وقد يؤتى بأحدحما، أو كليهما مقيّداً، لتوقّف الكلام أو مقصود المتكلّم عليه، فلو حذف القيد لكان الكلام كاذباً أو غير مقصود، قال تعالى: (وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين)(1) فلو حذف الحال (لاعبين) لكان الكلام كذباً، وقال تعالى: (يكاد زيتها يُضيء)(2) فلو حذف (يكاد) لفات الغرض المقصود الّذي هو افادة المقاربة.
والتقييد يكون بالتوابع الخمسة: نعت وتأكيده، وعطف بيان، وعطف نسق وبدل، وضمير الفصل، والمفاعيل الخمسة: به وله ومعه وفيه والمطلق، والنواسخ، وأدوات الشرط، والنفي، والحال والتمييز.
التقييد بالنعت
أما التقييد بالنعت ـ وهو المعبّر عنه بالصفة ـ فيأتي لاغراض:
1 ـ تخصيص المنعوت بصفة تميزه عما عداه، وهذا يكون في النكرة نحو: (جائني رجل عالم).
2 ـ توضيح المنعوت، وهذا وما بعده يكون في المعرفة، نحو: (قام زيد العالم).
3 ـ تأكيد النعوت، قال تعالى: (تلك عشرة كاملة)(3).
4 ـ مدح المنعوت، قال تعالى: (بسم الله الرحمن الرحيم).
5 ـ ذم المنعوت، قال تعالى: (وامرأته حمّالة الحطب)(4).
6 ـ الترحّم على المنعوت، قال الشاعر: (أتى الرجل المسكين فليط بعضكم).
التقييد بالتأكيد
وأمّا التقييد بالتأكيد فيأتي لتقريره، ودفع توهّم عدم الشمول، ونحوه، وذلك في موارد:
1 - مجرّد التقرير، كقوله: (الله الله يكفي كلّ مشكلة...).
2 - دفع توهّم المجاز، كقوله: (أتى الامير نفسه عند المساء...) لئلاّ يتوهّم ان الآتي أحد خواص الامير، وانما عبّر به مجازاً، نحو: (وجاء ربّك...)(5).
3 ـ دفع توهّم عدم الشمول، قال تعالى: (فسجد الملائكة كلّهم أجمعون)(6) لئلاً يستبعد سجدة جميع الملائكة مع كثرتهم المخرجة عن العدّ، وتباعد أماكنكم، واختلاف أعمالهم...
4 ـ زيادة التشريف بتكرار المؤكدّ، قال تعالى: (اسكن أنت وزوجك الجنَّة...)(7).
5 ـ زيادة التحقير والإهانة، كقوله: (خبيث أنت أنت ولا سواك...).
التقييد بعطف البيان
وأمّا التقييد بعطف البيان ـ الذي هو لتوضيح المتبوع باسم مختصّ به، سواء كان العطف أجلى من المعطوف، أم حصل الجلاء التام بضميمة أحدهما الى الآخر ـ فيأتي لاغراض:
1 ـ مجرذّ التوضيح، اذا اقتضى الحال ذلك، نحو قوله: ( محمد الجواد أتاك عبد...).
2 ـ زيادة المدح، قال تعالى: (جعل الله الكعبة البيت الحرام قياماً للناس)(8).
3 ـ زيادة الذم، كقوله: (طحلب الاشتر يطلب العلى...).
4 ـ زيادة الترحّم، كقوله: (وزمعة المسكين في آخر الركب...).
فطحلب والاشتر اسمان، وكذا زمعة ومسكين.
التقييد بعطف النسق
وأمّا التقيد بعطف النسق ـ وهو العطف بالحرف ـ فيأتي لأمور أهمّها:
1 ـ تفصيل المسند إليه باختصار، كقوله: (جاء محمد وعلي وفاطمة) لم يقل: جاء محمد وجاء علي وجاءت فاطمة.
ثم انّ حروف العطف الثلاثة: الواو والفاء وثم، وكلها مشتركة في التفصيل مع الاختيار، إلا أن (الواو) لمطلق الجمع، سابقاً كان المعطوف على المعطوف عليه، أو مقارناً، أو لاحقاً. و(الفاء) للجمع مع الترتيب بتقديم المعطوف عليه على المعطوف مع تراخ ما. و(ثم) مع تراخ معتد به، هذا في الظاهر، ولكن قد يعدل عنه مع القرينة، كما ذكر في كتب النحو.
2 - رد السامع إلى الصواب مع الاختصار، نحو: (جاء زيد لا عمرو) أو (لم يجئ زيد لكن عمرو).
3 - صرف الحكم من المسند إليه إلى غيره، نحو:(زارني زيد بل عمرو).
4 - الشك من المتكلّم أو التشكيك للسامع نحو (جاءني زيد أو عمرو).
5 ـ الإبهام على السامع، قال تعالى: (وإنّا أو اياكم لعلى هُدىً أو في ضلال مبين) (9).
6 ـ الإباحة، نحو:(تعلم فقهاً أو نحواً).
7 ـ التخيير، نحو: (تزوج هنداً أو أُختها).
ولا يخفى أن أبحاث هذا الباب مفصلة اقتصرنا منها على الألزم.
التقييد بالبدل
وأمّا التقييد بالبدل فيأتي لزيادة التقرير والإيضاح، والبدل على خمسة أقسام:
1 ـ بدل الكلّ، كقوله: (جاء الأمير محمد بن علي...).
2 ـ بدل البعض، كقوله: (ألحّ رجال الدين أهل التفقّه).
3 ـ بدل الاشتمال،كقوله: (الا إنما القرآن أحكامه التي...).
4 ـ بدل البدا، كقوله: (حبيبي نجم لامع، شمس مشرق...).
5 ـ بدل الغلط ويقع من البلغاء كغيرهم، إذ البليغ بليغ لا معصوم، وكلامه بليغ وإن
وقع فيه غلط، نحو: (جاء زيد بكر).
التقييد بضمير الفصل
وأمّا التقييد بضمير الفصل فلأغراض:
1 ـ التخصيص وقصر المسند على المسند إليه، قال تعالى: (ألم يعلموا أنّ الله هو
يقبل التوبة عن عباده)(10).
2 ـ تمييز الخبر عن الصفة، كقوله عليه السلام: (المتّقون هم أهل الفضائل).
التقييد بالمفاعيل الخمسة
وأمّا التقييد بالمفاعيل فيأتي لاغراض:
1 ـ بيان نوع الفعل، كقوله: (جلست جلوس المتواضع).
2 ـ بيان عدد الفعل، كقوله: (ضربت ضربتين).
3 ـ بيان توكيد الفعل في المطلق، كقوله: (أحسنت احساناً).
4 ـ بيان ما وقع عليه الفعل، قال تعالى: (لقيا غلاماً)(11).
5 ـ بيان ما وقع فيه الفعل، كقوله: (هنا امكث زماناً).
6 ـ بيان ما وقع لاجله الفعل، كقوله: (ضرب أخاه تأديباً...).
7 ـ بيان ما وقع مقارناً معه، كقوله: (فقلت لها سيري وزوجك بكرة...).
حذف المفاعيل
أمّا حذف المفاعيل فلأغراض:
1 ـ التعميم مع رعاية الاختصار، قال تعالى: (والله يدعو الى دار السلام)(12). أي: جميع عباده.
2 ـ الاعتماد على المتقدّم اختصاراً، قال تعالى: (يمحو الله ما يشاء ويثبت)(13). أي: ويثبت ما يشاء.
3 ـ اختصار الكلام بدون الامرين السابقين، للإعتماد على القرينة العقلية، قال تعالى: (يغفر لمن يشاء)(14) أي يغفر الذنوب، فإن الغفران لايكون إلا عن ذنب.
4 ـ استهجان التصريح، كقوله: (ما رأيت منّي ولا أبصرت منها، في زمان..) أي العورة.
5 ـ البيان بعد الابهام، لكونه أوقع في النفس، قال تعالى: (فمن شاء فليؤمن)(15) أي: فمن شاء الإيمان.
6 ـ المحافظة على السجع، قال تعالى: (سيذّكّر من يخشى)(16) أي يخشى الله، ولم يذكر لفظ الجلالة لتناسب رؤس الآي.
7 ـ المحافظة على الوزن، قال المتنبّي: (بناها فأعلى، والقنا يقرع القنا...). أي: فأعلاها، لم يذكر المفعول تحفّظاً على الوزن.
8 ـ تعيّن المفعول، فيكون ذكره لغواً، كقوله: (رعت شاء قومي، والمعاشب كثرة...) أي عشباً.
9 ـ قصد المتكلّم الفعل فقط، فلا يذكر المفعول كما لا يذكر الفاعل، كقولك: (سرت عاصفة في البلد، فاقتُلع وهُدم)، والمعنى: قلعت العاصفة الاشجار وهدمت الابنية.
10 ـ قصد المتكلم الفعل والفاعل، قال تعالى: (ووجد من دونهم امرأتين تذودان)(17) إذ المقصود وقوع الذود منهما، أما أن المذود ابل أم شاء أم بقر، فليس من محل الكلام.
تقديم المفاعيل
ثم ان الاصل في المفعول وغيره من المعمولات أن يتأخر عن العامل، لكنه قد يعكس فيقدم على العامل لأغراض:
1 ـ التخصيص، قال تعالى: (إيّاك نعبد وإيّاك نستعين)(18).
2 ـ رد المخاطب الى الصواب، في كلام قدّم معموله، فنقدّمه نحن أيضاً موافقة لكلامه، كقوله: (وقال: أعمراً نصرت؟ فقلت مجيب مقاليه: عمراً نصرت).
3 ـ مراعاة السجع، قال تعالى: (خذوه فغلّوه ثمّ الجحيم صلّوه)(19).
4 ـ استعجال التبرّك والتلذّذ بذكره، كقوله: (محمّداً صلى الله عليه وآله وسلم اتبعت وليس عندي...).
5 ـ كون المتقدّم محل الكلام، كقوله: (الله اجعل نصب عينيك ولا...).
6 ـ كون المتقدم محط الكلام الإنكار، كقوله: (أبعد طول التجارب تنخدع بالزخارف)؟
التقييد بالنواسخ
وأمّا التقييد بالنواسخ، وهي(20):
1 ـ الحروف المشبّهة بالفعل.
2 ـ (لا) النافية للجنس.
3 ـ الافعال الناقصة.
4 ـ أفعال المقاربة.
5 ـ (ما) و(لا) و(ان) المشبّهات بـ (ليس).
6 ـ أفعال القلوب.
فلبيان الأغراض التي تؤديها معاني هذه النواسخ وذلك مثل:
1 ـ التأكد في (إنّ) و(وأنّ).
2 ـ التشبيه في (كأن).
3 ـ الإستدراك في (لكن).
4 ـ الترجّي في (لعلّ).
5 ـ التمنّي في (ليت).
6 ـ نفي الجنس في (لا).
7 ـ الإستمرار أو حكاية الحال الماضية في (كان).
8 ـ التوقيت بزمن معيّن كالنهار واللّيل والصباح والمساء والضحى في (ظل) و(بات) و(أصبح) و(أمسى) و(أضحى).
9 ـ التوقيت بحالة معينة في (ما دام).
10 ـ الإستمرار مع خصوصية في (ما فتى) و(ما برح) و(ما زال) و(ما انفك).
11 ـ المقاربة في (كاد) و(كرب) و(أوشك) و(عسى).
12 ـ الإنشاء والشروع في (طفق) و(جعل) و(أنشأ) و(أخذ) و(علق).
13 ـ النفي المطلق في (ما) و(لا) و(لات) و(ان).
14 ـ اليقين في (وجد) و(ألفى) و(درى)و(علم).
15 ـ الظن في (خال)و(زعم) و(حسب).
16 ـ التحوّل في (اتخذ)و(جعل) و(صيّر).
وهكذا... وهكذا...
التقييد بالشرط
وأمّا التقييد بالشرط فيأتي لأغراض تؤدّيها معاني أدوات الشرط، ولذا تختلف الاغراض باختلاف معاني الادوات:
1 ـ الزمن في: (متى) و(أيّان).
2 ـ المكان في (أين) و(أنّى)و(حيثما).
3 ـ الحال في (كيفما).
4 ـ التعليق في (إنْ) و(إذا) و(لو).
لكن مع فرق بينهما:
أمّا (إن) فلما يحتمل وقوعه وعدمه، والاكثر عدم الوقوع، قال تعالى: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل)(21).
وأما (إذا) فلما يكثر وقوعه ويقطع المتكلّم بتحقّقه مستقبلاً، قال تعالى: (فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه)(22).
وأمّا (لو) فللشرط في الماضي مع القطع بانتفائه، قال تعالى: (لوكان فيهما آلهة إلاّ الله لفسدتا)(23).
وقد تخرج هذه الأدوات عن معانيها لأغراض مذكورة في المفصلات.
التقييد بالنفي
وأمّا التقييد بالنفي فلسلب النسبة على وجه خاص، وذلك حسبب ما تفيده حروف النفي:
1 ـ النفي مطلقاً في (لا).
2 ـ نفي الحال إذا دخلت على المضارع في (ما) و(ان) و(لات).
3 ـ نفي الاستقبال في (لن).
4 ـ نفي الماضي في (لم) و(لمّا)، لكن في (لمّا) ينسحب النفي إلى ما بعد زمان التكلّم، ويختصّ بالمتوقّع، فيُقابل(لمّا) في النفي (قد) في الاثبات، ويكون منفيّها قريباً من الحال، قال تعالى: (ولمّا يدخل الايمان في قلوبكم)(24).
ويقيد المسند بالنفي لكون الكلام بدونه لا يستقيم، قال تعالى: (ما أريد منهم من رزق)(25) فإنّ المقصود في هذا المورد نفي الارادة لا إثباتها.
وأمّا التقييد بالحال فيأتي لبيان هيئة صاحب الحال وتقييد عاملها، قال تعالى: (وما خلقنا السماوات والارض وما بينهما لاعبين)(26) وقال سبحانه: (لاتقربوا الصلاة وأنتم سكارى)(27) فإنّ المقصود: نفي الخلق لاعباً، ونفي الصلاة في السكر، لا مطلقاً.
التقييد بالتمييز
وأمّا التقييد بالتمييز فيأتي لبيان الإبهام الواقع في ذات أو صفة، نحو: (منوان عسلاً) و(طاب زيد نفساً) فإن محل الفائدة هو القيد وبدونه لا يتم المقصود.
التقييد بالظرف ونحوه
وأمّا التقييد بالظرف والجار والمجرور فيأتي لبيان كون المقصود من الكلام ذلك، حتى أنه لو لم يقيّد لفات المقصود، قال تعالى: (لا ريب فيه)(28) وقال سبحانه: (وانّ له عندنا لزلفى)(29).
تقديم ما حقّه التأخير
ثم ان الاصل تقدّم العامل على المعمول، وتقدّم بعض المفردات كالفاعل على البعض الآخر كالمفعول.
لكن ربما يقدم ما حقه التأخير لأغراض:
1 ـ التخصيص.
2 ـ الاهتمام.
3 ـ التبرّك.
4 ـ التلذّذ.
5 ـ مراعاة الفاصلة أو الوزن، وغير ذلك.
ويعرف مما تقدّم في المباحث السابقة أمثلتها.
1 ـ الدخان: 38.
2 ـ النور: 35.
3 ـ البقرة: 196.
4 ـ المسد: 4.
5 ـ الفجر: 22.
6 ـ الحجر: 30 وص 73.
7 ـ البقرة: 35.
8 ـ المائدة: 97.
9 ـ سبأ: 24.
10 ـ التوبة: 104.
11 ـ الكهف: 74.
12 ـ يونس: 25.
13 ـ الرعد: 39.
14 ـ آل عمران: 129.
15 ـ الكهف: 29.
16 ـ الاعلى: 10.
17 ـ القصص: 23.
18 ـ الفاتحة: 5.
19 ـ الحاقة: 30- 31.
20 ـ أي النواسخ.
21 ـ الكهف: 29.
22 ـ الاعراب: 131.
23 ـ الانبياء: 22.
24 ـ الحجرات: 14.
25 ـ الذاريات: 57.
26 ـ الدخان: 38.
27 ـ النساء: 43.
28 ـ البقرة: 2.
29 ـ ص: 25. ص: 40.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق