21- وفي ذي الحجة أيضًا من هذه السنة: تُوفِّي عثمان بن مظعون - رضي الله عنه - ودُفن بالبقيع، وهو أول من مات من المهاجرين بالمدينة. الشرح: هو عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جُمح الجُمحيُّ[1]. قال ابن حجر: توفي بعد شهوده بدرًا في السنة الثانية من الهجرة، وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين، وأول من دفن بالبقيع منهم[2]. وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بن مَظْعُونٍ، قَالَتْ امْرَأَةٌ - وفي رواية: امرأته -: هَنِيئًا لَكَ الْجَنَّةُ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ، فَنَظَرَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إِلَيْهَا نَظَرَ غَضْبَانَ، فَقَالَ: "وَمَا يُدْرِيكِ؟"، قَالَتْ: يَا رَسُولَ الله، فَارِسُكَ وَصَاحِبُكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَاللَّهِ إِنِّي رَسُولُ الله وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي"، فَأَشْفَقَ النَّاسُ عَلَى عُثْمَانَ، فَلَمَّا مَاتَتْ زَيْنَبُ ابْنَةُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "الْحَقِي بِسَلَفِنَا الصَّالِحِ الْخَيْرِ عُثْمَانَ بن مَظْعُونٍ"، فَبَكَتْ النِّسَاءُ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُنَّ بِسَوْطِهِ، فَأَخَذَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بِيَدِهِ وَقَالَ: "مَهْلًا يَا عُمَرُ"، ثُمَّ قَالَ: "ابْكِينَ وَإِيَّاكُنَّ وَنَعِيقَ الشَّيْطَانِ"، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّهُ مَهْمَا كَانَ مِنْ الْعَيْنِ وَالْقَلْبِ فَمِنْ الله - عز وجل - وَمِنْ الرَّحْمَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ الْيَدِ وَاللِّسَانِ فَمِنْ الشَّيْطَانِ"[3]. 22- وفي هذه السنة: كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعاقِلَ فكان مُعَلَّقًا بسيفه. الشرح: قال ابن جرير رحمه الله: وفيها - أي: في السنة الثانية - كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعاقل، وكانت مُعلقة بسيفه[4]. والمعاقل أي: الديات، وتسمى الدية بالعقل، وأهل ذلك أن القاتل كان إذا قتل قتيلًا جمع الدية من الإبل، فعقلها بفناء أولياء المقتول، أي: شدها بعقُلها لتسليمها إليهم، يقال: عَقَلْت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته[5]. وقد حدد النبي - صلى الله عليه وسلم - الديات فِي النَّفْسِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْأَنْفِ إِذَا أُوعِيَ جَدْعًا: مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي الْمَأْمُومَةِ[6]: ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَفِي الْجَائِفَةِ[7]: مِثْلُهَا، وَفِي الْعَيْنِ: خَمْسُونَ، وَفِي الْيَدِ: خَمْسُونَ، وَفِي الرِّجْلِ: خَمْسُونَ، وَفِي كُلِّ أُصْبُعٍ مِمَّا هُنَالِكَ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ، وَفِي السِّنِّ خَمْسٌ، وَفِي الْمُوضِحَةِ[8] خَمْسٌ[9]. 23- وفي عيد الأضحى من هذه السنة: ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكبشين، أحدهما عن أمته والآخر عن محمد وآله. الشرح: قال ابن سيد الناس: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين[10]، فإذا صلى وخطب أُتى بأحدهما وهو قائم في الصلاة، فيذبحه بيده بالمُدية، ثم يقول: "هذا عن أمتي جميعًا، ممن شهد لك بالتوحيد، وشهد لي بالبلاغ"، ثم يُؤتى بالآخر فيذبحه هو عن نفسه، ثم يقول: "هذا عن محمد وآل محمد" فيأكل هو وأهله منه، ويُطعم المساكين، وكان يذبح عند طرف الزقاق عند دار معاوية[11]. (الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية) [1] "الإصابة" 2/1240. [2] "الإصابة" 2/1241. [3] صحيح الإسناد: أخرجه أحمد (2127)، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح، وورد عن عائشة "أنها قالت: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُقَبِّل عثمان بن مظعون، وهو ميت، حتىٰ رأيت الدموع تسيلُ" أخرجه أبو داود (3163)، الترمذي (989)، ابن ماجه (1456)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححه الشيخ الألباني في "صحيح سنن أبي داود"، ثم تراجع عن تصحيحه أخيرًا، وقال في الضعيفة: منكر، وصرح بتراجعه عن التصحيح. وفيه: عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، قال فيه البخاري وغيره - كما في "التقريب"-: منكر الحديث. [4] "البداية والنهاية" 3/371. [5] "الوجيز" (459). [6] المأمومة: التي لا يبقىٰ بينها وبين الدماغ إلا جلدة رقيقة. [7] كل ما يصل إلىٰ الجوف، كبطن، وظهر، وحلق، وصدر. [8] الموضحة: التي تبرز إلىٰ العظم وتوضحه وتبرزه. [9] أخرجه مالك في "الموطأ" 2/849، قال الألباني في "الإرواء" 7/300: وهو مرسل صحيح الإسناد، قال أبو عمر ابن عبد البر - رحمه الله - في "التمهيد" 14/185: لا خلاف عن مالك في إرسال هذا الحديث بهذا الإسناد، وقد روىٰ مسندًا من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة تستغني بشهرتها عن الإسناد، لأنه أشبه التواتر في مجيئه، لتلقىٰ الناس له بالقبول والمعرفة.اهـ. [10] الأملح: هو الذي يكون بياضه أكثر من سواده. [11] "عيون الأثر" 1/374. |
---------------------------------------