بَعْثَةُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُصَدّقِينَ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ الزّهْرِيّ ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَا : لَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْجِعِرّانَةِ قَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ
الْجُمُعَةِ لِثَلَاثِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَأَقَامَ بَقِيّةَ
ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الْحِجّةِ فَلَمّا رَأَى هِلَالَ الْمُحَرّمِ بَعَثَ
الْمُصَدّقِينَ فَبَعَثَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ إلَى أَسْلَمَ وَغِفَارٍ بِصَدَقَتِهِمْ
وَيُقَالُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ; وَبَعَثَ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ الْأَشْهَلِيّ
إلَى سُلَيْمٍ وَمُزَيْنَةَ ; وَبَعَثَ رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ فِي جُهَيْنَةَ ;
وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى فَزَارَةَ وَبَعَثَ الضّحّاكَ بْنَ
سُفْيَانَ الْكِلَابِيّ إلَى بَنِي كِلَابٍ وَبَعَثَ بُسْرَ بْنَ سُفْيَانَ
الْكَعْبِيّ إلَى بَنِي كَعْبٍ وَبَعَثَ ابْنَ اللّتْبِيّةِ الْأَزْدِيّ إلَى
بَنِي ذُبْيَانَ وَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ هُذَيْمٍ عَلَى
صَدَقَاتِهِمْ . فَخَرَجَ بُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي كَعْبٍ .
وَيُقَالُ إنّمَا سَعَى عَلَيْهِمْ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ [ ص 974 ]
النّحّامُ الْعَدَوِيّ ، فَجَاءَ وَقَدْ حَلّ بِنَوَاحِيهِمْ بَنُو جُهَيْمٍ
مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنُو عَمْرِو بْنِ جُنْدُبِ بْنِ الْعُتَيْرِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ فَهُمْ يَشْرَبُونَ مَعَهُمْ عَلَى غَدِيرٍ لَهُمْ بِذَاتِ
الْأَشْطَاطِ وَيُقَالُ وَجَدَهُمْ عَلَى عُسْفَانَ . ثُمّ أَمَرَ بِجَمْعِ
مَوَاشِي خُزَاعَةَ لِيَأْخُذَ مِنْهَا الصّدَقَةَ . قَالَ فَحَشَرَتْ خُزَاعَةُ
الصّدَقَةَ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ . فَاسْتَنْكَرَتْ ذَلِكَ بَنُو تَمِيمٍ وَقَالُوا
: مَا هَذَا ؟ تُؤْخَذُ أَمْوَالُكُمْ مِنْكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتَجَيّشُوا ،
وَتَقَلّدُوا الْقِسِيّ وَشَهَرُوا السّيُوفَ فَقَالَ الْخُزَاعِيّونَ نَحْنُ
قَوْمٌ نَدِينُ بِدِينِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا مِنْ دِينِنَا . قَالَ
التّمِيمِيّونَ وَاَللّهِ لَا يَصِلُ إلَى بَعِيرٍ مِنْهَا أَبَدًا فَلَمّا
رَآهُمْ الْمُصَدّقُ هَرَبَ مِنْهُمْ وَانْطَلَقَ مُوَلّيًا وَهُوَ يَخَافُهُمْ
وَالْإِسْلَامُ يَوْمَئِذٍ لَمْ يَعُمّ الْعَرَبَ ، قَدْ بَقِيَتْ بَقَايَا مِنْ
الْعَرَبِ وَهُمْ يَخَافُونَ السّيْفَ لِمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ وَحُنَيْنٍ
استكمال
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ مُصَدّقِيهِ أَنْ يَأْخُذُوا الْعَفْوَ
مِنْهُمْ وَيَتَوَقّوْا كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ فَقَدِمَ الْمُصَدّقُ عَلَى
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، وَقَالَ يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّمَا كُنْت فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ فَوَثَبَتْ خُزَاعَةُ عَلَى
التّمِيمِيّينَ فَأَخْرَجُوهُمْ مِنْ مَحَالّهِمْ وَقَالُوا : لَوْلَا
قَرَابَتُكُمْ مَا وَصَلْتُمْ إلَى بِلَادِكُمْ لَيَدْخُلَنّ عَلَيْنَا بَلَاءٌ
مِنْ عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى أَنْفُسِكُمْ حَيْثُ
تَعْرِضُونَ لِرُسُلِ رَسُولِ اللّهِ تَرُدّونَهُمْ عَنْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِنَا
. فَخَرَجُوا رَاجِعِينَ إلَى بِلَادِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الّذِينَ . فَعَلُوا مَا فَعَلُوا
؟ فَانْتَدَبَ أَوّلُ النّاسِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيّ ، فَقَالَ
أَنَا وَاَللّهِ لَهُمْ أَتْبَعُ آثَارَهُمْ وَلَوْ بَلَغُوا يَبْرِينَ حَتّى [
ص 975 ] آتِيَك بِهِمْ إنْ شَاءَ اللّهُ فَتَرَى فِيهِمْ رَأْيَك أَوْ
يُسْلِمُوا . فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
خَمْسِينَ فَارِسًا مِنْ الْعَرَبِ ، لَيْسَ فِيهَا مُهَاجِرٌ وَاحِدٌ وَلَا
أَنْصَارِيّ ، فَكَانَ يَسِيرُ بِاللّيْلِ وَيَكْمُنُ لَهُمْ بِالنّهَارِ خَرَجَ
عَلَى رَكُوبَةٍ حَتّى انْتَهَى إلَى الْعَرْجِ ، فَوَجَدَ خَبَرَهُمْ أَنّهُمْ قَدْ
عَارَضُوا إلَى أَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ ، فَخَرَجَ فِي أَثَرِهِمْ حَتّى
وَجَدَهُمْ قَدْ عَدَلُوا مِنْ السّقْيَا يَؤُمّونَ أَرْضَ بَنِي سُلَيْمٍ فِي
صَحْرَاءَ قَدْ حَلّوا وَسَرّحُوا مَوَاشِيَهُمْ وَالْبُيُوتُ خُلُوفٌ لَيْسَ
فِيهَا أَحَدٌ إلّا النّسَاءُ وَنُفَيْرٌ فَلَمّا رَأَوْا الْجَمْعَ وَلّوْا
وَأَخَذُوا مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا ، وَوَجَدُوا فِي الْمَحَلّةِ مِنْ
النّسَاءِ إحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً وَثَلَاثِينَ صَبِيّا ، فَحَمَلَهُمْ إلَى
الْمَدِينَةِ ، فَأَمَرَ بِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَحُبِسُوا فِي دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ . فَقَدِمَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ
مِنْ رُؤَسَائِهِمْ الْعُطَارِدُ بْنُ حَاجِبِ بْنِ زُرَارَةَ وَالزّبْرِقَانُ
بْنُ بَدْرٍ ، وَقَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ ، وَقَيْسُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَنُعَيْمُ
بْنُ سَعْدٍ ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ ، وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ
وَرِيَاحُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مُجَاشِعٍ فَدَخَلُوا الْمَسْجِدَ قَبْلَ
الظّهْرِ فَلَمّا دَخَلُوا سَأَلُوا عَنْ سَبْيِهِمْ فَأُخْبِرُوا بِهِمْ
فَجَاءُوهُمْ فَبَكَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءُ فَرَجَعُوا حَتّى دَخَلُوا
الْمَسْجِدَ ثَانِيَةً وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَوْمَئِذٍ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَقَدْ أَذّنَ بِلَالٌ بِالظّهْرِ بِالْأَذَانِ
الْأَوّلِ وَالنّاسُ يَنْتَظِرُونَ خُرُوجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، فَعَجّلُوا خُرُوجَهُ فَنَادَوْا : يَا مُحَمّدُ اُخْرُجْ إلَيْنَا
فَقَامَ إلَيْهِمْ بِلَالٌ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَخْرُجُ الْآنَ . فَاشْتَهَرَ [ ص 976 ] أَهْلُ الْمَسْجِدِ
أَصْوَاتَهُمْ فَجَعَلُوا يَخْفِقُونَ بِأَيْدِيهِمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِلَالٌ الصّلَاةَ وَتَعَلّقُوا بِهِ
يُكَلّمُونَهُ فَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُمْ
بَعْدَ إقَامَةِ بِلَالٍ الصّلَاةَ مَلِيّا ، وَهُمْ يَقُولُونَ أَتَيْنَاك
بِخَطِيبِنَا وَشَاعِرِنَا فَاسْمَعْ مِنّا . فَتَبَسّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ مَضَى فَصَلّى بِالنّاسِ الظّهْرَ ثُمّ انْصَرَفَ إلَى
بَيْتِهِ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ تَمّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي صَحْنِ الْمَسْجِدِ وَقَدِمُوا
عَلَيْهِ وَقَدّمُوا عُطَارِدَ بْنَ حَاجِبِ التّمِيمِيّ فَخَطَبَ فَقَالَ
الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي لَهُ الْفَضْلُ عَلَيْنَا ، وَاَلّذِي جَعَلَنَا
مُلُوكًا ، وَأَعْطَانَا الْأَمْوَالَ نَفْعَلُ فِيهَا الْمَعْرُوفَ وَجَعَلَنَا
أَعَزّ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَأَكْثَرَهُمْ مَالًا وَأَكْثَرَهُمْ عَدَدًا ،
فَمَنْ مِثْلُنَا فِي النّاسِ ؟ أَلَسْنَا بِرُءُوسِ النّاسِ وَذَوِي فَضْلِهِمْ
؟ فَمَنْ يُفَاخِرُ فَلْيَعْدُدْ مِثْلَ مَا عَدَدْنَا وَلَوْ شِئْنَا
لَأَكْثَرْنَا مِنْ الْكَلَامِ وَلَكِنّا نَسْتَحْيِي مِنْ الْإِكْثَارِ فِيمَا
أَعْطَانَا اللّهُ . أَقُولُ قَوْلِي هَذَا لِأَنْ
يُؤْتَى بِقَوْلٍ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ قَوْلِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ : قُمْ فَأَجِبْ خَطِيبَهُمْ
فَقَامَ ثَابِتٌ - وَمَا كَانَ دَرَى مِنْ ذَلِكَ
بِشَيْءٍ وَمَا هَيّأَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَقُولُ - فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ
الّذِي السّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ خَلْقُهُ قَضَى فِيهَا أَمْرَهُ وَوَسِعَ كُلّ
شَيْءٍ عِلْمُهُ فَلَمْ يَكُ شَيْءٌ إلّا مِنْ فَضْلِهِ . ثُمّ كَانَ مِمّا
قَدّرَ اللّهُ أَنْ جَعَلَنَا مُلُوكًا ، وَاصْطَفَى لَنَا مِنْ خَلْقِهِ
رَسُولًا . أَكْرَمَهُمْ نَسَبًا ،
وَأَحْسَنَهُمْ زِيّا ، وَأَصْدَقَهُمْ حَدِيثًا . أَنْزَلَ
عَلَيْهِ كِتَابَهُ . وَائْتَمَنَهُ عَلَى خَلْقِهِ وَكَانَ خِيرَتَهُ مِنْ
عِبَادِهِ فَدَعَا إلَى الْإِيمَانِ فَآمَنَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ قَوْمِهِ
وَذَوِي رَحِمِهِ أَصْبَحُ النّاسِ وَجْهًا ، وَأَفْضَلُ النّاسِ فِعَالًا .
ثُمّ كُنّا أَوّلَ النّاسِ إجَابَةً حِينَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ وَرَسُولِهِ نُقَاتِلُ النّاسَ
حَتّى [ ص 977 ] يَقُولُوا لَا إلَهَ إلّا اللّهُ فَمَنْ آمَنَ بِاَللّهِ
وَرَسُولِهِ مُنِعَ مِنّا مَالُهُ وَدَمُهُ وَمَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ
جَاهَدْنَاهُ فِي ذَلِكَ وَكَانَ قَتْلُهُ عَلَيْنَا يَسِيرًا . أَقُولُ قَوْلِي
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللّه لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ . ثُمّ جَلَسَ
فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِشَاعِرِنَا . فَأَذِنَ لَهُ
فَأَقَامُوا الزّبْرِقَانَ بْنَ بَدْرٍ فَقَالَ
نَحْنُ الْمُلُوكُ فَلَا حَيّ
يُقَارِبُنَا
فِينَا الْمُلُوكُ وَفِينَا
تُنْصَبُ الْبِيَعُ
وَكَمْ قَسَرْنَا مِنْ الْأَحْيَاءِ
كُلّهِمُ
عِنْدَ النّهَابِ وَفَضْلُ
الْخَيْرِ يُتّبَعُ
وَنَحْنُ نُطْعِمُ عِنْدَ الْقَحْطِ
مَا أَكَلُوا
مِنْ السّدِيفِ إذَا لَمْ يُؤْنَسْ
الْقَزَعُ
وَنَنْحَرُ الْكُومَ عَبْطًا فِي
أَرُومَتِنَا
لِلنّازِلِينَ إذَا مَا أُنْزِلُوا
شَبِعُوا
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجِبْهُمْ يَا حَسّانُ بْنَ ثَابِتٍ فَقَامَ فَقَالَ
[ ص 978 ]
إنّ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ
وَإِخْوَتِهِمْ
قَدْ شَرّعُوا سُنّةً لِلنّاسِ
تُتّبَعُ
يَرْضَى بِهِمْ كُلّ مَنْ كَانَتْ
سَرِيرَتُهُ
تَقْوَى الْإِلَهِ وَبِالْأَمْرِ
الّذِي شَرَعُوا
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرّوا
عَدُوّهُمُ
أَوْ حَاوَلُوا النّفْعَ فِي
أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ
مُحْدَثَةٍ
إنّ الْخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرّهَا
الْبِدَعُ
لَا يَرْقَعُ النّاسُ مَا أَوْهَتْ
أَكُفّهُمُ
عِنْدَ الدّفَاعِ وَلَا يُوهُونَ
مَا رَقَعُوا
وَلَا يَضِنّونَ عَنْ جَارٍ
بِفَضْلِهِمُ
وَلَا يَنَالُهُمُ فِي مَطْمَعٍ
طَبَعُ
إنْ كَانَ فِي النّاسِ سَبّاقُونَ
بَعْدَهُمُ
فَكُلّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ
تَبَعُ
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللّهِ
شِيعَتُهُمْ
إذَا تَفَرّقَتْ الْأَهْوَاءُ
وَالشّيَعُ
أَعِفّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْيِ
عِفّتُهُمْ
لَا يَطْمَعُونَ وَلَا يُرْدِيهِمُ
طَمَعُ
كَأَنّهُمْ فِي الْوَغَى
وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ
أُسْدٌ بِبِيشَةَ فِي أَرْسَاغِهَا
فَدَعُ
لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا
عَدُوّهُمُ
وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا
جُزُعُ
إذَا نَصَبْنَا لِحَيّ لَمْ نَدِبّ
لَهُمْ
كَمَا يَدِبّ إلَى الْوَحْشِيّةِ
الذّرَعُ
نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا
مَخَالِبُهَا
إذَا الزّعَانِفُ مِنْ أَطْرَافِهَا
خَشَعُوا
خُذْ مِنْهُمُ مَا أَتَى عَفْوًا
إذَا غَضِبُوا
وَلَا يَكُنْ هَمّك الْأَمْرَ
الّذِي مَنَعُوا
فَإِنّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ
عَدَاوَتَهُمْ
سُمّا غَرِيضًا عَلَيْهِ الصّابُ
وَالسّلَعُ
أَهْدَى لَهُمْ مَدْحَهُ قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ
فِيمَا أَحَبّ لِسَانٌ حَائِكٌ
صَنَعُ
وَأَنّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ
كُلّهِمُ
إنْ جَدّ بِالنّاسِ جِدّ الْقَوْلِ
أَوْ شَمَعُوا
[ ص
979 ]
(1/975)
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ فِي الْمَسْجِدِ
يُنْشِدُ عَلَيْهِ حَسّانُ وَقَالَ إنّ اللّهَ لَيُؤَيّدُ حَسّانَ بِرُوحِ
الْقُدُسِ مَا دَافَعَ عَنْ نَبِيّهِ . وَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ وَالْمُسْلِمُونَ بِمَقَامِ ثَابِتٍ وَشِعْرِ حَسّانَ
. وَخَلَا الْوَفْدُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالَ قَائِلٌ تَعْلَمُنّ
وَاَللّهِ أَنّ هَذَا الرّجُلَ مُؤَيّدٌ مَصْنُوعٌ لَهُ وَاَللّهِ لَخَطِيبُهُ أَخْطَبُ
مِنْ خَطِيبِنَا ، وَلَشَاعِرُهُمْ أَشْعَرُ مِنْ شَاعِرِنَا ، وَلَهُمْ
أَحْلَمُ مِنّا وَكَانَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مِنْ أَجْهَرِ النّاسِ صَوْتًا .
وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى نَبِيّهِ فِي رَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ -
التّمِيمِيّينَ - وَيُذْكَرُ أَنّهُمْ نَادَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ فَقَالَ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا
تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ إلَى قَوْلِهِ أَكْثَرُهُمْ
لَا يَعْقِلُونَ يَعْنِي تَمِيمًا حِينَ نَادَوْا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَكَانَ ثَابِتٌ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا
يَرْفَعُ صَوْتَهُ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَدّ
رَسُولُ اللّهِ السّبْيَ وَالْأَسْرَى . وَقَامَ عَمْرُو بْنُ الْأَهْتَمِ
يَوْمَئِذٍ يَهْجُو قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ ، كَانَا جَمِيعًا فِي الْوَفْدِ وَكَانَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمَرَ لَهُمْ بِجَوَائِزَ . وَكَانَ يُجِيزُ الْوَفْدَ إذَا قَدِمَ عَلَيْهِ وَيُفَضّلُ
بَيْنَهُمْ فِي الْعَطِيّةِ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى ، فَلَمّا أَجَازَهُمْ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ هَلْ بَقِيَ مِنْكُمْ مَنْ
لَمْ نُجِزْهُ ؟ قَالُوا : غُلَامٌ فِي الرّحْلِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسِلُوهُ نُجِزْهُ فَقَالَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ :
إنّهُ غُلَامٌ لَا شَرَفَ لَهُ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَإِنْ كَانَ فَإِنّهُ وَافِدٌ وَلَهُ حَقّ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ
الْأَهْتَمِ شِعْرًا يُرِيدُ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ [ ص 980 ]
ظَلِلْت مُفْتَرِشًا هَلْبَاك
تَشْتُمُنِي
عِنْدَ الرّسُولِ فَلَمْ تَصْدُقْ
وَلَمْ تُصِبِ
إنّا وَسُؤْدَدُنَا عَوْدٌ وَسُؤْدَدُكُمْ
مُخَلّفٌ بِمَكَانِ الْعَجْبِ
وَالذّنَبِ
إنْ تُبْغِضُونَا فَإِنّ الرّومَ
أَصْلُكُمُ
وَالرّومُ لَا تَمْلِكُ
الْبَغْضَاءَ لِلْعَرَبِ
قَالَ حَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ
عُثْمَانَ عَنْ شَيْخٍ أَخْبَرَهُ أَنّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي النّجّارِ قَالَتْ
أَنَا أَنْظُرُ إلَى الْوَفْدِ يَوْمَئِذٍ يَأْخُذُونَ جَوَائِزَهُمْ عِنْدَ
بِلَالٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيّةً وَنَشّ . قَالَتْ وَقَدْ رَأَيْت غُلَامًا
أَعْطَاهُ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ أَعْطَى خَمْسَ أَوَاقِيّ . قُلْت :
وَمَا النّشّ ؟ قَالَتْ نِصْفُ أُوقِيّةٍ .
(1/980)
بَعْثَةُ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ
إلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ قَالُوا : بَعَثَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ بْنَ
أَبِي مُعَيْطٍ إلَى صَدَقَاتِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَكَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا
وَبَنَوْا الْمَسَاجِدَ بِسَاحَاتِهِمْ . فَلَمّا
خَرَجَ إلَيْهِمْ الْوَلِيدُ وَسَمِعُوا بِهِ قَدْ دَنَا مِنْهُمْ خَرَجَ
مِنْهُمْ عِشْرُونَ رَجُلًا يَتَلَقّوْنَهُ بِالْجُزُرِ وَالنّعَمِ فَرَحًا بِهِ
وَلَمْ يَرَوْا أَحَدًا يُصَدّقُ بَعِيرًا قَطّ وَلَا شَاةً فَلَمّا رَآهُمْ وَلّى
رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَقْرَبْهُمْ فَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ لَمّا دَنَا مِنْهُمْ لَقُوهُ . مَعَهُمْ
السّلَاحُ يَحُولُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصّدَقَةِ فَهَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَبْعَثَ إلَيْهِمْ مَنْ يَغْزُوهُمْ . وَبَلَغَ
ذَلِكَ الْقَوْمَ فَقَدِمَ عَلَيْهِ الرّكْبُ الّذِينَ لَقُوا الْوَلِيدَ
فَأَخْبَرُوا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرَ وَقَالُوا :
يَا رَسُولَ اللّهِ سَلْهُ هَلْ نَاطَقَنَا أَوْ كَلّمَنَا ؟ وَنَزَلَتْ هَذِهِ
الْآيَةُ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
نُكَلّمُهُ وَنَعْتَذِرُ فَأَخَذَهُ الْبُرَحَاءُ فَسُرّيَ عَنْهُ وَنَزَلَ
عَلَيْهِ [ ص 981 ] يَا أَيّهَا الّذِينَ
آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيّنُوا الْآيَةَ . فَقَرَأَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقُرْآنَ وَأَخْبَرَنَا بِعُذْرِنَا
وَمَا نَزَلَ فِي صَاحِبِنَا ، ثُمّ قَالَ مَنْ تُحِبّونَ أَبْعَثُ إلَيْكُمْ ؟
قَالُوا : تَبْعَثُ عَلَيْنَا عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ . فَقَالَ يَا عَبّادُ سِرْ
مَعَهُمْ فَخُذْ صَدَقَاتِ أَمْوَالِهِمْ وَتَوَقّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ .
قَالَ فَخَرَجْنَا مَعَ عَبّادٍ يُقْرِئُنَا الْقُرْآنَ وَيُعَلّمُنَا شَرَائِعَ
الْإِسْلَامِ حَتّى أَنَزَلْنَاهُ فِي وَسَطِ بُيُوتِنَا ، فَلَمْ يُضَيّعْ
حَقّا وَلَمْ يَعْدُ بِنَا الْحَقّ . وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقَامَ عِنْدَنَا عَشْرًا ، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَاضِيًا .
(1/981)
========
بَابُ شَأْنِ سَرِيّةِ قُطْبَةَ
بْنِ عَامِرٍ إلَى خَثْعَمَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ
حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ
عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ حَدّثَنَا ابْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ قُطْبَةَ بْنَ عَامِرِ
بْنِ حَدِيدَةَ فِي عِشْرِينَ رَجُلًا إلَى حَيّ خَثْعَمَ بِنَاحِيَةِ تَبَالَةَ
، وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَةَ عَلَيْهِمْ وَأَنْ يَسِيرَ اللّيْلَ
وَيَكْمُنَ النّهَارَ وَأَنْ يُغِذّ السّيْرَ فَخَرَجُوا فِي عَشَرَةِ
أَبْعِرَةٍ يَعْتَقِبُونَ عَلَيْهَا ، قَدْ غَيّبُوا السّلَاحَ فَأَخَذُوا عَلَى
الْفَتْقِ حَتّى انْتَهَوْا إلَى بَطْنِ مَسْحَاءَ فَأَخَذُوا رَجُلًا فَسَأَلُوهُ
فَاسْتَعْجَمَ عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ يَصِيحُ بِالْحَاضِرِ . وَخَبَرُ هَذِهِ السّرِيّةِ دَاخِلٌ فِي سَرِيّةِ شُجَاعِ
بْنِ وَهْبٍ .[ ص 982 ]
(1/982)
====
سَرِيّةُ بَنِي كِلَابٍ أَمِيرُهَا
الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ الْكِلَابِيّ قَالَ حَدّثَنِي رَشِيدٌ أَبُو مَوْهُوبٍ
الْكِلَابِيّ ، عَنْ حَيّانَ بْنِ أَبِي سُلْمَى ، وَعَنْبَسَةَ بْنِ سُلْمَى ،
وَحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ قَالُوا : بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَيْشًا إلَى الْقُرَطَاءِ فِيهِمْ الضّحّاكُ بْنُ سُفْيَانَ
بْنِ عَوْفِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْكِلَابِيّ ، وَالْأَصْيَدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ
قُرْطِ بْنِ عَبْدٍ ، حَتّى لَقُوهُمْ بِالزّجّ زَجّ لَاوَةَ فَدَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ
فَأَبَوْا ، فَقَاتَلُوهُمْ فَهَزَمُوهُمْ فَلَحِقَ الْأَصْيَدُ أَبَاهُ
سَلَمَةَ بْنَ قُرْطٍ وَسَلَمَةُ عَلَى فَرَسٍ لَهُ عَلَى غَدِيرِ زَجّ فَدَعَا
أَبَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَعْطَاهُ الْأَمَانَ فَسَبّهُ وَسَبّ دِينَهُ
فَضَرَبَ الْأَصْيَدُ عُرْقُوبَيْ فَرَسِهِ فَلَمّا وَقَعَ عَلَى عُرْقُوبَيْهِ
ارْتَكَزَ سَلَمَةُ عَلَى رُمْحِهِ فِي الْمَاءِ ثُمّ اسْتَمْسَكَ بِهِ حَتّى
جَاءَهُ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ ابْنُهُ . وَهَذِهِ السّرِيّةُ
فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ تِسْعٍ . قَالَ حَدّثَنِي رَشِيدٌ أَبُو مَوْهُوبٍ
عَنْ جَابِرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى ، وَعَنْبَسَةَ بْنِ أَبِي سُلْمَى قَالَا :
كَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حَارِثَةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ قُرَيْطٍ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَخَذُوا صَحِيفَتَهُ
فَغَسَلُوهَا وَرَقَعُوا بِهَا اسْتَ دَلْوِهِمْ وَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا .
فَقَالَتْ أُمّ حَبِيبِ بِنْتُ عَامِرِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قُرَيْطِ
. بْنِ عَبْدِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ وَخَاصَمَتْهُمْ فِي بَيْتٍ لَهَا فَقَالَتْ
[ ص 983 ]
أَيَا ابْنَ سَعِيدٍ لَا تَكُونَنّ
ضُحْكَةً
وَإِيّاكَ وَاسْتَمْرِرْ لَهُمْ
بِمَرِيرِ
أَيَا ابْنَ سَعِيدٍ إنّمَا
الْقَوْمُ مَعْشَرٌ
عَصَوْا مُنْذُ قَامَ الدّينُ كُلّ
أَمِيرِ
إذَا مَا أَتَتْهُمْ آيَةٌ مِنْ
مُحَمّدٍ
مَحَوْهَا بِمَاءِ الْبِئْرِ فَهْيَ
عَصِيرِ
قَالُوا : فَلَمّا فَعَلُوا
بِالْكِتَابِ مَا فَعَلُوا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَا لَهُمْ ؟ أَذَهَبَ اللّهُ بِعُقُولِهِمْ ؟ فَهُمْ أَهْلُ رِعْدَةٍ .
وَعَجَلَةٍ وَكَلَامٍ مُخْتَلِطٍ وَأَهْلُ سَفَهٍ وَكَانَ الّذِي جَاءَهُمْ
بِالْكِتَابِ رَجُلٌ مِنْ عُرَيْنَةَ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
عَوْسَجَةَ . لِمُسْتَهَلّ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ سَنَةَ تِسْعٍ . قَالَ
الْوَاقِدِيّ : رَأَيْت بَعْضَهُمْ عَيِيّا لَا يُبِينُ الْكَلَامَ .
(1/983)
=====
شَأْنُ سَرِيّةٍ أَمِيرُهَا
عَلْقَمَةُ بْنُ مُجَزّزٍ الْمُدْلِجِيّ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ تِسْعٍ
قَالَ حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ
مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ . وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ
الرّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَا : بَلَغَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ نَاسًا مِنْ الْحَبَشَةِ
تَرَايَاهُمْ أَهْلُ الشّعَيْبَةِ - سَاحِلٌ بِنَاحِيَةِ مَكّةَ - فِي مَرَاكِبَ
فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَعَثَ عَلْقَمَةَ بْنَ
مُجَزّزٍ الْمُدْلِجِيّ فِي ثَلَاثِمِائَةِ رَجُلٍ حَتّى انْتَهَى إلَى
جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ فَخَاضَ إلَيْهِمْ فَهَرَبُوا مِنْهُ ثُمّ انْصَرَفَ .
فَلَمّا كَانَ بِبَعْضِ الْمَنَازِلِ اسْتَأْذَنَهُ بَعْضُ الْجَيْشِ فِي
الِانْصِرَافِ حَيْثُ لَمْ يَلْقَوْا كَيْدًا ، فَأَذِنَ لَهُمْ وَأَمّرَ
عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حُذَافَةَ السّهْمِيّ - وَكَانَتْ فِيهِ
دُعَابَةٌ - فَنَزَلْنَا بِبَعْضِ الطّرِيقِ
وَأَوْقَدَ الْقَوْمُ نَارًا يَصْطَلُونَ عَلَيْهَا وَيَصْطَنِعُونَ الطّعَامَ
فَقَالَ عَزَمْت عَلَيْكُمْ أَلّا تَوَاثَبْتُمْ فِي هَذِهِ النّارِ فَقَامَ
بَعْضُ الْقَوْمِ فَتَحَاجَزُوا حَتّى ظَنّ أَنّهُمْ وَاثِبُونَ فِيهَا فَقَالَ
اجْلِسُوا . إنّمَا كُنْت أَضْحَكُ مَعَكُمْ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَنْ أَمَرَكُمْ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا
تُطِيعُوهُ [ ص 984 ]
(1/984)
========
سَرِيّةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى الْفَلْسِ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ تِسْعٍ
قَالَ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ
بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي بَكْرِ بْنِ
حَزْم ٍ يَقُولُ لِمُوسَى بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَنّاحٍ وَهُمَا جَالِسَانِ
بِالْبَقِيعِ تَعْرِفُ سَرِيّةَ الْفَلْسِ ؟ قَالَ مُوسَى : مَا سَمِعْت
بِهَذِهِ السّرِيّةِ . قَالَ فَضَحِكَ ابْنُ حَزْمٍ ثُمّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلَامُ فِي
خَمْسِينَ وَمِائَةِ رَجُلٍ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ وَخَمْسِينَ فَرَسًا ;
وَلَيْسَ فِي السّرِيّةِ إلّا أَنْصَارِيّ ، فِيهَا وُجُوهُ الْأَوْسِ
وَالْخَزْرَجِ ، فَاجْتَنَبُوا الْخَيْلَ وَاعْتَقَبُوا عَلَى الْإِبِلِ حَتّى
أَغَارُوا عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ . وَسَأَلَ عَنْ مَحَلّةِ آلِ حَاتِمٍ
ثُمّ نَزَلَ عَلَيْهَا ، فَشَنّوا الْغَارَةَ مَعَ الْفَجْرِ . فَسَبَوْا حَتّى مَلَئُوا
أَيْدِيَهُمْ مِنْ السّبْيِ وَالنّعَمِ وَالشّاءِ وَهَدَمُوا الْفَلْسَ
وَخَرّبُوهُ . وَكَانَ صَنَمًا لِطَيّئٍ ثُمّ انْصَرَفَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ
. قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرْت هَذِهِ السّرِيّةَ
لِمُحَمّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيّ فَقَالَ مَا أَرَى ابْنَ حَزْمٍ زَادَ عَلَى
أَنْ يَنْقُلَ مِنْ هَذِهِ السّرِيّةِ وَلَمْ يَأْتِك بِهَا . قُلْت : فَأْتِ
بِهَا أَنْتَ فَقَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى الْفَلْسِ لِيَهْدِمَهُ فِي
مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ ، لَيْسَ فِيهَا مُهَاجِرٌ وَاحِدٌ
وَمَعَهُمْ خَمْسُونَ فَرَسًا وَظَهْرًا ، فَامْتَطَوْا الْإِبِلَ وَجَنّبُوا
الْخَيْلَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَشُنّ الْغَارَاتِ فَخَرَجَ بِأَصْحَابِهِ مَعَهُ
رَايَةٌ سَوْدَاءُ وَلِوَاءٌ أَبْيَضُ مَعَهُمْ الْقَنَا وَالسّلَاحُ [ ص 985 ] الظّاهِرُ وَقَدْ دَفَعَ رَايَتَهُ إلَى سَهْلِ بْنِ
حُنَيْفٍ ، وَلِوَاءَهُ إلَى جَبّارِ بْنِ صَخْرٍ السّلَمِيّ وَخَرَجَ بِدَلِيلٍ
مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهُ حُرَيْثٌ ، فَسَلَكَ بِهِمْ عَلَى طَرِيقِ فَيْدٍ
، فَلَمّا انْتَهَى بِهِمْ إلَى مَوْضِعٍ قَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْحَيّ
الّذِي تُرِيدُونَ يَوْمٌ تَامّ ، وَإِنْ سِرْنَاهُ بِالنّهَارِ وَطِئْنَا
أَطْرَافَهُمْ وَرِعَاءَهُمْ . فَأَنْذِرُوا الْحَيّ فَتَفَرّقُوا ، فَلَمْ
تُصِيبُوا مِنْهُمْ حَاجَتَكُمْ وَلَكِنْ نُقِيمُ يَوْمَنَا هَذَا فِي
مَوْضِعِنَا حَتّى نُمْسِيَ ثُمّ نَسْرِي لَيْلَتَنَا عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ
فَنَجْعَلُهَا غَارَةً حَتّى نُصَبّحَهُمْ فِي عَمَايَةِ الصّبْحِ . قَالُوا :
هَذَا الرّأْيُ فَعَسْكَرُوا وَسَرّحُوا الْإِبِلَ . وَاصْطَنَعُوا ، وَبَعَثُوا
نَفَرًا مِنْهُمْ يَتَقَصّوْنَ مَا حَوْلَهُمْ . فَبَعَثُوا أَبَا قَتَادَةَ .
وَالْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ ، وَأَبَا نَائِلَةَ فَخَرَجُوا عَلَى مُتُونِ
خَيْلٍ لَهُمْ يَطُوفُونَ حَوْلَ الْمُعَسْكَرِ فَأَصَابُوا غُلَامًا أَسْوَدَ
فَقَالُوا : مَا أَنْتَ ؟ قَالَ أَطْلُبُ بُغْيَتِي . فَأَتَوْا بِهِ عَلِيّا
عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَالَ مَا أَنْتَ ؟ قَالَ بَاغٍ . قَالَ فَشُدّوا عَلَيْهِ
فَقَالَ أَنَا غُلَامٌ لِرَجُلٍ مِنْ طَيّئٍ مِنْ بَنِي نَبْهَانَ أَمَرُونِي
بِهَذَا الْمَوْضِعِ وَقَالُوا : إنْ رَأَيْت خَيْلَ مُحَمّدٍ فَطِرْ إلَيْنَا
فَأَخْبِرْنَا . وَأَنَا لَا أُدْرِكُ أَسْرًا . فَلَمّا رَأَيْتُكُمْ أَرَدْت
الذّهَابَ إلَيْهِمْ . ثُمّ قُلْت لَا أَعْجَلُ حَتّى آتِيَ أَصْحَابِي بِخَبَرٍ
بَيّنٍ مِنْ عَدَدِكُمْ وَعَدَدِ خَيْلِكُمْ وَرِكَابِكُمْ وَلَا أَخْشَى مَا
أَصَابَنِي ، فَلَكَأَنّي كُنْت مُقَيّدًا حَتّى أَخَذَتْنِي طَلَائِعُكُمْ . قَالَ
عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ اُصْدُقْنَا مَا وَرَاءَك قَالَ أَوَائِلُ الْحَيّ
عَلَى مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ طَرّادَةٍ تُصَبّحُهُمْ الْخَيْلَ وَمَغَارُهَا حِينَ
غَدَوْا . قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ
لِأَصْحَابِهِ مَا تَرَوْنَ ؟ قَالَ جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ : نَرَى أَنْ
نَنْطَلِقَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ لَيْلَتَنَا حَتّى نُصَبّحَ [ ص 986 ]
الْقَوْمَ وَهُمْ غَارّونَ فَنُغِيرَ عَلَيْهِمْ وَنَخْرُجَ بِالْعَبْدِ
الْأَسْوَدِ لَيْلًا ، وَنُخَلّفَ حُرَيْثًا مَعَ الْعَسْكَرِ حَتّى يَلْحَقُوا
إنْ شَاءَ اللّهُ . قَالَ عَلِيّ : هَذَا الرّأْيُ فَخَرَجُوا بِالْعَبْدِ
الْأَسْوَدِ وَالْخَيْلُ تَعَادَا ، وَهُوَ رِدْفُ بَعْضِهِمْ عُقْبَةً ثُمّ
يَنْزِلُ فَيُرْدِفُ آخَرَ عُقْبَةً وَهُوَ مَكْتُوفٌ فَلَمّا انْهَارَ اللّيْلُ
كَذَبَ الْعَبْدُ وَقَالَ قَدْ أَخْطَأْت الطّرِيقَ وَتَرَكْتهَا وَرَائِي .
قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَارْجِعْ إلَى حَيْثُ أَخْطَأْت فَرَجَعَ مِيلًا
أَوْ أَكْثَرَ . ثُمّ قَالَ أَنَا عَلَى خَطَأٍ . فَقَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ
السّلَامُ إنّا مِنْك عَلَى خُدْعَةٍ مَا تُرِيدُ إلّا أَنْ تُثْنِيَنَا عَنْ
الْحَيّ قَدّمُوهُ لِتَصْدُقْنَا أَوْ لَنَضْرِبَنّ عُنُقَك قَالَ فَقُدّمَ
وَسُلّ السّيْفُ عَلَى رَأْسِهِ فَلَمّا رَأَى الشّرّ قَالَ أَرَأَيْت إنْ
صَدَقْتُكُمْ أَيَنْفَعُنِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ
فَإِنّي صَنَعْت مَا رَأَيْتُمْ إنّهُ أَدْرَكَنِي مَا يُدْرِكُ النّاسَ مِنْ
الْحَيَاءِ فَقُلْت : أَقْبَلْت بِالْقَوْمِ أَدُلّهُمْ عَلَى الْحَيّ مِنْ
غَيْرِ مِحْنَةٍ وَلَا حَقّ فَآمَنُهُمْ فَلَمّا رَأَيْت مِنْكُمْ مَا رَأَيْت
وَخِفْت أَنْ تَقْتُلُونِي كَانَ لِي عُذْرٌ فَأَنَا أَحْمِلُكُمْ عَلَى
الطّرِيقِ . قَالُوا : اُصْدُقْنَا . قَالَ الْحَيّ مِنْكُمْ قَرِيبٌ . فَخَرَجَ
مَعَهُمْ حَتّى انْتَهَى إلَى أَدْنَى الْحَيّ فَسَمِعُوا نُبَاحَ الْكِلَابِ
وَحَرَكَةَ النّعَمِ فِي الْمَرَاحِ وَالشّاءِ فَقَالَ هَذِهِ الْأَصْرَامُ
وَهِيَ [ عَلَى ] فَرْسَخٍ . فَيَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ
فَقَالُوا : فَأَيْنَ آلُ حَاتِمٍ ؟ قَالَ هُمْ مُتَوَسّطُو الْأَصْرَامِ .
قَالَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ إنْ أَفْزَعْنَا الْحَيّ تَصَايَحُوا
وَأَفْزَعُوا بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَتَغَيّبَ عَنّا أَحْزَابُهُمْ فِي سَوَادِ
اللّيْلِ وَلَكِنْ نُمْهِلُ الْقَوْمَ حَتّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مُعْتَرِضًا
فَقَدْ قَرُبَ طُلُوعُهُ فَنُغِيرُ فَإِنْ أَنْذَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لَمْ
يَخْفَ عَلَيْنَا أَيْنَ يَأْخُذُونَ وَلَيْسَ عِنْدَ الْقَوْمِ خَيْلٌ يَهْرُبُونَ
عَلَيْهَا وَنَحْنُ [ ص 987 ] عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ . قَالُوا
: الرّأْيُ مَا أَشَرْت بِهِ . قَالَ فَلَمّا اعْتَرَضُوا الْفَجْرَ أَغَارُوا
عَلَيْهَا فَقَتَلُوا مَنْ قَتَلُوا وَأَسَرُوا مَنْ أَسَرُوا ، وَاسْتَاقُوا
الذّرّيّةَ وَالنّسَاءَ وَجَمَعُوا النّعَمَ وَالشّاءَ وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ
أَحَدٌ تَغَيّبَ فَمَلَئُوا أَيْدِيَهُمْ . قَالَ تَقُولُ جَارِيَةٌ مِنْ
الْحَيّ تَرَى الْعَبْدَ الْأَسْوَدَ - وَكَانَ اسْمُهُ أَسْلَمَ - وَهُوَ
مُوثَقٌ مَالَهُ هَبِلَ هَذَا عَمَلُ رَسُولِكُمْ أَسْلَمَ ، لَا سَلِمَ وَهُوَ
جَلَبَهُمْ عَلَيْكُمْ وَدَلّهُمْ عَلَى عَوْرَتِكُمْ قَالَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ
أَقْصِرِي يَا ابْنَةَ الْأَكَارِمِ مَا دَلَلْتهمْ حَتّى قُدّمْت لِيُضْرَبَ
عُنُقِي قَالَ فَعَسْكَرَ الْقَوْمُ وَعَزَلُوا الْأَسْرَى وَهُمْ نَاحِيَةَ
نُفَيْرٍ وَعَزَلُوا الذّرّيّةَ وَأَصَابُوا مِنْ آلِ حَاتِمٍ أُخْتَ عَدِيّ
وَنُسَيّاتٍ مَعَهَا ، فَعَزَلُوهُنّ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ أَسْلَمُ لِعَلِيّ
عَلَيْهِ السّلَامُ مَا تَنْتَظِرُ بِإِطْلَاقِي ؟ فَقَالَ تَشْهَدُ أَنْ لَا
إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ . قَالَ أَنَا عَلَى دِينِ
قَوْمِي هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى ، مَا صَنَعُوا صَنَعْت قَالَ أَلَا تَرَاهُمْ
مُوثَقِينَ فَنَجْعَلُك مَعَهُمْ فِي رِبَاطِك ؟ قَالَ نَعَمْ أَنَا مَعَ
هَؤُلَاءِ مُوثَقًا أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ أَكُونَ مَعَ غَيْرِهِمْ مُطْلَقًا ،
يُصِيبُنِي مَا أَصَابَهُمْ فَضَحِكَ أَهْلُ السّرِيّةِ مِنْهُ فَأُوثِقَ وَطُرِحَ
مَعَ الْأَسْرَى ، وَقَالَ أَنَا مَعَهُمْ حَتّى تَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا أَنْتُمْ
رَاءُونَ . فَقَائِلٌ يَقُولُ لَهُ مِنْ
الْأَسْرَى : لَا مَرْحَبًا بِك ، أَنْتَ جِئْتنَا بِهِمْ وَقَائِلٌ يَقُول :
مَرْحَبًا بِك وَأَهْلًا ، مَا كَانَ عَلَيْك أَكْثَرُ مِمّا صَنَعْت لَوْ
أَصَابَنَا الّذِي أَصَابَك لَفَعَلْنَا الّذِي فَعَلْت وَأَشَدّ مِنْهُ ثُمّ
آسَيْت بِنَفْسِك وَجَاءَ الْعَسْكَرُ وَاجْتَمَعُوا ، فَقَرّبُوا الْأَسْرَى
فَعَرَضُوا عَلَيْهِمْ الْإِسْلَامَ فَمَنْ أَسْلَمَ تُرِكَ وَمَنْ أَبَى
ضُرِبَتْ عُنُقُهُ حَتّى أَتَوْا عَلَى الْأَسْوَدِ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ
الْإِسْلَامَ فَقَالَ وَاَللّهِ إنّ الْجَزَعَ مِنْ السّيْفِ لَلُؤْمٌ وَمَا
مِنْ خُلُودٍ قَالَ يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ الْحَيّ مِمّنْ أَسْلَمَ : يَا عَجَبًا
[ ص 988 ] مِنْك ، أَلَا كَانَ هَذَا حَيْثُ
أُخِذْت فَلَمّا قُتِلَ مَنْ قُتِلَ وَسُبِيَ مَنْ سُبِيَ مِنّا ، وَأَسْلَمَ
مِنّا مَنْ أَسْلَمَ رَاغِبًا فِي الْإِسْلَامِ تَقُولُ مَا تَقُولُ وَيْحَك ،
أَسْلِمْ وَاتّبِعْ دِينَ مُحَمّدٍ قَالَ فَإِنّي أُسْلِمُ وَأَتّبِعُ دِينَ
مُحَمّدٍ . فَأَسْلَمَ وَتُرِكَ وَكَانَ يَعِدُ فَلَا يَفِي حَتّى كَانَتْ
الرّدّةُ - فَشَهِدَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الْيَمَامَةَ فَأُبْلِيَ
بَلَاءً حَسَنًا .
(1/985)
قَالَ وَسَارَ عَلِيّ عَلَيْهِ
السّلَامُ إلَى الْفَلْسِ فَهَدَمَهُ وَخَرّبَهُ وَوَجَدَ فِي بَيْتِهِ
ثَلَاثَةَ أَسْيَافٍ رُسُوبَ وَالْمِخْذَمَ ، وَسَيْفًا يُقَالُ لَهُ
الْيَمَانِيّ ، وَثَلَاثَةَ أَدْرَاعٍ وَكَانَ عَلَيْهِ ثِيَابٌ يُلْبِسُونَهُ
إيّاهَا . وَجَمَعُوا السّبْيَ فَاسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ أَبُو قَتَادَةَ ،
وَاسْتُعْمِلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَتِيكٍ السّلَمِيّ عَلَى الْمَاشِيَةِ
وَالرّثّةِ ثُمّ سَارُوا حَتّى نَزَلُوا رَكَكَ فَاقْتَسَمُوا السّبْيَ
وَالْغَنَائِمَ وَعَزَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّا
رَسُوبًا وَالْمِخْذَمَ ، ثُمّ صَارَ لَهُ بَعْدُ السّيْفُ الْآخَرُ وَعَزَلَ الْخُمُسَ
وَعَزَلَ آلَ حَاتِمٍ ، فَلَمْ يَقْسِمْهُمْ حَتّى قَدِمَ بِهِمْ الْمَدِينَةَ .
قَالَ الْوَاقِدِيّ : فَحَدّثْت
هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَعْفَر الزّهْرِيّ فَقَالَ حَدّثَنِي
ابْنُ أَبِي عَوْنٍ قَالَ كَانَ فِي السّبْيِ أُخْتُ عَدِيّ بْنِ حَاتِمٍ لَمْ
تُقْسَمْ فَأُنْزِلَتْ دَارَ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ . وَكَانَ عَدِيّ بْنُ
حَاتِمٍ قَدْ هَرَبَ حِينَ سَمِعَ بِحَرَكَةِ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَكَانَ
لَهُ عَيْنٌ بِالْمَدِينَةِ فَحَذّرَهُ فَخَرَجَ إلَى الشّامِ ، [ ص 989 ]
وَكَانَتْ أُخْتُ عَدِيّ إذَا مَرّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
تَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ فَامْنُنْ عَلَيْنَا
مَنّ اللّهُ عَلَيْك كُلّ ذَلِكَ يَسْأَلُهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ وَافِدُك ؟ فَتَقُولُ عَدِيّ بْنُ حَاتِمٍ فَيَقُولُ
الْفَارّ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ ؟ حَتّى يَئِسَتْ . فَلَمّا
كَانَ يَوْمُ الرّابِعِ مَرّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ
تَكَلّمْ فَأَشَارَ إلَيْهَا رَجُلٌ قُومِي فَكَلّمِيهِ فَكَلّمَتْهُ فَأَذِنَ
لَهَا وَوَصَلَهَا ، وَسَأَلَتْ عَنْ الرّجُلِ الّذِي أَشَارَ إلَيْهَا فَقِيلَ
عَلِيّ ، وَهُوَ الّذِي سَبَاكُمْ أَمَا تَعْرِفِينَهُ ؟ فَقَالَتْ لَا
وَاَللّهِ مَا زِلْت مُدْنِيَةً طَرَفَ ثَوْبِي عَلَى وَجْهِي وَطَرَفَ رِدَائِي
عَلَى بُرْقُعِي مِنْ يَوْمِ أُسِرْت حَتّى دَخَلْت هَذِهِ الدّارَ وَلَا
رَأَيْت وَجْهَهُ وَلَا وَجْهَ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ .
(1/989)
==================================
غَزْوَةُ تَبُوكَ قُرِئَ عَلَى
أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي حَيّةَ قَالَ حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ
مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنَا عُمَرُ
بْنُ عُثْمَان بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
جَعْفَرٍ الزّهْرِيّ ، وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى ، وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ
وَرَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ
أَبِي قَتَادَةَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ . الْجُمَحِيّ .
وَعُمَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ
إبْرَاهِيمَ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَيَعْقُوبُ
بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ وَأَيّوبُ بْنُ
النّعْمَانِ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِ تَبُوكَ ،
وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ قَدْ حَدّثَنِي
مِمّنْ لَمْ أُسَمّ ثِقَاتٌ وَقَدْ كَتَبْت كُلّ مَا قَدْ حَدّثُونِي .
قَالُوا : كَانَتْ السّاقِطَةُ -
وَهُمْ الْأَنْبَاطُ - يَقْدَمُونَ الْمَدِينَة بِالدّرْمَكِ [ ص 990 ]
وَالزّيْتِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَبَعْدَ أَنْ دَخَلَ الْإِسْلَامُ فَإِنّمَا
كَانَتْ أَخْبَارُ الشّامِ عِنْد الْمُسْلِمِينَ كُلّ يَوْمٍ لِكَثْرَةِ مَنْ
يَقْدَمُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْأَنْبَاطِ ، فَقَدِمَتْ قَادِمَةٌ فَذَكَرُوا أَنّ
الرّومَ قَدْ جَمَعَتْ جَمُوعًا كَثِيرَةً بِالشّامِ وَأَنّ هِرَقْلَ قَدْ
رَزَقَ أَصْحَابَهُ لِسَنَةٍ وَأَجْلَبَتْ مَعَهُ لَخْمٌ ، وَجُذَامُ ،
وَغَسّانُ ، وَعَامِلَةُ . وَزَحَفُوا وَقَدّمُوا مُقَدّمَاتِهِمْ إلَى
الْبَلْقَاءِ وَعَسْكَرُوا بِهَا ، وَتَخَلّفَ هِرَقْلُ بِحِمْصٍ . وَلَمْ
يَكُنْ ذَلِكَ إنّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ قِيلَ لَهُمْ فَقَالُوهُ . وَلَمْ يَكُنْ
عَدُوّ أَخْوَفَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ وَذَلِكَ لِمَا عَايَنُوا مِنْهُمْ
- إذْ كَانُوا يَقْدَمُونَ عَلَيْهِمْ تُجّارًا - مِنْ الْعَدَدِ وَالْعُدّةِ
وَالْكُرَاعِ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا
يَغْزُو غَزْوَةً إلّا وَرّى بِغَيْرِهَا ، لِئَلّا تَذْهَبَ الْأَخْبَارُ
بِأَنّهُ يُرِيدُ كَذَا وَكَذَا ، حَتّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ ، فَغَزَاهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَرّ شَدِيدٍ وَاسْتَقْبَلَ
سَفَرًا بَعِيدًا ، وَاسْتَقْبَلَ غُزّى وَعَدَدًا كَثِيرًا ، فَجَلّى لِلنّاسِ
أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهّبُوا لِذَلِكَ أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ وَأَخْبَرَ بِالْوَجْهِ
الّذِي يُرِيدُ . وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى
الْقَبَائِلِ وَإِلَى مَكّةَ يَسْتَنْفِرُهُمْ إلَى غَزْوِهِمْ فَبَعَثَ إلَى
أَسْلَمَ بُرَيْدَةَ بْنَ الْحُصَيْبِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْلُغَ الْفُرْعَ . وَبَعَثَ أَبَا رُهْمٍ الْغِفَارِيّ إلَى قَوْمِهِ أَنْ
يَطْلُبَهُمْ بِبِلَادِهِمْ وَخَرَجَ أَبُو وَاقِدٍ اللّيْثِيّ فِي قَوْمِهِ
وَخَرَجَ أَبُو الْجَعْدِ الضّمْرِيّ فِي قَوْمِهِ بِالسّاحِلِ وَبَعَثَ رَافِعَ
بْنَ مَكِيثٍ وَجُنْدُبَ بْنَ مَكِيثٍ فِي جُهَيْنَةَ ; وَبَعَثَ نُعَيْمَ بْنَ
مَسْعُودٍ فِي أَشْجَعَ وَبَعَثَ فِي بَنِي كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو بُدَيْلَ بْنَ
وَرْقَاءَ وَعَمْرَو بْنَ سَالِمٍ وَبِشْرَ بْنَ سُفْيَانَ ; وَبَعَثَ فِي سُلَيْمٍ عِدّةً مِنْهُمْ الْعَبّاسُ بْنُ
مِرْدَاسٍ . وَحَضّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُسْلِمِينَ [ ص 991 ] عَلَى
الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ وَرَغّبَهُمْ فِيهِ وَأَمَرَهُمْ بِالصّدَقَةِ
فَحَمَلُوا صَدَقَاتٍ كَثِيرَةً فَكَانَ أَوّلَ مَنْ حَمَلَ أَبُو بَكْرٍ
الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ جَاءَ بِمَالِهِ كُلّهِ أَرْبَعَةِ آلَافِ
دِرْهَمٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ
أَبْقَيْت شَيْئًا ؟ قَالَ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ وَجَاءَ عُمَرُ رَضِيَ
اللّهُ عَنْهُ بِنِصْفِ مَالِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ أَبْقَيْت شَيْئًا ؟ قَالَ نَعَمْ نِصْفَ مَا جِئْت بِهِ
. وَبَلَغَ عُمَرَ مَا جَاءَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ مَا اسْتَبَقْنَا إلَى
الْخَيْرِ إلّا سَبَقَنِي إلَيْهِ . وَحَمَلَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطّلِبِ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَالًا ، وَحَمَلَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ إلَى النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَالًا ، وَحَمَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إلَيْهِ
مَالًا ، مِائَتَيْ أُوقِيّةٍ وَحَمَلَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ إلَيْهِ مَالًا ،
وَحَمَلَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ إلَيْهِ مَالًا . وَتَصَدّقَ
عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ بِتِسْعِينَ وَسْقًا تَمْرًا . وَجَهّزَ عُثْمَانُ بْنُ
عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ثُلُثَ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَكَانَ مِنْ
أَكْثَرِهِمْ نَفَقَةً حَتّى كَفَى ذَلِكَ الْجَيْشَ مَئُونَتَهُمْ حَتّى إنْ
كَانَ لَيُقَالُ مَا بَقِيَتْ لَهُمْ حَاجَةٌ حَتّى كَفَاهُمْ شُنُقَ
أَسْقِيَتِهِمْ . فَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ يَوْمَئِذٍ مَا يَضُرّ عُثْمَانَ مَا فَعَلَ بَعْدَ هَذَا
(1/990)
وَرَغِبَ أَهْلُ الْغِنَى فِي
الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ وَاحْتَسَبُوا فِي ذَلِكَ الْخَيْرَ وَقَوّوْا أُنَاسٌ
دُونَ هَؤُلَاءِ مَنْ هُوَ أَضْعَفُ مِنْهُمْ حَتّى إنّ الرّجُلَ لَيَأْتِي
بِالْبَعِيرِ إلَى الرّجُلِ وَالرّجُلَيْنِ فَيَقُولُ هَذَا الْبَعِيرُ
بَيْنَكُمَا تَتَعَاقَبَانِهِ وَيَأْتِي الرّجُلُ بِالنّفَقَةِ فَيُعْطِيهَا
بَعْضَ مَنْ يَخْرُجُ حَتّى إنْ كُنّ النّسَاءُ لَيُعِنّ بِكُلّ مَا قَدَرْنَ
عَلَيْهِ .
[ ص
992 ] قَالَتْ أُمّ سِنَانٍ الْأَسْلَمِيّةُ لَقَدْ رَأَيْت ثَوْبًا مَبْسُوطًا
بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فِيهِ مِسْكٌ وَمَعَاضِدُ وَخَلَاخِلُ
وَأَقْرِطَةٌ وَخَوَاتِيمُ وَخَدَمَاتٌ مِمّا يَبْعَثُ بِهِ النّسَاءُ يُعِنّ
بِهِ الْمُسْلِمِينَ فِي جَهَازِهِمْ . وَالنّاسُ فِي عُسْرَةٍ شَدِيدَةٍ
وَحِينَ طَابَتْ الثّمَارُ وَأُحِبّتْ الظّلَالُ فَالنّاسُ يُحِبّونَ الْمُقَامَ
وَيَكْرَهُونَ الشّخُوصَ عَنْهَا عَلَى الْحَالِ مِنْ الزّمَانِ الّذِي هُمْ
عَلَيْهِ وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ
بِالِانْكِمَاشِ وَالْجِدّ وَضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَسْكَرَهُ بِثَنِيّةِ الْوَدَاعِ وَالنّاسُ كَثِيرٌ لَا يَجْمَعُهُمْ
كِتَابٌ . قَدْ رَحَلَ يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ إلّا [ أَنّهُ ] ظَنّ أَنّ ذَلِكَ
سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنْ اللّهِ عَزّ وَجَلّ .
(1/992)
====
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْجَدّ بْنِ قَيْسٍ : أَبَا وَهْبٍ هَلْ لَك
الْعَامَ تَخْرُجُ مَعَنَا لَعَلّك تَحْتَقِبُ مِنْ بَنَاتِ الْأَصْفَرِ ؟
فَقَالَ الْجَدّ : أوَ تَأْذَنُ لِي وَلَا تَفْتِنّي ؟ فَوَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفَ
قَوْمِي مَا أَحَدٌ أَشَدّ عُجْبًا بِالنّسَاءِ مِنّي ، وَإِنّي لَأَخْشَى إنْ
رَأَيْت نِسَاءَ بَنِي الْأَصْفَرِ لَا أَصْبِرُ عَنْهُنّ . فَأَعْرَضَ عَنْهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ قَدْ أَذِنْت لَك
فَجَاءَهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْجَدّ - وَكَانَ بَدْرِيّا ، وَهُوَ
أَخُو مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ لِأُمّهِ - فَقَالَ لِأَبِيهِ لِمَ تَرُدّ عَلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَقَالَتَهُ ؟ فَوَاَللّهِ مَا فِي بَنِي
سَلِمَةَ أَكْثَرُ مَالًا مِنْك ، وَلَا تَخْرُجُ وَلَا تَحْمِلُ أَحَدًا قَالَ
يَا بُنَيّ مَا لِي وَلِلْخُرُوجِ [ ص 993 ] فِي الرّيحِ وَالْحَرّ
وَالْعُسْرَةِ إلَى بَنِي الْأَصْفَرِ ؟ وَاَللّهِ مَا آمَنُ خَوْفًا مِنْ بَنِي
الْأَصْفَرِ وَإِنّي فِي مَنْزِلِي بِخُرْبَى ، فَأَذْهَبُ إلَيْهِمْ
فَأَغْزُوهُمْ إنّي وَاَللّهِ يَا بُنَيّ عَالِمٌ بِالدّوَائِرِ فَأَغْلَظَ لَهُ
ابْنُهُ فَقَالَ لَا وَاَللّهِ وَلَكِنّهُ النّفَاقُ وَاَللّهِ لَيَنْزِلَنّ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيك قُرْآنٌ
يَقْرَءُونَهُ . قَالَ فَرَفَعَ نَعْلَهُ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهَهُ فَانْصَرَفَ
ابْنُهُ وَلَمْ يُكَلّمْهُ . وَجَعَلَ الْخَبِيثُ يُثَبّطُ قَوْمَهُ وَقَالَ
لِجَبّارِ بْنِ صَخْرٍ وَنَفَرٍ مَعَهُ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا بَنِي سَلِمَةَ
لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ . يَقُولُ لَا تَخْرُجُوا فِي الْحَرّ
زَهَادَةً فِي الْجِهَادِ وَشَكّا فِي الْحَقّ وَإِرْجَافًا بِرَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
فِيهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرّ إلَى قَوْلِهِ جَزَاءً بِمَا
كَانُوا يَكْسِبُونَ وَفِيهِ نَزَلَتْ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا
تَفْتِنّي الْآيَةَ أَيْ كَأَنّهُ إنّمَا يَخْشَى الْفِتْنَةَ مِنْ نِسَاءِ
بَنِي الْأَصْفَرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِهِ إنّمَا تَعَذّرَ بِالْبَاطِلِ فَمَا
سَقَطَ فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ أَكْثَرُ بِتَخَلّفِهِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَغْبَتِهِ بِنَفْسِهِ عَنْ نَفْسِهِ . يَقُول
اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَإِنّ جَهَنّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ يَقُولُ إنّ جَهَنّمَ
لَمِنْ وَرَائِهِ فَلَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَاءَ ابْنُهُ إلَى أَبِيهِ
فَقَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَك إنّهُ سَوْفَ يَنْزِلُ فِيك قُرْآنٌ يَقْرَأهُ
الْمُسْلِمُونَ ؟ قَالَ يَقُولُ أَبُوهُ اُسْكُتْ عَنّي يَا لُكَعُ وَاَللّهِ
لَا أَنْفَعُك بِنَافِعَةٍ أَبَدًا وَاَللّهِ لَأَنْتَ أَشَدّ عَلَيّ مِنْ
مُحَمّدٍ
(1/993)
قَالَ وَجَاءَ الْبَكّاءُونَ -
وَهُمْ سَبْعَةٌ - يَسْتَحْمِلُونَهُ وَكَانُوا أَهْلَ حَاجَةٍ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ
تَوَلّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدّمْعِ الْآيَةَ . وَهُمْ سَبْعَةٌ
مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ سَالِمُ [ ص 994 ] بْنُ عُمَيْرٍ ، قَدْ شَهِدَ
بَدْرًا ، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا ; وَمِنْ بَنِي وَاقِفٍ هَرَمِيّ بْنُ
عَمْرٍو ; وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ عُلْبَةُ
بْنُ زَيْدٍ ، وَهُوَ الّذِي تَصَدّقَ بِعَرْضِهِ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِالصّدَقَةِ فَجَعَلَ النّاسُ يَأْتُونَ
بِهَا ، فَجَاءَ عُلْبَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عِنْدِي مَا
أَتَصَدّقُ بِهِ وَجَعَلْت عَرْضِي حِلّا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَبِلَ اللّهُ صَدَقَتَك . وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ
النّجّارِ أَبُو لَيْلَى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ
عَمْرُو بْنُ عُتْبَةَ وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ سَلَمَةُ بْنُ صَخْرٍ ، وَمِنْ
بَنِي سُلَيْمٍ عِرْبَاضُ بْنُ سَارِيَةَ السّلَمِيّ . وَهَؤُلَاءِ أَثْبَتُ مَا
سَمِعْنَا . وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ [ بْنُ ] مُغَفّلٍ الْمُزَنِيّ ، وَعَمْرُو
بْنُ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ ، وَيُقَالُ هُمْ بَنُو مُقَرّنٍ ، مِنْ مُزَيْنَةَ .
وَلَمّا خَرَجَ الْبَكّاءُونَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَقَدْ أَعْلَمَهُمْ أَنّهُ لَا يَجِدُ مَا يَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ
وَإِنّمَا يُرِيدُونَ ظَهْرًا ، لَقِيَ يَامِينَ بْنَ عُمَيْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
شِبْلِ النّضْرِيّ أَبَا لَيْلَى الْمَازِنِيّ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ مُغَفّل
الْمُزَنِيّ ، وَهُمَا يَبْكِيَانِ فَقَالَ وَمَا يَبْكِيكُمَا ؟ قَالَا : جِئْنَا
إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَحْمِلَنَا ، فَلَمْ
نَجِدْ عِنْدَهُ مَا يَحْمِلُنَا عَلَيْهِ وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُنْفِقُ بِهِ
عَلَى الْخُرُوجِ وَنَحْنُ نَكْرَهُ أَنْ تَفُوتَنَا غَزْوَةٌ مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَعْطَاهُمَا نَاضِحًا لَهُ فَارْتَحَلَاهُ
. وَزَوّدَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمَا صَاعَيْنِ مِنْ تَمْرٍ . فَخَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . وَحَمَلَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ وَحَمَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مِنْهُمْ
ثَلَاثَةً بَعْدَ الّذِي كَانَ جَهّزَ مِنْ الْجَيْشِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَخْرُجْ مَعَنَا إلّا مُقْوٍ [ ص 995 ] فَخَرَجَ رَجُلٌ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ فَصَرَعَهُ
فَقَالَ النّاسُ الشّهِيدَ الشّهِيدَ فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُنَادِيًا يُنَادِي : لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ إلّا مُؤْمِنٌ - أَوْ إلّا نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ - وَلَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ
عَاصٍ . وَكَانَ الرّجُلُ طَرَحَهُ بَعِيرُهُ بِالسّوَيْدَاءِ .
(1/994)
قَالُوا : وَجَاءَ نَاسٌ مِنْ
الْمُنَافِقِينَ يَسْتَأْذِنُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مِنْ غَيْرِ عِلّةٍ فَأَذِنَ لَهُمْ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ الّذِينَ
اسْتَأْذَنُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ . وَجَاءَ
الْمُعَذّرُونَ مِنْ الْأَعْرَابِ فَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ فَلَمْ يَعْذِرْهُمْ
اللّهُ عَزّ وَجَلّ . هُمْ نَفَرٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، مِنْهُمْ خُفَافُ بْنُ
إيمَاءِ بْنِ رَحْضَةَ ، اثْنَانِ وَثَمَانُونَ رَجُلًا . وَأَقْبَلَ عَبْدُ
اللّهِ بْنُ أُبَيّ بِعَسْكَرِهِ فَضَرَبَهُ عَلَى ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ
بِحِذَاءِ ذُبَابٍ ، مَعَهُ حُلَفَاؤُهُ مِنْ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ
مِمّنْ اجْتَمَعَ إلَيْهِ فَكَانَ يُقَالُ لَيْسَ عَسْكَرُ ابْنِ أُبَيّ
بِأَقَلّ الْعَسْكَرَيْنِ . وَأَقَامَ مَا أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَسْتَخْلِفُ عَلَى الْعَسْكَرِ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
يُصَلّي بِالنّاسِ فَلَمّا اسْتَمَدّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ السّفَرُ وَأَجْمَعَ الْمَسِيرَ اسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ
سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ - وَيُقَالُ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ -
لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ غَزْوَةً غَيْرَ هَذِهِ . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَكْثِرُوا مِنْ النّعَالِ فَإِنّ الرّجُلَ لَا يَزَالُ
رَاكِبًا مَا دَامَ مُنْتَعِلًا فَلَمّا سَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَخَلّفَ ابْنُ أُبَيّ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَقَالَ يَغْزُو
مُحَمّدٌ بَنِي الْأَصْفَرِ . مَعَ جَهْدِ الْحَالِ وَالْحَرّ وَالْبَلَدِ
الْبَعِيدِ إلَى مَا لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ يَحْسِبُ مُحَمّدٌ أَنّ قِتَالَ بَنِي
الْأَصْفَرِ اللّعِبُ ؟ وَنَافَقَ مَعَهُ مَنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ ثُمّ
قَالَ ابْنُ أُبَيّ : وَاَللّهِ لَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى [ ص 996 ] أَصْحَابِهِ
غَدًا مُقَرّنِينَ فِي الْحِبَالِ إرْجَافًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ .
فَلَمّا رَحَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ إلَى تَبُوكَ ،
وَعَقَدَ الْأَلْوِيَةَ وَالرّايَاتِ فَدَفَعَ لِوَاءَهُ الْأَعْظَمَ إلَى أَبِي
بَكْرٍ الصّدّيقِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَرَايَتُهُ الْعُظْمَى إلَى الزّبَيْرِ
وَدَفَعَ رَايَةَ الْأَوْسِ إلَى أُسَيْدِ بْنِ الْحُضَيْرِ ، وَلِوَاءَ
الْخَزْرَجِ إلَى أَبِي دُجَانَةَ وَيُقَالُ إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ
بْنِ الْجَمُوحِ . قَالُوا : وَإِذَا عَبْدٌ لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ لَقِيَهُ
عَلَى رَأْسِ ثَنِيّةِ النّورِ وَالْعَبْدُ مُتَسَلّحٌ . قَالَ الْعَبْدُ .
أُقَاتِلُ مَعَك يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا أَنْتَ ؟ قَالَ مَمْلُوكٌ لِامْرَأَةٍ مِنْ بَنِي
ضَمْرَةَ سَيّئَةِ الْمَلَكَةِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ارْجِعْ إلَى سَيّدَتِك ، لَا تَقْتُلْ مَعِي فَتَدْخُلَ النّارَ
(1/996)
قَالَ حَدّثَنِي رِفَاعَةُ بْنُ
ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ جَلَسْت مَعَ
زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَذَكَرْنَا غَزْوَةَ تَبُوكَ ، فَذَكَرَ أَنّهُ حَمَلَ
لِوَاءَ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ فِي تَبُوكَ فَقُلْت : يَا أَبَا سَعِيدٍ كَمْ
تَرَى كَانَ الْمُسْلِمُونَ ؟ قَالَ ثَلَاثُونَ أَلْفًا ، لَقَدْ كَانَ النّاسُ
يَرْحَلُونَ عِنْدَ مَيْلِ الشّمْسِ فَمَا يَزَالُونَ يَرْحَلُونَ وَالسّاقَةُ
مُقِيمُونَ حَتّى يَرْحَلَ الْعَسْكَرُ . فَسَأَلْت بَعْضَ مَنْ كَانَ
بِالسّاقَةِ فَقَالَ مَا يَرْحَلُ آخِرُهُمْ إلّا مَسَاءً تَمّ نَرْحَلُ عَلَى أَثَرِهِمْ
فَمَا نَنْتَهِي إلَى الْعَسْكَرِ إلّا مُصْبِحِينَ مِنْ كَثْرَةِ النّاسِ .
قَالُوا : وَتَخَلّفَ نَفَرٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَبْطَأَتْ بِهِمْ النّيّةُ
عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تَخَلّفُوا عَنْهُ
مِنْ غَيْرِ شَكّ وَلَا ارْتِيَابٍ مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ [ ص 997 ] مَالِكٍ ،
وَكَانَ كَعْبٌ يَقُولُ كَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلّفْت عَنْ تَبُوكَ أَنّي
لَمْ أَكُ قَطّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنّي حِينَ تَخَلّفْت عَنْهُ فِي تِلْكَ
الْغَزْوَةِ وَاَللّهِ مَا اجْتَمَعَتْ لِي رَاحِلَتَانِ قَطّ حَتّى
اجْتَمَعَتَا فِي تِلْكَ الْغَزْوَةِ فَتَجَهّزَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَجَهّزَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ وَجَعَلْت أَعْدُو
لِأَتَجَهّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعَ وَلَمْ أَقْضِ حَاجَةً فَأَقُولُ فِي نَفْسِي
: أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ أَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتّى شَمّرَ بِالنّاسِ
الْجِدّ ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَازِيًا
وَالْمُسْلِمُونَ وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحِبّ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ
جَهَازِي شَيْئًا ، فَقُلْت : أَتَجَهّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ
ثُمّ أَلْحَقُ بِهِمْ . فَغَدَوْت بَعْدَ مَا فَصَلُوا أَتَجَهّزُ فَرَجَعْت
وَلَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا ، ثُمّ غَدَوْت فَلَمْ أَفْعَلْ شَيْئًا ، فَلَمْ
أَزَلْ يَتَمَادَى بِي حَتّى أَسْرَعُوا ، وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ وَقُلْت :
أَرْتَحِلُ فَأُدْرِكُهُمْ وَيَا لَيْتَنِي فَعَلْت وَلَمْ أَفْعَلْ وَجَعَلْت
إذَا خَرَجْت فِي النّاسِ فَطُفْت فِيهِمْ يُحْزِنُنِي أَلّا أَرَى إلّا رَجُلًا
مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النّفَاقُ أَوْ رَجُلًا مِمّنْ عَذَرَ اللّهُ وَلَمْ
يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى بَلَغَ
تَبُوكَ ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ
؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَالنّظَرُ
فِي عِطْفَيْهِ . فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : بِئْسَمَا
قُلْت وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إلّا خَيْرًا .
وَالْقَائِلُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَيُقَالُ الّذِي رَدّ عَلَيْهِ
الْمَقَالَةَ أَبُو قَتَادَةَ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ أَثْبَتُهُمَا عِنْدَنَا .
(1/997)
قَالَ هِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ
الْوَاقِفِيّ ، حِينَ تَخَلّفَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ [ ص 998 ] فِي تَبُوكَ : وَاَللّهِ مَا تَخَلّفْت شَكّا وَلَا
ارْتِيَابًا ، وَلَكِنْ كُنْت مُقْوِيًا فِي الْمَالِ . قُلْت : أَشْتَرِي
بَعِيرًا . وَلَقِيَنِي مُرَارَةُ بْنُ الرّبِيعِ فَقَالَ أَنَا رَجُلٌ مُقْوٍ
فَأَبْتَاعُ بَعِيرًا وَأَنْطَلِقُ بِهِ . فَقُلْت : هَذَا صَاحِبٌ أُرَافِقُهُ
. فَجَعَلْنَا نَقُولُ نَغْدُو فَنَشْتَرِي بَعِيرَيْنِ فَنَلْحَقُ بِالنّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَفُوتُ ذَلِكَ نَحْنُ قَوْمٌ مُخِفّونَ
عَلَى صَدْرِ رَاحِلَتَيْنِ فَغَدًا نَسِيرُ فَلَمْ نَزَلْ نَدْفَعُ ذَلِكَ
وَنُؤَخّرُ الْأَيّامَ حَتّى شَارَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ الْبِلَادَ . فَقُلْت : مَا هَذَا بِحِينِ خُرُوجٍ . وَجَعَلْت لَا
أَرَى فِي الدّارِ وَلَا فِي غَيْرِهَا إلّا مَعْذُورًا أَوْ مُنَافِقًا مُعْلِنًا
، فَأَرْجِعُ مُغْتَمّا بِمَا أَنَا فِيهِ . وَكَانَ أَبُو خَيْثَمَةَ قَدْ
تَخَلّفَ مَعَنَا ، وَكَانَ لَا يُتّهَمُ فِي إسْلَامِهِ وَلَا يُغْمَضُ
عَلَيْهِ فَعَزَمَ لَهُ عَلَى مَا عَزَمَ وَكَانَ أَبُو خَيْثَمَةَ يُسَمّى
عَبْدَ اللّهِ بْنَ خَيْثَمَةَ السّالِمِيّ فَرَجَعَ بَعْدَ أَنْ سَارَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَشَرَةَ أَيّامٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى
امْرَأَتَيْنِ لَهُ فِي يَوْمٍ حَارّ فَوَجَدَهُمَا فِي عَرِيشَيْنِ لَهُمَا ،
قَدْ رَشّتْ كُلّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَرِيشَهَا وَبَرّدَتْ لَهُ فِيهِ مَاءً
وَهَيّأَتْ لَهُ فِيهِ طَعَامًا ، فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِمَا قَامَ عَلَى
الْعَرِيشَيْنِ فَقَالَ سُبْحَانَ اللّهِ رَسُولُ اللّهِ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخّرَ فِي الضّحّ وَالرّيحِ وَالْحَرّ يَحْمِلُ
سِلَاحَهُ عَلَى عُنُقِهِ وَأَبُو خَيْثَمَةَ فِي ظِلَالٍ بَارِدٍ وَطَعَامٍ
مُهَيّأٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَسْنَاوَيْنِ مُقِيمٌ فِي مَالِهِ مَا هَذَا
بِالنّصَفِ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَا أَدْخُلُ عَرِيشَ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا
حَتّى أَخْرُجَ فَأَلْحَقَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
فَأَنَاخَ نَاضِحَهُ وَشَدّ عَلَيْهِ قَتَبَهُ وَتَزَوّدَ وَارْتَحَلَ
فَجَعَلَتْ امْرَأَتَاهُ يُكَلّمَانِهِ وَلَا يُكَلّمُهُمَا ، حَتّى أَدْرَكَ
عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ بِوَادِي الْقُرَى يُرِيدُ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصَحِبَهُ فَتَرَافَقَا ، حَتّى إذَا دَنَوْا مِنْ
تَبُوكَ قَالَ أَبُو خَيْثَمَةَ يَا عُمَيْرُ إنّ لِي ذُنُوبًا وَأَنْتَ لَا
ذَنْبَ لَك . فَلَا عَلَيْك أَنْ [ ص 999 ] تَخَلّفَ عَنّي حَتّى آتِيَ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَك . فَفَعَلَ عُمَيْرٌ فَسَارَ
أَبُو خَيْثَمَةَ حَتّى إذَا دَنَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ - وَهُوَ نَازِلٌ بِتَبُوكَ - قَالَ
النّاسُ هَذَا رَاكِبٌ الطّرِيقَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَقَالَ النّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أَبُو
خَيْثَمَةَ فَلَمّا أَنَاخَ أَقْبَلَ فَسَلّمَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَوْلَى لَك يَا أَبَا خَيْثَمَةَ ثُمّ أَخْبَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرَ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا وَدَعَا لَهُ قَالَ وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَصَبّحَ ذَا خُشُبٍ فَنَزَلَ تَحْتَ
الدّوْمَةِ وَكَانَ دَلِيلَهُ إلَى تَبُوكَ عَلْقَمَةُ بْنُ الْفَغْوَاءِ
الْخُزَاعِيّ . فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ
الدّوْمَةِ فَرَاحَ مِنْهَا مُمْسِيًا حَيْثُ أَبْرَدَ وَكَانَ فِي حَرّ شَدِيدٍ
وَكَانَ يَجْمَعُ مِنْ يَوْمِ نَزَلَ ذَا خُشُبٍ بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ
فِي مَنْزِلِهِ يُؤَخّرُ الظّهْرَ حَتّى يُبْرِدَ وَيُعَجّلُ الْعَصْرَ ثُمّ
يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ، فَكُلّ ذَلِكَ فَعَلَهُ حَتّى رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ .
وَكَانَتْ مَسَاجِدُهُ فِي سَفَرِهِ
إلَى تَبُوكَ مَعْرُوفَةً صَلّى تَحْتَ دَوْمَةٍ بِذِي خُشُبٍ وَمَسْجِدِ
الْفَيْفَاءِ ، وَمَسْجِدٍ بِالْمَرْوَةِ وَمَسْجِدٍ بِالسّقْيَا ، وَمَسْجِدٍ
بِوَادِي الْقُرَى ، وَمَسْجِدٍ بِالْحِجْرِ وَمَسْجِدٍ بِذَنَبِ حَوْصَاءَ
وَمَسْجِدٍ بِذِي الْجِيفَةِ مِنْ صَدْرِ حَوْصَاءَ . وَمَسْجِدٍ بِشِقّ
تَارَاءَ . مِمّا يَلِي جَوْبَرَ وَمَسْجِدٍ بِذَاتِ الْخِطْمِيّ وَمَسْجِدٍ
بِسَمَنَةَ وَمَسْجِدٍ بِالْأَخْضَرِ وَمَسْجِدٍ بِذَاتِ الزّرَابِ وَمَسْجِدٍ بِالْمِدْرَانِ
وَمَسْجِدٍ بِتَبُوكَ . [ ص 1000 ]
(1/998)
وَلَمّا مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ثَنِيّةِ الْوَدَاعِ سَائِرًا ، فَجَعَلَ
يَتَخَلّفُ عَنْهُ الرّجَالُ فَيَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ تَخَلّفَ فُلَانٌ
فَيَقُولُ دَعُوهُ فَإِنْ يَكُ فِيهِ خَيْرٌ فَسَيُلْحِقُهُ اللّهُ بِكُمْ ،
وَإِنْ يَكُ غَيْرَ ذَلِكَ فَقَدْ أَرَاحَكُمْ اللّهُ مِنْهُ فَخَرَجَ مَعَهُ
نَاسٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ كَثِيرٌ لَمْ يَخْرُجُوا إلّا رَجَاءَ الْغَنِيمَةِ . وَكَانَ أَبُو ذَرّ يَقُولُ أَبْطَأْت فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ
مِنْ أَجْلِ بَعِيرِي ، كَانَ نِضْوًا أَعْجَفَ فَقُلْت : أَعْلِفُهُ أَيّامًا
ثُمّ أَلْحَقُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَعَلَفْته أَيّامًا
ثُمّ خَرَجْت ، فَلَمّا كُنْت بِذِي الْمَرْوَةِ عَجَزَ بِي ، فَتَلَوّمْت
عَلَيْهِ يَوْمًا فَلَمْ أَرَ بِهِ حَرَكَةً فَأَخَذْت مَتَاعِي فَحَمَلْته
عَلَى ظَهْرِي ، ثُمّ خَرَجْت أَتْبَعُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَاشِيًا فِي حَرّ شَدِيدٍ وَقَدْ تَقَطّعَ النّاسُ فَلَا أَرَى أَحَدًا
يَلْحَقُنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَطَلَعْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِصْفَ النّهَارِ وَقَدْ بَلَغَ مِنّي الْعَطَشُ فَنَظَرَ
نَاظِرٌ مِنْ الطّرِيقِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ هَذَا الرّجُلَ يَمْشِي
عَلَى الطّرِيقِ وَحْدَهُ . فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَقُولُ كُنْ أَبَا ذَرّ فَلَمّا تَأَمّلَنِي الْقَوْمُ قَالُوا : يَا رَسُولَ
اللّهِ هَذَا أَبُو ذَرّ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
حَتّى دَنَوْت مِنْهُ فَقَالَ مَرْحَبًا بِأَبِي ذَرّ يَمْشِي وَحْدَهُ
وَيَمُوتُ وَحْدَهُ وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ فَقَالَ مَا خَلّفَك يَا أَبَا ذَرّ ؟
فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ بَعِيرِهِ ثُمّ قَالَ إنْ كُنْت لَمِنْ أَعَزّ أَهْلِي
عَلَيّ تَخَلّفًا ، لَقَدْ غَفَرَ اللّهُ لَك يَا أَبَا ذَرّ بِكُلّ خُطْوَةٍ
ذَنْبًا إلَى أَنْ بَلَغْتنِي . وَوَضَعَ مَتَاعَهُ عَنْ ظَهْرِهِ نَمْ
اسْتَسْقَى ، فَأُتِيَ بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَلَمّا أَخْرَجَهُ
عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى الرّبَذَةِ فَأَصَابَهُ قَدَرُهُ لَمْ
يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ إلّا امْرَأَتُهُ وَغُلَامُهُ
(1/998)
[ ص
1001 ] فَأَوْصَاهُمَا فَقَالَ اغْسِلَانِي وَكَفّنَانِي ، ثُمّ ضَعَانِي عَلَى
قَارِعَةِ الطّرِيقِ إذَا أَنَا مُتّ . وَأَقْبَلَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي رَهْطٍ
مِنْ الْعِرَاقِ عُمّارًا ، فَلَمْ يَرْعَهُمْ إلّا بِالْجِنَازَةِ عَلَى
قَارِعَةِ الطّرِيقِ قَدْ كَادَتْ الْإِبِلُ تَطَؤُهَا ، فَسَلّمَ الْقَوْمُ
فَقَامَ إلَيْهِمْ غُلَامُهُ فَقَالَ لَهُمْ هَذَا أَبُو ذَرّ صَاحِبُ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعِينُونِي عَلَيْهِ فَاسْتَهَلّ
ابْنُ مَسْعُودٍ يَبْكِي وَيَقُولُ صَدَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ « أَبُو ذَرّ يَمْشِي وَحْدَهُ وَيَمُوتُ وَحْدَهُ وَيُبْعَثُ وَحْدَهُ
» . ثُمّ نَزَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ حَتّى وَارَوْهُ ثُمّ حَدّثَهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ
حَدِيثَهُ وَمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
مَسِيرِهِ إلَى تَبُوكَ .
وَكَانَ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ
- وَهُوَ كُلْثُومُ بْنُ الْحُصَيْنِ قَدْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ الشّجَرَةِ - فَقَالَ غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَبُوكَ . قَالَ فَسِرْت ذَاتَ لَيْلَةٍ مَعَهُ
وَنَحْنُ بِالْأَخْضَرِ وَأَنَا قَرِيبٌ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأُلْقِيَ عَلَيّ النّعَاسُ فَطَفِقْت أَسْتَيْقِظُ وَقَدْ دَنَتْ
رَاحِلَتِي مِنْ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَيُفْزِعُنِي دُنُوّهَا مِنْهُ خَشْيَةَ أَنْ أُصِيبَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ
فَطَفِقْت أَحُوزُ رَاحِلَتِي حَتّى غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فِي بَعْضِ الطّرِيقِ
وَنَحْنُ فِي بَعْضِ اللّيْلِ فَزَاحَمَتْ رَاحِلَتِي رَاحِلَتَهُ وَرِجْلُهُ
فِي الْغَرْزِ فَمَا اسْتَيْقَظْت إلّا بِقَوْلِهِ حَسّ فَقُلْت : يَا رَسُولَ
اللّهِ اسْتَغْفِرْ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
سِرْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْأَلُنِي
عَمّنْ تَخَلّفَ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، [ ص
1002 ] فَأُخْبِرُهُ بِهِمْ وَهُوَ يَسْأَلُنِي مَا فَعَلَ النّفَرُ الْحُمْرُ
الطّوَالُ النّطَانِطِ ؟ فَحَدّثْته بِتَخَلّفِهِمْ . قَالَ فَمَا فَعَلَ النّفَرُ
السّودُ الْقِصَارُ الْجِعَادُ الْحُلْسُ ؟ فَقُلْت : وَاَللّهِ
يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَعْرِفُ هَؤُلَاءِ . قَالَ بَلَى ، الّذِينَ هُمْ
بِشَبَكَةِ شَدَخٍ . قَالَ فَتَذَكّرْتهمْ فِي بَنِي غِفَارٍ فَلَا أَذْكُرُهُمْ
ثُمّ ذَكَرْت أَنّهُمْ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ كَانُوا فِينَا وَكَانُوا يَحِلّونَ
بِشَبَكَةِ شَدَخٍ لَهُمْ نَعَمٌ كَثِيرٌ ، فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ
أُولَئِكَ رَهْطٌ مِنْ أَسْلَمَ حُلَفَاءُ لَنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا مَنَعَ أَحَدٌ أُولَئِكَ حِينَ تَخَلّفَ أَنْ
يَحْمِلَ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ إبِلِهِ رَجُلًا نَشِيطًا فِي سَبِيلِ اللّهِ
مِمّنْ يَخْرُجُ مَعَنَا ، فَيَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الْخَارِجِ إنْ كَانَ
لَمِنْ أَعَزّ أَهْلِي عَلَيّ أَنْ يَتَخَلّفَ عَنّي الْمُهَاجِرُونَ مِنْ
قُرَيْشٍ وَالْأَنْصَارُ ، وَغِفَارٌ ، وَأَسْلَمُ .
وَقَالُوا : بَيْنَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَسِيرِهِ مَرّ عَلَى بَعِيرٍ مِنْ
الْعَسْكَرِ قَدْ تَرَكَهُ صَاحِبُهُ مِنْ الْعَجَفِ وَالضّعْفِ فَمَرّ بَهْ
مَارّ فَأَقَامَ عَلَيْهِ وَعَلَفَهُ أَيّامًا ثُمّ حَوّلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ
فَصَلُحَ الْبَعِيرُ فَسَافَرَ عَلَيْهِ فَرَآهُ صَاحِبُهُ الْأَوّلُ
فَاخْتَصَمَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَحْيَا خُفّا أَوْ كُرَاعًا
بِمَهْلَكَةٍ مِنْ الْأَرْضِ فَهُوَ لَه
قَالَ وَكَانَ النّاسُ مَعَ رَسُولِ
اللّهِ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَمِنْ الْخَيْلِ عَشْرَةُ آلَافٍ فَرَسٌ .
وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّ بَطْنٍ مِنْ
الْأَنْصَارِ أَنْ يَتّخِذُوا لِوَاءً وَرَايَةً وَالْقَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ
فِيهَا الرّايَاتُ وَالْأَلْوِيَةُ . [ ص 1003 ] وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ دَفَعَ رَايَةَ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ
إلَى عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَأَعْطَاهُ الرّايَةَ . قَالَ عُمَارَةُ يَا رَسُولَ
اللّهِ لَعَلّك وَجَدْت عَلَيّ قَالَ لَا وَاَللّهِ وَلَكِنْ قَدّمُوا
الْقُرْآنَ وَكَانَ أَكْثَرَ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ مِنْك ; وَالْقُرْآنُ يُقَدّمُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَسْوَدَ
مُجَدّعًا وَأَمَرَ فِي الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ أَنْ يَحْمِلَ رَايَاتِهِمْ
أَكْثَرُهُمْ أَخْذًا لِلْقُرْآنِ وَكَانَ أَبُو زَيْدٍ يَحْمِلُ رَايَةَ بَنِي
عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَحْمِلُ رَايَةَ بَنِي
سَلِمَةَ . وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمًا بِأَصْحَابِهِ فِي سَفَرِهِ وَعَلَيْهِ جُبّةٌ
صُوفٌ وَقَدْ أَخَذَ بِعَنَانِ فَرَسِهِ - أَوْ قَالَ مِقْوَدِ فَرَسِهِ -
وَهُوَ يُصَلّي ، فَبَالَ الْفَرَسُ فَأَصَابَ الْجُبّةَ فَلَمْ يَغْسِلْهُ
وَقَالَ لَا بَأْسَ بِأَبْوَالِهَا وَلُعَابِهَا وَعَرَقِهَا .
(1/1001)
قَالُوا : وَكَانَ رَهْطٌ مِنْ
الْمُنَافِقِينَ يَسِيرُونَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي
تَبُوكَ ، مِنْهُمْ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ ، أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ
وَالْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ الصّامِتِ ، ومخشي بْنُ حِمْيَرَ مِنْ أَشْجَعَ
حَلِيفٌ لِبَنِي سَلِمَةَ وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ . فَقَالَ تَحْسَبُونَ
قِتَالَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ غَيْرِهِمْ ؟ وَاَللّهِ لَكَأَنّا بِكُمْ
غَدًا مُقَرّنِينَ فِي الْحِبَالِ إرْجَافًا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ : مَا
لِي أَرَى قُرّاءَنَا هَؤُلَاءِ أَوْعَبَنَا بُطُونًا ، وَأَكْذَبَنَا
أَلْسِنَةً وَأَجْبَنَنَا عِنْدَ اللّقَاءِ ؟ وَقَالَ الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدٍ
، وَكَانَ زَوْجُ أُمّ عُمَيْرٍ وَكَانَ ابْنُهَا عُمَيْرٌ يَتِيمًا فِي
حِجْرِهِ هَؤُلَاءِ [ ص 1004 ] سَادَتُنَا وَأَشْرَافُنَا وَأَهْلُ الْفَضْلِ
مِنّا وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ صَادِقًا لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحَمِيرِ
وَاَللّهِ لَوَدِدْت أَنّي أُقَاضِي عَلَى أَنْ يُضْرَبَ كُلّ رَجُلٍ مِنّا
مِائَةَ جَلْدَةٍ وَأَنّا نَنْفَلِتُ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ فِينَا الْقُرْآنُ
بِمَقَالَتِكُمْ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَدْرِكْ الْقَوْمَ فَإِنّهُمْ
قَدْ احْتَرَقُوا ، فَسَلْهُمْ عَمّا قَالُوا ، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ بَلَى
، قَدْ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا فَذَهَبَ إلَيْهِمْ عَمّارٌ فَقَالَ لَهُمْ
فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعْتَذِرُونَ إلَيْهِ
. فَقَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَى نَاقَتِهِ وَقَدْ أَخَذَ بِحَقَبِ نَاقَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرِجْلَاهُ تَنْسِفَانِ الْحِجَارَةَ وَهُوَ يَقُولُ يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ
فِيهِ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ
إلَى قَوْلِهِ بِأَنّهُمْ كَانُوا
مُجْرِمِينَ
قَالُوا : وَرَدّ عُمَيْرٌ عَلَى
الْجُلَاسِ مَا قَالَ - حِينَ قَالَ لَنَحْنُ شَرّ مِنْ الْحَمِيرِ - قَالَ
فَأَنْت شَرّ مِنْ الْحِمَارِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الصّادِقُ وَأَنْت الْكَاذِبُ وَجَاءَ الْجُلَاسُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَلَفَ مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ
عَزّ وَجَلّ عَلَى نَبِيّهِ فِيهِ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا
كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَنَزَلَتْ فِيهِ وَمَا نَقَمُوا إِلّا أَنْ أَغْنَاهُمُ
اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ
الْآيَةُ . قَالَ وَكَانَ
لِلْجُلَاسِ دِيَةٌ فِي الْجَاهِلِيّةِ عَلَى بَعْضِ قَوْمِهِ وَكَانَ
مُحْتَاجًا ، فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْمَدِينَةَ أَخَذَهَا لَهُ فَاسْتَغْنَى بِهَا . وَقَالَ
مخشي بْنُ حِمْيَرَ : قَدْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ قَعَدَ بِي اسْمِي
وَاسْمُ أَبِي ، فَكَانَ الّذِي عُفِيَ عَنْهُ [ ص 1005 ] فِي هَذِهِ الْآيَةِ
مخشي بْنُ حِمْيَرَ - فَسَمّاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَبْدُ الرّحْمَنِ أَوْ عَبْدُ اللّهِ - وَسَأَلَ اللّهَ عَزّ وَجَلّ أَنْ
يُقْتَلَ شَهِيدًا وَلَا يُعْلَمَ بِمَكَانِهِ فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ
فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ أَثَرٌ . وَيُقَالُ فِي الْجُلَاسِ بْنُ سُوَيْدٍ : إنّهُ
كَانَ مِمّنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، فَكَانَ
يُثَبّطُ النّاسَ عَنْ الْخُرُوجِ وَكَانَتْ أُمّ عُمَيْرٍ تَحْتَهُ وَكَانَ
عُمَيْرٌ يَتِيمًا فِي حِجْرِهِ وَلَا مَالَ لَهُ فَكَانَ يَكْفُلُهُ وَيُحْسِنُ
إلَيْهِ فَسَمِعَهُ وَهُوَ يَقُولُ وَاَللّهِ لَئِنْ كَانَ مُحَمّدٌ صَادِقًا لَنَحْنُ
شَرّ مِنْ الْحَمِيرِ فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ يَا جُلَاسُ قَدْ كُنْت أَحَبّ
النّاسِ إلَيّ وَأَحْسَنَهُمْ عِنْدِي أَثَرًا ، وَأَعَزّهُمْ عَلَيّ أَنْ
يَدْخُلَ عَلَيْهِ شَيْءٌ نَكْرَهُهُ وَاَللّهِ لَقَدْ قُلْت مَقَالَةً لَئِنْ
ذَكَرْتهَا لَتَفْضَحَنّكَ وَلَئِنْ كَتَمْتهَا لَأَهْلِكَنّ وَإِحْدَاهُمَا
أَهْوَنُ عَلَيّ مِنْ الْأُخْرَى فَذَكَرَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَقَالَةَ الْجُلَاسِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ قَدْ أَعْطَى الْجُلَاسَ مَالًا مِنْ الصّدَقَةِ لِحَاجَتِهِ وَكَانَ
فَقِيرًا ، فَبَعَثَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْجُلَاسِ
فَسَأَلَهُ عَمّا قَالَ عُمَيْرٌ فَحَلَفَ بِاَللّهِ مَا تَكَلّمَ بَهْ قَطّ ،
وَأَنّ عُمَيْرًا لَكَاذِبٌ - وَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ - وَهُوَ حَاضِرٌ
عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَ وَهُوَ يَقُولُ
اللّهُمّ أَنْزِلْ عَلَى رَسُولِك بَيَانَ مَا تَكَلّمْت بِهِ فَأَنْزَلَ اللّهُ
عَلَى نَبِيّهِ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ
الْكُفْرِ إلَى قَوْلِهِ أَغْنَاهُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ
لِلصّدَقَةِ الّتِي أَعْطَاهَا
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ
الْجُلَاسُ اسْمَعْ اللّهُ قَدْ عَرَضَ عَلَيّ التّوْبَةَ وَاَللّهِ لَقَدْ
قُلْت مَا قَالَ عُمَيْرٌ وَلَمّا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ وَحَسُنَتْ تَوْبَتُهُ
وَلَمْ يَمْتَنِعْ عَنْ خَيْرٍ كَانَ يَصْنَعُهُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ سَعِيدٍ فَكَانَ
ذَلِك مِمّا قَدْ عُرِفَتْ بَهْ تَوْبَتُهُ .
قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السّاعِدِيّ :
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى [ ص 1006 ]
تَبُوكَ ، فَلَمّا جِئْنَا وَادِيَ الْقُرَى مَرَرْنَا عَلَى حَدِيقَةٍ
لِامْرَأَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
اُخْرُصُوهَا فَخَرَصَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَخَرَصْنَاهَا مَعَهُ عَشْرَةَ أَوْسَاقٍ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْفَظِي مَا خَرَجَ مِنْهَا حَتّى نَرْجِعَ إلَيْك .
فَلَمّا أَمْسَيْنَا بِالْحِجْرِ قَالَ إنّهَا سَتَهُبّ اللّيْلَةَ رِيحٌ
شَدِيدَةٌ فَلَا يَقُومَنّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إلّا مَعَ صَاحِبِهِ وَمَنْ كَانَ
لَهُ بَعِيرٌ فَلْيُوثِقْ عِقَالَهُ . قَالَ فَهَاجَتْ رِيحٌ شَدِيدَةٌ وَلَمْ
يَقُمْ أَحَدٌ إلّا مَعَ صَاحِبِهِ إلّا رَجُلَيْنِ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ خَرَجَ
أَحَدُهُمَا لِحَاجَتِهِ وَخَرَجَ الْآخَرُ فِي طَلَبِ بَعِيرِهِ . فَأَمّا الّذِي
ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ فَإِنّهُ خُنِقَ عَلَى مَذْهَبِهِ وَأَمّا الّذِي ذَهَبَ فِي
طَلَبِ بَعِيرِهِ فَاحْتَمَلَتْهُ الرّيحُ فَطَرَحَتْهُ بِجَبَلَيْ طَيّئٍ
فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرَهُمَا ،
فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ
يَخْرُجَ رَجُلٌ إلّا وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ ؟ ثُمّ دَعَا الّذِي أُصِيبَ عَلَى
مَذْهَبِهِ فَشُفِيَ وَأَمّا الْآخَرُ الّذِي وَقَعَ بِجَبَلَيْ طَيّئٍ فَإِنّ
طَيّئًا أَهْدَتْهُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ . وَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَادِيَ الْقُرَى أَهْدَى لَهُ بَنُو عُرَيْضٍ الْيَهُودِيّ هَرِيسًا
فَأَكَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَطْعَمَهُمْ
أَرْبَعِينَ وَسْقًا ، فَهِيَ جَارِيَةٌ عَلَيْهِمْ . تَقُولُ امْرَأَةٌ مِنْ
الْيَهُودِ : هَذَا الّذِي صَنَعَ بِهِمْ مُحَمّدٌ خَيْرٌ مِمّا وَرِثُوهُ مِنْ
آبَائِهِمْ لِأَنّ هَذَا لَا يَزَالُ جَارِيًا عَلَيْهِمْ إلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ .
(1/1004)
وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدّثُ
يَقُولُ لَمّا مَرَرْنَا بِالْحِجْرِ اسْتَقَى النّاسُ مِنْ [ ص 1007 ]
بِئْرِهَا وَعَجَنُوا ، فَنَادَى مُنَادِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لَا تَشْرَبُوا مِنْ مَائِهَا وَلَا تَتَوَضّئُوا مِنْهُ لِلصّلَاةِ
وَمَا كَانَ مِنْ عَجِينٍ فَاعْلِفُوهُ الْإِبِلَ . قَالَ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ
كُنْت أَصْغَرَ أَصْحَابِي وَكُنْت مُقْرِيهمْ فِي تَبُوكَ ، فَلَمّا نَزَلْنَا
عَجَنْت لَهُمْ ثُمّ تَحَيّنْت الْعَجِينَ وَقَدْ ذَهَبْت أَطْلُبُ حَطَبًا ، فَإِذَا
مُنَادِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُنَادِي : إنّ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُكُمْ أَلّا تَشْرَبُوا مِنْ مَاءِ
بِئْرِهِمْ . فَجَعَلَ النّاسُ يَهْرَقُونَ مَا فِي أَسْقِيَتِهَا . قَالُوا :
يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ عَجَنّا . قَالَ أَعْلِفُوهُ الْإِبِلَ قَالَ سَهْلٌ
فَأَخَذْت مَا عَجَنْت فَعَلَفْت نِضْوَيْنِ فَهُمَا كَانَا أَضْعَفَ رِكَابِنَا
. وَتَحَوّلْنَا إلَى بِئْرِ صَالِحٍ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَجَعَلْنَا
نَسْتَقِي مِنْ الْأَسْقِيَةِ وَنَغْسِلُهَا ، ثُمّ ارْتَوَيْنَا ، فَلَمْ
نَرْجِعْ يَوْمَئِذٍ إلّا مُمْسِينَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَسْأَلُوا نَبِيّكُمْ الْآيَاتِ هَؤُلَاءِ قَوْمُ صَالِحٍ
سَأَلُوا نَبِيّهُمْ آيَةً فَكَانَتْ النّاقَةُ تَرِدُ عَلَيْهِمْ مِنْ هَذَا
الْفَلْجِ تَسْقِيهِمْ مِنْ لَبَنِهَا يَوْمَ وِرْدِهَا مَا شَرِبَتْ مِنْ
مَائِهَا ، فَعَقَرُوهَا فَأُوعِدُوا ثَلَاثًا ، وَكَانَ وَعْدُ اللّهِ غَيْرَ
مَكْذُوبٍ فَأَخَذَتْهُمْ الصّيْحَةُ فَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ تَحْتَ
أَدِيمِ السّمَاءِ إلّا هَلَكَ إلّا رَجُلٌ فِي الْحَرَمِ مَنَعَهُ الْحَرَمُ
مِنْ عَذَابِ اللّهِ . قَالُوا : يَا نَبِيّ اللّهِ مَنْ هُوَ ؟ قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو رِغَالٍ ، أَبُو ثَقِيفٍ . قَالُوا
: فَمَا لَهُ بِنَاحِيَةِ مَكّةَ ؟ قَالَ إنّ صَالِحًا بَعَثَهُ مُصَدّقًا ،
فَانْتَهَى إلَى رَجُلٍ مَعَهُ مِائَةُ شَاةٍ شُصُصٍ وَمَعَهُ شَاةٌ وَالِدٌ
وَمَعَهُ صَبِيّ مَاتَتْ أُمّهُ بِالْأَمْسِ . فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ
أَرْسَلَنِي إلَيْك . فَقَالَ مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللّهِ
وَأَهْلًا [ ص 1008 ] خُذْ قَالَ فَأَخَذَ الشّاةَ اللّبُونَ فَقَالَ إنّمَا
هِيَ أُمّ هَذَا الْغُلَامِ بَعْدَ أُمّهِ خُذْ مَكَانَهَا عَشْرًا . قَالَ لَا
. قَالَ عِشْرِينَ . قَالَ لَا . قَالَ خَمْسِينَ .
قَالَ لَا . قَالَ خُذْهَا كُلّهَا إلّا هَذِهِ الشّاةَ . قَالَ لَا . قَالَ إنْ
كُنْت تُحِبّ اللّبَنَ فَأَنَا أُحِبّهُ . فَنَثَرَ كِنَانَتَهُ ثُمّ قَالَ
اللّهُمّ تَشْهَدْ ثُمّ فَوّقَ لَهُ بِسَهْمٍ فَقَتَلَهُ فَقَالَ لَا يَسْبِقُ
بِهَذَا الْخَبَرِ إلَى نَبِيّ اللّه أَوّلَ مِنّي فَجَاءَ صَالِحًا
فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ ، فَرَفَعَ صَالِحٌ يَدَيْهِ مُدّا فَقَالَ اللّهُمّ
الْعَنْ أَبَا رِغَالٍ ثَلَاثًا . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لَا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الْمُعَذّبِينَ إلّا أَنْ
تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ
فَيُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ : رَأَيْت رَجُلًا
جَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَاتَمٍ وَجَدَهُ فِي
الْحِجْرِ فِي بُيُوتِ الْمُعَذّبِينَ . قَالَ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَاسْتَتَرَ
بِيَدِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ وَقَالَ أَلْقِهِ فَأَلْقَاهُ فَمَا أَدْرِي
أَيْنَ وَقَعَ حَتّى السّاعَةَ . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إنّ رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ حِينَ حَاذَاهُمْ
إنّ هَذَا وَادِي النّفْرِ فَجَعَلُوا يُوضِعُونَ فِيهِ رِكَابَهُمْ حَتّى
خَرَجُوا مِنْهُ . قَالَ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ
يُوسُفَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ
رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ
حَتّى خَلّفَهَا . قَالَ وَارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا أَصْبَحَ وَلَا مَاءَ مَعَهُمْ فَشَكَوْا
ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي
حَدْرَدٍ فَرَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ
فَدَعَا - وَلَا وَاَللّهِ مَا أَرَى فِي السّمَاءِ سَحَابًا - فَمَا بَرِحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَدْعُو حَتّى إنّي لَأَنْظُرُ إلَى السّحَابِ تَأْتَلِفُ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ فَمَا
رَامَ مَقَامَهُ حَتّى سَحّتَ عَلَيْنَا [ ص 1009 ] السّمَاءُ بِالرّوَاءِ
فَكَأَنّي أَسْمَعُ تَكْبِيرَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِي الْمَطَرِ . ثُمّ كَشَفَ اللّهُ السّمَاءَ عَنّا مِنْ سَاعَتِهَا وَإِنْ
الْأَرْضُ إلّا غُدُرٌ تَنَاخَسُ فَسُقِيَ النّاسُ وَارْتَوَوْا عَنْ آخِرِهِمْ
وَأَسْمَعُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ أَشْهَدُ
أَنّي رَسُولُ اللّهِ فَقُلْت لِرَجُلٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَيْحَك ، أَبَعْدَ
هَذَا شَيْءٌ ؟ فَقَالَ سَحَابَةٌ مَارّةٌ ؟ وَهُوَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ
وَيُقَالُ زَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ .
(1/1007)
قَالَ حَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ
مُحَمّدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ
لَبِيدٍ ، أَنّهُ قَالَ لَهُ هَلْ كَانَ النّاسُ يَعْرِفُونَ أَهْلَ النّفَاقِ
فِيهِمْ ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ إنْ كَانَ الرّجُلُ لَيَعْرِفُهُ مِنْ
أَبِيهِ وَأَخِيهِ وَبَنِي عَمّهِ . سَمِعْت
جَدّك قَتَادَةَ بْنَ النّعْمَانِ يَقُولُ تَبِعَنَا فِي دَارِنَا قَوْمٌ مِنّا
مُنَافِقُونَ . ثُمّ مِنْ بَعْدُ سَمِعْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ فِي بَنِي
النّجّارِ مَنْ لَا بَارَكَ اللّهُ فِيهِ فَيُقَالُ مَنْ يَا أَبَا سَعِيدٍ ؟
فَيَقُولُ سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ وَقَيْسُ بْنُ فِهْرٍ . ثُمّ يَقُولُ زَيْدٌ لَقَدْ
رَأَيْتنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ ، فَلَمّا كَانَ مِنْ أَمْرِ الْمَاءِ مَا كَانَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَرْسَلَ اللّهُ سَحَابَةً فَأَمْطَرَتْ حَتّى
ارْتَوَى النّاسُ فَقُلْنَا : يَا وَيْحَك ، أَبَعْدَ هَذَا شَيْءٌ ؟ فَقَالَ
سَحَابَةٌ مَارّةٌ وَهُوَ وَاَللّهِ رَجُلٌ لَك بِهِ قَرَابَةٌ يَا مَحْمُودُ
بْنَ لَبِيدٍ قَالَ مَحْمُودٌ قَدْ عَرَفْته قَالَ ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُوَجّهًا إلَى تَبُوكَ ، فَأَصْبَحَ فِي
مَنْزِلٍ فَضَلّتْ نَاقَةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْقَصْوَاءُ فَخَرَجَ أَصْحَابُهُ فِي طَلَبِهَا . وَعِنْدَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ - عَقَبِيّ
بَدْرِيّ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا - وَكَانَ فِي رَحْلِهِ زَيْدُ
بْنُ اللّصَيْتِ أَحَدُ بَنِي قَيْنُقَاعٍ [ ص 1010 ] كَانَ
يَهُودِيّا فَأَسْلَمَ فَنَافَقَ وَكَانَ فِيهِ خُبْثُ الْيَهُودِ وَغِشّهُمْ
وَكَانَ مُظَاهِرًا لِأَهْلِ النّفَاقِ فَقَالَ زَيْدٌ وَهُوَ فِي رَحْلِ عُمَارَةَ
وَعُمَارَةُ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَيْسَ مُحَمّدٌ
يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ وَيُخْبِرُكُمْ عَنْ خَبَرِ السّمَاءِ وَهُوَ لَا
يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إنّ مُنَافِقًا يَقُولُ إنّ مُحَمّدًا يَزْعُمُ أَنّهُ نَبِيّ ،
وَأَنّهُ يُخْبِرُكُمْ بِأَمْرِ السّمَاءِ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ نَاقَتُهُ
وَإِنّي وَاَللّهِ مَا أَعْلَمُ إلّا مَا عَلّمَنِي اللّهُ وَقَدْ دَلّنِي
عَلَيْهَا ، وَهِيَ فِي الْوَادِي فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا - الشّعْبُ أَشَارَ
لَهُمْ إلَيْهِ - حَبَسَتْهَا شَجَرَةٌ بِزِمَامِهَا
، فَانْطَلِقُوا حَتّى تَأْتُوا بِهَا . فَذَهَبُوا
فَجَاءُوا بِهَا فَرَجَعَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إلَى رَحْلِهِ فَقَالَ
الْعَجَبُ مِنْ شَيْءٍ حَدّثْنَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إنّهَا عَنْ مَقَالَةِ قَائِلٍ أَخْبَرَهُ اللّهُ عَنْهُ قَالَ كَذَا
وَكَذَا - الّذِي قَالَ زَيْدٌ . قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِمّنْ كَانَ فِي رَحْلِ
عُمَارَةَ وَلَمْ يَحْضُرْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
زَيْدٌ وَاَللّهِ قَائِلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ عَلَيْنَا
قَالَ فَأَقْبَلَ عُمَارَةُ عَلَى زَيْدِ بْنِ اللّصَيْتِ يَجَأُهُ فِي عُنُقِهِ
وَيَقُولُ وَاَللّهِ إنّ فِي رَحْلِي لَدَاهِيَةٌ وَمَا أَدْرِي اُخْرُجْ يَا
عَدُوّ اللّهِ مِنْ رَحْلِي وَكَانَ الّذِي أَخْبَرَ عُمَارَةَ بِمَقَالَةِ
زَيْدٍ أَخُوهُ عَمْرُو بْنُ حَزْمٍ ، وَكَانَ فِي الرّحْلِ مَعَ رَهْطٍ مِنْ
أَصْحَابِهِ . وَاَلّذِي ذَهَبَ فَجَاءَ
بِالنّاقَةِ مِنْ الشّعْبِ الْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ الْأَشْهَلِيّ وَجَدَهَا
وَزِمَامُهَا قَدْ تَعَلّقَ فِي شَجَرَةٍ فَقَالَ زَيْدُ بْنُ اللّصَيْتِ
كَأَنّي لَمْ أُسْلِمْ إلّا الْيَوْمَ قَدْ كُنْت شَاكّا فِي مُحَمّدٍ وَقَدْ
أَصْبَحْت وَأَنَا فِيهِ ذُو بَصِيرَةٍ أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ فَزَعَمَ
النّاسُ أَنّهُ تَابَ وَكَانَ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ يُنْكِرُ
تَوْبَتَهُ وَيَقُولُ لَمْ يَزَلْ فَسْلًا حَتّى مَاتَ . [ ص 1011 ] فَلَمّا
كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِوَادِي الْمُشَقّقِ
سَمِعَ حَادِيًا فِي جَوْفِ اللّيْلِ فَقَالَ أَسْرِعُوا بِنَا نَلْحَقُهُ وَرَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مِمّنْ الْحَادِي ، مِنْكُمْ
أَوْ مِنْ غَيْرِكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى ، مِنْ غَيْرِنَا . قَالَ فَأَدْرَكَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَإِذَا جَمَاعَةٌ فَقَالَ مِمّنْ الْقَوْمُ ؟ قَالَ مِنْ مُضَرَ .
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا مِنْ مُضَرَ .
فَانْتَسَبَ حَتّى بَلَغَ مُضَرَ . قَالَ الْقَوْمُ نَحْنُ أَوّلُ مَنْ حَدَا بِالْإِبِلِ
. فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ قَالُوا :
بَلَى ، إنّ أَهْلَ الْجَاهِلِيّةِ كَانَ يُغِيرُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ
فَأُغِيرَ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ وَمَعَهُ غُلَامٌ لَهُ فَنَدّتْ إبِلُهُ
فَأَمَرَ غُلَامَهُ أَنْ يَجْمَعَهَا ، فَقَالَ لَا أَسْتَطِيعُ فَضَرَبَ يَدَهُ
بِعَصًا ، فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَقُولُ وَايَدَاهُ وَايَدَاهُ وَتُجْتَمَعُ
الْإِبِلُ فَجَعَلَ سَيّدُهُ يَقُولُ قُلْ هَكَذَا بِالْإِبِلِ وَجَعَلَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَضْحَكُ . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِبِلَالٍ أَلَا أُبَشّرُكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى
يَا رَسُولَ اللّهِ وَهُمْ يَسِيرُونَ عَلَى رَوَاحِلِهِمْ فَقَالَ إنّ اللّهَ أَعْطَانِي
الْكَنْزَيْنِ فَارِسَ وَالرّومَ ، وَأَمَدّنِي بِالْمُلُوكِ مُلُوكِ حِمْيَرَ ،
يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَيَأْكُلُونَ فَيْءَ اللّه
(1/1010)
وَكَانَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ
يَقُولُ كُنّا بَيْنَ الْحِجْرِ وَتَبُوكَ فَذَهَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَاجَتِهِ وَكَانَ إذَا ذَهَبَ أَبْعَدَ وَتَبِعْته بِمَاءٍ
بَعْدَ الْفَجْرِ فَأَسْفَرَ النّاسُ بِصَلَاتِهِمْ - وَهِيَ صَلَاةُ الصّبْحِ - حَتّى خَافُوا الشّمْسَ فَقَدِمَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ فَصَلّى بِهِمْ . فَحَمَلْت مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إدَاوَةً فِيهَا مَاءٌ فَلَمّا فَرَغَ صَبَبْت عَلَيْهِ فَغَسَلَ
وَجْهَهُ . ثُمّ أَرَادَ أَنْ يَغْسِلَ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ كُمّ الْجُبّةِ - وَعَلَيْهِ
جُبّةٌ رُومِيّةٌ - فَأَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ تَحْتِ [ ص 1012 ] الْجُبّةِ فَغَسَلَهُمَا
وَمَسَحَ خُفّيْهِ . وَانْتَهَيْنَا إلَى عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَقَدْ
رَكَعَ بِالنّاسِ فَسَبّحَ النّاسُ بِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حِينَ
رَأَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى كَادُوا أَنْ
يَفْتَتِنُوا ، فَجَعَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يُرِيدُ أَنْ يَنْكُصَ وَرَاءَهُ
فَأَشَارَ إلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ اُثْبُتْ
فَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْفَ عَبْدِ
الرّحْمَنِ رَكْعَةً فَلَمّا سَلّمَ عَبْدُ الرّحْمَنِ تَوَاثَبَ النّاسُ
وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْضِي الرّكْعَةَ
الْبَاقِيَةَ ثُمّ سَلّمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا ، ثُمّ قَالَ أَحْسَنْتُمْ
إنّهُ لَمْ يُتَوَفّ نَبِيّ حَتّى يَؤُمّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنْ أُمّتِهِ .
وَأَتَاهُ يَوْمَئِذٍ يَعْلَى بْنُ
مُنَبّهٍ بِأَجِيرٍ لَهُ قَدْ نَازَعَ رَجُلًا مِنْ الْعَسْكَرِ فَعَضّهُ ذَلِكَ
الرّجُلُ فَانْتَزَعَ الْأَجِيرُ يَدَهُ مِنْ فِي الْعَاضّ فَانْتَزَعَ
ثَنِيّتَهُ فَلَزِمَهُ الْمَجْرُوحُ فَبَلَغَ بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ قَالَ ] : وَقُمْت مَعَ أَجِيرِي لِأَنْظُرَ
مَا يَصْنَعُ فَأَتَى بِهِمَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ فَيَعَضّ أَخَاهُ كَمَا يَعَضّ الْفَحْلُ . فَأَبْطَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَصَابَ مِنْ ثَنِيّتِهِ .
وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّكُمْ سَتَأْتُونَ غَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ عَيْنَ
تَبُوكَ ، وَإِنّكُمْ لَنْ تَنَالُوهَا حَتّى يُضْحِيَ النّهَارُ فَمَنْ
جَاءَهَا فَلَا يَمَسّ مِنْ مَائِهَا شَيْئًا حَتّى آتِيَ قَالَ مُعَاذُ بْنُ
جَبَلٍ : فَجِئْنَاهَا وَقَدْ سَبَقَ إلَيْهَا رَجُلَانِ وَالْعَيْنُ مِثْلَ
الزّلَالِ تَبُضّ بِشَيْءٍ مِنْ مَاءٍ فَسَأَلَهُمَا : هَلْ مَسِسْتُمَا مِنْ
مَائِهَا شَيْئًا ؟ قَالَا : نَعَمْ . فَسَبّهُمَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَهُمَا مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يَقُولَ . ثُمّ
غَرَفُوا بِأَيْدِيهِمْ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتّى اجْتَمَعَ فِي شَنّ ثُمّ غَسَلَ
[ ص 1013 ] النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِيهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمّ أَعَادَهُ فِيهَا ، فَجَاءَتْ
الْعَيْنُ بِمَاءٍ كَثِيرٍ فَاسْتَقَى النّاسُ . ثُمّ قَالَ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُوشِكُ يَا مُعَاذُ إنْ طَالَتْ بِك حَيَاةٌ أَنْ
تَرَى مَا هَاهُنَا قَدْ مُلِئَ جِنَانًا قَالُوا : وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ ذُو
الْبِجَادَيْنِ مِنْ مُزَيْنَةَ ، وَكَانَ يَتِيمًا لَا مَالَ لَهُ قَدْ مَاتَ
أَبُوهُ فَلَمْ يُوَرّثْهُ شَيْئًا ، وَكَانَ عَمّهُ مَيّلًا ، فَأَخَذَهُ
وَكَفَلَهُ حَتّى كَانَ قَدْ أَيْسَرَ فَكَانَتْ لَهُ إبِلٌ وَغَنَمٌ وَرَقِيقٌ فَلَمّا
قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ جَعَلَتْ
نَفْسُهُ تَتُوقُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ عَمّهِ حَتّى
مَضَتْ السّنُونَ وَالْمَشَاهِدُ كُلّهَا . فَانْصَرَفَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ فَتْحِ مَكّةَ رَاجِعًا
إلَى الْمَدِينَةِ ، فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ لِعَمّهِ يَا عَمّ ، قَدْ انْتَظَرْت
إسْلَامَك فَلَا أَرَاك تُرِيدُ مُحَمّدًا ، فَائْذَنْ لِي فِي الْإِسْلَامِ
فَقَالَ وَاَللّهِ لَئِنْ اتّبَعْت مُحَمّدًا لَا أَتْرُكُ بِيَدِك شَيْئًا
كُنْت أَعْطَيْتُكَهُ إلّا نَزَعْته مِنْك حَتّى ثَوْبَيْك . فَقَالَ عَبْدُ
الْعُزّى ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ اسْمُهُ أَنَا وَاَللّهِ مُتّبِعٌ مُحَمّدًا
وَمُسْلِمٌ وَتَارِكٌ عِبَادَةَ الْحَجَرِ وَالْوَثَنِ وَهَذَا مَا بِيَدِي
فَخُذْهُ فَأَخَذَ كُلّ مَا أَعْطَاهُ حَتّى جَرّدَهُ مِنْ إزَارِهِ فَأَتَى
أُمّهُ فَقَطَعَتْ بِجَادًا لَهَا بِاثْنَيْنِ فَائْتَزَرَ بِوَاحِدٍ وَارْتَدَى
بِالْآخَرِ ثُمّ أَقْبَلَ إلَى الْمَدِينَةِ وَكَانَ بِوَرِقَانَ - جَبَلٌ مِنْ
حِمَى الْمَدِينَةِ - فَاضْطَجَعَ فِي الْمَسْجِدِ فِي السّحَرِ ثُمّ صَلّى
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّبْحَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَصَفّحُ النّاسَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ
الصّبْحِ فَنَظَرَ إلَيْهِ فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ مَنْ أَنْت ؟ فَانْتَسَبَ لَهُ
فَقَالَ أَنْت عَبْدُ اللّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ ثُمّ قَالَ انْزِلْ مِنّي
قَرِيبًا . فَكَانَ يَكُونُ فِي أَضْيَافِهِ وَيُعَلّمُهُ الْقُرْآنَ حَتّى [ ص
1014 ] قَرَأَ قُرْآنًا كَثِيرًا ، وَالنّاسُ يَتَجَهّزُونَ إلَى تَبُوكَ .
وَكَانَ رَجُلًا صِيّتَا ، فَكَانَ يَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ
بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا تَسْمَعُ إلَى هَذَا
الْأَعْرَابِيّ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالْقُرْآنِ حَتّى قَدْ مَنَعَ النّاسَ
الْقِرَاءَةَ ؟ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعْهُ يَا
عُمَرُ فَإِنّهُ خَرَجَ مُهَاجِرًا إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ . قَالَ فَلَمّا خَرَجُوا
إلَى تَبُوكَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ لِي بِالشّهَادَةِ . قَالَ
أَبْلِغْنِي لِحَاءَ سَمُرَةَ . فَأَبْلَغَهُ لِحَاءَ سَمُرَةَ فَرَبَطَهَا
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى عَضُدِهِ وَقَالَ اللّهُمّ
إنّي أُحَرّمُ دَمَهُ عَلَى الْكُفّارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَيْسَ
أَرَدْت هَذَا . قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك إذَا خَرَجْت
غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَأَخَذَتْك الْحُمّى فَقَتَلَتْك فَأَنْت شَهِيدٌ وَوَقَصَتْك
دَابّتُك فَأَنْت شَهِيدٌ لَا تُبَالِ بِأَيّةِ كَانَ فَلَمّا نَزَلُوا تَبُوكَ
فَأَقَامُوا بِهَا أَيّامًا تُوُفّيَ عَبْدُ اللّهِ ذُو الْبِجَادَيْنِ .
فَكَانَ بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ يَقُولُ حَضَرْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَ بِلَالٍ الْمُؤَذّنِ شُعْلَةٌ مِنْ نَارٍ عِنْدَ
الْقَبْرِ وَاقِفًا بِهَا ، وَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فِي الْقَبْرِ وَإِذَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا
يُدْلِيَانِهِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَقُولُ
أَدْنِيَا إلَيّ أَخَاكُمَا فَلَمّا هَيّآهُ لِشِقّهِ قَالَ اللّهُمّ إنّي قَدْ
أَمْسَيْت عَنْهُ رَاضِيًا فَارْضَ عَنْهُ . قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ
مَسْعُودٍ : يَا لَيْتَنِي كُنْت صَاحِبَ
اللّحْدِ وَقَالُوا : أَتَيْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فِي مَسِيرِهِ وَهُوَ مُرْدِفٌ سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ خَلْفَهُ فَقَالَ
سُهَيْلٌ : وَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَوْتَهُ
فَقَالَ يَا سُهَيْلُ كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ سُهَيْلٌ : يَا لَبّيْكَ ثَلَاثَ
مَرّاتٍ حَتّى عَرَفَ النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يُرِيدُهُمْ فَانْثَنَى عَلَيْهِ [ ص 1015 ] مَنْ أَمَامَهُ وَلَحِقَهُ
مَنْ خَلْفَهُ مِنْ النّاسِ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَه إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ حَرّمَهُ
اللّهُ عَلَى النّار قَالُوا : وَعَارَضَ النّاسُ فِي مَسِيرِهِمْ حَيّةٌ ذُكِرَ
مِنْ عِظَمِهَا وَخَلْقِهَا ، وَانْصَاعَ النّاسُ عَنْهَا . فَأَقْبَلَتْ حَتّى وَاقَفَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ طَوِيلًا ، وَالنّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهَا
، ثُمّ الْتَوَتْ حَتّى اعْتَزَلَتْ الطّرِيقَ فَقَامَتْ قَائِمَةً فَأَقْبَلَ
النّاسُ حَتّى لَحِقُوا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقَالَ لَهُمْ هَلْ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا ؟ قَالُوا : اللّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ قَالَ فَإِنّ هَذَا أَحَدُ الرّهْطِ الثّمَانِيَةِ مِنْ الْجِنّ
الّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَسْمَعُوا الْقُرْآنَ فَرَأَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَقّ
- حِينَ أَلَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَلَدِهِ -
أَنْ يُسَلّمَ عَلَيْهِ وَهَا هُوَ ذَا يُقْرِئُكُمْ السّلَامَ . فَسَلّمُوا
عَلَيْهِ فَقَالَ النّاسُ جَمِيعًا : وَعَلَيْهِ السّلَامُ وَرَحْمَةُ اللّهِ
يَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجِيبُوا عِبَادَ
اللّهِ مَنْ كَانُوا
(1/1012)
قَالُوا : قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَبُوكَ وَأَقَامَ بِهَا عِشْرِينَ لَيْلَةً
يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ وَهِرَقْلُ يَوْمَئِذٍ بِحِمْصَ . وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ
عَامِرٍ يَقُولُ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إلَى تَبُوكَ ، حَتّى إذَا كُنّا مِنْهَا عَلَى لَيْلَةٍ اسْتَرْقَدَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَيْقِظُ حَتّى كَانَتْ الشّمْسُ
قَيْدَ رُمْحٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا
بِلَالُ أَلَمْ أَقُلْ لَك اكْلَأْ لَنَا اللّيْلَ ؟ فَقَالَ بِلَالٌ ذَهَبَ
بِيَ النّوْمُ ذَهَبَ بِيَ الّذِي ذَهَبَ بِك
قَالَ فَارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمّ
صَلّى رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمّ صَلّى الْفَجْرَ ثُمّ هَذّبَ بَقِيّةَ
يَوْمِهِ [ ص 1016 ] وَلَيْلَتِهِ فَأَصْبَحَ بِتَبُوكَ
فَجَمَعَ النّاسَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ
قَالَ أَيّهَا النّاسُ أَمّا بَعْدُ فَإِنّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللّهِ
وَأَوْثَقَ الْعُرَى كَلِمَةُ التّقْوَى ، وَخَيْرَ الْمِلَلِ مِلّةُ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَخَيْرَ السّنَنِ سُنَنُ مُحَمّدٍ وَأَشْرَفَ
الْحَدِيثِ ذِكْرُ اللّهِ وَأَحْسَنَ الْقَصَصِ هَذَا الْقُرْآنُ وَخَيْرَ
الْأُمُورِ عَوَاقِبُهَا ، وَشَرّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَأَحْسَنَ
الْهُدَى هُدَى الْأَنْبِيَاءِ وَأَشْرَفَ الْقَتْلِ قَتْلُ الشّهَدَاءِ ،
وَأَعْمَى الضّلَالَةِ الضّلَالَةُ بَعْدَ الْهُدَى ، وَخَيْرَ الْأَعْمَالِ مَا
نَفَعَ وَخَيْرَ الْهُدَى مَا اُتّبِعَ وَشَرّ الْعَمَى عَمَى الْقَلْبِ وَالْيَدَ
الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنْ السّفْلَى ، وَمَا قَلّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمّا كَثُرَ
وَأَلْهَى ، وَشَرّ الْأُمُورِ الْمَعْذِرَةُ حِينَ يَحْضُرَ الْمَوْتُ وَشَرّ
النّدَامَةِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ .
وَمِنْ النّاسِ مَنْ لَا يَأْتِي
الْجُمُعَةَ إلّا نَزْرًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَذْكُرُ اللّهَ إلّا هُجْرًا ;
وَمِنْ أَعْظَمِ الْخَطَايَا اللّسَانُ الْكَذُوبُ وَخَيْرَ الْغِنَى غِنَى
النّفْسِ وَخَيْرَ الزّادِ التّقْوَى ، وَرَأْسَ الْحُكْمِ مَخَافَةُ اللّهِ
وَخَيْرَ مَا أُلْقِيَ فِي الْقَلْبِ الْيَقِينُ وَالِارْتِيَابَ مِنْ الْكُفْرِ
وَالنّيَاحَةَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيّةِ وَالْغُلُولَ مِنْ جَمْرِ جَهَنّمَ
وَالسّكْرَ كِنّ مِنْ النّارِ وَالشّعْرَ مِنْ إبْلِيسَ وَالْخَمْرَ جِمَاعُ
الْإِثْمِ وَالنّسَاءَ حِبَالَةُ الشّيْطَانِ وَالشّبَابَ شُعْبَةٌ مِنْ
الْجُنُونِ وَشَرّ الْمَكَاسِبِ كَسْبُ الرّبَا ، وَشَرّ الْمَأْكَلِ مَالُ
الْيَتِيمِ . وَالسّعِيدَ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ
وَالشّقِيّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمّهِ وَإِنّمَا يَصِيرُ أَحَدُكُمْ إلَى
مَوْضِعِ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ ; وَالْأَمْرَ إلَى آخِرِهِ وَمِلَاكَ
الْعَمَلِ خَوَاتِمُهُ وَالرّبَا رِبَا الْكَذِبِ . وَكُلّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ
، وَسِبَابَ الْمُؤْمِنِ فُسُوقٌ وَقَتْلَ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ وَأَكْلَ لَحْمِهِ
مِنْ مَعْصِيَةِ اللّهِ وَحُرْمَةَ مَالِهِ كَحُرْمَةِ دَمِهِ . وَمَنْ يَتَأَلّ
عَلَى اللّهِ يُكَذّبْهُ وَمَنْ يَعْفُ يَعْفُ اللّهُ عَنْهُ وَمَنْ يَكْظِمْ
الْغَيْظَ [ ص 1017 ] يَأْجُرْهُ اللّهُ وَمَنْ
يَصْبِرْ عَلَى الرّزِيّةِ يُعَوّضْهُ اللّهُ وَمَنْ يَتّبِعْ السّمْعَةَ
يُسَمّعْ اللّهُ بِهِ وَمَنْ يَصْبِرْ يُضَاعِفْ اللّهُ لَهُ وَمَنْ يَعْصِ
اللّهَ يُعَذّبْهُ اللّهُ . اللّهُمّ اغْفِرْ لِي وَلِأُمّتِي ، اللّهُمّ
اغْفِرْ لِي وَلِأُمّتِي ، أَسْتَغْفِرُ اللّهَ لِي وَلَكُمْ
وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ
يُقَالُ لَهُ عَدِيّ يَقُولُ جِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِتَبُوكَ فَرَأَيْته عَلَى نَاقَةٍ حَمْرَاءَ يَطُوفُ عَلَى النّاسِ
يَقُولُ أَيّهَا النّاسُ يَدُ اللّهِ فَوْقَ يَدِ الْمُعْطِي ، وَيَدُ
الْمُعْطِي الْوُسْطَى ، وَيَدُ الْمُعْطَى السّفْلَى . أَيّهَا النّاسُ اقْنَعُوا
وَلَوْ بِحِزَمِ الْحَطَبِ اللّهُمّ هَلْ بَلّغْت ؟ ثَلَاثًا . فَقُلْت : يَا
رَسُولَ اللّهِ كَانَ لِيَ امْرَأَتَانِ اقْتَتَلَتَا فَرَمَيْت فَأَصَبْت إحْدَاهُمَا
فَرُمِيَ فِي رَمْيَتِي - يَعْنِي مَاتَتْ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ : رُمِيَ فِي
جِنَازَتِهِ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَعْقِلُهَا
وَلَا تَرِثُهَا
وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَوْضِعِ مَسْجِدِهِ بِتَبُوكَ فَنَظَرَ نَحْوَ
الْيَمِينِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ يُشِيرُ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ الْإِيمَانُ
يَمَانٍ وَنَظَرَ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إنّ الْجَفَاءَ
وَغِلَظَ الْقُلُوبِ فِي الْفَدّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ مِنْ نَحْوِ
الْمَشْرِقِ حَيْثُ يُطْلِعُ الشّيْطَانُ قَرْنَيْهِ .
(1/1016)
وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ [
بْنِ ] هُذَيْمٍ جِئْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ
جَالِسٌ بِتَبُوكَ - فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ هُوَ سَابِعُهُمْ - فَوَقَفْت
فَسَلّمْت ، فَقَالَ اجْلِسْ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَشْهَدُ أَلّا إلَهَ
إلّا اللّهُ وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ قَالَ [ ص 1018 ] أَفْلَحَ وَجْهُك ثُمّ
قَالَ يَا بِلَالُ أَطْعِمْنَا قَالَ فَبَسَطَ بِلَالٌ نِطْعًا ، ثُمّ جَعَلَ يُخْرِجُ
مِنْ حَمِيتٍ لَهُ فَأَخْرَجَ خَرْجَاتٍ بِيَدِهِ مِنْ تَمْرٍ مَعْجُونٍ
بِالسّمْنِ وَالْأَقِطِ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
كُلُوا فَأَكَلْنَا حَتّى شَبِعْنَا فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كُنْت
لَآكُلُ هَذَا وَحْدِي قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
الْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَالْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى
وَاحِدٍ قَالَ ثُمّ جِئْته مِنْ الْغَدِ مُتَحَيّنًا لِغَدَائِهِ لِأَزْدَادَ
فِي الْإِسْلَامِ يَقِينًا ، فَإِذَا عَشْرَةُ نَفَرٍ حَوْلَهُ . قَالَ فَقَالَ
هَاتِ أَطْعِمْنَا يَا بِلَالُ . قَالَ فَجَعَلَ يُخْرِجُ مِنْ جِرَابِ تَمْرٍ بِكَفّهِ
قَبْضَةً قَبْضَةً فَقَالَ أَخْرِجْ وَلَا تَخَفْ مِنْ ذِي الْعَرْشِ إقْتَارًا
فَجَاءَ بِالْجِرَابِ فَنَثَرَهُ . قَالَ فَحَزَرْتُهُ مُدّيْنِ . قَالَ
فَوَضَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ عَلَى التّمْرِ ثُمّ
قَالَ كُلُوا بِاسْمِ اللّهِ فَأَكَلَ الْقَوْمُ وَأَكَلْت مَعَهُمْ وَكُنْت صَاحِبَ
تَمْرٍ . قَالَ فَأَكَلْت حَتّى مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا . قَالَ وَبَقِيَ
عَلَى النّطْعِ مِثْلُ الّذِي جَاءَ بِهِ بِلَالٌ كَأَنّا لَمْ نَأْكُلْ مِنْهُ
تَمْرَةً وَاحِدَةً . قَالَ ثُمّ عُدْت مِنْ الْغَدِ . قَالَ وَعَادَ نَفَرٌ
حَتّى بَاتُوا ، فَكَانُوا عَشْرَةً أَوْ يَزِيدُونَ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ فَقَالَ
يَا بِلَالُ أَطْعِمْنَا فَجَاءَ بِذَلِكَ الْجِرَابِ بِعَيْنِهِ أَعْرِفُهُ
فَنَثَرَهُ وَوَضَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
كُلُوا بِاسْمِ اللّهِ فَأَكَلْنَا حَتّى نَهِلْنَا ، ثُمّ رَفَعَ مِثْلَ الّذِي
صَبّ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيّام
قَالَ وَكَانَ هِرَقْلُ قَدْ بَعَثَ
رَجُلًا مِنْ غَسّانَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَنْظُرَ
إلَى صِفَتِهِ وَإِلَى عَلَامَاتِهِ إلَى حُمْرَةٍ فِي عَيْنَيْهِ وَإِلَى
خَاتَمِ النّبُوّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ وَسَأَلَ فَإِذَا هُوَ لَا يَقْبَلُ
الصّدَقَةَ فَوَعَى أَشْيَاءَ مِنْ حَالِ النّبِيّ [ ص 1019 ] صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ انْصَرَفَ إلَى هِرَقْلَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَدَعَا
قَوْمَهُ إلَى التّصْدِيقِ بِهِ فَأَبَوْا حَتّى خَافَهُمْ عَلَى مُلْكِهِ
وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ لَمْ يَتَحَرّكْ وَلَمْ يَزْحَفْ . وَكَانَ الّذِي خُبّرَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ بَعْثَتِهِ أَصْحَابَهُ وَدُنُوّهِ
إلَى أَدْنَى الشّامِ - بَاطِلًا ، وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ وَلَمْ يَهُمّ بِهِ .
وَشَاوَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي التّقَدّمِ
فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إنْ كُنْت أُمِرْت
بِالْمَسِيرِ فَسِرْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ
أُمِرْت بِهِ مَا اسْتَشَرْتُكُمْ فِيهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ
لِلرّومِ جُمُوعًا كَثِيرَةً وَلَيْسَ بِهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ
وَقَدْ دَنَوْت مِنْهُمْ حَيْثُ تَرَى ، وَقَدْ أَفْزَعَهُمْ دُنُوّك ، فَلَوْ
رَجَعْت هَذِهِ السّنَةَ حَتّى تَرَى ، أَوْ يُحْدِثَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لَك
فِي ذَلِكَ أَمْرًا .
قَالُوا : وَهَاجَتْ رِيحٌ
شَدِيدَةٌ بِتَبُوكَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
هَذَا لِمَوْتِ مُنَافِقٍ عَظِيمِ النّفَاقِ . قَالَ فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ
فَوَجَدُوا مُنَافِقًا قَدْ مَاتَ عَظِيمَ النّفَاقِ .
قَالَ وَأُتِيَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِجُبْنَةٍ بِتَبُوكَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ
اللّهِ إنّ هَذَا طَعَامٌ تَصْنَعُهُ فَارِسُ ، وَإِنّا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ
فِيهِ مَيْتَةٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضَعُوا
فِيهِ السّكّينَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللّه
قَالَ وَأَهْدَى رَجُلٌ مِنْ
قُضَاعَةَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَسًا ، فَأَعْطَاهُ
رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْبِطَهُ حِيَالَهُ
اسْتِئْنَاسًا بِصَهِيلِهِ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ فَفَقَدَ صَهِيلَ الْفَرَسِ
فَسَأَلَ عَنْهُ صَاحِبَهُ فَقَالَ خَصَيْته يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 1020 ] فَإِنّ الْخَيْلَ فِي
نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ اتّخِذُوا مِنْ نَسْلِهَا
وَبَاهُوا بِصَهِيلِهَا الْمُشْرِكِينَ أَعْرَافُهَا أَدْفَاؤُهَا ،
وَأَذْنَابُهَا مَذَابّهَا . وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّ الشّهَدَاءَ
لَيَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْيَافِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ لَا
يَمُرّونَ بِأَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ إلّا تَنَحّى عَنْهُمْ حَتّى إنّهُمْ لَيَمُرّونَ
بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ خَلِيلِ الرّحْمَنِ فَيَتَنَحّى لَهُمْ حَتّى
يَجْلِسُوا عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ . يَقُولُ النّاسُ هَؤُلَاءِ الّذِينَ
أُهْرِيقُوا دِمَاءَهُمْ لِرَبّ الْعَالَمِينَ فَيَكُونُ كَذَلِكَ حَتّى
يَقْضِيَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بَيْنَ عِبَادِهِ
(1/1018)
قَالُوا : وَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتَبُوكَ قَامَ إلَى فَرَسِهِ الظّرِبِ
فَعَلّقَ عَلَيْهِ شِعَارَهُ وَجَعَلَ يَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِرِدَائِهِ . قِيلَ
يَا رَسُولَ اللّهِ تَمْسَحُ ظَهْرَهُ بِرِدَائِك ؟ قَالَ نَعَمْ وَمَا يُدْرِيك
؟ لَعَلّ جِبْرِيلَ أَمَرَنِي بِذَلِكَ مَعَ أَنّي قَدْ بِتّ اللّيْلَةَ وَإِنّ الْمَلَائِكَةَ
لَتُعَاتِبُنِي فِي حَسّ الْخَيْلِ وَمَسْحِهَا . وَقَالَ أَخْبَرَنِي خَلِيلِي
جِبْرِبلُ أَنّهُ يُكْتَبُ لِي بِكُلّ حَسَنَةٍ أَوْفَيْتهَا إيّاهُ حَسَنَةً
وَإِنّ رَبّي عَزّ وَجَلّ يَحُطّ عَنّي بِهَا سَيّئَةً . وَمَا مِنْ امْرِئٍ
مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَرْبِطُ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُوفِيَهُ
بِعَلِيفِهِ يَلْتَمِسُ بِهِ قُوّتَهُ إلّا كَتَبَ اللّهُ لَهُ بِكُلّ حَبّةٍ
حَسَنَةً وَحَطّ عَنْهُ بِكُلّ حَبّةٍ سَيّئَةً قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَأَيّ
الْخَيْلِ خَيْرٌ ؟ قَالَ أَدْهَمُ أَقْرَحُ أَرْثَمُ مُحَجّلُ الثّلُثِ
مُطْلَقُ الْيَمِينِ فَإِنْ لَم يَكُنْ أَدْهَمَ فَكُمَيْتٌ عَلَى هَذِهِ
الصّفَةِ . [ ص 1021 ] قَالَ وَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَمَا فِي الصّوْمِ فِي
سَبِيلِ اللّهِ ؟ قَالَ مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللّهِ تَبَاعَدَتْ
مِنْهُ جَهَنّمُ مَسِيرَةَ مِائَةِ سَنَةٍ كَأَغَدّ السّيْرِ . وَلَقَدْ فُضّلَ
نِسَاءُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ فِي الْحُرْمَةِ كَأُمّهَاتِهِمْ وَمَا
مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْقَاعِدِينَ يُخَالِفُ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ
الْمُجَاهِدِينَ فَيَخُونَهُ فِي أَهْلِهِ إلّا وَقَفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَيُقَالُ لَهُ إنّ هَذَا خَانَك فِي أَهْلِك فَخُذْ مِنْ عَمَلِهِ مَا شِئْت ;
فَمَا ظَنّكُمْ ؟
وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ
أَوْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُحَدّثُ قَالَ فَزِعَ النّاسُ بِتَبُوكَ لَيْلَةً
فَخَرَجْت فِي سِلَاحِي حَتّى جَلَسْت إلَى سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ
وَعَلَيْهِ سِلَاحُهُ فَقُلْت : لَأَقْتَدِيَنّ بِهَذَا الرّجُلِ الصّالِحِ مِنْ
أَهْلِ بَدْرٍ فَجَلَسْت إلَى جَنْبِهِ قَرِيبًا مِنْ قُبّةِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَلَيْنَا مُغْضَبًا فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ مَا هَذِهِ الْخِفّةُ ؟ مَا هَذَا
النّزَقُ ؟ أَلَا صَنَعْتُمْ مَا صَنَعَ هَذَانِ الرّجُلَانِ الصّالِحَانِ ؟ يَعْنِينِي
وَسَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ .
قَالُوا : وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى تَبُوكَ وَضَعَ حَجَرًا قِبْلَةَ
مَسْجِدِ تَبُوكَ بِيَدِهِ وَمَا يَلِي الْحَجَرَ ، ثُمّ صَلّى الظّهْرَ
بِالنّاسِ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا هَاهُنَا شَامٌ وَمَا هَاهُنَا
يَمَنٌ .
وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ
يَقُولُ كُنّا مَعَ رَسُول اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتَبُوكَ
فَقَامَ يُصَلّي مِنْ اللّيْلِ وَكَانَ يُكْثِرُ التّهَجّدَ مِنْ اللّيْلِ وَلَا
يَقُومُ إلّا اسْتَاكَ وَكَانَ إذَا قَامَ يُصَلّي صَلّى بِفِنَاءِ خَيْمَتِهِ
فَيَقُومُ نَاسٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَحْرُسُونَهُ . فَصَلّى لَيْلَةً مِنْ
تِلْكَ اللّيَالِي ، فَلَمّا فَرَغَ أَقْبَلَ عَلَى مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَقَالَ [ ص 1022 ] أُعْطِيت خَمْسًا مَا أُعْطِيَهُنّ أَحَدٌ قَبْلِي
: بُعِثْت إلَى النّاسِ كَافّةً وَإِنّمَا كَانَ النّبِيّ يُبْعَثُ إلَى
قَوْمِهِ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، أَيْنَمَا
أَدْرَكَتْنِي الصّلَاةُ تَيَمّمْت وَصَلّيْت ، وَكَانَ مَنْ قَبْلِي
يُعَظّمُونَ ذَلِكَ وَلَا يُصَلّونَ إلّا فِي كَنَائِسِهِمْ وَالْبِيَعِ
وَأُحِلّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ آكُلُهَا ، وَكَانَ مَنْ كَانَ قَبْلِي
يُحَرّمُونَهَا ، وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ هِيَ مَا هِيَ هِيَ مَا هِيَ
ثَلَاثًا . قَالُوا : وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ
اللّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قِيلَ لِي :
سَلْ فَكُلّ نَبِيّ قَدْ سَأَلَ فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ
إلّا اللّهُ
(1/1021)
======
|
1.سورة الاخلاص
110. ب مم.
· تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث❷ /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/❷عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث
Translate ***
15.موقع جادو
باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج طبيعة 1. / /طلبعة 3.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق