*فإذا كان حال العازمين علي
الطلاق في سورة الطلاق قد نسخ حال المطلقين ،
*وإذا كانت عدة الإحصاء وتوابعها قد نسخت عدة الاستبراء وتوابعها، *وإذا كان حال المرأة في سورة الطلاق كزوجة قد نسخ حالها السابق في سورة البقرة كمطلقة، *وإذا صار حال المرأة تختلي بزوجها نهاراً وليلاً في أثناء العدة في بيتها الذي هو بيته،قد نسخ حال المرأة الذي كانت فيه لا تختلي بمطلقها لا ليلاً ولا نهاراً لكونها مُطلقةً ، *وإذا كان اسم المرأة في سورة الطلاق وصفتها زوجة قد نسخ اسم المرأة وصفتها في سورة البقرة كمطلقة(بقوله تعالي [والمطلقات يتربصن بأنفسهن]) *وإذا...وإذا...وإذا...وإذا...وإذا...وإذا............ *فما داعي الخلاف والاختلاف في مسائل الطلاق التي لانهاية لها،ولماذا الخلاف وكل شيئ قد أحكمه الله في عقب تنزيل سورة الطلاق 5أو6 هـ بتأصيل قاعدة الطلاق ومعادلتها بحيث تكون: 1.الطلاق من زاد المعاد والتعقيب الرد المجمل قال ابن القيم في الزاد{ذِكْرُ أَحْكَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الطّلَاقِ: ذِكْرُ حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَاقِ الْهَازِلِ وَزَائِلِ الْعَقْلِ وَالْمُكْرَهِ وَالتّطْلِيقِ فِي نَفْسِهِ: قلت المدون إن كل ما سيذكره ابن القيم هو استدلالات مخلوطة بين سورة البقرة المنزلة في العامين الأولين من الهجرة وسورة الطلاق التي نزلت بعد سورة البقرة بإثنتي عشرة سورة مدنية يُقدر الفرق بينهما بحوالي ثلاث سنين أو يزيد ولم يتنبه الناس بما فيهم ابن القيم رحمه الله أن الله تعالي قد بَدَّلَ شريعة الطلاق التي كانت سائدة في سورة البقرة1و2هـ بتلك التي أنزلها في العام الخامس الهجري من سورة الطلاق علي أنه سيخطأ ويملأ الدنيا خلافاً كل من يجمع بين الشرعتين في الإستدلال والإستنباط ذلك لأنه يستحيل أن يجتمع المنسوخ من سورة البقرة1و2هـ والناسخ من سورة الطلاق5هـ ، مع بعضهما كما يستحيل أن يستقيم التعبد بشرعة منسوخة وناسخة في آنٍ واحد فضلا علي تحريم التعبد بالشرعة المنسوخة حتي لو بقي رسمها في القرآن وهذا سر امتلاء كتب الفقه جميعا بالخلافات التالي بيانها كما في بنود ابن القيم التالي ذكرها وبهذا الذي قدمنا هو حال الاضطراب والإختلاف الشديد الواقع بين الفقهاء كما أوردنا هنا نموذج لأقل الخلاف علي كثرته في كلام ابن القيم رحمه الله في موضوعات الخلاف التالي ذكرها : فِي السّنَنِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ثَلَاثٌ جِدّهُنّ جِدّ وَهَزْلُهُنّ جِدّ النّكَاحُ وَالطّلَاقُ وَالرّجْعَةُ. *ابْنِ عَبّاسٍ: إنّ اللّهَ وَضَعَ عَنْ أُمّتِي الْخَطَأَ وَالنّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. *وَفِيهَا: عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إغْلَاق. *وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لِلْمُقِرّ بِالزّنَى: أَبِكَ جُنُونٌ؟ *وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُسْتَنْكَهَ. *وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ: عَنْ عَلِيّ أَنّهُ قَالَ لِعُمَرَ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الْمَجْنُونِ حَتّى يُفِيقَ وَعَنْ الصّبِيّ حَتّى يُدْرِكَ وَعَنْ النّائِمِ حَتّى يَسْتَيْقِظَ. وعنه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ تَجَاوَزَ لِأُمّتِي عَمّا حَدّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ. *النّيّةُ وَالْقَصْدُ عَفْوٌ غَيْرُ لَازِمٍ إنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا اللّسَانُ: فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ السّنَنُ أَنّ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ اللّسَانُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَفْوٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِالنّيّةِ وَالْقَصْدِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: التّوَقّفُ فِيهَا قَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ سُئِلَ ابْنُ سِيرِينَ عَمّنْ طَلّقَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمَ اللّهُ مَا فِي نَفْسِك؟ قَالَ بَلَى قَالَ فَلَا أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا. وَالثّانِي: وُقُوعُهُ إذَا جَزَمَ عَلَيْهِ وَهَذَا رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ *وَرُوِيَ عَنْ الزّهْرِيّ وَحُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا الْأَعْمَالُ بِالنّيّاتِ وَأَنّ مَنْ كَفَرَ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ كَفَرَ *وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ} [الْبَقَرَةُ 248] *وَأَنّ الْمُصِرّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَاسِقٌ مُؤَاخَذٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ فِي اللّهِ وَعَلَى التّوَكّلِ وَالرّضَى وَالْعَزْمِ عَلَى الطّاعَةِ وَيُعَاقَبُ عَلَى الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْعُجْبِ وَالشّكّ وَالرّيَاءِ وَظَنّ السّوءِ بِالْأَبْرِيَاءِ. *وَلَا حُجّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِمُجَرّدِ النّيّةِ مِنْ غَيْرِ تَلَفّظٍ ^(أَمّا حَدِيثُ الْأَعْمَالِ بِالنّيّاتِ) فَهُوَ حُجّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنّهُ أَخْبَرَ فِيهِ أَنّ الْعَمَلَ مَعَ النّيّةِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لَا النّيّةُ وَحْدَهَا وَأَمّا مَنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ أَوْ شَكّ فَهُوَ كَافِرٌ لِزَوَالِ الْإِيمَانِ الّذِي هُوَ عَقْدُ الْقَلْبِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَإِذَا زَالَ الْعَقْدُ الْجَازِمُ كَانَ نَفْسُ زَوَالِهِ كُفْرًا فَإِنّ الْإِيمَانَ أَمْرٌ وُجُودِيّ ثَابِتٌ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ فَمَا لَمْ يَقُمْ بِالْقَلْبِ حَصَلَ ضِدّهُ وَهُوَ الْكُفْرُ وَهَذَا كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ إذَا فَقَدَ الْعِلْمُ حَصَلَ الْجَهْلُ وَكَذَلِكَ كُلّ نَقِيضَيْنِ زَالَ أَحَدُهُمَا خَلّفَهُ الْآخَرُ.^وَأَمّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا أَنّ الْمُحَاسَبَةَ بِمَا يُخْفِيهِ الْعَبْدُ إلْزَامُهُ بِأَحْكَامِهِ بِالشّرْعِ وَإِنّمَا فِيهَا مُحَاسَبَتُهُ بِمَا يُبْدِيهِ أَوْ يُخْفِيهِ ثُمّ هُوَ مَغْفُورٌ لَهُ أَوْ مُعَذّبٌ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُقُوعِ الطّلَاقِ بِالنّيّةِ. *وَأَمّا أَنّ الْمُصِرّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَاسِقٌ مُؤَاخَذٌ فَهَذَا إنّمَا هُوَ فِيمَنْ عَمِلَ الْمَعْصِيَةَ ثُمّ أَصَرّ عَلَيْهَا فَهُنَا عَمَلٌ اتّصَلَ بِهِ الْعَزْمُ عَلَى مُعَاوَدَتِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُصِرّ وَأَمّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إمّا أَنْ لَا تُكْتَبَ عَلَيْهِ وَإِمّا أَنْ تُكْتَبَ لَهُ حَسَنَةً إذَا تَرَكَهَا لِلّهِ عَزّ وَجَلّ. *وَإِمّا الثّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَحَقّ وَالْقُرْآنُ وَالسّنّةُ مَمْلُوءَانِ بِهِ *وَلَكِنّ وُقُوعَ الطّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالنّيّةِ مِنْ غَيْرِ تَلَفّظٍ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الثّوَابِ وَالْعِقَابِ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنّ مَا يُعَاقِبُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ هُوَ مَعَاصٍ قَلْبِيّةٌ يَسْتَحِقّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا كَمَا يَسْتَحِقّهُ عَلَى الْمَعَاصِي الْبَدَنِيّةِ إذْ هِيَ مُنَافِيَةٌ لِعُبُودِيّةِ الْقَلْبِ فَإِنّ الْكِبَرَ وَالْعُجْبَ وَالرّيَاءَ وَظَنّ السّوْءِ مُحَرّمَاتٌ عَلَى الْقَلْبِ وَهِيَ أُمُورٌ اخْتِيَارِيّةٌ يُمْكِنُ اجْتِنَابُهَا فَيَسْتَحِقّ الْعُقُوبَةَ عَلَى فِعْلِهَا وَهِيَ أَسْمَاءٌ لِمَعَانٍ مُسَمّيَاتِهَا قَائِمَةٌ بِالْقَلْبِ. وَأَمّا الْعَتَاقُ وَالطّلَاقُ فَاسْمَانِ لِمُسَمّيَيْنِ قَائِمَيْنِ بِاللّسَانِ أَوْ مَا نَابَ عَنْهُ مِنْ كِتَابَةٍ وَلَيْسَا اسْمَيْنِ لِمَا فِي الْقَلْبِ مُجَرّدًا عَنْ النّطْقِ. * كَلَامُ الْهَازِلِ بِالطّلَاقِ وَالنّكَاحِ وَالرّجْعَةِ مُعْتَبَرٌ: وَتَضَمّنَتْ أَنّ الْمُكَلّفَ إذَا هَزَلَ بِالطّلَاقِ أَوْ النّكَاحِ أَوْ الرّجْعَةِ لَزِمَهُ مَا هَزَلَ بِهِ فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى أَنّ كَلَامَ الْهَازِلِ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ كَلَامُ النّائِمِ وَالنّاسِي وَزَائِلِ الْعَقْلِ وَالْمُكْرَهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلّفْظِ غَيْرُ مُرِيدٍ لِحُكْمِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ فَإِنّمَا إلَى الْمُكَلّفَ الْأَسْبَابِ وَأَمّا تَرَتّبُ مُسَبّبَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا فَهُوَ إلَى الشّارِعِ قَصَدَهُ الْمُكَلّفُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِهِ السّبَبَ اخْتِيَارًا فِي حَالِ عَقْلِهِ وَتَكْلِيفِهِ فَإِذَا قَصَدَهُ رَتّبَ الشّارِعُ عَلَيْهِ حُكْمَهُ جَدّ بِهِ أَوْ هَزَلَ وَهَذَا بِخِلَافِ النّائِمِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمَجْنُونِ وَالسّكْرَانِ وَزَائِلِ الْعَقْلِ فَإِنّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَيْسُوا مُكَلّفِينَ فَأَلْفَاظُهُمْ لَغْوٌ بِمَنْزِلَةِ أَلْفَاظِ الطّفْلِ الّذِي لَا يَعْقِلُ مَعْنَاهَا وَلَا يَقْصِدُهُ. وَسِرّ الْمَسْأَلَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَصَدَ اللّفْظَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ حُكْمَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ اللّفْظَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَعْنَاهُ فَالْمَرَاتِبُ الّتِي اعْتَبَرَهَا الشّارِعُ أَرْبَعَةٌ إحْدَاهَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ الْحُكْمَ وَلَا يَتَلَفّظَ بِهِ. الثّانِيةُ. أَنْ لَا يَقْصِدَ اللّفْظَ وَلَا حُكْمَهُ. الثّالِثَةُ أَنْ يَقْصِدَ اللّفْظَ دُونَ حُكْمِهِ. *مَا يُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ وَمَا لَا يُبَاحُ: الرّابِعَةُ أَنْ يَقْصِدَ اللّفْظَ وَالْحُكْمَ فَالْأَوّلِيّانِ لَغْوٌ وَالْآخِرَتَانِ مُعْتَبِرَتَانِ. هَذَا الّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْ مَجْمُوعِ نُصُوصِهِ وَأَحْكَامِهِ وَعَلَى هَذَا فَكَلَامُ الْمُكْرَهِ كُلّهُ لَغْوٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَقَدْ دَلّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى التّكَلّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَكْفُرُ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا وَدَلّتْ السّنّةُ عَلَى أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ تَجَاوَزَ عَنْ الْمُكْرَهِ فَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَهَذَا يُرَادُ بِهِ كَلَامُهُ قَطْعًا وَأَمّا أَفْعَالُهُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ فَمَا أُبِيحَ مِنْهَا بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ مُتَجَاوِزٌ عَنْهُ كَالْأَكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْعَمَلِ فِي الصّلَاةِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ فِي الْإِحْرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ كَقَتْلِ الْمَعْصُومِ وَإِتْلَافِ مَالِهِ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ حَدّهُ بِهِ وَمَنْ أَبَاحَهُ بِالْإِكْرَاهِ لَمْ يُحِدّهُ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. عَدَمُ وُقُوعِ الطّلَاقِ بِلَفْظٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الطّلَاقَ:{قلت المدون ما زال ابن القيم شأنه في ذلك شأن سائر الفقهاء يستدلون بأن التلفظ بالطلاق هو حجر الزاوية في بناء صرح الطلاق بكل موضوعاته علي ما كان سابقا في سورة البقرة1و2هـ برغم أن الله تعالي قد نزع من اللفظ فاعليته بعد أن أنزل سبحانه سورة الطلاق5هـ ابان العام الخامس الهجري وصار التلفُّظ بالطلاق لا قيمة له إلا بعد الإنتهاء من إحصاء عدةٍ قدرها 1.ثلاثة قروء لذوات الأقراء 2.وثلاثة أشهرٍ قمرية للائي لا يحضن من النساء 4.وما بقي من مدة الحمل منذ عزم الزوج علي رغبته في التطليق حتي تضع الحامل حملها بولادة أو بسقطٍ } اضغط الصورة للتكبير::↞ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فِي الْإِكْرَاهِ أَنّ الْأَفْعَالَ إذَا وَقَعَتْ لَمْ تَرْتَفِعْ مَفْسَدَتُهَا بَلْ مَفْسَدَتُهَا مَعَهَا بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ فَإِنّهَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهَا. وَجَعْلُهَا بِمَنْزِلَةِ أَقْوَالِ النّائِمِ وَالْمَجْنُونِ فَمَفْسَدَةُ الْفِعْلِ الّذِي لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ ثَابِتَةٌ بِخِلَافِ مَفْسَدَةِ الْقَوْلِ فَإِنّهَا إنّمَا تُثْبِتُ إذَا كَانَ قَائِلُهُ عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا لَهُ. *وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: سَمّنِي فَسَمّاهَا الظّبْيَةُ فَقَالَتْ مَا قُلْت شَيْئًا قَالَ فَهَاتِ مَا أُسَمّيك بِهِ قَالَتْ سَمّنِي خَلِيّةً طَالِقًا قَالَ أَنْتِ خَلِيّةٌ طَالِقٌ فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَقَالَتْ إنّ زَوْجِي طَلّقَنِي فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصّ عَلَيْهِ الْقِصّةَ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا وَقَالَ لِزَوْجِهَا: خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا فَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَمّا لَمْ يَقْصِدْ الزّوْجُ اللّفْظَ الّذِي يَقَعُ بِهِ الطّلَاقُ بَلْ قَصَدَ لَفْظًا لَا يُرِيدُ بِهِ الطّلَاقَ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَوْ غُلَامِهِ إنّهَا حُرّةٌ وَأَرَادَ أَنّهَا لَيْسَتْ بِفَاجِرَةٍ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُسَرّحَةٌ أَوْ سَرّحْتُك وَمُرَادُهُ تَسْرِيحُ الشّعْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقَعُ عِتْقُهُ وَلَا طَلَاقُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ أَوْ تَصَادَقَا فِي الْحُكْمِ لَمْ يَقَعْ بِهِ. *الْحَلِفُ بِالطّلَاقِ: فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا مِنْ أَيّ الْأَقْسَامِ؟ فَإِنّكُمْ جَعَلْتُمْ الْمَرَاتِبَ أَرْبَعَةً وَمَعْلُومٌ أَنّ هَذَا لَيْسَ بِمُكْرَهٍ وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ وَلَا هَازِلٍ وَلَا قَاصِدٍ لِحُكْمِ اللّفْظِ؟ قِيلَ هَذَا مُتَكَلّمٌ بِاللّفْظِ مُرِيدٌ بِهِ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ فَلَزِمَ حُكْمُ مَا أَرَادَهُ بِلَفْظِهِ دُونَ مَا لَمْ يُرِدْهُ فَلَا يَلْزَمُ بِمَا لَمْ يُرِدْهُ بِاللّفْظِ إذَا كَانَ صَالِحًا لَمّا أَرَادَهُ وَقَدْ اسْتَحْلَفَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُكَانَةَ لَمّا طَلّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتّةَ فَقَالَ مَا أَرَدْتَ؟ قَالَ وَاحِدَةً قَالَ آللّهِ قَالَ آللّهِ قَالَ هُوَ مَا أَرَدْتَ فَقَبِلَ مِنْهُ نِيّتَهُ فِي اللّفْظِ الْمُحْتَمَلِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْبَتّةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ الْيَمِينَ فَلَيْسَتْ طَالِقًا لِأَنّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَلّقَهَا وَبِهَذَا أَفْتَى اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ حَتّى إنّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا ثَلَاثُ صُوَرٍ إحْدَاهَا: أَنْ يَرْجِعَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ التّنْجِيزُ مُرَادَهُ فَهَذِهِ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَكُونُ حَالِفًا. الثّانِيةُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ الْيَمِينَ لَا التّنْجِيزَ فَيَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ وَمَقْصُودُهُ إنْ كَلّمْت زَيْدًا. الثّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ الْيَمِينَ مِنْ أَوّلِ كَلَامِهِ ثُمّ يَرْجِعُ عَنْ الْيَمِينِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ وَيَجْعَلُ الطّلَاقَ مُنَجّزًا فَهَذَا لَا يَقَعُ بِهِ لِأَنّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْإِيقَاعَ وَإِنّمَا نَوَى بِهِ التّعْلِيقَ فَكَانَ قَاصِرًا عَنْ وُقُوعِ الْمُنَجّزِ فَإِذَا نَوَى التّنْجِيزَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَتَى فِي التّنْجِيزِ بِغَيْرِ النّيّةِ الْمُجَرّدَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [الْبَقَرَةُ 225]. *قلت المدون: ما الداعي إلي كل هذه الخلافات والأقوال والآراء وقد أعفي الله أمة محمدٍ صلي الله عليه وسلم من هذا العنت كله حينما بَدَّلَ الله شريعة الطلاق هذه من أحكامها في سورة البقرة المنزلة في العام 1و2 هجري إلي تلك الأحكام المانعة للخلاف والاختلاف المُنزَّلة في سورة الطلاق في العام الخامس أو السادس هجريا 5أو6هـ،بأن بَـــدَّلَ قاعدة الطلاق تلك التي كانت سائدة في سورة البقرة والمُؤَسَّسةِ علي تشريع عدة الاستبراء بعــــــــد التلفظ بالطلاق أي طـــــلاق أولاً ثم عــــــــدة ثم تسريح بدون إشهاد إلي قاعدة الطلاق المُحْكَمَةِ المانعة للخلافات والقيل والقال وكثرة السؤال في أحكام الطلاق المُنَزَّلة بسورة الطلاق في العام 5 أو 6هـ والتي تنص علي الإعتـــداد أولاً بعــــــــــدة إحصــــــــاء يتم فيها العـــــدُ إلي نهاية العـــــدة، ثم يحين ميقات التلفظ بالطلاق هناك وهناك فقط في دُبُرِ العـــدة ،أي بعد العدة أي في نهايتها يعني يعتد الرجــــل والزوجـــة كلاهمـــــا بعدة إحصاء يُحصيان فيها مدة ما سينتهي إليه عددها (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ../1سورة الطلاق)واللام هنا بمعني بعد لوجود الدلائل القاطعة علي ذلك منها: 1. أسلوب إذا الشرطية غير الجازمة وأنها تستخدم لما يُستقبل من الزمان،وأن فعل الشرط إذا وقع في الماضي وجوابها المقرون ب فـــــــ في صيغة الأمر دلت حتما علي معني إرادة الإحداث الفعل أو مجرد الشروع في تنفيذه بشروط ما يتأتي بعدها في جوابها مقترنا ب فـــــ في مستقبل الزمن القريب والمعني (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ[أي إذا أردتم أن تُطَلِّقوا النساء] فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [فطلقوهن بعد عدتهن]لأن اللام هنا تُحقق شرطية إذا في مستقبل الزمان (أي فطلقوهن بعد نهاية وتمام إحصاء عدتهن)،وتسمي أيضا لام الاستدبار أو لام الأجل أو بمعني بعد مثل قوله تعالي( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)/سورة الأعراف)،وقوله تعالي(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)/سورة الأعراف)،فتأكد هنا أن اللام في لفظة لـــــ ميقاتنا هي لام الأجل أو بمعني بعد ،أو بمعني بعد نهاية الأجل وليس قبله بأي حالٍ من الأحوال واضغط والرابط 2.ومنها صيغة الإحصاء وفرض العمل به بلا خلاف لقوله تعالي(وأحصوا العدة)والإحصاء هو العد لنهاية المعدود وهو هنا العدة التي أجل الله التطليق لبعدها وفي نهايتها 3.ومنها فرض كون المرأة في العدة زوجة وليست مطلقة لقوله تعالي(وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) /سورة الطلاق) ويمتنع أن يتصور أحدٌ من البشر أن الله يُحِلُّ خلوةً صار الزوجين فيها مطلقين،إلا في حالةٍ واحدة هي أنهما مازالا زوجين وليس مطلقين وهو ما يدلل علي أن اللام في قوله تعالي(لــــ عدتهن هي لام بمعني بعد، أو لام الاستدبار) وتصوير التسلسل التشريعي في سورة الطلاق 5أو 6 هـ العدة في الصدر الطلاق في الدبر التفريق الإشهاد *ثم تحل المرأة للخطاب بما فيهم مطلقها مالم يستهلك عدد الثلاث تطليقات بنفس التسلسل التشريعي الموضح بالشكل دياجرام تصويري لمراحل الطلاق بعد نزول سورة الطلاق في العام 5 أو 6 هجري دياجرام تصويري لمراحل الطلاق بعد نزول سورة الطلاق في العام 5 أو 6 هجري | | | .4.ومنها التعبير في البقاء في مكان الزوجية أثناء إحصاء عدة العزم علي التطليق حينما يحل وقتها بعد نهايتها بلفظ(بيوتهن)،ولفظ(لا تخرجوهن ولا يخرجن)، ولفظ بيت يعني موضع المبيت الذي لا تغيره الأحداث:1.إما لأنها لم تقع أحداثا تُغيره 2.وإما ستقع أحداثا لم يحين زمانها كمن سيطلِّق في نهاية العدة وبعد انقضائها حين ذلك وحينها فقط لا يكون البيت بيتا ولا الزوجة زوجة ويُخرَّب البيت وتخرج الزوجة بحالٍ غير حالها كزوجة إذ تخرجُ بحال المطلقة المُفََارَقة وينهار صمود هذا البيت ويتزلزل ثباته . وفي لسان العرب بتصرفٍ: ^وقوله عز وجل (ليس عليكم جُناحٌ أَن تدخُلوا بُيوتاً غيْرَ مسكونة) معناه ليس عليكم جناح أَن تدخلوها بغير إِذن .. (وسماها بيوتاً باعتبار ما سيكون من شأنها::موضعاً يببيتون فيه ويتعاقب عليهم فيه الليل والنهار بصفة ثابتة لا يغيرها عنصرٌ من عناصر الخراب) وجمعُ البَيْت أَبياتٌ وأَباييتُ مثل أَقوالٍ وأَقاويلَ وبيُوتٌ وبُيوتاتٌ ،[قلت المدون] وكل اشتقاق فيه: (ب . ي . ت)يعني الموضع المعتاد الذي يُباتُ فيه[وبيوتهن]هو موضع مبيت الزوجة الذي لا تغيره الليالي أو الأيام أو الأحداث ولم ينشأ عليه ما يغير كنهه أو ماهيته والليل ركن في تعريفه، لأن البيت لا يكون إلا بتعاقب الليل والنهار علي من فيه ففي الليل يخلون إلي أنفسهم حياةً واختلاءاً ونوما وفي النهار يُصرِّفون فيه شئون حياتهم العادية من مأكلٍ ومشربٍ وتدبير سائر شئونهم قال الأَزهري سمعت أَعرابيّاً يقول اسْقِنِي من بَيُّوتِ السِّقاءِ أَي من لَبَنٍ حُلِبَ ليلاً وحُقِنَ في السِّقاء حتى بَرَدَ فيه ليلاً والمَبِيتُ الموضعُ الذي يُبَاتُ فيه ويقال للفقير المُسْتَبِيتُ وفلان لا يَسْتَبِيتُ لَيْلةً أَي ليس له بِيتُ ليلةٍ مِن القُوتِ والبِيتةُ حال المَبِيتِ قال طرفة ظَلِلْتُ بِذِي الأَرْطَى فُوَيْقَ مُثَقَّفٍ بِبِيتَةِ سُوءٍ هالِكاً أَو كَهالِكِ وبيتٌ اسم موضع أي إسم مكان الأَمر بَياتاً أَي أَتاهم في جوفِ الليل (قلت المدون: أي وهم نائمون في بيوتهم والليل عنصر من عناصر البيت والمبيت والتبييت لا يختل ولا يكون البيت والمبيت إلا بحللول الليل ثم يتبعه النهار وهكذا دواليك )ويقال بَيَّتَ فلانٌ بني فلانٍ إِذا أَتاهم بَياتاً فكَبَسَهم وهم غارُّونَ وفي الحديث أَنه سُئِل عن أَهل الدار يُبَيَّتُونَ أَي يُصابُون لَيْلاً وتَبْيِيْتُ العَدُوِّ هو أَن يُقْصَدَ في الليل مِن غير أَن يَعْلم فَيُؤْخَذَ بَغْتَةً وهو البَياتُ ومنه الحديث إِذا بُيِّتُّمْ فقولوا هم لا يُنْصَرُونَ وفي الحديث لا صيامَ لمن لم يُبَيِّتِ الصِّيامَ أَي يَنْوِه من الليل يقال بَيَّتَ فلانٌ رأْيه إِذا فَكَّرَ فيه وخَمَّره وكلُّ ما دُبِّر فيه وفَُكِّرَ بلَيْلٍ فقد بُيِّتَ ومنه الحديث هذا أَمْرٌ بُيِّت بلَيْلٍ قلت المدون: *فإذا كان حال العازمين علي الطلاق في سورة الطلاق قد نسخ حال المطلقين ، *وإذا كانت عدة الإحصاء وتوابعها قد نسخت عدة الاستبراء وتوابعها، *وإذا كان حال المرأة في سورة الطلاق كزوجة قد نسخ حالها السابق في سورة البقرة كمطلقة، *وإذا صار حال المرأة تختلي بزوجها نهاراً وليلاً في أثناء العدة في بيتها الذي هو بيته،قد نسخ حال المرأة الذي كانت فيه لا تختلي بمطلقها لا ليلاً ولا نهاراً لكونها مُطلقةً ، *وإذا كان اسم المرأة في سورة الطلاق وصفتها زوجة قد نسخ اسم المرأة وصفتها في سورة البقرة كمطلقة(بقوله تعالي [والمطلقات يتربصن بأنفسهن]) *وإذا...وإذا...وإذا...وإذا...وإذا...وإذا............ *فما داعي الخلاف والاختلاف في مسائل الطلاق التي لانهاية لها،ولماذا الخلاف وكل شيئ قد أحكمه الله في عقب تنزيل سورة الطلاق 5أو6 هـ بتأصيل قاعدة الطلاق ومعادلتها بحيث تكون: عدة إحصاء +طلاق في نهايتها= تفريقٌ+إشهاد ففي الحلف بالطلاق: قد صار الأمر غير ما يختلف عليه الفقهاء فهم يتكلمون بأحكام الطلاق في شريعة منسوخة نزلت في سورة البقرة كان التلفظ بالطلاق معتبرا فيها ومؤثراً في سائر أحداث ما بعد التلفظ به والتي بدلها الله بالشريعة المحكمة في سورة الطلاق التي لا قيمة للتلفظ بلفظ الطلاق إلا في توقيت تفعيله بعد نهاية العدة وفي هذا التوقيت فقط فمن حلف بالطلاق كمن لم يحلف به بعد تنزيل سورة الطلاق لكون العدة صارت جدار حماية وصد لكل هزل أو جد من الأزواج الذين يريدون خراب بيوتهم وصار توقيت تفعيل الطلاق لا يكون إلا في دُبُرِ العدة (عدة الإحصاء) التصوير: بدء الإحصاء والعد نهاية الإحصاء والعد=توقيت تفعيل الطلاق كما أمر الله تعالي في سورة الطلاق المنزلة في العام5 أو 6 هـ الناسخة تبديلا لما سبق تشريعه في سورة البقرة1و2 هـ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا/1سورة الطلاق) وانظر اختصار الحكمة في ألفاظ الآية خاصة في اللام بمعني بعد وفي استخدام إذا الشرطية كما قدمنا واليك روابط كلا الشرعين: الاستكمال ان شـــــــــــــــــــــــــــــاء الله : بداية الاستكمال ان شـــــــــــــــــــــــــــــاء الله : *اللّغْوُ فِي الْيَمِينِ: وَاللّغْوُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الشّيْءِ يَظُنّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَتَبَيّنُ بِخِلَافِهِ. وَالثّانِي: أَنْ تَجْرِيَ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْحَلِفِ كَلّا وَاَللّهِ وَبَلَى وَاَللّهِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَكِلَاهُمَا رَفَعَ اللّهُ الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ لِعَدَمِ وَحَقِيقَتِهَا وَهَذَا تَشْرِيعٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ أَلّا يُرَتّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَلْفَاظِ الّتِي لَمْ يَقْصِدْ الْمُتَكَلّمُ بِهَا حَقَائِقَهَا وَمَعَانِيهَا وَهَذَا غَيْرُ الْهَازِلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. قال ابن القيم: لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَإِقْرَارُهُ: قلت المدون:لقد انعدم في شريعة الطلاق بعد نزول سورة الطلاق بالعام الخامس هجري كل التساؤلات التي في أيمانات الطلاق والحلف بها وأحوال الحالفين بها ما بين سكران أو غضبان أو مُكْرَهٍٍ أو حتي مُغيبٍ أو في اغلاقٍ أو لاهٍٍ أو لاغٍٍ أو بأي سببٍ كان حال صاحب اليمين في الطلاق،ذلك لأن الله الواحد قد بدل شريعة الطلاق في سورة البقرة إلي شريعة الطلاق المحكمة جدا في سورة الطلاق وبدل موضع الطلاق في سورة البقرة بموضع العدة في سورة الطلاق اضغط الروابط التالية وسبب نزول السورة :السبب الأول مطلقا هو قصد الله الواحد في أن يُحكم شريعة الطلاق في خير أمة أخرجت للناس وإلي يوم القيامة بتبديل موضعي الطلاق والعدة بحيث تكون العدة في موضع الطلاق في السورة المنزلة(سورة الطلاق) ويكون الطلاق في سورة الطلاق المنزلة في موضع العدة حين كان في سورة البقرة السابقة ********************************* ففي سورة الطلاق يصير الشأن كالآتي: العدة ثم التطليق ثم التفريق وفي سورة البقرة كان الشأن كالآتي:*** الطــلاق ثم عدة الاستبراء ثم التسريح *** والتوضيح بالصورة كالآتي/ ____________________________________ 1. /شروط وقوع واحتساب الطلاق 2. لا تحتسب التطليقة الخاطئة كيف؟ 3. لا تحتسب التطليقة الخاطئة 4. لا تحتسب التطليقة الخاطئة كيف؟ 2 5. لا تحتسب التطليقة الخاطئة 3 عرض آخر 6. معني السيئات من لسان العرب 7. (T)جدول الفرق في تشريعات وأحكام الطلاق بين سورتي البقرة والطللاق 8. TTالفرق في تشريعات الطلاق بين سورتي الطلاق(5هـ) والبقرة2هـ 9. الآيات المنسوخة والناسخة في أحكام الطلاق بين سورة ... قال ابن القيم :وَقَدْ أَفْتَى الصّحَابَةُ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَإِقْرَارِهِ فَصَحّ عَنْ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ لَيْسَ الرّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَوْجَعَتْهُ أَوْ ضَرَبَتْهُ أَوْ أَوْثَقَتْهُ وَصَحّ عَنْهُ أَنّ رَجُلًا تَدَلّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ لَأُقَطّعَن الْحَبْلَ أَوْ لَتُطَلّقَنّي فَنَاشَدَهَا اللّهَ فَأَبَتْ فَطَلّقَهَا فَأَتَى عُمَرُ فَذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَكَانَ عَلِيّ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَقَالَ ثَابِتٌ الْأَعْرَجُ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزّبَيْرِ عَنْ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ فَقَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ بِشَيْءٍ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا رَوَاهُ الْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ الْأَصَمّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ رَجُلًا جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَتْ السّكّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ لَهُ طَلّقْنِي أَوْ لَأَذْبَحَنك فَنَاشَدَهَا فَأَبَتْ فَطَلّقَهَا ثَلَاثًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطّلَاقِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ. وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ كُلّ الطّلَاقِ جَائِزٌ إلّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ الْمَعَافِرِيّ أَنّ امْرَأَةً اسْتَلّتْ سَيْفًا فَوَضَعَتْهُ عَلَى بَطْنِ زَوْجِهَا وَقَالَتْ وَاَللّهِ لَأُنْفِذَنّكَ أَوْ لِتُطَلّقَنّي فَطَلّقَهَا ثَلَاثًا فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ فَأَمْضَى طَلَاقَهَا. وَقَالَ عَلِيّ كُلّ الطّلَاقِ جَائِزٌ إلّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ قِيلَ أَمّا خَبَرُ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ فَفِيهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ. إحْدَاهَا: ضَعْفُ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو وَالثّانِيَةُ لِينُ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ وَالثّالِثَةُ تَدْلِيسُ بَقِيّةِ الرّاوِي عَنْهُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحْتَجّ بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ السّقُوطِ. وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ: كُلّ الطّلَاقِ جَائِز فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ وَضَعْفُهُ مَشْهُورٌ وَقَدْ رُمِيَ بِالْكَذِبِ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ شَرّ مِنْ الْأَوّلِ. وَأَمّا أَثَرُ عُمَرَ فَالصّحِيحُ عَنْهُ خِلَافُهُ كَمَا تَقَدّمَ وَلَا يُعْلَمُ مُعَاصَرَةُ الْمَعَافِرِيّ لِعُمَرَ وَفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ فِيهِ ضَعْفٌ. وَأَمّا أَثَرُ عَلِيّ فَاَلّذِي رَوَاهُ عَنْهُ النّاسُ أَنّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَرَوَى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ. فَإِنْ صَحّ عَنْهُ مَا ذَكَرْتُمْ فَهُوَ عَامّ مَخْصُوصٌ بِهَذَا. فصل طَلَاقُ السّكْرَانِ: وَأَمّا طَلَاقُ السّكْرَانِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النّسَاءُ 43] فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ قَوْلَ السّكْرَانِ غَيْرَ مُعْتَبِرٍ لِأَنّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ أَمَرَ بِالْمُقِرّ بِالزّنَى أَنْ يُسْتَنْكَهَ لِيُعْتَبَرَ قَوْلُهُ الّذِي أَقَرّ بِهِ أَوْ يُلْغَى. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ فِي قِصّةِ حَمْزَةَ لَمّا عَقَرَ بَعِيرَيْ عَلِيّ فَجَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ يَلُومُهُ فَصَعّدَ فِيهِ النّظَرَ وَصَوّبَهُ وَهُوَ سَكْرَانُ ثُمّ قَالَ هَلْ عَبِيدٌ لِأَبِي فَنَكَصَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَوْ قَالَهُ غَيْرُ سَكْرَانَ لَكَانَ رِدّةً وَكُفْرًا وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِذَلِكَ حَمْزَةٌ. وَصَحّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا سَكْرَانَ طَلَاقٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ طَلَاقُ السّكْرَانِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ طَلَاقُ السّكْرَانِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمّدٍ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ. وَصَحّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنّهُ أُتِيَ بِسَكْرَانَ طَلّقَ فَاسْتَحْلَفَهُ بِاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ لَقَدْ طَلّقَهَا وَهُوَ لَا يَعْقِلُ فَحَلَفَ فَرَدّ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَضَرَبَهُ الْحَدّ. وَهُوَ مَذْهَبُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَرَبِيعَةَ وَاللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالشّافِعِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الشّافِعِيّةِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْهُ وَهِيَ الّتِي اسْتَقَرّ عَلَيْهَا مَذْهَبُهُ وَصَرّحَ بِرُجُوعِهِ إلَيْهَا فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ الّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ إنّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً وَاَلّذِي يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ فَقَدْ أَتَى خَصْلَتَيْنِ حَرّمَهَا عَلَيْهِ وَأَحَلّهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا وَأَنَا أَتّقِي جَمِيعًا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيّ: قَدْ كُنْتُ أَقُولُ إنّ طَلَاقَ السّكْرَانِ يَجُوزُ حَتّى تَبَيّنْته فَغَلَبَ عَلَيّ أَنّهُ لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ لِأَنّهُ لَوْ أَقَرّ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَوْ بَاعَ لَمْ قَالَ وَأَلْزَمَهُ الْجِنَايَةَ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَبِهَذَا أَقُولُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الظّاهِرِ كُلّهِمْ وَاخْتَارَهُ مِنْ الْحَنَفِيّةِ أَبُو جَعْفَرٍ الطّحَاوِيّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيّ حُجَجُ مَنْ أَوْقَعَ طَلَاقَ السّكْرَانِ: وَاَلّذِينَ أَوْقَعُوهُ لَهُمْ سَبْعَةُ مَآخِذَ أَحَدُهَا: أَنّهُ مُكَلّفٌ وَلِهَذَا يُؤَاخَذُ بِجِنَايَاتِهِ. وَالثّانِي: أَنّ إيقَاعَ الطّلَاقِ عُقُوبَةٌ لَهُ. وَالثّالِثُ أَنّ تَرَتّبَ الطّلَاقِ عَلَى التّطْلِيقِ مِنْ بَابِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا فَلَا يُؤَثّرُ فِيهِ السّكْرُ. وَالرّابِعُ أَنّ الصّحَابَةَ أَقَامُوهُ مَقَامَ الصّاحِي فِي كَلَامِهِ فَإِنّهُمْ قَالُوا: إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدّ الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. وَالْخَامِسُ حَدِيثُ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطّلَاقِ وَقَدْ تَقَدّمَ. السّادِسُ حَدِيثُ كُلّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَقَدْ تَقَدّمَ. وَالسّابِعُ أَنّ الصّحَابَةَ أَوْقَعُوا عَلَيْهِ الطّلَاقَ فَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدّثْنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزّبَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ أَنّ رَجُلًا طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ سَكْرَانُ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَفَرّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا. قَالَ وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ مُعَاوِيَةَ أَجَازَ طَلَاقَ السّكْرَانِ. هَذَا جَمِيعُ مَا احْتَجّوا بِهِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُجّةٌ أَصْلًا. .الرّدّ عَلَى حُجَجِ مَنْ أَوْقَعَ طَلَاقَ السّكْرَانِ: وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ مُكَلّفًا لَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ طَلَاقُهُ إذَا كَانَ مُكْرَهًا عَلَى شُرْبِهَا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنّهَا خَمْرٌ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ. وَأَمّا خِطَابُهُ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الّذِي يَعْقِلُ الْخِطَابَ أَوْ عَلَى الصّاحِي وَأَنّهُ نُهِيَ عَنْ السّكْرِ إذَا أَرَادَ الصّلَاةَ وَأَمّا مَنْ لَا يَعْقِلُ فَلَا يُؤْمَرُ وَلَا يَنْهَى. وَأَمّا إلْزَامُهُ بِجِنَايَاتِهِ فَمَحِلّ نِزَاعٍ لَا مَحِلّ وِفَاقٍ فَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتّيّ: لَا يَلْزَمُهُ عَقْدٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا حَدّ إلّا حَدّ الْخَمْرِ فَقَطْ وَهَذَا إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَنّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي كُلّ فِعْلٍ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ. وَاَلّذِينَ اعْتَبَرُوا أَفْعَالَهُ دُونَ أَقْوَالِهِ فَرّقُوا بِفَرْقَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّ إسْقَاطَ أَفْعَالِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى تَعْطِيلِ الْقِصَاصِ إذْ كُلّ مَنْ أَرَادَ قَتْلَ غَيْرِهِ أَوْ الزّنَى أَوْ السّرِقَةَ أَوْ الْحِرَابَ سَكِرَ وَفَعَلَ ذَلِكَ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدّ إذَا أَتَى جُرْمًا وَاحِدًا فَإِذَا تَضَاعَفَ جُرْمُهُ بِالسّكْرِ كَيْفَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدّ؟ هَذَا مِمّا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الشّرِيعَةِ وَأُصُولُهَا وَقَالَ أَحْمَدُ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَبَعْضُ مَنْ يَرَى طَلَاقَ السّكْرَانِ لَيْسَ بِجَائِزٍ يَزْعُمُ أَنّ السّكْرَانَ لَوْ جَنَى جِنَايَةً أَوْ أَتَى حَدّا أَوْ تَرَكَ الصّيَامَ أَوْ الصّلَاةَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَرْسَمِ وَالْمَجْنُونِ هَذَا كَلَامُ سُوءٍ. وَالْفَرْقُ الثّانِي: أَنّ إلْغَاءَ أَقْوَالِهِ لَا يَتَضَمّنُ مَفْسَدَةً لِأَنّ الْقَوْلَ الْمُجَرّدَ مِنْ غَيْرِ الْعَاقِلِ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنّ مَفَاسِدَهَا لَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهَا إذَا وَقَعَتْ فَإِلْغَاءُ أَفْعَالِهِ ضَرَرٌ مَحْضٌ وَفَسَادٌ مُنْتَشِرٌ بِخِلَافِ أَقْوَالِهِ فَإِنْ صَحّ هَذَانِ الْفَرْقَانِ بَطَلَ الْإِلْحَاقُ وَإِنْ لَمْ يَصِحّا كَانَتْ التّسْوِيَةُ بَيْنَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مُتَعَيّنَةً. وَأَمّا الْمَأْخَذُ الثّانِي- وَهُوَ أَنّ إيقَاعَ الطّلَاقِ بِهِ عُقُوبَةٌ لَهُ- فَفِي غَايَةِ الضّعْفِ فَإِنّ الْحَدّ يَكْفِيهِ عُقُوبَةً وَقَدْ حَصَلَ رِضَى اللّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ وَأَمّا الْمَأْخَذُ الثّالِثُ أَنّ إيقَاعَ الطّلَاقِ بِهِ مِنْ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالسّقُوطِ فَإِنّ هَذَا يُوجِبُ إيقَاعَ الطّلَاقِ مِمّنْ سَكِرَ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا بِأَنّهَا خَمْرٌ وَبِالْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ بَلْ وَبِالنّائِمِ ثُمّ يُقَالُ وَهَلْ ثَبَتَ لَكُمْ أَنّ طَلَاقَ السّكْرَانِ سَبَبٌ حَتّى يُرْبَطَ الْحُكْمُ بِهِ وَهَلْ النّزَاعُ إلّا فِي ذَلِكَ؟. وَأَمّا الْمَأْخَذُ الرّابِعُ وَهُوَ أَنّ الصّحَابَةَ جَعَلُوهُ كَالصّاحِي فِي قَوْلِهِمْ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى. فَهُوَ خَبَرٌ لَا يَصِحّ الْبَتّةَ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ خَبَرٌ مَكْذُوبٌ قَدْ نَزّهَ اللّهُ عَلِيّا وَعَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْهُ وَفِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ مَا يَدُلّ عَلَى بُطْلَانِهِ فَإِنّ فِيهِ إيجَابَ الْحَدّ عَلَى مَنْ هَذَى وَالْهَاذِي لَا حَدّ عَلَيْهِ. وَأَمّا الْمَأْخَذُ الْخَامِسُ وَهُوَ حَدِيثُ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطّلَاقِ فَخَبَرٌ لَا يَصِحّ وَلَوْ صَحّ لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى طَلَاقِ مُكَلّفٍ يَعْقِلُ دُونَ مَنْ لَا يَعْقِلُ وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ طَلَاقُ الْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالصّبِيّ. وَأَمّا الْمَأْخَذُ السّادِسُ وَهُوَ خَبَرُ كُلّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ فَمِثْلُهُ سَوَاءٌ لَا يَصِحّ وَلَوْ صَحّ لَكَانَ فِي الْمُكَلّفِ وَجَوَابٌ ثَالِثٌ أَنّ السّكْرَانَ الّذِي لَا يَعْقِلُ إمّا مَعْتُوهٌ وَإِمّا مُلْحَقٌ بِهِ وَقَدْ ادّعَتْ طَائِفَةٌ أَنّهُ مَعْتُوهٌ. قَالُوا: الْمَعْتُوهُ فِي اللّغَةِ الّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا يَدْرِي مَا يَتَكَلّمُ بِهِ. وَأَمّا الْمَأْخَذُ السّابِعُ وَهُوَ أَنّ الصّحَابَةَ أَوْقَعُوا عَلَيْهِ الطّلَاقَ فَالصّحَابَةُ وَأَمّا أَثَرُ ابْنِ عَبّاسٍ فَلَا يَصِحّ عَنْهُ لِأَنّهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْحَجّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَفِي الثّانِيَةِ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَأَمّا ابْنُ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةُ فَقَدْ خَالَفَهُمَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ. -------------- فصل طَلَاقُ الْإِغْلَاقِ: وَأَمّا طَلَاقُ الْإِغْلَاقِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: سَمِعْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي إغْلَاقٍ يَعْنِي الْغَضَبَ هَذَا نَصّ أَحْمَدَ حَكَاهُ عَنْهُ الْخَلّالُ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الشّافِي وزَادِ الْمُسَافِرِ. فَهَذَا تَفْسِيرُ أَحْمَدَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: أَظُنّهُ الْغَضَبَ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابُ الطّلَاقِ عَلَى غَلَطٍ. وَفَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ بِأَنّهُ الْإِكْرَاهُ وَفَسّرَهُ غَيْرُهُمَا: بِالْجُنُونِ وَقِيلَ هُوَ نَهْيٌ عَنْ إيقَاعِ الطّلَقَاتِ الثّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيُغْلَقُ عَلَيْهِ الطّلَاقُ حَتّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ كَغَلْقِ الرّهْنِ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيّ. قَالَ شَيْخُنَا وَحَقِيقَةُ الْإِغْلَاقِ أَنْ يُغْلَقَ عَلَى الرّجُلِ قَلْبُهُ فَلَا يَقْصِدُ الْكَلَامَ أَوْ لَا يَعْلَمُ بِهِ كَأَنّهُ انْغَلَقَ عَلَيْهِ قَصْدُهُ وَإِرَادَتُهُ. قُلْت: قَالَ أَبُو الْعَبّاسِ الْمُبَرّدُ: الْغَلْقُ ضِيقُ الصّدْرِ وَقِلّةُ الصّبْرِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ مُخَلّصًا قَالَ شَيْخُنَا: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَالْمَجْنُونِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ أَوْ غَضَبٍ وَكُلّ مَنْ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِمَا قَالَ. وَالْغَضَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ. قَالَ وَهَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَالثّانِي: مَا يَكُونُ فِي مُبَادِيهِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ تَصَوّرِ مَا يَقُولُ وَقَصَدَهُ فَهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ. الثّالِثُ أَنْ يَسْتَحْكِمَ وَيَشْتَدّ بِهِ فَلَا يُزِيلُ عَقْلَهُ بِالْكُلّيّةِ وَلَكِنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِيّتِهِ بِحَيْثُ يَنْدَمُ عَلَى مَا فَرّطَ مِنْهُ إذَا زَالَ فَهَذَا مَحِلّ نَظَرٍ وَعَدَمُ الْوُقُوعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوِيّ مُتّجِهٌ. حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الطّلَاقِ قَبْلَ النّكَاحِ: فِي السّنَنِ: مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِك» قَالَ التّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَسَأَلْت مُحَمّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ فَقُلْت: أَيّ شَيْءٍ أَصَحّ فِي الطّلَاقِ قَبْلَ النّكَاحِ؟ فَقَالَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد: لَا بَيْعَ إلّا فِيمَا يَمْلِكُ وَلَا وَفَاءَ نَذْرٍ إلّا فِيمَا يَمْلِكُ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ: عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النّكَاحِ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ وَقَالَ وَكِيعٌ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ يَرْفَعُهُ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَا طَلَاقَ إلّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَ ابْنَ عَبّاسٍ أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ إنْ طَلّقَ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَهُوَ جَائِزٌ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أَخْطَأَ فِي هَذَا إنّ اللّهَ تَعَالَى يَقُول: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ} [الْأَحْزَابُ 49] وَلَمْ يَقُلْ إذَا طَلّقْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ نَكَحْتُمُوهُنّ. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ: عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ إنْ تَزَوّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَ عَلِيّ لَيْسَ طَلَاقٌ إلّا مِنْ بَعْدِ مِلْكٍ وَثَبَتَ عَنْهُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَا طَلَاقَ إلّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ وَإِنْ سَمّاهَا وَهَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُهُمْ وَداَوُد وَأَصْحَابُهُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَمِنْ حُجّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ الْقَائِلَ إنْ تَزَوّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ مُطَلّقٌ لِأَجْنَبِيّةٍ وَذَلِكَ مُحَالٌ فَإِنّهَا حِينَ الطّلَاقِ الْمُعَلّقِ أَجْنَبِيّةٌ وَالْمُتَجَدّدُ هُوَ نِكَاحُهَا وَالنّكَاحُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فَعُلِمَ أَنّهَا لَوْ طَلُقَتْ فَإِنّمَا يَكُونُ ذَلِكَ اسْتِنَادًا إلَى الطّلَاقِ الْمُتَقَدّمِ مُعَلّقًا وَهِيَ إذْ ذَاكَ أَجْنَبِيّةٌ وَتَجَدّدُ الصّفَةِ لَا يَجْعَلُهُ مُتَكَلّمًا بِالطّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِهَا فَإِنّهُ عِنْدَ وُجُودِهَا مُخْتَارٌ لِلنّكَاحِ غَيْرُ مُرِيدٍ لِلطّلَاقِ فَلَا يَصِحّ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيّةٍ إنْ دَخَلْت الدّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَهِيَ زَوْجَتُهُ لَمْ تَطْلُقْ بِغَيْرِ خِلَافٍ. .الْفَرْقُ بَيْنَ تَعْلِيقِ الطّلَاقِ وَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ: فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَعْلِيقِ الطّلَاقِ وَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ؟ فَإِنّهُ لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْتُ فُلَانًا فَهُوَ حُرّ صَحّ التّعْلِيقُ وَعَتَقَ بِالْمِلْكِ؟. قِيلَ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ قَوْلَانِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي تَعْلِيقِ الطّلَاقِ وَالصّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ الّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ صِحّةُ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ دُونَ الطّلَاقِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ الْعِتْقَ لَهُ قُوّةٌ وَسِرَايَةٌ وَلَا يَعْتَمِدُ نُفُوذَ الْمِلْكِ فَإِنّهُ يَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَيَصِحّ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ سَبَبًا لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ عَقْلًا وَشَرْعًا كَمَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْعِتْقِ عَنْ ذِي رَحِمِهِ الْمُحَرّمِ بِشِرَائِهِ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِيُعْتِقَهُ فِي كَفّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَكُلّ هَذَا يُشْرَعُ فِيهِ جَعْلُ الْمِلْكِ سَبَبًا لِلْعِتْقِ فَإِنّهُ قُرْبَةٌ مَحْبُوبَةٌ لِلّهِ تَعَالَى فَشَرَعَ اللّهُ سُبْحَانَهُ التّوَسّلَ إلَيْهِ بِكُلّ وَسِيلَةٍ مُفْضِيَةٍ إلَى مَحْبُوبِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطّلَاقُ فَإِنّهُ بَغِيضٌ إلَى اللّهِ وَهُوَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْ مِلْكَ الْبُضْعِ بِالنّكَاحِ سَبَبًا لِإِزَالَتِهِ الْبَتّةَ وَفَرْقٌ ثَانٍ أَنّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ مِنْ بَابِ نَذْرِ الْقُرَبِ وَالطّاعَاتِ وَالتّبَرّرِ كَقَوْلِهِ لَئِنْ آتَانِي اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ لَأَتَصَدّقَن بِكَذَا وَكَذَا فَإِذَا وُجِدَ الشّرْطُ لَزِمَهُ مَا عَلّقَهُ بِهِ مِنْ الطّاعَةِ الْمَقْصُودَةِ فَهَذَا لَوْنٌ وَتَعْلِيقُ الطّلَاقِ عَلَى الْمِلْكِ لَوْنٌ آخَرُ.
حَكَمَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ
وَالنّفَسَاءِ وَالْمَوْطُوءَةِ فِي طُهْرِهَا:
وَتَحْرِيمِ إيقَاعِ الثّلَاثِ جُمْلَةً: فِي الصّحِيحَيْنِ أَنّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمّ لِيُمْسِكْهَا حَتّى تَطْهُرَ ثُمّ تَحِيضَ ثُمّ تَطْهُرَ ثُمّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ يُطَلّقُ قَبْلَ أَنْ يَمَسّ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النّسَاءُ. مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمّ لِيُطَلّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا. وَفِي لَفْظٍ إنْ شَاءَ طَلّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسّ فَذَلِكَ الطّلَاقُ لِلْعِدّةِ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ تَعَالَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيّ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمّ لِيُطَلّقْهَا فِي قُبُلِ عِدّتِهَا. وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: قَالَ طَلّقَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَرَدّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَقَالَ إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَيّهَا النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمْ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ فِي قُبُلِ عِدّتِهِنّ [الطّلَاقُ 1]. أَنْوَاعُ الطّلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْحِلّ وَالْحُرْمَةِ: فَتَضَمّنَ هَذَا الْحُكْمُ أَنّ الطّلَاقَ عَلَى أَرْبَعِهِ أَوْجُهٍ وَجْهَانِ حَلَالٌ وَوَجْهَانِ حَرَامٌ. فَالْحَلَالَانِ أَنْ يُطَلّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ يُطَلّقَهَا حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا. وَالْحَرَامَانِ أَنْ يُطَلّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ يُطَلّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ هَذَا فِي طَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَأَمّا مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَيَجُوزُ طَلَاقُهَا حَائِضًا وَطَاهِرًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلّقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضَةً} [الْبَقَرَةُ 236]. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا} [الْأَحْزَابُ 49] وَقَدْ دَلّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقُ 1] وَهَذِهِ لَا عِدّةَ لَهَا وَنَبّهَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِهِ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النّسَاءُ وَلَوْلَا هَاتَانِ الْآيَتَانِ اللّتَانِ فِيهِمَا إبَاحَةُ الطّلَاقِ قَبْلَ الدّخُولِ لَمَنَعَ مِنْ طَلَاقِ مَنْ لَا عِدّةَ لَهُ عَلَيْهَا. وَفِي سُنَنِ النّسَائِيّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانُ فَقَالَ أَيَلْعَبُ بِكِتَابِ اللّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلَا أَقْتُلُهُ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ الطّلَاقِ قَالَ أَمّا أَنْتَ إنْ طَلّقْتَ امْرَأَتَكَ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي بِهَذَا وَإِنْ كُنْتَ طَلّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك وَعَصَيْتَ أَمَرَك مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ النّصُوصُ أَنّ الْمُطَلّقَةَ نَوْعَانِ مَدْخُولٌ بِهَا وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً وَيَجُوزُ تَطْلِيقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا طَاهِرًا وَحَائِضًا. وَأَمّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ حَرّمَ طَلَاقَهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَبِينَةَ الْحَمْلِ جَازَ طَلَاقُهَا بَعْدَ الْوَطْءِ وَقَبْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا لَمْ يَجُزْ طَلَاقُهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فِي طُهْرِ الْإِصَابَةِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ. هَذَا الّذِي شَرَعَهُ اللّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مِنْ الطّلَاقِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ الّذِي أَذِنَ اللّهُ فِيهِ وَأَبَاحَهُ إذَا كَانَ مِنْ مُكَلّفٍ مُخْتَارٍ عَالِمٍ بِمَدْلُولِ اللّفْظِ قَاصِدٍ لَهُ. الِاخْتِلَافُ فِي وُقُوعِ الْمُحَرّمِ مِنْ الطّلَاقِ: وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ الْمُحَرّمِ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ. الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الطّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطّهْرِ الّذِي وَاقَعَهَا فِيهِ. الْمَسْأَلَةُ الثّانِيَةُ فِي جَمْعِ الثّلَاثِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَحْرِيرًا وَتَقْرِيرًا كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا تَصْوِيرًا وَنَذْكُرُ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ وَمُنْتَهَى أَقْدَامِ الطّائِفَتَيْنِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنّ الْمُقَلّدَ الْمُتَعَصّبَ لَا يَتْرُكُ مَنْ قَلّدَهُ وَلَوْ جَاءَتْهُ كُلّ آيَةٍ وَأَنّ طَالِبَ الدّلِيلِ لَا يَأْتَمّ بِسِوَاهُ وَلَا يُحَكّمُ إلّا إيّاهُ وَلِكُلّ مِنْ النّاسِ مَوْرِدٌ لَا يَتَعَدّاهُ وَسَبِيلٌ لَا يَتَخَطّاهُ وَلَقَدْ عُذِرَ مَنْ حَمَلَ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ قُوَاهُ وَسَعَى إلَى حَيْثُ انْتَهَتْ إلَيْهِ خُطَاهُ. هَلْ يَقَعُ الطّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطّهْرِ الّذِي وَاقَعَهَا فِيهِ: فَأَمّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنّ الْخِلَافَ فِي وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ لَمْ يَزَلْ ثَابِتًا بَيْنَ السّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَدْ وَهِمَ مَنْ ادّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِهِ وَقَالَ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا اطّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: كَيْفَ وَالْخِلَافُ بَيْنَ النّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْلُومُ الثّبُوتِ عَنْ الْمُتَقَدّمِينَ وَالْمُتَأَخّرِينَ؟ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ السّلَامِ الْخُشَنِيّ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثّقَفِيّ حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُعْتَدّ بِذَلِك ذَكَرَهُ أَبُوُ مُحَمّدُ بْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلّى بِإِسْنَادِهِ إلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ فِي مُصَنّفِهِ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ قَالَ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقًا مَا خَالَفَ وَجْهَ الطّلَاقِ وَوَجْهَ الْعِدّةِ وَكَانَ يَقُولُ وَجْهُ الطّلَاقِ أَنْ يُطَلّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَإِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وَقَالَ الْخُشَنِيّ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ حَدّثَنَا هَمّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنّهُ قَالَ فِي الرّجُلِ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ لَا يُعْتَدّ بِهَا قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ بْنُ حَزْمٍ: وَالْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ مَنْ ادّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَهُوَ لَا يَجِدُ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي إمْضَاءِ الطّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ كَلِمَةً عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ غَيْرَ رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرِوَايَتَيْنِ سَاقِطَتَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. إحْدَاهُمَا: رَوَيْنَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْضِي فِي الْمَرْأَةِ الّتِي يُطَلّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَنّهَا لَا تَعْتَدّ بِحَيْضَتِهَا تِلْكَ وَتَعْتَدّ بَعْدَهَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ: وَالْأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرّزّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسّانٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ رَجُلٍ سَمّاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَلْزَمُهُ الطّلَاقُ وَتَعْتَدّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ سِوَى تِلْكَ الْحَيْضَةِ قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ بَلْ نَحْنُ أَسْعَدُ بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ هَاهُنَا لَوْ اسْتَجَزْنَا مَا يَسْتَجِيزُونَ وَنَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ جَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَنّ الطّلَاقَ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُخَالِفَةٌ لِأَمْرِهِ فَإِذَا كَانَ لَا شَكّ فِي هَذَا عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُونَ الْحُكْمَ بِتَجْوِيزِ الْبِدْعَةِ الّتِي يُقِرّونَ أَنّهَا بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ أَلَيْسَ بِحُكْمِ الْمُشَاهَدَةِ مُجِيزُ الْبِدْعَةِ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِأَنّهَا بِدْعَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ: وَحَتّى لَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا الْخِلَافُ لَكَانَ الْقَاطِعُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِمَا لَا يَقِينَ عِنْدَهُ وَلَا بَلَغَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ كَاذِبًا عَلَى جَمِيعِهِمْ. أَدِلّةُ الْمَانِعِينَ مِنْ وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ: قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ لَا يُزَالُ النّكَاحُ الْمُتَيَقّنُ إلّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقّنٍ. فَإِذَا أَوَجَدْتُمُونَا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثّلَاثَةِ رَفَعْنَا حُكْمَ النّكَاحِ لَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَكَيْفَ وَالْأَدِلّةُ الْمُتَكَاثِرَةُ تَدُلّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ فَإِنّ هَذَا الطّلَاقَ لَمْ يَشْرَعْهُ اللّهُ تَعَالَى الْبَتّةَ وَلَا أَذِنَ فِيهِ فَلَيْسَ فِي شَرْعِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِنُفُوذِهِ وَصِحّتِهِ؟. قَالُوا: وَإِنّمَا يَقَعُ مِنْ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ مَا مَلّكَهُ اللّهُ تَعَالَى لِلْمُطَلّقِ وَلِهَذَا لَا يَقَعُ بِهِ الرّابِعَةُ لِأَنّهُ لَمْ يُمَلّكْهَا إيّاهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّهُ لَمْ يُمَلّكْهُ الطّلَاقَ الْمُحَرّمَ وَلَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَلَا يَصِحّ وَلَا يَقَعُ. قَالُوا: وَلَوْ وَكّلَ وَكِيلًا أَنْ يُطَلّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا جَائِزًا فَطَلّقَ طَلَاقًا فَكَيْفَ كَانَ إذْنُ الْمَخْلُوقِ مُعْتَبَرًا فِي صِحّةِ إيقَاعِ الطّلَاقِ دُونَ إذْنِ الشّارِعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ الْمُكَلّفَ إنّمَا يَتَصَرّفُ بِالْإِذْنِ فَمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ وَرَسُولُهُ لَا يَكُونُ مَحَلّا لِلتّصَرّفِ الْبَتّةَ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَالشّارِعُ قَدْ حَجَرَ عَلَى الزّوْجِ أَنْ يُطَلّقَ فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ فِي الطّهْرِ فَلَوْ صَحّ طَلَاقُهُ لَمْ يَكُنْ لِحَجْرِ الشّارِعِ مَعْنًى وَكَانَ حَجْرُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ مَنَعَهُ التّصَرّفَ أَقْوَى مِنْ حَجْرِ الشّارِعِ حَيْثُ يَبْطُلُ التّصَرّفُ بِحَجْرِهِ. قَالُوا: وَبِهَذَا أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ وَقْتَ النّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنّهُ بَيْعٌ حَجَرَ الشّارِعُ عَلَى بَائِعِهِ هَذَا الْوَقْتَ فَلَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ وَتَصْحِيحُهُ. قَالُوا: وَلِأَنّهُ طَلَاقٌ مُحَرّمٌ مَنْهِيّ عَنْهُ فَالنّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ فَلَوْ صَحّحْنَاهُ لَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ وَالْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الصّحّةِ وَالْفَسَادِ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَالشّارِعُ إنّمَا نَهَى عَنْهُ وَحَرّمَهُ لِأَنّهُ يُبْغِضُهُ وَلَا يُحِبّ وُقُوعَهُ بَلْ وُقُوعُهُ مَكْرُوهٌ إلَيْهِ فَحَرّمَهُ لِئَلّا يَقَعَ مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ وَفِي تَصْحِيحِهِ وَتَنْفِيذِهِ ضِدّ هَذَا الْمَقْصُودِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ النّكَاحُ الْمَنْهِيّ عَنْهُ لَا يَصِحّ لِأَجْلِ النّهْيِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطّلَاقِ وَكَيْفَ أَبْطَلْتُمْ مَا نَهَى اللّهُ عَنْهُ مِنْ النّكَاحِ وَصَحّحْتُمْ مَا حَرّمَهُ وَنَهَى عَنْهُ مِنْ الطّلَاقِ وَالنّهْيُ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؟. قَالُوا: وَيَكْفِينَا مِنْ هَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَامّ الّذِي لَا تَخْصِيصَ فِيهِ بِرَدّ مَا خَالَفَ أَمْرَهُ وَإِبْطَالَهُ وَإِلْغَاءَهُ كَمَا فِي الصّحِيحِ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: كُلّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ فَكَيْفَ يُقَالُ إنّهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ نَافِذٌ؟ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ الْحُكْمِ بِرَدّهِ؟. قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنّهُ طَلَاقٌ لَمْ يَشْرَعْهُ اللّهُ أَبَدًا وَكَانَ مَرْدُودًا بَاطِلًا كَطَلَاقِ الْأَجْنَبِيّةِ وَلَا يَنْفَعُكُمْ الْفَرْقُ بِأَنّ الْأَجْنَبِيّةَ لَيْسَتْ مَحَلّا لِلطّلَاقِ بِخِلَافِ الزّوْجَةِ فَإِنّ هَذِهِ الزّوْجَةَ لَيْسَتْ مَحَلّا لِلطّلَاقِ الْمُحَرّمِ وَلَا هُوَ مِمّا مَلّكَهُ الشّارِعُ إيّاهُ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَمَرَ بِالتّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ وَلَا أَشَرّ مِنْ التّسْرِيحِ الّذِي حَرّمَهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَمُوجَبُ عَقْدِ النّكَاحِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمّا إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَالتّسْرِيحُ الْمُحَرّمُ أَمْرٌ ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ الْبَتّةَ. قَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} وَصَحّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُبَيّنِ عَنْ اللّهِ مُرَادَهُ مِنْ كَلَامِهِ أَنّ الطّلَاقَ الْمَشْرُوعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُوَ الطّلَاقُ فِي زَمَنِ الطّهْرِ الّذِي لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ أَوْ بَعْدَ اسْتِبَانَةِ الْحَمْلِ وَمَا عَدَاهُمَا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ لِلْعِدّةِ فِي حَقّ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا فَكَيْفَ تَحْرُمُ الْمَرْأَةُ بِهِ؟. قَالُوا: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الطّلَاقُ مَرّتَانِ} [الْبَقَرَةُ 269] وَمَعْلُومٌ أَنّهُ إنّمَا أَرَادَ الطّلَاقَ الْمَأْذُونَ فِيهِ وَهُوَ الطّلَاقُ لِلْعِدّةِ فَدَلّ عَلَى أَنّ مَا عَدَاهُ لَيْسَ مِنْ الطّلَاقِ فَإِنّهُ حَصَرَ الطّلَاقَ الْمَشْرُوعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ الّذِي يَمْلِكُ بِهِ الرّجْعَةَ فِي مَرّتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مَا عَدَاهُ طَلَاقًا. قَالُوا: وَلِهَذَا كَانَ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ يَقُولُونَ إنّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِالْفَتْوَى فِي الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ كَمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ مَنْ طَلّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ فَقَدْ بَيّنَ اللّهُ لَهُ وَمَنْ خَالَفَ فَإِنّا لَا نُطِيقُ خِلَافَهُ وَلَوْ وَقَعَ طَلَاقُ الْمُخَالِفِ لَمْ يَكُنْ الْإِفْتَاءُ بِهِ غَيْرَ مُطَاقٍ لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلتّفْرِيقِ مَعْنًى إذْ كَانَ النّوْعَانِ وَاقِعَيْنِ نَافِذَيْنِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَيْضًا: مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ بَيّنَ اللّهُ لَهُ وَإِلّا فَوَاَللّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلّ مَا تُحْدِثُونَ وَقَالَ بَعْضُ الصّحَابَةِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الطّلَاقِ الثّلَاثِ مَجْمُوعَةً مَنْ طَلّقَ كَمَا أُمِرَ فَقَدْ بُيّنَ لَهُ وَمَنْ لَبّسَ تَرَكْنَاهُ وَتَلْبِيسَهُ قَالُوا: وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ كُلّهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِالسّنَدِ الصّحِيحِ الثّابِتِ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالّ أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عُرْوَةَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ وَأَنَا أَسْمَعُ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ طَلّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَرَدّهَا عَلَيّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَقَالَ إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَقَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَيّهَا النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمْ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ فِي قُبُلِ عِدّتِهِنّ قَالُوا: وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصّحّةِ فَإِنّ أَبَا الزّبَيْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عَنْ الْحِفْظِ وَالثّقَةِ وَإِنّمَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِهِ فَإِذَا قَالَ سَمِعْت أَوْ حَدّثَنِي زَالَ مَحْذُورُ التّدْلِيسِ وَزَالَتْ الْعِلّةُ الْمُتَوَهّمَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَحْتَجّونَ بِهِ إذَا قَالَ عَنْ وَلَمْ يُصَرّحْ بِالسّمَاعِ وَمُسْلِمٌ يُصَحّحُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ فَأَمّا إذَا صَرّحَ بِالسّمَاعِ فَقَدْ زَالَ الْإِشْكَالُ وَصَحّ الْحَدِيثُ وَقَامَتْ الْحُجّةُ. قَالُوا: وَلَا نَعْلَمُ فِي خَبَرِ أَبِي الزّبَيْرِ هَذَا مَا يُوجِبُ رَدّهُ وَإِنّمَا رَدّهُ مَنْ رَدّهُ اسْتِبْعَادًا وَاعْتِقَادًا أَنّهُ خِلَافُ الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ وَنَحْنُ نَحْكِي كَلَامَ مَنْ رَدّهُ وَنُبَيّنُ أَنّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الرّدّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَالْأَحَادِيثُ كُلّهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ. وَقَالَ الشّافِعِيّ: وَنَافِعٌ أَثْبَتُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَبِي الزّبَيْرِ وَالْأَثْبَتُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ إذَا خَالَفَهُ. وَقَالَ الْخَطّابِيّ: حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا وَقَوْلُهُ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟ قَالَ فَمَه قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: وَهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي الزّبَيْرِ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ أَجِلّةٌ فَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَأَبُو الزّبَيْرِ لَيْسَ بِحُجّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِ أَبُو الزّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا. فَهَذَا جُمْلَةُ مَا رُدّ بِهِ خَبَرُ أَبِي الزّبَيْرِ وَهُوَ عِنْدَ التّأَمّلِ لَا يُوجِبُ رَدّهُ وَلَا بُطْلَانَهُ. --------------- الرّدّ عَلَى مَنْ ضَعّفَ حَدِيثَ أَبِي الزّبَيْرِ: أَمّا قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ الْأَحَادِيثُ كُلّهَا عَلَى خِلَافِهِ فَلَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ سِوَى تَقْلِيدِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوْنَ ذَلِكَ وَتَزْعُمُونَ أَنّ الْحُجّةَ مِنْ جَانِبِكُمْ فَدَعُوا التّقْلِيدَ وَأَخْبِرُونَا أَيْنَ فِي الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ مَا يُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي الزّبَيْرِ؟ فَهَلْ فِيهَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْتَسَبَ عَلَيْهِ تِلْكَ الطّلْقَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَدّ بِهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَنَعَمْ وَاَللّهِ هَذَا خِلَافٌ صَرِيحٌ لِحَدِيثِ أَبِي الزّبَيْرِ وَلَا تَجِدُونَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَغَايَةُ مَا بِأَيْدِيكُمْ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا وَالرّجْعَةُ تَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الطّلَاقِ. وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ. وَقَدْ سُئِلَ أَتَعْتَدّ بِتِلْكَ التّطْلِيقَةِ؟ فَقَالَ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَقَوْلُ نَافِعٍ أَوْ مَنْ دُونَهُ فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ حَرْفٌ وَاحِدٌ يَدُلّ عَلَى وُقُوعِهَا مُعَارَضَتِهَا لِقَوْلِهِ فَرَدّهَا عَلَيّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَتَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَمُعَارَضَتُهَا لِتِلْكَ الْأَدِلّةِ الْمُتَقَدّمَةِ الّتِي سُقْنَاهَا وَعِنْدَ الْمُوَازَنَةِ يَظْهَرُ التّفَاوُتُ وَعَدَمُ الْمُقَاوَمَةِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا فِي كَلِمَةٍ كَلِمَةٍ مِنْهَا. .مَعْنَى الْمُرَاجَعَةِ فِي كَلَامِ اللّهِ وَرَسُولِهِ: أَمّا قَوْلُهُ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَالْمُرَاجَعَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: ابْتِدَاءُ النّكَاحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} [الْبَقَرَةُ 230] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنّ الْمُطَلّقَ هَاهُنَا: هُوَ الزّوْجُ الثّانِي وَأَنّ التّرَاجُعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزّوْجِ الْأَوّلِ وَذَلِكَ نِكَاحٌ مُبْتَدَأٌ. وَثَانِيهِمَا: الرّدّ الْحِسّيّ إلَى الْحَالَةِ الّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوّلًا كَقَوْلِهِ لِأَبِي النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ لَمّا نَحَلَ ابْنَهُ غُلَامًا خَصّهُ بِهِ دُونَ وَلَدِهِ رَدّهُ فَهَذَا رَدّ مَا لَمْ تَصِحّ فِيهِ الْهِبَةُ الْجَائِزَةُ الّتِي سَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَوْرًا وَأَخْبَرَ أَنّهَا لَا تَصْلُحُ وَأَنّهَا خِلَافُ الْعَدْلِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى. وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ لِمَنْ فَرّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَدّ الْبَيْعَ وَلَيْسَ هَذَا الرّدّ مُسْتَلْزِمًا لِصِحّةِ الْبَيْعِ فَإِنّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ بَلْ هُوَ رَدّ شَيْئَيْنِ إلَى حَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا كَمَا كَانَا وَهَكَذَا الْأَمْرُ بِمُرَاجَعَةِ ابْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ ارْتِجَاعٌ وَرَدّ إلَى حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ كَمَا كَانَا قَبْلَ الطّلَاقِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الطّلَاقِ فِي الْحَيْضِ الْبَتّةَ. وَأَمّا قَوْلُهُ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فَيَا سُبْحَانَ اللّهِ أَيْنَ الْبَيَانُ فِي هَذَا اللّفْظِ بِأَنّ تِلْكَ الطّلْقَةَ حَسَبَهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْأَحْكَامُ لَا تُؤْخَذُ بِمِثْلِ هَذَا وَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ حَسَبَهَا عَلَيْهِ وَاعْتَدّ عَلَيْهِ بِهَا لَمْ يَعْدِلْ عَنْ الْجَوَابِ بِفِعْلِهِ وَشَرْعِهِ إلَى: أَرَأَيْت وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ أَكْرَهُ مَا إلَيْهِ أَرَأَيْت فَكَيْفَ يَعْدِلُ لِلسّائِلِ عَنْ صَرِيحِ السّنّةِ إلَى لَفْظَةِ أَرَأَيْت الدّالّةِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الرّأْيِ سَبَبُهُ عَجْزُ الْمُطَلّقِ وَحُمْقُهُ عَنْ إيقَاعِ الطّلَاقِ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي أَذِنَ اللّهُ لَهُ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ فِيمَا هَذِهِ صِفَتُهُ أَنّهُ لَا يُعْتَدّ بِهِ وَأَنّهُ سَاقِطٌ مِنْ فِعْلِ فَاعِلِهِ لِأَنّهُ لَيْسَ فِي دِينِ اللّهِ تَعَالَى حُكْمٌ نَافِذٌ سَبَبُهُ الْعَجْزُ وَالْحُمْقُ عَنْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ إلّا أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَا يُمْكِنُ رَدّهُ بِخِلَافِ الْعُقُودِ الْمُحَرّمَةِ الّتِي مَنْ عَقَدَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرّمِ فَقَدْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ هَذَا أَدَلّ عَلَى الرّدّ مِنْهُ عَلَى الصّحّةِ وَاللّزُومِ فَإِنّهُ عَقْدُ عَاجِزٍ أَحْمَقَ عَلَى خِلَافِ أَمْرِ اللّهِ وَرَسُولِهِ فَيَكُونُ مَرْدُودًا بَاطِلًا فَهَذَا الرّأْيُ وَالْقِيَاسُ أَدَلّ عَلَى بُطْلَانِ طَلَاقِ مَنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ مِنْهُ عَلَى صِحّتِهِ وَاعْتِبَارِهِ. وَأَمّا قَوْلُهُ فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا. فَفِعْلٌ مَبْنِيّ لِمَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ فَإِذَا سُمّيَ فَاعِلُهُ ظَهَرَ وَتَبَيّنَ هَلْ فِي حُسْبَانِهِ حُجّةٌ أَوْ لَا؟ وَلَيْسَ فِي حُسْبَانِ الْفَاعِلِ الْمَجْهُولِ دَلِيلٌ الْبَتّةَ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَائِلُ فَحُسِبَتْ ابْنَ عُمَرَ أَوْ نَافِعًا أَوْ مَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي حَسَبَهَا حَتّى تَلْزَمَ الْحُجّةُ بِهِ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ فَقَدْ تَبَيّنَ أَنّ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ لَا تُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي الزّبَيْرِ وَأَنّهُ صَرِيحٌ فِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ مُجْمَلَةٌ لَا بَيَانَ فِيهَا. .رَدّ الْمُوقِعِينَ لِلطّلَاقِ عَلَى الْمَانِعِينَ: قَالَ الْمُوقِعُونَ لَقَدْ ارْتَقَيْتُمْ أَيّهَا الْمَانِعُونَ مُرْتَقًى صَعْبًا وَأَبْطَلْتُمْ أَكْثَرَ طَلَاقِ الْمُطَلّقِينَ فَإِنّ غَالِبَهُ طَلَاقٌ بِدْعِيّ وَجَاهَرْتُمْ بِخِلَافِ الْأَئِمّةِ وَلَمْ تَتَحَاشَوْا خِلَافَ الْجُمْهُورِ وَشَذَذْتُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ الّذِي أَفْتَى جُمْهُورُ الصّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِهِ وَالْقُرْآنُ وَالسّنَنُ تَدُلّ عَلَى بُطْلَانِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا تَحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَهَذَا يَعُمّ كُلّ طَلَاقٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَةُ 228] وَلَمْ يُفَرّقْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الطّلَاقُ مَرّتَانِ} وَقَوْلُهُ: {وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ} عُمُومَاتٌ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا إلّا بِنَصّ أَوْ إجْمَاعٍ. قَالُوا: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْأَمْرُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَهِيَ لَمّ شَعَثِ النّكَاحِ وَإِنّمَا شَعَثُهُ وُقُوعُ الطّلَاقِ. الثّانِي: قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَرَاجَعْتهَا وَحَسِبْت لَهَا التّطْلِيقَةَ الّتِي طَلّقَهَا وَكَيْفَ يُظَنّ بِابْنِ عُمَرَ أَنّهُ يُخَالِفُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَحْسَبُهَا مِنْ طَلَاقِهَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا. الثّالِثُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَمّا قِيلَ لَهُ أَيُحْتَسَبُ بِتِلْكَ التّطْلِيقَةِ؟ قَالَ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيْ عَجْزُهُ وَحُمْقُهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي عَدَمِ احْتِسَابِهِ بِهَا. الرّابِعُ أَنّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدّ بِهَا وَهَذَا إنْكَارٌ مِنْهُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا وَهَذَا يُبْطِلُ تِلْكَ اللّفْظَةَ الّتِي رَوَاهَا عَنْهُ أَبُو الزّبَيْرِ إذْ كَيْفَ يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدّ بِهَا؟ وَهُوَ يَرَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ رَدّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا. الْخَامِسُ أَنّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ الِاعْتِدَادُ بِالطّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصّةِ وَأَعْلَمُ النّاسِ بِهَا وَأَشَدّهُمْ اتّبَاعًا لِلسّنَنِ وَتَحَرّجًا مِنْ مُخَالَفَتِهَا. قَالُوا: وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَن ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمّ لِيُمْسِكْهَا حَتّى تَطْهُرَ ثُمّ تَحِيضَ ثُمّ تَطْهُرَ ثُمّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ طَلّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسّ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ وَهِيَ وَاحِدَةٌ هَذَا لَفْظُ حَدِيثِهِ. قَالُوا: وَرَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَرْسَلْنَا إلَى نَافِعٍ وَهُوَ يَتَرَجّلُ فِي دَارِ النّدْوَةِ ذَاهِبًا إلَى الْمَدِينَةِ وَنَحْنُ مَعَ عَطَاءٍ هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا: وَرَوَى حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «مَنْ طَلّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ عَنْ زَكَرِيّا السّاجِي حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ الذّارِعُ حَدّثَنَا حَمّادٌ فَذَكَرَهُ. قَالُوا: وَقَدْ تَقَدّمَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي فَتْوَاهُمَا بِالْوُقُوعِ. قَالُوا: وَتَحْرِيمُهُ لَا يَمْنَعُ تَرَتّبَ أَثَرِهِ وَحُكْمِهِ عَلَيْهِ كَالظّهَارِ فَإِنّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزَوْرٌ وَهُوَ مُحَرّمٌ بِلَا شَكّ وَتَرَتّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الزّوْجَةِ إلَى أَنْ يُكَفّرَ فَهَكَذَا الطّلَاقُ الْبِدْعِيّ مُحَرّمٌ وَيَتَرَتّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ إلَى أَنْ يُرَاجِعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. قَالُوا: وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لِلْمُطَلّقِ ثَلَاثًا: حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك وَعَصَيْتَ رَبّك فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِك فَأَوْقَعَ عَلَيْهِ الطّلَاقَ الّذِي عَصَى بِهِ الْمُطَلّقُ رَبّهُ عَزّ وَجَلّ. قَالُوا: وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ مُحَرّمٌ وَتَرَتّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ مِنْ الْحَدّ وَرَدّ الشّهَادَةِ وَغَيْرِهِمَا. قَالُوا: وَالْفَرْقُ بَيْنَ النّكَاحِ الْمُحَرّمِ وَالطّلَاقِ الْمُحَرّمِ أَنّ النّكَاحَ عَقْدٌ يَتَضَمّنُ حِلّ الزّوْجَةِ وَمِلْكَ بُضْعِهَا فَلَا يَكُونُ إلّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا فَإِنّ الْأَبْضَاعَ فِي الْأَصْلِ عَلَى التّحْرِيمِ وَلَا يُبَاحُ مِنْهَا إلّا مَا أَبَاحَهُ الشّارِعُ بِخِلَافِ الطّلَاقِ فَإِنّهُ إسْقَاطٌ لِحَقّهِ وَإِزَالَةٌ لِمِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَوَقّفُ عَلَى كَوْنِ السّبَبِ الْمُزِيلِ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا كَمَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْعَيْنِ بِالْإِتْلَافِ الْمُحَرّمِ وَبِالْإِقْرَارِ الْكَاذِبِ وَبِالتّبَرّعِ الْمُحَرّمِ كَهِبَتِهَا لِمَنْ يَعْلَمُ أَنّهُ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ. قَالُوا: وَالْإِيمَانُ أَصْلُ الْعُقُودِ وَأَجَلّهَا وَأَشْرَفُهَا يَزُولُ بِالْكَلَامِ الْمُحَرّمِ إذَا كَانَ كُفْرًا فَكَيْفَ لَا يَزُولُ عَقْدُ النّكَاحِ بِالطّلَاقِ الْمُحَرّمِ الّذِي وُضِعَ لِإِزَالَتِهِ. قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ إلّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَإِنّهُ يَقَعُ مَعَ تَحْرِيمِهِ لِأَنّهُ لَا يَحِلّ لَهُ الْهَزْلُ بِآيَاتِ اللّهِ وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتّخِذُونَ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا: طَلّقْتُك رَاجَعْتُك طَلّقْتُك رَاجَعْتُك فَإِذَا وَقَعَ طَلَاقُ الْهَازِلِ مَعَ تَحْرِيمِهِ فَطَلَاقُ الْجَادّ أَوْلَى أَنْ يَقَعَ مَعَ تَحْرِيمِهِ. قَالُوا: وَفَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ النّكَاحِ الْمُحَرّمِ وَالطّلَاقِ الْمُحَرّمِ أَنّ النّكَاحَ نِعْمَةٌ فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْمُحَرّمَاتِ وَإِزَالَتُهُ وَخُرُوجُ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ نِقْمَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا مُحَرّمًا. قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا وَالِاحْتِيَاطُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطّلَاقِ وَتَجْدِيدَ الرّجْعَةِ وَالْعَقْدِ. قَالُوا: وَقَدْ عَهِدْنَا النّكَاحَ لَا يُدْخَلُ فِيهِ إلّا بِالتّشْدِيدِ وَالتّأْكِيدِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْوَلِيّ وَالشّاهِدَيْنِ وَرِضَى الزّوْجَةِ الْمُعْتَبَرِ رِضَاهَا يُقَاسَ عَلَيْهِ. قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَيْدِينَا إلّا قَوْلُ حَمَلَةِ الشّرْعِ كُلّهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ وَالطّلَاقُ نَوْعَانِ طَلَاقُ سُنّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الطّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهَانِ حَلَالٌ وَوَجْهَانِ حَرَامٌ فَهَذَا الْإِطْلَاقُ وَالتّقْسِيمُ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ عِنْدَهُمْ طَلَاقٌ حَقِيقَةً وَشُمُولُ اسْمِ الطّلَاقِ لَهُ كَشُمُولِهِ لِلطّلَاقِ الْحَلَالِ وَلَوْ كَانَ لَفْظًا مُجَرّدًا لَغْوًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ وَلَا قِيلَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ فَإِنّ هَذَا اللّفْظَ إذَا كَانَ لَغْوًا كَانَ وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ فِيهِ طَلّقَ وَلَا يُقَسّمُ الطّلَاقُ- وَهُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ- إلَيْهِ وَإِلَى الْوَاقِعِ فَإِنّ الْأَلْفَاظَ اللّاغِيَةَ الّتِي لَيْسَ لَهَا مَعَانٍ ثَابِتَةٌ لَا تَكُونُ هِيَ وَمَعَانِيهَا قِسْمًا مِنْ الْحَقِيقَةِ الثّابِتَةِ لَفْظًا فَهَذَا أَقْصَى مَا تَمَسّكَ بِهِ الْمُوقِعُونَ وَرُبّمَا ادّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالنّزَاعِ. .رَدّ الْمَانِعِينَ عَلَى الْمُوقِعِينَ: قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ الْوُقُوعِ الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي ثَلَاثِ مَقَامَاتٍ بِهَا يَسْتَبِينُ الْحَقّ فِي الْمَسْأَلَةِ. الْمَقَامُ الْأَوّلُ بُطْلَانُ مَا زَعَمْتُمْ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَأَنّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ إلَى إثْبَاتِهِ الْبَتّةَ بَلْ الْعِلْمُ بِانْتِفَائِهِ مَعْلُومٌ. الْمَقَامُ الثّانِي أَنّ فَتْوَى الْجُمْهُورِ بِالْقَوْلِ لَا يَدُلّ عَلَى صِحّتِهِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِحُجّةٍ. الْمَقَامُ الثّالِثُ أَنّ الطّلَاقَ الْمُحَرّمَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ نُصُوصِ الطّلَاقِ الْمُطْلَقَةِ الّتِي رَتّبَ الشّارِعُ عَلَيْهَا أَحْكَامَ الطّلَاقِ فَإِنْ ثَبَتَتْ لَنَا هَذِهِ الْمَقَامَاتُ الثّلَاثُ كُنّا أَسْعَدَ بِالصّوَابِ مِنْكُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَنَقُولُ أَمّا الْمَقَامُ الْأَوّلُ فَقَدْ تَقَدّمَ مِنْ حِكَايَةِ النّزَاعِ مَا يُعْلَمُ مَعَهُ بُطْلَانُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ كَيْفَ وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ سَبِيلٌ إلَى إثْبَاتِ الْإِجْمَاعِ الّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجّةُ وَتَنْقَطِعُ مَعَهُ الْمَعْذِرَةُ وَتَحْرُمُ مَعَهُ الْمُخَالَفَةُ فَإِنّ الْإِجْمَاعَ الّذِي يُوجِبُ ذَلِكَ هُوَ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيّ الْمَعْلُومُ. وَأَمّا الْمَقَامُ الثّانِي: وَهُوَ أَنّ الْجُمْهُورَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَأَوْجِدُونَا فِي الْأَدِلّةِ الشّرْعِيّةِ أَنّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ حُجّةٌ مُضَافَةٌ إلَى كِتَابِ اللّهِ وَسُنّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ أُمّتِهِ. وَمَنْ تَأَمّلَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ عَهْدِ الصّحَابَةِ وَإِلَى الْآنَ وَاسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُمْ وَجَدَهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى تَسْوِيغِ خِلَافِ الْجُمْهُورِ وَوَجَدَ لِكُلّ مِنْهُمْ أَقْوَالًا عَدِيدَةً انْفَرَدَ بِهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ قَطّ وَلَكِنْ مُسْتَقِلّ وَمُسْتَكْثِرٌ فَمَنْ شِئْتُمْ سَمّيْتُمُوهُ مِنْ الْأَئِمّةِ تَتَبّعُوا مَا لَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الّتِي خَالَفَ فِيهَا الْجُمْهُورَ وَلَوْ تَتَبّعْنَا ذَلِكَ وَعَدَدْنَاهُ لَطَالَ الْكِتَابُ بِهِ جِدّا وَنَحْنُ نُحِيلُكُمْ عَلَى الْكُتُبِ الْمُتَضَمّنَةِ لِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاخْتِلَافِهِمْ وَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَذَاهِبِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ يَأْخُذُ إجْمَاعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَكِنْ هَذَا فِي الْمَسَائِلِ الّتِي يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَلَا تَدْفَعُهَا السّنّةُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ وَأَمّا مَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ فَإِنّهُمْ كَالْمُتّفِقِينَ عَلَى إنْكَارِهِ وَرَدّهِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَأَمّا الْمَقَامُ الثّالِثُ وَهُوَ دَعْوَاكُمْ دُخُولَ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ تَحْتَ نُصُوصِ الطّلَاقِ وَشُمُولَهَا لِلنّوْعَيْنِ إلَى آخِرِ كَلَامِكُمْ فَنَسْأَلُكُمْ مَا تَقُولُونَ فِيمَنْ ادّعَى دُخُولَ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ الْمُحَرّمِ وَالنّكَاحِ الْمُحَرّمِ تَحْتَ نُصُوصِ الْبَيْعِ وَقَالَ شُمُولُ الِاسْمِ لِلصّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ وَالْفَاسِدِ سَوَاءٌ بَلْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ الْمُحَرّمَةِ إذَا ادّعَى دُخُولَهَا تَحْتَ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ الشّرْعِيّةِ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْمُحَرّمَةُ الْمَنْهِيّ عَنْهَا إذَا ادّعَى دُخُولَهَا تَحْتَ الْأَلْفَاظِ الشّرْعِيّةِ وَحَكَمَ لَهَا بِالصّحّةِ لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهَا هَلْ تَكُونُ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً أَوْ بَاطِلَةً؟ فَإِنْ قُلْتُمْ صَحِيحَةٌ وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إلَى ذَلِكَ كَانَ قَوْلًا مَعْلُومَ الْفَسَادِ بِالضّرُورَةِ مِنْ الدّينِ وَإِنْ قُلْتُمْ دَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ وَرَجَعْتُمْ إلَى مَا قُلْنَاهُ وَإِنْ قُلْتُمْ تُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ وَتُرَدّ فِي مَوْضِعٍ قِيلَ لَكُمْ فَفَرّقُوا بِفُرْقَانٍ صَحِيحٍ مُطّرِدٍ مُنْعَكِسٍ مَعَكُمْ بِهِ بُرْهَانٌ مِنْ اللّهِ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُحَرّمَةِ تَحْتَ أَلْفَاظِ النّصُوصِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الصّحّةِ وَبَيْنَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهَا فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ وَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنّهُ لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ سِوَى الدّعْوَى الّتِي يُحْسِنُ كُلّ أَحَدٍ مُقَابَلَتَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ الِاعْتِمَادَ عَلَى مَنْ يُحْتَجّ لِقَوْلِهِ لَا بِقَوْلِهِ وَإِذَا كُشِفَ الْغِطَاءُ عَمّا قَرّرْتُمُوهُ فِي هَذِهِ الطّرِيقِ وُجِدَ عَيْنُ مَحَلّ النّزَاعِ فَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ مُقَدّمَةً فِي الدّلِيلِ وَذَلِكَ عَيْنُ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَهَلْ وَقَعَ النّزَاعُ إلّا فِي دُخُولِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ تَحْتَ قَوْلِهِ: {وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ} وَتَحْتَ قَوْلِهِ: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَأَمْثَالَ ذَلِكَ وَهَلْ سَلّمَ لَكُمْ مُنَازِعُوكُمْ قَطّ ذَلِكَ حَتّى تَجْعَلُوهُ مُقَدّمَةً لِدَلِيلِكُمْ؟. قَالُوا: وَأَمّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَهُوَ إلَى أَنْ يَكُونَ حُجّةً عَلَيْكُمْ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى أَنْ يَكُونَ حُجّةً لَكُمْ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: صَرِيحُ قَوْلِهِ فَرَدّهَا عَلَيّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَقَدْ تَقَدّمَ بَيَانُ صِحّتِهِ. قَالُوا: فَهَذَا الصّرِيحُ الصّحِيحُ لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ مَا يُقَاوِمُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَلْ جَمِيعُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ إمّا صَحِيحَةٌ غَيْرُ صَرِيحَةٍ وَإِمّا صَرِيحَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَمَا سَتَقِفُونَ عَلَيْهِ. الثّانِي: أَنّهُ قَدْ صَحّ عَنْ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ كَالشّمْسِ مِنْ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ فِي الرّجُلِ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ لَا يُعْتَدّ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدّمَ. الثّالِثُ أَنّهُ لَوْ كَانَ صَرِيحًا فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ لَمَا عَدَلَ بِهِ إلَى مُجَرّدِ الرّأْيِ. وَقَوْلُهُ لِلسّائِلِ أَرَأَيْتَ؟ الرّابِعُ أَنّ الْأَلْفَاظَ قَدْ اضْطَرَبَتْ عَنْ ابْنِ عُمَر فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا شَدِيدًا وَكُلّهَا صَحِيحَةٌ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصّ صَرِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وُقُوعِ تِلْكَ الطّلْقَةِ وَالِاعْتِدَادِ بِهَا وَإِذَا تَعَارَضَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ نَظَرْنَا إلَى مَذْهَبِ ابْنِ عُمَر وَفَتْوَاهُ فَوَجَدْنَاهُ صَرِيحًا فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ وَوَجَدْنَا أَحَدَ أَلْفَاظِ حَدِيثِهِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَقَدْ اجْتَمَعَ صَرِيحُ رِوَايَتِهِ وَفَتْوَاهُ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ مُضْطَرِبَةٌ كَمَا تَقَدّمَ بَيَانُهُ. وَأَمّا قَوْلُ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَا لِي لَا أَعْتَدّ بِهَا وَقَوْلُهُ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ رِوَايَةً صَرِيحَةً عَنْهُ بِالْوُقُوعِ وَيَكُونَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُكُمْ. كَيْفَ يُفْتِي بِالْوُقُوعِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ رَدّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْتَدّ عَلَيْهِ بِهَا؟ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوّلِ حَدِيثٍ خَالَفَهُ رَاوِيهِ وَلَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الّتِي خَالَفَهَا رَاوِيهَا أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَةِ الصّحَابِيّ وَمَنْ بَعْدَهُ عَلَى رَأْيِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبّاسٍ حَدِيثَ بَرِيرَةَ وَأَنّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِطَلَاقِهَا وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ فَأَخَذَ النّاسُ بِرِوَايَتِهِ وَتَرَكُوا رَأْيَهُ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ فَإِنّ الرّوَايَةَ مَعْصُومَةٌ عَنْ مَعْصُومٍ وَالرّأْيُ بِخِلَافِهَا كَيْفَ وَأَصْرَحُ الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ مُوَافَقَتُهُ لِمَا رَوَاهُ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ عَلَى أَنّ فِي هَذَا فِقْهًا دَقِيقًا إنّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ غَوْرٌ عَلَى أَقْوَالِ الصّحَابَةِ وَمَذَاهِبِهِمْ وَفَهْمِهِمْ عَنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاحْتِيَاطِهِمْ لِلْأُمّةِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي إيقَاعِ الطّلَاقِ الثّلَاثِ جُمْلَةً. وَأَمّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي آخِرِهِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَعَمْرُ اللّهِ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ اللّفْظَةُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَدّمْنَا عَلَيْهَا شَيْئًا وَلَصِرْنَا إلَيْهَا بِأَوّلِ وَهْلَةٍ وَلَكِنْ لَا نَدْرِي أَقَالَهَا ابْنُ وَهْبٍ مِنْ عِنْدِهِ أَمْ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَمْ نَافِعٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَا يُتَيَقّنُ أَنّهُ مِنْ كَلَامِهِ وَيَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ وَتُرَتّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ وَيُقَالُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ بِالْوَهْمِ وَالِاحْتِمَالِ وَالظّاهِرُ أَنّهَا مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمُرَادُهُ بِهَا أَنّ ابْنَ عُمَرَ إنّمَا طَلّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلَاثًا أَيْ طَلّقَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَهُ. وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ نَافِعٍ أَنّ تَطْلِيقَةَ عَبْدِ اللّهِ حُسِبَتْ عَلَيْهِ فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ الّذِي حَسَبَهَا أَهُوَ عَبْدُ اللّهِ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ عُمَرُ أَوْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْوَهْمِ وَالْحُسْبَانِ وَكَيْفَ يُعَارَضُ صَرِيحِ قَوْلِهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا بِهَذَا الْمُجْمَلِ؟ وَاللّهُ يَشْهَدُ- وَكَفَى بِاَللّهِ شَهِيدًا- أَنّا لَوْ تَيَقّنّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ لَمْ نَتَعَدّ ذَلِكَ وَلَمْ نَذْهَبْ إلَى سِوَاهُ. وَأَمّا حَدِيثُ أَنَسٍ مَنْ طَلّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاَللّهِ أَنّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ الثّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ وَإِنّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيّةَ الذّارِعِ الْكَذّابِ الّذِي يَذْرَعُ وَيُفَصّلُ ثُمّ الرّاوِي لَهُ عَنْهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ وَقَدْ ضَعّفَهُ الْبَرْقَانِيّ وَغَيْرُهُ وَكَانَ قَدْ اُخْتُلِطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ: يُخْطِئُ كَثِيرًا وَمِثْلُ هَذَا إذَا تَفَرّدَ بِحَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ حَدِيثُهُ حُجّةً. وَأَمّا إفْتَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا بِالْوُقُوعِ فَلَوْ صَحّ ذَلِكَ وَلَا يَصِحّ أَبَدًا فَإِنّ أَثَرَ عُثْمَانَ فِيهِ كَذّابٌ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ وَلَا حَالُهُ فَإِنّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ وَأَثَرُ زَيْدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ عَنْ مَجْهُولٍ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ سَمّاهُ عَنْ زَيْدٍ فَيَالِلّهِ الْعَجَبُ أَيْنَ هَاتَانِ الرّوَايَتَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثّقَفِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ حَافِظِ الْأُمّةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ لَا يُعْتَدّ بِهَا. فَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَثَرُ مِنْ قِبَلِكُمْ لَصُلْتُمْ بِهِ وَجُلْتُمْ. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ تَحْرِيمَهُ لَا يَمْنَعُ تَرَتّبَ أَثَرِهِ عَلَيْهِ كَالظّهَارِ فَيُقَالُ أَوّلًا: هَذَا قِيَاسٌ يَدْفَعُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النّصّ وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَدِلّةِ الّتِي هِيَ أَرْجَحُ مِنْهُ ثُمّ يُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ سَوَاءٌ مُعَارَضَةُ الْقَلْبِ بِأَنْ يُقَالَ تَحْرِيمُهُ يَمْنَعُ تَرَتّبَ أَثَرِهِ عَلَيْهِ كَالنّكَاحِ وَيُقَالُ ثَالِثًا: لَيْسَ لِلظّهَارِ جِهَتَانِ جِهَةُ حِلّ وَجِهَةُ حُرْمَةٍ بَلْ كُلّهُ حَرَامٌ فَإِنّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزَوْرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ إلَى حَلَالٍ جَائِزٍ وَحَرَامٍ بَاطِلٍ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَذْفِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ وَالرّدّةِ فَإِذَا وُجِدَ لَمْ يُوجَدْ إلّا مَعَ مَفْسَدَتِهِ فَلَا يُتَصَوّرُ أَنْ يُقَالَ مِنْهُ حَلَالٌ صَحِيحٌ وَحَرَامٌ بَاطِلٌ بِخِلَافِ النّكَاحِ وَالطّلَاقِ وَالْبَيْعِ فَالظّهَارُ نَظِيرُ الْأَفْعَالِ الْمُحَرّمَةِ الّتِي إذَا وَقَعَتْ قَارَنَتْهَا مَفَاسِدُهَا فَتَرَتّبَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا وَإِلْحَاقُ الطّلَاقِ بِالنّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعُقُودِ الْمُنْقَسِمَةِ إلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَصَحِيحٍ وَبَاطِلٍ أَوْلَى. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ النّكَاحَ عَقْدٌ يُمَلّكُ بِهِ الْبُضْعُ وَالطّلَاقُ عَقْدٌ يَخْرُجُ بِهِ فَنَعَمْ. مِنْ أَيْنَ لَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ فِي اعْتِبَارِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا وَالْإِلْزَامِ بِهِ وَتَنْفِيذِهِ وَإِلْغَاءِ الْآخَرِ وَإِبْطَالِهِ؟. وَأَمّا زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْعَيْنِ بِالْإِتْلَافِ الْمُحَرّمِ فَذَلِكَ مِلْكٌ قَدْ زَالَ حِسّا فَأَبْعَدُ. وَأَبْعَدُ فَإِنّا صَدّقْنَاهُ ظَاهِرًا فِي إقْرَارِهِ وَأَزَلْنَا مِلْكَهُ بِالْإِقْرَارِ الْمُصَدّقِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا. وَأَمّا زَوَالُ الْإِيمَانِ بِالْكَلَامِ الّذِي هُوَ كُفْرٌ فَقَدْ تَقَدّمَ جَوّابُهُ وَأَنّهُ لَيْسَ فِي الْكُفْرِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ. وَأَمّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَإِنّمَا وَقَعَ لِأَنّهُ صَادَفَ مَحَلّا وَهُوَ طُهْرٌ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ فَنَفَذَ وَكَوْنُهُ هَزَلَ بِهِ إرَادَةً مِنْهُ أَنْ لَا يَتَرَتّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ بَلْ إلَى الشّارِعِ فَهُوَ قَدْ أَتَى بِالسّبَبِ التّامّ وَأَرَادَ أَلّا يَكُونَ سَبَبَهُ فَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ طَلّقَ فِي غَيْرِ زَمَنِ الطّلَاقِ فَإِنّهُ لَمْ يَأْتِ بِالسّبَبِ الّذِي نَصّبَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ مُفْضِيًا إلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ وَإِنّمَا أَتَى بِسَبَبٍ مِنْ عِنْدِهِ وَجَعَلَهُ هُوَ مُفْضِيًا إلَى حُكْمِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنْ النّكَاحَ نِعْمَةٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبُهُ إلّا طَاعَةً بِخِلَافِ الطّلَاقِ فَإِنّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النّعَمِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ مَعْصِيَةً فَيُقَالُ قَدْ يَكُونُ الطّلَاقُ مِنْ أَكْبَرِ النّعَمِ الّتِي يَفُكّ بِهَا الْمُطَلّقُ الْغُلّ مِنْ عُنُقِهِ وَالْقَيْدَ مِنْ رِجْلِهِ فَلَيْسَ كُلّ طَلَاقٍ نِقْمَةً بَلْ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ مَكّنَهُمْ مِنْ الْمُفَارَقَةِ بِالطّلَاقِ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَالتّخَلّصَ مِمّنْ لَا يُحِبّهَا وَلَا يُلَائِمُهَا فَلَمْ يُرَ لِلْمُتَحَابّيْنِ مِثْلُ النّكَاحِ وَلَا لِلْمُتَبَاغِضَيْنِ مِثْلُ الطّلَاقِ ثُمّ كَيْفَ يَكُونُ نِقْمَةً وَاللّهُ تَعَالَى يَقُولُ {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلّقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ} [الْبَقَرَةُ 236] وَيَقُولُ {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقُ 1]؟. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا فَنَعَمْ وَهَكَذَا قُلْنَا سَوَاءٌ فَإِنّا احْتَطْنَا وَأَبْقَيْنَا الزّوْجَيْنِ عَلَى يَقِينِ النّكَاحِ حَتّى يَأْتِيَ مَا يُزِيلُهُ بِيَقِينٍ فَإِذَا أَخْطَأْنَا فَخَطَؤُنَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ أَصَبْنَا فَصَوَابُنَا فِي جِهَتَيْنِ جِهَةِ الزّوْجِ الْأَوّلِ وَجِهَةِ الثّانِي وَأَنْتُمْ تَرْتَكِبُونَ أَمْرَيْنِ تَحْرِيمَ الْفَرَجِ عَلَى مَنْ كَانَ حَلَالًا لَهُ بِيَقِينٍ وَإِحْلَالُهُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ جِهَتَيْنِ فَتَبَيّنَ أَنّا أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْكُمْ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي طَلَاقِ السّكْرَانِ نَظِيرُ هَذَا الِاحْتِيَاطِ سَوَاءٌ فَقَالَ الّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ إنّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً وَاَلّذِي يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ أَتَى خَصْلَتَيْنِ حَرّمَهَا عَلَيْهِ وَأَحَلّهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ النّكَاحَ يُدْخَلُ فِيهِ بِالْعَزِيمَةِ وَالِاحْتِيَاطِ وَيُخْرَجُ مِنْهُ بِأَدْنَى شَيْءٍ قُلْنَا: وَلَكِنْ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ إلّا بِمَا نَصّبَهُ اللّهُ سَبَبًا يُخْرَجُ بِهِ مِنْهُ وَأَذِنَ فِيهِ وَأَمّا مَا يُنَصّبُهُ الْمُؤْمِنُ عِنْدَهُ وَيَجْعَلُهُ هُوَ سَبَبًا لِلْخُرُوجِ مِنْهُ فَكَلّا. فَهَذَا مُنْتَهَى أَقْدَامِ الطّائِفَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضّيّقَةِ الْمُعْتَرَكِ الْوَعِرَةِ الْمَسْلَكِ الّتِي يَتَجَاذَبُ أَعِنّةَ أَدِلّتِهَا الْفُرْسَانُ وَتَتَضَاءَلُ لَدَى صَوْلَتِهَا شَجَاعَةُ الشّجْعَانِ وَإِنّمَا نَبّهْنَا عَلَى مَأْخَذِهَا وَأَدِلّتِهَا لِيَعْلَمَ الْغِرّ الّذِي بِضَاعَتُهُ مِنْ الْعِلْمِ مُزْجَاةٌ أَنّ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ وَرَاءَ مَا عِنْدَهُ وَأَنّهُ إذَا كَانَ مِمّنْ قَصّرَ فِي الْعِلْمِ بَاعَهُ فَضَعُفَ خَلْفَ الدّلِيلِ وَتَقَاصَرَ عَنْ جَنَى ثِمَارِهِ ذِرَاعَهُ فَلْيَعْذُرْ مَنْ شَمّرَ عَنْ سَاقِ عَزْمِهِ وَحَامَ حَوْلَ آثَارِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَحْكِيمِهَا وَالتّحَاكُمِ إلَيْهَا بِكُلّ هِمّةٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَاذِرٍ لِمُنَازِعِهِ فِي قُصُورِهِ وَرَغْبَتِهِ عَنْ هَذَا الشّأْنِ الْبَعِيدِ فَلْيَعْذُرْ مُنَازِعَهُ فِي رَغْبَتِهِ عَمّا ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَحْضِ التّقْلِيدِ وَلْيَنْظُرْ مَعَ نَفْسِهِ أَيّهُمَا هُوَ الْمَعْذُورُ وَأَيّ السّعْيَيْنِ أَحَقّ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ السّعْيَ الْمَشْكُورَ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التّكْلَانُ وَهُوَ الْمُوَفّقُ لِلصّوَابِ الْفَاتِحُ لِمَنْ أَمّ بَابَهُ طَالِبًا لِمَرْضَاتِهِ مِنْ الْخَيْرِ كُلّ بَابٍ. ------------- .فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَنْ طَلّقَ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: قَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرَ عَنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ مُغْضَبًا ثُمّ قَالَ أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَإِنّ ابْنَ وَهْبٍ قَدْ رَوَاهُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْت مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ فَذَكَرَهُ وَمَخْرَمَةُ ثِقَةٌ بِلَا شَكّ وَقَدْ احْتَجّ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ. وَاَلّذِينَ أَعَلّوهُ قَالُوا: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَإِنّمَا هُوَ كِتَابٌ.. قَالَ أَبُو طَالِبٍ سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْن بُكَيْرٍ؟ فَقَالَ هُوَ ثِقَةٌ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ إنّمَا هُوَ كِتَابُ مَخْرَمَةَ فَنَظَرَ فِيهِ كُلّ شَيْءٍ يَقُولُ بَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَهُوَ مِنْ كِتَابِ مَخْرَمَةَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي خَيْثُمَةَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ وَقَعَ إلَيْهِ كِتَابُ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبّاسٍ الدّورِيّ: هُوَ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُهُ عَنْ أَبِيهِ كِتَابٌ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ إلّا حَدِيثًا وَاحِدًا حَدِيثَ الْوِتْرِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ خَالِهِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ أَتَيْتُ مَخْرَمَةَ فَقُلْت: حَدّثَك أَبُوك؟ قَالَ لَمْ أُدْرِكْ أَبِي وَلَكِنْ هَذِهِ كُتُبُهُ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنّ كِتَابَ أَبِيهِ كَانَ عِنْدَهُ مَحْفُوظًا مَضْبُوطًا فَلَا فَرْقَ فِي قِيَامِ الْحُجّةِ بِالْحَدِيثِ بَيْنَ مَا حَدّثَهُ بِهِ أَوْ رَآهُ فِي كِتَابِهِ بَلْ الْأَخْذُ عَنْ النّسْخَةِ أَحْوَطُ إذَا تَيَقّنَ الرّاوِي أَنّهَا نُسْخَةُ الشّيْخِ بِعَيْنِهَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الصّحَابَةِ وَالسّلَفِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْعَثُ كُتُبَهُ إلَى الْمُلُوكِ وَتَقُومُ عَلَيْهِمْ بِهَا الْحُجّةُ وَكَتَبَ كُتُبَهُ إلَى عُمّالِهِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَعَمِلُوا بِهَا وَاحْتَجّوا بِهَا وَدَفَعَ الصّدّيقُ كِتَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الزّكَاةِ إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَحَمَلَهُ وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمّةُ وَكَذَلِكَ كِتَابُهُ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الصّدَقَاتِ الّذِي كَانَ عِنْدَ آلِ عَمْرٍو وَلَمْ يَزَلْ السّلَفُ وَالْخَلَفُ يَحْتَجّونَ بِكِتَابِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَيَقُولُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ كَتَبَ إلَيّ فُلَانٌ أَنّ فُلَانًا أَخْبَرَهُ وَلَوْ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِالْكُتُبِ لَمْ يَبْقَ بِأَيْدِي الْأُمّةِ إلّا أَيْسَرُ الْيَسِيرِ فَإِنّ الِاعْتِمَادَ إنّمَا هُوَ عَلَى النّسْخِ لَا عَلَى الْحِفْظِ وَالْحِفْظُ خَوّانٌ وَالنّسْخَةُ لَا تَخُونُ وَلَا يُحْفَظُ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ الْمُتَقَدّمَةِ أَنّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَدّ الِاحْتِجَاجَ بِالْكِتَابِ وَقَالَ لَمْ يُشَافِهْنِي بِهِ الْكَاتِبُ فَلَا أَقَبْلُهُ بَلْ كُلّهُمْ الْجَوَابُ الثّانِي: أَنّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ سَمِعَ مِنْهُ وَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَإِثْبَاتٌ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ؟ فَقَالَ صَالِحُ الْحَدِيثِ. قَالَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَجَدْت فِي ظَهْرِ كِتَابِ مَالِكٍ سَأَلْت مَخْرَمَةَ عَمّا يُحَدّثُ بِهِ عَنْ أَبِيهِ سَمِعَهَا مِنْ أَبِيهِ؟ فَحَلَفَ لِي: وَرَبّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ- يَعْنِي الْمَسْجِدَ- سَمِعْتُ مِنْ أَبِي. وَقَالَ عَلِيّ بْنُ الْمَدِينِيّ: سَمِعْتُ مَعْنَ بْنَ عِيسَى يَقُولُ مَخْرَمَةُ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِ رَبِيعَةُ أَشْيَاءَ مِنْ رَأْيِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَقَالَ عَلِيّ وَلَا أَظُنّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ كِتَابَ سُلَيْمَانَ لَعَلّهُ سَمِعَ مِنْهُ الشّيْءَ الْيَسِيرَ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ يُخْبِرُنِي عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ سَمِعْت أَبِي وَمَخْرَمَةُ ثِقَةٌ. انْتَهَى. وَيَكْفِي أَنّ مَالِكًا أَخَذَ كِتَابَهُ فَنَظَرَ فِيهِ وَاحْتَجّ بِهِ فِي مُوَطّئِهِ وَكَانَ يَقُولُ حَدّثَنِي مَخْرَمَةُ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ سَأَلْت إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ قُلْت: هَذَا الّذِي يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: حَدّثَنِي الثّقَةُ مَنْ هُوَ؟ قَالَ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيّ كَانَ مَخْرَمَةُ مِنْ ثِقَاتِ الرّجَالِ؟ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ ابْنُ عَدِيّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَخْرَمَةَ أَحَادِيثُ حِسَانٌ مُسْتَقِيمَةٌ وَأَرْجُو أَنّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لِلْمُطَلّقِ ثَلَاثًا: حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك وَعَصَيْتَ رَبّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ وَهَذَا تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِلطّلَاقِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَتَفْسِيرُ الصّحَابِيّ حُجّةٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ عِنْدَنَا مَرْفُوعٌ. حَقّ التّأَمّلِ تَبَيّنَ لَهُ ذَلِكَ وَعَرَفَ أَنّ الطّلَاقَ الْمَشْرُوعَ بَعْدَ الدّخُولِ هُوَ الطّلَاقُ الّذِي يَمْلِكُ بِهِ الرّجْعَةَ وَلَمْ يَشْرَعْ اللّهُ سُبْحَانَهُ إيقَاعَ الثّلَاثِ جُمْلَةً وَاحِدَةً الْبَتّةَ قَالَ تَعَالَى: {الطّلَاقُ مَرّتَانِ} وَلَا تَعْقِلُ الْعَرَبُ فِي لُغَتِهَا وُقُوعَ الْمَرّتَيْنِ إلّا مُتَعَاقِبَتَيْنِ كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ سَبّحَ اللّهَ دُبُرَ كُلّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبّرَهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَنَظَائِرُهُ فَإِنّهُ لَا يُعْقَلُ مِنْ ذَلِكَ إلّا تَسْبِيحٌ وَتَكْبِيرٌ وَتَحْمِيدٌ مُتَوَالٍ يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا فَلَوْ قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاللّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ بِهَذَا اللّفْظِ لَكَانَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ فَقَطْ. وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ} [النّورُ 6] فَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللّهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ إنّي لَمِنْ الصّادِقِينَ كَانَتْ مَرّةً وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النّورُ 8] فَلَوْ قَالَتْ أَشْهَدُ بِاَللّهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ إنّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ كَانَتْ وَاحِدَةً وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَنُعَذّبُهُمْ مَرّتَيْنِ} [التّوْبَةُ 101] فَهَذَا مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرّتَيْنِ} [الْأَحْزَابُ 31] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ فَإِنّ الْمَرّتَيْنِ هُنَا هُمَا الضّعْفَانِ وَهُمَا الْمِثْلَانِ وَهُمَا مِثْلَانِ فِي الْقَدْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الْأَحْزَابُ 30] وَقَوْلِهِ: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [الْبَقَرَةُ 265] أَيْ ضِعْفَيْ مَا يُعَذّبُ بِهِ غَيْرُهَا وَضِعْفَيْ مَا كَانَتْ تُؤْتِي وَمِنْ هَذَا قَوْلُ أَنَسٍ انْشَقّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّتَيْنِ أَيْ شَقّتَيْنِ وَفِرْقَتَيْنِ كَمَا قَالَ فِي اللّفْظِ الْآخَرِ انْشَقّ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ قَطْعًا أَنّهُ إنّمَا انْشَقّ الْقَمَرُ مَرّةً وَاحِدَةً وَالْفَرْقُ مَعْلُومٌ بَيْنَ مَا يَكُونُ مَرّتَيْنِ فِي الزّمَانِ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ مِثْلَيْنِ وَجُزْأَيْنِ وَمَرّتَيْنِ فِي الْمُضَاعَفَةِ. فَالثّانِي: يُتَصَوّرُ فِيهِ اجْتِمَاعُ الْمَرّتَيْنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ وَالْأَوّلُ لَا يُتَصَوّرُ فِيهِ ذَلِكَ. وَمِمّا يَدُلّ عَلَى أَنّ اللّهَ لَمْ يَشْرَعْ الثّلَاثَ جُمْلَةً أَنّهُ قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} إلَى أَنْ قَالَ: {وَبُعُولَتُهُنّ أَحَقّ بِرَدّهِنّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [الْبَقَرَةُ 228] فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ كُلّ طَلَاقٍ بَعْدَ الدّخُولِ فَالْمُطَلّقُ أَحَقّ فِيهِ بِالرّجْعَةِ سِوَى الثّالِثَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ هَذَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} إلَى قَوْلِهِ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ} فَهَذَا هُوَ الطّلَاقُ الْمَشْرُوعُ وَقَدْ ذَكَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَقْسَامَ الطّلَاقِ كُلّهَا فِي الْقُرْآنِ وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا فَذَكَرَ عِدّةَ فِيهِ وَذَكَرَ الطّلْقَةَ الثّالِثَةَ وَأَنّهَا تُحَرّمُ الزّوْجَةَ عَلَى الْمُطَلّق {حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَذَكَرَ طَلَاقَ الْفِدَاءِ الّذِي هُوَ الْخُلْعُ وَسَمّاهُ فِدْيَةً وَلَمْ يَحْسِبْهُ مِنْ الثّلَاثِ كَمَا تَقَدّمَ وَذَكَرَ الطّلَاقَ الرّجْعِيّ الّذِي الْمُطَلّقُ أَحَقّ فِيهِ بِالرّجْعَةِ وَهُوَ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثّلَاثَةِ. وَبِهَذَا احْتَجّ أَحْمَدُ وَالشّافِعِيّ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنّهُ لَيْسَ فِي الشّرْعِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الدّخُولِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بَائِنَةً وَأَنّهُ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً كَانَتْ رَجْعِيّةً وَيَلْغُو وَصْفُهَا بِالْبَيْنُونَةِ وَأَنّهُ لَا يَمْلِكُ إبَانَتَهَا إلّا بِعِوَضٍ. وَأَمّا أَبُو حَنِيفَةُ فَقَالَ تَبِينُ بِذَلِكَ لِأَنّ الرّجْعَةَ حَقّ لَهُ وَقَدْ أَسْقَطَهَا وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ وَإِنْ كَانَتْ الرّجْعَةُ حَقّا لَهُ لَكِنْ نَفَقَةُ الرّجْعِيّةِ وَكُسْوَتُهَا حَقّ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ إلّا بِاخْتِيَارِهَا وَبَذْلِهَا الْعِوَضَ أَوْ سُؤَالِهَا أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ جَوَازُ الْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَأَمّا إسْقَاطُ حَقّهَا مِنْ الْكِسْوَةِ وَالنّفَقَةِ بِغَيْرِ سُؤَالِهَا وَلَا بَذْلِهَا الْعِوَضَ فَخِلَافُ النّصّ وَالْقِيَاسِ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَاللّهُ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الطّلَاقَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَنْفَعِهَا لِلرّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنّهُمْ كَانُوا يُطَلّقُونَ فِي الْجَاهِلِيّةِ بِغَيْرِ عَدَدٍ فَيُطَلّقُ أَحَدُهُمْ الْمَرْأَةَ كُلّمَا شَاءَ وَيُرَاجِعُهَا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْقٌ بِالرّجُلِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فَنَسَخَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ وَقَصَرَ الزّوْجَ عَلَيْهَا وَجَعَلَهُ أَحَقّ بِالرّجْعَةِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدّتُهَا فَإِذَا اسْتَوْفَى الْعَدَدَ الّذِي مُلّكَهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي هَذَا رِفْقٌ بِالرّجُلِ إذْ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِأَوّلِ طَلْقَةٍ وَبِالْمَرْأَةِ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَهَذَا شَرْعُهُ وَحِكْمَتُهُ وَحُدُودُهُ الّتِي حَدّهَا لِعِبَادِهِ فَلَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِأَوّلِ طَلْقَةٍ يُطَلّقُهَا كَانَ خِلَافَ شَرْعِهِ وَحِكْمَتِهِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْ إيقَاعَ الثّلَاثِ جُمْلَةً بَلْ إنّمَا مُلّكَ وَاحِدَةً فَالزّائِدُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ. قَالُوا: وَهَذَا كَمَا أَنّهُ لَمْ يَمْلِكْ إبَانَتَهَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ هُوَ خِلَافُ مَا شَرَعَهُ وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنّ اللّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْأُمّةِ طَلَاقًا بَائِنًا قَطّ إلّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: طَلَاقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَالثّانِي: الطّلْقَةُ الثّالِثَةُ وَمَا عَدَاهُ مِنْ الطّلَاقِ فَقَدْ جَعَلَ لِلزّوْجِ فِيهِ الرّجْعَةَ هَذَا مُقْتَضَى الْكِتَابِ كَمَا تَقَدّمَ تَقْرِيرُهُ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشّافِعِيّ وَأَهْلُ الظّاهِرِ قَالُوا: لَا يَمْلِكُ إبَانَتَهَا بِدُونِ الثّلَاثِ إلّا فِي الْخَلْعِ. وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا رَجْعَةَ فِيهَا: أَحَدُهَا: أَنّهَا ثَلَاثٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِأَنّهُ قَطَعَ حَقّهُ مِنْ الرّجْعَةِ وَهِيَ لَا تَنْقَطِعُ إلّا بِثَلَاثٍ فَجَاءَتْ الثّلَاثُ ضَرُورَةً. الثّانِي: أَنّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا قَالَ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنّهُ يَمْلِكُ إبَانَتَهَا بِطَلْقَةٍ بِعِوَضٍ فَمَلَكَهَا بِدُونِهِ وَالْخُلْعُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ. الثّالِثُ أَنّهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيّةٌ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ الّذِي يَقْتَضِيهِ الْكِتَابُ وَالسّنّةُ وَالْقِيَاسُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ.
فصل هَلْ
يَقَعُ الطّلَاقُ ثَلَاثًا فِيمَنْ قَالَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ:
وَأَمّا الْمَسْأَلَةُ الثّانِيَةُ وَهِيَ وُقُوعُ الثّلَاثِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَاخْتَلَفَ النّاسُ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا: أَنّهَا تَقَعُ وَهَذَا قَوْلُ الْأَئِمّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورُ التّابِعِينَ وَكَثِيرٍ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ. الثّانِي: أَنّهَا لَا تَقَعُ بَلْ تُرَدّ لِأَنّهَا بِدْعَةٌ مُحَرّمَةٌ وَالْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ لِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ حَكَاهُ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ وَحُكِيَ لِلْإِمَامِ أَحْمَد فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ هُوَ قَوْلُ الرّافِضَةِ. وَاحِدَةٌ رَجْعِيّةٌ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ إسْحَاقَ يَقُولُ خَالَفَ السّنّةَ فَيُرَدّ إلَى السّنّةِ انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيّةَ. الرّابِعُ أَنّهُ يُفَرّقُ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا فَتَقَعُ الثّلَاثُ بِالْمَدْخُولِ بِهَا وَيَقَعُ بِغَيْرِهَا وَاحِدَةٌ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبّاسٍ وَهُوَ مَذْهَبُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ مُحَمّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ. .حُجَجُ مَنْ لَمْ يَعْتَدّهَا شَيْئًا: فَأَمّا مَنْ لَمْ يُوقِعْهَا جُمْلَةً فَاحْتَجّوا بِأَنّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرّمٌ وَالْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ وَقَدْ اعْتَرَفَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنّهَا لَوْ كَانَتْ بِدْعَةٌ مُحَرّمَةٌ لَوَجَبَ أَنْ تُرَدّ وَتَبْطُلَ وَلَكِنّهُ اخْتَارَ مَذْهَبَ الشّافِعِيّ أَنّ جَمْعَ الثّلَاثِ جَائِزٌ غَيْرُ مُحَرّمٍ وَسَتَأْتِي حُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ. .حُجَجُ مَنْ جَعَلَهَا وَاحِدَةً: وَأَمّا مَنْ جَعَلَهَا وَاحِدَةً فَاحْتَجّ بِالنّصّ وَالْقِيَاسِ فَأَمّا النّصّ فَمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُوسَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ أَبَا الصّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبّاسٍ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ الثّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ؟ قَالَ نَعَمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَفِي لَفْظٍ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ الثّلَاثَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ تُرَدّ إلَى وَاحِدَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ أَنّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ طَلّقَ عَبْدُ يَزِيدَ- أَبُو رُكَانَةَ وَإِخْوَتُهُ- أُمّ رُكَانَةَ وَنَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ فَجَاءَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ مَا يُغْنِي عَنّي إلّا كَمَا تُغْنِي هَذِهِ الشّعْرَةُ لِشَعْرَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ رَأْسِهَا فَفَرّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَخَذَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمِيّةٌ فَدَعَا بِرُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ ثُمّ قَالَ لِجُلَسَائِهِ أَلَا تَرَوْنَ أَنّ فُلَانًا يُشْبِهُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ عَبْدِ يَزِيدَ وَفُلَانًا مِنْهُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَبْدِ يَزِيدَ طَلّقْهَا فَفَعَلَ ثُمّ قَالَ رَاجِعِ امْرَأَتَكَ أُمّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ فَقَالَ إنّى طَلّقْتهَا ثَلَاثًا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ رَاجِعْهَا وَتَلَا: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ حَدّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ قَالَ طَلّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ أَخُو بَنِي الْمُطّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَيْفَ طَلّقْتَهَا: فَقَالَ طَلّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَالَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنّمَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَارْجِعْهَا إنْ شِئْتَ؟ قَالَ فَرَاجَعَهَا فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَرَى أَنّمَا الطّلَاقُ عِنْدَ كُلّ طُهْرٍ. قَالُوا: وَأَمّا الْقِيَاسُ فَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ جَمْعَ الثّلَاثِ مُحَرّمٌ وَبِدْعَةٌ وَالْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ لِأَنّهَا لَيْسَتْ عَلَى أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا: وَسَائِرُ مَا تَقَدّمَ فِي بَيَانِ التّحْرِيمِ يَدُلّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهَا جُمْلَةً. قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا إلّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ} [النّورُ 6] وَقَوْلُهُ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ} [النّورُ 8] قَالُوا: وَكَذَلِكَ كُلّ مَا يُعْتَبَرُ لَهُ التّكْرَارُ مِنْ حَلِفٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ شَهَادَةٍ وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فَلَوْ قَالُوا: نَحْلِفُ بِاَللّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا: إنّ فُلَانًا قَتَلَهُ كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً. قَالُوا: وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالزّنَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنّ بَعْضَ الصّحَابَةِ قَالَ لِمَاعِزٍ إنْ أَقْرَرْت أَرْبَعًا رَجَمَك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَذَا لَا يُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعُ فِيهِ مَجْمُوعَةً بِفَمٍ وَاحِدٍ. .حُجَجُ مَنْ فَرّقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا: وَأَمّا الّذِينَ فَرّقُوا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا فَلَهُمْ حُجّتَانِ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَن طَاوُسٍ أَنّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ أَبُو الصّهْبَاءِ كَانَ كَثِيرَ السّؤَالِ لِابْنِ عَبّاسٍ قَالَ لَهُ أَمَا عَلِمْت أَنّ الرّجُلَ كَانَ إذَا طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ؟ فَلَمّا رَأَى عُمَرُ النّاسَ قَدْ تَتَايَعُوا فِيهَا قَالَ أَجِيزُوهُنّ عَلَيْهِمْ الْحُجّةُ الثّانِيَةُ أَنّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَيُصَادِفُهَا ذِكْرُ الثّلَاثِ وَهِيَ بَائِنٌ فَتَلْغُو وَرَأَى هَؤُلَاءِ أَنّ إلْزَامَ عُمَرَ بِالثّلَاثِ هُوَ فِي حَقّ الْمَدْخُولِ بِهَا وَحَدِيثُ أَبِي الصّهْبَاءِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. قَالُوا: فَفِي هَذَا التّفْرِيقِ مُوَافَقَةُ الْمَنْقُولِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمُوَافَقَةُ الْقِيَاسِ وَقَالَ بِكُلّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى كَمَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ عَدَمُ الْوُقُوعِ جُمْلَةً هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيّةِ وَحَكَوْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. .حُجَجُ مَنْ أَوْقَعَهَا ثَلَاثًا: قَالَ الْمُوقِعُونَ لِلثّلَاثِ الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ جَمْعِ الثّلَاثِ. وَالثّانِي: وُقُوعُهَا جُمْلَةً وَلَوْ كَانَتْ مُحَرّمَةً. وَنَحْنُ نَتَكَلّمُ مَعَكُمْ فِي الْمَقَامَيْنِ فَأَمّا الْأَوّلُ فَقَدْ قَالَ الشّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الظّاهِرِ إنّ جَمْعَ الثّلَاثِ سُنّةٌ وَاحْتَجّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا تَحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [الْبَقَرَةُ 236] وَلَمْ يُفَرّقْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الثّلَاثُ مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرّقَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ نُفَرّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللّهُ بَيْنَهُ كَمَا لَا نَجْمَعُ بَيْنَ مَا فَرّقَ اللّهُ بَيْنَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ} [الْبَقَرَةُ 227] وَلَمْ يُفَرّقْ وَقَالَ: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلّقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ} الْآيَةُ وَلَمْ يُفَرّقْ وَقَالَ: {وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَةُ 241] وَقَالَ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ} [الْأَحْزَابُ 49] وَلَمْ يُفَرّقْ. قَالُوا: وَفِي الصّحِيحَيْنِ أَنّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيّ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِطَلَاقِهَا قَالُوا: فَلَوْ كَانَ جَمْعُ الثّلَاثِ مَعْصِيَةً لَمَا أَقَرّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَخْلُو طَلَاقُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَعَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ أَوْ حِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِاللّعَانِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوّلَ فَالْحُجّةُ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ الثّانِيَ فَلَا شَكّ أَنّهُ طَلّقَهَا وَهُوَ يَظُنّهَا امْرَأَتَهُ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَبَيّنَهَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ. قَالُوا: وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّ رَجُلًا طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوّجَتْ فَطَلُقَتْ فَسُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَحِلّ لِلْأَوّلِ؟ قَالَ لَا حَتّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الْأَوّلُ فَلَمْ يُنْكِرْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى إبَاحَةِ جَمْعِ الثّلَاثِ وَعَلَى وُقُوعِهَا إذْ لَوْ لَمْ تَقَعْ لَمْ يُوَقّفْ رُجُوعَهَا إلَى الْأَوّلِ عَلَى ذَوْقِ الثّانِي عُسَيْلَتَهَا. قَالُوا: وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ أَنّ زَوْجَهَا أَبَا حَفْصٍ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ طَلّقَهَا ثَلَاثًا ثُمّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا: إنّ أَبَا حَفْصٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَعَلَيْهَا الْعِدّةُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ قَالَتْ فَاطِمَةُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ كَمْ طَلّقَكِ؟ قُلْت: ثَلَاثًا فَقَالَ صَدَقَ لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ زَوْجِي طَلّقَنِي ثَلَاثًا وَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيّ وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْهَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي الْمُطَلّقَةِ ثَلَاثًا: لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ قَالُوا: وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ فِي مُصَنّفِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصّافِي عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قَالَ طَلّقَ جَدّي امْرَأَةً لَهُ أَلْفَ تَطْلِيقَةٍ فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا اتّقَى اللّهَ جَدّك أَمّا ثَلَاثٌ فَلَهُ وَأَمّا تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَعُدْوَانٌ وَظُلْمٌ إنْ شَاءَ اللّهُ عَذّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ طَلّقَ بَعْضُ آبَائِي امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَ بَنُوهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبَانَا طَلّقَ أُمّنَا أَلْفًا فَهَلْ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ؟ فَقَالَ إنّ أَبَاكُمْ لَمْ يَتّقِ اللّهَ فَيَجْعَلَ لَهُ مَخْرَجًا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ عَلَى غَيْرِ السّنّةِ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ إثْمٌ فِي عُنُقِهِ قَالُوا: وَرَوَى مُحَمّدُ بْنُ شَاذَانَ عَنْ مُعَلّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ زُرَيْقٍ أَنّ عَطَاءَ الْخُرَاسَانِيّ حَدّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمّ أَرَادَ أَنْ يُتْبِعَهَا بِطَلْقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الْقُرْأَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللّهُ أَخْطَأْت السّنّةَ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ كُنْت طَلّقْتهَا ثَلَاثًا أَكَانَ لِي أَنْ أَجْمَعَهَا قَالَ لَا كَانَتْ تَبِينُ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً قَالُوا: وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ أَنّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْبَتّةَ فَأُخْبِرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ مَا أَرَدْتَ إلّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللّهِ مَا أَرَدْتُ إلّا وَاحِدَةً فَرَدّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَطَلّقَهَا الثّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَفِي جَامِعِ التّرْمِذِيّ: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَلِيّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتّةَ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَرَدْتَ بِهَا؟ قَالَ وَاحِدَةً قَالَ آللّهِ قَالَ آللّهِ قَالَ هُوَ عَلَى مَا أَرَدْتَ قَالَ التّرْمِذِيّ لَا نَعْرِفُهُ إلّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَسَأَلْتُ مُحَمّدًا- يَعْنِي الْبُخَارِيّ- عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحْلَفَهُ أَنّهُ أَرَادَ بِالْبَتّةِ وَاحِدَةً فَدَلّ عَلَى أَنّهُ لَوْ أَرَادَ بِهَا أَكْثَرَ لَوَقَعَ مَا أَرَادَهُ وَلَوْ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ لَمْ يُحَلّفْهُ. قَالُوا: وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي رَافِعٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ طَلّقَهَا ثَلَاثًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لِأَنّهُمْ وَلَدُ الرّجُلِ وَأَهْلُهُ أَعْلَمُ بِهِ أَنّ رُكَانَةَ إنّمَا طَلّقَهَا الْبَتّةَ. قَالُوا: وَابْنُ جُرَيْجٍ إنّمَا رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي رَافِعٍ. فَإِنْ كَانَ عُبَيْدَ اللّهِ فَهُوَ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ مِنْ إخْوَتِهِ فَمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجّةٌ. قَالُوا: وَأَمّا طَرِيقُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَفِيهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعْرُوفٌ وَقَدْ حَكَى الْخَطّابِيّ أَنّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ كَانَ يُضَعّفُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ كُلّهَا. قَالُوا: وَأَصَحّ مَا مَعَكُمْ حَدِيثُ أَبِي الصّهْبَاءِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمُ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَرَكَهُ الْبُخَارِيّ وَأَظُنّهُ تَرَكَهُ لِمُخَالَفَتِهِ سَائِرَ الرّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ثُمّ سَاقَ الرّوَايَاتِ عَنْهُ بِوُقُوعِ الثّلَاثِ ثُمّ قَالَ فَهَذِهِ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ وَمُحَمّدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ قَالَ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيّاشٍ الْأَنْصَارِيّ كُلّهُمْ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ أَجَازَ الثّلَاثَ وَأَمْضَاهُنّ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُظَنّ بِابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ يَحْفَظُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْئًا ثُمّ يُفْتِي بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الشّافِعِيّ: فَإِنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ: إنّ الثّلَاثَ كَانَتْ تُحْسَبُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاحِدَةً يَعْنِي أَنّهُ بِأَمْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاَلّذِي يُشْبِهُ- وَاللّهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبّاسٍ قَدْ عَلِمَ أَنّهُ كَانَ شَيْئًا فَنُسِخَ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرِوَايَةُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ فِيهَا تَأْكِيدٌ لِصِحّةِ هَذَا التّأْوِيلِ- يُرِيدُ الْبَيْهَقِيّ- مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} الْآيَةُ... وَذَلِكَ أَنّ الرّجُلَ كَانَ إذَا طَلّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلّقَهَا ثَلَاثًا فَنُسِخَ ذَلِكَ فَقَالَ الطّلَاقُ مَرّتَانِ قَالُوا: فَيُحْتَمَلُ أَنّ الثّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً مِنْ هَذَا الْوَقْتِ بِمَعْنَى أَنّ الزّوْجَ كَانَ يَتَمَكّنُ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَهَا كَمَا يَتَمَكّنُ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ ثُمّ نُسِخَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إنّمَا جَاءَ فِي نَوْعٍ خَاصّ مِنْ الطّلَاقِ الثّلَاثِ وَهُوَ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ كَأَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ النّاسُ عَلَى صِدْقِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْخِبّ وَالْخِدَاعُ فَكَانُوا يُصَدّقُونَ أَنّهُمْ أَرَادُوا بِهِ التّأْكِيدَ وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الثّلَاثَ فَلَمّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي زَمَانِهِ أُمُورًا ظَهَرَتْ وَأَحْوَالًا تَغَيّرَتْ مَنَعَ مَنْ حَمَلَ اللّفْظَ عَلَى التّكْرَارِ وَأَلْزَمَهُمْ الثّلَاثَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنّ النّاسَ كَانَتْ عَادَتُهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ثُمّ يَدَعُهَا حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا ثُمّ اعْتَادُوا الطّلَاقَ الثّلَاثَ جُمْلَةً وَتَتَايَعُوا فِيهِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا: كَانَ الطّلَاقُ الّذِي يُوقِعُهُ الْمُطَلّقُ الْآنَ ثَلَاثًا يُوقِعُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْوَاقِعِ لَا عَنْ الْمَشْرُوعِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي كَانَ يَجْعَلُ الثّلَاثَ وَاحِدَةً وَلَا أَنّهُ أُعْلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرّ عَلَيْهِ وَلَا حُجّةَ إلّا فِيمَا قَالَهُ أَوْ فَعَلَهُ أَوْ عَلِمَ بِهِ فَأَقَرّ عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ صِحّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي حَدِيثِ أَبِي الصّهْبَاءِ. قَالُوا: وَإِذَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْنَا الْأَحَادِيثُ نَظَرْنَا إلَى مَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهُمْ أَعْلَمُ بِسُنّتِهِ فَنَظَرْنَا فَإِذَا الثّابِتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ الّذِي لَا يَثْبُتُ عَنْهُ غَيْرُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ أَنّهُ رَوَاهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَجُلٌ طَلّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَطَلّقْتَ امْرَأَتَك؟ فَقَالَ إنّمَا كُنْتُ أَلْعَبُ فَعَلَاهُ عُمَرُ بِالدّرّةِ وَقَالَ إنّمَا يَكْفِيك مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثٌ وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ إنّي طَلّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ لَهُ عَلِيّ بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ وَاقْسِمْ سَائِرَهُنّ بَيْنَ نِسَائِك وَرَوَى وَكِيعٌ أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَقَالَ طَلّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ وَرَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبّاسٍ طَلّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبّاسٍ: ثَلَاثٌ تُحَرّمُهَا عَلَيْك وَبَقِيّتُهَا عَلَيْك وِزْرٌ اتّخَذْت آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا عَبْدُ الرّزّاقِ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ إنّي طَلّقْتُ امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثَلَاثٌ تَبِينُهَا مِنْك وَسَائِرُهُنّ عُدْوَان وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إيَاسٍ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سُئِلُوا عَنْ الْبِكْرِ يُطَلّقُهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا فَكُلّهُمْ قَالَ لَا تَحِلّ لَهُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجَا غَيْرَهُ قَالُوا: فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا تَسْمَعُونَ قَدْ أَوْقَعُوا الثّلَاثَ جُمْلَةً وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إلّا عُمَرُ الْمُحَدّثُ الْمُلْهَمُ وَحْدَهُ لَكَفَى فَإِنّهُ لَا يُظَنّ بِهِ تَغْيِيرُ مَا شَرَعَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الطّلَاقِ الرّجْعِيّ فَيَجْعَلُهُ مُحَرّمًا وَذَلِكَ يَتَضَمّنُ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَنْ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَإِبَاحَتُهُ لِمَنْ لَا تَحِلّ لَهُ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ لَمَا أَقَرّهُ عَلَيْهِ الصّحَابَةُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُوَافِقُوهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ حُجّةٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الثّلَاثَ وَاحِدَةٌ لَمْ يُخَالِفْهَا. وَيُفْتِي بِغَيْرِهَا مُوَافَقَةً لِعُمَرَ وَقَدْ عُلِمَ مُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي الْعَوْلِ وَحَجْبِ الْأُمّ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَعٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهُمْ أَعْلَمُ بِسُنّتِهِ وَشَرْعِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِرّا مِنْ شَرِيعَتِهِ أَنّ الثّلَاثَ وَاحِدَةٌ وَتُوُفّيَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ وَيَعْلَمُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُحَرّمُوا الصّوَابَ فِيهِ وَيُوَفّقُ لَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَيَرْوِي حَبْرُ الْأُمّةِ وَفَقِيهُهَا خَبَرَ كَوْنِ الثّلَاثِ وَاحِدَةً وَيُخَالِفُهُ. -------------- انطر ما يأتي بعده ان شاء الله تعالي *قلت المدون: ما الداعي إلي كل هذه الخلافات والأقوال والآراء وقد أعفي الله أمة محمدٍ صلي الله عليه وسلم من هذا العنت كله حينما بَدَّلَ الله شريعة الطلاق هذه من أحكامها في سورة البقرة المنزلة في العام 1و2 هجري إلي تلك الأحكام المانعة للخلاف والاختلاف المُنزَّلة في سورة الطلاق في العام الخامس أو السادس هجريا 5أو6هـ،بأن بَـــدَّلَ قاعدة الطلاق تلك التي كانت سائدة في سورة البقرة والمُؤَسَّسةِ علي تشريع عدة الاستبراء بعــــــــد التلفظ بالطلاق أي طـــــلاق أولاً ثم عــــــــدة ثم تسريح بدون إشهاد إلي قاعدة الطلاق المُحْكَمَةِ المانعة للخلافات والقيل والقال وكثرة السؤال في أحكام الطلاق المُنَزَّلة بسورة الطلاق في العام 5 أو 6هـ والتي تنص علي الإعتـــداد أولاً بعــــــــــدة إحصــــــــاء يتم فيها العـــــدُ إلي نهاية العـــــدة، ثم يحين ميقات التلفظ بالطلاق هناك وهناك فقط في دُبُرِ العـــدة ،أي بعد العدة أي في نهايتها يعني يعتد الرجــــل والزوجـــة كلاهمـــــا بعدة إحصاء يُحصيان فيها مدة ما سينتهي إليه عددها (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ../1سورة الطلاق)واللام هنا بمعني بعد لوجود الدلائل القاطعة علي ذلك منها: 1. أسلوب إذا الشرطية غير الجازمة وأنها تستخدم لما يُستقبل من الزمان،وأن فعل الشرط إذا وقع في الماضي وجوابها المقرون ب فـــــــ في صيغة الأمر دلت حتما علي معني إرادة الإحداث الفعل أو مجرد الشروع في تنفيذه بشروط ما يتأتي بعدها في جوابها مقترنا ب فـــــ في مستقبل الزمن القريب والمعني (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ[أي إذا أردتم أن تُطَلِّقوا النساء] فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [فطلقوهن بعد عدتهن]لأن اللام هنا تُحقق شرطية إذا في مستقبل الزمان (أي فطلقوهن بعد نهاية وتمام إحصاء عدتهن)،وتسمي أيضا لام الاستدبار أو لام الأجل أو بمعني بعد مثل قوله تعالي( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)/سورة الأعراف)،وقوله تعالي(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)/سورة الأعراف)،فتأكد هنا أن اللام في لفظة لـــــ ميقاتنا هي لام الأجل أو بمعني بعد ،أو بمعني بعد نهاية الأجل وليس قبله بأي حالٍ من الأحوال واضغط والرابط 2.ومنها صيغة الإحصاء وفرض العمل به بلا خلاف لقوله تعالي(وأحصوا العدة)والإحصاء هو العد لنهاية المعدود وهو هنا العدة التي أجل الله التطليق لبعدها وفي نهايتها 3.ومنها فرض كون المرأة في العدة زوجة وليست مطلقة لقوله تعالي(وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) /سورة الطلاق) ويمتنع أن يتصور أحدٌ من البشر أن الله يُحِلُّ خلوةً صار الزوجين فيها مطلقين،إلا في حالةٍ واحدة هي أنهما مازالا زوجين وليس مطلقين وهو ما يدلل علي أن اللام في قوله تعالي(لــــ عدتهن هي لام بمعني بعد، أو لام الاستدبار) وتصوير التسلسل التشريعي في سورة الطلاق 5أو 6 هـ العدة في الصدر الطلاق في الدبر التفريق الإشهاد *ثم تحل المرأة للخطاب بما فيهم مطلقها مالم يستهلك عدد الثلاث تطليقات بنفس التسلسل التشريعي الموضح بالشكل |
*فإذا كان حال العازمين علي
الطلاق في سورة الطلاق قد نسخ حال المطلقين ،
*وإذا كانت عدة الإحصاء وتوابعها قد نسخت عدة الاستبراء وتوابعها، *وإذا كان حال المرأة في سورة الطلاق كزوجة قد نسخ حالها السابق في سورة البقرة كمطلقة، *وإذا صار حال المرأة تختلي بزوجها نهاراً وليلاً في أثناء العدة في بيتها الذي هو بيته،قد نسخ حال المرأة الذي كانت فيه لا تختلي بمطلقها لا ليلاً ولا نهاراً لكونها مُطلقةً ، *وإذا كان اسم المرأة في سورة الطلاق وصفتها زوجة قد نسخ اسم المرأة وصفتها في سورة البقرة كمطلقة(بقوله تعالي [والمطلقات يتربصن بأنفسهن]) *وإذا...وإذا...وإذا...وإذا...وإذا...وإذا............ *فما داعي الخلاف والاختلاف في مسائل الطلاق التي لانهاية لها،ولماذا الخلاف وكل شيئ قد أحكمه الله في عقب تنزيل سورة الطلاق 5أو6 هـ بتأصيل قاعدة الطلاق ومعادلتها بحيث تكون: 1.الطلاق من زاد المعاد والتعقيب الرد المجمل قال ابن القيم في الزاد{ذِكْرُ أَحْكَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الطّلَاقِ: ذِكْرُ حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَاقِ الْهَازِلِ وَزَائِلِ الْعَقْلِ وَالْمُكْرَهِ وَالتّطْلِيقِ فِي نَفْسِهِ: قلت المدون إن كل ما سيذكره ابن القيم هو استدلالات مخلوطة بين سورة البقرة المنزلة في العامين الأولين من الهجرة وسورة الطلاق التي نزلت بعد سورة البقرة بإثنتي عشرة سورة مدنية يُقدر الفرق بينهما بحوالي ثلاث سنين أو يزيد ولم يتنبه الناس بما فيهم ابن القيم رحمه الله أن الله تعالي قد بَدَّلَ شريعة الطلاق التي كانت سائدة في سورة البقرة1و2هـ بتلك التي أنزلها في العام الخامس الهجري من سورة الطلاق علي أنه سيخطأ ويملأ الدنيا خلافاً كل من يجمع بين الشرعتين في الإستدلال والإستنباط ذلك لأنه يستحيل أن يجتمع المنسوخ من سورة البقرة1و2هـ والناسخ من سورة الطلاق5هـ ، مع بعضهما كما يستحيل أن يستقيم التعبد بشرعة منسوخة وناسخة في آنٍ واحد فضلا علي تحريم التعبد بالشرعة المنسوخة حتي لو بقي رسمها في القرآن وهذا سر امتلاء كتب الفقه جميعا بالخلافات التالي بيانها كما في بنود ابن القيم التالي ذكرها وبهذا الذي قدمنا هو حال الاضطراب والإختلاف الشديد الواقع بين الفقهاء كما أوردنا هنا نموذج لأقل الخلاف علي كثرته في كلام ابن القيم رحمه الله في موضوعات الخلاف التالي ذكرها : فِي السّنَنِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ثَلَاثٌ جِدّهُنّ جِدّ وَهَزْلُهُنّ جِدّ النّكَاحُ وَالطّلَاقُ وَالرّجْعَةُ. *ابْنِ عَبّاسٍ: إنّ اللّهَ وَضَعَ عَنْ أُمّتِي الْخَطَأَ وَالنّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. *وَفِيهَا: عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي إغْلَاق. *وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لِلْمُقِرّ بِالزّنَى: أَبِكَ جُنُونٌ؟ *وَثَبَتَ عَنْهُ أَنّهُ أَمَرَ بِهِ أَنْ يُسْتَنْكَهَ. *وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ: عَنْ عَلِيّ أَنّهُ قَالَ لِعُمَرَ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ الْقَلَمَ رُفِعَ عَنْ ثَلَاثٍ عَنْ الْمَجْنُونِ حَتّى يُفِيقَ وَعَنْ الصّبِيّ حَتّى يُدْرِكَ وَعَنْ النّائِمِ حَتّى يَسْتَيْقِظَ. وعنه صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ تَجَاوَزَ لِأُمّتِي عَمّا حَدّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَكَلّمْ أَوْ تَعْمَلْ بِهِ. *النّيّةُ وَالْقَصْدُ عَفْوٌ غَيْرُ لَازِمٍ إنْ لَمْ يَنْطِقْ بِهَا اللّسَانُ: فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ السّنَنُ أَنّ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ اللّسَانُ مِنْ طَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَفْوٌ غَيْرُ لَازِمٍ بِالنّيّةِ وَالْقَصْدِ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ آخَرَانِ: أَحَدُهُمَا: التّوَقّفُ فِيهَا قَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ سُئِلَ ابْنُ سِيرِينَ عَمّنْ طَلّقَ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمَ اللّهُ مَا فِي نَفْسِك؟ قَالَ بَلَى قَالَ فَلَا أَقُولُ فِيهَا شَيْئًا. وَالثّانِي: وُقُوعُهُ إذَا جَزَمَ عَلَيْهِ وَهَذَا رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ *وَرُوِيَ عَنْ الزّهْرِيّ وَحُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا الْأَعْمَالُ بِالنّيّاتِ وَأَنّ مَنْ كَفَرَ فِي نَفْسِهِ فَهُوَ كَفَرَ *وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ} [الْبَقَرَةُ 248] *وَأَنّ الْمُصِرّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَاسِقٌ مُؤَاخَذٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهَا وَالْمُوَالَاةِ وَالْمُعَادَاةِ فِي اللّهِ وَعَلَى التّوَكّلِ وَالرّضَى وَالْعَزْمِ عَلَى الطّاعَةِ وَيُعَاقَبُ عَلَى الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ وَالْعُجْبِ وَالشّكّ وَالرّيَاءِ وَظَنّ السّوءِ بِالْأَبْرِيَاءِ. *وَلَا حُجّةَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِمُجَرّدِ النّيّةِ مِنْ غَيْرِ تَلَفّظٍ ^(أَمّا حَدِيثُ الْأَعْمَالِ بِالنّيّاتِ) فَهُوَ حُجّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنّهُ أَخْبَرَ فِيهِ أَنّ الْعَمَلَ مَعَ النّيّةِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ لَا النّيّةُ وَحْدَهَا وَأَمّا مَنْ اعْتَقَدَ الْكُفْرَ بِقَلْبِهِ أَوْ شَكّ فَهُوَ كَافِرٌ لِزَوَالِ الْإِيمَانِ الّذِي هُوَ عَقْدُ الْقَلْبِ مَعَ الْإِقْرَارِ فَإِذَا زَالَ الْعَقْدُ الْجَازِمُ كَانَ نَفْسُ زَوَالِهِ كُفْرًا فَإِنّ الْإِيمَانَ أَمْرٌ وُجُودِيّ ثَابِتٌ قَائِمٌ بِالْقَلْبِ فَمَا لَمْ يَقُمْ بِالْقَلْبِ حَصَلَ ضِدّهُ وَهُوَ الْكُفْرُ وَهَذَا كَالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ إذَا فَقَدَ الْعِلْمُ حَصَلَ الْجَهْلُ وَكَذَلِكَ كُلّ نَقِيضَيْنِ زَالَ أَحَدُهُمَا خَلّفَهُ الْآخَرُ.^وَأَمّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا أَنّ الْمُحَاسَبَةَ بِمَا يُخْفِيهِ الْعَبْدُ إلْزَامُهُ بِأَحْكَامِهِ بِالشّرْعِ وَإِنّمَا فِيهَا مُحَاسَبَتُهُ بِمَا يُبْدِيهِ أَوْ يُخْفِيهِ ثُمّ هُوَ مَغْفُورٌ لَهُ أَوْ مُعَذّبٌ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُقُوعِ الطّلَاقِ بِالنّيّةِ. *وَأَمّا أَنّ الْمُصِرّ عَلَى الْمَعْصِيَةِ فَاسِقٌ مُؤَاخَذٌ فَهَذَا إنّمَا هُوَ فِيمَنْ عَمِلَ الْمَعْصِيَةَ ثُمّ أَصَرّ عَلَيْهَا فَهُنَا عَمَلٌ اتّصَلَ بِهِ الْعَزْمُ عَلَى مُعَاوَدَتِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُصِرّ وَأَمّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَهُوَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إمّا أَنْ لَا تُكْتَبَ عَلَيْهِ وَإِمّا أَنْ تُكْتَبَ لَهُ حَسَنَةً إذَا تَرَكَهَا لِلّهِ عَزّ وَجَلّ. *وَإِمّا الثّوَابُ وَالْعِقَابُ عَلَى أَعْمَالِ الْقُلُوبِ فَحَقّ وَالْقُرْآنُ وَالسّنّةُ مَمْلُوءَانِ بِهِ *وَلَكِنّ وُقُوعَ الطّلَاقِ وَالْعَتَاقِ بِالنّيّةِ مِنْ غَيْرِ تَلَفّظٍ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْ الثّوَابِ وَالْعِقَابِ وَلَا تَلَازُمَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فَإِنّ مَا يُعَاقِبُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ هُوَ مَعَاصٍ قَلْبِيّةٌ يَسْتَحِقّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهَا كَمَا يَسْتَحِقّهُ عَلَى الْمَعَاصِي الْبَدَنِيّةِ إذْ هِيَ مُنَافِيَةٌ لِعُبُودِيّةِ الْقَلْبِ فَإِنّ الْكِبَرَ وَالْعُجْبَ وَالرّيَاءَ وَظَنّ السّوْءِ مُحَرّمَاتٌ عَلَى الْقَلْبِ وَهِيَ أُمُورٌ اخْتِيَارِيّةٌ يُمْكِنُ اجْتِنَابُهَا فَيَسْتَحِقّ الْعُقُوبَةَ عَلَى فِعْلِهَا وَهِيَ أَسْمَاءٌ لِمَعَانٍ مُسَمّيَاتِهَا قَائِمَةٌ بِالْقَلْبِ. وَأَمّا الْعَتَاقُ وَالطّلَاقُ فَاسْمَانِ لِمُسَمّيَيْنِ قَائِمَيْنِ بِاللّسَانِ أَوْ مَا نَابَ عَنْهُ مِنْ كِتَابَةٍ وَلَيْسَا اسْمَيْنِ لِمَا فِي الْقَلْبِ مُجَرّدًا عَنْ النّطْقِ. * كَلَامُ الْهَازِلِ بِالطّلَاقِ وَالنّكَاحِ وَالرّجْعَةِ مُعْتَبَرٌ: وَتَضَمّنَتْ أَنّ الْمُكَلّفَ إذَا هَزَلَ بِالطّلَاقِ أَوْ النّكَاحِ أَوْ الرّجْعَةِ لَزِمَهُ مَا هَزَلَ بِهِ فَدَلّ ذَلِكَ عَلَى أَنّ كَلَامَ الْهَازِلِ مُعْتَبَرٌ وَإِنْ لَمْ يُعْتَبَرْ كَلَامُ النّائِمِ وَالنّاسِي وَزَائِلِ الْعَقْلِ وَالْمُكْرَهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ الْهَازِلَ قَاصِدٌ لِلّفْظِ غَيْرُ مُرِيدٍ لِحُكْمِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ فَإِنّمَا إلَى الْمُكَلّفَ الْأَسْبَابِ وَأَمّا تَرَتّبُ مُسَبّبَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا فَهُوَ إلَى الشّارِعِ قَصَدَهُ الْمُكَلّفُ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَالْعِبْرَةُ بِقَصْدِهِ السّبَبَ اخْتِيَارًا فِي حَالِ عَقْلِهِ وَتَكْلِيفِهِ فَإِذَا قَصَدَهُ رَتّبَ الشّارِعُ عَلَيْهِ حُكْمَهُ جَدّ بِهِ أَوْ هَزَلَ وَهَذَا بِخِلَافِ النّائِمِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالْمَجْنُونِ وَالسّكْرَانِ وَزَائِلِ الْعَقْلِ فَإِنّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَيْسُوا مُكَلّفِينَ فَأَلْفَاظُهُمْ لَغْوٌ بِمَنْزِلَةِ أَلْفَاظِ الطّفْلِ الّذِي لَا يَعْقِلُ مَعْنَاهَا وَلَا يَقْصِدُهُ. وَسِرّ الْمَسْأَلَةِ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَصَدَ اللّفْظَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ حُكْمَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ اللّفْظَ وَلَمْ يَعْلَمْ مَعْنَاهُ فَالْمَرَاتِبُ الّتِي اعْتَبَرَهَا الشّارِعُ أَرْبَعَةٌ إحْدَاهَا: أَنْ لَا يَقْصِدَ الْحُكْمَ وَلَا يَتَلَفّظَ بِهِ. الثّانِيةُ. أَنْ لَا يَقْصِدَ اللّفْظَ وَلَا حُكْمَهُ. الثّالِثَةُ أَنْ يَقْصِدَ اللّفْظَ دُونَ حُكْمِهِ. *مَا يُبَاحُ لِلْمُكْرَهِ وَمَا لَا يُبَاحُ: الرّابِعَةُ أَنْ يَقْصِدَ اللّفْظَ وَالْحُكْمَ فَالْأَوّلِيّانِ لَغْوٌ وَالْآخِرَتَانِ مُعْتَبِرَتَانِ. هَذَا الّذِي اُسْتُفِيدَ مِنْ مَجْمُوعِ نُصُوصِهِ وَأَحْكَامِهِ وَعَلَى هَذَا فَكَلَامُ الْمُكْرَهِ كُلّهُ لَغْوٌ لَا عِبْرَةَ بِهِ وَقَدْ دَلّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى التّكَلّمِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَكْفُرُ وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِسْلَامِ لَا يَصِيرُ بِهِ مُسْلِمًا وَدَلّتْ السّنّةُ عَلَى أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ تَجَاوَزَ عَنْ الْمُكْرَهِ فَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ وَهَذَا يُرَادُ بِهِ كَلَامُهُ قَطْعًا وَأَمّا أَفْعَالُهُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ فَمَا أُبِيحَ مِنْهَا بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ مُتَجَاوِزٌ عَنْهُ كَالْأَكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَالْعَمَلِ فِي الصّلَاةِ وَلُبْسِ الْمَخِيطِ فِي الْإِحْرَامِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمَا لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ فَهُوَ مُؤَاخَذٌ بِهِ كَقَتْلِ الْمَعْصُومِ وَإِتْلَافِ مَالِهِ وَمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ حَدّهُ بِهِ وَمَنْ أَبَاحَهُ بِالْإِكْرَاهِ لَمْ يُحِدّهُ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. عَدَمُ وُقُوعِ الطّلَاقِ بِلَفْظٍ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الطّلَاقَ:{قلت المدون ما زال ابن القيم شأنه في ذلك شأن سائر الفقهاء يستدلون بأن التلفظ بالطلاق هو حجر الزاوية في بناء صرح الطلاق بكل موضوعاته علي ما كان سابقا في سورة البقرة1و2هـ برغم أن الله تعالي قد نزع من اللفظ فاعليته بعد أن أنزل سبحانه سورة الطلاق5هـ ابان العام الخامس الهجري وصار التلفُّظ بالطلاق لا قيمة له إلا بعد الإنتهاء من إحصاء عدةٍ قدرها 1.ثلاثة قروء لذوات الأقراء 2.وثلاثة أشهرٍ قمرية للائي لا يحضن من النساء 4.وما بقي من مدة الحمل منذ عزم الزوج علي رغبته في التطليق حتي تضع الحامل حملها بولادة أو بسقطٍ } اضغط الصورة للتكبير::↞ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ فِي الْإِكْرَاهِ أَنّ الْأَفْعَالَ إذَا وَقَعَتْ لَمْ تَرْتَفِعْ مَفْسَدَتُهَا بَلْ مَفْسَدَتُهَا مَعَهَا بِخِلَافِ الْأَقْوَالِ فَإِنّهَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهَا. وَجَعْلُهَا بِمَنْزِلَةِ أَقْوَالِ النّائِمِ وَالْمَجْنُونِ فَمَفْسَدَةُ الْفِعْلِ الّذِي لَا يُبَاحُ بِالْإِكْرَاهِ ثَابِتَةٌ بِخِلَافِ مَفْسَدَةِ الْقَوْلِ فَإِنّهَا إنّمَا تُثْبِتُ إذَا كَانَ قَائِلُهُ عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا لَهُ. *وَقَدْ رَوَى وَكِيعٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: سَمّنِي فَسَمّاهَا الظّبْيَةُ فَقَالَتْ مَا قُلْت شَيْئًا قَالَ فَهَاتِ مَا أُسَمّيك بِهِ قَالَتْ سَمّنِي خَلِيّةً طَالِقًا قَالَ أَنْتِ خَلِيّةٌ طَالِقٌ فَأَتَتْ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَقَالَتْ إنّ زَوْجِي طَلّقَنِي فَجَاءَ زَوْجُهَا فَقَصّ عَلَيْهِ الْقِصّةَ فَأَوْجَعَ عُمَرُ رَأْسَهَا وَقَالَ لِزَوْجِهَا: خُذْ بِيَدِهَا وَأَوْجِعْ رَأْسَهَا فَهَذَا الْحُكْمُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِعَدَمِ الْوُقُوعِ لَمّا لَمْ يَقْصِدْ الزّوْجُ اللّفْظَ الّذِي يَقَعُ بِهِ الطّلَاقُ بَلْ قَصَدَ لَفْظًا لَا يُرِيدُ بِهِ الطّلَاقَ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ أَوْ غُلَامِهِ إنّهَا حُرّةٌ وَأَرَادَ أَنّهَا لَيْسَتْ بِفَاجِرَةٍ أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ مُسَرّحَةٌ أَوْ سَرّحْتُك وَمُرَادُهُ تَسْرِيحُ الشّعْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَقَعُ عِتْقُهُ وَلَا طَلَاقُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللّهِ تَعَالَى وَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ أَوْ تَصَادَقَا فِي الْحُكْمِ لَمْ يَقَعْ بِهِ. *الْحَلِفُ بِالطّلَاقِ: فَإِنْ قِيلَ فَهَذَا مِنْ أَيّ الْأَقْسَامِ؟ فَإِنّكُمْ جَعَلْتُمْ الْمَرَاتِبَ أَرْبَعَةً وَمَعْلُومٌ أَنّ هَذَا لَيْسَ بِمُكْرَهٍ وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ وَلَا هَازِلٍ وَلَا قَاصِدٍ لِحُكْمِ اللّفْظِ؟ قِيلَ هَذَا مُتَكَلّمٌ بِاللّفْظِ مُرِيدٌ بِهِ أَحَدَ مَعْنَيَيْهِ فَلَزِمَ حُكْمُ مَا أَرَادَهُ بِلَفْظِهِ دُونَ مَا لَمْ يُرِدْهُ فَلَا يَلْزَمُ بِمَا لَمْ يُرِدْهُ بِاللّفْظِ إذَا كَانَ صَالِحًا لَمّا أَرَادَهُ وَقَدْ اسْتَحْلَفَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رُكَانَةَ لَمّا طَلّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتّةَ فَقَالَ مَا أَرَدْتَ؟ قَالَ وَاحِدَةً قَالَ آللّهِ قَالَ آللّهِ قَالَ هُوَ مَا أَرَدْتَ فَقَبِلَ مِنْهُ نِيّتَهُ فِي اللّفْظِ الْمُحْتَمَلِ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ الْبَتّةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى شَيْءٍ ثُمّ بَدَا لَهُ فَتَرَكَ الْيَمِينَ فَلَيْسَتْ طَالِقًا لِأَنّهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يُطَلّقَهَا وَبِهَذَا أَفْتَى اللّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَالْإِمَامُ أَحْمَدُ حَتّى إنّ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَهَا ثَلَاثُ صُوَرٍ إحْدَاهَا: أَنْ يَرْجِعَ عَنْ يَمِينِهِ وَلَمْ يَكُنْ التّنْجِيزُ مُرَادَهُ فَهَذِهِ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَكُونُ حَالِفًا. الثّانِيةُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ الْيَمِينَ لَا التّنْجِيزَ فَيَقُولُ أَنْتِ طَالِقٌ وَمَقْصُودُهُ إنْ كَلّمْت زَيْدًا. الثّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودُهُ الْيَمِينَ مِنْ أَوّلِ كَلَامِهِ ثُمّ يَرْجِعُ عَنْ الْيَمِينِ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ وَيَجْعَلُ الطّلَاقَ مُنَجّزًا فَهَذَا لَا يَقَعُ بِهِ لِأَنّهُ لَمْ يَنْوِ بِهِ الْإِيقَاعَ وَإِنّمَا نَوَى بِهِ التّعْلِيقَ فَكَانَ قَاصِرًا عَنْ وُقُوعِ الْمُنَجّزِ فَإِذَا نَوَى التّنْجِيزَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَتَى فِي التّنْجِيزِ بِغَيْرِ النّيّةِ الْمُجَرّدَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [الْبَقَرَةُ 225]. *قلت المدون: ما الداعي إلي كل هذه الخلافات والأقوال والآراء وقد أعفي الله أمة محمدٍ صلي الله عليه وسلم من هذا العنت كله حينما بَدَّلَ الله شريعة الطلاق هذه من أحكامها في سورة البقرة المنزلة في العام 1و2 هجري إلي تلك الأحكام المانعة للخلاف والاختلاف المُنزَّلة في سورة الطلاق في العام الخامس أو السادس هجريا 5أو6هـ،بأن بَـــدَّلَ قاعدة الطلاق تلك التي كانت سائدة في سورة البقرة والمُؤَسَّسةِ علي تشريع عدة الاستبراء بعــــــــد التلفظ بالطلاق أي طـــــلاق أولاً ثم عــــــــدة ثم تسريح بدون إشهاد إلي قاعدة الطلاق المُحْكَمَةِ المانعة للخلافات والقيل والقال وكثرة السؤال في أحكام الطلاق المُنَزَّلة بسورة الطلاق في العام 5 أو 6هـ والتي تنص علي الإعتـــداد أولاً بعــــــــــدة إحصــــــــاء يتم فيها العـــــدُ إلي نهاية العـــــدة، ثم يحين ميقات التلفظ بالطلاق هناك وهناك فقط في دُبُرِ العـــدة ،أي بعد العدة أي في نهايتها يعني يعتد الرجــــل والزوجـــة كلاهمـــــا بعدة إحصاء يُحصيان فيها مدة ما سينتهي إليه عددها (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ../1سورة الطلاق)واللام هنا بمعني بعد لوجود الدلائل القاطعة علي ذلك منها: 1. أسلوب إذا الشرطية غير الجازمة وأنها تستخدم لما يُستقبل من الزمان،وأن فعل الشرط إذا وقع في الماضي وجوابها المقرون ب فـــــــ في صيغة الأمر دلت حتما علي معني إرادة الإحداث الفعل أو مجرد الشروع في تنفيذه بشروط ما يتأتي بعدها في جوابها مقترنا ب فـــــ في مستقبل الزمن القريب والمعني (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ[أي إذا أردتم أن تُطَلِّقوا النساء] فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [فطلقوهن بعد عدتهن]لأن اللام هنا تُحقق شرطية إذا في مستقبل الزمان (أي فطلقوهن بعد نهاية وتمام إحصاء عدتهن)،وتسمي أيضا لام الاستدبار أو لام الأجل أو بمعني بعد مثل قوله تعالي( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)/سورة الأعراف)،وقوله تعالي(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)/سورة الأعراف)،فتأكد هنا أن اللام في لفظة لـــــ ميقاتنا هي لام الأجل أو بمعني بعد ،أو بمعني بعد نهاية الأجل وليس قبله بأي حالٍ من الأحوال واضغط والرابط 2.ومنها صيغة الإحصاء وفرض العمل به بلا خلاف لقوله تعالي(وأحصوا العدة)والإحصاء هو العد لنهاية المعدود وهو هنا العدة التي أجل الله التطليق لبعدها وفي نهايتها 3.ومنها فرض كون المرأة في العدة زوجة وليست مطلقة لقوله تعالي(وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) /سورة الطلاق) ويمتنع أن يتصور أحدٌ من البشر أن الله يُحِلُّ خلوةً صار الزوجين فيها مطلقين،إلا في حالةٍ واحدة هي أنهما مازالا زوجين وليس مطلقين وهو ما يدلل علي أن اللام في قوله تعالي(لــــ عدتهن هي لام بمعني بعد، أو لام الاستدبار) وتصوير التسلسل التشريعي في سورة الطلاق 5أو 6 هـ العدة في الصدر الطلاق في الدبر التفريق الإشهاد *ثم تحل المرأة للخطاب بما فيهم مطلقها مالم يستهلك عدد الثلاث تطليقات بنفس التسلسل التشريعي الموضح بالشكل دياجرام تصويري لمراحل الطلاق بعد نزول سورة الطلاق في العام 5 أو 6 هجري دياجرام تصويري لمراحل الطلاق بعد نزول سورة الطلاق في العام 5 أو 6 هجري | | | .4.ومنها التعبير في البقاء في مكان الزوجية أثناء إحصاء عدة العزم علي التطليق حينما يحل وقتها بعد نهايتها بلفظ(بيوتهن)،ولفظ(لا تخرجوهن ولا يخرجن)، ولفظ بيت يعني موضع المبيت الذي لا تغيره الأحداث:1.إما لأنها لم تقع أحداثا تُغيره 2.وإما ستقع أحداثا لم يحين زمانها كمن سيطلِّق في نهاية العدة وبعد انقضائها حين ذلك وحينها فقط لا يكون البيت بيتا ولا الزوجة زوجة ويُخرَّب البيت وتخرج الزوجة بحالٍ غير حالها كزوجة إذ تخرجُ بحال المطلقة المُفََارَقة وينهار صمود هذا البيت ويتزلزل ثباته . وفي لسان العرب بتصرفٍ: ^وقوله عز وجل (ليس عليكم جُناحٌ أَن تدخُلوا بُيوتاً غيْرَ مسكونة) معناه ليس عليكم جناح أَن تدخلوها بغير إِذن (وسماها بيوتاً باعتبار ما سيكون من شأنها::موضعاً يببيتون فيه ويتعاقب عليهم فيه الليل والنهار بصفة ثابتة لا يغيرها عنصرٌ من عناصر الخراب) وجمعُ البَيْت أَبياتٌ وأَباييتُ مثل أَقوالٍ وأَقاويلَ وبيُوتٌ وبُيوتاتٌ ،[قلت المدون] وكل اشتقاق فيه: (ب . ي . ت)يعني الموضع المعتاد الذي يُباتُ فيه[وبيوتهن]هو موضع مبيت الزوجة الذي لا تغيره الليالي أو الأيام أو الأحداث ولم ينشأ عليه ما يغير كنهه أو ماهيته والليل ركن في تعريفه، لأن البيت لا يكون إلا بتعاقب الليل والنهار علي من فيه ففي الليل يخلون إلي أنفسهم حياةً واختلاءاً ونوما وفي النهار يُصرِّفون فيه شئون حياتهم العادية من مأكلٍ ومشربٍ وتدبير سائر شئونهم قال الأَزهري سمعت أَعرابيّاً يقول اسْقِنِي من بَيُّوتِ السِّقاءِ أَي من لَبَنٍ حُلِبَ ليلاً وحُقِنَ في السِّقاء حتى بَرَدَ فيه ليلاً والمَبِيتُ الموضعُ الذي يُبَاتُ فيه ويقال للفقير المُسْتَبِيتُ وفلان لا يَسْتَبِيتُ لَيْلةً أَي ليس له بِيتُ ليلةٍ مِن القُوتِ والبِيتةُ حال المَبِيتِ قال طرفة ظَلِلْتُ بِذِي الأَرْطَى فُوَيْقَ مُثَقَّفٍ بِبِيتَةِ سُوءٍ هالِكاً أَو كَهالِكِ وبيتٌ اسم موضع أي إسم مكان الأَمر بَياتاً أَي أَتاهم في جوفِ الليل (قلت المدون: أي وهم نائمون في بيوتهم والليل عنصر من عناصر البيت والمبيت والتبييت لا يختل ولا يكون البيت والمبيت إلا بحللول الليل ثم يتبعه النهار وهكذا دواليك )ويقال بَيَّتَ فلانٌ بني فلانٍ إِذا أَتاهم بَياتاً فكَبَسَهم وهم غارُّونَ وفي الحديث أَنه سُئِل عن أَهل الدار يُبَيَّتُونَ أَي يُصابُون لَيْلاً وتَبْيِيْتُ العَدُوِّ هو أَن يُقْصَدَ في الليل مِن غير أَن يَعْلم فَيُؤْخَذَ بَغْتَةً وهو البَياتُ ومنه الحديث إِذا بُيِّتُّمْ فقولوا هم لا يُنْصَرُونَ وفي الحديث لا صيامَ لمن لم يُبَيِّتِ الصِّيامَ أَي يَنْوِه من الليل يقال بَيَّتَ فلانٌ رأْيه إِذا فَكَّرَ فيه وخَمَّره وكلُّ ما دُبِّر فيه وفَُكِّرَ بلَيْلٍ فقد بُيِّتَ ومنه الحديث هذا أَمْرٌ بُيِّت بلَيْلٍ قلت المدون: *فإذا كان حال العازمين علي الطلاق في سورة الطلاق قد نسخ حال المطلقين ، *وإذا كانت عدة الإحصاء وتوابعها قد نسخت عدة الاستبراء وتوابعها، *وإذا كان حال المرأة في سورة الطلاق كزوجة قد نسخ حالها السابق في سورة البقرة كمطلقة، *وإذا صار حال المرأة تختلي بزوجها نهاراً وليلاً في أثناء العدة في بيتها الذي هو بيته،قد نسخ حال المرأة الذي كانت فيه لا تختلي بمطلقها لا ليلاً ولا نهاراً لكونها مُطلقةً ، *وإذا كان اسم المرأة في سورة الطلاق وصفتها زوجة قد نسخ اسم المرأة وصفتها في سورة البقرة كمطلقة(بقوله تعالي [والمطلقات يتربصن بأنفسهن]) *وإذا...وإذا...وإذا...وإذا...وإذا...وإذا............ *فما داعي الخلاف والاختلاف في مسائل الطلاق التي لانهاية لها،ولماذا الخلاف وكل شيئ قد أحكمه الله في عقب تنزيل سورة الطلاق 5أو6 هـ بتأصيل قاعدة الطلاق ومعادلتها بحيث تكون: عدة إحصاء +طلاق في نهايتها= تفريقٌ+إشهاد ففي الحلف بالطلاق: قد صار الأمر غير ما يختلف عليه الفقهاء فهم يتكلمون بأحكام الطلاق في شريعة منسوخة نزلت في سورة البقرة كان التلفظ بالطلاق معتبرا فيها ومؤثراً في سائر أحداث ما بعد التلفظ به والتي بدلها الله بالشريعة المحكمة في سورة الطلاق التي لا قيمة للتلفظ بلفظ الطلاق إلا في توقيت تفعيله بعد نهاية العدة وفي هذا التوقيت فقط فمن حلف بالطلاق كمن لم يحلف به بعد تنزيل سورة الطلاق لكون العدة صارت جدار حماية وصد لكل هزل أو جد من الأزواج الذين يريدون خراب بيوتهم وصار توقيت تفعيل الطلاق لا يكون إلا في دُبُرِ العدة (عدة الإحصاء) التصوير: بدء الإحصاء والعد نهاية الإحصاء والعد=توقيت تفعيل الطلاق كما أمر الله تعالي في سورة الطلاق المنزلة في العام5 أو 6 هـ الناسخة تبديلا لما سبق تشريعه في سورة البقرة1و2 هـ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا/1سورة الطلاق) وانظر اختصار الحكمة في ألفاظ الآية خاصة في اللام بمعني بعد وفي استخدام إذا الشرطية كما قدمنا واليك روابط كلا الشرعين: الروابط: الاستكمال ان شـــــــــــــــــــــــــــــاء الله : بداية الاستكمال ان شـــــــــــــــــــــــــــــاء الله : *اللّغْوُ فِي الْيَمِينِ: وَاللّغْوُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الشّيْءِ يَظُنّهُ كَمَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَتَبَيّنُ بِخِلَافِهِ. وَالثّانِي: أَنْ تَجْرِيَ الْيَمِينُ عَلَى لِسَانِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِلْحَلِفِ كَلّا وَاَللّهِ وَبَلَى وَاَللّهِ فِي أَثْنَاءِ كَلَامِهِ وَكِلَاهُمَا رَفَعَ اللّهُ الْمُؤَاخَذَةَ بِهِ لِعَدَمِ وَحَقِيقَتِهَا وَهَذَا تَشْرِيعٌ مِنْهُ سُبْحَانَهُ لِعِبَادِهِ أَلّا يُرَتّبُوا الْأَحْكَامَ عَلَى الْأَلْفَاظِ الّتِي لَمْ يَقْصِدْ الْمُتَكَلّمُ بِهَا حَقَائِقَهَا وَمَعَانِيهَا وَهَذَا غَيْرُ الْهَازِلِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا. قال ابن القيم: لَا يَقَعُ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَإِقْرَارُهُ: قلت المدون:لقد انعدم في شريعة الطلاق بعد نزول سورة الطلاق بالعام الخامس هجري كل التساؤلات التي في أيمانات الطلاق والحلف بها وأحوال الحالفين بها ما بين سكران أو غضبان أو مُكْرَهٍٍ أو حتي مُغيبٍ أو في اغلاقٍ أو لاهٍٍ أو لاغٍٍ أو بأي سببٍ كان حال صاحب اليمين في الطلاق،ذلك لأن الله الواحد قد بدل شريعة الطلاق في سورة البقرة إلي شريعة الطلاق المحكمة جدا في سورة الطلاق وبدل موضع الطلاق في سورة البقرة بموضع العدة في سورة الطلاق اضغط الروابط التالية وسبب نزول السورة :السبب الأول مطلقا هو قصد الله الواحد في أن يُحكم شريعة الطلاق في خير أمة أخرجت للناس وإلي يوم القيامة بتبديل موضعي الطلاق والعدة بحيث تكون العدة في موضع الطلاق في السورة المنزلة(سورة الطلاق) ويكون الطلاق في سورة الطلاق المنزلة في موضع العدة حين كان في سورة البقرة السابقة ********************************* ففي سورة الطلاق يصير الشأن كالآتي: العدة ثم التطليق ثم التفريق وفي سورة البقرة كان الشأن كالآتي: طلاق ثم عدة استبراء ثم تسريح والتوضيح بالصورة كالآتي/ انظر الصور السابقة والتالية ____________________________________ 1. /شروط وقوع واحتساب الطلاق 2. لا تحتسب التطليقة الخاطئة كيف؟ 3. لا تحتسب التطليقة الخاطئة 4. لا تحتسب التطليقة الخاطئة كيف؟ 2 5. لا تحتسب التطليقة الخاطئة 3 عرض آخر 6. معني السيئات من لسان العرب 7. (T)جدول الفرق في تشريعات وأحكام الطلاق بين سورتي البقرة والطللاق 8. TTالفرق في تشريعات الطلاق بين سورتي الطلاق(5هـ) والبقرة2هـ 9. الآيات المنسوخة والناسخة في أحكام الطلاق بين سورة ... قال ابن القيم :وَقَدْ أَفْتَى الصّحَابَةُ بِعَدَمِ وُقُوعِ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ وَإِقْرَارِهِ فَصَحّ عَنْ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ لَيْسَ الرّجُلُ بِأَمِينٍ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَوْجَعَتْهُ أَوْ ضَرَبَتْهُ أَوْ أَوْثَقَتْهُ وَصَحّ عَنْهُ أَنّ رَجُلًا تَدَلّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلًا فَأَتَتْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ لَأُقَطّعَن الْحَبْلَ أَوْ لَتُطَلّقَنّي فَنَاشَدَهَا اللّهَ فَأَبَتْ فَطَلّقَهَا فَأَتَى عُمَرُ فَذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِطَلَاقٍ. وَكَانَ عَلِيّ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَقَالَ ثَابِتٌ الْأَعْرَجُ: سَأَلْت ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزّبَيْرِ عَنْ طَلَاقِ الْمُكْرَهِ فَقَالَا جَمِيعًا: لَيْسَ بِشَيْءٍ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا رَوَاهُ الْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عِمْرَانَ الْأَصَمّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ رَجُلًا جَلَسَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَجَعَلَتْ السّكّينَ عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ لَهُ طَلّقْنِي أَوْ لَأَذْبَحَنك فَنَاشَدَهَا فَأَبَتْ فَطَلّقَهَا ثَلَاثًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطّلَاقِ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ. وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ كُلّ الطّلَاقِ جَائِزٌ إلّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَالْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدّثَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ شَرَاحِيلَ الْمَعَافِرِيّ أَنّ امْرَأَةً اسْتَلّتْ سَيْفًا فَوَضَعَتْهُ عَلَى بَطْنِ زَوْجِهَا وَقَالَتْ وَاَللّهِ لَأُنْفِذَنّكَ أَوْ لِتُطَلّقَنّي فَطَلّقَهَا ثَلَاثًا فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ فَأَمْضَى طَلَاقَهَا. وَقَالَ عَلِيّ كُلّ الطّلَاقِ جَائِزٌ إلّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ قِيلَ أَمّا خَبَرُ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ فَفِيهِ ثَلَاثُ عِلَلٍ. إحْدَاهَا: ضَعْفُ صَفْوَانَ بْنِ عَمْرٍو وَالثّانِيَةُ لِينُ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ وَالثّالِثَةُ تَدْلِيسُ بَقِيّةِ الرّاوِي عَنْهُ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحْتَجّ بِهِ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ السّقُوطِ. وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ عَبّاسٍ: كُلّ الطّلَاقِ جَائِز فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلَانَ وَضَعْفُهُ مَشْهُورٌ وَقَدْ رُمِيَ بِالْكَذِبِ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ: وَهَذَا الْخَبَرُ شَرّ مِنْ الْأَوّلِ. وَأَمّا أَثَرُ عُمَرَ فَالصّحِيحُ عَنْهُ خِلَافُهُ كَمَا تَقَدّمَ وَلَا يُعْلَمُ مُعَاصَرَةُ الْمَعَافِرِيّ لِعُمَرَ وَفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ فِيهِ ضَعْفٌ. وَأَمّا أَثَرُ عَلِيّ فَاَلّذِي رَوَاهُ عَنْهُ النّاسُ أَنّهُ كَانَ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ وَرَوَى عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ لَا يُجِيزُ طَلَاقَ الْمُكْرَهِ. فَإِنْ صَحّ عَنْهُ مَا ذَكَرْتُمْ فَهُوَ عَامّ مَخْصُوصٌ بِهَذَا.
فصل
طَلَاقُ السّكْرَانِ:
وَأَمّا طَلَاقُ السّكْرَانِ فَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النّسَاءُ 43] فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ قَوْلَ السّكْرَانِ غَيْرَ مُعْتَبِرٍ لِأَنّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَقُولُ وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ أَمَرَ بِالْمُقِرّ بِالزّنَى أَنْ يُسْتَنْكَهَ لِيُعْتَبَرَ قَوْلُهُ الّذِي أَقَرّ بِهِ أَوْ يُلْغَى. وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ فِي قِصّةِ حَمْزَةَ لَمّا عَقَرَ بَعِيرَيْ عَلِيّ فَجَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ يَلُومُهُ فَصَعّدَ فِيهِ النّظَرَ وَصَوّبَهُ وَهُوَ سَكْرَانُ ثُمّ قَالَ هَلْ عَبِيدٌ لِأَبِي فَنَكَصَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى عَقِبَيْهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ لَوْ قَالَهُ غَيْرُ سَكْرَانَ لَكَانَ رِدّةً وَكُفْرًا وَلَمْ يُؤَاخَذْ بِذَلِكَ حَمْزَةٌ. وَصَحّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَيْسَ لِمَجْنُونٍ وَلَا سَكْرَانَ طَلَاقٌ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أَبِيهِ. وَقَالَ عَطَاءٌ طَلَاقُ السّكْرَانِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ طَلَاقُ السّكْرَانِ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمّدٍ: لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ. وَصَحّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنّهُ أُتِيَ بِسَكْرَانَ طَلّقَ فَاسْتَحْلَفَهُ بِاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ لَقَدْ طَلّقَهَا وَهُوَ لَا يَعْقِلُ فَحَلَفَ فَرَدّ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَضَرَبَهُ الْحَدّ. وَهُوَ مَذْهَبُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيّ وَحُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ وَرَبِيعَةَ وَاللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالشّافِعِيّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الشّافِعِيّةِ وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ فِي إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْهُ وَهِيَ الّتِي اسْتَقَرّ عَلَيْهَا مَذْهَبُهُ وَصَرّحَ بِرُجُوعِهِ إلَيْهَا فَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ الّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ إنّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً وَاَلّذِي يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ فَقَدْ أَتَى خَصْلَتَيْنِ حَرّمَهَا عَلَيْهِ وَأَحَلّهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا وَأَنَا أَتّقِي جَمِيعًا. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيّ: قَدْ كُنْتُ أَقُولُ إنّ طَلَاقَ السّكْرَانِ يَجُوزُ حَتّى تَبَيّنْته فَغَلَبَ عَلَيّ أَنّهُ لَا يَجُوزُ طَلَاقُهُ لِأَنّهُ لَوْ أَقَرّ لَمْ يَلْزَمْهُ وَلَوْ بَاعَ لَمْ قَالَ وَأَلْزَمَهُ الْجِنَايَةَ وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يَلْزَمُهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَبِهَذَا أَقُولُ وَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الظّاهِرِ كُلّهِمْ وَاخْتَارَهُ مِنْ الْحَنَفِيّةِ أَبُو جَعْفَرٍ الطّحَاوِيّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيّ . حُجَجُ مَنْ أَوْقَعَ طَلَاقَ السّكْرَانِ: وَاَلّذِينَ أَوْقَعُوهُ لَهُمْ سَبْعَةُ مَآخِذَ أَحَدُهَا: أَنّهُ مُكَلّفٌ وَلِهَذَا يُؤَاخَذُ بِجِنَايَاتِهِ. وَالثّانِي: أَنّ إيقَاعَ الطّلَاقِ عُقُوبَةٌ لَهُ. وَالثّالِثُ أَنّ تَرَتّبَ الطّلَاقِ عَلَى التّطْلِيقِ مِنْ بَابِ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِأَسْبَابِهَا فَلَا يُؤَثّرُ فِيهِ السّكْرُ. وَالرّابِعُ أَنّ الصّحَابَةَ أَقَامُوهُ مَقَامَ الصّاحِي فِي كَلَامِهِ فَإِنّهُمْ قَالُوا: إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى وَحَدّ الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. وَالْخَامِسُ حَدِيثُ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطّلَاقِ وَقَدْ تَقَدّمَ. السّادِسُ حَدِيثُ كُلّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ وَقَدْ تَقَدّمَ. وَالسّابِعُ أَنّ الصّحَابَةَ أَوْقَعُوا عَلَيْهِ الطّلَاقَ فَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةَ وَرَوَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدّثْنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الزّبَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي لَبِيدٍ أَنّ رَجُلًا طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهُوَ سَكْرَانُ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ وَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَفَرّقَ عُمَرُ بَيْنَهُمَا. قَالَ وَحَدّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ أَنّ مُعَاوِيَةَ أَجَازَ طَلَاقَ السّكْرَانِ. هَذَا جَمِيعُ مَا احْتَجّوا بِهِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ حُجّةٌ أَصْلًا. .الرّدّ عَلَى حُجَجِ مَنْ أَوْقَعَ طَلَاقَ السّكْرَانِ: وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ مُكَلّفًا لَوَجَبَ أَنْ يَقَعَ طَلَاقُهُ إذَا كَانَ مُكْرَهًا عَلَى شُرْبِهَا أَوْ غَيْرَ عَالِمٍ بِأَنّهَا خَمْرٌ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ. وَأَمّا خِطَابُهُ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الّذِي يَعْقِلُ الْخِطَابَ أَوْ عَلَى الصّاحِي وَأَنّهُ نُهِيَ عَنْ السّكْرِ إذَا أَرَادَ الصّلَاةَ وَأَمّا مَنْ لَا يَعْقِلُ فَلَا يُؤْمَرُ وَلَا يَنْهَى. وَأَمّا إلْزَامُهُ بِجِنَايَاتِهِ فَمَحِلّ نِزَاعٍ لَا مَحِلّ وِفَاقٍ فَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتّيّ: لَا يَلْزَمُهُ عَقْدٌ وَلَا بَيْعٌ وَلَا حَدّ إلّا حَدّ الْخَمْرِ فَقَطْ وَهَذَا إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ أَنّهُ كَالْمَجْنُونِ فِي كُلّ فِعْلٍ يُعْتَبَرُ لَهُ الْعَقْلُ. وَاَلّذِينَ اعْتَبَرُوا أَفْعَالَهُ دُونَ أَقْوَالِهِ فَرّقُوا بِفَرْقَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنّ إسْقَاطَ أَفْعَالِهِ ذَرِيعَةٌ إلَى تَعْطِيلِ الْقِصَاصِ إذْ كُلّ مَنْ أَرَادَ قَتْلَ غَيْرِهِ أَوْ الزّنَى أَوْ السّرِقَةَ أَوْ الْحِرَابَ سَكِرَ وَفَعَلَ ذَلِكَ فَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدّ إذَا أَتَى جُرْمًا وَاحِدًا فَإِذَا تَضَاعَفَ جُرْمُهُ بِالسّكْرِ كَيْفَ يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدّ؟ هَذَا مِمّا تَأْبَاهُ قَوَاعِدُ الشّرِيعَةِ وَأُصُولُهَا وَقَالَ أَحْمَدُ مُنْكِرًا عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَبَعْضُ مَنْ يَرَى طَلَاقَ السّكْرَانِ لَيْسَ بِجَائِزٍ يَزْعُمُ أَنّ السّكْرَانَ لَوْ جَنَى جِنَايَةً أَوْ أَتَى حَدّا أَوْ تَرَكَ الصّيَامَ أَوْ الصّلَاةَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَرْسَمِ وَالْمَجْنُونِ هَذَا كَلَامُ سُوءٍ. وَالْفَرْقُ الثّانِي: أَنّ إلْغَاءَ أَقْوَالِهِ لَا يَتَضَمّنُ مَفْسَدَةً لِأَنّ الْقَوْلَ الْمُجَرّدَ مِنْ غَيْرِ الْعَاقِلِ لَا مَفْسَدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ فَإِنّ مَفَاسِدَهَا لَا يُمْكِنُ إلْغَاؤُهَا إذَا وَقَعَتْ فَإِلْغَاءُ أَفْعَالِهِ ضَرَرٌ مَحْضٌ وَفَسَادٌ مُنْتَشِرٌ بِخِلَافِ أَقْوَالِهِ فَإِنْ صَحّ هَذَانِ الْفَرْقَانِ بَطَلَ الْإِلْحَاقُ وَإِنْ لَمْ يَصِحّا كَانَتْ التّسْوِيَةُ بَيْنَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ مُتَعَيّنَةً. وَأَمّا الْمَأْخَذُ الثّانِي- وَهُوَ أَنّ إيقَاعَ الطّلَاقِ بِهِ عُقُوبَةٌ لَهُ- فَفِي غَايَةِ الضّعْفِ فَإِنّ الْحَدّ يَكْفِيهِ عُقُوبَةً وَقَدْ حَصَلَ رِضَى اللّهِ سُبْحَانَهُ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ وَأَمّا الْمَأْخَذُ الثّالِثُ أَنّ إيقَاعَ الطّلَاقِ بِهِ مِنْ رَبْطِ الْأَحْكَامِ بِالْأَسْبَابِ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالسّقُوطِ فَإِنّ هَذَا يُوجِبُ إيقَاعَ الطّلَاقِ مِمّنْ سَكِرَ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا بِأَنّهَا خَمْرٌ وَبِالْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ بَلْ وَبِالنّائِمِ ثُمّ يُقَالُ وَهَلْ ثَبَتَ لَكُمْ أَنّ طَلَاقَ السّكْرَانِ سَبَبٌ حَتّى يُرْبَطَ الْحُكْمُ بِهِ وَهَلْ النّزَاعُ إلّا فِي ذَلِكَ؟. وَأَمّا الْمَأْخَذُ الرّابِعُ وَهُوَ أَنّ الصّحَابَةَ جَعَلُوهُ كَالصّاحِي فِي قَوْلِهِمْ إذَا شَرِبَ سَكِرَ وَإِذَا سَكِرَ هَذَى. فَهُوَ خَبَرٌ لَا يَصِحّ الْبَتّةَ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ وَهُوَ خَبَرٌ مَكْذُوبٌ قَدْ نَزّهَ اللّهُ عَلِيّا وَعَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مِنْهُ وَفِيهِ مِنْ الْمُنَاقَضَةِ مَا يَدُلّ عَلَى بُطْلَانِهِ فَإِنّ فِيهِ إيجَابَ الْحَدّ عَلَى مَنْ هَذَى وَالْهَاذِي لَا حَدّ عَلَيْهِ. وَأَمّا الْمَأْخَذُ الْخَامِسُ وَهُوَ حَدِيثُ لَا قَيْلُولَةَ فِي الطّلَاقِ فَخَبَرٌ لَا يَصِحّ وَلَوْ صَحّ لَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى طَلَاقِ مُكَلّفٍ يَعْقِلُ دُونَ مَنْ لَا يَعْقِلُ وَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ طَلَاقُ الْمَجْنُونِ وَالْمُبَرْسَمِ وَالصّبِيّ. وَأَمّا الْمَأْخَذُ السّادِسُ وَهُوَ خَبَرُ كُلّ طَلَاقٍ جَائِزٌ إلّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ فَمِثْلُهُ سَوَاءٌ لَا يَصِحّ وَلَوْ صَحّ لَكَانَ فِي الْمُكَلّفِ وَجَوَابٌ ثَالِثٌ أَنّ السّكْرَانَ الّذِي لَا يَعْقِلُ إمّا مَعْتُوهٌ وَإِمّا مُلْحَقٌ بِهِ وَقَدْ ادّعَتْ طَائِفَةٌ أَنّهُ مَعْتُوهٌ. قَالُوا: الْمَعْتُوهُ فِي اللّغَةِ الّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَلَا يَدْرِي مَا يَتَكَلّمُ بِهِ. وَأَمّا الْمَأْخَذُ السّابِعُ وَهُوَ أَنّ الصّحَابَةَ أَوْقَعُوا عَلَيْهِ الطّلَاقَ فَالصّحَابَةُ وَأَمّا أَثَرُ ابْنِ عَبّاسٍ فَلَا يَصِحّ عَنْهُ لِأَنّهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا الْحَجّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَفِي الثّانِيَةِ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَأَمّا ابْنُ عُمَرَ وَمُعَاوِيَةُ فَقَدْ خَالَفَهُمَا عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ. -------------- فصل طَلَاقُ الْإِغْلَاقِ: وَأَمّا طَلَاقُ الْإِغْلَاقِ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: سَمِعْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَا طَلَاقَ وَلَا عِتَاقَ فِي إغْلَاقٍ يَعْنِي الْغَضَبَ هَذَا نَصّ أَحْمَدَ حَكَاهُ عَنْهُ الْخَلّالُ وَأَبُو بَكْرٍ فِي الشّافِي وزَادِ الْمُسَافِرِ. فَهَذَا تَفْسِيرُ أَحْمَدَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ: أَظُنّهُ الْغَضَبَ وَتَرْجَمَ عَلَيْهِ بَابُ الطّلَاقِ عَلَى غَلَطٍ. وَفَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ بِأَنّهُ الْإِكْرَاهُ وَفَسّرَهُ غَيْرُهُمَا: بِالْجُنُونِ وَقِيلَ هُوَ نَهْيٌ عَنْ إيقَاعِ الطّلَقَاتِ الثّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَيُغْلَقُ عَلَيْهِ الطّلَاقُ حَتّى لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ كَغَلْقِ الرّهْنِ حَكَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيّ. قَالَ شَيْخُنَا وَحَقِيقَةُ الْإِغْلَاقِ أَنْ يُغْلَقَ عَلَى الرّجُلِ قَلْبُهُ فَلَا يَقْصِدُ الْكَلَامَ أَوْ لَا يَعْلَمُ بِهِ كَأَنّهُ انْغَلَقَ عَلَيْهِ قَصْدُهُ وَإِرَادَتُهُ. قُلْت: قَالَ أَبُو الْعَبّاسِ الْمُبَرّدُ: الْغَلْقُ ضِيقُ الصّدْرِ وَقِلّةُ الصّبْرِ بِحَيْثُ لَا يَجِدُ مُخَلّصًا قَالَ شَيْخُنَا: وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ طَلَاقُ الْمُكْرَهِ وَالْمَجْنُونِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسُكْرٍ أَوْ غَضَبٍ وَكُلّ مَنْ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِمَا قَالَ. وَالْغَضَبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ. قَالَ وَهَذَا لَا يَقَعُ طَلَاقُهُ بِلَا نِزَاعٍ. وَالثّانِي: مَا يَكُونُ فِي مُبَادِيهِ بِحَيْثُ لَا يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنْ تَصَوّرِ مَا يَقُولُ وَقَصَدَهُ فَهَذَا يَقَعُ طَلَاقُهُ. الثّالِثُ أَنْ يَسْتَحْكِمَ وَيَشْتَدّ بِهِ فَلَا يُزِيلُ عَقْلَهُ بِالْكُلّيّةِ وَلَكِنْ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِيّتِهِ بِحَيْثُ يَنْدَمُ عَلَى مَا فَرّطَ مِنْهُ إذَا زَالَ فَهَذَا مَحِلّ نَظَرٍ وَعَدَمُ الْوُقُوعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوِيّ مُتّجِهٌ. .حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الطّلَاقِ قَبْلَ النّكَاحِ: فِي السّنَنِ: مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «لَا نَذْرَ لِابْنِ آدَمَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا عِتْقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِكُ وَلَا طَلَاقَ لَهُ فِيمَا لَا يَمْلِك» قَالَ التّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهُوَ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَسَأَلْت مُحَمّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ فَقُلْت: أَيّ شَيْءٍ أَصَحّ فِي الطّلَاقِ قَبْلَ النّكَاحِ؟ فَقَالَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُد: لَا بَيْعَ إلّا فِيمَا يَمْلِكُ وَلَا وَفَاءَ نَذْرٍ إلّا فِيمَا يَمْلِكُ وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ: عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا طَلَاقَ قَبْلَ النّكَاحِ وَلَا عِتْقَ قَبْلَ مِلْكٍ وَقَالَ وَكِيعٌ: حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي كِلَاهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ يَرْفَعُهُ لَا طَلَاقَ قَبْلَ نِكَاحٍ وَذَكَرَ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ سَمِعْتُ عَطَاءً يَقُولُ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَا طَلَاقَ إلّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَ ابْنَ عَبّاسٍ أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ إنْ طَلّقَ مَا لَمْ يَنْكِحْ فَهُوَ جَائِزٌ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: أَخْطَأَ فِي هَذَا إنّ اللّهَ تَعَالَى يَقُول: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ} [الْأَحْزَابُ 49] وَلَمْ يَقُلْ إذَا طَلّقْتُمْ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ نَكَحْتُمُوهُنّ. وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ: عَنْ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ إنْ تَزَوّجْت فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَ عَلِيّ لَيْسَ طَلَاقٌ إلّا مِنْ بَعْدِ مِلْكٍ وَثَبَتَ عَنْهُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَا طَلَاقَ إلّا مِنْ بَعْدِ نِكَاحٍ وَإِنْ سَمّاهَا وَهَذَا قَوْلُ عَائِشَةَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشّافِعِيّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُهُمْ وَداَوُد وَأَصْحَابُهُ وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ. وَمِنْ حُجّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنّ الْقَائِلَ إنْ تَزَوّجْتُ فُلَانَةَ فَهِيَ طَالِقٌ مُطَلّقٌ لِأَجْنَبِيّةٍ وَذَلِكَ مُحَالٌ فَإِنّهَا حِينَ الطّلَاقِ الْمُعَلّقِ أَجْنَبِيّةٌ وَالْمُتَجَدّدُ هُوَ نِكَاحُهَا وَالنّكَاحُ لَا يَكُونُ طَلَاقًا فَعُلِمَ أَنّهَا لَوْ طَلُقَتْ فَإِنّمَا يَكُونُ ذَلِكَ اسْتِنَادًا إلَى الطّلَاقِ الْمُتَقَدّمِ مُعَلّقًا وَهِيَ إذْ ذَاكَ أَجْنَبِيّةٌ وَتَجَدّدُ الصّفَةِ لَا يَجْعَلُهُ مُتَكَلّمًا بِالطّلَاقِ عِنْدَ وُجُودِهَا فَإِنّهُ عِنْدَ وُجُودِهَا مُخْتَارٌ لِلنّكَاحِ غَيْرُ مُرِيدٍ لِلطّلَاقِ فَلَا يَصِحّ كَمَا لَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيّةٍ إنْ دَخَلْت الدّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ وَهِيَ زَوْجَتُهُ لَمْ تَطْلُقْ بِغَيْرِ خِلَافٍ. .الْفَرْقُ بَيْنَ تَعْلِيقِ الطّلَاقِ وَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ: فَإِنْ قِيلَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَعْلِيقِ الطّلَاقِ وَتَعْلِيقِ الْعِتْقِ؟ فَإِنّهُ لَوْ قَالَ إنْ مَلَكْتُ فُلَانًا فَهُوَ حُرّ صَحّ التّعْلِيقُ وَعَتَقَ بِالْمِلْكِ؟. قِيلَ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ قَوْلَانِ وَهُمَا رِوَايَتَانِ عَنْ أَحْمَدَ كَمَا عَنْهُ رِوَايَتَانِ فِي تَعْلِيقِ الطّلَاقِ وَالصّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِهِ الّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ نُصُوصِهِ وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ صِحّةُ تَعْلِيقِ الْعِتْقِ دُونَ الطّلَاقِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنّ الْعِتْقَ لَهُ قُوّةٌ وَسِرَايَةٌ وَلَا يَعْتَمِدُ نُفُوذَ الْمِلْكِ فَإِنّهُ يَنْفُذُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ وَيَصِحّ أَنْ يَكُونَ الْمِلْكُ سَبَبًا لِزَوَالِهِ بِالْعِتْقِ عَقْلًا وَشَرْعًا كَمَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِالْعِتْقِ عَنْ ذِي رَحِمِهِ الْمُحَرّمِ بِشِرَائِهِ وَكَمَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا لِيُعْتِقَهُ فِي كَفّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ وَكُلّ هَذَا يُشْرَعُ فِيهِ جَعْلُ الْمِلْكِ سَبَبًا لِلْعِتْقِ فَإِنّهُ قُرْبَةٌ مَحْبُوبَةٌ لِلّهِ تَعَالَى فَشَرَعَ اللّهُ سُبْحَانَهُ التّوَسّلَ إلَيْهِ بِكُلّ وَسِيلَةٍ مُفْضِيَةٍ إلَى مَحْبُوبِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطّلَاقُ فَإِنّهُ بَغِيضٌ إلَى اللّهِ وَهُوَ أَبْغَضُ الْحَلَالِ إلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْ مِلْكَ الْبُضْعِ بِالنّكَاحِ سَبَبًا لِإِزَالَتِهِ الْبَتّةَ وَفَرْقٌ ثَانٍ أَنّ تَعْلِيقَ الْعِتْقِ بِالْمِلْكِ مِنْ بَابِ نَذْرِ الْقُرَبِ وَالطّاعَاتِ وَالتّبَرّرِ كَقَوْلِهِ لَئِنْ آتَانِي اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ لَأَتَصَدّقَن بِكَذَا وَكَذَا فَإِذَا وُجِدَ الشّرْطُ لَزِمَهُ مَا عَلّقَهُ بِهِ مِنْ الطّاعَةِ الْمَقْصُودَةِ فَهَذَا لَوْنٌ وَتَعْلِيقُ الطّلَاقِ عَلَى الْمِلْكِ لَوْنٌ آخَرُ. .حَكَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَحْرِيمِ طَلَاقِ الْحَائِضِ وَالنّفَسَاءِ وَالْمَوْطُوءَةِ فِي طُهْرِهَا: وَتَحْرِيمِ إيقَاعِ الثّلَاثِ جُمْلَةً: فِي الصّحِيحَيْنِ أَنّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمّ لِيُمْسِكْهَا حَتّى تَطْهُرَ ثُمّ تَحِيضَ ثُمّ تَطْهُرَ ثُمّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ يُطَلّقُ قَبْلَ أَنْ يَمَسّ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النّسَاءُ. مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمّ لِيُطَلّقْهَا طَاهِرًا أَوْ حَامِلًا. وَفِي لَفْظٍ إنْ شَاءَ طَلّقَهَا طَاهِرًا قَبْلَ أَنْ يَمَسّ فَذَلِكَ الطّلَاقُ لِلْعِدّةِ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ تَعَالَى. وَفِي لَفْظٍ لِلْبُخَارِيّ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمّ لِيُطَلّقْهَا فِي قُبُلِ عِدّتِهَا. وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد وَالنّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا: قَالَ طَلّقَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَرَدّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَقَالَ إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ. وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَيّهَا النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمْ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ فِي قُبُلِ عِدّتِهِنّ [الطّلَاقُ 1]. .أَنْوَاعُ الطّلَاقِ مِنْ حَيْثُ الْحِلّ وَالْحُرْمَةِ: فَتَضَمّنَ هَذَا الْحُكْمُ أَنّ الطّلَاقَ عَلَى أَرْبَعِهِ أَوْجُهٍ وَجْهَانِ حَلَالٌ وَوَجْهَانِ حَرَامٌ. فَالْحَلَالَانِ أَنْ يُطَلّقَ امْرَأَتَهُ طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ أَوْ يُطَلّقَهَا حَامِلًا مُسْتَبِينًا حَمْلُهَا. وَالْحَرَامَانِ أَنْ يُطَلّقَهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ يُطَلّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ هَذَا فِي طَلَاقِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَأَمّا مَنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَيَجُوزُ طَلَاقُهَا حَائِضًا وَطَاهِرًا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلّقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنّ فَرِيضَةً} [الْبَقَرَةُ 236]. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنّ مِنْ عِدّةٍ تَعْتَدّونَهَا} [الْأَحْزَابُ 49] وَقَدْ دَلّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقُ 1] وَهَذِهِ لَا عِدّةَ لَهَا وَنَبّهَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِهِ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تَطْلُقَ لَهَا النّسَاءُ وَلَوْلَا هَاتَانِ الْآيَتَانِ اللّتَانِ فِيهِمَا إبَاحَةُ الطّلَاقِ قَبْلَ الدّخُولِ لَمَنَعَ مِنْ طَلَاقِ مَنْ لَا عِدّةَ لَهُ عَلَيْهَا. وَفِي سُنَنِ النّسَائِيّ وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ أُخْبِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانُ فَقَالَ أَيَلْعَبُ بِكِتَابِ اللّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ حَتّى قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلَا أَقْتُلُهُ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ الطّلَاقِ قَالَ أَمّا أَنْتَ إنْ طَلّقْتَ امْرَأَتَكَ مَرّةً أَوْ مَرّتَيْنِ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنِي بِهَذَا وَإِنْ كُنْتَ طَلّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك وَعَصَيْتَ أَمَرَك مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ فَتَضَمّنَتْ هَذِهِ النّصُوصُ أَنّ الْمُطَلّقَةَ نَوْعَانِ مَدْخُولٌ بِهَا وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا وَكِلَاهُمَا لَا يَجُوزُ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً وَيَجُوزُ تَطْلِيقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا طَاهِرًا وَحَائِضًا. وَأَمّا الْمَدْخُولُ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ حَرّمَ طَلَاقَهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَبِينَةَ الْحَمْلِ جَازَ طَلَاقُهَا بَعْدَ الْوَطْءِ وَقَبْلَهُ وَإِنْ كَانَتْ حَائِلًا لَمْ يَجُزْ طَلَاقُهَا بَعْدَ الْوَطْءِ فِي طُهْرِ الْإِصَابَةِ وَيَجُوزُ قَبْلَهُ. هَذَا الّذِي شَرَعَهُ اللّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مِنْ الطّلَاقِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ الّذِي أَذِنَ اللّهُ فِيهِ وَأَبَاحَهُ إذَا كَانَ مِنْ مُكَلّفٍ مُخْتَارٍ عَالِمٍ بِمَدْلُولِ اللّفْظِ قَاصِدٍ لَهُ. .الِاخْتِلَافُ فِي وُقُوعِ الْمُحَرّمِ مِنْ الطّلَاقِ: وَاخْتَلَفُوا فِي وُقُوعِ الْمُحَرّمِ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ. الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الطّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطّهْرِ الّذِي وَاقَعَهَا فِيهِ. الْمَسْأَلَةُ الثّانِيَةُ فِي جَمْعِ الثّلَاثِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْمَسْأَلَتَيْنِ تَحْرِيرًا وَتَقْرِيرًا كَمَا ذَكَرْنَاهُمَا تَصْوِيرًا وَنَذْكُرُ حُجَجَ الْفَرِيقَيْنِ وَمُنْتَهَى أَقْدَامِ الطّائِفَتَيْنِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنّ الْمُقَلّدَ الْمُتَعَصّبَ لَا يَتْرُكُ مَنْ قَلّدَهُ وَلَوْ جَاءَتْهُ كُلّ آيَةٍ وَأَنّ طَالِبَ الدّلِيلِ لَا يَأْتَمّ بِسِوَاهُ وَلَا يُحَكّمُ إلّا إيّاهُ وَلِكُلّ مِنْ النّاسِ مَوْرِدٌ لَا يَتَعَدّاهُ وَسَبِيلٌ لَا يَتَخَطّاهُ وَلَقَدْ عُذِرَ مَنْ حَمَلَ مَا انْتَهَتْ إلَيْهِ قُوَاهُ وَسَعَى إلَى حَيْثُ انْتَهَتْ إلَيْهِ خُطَاهُ. .هَلْ يَقَعُ الطّلَاقُ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطّهْرِ الّذِي وَاقَعَهَا فِيهِ: فَأَمّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَإِنّ الْخِلَافَ فِي وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ لَمْ يَزَلْ ثَابِتًا بَيْنَ السّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَدْ وَهِمَ مَنْ ادّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى وُقُوعِهِ وَقَالَ بِمَبْلَغِ عِلْمِهِ وَخَفِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْخِلَافِ مَا اطّلَعَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: كَيْفَ وَالْخِلَافُ بَيْنَ النّاسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعْلُومُ الثّبُوتِ عَنْ الْمُتَقَدّمِينَ وَالْمُتَأَخّرِينَ؟ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ السّلَامِ الْخُشَنِيّ: حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ بَشّارٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثّقَفِيّ حَدّثَنَا عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ لَا يُعْتَدّ بِذَلِك ذَكَرَهُ أَبُوُ مُحَمّدُ بْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلّى بِإِسْنَادِهِ إلَيْهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرّزّاقِ فِي مُصَنّفِهِ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ قَالَ كَانَ لَا يَرَى طَلَاقًا مَا خَالَفَ وَجْهَ الطّلَاقِ وَوَجْهَ الْعِدّةِ وَكَانَ يَقُولُ وَجْهُ الطّلَاقِ أَنْ يُطَلّقَهَا طَاهِرًا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ وَإِذَا اسْتَبَانَ حَمْلُهَا وَقَالَ الْخُشَنِيّ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الْمُثَنّى حَدّثَنَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ حَدّثَنَا هَمّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خِلَاسِ بْنِ عَمْرٍو أَنّهُ قَالَ فِي الرّجُلِ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ لَا يُعْتَدّ بِهَا قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ بْنُ حَزْمٍ: وَالْعَجَبُ مِنْ جُرْأَةِ مَنْ ادّعَى الْإِجْمَاعَ عَلَى خِلَافِ هَذَا وَهُوَ لَا يَجِدُ فِيمَا يُوَافِقُ قَوْلَهُ فِي إمْضَاءِ الطّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ كَلِمَةً عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ غَيْرَ رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَدْ عَارَضَهَا مَا هُوَ أَحْسَنُ مِنّا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرِوَايَتَيْنِ سَاقِطَتَيْنِ عَنْ عُثْمَانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا. إحْدَاهُمَا: رَوَيْنَاهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ أَخْبَرَهُ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كَانَ يَقْضِي فِي الْمَرْأَةِ الّتِي يُطَلّقُهَا زَوْجُهَا وَهِيَ حَائِضٌ أَنّهَا لَا تَعْتَدّ بِحَيْضَتِهَا تِلْكَ وَتَعْتَدّ بَعْدَهَا بِثَلَاثَةِ قُرُوءٍ. قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ: وَالْأُخْرَى مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرّزّاقِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسّانٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ مَوْلَى أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ رَجُلٍ سَمّاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنّهُ قَالَ فِيمَنْ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ يَلْزَمُهُ الطّلَاقُ وَتَعْتَدّ بِثَلَاثِ حِيَضٍ سِوَى تِلْكَ الْحَيْضَةِ قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ بَلْ نَحْنُ أَسْعَدُ بِدَعْوَى الْإِجْمَاعِ هَاهُنَا لَوْ اسْتَجَزْنَا مَا يَسْتَجِيزُونَ وَنَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ ذَلِكَ وَذَلِكَ أَنّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً وَمِنْ جُمْلَتِهِمْ جَمِيعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي ذَلِكَ أَنّ الطّلَاقَ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ بِدْعَةٌ نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُخَالِفَةٌ لِأَمْرِهِ فَإِذَا كَانَ لَا شَكّ فِي هَذَا عِنْدَهُمْ فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُونَ الْحُكْمَ بِتَجْوِيزِ الْبِدْعَةِ الّتِي يُقِرّونَ أَنّهَا بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ أَلَيْسَ بِحُكْمِ الْمُشَاهَدَةِ مُجِيزُ الْبِدْعَةِ مُخَالِفًا لِإِجْمَاعِ الْقَائِلِينَ بِأَنّهَا بِدْعَةٌ؟ قَالَ أَبُو مُحَمّدٍ: وَحَتّى لَوْ لَمْ يَبْلُغْنَا الْخِلَافُ لَكَانَ الْقَاطِعُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِمَا لَا يَقِينَ عِنْدَهُ وَلَا بَلَغَهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ كَاذِبًا عَلَى جَمِيعِهِمْ. .أَدِلّةُ الْمَانِعِينَ مِنْ وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ: قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ لَا يُزَالُ النّكَاحُ الْمُتَيَقّنُ إلّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنّةٍ أَوْ إجْمَاعٍ مُتَيَقّنٍ. فَإِذَا أَوَجَدْتُمُونَا وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ الثّلَاثَةِ رَفَعْنَا حُكْمَ النّكَاحِ لَا سَبِيلَ إلَى رَفْعِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَكَيْفَ وَالْأَدِلّةُ الْمُتَكَاثِرَةُ تَدُلّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهِ فَإِنّ هَذَا الطّلَاقَ لَمْ يَشْرَعْهُ اللّهُ تَعَالَى الْبَتّةَ وَلَا أَذِنَ فِيهِ فَلَيْسَ فِي شَرْعِهِ فَكَيْفَ يُقَالُ بِنُفُوذِهِ وَصِحّتِهِ؟. قَالُوا: وَإِنّمَا يَقَعُ مِنْ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ مَا مَلّكَهُ اللّهُ تَعَالَى لِلْمُطَلّقِ وَلِهَذَا لَا يَقَعُ بِهِ الرّابِعَةُ لِأَنّهُ لَمْ يُمَلّكْهَا إيّاهُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّهُ لَمْ يُمَلّكْهُ الطّلَاقَ الْمُحَرّمَ وَلَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ فَلَا يَصِحّ وَلَا يَقَعُ. قَالُوا: وَلَوْ وَكّلَ وَكِيلًا أَنْ يُطَلّقَ امْرَأَتَهُ طَلَاقًا جَائِزًا فَطَلّقَ طَلَاقًا فَكَيْفَ كَانَ إذْنُ الْمَخْلُوقِ مُعْتَبَرًا فِي صِحّةِ إيقَاعِ الطّلَاقِ دُونَ إذْنِ الشّارِعِ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنّ الْمُكَلّفَ إنّمَا يَتَصَرّفُ بِالْإِذْنِ فَمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللّهُ وَرَسُولُهُ لَا يَكُونُ مَحَلّا لِلتّصَرّفِ الْبَتّةَ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَالشّارِعُ قَدْ حَجَرَ عَلَى الزّوْجِ أَنْ يُطَلّقَ فِي حَالِ الْحَيْضِ أَوْ بَعْدَ الْوَطْءِ فِي الطّهْرِ فَلَوْ صَحّ طَلَاقُهُ لَمْ يَكُنْ لِحَجْرِ الشّارِعِ مَعْنًى وَكَانَ حَجْرُ الْقَاضِي عَلَى مَنْ مَنَعَهُ التّصَرّفَ أَقْوَى مِنْ حَجْرِ الشّارِعِ حَيْثُ يَبْطُلُ التّصَرّفُ بِحَجْرِهِ. قَالُوا: وَبِهَذَا أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ وَقْتَ النّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِأَنّهُ بَيْعٌ حَجَرَ الشّارِعُ عَلَى بَائِعِهِ هَذَا الْوَقْتَ فَلَا يَجُوزُ تَنْفِيذُهُ وَتَصْحِيحُهُ. قَالُوا: وَلِأَنّهُ طَلَاقٌ مُحَرّمٌ مَنْهِيّ عَنْهُ فَالنّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ فَلَوْ صَحّحْنَاهُ لَكَانَ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَنْهِيّ عَنْهُ وَالْمَأْذُونِ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الصّحّةِ وَالْفَسَادِ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَالشّارِعُ إنّمَا نَهَى عَنْهُ وَحَرّمَهُ لِأَنّهُ يُبْغِضُهُ وَلَا يُحِبّ وُقُوعَهُ بَلْ وُقُوعُهُ مَكْرُوهٌ إلَيْهِ فَحَرّمَهُ لِئَلّا يَقَعَ مَا يُبْغِضُهُ وَيَكْرَهُهُ وَفِي تَصْحِيحِهِ وَتَنْفِيذِهِ ضِدّ هَذَا الْمَقْصُودِ. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ النّكَاحُ الْمَنْهِيّ عَنْهُ لَا يَصِحّ لِأَجْلِ النّهْيِ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطّلَاقِ وَكَيْفَ أَبْطَلْتُمْ مَا نَهَى اللّهُ عَنْهُ مِنْ النّكَاحِ وَصَحّحْتُمْ مَا حَرّمَهُ وَنَهَى عَنْهُ مِنْ الطّلَاقِ وَالنّهْيُ يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؟. قَالُوا: وَيَكْفِينَا مِنْ هَذَا حُكْمُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَامّ الّذِي لَا تَخْصِيصَ فِيهِ بِرَدّ مَا خَالَفَ أَمْرَهُ وَإِبْطَالَهُ وَإِلْغَاءَهُ كَمَا فِي الصّحِيحِ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا: كُلّ عَمَلٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ وَفِي رِوَايَةٍ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْدُودٌ بَاطِلٌ فَكَيْفَ يُقَالُ إنّهُ صَحِيحٌ لَازِمٌ نَافِذٌ؟ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ الْحُكْمِ بِرَدّهِ؟. قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنّهُ طَلَاقٌ لَمْ يَشْرَعْهُ اللّهُ أَبَدًا وَكَانَ مَرْدُودًا بَاطِلًا كَطَلَاقِ الْأَجْنَبِيّةِ وَلَا يَنْفَعُكُمْ الْفَرْقُ بِأَنّ الْأَجْنَبِيّةَ لَيْسَتْ مَحَلّا لِلطّلَاقِ بِخِلَافِ الزّوْجَةِ فَإِنّ هَذِهِ الزّوْجَةَ لَيْسَتْ مَحَلّا لِلطّلَاقِ الْمُحَرّمِ وَلَا هُوَ مِمّا مَلّكَهُ الشّارِعُ إيّاهُ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ إنّمَا أَمَرَ بِالتّسْرِيحِ بِإِحْسَانٍ وَلَا أَشَرّ مِنْ التّسْرِيحِ الّذِي حَرّمَهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَمُوجَبُ عَقْدِ النّكَاحِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ إمّا إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَالتّسْرِيحُ الْمُحَرّمُ أَمْرٌ ثَالِثٌ غَيْرُهُمَا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ الْبَتّةَ. قَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللّهُ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} وَصَحّ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُبَيّنِ عَنْ اللّهِ مُرَادَهُ مِنْ كَلَامِهِ أَنّ الطّلَاقَ الْمَشْرُوعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ هُوَ الطّلَاقُ فِي زَمَنِ الطّهْرِ الّذِي لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ أَوْ بَعْدَ اسْتِبَانَةِ الْحَمْلِ وَمَا عَدَاهُمَا فَلَيْسَ بِطَلَاقٍ لِلْعِدّةِ فِي حَقّ الْمَدْخُولِ بِهَا فَلَا يَكُونُ طَلَاقًا فَكَيْفَ تَحْرُمُ الْمَرْأَةُ بِهِ؟. قَالُوا: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {الطّلَاقُ مَرّتَانِ} [الْبَقَرَةُ 269] وَمَعْلُومٌ أَنّهُ إنّمَا أَرَادَ الطّلَاقَ الْمَأْذُونَ فِيهِ وَهُوَ الطّلَاقُ لِلْعِدّةِ فَدَلّ عَلَى أَنّ مَا عَدَاهُ لَيْسَ مِنْ الطّلَاقِ فَإِنّهُ حَصَرَ الطّلَاقَ الْمَشْرُوعَ الْمَأْذُونَ فِيهِ الّذِي يَمْلِكُ بِهِ الرّجْعَةَ فِي مَرّتَيْنِ فَلَا يَكُونُ مَا عَدَاهُ طَلَاقًا. قَالُوا: وَلِهَذَا كَانَ الصّحَابَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ يَقُولُونَ إنّهُمْ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِالْفَتْوَى فِي الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ كَمَا رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ مَنْ طَلّقَ كَمَا أَمَرَهُ اللّهُ فَقَدْ بَيّنَ اللّهُ لَهُ وَمَنْ خَالَفَ فَإِنّا لَا نُطِيقُ خِلَافَهُ وَلَوْ وَقَعَ طَلَاقُ الْمُخَالِفِ لَمْ يَكُنْ الْإِفْتَاءُ بِهِ غَيْرَ مُطَاقٍ لَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لِلتّفْرِيقِ مَعْنًى إذْ كَانَ النّوْعَانِ وَاقِعَيْنِ نَافِذَيْنِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَيْضًا: مَنْ أَتَى الْأَمْرَ عَلَى وَجْهِهِ فَقَدْ بَيّنَ اللّهُ لَهُ وَإِلّا فَوَاَللّهِ مَا لَنَا طَاقَةٌ بِكُلّ مَا تُحْدِثُونَ وَقَالَ بَعْضُ الصّحَابَةِ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ الطّلَاقِ الثّلَاثِ مَجْمُوعَةً مَنْ طَلّقَ كَمَا أُمِرَ فَقَدْ بُيّنَ لَهُ وَمَنْ لَبّسَ تَرَكْنَاهُ وَتَلْبِيسَهُ قَالُوا: وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ كُلّهِ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِالسّنَدِ الصّحِيحِ الثّابِتِ حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ حَدّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالّ أَخْبَرَنِي أَبُو الزّبَيْرِ أَنّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَيْمَنَ مَوْلَى عُرْوَةَ يَسْأَلُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ وَأَنَا أَسْمَعُ كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا؟ فَقَالَ طَلّقَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلَ عُمَرُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَرَدّهَا عَلَيّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَقَالَ إذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلّقْ أَوْ لِيُمْسِكْ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَقَرَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَيّهَا النّبِيّ إذَا طَلّقْتُمْ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ فِي قُبُلِ عِدّتِهِنّ قَالُوا: وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصّحّةِ فَإِنّ أَبَا الزّبَيْرِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ عَنْ الْحِفْظِ وَالثّقَةِ وَإِنّمَا يُخْشَى مِنْ تَدْلِيسِهِ فَإِذَا قَالَ سَمِعْت أَوْ حَدّثَنِي زَالَ مَحْذُورُ التّدْلِيسِ وَزَالَتْ الْعِلّةُ الْمُتَوَهّمَةُ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ يَحْتَجّونَ بِهِ إذَا قَالَ عَنْ وَلَمْ يُصَرّحْ بِالسّمَاعِ وَمُسْلِمٌ يُصَحّحُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِهِ فَأَمّا إذَا صَرّحَ بِالسّمَاعِ فَقَدْ زَالَ الْإِشْكَالُ وَصَحّ الْحَدِيثُ وَقَامَتْ الْحُجّةُ. قَالُوا: وَلَا نَعْلَمُ فِي خَبَرِ أَبِي الزّبَيْرِ هَذَا مَا يُوجِبُ رَدّهُ وَإِنّمَا رَدّهُ مَنْ رَدّهُ اسْتِبْعَادًا وَاعْتِقَادًا أَنّهُ خِلَافُ الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ وَنَحْنُ نَحْكِي كَلَامَ مَنْ رَدّهُ وَنُبَيّنُ أَنّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا يُوجِبُ الرّدّ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَالْأَحَادِيثُ كُلّهَا عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ أَبُو الزّبَيْرِ. وَقَالَ الشّافِعِيّ: وَنَافِعٌ أَثْبَتُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ أَبِي الزّبَيْرِ وَالْأَثْبَتُ مِنْ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِهِ إذَا خَالَفَهُ. وَقَالَ الْخَطّابِيّ: حَدِيثُ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ أَثْبَتُ مِنْ هَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا وَقَوْلُهُ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ؟ قَالَ فَمَه قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: وَهَذَا لَمْ يَنْقُلْهُ عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي الزّبَيْرِ وَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ جَمَاعَةٌ أَجِلّةٌ فَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَأَبُو الزّبَيْرِ لَيْسَ بِحُجّةٍ فِيمَا خَالَفَهُ فِيهِ مِثْلُهُ فَكَيْفَ بِخِلَافِ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لَمْ يَرْوِ أَبُو الزّبَيْرِ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْ هَذَا. فَهَذَا جُمْلَةُ مَا رُدّ بِهِ خَبَرُ أَبِي الزّبَيْرِ وَهُوَ عِنْدَ التّأَمّلِ لَا يُوجِبُ رَدّهُ وَلَا بُطْلَانَهُ. --------------- الرّدّ عَلَى مَنْ ضَعّفَ حَدِيثَ أَبِي الزّبَيْرِ: أَمّا قَوْلُ أَبِي دَاوُدَ الْأَحَادِيثُ كُلّهَا عَلَى خِلَافِهِ فَلَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ سِوَى تَقْلِيدِ أَبِي دَاوُدَ وَأَنْتُمْ لَا تَرْضَوْنَ ذَلِكَ وَتَزْعُمُونَ أَنّ الْحُجّةَ مِنْ جَانِبِكُمْ فَدَعُوا التّقْلِيدَ وَأَخْبِرُونَا أَيْنَ فِي الْأَحَادِيثِ الصّحِيحَةِ مَا يُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي الزّبَيْرِ؟ فَهَلْ فِيهَا حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ احْتَسَبَ عَلَيْهِ تِلْكَ الطّلْقَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَدّ بِهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فَنَعَمْ وَاَللّهِ هَذَا خِلَافٌ صَرِيحٌ لِحَدِيثِ أَبِي الزّبَيْرِ وَلَا تَجِدُونَ إلَى ذَلِكَ سَبِيلًا وَغَايَةُ مَا بِأَيْدِيكُمْ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا وَالرّجْعَةُ تَسْتَلْزِمُ وُقُوعَ الطّلَاقِ. وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ. وَقَدْ سُئِلَ أَتَعْتَدّ بِتِلْكَ التّطْلِيقَةِ؟ فَقَالَ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَقَوْلُ نَافِعٍ أَوْ مَنْ دُونَهُ فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ حَرْفٌ وَاحِدٌ يَدُلّ عَلَى وُقُوعِهَا مُعَارَضَتِهَا لِقَوْلِهِ فَرَدّهَا عَلَيّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَتَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَمُعَارَضَتُهَا لِتِلْكَ الْأَدِلّةِ الْمُتَقَدّمَةِ الّتِي سُقْنَاهَا وَعِنْدَ الْمُوَازَنَةِ يَظْهَرُ التّفَاوُتُ وَعَدَمُ الْمُقَاوَمَةِ وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا فِي كَلِمَةٍ كَلِمَةٍ مِنْهَا. .مَعْنَى الْمُرَاجَعَةِ فِي كَلَامِ اللّهِ وَرَسُولِهِ: أَمّا قَوْلُهُ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا فَالْمُرَاجَعَةُ عَلَى ثَلَاثِ مَعَانٍ: أَحَدُهَا: ابْتِدَاءُ النّكَاحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} [الْبَقَرَةُ 230] وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنّ الْمُطَلّقَ هَاهُنَا: هُوَ الزّوْجُ الثّانِي وَأَنّ التّرَاجُعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزّوْجِ الْأَوّلِ وَذَلِكَ نِكَاحٌ مُبْتَدَأٌ. وَثَانِيهِمَا: الرّدّ الْحِسّيّ إلَى الْحَالَةِ الّتِي كَانَ عَلَيْهَا أَوّلًا كَقَوْلِهِ لِأَبِي النّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ لَمّا نَحَلَ ابْنَهُ غُلَامًا خَصّهُ بِهِ دُونَ وَلَدِهِ رَدّهُ فَهَذَا رَدّ مَا لَمْ تَصِحّ فِيهِ الْهِبَةُ الْجَائِزَةُ الّتِي سَمّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَوْرًا وَأَخْبَرَ أَنّهَا لَا تَصْلُحُ وَأَنّهَا خِلَافُ الْعَدْلِ كَمَا سَيَأْتِي تَقْرِيرُهُ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى. وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ لِمَنْ فَرّقَ بَيْنَ جَارِيَةٍ وَوَلَدِهَا فِي الْبَيْعِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَدّ الْبَيْعَ وَلَيْسَ هَذَا الرّدّ مُسْتَلْزِمًا لِصِحّةِ الْبَيْعِ فَإِنّهُ بَيْعٌ بَاطِلٌ بَلْ هُوَ رَدّ شَيْئَيْنِ إلَى حَالَةِ اجْتِمَاعِهِمَا كَمَا كَانَا وَهَكَذَا الْأَمْرُ بِمُرَاجَعَةِ ابْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ ارْتِجَاعٌ وَرَدّ إلَى حَالَةِ الِاجْتِمَاعِ كَمَا كَانَا قَبْلَ الطّلَاقِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الطّلَاقِ فِي الْحَيْضِ الْبَتّةَ. وَأَمّا قَوْلُهُ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فَيَا سُبْحَانَ اللّهِ أَيْنَ الْبَيَانُ فِي هَذَا اللّفْظِ بِأَنّ تِلْكَ الطّلْقَةَ حَسَبَهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْأَحْكَامُ لَا تُؤْخَذُ بِمِثْلِ هَذَا وَلَوْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ حَسَبَهَا عَلَيْهِ وَاعْتَدّ عَلَيْهِ بِهَا لَمْ يَعْدِلْ عَنْ الْجَوَابِ بِفِعْلِهِ وَشَرْعِهِ إلَى: أَرَأَيْت وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ أَكْرَهُ مَا إلَيْهِ أَرَأَيْت فَكَيْفَ يَعْدِلُ لِلسّائِلِ عَنْ صَرِيحِ السّنّةِ إلَى لَفْظَةِ أَرَأَيْت الدّالّةِ عَلَى نَوْعٍ مِنْ الرّأْيِ سَبَبُهُ عَجْزُ الْمُطَلّقِ وَحُمْقُهُ عَنْ إيقَاعِ الطّلَاقِ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي أَذِنَ اللّهُ لَهُ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ فِيمَا هَذِهِ صِفَتُهُ أَنّهُ لَا يُعْتَدّ بِهِ وَأَنّهُ سَاقِطٌ مِنْ فِعْلِ فَاعِلِهِ لِأَنّهُ لَيْسَ فِي دِينِ اللّهِ تَعَالَى حُكْمٌ نَافِذٌ سَبَبُهُ الْعَجْزُ وَالْحُمْقُ عَنْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ إلّا أَنْ يَكُونَ فِعْلًا لَا يُمْكِنُ رَدّهُ بِخِلَافِ الْعُقُودِ الْمُحَرّمَةِ الّتِي مَنْ عَقَدَهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمُحَرّمِ فَقَدْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ هَذَا أَدَلّ عَلَى الرّدّ مِنْهُ عَلَى الصّحّةِ وَاللّزُومِ فَإِنّهُ عَقْدُ عَاجِزٍ أَحْمَقَ عَلَى خِلَافِ أَمْرِ اللّهِ وَرَسُولِهِ فَيَكُونُ مَرْدُودًا بَاطِلًا فَهَذَا الرّأْيُ وَالْقِيَاسُ أَدَلّ عَلَى بُطْلَانِ طَلَاقِ مَنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ مِنْهُ عَلَى صِحّتِهِ وَاعْتِبَارِهِ. وَأَمّا قَوْلُهُ فَحُسِبَتْ مِنْ طَلَاقِهَا. فَفِعْلٌ مَبْنِيّ لِمَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ فَإِذَا سُمّيَ فَاعِلُهُ ظَهَرَ وَتَبَيّنَ هَلْ فِي حُسْبَانِهِ حُجّةٌ أَوْ لَا؟ وَلَيْسَ فِي حُسْبَانِ الْفَاعِلِ الْمَجْهُولِ دَلِيلٌ الْبَتّةَ. وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَائِلُ فَحُسِبَتْ ابْنَ عُمَرَ أَوْ نَافِعًا أَوْ مَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ فِيهِ بَيَانٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي حَسَبَهَا حَتّى تَلْزَمَ الْحُجّةُ بِهِ وَتَحْرُمُ مُخَالَفَتُهُ فَقَدْ تَبَيّنَ أَنّ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ لَا تُخَالِفُ حَدِيثَ أَبِي الزّبَيْرِ وَأَنّهُ صَرِيحٌ فِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَسَائِرُ الْأَحَادِيثِ مُجْمَلَةٌ لَا بَيَانَ فِيهَا. .رَدّ الْمُوقِعِينَ لِلطّلَاقِ عَلَى الْمَانِعِينَ: قَالَ الْمُوقِعُونَ لَقَدْ ارْتَقَيْتُمْ أَيّهَا الْمَانِعُونَ مُرْتَقًى صَعْبًا وَأَبْطَلْتُمْ أَكْثَرَ طَلَاقِ الْمُطَلّقِينَ فَإِنّ غَالِبَهُ طَلَاقٌ بِدْعِيّ وَجَاهَرْتُمْ بِخِلَافِ الْأَئِمّةِ وَلَمْ تَتَحَاشَوْا خِلَافَ الْجُمْهُورِ وَشَذَذْتُمْ بِهَذَا الْقَوْلِ الّذِي أَفْتَى جُمْهُورُ الصّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِهِ وَالْقُرْآنُ وَالسّنَنُ تَدُلّ عَلَى بُطْلَانِهِ. قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا تَحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَهَذَا يَعُمّ كُلّ طَلَاقٍ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [الْبَقَرَةُ 228] وَلَمْ يُفَرّقْ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الطّلَاقُ مَرّتَانِ} وَقَوْلُهُ: {وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ} عُمُومَاتٌ لَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا إلّا بِنَصّ أَوْ إجْمَاعٍ. قَالُوا: وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: الْأَمْرُ بِالْمُرَاجَعَةِ وَهِيَ لَمّ شَعَثِ النّكَاحِ وَإِنّمَا شَعَثُهُ وُقُوعُ الطّلَاقِ. الثّانِي: قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ فَرَاجَعْتهَا وَحَسِبْت لَهَا التّطْلِيقَةَ الّتِي طَلّقَهَا وَكَيْفَ يُظَنّ بِابْنِ عُمَرَ أَنّهُ يُخَالِفُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَحْسَبُهَا مِنْ طَلَاقِهَا وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ يَرَهَا شَيْئًا. الثّالِثُ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَمّا قِيلَ لَهُ أَيُحْتَسَبُ بِتِلْكَ التّطْلِيقَةِ؟ قَالَ أَرَأَيْتَ إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ أَيْ عَجْزُهُ وَحُمْقُهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا لَهُ فِي عَدَمِ احْتِسَابِهِ بِهَا. الرّابِعُ أَنّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدّ بِهَا وَهَذَا إنْكَارٌ مِنْهُ لِعَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا وَهَذَا يُبْطِلُ تِلْكَ اللّفْظَةَ الّتِي رَوَاهَا عَنْهُ أَبُو الزّبَيْرِ إذْ كَيْفَ يَقُولُ ابْنُ عُمَرَ: وَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَعْتَدّ بِهَا؟ وَهُوَ يَرَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ رَدّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا. الْخَامِسُ أَنّ مَذْهَبَ ابْنِ عُمَرَ الِاعْتِدَادُ بِالطّلَاقِ فِي الْحَيْضِ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصّةِ وَأَعْلَمُ النّاسِ بِهَا وَأَشَدّهُمْ اتّبَاعًا لِلسّنَنِ وَتَحَرّجًا مِنْ مُخَالَفَتِهَا. قَالُوا: وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَنّ نَافِعًا أَخْبَرَهُمْ عَن ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَسَأَلَ عُمَرُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمّ لِيُمْسِكْهَا حَتّى تَطْهُرَ ثُمّ تَحِيضَ ثُمّ تَطْهُرَ ثُمّ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ شَاءَ طَلّقَ قَبْلَ أَنْ يَمَسّ فَتِلْكَ الْعِدّةُ الّتِي أَمَرَ اللّهُ أَنْ تُطَلّقَ لَهَا النّسَاءُ وَهِيَ وَاحِدَةٌ هَذَا لَفْظُ حَدِيثِهِ. قَالُوا: وَرَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَرْسَلْنَا إلَى نَافِعٍ وَهُوَ يَتَرَجّلُ فِي دَارِ النّدْوَةِ ذَاهِبًا إلَى الْمَدِينَةِ وَنَحْنُ مَعَ عَطَاءٍ هَلْ حُسِبَتْ تَطْلِيقَةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ امْرَأَتَهُ حَائِضًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالُوا: وَرَوَى حَمّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ: «مَنْ طَلّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ» رَوَاهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ عَنْ زَكَرِيّا السّاجِي حَدّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيّةَ الذّارِعُ حَدّثَنَا حَمّادٌ فَذَكَرَهُ. قَالُوا: وَقَدْ تَقَدّمَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فِي فَتْوَاهُمَا بِالْوُقُوعِ. قَالُوا: وَتَحْرِيمُهُ لَا يَمْنَعُ تَرَتّبَ أَثَرِهِ وَحُكْمِهِ عَلَيْهِ كَالظّهَارِ فَإِنّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزَوْرٌ وَهُوَ مُحَرّمٌ بِلَا شَكّ وَتَرَتّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ تَحْرِيمُ الزّوْجَةِ إلَى أَنْ يُكَفّرَ فَهَكَذَا الطّلَاقُ الْبِدْعِيّ مُحَرّمٌ وَيَتَرَتّبُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ إلَى أَنْ يُرَاجِعَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا. قَالُوا: وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ لِلْمُطَلّقِ ثَلَاثًا: حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك وَعَصَيْتَ رَبّك فِيمَا أَمَرَك بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِك فَأَوْقَعَ عَلَيْهِ الطّلَاقَ الّذِي عَصَى بِهِ الْمُطَلّقُ رَبّهُ عَزّ وَجَلّ. قَالُوا: وَكَذَلِكَ الْقَذْفُ مُحَرّمٌ وَتَرَتّبَ عَلَيْهِ أَثَرُهُ مِنْ الْحَدّ وَرَدّ الشّهَادَةِ وَغَيْرِهِمَا. قَالُوا: وَالْفَرْقُ بَيْنَ النّكَاحِ الْمُحَرّمِ وَالطّلَاقِ الْمُحَرّمِ أَنّ النّكَاحَ عَقْدٌ يَتَضَمّنُ حِلّ الزّوْجَةِ وَمِلْكَ بُضْعِهَا فَلَا يَكُونُ إلّا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْذُونِ فِيهِ شَرْعًا فَإِنّ الْأَبْضَاعَ فِي الْأَصْلِ عَلَى التّحْرِيمِ وَلَا يُبَاحُ مِنْهَا إلّا مَا أَبَاحَهُ الشّارِعُ بِخِلَافِ الطّلَاقِ فَإِنّهُ إسْقَاطٌ لِحَقّهِ وَإِزَالَةٌ لِمِلْكِهِ وَذَلِكَ لَا يَتَوَقّفُ عَلَى كَوْنِ السّبَبِ الْمُزِيلِ مَأْذُونًا فِيهِ شَرْعًا كَمَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْعَيْنِ بِالْإِتْلَافِ الْمُحَرّمِ وَبِالْإِقْرَارِ الْكَاذِبِ وَبِالتّبَرّعِ الْمُحَرّمِ كَهِبَتِهَا لِمَنْ يَعْلَمُ أَنّهُ يَسْتَعِينُ بِهَا عَلَى الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ. قَالُوا: وَالْإِيمَانُ أَصْلُ الْعُقُودِ وَأَجَلّهَا وَأَشْرَفُهَا يَزُولُ بِالْكَلَامِ الْمُحَرّمِ إذَا كَانَ كُفْرًا فَكَيْفَ لَا يَزُولُ عَقْدُ النّكَاحِ بِالطّلَاقِ الْمُحَرّمِ الّذِي وُضِعَ لِإِزَالَتِهِ. قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ إلّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَإِنّهُ يَقَعُ مَعَ تَحْرِيمِهِ لِأَنّهُ لَا يَحِلّ لَهُ الْهَزْلُ بِآيَاتِ اللّهِ وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَتّخِذُونَ آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا: طَلّقْتُك رَاجَعْتُك طَلّقْتُك رَاجَعْتُك فَإِذَا وَقَعَ طَلَاقُ الْهَازِلِ مَعَ تَحْرِيمِهِ فَطَلَاقُ الْجَادّ أَوْلَى أَنْ يَقَعَ مَعَ تَحْرِيمِهِ. قَالُوا: وَفَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ النّكَاحِ الْمُحَرّمِ وَالطّلَاقِ الْمُحَرّمِ أَنّ النّكَاحَ نِعْمَةٌ فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْمُحَرّمَاتِ وَإِزَالَتُهُ وَخُرُوجُ الْبُضْعِ عَنْ مِلْكِهِ نِقْمَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهَا مُحَرّمًا. قَالُوا: وَأَيْضًا فَإِنّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا وَالِاحْتِيَاطُ يَقْتَضِي وُقُوعَ الطّلَاقِ وَتَجْدِيدَ الرّجْعَةِ وَالْعَقْدِ. قَالُوا: وَقَدْ عَهِدْنَا النّكَاحَ لَا يُدْخَلُ فِيهِ إلّا بِالتّشْدِيدِ وَالتّأْكِيدِ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَالْوَلِيّ وَالشّاهِدَيْنِ وَرِضَى الزّوْجَةِ الْمُعْتَبَرِ رِضَاهَا يُقَاسَ عَلَيْهِ. قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَيْدِينَا إلّا قَوْلُ حَمَلَةِ الشّرْعِ كُلّهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ وَالطّلَاقُ نَوْعَانِ طَلَاقُ سُنّةٍ وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ وَقَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ الطّلَاقُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: وَجْهَانِ حَلَالٌ وَوَجْهَانِ حَرَامٌ فَهَذَا الْإِطْلَاقُ وَالتّقْسِيمُ دَلِيلٌ عَلَى أَنّهُ عِنْدَهُمْ طَلَاقٌ حَقِيقَةً وَشُمُولُ اسْمِ الطّلَاقِ لَهُ كَشُمُولِهِ لِلطّلَاقِ الْحَلَالِ وَلَوْ كَانَ لَفْظًا مُجَرّدًا لَغْوًا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَقِيقَةٌ وَلَا قِيلَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ فَإِنّ هَذَا اللّفْظَ إذَا كَانَ لَغْوًا كَانَ وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يُقَالُ فِيهِ طَلّقَ وَلَا يُقَسّمُ الطّلَاقُ- وَهُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ- إلَيْهِ وَإِلَى الْوَاقِعِ فَإِنّ الْأَلْفَاظَ اللّاغِيَةَ الّتِي لَيْسَ لَهَا مَعَانٍ ثَابِتَةٌ لَا تَكُونُ هِيَ وَمَعَانِيهَا قِسْمًا مِنْ الْحَقِيقَةِ الثّابِتَةِ لَفْظًا فَهَذَا أَقْصَى مَا تَمَسّكَ بِهِ الْمُوقِعُونَ وَرُبّمَا ادّعَى بَعْضُهُمْ الْإِجْمَاعَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالنّزَاعِ. .رَدّ الْمَانِعِينَ عَلَى الْمُوقِعِينَ: قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ الْوُقُوعِ الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي ثَلَاثِ مَقَامَاتٍ بِهَا يَسْتَبِينُ الْحَقّ فِي الْمَسْأَلَةِ. الْمَقَامُ الْأَوّلُ بُطْلَانُ مَا زَعَمْتُمْ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَأَنّهُ لَا سَبِيلَ لَكُمْ إلَى إثْبَاتِهِ الْبَتّةَ بَلْ الْعِلْمُ بِانْتِفَائِهِ مَعْلُومٌ. الْمَقَامُ الثّانِي أَنّ فَتْوَى الْجُمْهُورِ بِالْقَوْلِ لَا يَدُلّ عَلَى صِحّتِهِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ لَيْسَ بِحُجّةٍ. الْمَقَامُ الثّالِثُ أَنّ الطّلَاقَ الْمُحَرّمَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ نُصُوصِ الطّلَاقِ الْمُطْلَقَةِ الّتِي رَتّبَ الشّارِعُ عَلَيْهَا أَحْكَامَ الطّلَاقِ فَإِنْ ثَبَتَتْ لَنَا هَذِهِ الْمَقَامَاتُ الثّلَاثُ كُنّا أَسْعَدَ بِالصّوَابِ مِنْكُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ. فَنَقُولُ أَمّا الْمَقَامُ الْأَوّلُ فَقَدْ تَقَدّمَ مِنْ حِكَايَةِ النّزَاعِ مَا يُعْلَمُ مَعَهُ بُطْلَانُ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ كَيْفَ وَلَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ سَبِيلٌ إلَى إثْبَاتِ الْإِجْمَاعِ الّذِي تَقُومُ بِهِ الْحُجّةُ وَتَنْقَطِعُ مَعَهُ الْمَعْذِرَةُ وَتَحْرُمُ مَعَهُ الْمُخَالَفَةُ فَإِنّ الْإِجْمَاعَ الّذِي يُوجِبُ ذَلِكَ هُوَ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيّ الْمَعْلُومُ. وَأَمّا الْمَقَامُ الثّانِي: وَهُوَ أَنّ الْجُمْهُورَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَأَوْجِدُونَا فِي الْأَدِلّةِ الشّرْعِيّةِ أَنّ قَوْلَ الْجُمْهُورِ حُجّةٌ مُضَافَةٌ إلَى كِتَابِ اللّهِ وَسُنّةِ رَسُولِهِ وَإِجْمَاعِ أُمّتِهِ. وَمَنْ تَأَمّلَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا مِنْ عَهْدِ الصّحَابَةِ وَإِلَى الْآنَ وَاسْتَقْرَأَ أَحْوَالَهُمْ وَجَدَهُمْ مُجْمِعِينَ عَلَى تَسْوِيغِ خِلَافِ الْجُمْهُورِ وَوَجَدَ لِكُلّ مِنْهُمْ أَقْوَالًا عَدِيدَةً انْفَرَدَ بِهَا عَنْ الْجُمْهُورِ وَلَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ أَحَدٌ قَطّ وَلَكِنْ مُسْتَقِلّ وَمُسْتَكْثِرٌ فَمَنْ شِئْتُمْ سَمّيْتُمُوهُ مِنْ الْأَئِمّةِ تَتَبّعُوا مَا لَهُ مِنْ الْأَقْوَالِ الّتِي خَالَفَ فِيهَا الْجُمْهُورَ وَلَوْ تَتَبّعْنَا ذَلِكَ وَعَدَدْنَاهُ لَطَالَ الْكِتَابُ بِهِ جِدّا وَنَحْنُ نُحِيلُكُمْ عَلَى الْكُتُبِ الْمُتَضَمّنَةِ لِمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاخْتِلَافِهِمْ وَمَنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِمَذَاهِبِهِمْ وَطَرَائِقِهِمْ يَأْخُذُ إجْمَاعَهُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَكِنْ هَذَا فِي الْمَسَائِلِ الّتِي يَسُوغُ فِيهَا الِاجْتِهَادُ وَلَا تَدْفَعُهَا السّنّةُ الصّحِيحَةُ الصّرِيحَةُ وَأَمّا مَا كَانَ هَذَا سَبِيلُهُ فَإِنّهُمْ كَالْمُتّفِقِينَ عَلَى إنْكَارِهِ وَرَدّهِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ. وَأَمّا الْمَقَامُ الثّالِثُ وَهُوَ دَعْوَاكُمْ دُخُولَ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ تَحْتَ نُصُوصِ الطّلَاقِ وَشُمُولَهَا لِلنّوْعَيْنِ إلَى آخِرِ كَلَامِكُمْ فَنَسْأَلُكُمْ مَا تَقُولُونَ فِيمَنْ ادّعَى دُخُولَ أَنْوَاعِ الْبَيْعِ الْمُحَرّمِ وَالنّكَاحِ الْمُحَرّمِ تَحْتَ نُصُوصِ الْبَيْعِ وَقَالَ شُمُولُ الِاسْمِ لِلصّحِيحِ مِنْ ذَلِكَ وَالْفَاسِدِ سَوَاءٌ بَلْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْعُقُودِ الْمُحَرّمَةِ إذَا ادّعَى دُخُولَهَا تَحْتَ أَلْفَاظِ الْعُقُودِ الشّرْعِيّةِ وَكَذَلِكَ الْعِبَادَاتُ الْمُحَرّمَةُ الْمَنْهِيّ عَنْهَا إذَا ادّعَى دُخُولَهَا تَحْتَ الْأَلْفَاظِ الشّرْعِيّةِ وَحَكَمَ لَهَا بِالصّحّةِ لِشُمُولِ الِاسْمِ لَهَا هَلْ تَكُونُ دَعْوَاهُ صَحِيحَةً أَوْ بَاطِلَةً؟ فَإِنْ قُلْتُمْ صَحِيحَةٌ وَلَا سَبِيلَ لَكُمْ إلَى ذَلِكَ كَانَ قَوْلًا مَعْلُومَ الْفَسَادِ بِالضّرُورَةِ مِنْ الدّينِ وَإِنْ قُلْتُمْ دَعْوَاهُ بَاطِلَةٌ تَرَكْتُمْ قَوْلَكُمْ وَرَجَعْتُمْ إلَى مَا قُلْنَاهُ وَإِنْ قُلْتُمْ تُقْبَلُ فِي مَوْضِعٍ وَتُرَدّ فِي مَوْضِعٍ قِيلَ لَكُمْ فَفَرّقُوا بِفُرْقَانٍ صَحِيحٍ مُطّرِدٍ مُنْعَكِسٍ مَعَكُمْ بِهِ بُرْهَانٌ مِنْ اللّهِ بَيْنَ مَا يَدْخُلُ مِنْ الْعُقُودِ الْمُحَرّمَةِ تَحْتَ أَلْفَاظِ النّصُوصِ فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الصّحّةِ وَبَيْنَ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَهَا فَيَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الْبُطْلَانِ وَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ ذَلِكَ فَاعْلَمُوا أَنّهُ لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ سِوَى الدّعْوَى الّتِي يُحْسِنُ كُلّ أَحَدٍ مُقَابَلَتَهَا بِمِثْلِهَا أَوْ الِاعْتِمَادَ عَلَى مَنْ يُحْتَجّ لِقَوْلِهِ لَا بِقَوْلِهِ وَإِذَا كُشِفَ الْغِطَاءُ عَمّا قَرّرْتُمُوهُ فِي هَذِهِ الطّرِيقِ وُجِدَ عَيْنُ مَحَلّ النّزَاعِ فَقَدْ جَعَلْتُمُوهُ مُقَدّمَةً فِي الدّلِيلِ وَذَلِكَ عَيْنُ الْمُصَادَرَةِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فَهَلْ وَقَعَ النّزَاعُ إلّا فِي دُخُولِ الطّلَاقِ الْمُحَرّمِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ تَحْتَ قَوْلِهِ: {وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ} وَتَحْتَ قَوْلِهِ: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} وَأَمْثَالَ ذَلِكَ وَهَلْ سَلّمَ لَكُمْ مُنَازِعُوكُمْ قَطّ ذَلِكَ حَتّى تَجْعَلُوهُ مُقَدّمَةً لِدَلِيلِكُمْ؟. قَالُوا: وَأَمّا اسْتِدْلَالُكُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَهُوَ إلَى أَنْ يَكُونَ حُجّةً عَلَيْكُمْ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى أَنْ يَكُونَ حُجّةً لَكُمْ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: صَرِيحُ قَوْلِهِ فَرَدّهَا عَلَيّ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا وَقَدْ تَقَدّمَ بَيَانُ صِحّتِهِ. قَالُوا: فَهَذَا الصّرِيحُ الصّحِيحُ لَيْسَ بِأَيْدِيكُمْ مَا يُقَاوِمُهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بَلْ جَمِيعُ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ إمّا صَحِيحَةٌ غَيْرُ صَرِيحَةٍ وَإِمّا صَرِيحَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ كَمَا سَتَقِفُونَ عَلَيْهِ. الثّانِي: أَنّهُ قَدْ صَحّ عَنْ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ كَالشّمْسِ مِنْ عُبَيْدِ اللّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْهُ فِي الرّجُلِ يُطَلّقُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ لَا يُعْتَدّ بِذَلِكَ وَقَدْ تَقَدّمَ. الثّالِثُ أَنّهُ لَوْ كَانَ صَرِيحًا فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ لَمَا عَدَلَ بِهِ إلَى مُجَرّدِ الرّأْيِ. وَقَوْلُهُ لِلسّائِلِ أَرَأَيْتَ؟ الرّابِعُ أَنّ الْأَلْفَاظَ قَدْ اضْطَرَبَتْ عَنْ ابْنِ عُمَر فِي ذَلِكَ اضْطِرَابًا شَدِيدًا وَكُلّهَا صَحِيحَةٌ عَنْهُ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نَصّ صَرِيحٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وُقُوعِ تِلْكَ الطّلْقَةِ وَالِاعْتِدَادِ بِهَا وَإِذَا تَعَارَضَتْ تِلْكَ الْأَلْفَاظُ نَظَرْنَا إلَى مَذْهَبِ ابْنِ عُمَر وَفَتْوَاهُ فَوَجَدْنَاهُ صَرِيحًا فِي عَدَمِ الْوُقُوعِ وَوَجَدْنَا أَحَدَ أَلْفَاظِ حَدِيثِهِ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ فَقَدْ اجْتَمَعَ صَرِيحُ رِوَايَتِهِ وَفَتْوَاهُ عَلَى عَدَمِ الِاعْتِدَادِ وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَلْفَاظٌ مُجْمَلَةٌ مُضْطَرِبَةٌ كَمَا تَقَدّمَ بَيَانُهُ. وَأَمّا قَوْلُ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمَا لِي لَا أَعْتَدّ بِهَا وَقَوْلُهُ أَرَأَيْت إنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ فَغَايَةُ هَذَا أَنْ يَكُونَ رِوَايَةً صَرِيحَةً عَنْهُ بِالْوُقُوعِ وَيَكُونَ عَنْهُ رِوَايَتَانِ. وَقَوْلُكُمْ. كَيْفَ يُفْتِي بِالْوُقُوعِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ رَدّهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَعْتَدّ عَلَيْهِ بِهَا؟ فَلَيْسَ هَذَا بِأَوّلِ حَدِيثٍ خَالَفَهُ رَاوِيهِ وَلَهُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الّتِي خَالَفَهَا رَاوِيهَا أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي تَقْدِيمِ رِوَايَةِ الصّحَابِيّ وَمَنْ بَعْدَهُ عَلَى رَأْيِهِ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبّاسٍ حَدِيثَ بَرِيرَةَ وَأَنّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِطَلَاقِهَا وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ فَأَخَذَ النّاسُ بِرِوَايَتِهِ وَتَرَكُوا رَأْيَهُ وَهَذَا هُوَ الصّوَابُ فَإِنّ الرّوَايَةَ مَعْصُومَةٌ عَنْ مَعْصُومٍ وَالرّأْيُ بِخِلَافِهَا كَيْفَ وَأَصْرَحُ الرّوَايَتَيْنِ عَنْهُ مُوَافَقَتُهُ لِمَا رَوَاهُ مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ عَلَى أَنّ فِي هَذَا فِقْهًا دَقِيقًا إنّمَا يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ غَوْرٌ عَلَى أَقْوَالِ الصّحَابَةِ وَمَذَاهِبِهِمْ وَفَهْمِهِمْ عَنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَاحْتِيَاطِهِمْ لِلْأُمّةِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي إيقَاعِ الطّلَاقِ الثّلَاثِ جُمْلَةً. وَأَمّا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ فِي آخِرِهِ وَهِيَ وَاحِدَةٌ فَلَعَمْرُ اللّهِ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ اللّفْظَةُ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَدّمْنَا عَلَيْهَا شَيْئًا وَلَصِرْنَا إلَيْهَا بِأَوّلِ وَهْلَةٍ وَلَكِنْ لَا نَدْرِي أَقَالَهَا ابْنُ وَهْبٍ مِنْ عِنْدِهِ أَمْ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ أَمْ نَافِعٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَا يُتَيَقّنُ أَنّهُ مِنْ كَلَامِهِ وَيَشْهَدُ بِهِ عَلَيْهِ وَتُرَتّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ وَيُقَالُ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللّهِ بِالْوَهْمِ وَالِاحْتِمَالِ وَالظّاهِرُ أَنّهَا مِنْ قَوْلِ مَنْ دُونَ ابْنِ عُمَر رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَمُرَادُهُ بِهَا أَنّ ابْنَ عُمَرَ إنّمَا طَلّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْهُ ثَلَاثًا أَيْ طَلّقَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ امْرَأَتَهُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَهُ. وَأَمّا حَدِيثُ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ نَافِعٍ أَنّ تَطْلِيقَةَ عَبْدِ اللّهِ حُسِبَتْ عَلَيْهِ فَهَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ نَافِعٍ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ الّذِي حَسَبَهَا أَهُوَ عَبْدُ اللّهِ نَفْسُهُ أَوْ أَبُوهُ عُمَرُ أَوْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ؟ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْوَهْمِ وَالْحُسْبَانِ وَكَيْفَ يُعَارَضُ صَرِيحِ قَوْلِهِ وَلَمْ يَرَهَا شَيْئًا بِهَذَا الْمُجْمَلِ؟ وَاللّهُ يَشْهَدُ- وَكَفَى بِاَللّهِ شَهِيدًا- أَنّا لَوْ تَيَقّنّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي حَسَبَهَا عَلَيْهِ لَمْ نَتَعَدّ ذَلِكَ وَلَمْ نَذْهَبْ إلَى سِوَاهُ. وَأَمّا حَدِيثُ أَنَسٍ مَنْ طَلّقَ فِي بِدْعَةٍ أَلْزَمْنَاهُ بِدْعَتَهُ فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِاَللّهِ أَنّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ الثّقَاتِ مِنْ أَصْحَابِ حَمّادِ بْنِ زَيْدٍ وَإِنّمَا هُوَ مِنْ حَدِيثِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيّةَ الذّارِعِ الْكَذّابِ الّذِي يَذْرَعُ وَيُفَصّلُ ثُمّ الرّاوِي لَهُ عَنْهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ وَقَدْ ضَعّفَهُ الْبَرْقَانِيّ وَغَيْرُهُ وَكَانَ قَدْ اُخْتُلِطَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ: يُخْطِئُ كَثِيرًا وَمِثْلُ هَذَا إذَا تَفَرّدَ بِحَدِيثٍ لَمْ يَكُنْ حَدِيثُهُ حُجّةً. وَأَمّا إفْتَاءُ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا بِالْوُقُوعِ فَلَوْ صَحّ ذَلِكَ وَلَا يَصِحّ أَبَدًا فَإِنّ أَثَرَ عُثْمَانَ فِيهِ كَذّابٌ عَنْ مَجْهُولٍ لَا يُعْرَفُ عَيْنُهُ وَلَا حَالُهُ فَإِنّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ عَنْ رَجُلٍ وَأَثَرُ زَيْدٍ فِيهِ مَجْهُولٌ عَنْ مَجْهُولٍ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ رَجُلٍ سَمّاهُ عَنْ زَيْدٍ فَيَالِلّهِ الْعَجَبُ أَيْنَ هَاتَانِ الرّوَايَتَانِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثّقَفِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ حَافِظِ الْأُمّةِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنّهُ قَالَ لَا يُعْتَدّ بِهَا. فَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَثَرُ مِنْ قِبَلِكُمْ لَصُلْتُمْ بِهِ وَجُلْتُمْ. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ تَحْرِيمَهُ لَا يَمْنَعُ تَرَتّبَ أَثَرِهِ عَلَيْهِ كَالظّهَارِ فَيُقَالُ أَوّلًا: هَذَا قِيَاسٌ يَدْفَعُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النّصّ وَسَائِرُ تِلْكَ الْأَدِلّةِ الّتِي هِيَ أَرْجَحُ مِنْهُ ثُمّ يُقَالُ ثَانِيًا: هَذَا مُعَارَضٌ بِمِثْلِهِ سَوَاءٌ مُعَارَضَةُ الْقَلْبِ بِأَنْ يُقَالَ تَحْرِيمُهُ يَمْنَعُ تَرَتّبَ أَثَرِهِ عَلَيْهِ كَالنّكَاحِ وَيُقَالُ ثَالِثًا: لَيْسَ لِلظّهَارِ جِهَتَانِ جِهَةُ حِلّ وَجِهَةُ حُرْمَةٍ بَلْ كُلّهُ حَرَامٌ فَإِنّهُ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزَوْرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ إلَى حَلَالٍ جَائِزٍ وَحَرَامٍ بَاطِلٍ بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْقَذْفِ مِنْ الْأَجْنَبِيّ وَالرّدّةِ فَإِذَا وُجِدَ لَمْ يُوجَدْ إلّا مَعَ مَفْسَدَتِهِ فَلَا يُتَصَوّرُ أَنْ يُقَالَ مِنْهُ حَلَالٌ صَحِيحٌ وَحَرَامٌ بَاطِلٌ بِخِلَافِ النّكَاحِ وَالطّلَاقِ وَالْبَيْعِ فَالظّهَارُ نَظِيرُ الْأَفْعَالِ الْمُحَرّمَةِ الّتِي إذَا وَقَعَتْ قَارَنَتْهَا مَفَاسِدُهَا فَتَرَتّبَتْ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا وَإِلْحَاقُ الطّلَاقِ بِالنّكَاحِ وَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْعُقُودِ الْمُنْقَسِمَةِ إلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ وَصَحِيحٍ وَبَاطِلٍ أَوْلَى. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ النّكَاحَ عَقْدٌ يُمَلّكُ بِهِ الْبُضْعُ وَالطّلَاقُ عَقْدٌ يَخْرُجُ بِهِ فَنَعَمْ. مِنْ أَيْنَ لَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ اللّهِ وَرَسُولِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْعَقْدَيْنِ فِي اعْتِبَارِ حُكْمِ أَحَدِهِمَا وَالْإِلْزَامِ بِهِ وَتَنْفِيذِهِ وَإِلْغَاءِ الْآخَرِ وَإِبْطَالِهِ؟. وَأَمّا زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْ الْعَيْنِ بِالْإِتْلَافِ الْمُحَرّمِ فَذَلِكَ مِلْكٌ قَدْ زَالَ حِسّا فَأَبْعَدُ. وَأَبْعَدُ فَإِنّا صَدّقْنَاهُ ظَاهِرًا فِي إقْرَارِهِ وَأَزَلْنَا مِلْكَهُ بِالْإِقْرَارِ الْمُصَدّقِ فِيهِ وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا. وَأَمّا زَوَالُ الْإِيمَانِ بِالْكَلَامِ الّذِي هُوَ كُفْرٌ فَقَدْ تَقَدّمَ جَوّابُهُ وَأَنّهُ لَيْسَ فِي الْكُفْرِ حَلَالٌ وَحَرَامٌ. وَأَمّا طَلَاقُ الْهَازِلِ فَإِنّمَا وَقَعَ لِأَنّهُ صَادَفَ مَحَلّا وَهُوَ طُهْرٌ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ فَنَفَذَ وَكَوْنُهُ هَزَلَ بِهِ إرَادَةً مِنْهُ أَنْ لَا يَتَرَتّبَ أَثَرُهُ عَلَيْهِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ بَلْ إلَى الشّارِعِ فَهُوَ قَدْ أَتَى بِالسّبَبِ التّامّ وَأَرَادَ أَلّا يَكُونَ سَبَبَهُ فَلَمْ يَنْفَعْهُ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَنْ طَلّقَ فِي غَيْرِ زَمَنِ الطّلَاقِ فَإِنّهُ لَمْ يَأْتِ بِالسّبَبِ الّذِي نَصّبَهُ اللّهُ سُبْحَانَهُ مُفْضِيًا إلَى وُقُوعِ الطّلَاقِ وَإِنّمَا أَتَى بِسَبَبٍ مِنْ عِنْدِهِ وَجَعَلَهُ هُوَ مُفْضِيًا إلَى حُكْمِهِ وَذَلِكَ لَيْسَ إلَيْهِ. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنْ النّكَاحَ نِعْمَةٌ فَلَا يَكُونُ سَبَبُهُ إلّا طَاعَةً بِخِلَافِ الطّلَاقِ فَإِنّهُ مِنْ بَابِ إزَالَةِ النّعَمِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَبَبُهُ مَعْصِيَةً فَيُقَالُ قَدْ يَكُونُ الطّلَاقُ مِنْ أَكْبَرِ النّعَمِ الّتِي يَفُكّ بِهَا الْمُطَلّقُ الْغُلّ مِنْ عُنُقِهِ وَالْقَيْدَ مِنْ رِجْلِهِ فَلَيْسَ كُلّ طَلَاقٍ نِقْمَةً بَلْ مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ مَكّنَهُمْ مِنْ الْمُفَارَقَةِ بِالطّلَاقِ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَالتّخَلّصَ مِمّنْ لَا يُحِبّهَا وَلَا يُلَائِمُهَا فَلَمْ يُرَ لِلْمُتَحَابّيْنِ مِثْلُ النّكَاحِ وَلَا لِلْمُتَبَاغِضَيْنِ مِثْلُ الطّلَاقِ ثُمّ كَيْفَ يَكُونُ نِقْمَةً وَاللّهُ تَعَالَى يَقُولُ {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلّقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ} [الْبَقَرَةُ 236] وَيَقُولُ {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} [الطّلَاقُ 1]؟. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ الْفُرُوجَ يُحْتَاطُ لَهَا فَنَعَمْ وَهَكَذَا قُلْنَا سَوَاءٌ فَإِنّا احْتَطْنَا وَأَبْقَيْنَا الزّوْجَيْنِ عَلَى يَقِينِ النّكَاحِ حَتّى يَأْتِيَ مَا يُزِيلُهُ بِيَقِينٍ فَإِذَا أَخْطَأْنَا فَخَطَؤُنَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ أَصَبْنَا فَصَوَابُنَا فِي جِهَتَيْنِ جِهَةِ الزّوْجِ الْأَوّلِ وَجِهَةِ الثّانِي وَأَنْتُمْ تَرْتَكِبُونَ أَمْرَيْنِ تَحْرِيمَ الْفَرَجِ عَلَى مَنْ كَانَ حَلَالًا لَهُ بِيَقِينٍ وَإِحْلَالُهُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ خَطَأً فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ جِهَتَيْنِ فَتَبَيّنَ أَنّا أَوْلَى بِالِاحْتِيَاطِ مِنْكُمْ وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ فِي طَلَاقِ السّكْرَانِ نَظِيرُ هَذَا الِاحْتِيَاطِ سَوَاءٌ فَقَالَ الّذِي لَا يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ إنّمَا أَتَى خَصْلَةً وَاحِدَةً وَاَلّذِي يَأْمُرُ بِالطّلَاقِ أَتَى خَصْلَتَيْنِ حَرّمَهَا عَلَيْهِ وَأَحَلّهَا لِغَيْرِهِ فَهَذَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا. وَأَمّا قَوْلُكُمْ إنّ النّكَاحَ يُدْخَلُ فِيهِ بِالْعَزِيمَةِ وَالِاحْتِيَاطِ وَيُخْرَجُ مِنْهُ بِأَدْنَى شَيْءٍ قُلْنَا: وَلَكِنْ لَا يُخْرَجُ مِنْهُ إلّا بِمَا نَصّبَهُ اللّهُ سَبَبًا يُخْرَجُ بِهِ مِنْهُ وَأَذِنَ فِيهِ وَأَمّا مَا يُنَصّبُهُ الْمُؤْمِنُ عِنْدَهُ وَيَجْعَلُهُ هُوَ سَبَبًا لِلْخُرُوجِ مِنْهُ فَكَلّا. فَهَذَا مُنْتَهَى أَقْدَامِ الطّائِفَتَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الضّيّقَةِ الْمُعْتَرَكِ الْوَعِرَةِ الْمَسْلَكِ الّتِي يَتَجَاذَبُ أَعِنّةَ أَدِلّتِهَا الْفُرْسَانُ وَتَتَضَاءَلُ لَدَى صَوْلَتِهَا شَجَاعَةُ الشّجْعَانِ وَإِنّمَا نَبّهْنَا عَلَى مَأْخَذِهَا وَأَدِلّتِهَا لِيَعْلَمَ الْغِرّ الّذِي بِضَاعَتُهُ مِنْ الْعِلْمِ مُزْجَاةٌ أَنّ هُنَاكَ شَيْئًا آخَرَ وَرَاءَ مَا عِنْدَهُ وَأَنّهُ إذَا كَانَ مِمّنْ قَصّرَ فِي الْعِلْمِ بَاعَهُ فَضَعُفَ خَلْفَ الدّلِيلِ وَتَقَاصَرَ عَنْ جَنَى ثِمَارِهِ ذِرَاعَهُ فَلْيَعْذُرْ مَنْ شَمّرَ عَنْ سَاقِ عَزْمِهِ وَحَامَ حَوْلَ آثَارِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتَحْكِيمِهَا وَالتّحَاكُمِ إلَيْهَا بِكُلّ هِمّةٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَاذِرٍ لِمُنَازِعِهِ فِي قُصُورِهِ وَرَغْبَتِهِ عَنْ هَذَا الشّأْنِ الْبَعِيدِ فَلْيَعْذُرْ مُنَازِعَهُ فِي رَغْبَتِهِ عَمّا ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَحْضِ التّقْلِيدِ وَلْيَنْظُرْ مَعَ نَفْسِهِ أَيّهُمَا هُوَ الْمَعْذُورُ وَأَيّ السّعْيَيْنِ أَحَقّ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ السّعْيَ الْمَشْكُورَ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التّكْلَانُ وَهُوَ الْمُوَفّقُ لِلصّوَابِ الْفَاتِحُ لِمَنْ أَمّ بَابَهُ طَالِبًا لِمَرْضَاتِهِ مِنْ الْخَيْرِ كُلّ بَابٍ. ------------- .فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَنْ طَلّقَ ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: قَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخْبَرَ عَنْ رَجُلٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ مُغْضَبًا ثُمّ قَالَ أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَإِنّ ابْنَ وَهْبٍ قَدْ رَوَاهُ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْت مَحْمُودَ بْنَ لَبِيدٍ فَذَكَرَهُ وَمَخْرَمَةُ ثِقَةٌ بِلَا شَكّ وَقَدْ احْتَجّ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِهِ عَنْ أَبِيهِ. وَاَلّذِينَ أَعَلّوهُ قَالُوا: لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَإِنّمَا هُوَ كِتَابٌ.. قَالَ أَبُو طَالِبٍ سَأَلْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْن بُكَيْرٍ؟ فَقَالَ هُوَ ثِقَةٌ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ إنّمَا هُوَ كِتَابُ مَخْرَمَةَ فَنَظَرَ فِيهِ كُلّ شَيْءٍ يَقُولُ بَلَغَنِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ فَهُوَ مِنْ كِتَابِ مَخْرَمَةَ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي خَيْثُمَةَ سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ يَقُولُ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ وَقَعَ إلَيْهِ كِتَابُ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ عَبّاسٍ الدّورِيّ: هُوَ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُهُ عَنْ أَبِيهِ كِتَابٌ وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ إلّا حَدِيثًا وَاحِدًا حَدِيثَ الْوِتْرِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ خَالِهِ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ أَتَيْتُ مَخْرَمَةَ فَقُلْت: حَدّثَك أَبُوك؟ قَالَ لَمْ أُدْرِكْ أَبِي وَلَكِنْ هَذِهِ كُتُبُهُ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنّ كِتَابَ أَبِيهِ كَانَ عِنْدَهُ مَحْفُوظًا مَضْبُوطًا فَلَا فَرْقَ فِي قِيَامِ الْحُجّةِ بِالْحَدِيثِ بَيْنَ مَا حَدّثَهُ بِهِ أَوْ رَآهُ فِي كِتَابِهِ بَلْ الْأَخْذُ عَنْ النّسْخَةِ أَحْوَطُ إذَا تَيَقّنَ الرّاوِي أَنّهَا نُسْخَةُ الشّيْخِ بِعَيْنِهَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الصّحَابَةِ وَالسّلَفِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْعَثُ كُتُبَهُ إلَى الْمُلُوكِ وَتَقُومُ عَلَيْهِمْ بِهَا الْحُجّةُ وَكَتَبَ كُتُبَهُ إلَى عُمّالِهِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ فَعَمِلُوا بِهَا وَاحْتَجّوا بِهَا وَدَفَعَ الصّدّيقُ كِتَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الزّكَاةِ إلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَحَمَلَهُ وَعَمِلَتْ بِهِ الْأُمّةُ وَكَذَلِكَ كِتَابُهُ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فِي الصّدَقَاتِ الّذِي كَانَ عِنْدَ آلِ عَمْرٍو وَلَمْ يَزَلْ السّلَفُ وَالْخَلَفُ يَحْتَجّونَ بِكِتَابِ بَعْضِهِمْ إلَى بَعْضٍ وَيَقُولُ الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ كَتَبَ إلَيّ فُلَانٌ أَنّ فُلَانًا أَخْبَرَهُ وَلَوْ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِالْكُتُبِ لَمْ يَبْقَ بِأَيْدِي الْأُمّةِ إلّا أَيْسَرُ الْيَسِيرِ فَإِنّ الِاعْتِمَادَ إنّمَا هُوَ عَلَى النّسْخِ لَا عَلَى الْحِفْظِ وَالْحِفْظُ خَوّانٌ وَالنّسْخَةُ لَا تَخُونُ وَلَا يُحْفَظُ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ الْمُتَقَدّمَةِ أَنّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ رَدّ الِاحْتِجَاجَ بِالْكِتَابِ وَقَالَ لَمْ يُشَافِهْنِي بِهِ الْكَاتِبُ فَلَا أَقَبْلُهُ بَلْ كُلّهُمْ الْجَوَابُ الثّانِي: أَنّ قَوْلَ مَنْ قَالَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ مُعَارَضٌ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ سَمِعَ مِنْهُ وَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَإِثْبَاتٌ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ: سُئِلَ أَبِي عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ؟ فَقَالَ صَالِحُ الْحَدِيثِ. قَالَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ وَجَدْت فِي ظَهْرِ كِتَابِ مَالِكٍ سَأَلْت مَخْرَمَةَ عَمّا يُحَدّثُ بِهِ عَنْ أَبِيهِ سَمِعَهَا مِنْ أَبِيهِ؟ فَحَلَفَ لِي: وَرَبّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ- يَعْنِي الْمَسْجِدَ- سَمِعْتُ مِنْ أَبِي. وَقَالَ عَلِيّ بْنُ الْمَدِينِيّ: سَمِعْتُ مَعْنَ بْنَ عِيسَى يَقُولُ مَخْرَمَةُ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِ رَبِيعَةُ أَشْيَاءَ مِنْ رَأْيِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَقَالَ عَلِيّ وَلَا أَظُنّ مَخْرَمَةَ سَمِعَ مِنْ أَبِيهِ كِتَابَ سُلَيْمَانَ لَعَلّهُ سَمِعَ مِنْهُ الشّيْءَ الْيَسِيرَ وَلَمْ أَجِدْ أَحَدًا بِالْمَدِينَةِ يُخْبِرُنِي عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِهِ سَمِعْت أَبِي وَمَخْرَمَةُ ثِقَةٌ. انْتَهَى. وَيَكْفِي أَنّ مَالِكًا أَخَذَ كِتَابَهُ فَنَظَرَ فِيهِ وَاحْتَجّ بِهِ فِي مُوَطّئِهِ وَكَانَ يَقُولُ حَدّثَنِي مَخْرَمَةُ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ سَأَلْت إسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي أُوَيْسٍ قُلْت: هَذَا الّذِي يَقُولُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: حَدّثَنِي الثّقَةُ مَنْ هُوَ؟ قَالَ مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ. وَقِيلَ لِأَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمِصْرِيّ كَانَ مَخْرَمَةُ مِنْ ثِقَاتِ الرّجَالِ؟ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ ابْنُ عَدِيّ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَمَعْنُ بْنُ عِيسَى عَنْ مَخْرَمَةَ أَحَادِيثُ حِسَانٌ مُسْتَقِيمَةٌ وَأَرْجُو أَنّهُ لَا بَأْسَ بِهِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لِلْمُطَلّقِ ثَلَاثًا: حَرُمَتْ عَلَيْكَ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَك وَعَصَيْتَ رَبّكَ فِيمَا أَمَرَكَ بِهِ مِنْ طَلَاقِ امْرَأَتِكَ وَهَذَا تَفْسِيرٌ مِنْهُ لِلطّلَاقِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَتَفْسِيرُ الصّحَابِيّ حُجّةٌ. وَقَالَ الْحَاكِمُ: هُوَ عِنْدَنَا مَرْفُوعٌ. حَقّ التّأَمّلِ تَبَيّنَ لَهُ ذَلِكَ وَعَرَفَ أَنّ الطّلَاقَ الْمَشْرُوعَ بَعْدَ الدّخُولِ هُوَ الطّلَاقُ الّذِي يَمْلِكُ بِهِ الرّجْعَةَ وَلَمْ يَشْرَعْ اللّهُ سُبْحَانَهُ إيقَاعَ الثّلَاثِ جُمْلَةً وَاحِدَةً الْبَتّةَ قَالَ تَعَالَى: {الطّلَاقُ مَرّتَانِ} وَلَا تَعْقِلُ الْعَرَبُ فِي لُغَتِهَا وُقُوعَ الْمَرّتَيْنِ إلّا مُتَعَاقِبَتَيْنِ كَمَا قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ سَبّحَ اللّهَ دُبُرَ كُلّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبّرَهُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَنَظَائِرُهُ فَإِنّهُ لَا يُعْقَلُ مِنْ ذَلِكَ إلّا تَسْبِيحٌ وَتَكْبِيرٌ وَتَحْمِيدٌ مُتَوَالٍ يَتْلُو بَعْضُهُ بَعْضًا فَلَوْ قَالَ سُبْحَانَ اللّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَاللّهُ أَكْبَرُ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ بِهَذَا اللّفْظِ لَكَانَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ فَقَطْ. وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ {وَالّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ} [النّورُ 6] فَلَوْ قَالَ أَشْهَدُ بِاَللّهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ إنّي لَمِنْ الصّادِقِينَ كَانَتْ مَرّةً وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ إِنّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ} [النّورُ 8] فَلَوْ قَالَتْ أَشْهَدُ بِاَللّهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ إنّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ كَانَتْ وَاحِدَةً وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {سَنُعَذّبُهُمْ مَرّتَيْنِ} [التّوْبَةُ 101] فَهَذَا مَرّةً بَعْدَ مَرّةٍ وَلَا يَنْتَقِضُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرّتَيْنِ} [الْأَحْزَابُ 31] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرّتَيْنِ فَإِنّ الْمَرّتَيْنِ هُنَا هُمَا الضّعْفَانِ وَهُمَا الْمِثْلَانِ وَهُمَا مِثْلَانِ فِي الْقَدْرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الْأَحْزَابُ 30] وَقَوْلِهِ: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [الْبَقَرَةُ 265] أَيْ ضِعْفَيْ مَا يُعَذّبُ بِهِ غَيْرُهَا وَضِعْفَيْ مَا كَانَتْ تُؤْتِي وَمِنْ هَذَا قَوْلُ أَنَسٍ انْشَقّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّتَيْنِ أَيْ شَقّتَيْنِ وَفِرْقَتَيْنِ كَمَا قَالَ فِي اللّفْظِ الْآخَرِ انْشَقّ الْقَمَرُ فِلْقَتَيْنِ وَهَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ قَطْعًا أَنّهُ إنّمَا انْشَقّ الْقَمَرُ مَرّةً وَاحِدَةً وَالْفَرْقُ مَعْلُومٌ بَيْنَ مَا يَكُونُ مَرّتَيْنِ فِي الزّمَانِ وَبَيْنَ مَا يَكُونُ مِثْلَيْنِ وَجُزْأَيْنِ وَمَرّتَيْنِ فِي الْمُضَاعَفَةِ. فَالثّانِي: يُتَصَوّرُ فِيهِ اجْتِمَاعُ الْمَرّتَيْنِ فِي آنٍ وَاحِدٍ وَالْأَوّلُ لَا يُتَصَوّرُ فِيهِ ذَلِكَ. وَمِمّا يَدُلّ عَلَى أَنّ اللّهَ لَمْ يَشْرَعْ الثّلَاثَ جُمْلَةً أَنّهُ قَالَ تَعَالَى: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} إلَى أَنْ قَالَ: {وَبُعُولَتُهُنّ أَحَقّ بِرَدّهِنّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [الْبَقَرَةُ 228] فَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ كُلّ طَلَاقٍ بَعْدَ الدّخُولِ فَالْمُطَلّقُ أَحَقّ فِيهِ بِالرّجْعَةِ سِوَى الثّالِثَةِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ هَذَا وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} إلَى قَوْلِهِ: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنّ فَأَمْسِكُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنّ بِمَعْرُوفٍ} فَهَذَا هُوَ الطّلَاقُ الْمَشْرُوعُ وَقَدْ ذَكَرَ اللّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَقْسَامَ الطّلَاقِ كُلّهَا فِي الْقُرْآنِ وَذَكَرَ أَحْكَامَهَا فَذَكَرَ عِدّةَ فِيهِ وَذَكَرَ الطّلْقَةَ الثّالِثَةَ وَأَنّهَا تُحَرّمُ الزّوْجَةَ عَلَى الْمُطَلّق {حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَذَكَرَ طَلَاقَ الْفِدَاءِ الّذِي هُوَ الْخُلْعُ وَسَمّاهُ فِدْيَةً وَلَمْ يَحْسِبْهُ مِنْ الثّلَاثِ كَمَا تَقَدّمَ وَذَكَرَ الطّلَاقَ الرّجْعِيّ الّذِي الْمُطَلّقُ أَحَقّ فِيهِ بِالرّجْعَةِ وَهُوَ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَقْسَامِ الثّلَاثَةِ. وَبِهَذَا احْتَجّ أَحْمَدُ وَالشّافِعِيّ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنّهُ لَيْسَ فِي الشّرْعِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الدّخُولِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بَائِنَةً وَأَنّهُ إذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً كَانَتْ رَجْعِيّةً وَيَلْغُو وَصْفُهَا بِالْبَيْنُونَةِ وَأَنّهُ لَا يَمْلِكُ إبَانَتَهَا إلّا بِعِوَضٍ. وَأَمّا أَبُو حَنِيفَةُ فَقَالَ تَبِينُ بِذَلِكَ لِأَنّ الرّجْعَةَ حَقّ لَهُ وَقَدْ أَسْقَطَهَا وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ وَإِنْ كَانَتْ الرّجْعَةُ حَقّا لَهُ لَكِنْ نَفَقَةُ الرّجْعِيّةِ وَكُسْوَتُهَا حَقّ عَلَيْهِ فَلَا يَمْلِكُ إسْقَاطَهُ إلّا بِاخْتِيَارِهَا وَبَذْلِهَا الْعِوَضَ أَوْ سُؤَالِهَا أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ جَوَازُ الْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ. وَأَمّا إسْقَاطُ حَقّهَا مِنْ الْكِسْوَةِ وَالنّفَقَةِ بِغَيْرِ سُؤَالِهَا وَلَا بَذْلِهَا الْعِوَضَ فَخِلَافُ النّصّ وَالْقِيَاسِ. قَالُوا: وَأَيْضًا فَاللّهُ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الطّلَاقَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَنْفَعِهَا لِلرّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنّهُمْ كَانُوا يُطَلّقُونَ فِي الْجَاهِلِيّةِ بِغَيْرِ عَدَدٍ فَيُطَلّقُ أَحَدُهُمْ الْمَرْأَةَ كُلّمَا شَاءَ وَيُرَاجِعُهَا وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْقٌ بِالرّجُلِ فَفِيهِ إضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ فَنَسَخَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ وَقَصَرَ الزّوْجَ عَلَيْهَا وَجَعَلَهُ أَحَقّ بِالرّجْعَةِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدّتُهَا فَإِذَا اسْتَوْفَى الْعَدَدَ الّذِي مُلّكَهُ حَرُمَتْ عَلَيْهِ فَكَانَ فِي هَذَا رِفْقٌ بِالرّجُلِ إذْ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِأَوّلِ طَلْقَةٍ وَبِالْمَرْأَةِ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ فَهَذَا شَرْعُهُ وَحِكْمَتُهُ وَحُدُودُهُ الّتِي حَدّهَا لِعِبَادِهِ فَلَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِأَوّلِ طَلْقَةٍ يُطَلّقُهَا كَانَ خِلَافَ شَرْعِهِ وَحِكْمَتِهِ وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْ إيقَاعَ الثّلَاثِ جُمْلَةً بَلْ إنّمَا مُلّكَ وَاحِدَةً فَالزّائِدُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ. قَالُوا: وَهَذَا كَمَا أَنّهُ لَمْ يَمْلِكْ إبَانَتَهَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ إذْ هُوَ خِلَافُ مَا شَرَعَهُ وَنُكْتَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنّ اللّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِلْأُمّةِ طَلَاقًا بَائِنًا قَطّ إلّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: طَلَاقُ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. وَالثّانِي: الطّلْقَةُ الثّالِثَةُ وَمَا عَدَاهُ مِنْ الطّلَاقِ فَقَدْ جَعَلَ لِلزّوْجِ فِيهِ الرّجْعَةَ هَذَا مُقْتَضَى الْكِتَابِ كَمَا تَقَدّمَ تَقْرِيرُهُ وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالشّافِعِيّ وَأَهْلُ الظّاهِرِ قَالُوا: لَا يَمْلِكُ إبَانَتَهَا بِدُونِ الثّلَاثِ إلّا فِي الْخَلْعِ. وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِيمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً لَا رَجْعَةَ فِيهَا: أَحَدُهَا: أَنّهَا ثَلَاثٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لِأَنّهُ قَطَعَ حَقّهُ مِنْ الرّجْعَةِ وَهِيَ لَا تَنْقَطِعُ إلّا بِثَلَاثٍ فَجَاءَتْ الثّلَاثُ ضَرُورَةً. الثّانِي: أَنّهَا وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ كَمَا قَالَ هَذَا قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لِأَنّهُ يَمْلِكُ إبَانَتَهَا بِطَلْقَةٍ بِعِوَضٍ فَمَلَكَهَا بِدُونِهِ وَالْخُلْعُ عِنْدَهُ طَلَاقٌ. الثّالِثُ أَنّهَا وَاحِدَةٌ رَجْعِيّةٌ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَهُوَ الّذِي يَقْتَضِيهِ الْكِتَابُ وَالسّنّةُ وَالْقِيَاسُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ. .فصل هَلْ يَقَعُ الطّلَاقُ ثَلَاثًا فِيمَنْ قَالَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ: وَأَمّا الْمَسْأَلَةُ الثّانِيَةُ وَهِيَ وُقُوعُ الثّلَاثِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَاخْتَلَفَ النّاسُ فِيهَا عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا: أَنّهَا تَقَعُ وَهَذَا قَوْلُ الْأَئِمّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجُمْهُورُ التّابِعِينَ وَكَثِيرٍ مِنْ الصّحَابَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ. الثّانِي: أَنّهَا لَا تَقَعُ بَلْ تُرَدّ لِأَنّهَا بِدْعَةٌ مُحَرّمَةٌ وَالْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ لِقَوْلِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ وَهَذَا الْمَذْهَبُ حَكَاهُ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ وَحُكِيَ لِلْإِمَامِ أَحْمَد فَأَنْكَرَهُ وَقَالَ هُوَ قَوْلُ الرّافِضَةِ. وَاحِدَةٌ رَجْعِيّةٌ وَهَذَا ثَابِتٌ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ إسْحَاقَ يَقُولُ خَالَفَ السّنّةَ فَيُرَدّ إلَى السّنّةِ انْتَهَى وَهُوَ قَوْلُ طَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيّةَ. الرّابِعُ أَنّهُ يُفَرّقُ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا فَتَقَعُ الثّلَاثُ بِالْمَدْخُولِ بِهَا وَيَقَعُ بِغَيْرِهَا وَاحِدَةٌ وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ عَبّاسٍ وَهُوَ مَذْهَبُ إسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ مُحَمّدُ بْنُ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ. .حُجَجُ مَنْ لَمْ يَعْتَدّهَا شَيْئًا: فَأَمّا مَنْ لَمْ يُوقِعْهَا جُمْلَةً فَاحْتَجّوا بِأَنّهُ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرّمٌ وَالْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ وَقَدْ اعْتَرَفَ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ بِأَنّهَا لَوْ كَانَتْ بِدْعَةٌ مُحَرّمَةٌ لَوَجَبَ أَنْ تُرَدّ وَتَبْطُلَ وَلَكِنّهُ اخْتَارَ مَذْهَبَ الشّافِعِيّ أَنّ جَمْعَ الثّلَاثِ جَائِزٌ غَيْرُ مُحَرّمٍ وَسَتَأْتِي حُجّةُ هَذَا الْقَوْلِ. .حُجَجُ مَنْ جَعَلَهَا وَاحِدَةً: وَأَمّا مَنْ جَعَلَهَا وَاحِدَةً فَاحْتَجّ بِالنّصّ وَالْقِيَاسِ فَأَمّا النّصّ فَمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ وَابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ طَاوُوسَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ أَبَا الصّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبّاسٍ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ الثّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ؟ قَالَ نَعَمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ. وَفِي لَفْظٍ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنّ الثّلَاثَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ تُرَدّ إلَى وَاحِدَةٍ؟ قَالَ نَعَمْ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدّثَنَا عَبْدُ الرّزّاقِ أَنّ ابْنَ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي بَعْضُ بَنِي أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ طَلّقَ عَبْدُ يَزِيدَ- أَبُو رُكَانَةَ وَإِخْوَتُهُ- أُمّ رُكَانَةَ وَنَكَحَ امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ فَجَاءَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ مَا يُغْنِي عَنّي إلّا كَمَا تُغْنِي هَذِهِ الشّعْرَةُ لِشَعْرَةٍ أَخَذَتْهَا مِنْ رَأْسِهَا فَفَرّقْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ فَأَخَذَتْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمِيّةٌ فَدَعَا بِرُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ ثُمّ قَالَ لِجُلَسَائِهِ أَلَا تَرَوْنَ أَنّ فُلَانًا يُشْبِهُ مِنْهُ كَذَا وَكَذَا مِنْ عَبْدِ يَزِيدَ وَفُلَانًا مِنْهُ كَذَا وَكَذَا؟ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَبْدِ يَزِيدَ طَلّقْهَا فَفَعَلَ ثُمّ قَالَ رَاجِعِ امْرَأَتَكَ أُمّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتِهِ فَقَالَ إنّى طَلّقْتهَا ثَلَاثًا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ قَدْ عَلِمْتُ رَاجِعْهَا وَتَلَا: {يَا أَيّهَا النّبِيّ إِذَا طَلّقْتُمُ النّسَاءَ فَطَلّقُوهُنّ لِعِدّتِهِنّ} وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدّثَنَا سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حَدّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ قَالَ حَدّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ قَالَ طَلّقَ رُكَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَزِيدَ أَخُو بَنِي الْمُطّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَيْفَ طَلّقْتَهَا: فَقَالَ طَلّقْتهَا ثَلَاثًا فَقَالَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنّمَا تِلْكَ وَاحِدَةٌ فَارْجِعْهَا إنْ شِئْتَ؟ قَالَ فَرَاجَعَهَا فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَرَى أَنّمَا الطّلَاقُ عِنْدَ كُلّ طُهْرٍ. قَالُوا: وَأَمّا الْقِيَاسُ فَقَدْ تَقَدّمَ أَنّ جَمْعَ الثّلَاثِ مُحَرّمٌ وَبِدْعَةٌ وَالْبِدْعَةُ مَرْدُودَةٌ لِأَنّهَا لَيْسَتْ عَلَى أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا: وَسَائِرُ مَا تَقَدّمَ فِي بَيَانِ التّحْرِيمِ يَدُلّ عَلَى عَدَمِ وُقُوعِهَا جُمْلَةً. قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَنَا إلّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ} [النّورُ 6] وَقَوْلُهُ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللّهِ} [النّورُ 8] قَالُوا: وَكَذَلِكَ كُلّ مَا يُعْتَبَرُ لَهُ التّكْرَارُ مِنْ حَلِفٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ شَهَادَةٍ وَقَدْ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ فَلَوْ قَالُوا: نَحْلِفُ بِاَللّهِ خَمْسِينَ يَمِينًا: إنّ فُلَانًا قَتَلَهُ كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَةً. قَالُوا: وَكَذَلِكَ الْإِقْرَارُ بِالزّنَى كَمَا فِي الْحَدِيثِ أَنّ بَعْضَ الصّحَابَةِ قَالَ لِمَاعِزٍ إنْ أَقْرَرْت أَرْبَعًا رَجَمَك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَذَا لَا يُعْقَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعُ فِيهِ مَجْمُوعَةً بِفَمٍ وَاحِدٍ. .حُجَجُ مَنْ فَرّقَ بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا: وَأَمّا الّذِينَ فَرّقُوا بَيْنَ الْمَدْخُولِ بِهَا وَغَيْرِهَا فَلَهُمْ حُجّتَانِ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَن طَاوُسٍ أَنّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ أَبُو الصّهْبَاءِ كَانَ كَثِيرَ السّؤَالِ لِابْنِ عَبّاسٍ قَالَ لَهُ أَمَا عَلِمْت أَنّ الرّجُلَ كَانَ إذَا طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا جَعَلُوهَا وَاحِدَةً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ؟ فَلَمّا رَأَى عُمَرُ النّاسَ قَدْ تَتَايَعُوا فِيهَا قَالَ أَجِيزُوهُنّ عَلَيْهِمْ الْحُجّةُ الثّانِيَةُ أَنّهَا تَبِينُ بِقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ فَيُصَادِفُهَا ذِكْرُ الثّلَاثِ وَهِيَ بَائِنٌ فَتَلْغُو وَرَأَى هَؤُلَاءِ أَنّ إلْزَامَ عُمَرَ بِالثّلَاثِ هُوَ فِي حَقّ الْمَدْخُولِ بِهَا وَحَدِيثُ أَبِي الصّهْبَاءِ فِي غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا. قَالُوا: فَفِي هَذَا التّفْرِيقِ مُوَافَقَةُ الْمَنْقُولِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمُوَافَقَةُ الْقِيَاسِ وَقَالَ بِكُلّ قَوْلٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى كَمَا حَكَاهُ أَبُو مُحَمّدٍ ابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ عَدَمُ الْوُقُوعِ جُمْلَةً هُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِيّةِ وَحَكَوْهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. .حُجَجُ مَنْ أَوْقَعَهَا ثَلَاثًا: قَالَ الْمُوقِعُونَ لِلثّلَاثِ الْكَلَامُ مَعَكُمْ فِي مَقَامَيْنِ أَحَدُهُمَا: تَحْرِيمُ جَمْعِ الثّلَاثِ. وَالثّانِي: وُقُوعُهَا جُمْلَةً وَلَوْ كَانَتْ مُحَرّمَةً. وَنَحْنُ نَتَكَلّمُ مَعَكُمْ فِي الْمَقَامَيْنِ فَأَمّا الْأَوّلُ فَقَدْ قَالَ الشّافِعِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي إحْدَى الرّوَايَاتِ عَنْهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الظّاهِرِ إنّ جَمْعَ الثّلَاثِ سُنّةٌ وَاحْتَجّوا عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طَلّقَهَا فَلَا تَحِلّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [الْبَقَرَةُ 236] وَلَمْ يُفَرّقْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الثّلَاثُ مَجْمُوعَةً أَوْ مُفَرّقَةً وَلَا يَجُوزُ أَنْ نُفَرّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللّهُ بَيْنَهُ كَمَا لَا نَجْمَعُ بَيْنَ مَا فَرّقَ اللّهُ بَيْنَهُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ} [الْبَقَرَةُ 227] وَلَمْ يُفَرّقْ وَقَالَ: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلّقْتُمُ النّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسّوهُنّ} الْآيَةُ وَلَمْ يُفَرّقْ وَقَالَ: {وَلِلْمُطَلّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [الْبَقَرَةُ 241] وَقَالَ: {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ طَلّقْتُمُوهُنّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسّوهُنّ} [الْأَحْزَابُ 49] وَلَمْ يُفَرّقْ. قَالُوا: وَفِي الصّحِيحَيْنِ أَنّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيّ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِطَلَاقِهَا قَالُوا: فَلَوْ كَانَ جَمْعُ الثّلَاثِ مَعْصِيَةً لَمَا أَقَرّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا يَخْلُو طَلَاقُهَا أَنْ يَكُونَ قَدْ وَقَعَ وَهِيَ امْرَأَتُهُ أَوْ حِينَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِاللّعَانِ. فَإِنْ كَانَ الْأَوّلَ فَالْحُجّةُ مِنْهُ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ الثّانِيَ فَلَا شَكّ أَنّهُ طَلّقَهَا وَهُوَ يَظُنّهَا امْرَأَتَهُ فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَبَيّنَهَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ. قَالُوا: وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ أَنّ رَجُلًا طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوّجَتْ فَطَلُقَتْ فَسُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَحِلّ لِلْأَوّلِ؟ قَالَ لَا حَتّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَهَا كَمَا ذَاقَ الْأَوّلُ فَلَمْ يُنْكِرْ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ وَهَذَا يَدُلّ عَلَى إبَاحَةِ جَمْعِ الثّلَاثِ وَعَلَى وُقُوعِهَا إذْ لَوْ لَمْ تَقَعْ لَمْ يُوَقّفْ رُجُوعَهَا إلَى الْأَوّلِ عَلَى ذَوْقِ الثّانِي عُسَيْلَتَهَا. قَالُوا: وَفِي الصّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ قَيْسٍ أَخْبَرَتْهُ أَنّ زَوْجَهَا أَبَا حَفْصٍ بْنَ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ طَلّقَهَا ثَلَاثًا ثُمّ انْطَلَقَ إلَى الْيَمَنِ فَانْطَلَقَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي نَفَرٍ فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ أُمّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا: إنّ أَبَا حَفْصٍ طَلّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَهَلْ لَهَا مِنْ نَفَقَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسَ لَهَا نَفَقَةٌ وَعَلَيْهَا الْعِدّةُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي هَذِهِ الْقِصّةِ قَالَتْ فَاطِمَةُ فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ كَمْ طَلّقَكِ؟ قُلْت: ثَلَاثًا فَقَالَ صَدَقَ لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ وَفِي لَفْظٍ لَهُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ زَوْجِي طَلّقَنِي ثَلَاثًا وَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيّ وَفِي لَفْظٍ لَهُ عَنْهَا أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي الْمُطَلّقَةِ ثَلَاثًا: لَيْسَ لَهَا سُكْنَى وَلَا نَفَقَةٌ قَالُوا: وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ فِي مُصَنّفِهِ عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْوَصّافِي عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قَالَ طَلّقَ جَدّي امْرَأَةً لَهُ أَلْفَ تَطْلِيقَةٍ فَانْطَلَقَ أَبِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا اتّقَى اللّهَ جَدّك أَمّا ثَلَاثٌ فَلَهُ وَأَمّا تِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ فَعُدْوَانٌ وَظُلْمٌ إنْ شَاءَ اللّهُ عَذّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ طَلّقَ بَعْضُ آبَائِي امْرَأَتَهُ فَانْطَلَقَ بَنُوهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبَانَا طَلّقَ أُمّنَا أَلْفًا فَهَلْ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ؟ فَقَالَ إنّ أَبَاكُمْ لَمْ يَتّقِ اللّهَ فَيَجْعَلَ لَهُ مَخْرَجًا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ عَلَى غَيْرِ السّنّةِ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ إثْمٌ فِي عُنُقِهِ قَالُوا: وَرَوَى مُحَمّدُ بْنُ شَاذَانَ عَنْ مُعَلّى بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ زُرَيْقٍ أَنّ عَطَاءَ الْخُرَاسَانِيّ حَدّثَهُمْ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ثُمّ أَرَادَ أَنْ يُتْبِعَهَا بِطَلْقَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ عِنْدَ الْقُرْأَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا ابْنَ عُمَرَ مَا هَكَذَا أَمَرَكَ اللّهُ أَخْطَأْت السّنّةَ... وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ كُنْت طَلّقْتهَا ثَلَاثًا أَكَانَ لِي أَنْ أَجْمَعَهَا قَالَ لَا كَانَتْ تَبِينُ وَتَكُونُ مَعْصِيَةً قَالُوا: وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ أَنّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْبَتّةَ فَأُخْبِرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ مَا أَرَدْتَ إلّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللّهِ مَا أَرَدْتُ إلّا وَاحِدَةً فَرَدّهَا إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَطَلّقَهَا الثّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ وَفِي جَامِعِ التّرْمِذِيّ: عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَلِيّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّهُ طَلّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتّةَ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَرَدْتَ بِهَا؟ قَالَ وَاحِدَةً قَالَ آللّهِ قَالَ آللّهِ قَالَ هُوَ عَلَى مَا أَرَدْتَ قَالَ التّرْمِذِيّ لَا نَعْرِفُهُ إلّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَسَأَلْتُ مُحَمّدًا- يَعْنِي الْبُخَارِيّ- عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ؟ فَقَالَ فِيهِ اضْطِرَابٌ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْحَدِيثِ أَنّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحْلَفَهُ أَنّهُ أَرَادَ بِالْبَتّةِ وَاحِدَةً فَدَلّ عَلَى أَنّهُ لَوْ أَرَادَ بِهَا أَكْثَرَ لَوَقَعَ مَا أَرَادَهُ وَلَوْ لَمْ يَفْتَرِقْ الْحَالُ لَمْ يُحَلّفْهُ. قَالُوا: وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي رَافِعٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ طَلّقَهَا ثَلَاثًا. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: لِأَنّهُمْ وَلَدُ الرّجُلِ وَأَهْلُهُ أَعْلَمُ بِهِ أَنّ رُكَانَةَ إنّمَا طَلّقَهَا الْبَتّةَ. قَالُوا: وَابْنُ جُرَيْجٍ إنّمَا رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي رَافِعٍ. فَإِنْ كَانَ عُبَيْدَ اللّهِ فَهُوَ ثِقَةٌ مَعْرُوفٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ مِنْ إخْوَتِهِ فَمَجْهُولُ الْعَدَالَةِ لَا تَقُومُ بِهِ حُجّةٌ. قَالُوا: وَأَمّا طَرِيقُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فَفِيهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَالْكَلَامُ فِيهِ مَعْرُوفٌ وَقَدْ حَكَى الْخَطّابِيّ أَنّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ كَانَ يُضَعّفُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ كُلّهَا. قَالُوا: وَأَصَحّ مَا مَعَكُمْ حَدِيثُ أَبِي الصّهْبَاءِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وَقَدْ قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْبُخَارِيّ وَمُسْلِمُ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَتَرَكَهُ الْبُخَارِيّ وَأَظُنّهُ تَرَكَهُ لِمُخَالَفَتِهِ سَائِرَ الرّوَايَاتِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ثُمّ سَاقَ الرّوَايَاتِ عَنْهُ بِوُقُوعِ الثّلَاثِ ثُمّ قَالَ فَهَذِهِ رِوَايَةُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَمَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ وَمُحَمّدِ بْنِ إيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ قَالَ وَرَوَيْنَاهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيّاشٍ الْأَنْصَارِيّ كُلّهُمْ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ أَجَازَ الثّلَاثَ وَأَمْضَاهُنّ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُظَنّ بِابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ يَحْفَظُ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْئًا ثُمّ يُفْتِي بِخِلَافِهِ. وَقَالَ الشّافِعِيّ: فَإِنْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ: إنّ الثّلَاثَ كَانَتْ تُحْسَبُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاحِدَةً يَعْنِي أَنّهُ بِأَمْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاَلّذِي يُشْبِهُ- وَاللّهُ أَعْلَمُ- أَنْ يَكُونَ ابْنُ عَبّاسٍ قَدْ عَلِمَ أَنّهُ كَانَ شَيْئًا فَنُسِخَ. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرِوَايَةُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ فِيهَا تَأْكِيدٌ لِصِحّةِ هَذَا التّأْوِيلِ- يُرِيدُ الْبَيْهَقِيّ- مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالنّسَائِيّ مِنْ حَدِيثِ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْمُطَلّقَاتُ يَتَرَبّصْنَ بِأَنْفُسِهِنّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} الْآيَةُ... وَذَلِكَ أَنّ الرّجُلَ كَانَ إذَا طَلّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلّقَهَا ثَلَاثًا فَنُسِخَ ذَلِكَ فَقَالَ الطّلَاقُ مَرّتَانِ قَالُوا: فَيُحْتَمَلُ أَنّ الثّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً مِنْ هَذَا الْوَقْتِ بِمَعْنَى أَنّ الزّوْجَ كَانَ يَتَمَكّنُ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَهَا كَمَا يَتَمَكّنُ مِنْ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ ثُمّ نُسِخَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إنّمَا جَاءَ فِي نَوْعٍ خَاصّ مِنْ الطّلَاقِ الثّلَاثِ وَهُوَ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ كَأَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَكَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ النّاسُ عَلَى صِدْقِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ الْخِبّ وَالْخِدَاعُ فَكَانُوا يُصَدّقُونَ أَنّهُمْ أَرَادُوا بِهِ التّأْكِيدَ وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الثّلَاثَ فَلَمّا رَأَى عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي زَمَانِهِ أُمُورًا ظَهَرَتْ وَأَحْوَالًا تَغَيّرَتْ مَنَعَ مَنْ حَمَلَ اللّفْظَ عَلَى التّكْرَارِ وَأَلْزَمَهُمْ الثّلَاثَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنّ النّاسَ كَانَتْ عَادَتُهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ثُمّ يَدَعُهَا حَتّى تَنْقَضِيَ عِدّتُهَا ثُمّ اعْتَادُوا الطّلَاقَ الثّلَاثَ جُمْلَةً وَتَتَايَعُوا فِيهِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا: كَانَ الطّلَاقُ الّذِي يُوقِعُهُ الْمُطَلّقُ الْآنَ ثَلَاثًا يُوقِعُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَاحِدَةً فَهُوَ إخْبَارٌ عَنْ الْوَاقِعِ لَا عَنْ الْمَشْرُوعِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي كَانَ يَجْعَلُ الثّلَاثَ وَاحِدَةً وَلَا أَنّهُ أُعْلِمَ بِذَلِكَ فَأَقَرّ عَلَيْهِ وَلَا حُجّةَ إلّا فِيمَا قَالَهُ أَوْ فَعَلَهُ أَوْ عَلِمَ بِهِ فَأَقَرّ عَلَيْهِ وَلَا يُعْلَمُ صِحّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فِي حَدِيثِ أَبِي الصّهْبَاءِ. قَالُوا: وَإِذَا اخْتَلَفَتْ عَلَيْنَا الْأَحَادِيثُ نَظَرْنَا إلَى مَا عَلَيْهِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّهُمْ أَعْلَمُ بِسُنّتِهِ فَنَظَرْنَا فَإِذَا الثّابِتُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ الّذِي لَا يَثْبُتُ عَنْهُ غَيْرُهُ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ حَدّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ أَنّهُ رَوَاهُ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَجُلٌ طَلّقَ امْرَأَتَهُ أَلْفًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ أَطَلّقْتَ امْرَأَتَك؟ فَقَالَ إنّمَا كُنْتُ أَلْعَبُ فَعَلَاهُ عُمَرُ بِالدّرّةِ وَقَالَ إنّمَا يَكْفِيك مِنْ ذَلِكَ ثَلَاثٌ وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ إنّي طَلّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ لَهُ عَلِيّ بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ وَاقْسِمْ سَائِرَهُنّ بَيْنَ نِسَائِك وَرَوَى وَكِيعٌ أَيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَرْقَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي يَحْيَى قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ فَقَالَ طَلّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ بَانَتْ مِنْك بِثَلَاثٍ وَرَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبّاسٍ طَلّقْتُ امْرَأَتِي أَلْفًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبّاسٍ: ثَلَاثٌ تُحَرّمُهَا عَلَيْك وَبَقِيّتُهَا عَلَيْك وِزْرٌ اتّخَذْت آيَاتِ اللّهِ هُزُوًا عَبْدُ الرّزّاقِ أَيْضًا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ إنّي طَلّقْتُ امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثَلَاثٌ تَبِينُهَا مِنْك وَسَائِرُهُنّ عُدْوَان وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إيَاسٍ أَنّ ابْنَ عَبّاسٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ سُئِلُوا عَنْ الْبِكْرِ يُطَلّقُهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا فَكُلّهُمْ قَالَ لَا تَحِلّ لَهُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجَا غَيْرَهُ قَالُوا: فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمَا تَسْمَعُونَ قَدْ أَوْقَعُوا الثّلَاثَ جُمْلَةً وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إلّا عُمَرُ الْمُحَدّثُ الْمُلْهَمُ وَحْدَهُ لَكَفَى فَإِنّهُ لَا يُظَنّ بِهِ تَغْيِيرُ مَا شَرَعَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الطّلَاقِ الرّجْعِيّ فَيَجْعَلُهُ مُحَرّمًا وَذَلِكَ يَتَضَمّنُ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَنْ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ وَإِبَاحَتُهُ لِمَنْ لَا تَحِلّ لَهُ وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ لَمَا أَقَرّهُ عَلَيْهِ الصّحَابَةُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يُوَافِقُوهُ وَلَوْ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عَبّاسٍ حُجّةٌ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ الثّلَاثَ وَاحِدَةٌ لَمْ يُخَالِفْهَا. وَيُفْتِي بِغَيْرِهَا مُوَافَقَةً لِعُمَرَ وَقَدْ عُلِمَ مُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي الْعَوْلِ وَحَجْبِ الْأُمّ بِالِاثْنَيْنِ مِنْ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالُوا: وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَعٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهُمْ أَعْلَمُ بِسُنّتِهِ وَشَرْعِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِرّا مِنْ شَرِيعَتِهِ أَنّ الثّلَاثَ وَاحِدَةٌ وَتُوُفّيَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ وَيَعْلَمُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُحَرّمُوا الصّوَابَ فِيهِ وَيُوَفّقُ لَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ وَيَرْوِي حَبْرُ الْأُمّةِ وَفَقِيهُهَا خَبَرَ كَوْنِ الثّلَاثِ وَاحِدَةً وَيُخَالِفُهُ. -------------- انطر ما يأتي بعده ان شاء الله تعالي *قلت المدون: ما الداعي إلي كل هذه الخلافات والأقوال والآراء وقد أعفي الله أمة محمدٍ صلي الله عليه وسلم من هذا العنت كله حينما بَدَّلَ الله شريعة الطلاق هذه من أحكامها في سورة البقرة المنزلة في العام 1و2 هجري إلي تلك الأحكام المانعة للخلاف والاختلاف المُنزَّلة في سورة الطلاق في العام الخامس أو السادس هجريا 5أو6هـ،بأن بَـــدَّلَ قاعدة الطلاق تلك التي كانت سائدة في سورة البقرة والمُؤَسَّسةِ علي تشريع عدة الاستبراء بعــــــــد التلفظ بالطلاق أي طـــــلاق أولاً ثم عــــــــدة ثم تسريح بدون إشهاد إلي قاعدة الطلاق المُحْكَمَةِ المانعة للخلافات والقيل والقال وكثرة السؤال في أحكام الطلاق المُنَزَّلة بسورة الطلاق في العام 5 أو 6هـ والتي تنص علي الإعتـــداد أولاً بعــــــــــدة إحصــــــــاء يتم فيها العـــــدُ إلي نهاية العـــــدة، ثم يحين ميقات التلفظ بالطلاق هناك وهناك فقط في دُبُرِ العـــدة ،أي بعد العدة أي في نهايتها يعني يعتد الرجــــل والزوجـــة كلاهمـــــا بعدة إحصاء يُحصيان فيها مدة ما سينتهي إليه عددها (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ../1سورة الطلاق)واللام هنا بمعني بعد لوجود الدلائل القاطعة علي ذلك منها: 1. أسلوب إذا الشرطية غير الجازمة وأنها تستخدم لما يُستقبل من الزمان،وأن فعل الشرط إذا وقع في الماضي وجوابها المقرون ب فـــــــ في صيغة الأمر دلت حتما علي معني إرادة الإحداث الفعل أو مجرد الشروع في تنفيذه بشروط ما يتأتي بعدها في جوابها مقترنا ب فـــــ في مستقبل الزمن القريب والمعني (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ[أي إذا أردتم أن تُطَلِّقوا النساء] فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [فطلقوهن بعد عدتهن]لأن اللام هنا تُحقق شرطية إذا في مستقبل الزمان (أي فطلقوهن بعد نهاية وتمام إحصاء عدتهن)،وتسمي أيضا لام الاستدبار أو لام الأجل أو بمعني بعد مثل قوله تعالي( وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ (142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)/سورة الأعراف)،وقوله تعالي(وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)/سورة الأعراف)،فتأكد هنا أن اللام في لفظة لـــــ ميقاتنا هي لام الأجل أو بمعني بعد ،أو بمعني بعد نهاية الأجل وليس قبله بأي حالٍ من الأحوال واضغط والرابط 2.ومنها صيغة الإحصاء وفرض العمل به بلا خلاف لقوله تعالي(وأحصوا العدة)والإحصاء هو العد لنهاية المعدود وهو هنا العدة التي أجل الله التطليق لبعدها وفي نهايتها 3.ومنها فرض كون المرأة في العدة زوجة وليست مطلقة لقوله تعالي(وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا (1) /سورة الطلاق) ويمتنع أن يتصور أحدٌ من البشر أن الله يُحِلُّ خلوةً صار الزوجين فيها مطلقين،إلا في حالةٍ واحدة هي أنهما مازالا زوجين وليس مطلقين وهو ما يدلل علي أن اللام في قوله تعالي(لــــ عدتهن هي لام بمعني بعد، أو لام الاستدبار) وتصوير التسلسل التشريعي في سورة الطلاق 5أو 6 هـ العدة في الصدر الطلاق في الدبر التفريق الإشهاد *ثم تحل المرأة للخطاب بما فيهم مطلقها مالم يستهلك عدد الثلاث تطليقات بنفس التسلسل التشريعي الموضح بالشكل
اضغط الصورة لتكبيرها
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق