ، تَسْلِيمًا ، وَلَا تُؤْذُونِي بِتَزْكِيَةِ وَلَا ضَجّةٍ وَلَا رَنّةٍ وَلْيَبْدَأْ بِالصّلَاةِ عَلَيّ رِجَالُ بَيْتِي ثُمّ نِسَاؤُهُمْ وَأَنْتُمْ بَعْدُ أَقْرِئُوا أَنَفْسَكُمْ السّلَامَ مِنّي ، وَمَنْ غَابَ مِنْ أَصْحَابِي فَأَقْرِئُوهُ مِنّي السّلَامَ وَمَنْ تَابِعَكُمْ بَعْدِي عَلَى دِينِي ، فَأَقْرِئُوهُ مِنّي السّلَامَ فَإِنّي أُشْهِدُكُمْ أَنّي قَدْ سَلّمْت عَلَى مَنْ تَابَعَنِي عَلَى دِينِي مِنْ الْيَوْمِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " ، قُلْت : فَمَنْ يُدْخِلْك قَبْرَك يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ " أَهْلِي مَعَ مَلَائِكَةٍ كَثِيرٍ يَرَوْنَكُمْ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ

أَحْدَثُ النّاسِ عَهْدًا بِالرّسُولِ
وَقَدْ كَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ يَدّعِي أَنّهُ أَحْدَثُ النّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ أَخَذْت خَاتَمِي ، فَأَلْقَيْته فِي الْقَبْرِ ، وَقُلْت : إنّ خَاتَمِي سَقَطَ مِنّي ، وَإِنّمَا طَرَحْته عَمْدًا لِأَمَسّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَكُونُ أَحْدَثَ النّاسِ عَهْدًا بِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ ، عَنْ مِقْسَمٍ ، أَبِي الْقَاسِمِ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ ، عَنْ مَوْلَاهُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، قَالَ اعْتَمَرْت مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِ فِي زَمَانِ عُمَرَ أَوْ زَمَانِ عُثْمَانَ فَنَزَلَ عَلَى أُخْتِهِ أُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ [ ص 457 ] دَخَلَ عَلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَقَالُوا : يَا أَبَا حَسَنٍ جِئْنَا نَسْأَلُك عَنْ أَمْرٍ نُحِبّ أَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ ؟ قَالَ أَظُنّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يُحَدّثُكُمْ أَنّهُ كَانَ أَحْدَثَ النّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالُوا : أَجَلْ عَنْ ذَلِكَ جِئْنَا نَسْأَلُك ، قَالَ كَذَبَ قَالَ أَحْدَثُ النّاسِ عَهْدًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُثَمُ بْنُ عَبّاسٍ .
خَمِيصَةُ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنّ عَائِشَةَ حَدّثَتْهُ قَالَتْ كَانَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ حِينَ اشْتَدّ بِهِ وَجَعُهُ قَالَتْ فَهُوَ يَضَعُهَا مَرّةً عَلَى وَجْهِهِ وَمَرّةً يَكْشِفُهَا عَنْهُ وَيَقُولُ قَاتَلَ اللّهُ قَوْمًا اتّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذّرُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أُمّتِهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ آخِرَ مَا عَهِدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ قَالَ لَا يَتْرُكُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ دِينَانِ

افْتِتَانُ الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ مَوْت الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَظُمَتْ بِهِ مُصِيبَةُ الْمُسْلِمِينَ فَكَانَتْ عَائِشَةُ فِيمَا بَلَغَنِي ، تَقُولُ لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْتَدّتْ الْعَرَبُ ، وَاشْرَأَبّتْ الْيَهُودِيّةُ والنصرانية ، وَنَجَمَ النّفَاقُ وَصَارَ الْمُسْلِمُونَ كَالْغَنَمِ الْمَطِيرَةُ فِي اللّيْلَةِ الشّاتِيَةِ لِفَقْدِ نَبِيّهِمْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى جَمَعَهُمْ اللّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ أَكْثَرَ أَهْلِ مَكّةَ لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَمّوا بِالرّجُوعِ عَنْ الْإِسْلَامِ وَأَرَادُوا ذَلِكَ حَتّى خَافَهُمْ عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ ، فَتَوَارَى ، فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ ذَكَرَ وَفَاةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ الْإِسْلَامَ إلّا قُوّةً ، فَمَنْ رَابَنَا ضَرَبْنَا عُنُقَهُ فَتَرَاجَعَ النّاسُ وَكَفَوْا عَمّا هَمّوا بِهِ وَظَهَرَ عَتّابُ بْنُ أَسِيدٍ . فَهَذَا الْمَقَامُ الّذِي أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِهِ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ إنّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمّهُ
Sمَوْتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ خَطْبًا كَالِحًا
فَصْلٌ
وَكَانَ مَوْتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ خَطْبًا كَالِحًا ، وَرُزْءًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ فَادِحًا ، كَادَتْ تُهَدّ لَهُ الْجِبَالُ وَتَرْجُفُ الْأَرْضُ وَتَكْسِفُ النّيّرَاتُ لِانْقِطَاعِ خَبَرِ السّمَاءِ وَفَقَدَ مَنْ لَا عِوَضَ مِنْهُ مَعَ مَا آذَنَ بِهِ مَوْتُهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - مِنْ الْفِتَنِ السّحْمِ وَالْحَوَادِثِ الْوُهُمِ وَالْكُرَبِ الْمُدْلَهِمّةِ وَالْهَزَاهِزِ الْمُضْلِعَةِ فَلَوْلَا مَا أَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ السّكِينَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَسْرَجَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ نُورِ الْيَقِينِ وَشَرَحَ لَهُ صُدُورَهُمْ مِنْ فَهْمِ كِتَابِهِ الْمُبِينِ لَانْقَصَمَتْ الظّهُورُ وَضَاقَتْ عَنْ الْكُرَبِ الصّدُورُ وَلَعَاقَهُمْ الْجَزَعُ عَنْ تَدْبِيرِ الْأُمُورِ فَقَدْ كَانَ الشّيْطَانُ أَطْلَعَ إلَيْهِمْ رَأْسَهُ وَمَدّ إلَى إغْوَائِهِمْ مَطَامِعَهُ فَأَوْقَدَ نَارَ الشّنَآنِ وَنَصَبَ رَايَةَ الْخِلَافِ وَلَكِنْ أَبَى اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إلّا أَنْ يُتِمّ نُورَهُ وَيُعْلِي كَلِمَتَهُ وَيُنْجِزَ مَوْعُودَهُ فَأَطْفَأَ نَارَ الرّدّةِ وَحَسَمَ قَادَةَ الْخِلَافِ وَالْفِتْنَةِ عَلَى يَدِ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَلِذَلِكَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : لَوْلَا أَبُو بَكْرٍ لَهَلَكَتْ أُمّةُ مُحَمّدٍ عَلَيْهِ السّلَامُ بَعْدَ نَبِيّهَا [ ص 454 ] كَانَ مِنْ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمئِذٍ مِنْ النّاسِ إذَا أَشْرَفُوا عَلَيْهَا سَمِعُوا لِأَهْلِهَا ضَجِيجًا ، وَلِلْبُكَاءِ فِي جَمِيعِ أَرْجَائِهَا عَجِيجًا ، حَتّى صَحِلَتْ الْحُلُوقُ وَنَزَفَتْ الدّمُوعُ وَحُقّ لَهُمْ ذَلِكَ وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي ذُؤَيْبٍ الْهُذَلِيّ وَاسْمُهُ خُوَيْلِدُ بْنُ خَالِدٍ وَقِيلَ ابْنُ مُحَرّثٍ قَالَ بَلَغَنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيلٌ فَاسْتَشْعَرْت حُزْنًا وَبِتّ بِأَطْوَلِ لَيْلَةٍ لَا يَنْجَابُ دَيْجُورُهَا ، وَلَا يَطْلُعُ نُورُهَا ، فَظَلِلْت أُقَاسِي طُولَهَا ، حَتّى إذَا كَانَ قُرْبُ السّحَرِ أَغْفَيْت ، فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ وَهُوَ يَقُولُ
خَطْبٌ أَجَلّ أَنَاخَ بِالْإِسْلَامِ ... بَيْنَ النّخِيلِ وَمَعْقِدِ الْآطَامِ
قُبِضَ النّبِيّ مُحَمّدٌ فَعُيُونُنَا ... تُذْرِي الدّمُوعَ عَلَيْهِ بِالتّسْجَامِ
قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ : فَوَثَبْت مِنْ نُوُمِي فَزِعًا ، فَنَظَرْت إلَى السّمَاءِ فَلَمْ أَرَ إلّا سَعْدَ الذّابِحِ فَتَفَاءَلْت بِهِ ذَبْحًا يَقَعُ فِي الْعَرَبِ ، وَعَلِمَتْ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ قُبِضَ وَهُوَ مَيّتٌ مِنْ عِلّتِهِ فَرَكِبْت نَاقَتِي وَسِرْت ، فَلَمّا أَصْبَحْت طَلَبْت شَيْئًا أَزْجُرُ بِهِ فَعَنّ لِي شَيْهَمٌ يَعْنِي : الْقُنْفُذَ قَدْ قُبِضَ عَلَى صِلّ يَعْنِي : الْحَيّةَ فَهِيَ تَلْتَوِي عَلَيْهِ وَالشّيْهَمُ يَقْضِمُهَا حَتّى أَكَلَهَا ، فَزَجَرْت ذَلِكَ وَقُلْت : شَيْهَمٌ شَيْءٌ مُهِمّ ، وَالْتِوَاءُ الصّلّ الْتِوَاءُ النّاسِ عَنْ الْحَقّ عَلَى الْقَائِمِ بَعْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ أَكْلُ الشّيْهَمِ إيّاهَا غَلَبَةُ الْقَائِمِ بَعْدَهُ عَلَى الْأَمْرِ . فَحَثَثْت نَاقَتِي ، حَتّى إذَا كُنْت بِالْغَابَةِ زَجَرْت الطّائِرَ فَأَخْبَرَنِي بِوَفَاتِهِ وَنَعَبَ غُرَابٌ سَانِحٌ فَنَطَقَ مِثْلَ ذَلِكَ فَتَعَوّذَتْ بِاَللّهِ مِنْ شَرّ مَا عَنْ لِي فِي طَرِيقِي ، وَقَدِمْت الْمَدِينَةَ وَلَهَا ضَجِيجٌ بِالْبُكَاءِ كَضَجِيجِ الْحَجِيجِ إذَا أَهَلّوا بِالْإِحْرَامِ فَقُلْت : مَهْ ؟ فَقَالُوا : قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجِئْت الْمَسْجِدَ فَوَجَدْته خَالِيًا ، فَأَتَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَصَبْت بَابَهُ مُرْتَجّا ، وَقِيلَ هُوَ مُسَجّى فَدَخَلَا بِهِ أَهْلُهُ فَقُلْت : أَيْنَ النّاسُ ؟ فَقِيلَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ ، صَارُوا إلَى الْأَنْصَارِ ، فَجِئْت إلَى السّقِيفَةِ فَأَصَبْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَسَالِمًا وَجَمَاعَةً مِنْ قُرَيْشٍ ، وَرَأَيْت الْأَنْصَارَ فِيهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَفِيهِمْ شُعَرَاؤُهُمْ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَكَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَمَلَأٌ مِنْهُمْ فَآوَيْت إلَى قُرَيْشٍ ، وَتَكَلّمَتْ الْأَنْصَارُ ، فَأَطَالُوا الْخِطَابَ وَأَكْثَرُوا الصّوَابَ وَتَكَلّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَلِلّهِ دَرّهُ مِنْ رَجُلٍ لَا يُطِيلُ الْكَلَامَ وَيَعْلَمُ مَوَاضِعَ فَصْلِ الْخِطَابِ وَاَللّهِ لَقَدْ تَكَلّمَ بِكَلَامِ لَا يَسْمَعُهُ سَامِعٌ إلّا انْقَادَ لَهُ وَمَالَ إلَيْهِ ثُمّ تَكَلّمَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بَعْدَهُ دُونَ كَلَامِهِ وَمَدّ يَدَهُ فَبَايَعَهُ وَبَايَعُوهُ وَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ وَرَجَعْت مَعَهُ . قَالَ أَبُو ذُؤَيْبٍ : فَشَهِدْت الصّلَاةَ عَلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَهِدْت [ ص 455 ] ذُؤَيْبٍ يَبْكِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
لَمّا رَأَيْت النّاسَ فِي عَسَلَانِهِمْ ... مِنْ بَيْنِ مَلْحُودٍ لَهُ وَمُضَرّحِ
مُتَبَادِرِينَ لِشَرْجَعِ بِأَكُفّهِمْ ... نَصّ الرّقَابِ لِفَقْدِ أَبْيَضَ أَرْوَحِ
فَهُنَاكَ صِرْت إلَى الْهُمُومِ وَمَنْ يَبِتْ ... جَارَ الْهُمُومُ يَبِيتُ غَيْرَ مُرَوّحِ
كَسَفْت لِمَصْرَعِهِ النّجُومُ وَبَدْرُهَا ... وَتَزَعْزَعَتْ آطَامُ بَطْنِ الْأَبْطَحِ
وَتَزَعْزَعَتْ أَجْبَالُ يَثْرِبَ كُلّهَا ... وَنَخِيلُهَا لِحُلُولِ خَطْبٍ مُفْدِحِ
وَلَقَدْ زَجَرْت الطّيْرَ قَبْلَ وَفَاتِهِ ... بِمُصَابِهِ وَزَجَرْت سَعْدَ الْأَذْبَحِ
وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَرِقْت فَبَاتَ لَيْلِي لَا يَزُولُ ... دَلِيلُ أَخِي الْمُصِيبَةِ فِيهِ طُولُ
وَأَسْعَدَنِي الْبُكَاءُ وَذَاكَ فِيمَا ... أُصِيبَ الْمُسْلِمُونَ بِهِ قَلِيلُ
لَقَدْ عَظُمَتْ مُصِيبَتُنَا وَجَلّتْ ... عَشِيّةَ قِيلَ قَدْ قُبِضَ الرّسُولُ
وَأَضْحَتْ أَرْضُنَا مِمّا عَرَاهَا ... تَكَادُ بِنَا جَوَانِبُهَا تَمِيلُ
فَقَدْنَا الْوَحْيَ وَالتّنْزِيلَ فِينَا ... يَرُوحُ بِهِ وَيَغْدُو جَبْرَئِيلُ
وَذَاكَ أَحَقّ مَا سَأَلَتْ عَلَيْهِ ... نَفُوسُ النّاسِ أَوْ كَرَبَتْ تَسِيلُ
نَبِيّ كَانَ يَجْلُو الشّكّ عَنّا ... بِمَا يُوحَى إلَيْهِ وَمَا يَقُولُ
وَيَهْدِينَا فَلَا نَخْشَى ضَلَالًا ... عَلَيْنَا وَالرّسُولُ لَنَا دَلِيلُ
أَفَاطِمُ إنْ جَزِعْت فَذَاكَ عُذْرٌ ... وَإِنْ لَمْ تَجْزَعِي ، ذَاكَ السّبِيلُ
فَقَبْرُ أَبِيك سَيّدُ كُلّ قَبْرٍ ... وَفِيهِ سَيّدُ النّاسِ الرّسُولُ
وَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُفِنَ وَرَجَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ إلَى رِحَالِهِمْ وَرَجَعَتْ فَاطِمَةُ إلَى بَيْتِهَا اجْتَمَعَ إلَيْهَا نِسَاؤُهَا ، فَقَالَتْ
اغْبَرّ آفَاقُ السّمَاءِ وَكُوّرَتْ ... شَمْسُ النّهَارِ وَأَظْلَمَ الْعَصْرَانِ
فَالْأَرْضُ مِنْ بَعْدِ النّبِيّ كَئِيبَةٌ ... أَسَفًا عَلَيْهِ كَثِيرَةَ الرّجَفَانِ
[ ص 456 ] ... وَلْتَبْكِهِ مُضَرُ وَكُلّ يَمَانِ
وَلْيَبْكِهِ الطّوْدُ الْمُعَظّمُ جَوّهُ ... وَالْبَيْتُ ذُو الْأَسْتَارِ وَالْأَرْكَانُ
يَا خَاتَمَ الرّسُلِ الْمُبَارَكِ ضَوْءُهُ ... صَلّى عَلَيْك مُنَزّلُ الْقُرْآنِ
[ نَفْسِي فَدَاؤُك مَا لِرَأْسِك مَاثِلًا ... مَا وَسّدُوك وِسَادَةَ الْوَسْنَانِ ]
الِاخْتِلَافُ فِي كَفَنِهِ
فَصْلٌ
وَأَمّا الِاخْتِلَافُ فِي كَفَنِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ كَمْ ثَوْبًا كَانَ وَفِي الّذِينَ أَدَخَلُوهُ قَبْرَهُ وَنَزَلُوا فِيهِ فَكَثِيرٌ وَأَصَحّ مَا رُوِيَ فِي كَفَنِهِ أَنّهُ كُفّنَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سُحُولِيّةٍ وَكَانَتْ تِلْكَ الْأَثْوَابُ مِنْ كُرْسُفٍ وَكَذَلِكَ قَمِيصُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ مِنْ قُطْنٍ ، وَوَقَعَ فِي السّيرَةِ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ أَنّهَا كَانَتْ إزَارًا وَرِدَاءً وَلِفَافَةً وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي الشّرُوحَاتِ وَكَانَتْ اللّبَنُ الّتِي نُضّدَتْ عَلَيْهِ فِي قَبْرِهِ تِسْعَ لَبَنَاتٍ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ أَلْحَدَهُ شُقْرَانُ مَوْلَاهُ وَاسْمُهُ صَالِحٌ وَشَهِدَ بَدْرًا ، وَهُوَ عَبْدٌ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ انْقَرَضَ عَقِبُهُ فَلَا عَقِبَ لَهُ . [ ص 457 ]

شِعْرُ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ فِي مَرْثِيّتِهِ الرّسُولَ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا حَدّثَنَا ابْنُ هِشَامٍ ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ
بِطَيْبَةَ رَسْمٌ لِلرّسُولِ وَمَعْهَدٌ ... مُنِيرٌ وَقَدْ تَعْفُو الرّسُومُ وَتَهْمُدُ
وَلَا تَمْتَحِي الْآيَاتُ مِنْ دَارِ حُرْمَةٍ ... بِهَا مِنْبَرُ الْهَادِي الّذِي كَانَ يَصْعَدُ
وَوَاضِحُ آثَارٍ وَبَاقِي مَعَالِمِ ... وَرَبْعٌ لَهُ فِيهِ مُصَلّى وَمَسْجِدُ
بِهَا حُجُرَاتٌ كَانَ يَنْزِلُ وَسَطَهَا ... مِنْ اللّهِ نُورٌ يُسْتَضَاءُ وَيُوقَدُ
مَعَارِفُ لَمْ تُطْمَسْ عَلَى الْعَهْدِ آيُهَا ... أَتَاهَا الْبِلَى فَالْآيُ مِنْهَا تَجَدّدُ
عَرَفْت بِهَا رَسْمَ الرّسُولِ وَعَهْدَهُ ... وَقَبْرًا بِهَا وَارَاهُ فِي التّرْبِ مُلْحِدُ
ظَلِلْت بِهَا أَبْكِي الرّسُولَ فَأَسْعَدَتْ ... عُيُونٌ وَمِثْلَاهَا مِنْ الْجَفْنِ تُسْعَدُ
يُذَكّرْنَ آلَاءَ الرّسُولِ وَمَا أَرَى ... لَهَا مُحْصِيًا نَفْسِي فَنَفْسِي تَبَلّدُ
مُفَجّعَةً قَدْ شَفّهَا فَقْدُ أَحْمَدَ ... فَظَلّتْ لِآلَاءِ الرّسُولِ تُعَدّدُ
وَمَا بَلَغَتْ مِنْ كُلّ أَمْرٍ عَشِيرُهُ ... وَلَكِنْ لِنَفْسِي بَعْدَ مَا قَدْ تُوجَدُ
أَطَالَتْ وُقُوفًا تَذْرِفُ الْعَيْنَ جُهْدُهَا ... عَلَى طَلَلِ الّذِي فِيهِ أَحْمَدُ
فَبُورِكَتْ يَا قَبْرَ الرّسُولِ وَبُورِكَتْ ... بِلَادٌ ثَوَى فِيهَا الرّشِيدُ الْمُسَدّدُ
وَبُورِكَ لَحْدٌ مِنْك ضُمّنَ طَيّبًا ... عَلَيْهِ بِنَاءٌ مِنْ صَفِيحٍ مُنَضّدِ
تَهِيلُ عَلَيْهِ التّرْبَ أَيْدٍ وَأَعْيُنٍ ... عَلَيْهِ وَقَدْ غَارَتْ بِذَلِكَ أَسْعُدُ
لَقَدْ غَيّبُوا حُلْمًا وَعِلْمًا وَرَحْمَةً ... عَشِيّةَ عَلَوْهُ الثّرَى لَا يُوَسّدُ
وَرَاحُوا بِحُزْنِ لَيْسَ فِيهِمْ نَبِيّهُمْ ... وَقَدْ وَهَنَتْ مِنْهُمْ ظُهُورٌ وَأَعْضُدُ
[ ص 459 ] تَبْكِي السّمَاوَاتُ يَوْمَهُ ... وَمَنْ قَدْ بَكَتْهُ الْأَرْضُ فَالنّاسُ أَكْمَدُ
وَهَلْ عَدَلَتْ يَوْمًا رَزِيّةُ هَالِكٍ ... رَزِيّةَ يَوْمٍ مَاتَ فِيهِ مُحَمّدُ
تَقَطّعَ فِيهِ مَنْزِلُ الْوَحْيِ عَنْهُمْ ... وَقَدْ كَانَ ذَا نُورٍ يَغُورُ وَيَنْجَدُ
يَدُلّ عَلَى الرّحْمَنِ مَنْ يَقْتَدِي بِهِ ... وَيُنْقِذُ مِنْ هَوْلِ الْخَزَايَا وَيُرْشَدُ
إمَامٌ لَهُمْ يَهْدِيهِمْ الْحَقّ جَاهِدًا ... مُعَلّمُ صِدْقٍ إنْ يُطِيعُوهُ يُسْعَدُوا
عَفُوّ عَنْ الزّلّاتِ يَقْبَلُ عُذْرَهُمْ ... وَإِنْ يُحْسِنُوا فَاَللّهُ بِالْخَيْرِ أَجْوَدُ
وَإِنْ نَابَ أَمْرٌ لَمْ يَقُومُوا بِحَمْلِهِ ... فَمِنْ عِنْدَهُ تَيْسِيرُ مَا يَتَشَدّدُ
فَبَيْنَا هُمْ فِي نِعْمَةِ اللّهِ بَيْنَهُمْ ... دَلِيلٌ بِهِ نَهْجُ الطّرِيقَةِ يُقْصَدُ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجُورُوا عَنْ الْهُدَى ... حَرِيصٌ عَلَى أَنْ يَسْتَقِيمُوا وَيَهْتَدُوا
عُطُوفٌ عَلَيْهِمْ لَا يُثْنَى جَنَاحُهُ ... إلَى كَنَفٍ يَحْنُو عَلَيْهِمْ وَيَمْهَدُ
فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ النّورِ إذْ غَدَا ... إلَى نُورِهِمْ سَهْمٌ مِنْ الْمَوْتِ مُقْصِدُ
فَأَصْبَحَ مَحْمُودًا إلَى اللّهِ رَاجِعًا ... يَبْكِيهِ حَقّ الْمُرْسَلَاتِ وَيُحْمَدُ
وَأَمْسَتْ بِلَادُ الْحَرَمِ وَحْشًا بِقَاعِهَا ... لِغَيْبَةِ مَا كَانَتْ مِنْ الْوَحْيِ تَعْهَدُ
قِفَارًا سِوَى مَعْمُورَةِ اللّحْدِ ضَافَهَا ... فَقِيدٌ يَبْكِيهِ بَلَاطٌ وَغَرْقَدُ
وَمَسْجِدُهُ فَالْمُوحِشَاتُ لِفَقْدِهِ ... خَلَاءٌ لَهُ فِيهِ مَقَامٌ وَمَقْعَدُ
وَبِالْجَمْرَةِ الْكُبْرَى لَهُ ثُمّ أَوْحَشَتْ ... دِيَارٌ وَعَرْصَاتٌ وَرَبْعٌ وَمَوْلِدُ
فَبَكّى رَسُولَ اللّهِ يَا عَيْنُ عَبْرَةً ... وَلَا أَعْرِفَنّكِ الدّهْرَ دَمْعُك يَجْمُدُ
وَمَا لَك لَا تَبْكِينَ ذَا النّعْمَةِ الّتِي ... عَلَى النّاسِ مِنْهَا سَابِغٌ يَتَغَمّدُ
فَجُودِي عَلَيْهِ بِالدّمُوعِ وَأَعْوِلِي ... لِفَقْدِ الّذِي لَا مِثْلَهُ الدّهْرُ يُوجَدُ
وَمَا فَقَدَ الْمَاضُونَ مِثْلَ مُحَمّدٍ ... وَلَا مِثْلُهُ حَتّى الْقِيَامَةِ يُفْقَدُ
أَعَفّ وَأَوْفَى ذِمّةً ... بَعْدَ ذِمّةٍ وَأَقْرَبَ مِنْهُ نَائِلًا لَا يُنَكّدُ
وَأَبْذَلَ مِنْهُ لِلطّرِيفِ وَتَالِدٍ ... إذَا ضَنّ مِعْطَاءٌ بِمَا كَانَ يُتْلَدُ
وَأَكْرَمَ صِيتًا فِي الْبُيُوتِ إذَا انْتَمَى ... وَأَكْرَمَ جَدّا أَبْطَحِيّا يُسَوّدُ
وَأَمْنَعَ ذَرَوَاتٍ وَأَثْبَتَ فِي الْعُلَا ... دَعَائِمُ عِزّ شَاهِقَاتٌ تُشَيّدُ
وَأَثْبَتَ فَرْعًا فِي الْفُرُوعِ وَمَنْبَتًا ... وَعُودًا غَذّاهُ الْمُزْنُ فَالْعُودُ أَغْيَدُ
[ ص 460 ] رَبّاهُ وَلَيَدًا فَاسْتَتَمّ تَمَامُهُ ... عَلَى أَكْرَمِ الْخَيْرَاتِ رَبّ مُمَجّدُ
تَنَاهَتْ وَصَاةُ الْمُسْلِمِينَ بِكَفّهِ ... فَلَا الْعِلْمُ مَحْبُوسٌ وَلَا الرّأْيُ يُفْنَدُ
أَقُولُ وَلَا يَلْقَى لِقَوْلِي عَائِبُ ... مِنْ النّاسِ إلّا عَازِبُ الْعَقْلِ مُبْعَدُ
وَلَيْسَ هَوَايَ نَازِعًا عَنْ ثَنَائِهِ ... لَعَلّي بِهِ فِي جَنّةِ الْخُلْدِ أُخْلَدُ
مَعَ الْمُصْطَفَى أَرْجُو بِذَاكَ جِوَارَهُ ... وَفِي نَيْلِ ذَاكَ الْيَوْمِ أَسْعَى وَأَجْهَدُ
S[ ص 458 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَرَاثِيَ حَسّانَ فِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَشْكُلُ فَنَشْرَحُهُ وَقَدْ رَثَاهُ كَثِيرٌ مِنْ الشّعَرَاءِ وَغَيْرُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ أَفْحَمَهُمْ الْمُصَابُ عَنْ الْقَوْلِ وَأَعْجَزَتْهُمْ الصّفَةُ عَنْ التّأْبِينِ وَلَنْ يَبْلُغَ بِالْإِطْنَابِ فِي مَدْحٍ وَلَا رِثَاءٍ فِي كُنْهِ مَحَاسِنَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ وَلَا قَدْرَ مُصِيبَةٍ فَقَدَهُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فَصَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ صَلَاةً تَتّصِلُ مَدَى اللّيَالِي وَالْأَيّامِ وَأَحَلّهُ أَعَلَى مَرَاتِبِ الرّحْمَةِ وَالرّضْوَانِ وَالْإِكْرَامِ وَجَزَاهُ عَنّا أَفْضَلَ مَا جَزَى بِهِ نَبِيّا عَنْ أُمّتِهِ وَلَا خَالَفَ بِنَا عَنْ مِلّته ، إنّهُ وَلِيّ الطّولِ وَالْفَضْلِ وَالْإِنْعَامِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلُ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ .

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، يَبْكِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَا بَالُ عَيْنِك لَا تَنَامُ كَأَنّمَا ... كَحَلَتْ مَآقِيُهَا بِكُحْلِ الْأَرْمَدِ
جَزَعًا عَلَى الْمَهْدِيّ أَصْبَحَ ثَاوِيًا ... يَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ الْحَصَى لَا تَبْعَدْ
وَجْهِي يَقِيك التّرْبَ لَهْفِي لَيْتَنِي ... غُيّبْت قَبْلَك فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ
بِأَبِي وَأُمّي مَنْ شَهِدْت وَفَاتَهُ ... فِي يَوْمِ الِاثْنَيْنِ النّبِيّ الْمُهْتَدِي
فَظَلِلْت بَعْدَ وَفَاتِهِ مُتَبَلّدًا ... مُتَلَدّدًا يَا لَيْتَنِي لَمْ أُولَدْ
أَأُقِيمُ بَعْدَك بِالْمَدِينَةِ بَيْنَهُمْ ... يَا لَيْتَنِي صُبّحْت سُمّ الْأَسْوَدِ
أَوْ حَلّ أَمْرُ اللّهِ فِينَا عَاجِلًا ... فِي رَوْحَةٍ مِنْ يَوْمِنَا أَوْ مِنْ غَدٍ
فَتَقُومُ سَاعَتَنَا فَنَلْقَى طَيّبًا ... مَحْضًا ضَرَائِبُهُ كَرِيمُ الْمَحْتِدِ
يَا بِكْرَ آمِنَةَ الْمُبَارَكَ بِكْرُهَا ... وَلَدَتْهُ مُحْصَنَةٌ بِسَعْدِ الْأَسْعَدِ
نُورًا أَضَاءَ عَلَى الْبَرّيّةِ كُلّهَا ... مَنْ يُهْدَ لِلنّورِ الْمُبَارَكِ يَهْتَدِي
يَا رَبّ فَاجْمَعْنَا مَعًا وَنَبِيّنَا ... فِي جَنّةٍ تَثْنِنِي عُيُونَ الْحُسّدِ
فِي جَنّةِ الْفِرْدَوْسِ فَاكْتُبْهَا لَنَا ... يَا ذَا الْجَلَالِ وَذَا الْعُلَا وَالسّوْدُدِ
وَاَللّهِ أَسْمَع مَا بَقِيت بِهَالِك ... إلّا بِكَيْت عَلَى النّبِيّ مُحَمّدِ
يَا وَيْحَ أَنْصَارِ النّبِيّ وَرَهْطِهِ ... بَعْدَ الْمُغَيّبِ فِي سَوَاءِ الْمَلْحَدِ
ضَاقَتْ بِالْأَنْصَارِ الْبِلَادُ فَأَصْبَحُوا ... سُودًا وُجُوهُهُمْ كَلَوْنِ الْإِثْمِدِ
وَلَقَدْ وَلَدْنَاهُ وَفِينَا قَبْرُهُ ... وَفُضُولَ نِعْمَتِهِ بِنَا لَمْ نَجْحَدْ
وَاَللّهُ أَكَرَمَنَا بِهِ وَهَدَى بِهِ ... أَنْصَارَهُ فِي كُلّ سَاعَةٍ مَشْهَدِ
صَلّى الْآلِهُ وَمَنْ يَحُفّ بِعَرْشِهِ ... وَالطّيّبُونَ عَلَى الْمُبَارَكِ أَحْمَدِ
[ ص 461 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
نَبّ الْمَسَاكِينَ أَنّ الْخَيْرَ فَارَقَهُمْ ... مَعَ النّبِيّ تَوَلّى عَنْهُمْ سَحَرًا
مَنْ ذَا الّذِي عِنْدَهُ رَحْلِي وَرَاحِلَتِي ... وَرِزْقُ أَهْلِي إذَا لَمْ يُؤْنَسُوا الْمَطَرَا
أَمْ مَنْ نُعَاتِبُ لَا نَخْشَى جَنَادِعَهُ ... إذَا اللّسَانُ عَتَا فِي الْقَوْلِ أَوْ عَثَرَا
كَانَ الضّيَاءُ وَكَانَ النّورُ نَتْبَعُهُ ... بَعْدَ الْإِلَهِ وَكَانَ السّمْعُ وَالْبَصَرَا
فَلَيْتَنَا يَوْمَ وَارَوْهُ بِمُلْحِدِهِ ... وَغَيّبُوهُ وَأَلْقَوْا فَوْقَهُ الْمَدَرَا
لَمْ يَتْرُكْ اللّهُ مِنّا بَعْدَهُ أَحَدًا ... وَلَمْ يَعِشْ بَعْدَهُ أُنْثَى وَلَا ذَكَرَا
ذَلّتْ رِقَابُ بَنِي النّجّارِ كُلّهِمْ ... وَكَانَ أَمْرًا مِنْ أَمْرِ اللّهِ قَدْ قُدِرَا
وَاقْتَسَمَ الْفَيْءُ دُونَ النّاسِ كُلّهِمْ ... وَبَدّدُوهُ جِهَارًا بَيْنَهُمْ هَدَرَا

وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يَبْكِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْضًا :
آلَيْتَ مَا فِي جَمِيعِ النّاسِ مُجْتَهِدًا ... مِنّي أَلْيَةَ بَرّ غَيْرَ إفْنَادِ
تَاللّهِ مَا حَمَلَتْ أُنْثَى وَلَا وَضَعَتْ ... مِثْلَ الرّسُولِ نَبِيّ الْأُمّةِ الْهَادِي
وَلَا بَرَا اللّهُ خَلْقًا مِنْ بَرّيّتِهِ ... أَوْفَى بِذِمّةِ جَارٍ أَوْ بِمِيعَادِ
مَنْ الّذِي كَانَ فِينَا يُسْتَضَاءُ بِهِ ... مُبَارَكَ الْأَمْرِ ذَا عَدْلٍ وَإِرْشَادِ
أَمْسَى نِسَاؤُك عَطّلْنَ الْبُيُوتَ فَمَا ... يَضْرِبْنَ فَوْقَ قَفَا سِتْرٍ بِأَوْتَادِ
مِثْلَ الرّوَاهِبِ يَلْبَسْنَ الْمَبَاذِلَ قَدْ ... أَيْقَنّ بِالْبُؤْسِ بَعْدَ النّعْمَةِ الْبَادِي
يَا أَفَضْلَ النّاسِ إنّي كُنْت فِي نَهَرٍ ... أَصْبَحْت مِنْهُ كَمِثْلِ الْمُفْرَدِ الصّادِي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَجُزُ الْبَيْتِ الْأَوّلِ مِنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
S[ ص 461 ] الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمّ الصّالِحَاتُ " . تَمّ بِحَمْدِ اللّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ وَحَوْلِهِ وَقُوّتِهِ تَحْقِيقُ " الرّوْضِ الْأُنُفِ " شَرْحِ سِيرَةِ سَيّدِ وَلَدِ آدَمَ وَخَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ - مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا . اللّهُمّ اغْفِرْ لِي تَقْصِيرِي وَخَطَئِي وَجَهْلِي وَكُلّ ذَلِكَ عِنْدِي ، اللّهُمّ اُحْشُرْنِي وَالْمُسْلِمِينَ تَحْتَ لِوَاءِ صَاحِبِ هَذِهِ السّيرَةِ الْعَطِرَةِ الزّكِيّةِ - مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - اللّهُمّ اجْعَلْهُ شَفِيعِي فِي الْآخِرَةِ يَا أَرَحَمَ الرّاحِمِينَ . آمِينَ . سُبْحَانَك اللّهُمّ وَبِحَمْدِك أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا أَنْتَ أَسَتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك . " سُبْحَانَ رَبّك رَبّ الْعِزّةِ عَمّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ " قلت المدون تم بحمد الله ...

فسبحان الله وبحمده  عدد خلقه وزنة عرشه  ورضا نفسه ومداد كلماته} أقولها ما حييت وبعد موتي  والي يوم الحساب وارحم  واغفر اللهم لوالديَّ ومن مات من اخوتي واهلي والمؤمنين منذ  خَلقَتَ الخلق الي يوم الحساب آمين وفرِّجِ كربي وردَّ اليَّ عافيتي وارضي عني في الدارين  واعِنِّي علي أن اُنْفِقها في سبيلك يا ربي اللهم فرِّج كربي واكفني همي واكشف البأساء والضراء عني وعنا.. وردَّ إليَّ عافيتي وثبتني علي دينك الحق ولا تُزِغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وتوفنا مع الأبرار وألِّفْ بين قلوبنا اجمعين.يا عزيز يا غفار ... اللهم واشفني شفاءاً لا يُغَادر سقما واعفو عني وعافني وارحمني وفرج كربي واكفني همي واعتقني مما أصابني من مكروه أنت تعلمه واعتقني من النار وقني عذاب القبر وعذاب جهنم وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال ومن المأثم والمغرم ومن غلبة الدين وقهر الرجال اللهم آمين /اللهم ربي اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عُقَد لساني واغنني بك عمن سواك يارب