الصفحة الرئيسة|علوم القرآن|التفسير|علوم الحديث|العقيدة|السلوك|الفقه|أصول الفقه|اللغة العربية
اسم العضو حفظ البيانات؟
كلمة المرور
الدراسات والبحوث مجمع المراجع مشاركات اليوم البحث
.. حرف اللام ..
عناصر الموضوع:
- شرح هارون بن موسى الأزدي النحوي (ت: 170هـ)
- شرح يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت:200هـ)
- شرح أبي بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ)
- شرح أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ)
-شرح علي بن عيسى الرماني(ت:388ه)
-شرح أبي الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ)
- شرح إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ)
- شرح أبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني (ت: 478هـ)
- شرح أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ)
-شرح أحمد بن عبد النور المالقي(ت:702ه)
- شرح إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ)
-شرح الحسن بن قاسم المرادي(ت:749ه)
-شرح عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري(ت:761ه)
- شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)
-شرح ابن نور الدين الموزعي (ت: 825هـ)
-شرح عبد الله بن محمد البيتوشي(ت:1211ه)
- شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)
- شرح محمد عبد الخالق عضيمة (ت: 1404هـ)
شرح هارون بن موسى الأزدي النحوي (ت: 170هـ)
«"اللام" المكسورة»
قال هارون بن موسى الأزدي النحوي (ت: 170هـ): (
"اللام" المكسورة تفسير «"اللام" المكسورة» على ثلاثة وجوه:
فوجه منها: "اللام" المكسورة: "لكي"، فذلك قوله عز وجل: {لينذر قوما} يعني: "لكي" ينذر قوما {ما أتاهم من نذير} وفي يس مثلها. وقال أيضا في يونس: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات} يعني: "لكي".
الوجه الثاني: "اللام" المكسورة: "إن"، فذلك قوله عز جل: {وما كان الله ليطلعكم على الغيب} يعني: وما كان الله "أن" يطلعكم على الغيب. وقال في الأنفال: {وما كان الله ليعذبهم} [33] يقول: {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} وقال: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} يعني: "أن" تزول منه.
الوجه الثالث: "اللام" المكسورة: "لئلا"، فذلك قوله في النحل: {ليكفروا بما آتيناهم} [55] يعني: "لئلا" يكفروا. مثلها في العنكبوت. وفي الروم). [الوجوه والنظائر: 302]
شرح يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت:200هـ)
تفسير "اللام" المنكسرة
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت:200هـ): (تفسير "اللام" المنكسرة على ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: "اللام" "لكي"، وذلك قوله في تنزيل السجدة: {لتنذر قومًا}، يعني: "لكي" تنذر قوما {مّا أتاهم مّن نّذيرٍ مّن قبلك}. وقال في سورة يونس: {ليجزي الذين آمنوا}، يعني: "لكي" يجزي الذين آمنوا.
الوجه الثاني: "اللام" المنكسرة وتفسيرها إنما يقع بعدها"اللّام" التي تخرج مخرج الجحود، وذلك قوله: {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}، يعني ما كان الله "أن" يطلعكم على الغيب. وقال في سورة الأنفال: {وما كان الله ليعذّبهم وأنت فيهم}، يعني: وما كان الله "أن" يعذبهم، {وأنت فيهم}. وقال في سورة إبراهيم: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} يعني "أن" تزول منه الجبال.
الوجه الثالث: "اللام" تفسيرها "لئلا"، وذلك قوله في سورة النّحل: {ليكفروا بما أتيناهم}، يعني: "لئلا" يكفروا بما أتيناهم. ومثلها في سورة العنكبوت، وفي سورة الرّوم). [التصريف: 368 - 369]
شرح أبي بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ)
جُمَلُ اللَّامَاتِ
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (جُمَلُ اللَّامَاتِ
مضى تفسير جمل "الألفات"، وهذه جمل "اللامات"، وهي ثلاثون "لامًا":
1- "لام" الصفة.
2- و"لام" الأمر.
3- و"لام" الخبر.
4- و"لام" "كي".
5- و"لام" الجحود.
6- و"لام" النداء.
7- و"لام" التعجب.
8- و"لام" في موضع "إلا".
9- و"لام" القسم.
10- و"لام" الوعيد.
11- و"لام" التأكيد.
12- و"لام" الشرط.
13- و"لام" المدح.
14- و"لام" الذم.
15- و"لام" جواب القسم.
16- و"لام" في موضع "عن".
17- و"لام" في موضع "على".
18- و"لام" في موضع "إلى".
19- و"لام" في موضع "أن".
20- و"لام" في موضع "فاء".
21- و"لام" الطرح.
22- و"لام" جواب "لولا".
23- و"لام" الاستفهام.
24- و"لام" جواب الاستفهام.
25- و"لام" السنخ.
26- و"لام" التعريف.
27- و"لام" الإقحام.
28- و"لام" العماد.
29- و"لام" التغليظ.
30- و"لام" منقولة). [المحلى: 224]
1- "لام" الصفة
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (فأما "لام" الصفة فقولهم: لزيدٍ ولعمروٍ ولمحمدٍ، وهي مكسورة أبدًا إذا وقعت على الاسم الظاهر، وإذا وقعت على الاسم المكنى كانت مفتوحة، كقولك: "له" و"لهما" و"لهم" و"لك" و"لكما" و"لكم"، فهذا فرق بين الظاهر والمكنى). [المحلى: 225]
2- "لام" الأمر
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" الأمر قولهم: ليذهب عمرو، و: ليخرج زيدٌ، وإنما يؤمر به الغائب، ولا يكون ذلك للشاهد، وربما يغلب للشاهد، كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتأخذوا مصافكم»، ولا يكادون يقولون: لتذهب أنت، قال الله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق}.
و"لام" الأمر مكسورة أبدًا إذا كانت في الابتداء، فإن تقدمها "واو" أو "فاء" كانت ساكنة، تقول: وليذهب عمرو، وربما كسرت مع "الواو" و"الفاء"). [المحلى: 225]
3- "لام" الخبر
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" الخبر قولهم: إن زيدًا لخارج، و: إن محمدً لمنطلق، قال الله تعالى: {إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير}، "اللام" "لام" الخبر، وهي مفتوحة أبدًا.
وهذه "اللام" إذا دخلت على خبر "إن" كسرت "ألف" "إن"، وإن توسطت الكلام انتصبت "أن"، ألا ترى أنك إذا بدأت بـ "إن" تقول: "إن" محمدًا رسول الله، و: "إنك" منطلقٌ، وإذا توسطت قلت: أشهد "أن" محمدًا رسول الله، و: أعلم "أنك" عالمٌ، فتحت "أن" لما توسطت الكلام.
فإذا أدخلت "اللام" على الخبر، كسرت "الألف" – مبتدئًا كان أو متوسطًا -، تقول: أشهد "إن" محمدًا لرسول الله، قال الله عز وجل: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلمُ إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون}، كسرت "الألف" من "إن" "للام" الخبر، و"لولا" ذلك لكانت مفتوحة لتوسطها الكلام.
قال الشاعر:
وأعلم علمًا ليس بالظن أنه ..... إذا ذل مولى المرء فهو ذليل
وإن لسان المرء ما لم تكن له ..... حصاة على عوراته لدليل
فتح "الألف" من "أنه" لما لم يدخل "اللام" على الخبر، وكسر "الألف" في قوله: «وإن لسان المرء» "للام" التي في قوله «لدليل»). [المحلى: 226 - 227]
4- "لام" "كي"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" "كي" قولهم: أتيتك لتفيدني علمًا. وهذه "اللام" مكسورة أبدًا، قال الله جل وعز: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}، معناه: "كي" يغفر، نصبت «يغفر» "بلام" "كي"). [المحلى: 227]
5- "لام" الجحود
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" الجحود مثل قولك: ما كان زيدٌ ليفعل ذلك، ما كنت لتخرج، قال الله جل اسمه: {وما كان الله ليضيع إيمانكم}، {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}، عملها النصب، وهي مكسورة.
ومعنى الجحود إدخال حرف الجحد على الكلام، وهو مثل قولك: ما كان زيدٌ ليفعل؟). [المحلى: 228]
6- "لام" النداء
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" النداء مفتوحة كقول مهلهل:
يا لبكر أنشروا لي كليبًا ..... يا لبكرٍ أين أين الفرار
وتقول: أكلتُ رطبًا يا له من رطبٍ، و"لام" الاستغاثة مكسورة، تقول: يا لعبد الله لأمرٍ وقع.
قال الشاعر:
يا لبكرٍ لزفرة الزفرات .... ولعينٍ كثيرة العبرات).
[المحلى: 228]
7- "لام" التعجب
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" التعجب مفتوحة أبدًا، نحو قولهم: لظرف زيدٌ، و: لكرم عمرو، و: لقضو القاضي، أي: ما أظرف زيدًا، و: ما أكرم عمرًا، و: ما أقضى القاضي.
ويقال: من "لام" التعجب أيضًا قوله تعالى: {إن في ذلك لعبرة}، {إن في هذا لبلاغًا}.
ومن التعجب قوله تعالى: {أئذا ما مت لسوف أخرج حيًا}، تعجب الكافرون من البعث). [المحلى: 229]
8- "اللام" التي في موضع "إلا"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"اللام" التي في موضع "إلا" كقول الله جل ذكره: {إن وجدنا أكثرهم لفاسقين}، معناه: ما وجدنا أكثرهم "إلا" فاسقين، ومثله قول الله تبارك وتعالى: {تالله إن كنا لفي ضلالٍ مبين}، معناه: "إلا" في ضلالٍ مبين.
قال الشاعر:
ثكلتك أمك إن قتلت لمسلمًا .... حلت عليك عقوبة المتعمد
معناه: ما قتلت "إلا" مسلمًا). [المحلى: 230]
9- "لام" القسم
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" القسم قول الله تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}، معناه: والله لتبلون، وكقوله: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود}، و: {لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون} ). [المحلى: 230]
10- "لام" الوعيد
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" الوعيد قول الله تعالى: {ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون}، وهو كقول الرجل للرجل في معنى التهدد: ليفعل فلانًا ما أحب فإني من ورائه). [المحلى: 231]
11- "لام" التأكيد
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" التأكيد مثل قوله: {ليسجنن}، ولابد "للام" التأكيد من أن يتقدمه "لام" الشرط، وهو "لام" "لئن"، كقول الله تعالى: {ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن}، ومثله: {لئن لم ينته لنسفعًا بالناصية}.
وإذا لم يتقدم "لام" الشرط "لام" التأكيد، فلابد "للام" التأكيد أن يكون قبلها إضمار القسم، مثل قوله: {لتبلون}، معناه: والله لتبلون). [المحلى: 231]
12- "لام" الشرط
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (................................ ). [المحلى: 232]
13- "لام" جواب القسم
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" جواب القسم قولهم: والله إن فعلت لتجدنه بحيث تحب، ومثله قول الشاعر:
تساور سوارًا إلى المجد والعلا .... أقسم حقًا إن فعلت ليفعلا
"اللام" في «ليفعل» جواب القسم). [المحلى: 232]
14- "اللام" التي في موضع "عن"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"اللام" التي في موضع "عن" قولهم: لقيته كفةً لكفةٍ، أي: كفةً عن كفةٍ). [المحلى: 232]
15- "لام" المدح
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" المدح قولهم: يا لك رجلًا صالحًا، و: يا لك خبرًا سارًا، ومن المدح قول الله تعالى: {ولقد نادانا نوحٌ فلنعم المجيبون} ). [المحلى: 233]
16- "لام" الذم
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" الذم مثل: يا لك رجلًا ساقطًا وجاهلًا، قال الله عز وجل: {لبئس المولى ولبئس العشير} ). [المحلى: 233]
17- "اللام" التي في موضع "على"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"اللام" التي في موضع "على" قولهم: سقط لوجهه، أي: "على" وجهه، ومنه قول الله جل وعز: {يخرون للأذقان سجدًا}، أي: "على" الأذقان). [المحلى: 233]
18- "اللام" التي في معنى "الفاء"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"اللام" التي في معنى "الفاء" قولهم: أحسنت إلى زيدٍ ليكفر نعمتك، أي: فكفر نعمتك، ومنه قول الله تبارك وتعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا}، ومثله: {ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالًا في الحياة الدنيا، ربنا ليضلوا عن سبيلك}، أي: فضلوا عن سبيلك.
قال الشاعر:
لنا هضبةٌ لم يدخل الذل وسطها ..... ويأوي إليها المستجير ليعصما
أي: فيعصما.
ومثله: {ليجزي الذين أساءوا بما عملوا}، يعني: ولله ما في السموات وما في الأرض فيجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى.
وهاتان "اللامان" تعرفان "بلام" الصيرورة والعاقبة، أي: كان عاقبتها وصار أمرها إلى ذلك). [المحلى: 234]
19- "اللام" التي في موضع "إلى"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"اللام" التي في موضع "إلى" قول الله جر ذكره: {حتى إذا أقلت سحابًا ثقالًا سقناه إلى بلدٍ ميت}، أي: "إلى" بلدٍ ميت، ومثله: {ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا ربكم}، أي: "إلى" الإيمان، ومثله: {الحمد لله الذي هدانا لهذا} ). [المحلى: 235]
20- "اللام" التي في موضع "أن"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"اللام" التي في موضع "أن" مثل قول الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا}، إلا "أن" يعبدوا، ومثله: {وأمرنا لنسلم لرب العالمين}، ومثله: {يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم}، معناه: "أن" يطفئوا، و: "أن" نُسلم). [المحلى: 235]
21- "لام" جواب "لولا"
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" جواب "لولا" قولهم: "لولا" زيدٌ لزرتك، و: "لولا" محمدٌ لأتيتك، قال الله عز وجل: {ولوا كلمةٌ سبقت من ربك إلى أجلٍ مسمى لقضي بينهم} ). [المحلى: 236]
22- "لام" الطرح
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" الطرح قول الله جل وعز: {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}، معناه: كالوا لهم، مثل قول الشاعر:
فتبعد إذ نأى جدواك عني ..... فلا أسفي عليك ولا نحيبي
طرحت "اللام" في موضع الطرح في أول الكلام). [المحلى: 236]
23- "لام" الاستفهام
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" الاستفهام مثل قول الله تعالى: {لمن الملك اليوم لله الواحد القهار} ). [المحلى: 237]
24- "لام" جواب الاستفهام
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" جواب الاستفهام مثل قولهم: إذا خرت ليأتين عمرو؟ ومثله قول الله جل ذكره: {أئذا ما مت لسوف أخرج حيا}، وهذا "بلام" التعجب أشبه، لأن الكفار لا تستفهم). [المحلى: 237]
25- "لام" النسخ
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" النسخ مثل "اللام" في: جمل ولحم و"لم" و"ألم" و"الما"، وما أشبه ذلك، وما لا يجوز إسقاطه). [المحلى: 237]
26- "لام" التعريف
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" التعريف "اللام" التي في: الرجل والفرس والحائط، تدخل مع "الألف" على الاسم منكورًا فيكون معرفة، لأن قولهم: فرسٌ وحائطٌ ورجلٌ، مناكير، فإذا قلت: الرجل والمرأة والفرس، صارت معارف). [المحلى: 238]
27- "لام" الإقحام
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" الإقحام مثل قول الله عز وجل: {إن كاد ليضلنا}، وقوله تعالى: {عسى أن يكون ردف لكم}، معناه: ردفكم.
وقال الشاعر:
أم حليس لعجوزٍ شهربه .... ترضى من اللحم بعظم الرقبه
أدخل "اللام" في «لعجوزٌ» إقحامًا). [المحلى: 238]
28- "لام" العماد
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" العماد مثل قول الله تعالى: {إن في ذلك لآيات لقومٍ يؤمنون}، وكل ما كان من نحوه). [المحلى: 239]
29- "لام" التغليظ
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" التغليظ: لتهلكن زيدًا، و: لتضربن عمرًا). [المحلى: 239]
30- "لام" المنقول
قال أبو بكر أحمد بن الحسن بن شقير النحوي البغدادي (ت: 317هـ): (و"لام" المنقول قول الله عز وجل: {يدعو لمن ضره أقرب من نفعه}، معناه: يدعو من لضره أقرب من نفعه). [المحلى: 239]
شرح أبي القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ)
"اللّام"
قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجَّاجيُّ (ت: 340هـ): ("اللّام" تكون: للملك، والاستحقاق، والاختصاص، والأمر.
وقال غيره: "اللامات" المعنوية في الكلم على ثلاثة أقسام: متحرك لا يجوز إسكانه، ومتحرك يجوز إسكانه، وساكن يجوز تحريكه.
فالقسم الأول: على ضربين: مفتوح ومكسور، والمفتوح على وجهين: أصلّي وفرعي.
والأصلي على ستّة أضرب:
الأول: "لام" الابتداء، قال الله تعالى: {لمغفرةٌ مّن الله ورحمةٌ خيرٌ مّمّا يجمعون}.
والثّاني: "لام" التّأكيد، عارية وحاملة، فالعارية: نحو قول الشّاعر:
(وأعلم أن تسليمًا وتركا ... للا متشابهان ولا سواء)
والحاملة: حدها أن لا تكون إلّا مع "إنّ"، إمّا في خبرها للفصل بين الحرفين المؤكدين، وأما في اسمها للفصل بين الاسم والحرف بالظرف، وأما قبل "إنّ" إذا توهنت "همزتها" بالابتدال "هاء"، وأما في الفضلة متقدّمة مكررة وغيرة مكررة، نحو قولك: "إن" زيدا لقائم، و"إن" خلفك لزيدا، ولهنك قائم.
قال الله تعالى: {وإنّ ربك ليحكم بينهم}، و{وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم}.
قال الشّاعر:
(ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنك من برق عليّ كريم)
وهم في هذه :"اللّام" على ضربين: منهم من يقول هي "لام" الابتداء، ومنهم من يقول غيرها.
والثّالث: "لام" القسم حاملة وعارية، فالحاملة: حدها أن تكون مع المستقبل لازمة "لنوني" التّأكيد، نحو قوله تعالى: {ليسجنن وليكونن مّن الصّاغرين}.
ومع الماضي "بقد" ظاهرة ومضمرة ومقدرة، نحو قولك: والله "لقد" قام، وواللّه لقام.
قال الله تعالى: {فرأوه مصفرّاً لّظلّوا من بعده}، وقال الشّاعر:
(حلفت لها بالله حلفة فاجرٍ ... لناموا فما إن من حديثٍ ولا صال)
والعارية نحو قوله تعالى: {لعمرك إنّهم لفي سكرتهم}، فعمرك قسم، و"اللّام" عارية زائدة؛ لأنّه لا يصح دخول قسم على قسم.
والرّابع: "لام" الإيجاب، وحدها أن تكون فارقة بين الإيجاب والنّفي، نحو قولك: إن زيد لقائم، قال الله تعالى: {إن كلّ نفسٍ لما عليها}،
والفرق بينها وبين "لامي" الابتداء والتأكيد ثلاثة أشياء:
أحدها: أنّها تدخل على الماضي، نحو قولك: إن زيد لقام.
والثّاني: أنّها تدخل على المفعول به، نحو قوله تعالى: {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}.
والثّالث: أنّها ملازمة وتانك لا تكونان على هذه الصّورة.
والخامس: "لام" التّعجّب، نحو قولك: يا للعجب، ويا لكما، قال الشّاعر:
(فيا لك حاجة ومطال شوق ... وقطع قرينة بعد التلاقي)
والسّادس: "لام" الشّرط، نحو قولك: لئن أتيتني لآتينك، قال الله تعالى: {لئن أخرجتم لنخرجنّ معكم}.
والفرعي: "لام" الجرّ مع المضمر في أربعة أشياء:
وهي الملك، نحو قوله تعالى: {له ملك السّماوات}.
والاستحقاق، نحو قوله تعالى: {ولهم عذابٌ واصبٌ}.
والاختصاص، نحو: له مسجد.
والعذر، نحو قولك: لك جئت، أي: لأجلك.
ومع الظّاهر المدعو في الاستغاثة ما لم يكن معطوفًا فرقا بين المدعو والمدعو إليه، نحو قولك: يا لزيدٍ للخطب الملم.
والمكسورة على ضربين: أحدهما: يجوز فتحه على حال، والثّاني: لا يجوز فتحه.
فالّذي يجوز فتحه على حال: "لام" الجرّ، وحدها أن تكون مكسورة مع الظّاهر في الملك، نحو قوله تعالى: {الملك يومئذٍ لّلّه}،
والاستحقاق، نحو قوله تعالى: {وللكافرين عذابٌ مّهينٌ}،
والاختصاص، نحو: مسجد للفقهاء،
والعذر، نحو قوله تعالى: {إنّما قولنا لشيء إذا أردناه}،
والاستغاثة مع المدعو، نحو قول عمر رضي الله عنه: لما طعن يا لله يا للمسلمين.
لهذا ألا تراها تفتح مع المدعو ظاهرا ومع الأربعة البقيّة مضمرا.
والّذي لا يجوز فتحه على أربعة أضرب:
"لام" "كي"، نحو قوله تعالى: {لّنبيّن لكم}.
و"لام" الجحد، نحو قوله تعالى: {وما كنّا لنهتدي}.
و"لام" العرض المحض في الفعل، نحو قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّاً وحزناً}.
والقسم الثّاني: "لام" الأمر، وحدها مكسورة، نحو: ليقم زيد، فإن دخل عليها "الواو" أو "الفاء" أو "ثمّ" كنت مخيّرا في كسرها وإسكانها، نحو: فليقم زيد، "و" ليقم زيد، "ثمّ" ليقم زيد، قال الله تعالى: {ثمّ ليقطع}.
والقسم الثّالث: "لام" التّعريف، وحدها أن تكون ساكنة، نحو قولك: الغلام، إلّا في موضعين يتحرّك فيهما:
أحدهما: استعارة في "الألف"، نحو: لا في لاه.
والثّاني: نقلا من "همزة" بعدها، نحو: الرض ولحمر في الأرض والأحمر). [حروف المعاني والصفات: 40 - 47]
شرح علي بن عيسى الرماني(ت:388ه)
"اللامات" قال أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني (ت: 388هـ): ("اللامات"
"اللامات" اثنتا عشرة وهي:
1 - "لام" الابتداء، نحو قولك: لزيد خير منك.
2 - و"لام" القسم، نحو: والله لآتينك.
3 - و"لام" الإضافة، نحو: لزيد مال.
4 - و"لام" التّعريف، نحو: الرجل والغلام.
5 - و"اللّام" الأصليّة، نحو: لها يلهو.
6 - و"اللّام" الزّائدة الّتي دخولها كخروجها، نحو قول الشّاعر:
(لما أخلفت شكرك فاصطنعني ... فكيف ومن عطائك جلّ مالي)
7 - و"لام" الاستغاثة، نحو قول الشّاعر:
(يا لبكر انشروا لي كليبا ... يا لبكر أين أين الفرار)
ومثل قول الشّاعر:
(يا للرّجال ليوم الأربعاء أما ... ينفكّ يحدث لي بعد النّهي طربا)
8 - و"لام" الكناية، نحو: لهم وله، وحكمها الفتح، وأصلها "لام" الإضافة.
9 - و"لام" "كي"، نحو قوله تعالى: {وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون}، وكذلك {ليغفر لك الله}، أي: "كي" يغفر.
10 - و"لام" الجحود، كقوله تعالى: {ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه}.
11 - ومن "لام" الإضافة "لام" العاقبة، نحو قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا}، وكذلك قوله تعالى: {إلّا من رحم ربك ولذلك خلقهم}، ومن كلامهم:
(لدوا للموت وابنوا للخراب ... فكلكم يصير إلى ذهاب)
12 - و"لام" الأمر، كقوله تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته} ). [منازل الحروف: 21 - 23]
"لام" الإضافة قال أبو الحسن علي بن عيسى بن علي بن عبد الله الرماني (ت: 388هـ): ("لام" الإضافة
و"لام" الإضافة على أربعة أوجه:
1 - الملك، نحو قولك: دار لزيد، وثوب له، وعبد له، وما أشبه ذلك.
2 - والنّسب، نحو: أب له، وابن له، وأخ له، وعم له، وما أشبه ذلك.
3 - والفعل، نحو: ضرب له، وشتم له.
4 - والمفعول، يجري هذا المجرى، نحو قولك: حركة للحجر، وسقوط للحائط، وتخريق للثوب، وموت لزيد.
وما أشبه ذلك، وهي لا تخلو من هذه أربعة الأوجه، وأصلها في كل ذلك الاختصاص). [منازل الحروف: 50 - 51]
شرح أبي الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ)
"لام" الإضافة
قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (ومنها "لام" الإضافة: ولها ستة مواضع:
تكون مكان "إلى"، قال الله تعالى: {الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي}، أي: "إلى" هذا، وقال: {ربنا إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان}، أي: "إلا" الإيمان.
وتكون مكان "على"، وذلك قولك: «سقط الرجل لوجهه» أي: "على" وجهه، قال الله تعالى: {يخرون للأذقان سجدًا}، أي: "على" الأذقان سجدًا.
وقال: {فلما أسلما وتله للجبين}، أي: "على" الجبين.
وقال الشاعر، وهو الأشعث الكندي:
تناولت بالرمح الطويل ثيابه .... فخر صريعًا لليدين وللفم
أي: "على" اليدين و"على" الفم.
وتكون مكان "من"، وذلك قولهم: «سمعت لزيدٍ صياحًا» أي: "من" زيدٍ صياحًا.
وتكون مكان "في"، قال الله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}، أي: "في" يوم القيامة.
وتكون مكان "مع"، قال متمم بن نويرة:
فلما تفرقنا كأني ومالكًا .... لطول اجتماع لم نبت ليلة معًا
أراد: "مع" طول اجتماع.
وتكون مكان "بعد"، قال الله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، أي: "بعد" زوال الشمس.
وقال الراعي:
حتى وردن لتم خمسٍ بائص ..... جدًا تعاوره الرياح وبيلا
أي: "بعد" تم خمس.
وقال الأخفش سعيد في كتاب «المسائل» في قوله عز وجل: {فاستقم كما أمرت}، معناه: "على" ما أمرت، قال: وكذلك قولك: «دعه كما هو» كأنك قلت: دعه "على" الذي هو، "فالكاف" ها هنا بمعنى "على"). [الأزهية: 287 - 290]
شرح إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ)
"لام" مفتوحة
قال إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ): (باب "لام" مفتوحة على ثلاثة عشر وجها:
أحدها: "لام" الابتداء، كقوله: {لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس} (غافر 57)، وقوله: {لأنتم أشد رهبة في صدورهم من اللّه} (الحشر 13).
والثاني: "لام" المحمدة، كقوله: {ولنعم دار المتقين} (النحل 30)، وقوله: {وللدار الآخرة} (يوسف 109).
والثالث: "لام" المذمة، كقوله: {فلبئس مثوى المتكبرين} (النحل 29).
والرابع: التأكيد، كقوله: {وليكونا من الصاغرين} (يوسف 32)، وقوله: {ليبين لهم الذي يختلفون فيه} في النحل (الآية 39).
والخامس: "لام" العباد، كقوله: {ولقد علموا لمن اشتراه} في البقرة (الآية 102)، وقوله: {ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب} (البقرة 145).
والسادس: "لام" جواب "لئن"، كقوله: {ولئن صبرتم لهو خير للصابرين} (النحل 126)، وقوله: {ولئن جاء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم} (العنكبوت 10)، وقوله: {ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا} (هود 7)، وقوله: {ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه} (هود 8)، وقوله: {ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب} (هود 10).
والسابع: "لام" في خبر "لولا"، كقوله: {فلولا فضل اللّه عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين} (البقرة 64)، وقوله: {ولولا فضل اللّه عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} (النساء 83)، وقوله: {ولولا فضل اللّه عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك} (النساء 113).
والثامن: "لام" جواب خبر "لو"، كقوله: {لو نشاء لجعلناه حطاما} (الواقعة 65)، وقوله: {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا} (الكهف 18)، وقوله: {ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض} (المؤمنون 71).
والتاسع: "لام" في جواب "إن" الشديدة، كقوله: {وإن اللّه على نصرهم لقدير} (الحج 39)، وقوله: {وإن اللّه لهو خير الرازقين} (الحج 58)، وقوله: {وإن اللّه لعفو غفور} (الحج 60)، {وإن اللّه لهو الغني الحميد} (الحج 64)، و{إن اللّه بالناس لرؤوف رحيم} (البقرة 143)، {إن الإنسان لكفور} (الحج 66).
والعاشر: "لام" في جواب "أن" الخفيفة، كقوله: {وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم} (القلم 51)، و{إن كاد ليضلنا عن آلهتنا} (الفرقان 42).
والحادي عشر: "لام" المقلوبة، كقوله: {يدعو لمن ضره أقرب} (الحج 13)، يعني يدعو من لضره أقرب من نفعه، وقوله: {إن في ذلك لآيات} (المؤمنون30)، وقوله: {وإن من شيعته لإبراهيم} (الصافات 83).
والثاني عشر: "لام" جواب القسم، كقوله: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} (التين 4)، وقوله: {فوربك لنسألنهم أجمعين} (الحجر 92)، وقوله: {فوربك لنحشرنهم والشياطين} (مريم 68).
والثالث عشر: "لام" الملك إذا كانت مع المكنى، كقوله: {له ما في السموات وما في الأرض} (البقرة 255)، [وقوله]: {إن في ذلك لآية لكم} (البقرة 248) ). [وجوه القرآن: 472 - 475]
"لام" مجزومة
قال إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ): (باب "لام" مجزومة على ثلاثة أوجه: أحدها: من الحروف المتشابه، كقوله: {الم}.
والثاني: المعرفة، كقوله: {بسم اللّه الرحمن الرحيم}.
والثالث: "لام" أمر إذا كانت معها "واو" أو "فاء" أو "ثم"، كقوله: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} (البقرة 185)، وقوله: {ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق} (الحج 29) ). [وجوه القرآن: 475]
"اللام" المكسورة
قال إسماعيل بن أحمد الحيري الضرير (ت: 431هـ): (باب "اللام" المكسورة
وهو على اثنين وعشرين وجها:
أحدها: "لام" الإضافة، وهي التي تسمى بأربعة أسماء: "لام" الإضافة، و"لام" الملك، و"لام" الزائدة، و"لام" الصفة، كقوله: {الحمد للّه رب العالمين} (الفاتحة 2).
والثاني: "لام" التعجب، كقوله: {للفقراء الذين أحصروا في سبيل اللّه} (البقرة 273)، نظيرها في الحشر (الآية 8)، وقوله: {لإيلاف قريش} (قريش 1).
والثالث: "لام" "كي"، كقوله: {ليقطع طرفا من الذين كفروا} (آل عمران 127)، وقوله: {وليمحص اللّه الذين آمنوا} (آل عمران 141)، (وقوله): {وليبتلي اللّه ما في صدوركم} (آل عمران 154).
والرابع: بمعنى "الفاء"، كقوله: {ليجعل اللّه ذلك حسرة في قلوبهم} (آل عمران 155)، وفي الأعراف (الآية 18) قوله: (لمن تبعك منهم)، على قراءة من قرأ بكسر "اللام"، وقوله: {ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا} (النجم 31).
والخامس: بمعنى "أن"، كقوله في النساء (الآية 26): {يريد اللّه ليبين لكم}، {يريدون ليطفؤوا نور اللّه بأفواههم}.
والسادس: بمعنى "لئلا"، كقوله: {ليكفروا بما آتيناهم}.
والسابع: بمعنى "إلى"، كقوله: {الحمد للّه الذي هدانا لهذا} (الأعراف 43)، وقوله: {سقناه لبلد ميت} (الأعراف 57)، وقوله في الرعد (الآية 2)، والزمر (الآية 5): {كل يجري لأجل مسمى}.
والثامن: بمعنى "لكن"، كقوله: {ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط} (يونس 4)، نظيرها في الروم (الآية 45).
والتاسع: الاستحقاق، كقوله: {ولقد ذرأنا لجهنم} (الأعراف 179).
والعاشر: "لام" غير، كقوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة } (النحل 25). وبعضهم سماها "لام" العاقبة.
والحادي عشر: "لام" القسم، كقوله: {ليغفر لك اللّه ما تقدم من ذنبك} (الفتح 2)، {ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات} (الفتح 5).
والثاني عشر: بمعنى "عند"، كقوله: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} (الإسراء 78).
والثالث عشر: "لام" يرجع إلى أول الكلام، كقوله: {وأقم الصلاة لذكري} (طه 14).
والرابع عشر: بمعنى "من"، كقوله: {اقترب للناس حسابهم} (الأنبياء 1).
والخامس عشر: بمعنى "على"، كقوله: {وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم} (العنكبوت 8).
والسادس عشر: بمعنى "لام" العاقبة، كقوله: {ليكون لهم عدوا وحزنا} (القصص 8).
والسابع عشر: بمعنى "الذي"، كقوله: (لِما صبروا) (السجدة 24)، على قراءة من قرأ بكسر "اللام".
والثامن عشر: بمعنى "في"، كقوله: {لأول الحشر ما ظننتم} (الحشر 2).
والتاسع عشر: "لام"يرجع إلى إضمار "فيه"، كقوله: {ليدخل اللّه في رحمته من يشاء} (الفتح 25).
والعشرون: يرجع "إلى" إضمار "فيه"، (كقوله): {للفقراء المهاجرين} (الحشر 8).
والحادي والعشرون: "لام" الجحود، كقوله: {وما كان اللّه ليضيع إيمانكم} (البقرة 143)، وقوله: {ما كان اللّه ليذر المؤمنين} (آل عمران 179)، وقوله: {وما كان اللّه ليطلعكم على الغيب} (آل عمران 179)، وقوله: {وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ} (النساء 92)، وقوله: {وما كان اللّه ليعذبهم وأنت فيهم} (الأنفال 33)، وقوله: {وما كان لنبي أن يغل} (آل عمران 161)، وقوله: {وما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} (التوبة 113).
والثاني والعشرون: "لام" الأمر إذا عريت عن "الفاء" و"الواو" و"ثم"، كقوله: {ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم} (النور 58) ). [وجوه القرآن: 468 - 472]
شرح أبي عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني (ت: 478هـ)"لام" المفتوحة
قال أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني (ت: 478هـ) : (تفسير "اللام" المفتوحة على وجهين:
صلة في الكلام – "لام" الأصل
فوجه منهما: "اللام" المفتوحة: صلة في الكلام, قوله تعالى في سورة الأعلى {إن هذا لفي الصحف الأولى}، وكقوله تعالى {وإنه لحب الخير لشديد} أي: شديد، و"اللام" صلة.
والوجه الثاني: "اللام" المفتوحة: "لام" الأصل, قوله تعالى {لهوا ولعبا} لا يجوز أن تكون إلا مفتوحة {ولكم فيها} و (لهم)، وما يشببها). [الوجوه والنظائر: 409]
"اللام" المكسورة
قال أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني (ت: 478هـ) :(تفسير "اللام" المكسورة على ثلاثة أوجه:
"كي" – "أن" – "لئلا"
فوجه منها: "اللام" بمعنى: "كي"، قوله تعالى في سورة السجدة {لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك}، وكقوله تعالى في سورة يونس {ليجزي الذين آمنوا} يعني: "كي" يجزي الذين امنوا.
والوجه الثاني: "اللام" بمعنى: "أن"، قوله تعالى {وما كان الله ليطلعكم على الغيب} يعني: ما كان الله "أن" يطلعكم، وكقوله تعالى في سورة الأنفال {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} يعني: ما كان الله "أن" يعذبهم وأنت فيهم {وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} وكقوله تعالى في سورة إبراهيم {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} يعني: "أن" تزول منه.
والوجه الثالث: "اللام" بمعنى: "لئلا"، قوله تعالى في سورة النحل {ليكفروا بما آتيناهم} يعني: "لئلا" يكفروا بما آتيناهم, نظيرها في سورة العنكبوت 66). [الوجوه والنظائر: 409]
شرح أبي الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ)
"لام" المفتوحة
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ): (باب "اللّام"
" اللّام " على ضربين: "لام" مفتوحة، و"لام" مكسورة فالمفتوحة تقع للتوكيد والقسم، وتكون زائدة. والمكسورة: تفيد في الإعراب الجرّ، وفي المعنى: الاختصاص والملك. والاختصاص: فيما لا يصلح فيه الملك نحو قولك: المسجد لزيد فالملك طار على الاختصاص ومفتقر إليه؛ لأن كل ملك اختصاص (وليس كل اختصاص) ملكا. وقد تقع المكسورة: نائبة عن حرف آخر.
فأما - المفتوحة - فهي في القرآن على ثلاثة أوجه -
أحدها: لمعنى التوكيد. ومنه قوله تعالى في هود: (إن إبراهيم لحليم}، وفي العاديات: {إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير}.
والثّاني: بمعنى القسم. ومنه قوله تعالى [في هود]: {ليقولن ما يحسبه}.
والثّالث: أن تكون زائدة. ومنه قوله تعالى في النّمل: {قل عسى أن يكون ردف لكم}، أي: ردفكم). [نزهة الأعين النواظر: 536 - 537] (م)
"اللام" المكسورة
قال أبو الفرج عبد الرحمن بن علي ابن الجوزي (ت:597هـ): (باب "اللّام"
" اللّام " على ضربين: "لام" مفتوحة، و"لام" مكسورة فالمفتوحة تقع للتوكيد والقسم، وتكون زائدة. والمكسورة: تفيد في الإعراب الجرّ، وفي المعنى: الاختصاص والملك. والاختصاص: فيما لا يصلح فيه الملك نحو قولك: المسجد لزيد فالملك طار على الاختصاص ومفتقر إليه؛ لأن كل ملك اختصاص (وليس كل اختصاص) ملكا. وقد تقع المكسورة: نائبة عن حرف آخر.
فأما - المفتوحة - فهي في القرآن على ثلاثة أوجه -
أحدها: لمعنى التوكيد. ومنه قوله تعالى في هود: (إن إبراهيم لحليم}، وفي العاديات: {إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير}.
والثّاني: بمعنى القسم. ومنه قوله تعالى [في هود]: {ليقولن ما يحسبه}.
والثّالث: أن تكون زائدة. ومنه قوله تعالى في النّمل: {قل عسى أن يكون ردف لكم}، أي: ردفكم.
وأما - المكسورة - فهي في القرآن على اثني عشر وجها: -
أحدها: الملك. ومنه قوله تعالى [في لقمان]: {لله ما في السّموات والأرض}.
والثّاني: بمعنى الأمر. ومنه قوله تعالى في النّور: {ليستأذنكم الّذين ملكت أيمانكم}.
والثّالث: بمعنى " على" ومنه قوله تعالى في يونس: {دعانا لجنبه}، وفي الرّعد: {أولئك لهم اللّعنة}، وفي الحجرات {ولا تجهروا له بالقول}. ولام (لهم اللّعنة). " وله بالقول ". مكسورة في الأصل إلّا أنه امتنع كسرها لأجل الضّمير. فلولا الضّمير لقال: للقوم اللّعنة، ولا تجهروا للنّبي.
والرّابع: بمعنى " إلى ". ومنه قوله تعالى في الأعراف: {الحمد لله الّذي هدانا لهذا}، وفي الزلزلة: {بأن ربك أوحى لها}.
والخامس: بمعنى " كي " ومنه قوله تعالى في يونس: {ليجزي الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات بالقسط}، وفي فاطر: {ليوفيهم أجورهم}، وفي يس: {لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم}، وفي الفتح {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخّر}.
والسّادس: بمعنى " عند ". ومنه قوله تعالى (في طه): {وخشعت الأصوات للرحمن}.
والسّابع: بمعنى " أن ". ومنه قوله تعالى في آل عمران: {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}، وفي الأنفال: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}، وفي إبراهيم: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}.
والثّامن: بمعنى " لئلّا ". ومنه قوله تعالى في النّحل: {ليكفروا بما آتيناهم}، ومثلها في العنكبوت والروم سواء.
والتّاسع: "لام" العاقبة. ومنه قوله تعالى في الأنعام: {ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا}، وفي يونس: {ليضلوا عن سبيلك}، وفي القصص {ليكون لهم عدوا وحزنا}.
والعاشر: "لام" السّبب والعلّة. ومنه قوله تعالى (في هل أتى): {إنّما نطعمكم لوجه الله}.
والحادي عشر: بمعنى " في " ومنه قوله تعالى: {لأوّل الحشر}.
والثّاني عشر: صلة. كقوله تعالى (في الأعراف): {لربهم يرهبون}. وقوله (في يوسف): {إن كنتم للرؤيا تعبرون}). [نزهة الأعين النواظر: 536 - 539]
شرح أحمد بن عبد النور المالقي(ت:702ه)
باب "اللام" المفردة
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "اللام" المفردة
اعلم أن "اللام" المفردة جاءت في كلام العرب لمعانٍ تتشعبُ وتكثر، فعددها بعضهم ثلاثين "لامًا"، وعددها بعضهم ثمانيةً، وعددها بعضهم أربعًا، وألف بعض البغداديين فيها كتابًا سماه «كتاب "اللامات"»، عدد لها فيه نحو الأربعين معنى بحسب اختلافها أدنى اختلاف.
وقد أمعنت النظر فيها فوجدتها على تشعب معانيها تُحصر في قسمين: قسم زائدة، وقسمٍ غير زائدة، فالقسمُ غيرُ الزائدة قسمان: عاملةٌ وغير عاملةٍ والعاملةُ ثلاثةُ أقسامٍ: قسمٌ عاملٌ خفًا وقسمٌ عاملٌ نصبًا، وقسمٌ عاملٌ جزمًا.
والقسم الزائدة قسمان: قسمٌ عاملةٌ وقسمٌ غيرُ عاملةٍ، فتجيءُ جملة أقسامها ستة: غير زائدةٍ عاملةٌ خفضًا، وغيرُ زائدةٍ عاملةٌ نصبًا، وغيرُ زائدةٍ عاملةٌ جزمًا، وغير زائدةٍ غيرُ عاملةٍ، وزائدةٌ عاملةٌ، وزائدةٌ غيرُ عاملةٍ.
القسم الأول: غيرُ الزائدة العاملة خفضًا لها ثمانية مواضع:
الموضع الأول: أن تكون للتخصيص، وأنواع هذه المواضع تتشعب، والذي يجمعها النسبة، فحيث كانت جاز أن تنسب لما بعدها بها، فمنها الملك، نحو: الثوب لزيدٍ، والدارُ لعمروٍ، والفرسُ لعبد الله، ومنها الاستحقاق، نحو: الباب للدار، والسرج للدابة، والمحراب للمسجد، ومنها النسب، نحو: الأب لعبد الله والابن لخالد، ومنها التبعيضُ، نحو: الرأس للحمار والكُمُّ للجبة، ومنها الفعل نحو: الضربُ لزيدٍ، والتسبيح لعمروٍ.
وأنواع النسبة لا تكاد تُحصر لكثرتها، ومنها قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ}، وقولهم .... وتُربا له وجندلًا له وواهًا له.
وتدخل في أنواع هذه المواضع على الظاهر والمضمر فتقول الغلامُ لزيدٍ والغلام لك، وكذلك باقي الأنواع.
الموضع الثاني: أن تكون في النداء للاستغاثة نحو: يا لزيدٍ لعمروٍ، ويا لخالدٍ لعبد الله، ومنه قوله:
فيا لرزامٍ رشحوا بي مقدمًا ..... إلى الخير خواضًا إليه الكتائبا
وقوله:
تكنفني الوشاةُ فازعجوني ..... فيا للناس للواشي المُطاع
وقولُ عمر رضي الله عنه لما طعنه العلج أو العبد: يالله يا للمسلمين، ومعنى ذلك كله الدعاء للسامع أن يُغيث فيجيب الداعي لأمرٍ أُتفق عليه من حرج أو خوف قتلٍ أو سبي مال أو أهل أو نحو ذلك .... على من يفعل به ذلك أو يخاف فعله منه.
ولا يجوز دخولُ هذه "اللام" على المضمر، وإن كان أصلُ المنادى الذي تدخل عليه مضمرًا لأنه المخاطب أو من في حكمه، لأن المستغاث به القصدُ به شهرته، فلابد من ذكر اسمه أو شهرته، و"اللام" دلالةٌ على ما أريد من الاستغاثة.
الموضع الثالث: [أن تكون] للتعجب وهو يكون في باب النداء، نحو قولهم: «يا للعجب»، وقول الشاعر:
.... .... .... .... ..... يا للكهول وللشُبان للعجب
وهذا لفظي، ويكون معنويًا كقوله:
فيالك من ليلٍ كأن نجومه ..... بكل مُغار الفتل شُدت بيذبل
وقول الآخر:
يا لك من قبرةٍ بمعمرٍ ..... .... .... .... ....
ويكون في المدح كقولك: يا لك رجلًا صالحًا، وفي الذم [كقولك]: يا لك رجلًا خبيًا وتدخل في هذه المواضع على الظاهر والمضمر، وتكون مفتوحة مع الظاهر فيه وفي الموضع قبله، لعلةٍ تبين آخر الباب إن شاء الله.
وتكون للتعجب أيضًا في القسم كقولهم: لله لا يقوم، ولله ليقومن زيدٌ، قال الشاعر:
لله يبقى على الأيام ذو حيدٍ ..... بمشمخرٍ به الظيان والآس
أراد لا يبقى، فحذف المعلم بذلك، كقوله تعالى: {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}، أي: لا تفتأ.
الموضع الرابع: أن تكون بمعنى "على"، وذلك موقوفٌ على السماع، لأن الحروف لا يوضع بعضها موضع بعضٍ قياسًا، إلا إذا كان معنياهما واحدًا، ومعنى الكلام الذي يدخلان فيه واحدًا أو راجعًا إليه، ولو على بُعدٍ.
ففما جاء من ذلك في "اللام" قوله تعالى: {يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}، وقال الشاعر:
.... .... .... .... ..... فخر صريعًا لليدين وللفم
وقول الآخر:
.... .... .... .... ..... أنخنا للكلاكل فارتمينا
وقول الآخر:
كأن مخواها على ثفناتها ..... معرس خمسٍ وقعت للجناجن
الموضع الخامس: أن تكون بمعنى "إلى"، وذلك قياس، لأن "إلى" يقربُ معناها من معنى "اللام"، وكذلك لفظها، ألا ترى قوله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}، و«هدى» يتعدّى ب "إلى"، كما قال: {وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، فالهداية في المعنى أوصلت المهدي إلى الصراط المستقيم، والوصلة موجودةٌ في معنى "إلى" و"اللام"، وهي موجودة فيهما حيثما كانا، وإن كان بينهما فرقٌ من حيث إن "إلى" لانتهاء الغاية و"اللام" عارية عنها، ف"اللام" أقرب الحروف لفظًا ومعنى إلى "إلى" من غيرها فلذلك قلنا إن دخول كل واحدةٍ منهما في موضع الأخرى، ألا ترى أن قوله تعالى: {فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} و«ادفعوا لهم» يتقاربان، فاستعمال إحداهما في موضع الأخرى جائزٌ كما ذُكر، ومنه أيضًا قوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ}، وقال في موضعٍ آخر: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا}.
الموضع السادس: أن تكون بمعنى "مع" وهو مسموع لا يُقاس عليه لبعد معنيهما ولفظيهما، ومما سمع من ذلك قول الشاعر:
فلما تقرفنا كأني ومالكا ..... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
أي "مع" طول اجتماع.
الموضع السابع: أن تكون بمعنى "من أجل" نحو: جئتك للإحسان ورعيتك لرعيي، قال الشاعر:
فجئت وقد نضت لنومٍ ثيابها ..... لدى الستر إلا لبسة المتفضل
أي: "من أجل" نوم، قال الشاعر:
تسمعُ للجرع إذا استحيرا ..... للماء في أجوافها خريرًا
أي: "من أجل" الجرع.
ويُقال لهذه "اللام" "لام" العلة و"لام" السبب، وهي في كلام العرب كثيرةٌ، وهي الداخلة على "كي" التي بمعنى "أن" والتي "كي" بمعناها وهي بمعنى "كي" التي تقدر "أن" بعدها كما تقدم في بابها.
الموضع الثامن: أن تكون بمعنى "بعد" وهو أيضًا موقوفٌ على السماع لقلته ومما جاء من ذلك قولهم: «كتبت لخمس خلون من الشهر، ولست مضين منه» أي "بعد" خمس و"بعد" ست، وقول الشاعر:
حتى وردن لتم خمسٍ بائص ..... .... .... .... ....
أي: "بعد" تمام خمس.
القسمُ الثاني: غير الزائدة العاملة نصبًا، لها ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أن يكون بعدها الفعل المضارع منصوبًا بإضمار "أن" على معنى "كي" المذكورة، نحو: جئتك لكرمني، وأحسن إليك لتشكرني، قال الله تعالى: {لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا} و{لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}، ولا يجوز الوقف في القرآن على ما قبل هذه "اللام" لأنها عاملةٌ لما قبلها، إلا إن وقع رأس آية.
وهذه "اللام" لا يكون ما قبلها إلا كلامًا قائمًا بنفسه، وبهذا تخالف "لام" الجحود المذكورة بعد، وتكون قبلها الجمل الاسمية [و] الفعلية الماضية والمضارعة، نحو قولك: زيدٌ قائمٌ ليحسن إليك، وزيدٌ قام ليحسن إليك، وزيدٌ يقوم ليحسن إليك.
وهي ناصبةٌ ما بعدها بإضمار "أن" لأنها حرفٌ جار، فلا يعمل عملين لاختصاصه بالأسماء، فما بعده مع "أن" بمنزلة اسم مخفوض بها كأنك إذا قلت: جئت لتكرمني [تقول] جئت لأن تكرمني، أي جئتُ للإكرام وقد بُين هذا في باب "كي" فقف عليه هناك، ويجوز دخول هذه "اللام" على "كي" إذا كانت بمعنى "أن" وحذفها للدلالة عليها كما بين هناك.
الموضع الثاني: أن تكون بمعنى الجحود، وهو النفي، وذلك قولك: ما كان الرجل ليذهب، وما كان عبد الله ليخرج، المعنى: ما كان عبد الله للخروج، وما كان الرجل للذهاب، قال الله عز وجل: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ}، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ}، المعنى للترك، وما كان الله للتعذيب، فهذه "اللام" كالتي قبلها في دخولها على الفعل المضارع ونصبه بإضمار "أن" وتقديرها معه بتأويل المصدر المخفوض بها، إذ هي حرفٌ جار أيضًا، لأنها مختصة بالأسماء، وهي "لامُ" العلة المذكورة قبل، إلا أنها إذا دخلت على الأفعال المذكورة وقعت مع ما بعدها في موضع أخبار "كان" المنفية بـ "ما"، وبذلك تخالف "لام" "كي" المذكورة قبل، للزومها ذلك، و"لام" "كي" يتم الكلام دونها، ويجوز أن يتقدمها الإيجاب والنفي مع "كان" وغيرها، فاعلمه.
الموضع الثالث: أن تكون بمعنى العاقبة، كقولك: أكرمته ليشتمني وأعطيته ليحرمني، قال الله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} و{رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ}، المعنى: فالتقطه
آل فرعون فكان عاقبةُ أمرهم أن كان لهم عدوًا وحزنًا، وأنك آتيت فرعون وملأه زينةً وأموالًا في الحياة الدنيا، فكان عاقبتهم أن ضلوا عن سبيلك، وهي مثل "لام" "كي" و"لام" الجحود المذكورتين، في أنها داخلةٌ على الأفعال المضارعة، وتنصب بعدها بإضمار "أن"، و"أن" وما بعدها في موضع مصدرٍ مخفوض إذ هي حرفُ جار مثلهما للعلة في الظاهرة، وتفارقها في المعنى خاصة.
وأما قول الشاعر:
لنا هضبة لا ينزل الذل وسطها ..... ويأوي إليها المستجير ليعصما
فقال بعضهم: إن "اللام" "لامُ" العاقبة كالتي في الآيتين، وقال بعضهم: هي بمعنى "الفاء" لأن أصله: «فيُعصما»، وقد رُوي كذلك، والصحيح أنها "لام" "كي" المتقدمة الذكر، لأن فيها معنى العلة، ويصح تقديرها بـ "كي" وبدل على ذلك أن الرواية قد صحت "بالفاء" في موضعها وهي "فاء" السبب الجوابية، إلا أن نصب بعضهم بها وقع في الواجب، فقال بعضهم: ذلك ضرورةٌ، والصحيح عندي أن نصبها – وإن كان في ظاهر الواجب – على معنى الشرط المقدر، لأن التقدير: إن يأو إليها المستجيرُ يُعصم، ولافاءُ تنصبُ في معنى جواب الشرط على ما يبينُ في بابها إن شاء الله مستقصى.
القسم الثالث: غير الزائدة العاملة جزمًا، لها في كلام العرب ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أن تكون للأمر، فيجزم بعدها الفعل المضارع على أنواع حالات الجزم، وتدخل على المبني للمفعول، فتلزم معه على اختلاف أنواعه للمتكلم والمخاطب والغائب، نحو: لأكرم، ولتُكرَمْ، ولتُكْرِمْ، وليُكرَمْ، وعلى المبني للفاعل الغائب.
وهل تدخل على المتكلم وحده أو مع غيره؟ فيه خلافٌ، والصحيح جوازه لوروده من كلام العرب، فتقول: ليقم زيدٌ، وليخرج عمروٌ، قال الله عز وجل: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ}، وتقول: لأقم ولتقم، وأما فعلُ المخاطب فالغالب عليه المطردُ أن يجيء بغير "لام"، نحو: اضرب واخرج وقم واقعد، وقد جاء في الحديث قوله عليه السلام: «لتأخذوا مصافكم» وقرئ قوله تعالى: «فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا» على المخاطبة وكلاهما نادرٌ.
واختلف في هذا الفعل المبني للفاعل المخاطب إذا كان بغير "اللام": فذهب البصريون إلى أنه صيغةٌ قائمةٌ بنفسها، لا مدخل "للام" فيها، وأن الذي "باللام" صيغةُ الفعل المضارع دخلت عليه "اللام" للأمر فجزمته، والأول مبني على الوقف والآخر معربٌ بالجزم.
وذهب الكوفيون إلى أن كليهما واحدٌ، فعلٌ مضارعٌ في الأصل معربٌ بالجزم "باللام" ظاهرةً أو محذوفةً، قياسًا على سائر أفعال الأمر.
وذهب المتأخرون إلى أن الصحيح أن ما فيه "اللام" مضارعٌ معربٌ بالجزم لوجود المضارعة فيه وهو "التاء" و"الياء" و"النون" و"الألف" التي أُعرب بسببها، وما ليس فيه "اللام" صيغته صيغةٌ أخرى، وهو مبنيٌ لا مدخل "للام" فيه لا شبه بينه وبين الاسم كما كان في المضارع من الإبهام والتخصيص الموجودين فيهما، إذ تلك الصيغة لا حرف مضارعةٍ فيها توجيب لها الإعراب ولا شبه بينها وبين الاسم من جهتي الإبهام والتخصيص المذكورين، بل هي صيغةٌ مخلصةٌ للاستقبال بنفسها فهي أصلٌ قائمٌ بنفسه.
فإن زعموا أن "لام" الجزم محذوفةٌ مع حرف المضارعة فيجاوبوا: بأنه لا يُحذف حرفان، أحدهما يوجب علة تكون أصلًا في شيء، ويبقى حكمها كحرف المضارعة، و"اللام" حرفٌ واحدٌ شديدُ الاتصال بما بعده، صار معه كبعض حروفه، فلا يجوز حذفه إلا في الضرورة وحده كقوله:
.... .... .... .... ..... .... .... أو يبك من بكى
وأما حذفها معًا في كل موضع مخاطبة للفاعل فلا. وكل ما جاء من ذلك على كثرته في كلامهم هو بغير "لامٍ"، ولا حرف مضارعةٍ، إلا ما ذُكر نادرًا فلا يقاسُ عليه، وهذا كله جريان على مذهب البصريين.
والصحيح مذهب الكوفيين، وقد أتيت بالدلائل عليه في غير هذا الكتاب.
واعلم أن هذه "اللام" لشدة اتصالها بما بعدها حتى صارت كبعض حروفه جاز فيها التسكينُ لخفتها إذا اتصل بها "واوُ" العطف أو "فاؤه"، كقوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} على قراءة من قرأ بالتسكين،
وكذلك قوله تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} فأجري ذلك مجرى فخد وكبد حين قالوا: فخذ وكبد، بإسكان "الخاء" و"الباء"، تخفيفًا لاجتماع المتحركات، ويستقبح ذلك فيها مع حرفٍ منفصلٍ، نحو {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}، {ثُمَّ لْيَقْضُوا}.
وكذلك الحكم في "الواو" و"الفاء" مع "هو" و"هي" و"ثم" في نحو قوله تعالى: {ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ} على قراءة قالون والكسائي من السبعة بالإسكان في الفتح، بمنزلة: {ثُمَّ لْيَقْطَعْ}، وإنما ذلك لشدة اتصال "الواو" و"الفاء" بما بعدهما لأنهما كحرفٍ منه وانفصال "ثم" إذ هي كلمةٌ قائمةٌ بنفسها من ثلاثة أحرفٍ فاعلمه.
الموضع الثاني: أن تكون للدعاء، نحو قولك: «لتغفر لزيدٍ ولترحمه» والأكثر: اغفر لزيدٍ وارحمه، لأنها في الفعل بمنزلة "لام" الأمر، والحكم فيها في اللفظ كالحكم فيها، قال الله تعالى: {فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا}، وقال الشاعر:
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة ..... فاغفر عليك سلام الله يا عُمر
وإنما تفارقها في المعنى، وذلك أن الأمر هو طلبٌ من الأعلى إلى الأدنى، والدعاء من الأدنى إلى الأعلى.
وجملة الأمر أن "اللام" الداخلة على صيغة الأمر تكونُ بحسب ما وضعت الصيغة له من طلبٍ أو إباحةٍ أو تعجيزٍ أو تكوينٍ أو غير ذلك مما أحكمه الأصوليون في كتبهم، فلا معنى لتفريق مواضع ذلك إلا الجري على تنويعهم في الاصطلاح، وإلا فالطلب يكون من الأعلى إلى الأدنى ومن المثل إلى المثل ومن الأدنى إلى الأعلى، ويكون ذلك بصيغة الأمر وبالمضارع "باللام" مجزومًا، هذا هو الحق، إلا أن النحويين على صيغة «افعل» أمرًا، وبعضهم من المتأخرين تحذق فزاد الدعاء، وحقيقته ما ذكرتُ لك فاعلمه.
الموضع الثالث: أن تكون للوعيد نحو قولك: لتقتل زيدًا وأنت تعلم ما تلقى ولتضربه فسوف تعلمُ، قال الله تعالى: {لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}.
وأكثرُ ما تأتي الصيغة [على] صيغة «افعل»، وقد تكون صيغة المضارع "باللام"، فالحكم فيها كالحكم في "لام" الأمر والدعاء، وإنما الفرق بينهما في المعنى، لأن في معنى هذه التهديد وهي راجعةٌ إلى ما ذكرنا من الوعيد ولا طلب فيها إلا في ضرورة أمر، فلذلك يُطلق النحويون عليها أمرًا، ونظيره [في] ذلك قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}، فلولا قرينةُ الحال في الكلام لكانت الصيغة واحدةً مفهومًا منها الأمر [من} أول وهلة.
وفي صيغة «افعل» بين الأصوليين اختلافٌ: هل اللفظ مشتركٌ أو هو في الطلب أظهر، أو في الموجب منه؟ حقيقته في علم أصول الفقه.
القسم الرابع: غيرُ الزائدة غير العاملة:
أن تكون للتأكيد أي لتمكن المعنى في النفس، ولها في ذلك ثلاثة مواضع.
الموضع الأول: أن تدخل للابتداء في المبتدأ وما حل موضعه من الفعل المضارع له، فالمبتدأ نحو قولك لزيدٌ قائمٌ، ولعبد الله خارجٌ وليقوم زيدٌ.
وإنما قدمت أولًا اعتمادًا عليها في التوكيد لما بعدها، كما تقدم "همزةُ" الاستفهام و"إن" المكسورة المشددة، و"ما" النافية للاعتماد عليها في معانيها التي وضعت لها، ولذلك كانت حروفًا معلقة لما قبلها عن العمل فيما بعدها، أي قاطعة له، وذلك في باب «ظننت وأعلمت» وقاطعةً عن عمل ما بعدها فيما قبلها في باب الاشتغال، فتقول: ظننتُ لزيد قائمٌ، وأعلم زيدٌ لعبدُ الله منطلق، وزيدٌ لتضربه، وإنما ذلك كما ذكرتُ لك من أنه حرفُ صدر، قال الله تعالى: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ}، وقال زهير.
ولأنت أشجع حين تتجه أأ ..... أبطالُ من ليثٍ أبي أجر
وقال آخر:
فلهو أخوفُ عندي إذ أكلمه ..... .... .... .... ....
وما حل محل المبتدأ هو الفعل المضارع إذا صُدر به، نحو قولك: ليقوم زيدٌ، وليخرج عمرو، وكذلك الفعل الذي لا يتصرف، نحو: نعم وبئس وفعل التعجب، فتقول: لنعم الرجل زيدٌ، ولبئس الغلام عمرو، [وتلزم في فعل التعجب لجريانه مجرى الأمثال]، قال الله تعالى: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال الشاعر:
ولنعم حشو الدرع أنت إذا ..... دُعيت نزال ولج في الذعر
وإنما ذلك لمشابهة [جميع ذلك] الاسم، أما المضارع ففي الإبهام والتخصيص، وأما الماضي المذكور فلعدم تصرفه كعدم تصرف الاسم.
وربما دخلت "اللام" على ما يدخل على المضارع من "أن" الناصبة له نحو قولك: لأن تقوم خيرٌ لك من أن تقعد لأن المعنى: لقيامك فهي في موضع مبتدأ، فلذلك عوملت في ذلك معاملته، وكذلك حكم ما يدخل على المضارع إذا خلصه للاستقبال، نحو: «لسوف يقوم زيدٌ»، قال الله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}.
وأما قوله تعالى: {لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا} «فهي جوابٌ قسمٍ محذوف يتلقى بها»، {وَلَسَوْفَ} موضعٌ سيذكر بعد.
الموضع الثاني: أن تكون في خبر المبتدأ وذلك قسمان: قسم قياسي وقسم موقوف على السماع.
فأما القياسي ففي خبره إذا وقع خبرًا لـ "إن" المكسورة التي للتوكيد المذكورة في بابها، نحو قولك: «إن زيدًا لقائم وإن عبد الله لخارج»، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}، {نَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ}.
وهذه "اللام" هي جائزة الدخول في هذا المكان لا واجبة، لما يُراد من المبالغة في التوكيد إذ هو حاصل، فإن محلها في الأصل المبتدأ الذي [هو] اسم "إن" إلا أنه اتفق مانع منع من ذلك وهو أنه لما دخلت "إن" على المبتدأ وليته وطلبته، وكانت مشبهة بالفعل كما ذكر في بابها وجب أن تعمل فيه وصارت معه كالمبتدأ إذ لم تغير من معنى الابتداء شيئًا، إنما هي للتوكيد خاصة، وهي زائدٌ على الابتداء فوجب "للام" الداخلة على الجملة التي فيها "إن" أن تكون مقدمة عليها.
ومما يوضح ذلك أنها تجتمع معها مقدمة فتبدل "همزة" "إن" "هاء" كما قال الشاعر:
ألا ياسنا برقٍ على قُلل الحمى ..... لهنك من برقٍ علي كريمُ
على أن لبعض المتأخرين في «لهنك» كلامًا ضعيفًا قد ذُكر منه شيءٌ فيما تقدم.
فإذا ثبت أن "اللام" أصلها في الدخول أن تكون قبل "إن" ثقل اجتماع حرفين مؤكدين، فأزالوا "اللام" من ذلك المحل ووضعوها في موضعٍ لا يكون فيه ثقلٌ وهو الخبر في الأصل لتأخيره عن الاسم، فقالوا: «إن زيدًا لقائم»، و«إن عبد الله لشاخص».
ثم تدخل في الاسم إن فُصل بينه وبين "إن" بالظرف أو المجرور، نحو قوله تعالى: {نَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى} و{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً}، {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى}، لأنه قد زال موجب الثقل بالاجتماع مع "إن".
ثم إنه قد يجوز دخولها فيما يحل محل الخبر من ظرفٍ نحو: «إن زيدًا لعندك» أو مجرورٍ نحو: «إن زيدًا لمن بني تميم» أو الفصل الذي بين اسمها وخبرها، نحو: «إن زيدًا لهو القائم»، وفي المبتدأ من الجملة الواقعة خبرًا لها، نحو: «إن زيدًا لأبوه قائمٌ»، وفي الفعل المضارع الواقع في موضع الخبر، نحو «إن زيدًا ليقوم» وفي الماضي إذا كان غير متصرفٍ نحو: «إن زيدًا لبئس الرجل، وإن عمرًا لنعم الفتى»، وفي معمول الخبر مع وجوده وتأخيره عنه، نحو: «إن زيدًا لعندك قائم»، وفي مجموعهما نحو قولك: «إن زيدًا لفي الدار لقائمٌ»، قال الله تعالى: {نَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}، وقال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ}، وقال تعالى: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}، وقال الشاعر:
إن امرأ خصني عمدًا مودته ..... على التنائي لعندي غير مكفور
وإنما دخلت "اللام" في هذه المواضع كلها مبالغةً للتوكيد كما ذُكر، وإذا بولغ فيه فلا بأس أن تكون من جهتين، إذا لم يكن اجتماع اللتين للتوكيد لأن الاجتماع قد زال فزال الثقل.
وأما ما ذكر الزجاجي أن "اللام" دخلت في الكلام الذي فيه "إن" توكيدًا للخبر، كما دخلت "إن" توكيدًا للجملة فغير صحيح لدخول "اللام" في اسم "إن" مع الفصل كما ذكر، وفي غير الخبر في المواضع التي ذكرنا مع "إن" إذا أُبدلت من "همزتها" "هاء" كما ذُكر، وإنما هو كلام زوره ونمقه، وكذلك ما حكى عن بعضهم من أن ذلك مناظرة لـ "ما" النافية مع خبرها في الكلام الذي ذكره فوهم مردودٌ بما ذكرنا.
واعلم أن هذه "اللام" قد تلزم، وذلك في خبر "كان" الواقعة خبرًا لـ "إن" المخففة من الثقيلة المكسورة كقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} و{إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} لأن الفرق بين النافية وبينها لا يقع إلا بها وكذلك في خبر كان ومفعولي ظننت وأعلمت الأخيرين والفصل، إذا دخلت على ذلك كله "إن" المذكورة، نحو: "إن" ظننت زيدًا لقائمًا، و"إن" أعلمت عمرًا عبد الله لمنطلقا، و"إن" كان زيدٌ ليقوم، و"إن" زيدًا لهو القائم للعلة المذكورة.
ويجري مجرى "إن" في القياس "لكن"، لأنها داخلة على الخبر، ولا تغير معنى الابتداء كـ "إن" إلا أن ذلك فيها قليل لارتباطها بما قبلها، قال الشاعر:
.... .... .... .... ..... ولكنني من حُبها لعميد
والبصريون يقفون في هذا مع السماع لقلته، والكوفيون يجيزونه قياسًا، والصحيح عندي أنه قياسٌ، لأن العلة المذكورة موجودة فيها، وهي التي من أجلها جاز دخول "اللام" في خبر "إن" وهي عدم تغير معنى الابتداء، والاستدراك ليس بمغير للابتداء، وإنما قل سماعُ ذلك فيها، وفي صناعة النحو مواضع جائزةٌ قياسًا ممنوعة سماعًا، وعكس هذا، وذكر ها هنا يطولُ، وقد ذكرها أبو الفتح بن جني في كتاب «الخصائص» له فانظر إليه هناك.
وأما القسم السماعي ففي خبر المبتدأ إذا لم يكن خبرًا لـ "إن" باقيًا على الخبرية له، أو خارجًا إلى غيره، والباقي خبرًا نحو قول الشاعر:
أم الحليس لعجوز شهر به ..... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
قال بعضهم في قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} إن "إن" بمعنى نعم، «هَذَانِ» مبتدأ و«سَاحِرَانِ» خبر، ودخلت عليه "اللام" شاذًا، وقال بعضهم: اللهم في الأصل داخلة على مبتدأ محذوف تقديره: لهما ساحران، وقال بعضهم: إن "اللام" على قياسها من الدخول على خبر «إِنْ» و«هَذَانِ» منصوب اسمًا لها على لغة من يجري التثنية في النصب والخفض مجرى الرفع كما قال:
إن أباها وأبا أباها ..... من بلغا في المجد غايتها
وهذا هو الظاهر لعدم التكلف وثبوت تلك اللغة فاشٍ، وقلة دخول "اللام" في خبر المبتدأ، وحذف ما اعتمد عليه في التوكيد والإخبار، وهو المبتدأ المضمر لتناقض المقصدين، ولذلك لا يجوز أن يؤكد الضمير المحذوف في نحو قولك: «زيدٌ ضربت نفسه» بالنصب تريد: ضربته، وإذا قبح حذف المبتدأ في صلة الموصول في غير صلة "أي" وإذا لم يطل الكلام نحو قوله تعالى: {مَا بَعُوضَةً} و{تَمَامًا عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ} بالرفع في {بَعُوضَةً} و{أَحْسَنَ}، وليس في الكلام توكيد، فهو مما فيه توكيد أقبح، فإن قدمت الخبر على المبتدأ في مسألتها جاز دخول "اللام" عليه للتصدير، وإن كان المراد به التأخير، كقوله:
لخير أنت عند الناس منا ..... إذا الداعي المثوب قال يالا
وأما دخولها فيما خرج عن خبر المبتدأ إلى غيره فخبر "أن" المفتوحة كقول الشاعر:
ألم تكن حلفت بالله العلي ..... أن مطاياك لمن خير المطي
وقرئ في الشاذ بـ «إلا أنهم ليأكلون الطعام»، بفتح "الهمزة"، وذلك موقوف على السماع، وخبر «أمسى»، كما قال الشاعر:
مروا عجالا فقالوا: كيف صاحبكم ..... قال الذي سألوا: أمسى لمجهودا
وخبر «ما زال»، كما قال الشاعر:
وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ..... لكالهائم المقصى بكل سبيل
وكل ذلك شاذ لا قياس عليه في العربية.
الموضع الثالث: جواب القسم سواء كان جملةً اسمية أو فعلية ماضية أو مستقبلة، لكن لابد أن تكون موجبة، نحو قولك: والله لزيد قائم ووالله ليقومن زيدٌ، وواله لقد قام زيدٌ، ووالله لنعم الرجل زيدٌ ولبئس الرجل عمروٌ، قال الله تعالى: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ}، وقال: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا}، ويجوز حذف جملة القسم، وتبقى جملة الجواب "باللام" لتدل على ذلك، ومنه قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}، وقال الشاعر:
لقد قلت للنعمان لما لقيته ..... يريدُ بني حن ببرقةٍ صادر
وقال الله تعالى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ}، وقال تعالى: {لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وقال الشاعر:
لنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ..... تميم بن مر ليلة الجوع والخصر
وإذا دخلت هذه "اللام" على الماضي المتصرف، فلا تكون إلا جواب قسم لأنه [لا] يشبه الاسم من جهة شبه الفعل [للاسم] فلا تكون "لام" ابتداء [وأما غيرُ المتصرف] فيشبهه من جهة عدم التصرف فتكون "لام" ابتداء كما تقدم.
وإنما دخلت "اللام" في جواب القسم ليتلقى بها مبالغة في التوكيد، إذ القسم توكيد المقسم عليه، وكذلك إذا كان المضارع "باللام" و"النون" لزم أن يكون جوابًا للقسم كما تقدم، لأن "النون" مخلصة لذلك، وهي لازمة لجواب القسم عند بعضهم، وبعضهم لا يعتقد ذلك لقول الشاعر:
تألى ابن أوسٍ حلفة ليردني ..... إلى نسوةٍ كأنهن مفائد
وهذا عندي لضرورة الشعر، ولم يأت في الكلام نحو: «والله ليقوم زيدٌ» وذلك بخلاف "اللام"، فإنها غير لازمةٍ لأنها في الحقيقة "لامُ" الابتداء، لأنها لا تدخل في موضع [لا] تصلح فيه "إن" المكسورة، و"لام" الابتداء لا تلزم في الابتداء فلا تلزم في الجواب، فهذا وجهٌ، ووجهٌ آخر أنه قد حصل التوكيد لجملة القسم فلا ضرورة إلى توكيد غيره إلا مبالغة خاصةً، بخلاف "النون" فإنها لازمةٌ لأجل التخليص للقسيمة والاستقبال، ألا ترى أنها – أعني "اللام" – جاءت في القسم تارة وحذفت أخرى في قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا}و {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} ونحو قول الشاعر:
وقتيل مرة أثأرن فإنه ..... حق وإن أباهم لم يثأر
وقد لزمت "اللام" في «لعمر الله» دلالة على القسم ولزوم الابتداء فيه إذ لا يخرج عنها، فإن أزيل عنها حذفت "اللام" وفُتحت عينه وضمت، ولشدة اتصالها بها جعلها بعضهم كجزءٍ منها حتى أثبتها في القلب، حين قال: «عملك»، فكما تدل في الجواب على القسم كذلك تدل في القسم على الجواب، وإذا تأملت هذه "اللام" فهي "لام" الابتداء في الفصل قبل هذا و"لام" التوطئة بعد هذا.
واعلم أن "لو" و"لولا" إذا وقعا في جواب القسم لزم جوابهما "اللام" نحو قولك: «والله "لو" قام زيدٌ لأحسنت إليك» و«والله "لولا" زيدٌ لأحسنت إليك»، قال الشاعر:
والله لو كنت لهذا خالصًا ..... لكنت عبدًا آكل الأبارصا
وقال الآخر:
فوالله لولا الله لا شيء غيره ..... لزعزع من هذا السرير جوانبه
وإذا حذف القسم قبلها بقيت "اللام" في جوابها تدل عليه كقول الشاعر:
فلو أن قومي لم يكونوا أعزة ..... لبعدُ لقد لاقيت لابد مصرعا
وقال الله تعالى: {وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ}، و{لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ}، فذلك كقوله تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ}، و{لَتُبْلَوُنَّ}.
وزعم جل النحويين أن "لو" و"لولا" حيث وجدا تلزم "اللام" جوابهما على كل حال، كان قسم أو لم يكن، واستشهد بعضهم بالبيت والآيتين المتقدمتين، وقالوا: إن "اللام" لا تحذف من جوابهما إلا ضرورةً، كقول الشاعر:
فلو أنا على حجرٍ ذُبحنا ..... جرى الدميان بالخبر اليقين
وقول الآخر:
لولا الحياءُ وما في الدين عبتكما ..... ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري
والصحيح أن "اللام" لا تقع في جوابهما إلا [إذا] كانا بعد قسمٍ ظاهرٍ أو مقدر، وليس الجوابُ إذن لهما بل للقسم، فحيث وُجدا دون قسم ولا تقديره لم تدخل "اللام" في جوابهما، ولذلك قد نجد جوابهما مع عدم القسم بغير "اللام" فتأمله.
الموضع الرابع: أن تكون توطئة لجواب القسم وتوكيدًا نيابةً عنه في ذلك، وذلك إذا تقدم حرف الشرط الذي هو "إن" الخفيفة المكسورة نحو قولك: لئن قمت لأكرمنك ولئن خرجت لأخرجن معك، قال الله تعالى: {لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْوَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ}، وقال الشاعر:
لئن عاد لي عبد العزيز بمثلها ..... وأمكنني منها إذن لا أقيلها
ولا تلزمُ هذه "اللام" بل يجوز إثباتها – كما ذُكر – وحذفها، كما قال الله تعالى: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال الشاعر:
فإن لم تُغير بعض ما قد صنعتم ..... لأنتحين بالعظم ذو أنا عارقة
وقد تشبه "إذ" بـ "إن" فتدخل عليها "اللام" المذكورة كما قال الشاعر:
غضبت علي وقد شربتُ بجزةٍ ..... فلإذ غضبتِ لأشربن بخروف
كما شبه الآخر "ما" النافية بالموصولة فأدخل عليها "اللام" للتوكيد فقال:
لما أغفلت شكرك فانتصحني ..... وكيف ومن عطائك جُلُّ مالي؟
ولا يُقاس على ذينك.
وقد تُضمن «علمتُ» معنى القسم، فتدخل "اللام" فيما بعدها دلالة على ذلك، كقولهم: «علمت لمن قام لأضربنه» ومنه قوله تعالى: {لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ}.
وأما قوله تعالى: {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}، فـ «يَدْعُو» مُعلقة عن العمل لأنها بمعنى «يقول» كما هي في قوله:
يدعون عنتر والرماح كأنها ..... أشطان بئرٍ في لبان الأدهم
على رواية من بني «عنتر» على الضم لأنه منادى، أي يقولون: يا عنتر، و"اللام" "لام" الابتداء في «لمن» وخبره محذوف من القول «كأنه» في التقدير: يقول للذي ضره أقرب من نفعه يقال فيه: لبئس المولى ولبئس العشير، والقول كثيرًا ما يحذف في القرآن، وقد تقدّم ذكر ذلك في مواضع من هذا الكتاب، وقد قيل في الآية أقوال أحسنها ما ذكرتُ لك.
القسم الخامس: الزائدة العاملة: أن تكون مقحمة توكيدًا ولها في ذلك موضعان:
الموضع الأول: أن تكون مقحمة بين المضاف والمضاف إليه نحو: يا ويح لزيدٍ، ويا بؤس للحرب، والأصل: يا ويح زيدٍ ويا بؤس الحرب، فهو كيا عبد الله، إلا أنهم أبقوا الإضافة وزادوا "اللام" توكيدًا للتخصيص، قال الشاعر:
يا بؤس للحرب التي ..... وضعت أراهط فاستراحوا
وقال الآخر:
قالت بنو عامرٍ خالوا بني أسدٍ ..... يا بوس للجهل ضرارًا لأقوام
وفي باب "لا" التي للتبرئة نحو قولهم «"لا" أبا لك» و«"لا" أخا لزيدٍ»، والأصل: "لا" أباك و"لا" أخا زيد، لأن "لا" التي للتبرئة تنصبُ المضاف، وكانت الحقيقة فيه: "لا" أب لك و"لا" أخ لزيد، فلما أُضيف انتصب فصار: "لا" أباك و"لا" أخا زيد، ثم أٌحمت "اللام" توكيدًا للتخصيص أيضًا وأبقيت الإضافة على حكمها، وقال الشاعر:
يا تيم تيم عدي لا أبا لكم ..... لا يُلقينكم في سوءةٍ عُمر
وقال الراجز:
.... .... .... .... ..... أنزل علينا الغيث لا أبا لكا
واختلف النحويين: هل العمل في هذين البيتين "لام" أو للإضافة؟ فقيل: إنه "للام"، لأن الإضافة معنوية و"اللام" لفظي، والعامل اللفظي أقوى من المعنوي، ولكن يبقى حكم الإضافة ولذلك حذف تنوينه ونصب، وكأن الإضافة فيه إلى مضاف إليه محذوفٍ دل عليه المجرور "باللام"، ولا يجوز إثباته، لأن الثاني كالعوض منه إذ يفيد إفادته.
وقيل: إن الحكم في العمل للإضافة، وهو الصحيح لوجهين: أحدهما أن تنوين الأول إنما حُذف للإضافة وهو السابق في اللفظ قبل "اللام" فينبغي أن يكون المُراعى، والثاني مخفوضٌ لإضافة الأول إليه، ودخلت "اللام" بينهما مقحمةً على طريق التوكيد، ويُقوي ذلك ظهور "الألف" في «أبا» و«أخا» والفتحة في «يا بؤس» ولا يكوُ ذلك إلا مع الإعراب، وموجبه الإضافة، وهذا هو الوجه الثاني فاعلمه.
الموضع الثاني:أن تكون مقحمةً بين الفعل والمفعول نحو قوله تعالى: {قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ [الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ]}.
وأما قوله تعالى: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}، وقول الشاعر:
أريد لأنسى حبها فكأنما ..... تمثل لي ليل بكل سبيل
فاللام في الآية والبيت السببية المذكورة قبل التي بمعنى "كي"، والمفعول محذوف، تقديره في الآية: «ما يريد الله ذلك "كي" يجعل، ولكن يريد [ذلك] "كي" يطهركم»، وتقديره في البيت: أريد السلو أو تركها، أو نحو ذلك "كي" أنسى، فحذف للعلم به.
وأما قوله تعالى: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ}، "فاللام" حرف جرٍ غير زائدةٍ، ومن يقول: أنصحكم حذف حرف الجر كما حذف في قوله:
تمرون الديار ولم تعوجوا ..... كلامكم علي إذا حرامُ
والأصل: «تمرون على الديار»، والدليل على أن أصل «أنصح» أن يكون متعديًا بحرف الجر نحو قولك: هذا منصوح له، كما تقول هذا مقصود إليه ومجرور به.
وأما قوله تعالى: {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ} فإنما أدخل حرف الجر في «الرؤيا» و«تَعْبُرُونَ» لا يتعدى به لكونه قد قدم عليه فضعف عن العمل فيه فصارت كمررتُ، فلذلك دخل حرف الجر في مفعوله. وأما قول الشاعر:
هذا سُراقة للقرآن يدرسه ..... والمرء عند الرُّشا إن يلقها ذيبُ
فإن "الهاء" فيه ضمير المصدر الذي هو الدرس المفهوم من «يدرس» و«للقرآن» كالرؤيا في الآية قبله، تعدى الفعل إليها بحرف الجر لضعفه بتقدمه عليه.
واعلم أن "اللام" في هذين الموضعين وإن كانت زائدة فإنما خفضت ما بعدها بالشبه لغير الزائدة لأن اتصالها كاتصالها، ولفظها كلفظها، فهي في تلك بمنزلة "الباء" الزائدة، وقد ذُكرت في بابها، وهذان الموضعان موقوفان على السماع، لا يجوز قياسُ غيرهما عليهما لشذوذهما وخروجهما عن نظائرهما.
القسم السادس: الزائدة غير العاملة، وهي التي لا حاجة إليها، ولا قياس لأمثلة ما تدخل عليه، ولها ستةُ مواضع:
الموضع الأول: أن تدخل على "بعد" في قول الشاعر:
ولو أن قومي لم يكونوا أعزةً ..... لبعد لقد لاقيت لابد مصرعا
فجواب القسم "لقد" و"اللام" في "لبعد" زائدة، تقديره: «"لقد" لاقيت بعدُ لابد مصرعا».
الموضع الثاني: بعد "لام" الجر توكيدًا، كقوله:
فلا والله لا يُلفى لما بي ..... ولا للما بنا أبدا دواء
أراد "لما" فزاد "اللام" الثانية توكيدًا، ولا نقول: إنها الأولى، لأن الاعتماد على الزائدة تناقض، فلا يُعتنى به ثم يُزاد.
الموضع الثالث: أن تدخل على "لولا" في قول الشاعر:
للولا قاسمٌ ويدا مسيلٍ ..... لقد جرت عليك يدٌ غشومُ
وقول الآخر:
لولا حصين عُقبةٍ أن أسوءه ..... وأن بني سعدٍ صديٌ ووالدُ
أراد: "لولا" فزاد "اللام" توكيدًا كأنه راعى الابتداء.
الموضع الرابع: أن تدخل على "علَّ" نحو قوله تعالى {لَعَلِّي آتِيكُمْ} و{لَعَلِّي أَطَّلِعُ} و{لَعَلِّي أَبْلُغُ}، وجميعُ ما جاء في القرآن منها كذلك، وفي قول الشاعر:
وما نفسٌ أقول لها إذا ما ..... تنازعني لعلي أو عساني
والأصل في ذلك كله "علَّ" قال الشاعر:
لا تُهين الكريم علك أن تر ..... كع يومًا والدهرُ قد رفعه
وقال الزاجر:
.... .... .... .... ..... يا أبتا علك أو عساكا
وقال آخر:
عل صُروف الدهر أو دولاتها ..... يُدلننا اللمة من لماتها
وقال بعض النحويين: إن "اللام" في "لعلَّ" أصليةٌ، وتُحذف تخفيفًا فيقال: "علَّ"، والصحيح أنها زائدة لوجهين:
أحدهما: أن التخفيف بالحذف إنما بابه الأسماء والأفعال لا الحروف لجمودها وقلة تصرفها، وإنما يُخفف منها المضعف بالحذف كـ : "أن" و"إن" و"لكن" و"كأن".
والثاني: أنه قد سمع في معناها "غنَّ" بالغين ولم يُدخلوا عليها "اللام"، وقالوا في معناها:"لعن" و"لأن" "باللام"، وغير التي "باللام" أكثر، ولما كانت أول الكلام رُوعي فيها الابتدائية فلذلك دخلت "اللام".
الموضع الخامس: بين أسماء الإشارة و"كاف" الخطاب لمذكرٍ أو مؤنثٍ، لمفردٍ أو تثنيةٍ أو جمع، نحو: ذلك وتلك وذلكما وتلكما وذلكم وتلكم وأولاكم وأولاكما وأولئك وأولالك، قال الله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي}، وقال: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا}، وإنما دخلت لتوكيد الخطاب ومراعاة بُعد المشار إليه في المسافة.
الموضع السادس: في بناء الكلمة من غير سببٍ كقولهم في عبد: عبدل، وقال بعضهم: مقتطعة من: «الله» أراد عبد الله، كما قالوا: عبشمي وعبدري في النسب إلى عبد شمس وعبد الدار ولا دليل على هذا، وإنما هو كـ: سبط وسبطر فاعلمه.
فهذه جملة أقسام "اللام" وجملة مواضعها إن شاء الله، فإن جاء شيء يوهم خلافها فإليها يرجعُ فتفهمها والله المستعان.
وأما "لام" التعريف فكان حقها أن تذكر في باب "اللام" إلا أنها قدم لها باب في باب "الهمزة" للسبب المذكور فيه فقف عليه.
وبقي: في باب "اللام" مسألتان لابد من الوقوف عليهما للانتفاع بهما في هذا الباب وفي غ يره مما يشاكلها.
المسألة الأولى: إن أصل "اللام" الفتح أو غيره، وإذا كان أصلها الفتح فلأي شيءٍ تخرج عنه في بعض المواضع؟ والجواب عنها أن أصل "اللام" حيث كانت السكون وكذلك سائر الحروف المفردة، ولا يُسأل عن هذا لأن السكون عدمُ الحركة فهو أصلٌ إذ هو لا شيء من الحركات، وإنما يُسأل عن وجود الحركة لم هو؟ فليسأل هنا عن الحركة في "اللام" لأي شيء وُضعت؟ ولم اختصت "اللام" وما كان نحوها من الحروف "كواو" العطف و"فائه" و"كاف" الجر و"تاء" القسم بالفتح؟ ولما كُسر من ذلك بم كُسر؟
فأما عِلَّة الحركة فيها وأمثالها مما ذكرنا فللابتداء بها، إذ لا يُبتدأ بساكنٍ، ولا يُمكن النطق به، فاجتلبت الحركة لذلك، وهذا أحد المواضع التي احتيج إلى الحركة في الحروف بسببها، وحركة "اللام" وسائر الحروف التي هي مثلها بالفتح تخفيفًا إذ الفتحةُ لا تُستثقل مع الضمة في «ظرف» ولا مع الكسرة في «علم» وإذ هي من وسط الفم بين الضمة والكسرة.
ولا يخرج من هذه الحروف إلى الضم حرفٌ، وإنما يخرج إلى الكسرة لعلة نذكرها، والذي يخرج منها إلى الكسر لازمًا "الباء" الجارة تشبيهًا لها بعملها، إذ لا تعمل أبدًا إلا الخفض، ولا تخرج عنه أصلًا، وسواءٌ في ذلك دخولها على الظاهر كـ «بزيد» أو المضمر كـ «به وبك» وحكى اللحياني الفتح فيها شاذًّا، قالوا: «به»، ولا يُقاس عليه.
و"اللام" المذكورة في هذا الباب قد تخرجُ إلى الكسر والسكون الذي هو الأصل، فتُكسر مع نوعين: مع الاسم والفعل.
أما كسرها مع الاسم ففي المجرور إذا كان ظاهرًا أو في حكم الظاهر، نحو: «هذا المالُ لزيدٍ»، والذي في حكمه نحو قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ}؛ لأن المعنى: لزوال الجبال منه، وكذلك المبهمات نحو: المال لهذا، أو الموصلات نحو: لمن ولما لأنها في حكم الظاهر، وإنما كُسرت في هذه تشبيهًا بعملها "كالباء".
وفُتحت في غير ذلك من المضمرات على الأصل، وفُرّق بينها وبين "لام" التوكيد في الظواهر وما في معناها المذكورة، إذ يقع الالتباس مع الفتح إذا قيل مثلًا: هذا لموسى وهذا لهذا وهذا لمن يكرمك، فلا يُعلم المعنى لو فُتحت، فإن قيل: ظهور الجر فيما بعدها يفرق بين المعنيين فيقال: الظواهر من الأسماء صِنفٌ واحدٌ، وأصنافها من المنقوص والمقصور والمضاف إلى المتكلم والمبني كثيرة فأجري القليل على الكثير لتبعيته له وغلبة الكثير عليه.
فإن قيل: فقد نجد هذه العلة تنكسر في المستغاث به والمتعجب منه في نحو: يا لزيدٍ لعمروٍ، ويا للرجال للعجب، ففتح "اللام" معها في الظاهر، فالجواب أن المستغاث به والمتعجب منه ظاهران في موضع مضمرين إذ المنادى في موضع مضمرٍ مخاطب، ولو دخلت على المضمر لم تكن إلا مفتوحة، فعومل الظاهر الواقع موقعة معاملته.
واعلم أن من العرب من يخالف هذا الأصل فيفتح "اللام" مع الظاهر فيقول: المال لزيدٍ، وقرأ بعضهم: {وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} بفتح "اللام"، كما أن منهم من يكسر "اللام" مع المضمر فيقول: المال لِه، وذلك كله شاذ فلا قياس عليه.
وأما كسرها في الفعل ففي فعل الأمر والدعاء والوعيد المتقدم ذكرها كما ذكر، وكان الأصلُ أن تكون فيه مفتوحة للعلة المذكورة فيها مع الاسم، إلا أنها كُسرت مع هذا الفعل لأنه مجزوم، والجزم في الأفعال نظير الخفض في الأسماء، وحملُ النظير على النظير والنقيض على النقيض معلومٌ في مواضع من كلامهم، وقد تقدم منه شيءٌ في بعض ما تقدم من الحروف، وكذلك تُكسر في الأفعال مع المضارع المنصوب لأنه مع ناصبه في حكم الاسم الظاهر نحو: جئت لتقوم، فحكمه في ذلك حكمُ الظاهر.
وأما خروجها إلى السكون ففي الاسم والفعل أيضًا:
أما الاسم "فلام" التعريف، وقد تقدَّم حكمها في باب "أل".
وأما الفعل ففي الأمر على اختلاف معانيه من دعاءٍ ووعيدٍ – على ما ذُكر- إذا دخلت عليها "الواو" و"الفاء"، كما ذُكر في فصلوها، وقد تقدمت علة ذلك هناك.
المسألة الثانية: هل يجوز أن تحذف "اللام" وهي عاملةٌ غير زائدةٍ ويبقى عملها أو لا؟ والجواب عن ذلك أن أصل "اللام" وغيرها من حروف النصب وحروف الخفض وحروف الجزم ألا تحذف وتبقى معمولاتها، وألا تحذف معمولاتها وتبقى هي، وإنما ذلك لأن الحرف المختص بالشيء العامل فيه كجزءٍ منه لشدة اتصاله به وطلبه [له]، وقد قلنا في غير موضع من هذا الكتاب: إن المجرور وجاره جميعًا في موضع معمول منصوب للفعل وإن كان غير متعدٍ إلى منصوبٍ في اللفظ نحو: مررتُ بزيدٍ ودخلتُ إلى عمروٍ، ومن أقوى الدلائل على ذلك إقامتها معًا مقام ما لم يُسم فاعله في نحو: مُر بزيدً ودُخل إلى عمرو، وكذلك حُكم الجازم مع مجزومه في الاتصال، والناصب مع منصوبه كذلك.
فإن وجد شيءٌ منها يُحذف فبالدلالة القائمة عليه، نحو "أن" الناصبة في باب "الفاء" و"الواو" في الجواب، وفي باب "حتى" وبعد "كي" و"لامها" و"لام" الجحود، وقد قلتم الكلام في بعضها، وسيذكر بعدُ فيما بقي الكلام فيه.
ويتأكد الاتصال من الحروف فيما هو على حرفٍ واحدٍ، فالحذف فيه أبعدُ، "كالباء" و"الكاف" و"اللام"، فإن وُجد ما هو على حرفٍ واحدٍ محذوفًا فلقوة دلالة الكلام على حذفه كـ "لام""كي"، إذ "كي" كالعوض منها لإفادتها إفادتها.
وإذا ضعفت الدلالة في الكلام ضعف الحذف وقل، فمما حذف من ذلك وأبقي عمله "الباء" في «خيرٍ عافاك الله» في جواب من قال: «كيف أصبحت»، وفي القسم في قولهم: «الله لأفعلن»، بخفض «الله» المقسم به، و"اللام" في قول الشاعر:
لاه ابن عمك لا أفضلت في حسبٍ ..... عني ولا أنت دياني فتخزوني
و "رُبّ" في قول الشاعر:
رسم دارٍ وقفتُ في طلله ..... كدت أقضي الحياة من جلله
وردُّ المجرور إلى النصب إذا حُذف جاره هو القياس نحو: نصحت زيدًا وتمرون الديار.
وقد اطرد حذفه مع "إن" و"أن" واختلف: هل هما وما بعدها في موضع نصبٍ أو خفض إذ لم يظهر فيهما إعرابٌ؟ والقياس على ما ظهر فيه الإعراب أن تكون كل واحدٍ منهما في موضع نصب.
وأما حذفُ المجرور وإبقاءُ حرف الجر فأقل من الأول، بل هو أولى أن لا يجوز الاعتماد على حرفٍ دون اسمٍ، فإن جاء منه شيءٌ في الضرورة نحو قوله:
.... .... .... .... ..... ولا للما بنا أبدًا دواء
وكذلك الفصلُ بين الجار والمجرور لا يجوز إلا في الضرورة، كقوله:
.... .... .... .... ..... وليس إلى منها الزوال سبيلُ
وقالوا: «أخذته بأرى ألف درهم»، وذلك شاذٌ، ومن الضرورة قوله:
.... .... .... .... ..... على – كان – المسومة العراب
وحكم حذف الجازم في عدم الحذف حكم الخافض للعلة المذكورة، فإن حُذف وأبقي الجزم فبابه الضرورة، كقول الشاعر:
من كان لا يزعم أني شاعرُ ..... فيدن مني تنهه المزاجر
أي: «فليدن مني»، وقول الآخر:
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ..... لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى
أي: ليبك، وقال آخر:
.... .... .... .... ..... ولكن يكن للخير منك نصيبُ
أي: ليكن، وقال آخر:
محمد تفد نفسك كل نفسٍ ..... إذا ما خِفت من أمرٍ تبالا
وأما في الكلام فلم يأت منه شيء فيما أعلم إلا في الأمر للمخاطب فإنه قد اطرد حذفه مع حذف المضارعة لدلالة المخاطبة عليه، والحذف من الكلمة للزائد عليها وما هو من نفسها للدلالة لا يُنكر، وكذلك لا أعلم من حذف المجزوم وإبقاء جازمه شيئًا، وبالله التوفيق). [رصف المباني:218 - 256]
شرح إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ)
"اللام"
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها "اللام": للملك حقيقةً، كقوله تعالى: {ولله ملك السموات والأرض}، ومجازاً نحو: كن لي أكن لك.
وللتمليك، نحو: وهب لك ديناراً.
وشبهه، كقوله تعالى: {جعل لكم من أنفسكم أزواجاً}.
وللاختصاص، كقوله تعالى: {يعملون له ما يشاء}.
وللاستحقاق: المعجر للجارية.
وللقسم، ويلزمها فيه التّعجّب، نحو:
لله يبقى على الأيّام ذو حيدٍ.
وللتعجّب، نحو:
ولله عينا من رأى من تفرّقٍ.
وللنّسب، نحو: لزيد عمٌ هو.
وللتعليل، كقوله: {ليحكم بين الناس}.
وللتبليغ، نحو: قلت له، وفسّرت له، وأذنت له.
وللتبيين، وهي واقعةٌ بعد أسماء الأفعال والمصادر، نحو: سقياً لزيدٍ، وكقوله تعالى: {هيت لك}.
وللصيرورة، كقوله تعالى: {ليكون لهم عدوّاً وحزناً}.
وللانتهاء، كقوله تعالى: {كلٌّ يجري لأجلٍ مسمّى}.
وللاستعلاء، كقوله تعالى: {يخرون للأذقان}.
ولموافقة"في" الظرفيّة، كقوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}.
و"عند"، نحو: كتبته لخمسٍ خلون.
و"بعد"، كقوله تعالى: {لدلوك الشّمس}.
أو "مع"، نحو:
فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكاً
لطول اجتماعٍ لم نبت ليلةً معا
و(من)، نحو قول جرير:
لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغمٌ
ونحن لكم يوم القيامة أفضل
وتزاد "مع" معمول مقدّم على فعله لعمله، كقوله تعالى: {للرؤيا تعبرون}.
وقد تزاد "مع" التأخير، كقوله تعالى: {ردف لكم}.
وتزاد "مع" معمول ما أشبه الفعل مقدّماً ومؤخّراً، كقوله تعالى: {مصدّقاً لما معكم}.
ولا تزاد إلا "مع" معمول عاملٍ متعدٍ إلى واحدٍ. وتزاد بين المضاف والمضاف إليه، نحو: لا أبا لك، ذكره ابن عصفور.
ولم يذكر سيبويه، ولا الفارسيّ زيادتها، وذكرها المبرّد). [التحفة الوفية: ؟؟]
التعجب
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها التعجب: وحرفاه: "لام" الجرّ، نحو: يا للعجب، ويلزمها في القسم، والنافية، ولا يلزمها). [التحفة الوفية: ؟؟]
التعليل
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها التعليل: وحروفه:"اللام"، نحو: {ليحكم}، و"من"، نحو: قمت "من" أجل عمرٍو، و"الباء"، كقوله تعالى: {فبظلمٍ}، و"كي"، نحو: جئت "كي" أكرمك، و"حتّى"، نحو: وثبت "حتّى" آخذ بيده، و"في"، كما روي أنّ امرأة دخلت النار "في" هرّةٍ، أي: بسبب هرّة). [التحفة الوفية: ؟؟]
حروف التعريف
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها التعريف:
وحرفاه: "ال"، وقيل: "اللام" وحدها، ومرادفها، وهو "أم"، كقوله عليه الصلاة والسلام: (ليس من امبرّ امصيام في امسفر) ). [التحفة الوفية: ؟؟]
حروف الأمر
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها الأمر: وحرفه: "لامُ" مكسورةٌ داخلةٌ على المضارع جازمةٌ له، وبعض العرب يفتحها، وإذا تقدّمها "واوٌ"، أو "فاءٌ"، أو "ثمّ" جاز تسكينها، كقوله تعالى: {ثمّ ليقضوا}، {فلينظر}، {وليطوّفوا} ). [التحفة الوفية: ؟؟]
الجازم لفعلٍ واحدٍ
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (والجازم لفعلٍ واحدٍ: "لم": وقد جاءت غير جازمةٍ في الشّعر، كقوله:
لولا فوارس من نعمٍ وأسرتهم
يوم الصّليفاء لم يوفون بالجار
لنفي ماضٍ منقطعٍ.
و"لما": لنفي ماضٍ متّصلٍ بزمن الحال.
و"اللام": لأمرٍ، أو دعاءٍ.
و"لا": لنهيٍ، أو دعاءٍ). [التحفة الوفية: ؟؟]
حروف الزيادة
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها الزيادة: وحروفها: "إن"، و"أن"، و"ما"، و"من"، و"الباء"، و"اللام"، نحو: ما "إن" زيدٌ قائمٌ، وكقوله عزّ وجلّ: {فلمّا أن جاء البشير}، {ما منعك أن لا تسجد}، {فبما نقضهم}، {مالكم من إلهٍ غيره}، {وما ربّك بغافلٍ}، [إلا أنّهم ليأكلون] بفتح "أنّ"). [التحفة الوفية: ؟؟]
حروف التأكيد
قال إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الصفاقسي (ت: 742هـ): (ومنها التأكيد: وحروفه: "إنّ"، و"أنّ"، و"اللام"، و"النون" شديدةً وخفيفةً، كقوله تعالى: {ليسجننّ وليكونن} ). [التحفة الوفية: ؟؟]
شرح الحسن بن قاسم المرادي(ت:749ه)
"اللام" قال الحسن بن قاسم بن عبد الله بن عليّ المرادي المصري المالكي (ت: 749هـ): ("اللام"
حرف كثير المعاني والأقسام. وقد أفرد لها بعضهم تصنيفاً، وذكر لها نحواً من أربعين معنى. وأقول: إن جميع أقسام "اللام"، التي هي حرف من حروف المعاني، ترجع عند التحقيق إلى قسمين: عاملة، وغير عاملة. فالعاملة قسمان: جارة وجازمة. وزاد الكوفيون ثالثاً، وهي الناصبة للفعل. وغير العاملة خمسة أقسام: "لام" ابتداء، و"لام" فارقة، و"لام" الجواب، و"لام" موطئة، و"لام" التعريف، عند من جعل حرف التعريف أحادياً. فهذه ثمانية أقسام.
القسم الأول: "اللام" الجارة، ولها معان كثيرة. وقد جمعت لها، من كلام النحويين، ثلاثين قسماً. فأذكرها كما ذكروها، وأشير إلى التحقيق في ذلك.
الأول: الاختصاص: نحو: الجنة للمؤمنين. ولم يذكر الزمخشري في مفصله غيره. قيل: وهو أصل معانيها.
الثاني: الاستحقاق. نحو: النار للكافرين. قال بعضهم: وهو معناها العام، لأنه لا يفارقها.
الثالث: الملك. نحو: المال لزيد. وقد جعله بعضهم أصل معانيها، والظاهر أن أصل معانيها الاختصاص، وأما الملك فهو نوع من أنواع الاختصاص، وهو أقوى أنواعه. وكذلك الاستحقاق، لأن من استحق شيئاً فقد حصل له به نوع اختصاص.
الرابع: التمليك. نحو: وهبت لزيد ديناراً.
الخامس: شبه الملك. نحو: أدوم "لك" ما تدوم "لي".
السادس: شبه التمليك. نحو: {والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً}.
السابع: التعليل. نحو: زرتك لشرفك.
الثامن: النسب. نحو: لزيد عم، هو لعمرو خال. ذكر هذا المعنى ابن مالك، وغيره، وليس فيه تحقيق. وإنما "اللام" في هذا للاختصاص.
التاسع: التبيين. و"لام" التبيين هي "اللام" الواقعة بعد أسماء الأفعال، والمصادر التي تشبهها، مبينة لصاحب معناها. نحو {هيت لك}، وسقياً لزيد. وتتعلق بفعل مقدر، تقديره: أعني. قال ابن مالك: وكذا المعلقة بحب، في تعجب أو تفضيل. نحو: ما أحب زيداً لعمرو، {والذين آمنوا أشد حباً لله}.
العاشر: القسم. ويلزمها فيه معنى التعجب. نحو قوله:
لله يبقى، على الأيام، ذو حيد ... بمشمخر، به الظيان، والآس
الحادي عشر: التعدية. قال ابن مالك: كقوله تعالى: {فهب لي من لدنك ولياً}.
الثاني عشر: الصيرورة. نحو قوله: لدوا، للموت، وابنوا، للخراب وتسمى أيضاً: "لام" العاقبة، و"لام" المآل. وسيأتي الكلام عليها.
الثالث عشر: التعجب. كقولهم: يا للماء! ويا للعشب! إذا تعجبوا من كثرته. ومن ذلك قول الشاعر:
شباب، وشيب، وافتقار، وذلة ... فلله هذا الدهر، كيف ترددا؟!
الرابع عشر: التبليغ. و"لام" التبليغ هي "اللام" الجارة اسم سامع قول، أو ما في معناه. نحو: قلت له، وفسرت له، وأذنت له.
الخامس عشر: أن تكون بمعنى "إلى" لانتهاء الغاية. كقوله تعالى: {سقناه لبلد، ميت} أي: "إلى" بلد، {بأن ربك أوحى لها} أي: "إليها". وهو كثير.
السادس عشر: أن تكون بمعنى "في" الظرفية. قالوا: كقوله تعالى: {يا ليتني قدمت لحياتي}، أي: "في" حياتي، يعني: الحياة الدنيا. والظاهر أن المعنى: لأجل حياتي، يعني: الحياة الآخرة. ومن ذلك قوله تعالى: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أي: "في" يوم القيامة.
السابع عشر: أن تكون بمعنى "عن". وهي "اللام" الجارة اسم من غاب حقيقة أو حكماً، "عن" قول قائل، متعلق به. نحو {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه}.
أي: "عن" الذين آمنوا. وقول الشاعر:
كضرائر الحسناء، قلن، لوجهها ... حسداً، وبغياً: إنه لدميم
وقيل: "اللام" في ذلك للتعليل، أي: من أجل الذين آمنوا. وقد أطلق بعضهم في ورود "اللام" بمعنى "عن"، ولم يخصه بأن يكون بعد القول. ومثله بقول العرب: لقيته كفة لكفة، أي "عن" كفة. لأنهم قالوا: لقيته كفة "عن" كفة. والمعنى واحد.
الثامن عشر: أن تكون بمعنى "على". كقوله تعالى: {ويخرون للأذقان} أي: "على" الأذقان. قال الشاعر:
فخر، صريعاً، لليدين، وللفم
وجعل بعضهم منه قوله تعالى: {وتلله للجبين} أي: "على" الجبين.
التاسع عشر: أن تكون بمعنى "عند"، كقولهم: كتبته لخمس خلون، أي: "عند" خمس. وجعل ابن جني "اللام"، في قراءة من قرأ {بل كذبوا بالحق لما جاءهم} بالتخفيف، بمعنى "عند"، أي: "عند" مجيئه إياهم.
المتمم عشرين: أن تكون بمعنى "بعد". كقوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}. قيل: وعليه الأثر النبوي: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته أي: "بعد" رؤيته. وجعل بعضهم منه: كتب لخمس خلون. وجعل ابن الشجري منه قول الشاعر:
فلما تفرقنا كأني، ومالكاً ... لطول اجتماع، لم نبت، ليلة، معا
الحادي والعشرون: أن تكون بمعنى "مع". وأنشدوا عليه:
فلما تفرقنا ...
وتقدم ما قاله ابن الشجري.
الثاني والعشرون: أن تكون بمعنى "من"، كقول جرير:
لنا الفضل، في الدنيا، وأنفك راغم ... ونحن، لكم، يوم القيامة، أفضل
أي: ونحن "منكم". ومثله بعضهم بقوله: سمعت له صراخاً، أي: "منه".
الثالث والعشرون: التبعيض. ذكره صاحب رصف المباني، ومثله بقوله: الرأس للحمار، والكم للجبة. وقد ذكر غيره أن "اللام" تكون بمعنى "من"، كما تقدم، ولكنهم مثلوه بما هو لابتداء الغاية، لا للتبعيض.
الرابع والعشرون: "لام" المستغاث به. وهي مفتوحة. كقول الشاعر:
فيا للناس، للواشي، المطاع
ولا تكسر إلا مع "ياء" المتكلم. فإذا قلت: "يا" "لي"، احتمل أن يكون مستغاثاً به، ومستغاثاً من أجله. وقد أجاز ابن جني الوجهين، في قول أبي الطيب: "فيا" شوق، ما أبقى، و"يالي" من النوى وقال ابن عصفور: الصحيح عندي أن "يالي"، حيث وقع، مستغاث من أجله، لأنه لو جعل مستغاثاً به لكان التقدير: "يا" أدعو "لي". وذلك غير جائز في غير ظننت وما حمل عليها.
تنبيه
اختلف في "لام" الاستغاثة. فقيل: هي زائدة، فلا تتعلق بشيء. وقيل: ليست بزائدة فتتعلق. وعلى هذا ففيما نتعلق به قولان:
أحدهما: أنه الفعل المحذوف، وهو اختيار ابن عصفور.
والثاني: أنه حرف النداء، وإليه ذهب ابن جني. وذهب الكوفيون إلى أن هذه "اللام" بقية "آل"، والأصل في "يا" لزيد: يا "آل" زيد. وزيد مخفوض بالإضافة.
الخامس والعشرون: "لام" المستغاث من أجله. وهي مكسورة إلا مع المضمر. فإذا قلت: يا "لك"، احتمل أن يكون مستغاثاً به، ومستغاثاً من أجله. وهذه "اللام" هي، في الحقيق، "لام" التعليل، وهي متعلقة بفعل محذوف. فإذا قلت: يا لزيد لعمرو، فالتقدير: أدعوك لعمرو. قال ابن عصفور قولاً واحداً. وليس كذلك، بل قيل: إنها تتعلق بحال محذوفة، أي: مدعواً لعمرو.
السادس والعشرون: "لام" المدح نحو: يا "لك" رجلاً صالحاً.
السابع والعشرون: "لام" الذم. نحو: يا "لك" رجلاً جاهلاً.
ذكر هذين القسمين بعض من صنف في "اللامات". وهما راجعان إلى "لام" التعجب.
الثامن والعشرون: "لام" "كي". نحو: جئتك لتكرمني. فهذه "اللام" جارة، والفعل منصوب ب "أن" المضمرة. و"أن" مع الفعل في تأويل مصدر، مجرور "باللام". هذا مذهب البصريين. وهذه "اللام" أيضاً هي "لام" التعليل.
التاسع والعشرون: "لام" الجحود. وهي الواقعة بعد "كان" الناقصة المنفية. نحو {ما كان الله ليذر المؤمنين}. وسيأتي الكلام على هذه "اللام" محرراً إن شاء الله تعالى.
المتمم ثلاثين: "اللام" الزائدة. وهي ضربان. أحدهما مطرد، والآخر غير مطرد.
فالمطرد أن تزاد مع المفعول به، بشرطين:
الأول: أن يكون العامل متعدياً إلى واحد.
الثاني: أن يكون قد ضعف، بتأخيره، نحو {إن كنتم للرؤيا تعبرون}، أو بفرعيته، نحو {فعال لما يريد}، فزيادتها في ذلك مقيسة، لأنها مقوية للعامل.
قال ابن مالك: ولا يفعل ذلك بالمتعدي إلى اثنين، لأنها إن زيدت في مفعوليه لزم منه تعدية فعل واحد إلى مفعولين، بحرف واحد وإن زيدت في أحدهما فيلزم منها ترجيح من غير مرجح، وإيهام غير المقصود.
واعترض قوله ترجيح من غير مرجح بأنه إذا تقدم أحدهما، وتأخر الآخر، لم يلزم من زيادتها في المتقدم ترجيح من غير مرجح، لأنه يترجح بضعف طلب العامل لتقدمه. وقد أجاز ذلك الفارسي، في قراءة من قرأ {ولكل وجهة هو موليها} بالإضافة، أي: ولكل ذي وجهة. والمعنى: الله مول كل ذي وجهة وجهته.
وغير المطرد فيما عدا ما تقدم. كقول الشاعر:
وملكت ما بين العراق، ويثرب ... ملكاً، أجار لمسلم، ومعاهد
وجعل قوم من ذلك قوله تعالى: {ردف لكم} أي: ردفكم، لأن ردف بمعنى: تبع. وأوله بعضهم على التضمين. وفي البخاري: ردف بمعنى قرب.
وقد زيدت "اللام" مقحمة، بين المضاف والمضاف إليه، في قوله:
يا بؤس للحرب، التي ... وضعت أراهط، فاستراحوا
"فاللام" في ذلك مقحمة لتوكيد التخصيص. ومن ذلك قولهم: لا أبا لزيد، على مذهب سيبويه. فإن قلت: بأي شيء انجر ما بعد هذه
"اللام"، أبها أم بالإضافة؟ قلت: فيه قولان، والمختار أنه "باللام"، لمباشرتها، ولأن حرف الجر لا يعلق عن العمل. وهو اختيار ابن جني.
فهذا تمام الكلام على "اللام" الجارة، على سبيل الإيجاز. وقد نظمت أقسامها في هذه الأبيات:
أتاك، للام الجر، مما جمعته ... ثلاثون قسماً، في كلام منظم
فأولها التخصيص، وهو أعمها ... ويتلوه الاستحقاق، يا صاح، فاعلم
وملك، وتمليك، وشبههما معاً ... وعلل بها، وانسب، وبين، وأقسم
وعد، وزد صيرورة، وتعجباً ... وجاءت لتبليغ المخاطب، فافهم
ومثل إلى، في، عن، على، عند، بعد، مع ... ومن، ولتبعيض، وذا كله نمي
ولامان، قد جاءا بباب استغاثة ... ولام بها فامدح، ولام بها اذمم
وقل لام كي، لام الجحود، كلاهما ... لجر، وباللام المزيدة تمم
وعندي، في التقسيم، عيب تداخل ... وعذري، في ذلك، اتباع المقسم
تنبيه
التحقيق أن معنى "اللام"، في الأصل، هو الاختصاص. وهو معنى لا يفارقها، وقد يصحبه معان أخر. وإذا تؤملت سائر المعاني المذكورة وجدت راجعة إلى الاختصاص. وأنواع الاختصاص متعددة؛ ألا ترى أن من معانيها المشهورة التعليل، قال بعضهم: وهو راجع إلى معنى الاختصاص، لأنك إذا قلت: جئتك للإكرام، دلت "اللام" على أن مجيئك مختص بالإكرام. إذ كان الإكرام سببه، دون غيره. فتأمل ذلك. والله أعلم.
القسم الثاني: الجازمة. وهي "لام" الأمر، والأولى أن يقال: "لام" الطلب، ليشمل: الأمر نحو {لينفق ذو سعة من سعته}، والدعاء نحو {ليقض علينا ربك}، قيل: والالتماس، كقولك لمن يساويك: لتفعل، من غير استعلاء. وذلك لأن الطلب إذا ورد من الأعلى فهو أمر، وإذا ورد من الأدنى فهو دعاء، وإذا ورد من المساوي فهو التماس.
وهذه "اللام" التي للطلب كصيغة افعل، في أنها قد ترد لمعان أخر، غير الطلب، كالتهديد نحو قوله تعالى: {ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا. فسوف يعلمون} والأصل في ذلك معنى الطلب.
واعلم أن فعل المفعول لا طريق للأمر فيه، إلا "باللام"، سواء أكان للمتكلم، نحو: لأعن بحاجتك، أم للمخاطب، نحو: لتعن بحاجتي، أم للغائب، نحو: ليعن زيد بالأمر.
وأما فعل الفاعل فإن كان لغائب نحو {لينفق ذو سعة}، أو متكلم مفرد، نحو قوله في الحديث قوموا، فلأصل لكم، أو مشارك، نحو {ولنحمل خطاياكم}، فكذلك.
وإن كان للمخاطب فللأمر به طريقان: الأولى بصيغة افعل، وهذا هو الكثير، نحو: اعلم. والثانية "باللام"، وهو قليل. قال بعضهم: وهي لغة رديئة. وقال الزجاجي: لغة جيدة. ومن ذلك قراءة عثمان، وأبي، وأنس [فبذلك فلتفرحوا] "بتاء" الخطاب. وفي الحديث لتأخذوا مصافكم.
مسألتان
الأولى: حركة هذه "اللام" الكسر. ونقل ابن مالك أن فتحها لغة، وحكاه الفراء عن بني سليم. ويجوز إسكانها بعد "الواو" و"الفاء"، وهو أكثر من تحريكها. نحو {فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي}. ويجوز إسكانها بعد "ثم"، وليس بضعيف، ولا مخصوص بالضرورة، خلافاً لزاعم ذلك. وبه قرأ الكوفيون، وقالون، والبزي {ثم ليقطع}.
واختلف في وجه تسكين هذه "اللام"، بعد هذه الأحرف؛ فقال الأكثرون: إنه من باب الحمل على عين فعل، إجراء للمنفصل مجرى المتصل. وقال ابن مالك: بل هو رجوع إلى الأصل، لأن "للام" الطلب الأصالة في السكون، من وجهين:
أحدهما: مشترك، وهو كون السكون مقدماً على الحركة، إذ هي زيادة، والأصل عدمها.
والثاني: خاص، وهو أن يكون لفظها مشاكلاً لعملها كما فعل "بباء" الجر، لكن منع من سكونها الابتداء بها، فكسرت. فإذا دخل حرف العطف رجع إلى السكون ليؤمن دوام تفويت الأصل. قال: وليس حملاً على عين فعل، لأن مثله لا يكاد بوجد إلا في ضرورة.
الثانية: في حذف "لام" الطلب وإبقاء عملها أقوال: مذهب الجمهور أنه لا يجوز إلا في ضرورة، كقوله:
محمد، تفد نفسك كل نفس
ومذهب المبرد منع ذلك حتى في الشعر. وزعم أن هذا البيت لا يعرف قائله، مع احتماله أن يكون خبراً، وحذفت "الياء"، استغناء بالكسرة. ومذهب الكسائي أنه يجوز حذفها، بعد الأمر بالقول، كقوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}، أي: ليقيموا.
واضطرب كلام ابن مالك، في هذه المسألة. فقال في التسهيل: ويلتزم في النثر، في غير فعل الفاعل المخاطب. وهذا مذهب الجمهور. وذكر في شرح الكافية أن حذفها وإبقاء عملها على ثلاثة أضرب: كثير مطرد، وقليل جائز في الاختيار، وقليل مخصوص بالاضطرار. قال: فالكثير المطرد بعد أمر بقول، كقوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}. والقليل الجائز في الاختيار الحذف بعد قول غير أمر، كقول الراجز:
قلت لبواب، لديه دارها: ... تئذن، فإني حمؤها، وجارها
أراد: لتئذن. وليس مضطراً لتمكنه من أن يقول: وائذن. والقليل المخصوص بالاضطرار الحذف دون تقدم قول، كقول الشاعر:
فلا تستطل، مني، بقائي ومدتي ... ولكن يكن للخير، منك، نصيب
القسم الثالث: الناصبة للفعل. فإنما قال بها الكوفيون. وأما البصريون فهي عندهم "لام" جر، والناصب "أن" مضمرة بعدها. وهو
الصحيح لثبوت الجر بها في الأسماء. وقد أمكن إبقاؤها جارة، بتقدير "أن"، لأن المصدر المنسبك من "أن" المقدرة والفعل مجرور بها. وأيضاً فظهور "أن" بعد هذه "اللام"، في بعض المواضع، موضح لما ادعي، من الإضمار.
وذكر لهذه "اللام"، الناصبة للفعل، ستة أقسام:
الأول: "لام" "كي"، وهي "لام" التعليل. وسميت "لام" "كي" لأنها تفيد ما تفيده "كي" مع التعليل. وفي هذه "اللام" مذاهب: مذهب أكثر الكوفيين أنها ناصبة، بنفسها.
وقال ثعلب: ناصبة، لكن لقيامها مقام "أن".
وقال البصريون: جارة، والناصب مقدر بعدها، وهو "أن".
وقال ابن كيسان، والسيرافي: يجوز أن يكون "أن"، ويجوزأن يكون "كي".
ومذهب الجمهور أن "كي" لا تضر.
ويجوز إظهار أن المضمرة بعد هذه "اللام"، فتقول: جئت لتكرمني، ولأن تكرمني. إلا إذا قرن الفعل ب "لا" النافية، أو الزائدة، فإن إظهار أن في ذلك واجب. نحو {لئلا يعلم أهل الكتاب}.
فإن قلت: إذا ظهر بعدها "أن" أو "كي" فماذا يقول الكوفيون؟ قلت: يقولون: إن كلا منهما مؤكد "للام" الناصبة. هكذا نقل عنهم.
الثاني: "لام" الجحود. وهي "اللام" الواقعة بعد كان الناقصة المنفية الماضية لفظاً، أو معنى. نحو: ما كان زيد ليذهب، ولم يكن زيد ليذهب. وسميت "لام" الجحود، لاختصاصها بالنفي. قيل: ولا يكون قبلها من حروف النفي إلا "ما" و"لا" دون غيرهما. قلت: الظاهر مساواة إن النافية لهما في ذلك.
وقد جعل بعضهم "اللام" في قوله تعالى: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال} "لام" الجحود، على لا قراءة غير الكسائي وأجاز بعض النحويين وقوع "لام" الجحود بعد أخوات "كان" قياساً عليها. وأجاز بعضهم ذلك في "ظننت". وقال بعضهم: تقع في كل فعل، تقدمه فعل منفي. نحو: "ما" جئت لتكرمني. والصحيح أنها لا تقع إلا بعد "كان" الناقصة، كما تقدم.
فإن قلت: ما هذه "اللام" التي في قوله:
فما جمع ليغلب جمع قومي ... مقاومة، ولا فرد لفرد
قلت: هي "لام" الجحود، وجمع اسم "كان" المحذوفة. أي: "فما" "كان" جمع، كما قال أبو الدرداء في الركعتين بعد العصر: "ما" أنا لأدعهما. أي "ما" كنت لأدعهما.
واعلم أن الخلاف في "لام" الجحود كالخلاف في "لام" "كي". ففيها المذاهب الثلاثة. ومذهب البصريين أنه لا يجوز إظهار "أن" بعدها، بل يجب إضمارها. واختلف النقل عن الكوفيين، فحكى ابن الأنباري عنهم منع ذكر "أن" بعدها. وحكى غيره عنهم جواز ذكرها توكيداً.
تنبيه
مذهب البصريين أن "لام" الجحود تتعلق بمحذوف، هو خبر "كان" التي قبلها. والتقدير في قولك ما "كان" زيد ليفعل: ما "كان" زيد مريداً للفعل. قلت: تقديرهم مريداً يقتضي أن تكون "اللام" زائدة، مقوية للعامل، "كاللام" في نحو: {فعال لما يريد}. ومذهب الكوفيين أن الفعل الذي دخلت عليه "اللام" هو خبر "كان". ولا حذف عندهم.
قال بعض النحويين: وهذا الخلاف مبني على الخلاف السابق. فلما كان مذهب البصريين أن "اللام" جارة لمصدر منسبك، من "أن"
المقدرة والفعل، لزم عندهم أن يكون خبر "كان" محذوفاً. ولما كانت "اللام" عند الكوفيين ناصبة كان الخبر هو نفس الفعل، و"اللام" عندهم زائدة لتأكيد النفي. ولذلك أجازوا أن يتقدم معمول منصوبها عليها.
ورد أبو البقاء مذهب الكوفيين، بأن نصب الفعل إن كان "باللام" فليست بزائدة. ورد غيره بأن الخبر المحذوف قد سمع مصرحاً به، في قول الشاعر:
سموت، ولم تكن أهلاً، لتسمو
ولكن التصريح به في غاية الندرة.
وذكر ابن مالك أن "لام" الجحود هي المؤكدة لنفي في خبر "كان" ماضية لفظاً أو معنى. فوافق الكوفيين على أن الفعل الذي
بعدها هو الخبر، ولم يجعلها ناصبة بنفسها، بل جعل "أن" مضمرة بعدها وفاقاً للبصريين. فهو قول ثالث، مركب من المذهبين. وظاهر قوله المؤكدة يقتضي أنها زائدة، فلا تتعلق بشيء.
وصرح بذلك ولده في شرح الألفية، وقال - أعني ولده - في كلامه على هذا الموضع من تسهيل الفوائد: سميت مؤكدة لصحة الكلام بدونها، لا لأنها زائدة. إذا لو كانت زائدة لم يكن لنصب الفعل بعدها وجه صحيح. وإنما هي "لام" الاختصاص، دخلت على الفعل، لقصد: ما كان زيد مقدراً، أو هاماً، أو مستعداً لأن يفعل.
وقال صاحب رصف المباني ما ملخصه: إن هذه "اللام" هي "لام" العلة المذكورة قبل، وهي وما بعدها في موضع خبر "كان" المنفية. والمعنى في قولك ما كان عبد الله ليذهب: ما كان عبد الله للذهاب.
قلت: فهو على هذا من وقوع الجار والمجرور خبراً. قال بعضهم: من جعل "لام" الجحود "لام" "كي" فهو ساه.
الثالث: "لام" الصيرورة. وتسمى "لام" العاقبة، و"لام" المآل. ذكرها الكوفيون، والأخفش، وقوم من المتأخرين، منهم ابن مالك. كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً}. وهذا "اللام"، عند أكثر البصريين، صنف من أصناف "لام" "كي". وهي عند الكوفيين ناصبة بنفسها، كما تقدم في "لام" "كي".
الرابع: "اللام" الزائدة. نحو قوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم}، وأمرنا لنسلم، وقول الشاعر:
أريد لأنسى ذكرها، فكأنما ... تمثل، لي، ليلى، بكل سبيل
"فاللام" في ذلك، ونحوه، زائدة عند قوم من النحويين.
وذهب المحققون إلى أنها "لام" "كي". ولهم في توجيه ذلك قولان:
أحدهما: أن المفعول محذوف، و"اللام" للتعليل، والمعنى: يريد الله ذلك ليبين. وأمرنا بما أمرنا به لنسلم. وأريد السلو لأنسى ذكرها.
والثاني: ما حكي عن سيبويه وأصحابه، أن الفعل مقدر بالمصدر، أي: إرادة الله ليبين، وأمرنا لنسلم. فينعقد من من ذلك مبتدأ وخبر. قلت: قال سيبويه: وسألته - يعنى الخليل - عن هذا، يعنى البيت المتقدم، فقال: المعنى إرادتي لأنسى.
فإن قلت: ما حقيقة هذا القول؟ قلت: هو كالقول الذي قبله في أن "اللام" للتعليل، ولكن معمول الفعل، على القول الأول، حذف اختصاراً، فهو منوي لدليل. وعلى هذا القول حذف اقتصاراً، فهو غير منوي، إذ لم يتعلق به قصد المتكلم، فيصير الفعل على هذا كاللازم. ولذلك انعقد من ذلك مبتدأ وخبر. وهو تقدير معنوي لا إعرابي. وهذا معنى قول ابن عطية، بعد ذكره القولين: وقول الخليل أخصر وأحسن.
الخامس: "اللام" التي بمعنى "أن". ذهب إلى ذلك الفراء، ونقله ابن عطية عن الكوفيين. قال الفراء: العرب تجعل "لام" "كي" في موضع "أن"، في: أمرت، وأردت. قال تعالى: {يريدون ليطفئوا}، {وأمرنا لنسلم}. وقد سبق تأويل ذلك.
السادس: "اللام" التي بمعنى "الفاء". ذكر ذلك قوم، وجعلوا منه قوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزناً}، وقوله تعالى: {ربنا ليضلوا عن سبيلك} أي: فكان لهم، وفضلوا. وقول الشاعر:
لنا هضبة، لا ينزل الذل وسطها ... ويأوي إليها المستجير، ليعصما
أي: فيعصما.
ولا حجة لهم في شيء من ذلك، لأن "اللام" في الآيتين "لام" الصيرورة، وقد تقدم ذكرها، وفي البيت "لام" "كي". وأيد بعضهم قول من جعلها في البيت. بمعنى "الفاء"، بأنه قد روي "بالفاء". قلت: الرواية "بالفاء" هي المشهورة، ولكن "الفاء" ليست أصلاً، في هذا الموضع، فتحمل عليها "اللام"، لأن نصب الفعل بعد "الفاء" في الواجب إنما يجوز لضرورة الشعر.
فهذه أقسام "اللام" العاملة.
القسم الرابع: "لام" الابتداء. وهي "اللام" المفتوحة، في نحو: لزيد قائم. وفائدتها توكيد مضمون الجملة. قال الزمخشري وغيره: ولا تدخل إلا على الاسم، والفعل المضارع. ومثلوا دخولها على المضارع، بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم} وهو صحيح، لأن "اللام" الداخلة في خبر "إن" هي في الأصل "لام" الابتداء. وسيأتي بيان ذلك.
فإن قلت: فهل تدخل على المضارع، إذا لم يكن بعد "إن"؟ قلت: قد ذكر ذلك ابن مالك، ومثله بقوله: ليحب الله المحسنين.
وذكر ذلك أيضاً صاحب رصف المباني قال: هذه "اللام" تدخل للابتداء، في المبتدأ، نحو {لأنتم أشد}، وما حل محله، وهو المضارع إذا صدر به، نحو: ليقوم زيد. وكذلك الفعل الذي لا يتصرف، نحو {لبئس ما كانوا يعملون}. قال: وإنما ذلك لمشابهة الاسم. أما المضارع ففي الإبهام والتخصيص، وأما الماضي المذكور فلعدم تصرفه، كعدم تصرف الاسم. هذا اختصار كلامه.
ولا تدخل هذه "اللام" على الماضي المتصرف. فإن وجد نحو: لقام زيد. فهو جواب قسم، و"اللام" فيه "لام" الجواب، وليست "لام" الابتداء. وأما المقرون ب "قد"، نحو: "لقد" قام زيد، فالذي ذكره المعربون أنها "لام" جواب القسم. وأجاز بعضهم أن تكون "لام" الابتداء. قلت: وقد نصوا على دخولها على الماضي المقرون "بقد"، بعد "إن" وخالف في ذلك خطاب الماردي، فقال: إن "اللام" في نحو "إن" زيداً "لقد" قام جواب قسم محذوف.
تنبيه
مقتضى كلام الزمخشري أن "لام" الابتداء إذا دخلت على المضارع، ولم تتقدم "إن"، فالمبتدأ محذوف بعدها. قال في الكشاف: فإن قلت: ما هذه "اللام" الداخلة على سوف - يعني: في قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى} - قلت: هي "لام" المبتدأ المؤكدة لمضمون الجملة. والمبتدأ محذوف تقديره: ولأنت سوف يعطيك، كما ذكرنا في لأقسم - يعنى {لأقسم بيوم القيامة} على قراءة ابن كثير - وذلك أنه لا يخلو من أن تكون "لام" قسم أو ابتداء. "فلام" القسم لا تدخل على المضارع، إلا مع "نون" التوكيد. فبقي أن تكون "لام" الابتداء. و"لام" الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر، فلا بد من تقدير مبتدأ وخبر، وأن يكون أصله: ولأنت سوف يعطيك.
قلت: أما قوله "فلام" القسم لا تدخل على المضارع، إلا مع "نون" التوكيد ليس على إطلاقه. بل هو مشروط عند القائلين به، وهم البصريون، بألا يفصل بين الفعل و"اللام" بحرف تنفيس، أو "قد"، أو بمعموله. فيمتنع حينئذ دخول "النون". فقد اتضح أن عدم "النون" في ولسوف ليس مانعاً من جعل "اللام" جواب القسم. وأما الكوفيون فإنهم أجازوا تعاقب "اللام" و"النون". وأما في:{لأقسم بيوم القيامة} فقد أوله بعض البصريين على إرادة الحال. وفعل الحال إذا أقسم عليه دخلت عليه "اللام" وحدها.
فإن قلت: أليس قوله في المفصل إن "لام" الابتداء تدخل على المضارع، مناقضاً لقوله: و"لام" الابتداء لا تدخل إلا على الجملة من المبتدأ والخبر؟ قلت: ليس مناقضاً له، لأنه مثل في المفصل بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم}. وهذه "اللام"، في الأصل، داخلة على المبتدأ. ولكنها تأخرت عن محلها.
مسألة
"لام" الابتداء مستحقة لصدر الكلام. ولذلك علقت أفعال القلوب، وندر زيادتها في الخبر، كقول الراجز:
أم الحليس لعجوز، شهربه
وأوله بعضهم على إضمار مبتدأ محذوف، تقديره: لهي عجوز. وضعف بأن حذف المبتدأ مناف للتوكيد الذي، جيء "باللام" لأجله.
تنبيه
من أصناف "لام" الابتداء "لام" التوكيد، الواقعة بعد "إن" المكسورة، خلافاً لمن قال: هي غيرها. والأول مذهب البصريين، قالوا: كان الأصل أن تقدم، وإنما تأخرت لئلا يجتمع حرفان لمعنى واحد، وهو التوكيد.
فإن قلت: فهل كان أصلها أن تكون قبل "إن" أو بعدها. ولم أخرت هي وتركت "إن" مقدمة؟ قلت: الجواب عن الأول أن أصلها كما ذكر ابن جني، وغيره، أن تكون قبل "إن" لوجهين:
أحدهما: أنها لو قدرت بعد "إن" تكون قبل "إن" لوجهين: أحدهما أنها لو قدرت بعد "إن" لزم الفصل بين "إن" ومعمولها، بحرف من أدوات الصدر.
والثاني: أنها جاءت مقدمة على "إن" لما أبدلوا "همزتها" "هاء"، في نحو قول الشاعر:
ألا، يا سنا برق، على قلل الحمى ... لهنك، من برق، علي كريم
وإنما سهل الجمع بين حرفي التوكيد، في ذلك، تغير لفظ أحدهما. وفي هذا البيت أقوال أخر، ليس هذا موضع ذكرها.
والجواب عن الثاني أنهم بدؤوا ب "إن" لقوتها، لكونها عاملة. كذا قال الأخفش.
وفائدة هذه "اللام" توكيد مضمون الجملة. وكذلك "إن". وإنما اجتمعا، لقصد المبالغة في التوكيد. وما قيل من أن "اللام" لتوكيد الخبر، و"إن" لتوكيد الاسم، فهو منقول عن الكسائي. وفيه تجوز، لأن التوكيد إنما هو للنسبة لا للاسم والخبر، وعن ثعلب وقوم من الكوفيين أن قولك: "إن" زيداً منطلق، جواب: "ما" زيد منطلق. و"إن" زيداً لمنطلق، جواب: "ما" زيد بمنطلق.
وقال أهل علم المعاني: إذا ألقيت الجملة إلى من هو خالي الذهن استغني عن مؤكدات الحكم. فيقال: زيد ذاهب. ويسمى هذا النوع من الخبر ابتدائياً. وإذا ألقيت إلى طالب لها، متردد في الحكم، حسن تقوية الحكم بمؤكد. وذلك بإدخال "إن"، نحو: "إن" زيداً ذاهب. أو "اللام"، نحو: لزيد ذاهب. ويسمى هذا النوع طلبياً. وإذا ألقيت إلى منكر للحكم وجب توكيدها، بحسب الإنكار. فتقول: "إني" صادق، لمن ينكر صدقك، ولا يبالغ فيه.
و"إني" لصادق لمن يبالغ في إنكاره. ويسمى هذا النوع إنكارياً. وعليه قوله تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية، إذا جاءها المرسلون} إلى آخرها.
ويؤيد ذلك جواب أبي العباس، للكندي عن قوله: "إني" أجد في كلام العرب حشواً: يقولون: عبد الله قائم. ثم يقولون: "إن" عبد الله قائم. ثم يقولون: "إن" عبد الله لقائم. والمعنى واحد! فقال: بل المعاني مختلفة؛ فعبد الله قائم: إخبار عن قيامه. و"إن" عبد الله قائم: جواب عن سؤال سائل. و"إن" عبد الله لقائم: جواب عن إنكار منكر قيامه.
ولهذه "اللام" بعد "إن" أربعة مواضع:
الأول: الخبر، بشرطين:
أحدهما: أن يكون مثبتاً.
والثاني: ألا يكون ماضياً، متصرفاً، عارياً من "قد".
الثاني: الاسم، إذا تأخر، نحو: "إن" في الدار لزيداً.
الثالث: معمول الخبر، إذا توسط بينه وبين الاسم، نحو: "إن" زيداً لطعامك آكل. وشرطه أن يكون الخبر صالحاً "للام"، فلو كان ماضياً متصرفا، نحو: "إن" زيداً طعامك أكل، لم تدخل "اللام" على معموله، لأن دخولها عليه فرع دخولها على عامله.
الرابع: الفصل بين الاسم والخبر، نحو {إن هذا لهو القصص الحق}.
ويحكم على هذه "اللام" بالزيادة، فيما سوى هذه المواضع. ولا تدخل على خبر "لكن" خلافاً للكوفيين. وأما قول الشاعر:
ولكنني، من حبها، لعميد فمتأول.
فإن قلت: قد تقدم أن "لام" الابتداء لها صدر الكلام، فلا يتقدم معمول ما بعدها عليها. وهذه "اللام" التي بعد "إن" يتقدم معمول ما بعدها عليها، كقوله تعالى: {إنه على رجعه لقادر}، فهذا دليل على أن هذه غير تلك! قلت: الجواب عن ذلك أن هذه "اللام" لما تأخرت عن موضعها جاز تقديم المعمول عليها. نظير ذلك "الفاء" الواقعة جواب "أما". وسيأتي بيان ذلك، إن شاء الله تعالى.
القسم الخامس: "اللام" الفارقة. وهي الواقعة بعد "إن" المخففة، في نحو {وإن كانت لكبيرة}، فارقة بين "إن" المذكورة و"إن" النافية، فإذا قلت: "إن" زيد لقائم، ف "إن" مخففة من الثقيلة، و"اللام" بعدها فارقة. هذا مذهب البصريين. وذهب الكوفيون إلى أن "إن" نافية، و"اللام" بمعنى "إلا".
قال الزمخشري وغيره: هذه "اللام" لازمة في خبر "إن"، إذا خففت. قلت: إنما تلزم إذا ألغيت "إن" ولم يكن في الكلام قرينة. فإن أعملت، نحو: "إن" زيداً قائم، أو دل دليل على المراد، لم تلزم لعدم الحاجة إليها. ومن ذلك قول الشاعر:
أنا ابن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن
واختلف في هذه "اللام" الفارقة. فذهب قوم إلى أنها قسم برأسه، غير "لام" الابتداء. منهم الفارسي. وذهب قوم إلى أنها هي "لام" الابتداء، الداخلة على خبر "إن"، لزمت للفرق. وهو مذهب سيبويه، واختاره ابن مالك. واستدل الشلوبين، على أنها "لام" أخرى، بعمل الفعل قبلها فيما بعدها. وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في غير هذا الموضع.
القسم السادس: "لام" الجواب. وهي ثلاثة أنواع: جواب القسم، وجواب "لو"، وجواب "لولا".
فأما "اللام" التي هي جواب القسم فتدخل على الجملة الاسمية والفعلية. نحو: والله لزيد قائم، {وتالله لأكيدن أصنامكم}، و {تالله لقد آثرك الله}.
والأكثر في الماضي المتصرف، إذا وقع جواباً، اقترانه ب "قد" مع "اللام". وقد يستغنى عن "قد"، كقول امرئ القيس:
حلفت لها بالله، حلفة فاجر ... لناموا، فما إن حديث، ولا صالي
وذهب قوم إلى أنه لابد في ذلك من "قد" ظاهرة أو مقدرة. وقال ابن عصفور: إن كان الفعل قريباً من زمان الحال أدخلت عليه "اللام" و"قد"، لأن "قد" تقربه من الحال. وإن كان بعيداً منه أتيت "باللام" وحدها. ومنه قوله لناموا.
ولا إشكال في أن "لام" القسم مغايرة "للام" الابتداء. وقول صاحب رصف المباني وإذا تأملت هذه "اللام" فهي "لام" الابتداء، و"لام" التوطئة غير صحيح.
وأما "اللام" التي هي جواب "لو" وجواب "لولا" فيأتي ذكرها مع: "لو"، و"لولا".
القسم السابع: "اللام" الموطئة. وهي الداخلة على أداة الشرط، في نحو: والله لئن أكرمتني لأكرمنك. فإن كان القسم مذكوراً لم تلزم. وإن كان محذوفاً غالباً، نحو {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم}. وقد تحذف، والقسم محذوف، نحو {وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن}، {وإن لم تغفر لنا، وترحمنا، لنكونن}. وقيل: هي منوية في نحو ذلك.
وإنما سميت هذه "اللام" موطئة، لأنها وطأت للجواب. وتسمى أيضاً: المؤذنة. وقولهم: إنها موطئة للقسم، فيه تجوز. وإنما هي موطئة لجواب القسم.
وأكثر ما تكون مع "إن" الشرطية، كما تقدم. وقد تدخل على غيرها، من أدوات الشرط. ومن ذلك قراءة غير حمزة {لما آتيتكم من كتاب وحكمة}، وقول الشاعر:
لمتى صلحت ليقضين لك صالح ... ولتجزين، إذا جزيت، جميلا
وذكر ابن جني في سر الصناعة أن "إذ" قد شبهت ب "إن" فأدخلت عليها "اللام" الموطئة، في قول الشاعر:
غضبت علي، لأن شربت بجزة ... فلإذ غضبت لأشربن بخروف
وقد يجاء ب "لئن" بعد ما يغني عن الجواب، فيحكم بزيادة "اللام". كقول عمر بن أبي ربيعة:
ألمم بزينب، إن البين قد أفدا ... قل الثواء، لئن كان الرحيل غدا
القسم الثامن: "لام" التعريف، عند من جعل حرف التعريف أحادياً. وهم المتأخرون، ونسبوه إلى سيبويه. وذهب الخليل إلى أن حرف التعريف ثنائي، و"همزته" "همزة" قطع، وصلت لكثرة الاستعمال. وهو مذهب ابن كيسان. وكان الخليل يسميه "أل". ولا يقول: "الألف" و"اللام". واختار هذا القول ابن مالك. ونقل ابن مالك عن سيبويه أن حرف التعريف عنده ثنائي، ولكن "همزته" "همزة" وصل، معتد بها في الوضع، كما يعتد "بهمزة" استمع ونحوه، فيقال: هو خماسي. قلت: وهو صريح كلام سيبويه، لأنه عد حرف التعريف في الحروف
الثنائية.
وسيأتي الكلام على حرف التعريف في باب الثنائي، إن شاء الله تعالى. وإنما أخرت الكلام عليه، لأن المختار عندي مذهب سيبويه.
فهذه جملة أقسام "اللام" على سبيل الاختصار. والله الموفق). [الجنى الداني:95 - 139]
شرح عبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري(ت:761ه)
حرف "اللّام"
"اللام" المفردة قال عبد الله بن يوسف بن أحمد ابن هشام الأنصاري (ت: 761هـ): (حرف "اللّام"
"اللام" المفردة
"اللّام" المفردة ثلاثة أقسام: عاملة للجر، وعاملة للجزم، وغير عاملة. وليس في القسمة أن تكون عاملة للنصب خلافًا للكوفيين وسيأتي،
فالعاملة للجر مكسورة مع كل ظاهر، نحو: لزيد، ولعمرو، إلّا مع المستغاث المباشر "ليا" فمفتوحة، نحو: يالله.
وأما قراءة بعضهم:{الحمد لله} بضمها فهو عارض للإتباع.
ومفتوحة مع كل مضمر، نحو: "لنا" و"لكم" و"لهم" إلّا مع "ياء" المتكلّم فمكسورة.
وإذا قيل: يا "لك" ويا "لي" احتمل كل منهما أن يكون مستغاثا به، وأن يكون مستغاثا من أجله، وقد أجازهما ابن جني في قوله:
فيا شوق ما أبقى ويالي من النّوى ...
وأوجب ابن عصفور في يالي أن يكون مستغاثا من أجله؛ لأنّه لو كان مستغاثا به لكان التّقدير: يا أدعو "لي"، وذلك غير جائز في غير باب ظننت، وفقدت، وعدمت، وهذا لازم له لا لابن جني لما سأذكره بعد.
ومن العرب من يفتح "اللّام" الدّاخلة على الفعل، ويقرأ: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهو يستغفرون}.
و"للام" الجارة اثنان وعشرون معنى:
أحدها: الاستحقاق، وهي الواقعة بين معنى وذات، نحو: {الحمد لله} و {العزّة لله}، والملك لله، والأمر لله، ونحو: {ويل للمطفّفين} و {لهم في الدّنيا خزي}، ومنه للكافرين النّار، أي: عذابها.
والثّاني: الاختصاص، نحو: الجنّة للمؤمنين، وهذا الحصير للمسجد، والمنبر للخطيب، والسرج للدابة، والقميص للعبد، ونحو: {إن له أبا شيخا}،{فإن كان له إخوة}، وقولك هذا الشّعر لحبيب، وقولك أدوم "لك" ما تدوم "لي".
والثّالث: الملك، نحو:{له ما في السّماوات وما في الأرض}، وبعضهم يستغني بذكر الاختصاص عن ذكر المعنيين الآخرين، ويمثل له بالأمثلة المذكورة أو نحوها، ويرجحه أن فيه تقليلا للاشتراك، وأنه إذا قيل: هذا المال لزيد والمسجد، لزم القول بأنّها للاختصاص مع كون زيد قابلا للملك؛ لئلّا يلزم استعمال المشترك في معنييه دفعة، وأكثرهم يمنعه.
الرّابع: التّمليك، نحو: وهبت لزيد دينارا.
الخامس: شبه التّمليك، نحو: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا}.
السّادس: التّعليل، كقوله:
ويوم عقرت للعذارى مطيتي ...
وقوله تعالى:{لإيلاف قريش}، وتعلقها بـ (فليعبدوا)، وقيل بما قبله، أي: {فجعلهم كعصف مأكول}،{لإيلاف قريش}.
ورجح بأنّهما في مصحف أبي سورة واحدة، وضعف بأن جعلهم كعصف إنّما كان لكفرهم وجرأتهم على البيت، وقيل متعلقة بمحذوف تقديره: اعجبوا.
وكقوله تعالى:{وإنّه لحب الخير لشديد}، إي وإنّه من أجل حب المال لبخيل.
وقراءة حمزة: (وإذ أخذ الله ميثاق النّبيين لِمَا آتيتكم من كتاب وحكمة) الآية، أي: لأجل إتياني إيّاكم بعض الكتاب والحكمة، ثمّ لمجيء محمّد صلى الله عليه وسلم مصدقا لما معكم لتؤمنن به، "فما" مصدريّة فيهما، و"اللّام" تعليلية، وتعلقت بالجواب المؤخر على الاتساع في الظّرف، كما قال الأعشى:
... عوض لا نتفرق
ويجوز كون "ما" موصولا اسميا، فإن قلت: فأين العائد في: {ثمّ جاءكم رسول}، فالجواب: إن (ما معكم) هو نفس (ما آتيتكم)، فكأنّه قيل مصدق له، وقد يضعف هذا لقلته، نحو قوله:
... وأنت الّذي في رحمة الله أطمع
وقد يرجح بأن الثواني يتسامح فيها كثيرا.
وأما قراءة الباقين بالفتح "فاللّام" "لام" التوطئة، و"ما" شرطيّة أو "اللّام" للابتداء، و"ما" موصولة، أي: "الّذي" آتيتكموه، وهي مفعولة على الأول، ومبتدأ على الثّاني.
ومن ذلك قراءة حمزة والكسائيّ:{وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لما صبروا} بكسر "اللّام".
ومنها: "اللّام" الثّانية في نحو: يا لزيد لعمرو، وتعلقها بمحذوف، وهو فعل من جملة مستقلّة، أي: أدعوك لعمرو، أو اسم هو حال من المنادى، أي: مدعوا لعمرو قولان، ولم يطلع ابن عصفور على الثّاني، فنقل الإجماع على الأول.
ومنها: "اللّام" الدّاخلة لفظا على المضارع، في نحو:{وأنزلنا إليك الذّكر لتبين للنّاس}، وانتصاب الفعل بعدها "بأن" مضمرة بعينها وفاقا للجمهور لا "بأن" مضمرة، أو "بكي" المصدرية مضمرة، خلافًا للسيرافي وابن كيسان، ولا "باللّام" بطريق الأصالة خلافًا لأكثر الكوفيّين، ولا بها لنيابتها عن "أن" خلافًا لثعلب، ولك إظهار "أن" فتقول: جئتك "لأن" تكرمني، بل قد يجب، وذلك إذا اقترن الفعل "بلا"،
نحو: {لئلّا يكون للنّاس عليكم حجّة}؛ لئلّا يحصل الثّقل بالتقاء المثلين فرع.
أجاز أبو الحسن أن يتلقّى القسم "بلام" "كي"، وجعل منه:{يحلفون باللّه لكم ليرضوكم}، فقال المعنى: ليرضنكم، قال أبو عليّ وهذا عندي أولى من أن يكون متعلقا بيحلفون، والمقسم عليه محذوف، وأنشد أبو الحسن:
إذا قلت قدني قال باللّه حلفة ... لتغني عني ذا إنائك أجمعا
والجماعة يأبون هذا لأن القسم إنّما يجاب بالجملة، ويروون لتغنن بفتح "اللّام" و"نون" التوكيد، وذلك على لغة فزارة في حذف آخر الفعل لأجل "النّون"، إن كان "ياء" تلي كسرة، كقوله:
وابكن عيشًا تقضي بعد جدته ...
وقدروا الجواب محذوفا، و"اللّام" متعلقة به، أي: ليكونن كذا ليرضوكم، ولتشربن لتغني عني.
السّابع: توكيد النّفي، وهي الدّاخلة في اللّفظ على الفعل مسبوقة "بما"، "كان"، أو "بلم" يكن ناقصتين مسندتين لما أسند إليه الفعل المقرون "باللّام"، نحو: {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}،{لم يكن الله ليغفر لهم}، ويسميها أكثرهم "لام" الجحود لملازمتها للجحد، أي: النّفي.
قال النّحاس والصّواب تسميتها "لام" النّفي؛ لأن الجحد في اللّغة إنكار ما تعرفه، لا مطلق الإنكار. انتهى.
ووجه التوكيد فيها عند الكوفيّين أن أصل ما كان ليفعل: ما كان يفعل، ثمّ أدخلت "اللّام" زيادة لتقوية النّفي، كما أدخلت "الباء" في ما زيد بقائم لذلك، فعندهم أنّها حرف زائد مؤكد غير جار، ولكنه ناصب، ولو كان جارا لم يتعلّق عندهم بشيء لزيادته، فكيف به وهو غير جار.
ووجهه عند البصريين أن الأصل ما كان قاصدا للفعل، ونفي القصد أبلغ من نفيه، ولهذا كان قوله:
يا عاذلاتي لا تردن ملامتي ... إن العواذل لسن لي بأمير
أبلغ من لا تلمنني لأنّه نهي عن السّبب، وعلى هذا فهي عندهم حرف جر معد متعلق بخبر "كان" المحذوف، والنّصب "بأن" مضمرة وجوبا، وزعم كثير من النّاس في قوله تعالى: {وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}.
في قراءة غير الكسائي بكسر "اللّام" الأولى وفتح الثّانية أنّها "لام" الجحود، وفيه نظر لأن النّافي على هذا غير "ما" و"لم"، ولاختلاف فاعلي "كان" وتزول، والّذي يظهر لي أنّها "لام" "كي"، وأن "إن" شرطيّة، أي: وعند الله جزاء مكرهم، وهو مكر أعظم منه، وإن كان مكرهم لشدّته معدا لأجل زوال الأمور العظام المشبهة في عظمها بالجبال، كما تقول: أنا أشجع من فلان، وإن كان معدا للنوازل،
وقد تحذف "كان" قبل "لام" الجحود، كقوله:
فما جمع ليغلب جمع قومي ... مقاومة ولا فرد لفرد
أي: "فما" كان جمع.
وقول أبي الدّرداء رضي الله عنه في الرّكعتين بعد العصر: ما أنا لأدعهما.
والثّامن: موافقة "إلى"، نحو قوله تعالى:{بأن ربك أوحى لها}،{كل يجري لأجل مسمّى}،{ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}.
والتّاسع: موافقة "على" في الاستعلاء الحقيقيّ، نحو:{ويخرون للأذقان}،{دعانا لجنبه}،{وتله للجبين}.
... فخر صريعًا لليدين وللفم
والمجازي نحو:{وإن أسأتم فلها}، ونحو قوله عليه الصّلاة والسّلام لعائشة رضي الله تعالى عنها: «اشترطي لهم الولاء».
وقال النّحاس المعنى: من أجلهم، قال ولا نعرف في العربيّة لهم بمعنى عليهم.
والعاشر: موافقة "في"، نحو {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}،{لا يجليها لوقتها إلّا هو}، وقولهم مضى لسبيله قيل، ومنه:{يا ليتني قدمت لحياتي}، أي: "في" حياتي، وقيل للتّعليل، أي: "لأجل" حياتي في الآخرة.
والحادي عشر: أن تكون بمعنى "عند"، كقولهم: كتبته لخمس خلون، وجعل منه ابن جني قراءة الجحدري:{بل كذبوا بالحقّ لما جاءهم}، بكسر "اللّام"، وتخفيف "الميم".
والثّاني عشر: موافقة "بعد"، نحو:{أقم الصّلاة لدلوك الشّمس}، وفي الحديث: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، وقال:
فلمّا تفرقنا كأنّي ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معًا
والثّالث عشر: موافقة "مع"، قاله بعضهم، وأنشد عليه هذا البيت.
والرّابع عشر: موافقة "من"، نحو: سمعت له صراخا، وقول جرير:
لنا الفضل في الدّنيا وأنفك راغم ... ونحن لكم يوم القيامة أفضل
والخامس عشر: التّبليغ، وهي الجارة لاسم السّامع لقول أو ما في معناه نحو: قلت له، وأذنت له، وفسرت له.
والسّادس عشر: موافقة "عن"، نحو قوله تعالى:{وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه}.
قاله ابن الحاجب، وقال ابن مالك، وغيره: وهي "لام" التّعليل، وقيل "لام" التّبليغ، والتفت عن الخطاب إلى الغيبة، أو يكون اسم المقول لهم محذوفا، أي: قالوا لطائفة من المؤمنين لما سمعوا بإسلام طائفة أخرى، وحيث دخلت "اللّام" على غير المقول له، فالتأويل على بعض ما ذكرناه نحو: {قالت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا}،{ولا أقول للّذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا}.
وقوله:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغضا إنّه لدميم
السّابع عشر: الصيرورة، وتسمى "لام" العاقبة، و"لام" المآل، نحو:{فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا}، وقوله:
فللموت تغذو الوالدات سخالها ... كما لخراب الدّور تبنى المساكن
وقوله:
فإن يكن الموت أفناهم ... فللموت ما تلد الوالده
ويحتمله {ربنا إنّك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا في الحياة الدّنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك}، ويحتمل أنّها "لام" الدّعاء، فيكون الفعل مجزومًا لا منصوبًا، ومثله في الدّعاء: {ولا تزد الظّالمين إلّا ضلالا}، ويؤيّده أن في آخر الآية {ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا}.
وأنكر البصريون ومن تابعهم "لام" العاقبة، قال الزّمخشريّ: والتّحقيق أنّها "لام" العلّة، وأن التّعليل فيها وارد على طريق المجاز دون الحقيقة، وبيانه أنه لم يكن داعيهم إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوا وحزنا، بل المحبّة والتبني، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم له، وثمرته شبه بالداعي الّذي يفعل الفعل لأجله، "فاللّام" مستعارة لما يشبه التّعليل، كما استعير الأسد لمن يشبه الأسد.
الثّامن عشر: القسم والتعجب معًا، وتختص باسم الله تعالى، كقوله:
لله يبقى على الأيّام ذو حيد ...
التّاسع عشر: التّعجّب المجرّد عن القسم، وتستعمل في النداء، كقولهم: يا للماء، ويا للعشب، إذا تعجبوا من كثرتهما.
وقوله:
فيا لك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل
وقولهم: يا لك رجلا عالما وفي غيره، كقولهم: لله دره فارسًا وللّه أنت: وقوله:
شباب وشيب وافتقار وثروة ... فللّه هذا الدّهر كيف ترددا
المتمم عشرين: التّعدية، ذكره ابن مالك في الكافية، ومثل له في شرحها بقوله تعالى: {فهب لي من لدنك وليا}، وفي الخلاصة، ومثل له ابنه بالآية، وبقولك قلت له افعل كذا، ولم يذكره في التسهيل ولا في شرحه، بل في شرحه أن "اللّام" في الآية لشبه التّمليك، وأنّها في المثال للتبليغ، والأولى عندي أن يمثل للتعدية، بنحو: ما أضرب زيدا لعمرو: وما أحبه لبكر.
الحادي والعشرون: التوكيد، وهي "اللّام" الزّائدة، وهي أنواع:
منها: "اللّام" المعترضة بين الفعل المتعدّي ومفعولة، كقوله:
ومن يك ذا عظم صليب رجابه ... ليكسر عود الدّهر فالدهر كاسره
وقوله:
وملكت ما بين العراق ويثرب ... وملكا أجار لمسلم ومعاهد
وليس منه:{ردف لكم} خلافًا للمبرد ومن وافقه، بل ضمن ردف معنى اقترب، فهو مثل:{اقترب للنّاس حسابهم}، واختلف في "اللّام" من نحو:{يريد الله ليبين لكم}،{وأمرنا لنسلم لرب العالمين}، وقول الشّاعر:
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل
فقيل زائدة وقيل للتّعليل، ثمّ اختلف هؤلاء، فقيل المفعول محذوف، أي: يريد الله التّبيين ليبين لكم ويهديكم، أي: ليجمع لكم بين الأمرين، وأمرنا بما أمرنا به لنسلم، وأريد السلو لأنسى.
وقال الخليل وسيبويه ومن تابعهما: الفعل في ذلك كله مقدّر بمصدر مرفوع بالابتداء، و"اللّام" وما بعدها خبر، أي: إرادة الله للتبيين وأمرنا للإسلام، وعلى هذا فلا مفعول للفعل.
ومنها: "اللّام" المسمّاة بالمقحمة، وهي المعترضة بين المتضايفين، وذلك في قولهم: يا بؤس للحرب، والأصل: يا بؤس الحرب، فأقحمت تقوية للاختصاص، قال:
يا بؤس للحرب الّتي ... وضعت أراهط فاستراحوا
وهل انجرار ما بعدها بها أو بالمضاف قولان، أرجحهما الأول؛ لأن "اللّام" أقرب؛ ولأن الجار لا يعلق، ومن ذلك قولهم: لا أبا لزيد ولا أخاله ولا غلامي له.
على قول سيبويه: إن اسم "لا" مضاف لما بعد "اللّام"، وأما على قول من جعل "اللّام" وما بعدها صفة، وجعل الاسم شبيها بالمضاف؛ لأن الصّفة من تمام الموصوف، وعلى قول من جعلهما خبرا، وجعل أبا وأخا على لغة من قال:
إن أباها وأبا أباها ...
وقولهم: مكره أخاك لا بطل، وجعل حذف "النّون" على وجه الشذوذ، كقوله:
قطاقطا بيضك ثنتا وبيضي مئتا
"فاللّام" للاختصاص، وهي متعلقة باستقرار محذوف.
ومنها: "اللّام" المسمّاة "لام" التقوية، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعف إمّا بتأخره، نحو:{هدى ورحمة للّذين هم لربهم يرهبون}، ونحو:{إن كنتم للرؤيا تعبرون}، أو بكونه فرعا في العمل، نحو: {مصدقا لما معهم}،{فعال لما يريد}،{نزاعة للشوى}، ونحو: ضربي لزيد حسن وأنا ضارب لعمرو، قيل ومنه:{إن هذا عدو لك ولزوجك}.
وقوله:
إذا ما صنعت الزّاد فالتمسي له ... أكيلا فإنّي لست آكله وحدي
وفيه نظر، لأن عدوا وأكيلا وإن كانا بمعنى معاد ومؤاكل لا ينصبان المفعول؛ لأنّهما موضوعان للثبوت، وليسا مجاريين للفعل في التحرك والسكون، ولا محولان عمّا هو مجار له؛ لأن التّحويل إنّما هو ثابت في الصّيغ الّتي يراد بها المبالغة، وإنّما "اللّام" في البيت للتّعليل، وهي متعلقة بـ (التمسي)، وفي الآية متعلقة بمستقر محذوف صفة لعدو، وهي للاختصاص.
وقد اجتمع التّأخّر والفرعية في:{وكنّا لحكمهم شاهدين}، وأما قوله تعالى: {نذيرا للبشر}، فإن كان النذير بمعنى المنذر فهو مثل:{فعال لما يريد}، وإن كان بمعنى الإنذار "فاللّام" مثلها في سقيا لزيد، وسيأتي.
قال ابن مالك: ولا تزاد "لام" التقوية مع عامل يتعدى لاثنين؛ لأنّها إن زيدت في مفعولية فلا يتعدّى فعل إلى اثنين بحرف واحد، وإن زيدت في أحدهما لزم ترجيح من غير مرجّح، وهذا الأخير ممنوع؛ لأنّه إذا تقدم أحدهما دون الآخر وزيدت "اللّام" في المقدم لم يلزم ذلك.
وقد قال الفارسي في قراءة من قرأ:{ولكل وجهة هو موليها}، بإضافة "كل" إنّه من هذا، وإن المعنى الله مول كل ذي وجهة وجهته،
والضّمير على هذا للتولية، وإنّما لم يجعل "كلا" والضّمير مفعولين، ويستغن عن حذف "ذي" ووجهته؛ لئلّا يتعدّى العامل إلى الضّمير وظاهره معًا، ولهذا قالوا في "الهاء" من قوله:
هذا سراقة للقرآن يدرسه ... يقطع اللّيل تسبيحا وقرآنا
إن "الهاء" مفعول مطلق لا ضمير القرآن، وقد دخلت "اللّام" على أحد المفعولين مع تأخرهما في قول ليلى:
أحجاج لا تعطي العصاة مناهم ... ولا الله يعطي للعصاة مناها
وهو شاذ لقوّة العامل.
ومنها: "لام" المستغاث عند المبرد، واختاره ابن خروف بدليل صحة إسقاطها.
وقال جماعة غير زائدة، ثمّ اختلفوا، فقال ابن جني: متعلقة بحرف النداء لما فيه من معنى الفعل، ورد بأن معنى الحرف لا يعمل في المجرور، وفيه نظر لأنّه قد عمل في الحال، في نحو قوله:
كأن قلوب الطير رطبا ويابسا ... لدى وكرها العنّاب والحشف البالي
وقال الأكثرون: متعلقة بفعل النداء المحذوف، واختاره ابن الضائع، وابن عصفور، ونسباه لسيبويه، واعترض بأنّه متعدٍّ بنفسه، فأجاب ابن أبي الرّبيع بأنّه ضمن معنى الالتجاء، في نحو: يا لزيد، والتعجب في نحو: يا للدواهي!
وأجاب ابن عصفور وجماعة بأنّه ضعف بالتزام الحذف فقوي تعديه "باللّام"، واقتصر على إيراد هذا الجواب أبو حيّان، وفيه نظر لأن "اللّام" المقوية زائدة كما تقدم، وهؤلاء لا يقولون بالزّيادة.
فإن قلت: وأيضًا فإن "اللّام" لا تدخل في نحو: زيدا ضربته مع أن الناصب ملتزم الحذف.
قلت لما ذكر في اللّفظ ما هو عوض منه كان بمنزلة ما لم يحذف، فإن قلت: وكذلك حرف النداء عوض من فعل النداء.
قلت: إنّما هو كالعوض، ولو كان عوضا البته لم يجز حذفه، ثمّ إنّه ليس بلفظ المحذوف، فلم ينزل منزلته من كل وجه.
وزعم الكوفيّون أن "اللّام" في المستغاث بقيّة اسم، وهو "آل"، والأصل: "يا" "آل" زيد، ثمّ حذفت "همزة" "آل" للتّخفيف، وإحدى "الألفين" لالتقاء الساكنين، واستدلّوا بقوله:
فخير نحن عند النّاس منكم ... إذا الدّاعي المثوب قال يالا
فإن الجار لا يقتصر عليه، وأجيب بأن الأصل يا قوم "لا" فرار أو "لا" نفر، فحذف ما بعد "لا" النافية، أو الأصل: يا لفلان، ثمّ حذف ما بعد الحرف كما يقال: "ألاتا"، فيقال: "ألافا"، يريدون: "ألا" تفعلون، و"ألا" فافعلوا.
تنبيه
إذا قيل: يا لزيد، بفتح "اللّام" فهو مستغاث، فإن كسرت فهو مستغاث لأجله، والمستغاث محذوف، فإن قيل: يا لك احتمل الوجهين، فإن قيل: يا لي، فكذلك عند ابن جني أجازهما في قوله:
فيا شوق ما أبقى ويا لي من النّوى ... ويا دمع ما أجرى ويا قلب ما أصبى
وقال ابن عصفور: الصّواب أنه مستغاث لأجله؛ لأن "لام" المستغاث متعلقة بأدعو، فيلزم تعدي فعل المضمر المتّصل إلى ضميره المتّصل،
وهذا لا يلزم ابن جني، لأنّه يرى تعلق "اللّام" "بيا" كما تقدم، و"يا" لا تتحمل ضميرا، كما لا تتحمله "ها" إذا عملت في الحال، في نحو: {وهذا بعلي شيخا}.
نعم هو لازم لابن عصفور لقوله في: يا لزيد لعمرو، إن "لام" لعمرو متعلقة بفعل محذوف، تقديره: أدعوك لعمرو، وبنبغي له هنا أن يرجع إلى قول ابن الباذش: إن تعلقها محذوف، تقديره: مدعوا لعمرو، وإنّما ادّعيا وجوب التّقدير؛ لأن العامل الواحد لا يصل بحرف واحد مرّتين، وأجاب ابن الضائع بأنّهما مختلفان معنى، نحو: وهبت لك دينارا لترضى.
تنبيه
زادو"اللّام" في بعض المفاعيل المستغنية عنها كما تقدم، وعكسوا ذلك فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها، كقوله تعالى:{تبغونها عوجا}،{والقمر قدرناه منازل}،{وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}،وقالوا وهبتك دينارا، وصدتك ظبيًا، وجنيتك ثمرة.
قال:
وقد جنيتك أكمؤا وعساقلا ...
وقال:
فتولّى غلامهم ثمّ نادى ... أظليما أصيدكم أم حمارا
وقال:
إذا قالت حذام فأنصتوها ...
في رواية جماعة والمشهور فصدقوها.
الثّاني والعشرون: التّبيين، ولم يوفوها حقّها من الشّرح. وأقول هي ثلاثة أقسام:
أحدها: ما تبين المفعول من الفاعل، وهذه تتعلّق بمذكور، وضابطها أن تقع بعد فعل تعجب، أو اسم تفضيل، مفهمين حبا أو بغضا، تقول: ما أحبّني وما أبغضني، فإن قلت لفلان، فأنت فاعل الحبّ والبغض وهو مفعولهما، وإن قلت "إلى" فلان فالأمر بالعكس، وهذا شرح ما قاله ابن مالك، ويلزمه ان يذكر هذا المعنى في معاني "إلى" أيضا لما بينا، وقد مضى في موضعه.
الثّاني والثّالث: ما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية، وما يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية، ومصحوب كل منهما إمّا غير معلوم ممّا قبلها أو معلوم، لكن استؤنف بيانه تقوية للبيان، وتوكيدا له، و"اللّام" في ذلك كله متعلقة بمحذوف.
مثال المبينة للمفعولية: سقيا لزيد وجدعا له، فهذه "اللّام" ليست متعلقة بالمصدرين ولا بفعليهما المقدرين؛ لأنّهما متعديان، ولا هي مقوية للعامل لضعفه بالفرعية إن قدر أنه المصدر، أو بالتزام الحذف إن قدر أنه
الفعل؛ لأن "لام" التقوية صالحة للسقوط، وهذه لا تسقط، لا يقال: سقيا زيدا ولا جدعا إيّاه، خلافًا لابن الحاجب ذكره في شرح المفصل، ولا هي ومخفوضها صفة للمصدر فتتعلق بالاستقرار؛ لأن الفعل لا يوصف، فكذا ما أقيم مقامه، وإنّما هي "لام" مبينة للمدعو له أو عليه، إن لم يكن معلوما من سياق، أو غيره، أو مؤكدة للبيان إن كان معلوما، وليس تقدير المحذوف، أعني كما زعم ابن عصفور؛ لأنّه يتعدّى بنفسه، بل التّقدير: إرادتي لزيد.
وينبني على أن هذه "اللّام" ليست متعلقة بالمصدر، انه لا يجوز في: زيد سقيا له أن ينصب زيد بعامل محذوف على شريطة التّفسير، ولو قلنا إن المصدر الحال محل فعل دون حرف مصدري يجوز تقديم معموله عليه، فتقول: زيدا ضربا، لأن الضّمير في المثال ليس معمولا له، ولا هو من جملته.
وأما تجويز بعضهم في قوله تعالى:{والّذين كفروا فتعسا لهم}، كون الّذين في موضع نصب على الاشتغال فوهم.
وقال ابن مالك في شرح باب النّعت من كتاب التسهيل: "اللّام" في: سقيا لك، متعلقة بالمصدر، وهي للتبيين، وفي هذا تهافت؛ لأنهم إذا أطلقوا القول بأن "اللّام" للتبيين، فإنّما يريدون بها أنّها متعلقة بمحذوف استؤنف للتبيين.
ومثال المبينة للفاعلية: تبًّا لزيد وويحا له، فإنّهما في معنى خسر وهلك، فإن رفعتهما بالابتداء "فاللّام" ومجرورها خبر، ومحلهما الرّفع، ولا تبيين لعدم تمام الكلام.
فإن قلت: تبًّا له وويح، فنصبت الأول، ورفعت الثّاني لم يجز لتخالف الدّليل والمدلول عليه، إذ "اللّام" في الأول للتبيين، و"اللّام" المحذوفة لغيره.
واختلف في قوله تعالى:{أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون هيهات هيهات لما توعدون}، فقيل "اللّام" زائدة، و"ما" فاعل، وقيل الفاعل ضمير مستتر راجع إلى البعث أو الإخراج، "فاللّام" للتبيين، وقيل هيهات مبتدأ بمعنى البعد، والجار والمجرور خبر،
وأما قوله تعالى:{وقالت هيت لك}، فيمن قرأ "بهاء" مفتوحة، و"ياء" ساكنة، و"تاء" مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، فهيت اسم فعل، ثمّ قيل مسمّاه فعل ماض، أي: تهيأت، "فاللّام" متعلقة به كما تتعلّق بمسماه لو صرح به، وقيل مسمّاه فعل أمر بمعنى أقبل أو تعال، "فاللّام" للتبيين، أي: إرادتي لك، أو أقول لك، وأما من قرأ (هئت) مثل جئت، فهو فعل بمعنى تهيأت، و"اللّام" متعلقة به.
وأما من قرأ كذلك ولكن جعل "التّاء" ضمير المخاطب، "فاللّام" للتبيين مثلها مع اسم الفعل، ومعنى تهيئة تيسّر انفرادها به، لا أنه قصدها بدليل:{وراودته}، فلا وجه لإنكار الفارسي هذه القراءة مع ثبوتها واتجاهها، ويحتمل أنّها أصل قراءة هشام: {هيت} بكسر "الهاء" و"بالياء" وبفتح "التّاء"، وتكون على إبدال "الهمزة".
تنبيه
الظّاهر أن لها من قول المتنبي:
لولا مفارقة الأحباب ما وجدت ... لها المنايا إلى أرواحنا سبلا
جار ومجرور متعلق بـ وجدت، لكن فيه تعدى فعل الظّاهر إلى ضميره المتّصل، كقولك: ضربه زيد وذلك ممتنع، فينبغي أن يقدر صفة في الأصل لسبلا، فلمّا قدم عليه صار حالا منه، كما أن قوله إلى أرواحنا كذلك، إذ المعنى سبلا مسلوكة إلى أرواحنا، ولك في لها وجه غريب، وهو أن تقدره جمعا للهاة، كحصاة وحصى.
وتكون المنايا مضافا إليه، ويكون إثبات اللهوات للمنايا استعارة شبهت بشيء يبتلع النّاس، ويكون أقام اللها مقام الأفواه لمجاورة اللهوات للفم.
وأما "اللّام" العاملة للجزم فهي "اللّام" الموضوعة للطلب، وحركتها الكسر، وسليم تفتحها، وإسكانها بعد "الفاء" و"الواو" أكثر من تحريكها، نحو:{فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي}، وقد تسكن بعد "ثمّ"، نحو: {ثمّ ليقضوا} في قراءة الكوفيّين، وقالون، والبزي، وفي ذلك رد على من قال إنّه خاص بالشعر.
ولا فرق في اقتضاء "اللّام" الطلبية للجزم بين كون الطّلب أمرا، نحو:{لينفق ذو سعة}، أو دعاء، نحو:{ليقض علينا ربك}، أو التماسا، كقولك لمن يساويك: ليفعل فلان كذا، إذا لم ترد الاستعلاء عليه، وكذا لو أخرجت عن الطّلب إلى غيره، كالّتي يراد بها وبمصحوبها الخبر، نحو:{من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدا}،{اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم}، أي: فيمد، ونحمل أو التهديد، نحو:{ومن شاء فليكفر}، وهذا هو معنى الأمر في:{اعملوا ما شئتم}، وأما:{ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا}، فيحتمل "اللامان" منه التّعليل، فيكون ما بعدهما منصوبًا، والتهديد فيكون مجزومًا، ويتعيّن الثّاني في "اللّام" الثّانية في قراءة من سكنها، فيترجح بذلك أن تكون "اللّام" الأولى كذلك، ويؤيّده "أن" بعدهما{فسوف يعلمون}، وأما: {وليحكم أهل الإنجيل}، فيمن قرأ بسكون "اللّام" فهي "لام" الطّلب، لأنّه يقرأ بسكون "الميم"، ومن كسر "اللّام" وهو حمزة، فهي "لام" التّعليل؛ لأنّه يفتح "الميم"، وهذا التّعليل إمّا معطوف على تعليل آخر متصيد من المعنى؛ لأن قوله تعالى:{وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور}، معناه: وآتيناه الإنجيل للهدى والنور، ومثله:{إنّا زينا السّماء الدّنيا بزينة الكواكب وحفظا}؛ لأن المعنى: إنّا خلقنا الكواكب في السّماء زينة وحفظا، وإمّا متعلق بفعل مقدّر مؤخر، أي: ليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله أنزله، ومثله:{وخلق الله السّماوات والأرض بالحقّ ولتجزى كل نفس}، أي: وللجزاء خلقهما، وقوله سبحانه:{وكذلك نري إبراهيم ملكوت السّماوات والأرض وليكون من الموقنين}، أي: وأريناه ذلك، وقوله تعالى:{هو عليّ هين ولنجعله آية للنّاس}، أي: وخلقناه من غير أب.
وإذا كان مرفوع فعل الطّلب فاعلا مخاطبا استغني عن "اللّام" بصيغة افعل غالبا، نحو: قم، واقعد، وتجب "اللّام" إن انتفت الفاعلية، نحو: لتعن بحاجتي، أو الخطاب، نحو: ليقم زيد أو كلاهما، نحو: ليعن زيد بحاجتي، ودخول "اللّام" على فعل المتكلّم قليل، سواء أكان المتكلّم مفردا، نحو قوله عليه الصّلاة والسّلام: «قوموا فلأصل لكم»، أو معه غيره ،كقوله تعالى:{وقال الّذين كفروا للّذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم}، وأقل منه دخولها في فعل الفاعل المخاطب، كقراءة جماعة: (فبذلك فلتفرحوا)، وفي الحديث: «لتأخذوا مصافكم»،
وقد تحذف "اللّام" في الشّعر، ويبقى عملها، كقوله:
فلا تستطل مني بقائي ومدتي ... ولكن يكن للخير منك نصيب
وقوله:
محمّد تفد نفسك كل نفس ... إذا ما خفت من شيء تبالا
أي: ليكن، ولتفد، والتبال الوبال، أبدلت "الواو" المفتوحة "تاء"، مثل: تقوى.
ومنع المبرد حذف "اللّام" وإبقاء عملها حتّى في الشّعر، وقال في البيت الثّاني: إنّه لا يعرف قائله مع احتماله؛ لأن يكون دعاء بلفظ الخبر؛ نحو: يغفر الله لك، ويرحمك الله، وحذفت "الياء" تخفيفًا، واجتزئ عنها بالكسرة.
كقوله:
... دوامي الأيد يخبطن السريحا
قال وأما قوله:
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ... لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى
فهو على قبحه جائر؛ لأنّه عطف على المعنى، إذ اخمشي ولتخمشي بمعنى واحد.
وهذا الّذي منعه المبرد في الشّعر أجازه الكسائي في الكلام لكن بشرط تقدم قل وجعل، منه: {قل لعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة}، أي: ليقيموها.
ووافقه ابن مالك في شرح الكافية، وزاد عليه أن ذلك يقع في النثر قليلا بعد القول الخبري، كقوله:
قلت لبواب لديه دارها ... تأذن فإنّي حمؤها وجارها
أي: لتأذن، فحذف "اللّام"، وكسر حرف المضارعة، قال: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول ائذن. انتهى.
قيل وهذا تخلص من ضرورة لضرورة، وهي إثبات "همزة" الوصل في الوصل، وليس كذلك لأنّهما بيتان لا بيت مصرع، "فالهمزة" في أول البيت لا في حشوه، بخلافها في قوله:
لا نسب اليوم ولا خلة ... اتسع الخرق على الراقع
والجمهور على أن الجزم في الآية مثله في قولك: ائتني أكرمك، وقد اختلف في ذلك على ثلاثة أقوال:
أحدها: للخليل وسيبويه أنه بنفس الطّلب لما تضمنه من معنى "إن" الشّرطيّة، كما أن أسماء الشّرط إنّما جزمت لذلك.
والثّاني: للسيرافي والفارسي أنه بالطّلب لنيابته مناب الجازم الّذي هو الشّرط المقدر، كما أن النصب بضربا في قولك: ضربا زيدا، لنيابته عن اضرب، لا لتضمّنه معناه.
والثّالث: للجمهور، أنه بشرط مقدّر بعد الطّلب، وهذا أرجح من الأول؛ لأن الحذف والتضمين وإن اشتركا في أنّهما خلاف الأصل، لكن في التّضمين تغيير معنى الأصل، ولا كذلك الحذف، وأيضًا فإن تضمين الفعل معنى الحرف، إمّا غير واقع أو غير كثير.
ومن الثّاني لأن نائب الشّيء يؤدى معناه، والطلب لا يؤدى معنى الشّرط.
وأبطل ابن مالك بالآية أن يكون الجزم في جواب شرط مقدّر؛ لأن تقديره يستلزم ألا يتخلّف أحد من المقول له ذلك عن الامتثال، ولكن التّخلّف واقع، وأجاب ابنه بأن الحكم مسند إليهم على سبيل الإجمال لا إلى كل فرد.
فيحتمل أن الأصل يقم أكثرهم، ثمّ حذف المضاف، وأنيب عنه المضاف إليه، فارتفع واتصل بالفعل، وباحتمال أنه ليس المراد بالعباد الموصوفين بالإيمان مطلقًا، بل المخلصين منهم، وكل مؤمن مخلص قال له الرّسول: أقم الصّلاة أقامها.
وقال المبرد التّقدير: قل لهم أقيموا يقيموا، والجزم في جواب أقيموا المقدر، لا في جواب قل.
ويرده أن الجواب لا بد أن يخالف المجاب إمّا في الفعل والفاعل، نحو: ائتني أكرمك، أو في الفعل، نحو: أسلم تدخل الجنّة، أو في الفاعل، نحو: قم أقم، ولا يجوز أن يتوافقا فيهما، وأيضًا فإن الأمر المقدر للمواجهة، ويقيموا للغيبة، وقيل يقيموا مبنيّ لحلوله محل أقيموا، وهو مبنيّ وليس بشيء.
وزعم الكوفيّون وأبو الحسن أن: "لام" الطّلب حذفت حذفا مستمرا، في نحو: قم واقعد، وأن الأصل: لتقم ولتقعد، فحذفت "اللّام" للتّخفيف، وتبعها حرف المضارعة، وبقولهم أقول لأن الأمر معنى حقه أن يؤدى بالحرف، ولأنّه أخو النّهي، ولم يدل عليه إلّا بالحرف، ولأن الفعل إنّما وضع لتقييد الحدث بالزّمان المحصل، وكونه أمرا أو خبرا خارج عن مقصوده، ولأنّهم قد نطقوا بذلك الأصل،كقوله:
لتقم أنت يابن خير قريش ...
وكقراءة جماعة: (فبذلك فلتفرحوا)، وفي الحديث: «لتأخذوا مصافكم»، ولأنك تقول أغز واخش وارم واضربا واضربوا واضربي، كما تقول في الجزم، ولأن البناء لم يعهد كونه بالحذف، ولأن المحقّقين على أن أفعال الإنشاء مجرّدة عن الزّمان، كبعت وأقسمت وقبلت، وأجابوا عن كونها مع ذلك أفعالا بأن تجردها عارض لها عند نقلها عن الخبر، ولا يمكنهم ادّعاء ذلك، في نحو: قم؛ لأنّه ليس له حالة غير هذه، وحينئذٍ فتشكل فعليته، فإذا ادعي أن أصله لتقم كان الدّال على الإنشاء "اللّام" لا الفعل.
وأما "اللّام" غير العاملة فسبع:
إحداها: "لام" الابتداء.
وفائدتها أمران: توكيد مضمون الجملة، ولهذا زحلقوها في باب "إن" عن صدر الجملة كراهية ابتداء الكلام بمؤكدين، وتخليص المضارع للحال كذا قال الأكثرون، واعترض ابن مالك الثّاني بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة}، {قال إنّي ليحزنني أن تذهبوا به}، فإن الذّهاب كان مستقبلا، فلو كان الحزن حالا لزم تقدم الفعل في الوجود على فاعله مع أنه أثره، والجواب أن الحكم واقع في ذلك اليوم لا محالة فنزل منزل الحاضر المشاهد، وأن التّقدير قصد أن تذهبوا، والقصد حال، وتقدير أبي حيّان قصدكم أن تذهبوا مردود بأنّه يقتضي حذف الفاعل لأن {أن تذهبوا} على تقديره منصوب.
وتدخل باتّفاق في موضعين:
أحدهما: المبتدأ، نحو: {لأنتم أشد رهبة}.
والثّاني: بعد "إن"، وتدخل في هذا الباب على ثلاثة باتّفاق الاسم، نحو: {إن ربّي لسميع الدّعاء}، والمضارع لشبهه به، نحو: {وإن ربك ليحكم بينهم}، والظرف، نحو: {وإنّك لعلى خلق عظيم}.
وعلى ثلاثة باختلاف:
أحدها: الماضي الجامد، نحو: "إن" زيدا لعسى أن يقوم، أو لنعم الرجل.
قاله أبو الحسن ووجهه أن الجامد يشبه الاسم، وخالفه الجمهور.
والثّاني: الماضي المقرون "بقد" قاله الجمهور، ووجهه أن "قد" تقرب الماضي من الحال فيشبه المضارع المشبه للاسم، وخالف في ذلك خطاب، ومحمّد بن مسعود الغزني، وقالا إذا قيل: "إن" زيدا "لقد" قام، فهو جواب لقسم مقدّر.
والثّالث: الماضي المتصرف المجرّد من "قد" أجازه الكسائي وهشام على إضمار "قد"، ومنعه الجمهور، وقالوا: إنّما هذه "لام" القسم، فمتى تقدم فعل القلب فتحت "همزة" "ان"، كـ علمت "أن" زيدا لقام، والصّواب عندهما الكسر.
واختلف في دخولها في غير باب "إن" على شيئين:
أحدهما: خبر المبتدأ المتقدّم، نحو: لقائم زيد، فمقتضى كلام جماعة من النّحويين الجواز، وفي أمالي ابن الحاجب "لام" الابتداء يجب معها المبتدأ.
الثّاني: الفعل، نحو: ليقوم زيد: فأجاز ذلك ابن مالك والمالقي وغيرهما.
زاد المالقي الماضي الجامد، نحو:{لبئس ما كانوا يعملون}، وبعضهم المتصرف المقرون "بقد"، نحو:{ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل}،{لقد كان في يوسف وإخوته آيات}، والمشهور أن هذه "لام" القسم.
وقال أبو حيّان في:{ولقد علمتم}، هي "لام" الابتداء مفيدة لمعنى التوكيد، ويجوز أن يكون قبلها قسم مقدّر، وألا يكون انتهى.
ونصّ جماعة على منع ذلك كله، قال ابن الخباز في شرح الإيضاح: لا تدخل "لام" الابتداء على الجمل الفعلية إلّا في باب "إن". انتهى.
وهو مقتضى ما قدمناه عن ابن الحاجب، وهو أيضا قول الزّمخشريّ قال في تفسير: {ولسوف يعطيك ربك}، "لام" الابتداء لا تدخل إلّا على المبتدأ والخبر.
وقال في: (لأقسم)، هي "لام" الابتداء دخلت على مبتدأ محذوف، ولم يقدرها "لام" القسم؛ لأنّها عنده ملازمة "للنون"، وكذا زعم في: {ولسوف يعطيك ربك}، أن المبتدأ مقدّر، أي: ولأنت سوف يعطيك ربك.
وقال ابن الحاجب: "اللّام" في ذلك "لام" التوكيد، وأما قول بعضهم إنّها "لام" الابتداء، وإن المبتدأ مقدّر بعدها ففاسد من جهات، إحداها: أن "اللّام" مع الابتداء "كقد" مع الفعل، و"إن" مع الاسم، فكما لا يحذف الفعل والاسم ويبقيان بعد حذفهما، كذلك "اللّام" بعد حذف الاسم .
والثّانية: أنه إذا قدر المبتدأ في نحو: لسوف يقوم زيد، يصير التّقدير: لزيد سوف يقوم زيد، ولا يخفى ما فيه من الضعف.
والثّالثة: أنه يلزم إضمار لا يحتاج إليه الكلام انتهى.
وفي الوجهين الأخيرين نظرأ لأن تكرار الظّاهر إنّما يقبح إذا صرح بهما؛ ولأن النّحويين قدروا مبتدأ بعد "الواو"، في نحو: قمت وأصك عينه، وبعد "الفاء"، في نحو:{ومن عاد فينتقم الله منه}، وبعد "اللّام" في نحو:{لا أقسم بيوم القيامة}، وكل ذلك تقدير لأجل الصّناعة دون المعنى، فكذلك "ههنا".
وأما الأول فقد قال جماعة في:{إن هذان لساحران}، إن التّقدير: لهما ساحران، فحذف المبتدأ، وبقيت "اللّام"؛ ولأنّه يجوز على الصّحيح نحو: لقائم زيد، وإنّما يضعف قول الزّمخشريّ أن فيه تكلفين لغير ضرورة، وهما تقدير محذوف، وخلع "اللّام" عن معنى الحال لئلّا يجتمع دليلا الحال والاستقبال، وقد صرح بذلك في تفسير:{لسوف أخرج حيا}، ونظره بخلع "اللّام" عن التّعريف، وإخلاصها للتعويض في يالله، وقوله إن "لام" القسم مع المضارع لا تفارق "النّون" ممنوع، بل تارة تجب "اللّام" وتمتنع "النّون"، وذلك مع التّنفيس كالآية، ومع تقديم المعمول بين "اللّام" والفعل، نحو:{ولئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون}، ومع كون الفعل للحال، نحو:{لا أقسم}، وإنّما قدر البصريون هنا مبتدأ؛ لأنهم لا يجيزون لمن قصد الحال أن يقسم إلّا على الجملة الاسمية.
وتارة يمتنعان، وذلك مع الفعل المنفيّ، نحو:{تالله تفتأ}، وتارة يجبان، وذلك فيما بقي، نحو:{وتالله لأكيدن أصنامكم}.
مسألة
"للام" الابتداء الصدرية، ولهذا علقت العامل في: علمت لزيد منطلق، ومنعت من النصب على الاشتغال، في نحو: زيد لأنا أكرمه، ومن أن يتقدّم عليها الخبر، في نحو: لزيد قائم، والمبتدأ في نحو: لقائم زيد، فأما قوله:
أم الحليس لعجوز شهربه ...
فقيل "اللّام" زائدة، وقيل للابتداء، والتّقدير: لهي عجوز.
وليس لها الصدرية في باب "إن"، لأنّها فيه مؤخرة من تقديم، ولهذا تسمى "اللّام" المزحلقة، والمزحلقة أيضا، وذلك لأن أصل: "إن" زيدا لقائم، "لإن" زيدا قائم، فكرهوا افتتاح الكلام بتوكيدين، فأخروا "اللّام" دون "إن"؛ لئلّا يتقدّم معمول الحرف عليه، وإنّما لم ندع أن الأصل: "إن" لزيدا قائم؛ لئلّا يحول ماله الصّدر بين العامل والمعمول، ولأنّهم قد نطقوا "باللّام" مقدّمة على "إن" في نحو قوله:
... لهنك من برق عليّ كريم
ولاعتبارهم حكم صدريتها فيما قبل "إن" دون ما بعدها دليل الأول أنّها تمنع من تسلط فعل القلب على "أن" ومعموليها، ولذلك كسرت في نحو:{والله يعلم إنّك لرسوله}، بل قد أثرت هذا المنع مع حذفها في قول الهذليّ:
فغبرت بعدهم بعيش ناصب ... وإخال إنّي لاحق مستتبع
الأصل: "إنّي" للاحق، فحذفت "اللّام" بعدما علقت إخال، وبقى الكسر بعد حذفها كما كان مع وجودها، فهو ممّا نسخ لفظه، وبقي حكمه.
ودليل الثّاني أن عمل "إن" يتخطاها، تقول: "إن" في الدّار لزيدا، و"إن" زيدا لقائم، وكذلك يتخطاها عمل العامل بعدها، نحو: "إن" زيدا طعامك لآكل، ووهم بدر الدّين ابن مالك فمنع من ذلك، والوارد منه في التّنزيل كثير، نحو:{إن ربهم بهم يومئذٍ لخبير}.
تنبيه
"إن" زيدا لقام أو ليقومن، "اللّام" جواب قسم مقدّر لا "لام" الابتداء، فإذا دخلت عليها علمت مثلا فتحت "همزتها"، فإن قلت: لقد قام زيد، فقالوا هي "لام" الابتداء، وحينئذٍ يجب كسر "الهمزة"، وعندي أن الأمرين محتملان.
فصل
وإن خففت "إن"، نحو:{وإن كانت لكبيرة}،{إن كل نفس لما عليها حافظ}، "فاللّام" عند سيبويه، والأكثرين "لام" الابتداء أفادت مع إفادتها توكيد النّسبة، وتخليص المضارع للحال، الفرق بين "إن" المخففة من الثّقيلة و"إن" النافية، ولهذا صارت لازمة بعد أن كانت جائزة، اللّهمّ إلّا أن يدل دليل على قصد الإثبات، كقراءة أبي رجاء:{وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدّنيا} بكسر "اللّام"، أي: للّذي.
وكقوله:
إن كنت قاضي نحبي يوم بينكم ... لو لم تمنوا بوعد غير توديع
ويجب تركها مع نفي الخبر، كقوله:
إن الحق لا يخفى على ذي بصيرة ... وإن هو لم يعدم خلاف معاند
وزعم أبو عليّ وأبو الفتح وجماعة أنّها "لام" غير "لام" الابتداء اجتلبت للفرق، قال أبو الفتح قال لي أبو عليّ، ظننت أن فلانا نحوي محسن حتّى سمعته يقول: إن "اللّام" الّتي تصحب "إن" الخفيفة هي "لام" الابتداء، فقلت له أكثر نحويي بغداد على هذا انتهى.
وحجّتهم دخولها على الماضي المتصرف، نحو: "إن" زيد لقام، وعلى منصوب الفعل المؤخر عن ناصبه في نحو:{وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}، وكلاهما لا يجوز مع المشدّدة.
وزعم الكوفيّون أن "اللّام" في ذلك كله بمعنى "إلّا"، وأن "إن" قبلها نافية، واستدلّوا على مجيء "اللّام" للاستثناء، بقوله:
أمسى أبان ذليلا بعد عزته ... وما أبان لمن أعلاج سودان
وعلى قولهم يقال قد علمنا إن كنت لمؤمنا بكسر "الهمزة"؛ لأن النافية مكسورة دائما، وكذا على قول سيبويه لأن "لام" الابتداء تعلق العامل عن العمل، وأما على قول أبي عليّ وأبي الفتح فتفتح.
القسم الثّاني: "اللّام" الزّائدة، وهي الدّاخلة في خبر المبتدأ، في نحو قوله:
أم الحليس لعجوز شهربه
وقيل الأصل: لهي عجوز.
وفي خبر "أن" المفتوحة كقراءة سعيد بن جبير:{إلّا إنّهم ليأكلون الطّعام} بفتح "الهمزة"، وفي خبر "لكن" في قوله:
... ولكنني من حبها لعميد
وليس دخول "اللّام" مقيسا بعد "أن" المفتوحة خلافًا للمبرد، ولا بعد "لكن" خلافًا للكوفيين، ولا "اللّام" بعدهما "لام" الابتداء خلافًا له ولهم، وقيل "اللامان" للابتداء على "أن" الأصل، و"لكن" "إنّني" فحذفت "همزة" "إن" للتّخفيف، و"نون" "لكن" لذلك لثقل اجتماع الأمثال، وعلى أن "ما" في قوله:
... وما أبان لمن أعلاج سودان
استفهام، وتمّ الكلام عند أبان ثمّ ابتدأ لمن أعلاج، أي بتقدير: لهو من أعلاج.
وقيل هي "لام" زيدت في خبر "ما" النافية، وهذا المعنى عكس المعنى على القولين السّابقين، وممّا زيدت فيه أيضا خبر "زال" من قوله:
وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ... لكالهائم المقصى بكل مراد
وفي المفعول الثّاني لأرى في قول بعضهم أراك لشاتمي ونحو ذلك .
قيل وفي مفعول يدعو من قوله تعالى:{يدعو لمن ضره أقرب من نفعه}.
وهذا مردود لأن زيادة هذه "اللّام" في غاية الشذوذ، فلا يليق تخريج التّنزيل عليه.
ومجموع ما قيل في "اللّام" في هذه الآية قولان:
أحدهما: هذا وهو أنّها زائدة وقد بينا فساده.
والثّاني: أنّها "لام" الابتداء، وهو الصّحيح ،ثمّ اختلف هؤلاء فقيل إنّها مقدّمة من تأخير، والأصل: يدعو من لضره أقرب من نفعه، "فمن" مفعول، وضره أقرب مبتدأ، وخبر والجملة صلة "لمن" وهذا بعيد؛ لأن "لام" الابتداء لم يعهد فيها التّقدّم عن موضعها، وقيل إنّها في موضعها، وإن "من" مبتدأ، و {لبئس المولى} خبره، لأن التّقدير: لبئس المولى هو، وهو الصّحيح، ثمّ اختلف هؤلاء في مطلوب يدعو على أربعة أقوال:
أحدها: أنّها لا مطلوب لها، وأن الوقف عليها، وأنّها إنّما جاءت توكيدا ليدعو في قوله:{يدعو من دون الله ما لا يضرّه وما لا ينفعه}، وفي هذا القول دعوى خلاف الأصل مرّتين، إذ الأصل عدم التوكيد، والأصل ألا يفصل المؤكّد من توكيده، ولا سيما في التوكيد اللّفظيّ.
والثّاني: أن مطلوبه مقدم عليه، وهو:{ذلك هو الضلال} على أن ذلك موصول، وما بعده صلة وعائد، والتّقدير: يدعو الّذي هو الضلال البعيد، وهذا الإعراب لا يستقيم عند البصريين؛ لأن "ذا" لا تكون عندهم موصولة إلّا إذا وقعت بعد "ما" أو "من" الاستفهاميتين.
والثّالث: أن مطلوبه محذوف، والأصل: يدعوه، والجملة حال، والمعنى ذلك هو الضلال البعيد مدعوا.
والرّابع: أن مطلوبه الجملة بعده، ثمّ اختلف هؤلاء على قولين:
أحدهما: أن يدعو بمعنى يقول، والقول يقع على الجمل.
والثّاني: أن يدعو ملموح فيه معنى فعل من أفعال القلوب، ثمّ اختلف هؤلاء على قولين:
أحدهما: أن معناه يظنّ؛ لأن أصل يدعو معناه يسمّي، فكأنّه قال يسمّي من ضره أقرب من نفعه إلهًا، ولا يصدر ذلك عن يقين اعتقاد، فكأنّه قيل يظنّ، وعلى هذا القول فالمفعول الثّاني محذوف كما قدرنا.
والثّاني: أن معناه يزعم؛ لأن الزّعم قول مع اعتقاد، ومن أمثلة "اللّام" الزّائدة قولك: لئن قام زيد أقم، أو فأنا أقوم، أو أنت ظالم لئن فعلت، فكل ذلك خاص بالشعر، وسيأتي توجيهه والاستشهاد عليه.
الثّالث: "لام" الجواب، وهي ثلاثة أقسام: "لام" جواب "لو"، نحو:{لو تزيلوا لعذبنا الّذين كفروا}،{لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا}، و"لام" جواب "لولا"، نحو:{ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}، و"لام" جواب القسم، نحو:{تالله لقد آثرك الله علينا}، {وتالله لأكيدن أصنامكم}.
وزعم أبو الفتح ان "اللّام" بعد "لو" و"لولا" و"لوما" "لام" جواب قسم مقدّر، وفيه تعسف نعم الأولى في:{ولو أنهم آمنوا واتّقوا لمثوبة من عند الله خير}، أن تكون "اللّام" "لام" جواب قسم مقدّر، بدليل كون الجملة اسمية، وأما القول بأنّها "لام" جواب "لو"، وأن الاسمية استعيرت مكان الفعلية، كما في قوله:
وقد جعلت قلوص بني سهيل ... من الأكوار مرتعها قريب
ففيه تعسف.
وهذا الموضع ممّا يدل عندي على ضعف قول أبي الفتح، إذ لو كانت "اللّام" بعد "لو" أبدا في جواب قسم مقدّر لكثر مجيء الجواب بعد "لو" جملة اسمية، نحو: "لو" جاءني لأنا أكرمه، كما يكثر ذلك في باب القسم.
الرّابع: "اللّام" الدّاخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبنيّ على قسم قبلها لا على الشّرط، ومن ثمّ تسمى "اللّام" المؤذنة، وتسمى الموطئة أيضا؛ لأنّها وطأت الجواب للقسم، أي: مهدته له، نحو:{لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار}، وأكثر ما تدخل على "إن" وقد تدخل على غيرها.
كقوله:
لمتى صلحت ليقضين لك صالح ... ولتجزين إذا جزيت جميلا
وعلى هذا فالأحسن في قوله تعالى:{لما آتيتكم من كتاب}، أن لا تكون موطئة، و"ما" شرطيّة، بل للابتداء، و"ما" موصولة لأنّه حمل على الأكثر، وأغرب ما دخلت عليه "إذ"، وذلك لشبهها "بإن"، أنشد أبو الفتح:
غضبت عليّ لأن شربت بجزة ... فلإذ غضبت لأشربن بخروف
وهو نظير دخول "الفاء" في: {فإذ لم يأتوا بالشّهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}، شبهت "إذ" "بإن"، فدخلت "الفاء" بعدها كما تدخل في جواب الشّرط، وقد تحذف مع كون القسم مقدرا قبل الشّرط، نحو: {وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون}، وقول بعضهم ليس هنا قسم مقدّر، وإن الجملة الاسمية جواب الشّرط على إضمار "الفاء"، كقوله:
من يفعل الحسنات الله يشكرها ...
مردود لأن ذلك خاص بالشعر.
وكقوله تعالى:{وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسن}، فهذا لا يكون إلّا جوابا للقسم، وليست موطئة في قوله:
لئن كانت الدّنيا عليّ كما أرى ... تباريح من ليلى فللموت أروح
وقوله:
لئن كان ما حدثته اليوم صادقا ... أصمّ في نهار القيظ للشمس باديا
وقوله:
ألمم بزينب إن البين قد أفدا ... قل الثواء لئن كان الرحيل غدا
بل هي في ذلك كله زائدة كما تقدّمت الإشارة إليه.
أما الأوّلان فلأن الشّرط قد أجيب بالجملة المقرونة "بالفاء" في البيت الأول، وبالفعل المجزوم في البيت الثّاني، فلو كانت "اللّام" للتوطئة لم يجب إلّا القسم هذا هو الصّحيح، وخالف في ذلك الفراء، فزعم أن الشّرط قد يجاب مع تقدم القسم عليه.
أما الثّالث فلأن الجواب قد حذف مدلولا عليه بما قبل "إن"، فلو كان ثمّ قسم مقدّر لزم الإجحاف بحذف جوابين.
الخامس: "لام" "أل" كالرّجل والحارث، وقد مضى شرحها.
السّادس: "اللّام" اللاحقة لأسماء الإشارة للدلالة على البعد أو على توكيده على خلاف في ذلك، وأصلها السّكون كما في: تلك، وإنّما كسرت في ذلك لالتقاء الساكنين.
السّابع: "لام" التّعجّب غير الجارة، نحو: لظرف زيد، ولكرم عمرو، بمعنى "ما" أظرفه، و"ما" أكرمه، ذكره ابن خالويه في كتابه المسمّى بالجمل.
وعندي أنّها إمّا "لام" الابتداء دخلت على الماضي لشبهه لجموده بالاسم، وإمّا "لام" جواب قسم مقدّر). [مغني اللبيب: 3 / 147 - 282]
شرح علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ)
الباب الأول
ضبط حروف المعاني الأحادية
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الباب الأول
من الأبواب الخمسة التي تذكر في ضبط حروف المعاني، وتذكر فيه الحروف الأحادية، وهي التي وردت على حرفٍ واحد فقط، وهو البسيط الحقيقي في هذه الصناعة، وقد يطلق على المفرد الغير المركب من لفظين: "كان"، و"إذن"، "على رأي"، وجملة ما ورد من حروف المعاني أحادية، ثلاثة عشر حرفًا، وهي قسمان؛ لأن الحرف إما أن يكون محضًا بمعنى أنه لا يقع إلا حرفًا، أو مشاركًا نوعًا آخر أي من الأفعال والأسماء أو كلتيهما، فانحصرت في قسمين:
محضة: وهي ستة أحرف: "الهمزة"، و"الباء"، و"السين"، و"الفاء"، و"اللام"، و"الميم".
ومشاركة للاسم: وهي سبعة: "الألف"، و"التاء"، و"الكاف"، و"النون"، و"الهاء"، و"الواو"، و"الياء".
فإن قيل: إن بعض النحاة قد عدوا "الهمزة" و"الفاء" مما اشترك فيه الحرف والفعل، فإن كلًا منهما كما يكون حرفًا "كهمزة" الاستفهام و"كالفاء" العاطفة، كذلك يكون فعلًا، وقد عدوا "اللام" مع الحرف والفعل، ومع الاسم أخرى كما في المعرفة الموصولة نحو: الضارب والمضروب، فكيف عدتهن في الحروف المحضة.
فالجواب: أنا إنما نعتبر المشاركة بين الحرف وغيره من الأسماء والأفعال، أو بينهما معًا، إذا كان ذلك بحسب الوضع، وأما مشاركة الأحرف الثلاثة للفعل فإنما حصل بواسطة ما عرض لهن، ولذلك أنكر المحققون على من عد على مما اشترك فيه الأنواع الثلاثة أيضًا، وقالوا: إنه غلط؛ لأن على إذا كانت حرفًا واسمًا كانت "ألفها" أصلية، وإذا كانت فعلًا كانت "الألف" منقلبة عن "واو"، فلا مشاركة للفعل معهما أبدًا، وأما عدا "اللام" اسمًا فهو جهل، فإنما يراد به "ال" الموصولة، والتعبير عنها "باللام" غلط، بل قد أنكروا على من قال "الألف" و"اللام" أيضًا، فكما لا يعبر عن "هل" الاستفهامية "بالهاء" و"اللام"، فكذا لا يعبر عن الموصولة "بالألف" و"اللام"، وكأنما عنى هذا القائل ما نقل عن سيبويه أن "همزة" "ال" للوصل، ولذلك تطرح درجًا فاطرحها لفظًا وهو سهو، فإن سيبويه سمى هذه الكلمة "أل" وعدها في الحروف الثنائية، ومذهب الخليل أنها "همزة" أصلية، وحذفها وصلًا لطلب التخفيف لكثرة الاستعمال وهو الأرجح، وبعضهم يجعل "أل" حرفًا في كل مواقعها ويمنع وقوعها اسمًا، وجعل "أل" الموصولة باسم الفاعل واسم المفعول حرفًا، كما سيأتي في فصله، فكيف يجوز مع هذا كلى الإطلاق على "اللام" وحدها، وهل هذا إلا غلطٌ صريح). [جواهر الأدب: 5 - 6]
الفصل الخامس: من أول نوعي الحروف الأحادية المحضة حرف اللام
قال علاء الدين بن عليّ بن بدر الدين الإربلي (ت: ق8هـ): (الفصل الخامس: من أول نوعي الحروف الأحادية المحضة حرف "اللام"، وهي تخرج من أدنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه ما بينها وما يليها من الحنك إلا على ما فويق الضاحك والناب والرباعية والثنية، ويجب أن تعلم أن بعض النحاة يعبر عن "أل" المعرفة للاسم "باللام" وحدها، وليس بجيد، فإن المحققين ينكرون ذلك؛ لأن المعرف بالإجماع هو "أل"، وإنما وقع الاختلاف في أن "همزتها" أصلية من نفس الكلمة وهي مقطوعة، ولكنها تسقط درجًا طلبًا للخفة لكثرة الاستعمال، كما هو مذهب الخليل، أم زائدة للابتداء عند الابتداء بالكلمة المعرفة فتسقط درجًا للاستغناء عنها كما هو مذهب سيبويه، ففيها المذهبان، ولكن سيبويه قد سماها "أل" في كتابه، كما سماها الخليل، فالتعبير عنها "باللام" خطأ، وقد نبهنا عليه في الفصل الأول عند ذكر "الهمزة"، والمراد من "اللام" هنا إنما هي "اللام" المفردة، وهي ليست أداة التعريف، واعلم أن"اللام" لكونها حرفًا تستحق البناء لا سيما وهي على حرف واحد، وأصل المبني أن يبنى على السكون، فكان حقها البناء عليه، ولكن لما كانت معدة لصلاحية الابتداء بها، ولا يمكن الابتداء إلا بمتحرك صارت مستحقة للحركة، لكن بالنظر الثاني، وعلى مقتضى أصولهم يجب أن تحرك بالفتحة لأنها أقرب إلى السكون المستحق، وتفيد التخلص منه، وهي أخف من غيرها، لكنهم لما قسموها إلى العاملة كالجارة وإلى الهاملة كالمؤكدة أرادوا التفرقة بينهما للتمييز، ولم يكتفوا بالعمل مميزًا؛ لأنه قد لا يظهر في الكلمة إعراب، كقولك: إن الذي قام لهذا فلا يفرق بينهما إلا بحركة "اللام"، فإذا كسروها أفادت الملك، وإذا فتحوها فهي للتأكيد، وكسروا العاملة لأنها لما تغير مصحوبها بتأثره عنها غيروها في نفسها بكسرها استئناسًا في التغيير بالتغيير، فنحن أيضًا نحصر مباحثها في القسمين في بحثين.
البحث الأول: في اللام العاملة، وهي لأنها إمَّا عاملة في الأسماء أو الأفعال صنفان:
الصنف الأول: العاملة في الأسماء، ولا تعمل إلا الجر، وهو القياس؛ لأنها لا تعمل إلا إذا اختصت، وحينئذٍ فالأصل أن تعمل العمل المختص كما أشير إليه، ثم ليعلم أن بعض العرب تكسرها مطلقًا مع الظاهر والضمير، وهذا يعزى إلى خزاعة، ونقله اللحياني عن بعض العرب، وبعضهم يفتحها مطلقًا، رواه أبو عمرو في جماعة منهم يونس وأبو عبيدة، إلا مع "الياء" نحو: لي فإنهم متفقهون، على كسرها معها، ومنهم وهم الأكثرون، وهذا هو الظاهر المعمول به في رواية الجمهور، وهو أنهم يكسرون مع الظاهر ويفتحونها مع الضمير غير "الياء"، قيل: لأن الضمير برد الأشياء إلى أصولها في كثير من الأحوال، وقد بين أن أصل حركتها الفتح، فترد إليه فيقولون: المال لزيد ولك وله، وقيل: لا من اللبس، فإن صيغة المرفوع في الضمائر مباينة لصيغة المجرور؛ لأنه إذا كانت للتأكيد يقال: إن هذا لأنت، وإذا أريد الملك قيل: إن هذا لك، فلم يلقهم الفتح في اللبس، ثم إن الأكثرين يفتحونها مع الظاهر إذا كان مستغاثًا به لمشابهة الضمير، لكن بشرط أن لا يكون معطوفًا، فلو قيل: يا لزيد لعمرو، لم تفتح؛ لأنه مستغاث من أجله لا مستغاث به فبعد عن مشابهة الضمير، ويجب أن يعلم أن "لام" الجر عبر عنها سيبويه بأنها للاستحقاق، وقال الفارسي هي للتحقيق، وعبر عنها المبرد بأنها تجعل الأول لاصقًا للثاني، وذكروا لها عدة معان تنحصر في ثلاثة أصول.
الأصل الأول: المعاني التي صرحوا في "اللام" بأنها في معانيها وهي أربعة عشر معنى.
الأول: للملك إمَّا حقيقة كالوجود لله تعالى، وقوله تعالى: {لله ملك السموات والأرض}، أو مجازًا كقوله تعالى: {أما السفينة فكانت لمساكين}.
الثاني: شبه الملك كقولك: إنا لك ما دمت لي.
الثالث: التمليك كقولك: وهبت لزيد دارًا.
الرابع: شبه التمليك، كقوله تعالى: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا}.
الخامس: الاستحقاق وهو فيما يتصور له التملك نحو: الثوب للصبي السادس الاختصاص، وهو لما لا يكون كذلك نحو هذا السرج للدابة.
السابع: النسب نحو: لزيد عم، وهو لعمرو خال.
الثامن: للتعليل كقوله تعالى: {إنما نطعمكم لوجه الله}.
التاسع: للتبليغ نحو قولك: قلت، أو بنيت له، واستحببت، وفسرت لك.
العاشر: للتعجب ويجيء في القسم، كقوله:
لله يبقي على الأيام ذو حيد.
وقوله: {لإيلاف قريش إيلافهم}، على أحد إلا وجه، أي: اعجبوا لإيلاف قريش.
الحادي عشر: الاستغاثة إمَّا به وإمَّا له كقولك: يا لزيد لعمرو، وقد بينا أنها تفتح في الأولى وتكسر في الثانية، وقال ابن النحاس: ويسميها الأخفش لام الدعاء.
الثاني عشر: التفسير، كقوله تعالى: {وأمرنا لنسلم لرب العالمين}.
الثالث عشر: البيان، وهي التي تدخل اسماء الأفعال، والمصادر التي تشبهها، ونحوهما، نحو: {هيهات لما توعدون}، و{هيت لك}، وسقيا له، وما أحب زيدًا لعمرو.
الرابع عشر: الصيرورة، كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا}، وقال الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب
وبعضهم يسميها "لام" العاقبة.
الأصل الثاني: ورود "اللام" بمعنى عدة من الكلمات.
الأولى: عند، كقوله تعالى: {لا يجليها لوقتها إلا هو}، أي: عند وقتها، وقوله سبحانه: {كذبوا بالحق لما جاءهم} بتخفيف "الميم" وكسر "اللام"، وهي قراءة الجحدري، أي: عندما جاءهم.
وثانيها: بمعنى "بعد"، كقوله:
ولما تفرقنا كأني ومالكًا ...... لطول اجتماع لم نيت ليلة معا
أي: "بعد" طول اجتماع.
وثالثها: بمعنى "في"، كقوله عز وجل: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة}.
ورابعها: بمعنى "على"، كقوله تعالى: {وإذا مس الإنسان ضر دعانا لجنبه}، أي: "على" جنبه.
وخامسها: بمعنى "إلى"، كقوله تعالى: {سقناه لبلدٍ ميت}، أي: "إلى" بلد.
وسادسها: بمعنى "من"، كقول الشاعر:
ونحن لكم يوم القيامة أفضل، أي: منكم.
وقوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديد}.
وسابعها: بمعنى "مع"، كقولك: كن لي أكن لك، أي: "معي" أكن "معك"، وقول الشاعر:
ولما تفرقنا كأني ومالكًا ...... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
أي: "مع" طول اجتماع.
الأصل الثالث: "اللام" الواقعة زائدة، وهو كل موضع لو أسقطت منه لبقيت الجملة صحيحة تامة، وتنقسم زيادتها إلى قياسية وسماعية.
أما القياسية: ففي موضعين:
أحدهما: المعمول الذي قدم على عامله سواء كان فعلًا أو غيره، وسواء كان الفعل متعديًا إلى واحد أو اثنين، نحو: لزيد ضربت، ولعمرو أعطيت درهمًا.
وثانيهما: أن يكون العامل غير فعل، كقوله تعالى: {سماعون للكذب أكالون للسحت}، قال ابن مالك: ولا يفعل ذلك إلا بمتعد إلى واحد؛ إذ لو فعل ذلك بمتعد إلى اثنين لم يخل من أن يزاد فيهما معًا، فيلزم تعدية فعل واحد إلى مفعولين بحرف واحد، ولا نظير له أو يزاد في أحدهما فهو ترجيح دون مرجح، وإيهام غير المقصود.
وأما السماعية: "فكاللام" في قوله سبحانه: {ردف لكم}، فإن أصل الكلام: ردفكم، ونحوه لا يدي له، ويا بؤس للحرب فإن مذهب سيبويه أن الكلام على تقدير الإضافة، ولهذا نصب يدي، وحذفت "لامه" للإضافة، و"اللام" عنده مقحمة أدخلت بين المضافين على غير القياس.
تنبيه: قد تقع "اللام" جوابًا لعدة من الكلمات منها جواب "لو"، كقوله تعالى: {ولو علم الله فيهم خيرًا لأسمعهم} ومنها جواب "لولا"، كقوله تعالى: {لولا أن من الله علينا لخسف بنا}، ومنها وقوعها في جواب القسم في نحو قولك: والله لأفعلن، وقوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجر = لناموا فما أن من حديث ولا صالي
ومنها "اللام" الموطئة للقسم، كقوله تعالى: {لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين}.
الصنف الثاني: من صنفي "اللام" العاملة "اللام" العاملة في الأفعال، وهي أما جازمة أو ناصبة، ولا تعمل أداة في الأفعال رفعًا لما تقرر في موضعه أن ارتفاع المضارع إنما يكون عند تجرده عن العوامل اللفظية فبقي نوعا الإعراب فيها وهو الجزم والنصب.
أما الجازمة: فهي "لام" الطلب، أي: التي يطلب بها الفعل، سواء كان أمرًا، كقوله سبحانه: {لينفق ذو سعة من سعته}، أو غيره، كقوله تعالى: {ليقض علينا ربك}، وتسميتها "لام" الطلب أحسن من تسميتها "لام" الأمر، فإنهم قد قسموا طلب الفعل إلى أنواع كثيرة خصوا كل واحد منهما باسم يخصه كالإباحة، نحو: تعلم الفقه أو النحو، والتهديد نحو: { من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}، والتعجيز نحو: {فأتوا بسورة من مثله}، والتسخير نحو: {كونوا قردة خاسئين}، والإهانة نحو: {كونوا حجارة}، والتسوية نحو: {اصبروا أو لا تصبروا}، "واو" التمني نحو: ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي.
والدعاء نحو: رب اغفر لي، والالتماس كقولك: لمن يساويك رتبة أفعل، وغير ذلك كما فصل في فمن آخر، واختلفوا في أن إطلاق الأمر عليها هل هو بالاشتراك أو بالمجاز، وميل المحققين إلى أنه بالمجاز، وقد نصوا على أن حمله على المجاز أولى؛ لأنه يحوج إلى قرينة واحدة عند جعله مجازًا، وإلا فعلى الحقيقة، وعند جعله مشتركًا يحوج في كل إطلاق إلى القرينة، فالأول أولى، وهذه "اللام" يطلب بها الفعل من فاعل غير المخاطب؛ لأنهم استغنوا عن الطلب منه بصيغة الأمر، وهي كلمة أفعل، فتدخل "اللام" على الغائب نحو: هو ليفعل، وعلى الظاهر نحو: ليضرب زيد، وعلى المتكلم نحو: لنفعل، وما ما قرئ في الشاذ من قوله تعالى: (فبذلك فلتفرحوا) "بالتاء"، فلشذوذه لا عبرة به، وقيل: لغة رديئة، وقال الزجاجي لغة جيدة، وقد تقدم أن أصل حركتها الفتح، وقد كسرت عند الإعمال، وروى الفراء أن فتحها لغة سليم.
تنبيه: عملت "لام" الأمر في المضارع لوجود شرطي الأعمال، وهما الاختصاص به، وعدم التنزيل كجزئه، فكان جزمًا، قال بعضهم: حملًا له على الصيغة الموقوفة كأفعل ونحوه، قال ابن أياز: هذا يؤدي إلى حمل الإعراب على البناء، قال في الأغراب: في إيراده نظر؛ إذ المراد أنه لما وجب إعمال الجازم تحقيقًا لمعناه، وكان بعض إعرابه حركة، وبعضه قطعًا للحركة، وقد شابه الموقوف جعل إعرابه بالقطع لمشابهة الصيغة لفظًا وصورة لا لفظًا وحكمًا.
وقال أبو عيسى الجزولي: الحرف إذا اختص بنوع يجب أن يعمل العمل المختص بذلك النوع، والإعراب المختص بالفعل الجزم فعمله، ولا ينتقض "بأن" وأخواتها لما ذكر، ولذا قالوا: لا يجوز الفصل بين هذه "اللام" ومعمولها بشيء مما عمل فيه الفعل ولا بغيره، لكن يجوز أن يقدم معمول معمولها عليها نحو: زيدًا ليضرب عمرو.
وشرط بعضهم في جوازه أن يكون مما يجوز تقديمه على فعل الأمر العاري عن "اللام"، وإذا كان الأمر بغير الصيغة كقولك: ليضرب زيد، وليعن زيد بحاجتي، وكذا إن كان فعلًا لمتكلم مفرد نحو: قولك، فلأصل بكم، أو متعدد نحو: {ولنحمل خطاياكم}، لزمت "اللام" ولم تحذف إلا في الشعر، والمبرد يمنع منه، وأجاز بعضهم أن تحذف بعد القول مطلقًا نحو: قلت لزيد يضرب عمرًا، وخص الكسائي جواز حذفها بعد الأمر بالقول، نحو قوله تعالى: {قل لبعادي يقيموا الصلاة}.
وأما الناصبة: فلها فيه معنيان:
أحدهما: أن تكون بمعنى "كي"، وهي التي يؤتى بها للتعليل، نحو: أسلمت لأدخل الجنة، وكقوله عز وجل: {وليعلم الله من ينصره}، ونقل عن تميم أنهم يفتحون هذه "اللام" فيقولون: جئت لآخذ حقي.
وثانيهما: "لام" الجحود وهي الداخلة على خبر كان الناقصة، وما تصرف منها بشرط وقوعه منفيًا "بما" أو "لم"، كقوله تعالى: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم}، فلو كان الخبر مثبتًا أو منفيًا بغيرهما لم تكن هذه، وروي عن بعض العرب فتحها أيضًا، وأنه قرئ: {وما كان الله ليعذبهم}، بفتح "اللام".
تنبيه: إنما أطلقنا القول بأنهما عاملتان تسهيلًا على المبتدئ؛ لأنه يرى ترتب العمل على وجودهما فيسهل فهمه عليه ولكنهم قد اختلفوا في أن العمل لهذين "اللامين"، وأنهما الناصبان للفعل هما بنفسهما أم "بأن" مقدرة، فالبصريون حكموا بأن الناصب للفعل الداخل عليه "اللام" ليس هو "اللام"، وإنما هو "أن" مقدرة بعدها، وحجتهم أن "اللام" حرف جر داخلة للتعليل، وهي التي تدخل على المفعول له، وحرف الجر لا يعمل في الفعل فتضمر أن ليصير الفعل معها في تقدير الاسم، فتدخل "اللام" عليه، ولهذا يجوز أن تظهر أن مع "اللام" فتقول: جئت لأن تكرمني، والكوفيون حكموا بأن العمل لها نفسها، واحتجوا بوجهين أحدهما أنها بمعنى "كي"، و"كي" تعمل بنفسها، فكذلك ما هو بمعناها، وثانيهما أن جعلها جارة يفسد من جهة دخولها على الفعل، وتقدير أن لا يصحح ذلك، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: أمرتك بتكرم زيدًا مقدرًا "أن"، فيتعين أن تكون هي الناصبة، وأجيب عن الأول من وجهين: أحدهما أن "كي" حرف جر أيضًا، وأن بعدها مضمرة، فلا فرق بينهما. وثانيهما: ما ثبت من إظهار أن بعد "اللام"، ولولا تقديرها لم يجز إظهارها، ألا ترى أنك لو قلت: لن أن أضرب زيدًا، لم يجز، وأجيب عن ذلك بوجهين أيضًا: أحدهما: أنا لا نسلم كون "كي" حرف جر، وثانيهما: نسلم أن "كي" تنصب بنفسها، ولكن لم يكن "اللام" كذلك، واتفاقهما في المعنى لا يوجب اتحادهما في العمل، ألا ترى أن "أن" الناصبة للاسم مثل "أن" الناصبة للفعل في المعنى؛ إذ كل واحدة منهما مصدرية يعمل فيها ما قبلها، ولم يلزم من ذلك اتحادهما، فإن تلك تختص بالأسماء، حتى لو وقع الفعل بعدها مخففة لم تعمل فيه، بخلاف "أن" الخفيفة، ولذلك استعملت "اللام" مع صريح المصدر، ولم تستعمل "كي" معه، وإن كانوا سواء في المعنى.
وعن الثاني بالفرق، وهو أن "اللام" تدل على غرض الفاعل، وما من فاعل إلا وله غرض في الفعل، وليس كل فعل يكون له سبب تستعمل "الباء" معه، فلما كثر استعمال "اللام" جاز أن تحذف "أن" لظهور معناها، كما كثر حذف "رب" مع "الواو" و"الباء" في القسم، وحذف لا في جوابه.
البحث الثاني: في "اللام" المهملة، وهي المفتوحة وقد قدمنا أن "اللام" الجارة في أشهر اللغات تفتح عند دخولها على الضمائر غير "الياء"، وعلى المستغاث به المجاور لأداة النداء، فالمراد "باللام" المفتوحة ما عدا الجارة للظاهر، ولا تكون إلا مفتوحة، وليس لنا "لام" للتأكيد، وهي مكسورة إلا المزيدة في أسماء الإشارة، فإنها لتأكيد بعد المشار إليه، قلت: كيف يصح قولهم لتأكيد بعد المشار إليه؛ إذ يقتضي أنه كان فيه بعد قبل "اللام"، ثم أكد بها، وليس في اسم الإشارة بعد قبل زيادتها، فالأولى أن يقال: لبعد المشار إليه بإسقاط التأكيد في نحو: ذلك، وتلك، وهناك، وبعضهم يسمي هذه "اللام" "لام" البعد، قالوا: وإنما كسروها في هذه الكلمات لأنهم لو فتحوها لتوهم أن المراد تملك المخاطب المشار إليه، فتصير "اللام" للملك و"الكاف" اسم للمخاطب مجرور به، وأما في غير هذه الكلمات فهي مفتوحة، وتنحصر ضوابطها في مسائل.
المسألة الأولى: "لام" الابتداء، وهي "اللام" المقوية مدلول الجملة الخبرية المجردة، وتستحق صدر الكلام، ولهذا علقت أفعال القلوب عن العمل لكيلا يتصدرن عليها عند الإعمال، فتدخل على المبتدأ الواقع أول الجملة نحو: لزيد قائم، وعلى الخبر المقدم على المبتدأ نحو: لقائم زيد، وعلى معموله الساد مسده نحو: لعندك زيد، وشذ دخولها عليه مؤخرًا كقوله:
أم الحليس لعجوز شهر به ...... ترضى من اللحم بعظم الرقبه
المسألة الثانية: "اللام" الداخلة بعد "أن" المشددة المكسورة نحو: إن زيدًا لقائم، وهي "لام" الابتداء عند التحقيق، ودخلت على معمول "أن" لأنها أكدت المعنى المفهوم من الجملة، ولم تغيره وليعلم أن العرب اعتنت بتأكيد الكلام الخبري لتوثقه الاعتماد فيكررونه، كما في قوله تعالى: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون}، وأحسنه ما اختلف فيه المؤكد لفظً كالآية، فقصدوا عند إرادة تقوية التأكيد أن جمعوا بين "أن" و"اللام"، ولكن لم يلاصقوا بينهما بتقديم أحدهما ملاصقًا للآخر؛ لأن استثقال الجمع بين آلتي التأكيد متلاصقتين لا يتغير بتقديم وتأخير، ففرقوا بينهما بأن صدروا الكلام "بأن" وأخروا "اللام" عن مصاحبها بتوسط شيء بينهما، ورأوا تقديم "اللام" في الأصل على "أن" إبقاء لعملها لأنها لو تأخرت "اللام" لعلقت "أن" عن العمل لأنها قد علقت أفعال القلوب العاملة بالأصالة، فكانت "اللام" بتعليق "أن" أولى من تعليق علمت وأخواتها على أنهم قد نبهوا على هذا الأصل المهجور بقوله: لهنك من برق علي كريم، أي: لأنك، فلم يكن "للام" عمل فلم يكن في تقديمه محذور، وحيث نظرنا في وجوه اجتماع "أن" و"اللام" وجدناه منحصرًا في خمسة أقسام:
أحدهما: أن تدخل على اسم أن لكنهم اشترطوا أن تتوسط بين الاسم و"أن" واسطة، ولا يجوز أن تكون خبرًا حقيقة لعدم جواز تقديم خبر "أن" على اسمها، وكذلك لا يجوز أن يكون أجنبيًا، فبقي أن يكون معمول الخبر كقولك: إن عندك لزيدًا قائم، وكذا لو أسقط قائم وحمل على العامل المطلق.
وثانيها: أن تدخل على الخبر المفرد نحو: إن زيدًا لقائم أو لقائم أبوه، أو لعندك، حيث فصل بينهما، ولا تضر شدة البعد بينهما؛ لأنه نال الصدر وما بينهما، وإن طال كالساقط، كقوله:
وإني على أن قد تجشمت هجرها ...... لما ضمنتني أم سكن لضامن
وشرط صاحب التسهيل لجواز دخول "اللام" في الخبر أن لا يكون منفيًا بأداة نفي؛ لأن أول أكثر أدوات النفي "اللام" فتجتمع الأمثال الموجب للثقل، وهي: "لا"، و"لم"، و"لن"، و"ليس"، وطرد في غيرهما كما للتعميم، وقول بعضهم أنشده ابن جني رحمه الله.
وأعلم أن تسلما وتركا ...... للامتشابهان ولا سواء
شاذ لا عبرة به.
وثالثها: معمول الخبر إذا تأخر عن الاسم وتقدم على الخبر، كقولهم: إن زيدًا لطعامك أكل؛ لأن تقدمه عليه كتقدمه على الصدر المستحق للتأكيد، فسوغ دخولها عليه، ولذا لا تدخل "اللام"، لو أخر المعمول عنهما، فلا يقال: إن زيدًا أكل لطعامك.
ورابعها: الخبر الجملة إن كانت اسمية، فيجوز دخول "اللام" في المبتدأ الثاني كأن يقال: إن زيدًا لأبوه قائم، فإن قدم خبره عليه جاز لحوقها له، كقولك: إن زيدًا لعندك أبوه، ولا يجوز دخولها على الخبر وهو مؤخر عن مبتدئه، فلا يقال إن زيدًا أخوه لقائم وشذ قوله:
فإنك من حاربته لمحارب ...... شقي ومن سالمته لسعيد
ولا تدخل على الجملة الشرطية لئلا تلتبس معها "باللام" الموطئة للقسم، وأما الفعلية فإن كان فعلها ماضيًا متصرفًا فلابد من توسط قد بينهما لتقربها من الحال، ويليق به التأكيد أو كان غير متصرف "كنعم" جاز دخول "اللام" على نفس "نعم"، كقولك: إن زيدًا لقد قام، أو "لنعم" الرجل، قالوا: لأن إفادته الإنشاء المقترن بالحال شابهه بالمضارع الذي أشبه الاسم؛ لأن اقترانه "باللام" جعله للحال أيضًا، وأزال الاشتراك.
تنبيه: جوز البصريون دخول "اللام" على الجملة التي فعلها مضارع إذا صدرت بسوف لتنزلها منزلة جزء منه، ولذلك لم تعمل فيه مع اختصاصها به، فيقال: إن زيدًا لسوف يقوم؛ لأنه بمنزلة قولك: ليقوم بعد وقت، والكوفيون يمنعونه.
وخامسها: الفصل الواقع بين "أن" وخبرها، كقوله تعالى: {وإنهم لهم المنصورون}.
المسألة الثالثة: لما كانت "أن" المفتوحة يتغير المعنى معها لأنها صيرت الجملة في حكم المفرد لم يجز دخول "اللام" معها، وأنشد قطرب:
ألم تكن حلفت بالله العلي ...... أن مطاياك لمن خير المطى
بفتح "أن"، قيل: إنه شاذ، وقيل: يحتمل على حذف كلمة على من الكلام ضرورة، أي: ألم تكن تحلف على "أن" مطاياك، وقيل: على مذهب الكوفيين ؛ لأنهم يجيزون فتح "همزة" "أن" إذا وقعت في جواب القسم، وقرئ: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام} بفتح "أن" أيضًا، وقد زيدت مع كلمات أخرى.
منها: دخولها في خبر "لكن"؛ لأن الجملة معها على معنى الابتداء، فلا منافاة في الكلام، وأنشدوا:
ولكنني من حبها لعميد، وإلى جوازه ميل الأكثرين.
ومنها: ما وقع في خبر "أمسى"، كقوله:
مروا عجالى فقالوا كيف سيدكم ...... فقالوا من سألوا أمسى لمجهودا
وكذلك في خبر "ما زال"، كقول كثير:
وما زلت من ليلى لدن إن عرفتها ......لكا لهائم المقصى بكل مراد
وشبهة المجوز كون "أمسى" و"ما زال" من أخوات "كان"، وهي من المختصة بالجملة الابتدائية، كان فجوزوه، والصحيح أنه شاذ لا يقاس عليه، وكذلك وردت زيادتها في بابي المفعولين كقوله:
راوك صاح لفي ضراء مؤلمة.
وكذا دخولها على الخبر المنفي "بما"، كقوله:
وما أبان لمن أعلاج سودان.
وقد جاءت بمعنى "الفاء"، كقوله تعالى: {إذا ما مت لسوف أخرج حيًا}، أي: فسوف.
المسألة الرابعة: في "لام" القسم، وهي "لامان": موطئة، وجواب، فالموطئة أكثر دخولها على "أن" الشرطية، كقوله تعالى: {لئن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين} وهي غير "لام" الجواب؛ لأنها تدخل على نفس المقسم به نحو: لعمرك لأفعلن، ولأنها تستغنى عن "نون" التوكيد، كما في قوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة}، والواقعة جوابًا لا تدخل على نفس القسم، ولا تستغنى عن "النون"، والجواب هي الرابطة بين القسم والجملة الواقعة بعده، فإنه لما كان الجواب جملة مستقلة لم يكن لها بد من رابط بجملة القسم، وإلا صارت أجنبيه، و"اللام" هي الرابطة في أكثر أحواله، ولذلك سماها بعضهم "لام" المجازاة، فإن كان الجواب جملة اسمية، كان "اللام" فيها كافيًا، نحو: والله لزيد قائم، وقد يقصد زيادة التأكيد فيؤتى مع "اللام" "بأن"، فيقال: والله "إن" زيدًا لقائم، وقد تأتي "إن" وحدها لما تفهمه من التوكيد فيكفى في الجواب بها نحو: والله "إن" زيدًا قائم، فإن خلا الجواب عنهما كان نفيًا نحو: والله زيد قائم؛ لأنه يجوز حذف حرف النفي من الجواب دون رابط الإيجاب، فلو قلت: والله أحبك كنت باغضًا، ووالله أبغضك كنت محبًا، وإن كان جملة فعلية، فإن كان الفعل ماضيًا اكتفى فيه "باللام" وحده، فيقال: والله لقام زيد، وقد تقارنها قد فيقال: والله لقد قام زيد، وقد يستغنى بها عن "اللام"، كقوله تعالى: {قد أفلح من زكاها}، وإن كان مضارعًا، فلابد فيه من "اللام"، والأكثر مصاحبته "للنون" المؤكدة، كقولك: لأفعلن، وقل تجرده عنها، وتتمة مباحث القسم مذكورة في غير هذا الكتاب.
المسألة الخامسة: في التنبيه على بعض "اللامات" الهاملة.
فمنها: "لام" جواب "لو"، كقوله تعالى: {ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرًا لهم}، وقد تحذف هذه "اللام" اختيارًا، كقوله تعالى: {لو نشاء جعلناه أجاجا} بل يجوز حذف الجواب مطلقًا، كقوله تعالى: {ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعًا}، أي: لكان هذا القرآن.
ومنها: "لا" في جواب "لولا"، كقوله تعالى: {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلًا}.
ومنها: "لام" الإيجاب، وهي الداخلة بعد "أن" الخفيفة النافية لإثبات ما يأتي بعدها، كقوله تعالى: {وإن كنت لمن الساخرين}، وعد بعض النحاة منها "اللام"، في قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته}، ورد قوله: بأن "اللام" إنما تكون للإيجاب إذا كانت بمعنى "إلا" لتثبت ما نفي "بأن"، وهنا كان الإثبات "بإلا" نفسها، فلا يكون منها، وكأنها أتت تأكيدًا للإيجاب المعلوم من "إلا"، إلا أن الإيجاب بها، فليست إياها.
ومنها: "اللام" الفارقة، وهي الداخلة بعد الخفيفة المكسورة "الهمزة"، لتؤذن أنها المخففة من الثقيلة، وليست "أن" النافية، فإن أهملت لزمت هذه "اللام" باتفاق، وإن أعملت فقد اكتفى بعضهم بالأعمال فارقًا، وأكثر منها الأكثرون مكررًا لهذا الباب). [جواهر الأدب: 26 - 37]
شرح ابن نور الدين الموزعي (ت: 825هـ)
باب "اللام" وما أوله "اللام"
"اللام"
قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): (باب "اللام" وما أوله "اللام"
أما "اللام" فعلى ضربين: متحركة وساكنة.
فالساكنة: "لام" التعريف وقد تقدمت في باب "الهمزة".
وأما المتحركة: فعلى ثلاثة أقسام: "لام" الإضافة و"لام" الأمر و"لام" التوكيد.
فأما "لام" الإضافة فهي "لام" الجر وهي مكسورة إلا إذا دخلت على الضمير أو المستغاث للفرق بين المستغاث له والمستغاث به، ولهذا تكسر عند أمن اللبس وذلك في حال العطف كقول الشاعر:
..... يا للرجال وللشبان للعجب .....
ولها أحد وعشرون معنى:
الأول: الملك، وذلك في كل ما يقبل الملك نحو قوله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض}، ونقل عن بعض النحويين إنكار الملك بدليل قولك: هذا أخ لعبد الله، وأما قولهم: هذا الغلام لزيد، فإنما عرف الملك بدليل آخر، قال بعض المتأخرين المحققين: والظاهر أن أصل معانيها الاختصاص، وهو المعنى الثاني: وهو فيما لا يقبل الملك، ولكنه يختص به المسند إليه دون غيره من غير استحقاق نحو: الجنة للمؤمنين، والحصير للمسجد، والسرج للدابة، والقميص للعبد.
الثالث: الاستحقاق وهي الواقعة بين معنى وذات تستحق ذلك المعنى نحو: الحمد لله والعزة لله والملك لله، ونحو: {ويلٌ للمطففين}، ولما كان الاختصاص أعم من الملك لأن من ملك شيئًا فقد اختص به ولا عكس اكتفى بعضهم بذكر الاختصاص عن الملك، ولما كان الاستحقاق معنى يخالف الاختصاص قسمه المحققون إلى ثلاثة أقسام القسمين السابقين وهذا الثالث.
الرابع: التمليك، كقولك: وهبت لزيد دينارًا.
الخامس: شبه التمليك، كقوله: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا}.
السادس: التعليل، كقول امرئ القيس:
..... ويوم عقرت للعذارى مطيتي .....
ومنه قوله تعالى: {وإنه لحب الخير لشديدٌ} أي: من أجل حب المال لبخيل، وقوله تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} بكسر "اللام" في قراءة حمزة والكسائي، ومن التعليل: "اللام" الثانية في الاستغاثة كقولك: يا لزيد لعمرو، و"لام" "كي"، كقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس}.
فإن قيل: لم جاز أن يكون الفتح المبين الذي امتن الله به على نبيه صلى الله عليه وسلم سببًا للمغفرة في قوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} فالجواب عنه من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الفتح وإن كان من الله فكل فعل يفعله العبد من خير فالله الموفق له والميسر ثم يجازي عليه تكرمًا.
والثاني: أنه إشارة إلى إجابة استغفاره عند مجيء الفتح أعلمه أنه إذا جاء الفتح واستغفر غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على حد قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا فسبح بحمد ربك واستغفره}.
الثالث: ذكره قوم، والمعنى: إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا لتهتدي أنت والمسلمون فيكون سببًا للغفران.
السابع: موافقة "إلى"، كقوله تعالى: {بأن ربك أوحى لها}، وقوله تعالى: {كلٌّ يجري لأجلٍ مسمى}، وقوله تعالى: {إننا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان}.
الثامن: موافقة "على"، كقوله تعالى: {ويخرون للأذقان}، وقوله تعالى: {دعانا لجنبه}، قال الشاعر:
فشققت بالرمح الطويل ثيابه ..... فخر صريعًا لليدين وللفم
وكقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «واشترطي لهم الولاء»، أي: "عليهم"، وقال ابن النحاس: أي "من" أجلهم، ولا نعرف في العربية لهم بمعنى عليهم.
التاسع: مرادفة "في"، كقول الله سبحانه: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة} أي "في" يوم القيامة، وقوله تعالى: {لا يجليها لوقتها إلا هو}.
العاشر: مرادفة "مع"، قاله بعضهم، وأنشد قول متمم:
فلما تفرقنا كأني ومالكًا ..... لطول اجتماع لم نبت ليلةً معًا.
الحادي عشر: مرادفة "عند"، كقولهم: كتبته لخمس خلون، قال النباغة:
توهمتُ آيات لها فعرفتها ..... لستة أعوامٍ وذا العام سابعُ
أي: "عند" ستة أعوام، وجعل منه ابن جني قراءة الجحدري {بل كذبوا بالحق لما جاءهم} بكسر "اللام" وتخفيف "الميم"، وهذه "اللام" يسميها بعضهم: "لام" التاريخ.
الثاني عشر: موافقة "بعد"، كقول الله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، أي: "بعد" دلوك الشمس، وأنشد بعضهم عليه قول متمم.
الثالث عشر: موافقة "من"، نحو: سمعت له صراخًا، قال جرير:
لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغمٌ ..... ونحن لكم يوم القيامة أفضل
الرابع عشر: التبليغ، وهي الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه نحو: قلت له وأذنت له.
الخامس عشر: موافقة "عن"، كقوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه} قاله ابن الحاجب، وقيل: هي "لام" التعليل، قاله ابن مالك غيره، وقيل: "لام" التبليغ والتفت عن الخطاب إلى الغيبة، أو يكون اسم المقول لهم محذوفًا، أي: قالوا لطائفة من المؤمنين لما سمعوا بإسلام طائفة أخرى، وهذا القول حسن؛ لأنه جاء في التفسير: أن الكافرين هنا هم اليهود، قالوا ذلك في شأن عبد الله بن سلام ومن أسلم معه، وهكذا حيث دخلت "اللام" على غير المقول له، فالتأويل على بعض ما ذكرناه نحو: {قلت أخراهم لأولاهم ربنا هؤلاء أضلونا}، وقوله تعالى: {ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرًا}، وقول الشاعر:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ..... حسدًا وبغيًا إنه لدميم
السادس عشر: الصيرورة، وتسمى "لام" العاقبة، وتسمى "لام" المآل كقوله تعالى: {فالتقطه آل فرعن ليكن لهم عدوًا وحزنًا}، وكقول الشاعر:
فللموت تغذو الوالدات سخالها ..... كما لخراب الدور تبنى المساكن
وقول الآخر:
جاءت لتطعمه لحمًا ويفجعها ..... بابنٍ فقد أطعمت لحمًا وقد فجعا
وهي لم تجيء لذلك، وقول الآخر:
فإن يكن الموت أفناهم ..... فللموت ما تلدُ الوادة
وعندي في المثال الثاني نظر، فإن "اللام" في قوله: فللموت ما تلد الوالدة، للاختصاص.
وأنكر البصريون "لام" العاقبة، قال الزمخشري: والتحقيق أنها "لام" العلة وأن التعليل فيها وارد على طريق المجاز وبيانه أنه لم يكن داعية فرعون إلى الالتقاط أن يكون لهم عدوًا وحزنا، غير أن ذلك لما كان نتيجة التقاطهم وثمرته، شبه بالقصد لذلك كما شبه بالأسد من يشبه الأسد.
السابع عشر: القسم والتعجب معًا، ويختص باسم الله سبحانه كقول امرئ القيس:
لله يبقى على الأيام ذو حيدٍ ..... بمشمخر به الضيان والآس
الثامن عشر: التعجب المجرد عن القسم، وتستعمل مع النداء، كقولك: يا للعجب، وكقولهم: يا للماء ويا للعشب، والمعنى: يا عجب احضر فهذا أوانك، وقيل: معناه: يا قوم تعالوا إلى العجب، وللعجب أدعو، قال امرؤ القيس:
فيا لك من ليلٍ كأن نجومه ..... بكل مغار الفتل شدت بيذبل
وتستعمل في غير النداء كقولهم: لله دره فارسًا، ولله أنت، قال الشاعر:
شبابٌ وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ ..... فلله هذا الدهر كيف ترددا
التاسع عشر: التعدية، ذكره ابن مالك، ومثله ابن هشام بقوله: ما أضرب زيدًا لعمرو، وما أحبه لبكر.
العشرون: التوكيد، وهي "اللام" الزائدة المقوية للعوامل الضعيفة كقوله تعالى: {إن كنتم للرؤيا تعبرون}، وقوله تعالى: {فعالٌ لما يريد}، و"كاللام" المعترضة بين المتعدي ومفعوله كقول الشاعر:
وملكت ما بين العراق ويثربٍ ..... مُلكًا أجار لمسلمٍ ومعاهد
ومنه قوله تعالى: {ردف لكم}، و"كاللام" بين المتضايفين كقول الشاعر:
يا بؤس للحرب التي ..... وضعت أراهط فاستراحوا
الحادي والعشرون: التبيين، وهي "اللام" التي تبين نسبة الحكم إلى محله، كقولهم: سقيا لزيد، ورعيا "له"، وتبًا "له"، وويحًا "له"، ومنه قول الله سبحانه: {هيهات هيهات لما توعدون}، وكقوله: ما أحبني وما أبغضني "له"، فإن قلت لفلان، فأنت فاعل الحب والبغض، وإن قلت إليه فهو الفاعل.
وأما "لام" الأمر، فهي "اللام" الموضوعة للطلب كقولك: ليقم زيد، وتجزم الفعل المستقبل إذا كان الأمر للغائب، سواء كان الأمر مستعملًا في حقيقة وضعه الذي هو الطلب أم لا.
وحركتها الكسر إلا إذا وليت "الواو" و"الفاء" فاسكانها أكثر كقوله تعالى: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي}، وقد تسكن بعد "ثم"، وخصه بعضهم بالضرورة، وهو مردود لوروده في القراءات السبع في قوله تعالى: {ثم ليقضوا تفثهم}، وسليمٌ تفتح "اللام".
وربما أمر بها المخاطب، قال الشاعر:
لتقم أنت يا ابن خير قريشٍ ..... فلتقضى حوائج المسلمينا
وفي الحديث: «لتأخذوا مصافكم» ومنه قراءة من قرأ: (فبذلك فلتفرحوا)، وقد تحذف "لام" الأمر في الشعر فتعمل مضمرة، قال الشاعر:
محمد تفد نفسك كل نفسٍ ..... إذا ما خفت من شر تبالا
وقال الشاعر:
فلا تستطل مني بقائي ومدتي ..... ولكن يكن للخير منك نصيب
وقال متمم:
على مثل أصحاب البعوضة فاخمشي ..... لك الويل حر الوجه أو يبك من بكا
وكذلك تحذف "لام" الأمر المواجهة، كقول الشاعر:
قلت لبوابٍ لديه دارها ..... تيذن فإني حمؤها وجارها
فحذف "اللام" وكسر "التاء" على لغة من يقول: أنت تعلم.
وجوز الكسائي حذف "اللام" في الكلام بشرط تقدم قل، وجعل منه قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}، أي: ليقيموها، ووافقه ابن مالك، وزاد عليه وقوعه بعد القول الخبري ولكنه قليل وأنشد قوله:
قلتُ لبوابٍ لديه دارها ..... تيذن فإني حمؤها وجارها
قال: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول: ايذن، انتهى.
قال ابن هشام: قيل: وهذا تخلص من ضرورة بضرورة وهي إثبات "همزة" الوصل، قال: وليس كذلك لأنهما بيتان لا بيت واحد مصرع، و"الهمزة" في أول البيت لا في حشوه بخلافها في نحو قول الشاعر:
لا نسب اليوم ولا خُلةً ..... إتسع الخرق على الراقع
واعلم أن أبا حيان قد عاب على ابن مالك قوله في كثير من المواضع: وليس هذا بضرورة لتمكن الشاعر من أن يقول كذا، فالضرورة عنده هي: الإلجاء إلى الشيء، فعلى زعمه لا توجد ضرورة أصلًا؛ لأنه ما من ضرورة إلا ويمكن إزالتها بنظم تركيب آخر، وإنما يعنون بالضرورة: أن ذلك من تراكيبهم الواقعة في الشعر المختصة به ولا يقع في النثر من كلامهم، ولا يعني النحويون بالضرورة أنه لا مندوحة عن النطق إلا بهذا اللفظ، وما قاله أبو حيان حق وصواب.
والجمهور جعلوا الجزم في الآية على حد قولك: ائتني أكرمك.
ودخول هذه "اللام" على فعل المتكلم قليل سواء كان المتكلم واحدًا كقوله صلى الله عليه وسلم: «قوموا فلأصلي لكم» أو معه غيره كقوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم} ولكنه أكثر من فعل المخاطب.
وأما "لام" التوكيد فتنقسم إلى سبع:
الأولى: "لام" الابتداء، وفائدتها توكيد مضمون الجملة وتخليص المضارع للحال، كذا قال الأكثرون، واعترض ابن مالك المعنى الثاني بقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيامة}، وقوله تعالى: {إني ليحزنني أن تذهبوا به}، فإن الذهاب كان مستقبلًا، فلو كان حالًا لزم تقديم الفعل في الوجود على فاعله، قال ابن هشام: والجواب أن الحكم في ذلك اليوم واقع لا محالة، فنزل منزلة الحاضر المشاهد، وأن التقدير: قصد أن يذهبوا به، والقصد حال.
و"لام" الابتداء هي "اللام" الداخلة على المبتدأ نحو قوله تعالى: {لأنتم أشد رهبةً في صدورهم من الله}، وقول الشاعرة:
للبس عباءةٍ وتقر عيني ..... أحب إليَّ من لبس الشفوف
والواقعة بعد "إن"، نحو قوله تعالى: {إن ربي لسميعُ الدعاء}، وقوله تعالى: {وإن ربك ليحكم بينهم}.
وهذه "اللام" تسمى المزحلقة بفتح "اللام" و"القاف"؛ لأن أصل: إن زيدًا لقائم لأن زيدًا قائم، فكرهوا افتتاح الكلام بتوكيدين فأخروا "اللام" دون إن حتى لا يتقدم معمول الحر عليه، وسواء كانت ثقيلة أو مخففة، وزعم أبو علي الفارسي وأبو الفتح أنها غير "لام" الابتداء اجتلبت للفرق بين "إن" المخففة وبين "إن" النافية، وقد تقدم الكلام عليها في باب "إن".
وأما "اللام" الداخلة على خبر الابتداء المقدم نحو: لقائم زيد، فمقتضى كلام جماعة جوازه، ومنعه ابن الحاجب فقال في أماليه: "لام" الابتداء يجب معها الابتداء.
وكذا اختلفوا في دخولها على الفعل نحو: ليقوم زيد، فمنعه ابن الحاجب والزمخشري، وقال في قوله تعالى: {ولسوف يعطيك ربك فترضى}، "لام" الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ والخبر، وقدرها الداخلة على المبتدأ والتقدير: ولأنت سوف يعطيك، ووافقهما ابن الخباز وقال: لا تدخل "لام" الابتداء على الجمل الفعلية إلا في باب "إنّ"، وجوز ذلك ابن مالك، والمالقي، وغيرهما.
الثانية:"لام" الجحود، ومعناها توكيد النفي، وهي الواقعة بعد: "ما كان" و"لم يكن"، سواء كان مذكورًا أو مقدرًا، فالمذكور كقول الله سبحانه: {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}، وقوله تعالى: {لم يكن الله ليغفر لهم} والمقدرة كقول الشاعر:
فما جمعٌ ليغلب جمع قومي ..... مقاومةً ولا فردٌ لفرد
ولملازمتها النفي سماها أكثرهم "لام" الجحود، قال ابن النحاس: والصواب تسميتها «"لام" النفي» لأن الجحد في اللغة إنكار ما تعرفه"لا" مطلق الإنكار وهذه "اللام" مكسورة، ومن العرب من يفتح "اللام" الداخلة على الفعل ويقرأ: {وما كان الله ليعذبهم}.
الثالثة: الزائدة، وهي الداخلة في خبر "لكن"، كقول الشاعر:
..... ولكنني من حبها لعميد .....
والداخلة في خبر المبتدأ كقول الشاعر:
..... أم الحليس لعجوز شهر به .....
والداخلة في خبر "أنّ" المفتوحة كقراءة سعيد بن جبير {إلا أنهم ليأكلون الطعام} بفتح "الهمزة".
والداخلة في خبر النفي كقول الشاعر:
وما زلت من ليلى لدن أن عرفتها ..... لكالهائم المقصى بكل مراد
الرابعة: "اللام" التي في جواب "لو"، كقوله تعالى: {لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم}، وقوله تعالى: {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا}.
الخامسة: "اللام" في جواب "لولا"، كقوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}.
ودخولها لتأكيد ارتباط احدى الجملتين بالأخرى، ويجوز حذفها، قال الله تعالى: {لو نشاء جعلناه أجاجًا}.
السادسة: "لام" جواب القسم، كقوله تعالى: {وتالله لأكيدن أصنامكم}.
السابعة: "اللام" الداخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها لا على الشرط، ولهذا سميت "اللام" المؤذنة وتسمى "اللام" الموطئة؛ لأنها وطأت الجواب للقسم أي: مهدته له، ومثالها: قوله تعالى: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الأدبار}.
وقد تحذف هذه "اللام" مع كون القسم مقدرًا قبل الشرط كقوله تعالى: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}.
واختلفوا في "اللام" اللاحقة لأسماء الإشارة مثل: "تلك" و"ذلك" فقيل: تدل على البعد، وقيل: تدل على توكيد البعد). [مصابيح المغاني: 370 - 390]
شرح عبد الله بن محمد البيتوشي(ت:1211ه)
"اللام" قال عبد الله بن محمد بن إسماعيل الكردي البيتوشي (ت: 1211هـ): (
واللام قد تأتي بمعنى في، على .... ومع وعند، بعد، من وعن، إلى
سبيلنا الممات في أهل الغضى .... يا ويح صب لسبيله مضى
وكم ترى في حيهم من مُغرم .... خر صريعًا لليدين والفم
دهري لطول الأنس بيننا سعى .... حتى كأنا لم نبت ليلًا معا
راسلتُهم أشكو الجوى لعشر .... خلون من شهر الجفا والهجر
يا ربما زجرت فيهم عنسي .... لا حطَّ إلا لدلوك الشمس
بالله صاح هل ترىالحبيبا .... يسمع لي البكاء والنحيبا
دع جاهلًا قال لأهل حُبه .... لو كان خيرًا لسبقتهم به
أوحى لنا بطرفه الفتان .... فخرت القوم على الأذقان
وزده مع مفعول فعلٍ عُديا .... مؤخرٍ أو شبهه نحو ابكيا
إن كنتما لي ترحمان فالنوى .... لا شك قتالٌ لأرباب الهوى
ولن ترى في غير ذين تردُ .... زائدةً زيادةً تطردُ
وبين ما أُضيف والمضاف له .... كلا أبا لعاذلٍ وعاذلةٍ
قد وردت مقحمة فتعمل .... في راجح وقيل لا بل تهمل
وكل ما ذكرت من تأملا .... يرى للاختصاص فيه مدخلا
وكسرةُ اللام لدى خُزاعةْ .... مع مُضمرٍ كمظهرٍ مُذاعة
وبعضهم يكسر في ياللعرب .... للأسد صادتها الظبا ياللعجب
فهي لديه مُطلقًا مكسورة .... إذا أتت مع مُظهرٍ مذكورة
وفتحها إن يتلها الفعل لغة .... بها أتت قراءةٌ مُسوغة
واللام للأمر أتت مكسورة .... وفتحت سُليمٌ المشهورة
ورجح الإسكانُ في وليسعفوا .... فليعبدوا وجاز في ثم ليفوا
في سعةٍ من غير ما ضعفٍ ومن .... رأى خلاف ما ذكرته وهن).[كفاية المعاني: 251 - 253]
شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)
(حرف "اللام")
قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (حرف "اللام")
"اللام" المفردة ثلاثة أقسم: عاملة للجر، وعاملة للجزم، وغير عاملة، وعند الكوفيين: عاملة للنصب أيضًا، فالعاملة للجر مكسورة مع كل ظاهر، نحو: لزيد ولعمرو، إلا مع المستغاث المباشر "ليا"، فإنها فيه مفتوحة نحو: بالله، ومفتوحة مع كل مضمر نحو قوله: "له" ، و"لكم"، و"لنا"، إلا مع "ياء" المتكلم فمكسوة، وإذا قيل: يا "لك" ويا "لي"، احتمل كل منهما أن يكون مستغاثًا به، وأن يكون مستغاثًا من أجله.
و"للام" الجارة اثنان وعشرون معنى:
أحدها: الاستحقاق، نحو: الحمد لله، والعزة لله، ونحو: {ويل للمطففين}.
الثاني: الاختصاص، نحو: الجنة للمؤمنين، وهذا الحصير للمسجد، والمنبر للخطيب، وهذا الشعر لحبيب.
الثالث: الملك، نحو: {له ما في السماوات}، وبعضهم يستغني بذكر الاختصاص عن ذكر المعنيين الآخرين، ويمثل له بالأمثلة المذكورة ونحوها، ويرجحه أن فيه تقليلًا للاشتراك.
الرابع: التمليك، نحو: وهبت لزيد دينارًا.
الخامس: شبه التمليك، نحو: {جعل لكم من أنفسكم أزواجًا}.
السادس: التعليل، نحو: ويوم عقرت لعذارى مطيتي، وقوله تعالى: {إنه لحب الخير لشديد}، أي: من أجل حب المال بخير، ومنها "اللام" الداخلة على المضارع في نحو قوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس}، وانتصاب الفعل بعدها "بأن" مضمرة وفاقًا للجمهور، لا "بأن" أو "بكي"، خلافًا للسيرافي وابن كيسان، ولا "باللام" بطريق الأصالة خلافًا لأكثر الكوفيين.
ولك إظهار "أن"، فتقول: جئتك "لأن" تكرمني، بل قد يجب إذا اقترن الفعل "بلا" نحو: {لئلا يكون للناس عليكم حجة}.
السابع: توكيد النفي، وهي الداخلة على الفعل مسبوقة "بما""كان"، أو "لم" "يكن"، نحو: {وما كان الله ليطلعكم على الغيب}، ونحو: {لم يكن الله ليغفر لهم}، وأكثرهم يسميها: "لام" الجحود لملازمتها الجحد، أي: النفي.
قال النحاس: والصواب تسميتها "بلام" النفي؛ لأن الجحد إنكار ما تعرفه لا مطلق الإنكار، انتهى.
ومن العرب من يفتح هذه "اللام" وربما حذفت "كان" قبلها كقوله:
فما جمع ليغلب جمع قومي ..... مقاومة ولا فردًا لفرد
أي: "فما" "كان" جمع، وقول أبي الدرداء رضي الله عنه في الركعتين بعد العصر: «ما أنا لدعهما».
الثامن: موافقة "إلى"، نحو: {بأن ربك أوحى لها}، {كل يجري لأجل مسمى}، {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}.
التاسع: موافقة "على"، نحو: {ويخرون للأذقان}، {وتله للجبين}، {وإن أسأتم فلها}، قال النحاس: ولا يعرف في العربية لهم بمعنى "عليهم".
العاشر: موافقة "في"، كقولهم: مضى لسبيله، ومنه: {يا ليتني قدمت لحياتي}، وقيل: للتعليل، أي: لأجل حياتي "في" الآخرة.
الحادي عشر: أن تكون بمعنى: "عند"، كقولهم: كتبته لخمس خلون من شهر كذا.
الثاني عشر: موافقة "بعد"، نحو: {أقم الصلاة لدلوك الشمس}، وفي الحديث: «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، وكقوله:
فلما تفرقنا كأني ومالكًا ..... لطول اجتماع لم نبت ليلة معًا
الثالث عشر: موافقة "مع"، قال بعضهم: وأنشد عليه هذا البيت.
الرابع عشر: موافقة "من"، نحو: سمعت "له" صراخًا، وكقول جرير:
لنا الفضل في الدنيا وأنفك راغم ..... ونحن لكم يوم القيامة أفضل
الخامس عشر: التبليغ، وهي الجارة لاسم السامع لقول أو ما في معناه، نحو: قلت "له"، وأذنت "له"، وفسرت "له".
السادس عشر: موافقة "عن"، نحو: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرًا ما سبقونا إليه}، قاله ابن الحاجب، فإن قوله: {قال الذين كفروا للذين آمنوا}، ليس خطابًا للذين آمنوا، وإلا كانت "لام" التبليغ، وكان يقال: ما سبقتمونا بالخطاب، فلما قال: {سبقونا}، علم أن "اللام" داخلة على الغالب، أي: أن الكفار يقول بعضهم لبعض أخبارًا "عن" شأن الذين آمنوا، وقيل: "لام" التبليغ، والتفت من الخطاب إلى الغيبة، وقيل: "لام" التعليل، وعلى الأول قول الشاعر:
كضرائر الحسناء قلن لوجهها ..... حسدًا وبغيًا إنه لدميم
أي: "عن" وجهها، ويصح أيضًا أن تكون هنا تعليلية.
السابع عشر: الصيرورة، وتسمى "لام" العاقبة و"لام" المآل نحو: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنًا}، وقوله:
فإن يكن الموت أفناهم ..... فللموت ما تلد الوالدة
وأنكر البصريون وما تابعهم "لام" العاقبة، قال الزمخشري: والتحقيق أنها "لام" العلة.
الثامن عشر: القسم والتعجب معًا، وتختص باسم الله وحده، كقوله:
لله يبقى على الأيام ذو حيدٍ ..... بمشمخر به الظيان والآس
قوله: لله يبقى، أي: "لا" يبقى، كما قالوا في: {تالله تفتؤ}، أي: "لا" تفتؤ، وقوله: ذو حيدٍ، أي: عقد في قرونه، وقوله: بمشمخر، أي: بجبل مرتفع، والظيان: ياسمين البر.
التاسع عشر: التعجب المجرد عن القسم، ويستعمل في النداء نحو: ياللماء، ويا للعشب، إذا تعجبوا من كثرتهما، أي: يا هؤلاء أدعوكم لتتعجبوا من كثرتهما، ومنه قوله:
فيا لك من ليل كأن نجومه ..... بكل مغار القتل شدت بيذبل
وقولهم: يا لك رجلًا عالمًا، ولله أنت، ولله دره فارسًا، ولله هذا الدهر كيف ترددا.
العشرون: التعدية: ذكره ابن مالك في الكافية، ومثل له في شرحها بقوله تعالى: {فهب لي من لدنك وليًا}، ومثل "له" ابنه بالآية، وبقولك: قلت "له": افعل كذا، ولم يذكره في التسهيل ولا في شرحه، بل ذكر في شرحه أن "اللام" في الآية لشبه التمليك، وإنما في المثال للتبليغ، والأولى أن يمثل للتعدية بنحو: ما أضرب زيدًا لعمرو، وما أحبه لبكر.
الحادي والعشرون: التوكيد، وهي "اللام" الزائدة وهي أنواع، منها "اللام" المعترضة بين الفعل المتعدي ومفعوله، كقوله:
وملكت ما بين العراق ويثرب ..... ملكًا أجار لمسلم ومعاهد
الأصل: مسلمًا ومعاهدًا، ومنها "اللام" المسماة بالمقحمة وهي المعترضة بين المتضايفين كما في قولهم: يا بؤس للحرب، والأصل: يا بؤس الحرب، قال الشاعر:
يا بؤس للحرب التي ..... وضعت أراهط فاستراحوا
ومن ذلك قولهم: "لا" أبا لزيد و"لا" أخا "له"، و"لا" غلامى "له" على قول سيبويه، ومنها "اللام" المسماة "لام" التقوية، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعيف نحو: {إن كنتم للرؤيا تعبرون}، ونحو: {مصدقًا لما معهم}، {فعال لما يريد}، {نزاعة للشوى}، ونحو: ضربي لزيد حسن، وأنا ضارب لعمرو، وأما قول الشاعر:
أحجاج لا تعطى العصاة مناهم ..... ولا الله يعطي للعصاة مناها
فشاذ لقوة العامل، ومنها "لام" المستغاث عند المبرد وابن خروف؛ بدليل اسقاطها، وقال جماعة: غير زائدة، وزعم الكوفيون أن"اللام" في المستغاث بقية اسم، وهو "آل"، والأصل: يا "آل" زيد، واستدلوا عليه بقوله:
فخير نحن عند الناس منكم ..... إذا الداعي المثوب قال يالا
(تنبيه): إذا قيل: يا لزيد، بفتح "اللام" فهو مستغاث، فإن كسرت فهو مستغاث لأجله، والمستغاث محذوف، فإن قيل: يا لك، احتمل الوجهين.
ثم إنهم كما زادوا "اللام" في بعض المفاعيل المستغنية عنها، كما تقدم، كذلك عكسوا فحذفوها من بعض المفاعيل المفتقرة إليها، كقوله تعالى: {والقمر قدرناه منازل}، أي: قدرنا "له"، {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون}، أي: كالوا "لهم" ووزنوا "لهم"، وقالوا: وهبتك دينارًا وصدتك ظبيًا وجنيتك ثمرة، قال الشاعر: ولقد جنيتك أكمؤًا وعساقلا، وقال آخر:
فتولى غلامهم ثم نادى ..... أظليمًا أصيدكم أم حمارًا.
الثاني والعشرون: التبيين، وهو ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يبين المفعول من الفاعل، وضابطها أن تقع بعد فعل تعجب أو اسم تفضيل مفهمين حبًا أو بغضًا، تقول: ما أحبني وما أبغضني، فإن قلت لزيد فأنت فاعل الحب والبغض، وزيد مفعولهما، وإن قلت إلى زيد فالأمر بالعكس، هذا شرح ما قاله ابن مالك.
والنوع الثاني والثالث ما يبين فاعلية غير ملتبسة بمفعولية، وما يبين مفعولية غير ملتبسة بفاعلية، مثال المبنية للمفعولية: سقيا لزيد وجدعا "له"، ولا تسقط فلا يقال: سقيا زيدًا و"لا" جدعا زيدا خلافًا لابن الحاجب، ومثال المبنية للفاعلية: تبًا لزيد، وويحًا "له"، فإنها في معنى: خسر وهلك، قلت: قوله تبًا لزيد يحتمل أنه من التب بمعنى القطع، وهو أصل المعنى، ومثله: بت، فيكون كقوله جدعا، وإنما قلت اصل المعنى لأن التب الذي بمعنى الخسار مسبب عن القطع.
القسم الثاني: "اللام" العاملة للجزم، وهي الموضوعة للطلب نحو: ليضرب، وحركتها الكسر، وسليم تفتحها، وإسكانها بعد "الواو" و"الفاء" أكثر من تحريكها، نحو: {فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي}، وقد تسكن بعد "ثم"، نحو: {ثم ليقضوا تفثهم} في قراءة الكوفيين، وفي ذلك رد على من قال: إنه خاص بالشعر، ودخول "اللام" على فعل المتكلم قليل، وسواء كان المتكلم مفردًا، كقوله عليه الصلاة والسلام: «قوموا فلاصل لكم أم معه غيره»، كقوله تعالى: {وقال الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم}، وأقل منه دخولها في فعل المخاطب كقراءة جماعة: (فبذلك فلتفرحوا)، وفي الحديث: «لتأخذوا مصافكم»، وقد تحذف "اللام" في الشعر ويبقى عملها، كقوله:ب
فلا تستطل مني بقائي ومدتي ..... ولكن يكن للخير منك نصيب
وقوله: محمد تفد نفسك كل نفس ..... إذا ما خفت من شيء تبالا
أي: ليكن ولتفد. ومنع المبرد حذف "اللام" وبقاء عملها حتى في الشعر، وهذا الذي منعه المبرد في الشعر، أجازه الكسائي في الكلام، ولكن بشرط تقدم لفظ قل، وجعل منه: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة}، أي: ليقيموا، ووافقه ابن مالك في شرح الكافية وزاد عليه: أن ذلك يقع في النثر قليلًا بعد القول الخبري من دون اشتراط الطلب، كقوله:
قلت لبواب لديه دارها ..... تئذن فإن حموها وجارها
أي: لتأذن، فحذف "اللام" وكسر حرف المضارعة، قال: وليس الحذف بضرورة لتمكنه من أن يقول: ائذن؛ لأن الضرورة ما ليس للشاعر عنه مندوحة، وكل ما جاز اختيارًا في الشعر جاز نثرًا، قيل: وهذا تخلص من ضرورة بضرورة، وهي إثبات "همزة" الوصل في الدرج، وليس هذا الاعتراض صحيحًا؛ لأنهما بيتان لا بيت مصرع، و"الهمزة" في أول البيت لا في حشوه، بخلافها في نحو قوله:
لا نسب اليوم ولا خلة ..... اتسع الخرق على الراقع
قال العلامة الشارح: بل لو قلنا: إنه بيت كامل، فالشطر يقف عليه، ويبتدئ بالشطر الذي بعده، "فهمزة" الوصل مثبتة في الابتداء لا في الدرج، والجمهور على أن الجزم في الآية مثله في قولك: ائتني أكرمك، وزعم الكوفيون وأبو الحسن أن "لام" الطلب حذفت حذفًا مستمرًا في نحو: قم واقعد، وان الأصل: لتقم ولتقعد، فحذفت "اللام" للتخفيف، وتبعها حرف المضارعة.
قال ابن هشام: وبقولهم أقول: لأن الأمر أخو النهي، فحقه أن يدل عليه بالحرف، ولأنهم قد نطقوا بذلك الأصل كقوله:
لتقم أنت يا ابن خير قريش ..... كي لتقضي حوائج المسلمينا
وكقراءة جماعة: (فبذلك فلتفرحوا)، وفي الحديث: «لتأخذوا مصافكم».
القسم الثالث: "اللام" غير العاملة، وتدخل في الابتداء نحو: {لأنتم أشد رهبة}، وبعد "أن"، نحو: {إن ربي لسميع الدعاء}، {وإن ربك ليحكم بينهم}، {وإنك لعلى خلق عظيم}، وهذا باتفاق، وتدخل أيضًا باختلاف على الفعل الجامد نحو: زيد لعسى يقوم، أو "أن" زيدًا لنعم الرجل، قاله أبو الحسن، ووجهه أن الجامد يشبه الاسم، وخالفه الجمهور.
وعلى الماضي المقرون "بقد" نحو: إن زيدًا "لقد" قام، وخالف في ذلك قوم فقالوا: إن "اللام" هنا جواب لقسم مقدر، وعلى الماضي المتصرف المجرد من "قد" أجازه الكسائي وهشام على إضمار "قد"، ومنعه الجمهور، وقالوا: إنما هذه "لام" القسم، واختلف في دخولها في غير باب "أن" على شيئين:
أحدهما: خبر المبتدأ المقدم نحو: لقائم زيد، فاقتضى كلام الجماعة الجواز.
والثاني: الفعل نحو: ليقوم زيد، أجاز ذلك ابن مالك والمالقي وغيرهما زاد الماضي الجامد نحو: {لبئس ما كانوا يعملون}، وبعضهم الفعل المتصرف المقرون "بقد" نحو: {ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل}، والمشهور: أن هذه "لام" القسم، وقال أبو حيان في: {ولقد علمتم} هي "لام" الابتداء مفيدة لمعنى التوكيد، ويجوز أن يكون قبلها قسم مقدر، وأن لا يكون انتهى.
ونص جماعة على منع ذلك كله، وهو أيضًا قول الزمخشري، فإنه قال في تفسير: {ولسوف يعطيك ربك} "لام" الابتداء لا تدخل على المبتدأ والخبر، وقال ابن الخباز: لا تدخل "لام" الابتداء على الجملة الفعلية في باب "أن"، وقال ابن الحاجب: إنها "لام" التوكيد، وقول الشاعر: أم الحليس لعجوز شهر به.
قيل: "اللام" زائدة، وقيل: للابتداء، والتقدير: لهي عجوز، وليس لها الصدرية في باب "أن"؛ لأنها فيها مؤخرة من تقديم، ولهذا تسمى المزحلقة، وذلك أن أصل "أن" زيدًا لقائم، لأن زيدًا قائم، فكرهوا افتتاح الكلام بتوكيدين، وقد نطقوا بها على الأصل، كما في قوله:
ألا يأسنا برق على قلل الحمى ..... لهنك من برق على كريم
وتقول: "إن" في الدار لزيدًا، و"أن" زيدًا القائم، و"أن" زيدًا طعامك لآكل.
ثم إن "اللام" الزائدة تدخل في خبر المبتدأ، كما مر في قوله: أم الحليس لعجوز شهر به، وفي خبر "أن" المفتوحة كقراءة سعيد بن جبير: {إلا أنهم ليأكلون الطعام}، بفتح "الهمزة"، وفي خبر "لكن"، كقوله: و"لكنني" من حبها لعميد، وليس دخلوها مقيس بعد "أن" المفتوحة خلافًا للمبرد، ولا بعد، لكن خلافًا للكوفيين، ومما زيدت فيه أيضًا خبر "زال"، كما في قوله:
وما زلت من ليلى لدن أي عرفتها ..... لكالهائم المقصي بكل مراد
وفي المفعول الثاني لأرى، كقول بعضهم: أراك لشاتمي، وفي جواب "لو" نحو: {لو كان فيهما آلة إلا الله لفسدتا}، وكذلك في جواب "لولا" نحو: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}، وفي جواب القسم نحو: {تالله لقد آثرك الله علينا}، {وتالله لأكيدن أصنامكم}، وكذا في جواب "لوما". ومنها "اللام" الداخلة على أداة شرط للإيذان بأن الجواب بعدها مبني على قسم قبلها، ومن ثم تسمى "اللام" المؤذنة، وتسمى أيضًا: "اللام" الموطئة؛ لأنها وطأت الجواب للقسم، نحو: {لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم}، وأكثر ما تدخل على "أن"، وقد تدخل على غيرها، كقوله:
لمتى صلحت ليقضين لك صالح ..... ولتجزين إذا جزيت جميلًا
ومن ذلك زيادتها في نحو: الحارث، والحسن للمح الصفة، وفي أسماء الإشارة الدالة على البعد أو على توكيده، وأصلها السكون، كما في تلك.
وفي التعجب، وهي غير الجارة نحو: لظرف زيد، ولكرم عمرو، بمعنى: ما أظرف زيدًا وما أكرم عمرًا، ذكرها ابن خالويه، وفيه نظر.
"لا": على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون نافية، وهي على خمسة أقسام:
الأول: أن تكون عاملة عمل "أن"، وذلك إذا أريد بها نفي الجنس، وتسمى "لا" التبرئة نحو: "لا" صاحب جود ممقوت، ويبنى اسمها معها على الفتح نحو: "لا" رجل في الدار و"لا" رجال، ومنه: {لا تثريب عليكم}، وعلى "الياء" في المثنى والجمع نحو: "لا" رجلين و"لا" قائمين.
والثاني: أن خبرها لا يتقدم على اسمها، ولو كان ظرفًا أو مجرورًا.
والثالث: أنه يجوز مراعاة محلها مع اسمها قبل مضي الخبر وبعده، فيجوز رفع النعت والمعطوف نحو: "لا" رجل ظريف فيها، و"لا" رجل و"لا" امرأة فيها.
والرابع: أنه يجوز إلغاؤها إذا تكررت نحو: "لا" حول و"لا" قوة إلا بالله، فلك فتح الاسمين ورفعهما والمغايرة بينهما.
والخامس: أن يكثر حذفه خبرها إذا علم، نحو: {قالوا لا ضير}، وقد تكون عاملة عمل "ليس" فترفع الاسم وتنصب الخبر، كما في قوله:
تعز فلا شيء على الأرض باقيا ..... ولا وزر مما قضى الله واقيا
(تنبيه): إذا قيل: "لا" رحل بالفتح، تعين كونها نافية للجنس، ويقال في توكيده: "بل" امرأة.
وإن قيل بالرفع تعين كونها عاملة عمل "ليس"، واحتمل أن تكون لنفي الجنس، وأن تكون لنفي الوحدة، ويقال في توكيده على الأول: "بل" امرأة، وعلى الثاني: "بل" رجلان أو رجال، وغلط كثير من الناس فزعموا أن العاملة عمل "ليس" لا تكون إلا نافية للوحدة، ويرد عليهم:
تعز فلا شيء على الأرض باقيًا ... البيت.
قال في المصباح: وإذا دخلت على الماضي نحو: والله "لا" قمت، قلبت معناه إلى الاستقبال، وصار المعنى: والله "لا" أقوم، فإذا أريد الماضي قيل: والله "ما" قمت.
وقد جاءت بمعنى "لم"، كقوله تعالى: {فلا صدق ولا صلى} وجاءت بمعنى "ليس"، نحو: {لا فيها غول}، أي: "ليس" فيها.
ومنه قولهم: "لاها" الله ذا، أي: "ليس" والله ذا، والمعنى: لا يكون هذا الأمر.
ومن أقسامها المعترضة بين الجار والمجرور نحو: جئت "بلا" زاد، وغضبت من "لا" شيء، وعن الكوفيين أنها اسم، وأن الجار دخل عليها نفسها، وأن ما بعدها خفض بالإضافة، وغيرهم يراها حرفًا ويسميها زائدة.
قال الحريري في درة الغواص: إذا أجابوا المستخبر عن شيء "بلا" النافية عقبوها بالدعاء له، فيستحيل الكلام إلى الدعاء عليه، كما روي «أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه رأى رجلًا بيده ثوب فقال له: أتبيع هذا الثوب فقال: لا، عافاك الله، فقال: قد علمتم لو تتعلمون، هلا قلت: وعافاك الله}.
وقال المبرد في الكامل: يقال مرعي و"لا" كالسعدان، وفتى، و"لا" كمالك، وماء، و"لا" كصدا تضرب هذه الأمثال للشيء الذي فيه فضل، وغيره أفضل، كقولهم: ما من طامة "إلا" وفوقها طامة، أي: ما من داهية "إلا" وفوقها داهية، وصدا يمد، وبعضهم يقول: صُدى.
الوجه الثاني: أن تكون عاطفة، ولها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يتقدمها إثبات: كجاء زيد "لا" عمرو، أو أمر: كأضرب زيدًا "لا" عمرًا، أو نداء نحو: يا ابن أخي "لا" ابن عمي.
وزعم ابن سعد أن هذا ليس من كلامهم.
الثاني: أن "لا" تقترن بعاطف، فإذا قيل: جاءني زيد "لا" "بل" عمرو، فالعاطف "بل"، و"لا" رد لما قبلها، وليست عاطفة، وإذا قلت: ما جاءني زيد "و""لا" عمرو، فالعاطف "الواو"، و"لا" توكيد للنفي.
والثالث: أن يتعاند متعاطفها، فلا يجوز: جاءني رجل "لا" زيد؛ لأنه يصدق على زيد اسم الرجل، بخلاف: جاءني رجل إلى امرأة، وقد تكون جوابًا مناقضًا لنعم، وهذه تحذف الجمل بعدها كثيرًا، يقال: أجاءك زيد فتقول: "لا"، والأصل: "لا" لم يجيء.
ويجب تكرارها إذا دخلت على مفرد خبر أو صفة أو حال، نحو: زيد "لا" شاعر و"لا" كاتب، وجاء زيد "لا" ضاحكًا و"لا" باكيًا، ونحو: {إنها بقرة لا فارض ولا بكر}، وإن كان ما دخلت عليه فعلًا مضارعًا لم يجب تكرارها نحو: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول}، ويتخلص المضارع بها للاستقبال عند الأكثرين ، وخالفهم ابن مالك لصحة قولك: جاء زيد "لا" يتكلم بالاتفاق، وتكون موضوعة لطلب الترك، وتختص بالدخول على المضارع، وتقتضي جزمه سواء كان المطلوب منه مخاطبًا نحو: {لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}، أو غائبًا نحو: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء}، أو متكلمًا نحو: "لا" أرينك هنا، والأصل: "لا" تكن هنا فأراك، ويدخل في الطلب النهي، كما في الآيات والدعاء، كقوله تعالى: {ربنا لا تؤاخذنا} والالتماس كقولك لنظيرك غير مستعل عليه: "لا" تفعل كذا.
الوجه الثالث: أن تكون زائدة لمجرد توكيد الكلام نحو: {ما منعك أن لا تسجد} ويوضحه الآية الأخرى: {ما منعك أن تسجد}، ومنه: {لئلا يعلم أهل الكتاب}، أي: ليعلموا، ومنه قول الشاعر:
وتلحينني في اللهو أن لا أحبه ..... وللهو داع دائب غير غافل
واختلف فيها في مواضع من التنزيل:
أحدها: قوله تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة}، فقيل: هي نافية، والمنفي شيء تقدم، وهم إنكارهم للبعث، فقيل لهم: ليس الأمر كذلك، وقيل: إنها زائدة لمجرد التوكيد.
والثاني: قوله تعالى: {قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم أن لا تشركوا به شيئًا}، فقيل: أن "لا" نافية، وقيل: ناهية، وقيل: زائدة، والجميع محتمل.
والثالث: قوله تعالى: {وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون} فقيل: إنها زائدة، وقيل: نافية، وكذلك في قوله تعالى: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}.
قال في المصباح: وقد تكون "لا" زائدة نحو: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة}، {وما منعك أن لا تسجد}، أي: من السجود إذ لو كانت غير زائدة لكان التقدير: ما منعك من عدم السجود، فيقتضي أنه سجد، والأمر بخلافه.
وتكون مزيلة للبس عند تعدد المنفي نحو: ما قام زيد و"لا" عمرو، إذ لو حذفت لجاز أن يكون المعنى نفي الاجتماع، ويكون قد قاما في وقتين، فإذا قيل: ما قام زيد و"لا" عمرو، زال اللبس وتعلق النفي بكل واحد منهما، ومثله: "لا" تجد زيدًا وعمرًا قائمًا، فنفيهما جميعًا "لا" تجد زيدًا و"لا" عمرًا قائمًا.
وتكون للدعاء نحو: "لا" سلم، وتكون عوضًا عن الفعل نحو قولهم: أما "لا" فافعل هذا، فالتقدير إن لم تفعل ذلك فافعل هذا.
"لا" بأس به: أي: "لا" شدة به، و"لا" بأس عليك، أي: "لا" خوف عليك، وفي العيني: "لا" بأس فيه "لا" حرج.
"لا" أبًا لك: قيل: هي كلمة مدح، أي: أنت شجاع مستغن عن أب ينصرك، وقيل: هي كلمة جفاء، تستعملها العرب عند أخذ الحق والإغراء، أي: "لا" أبًا لك إن لم تفعل، وعن الازهري: إذا قال: "لا" أبًا لك، لم يترك من الشتيمة شيئًا، أي: "لا" يعرف له أب؛ لأنه ولد زناء.
"لابد": من فعل كذا، أي: "لا" فراق، وحاصله الوجوب، وعبارة القاموس: "لا بد" "لا" فراق و"لا" محالة.
قلت: "لابد" من أن يكون كذا، و"لابد" وأن يكون، "فالواو" هنا بمعنى: من كذا في الكليات، نقلًا عن السيرافي.
"لات": تقدم الكلام عليها في النواسخ، والمراد هنا أنها وجدت في الإمام وهو مصحف عثمان رضي الله عنه متصلة بحين، في قوله تعالى: {ولات حين مناص} واستدل أبو عبيدة بأنها كلمة وبعض كلمة، وذلك أنها "لا" النافية و"التاء" زائدة في أول الحين.
قال ابن هشام: و"لا" دليل فيه، فكم في خط المصحف من أشياء خارجة عن القياس، ويشهد للجمهور أنه يوقف عليها "بالتاء" و"الهاء" وأنها رسمت منفصلة عن الحين، وأن "التاء" قد تكسر على حركة التقاء الساكنين وهو معنى قول الزمخشري، وقرئ بالكسر على البناء "كجير" انتهى.
"لا جرم": هو اسم مبني على الفتح مثل: "لا بد" لفظًا ومعنى، أي: "لا" ينقطع في وقت، فيفيد معنى الوجوب، يعني: وجب وحق.
"لا محالة": أي: "ليس" له محل حوالة، فكان ضروريًا، وأكثر ما يستعمل بمعنى الحقيقة واليقين أو بمعنى "لابد".
"لا مرحبًا به": دعاء عليه، تقول لمن تدعو له: مرحبًا، أي: أتيت رحبًا "لا" ضيقًا، ثم تدخل عليه "لا" لعكس المعنى.
"لدى"، و"لدن": تقدم الكلام عليهما في شرح "عند" فراجعهما هناك.
"لعل": حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، قال بعض أصحاب الفراء: وقد تنصبهما، وزعم يونس أن ذلك لغة لبعض العرب، وحكى:"لعل" أباك منطلقًا، وتأويله على إضمار يوجد، أو يكون، وقد مر أن عقيلًا يخفضون بها المبتدأ، كقوله: "لعل" أبي المغوار منك قريب.
وتتصل "بلعل" "ما" الحرفية فتكفها عن العمل، كقوله:
أعد نظرًا يا عبد قيس لعلما ..... أضاءت لك النار الحمار المقيدا
ولها عدة معان:
أحدها: التوقع، وهو ترجي المحبوب، نحو: "لعل" الحبيب قادم، والإشفاق من المكروه نحو: "لعل" الرقيب قريب، وتختص بالممكن.
والثاني: التعليل، أثبته جماعة منهم الأخفش والكسائي، وحملوا عليه: {فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى}، ومن لم يثبت ذلك يحمله على الرجاء.
والثالث: الاستفهام، أثبته الكوفيون نحو: {وما يدريك لعله يزكى}، ويقترن خبرها "بأن" كثيرًا حملا على "عسى"، كقوله: "لعلك" يومًا "أن" تلم ملمة.
وبحرف التنفيس قليلًا كقوله:
فقولا له قولًا رفيقًا لعلها ..... سترحمني من زفرة وعويل
ولا يمتنع كون خبرها فعلًا ماضيًا خلافًا للحريري، وفي الحديث: «وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم».
وقول الشاعر:
لعل منايانا تحولن أبؤسًا.
وقول الآخر:
لعلما أضاءت لك النار الحمار المقيدا.
"لكن": مشدة "النون" حرف ينصب الاسم ويرفع الخبر، وفي معناها ثلاثة أقوال.
أحدها: الاستدراك، وهو المشهور وهو أن تنسب لما بعدها حكمًا مخالفًا لحكم ما قبلها بأن يتقدمها كلام مناقض لما بعدها نحو: ما هذا ساكنًا "لكنه" متحرك، أو ضد له نحو: ما هذا أبيض "لكنه" أسود، وقيل: أو خلاف نحو: ما زيد قائمًا "لكنه" شارب، وقيل: لا يجوز ذلك.
والثاني: أنها ترد تارة للاستدراك وتارة للتوكيد، قاله جماعة، وفسروا الاستدراك برفع ما توهم ثبوته نحو: ما زيد شجاعًا "لكنه" كريم؛ لأن الشجاعة والكرم لا يكادان يفترقان، فنفي أحدهما يوهم انتفاء الآخر، وما قام زيد "لكن" عمرًا قام، وذلك إذا كان بين الرجلين تلابس أو تماثل في الطريقة، ومثل التوكيد بنحو: لو جاءني أكرمته "لكنه" لم يجيء، فأكدت ما أفادته لو من الامتناع.
والثالث: أنها للتوكيد دائمًا مثل "أن"، ويصحب التوكيد معنى الاستدراك، وهو قول ابن عصفور قال في المقرب "أن" و"إن" و"لكن"، معناها التوكيد ولم يزد على ذلك.
وقال في الشرح: معنى "لكن" التوكيد، وتعطى مع ذلك معنى الاستدراك، ويذهب البصريون إلى أنها بسيطة، وقال الكوفيون مركبة من "لا"، و"أن" و"الكاف" تشبيهية، وقد جاءت في شعر بدون "النون" كقوله: ولاك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل.
وجاءت أيضًا محذوفة الاسم كقوله:
فلو كنت ضبيًا عرفت قرابتي ..... ولكن زنجيًا عظيم المسافر
أي: و"لكنك"، وعليه بيت المتنبي:
وما كنت ممن يدخل العشق قلبه ..... ولكن من يبصر جفونك يعشق
وبيت الكتاب:
ولكن من لا يلق أمرًا ينوبه ..... بعدته ينزل به وهو أعزل
ولا تدخل "اللام" في خبرها خلافًا للكوفيين احتجوا بقوله: و"لكنني" من حبها لعميد، ولا يعرف له قائل ولا تتمة ولا نظير.
"لكن": ساكنة "النون" ضربان: مخففة من الثقيلة وهي حرف ابتداء لا يعمل خلافًا للأخفش ويونس وخفيفة بأصل الوضع، فإن وليها كلام فهي حرف ابتداء لمجرد إفادة الاستدراك وليست عاطفة.
ويجوز أن تستعمل "بالواو"، ونحو: {ولكن كانوا هم الظالمين} وبدونها نحو قوله: و"لكن" وقائعه في الحرب تنتظر.
وزعم ابن الربيع أنها حين اقترانها "بالواو" عاطفة جملة على جملة، وأنه ظاهر قول سيبويه، وإن وليها مفرد فهي عاطفة بشرطين:
أحدهما: أن يتقدمها نفي أو نهي نحو: ما قام زيد "لكن" عمرو، ولا يقم زيد "لكن" عمرو.
فإن قلت: قام زيد ثم جئت "بلكن" جعلتها حرف ابتداء، فجئت بالجملة فقلت: "لكن" عمرو لم يقم. وأجاز الكوفيون "لكن" عمرو، فجوزوا إيلاءها الخبر المثبت على العطف.
الشرط الثاني: أن لا تقترن "بالواو"، قاله أكثر النحويين، وقال قوم: لا تستعمل مع المفرد إلا "بالواو"، واختلف في نحو: ما قام زيد و"لكن" عمرو، على أربعة أقوال:
فقال يونس: أن "لكن" غير عاطفة و"الواو" عاطفة مفردًا على مفرد.
وقال ابن مالك: أن "لكن" غير عاطفة و"الواو" عاطفة جملة حذف بعضها على جملة صرح بجميعها، قال: فالتقدير في نحو: ما قام زيد و"لكن" عمر، و"لكن" قام عمرو.
وقال ابن عصفور: أن "لكن" عاطفة و"الواو" زائدة.
وقال ابن كيسان: أن "لكن" عاطفة و"الواو" زائدة لازمة، وسمع ما مررت برجل صالح "لكن" طالح بالخفض، فقيل على العطف، وقيل بجار مقدر، أي: "لكن" مررت بطالح.
"لم": لنفي المضارع وقلبه ماضيًا نحو: {لم يلد ولم يولد} الآية، وهو من الجوازم، وقد يرتفع الفعل بعدها كقوله: يوم الصليفاء لم يوفون بالجار.
فقيل: ضرورة، وقال ابن مالك لغة. وزعم اللحياني أن بعض العرب ينصب بها كقراءة بعضهم: {ألم نشرح}، وقوله: في أي يومي من الموت أفر: أيوم لم يقدر أم يوم قدر: وتلقي القسم بها نادر جدًا، قيل لبعضهم: ألك "بنون"، فقال: نعم، وخالقهم لم تقم عن مثلهم منجبة، ويحتمل هذا أن يكون على حذف الجواب، أي: "أن" "لي" لبنين، ثم استأنف جملة النفي.
"لما": على ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تختص بالمضارع فتجزمه وتنفيه وتقلبه ماضيًا، كلم إلا أنها تفارقها في خمسة أمور.
أحدها: أنها لا تقترن بأداة شرط لا يقال أن "لما" تقم، ويقال: إن "لم" تقم.
ثانيها: أن منفي "لما" لا يكون إلا قريبًا من الحال ولا يشترط ذلك في منفي "لم" تقول "لم" يكن زيد في العام الماضي مقيمًا ولا يجوز "لما" يكن، وقال ابن مالك: لا يشترط كون منفي "لما" قريبًا من الحال مثل: عصى إبليس ربه و"لما" يندم بل ذلك غالب "لا" لازم.
رابعها: أن منفي "لما" متوقع ثبوته بخلاف منفي "لم"، ألا ترى أن معنى: {بل لما يذوقوا عذاب} أن ذوقهم له متوقع.
خامسها: أن منفي "لما" جائز الحذف لدليل كقوله:
فجئت قبورهم بدءا ولما ..... فناديت القبور فلم يجبنه
أي: و"لما" أكن بدءًا قبل ذلك، أي: سيدًا، ولا يجوز: وصلت إلا بغداد و"لم" أدخلها، ويجوز ذل في "لما"، فأما قوله: يوم الأعازب إن وصلت إن "لم" فضرورة.
الثاني: من أوجه "لما" أن تختص بالماضي فتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عند وجود الأولى، نحو: "لما" جاءني أكرمته، ويقال فيها: حرف وجود لوجود، وبعضهم يقول: حرف وجوب لوجوب.
وزعم جماعة أنها ظرف بمعنى "حين".
وقال ابن مالك بمعنى: "إذ"، وهو حسن لأنها مختصة بالماضي، وبالإضافة إلى الجملة ويكون جوابها فعلًا ماضيًا اتفاقًا، وجملة اسمية مقرونة "بإذا" الفجائية أو "بالفاء" عند ابن مالك، وفعلًا مضارعًا عند ابن عصفور.
دليل الأول: {فلما نجاكم إلى البر أعرضتم}.
والثاني: {فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون}.
والثالث: {فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد}.
والرابع: {فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا}.
وقيل في آية "الفاء": إن الجواب محذوف، أي: انقسموا قسمين، فمنهم مقتصد، وقيل في آية المضارع أن يجادلنا مؤول يجادلنا، أو أن الجواب جاءته البشرى على زيادة "الواو".
وفي الكليات في شرح اللباب للمشهدي جواب "لما" فعل ماض، أو جملة اسمية مع "إذا" المفاجأة، ومع "الفاء"، وربما كان ماضيًا مقرونًا "بالفاء"، ويكون مضارعًا.
قلت: قد استعمل المؤلفون "لما" للتعليل، كقولك: "لما" كان هذا الشيء غاليًا لم أشتره، وهو على حد استعمالهم، حيث كما مر في بابه.
الثالث: أن تكون حرف استثناء فتدخل على الجملة الاسمية نحو: {إن كل نفسٍ لما عليها حافظ} فيمن شدد "الميم"، وعلى الماضي لفظًا لا معنى نحو: أنشدك الله "لما" فعلت، أي: ما أسألك "إلا" فعلك.
وبعضهم يقدر هنا نفيًا بعد صيغة المناشدة، أي: أسألك بالله لا تفعل شيئًا "إلا" فعلك كذا، قال الراجز:
قالت له بالله يا ذا البردين ..... لما غنثت نفسًا أو نفسين
قولها: غنثت، أي: تنفست بعد الشرب، وفيه رد لقول الجوهري أن "لما" بمعنى "إلا" غير معروف في اللغة.
قال في الكليات: الأفعال الواقعة بعد "إلا" و"لما" ماضية في اللفظ مستقبلة في المعنى؛ لأنك إذا قلت: عزمت عليك "لما" فعلت، لم يكن قد فعل، وإنما طلبت فعله وأنت تتوقعه، وقد تأتي "لما" مركبة من كلمات ومن كلمتين، فأما المركبة من كلمات ففي قوله تعالى: {وإن كلًا لما ليوفينهم} في قراءة ابن عامر وحمزة وحفص بتشديد "نون" "أن" و"ميم" "لما"، الأصل لمن "ما"، فأبدلت "النون" "ميمًا" وأدغمت، ثم حذفت الأولى وهذا القول ضعيف، وأضعف منه قول آخر أن الأصل "لما" بالتنوين بمعنى جمعًا ثم حذف التنوين.
واختار ابن الحاجب أنها "لما" الجازمة حذف فعلها والتقدير: "لما" يهملوا و"لما" يتركوا لدلالة ما تقدم من قوله: {فمنهم شقي وسعيد}، قال: ولا أعرف وجهًا أشبه من كذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في التنزيل، والحق أنه لا يستبعد لذلك، انتهى وقرئ بتخفيف "أن" وتشديد "لما"، وأما المركبة من كلمتين فكقوله:
لما رأيت أبا يزيد مقاتلًا ..... ادع القتال واشهد الهيجاء
وهو لغز، والأصل: "لن" "ما"، فأدغمت "النون" في "الميم" للتقارب ووصلًا خطأ للألغاز وادع منصوب "بلن"، و"ما" ظرفية، والمعنى: "لن" أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلًا، وأشهد منصوب "بأن" مضمرة؛ إذ لا يصح عطفه على ادع القتال لفساد المعنى فهو على حد قول ميسون، ولبس عباءة وتقر عيني.
"لماذا": سيأتي شرحها في مال.
"لن": حرف نفي ونصب واستقبال نحو: {لن تنالوا البر حتى} الآية، ولا تفيد توكيد النفي ولا تأبيده خلافًا للزمخشري؛ إذ لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فلم أكلم اليوم إنسيًا} ولكان ذكر الأبد في: {ولن يتمنوه أبدًا} تكرارًا والأصل عدمه، وقد تأتي للدعاء كما أتت "لا" كذلك وفاقًا لجماعة منهم ابن عصفور، والحجة في قوله:
لن تزالوا كذلكم ثم لا ..... زلت لكم خالدًا خلود الجبال
وتلقي القسم بها ويلم نادر جدًا كقول أبي طالب:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم ..... حتى أوسد في التراب دفينًا
وقيل: إنها قد تجزم كقوله: "فلن" يحل للعينين بعدك منظر.
وقوله: "لن" يخب الآن من رجائك من حرك من دون بابك الحلقة.
والأول محتمل للاجتزاء بالفتحة عن "الألف" للضرورة.
"لو": حرف شرط يدل على تعليق فعل بفعل فيما مضى، ويتلقى جوابها "باللام" كثيرًا نحو: "لو" جاءني لأكرمته، وقد يكون بدونها نحو: {ولو شاء ربك ما فعلوه}، وقد يكون جوابها فعلًا مضارعًا كقوله:
لو يسمعون كما سمعت حديثها ..... خروا لعزة ركعًا وسجودًا
قال الأشموني: اعلم أن "لو" تأتي على خمسة أقسام:
الأول: أن تكون للعرض، نحو: "لو" تنزل عندنا فتصيب خيرًا.
الثاني: أن تكون للتقليل نحو: تصدقوا و "لو" بظلف محرق، ذكره ابن هشام اللخمي وغيره.
الثالث: أن تكون للتمني نحو: "لو" تأتينا فتحدثنا، قيل: ومنه: {لو أن لنا كرة فنكون} ولهذا نصب جوابها، واختلف في "لو" هذه، فقال بعض: هي قسم برأسها لا تحتاج إلى جواب، كجواب الشرط، ولكن قد يؤتى لها بجواب منصوب كجواب "ليت"، وقال آخرون: هي "لو" الشرطية أشربت معنى التمني، وقال ابن مالك: هي "لو" المصدرية أغنت عن فعل التمني.
الرابع: أن تكون مصدرية بمنزلة "أن"، إلا أنها لا تنصب، وأكثر وقوع هذه بعد ود، ويود نحو: {ودوا لو تدهن فيدهنون}، {يود أحدهم لو يعمر}، ومن وقوعها بدون يود، قول قتيلة:
ما كان ضرك لو مننت وربما ..... من الفتى وهو المغيظ المحنق
وقول الآخر:
وربما فات قومًا جل أمرهم ..... من التأني وكان الحزم لو عجلوا
وعلامتها أن يصلح في موضعها "أن" وأكثرهم لم يثبت ورود "لو" مصدرية، وممن ذكرها الفراء وأبو علي ومن المتأخرين التبريزي، وأبو البقاء وابن مالك، ويشهد لهم قراءة بعضهم: (ودوا لو تدهن فيدهنوا) محذوف "النون"، فعطف يدهنوا بالنصب على تدهن، لما كان معناه: "أن" تدهن.
الخامس: أن تكون شرطية، ويلزم كون شرطها محكومًا بامتناعه إذ لو قدر حصوله لكان الجواب كذلك، ولم تكن للتعليق بل للإيجاب، فتخرج عن معناها، وأما جوابها فلا يلزم كونه ممتنعًا على كل تقدير؛ لأنه قد يكون ثابتًا مع امتناع الشرط، نعم الأكثر كونه ممتنعًا، ثم إن لم يكن لجوابها سبب غيره لزم امتناعه نحو: {ولو شئنا لرفعناه بها} وكقولك: "لو" كانت الشمس طالعة فالنهار موجود، فلهذا يلزم فيه امتناع الثاني لامتناع الأول، وإلا لم يلزم نحو: "لو" كانت الشمس طالعة كان الضوء موجودًا، فإن الضوء قد يحصل من القمر والشمعة والفتيلة، فلا يلزم من عدم الشمس عدم الضوء مطلقًا، ومنه: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه»، انتهى مع اختصار، ومعنى الحديث أن عدم المعصية معلل بأمر آخر كالحياء والمهابة والإجلال، ونحو ذلك.
(تنبيه): قد يلي "لو" اسم مرفوع معمول لعامل محذوف يفسره ما بعده نحو: "لو" ذات سوار لطمتني، وقول عمر: «لو غيرك قالها يا أبا عبيدة» أو اسم منصوب كذلك نحو: "لو" زيدًا رأيته أكرمته، أو خبر لكان محذوفة نحو: «التمس و "لو" خاتمًا من حديد}، أو اسم هو في الظاهر مبتدأ وما بعده خبر نحو:
لو في طهية أحلام لما عرضوا ..... دون الذي أنا أرميه ويرميني
ومنه قول المتنبي:
لو قلم ألقيت في شق رأسه ..... من السقم ما غيرت من خط كاتب
فقيل: لحن؛ لأنه لا يمكن أن يقدر، و "لو" ألقى قلم.
وقد روي بنصب قلم ورفعه، وهما صحيحان، والنصب أوجه بتقدير: و "لو" لابست قلمًا، والرفع بتقدير فعل دل عليه المعنى، أي: و "لو" حصل قلم.
وقد تقع أن بعد "لو" كثيرًا نحو: {ولو أنهم آمنوا}، {ولو أنهم صبروا}، {ولو أنا كتبنا عليهم}، {ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به}، وذهب الكوفيون والمبرد والزجاج إلى أنه على الفاعلية، والفعل مقدر بعدها، أي: و "لو" ثبت أنهم آمنوا، ولغلبة دخول "لو" على الماضي لم تجزم، و "لو" أريد بها معنى "أن" الشرطية.
وزعم بعضهم أن الجزم بها مطرد على لغة، وأجازه جماعة في الشعر منهم ابن الشجري كقوله:
تامت فؤادك لو يحزنك ما صنعت ..... إحدى نساء بني ذهل بن شيبانًا
وقد خرج على أن ضمة الإعراب سكنت تخفيفًا كقراءة أبي عمرو، وينصركم ويشعركم ويأمركم، وقد ورد جواب "لو" الماضي مقترنًا "بقد"، وهو غريب كقول جرير:
لو شئت قد قنع الفؤاد بشربة ..... تدع الحوائم لا يجدن غليلا
ونظيره في الشذوذ اقتران جواب "لولا" بها كقول جرير أيضًا، "لولا" رجاؤك قد قتلت أولادي.
قيل: وقد يكون جواب "لو" جملة اسمية مقرونة "باللام"، كقوله تعالى: {ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير}، وقيل: هي جواب لقسم مقدر، أو "بالفاء" كقول الشاعر:
لو كان قتل يا سلام فراحة ..... لكن فررت مخافة أن أوسرا
قال الدماميني: قوله: فراحة، عطف على قوله قتل، والجواب محذوف أي: ما فررت ولبثت، ويدل عليه قوله: لكن فررت؛ لأن مراده الاعتذار عن عدم ثباته بأنه "لو" تحقق حصول الموت والراحة من ذل الأسر لثبت في موقف الأسر، لكن خاف الأسر المفضي إلى الذل ففر واعتذر.
"لولا": على أربعة أوجه:
أحدها: أن تدخل على جملة اسمية ففعلية لربط امتناع الثانية بوجود الأولى نحو: "لولا" زيد لأكرمتك، وأكثر النحويين على وجوب حذف الخبر فلا تقول: "لولا" زيد قائم لأكرمتك، بل يجعل مصدره هو المبتدأ، فتقول: "لولا" قيام زيد لأكرمتك أو تدخل "أن" على المبتدأ، فتقول: "لولا" "أن" زيدًا قائم.
وذهب بعضهم إلى أنه إذا كان الخبر مخصصًا وجب ذكره إن لم يعلم، ومنه: «لولا قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة».
ولحن جماعة ممن أطلق حذف وجوب الخبر قول المعري في صفة سيف:
يذيب الرعب منه كل عضب ..... فلولا الغمد يمسكه لسالا
وليس بجيد. وإذا ولى "لولا" مضمر فحقه أن يكون ضمير رفع نحو: {لولا أنتم لكنا مؤمنين}، وسمع قليلًا "لولاي" و"لولاك" و"لولاه" خلافًا للمبرد، فإنه قال: لم يسمع فإذا عطف على المضمر اسم ظاهر تعين رفعه نحو: "لولاك" وزيد.
الثاني: أن تكون للتحضيض والعرض نحو: {لولا تستغفرون الله}، أي: استغفروه، {ولولا تأتينا}، أي: ائتنا، والفرق بينهما أن التحضيض طلب بحث وإزعاج، والعرض طلب بلين وتأدب.
الثالث: أن تكون للتوبيخ والتنديم نحو: {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا}، أي: هلا حين سمعتموه، أي: الإفك، {قلتم ما ينبغي لنا أن نتكلم بهذا} إلا أن الفعل هنا آخر، كقول الشاعر:
تعدون عقر النيب أفضل مجدكم ..... بني ضو طري لولا الكمى المقنعا
إلا أن الفعل هنا أضمر أي: "لولا" عددتم ، أي: هلا عددتم أفضل مجدكم عقر الكمى المقنع.
الرابع: الاستفهام نحو: {لولا أخرتني إلى أجل قريب}، {لولا أنزل عليه ملك}.
قال الهروي وأكثرهم لا يذكره، والظاهر أن الأولى للعرض والثانية للتوبيخ.
وذكر الهروي أيضًا أنها تكون نافية بمنزلة "لم"، وجعل منه: {فلو لا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس} والظاهر أن المعنى على التوبيخ أي: فهلا كانت قرية، وهو تفسير الأخفش والكسائي والفراء وعلي بن عيسى والنحاس، ويؤيده قراءة أبي وعبد الله فهلا كانت.
"لوما": بمنزلة: "لولا" تقول: "لو" "ما" زيد لأكرمتك، وفي التنزيل: {لوما تأتينا بالملائكة}، قال الشاعر:
لوما الإصاخة للوشاة لكان لي ..... من بعد سخطك في رضاك رجاء
وزعم المالقي أنها لم ترد إلا للتحضيض، ويرده هذا البيت لأنها هنا للتعليق والربط لا للتحضيض.
قال أبو البقاء: "لوما" حرف تحضيض كهلا، وتكون أيضًا حرف امتناع لوجود كما أن "لوما" مترددة بين هذين المعنيين.
"ليت": حرف تمن يتعلق بالمستحيل غالبًا كقوله:
فيا ليت الشباب يعود يومًا ..... فأخبره بما فعل المشيب
وبالممكن قليلًا وحكمه أن ينصب الاسم ويرفع الخبر.
وقال الفراء وبعض أصحابه: وقد ينصبهما معًا كقوله: يا "ليت" أيام الصبا رواجعا.
وبنى على ذلك ابن المعتز قوله: طوباك يا "ليتني" إياك طوباك.
والأول محمول على حذف الخبر، تقديره: أقبلت، ويصح بيت ابن المعتز على إنابة ضمير النصب على ضمير الرفع.
وتقترن بها "ما" الحرفية فلا تزيلها عن الاختصاص بالأسماء، بخلاف "لعل" و"إن" و"كل" وأخواتها، لا يقال: "ليتما" قام زيد خلافًا لابن أبي الربيع، وطاهر القزويني، ويجوز حينئذٍ إعمالها لبقاء الاختصاص وإهمالها حملًا على أخواتها، ورووا بالوجهين قول النابغة:
قالت: إلا ليتما هذا الحمام لنا ..... إلى حمامتنا أو نصفه فقد
ويجوز: "ليتما" زيدًا ألقاه على الأعمال، ويمتنع على إضمار فعل على شريطة التفسير لما يلزم عليه من دخولها على الفعل، وإنما يجوز هذا على مذهب ابن أبي الربيع، قلت: وسيذكر المصنف في شرح "ما" إن "ليتما" زيدًا قائم، بالنصب أرجح عند النحويين، وقد دخلت "ليت" على الفعل في قول الشاعر:
فليت دفعت الهم عني ساعة ..... فبتنا على ما حيلت ناعمًا بالي
ويروى: ناعمي بال، واسم "ليت" هنا محذوف، أي: "ليتك" أو "ليته"، وجملة دفعت الهم خبر "ليت"، وعلى ما حيلت من كلام العرب، أي: على كل حال، قال أبو البقاء: وقد تنزل "ليت" منزلة وجدت فيقال: "ليت" زيدًا شاخصًا، وقولهم: "ليت" شعري، معناه: "ليتني" أشعر، فأشعر هو الخبر، وناب شعري عن أشعر، و"الياء" في شعري عن اسم "ليت"، وقد يقال: "ليتي".
"ليس": كلمة دالة على نفي الحال، وتنفي غيره بالقرينة نحو: "ليس" خلق الله مثله، وهو مثال للماضي، أي: أن مماثلته بخلق الله منفية في الماضي، وقول الأعشى:
له نافلات لا يغب نوالها ..... وليس عطاء اليوم مانعه غدا
وهي فعل لا يتصرف، وسمع "لست" بضم "اللام"، وزعمت جماعة أنه حرف بمنزلة "ما"، والصواب الأول؛ بدليل "لست" و"لستما" و"ليسا" و"ليسوا"، أما قوله: إذ ذهب القوم الكرام "ليسي" فضرورة.
وفي القاموس "ليس" كلمة نفي فعل ماض، أصله: "ليس" كفرح، فسكنت تخفيفًا، أو أصله: "لا" "أيس"، طرحت "الهمزة" وألزقت "اللام" "بالياء"، والدليل قولهم: إئتني من حيث "أيس"، و"ليس" أي من حيث هو، ولا هو، أو معناه: لا وجد أو "أيس"، أي: موجود ولا "أيس" لا موجود فخففوا، وإنما جاءت بمعنى "لا" التبرئة، اهـ. وتلازم رفع الاسم ونصب الخبر نحو: "ليس" زيد عالمًا، وقيل: قد تخرج عن ذلك في مواضع:
أحدها: أن تكون حرفًا ناصبًا للمستثنى بمنزلة "إلا"، نحو: جاء القوم "ليس" زيدًا، والصحيح أنها الناسخة، وأن اسمها راجع للبعض المفهوم مما تقدم، أي: قالوا "ليس" بعضهم زيدًا.
والثاني: أن يقترن الخبر بعدها "بإلا" نحو: "ليس" الطيب "إلا" المسك، فإن بني تميم يرفعون المسك حملًا على ما في الإهمال عند انتقاض النفي، كما حمل أهل الحجاز ما على "ليس"، حكى ذلك عنهم أبو عمرو بن العلاء، فبلغ ذلك عيسى بن عمر الثقفي فجاءه، فقال: يا أبا عمرو ما شيء بلغني عنك، ثم ذكر ذلك له فقال له أبو عمرو: نمت وأدلج الناس "ليس" في الأرض تميمي إلا وهو يرفع، ولا حجازي إلا وهو ينصب، ثم قال لليزيدي ولخلف الأحمر: اذهبا إلى أبي مهدي الحجازي فلقناه الرفع، فإنه لا يرفع، وإلى المنتج التميمي فلقناه النصب، فإنه لا ينصب، فأتياهما وجهدا بكل منهما أن يرجع عن لغته، فلم يفعل فأخبرا أبا عمرو، وعنده عيسى فقال له عيسى: بهذا فقت الناس.
والثالث: أن تكون حرفًا عاطفًا، أثبت ذلك الكوفيون أو البغداديون على خلاف بين النقلة، واستدلوا بقوله:
أين المفر والإله الطالب ..... والأشرم المغلوب ليس الغالب
وخرج على أن الغالب اسمها والخبر محذوف). [غنية الطالب: 219 - 243]
قسم معاني الحروف من دليل"دراسات في أساليب القرآن"
للأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة
- دراسة (اللام) في القرآن الكريم
معاني اللام في القرآن الكريم
اللام للاختصاص
لام العلة
لام التبليغ
لام الصيرورة
اللام بمعنى (إلى)
اللام بمعنى (على)
اللام بمعنى (في)
اللام بمعنى الباء
اللام بمعنى (بعد)
اللام بمعنى (عند)
اللام بمعنى (عن)
احتمال اللام للزيادة
اللام للتقوية
لام التبيين
لام التعدية
اللام المتعلقة بمحذوف حال
اللام صفة
- دراسة (لام الجحود) في القرآن الكريم
آيات لام الجحود
هل تقع لام الجحود بعد (كان) المنفية بإن؟
هل يجوز حذف لام الجحود؟
- لمحات عن دراسة (لام التعليل)
حركتها
إظهار (أن) قبل (لا)
لام العاقبة والصيرورة
آيات لام التعليل والصيرورة
تحتمل اللام أن تكون لام كي ولام الأمر
اللام بعد فعلي الإرادة والأمر
تقدم الواو على لام التعليل
هل تقع لام كي جوابا للقسم؟
هل تضمر (أن) جوازا بعد لام التعدية؟
لام كي تحتاج إلى متعلق
حذف متعلق لام كي
احتمال حذف المتعلق
مواقع لام كي في الإعراب
تعلق لام كي بالفعل الماضي
تعلق لام كي بالفعل المضارع
- دراسة (لام الأمر) في القرآن الكريم
لام الأمر للمتكلم
حركة لام الأمر
لام الأمر لم يتقدمها عاطف
لام الأمر بعد الفاء
لام الأمر بعد الواو
لام الأمر بعد (ثم)