حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ
فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ مُحَمّدِ
بْنِ لَبِيدٍ قَالَ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَلَى الْقَلِيبِ بُنِيَ لَهُ عَرِيشٌ مِنْ جَرِيدٍ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ
عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ مُتَوَشّحَ السّيْفِ فَدَخَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ ،
فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْر بْنِ حَزْمٍ ِ [ ص 56 ] قَالَ صَفّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ قُرَيْشٌ ، وَطَلَعَتْ قُرَيْشٌ وَرَسُولُ اللّهِ يَصُفّهُمْ وَقَدْ أَتْرَعُوا حَوْضًا ، يَفْرُطُونَ فِيهِ مِنْ السّحَرِ وَيَقْذِفُونَ فِيهِ الْآنِيَةَ . وَدَفَعَ رَايَتَهُ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ; فَتَقَدّمَ بِهَا إلَى مَوْضِعِهَا الّذِي يُرِيدُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَضَعَهَا فِيهِ . وَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْظُرُ إلَى الصّفُوفِ فَاسْتَقْبَلَ الْمَغْرِبَ وَجَعَلَ الشّمْسَ خَلْفَهُ وَأَقْبَلَ الْمُشْرِكُونَ فَاسْتَقْبَلُوا الشّمْسَ . فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْعُدْوَةِ الشّامِيّةِ وَنَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْيَمَانِيّةِ - عُدْوَتَا النّهْرِ وَالْوَادِي جَنْبَتَاهُ - فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانَ هَذَا مِنْك عَنْ وَحْيٍ نَزَلَ إلَيْك فَامْضِ لَهُ وَإِلّا فَإِنّي أَرَى أَنْ تَعْلُوَ الْوَادِيَ فَإِنّي أَرَى رِيحًا قَدْ هَاجَتْ مِنْ أَعْلَى الْوَادِي ، وَإِنّي أَرَاهَا بُعِثَتْ بِنَصْرِك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ صَفَفْت صُفُوفِي وَوَضَعْت رَايَتِي ، فَلَا أُغَيّرُ ذَلِكَ ثُمّ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَبّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ بَعْضُهُمْ عَلَى إثْرِ بَعْض . ---- حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ عَدّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّفُوفَ يَوْمَئِذٍ فَتَقَدّمَ سَوَادُ بْنُ غَزِيّةَ أَمَامَ الصّفّ فَدَفَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَدَحٍ فِي بَطْنِ سَوَادِ بْنِ غَزْوَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَوِ يَا سَوَادُ فَقَالَ لَهُ سَوَادُ أَوْجَعْتنِي ، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا ، أَقِدْنِي فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَطْنِهِ ثُمّ قَالَ اسْتَقِدْ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبّلَهُ وَقَالَ لَهُ مَا حَمَلَك عَلَى مَا صَنَعْت ؟ فَقَالَ حَضَرَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ مَا قَدْ تَرَى ، وَخَشِيت الْقَتْلَ فَأَرَدْت أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِي بِك ، أَنْ أَعْتَنِقَك [ ص 57 ] قَالُوا : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُسَوّي الصّفُوفَ يَوْمَئِذٍ وَكَأَنّمَا يُقَوّمُ بِهَا الْقِدَاحَ . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ : قَالَ فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي أَوْدٍ قَالَ سَمِعْت عَلِيّا عَلَيْهِ السّلَامُ يَقُولُ وَهُوَ يَخْطُبُ بِالْكُوفَةِ بَيْنَا أَنَا أَمِيحُ فِي قَلِيبِ بَدْرٍ - أَمِيحُ يَعْنِي أَسْتَقِي ، وَهُوَ مَنْ يَنْزِعُ الدّلَاءَ وَهُوَ الْمَتْحُ أَيْضًا - جَاءَتْ رِيحٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا قَطّ شِدّةً ثُمّ ذَهَبَتْ فَجَاءَتْ رِيحٌ أُخْرَى ، لَمْ أَرَ مِثْلَهَا إلّا الّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا ، ثُمّ جَاءَتْ رِيحٌ أُخْرَى ، لَمْ أَرَ مِثْلَهَا إلّا الّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا ثُمّ جَاءَتْ رِيحٌ أُخْرَى ، لَمْ أَرَ مِثْلَهَا إلّا الّتِي كَانَتْ قَبْلَهَا ، وَكَانَتْ الْأُولَى جِبْرِيلَ فِي أَلْفٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالثّانِيَةُ مِيكَائِيلَ فِي أَلْفٍ عَنْ مَيْمَنَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبِي بَكْرٍ ، وَكَانَتْ الثّالِثَةُ إسْرَافِيلَ فِي أَلْفٍ نَزَلَ عَنْ مَيْسَرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا فِي الْمَيْسَرَةِ فَلَمّا هَزَمَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ أَعْدَاءَهُ حَمَلَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَمَزَتْ بِي ، فَلَمّا جَمَزَتْ خَرَرْت عَلَى عُنُقِهَا ، فَدَعَوْت رَبّي فَأَمْسَكَنِي حَتّى اسْتَوَيْت : وَمَا لِي وَلِلْخَيْلِ وَإِنّمَا كُنْت صَاحِبَ غَنَمٍ فَلَمّا اسْتَوَيْت طَعَنْت بِيَدِي هَذِهِ حَتّى اخْتَضَبَتْ مِنّي ذَا - يَعْنِي إبِطَهُ [ ص 58 ] قَالُوا : وَكَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَيْمَنَةِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَكَانَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ . فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، وَعَلَى الْمَيْمَنَةِ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ . وَقَالَ قَائِلٌ كَانَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ الْحَارِثُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى مَيْسَرَتِهِمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، وَابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَا : مَا كَانَ عَلَى الْمَيْمَنَةِ - مَيْمَنَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ وَلَا عَلَى مَيْسَرَتِهِ أَحَدٌ يُسَمّى ; وَكَذَلِكَ مَيْمَنَةُ الْمُشْرِكِينَ وَمَيْسَرَتُهُمْ مَا سَمِعْنَا فِيهَا بِأَحَدٍ . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَهَذَا الثّبْتُ عِنْدَنَا . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ قُدَامَةَ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ كَانَ لِوَاءُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ الْأَعْظَمَ - لِوَاءُ الْمُهَاجِرِينَ مَعَ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ ، وَلِوَاءُ الْخَزْرَجِ مَعَ الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَلِوَاءُ الْأَوْسِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ . وَمَعَ قُرَيْشٍ ثَلَاثَةُ أَلْوِيَةٍ لِوَاءٌ مَعَ أَبِي عَزِيزٍ وَلِوَاءٌ مَعَ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ وَلِوَاءٌ مَعَ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ . قَالُوا : وَخَطَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ وَهُوَ يَأْمُرُهُمْ وَيَحُثّهُمْ وَيُرَغّبُهُمْ فِي الْأَجْرِ أَمّا بَعْدُ فَإِنّي أَحُثّكُمْ عَلَى مَا حَثّكُمْ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَنْهَاكُمْ عَمّا نَهَاكُمْ اللّهُ عَنْهُ فَإِنّ اللّهَ عَظِيمٌ شَأْنُهُ يَأْمُرُ بِالْحَقّ وَيُحِبّ الصّدْقَ وَيُعْطِي عَلَى الْخَيْرِ أَهْلَهُ عَلَى مَنَازِلِهِمْ عِنْدَهُ بِهِ يُذْكَرُونَ وَبِهِ يَتَفَاضَلُونَ وَإِنّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ بِمَنْزِلٍ [ ص 59 ] مِنْ مَنَازِلِ الْحَقّ لَا يَقْبَلُ اللّهُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ إلّا مَا ابْتَغَى بِهِ وَجْهَهُ . وَإِنّ الصّبْرَ فِي مَوَاطِنِ الْبَأْسِ مِمّا يُفَرّجُ اللّهُ بِهِ الْهَمّ وَيُنَجّي بِهِ مِنْ الْغَمّ وَتُدْرِكُونَ بِهِ النّجَاةَ فِي الْآخِرَةِ . فِيكُمْ نَبِيّ اللّهِ يُحَذّرُكُمْ وَيَأْمُرُكُمْ فَاسْتَحْيُوا الْيَوْمَ أَنْ يَطّلِعَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ أَمْرِكُمْ يَمْقُتُكُمْ عَلَيْهِ فَإِنّ اللّهَ يَقُولُ لَمَقْتُ اللّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ اُنْظُرُوا إلَى الّذِي أَمَرَكُمْ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ وَأَرَاكُمْ مِنْ آيَاتِهِ وَأَعَزّكُمْ بَعْدَ ذِلّةٍ فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ يَرْضَ رَبّكُمْ عَنْكُمْ . وَأَبْلَوْا رَبّكُمْ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ أَمْرًا ، تَسْتَوْجِبُوا الّذِي وَعَدَكُمْ بِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ فَإِنّ وَعْدَهُ حَقّ ، وَقَوْلَهُ صِدْقٌ وَعِقَابَهُ شَدِيدٌ . وَإِنّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ بِاَللّهِ الْحَيّ الْقَيّومِ إلَيْهِ أَلْجَأْنَا ظُهُورَنَا ، وَبِهِ اعْتَصَمْنَا ، وَعَلَيْهِ تَوَكّلْنَا ، وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ يَغْفِرُ اللّهُ لِي وَلِلْمُسْلِمِينَ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، وَمُحَمّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، قَالَا : لَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُرَيْشًا تُصَوّبُ مِنْ الْوَادِي - وَكَانَ أَوّلُ مَنْ طَلَعَ زَمَعَةَ بْنَ الْأَسْوَدِ عَلَى فَرَسٍ لَهُ يَتْبَعُهُ ابْنُهُ فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ يُرِيدُ أَنْ يَتَبَوّأَ لِلْقَوْمِ مَنْزِلًا - فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ إنّك أَنْزَلْت عَلَيّ الْكِتَابَ وَأَمَرْتنِي بِالْقِتَالِ وَوَعَدَتْنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا ، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك اللّهُمّ نَصْرُك الّذِي وَعَدْتنِي اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ وَطَلَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنْ يَكُ فِي أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَفِي صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا . [ ص 60 ] حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ وَكَانَ إيمَاءُ بْنُ رَحْضَةَ قَدْ بَعَثَ إلَى قُرَيْشٍ ابْنًا لَهُ بِعَشْرِ جَزَائِرَ حِينَ مَرّوا بِهِ أَهْدَاهَا لَهُمْ وَقَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نَمُدّكُمْ بِسِلَاحٍ وَرِجَالٍ - فَإِنّا مُعِدّونَ لِذَلِكَ مُؤَدّونَ - فَعَلْنَا . فَأَرْسَلُوا : أَنْ وَصَلَتْك رَحِمٌ قَدْ قَضَيْت الّذِي عَلَيْك ، فَلِعَمْرِي لَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ النّاسَ مَا بِنَا ضَعْفٌ عَنْهُمْ وَلَئِنْ كُنّا نُقَاتِلُ اللّهَ كَمَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ فَمَا لِأَحَدٍ بِاَللّهِ طَاقَةٌ . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ جَدّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ خِفَافِ بْنِ إيمَاءِ بْنِ رَحْضَةَ ، قَالَ كَانَ أَبِي لَيْسَ شَيْءٌ أَحَبّ إلَيْهِ مِنْ إصْلَاحٍ بَيْنَ النّاسِ مُوَكّلٌ بِذَلِكَ . فَلَمّا مَرّتْ قُرَيْشٌ أَرْسَلَنِي بِجَزَائِرَ عَشْرٍ هَدِيّةً لَهَا ، فَأَقْبَلْت أَسُوقُهَا وَتَبِعَنِي أَبِي ، فَدَفَعْتهَا إلَى قُرَيْشٍ فَقَبِلُوهَا ، فَوَزّعُوهَا فِي الْقَبَائِلِ . فَمَرّ أَبِي عَلَى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ - وَهُوَ سَيّدُ النّاسِ يَوْمَئِذٍ - فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا هَذَا الْمَسِيرُ ؟ قَالَ لَا أَدْرِي وَاَللّهِ غُلِبْت قَالَ فَأَنْتَ سَيّدُ الْعَشِيرَةِ فَمَا يَمْنَعُك أَنْ تَرْجِعَ بِالنّاسِ وَتَحْمِلَ دَمَ حَلِيفِك ، وَتَحْمِلَ الْعِيرَ الّتِي أَصَابُوا بِنَخْلَةَ فَتُوَزّعَهَا عَلَى قَوْمِك ؟ وَاَللّهِ مَا تَطْلُبُونَ قِبَلَ مُحَمّدٍ إلّا هَذَا ؟ وَاَللّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا تَقْتُلُونَ بِمُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ إلّا أَنْفُسَكُمْ . حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي الزّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا سَمِعْنَا بِأَحَدٍ سَادَ بِغَيْرِ [ ص 61 ] مَالٍ إلّا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ . عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَالَ لَمّا نَزَلَ الْقَوْمُ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ ارْجِعُوا ، فَإِنّهُ يَلِي هَذَا الْأَمْرَ مِنّي غَيْرُكُمْ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ تَلُوهُ مِنّي ، وَأَلِيَهُ مِنْ غَيْرِكُمْ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ أَلِيَهُ مِنْكُمْ . فَقَالَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : قَدْ عَرَضَ نِصْفًا ، فَاقْبَلُوهُ . وَاَللّهِ لَا تُنْصَرُونَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَا عَرَضَ مِنْ النّصْفِ . قَالَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ بَعْدَ أَنْ أَمْكَنَنَا اللّهُ مِنْهُمْ وَلَا نَطْلُبُ أَثَرًا بَعْدَ عَيْنٍ وَلَا يَعْتَرِضُ لِعِيرِنَا بَعْدَ هَذَا أَبَدًا . قَالُوا : وَأَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى وَرَدُوا الْحَوْضَ - مِنْهُمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ - فَأَرَادَ الْمُسْلِمُونَ تَجْلِيَتَهُمْ - يَعْنِي طَرْدَهُمْ - فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُوهُمْ فَوَرَدُوا الْمَاءَ فَشَرِبُوا ، فَمَا شَرِبَ مِنْهُ أَحَدٌ إلّا قُتِلَ إلّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ . فَحَدّثَنِي أَبُو إسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ نَجَا حَكِيمٌ مِنْ الدّهْرِ مَرّتَيْنِ لِمَا أَرَادَ اللّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ . خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى نَفَرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ جُلُوسٌ يُرِيدُونَهُ فَقَرَأَ « يس » وَذَرّ عَلَى رُءُوسِهِمْ التّرَابَ فَمَا انْفَلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا قُتِلَ إلّا حَكِيمٌ . وَوَرَدَ الْحَوْضَ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَمَا وَرَدَ الْحَوْضَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إلّا قُتِلَ إلّا حَكِيمٌ . [ ص 62 ] قَالُوا : فَلَمّا اطْمَأَنّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ - وَكَانَ صَاحِبَ قِدَاحٍ - فَقَالُوا : احْزِرْ لَنَا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ . فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْمُعَسْكَرِ فَصَوّبَ فِي الْوَادِي وَصَعِدَ يَقُولُ عَسَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مَدَدٌ أَوْ كَمِينٌ . ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ لَا مَدَدَ وَلَا كَمِينَ الْقَوْمُ ثَلَثُمِائَةٍ إنْ زَادُوا قَلِيلًا ، وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ بَعِيرًا ، وَمَعَهُمْ فَرَسَانِ . ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا ، نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النّاقِعَ قَوْمٌ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلّا سُيُوفُهُمْ أَلَا تَرَوْنَهُمْ خُرْسًا لَا يَتَكَلّمُونَ يَتَلَمّظُونَ تَلَمّظَ الْأَفَاعِي وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتّى يَقْتُلَ مِنّا رَجُلًا ، فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ مِثْلَ عَدَدِهِمْ فَمَا خَيْرٌ فِي الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ فَارْتَئُوا رَأْيَكُمْ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي يُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ الظّفَرِيّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا قَالَ لَهُمْ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَرْسَلُوا أَبَا أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ - وَكَانَ فَارِسًا - فَأَطَافَ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ مَا رَأَيْت ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا رَأَيْت جَلَدًا ، وَلَا عَدَدًا ، وَلَا حَلْقَةً وَلَا كُرَاعًا . وَلَكِنّي وَاَللّهِ رَأَيْت قَوْمًا لَا يُرِيدُونَ أَنْ يَئُوبُوا إلَى أَهْلِيهِمْ قَوْمًا مُسْتَمِيتِينَ لَيْسَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلّا سُيُوفُهُمْ زُرْقُ الْعُيُونِ كَأَنّهُمْ الْحَصَى تَحْتَ الْحَجَفِ . ثُمّ قَالَ أَخْشَى أَنْ يَكُونَ لَهُمْ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ . فَصَوّبَ فِي الْوَادِي ثُمّ صَعِدَ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ لَا كَمِينَ وَلَا مَدَدَ فَرَوْا رَأْيَكُمْ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ [ ص 63 ] عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ وَمُحَمّدِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ رُومَانَ قَالُوا : [ لَمّا ] سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ مَا قَالَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ مَشَى فِي النّاسِ وَأَتَى عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَنْتَ كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا ، وَالْمُطَاعُ فِيهَا ، فَهَلْ لَك أَلّا تَزَالَ مِنْهَا بِخَيْرٍ آخِرَ الدّهْرِ مَعَ مَا فَعَلْت يَوْمَ عُكَاظٍ وَعُتْبَةُ يَوْمَئِذٍ رَئِيسُ النّاسِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا خَالِدٍ ؟ قَالَ تَرْجِعُ بِالنّاسِ وَتَحْمِلُ دَمَ حَلِيفِك ، وَمَا أَصَابَ مُحَمّدٌ مِنْ تِلْكَ الْعِيرِ بِبَطْنِ نَخْلَةَ . إنّكُمْ لَا تَطْلُبُونَ مِنْ مُحَمّدٍ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا الدّمِ وَالْعِيرِ . فَقَالَ عُتْبَةُ قَدْ فَعَلْت وَأَنْتَ عَلَيّ بِذَلِكَ . قَالَ ثُمّ جَلَسَ عُتْبَةُ عَلَى جَمَلِهِ فَسَارَ فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يَقُولُ يَا قَوْمِ أَطِيعُونِي وَلَا تُقَاتِلُوا هَذَا الرّجُلَ وَأَصْحَابَهُ وَاعْصِبُوا هَذَا الْأَمْرَ بِرَأْسِي وَاجْعَلُوا جُبْنَهَا بِي ، فَإِنّ مِنْهُمْ رِجَالًا قَرَابَتُهُمْ قَرِيبَةٌ وَلَا يَزَالُ الرّجُلُ مِنْكُمْ يَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ أَبِيهِ وَأَخِيهِ فَيُورِثُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ شَحْنَاءَ وَأَضْغَانًا ، وَلَنْ تَخْلُصُوا إلَى قَتْلِهِمْ حَتّى يُصِيبُوا مِنْكُمْ عَدَدَهُمْ مَعَ أَنّي لَا آمَنُ أَنْ تَكُونَ الدّائِرَةُ عَلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَطْلُبُونَ إلّا دَمَ هَذَا الرّجُلِ وَالْعِيرَ الّتِي أَصَابَ وَأَنَا أَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَهُوَ عَلَيّ يَا قَوْمِ إنْ يَكُ مُحَمّدٌ كَاذِبًا يَكْفِيكُمُوهُ ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ - ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ صَعَالِيكُ الْعَرَبِ - وَإِنْ يَكُ مَلِكًا أَكَلْتُمْ فِي مُلْكِ ابْنِ أَخِيكُمْ وَإِنْ يَكُ نَبِيّا كُنْتُمْ أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ يَا قَوْمِ لَا تَرُدّوا نَصِيحَتِي ، وَلَا تُسَفّهُوا رَأْيِي قَالَ فَحَسَدَهُ أَبُو جَهْلٍ حِينَ سَمِعَ خُطْبَتَهُ وَقَالَ إنْ يَرْجِعْ النّاسُ عَنْ [ ص 64 ] خُطْبَةِ عُتْبَةَ يَكُنْ سَيّدَ الْجَمَاعَةِ - وَعُتْبَةُ أَنْطَقُ النّاسِ وَأَطْوَلُهُمْ لِسَانًا ، وَأَجْمَلُهُمْ جَمَالًا . ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ أَنْشُدُكُمْ اللّهَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الّتِي كَأَنّهَا الْمَصَابِيحُ أَنْ تَجْعَلُوهَا أَنْدَادًا لِهَذِهِ الْوُجُوهِ الّتِي كَأَنّهَا وُجُوهُ الْحَيّاتِ فَلَمّا فَرَغَ عُتْبَةُ مِنْ كَلَامِهِ قَالَ أَبُو جَهْلٍ إنّ عُتْبَةَ يُشِيرُ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ لِأَنّ ابْنَهُ مَعَ مُحَمّدٍ وَمُحَمّدٌ ابْنُ عَمّهِ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ يَقْتُلَ ابْنَهُ وَابْنَ عَمّهِ . امْتَلَأَ وَاَللّهِ سَحْرُك يَا عُتْبَةُ وَجَبُنْت حِينَ الْتَقَتْ حَلَقَتَا الْبِطَانِ الْآنَ تُخَذّلُ بَيْنَنَا وَتَأْمُرُنَا بِالرّجُوعِ ؟ لَا وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ قَالَ فَغَضِبَ عُتْبَةُ فَقَالَ يَا مُصَفّرَ اسْتِهِ سَتَعْلَمُ أَيّنَا أَجْبَنُ وَأَلْأَمُ وَسَتَعْلَمُ قُرَيْشٌ مَنْ الْجَبَانُ الْمُفْسِدُ لِقَوْمِهِ [ وَأَنْشَدَ . .. ] هَلْ جَبَانٌ وَأَمَرْت أَمْرِي فَبَشّرِي بِالثّكْلِ أُمّ عَمْرِو ثُمّ ذَهَبَ أَبُو جَهْلٍ إلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ أَخِي الْمَقْتُولِ بِنَخْلَةَ فَقَالَ هَذَا حَلِيفُك - يَعْنِي عُتْبَةَ - يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنّاسِ وَقَدْ رَأَيْت ثَأْرَك بِعَيْنَيْك ، وَيُخَذّلَ بَيْنَ النّاسِ قَدْ تَحَمّلَ دَمَ أَخِيك وَزَعَمَ أَنّك قَابِلٌ الدّيَةَ . أَلَا تَسْتَحْيِيَ تَقْبَلُ الدّيَةَ وَقَدْ قَدَرْت عَلَى قَاتِلِ أَخِيك ؟ قُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ . فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَاكْتَشَفَ ثُمّ حَثَا عَلَى رَأْسِهِ التّرَابَ ثُمّ [ ص 65 ] صَرَخَ وَاعَمْرَاه يُخْزِي بِذَلِكَ عُتْبَةَ لِأَنّهُ حَلِيفُهُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ ، فَأَفْسَدَ عَلَى النّاسِ الرّأْيَ الّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ عُتْبَةُ وَحَلَفَ عَامِرٌ لَا يَرْجِعُ حَتّى يَقْتُلَ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ . وَقَالَ لِعُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حَرّشْ بَيْنَ النّاسِ فَحَمَلَ عُمَيْرٌ فَنَاوَشَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنْ يَنْقُضَ الصّفّ فَثَبَتَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى صَفّهِمْ وَلَمْ يَزُولُوا ; وَتَقَدّمَ ابْنُ الْحَضْرَمِيّ فَشَدّ عَلَى الْقَوْمِ فَنَشِبَتْ الْحَرْبُ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَائِذُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ لَمّا أَفْسَدَ الرّأْيَ أَبُو جَهْلٍ عَلَى النّاسِ وَحَرّشَ بَيْنَهُمْ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَأَقْحَمَ فَرَسَهُ فَكَانَ أَوّلَ مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مَهْجَعُ مَوْلَى عُمَرَ فَقَتَلَهُ عَامِرٌ . وَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ قُتِلَ مِنْ الْأَنْصَارِ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ قَتَلَهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ - وَيُقَالُ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ - قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ الْعُقَيْلِيّ . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ مَا سَمِعْت أَحَدًا مِنْ الْمَكّيّينَ يَقُولُ إلّا حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ . قَالُوا : وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي مَجْلِسِ وِلَايَتِهِ يَا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ أَنْتَ حَازِرُنَا لِلْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ ، تُصَعّدُ فِي الْوَادِي وَتُصَوّبُ كَأَنّي أَنْظُرُ إلَى فَرَسِك تَحْتَك ، تُخْبِرُ الْمُشْرِكِينَ أَنّهُ لَا كَمِينَ لَنَا وَلَا مَدَدَ قَالَ إي وَاَللّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَأُخْرَى ، أَنَا وَاَللّهِ الّذِي حَرّشْتُ بَيْنَ النّاسِ يَوْمَئِذٍ وَلَكِنّ اللّهَ جَاءَ بِالْإِسْلَامِ وَهَدَانَا لَهُ فَمَا كَانَ فِينَا مِنْ الشّرْكِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ . قَالَ عُمَرُ صَدَقْت قَالُوا : كَلّمَ عُتْبَةُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ فَقَالَ لَيْسَ عِنْدَ أَحَدٍ خِلَافٌ إلّا [ ص 66 ] عِنْدَ ابْنِ الْحَنْظَلِيّةِ اذْهَبْ إلَيْهِ فَقُلْ لَهُ « إنّ عُتْبَةَ يَحْمِلُ دَمَ حَلِيفِهِ وَيَضْمَنُ الْعِيرَ . قَالَ حَكِيمٌ فَدَخَلْت عَلَى أَبِي جَهْلٍ وَهُوَ يَتَخَلّقُ بِخَلُوقٍ وَدِرْعُهُ مَوْضُوعَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقُلْت : إنّ عُتْبَةَ بَعَثَنِي إلَيْك . فَأَقْبَلَ عَلَيّ مُغْضَبًا فَقَالَ أَمَا وَجَدَ عُتْبَةُ أَحَدًا يُرْسِلُهُ غَيْرَك ؟ فَقُلْت : أَمَا وَاَللّهِ لَوْ كَانَ غَيْرُهُ أَرْسَلَنِي مَا مَشَيْت فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ مَشَيْت فِي إصْلَاحٍ بَيْنَ النّاسِ وَكَانَ أَبُو الْوَلِيدِ سَيّدَ الْعَشِيرَةِ . فَغَضِبَ غَضْبَةً أُخْرَى فَقَالَ وَتَقُولُ أَيْضًا سَيّدَ الْعَشِيرَةِ ؟ فَقُلْت : أَنَا أَقُولُهُ ؟ قُرَيْشٌ كُلّهَا تَقُولُهُ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَصِيحَ بِخَفْرَتِهِ وَاكْتُشِفَ وَقَالَ إنّ عُتْبَةَ جَاعَ فَاسْقُوهُ سَوِيقًا وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَقُولُونَ إنّ عُتْبَةَ جَاعَ فَاسْقُوهُ سَوِيقًا وَجَعَلَ أَبُو جَهْلٍ يُسَرّ بِمَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ بِعُتْبَةَ . قَالَ حَكِيمٌ فَجِئْت إلَى مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، فَقُلْت لَهُ مِثْلَ مَا قُلْت لِأَبِي جَهْلٍ فَوَجَدْته خَيْرًا مِنْ أَبِي جَهْلٍ . قَالَ نِعْمَ مَا مَشَيْت فِيهِ وَمَا دَعَا إلَيْهِ عُتْبَةُ فَرَجَعْت إلَى عُتْبَةَ فَوَجَدْته قَدْ غَضِبَ مِنْ كَلَامِ قُرَيْشٍ ، فَنَزَلَ عَنْ جَمَلِهِ وَقَدْ طَافَ عَلَيْهِمْ فِي عَسْكَرِهِمْ يَأْمُرُهُمْ بِالْكَفّ عَنْ الْقِتَالِ فَيَأْبَوْنَ . فَحَمِيَ فَنَزَلَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَطَلَبُوا لَهُ بَيْضَةً تَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجِدْ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُ رَأْسَهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ . فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ ثُمّ بَرَزَ بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ وَبَيْنَ ابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، فَبَيْنَا أَبُو جَهْلٍ فِي الصّفّ عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى ، حَاذَاهُ عُتْبَةُ وَسَلّ عُتْبَةُ سَيْفَهُ فَقِيلَ هُوَ وَاَللّهِ يَقْتُلُهُ فَضَرَبَ بِالسّيْفِ عُرْقُوبَيْ فَرَسِ أَبِي جَهْلٍ فَاكْتَسَعَتْ الْفَرَسُ ، فَقُلْت : مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَالُوا : قَالَ عُتْبَةُ انْزِلْ فَإِنّ هَذَا الْيَوْمَ لَيْسَ [ ص 67 ] بِيَوْمِ رُكُوبٍ لَيْسَ كُلّ قَوْمِك رَاكِبًا . فَنَزَلَ أَبُو جَهْلٍ وَعُتْبَةُ يَقُولُ سَتَعْلَمُ أَيّنَا أَشْأَمَ عَشِيرَتَهُ الْغَدَاةَ ثُمّ دَعَا عُتْبَةُ إلَى الْمُبَارَزَةِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ وَأَصْحَابُهُ عَلَى صُفُوفِهِمْ فَاضْطَجَعَ فَغَشِيَهُ النّوْمُ وَقَالَ لَا تُقَاتِلُوا حَتّى أُوذِنَكُمْ وَإِنْ كَثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَلَا تَسُلّوا السّيُوفَ حَتّى يَغْشَوْكُمْ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ دَنَا الْقَوْمُ وَقَدْ نَالُوا مِنّا . فَاسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللّهِ وَقَدْ أَرَاهُ اللّهُ إيّاهُمْ فِي مَنَامِهِ قَلِيلًا ، وَقَلّلَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْيُنِ بَعْضٍ فَفَزِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ اللّهُمّ إنْ تَظْهَرْ عَلَيّ هَذِهِ الْعِصَابَةُ يَظْهَرْ الشّرْكُ وَلَا يَقُمْ لَك دِين وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ وَاَللّهِ لَيَنْصُرَنك اللّهُ وَلَيُبَيّضَن وَجْهَك . وَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أُشِيرُ عَلَيْك - وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْظَمُ وَأَعْلَمُ بِاَللّهِ مِنْ أَنْ يُشَارَ عَلَيْهِ - إنّ اللّهَ أَجَلّ وَأَعْظَمُ مِنْ أَنْ تَنْشُدَهُ وَعْدَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ أَلَا أَنْشُدُ اللّهَ وَعْدَهُ ؟ إنّ اللّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَأَقْبَلَ عُتْبَةُ يَعْمِدُ إلَى الْقِتَالِ فَقَالَ لَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ : أَبَا الْوَلِيدِ مَهْلًا ، مَهْلًا تَنْهَى عَنْ شَيْءٍ وَتَكُونُ أَوّلَهُ وَقَالَ خِفَافُ بْنُ إيمَاءٍ فَرَأَيْت أَصْحَابَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَقَدْ تَصَافّ النّاسُ وَتَزَاحَفُوا ، فَرَأَيْت أَصْحَابَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَسُلّونَ السّيُوفَ وَقَدْ أَنْبَضُوا الْقِسِيّ وَقَدْ تَرّسَ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ بِصُفُوفٍ مُتَقَارِبَةٍ لَا فُرَجَ بَيْنَهَا ، وَالْآخَرُونَ قَدْ سَلّوا السّيُوفَ حِينَ طَلَعُوا . فَعَجِبْت مِنْ ذَلِكَ فَسَأَلْت بَعْدَ ذَلِكَ رَجُلًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلّا نَسُلّ [ ص 68 ] السّيُوفَ حَتّى يَغْشَوْنَا .قَالُوا : فَلَمّا تَزَاحَفَ النّاسُ قَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ حِينَ دَنَا مِنْ الْحَوْضِ أُعَاهِدُ اللّهَ لَأَشْرَبَن مِنْ حَوْضِهِمْ أَوْ لَأَهْدِمَنهُ أَوْ لَأَمُوتَن دُونَهُ . فَشَدّ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ حَتّى دَنَا مِنْ الْحَوْضِ فَاسْتَقْبَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . فَضَرَبَهُ فَأَطَنّ قَدَمَهُ فَزَحَفَ الْأَسْوَدُ حَتّى وَقَعَ فِي الْحَوْضِ فَهَدَمَهُ بِرِجْلِهِ الصّحِيحَةِ وَشَرِبَ مِنْهُ وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ فِي الْحَوْضِ فَقَتَلَهُ وَالْمُشْرِكُونَ يَنْظُرُونَ عَلَى صُفُوفِهِمْ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّهُمْ ظَاهِرُونَ فَدَنَا النّاسُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَخَرَجَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ وَالْوَلِيدُ حَتّى فَصَلُوا مِنْ الصّفّ ثُمّ دَعَوْا إلَى الْمُبَارَزَةِ . فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِتْيَانٌ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ : مُعَاذٌ وَمُعَوّذٌ وَعَوْفٌ بَنُو الْحَارِثِ - وَيُقَالُ ثَالِثُهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، وَالثّبْتُ عِنْدَنَا أَنّهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ - فَاسْتَحْيَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَلِكَ وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ أَوّلَ قِتَالٍ لَقِيَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ الْمُشْرِكِينَ فِي الْأَنْصَارِ ، وَأَحَبّ أَنْ تَكُونَ الشّوْكَةُ لِبَنِي عَمّهِ وَقَوْمِهِ فَأَمَرَهُمْ فَرَجَعُوا إلَى مَصَافّهِمْ وَقَالَ لَهُمْ خَيْرًا . ثُمّ نَادَى مُنَادِي الْمُشْرِكِينَ يَا مُحَمّدُ أَخْرِجْ لَنَا الْأَكْفَاءَ مِنْ قَوْمِنَا . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا بَنِي هَاشِمٍ قُومُوا فَقَاتَلُوا بِحَقّكُمْ الّذِي بَعَثَ اللّهُ بِهِ نَبِيّكُمْ إذْ جَاءُوا بِبَاطِلِهِمْ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللّهِ . فَقَامَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، فَمَشَوْا إلَيْهِمْ فَقَالَ عُتْبَةُ تَكَلّمُوا نَعْرِفْكُمْ - وَكَانَ عَلَيْهِمْ الْبِيضُ فَأَنْكَرُوهُمْ - فَإِنْ كُنْتُمْ أَكْفَاءَ قَاتَلْنَاكُمْ . فَقَالَ حَمْزَةُ أَنَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ . قَالَ عُتْبَةُ كُفْءٌ كَرِيمٌ . ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ وَأَنَا أَسَدُ الْحُلَفَاءِ وَمَنْ هَذَانِ مَعَك ؟ قَالَ [ ص 69 ] عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَعُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ . قَالَ كُفْئَانِ كَرِيمَانِ . قَالَ ابْنُ أَبِي الزّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمْ أَسْمَعْ لِعُتْبَةَ كَلِمَةً قَطّ أَوْهَنَ مِنْ قَوْلِهِ « أَنَا أَسَدُ الْحُلَفَاءِ » ; يَعْنِي بِالْحُلَفَاءِ الْأَجَمَةَ . ثُمّ قَالَ عُتْبَةُ لِابْنِهِ قُمْ يَا وَلِيدُ . فَقَامَ الْوَلِيدُ . وَقَامَ إلَيْهِ عَلِيّ . وَكَانَ أَصْغَرَ النّفَرِ فَقَتَلَهُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ . ثُمّ قَامَ عُتْبَةُ وَقَامَ إلَيْهِ حَمْزَةُ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ فَقَتَلَهُ حَمْزَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . ثُمّ قَامَ شَيْبَةُ وَقَامَ إلَيْهِ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَسَنّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَضَرَبَ شَيْبَةُ رِجْلَ عُبَيْدَةَ بِذُبَابِ السّيْفِ فَأَصَابَ عَضَلَةَ سَاقِهِ فَقَطَعَهَا . وَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ عَلَى شَيْبَةَ فَقَتَلَاهُ وَاحْتَمَلَا عُبَيْدَةَ فَحَازَاهُ إلَى الصّفّ وَمُخّ سَاقِهِ يَسِيلُ فَقَالَ عُبَيْدَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَسْت شَهِيدًا ؟ قَالَ بَلَى . قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ كَانَ أَبُو طَالِبٍ حَيّا لَعَلِمَ أَنّا أَحَقّ بِمَا قَالَ مِنْهُ حِينَ يَقُولُ [ ص 70 ] كَذَبْتُمْ وَبَيْتُ اللّهِ نُخْلِي مُحَمّدًا وَلَمّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلِ وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبّهِمْ حَمْزَةُ أَسَنّ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَالْعَبّاسُ أَسَنّ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِثَلَاثِ سِنِينَ . قَالُوا : وَكَانَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ حِينَ دَعَا إلَى الْبِرَازِ قَامَ إلَيْهِ ابْنُهُ أَبُو حُذَيْفَةَ يُبَارِزُهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اجْلِسْ فَلَمّا قَامَ إلَيْهِ النّفَرُ أَعَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ عَلَى أَبِيهِ بِضَرْبَةٍ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنَا ابْنُ أَبِي الزّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ شَيْبَةُ أَكْبَرُ مِنْ عُتْبَةَ بِثَلَاثِ سِنِينَ . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ قَالَ وَاسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ . فَقَالَ اللّهُمّ أَقْطَعُنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يَعْلَمُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ الْآيَةَ . فَحَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ سَمِعْت ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ لَمّا تَوَاقَفَ النّاسُ أُغْمِيَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَاعَةً ثُمّ كُشِفَ عَنْهُ فَبَشّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِجِبْرِيلَ فِي جُنْدٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي مَيْمَنَةِ [ ص 71 ] النّاسِ وَمِيكَائِيلَ فِي جُنْدٍ آخَرَ فِي مَيْسَرَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِسْرَافِيلَ فِي جُنْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ . وَإِبْلِيسُ قَدْ تَصَوّرَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيّ يُذَمّرُ الْمُشْرِكِينَ وَيُخْبِرُهُمْ أَنّهُ لَا غَالِبَ لَهُمْ مِنْ النّاسِ فَلَمّا أَبْصَرَ عَدُوّ اللّهِ الْمَلَائِكَةَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ فَتَشَبّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، وَهُوَ يَرَى أَنّهُ سُرَاقَةُ لِمَا سَمِعَ مِنْ كَلَامِهِ فَضَرَبَ فِي صَدْرِ الْحَارِثِ فَسَقَطَ الْحَارِثُ وَانْطَلَقَ إبْلِيسُ لَا يُرَى حَتّى وَقَعَ فِي الْبَحْرِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ يَا رَبّ مَوْعِدُك الّذِي وَعَدْتنِي وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ عَلَى أَصْحَابِهِ فَحَضّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَقَالَ لَا يَغُرّنكُمْ خِذْلَانُ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ إيّاكُمْ فَإِنّمَا كَانَ عَلَى مِيعَادٍ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ سَيَعْلَمُ إذَا رَجَعْنَا إلَى قُدَيْدٍ مَا نَصْنَعُ بِقَوْمِهِ لَا يَهُولَنكُمْ مَقْتَلُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ فَإِنّهُمْ عَجّلُوا وَبَطِرُوا حِينَ قَاتَلُوا وَأَيْمُ اللّهِ لَا نَرْجِعُ الْيَوْمَ حَتّى نَقْرِنَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فِي الْحِبَالِ فَلَا أُلْفِيَن أَحَدًا مِنْكُمْ قَتَلَ مِنْهُمْ أَحَدًا : وَلَكِنْ خُذُوهُمْ أَخْذًا ، نُعَرّفُهُمْ بِاَلّذِي صَنَعُوا لِمُفَارَقَتِهِمْ دِينَكُمْ وَرَغْبَتَهُمْ عَمّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ جَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ بَدْرٍ : يَا بَنِي عَبْدِ الرّحْمَنِ وَشِعَارَ الْخَزْرَجِ : يَا بَنِي عَبْدِ اللّهِ وَشِعَارَ الْأَوْسِ : يَا بَنِي عُبَيْدِ اللّهِ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيّ [ ص 72 ] عَنْ إسْحَاقَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيّ قَالَ كَانَ شِعَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْم َ بَدْرٍ يَا مَنْصُورُ أَمِتْ قَالُوا : وَكَانَ فِتْيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ سَبْعَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا ، فَاحْتَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ فَخَرَجُوا مَعَهُمْ إلَى بَدْرٍ وَهُمْ عَلَى الشّكّ وَالِارْتِيَابِقَيْسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِه بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَوَعَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ . فَلَمّا قَدِمُوا بَدْرًا . وَرَأَوْا قِلّةَ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا :غَرّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَمَنْ يَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَهُمْ مَقْتُولُونَ الْآنَ . يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ثُمّ ذَكَرَ الّذِينَ كَفَرُوا شَرّ الذّكْرِ فَقَالَ إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلّ مَرّةٍ وَهُمْ لَا يَتّقُونَ إلَى قَوْلِهِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ يَقُولُ يُقْبِلُونَ نَكَلَ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ كُلّهَا . وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ يَقُولُ وَإِنْ قَالُوا قَدْ أَسْلَمْنَا عَلَانِيَةً فَاقْبَلْ مِنْهُمْ . وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الّذِي أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ يَقُولُ أَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ . لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ جَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ يَوْمَ بَدْرٍ : يَا بَنِي عَبْدِ الرّحْمَنِ وَشِعَارَ الْخَزْرَجِ : يَا بَنِي عَبْدِ اللّهِ وَشِعَارَ الْأَوْسِ : يَا بَنِي عُبَيْدِ اللّهِ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيّ [ ص 72 ] عَنْ إسْحَاقَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيّ قَالَ كَانَ شِعَارُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْم َ بَدْرٍ يَا مَنْصُورُ أَمِتْ قَالُوا : وَكَانَ فِتْيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ سَبْعَةٌ قَدْ أَسْلَمُوا ، فَاحْتَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ فَخَرَجُوا مَعَهُمْ إلَى بَدْرٍ وَهُمْ عَلَى الشّكّ وَالِارْتِيَابِقَيْسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِه بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَوَعَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ وَالْعَاصُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ . فَلَمّا قَدِمُوا بَدْرًا . وَرَأَوْا قِلّةَ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا :غَرّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَمَنْ يَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ وَهُمْ مَقْتُولُونَ الْآنَ . يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ثُمّ ذَكَرَ الّذِينَ كَفَرُوا شَرّ الذّكْرِ فَقَالَ إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ الّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلّ مَرّةٍ وَهُمْ لَا يَتّقُونَ إلَى قَوْلِهِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ يَقُولُ يُقْبِلُونَ نَكَلَ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ الْعَرَبِ كُلّهَا . وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ يَقُولُ وَإِنْ قَالُوا قَدْ أَسْلَمْنَا عَلَانِيَةً فَاقْبَلْ مِنْهُمْ . وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الّذِي أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ يَقُولُ أَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ . لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (1/72)[ ص 73 ] حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي الرّجَالِ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قَالَ جَعَلَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْقُوّةِ أَنْ يَغْلِبَ الْعِشْرُونَ إذَا كَانُوا صَابِرِينَ مِائَتَيْنِ . وَيَمُدّهُمْ يَوْمَ بَدْر بِأَلْفَيْنِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَلَمّا عَلِمَ أَنّ فِيهِمْ الضّعْفَ خَفّفَ عَنْهُمْ وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مَرْجَعَ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ . فِيمَنْ أُصِيبَ بِبَدْرٍ مِمّنْ يَدّعِي الْإِسْلَامَ عَلَى الشّكّ وَقُتِلَ مَعَ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ - وَكَانَ سَبْعَةَ نَفَرٍ حَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَفِيهِمْ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ - وَفِيمَنْ أَقَامَ بِمَكّةَ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ فَقَالَ الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ إلَى آخِرِ ثَلَاثِ آيَاتٍ . قَالَ وَكَتَبَ بِهَا الْمُهَاجِرُونَ إلَى مَنْ بِمَكّةَ مُسْلِمًا ، فَقَالَ جُنْدُبُ بْنُ ضَمْرَةَ الْجُنْدُعِيّ : لَا عُذْرَ لِي وَلَا حُجّةَ فِي مُقَامِي بِمَكّةَ . وَكَانَ مَرِيضًا ، فَقَالَ لِأَهْلِهِ اُخْرُجُوا بِي لَعَلّي أَجِدُ رُوحًا . قَالَ أَيّ وَجْهٍ أَحَبّ إلَيْك ؟ قَالَ نَحْوَ التّنْعِيمِ . قَالَ فَخَرَجُوا بِهِ إلَى التّنْعِيمِ - وَبَيْنَ التّنْعِيمِ وَمَكّةَ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ - فَقَالَ اللّهُمّ إنّي خَرَجْت إلَيْك مُهَاجِرًا فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ إلَى آخِرِ الْآيَةِ . فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ مَنْ كَانَ بِمَكّةَ مِمّنْ يُطِيقُ الْخُرُوجَ خَرَجُوا ، فَطَلَبَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ فِي رِجَالٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَرَدّوهُمْ وَسَجَنُوهُمْ فَافْتُتِنَ مِنْهُمْ نَاسٌ فَكَانَ الّذِينَ اُفْتُتِنُوا حِينَ أَصَابَهُمْ الْبَلَاءُ . فَأَنْزَلَ اللّهُ [ ص 74 ] عَزّ وَجَلّ وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنّا بِاللّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذَابِ اللّهِ إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَآيَتَيْنِ بَعْدَهَا . فَكَتَبَ بِهَا الْمُهَاجِرُونَ إلَى مَنْ بِمَكّةَ مُسْلِمًا ، فَلَمّا جَاءَهُمْ الْكِتَابُ بِمَا نَزَلَ فِيهِمْ قَالُوا : اللّهُمّ إنّ لَك عَلَيْنَا إنْ أَفْلَتْنَا أَلّا نَعْدِلَ بِك أَحَدًا فَخَرَجُوا الثّانِيَةَ فَطَلَبَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَالْمُشْرِكُونَ فَأَعْجَزُوهُمْ هَرَبًا فِي الْجِبَالِ حَتّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ . وَاشْتَدّ الْبَلَاءُ عَلَى مَنْ رَدّوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَضَرَبُوهُمْ وَآذَوْهُمْ وَأَكْرَهُوهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِسْلَامِ . وَرَجَعَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ فَقَالَ لِقُرَيْشٍ مَا كَانَ يُعَلّمُهُ إلّا ابْنُ قَمّطَةَ عَبْدٌ نَصْرَانِيّ ، قَدْ كُنْت أَكْتُبُ لَهُ فَأُحَوّلُ مَا أَرَدْت . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنّهُمْ يَقُولُونَ إِنّمَا يُعَلّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيّ مُبِينٌ وَاَلّتِي تَلِيهَا ، وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيمَنْ رَدّ أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ مِمّنْ أَصَابَهُ الْبَلَاءُ إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنّ بِالْإِيمَانِ وَثَلَاثَ آيَاتٍ بَعْدَهَا . وَكَانَ مِمّنْ شُرِحَ صَدْرُهُ بِالْكُفْرِ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ . ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي الّذِينَ فَرّوا مِنْ أَبِي سُفْيَانَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِينَ صَبَرُوا عَلَى الْعَذَابِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ ثُمّ إِنّ رَبّكَ لِلّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا إلَى آخِرِ الْآيَةِ .أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ أَبِي حَيّةَ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثّلْجِيّ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو إسْحَاقَ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ نَادَى يَوْمَئِذٍ نَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ الْعَدَوِيّةِ : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ [ ص 75 ] سُرَاقَةَ قَدْ عَرَفْتُمْ قَوْمَهُ وَخِذْلَانَهُمْ لَكُمْ فِي كُلّ مَوْطِنٍ فَاصْدُقُوا الْقَوْمَ الضّرْبَ فَإِنّي أَعْلَمُ أَنّ ابْنَيْ رَبِيعَةَ قَدْ عَجِلَا فِي مُبَارَزَتِهِمَا مَنْ بَارَزَا . أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ إنْ كُنّا لَنَسْمَعُ لِإِبْلِيسَ يَوْمَئِذٍ خُوَارًا ، وَدَعَا بِالثّبُورِ وَالْوَيْلِ وَتَصَوّرَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ جُعْشُمٍ حَتّى هَرَبَ فَاقْتَحَمَ الْبَحْرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدّا يَقُولُ يَا رَبّ مَا وَعَدْتنِي وَلَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ بَعْدَ ذَلِكَ تُعَيّرُ سُرَاقَةَ بِمَا صَنَعَ يَوْمَئِذٍ فَيَقُولُ وَاَللّهِ مَا صَنَعْت مِنْهُ شَيْئًا . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو إسْحَاقَ الْأَسْلَمِيّ ، عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ حُنَيْنٍ مَوْلَى بَنِي الْعَبّاسِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللّيْثِيّ قَالَ حَدّثَنِي شَيْخٌ عَرّاكٌ - عَرّاكٌ : صَيّادٌ مِنْ الْحَيّ - كَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى السّاحِلِ مُطِلّا عَلَى الْبَحْرِ قَالَ سَمِعْت صِيَاحًا : يَا وَيْلَاه مَلَأَ الْوَادِيَ يَا حُزْنَاهُ فَنَظَرْت فَإِذَا سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَدَنَوْت مِنْهُ فَقُلْت : مَا لَك فِدَاك أَبِي وَأُمّي ؟ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيّ شَيْئًا ، ثُمّ أَرَاهُ اقْتَحَمَ الْبَحْرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدّا يَقُولُ يَا رَبّ مَا وَعَدْتنِي فَقُلْت فِي نَفْسِي : جُنّ وَبَيْتِ اللّهِ سُرَاقَةُ وَذَلِكَ حِينَ زَاغَتْ الشّمْسُ وَذَاكَ عِنْدَ انْهِزَامِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ . قَالُوا : وَكَانَ سِيمَاءُ الْمَلَائِكَةِ عَمَائِمَ قَدْ أَرْخَوْهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ خُضْرًا وَصُفْرًا وَحُمْرًا مِنْ نُورٍ وَالصّوفُ فِي نَوَاصِي خَيْلِهِمْ . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ [ ص 76 ] عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الْمَلَائِكَةَ قَدْ سَوّمَتْ فَسَوّمُوا فَأَعْلَمُوا بِالصّوفِ فِي مَغَافِرِهِمْ وَقَلَانِسِهِمْ .أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ وَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ أَرْبَعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعْلِمُونَ فِي الزّحُوفِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ مُعْلِمٌ يَوْمَ بَدْر ٍ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ وَكَانَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ مُعْلِمًا بِصُوفَةٍ بَيْضَاءَ وَكَانَ الزّبَيْرُ مُعْلِمًا بِعِصَابَةٍ صَفْرَاءَ . وَكَانَ الزّبَيْرُ يُحَدّثُ إنّ الْمَلَائِكَةَ نَزَلَتْ يَوْمَ بَدْرٍ عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ عَلَيْهَا عَمَائِمُ صُفْرٌ . فَكَانَ عَلَى الزّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ عِصَابَةٌ صَفْرَاءُ وَكَانَ أَبُو دُجَانَةَ يُعْلِمُ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ . حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُوسَى بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ مَوْلًى لِسُهَيْلٍ قَالَ سَمِعْت سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْت يَوْمَ بَدْرٍ رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ مُعْلِمِينَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ . وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ يُحَدّثُ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ قَالَ لَوْ كُنْت مَعَك الْآنَ بِبَدْرٍ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمْ الشّعْبَ - وَهُوَ الْمَلْصُ - الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكّ فِيهِ وَلَا أَمْتَرِي . فَكَانَ يُحَدّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي غِفَارٍ حَدّثَهُ قَالَ أَقْبَلْت وَابْنُ عَمّ لِي يَوْمَ بَدْرٍ حَتّى صَعِدْنَا عَلَى جَبَلٍ وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ وَنَحْنُ عَلَى إحْدَى عُجْمَتَيْ بَدْرٍ - الْعُجْمَةُ الشّامِيّةُ الْعُجْمَةُ مِنْ رَمْلٍ - نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدّائِرَةُ فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْتَهِبُ إذْ رَأَيْت سَحَابَةً دَنَتْ مِنّا ، فَسَمِعْت فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ وَقَعْقَعَةَ اللّجُمِ وَالْحَدِيدِ وَسَمِعْت قَائِلًا يَقُولُ [ ص 77 ] أَقْدِمْ حَيْزُومُ فَأَمّا ابْنُ عَمّي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ وَأَمّا أَنَا فَكِدْت أَهْلَكَ فَتَمَاسَكْت وَأَتْبَعْت الْبَصَرَ حَيْثُ تَذْهَبُ السّحَابَةُ فَجَاءَتْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ ثُمّ رَجَعَتْ وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مِمّا كُنْت أَسْمَعُ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جِبْرِيلَ مَنْ الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ « أَقْدِمْ حَيْزُومُ » ؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ يَا مُحَمّدُ مَا كُلّ أَهْلِ السّمَاءِ أَعْرِفُ . قَالَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيّ عَنْ ابْنِ عَمّ لَهُ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا وَابْنُ عَمّ لِي عَلَى مَاءِ بَدْرٍ ، فَلَمّا رَأَيْنَا قِلّةَ مَنْ مَعَ مُحَمّدٍ وَكَثْرَةَ قُرَيْشٍ . قُلْنَا : إذَا الْتَقَتْ الْفِئَتَانِ عَمَدْنَا إلَى عَسْكَرِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَانْطَلَقْنَا نَحْوَ الْمُجَنّبَةِ الْيُسْرَى مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ وَنَحْنُ نَقُولُ هَؤُلَاءِ رُبُعُ قُرَيْشٍ فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَمْشِي فِي الْمَيْسَرَةِ إذْ جَاءَتْ سَحَابَةٌ فَغَشِيَتْنَا ، فَرَفَعْنَا أَبْصَارَنَا إلَيْهَا فَسَمِعْنَا أَصْوَاتَ الرّجَالِ وَالسّلَاحِ وَسَمِعْنَا رَجُلًا يَقُولُ لِفَرَسِهِ أَقْدِمْ حَيْزُومُ وَسَمِعْنَاهُمْ يَقُولُونَ رُوَيْدًا ، تَتَامّ أُخْرَاكُمْ فَنَزَلُوا عَلَى مَيْمَنَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ جَاءَتْ أُخْرَى مِثْلَ تِلْكَ . وَكَانَتْ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَظَرْنَا إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ فَإِذَا هُمْ الضّعْفُ عَلَى قُرَيْشٍ : فَمَاتَ ابْنُ عَمّي ، وَأَمّا أَنَا فَتَمَاسَكْت وَأَخْبَرْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ قَالُوا : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 78 ] مَا رُئِيَ الشّيْطَانُ يَوْمًا هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ - وَمَا ذَاكَ إلّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزّلِ الرّحْمَةِ وَتَجَاوُزِ اللّهِ عَنْ الذّنُوبِ الْعِظَامِ - إلّا مَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ . قِيلَ وَمَا رَأَى يَوْمَ بَدْرٍ ؟ قَالَ أَمَا إنّهُ رَأَى جِبْرِيلَ يَزَعُ الْمَلَائِكَةَ . قَالُوا : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ هَذَا جِبْرِيلُ يَسُوقُ الرّيحَ كَأَنّهُ دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ ، إنّي نُصِرْت بِالصّبَا ، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدّبُورِ . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو إسْحَاقَ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ كَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُولُ رَأَيْت يَوْمَ بَدْرٍ رَجُلَيْنِ عَنْ يَمِينِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدُهُمَا ، وَعَنْ يَسَارِهِ أَحَدُهُمَا ، يُقَاتِلَانِ أَشَدّ الْقِتَالِ ثُمّ ثَلّثَهُمَا ثَالِثٌ مِنْ خَلْفِهِ ثُمّ رَبّعَهُمَا رَابِعٌ أَمَامَهُ . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو إسْحَاقَ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللّهِ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى سَعْدٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ رَأَيْت رَجُلَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ يُقَاتِلَانِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَسَارِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَمِينِهِ وَإِنّي لَأَرَاهُ يَنْظُرُ إلَى ذَا مَرّةً وَإِلَى ذَا مَرّةً سُرُورًا بِمَا ظَفّرَهُ اللّهُ تَعَالَى . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَا أَدْرِي كَمْ يَدٍ مَقْطُوعَةٍ وَضَرْبَةٍ جَائِفَةٍ لَمْ يَدْمَ كَلْمُهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَدْ رَأَيْتهَا .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ قَالَ جِئْت [ ص 79 ] يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلَاثَةِ رُءُوسٍ فَوَضَعْتهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَمّا رَأْسَانِ فَقَتَلْتهمَا ، وَأَمّا الثّالِثُ فَإِنّي رَأَيْت رَجُلًا أَبْيَضَ طَوِيلًا ضَرَبَهُ فَتَدَهْدَى أَمَامَهُ فَأَخَذْت رَأْسَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَاكَ فُلَانٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ . وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَقُولُ لَمْ تُقَاتِلْ الْمَلَائِكَةُ إلّا يَوْمَ بَدْرٍ فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ حُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ كَانَ الْمَلَكُ يَتَصَوّرُ فِي صُورَةِ مَنْ يَعْرِفُونَ مِنْ النّاسِ يُثَبّتُونَهُمْ فَيَقُولُ إنّي قَدْ دَنَوْت مِنْهُمْ فَسَمِعْتهمْ يَقُولُونَ لَوْ حَمَلُوا عَلَيْنَا مَا ثَبَتْنَا ، لَيْسُوا بِشَيْءٍ . وَذَلِكَ قَوْلُ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا إلَى آخِرِ الْآيَةِ . فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ السّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشٍ الْأَسَدِيّ يُحَدّثُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ يَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَسَرَنِي أَحَدٌ مِنْ النّاسِ . فَيُقَالُ فَمَنْ ؟ فَيَقُولُ لَمّا انْهَزَمَتْ قُرَيْشٌ انْهَزَمْت مَعَهَا ، فَيُدْرِكُنِي رَجُلٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَأَوْثَقَنِي رِبَاطًا ، وَجَاءَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَوَجَدَنِي مَرْبُوطًا ، وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يُنَادِي فِي الْمُعَسْكَرِ مَنْ أَسَرَ هَذَا ؟ فَلَيْسَ أَحَدٌ يَزْعُمُ أَنّهُ أَسَرَنِي ، حَتّى انْتَهَى بِي إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا ابْنَ أَبِي حُبَيْشٍ مَنْ أَسَرَك ؟ فَقُلْت : لَا أَعْرِفُ . وَكَرِهْت أَنْ أُخْبِرَهُ بِاَلّذِي رَأَيْت ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسَرَهُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ كَرِيمٌ اذْهَبْ يَا ابْنَ عَوْفٍ بِأَسِيرِك فَذَهَبَ بِي عَبْدُ الرّحْمَنِ . [ ص 80 ] فَقَالَ السّائِبُ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ الْكَلِمَةُ أَحْفَظُهَا ، وَتَأَخّرَ إسْلَامِي حَتّى كَانَ مَا كَانَ مِنْ إسْلَامِي . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَائِذُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أُكَيْمَةَ اللّيْثِيّ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، قَالَ لَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ وَقَعَ بِوَادِي خَلْصٍ بِجَادٌ مِنْ السّمَاءِ قَدْ سَدّ الْأُفُقَ - وَوَادِي خَلْصٍ نَاحِيَةَ الرّوَيْثَةِ - فَإِذَا الْوَادِي يَسِيلُ نَمْلًا ، فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنّ هَذَا شَيْءٌ مِنْ السّمَاءِ أُيّدَ بِهِ مُحَمّدٌ فَمَا كَانَتْ إلّا الْهَزِيمَةُ وَهِيَ الْمَلَائِكَةُ . قَالُوا : وَنَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ وَكَانَ قَدْ لَبِسَ السّلَاحَ يَوْمًا بِمَكّةَ فِي بَعْضِ مَا كَانَ بَلَغَ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَذَى . فَقَالَ لَا يَعْتَرِضُ الْيَوْمَ أَحَدٌ لِمُحَمّدٍ بِأَذًى إلّا وَضَعْت فِيهِ السّلَاحَ . فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيّ : فَلَحِقْته فَقُلْت : إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ نَهَى عَنْ قَتْلِك إنْ أَعْطَيْت بِيَدِك . قَالَ وَمَا تُرِيدُ إلَيّ ؟ إنْ كَانَ نَهَى عَنْ قَتْلِي قَدْ كُنْت أَبْلَيْته ذَلِكَ فَأَمّا أَنْ أُعْطِيَ بِيَدِي ، فَوَاَللّاتِي وَالْعُزّى لَقَدْ عَلِمَ نِسْوَةٌ بِمَكّةَ أَنّي لَا أُعْطِي بِيَدِي ، وَقَدْ عَرَفْت أَنّك لَا تَدَعَنِي ، فَافْعَلْ الّذِي تُرِيدُ . وَرَمَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِسَهْمٍ وَقَالَ اللّهُمّ سَهْمُك ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ عَبْدُك ، فَضَعْهُ فِي مَقْتَلٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ دَارِعٌ فَفَتَقَ السّهْمُ الدّرْعَ فَقَتَلَهُ . وَيُقَالُ إنّ الْمُجَذّرَ بْنَ ذِيَادٍ قَتَلَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ وَلَا يَعْرِفُهُ . وَقَالَ الْمُجَذّرُ فِي ذَلِكَ شِعْرًا عَرّفَ أَنّهُ قَتَلَهُ . وَنَهَى النّبِيّ صَلّى [ ص 81 ] اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِ الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَقَالَ ائْسِرُوهُ وَلَا تَقْتُلُوهُ وَكَانَ كَارِهًا لِلْخُرُوجِ إلَى بَدْرٍ ، فَلَقِيَهُ خُبَيْبُ بْنُ يَسَافٍ فَقَتَلَهُ وَلَا يَعْرِفُهُ فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَوْ وَجَدْته قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ لَتَرَكْته لِنِسَائِهِ . وَنَهَى عَنْ قَتْلِ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ ، فَقَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجَذَعِ وَلَا يَعْرِفُهُ . قَالُوا : وَلَمّا لَحِمَ الْقِتَالُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَافِعٌ يَدَيْهِ يَسْأَلُ اللّهَ تَعَالَى النّصْرَ وَمَا وَعَدَهُ يَقُولُ اللّهُمّ إنْ ظُهِرَ عَلَى هَذِهِ الْعِصَابَةِ ظَهَرَ الشّرْكُ وَلَا يَقُومُ لَك دِينٌ وَأَبُو بَكْر ٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ وَاَللّهِ لَيَنْصُرَنك اللّهُ وَلَيُبَيّضَن وَجْهَك . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ أَلْفًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ عِنْدَ أَكْنَافِ الْعَدُوّ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَبْشِرْ هَذَا جِبْرِيلُ مُعْتَجِرٌ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسِهِ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ . فَلَمّا نَزَلَ إلَى الْأَرْضِ تَغَيّبَ عَنّي سَاعَةً ثُمّ طَلَعَ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ يَقُولُ أَتَاك نَصْرُ اللّهِ إذْ دَعَوْته . قَالُوا : وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَ مِنْ الْحَصْبَاءِ كَفّا فَرَمَاهُمْ بِهَا ، وَقَالَ شَاهَتْ الْوُجُوهُ اللّهُمّ أَرْعِبْ قُلُوبَهُمْ وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ فَانْهَزَمَ أَعْدَاءُ اللّهِ لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ وَالْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا امْتَلَأَ وَجْهُهُ وَعَيْنَاهُ مَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجّهُ مِنْ عَيْنَيْهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَقْتُلُونَهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ .وَقَالَ عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ : أَنَا عَدِيّ وَالسّحْلِ أَمْشِي بِهَا مَشْيَ الْفَحْلِ يَعْنِي دِرْعَهُ . [ ص 82 ] فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ عَدِيّ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ : أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ عَدِيّ . قَالَ وَمَاذَا ؟ قَالَ ابْنَ فُلَانٍ . قَالَ لَسْت أَنْتَ عَدِيّا فَقَالَ عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ : أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ عَدِيّ . قَالَ وَمَاذَا ؟ قَالَ وَالسّحْلُ أَمْشِي بِهَا مَشْيَ الْفَحْلِ . قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا السّحْلُ ؟ قَالَ الدّرْعُ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الْعَدِيّ ، عَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْبَاءِ وَكَانَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِمَكّةَ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُهَاجِرٌ بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ يَقُولُ يَا رَاكِبَ النّاقَةِ الْقَصْوَاءِ هَاجَرْنَا عَمّا قَلِيلٍ تَرَانِي رَاكِبَ الْفَرَسِ أُعِلّ رُمْحِي فِيكُمْ ثُمّ أُنْهِلُهُ وَالسّيْفُ يَأْخُذُ مِنْكُمْ كُلّ مُلْتَبِسِ أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِي الزّنَادِ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَلَغَهُ قَوْلُهُ اللّهُمّ أَكِبّهُ لِمَنْخَرِهِ وَاصْرَعْهُ قَالَ فَجَمَحَ بِهِ فَرَسُهُ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَأَخَذَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ ، فَأَمَرَ بِهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ صَبْرًا وَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُولُ إنّي لَأَجْمَعُ أَدْرَاعًا لِي يَوْمَ بَدْرٍ بَعْدَ أَنْ وَلّى النّاسُ فَإِذَا أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ وَكَانَ لِي صَدِيقًا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو فَلَمّا جَاءَ الْإِسْلَامُ سُمّيت عَبْدَ الرّحْمَنِ فَكَانَ يَلْقَانِي فَيَقُولُ يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، فَلَا أُجِيبُهُ . فَيَقُولُ إنّي لَا أَقُولُ لَك عَبْدَ الرّحْمَنِ إنّ مُسَيْلِمَةَ بِالْيَمَامَةِ يَتَسَمّى بِالرّحْمَنِ فَأَنَا لَا أَدْعُوك إلَيْهِ . فَكَانَ يَدْعُونِي عَبْدَ الْإِلَهِ فَلَمّا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ رَأَيْته عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ وَمَعَهُ ابْنُهُ عَلِيّ ، [ ص 83 ] فَنَادَانِي : يَا عَبْدَ عَمْرٍو . فَأَبَيْت أَنْ أُجِيبَهُ فَنَادَى : يَا عَبْدَ الْإِلَهِ . فَأَجَبْته ، فَقَالَ أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللّبَنِ ؟ نَحْنُ خَيْرٌ لَك مِنْ أَدْرَاعِك هَذِهِ . فَقُلْت : امْضِيَا فَجَعَلْت أَسُوقُهُمَا أَمَامِي . وَقَدْ رَأَى أُمَيّةُ أَنّهُ قَدْ أَمِنَ بَعْضَ الْأَمْنِ فَقَالَ لِي أُمَيّةُ رَأَيْت رَجُلًا فِيكُمْ الْيَوْمَ مُعْلِمًا ، فِي صَدْرِهِ رِيشَةُ نَعَامَةٍ مَنْ هُوَ ؟ قُلْت : حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . فَقَالَ ذَاكَ الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ . ثُمّ قَالَ فَمَنْ رَجُلٌ دَحْدَاحٌ قَصِيرٌ مُعْلِمٌ بِعِصَابَةٍ حَمْرَاءَ ؟ قَالَ قُلْت : ذَاكَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ . فَقَالَ وَبِذَاكَ أَيْضًا يَا عَبْدَ الْإِلَهِ صِرْنَا الْيَوْمَ جُزُرًا لَكُمْ قَالَ فَبَيْنَا هُوَ مَعِي أُزْجِيهِ أَمَامِي ، وَمَعَهُ ابْنُهُ إذْ بَصُرَ بِهِ بَلَالٌ وَهُوَ يَعْجِنُ عَجِينًا لَهُ [ فَتَرَكَ الْعَجِينَ ] وَجَعَلَ يَفْتِلُ يَدَيْهِ مِنْ الْعَجِينِ فَتْلًا ذَرِيعًا ، وَهُوَ يُنَادِي : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ رَأْسُ الْكُفْرِ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَأَقْبَلُوا كَأَنّهُمْ عُوذٌ حَنّتْ إلَى أَوْلَادِهَا ، حَتّى طُرِحَ أُمَيّةُ عَلَى ظَهْرِهِ وَاضْطَجَعْت عَلَيْهِ وَأَقْبَلَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَأَدْخَلَ سَيْفَهُ فَاقْتَطَعَ أَرْنَبَةَ أَنْفِهِ فَلَمّا فَقَدَ أُمَيّةُ أَنْفَهُ قَالَ إيه عَنْك أَيْ خَلّ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ . قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَذَكَرْت قَوْلَ حَسّانٍ أَوْ عَنْ ذَلِكَ الْأَنْفِ جَادِع . وَأَقْبَلَ إلَيْهِ خُبَيْبُ بْنُ يَسَافٍ فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ وَقَدْ ضَرَبَ أُمَيّةُ خُبَيْبَ بْنَ يَسَافٍ حَتّى قَطَعَ يَدَهُ مِنْ الْمَنْكِبِ فَأَعَادَهَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَالْتَحَمَتْ وَاسْتَوَتْ فَتَزَوّجَ خُبَيْبٌ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنَةَ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، فَرَأَتْ تِلْكَ الضّرْبَةَ فَقَالَتْ [ ص 84 ] لَا يُشِلّ اللّهُ يَدَ رَجُلٍ [ فَعَلَ ] هَذَا فَقَالَ خُبَيْبٌ وَأَنَا وَاَللّهِ قَدْ أَوْرَدَتْهُ شَعُوبٌ . فَكَانَ خُبَيْبٌ يُحَدّثُ قَالَ فَأَضْرِبُهُ فَوْقَ الْعَاتِقِ فَأَقْطَعُ عَاتِقَهُ حَتّى بَلَغْت مُؤْتَزَرَهُ وَعَلَيْهِ الدّرْعُ وَأَنَا أَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ يَسَافٍ وَأَخَذْت سِلَاحَهُ وَدِرْعَهُ مَقْطُوعَةٌ . وَأَقْبَلَ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ فَيَعْتَرِضُ لَهُ الْحُبَابُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ فَصَاحَ صَيْحَةً مَا سُمِعَ مِثْلُهَا قَطّ جَزَعًا ، وَلَقِيَهُ عَمّارٌ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ . وَيُقَالُ إنّ عَمّارًا لَاقَاهُ قَبْلَ الضّرْبَةِ فَاخْتَلَفَا ضَرَبَاتٍ فَقَتَلَهُ . وَالْأَوّلُ أَثْبَتُ أَنّهُ ضَرَبَهُ بَعْدَ مَا قُطِعَتْ رِجْلُهُ وَقَدْ سَمِعْنَا فِي قَتْلِ أُمَيّةَ غَيْرَ ذَلِكَ .حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَأَحْدَقْنَا بِأُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ وَكَانَ لَهُ فِيهِمْ شَأْنٌ وَمَعِي رُمْحِي وَمَعَهُ رُمْحُهُ فَتَطَاعَنَا حَتّى سَقَطَتْ رِمَاحُنَا ثُمّ صِرْنَا إلَى السّيْفَيْنِ فَتَضَارَبْنَا بِهِمَا حَتّى انْثَلَمَا ، ثُمّ بَصُرْت بِفَتْقٍ فِي دِرْعِهِ تَحْتَ إبِطِهِ فَخَشَشْت السّيْفَ فِيهِ حَتّى قَتَلْته ، وَخَرَجَ السّيْفُ وَعَلَيْهِ الْوَدَكُ . وَقَدْ سَمِعْنَا وَجْهًا آخَرَ . حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ قَالَتْ قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ لِقُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ : يَا قُدَامَةُ أَنْتَ الْمُشْلِي بِأَبِي يَوْمَ بَدْرٍ النّاسَ فَقَالَ قُدَامَةُ لَا وَاَللّهِ مَا فَعَلْت ، وَلَوْ فَعَلْت مَا اعْتَذَرْت مِنْ قَتْلِ مُشْرِكٍ . قَالَ صَفْوَانُ فَمَنْ يَا قُدّامُ الْمُشْلِي بِهِ يَوْمَ [ ص 85 ] بَدْرٍ النّاسَ ؟ قَالَ رَأَيْت فِتْيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ أَقْبَلُوا إلَيْهِ فِيهِمْ مَعْمَرُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ يَرْفَعُ سَيْفَهُ وَيَضَعُهُ [ فِيهِ ] . فَيَقُولُ صَفْوَانُ أَبُو قِرْدٍ وَكَانَ مَعْمَرٌ رَجُلًا دَمِيمًا ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ الْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ فَغَضِبَ لَهُ فَدَخَلَ عَلَى أُمّ صَفْوَانَ وَهِيَ كَرِيمَةُ بِنْتُ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبٍ فَقَالَ مَا يَدَعُنَا صَفْوَانُ مِنْ الْأَذَى فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ فَقَالَتْ وَمَا ذَاكَ ؟ فَأَخْبَرَهَا بِمَقَالَةِ صَفْوَانَ لِمَعْمَرٍ حِينَ قَالَ « أَبُو قِرْدٍ » . فَقَالَتْ أُمّ صَفْوَانَ يَا صَفْوَانُ تَنْتَقِصُ مَعْمَرَ بْنَ حَبِيبٍ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ ؟ وَاَللّهِ لَا أَقْبَلُ لَك كَرَامَةً سَنَةً . قَالَ صَفْوَانُ يَا أُمّهُ وَاَللّهِ لَا أَعُودُ أَبَدًا ، تَكَلّمْت بِكَلِمَةٍ لَمْ أُلْقِ بِهَا بَالًا . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنِي الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ قُدَامَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ قَالَتْ قِيلَ لِأُمّ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ ، وَنَظَرَتْ إلَى الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ بِمَكّةَ هَذَا الّذِي قَطَعَ رِجْلَ عَلِيّ بْنِ أُمَيّةَ يَوْمَ بَدْرٍ . قَالَتْ دَعُونَا مِنْ ذِكْرِ مَنْ قُتِلَ عَلَى الشّرْكِ قَدْ أَهَانَ اللّهُ عَلِيّا بِضَرْبَةِ الْحُبَابِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، وَأَكْرَمَ اللّهُ الْحُبَابَ بِضَرْبِهِ عَلِيّا ، قَدْ كَانَ عَلَى الْإِسْلَامِ حِينَ خَرَجَ مِنْ هَاهُنَا ، فَقُتِلَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ . قَالُوا : وَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ : لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ لَقِيت عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ لَأْمَةٌ كَامِلَةٌ لَا يُرَى مِنْهُ إلّا عَيْنَاهُ وَهُوَ يَقُولُ - وَقَدْ كَانَتْ لَهُ صَبِيّةٌ صَغِيرَةٌ يَحْمِلُهَا ، وَكَانَ لَهَا بُطَيْنٌ وَكَانَتْ مُسْقِمَةً - أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ قَالَ وَفِي يَدِي عَنَزَةٌ [ ص 86 ] فَأَطْعَنُ بِهَا فِي عَيْنِهِ وَوَقَعَ وَأَطَأُ بِرِجْلِي عَلَى خَدّهِ حَتّى أَخْرَجْت الْعَنَزَةَ مِنْ حَدَقَتِهِ وَأَخْرَجْت حَدَقَتَهُ . وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَنَزَةَ فَكَانَتْ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَبِي بَكْرٍ ، وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ ، رِضْوَانُ اللّهِ عَلَيْهِمْ . وَلَمّا جَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاخْتَلَطُوا ، أَقْبَلَ عَاصِمُ بْنُ أَبِي عَوْفِ بْنِ صُبَيْرَةَ السّهْمِيّ كَأَنّهُ ذِئْبٌ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، عَلَيْكُمْ بِالْقَاطِعِ مُفَرّقِ الْجَمَاعَةِ الْآتِي بِمَا لَا يُعْرَفُ مُحَمّدٍ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا وَيَعْتَرِضُهُ أَبُو دُجَانَةَ فَاخْتَلَفَا ضَرْبَتَيْنِ وَضَرَبَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَقَتَلَهُ . وَوَقَفَ عَلَى سَلَبِهِ يَسْلُبُهُ فَمَرّ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَالَ دَعْ سَلَبَهُ حَتّى يُجْهَضَ الْعَدُوّ ، وَأَنَا أَشْهَدُ لَك بِهِ . وَيُقْبِلُ مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ ، فَضَرَبَ أَبَا دُجَانَةَ ضَرْبَةً بَرَكَ أَبُو دُجَانَةَ كَمَا يَبْرُكُ الْجَمَلُ ثُمّ انْتَهَضَ وَأَقْبَلَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ لَمْ يَصْنَعْ سَيْفُهُ شَيْئًا ، حَتّى يَقَعُ مَعْبَدٌ بِحُفْرَةٍ أَمَامَهُ لَا يَرَاهَا ، وَبَرَكَ عَلَيْهِ أَبُو دُجَانَةَ فَذَبَحَهُ ذَبْحًا ، وَأَخَذَ سَلَبَهُ . قَالُوا : وَلَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ وَرَأَتْ بَنُو مَخْزُومٍ مَقْتَلَ مَنْ قُتِلَ قَالُوا : أَبُو الْحَكَمِ لَا يَخْلُصُ إلَيْهِ ، فَإِنّ ابْنَيْ رَبِيعَةَ قَدْ عَجّلَا وَبَطِرَا ، وَلَمْ تُحَامِ عَلَيْهِمَا عَشِيرَتُهُمَا . فَاجْتَمَعَتْ بَنُو مَخْزُومٍ فَأَحْدَقُوا بِهِ فَجَعَلُوهُ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ . وَأَجْمَعُوا أَنْ يَلْبَسُوا لَأْمَةَ أَبِي جَهْلٍ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَلْبَسُوهَا عَبْدَ اللّهِ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ ، فَصَمَدَ لَهُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَرَاهُ أَبَا جَهْلٍ وَمَضَى عَنْهُ وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ثُمّ أَلْبَسُوهَا أَبَا قَيْسِ بْنَ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَصَمَدَ لَهُ حَمْزَةُ وَهُوَ يَرَاهُ أَبَا جَهْلٍ فَضَرَبَهُ [ ص 87 ] فَقَتَلَهُ وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ثُمّ أَلْبَسُوهَا حَرْمَلَةَ بْنَ عَمْرٍو ، فَصَمَدَ لَهُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَتَلَهُ وَأَبُو جَهْلٍ فِي أَصْحَابِهِ . ثُمّ أَرَادُوا أَنْ يُلْبِسُوهَا خَالِدَ بْنَ الْأَعْلَمِ فَأَبَى أَنْ يَلْبَسَهَا يَوْمَئِذٍ . فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ : نَظَرْت إلَى أَبِي جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ . وَهُمْ يَقُولُونَ أَبُو الْحَكَمِ لَا يَخْلُصُ إلَيْهِ فَعَرَفْت أَنّهُ هُوَ فَقُلْت : وَاَللّهِ لَأَمُوتَن دُونَهُ الْيَوْمَ أَوْ لَأَخْلُصَن إلَيْهِ فَصَمَدْت لَهُ حَتّى إذَا أَمْكَنَتْنِي مِنْهُ غِرّةٌ حَمَلْت عَلَيْهِ فَضَرَبْته ضَرْبَةً وَطَرَحْت رِجْلَهُ مِنْ السّاقِ فَشَبّهْتهَا بِالنّوَاةِ تَنْزُو مِنْ تَحْتِ الْمَرَاضِخِ . ثُمّ أَقْبَلَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَيّ فَضَرَبَنِي عَلَى عَاتِقِي . وَطَرَحَ يَدِي مِنْ الْعَاتِقِ إلّا أَنّهُ قَدْ بَقِيَتْ جِلْدَةٌ فَإِنّي أَسْحَبُ يَدِي بِجِلْدَةٍ مِنْ خَلْفِي ، فَلَمّا آذَتْنِي وَضَعْت عَلَيْهَا رِجْلِي ، فَتَمَطّيْت عَلَيْهَا حَتّى قَطَعْتهَا . ثُمّ لَاقَيْت عِكْرِمَةَ وَهُوَ يَلُوذُ كُلّ مَلَاذٍ فَلَوْ كَانَتْ يَدِي مَعِي لَرَجَوْت يَوْمَئِذٍ أَنْ أُصِيبَهُ . وَمَاتَ مُعَاذٌ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو مَرْوَانَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفّلَ مُعَاذَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ سَيْفَ أَبِي جَهْلٍ - وَهُوَ عِنْدَ آلِ مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو الْيَوْمَ بِهِ فَلّ - بَعْدَ أَنْ أَرْسَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ فَسَأَلَهُ مَنْ قَتَلَ أَبَاك ؟ قَالَ الّذِي قَطَعْت يَدَهُ . فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ عِكْرِمَةُ قَدْ قَطَعَ يَدَهُ يَوْمَ بَدْرٍ حَدّثَنِي ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ أَنّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ مَا كَانَ بَنُو الْمُغِيرَةِ يَشُكّونَ أَنّ سَيْفَ أَبِي الْحَكَم ِ صَارَ إلَى مُعَاذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ [ ص 88 ] وَهُوَ الّذِي قَتَلَهُ يَوْمَ بَدْرٍ . حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو إسْحَاقَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ قَالَ حَدّثَنِي مَنْ حَدّثَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو أَنّهُ قَضَى لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَلَبِ أَبِي جَهْلٍ . قَالَ فَأَخَذْت دِرْعَهُ وَسَيْفَهُ فَبِعْت سَيْفَهُ بَعْدُ وَقَدْ سَمِعْت فِي قَتْلِهِ غَيْرَ هَذَا وَأَخْذِ سَلَبِهِ . حَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ عَبّأَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلَيْلٍ فَصَفّنَا ، فَأَصْبَحْنَا وَنَحْنُ عَلَى صُفُوفِنَا ، فَإِذَا بِغُلَامَيْنِ لَيْسَ مِنْهُمَا وَاحِدٌ إلّا وَقَدْ رُبِطَتْ حَمَائِلُ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَالْتَفَتَ إلَيّ أَحَدُهُمَا فَقَالَ يَا عَمّ أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ ؟ قَالَ قُلْت : وَمَا تَصْنَعُ بِهِ يَا ابْنَ أَخِي ؟ قَالَ بَلَغَنِي أَنّهُ يَسُبّ رَسُولَ اللّهِ فَحَلَفْت لَئِنْ رَأَيْته لَأَقْتُلَنهُ أَوْ لَأَمُوتَن دُونَهُ . فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ وَالْتَفَتَ إلَيّ الْآخَرُ فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ فَأَشَرْت لَهُ إلَيْهِ فَقُلْت : مَنْ أَنْتُمَا ؟ قَالَا : ابْنَا الْحَارِثِ . قَالَ فَجَعَلَا لَا يَطْرِفَانِ عَنْ أَبِي جَهْلٍ حَتّى إذَا كَانَ الْقِتَالُ خَلَصَا إلَيْهِ فَقَتَلَاهُ وَقَتَلَهُمَا حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَوْفٍ مِنْ وَلَدِ مُعَوّذِ بْنِ عَفْرَاءَ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، [ ص 89 ] قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ ، وَنَظَرَ إلَيْهِمَا عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ لَيْتَهُ كَانَ إلَى جَنْبِي مَنْ هُوَ آيَدُ مِنْ هَذَيْنِ الْفَتَيَيْنِ . فَلَمْ أَنْشِبْ أَنْ الْتَفَتَ إلَيّ عَوْفٌ فَقَالَ أَيّهُمْ أَبُو جَهْلٍ ؟ فَقُلْت : ذَاكَ حَيْثُ تَرَى . فَخَرَجَ يَعْدُو إلَيْهِ كَأَنّهُ سَبُعٌ وَلَحِقَهُ أَخُوهُ فَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِمَا يَضْطَرِبَانِ بِالسّيُوفِ ثُمّ نَظَرْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ بِهِمَا فِي الْقَتْلَى وَهُمَا إلَى جَنْبِهِ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمّدُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ سَمِعْت أَبِي يُنْكِرُ مَا يَقُولُ النّاسُ فِي ابْنَيْ عَفْرَاءَ مِنْ صِغَرِهِمْ وَيَقُولُ كَانَا يَوْمَ بَدْرٍ أَصْغَرُهُمَا ابْنُ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً فَهَذَا يَرْبِطُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ ؟ وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ أَثْبَتُ . حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، عَنْ رُبَيّعَ بِنْتِ مُعَوّذٍ قَالَتْ دَخَلْت فِي نِسْوَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى أَسْمَاءَ بِنْتَ مُخَرّبَةَ أُمّ أَبِي جَهْلٍ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَكَانَ ابْنُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ يَبْعَثُ إلَيْهَا بِعِطْرٍ مِنْ الْيَمَنِ ، وَكَانَتْ تَبِيعُهُ إلَى الْأَعْطِيَةِ فَكُنّا نَشْتَرِي مِنْهَا ; فَلَمّا جَعَلَتْ لِي فِي قَوَارِيرِي ، وَوَزَنَتْ لِي كَمَا وَزَنَتْ لِصَوَاحِبِي ، قَالَتْ اُكْتُبْنَ لِي عَلَيْكُنّ حَقّي . فَقُلْت : نَعَمْ أَكْتُبُ لَهَا عَلَى الرّبَيّعِ بِنْتِ مُعَوّذٍ . فَقَالَتْ أَسْمَاءُ حَلْقَى ، وَإِنّك لَابْنَةُ قَاتِلِ سَيّدِهِ ؟ قَالَتْ قُلْت : لَا ، وَلَكِنْ ابْنَةُ قَاتِلِ عَبْدِهِ . قَالَتْ وَاَللّهِ لَا أَبِيعُك شَيْئًا أَبَدًا . فَقُلْت : وَأَنَا ، وَاَللّهِ لَا أَشْتَرِي مِنْك شَيْئًا أَبَدًا فَوَاَللّهِ مَا هُوَ بِطِيبٍ وَلَا عَرْفٍ وَاَللّهِ يَا بُنَيّ مَا شَمَمْت عِطْرًا قَطّ كَانَ أَطْيَبَ مِنْهُ وَلَكِنْ يَا بُنَيّ غَضِبْت قَالُوا : [ ص 90 ] وَلَمّا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ أَبُو جَهْلٍ . قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : فَوَجَدْته فِي آخِرِ رَمَقٍ فَوَضَعْت رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ فَقُلْت : الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَخْزَاك قَالَ إنّمَا أَخْزَى اللّهُ عَبْدَ ابْنِ أُمّ عَبْدٍ لَقَدْ ارْتَقَيْت مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِيَ الْغَنَمِ لِمَنْ الدّائِرَةُ ؟ قُلْت : لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ . قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : فَأَقْتَلِعُ بَيْضَتَهُ عَنْ قَفَاهُ فَقُلْت : إنّي قَاتِلُك يَا أَبَا جَهْلٍ قَالَ لَسْت بِأَوّلِ عَبْدٍ قَتَلَ سَيّدَهُ أَمَا إنّ أَشَدّ مَا لَقِيته الْيَوْمَ فِي نَفْسِي لِقَتْلِك إيّايَ أَلَا يَكُونُ وَلِيَ قَتْلِي رَجُلٌ مِنْ الْأَحْلَافِ أَوْ مِنْ الْمُطَيّبِينَ فَضَرَبَهُ عَبْدُ اللّهِ ضَرْبَةً وَوَقَعَ رَأْسُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ سَلَبُهُ فَلَمّا نَظَرَ إلَى جَسَدِهِ نَظَرَ إلَى حُصُرِهِ كَأَنّهَا السّيَاطُ . وَأَقْبَلَ بِسِلَاحِهِ وَدِرْعِهِ وَبَيْضَتِهِ . فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا نَبِيّ اللّهِ بِقَتْلِ عَدُوّ اللّهِ أَبِي جَهْلٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَحَقّا ، يَا عَبْدَ اللّهِ ؟ فَوَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُوَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ حُمُرِ النّعَمِ - أَوْ كَمَا قَالَ . قَالَ وَذَكَرْت لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا بِهِ مِنْ الْآثَارِ فَقَالَ ذَلِكَ ضَرْبُ الْمَلَائِكَةِ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَصَابَهُ جَحْشٌ مِنْ دُفَعٍ دَفَعَتْهُ فِي مَأْدُبَةِ ابْنِ جُدْعَانَ ، فَجَحَشَتْ رُكْبَتَهُ . فَالْتَمِسُوهُ فَوَجَدُوا ذَلِكَ الْأَثَرَ وَيُقَالُ إنّ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ كَانَ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تِلْكَ السّاعَةَ فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ وَأَقْبَلَ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَنْتَ قَتَلْته ؟ قَالَ نَعَمْ اللّهُ قَتَلَهُ . قَالَ أَبُو سَلَمَةَ أَنْتَ وَلِيت قَتْلَهُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ لَوْ شَاءَ لَجَعَلَك فِي كُمّهِ . فَقَالَ ابْنُ مَسْعُود ٍ فَقَدْ وَاَللّهِ قَتَلْته وَجَرّدْته . قَالَ أَبُو سَلَمَةَ فَمَا عَلَامَتُهُ ؟ قَالَ شَامَةٌ سَوْدَاءُ بِبَطْنِ فَخِذِهِ الْيُمْنَى . فَعَرَفَ أَبُو سَلَمَةَ النّعْتَ وَقَالَ [ ص 91 ] جَرّدْته وَلَمْ يُجَرّدْ قُرَشِيّ غَيْرُهُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : وَاَللّهِ إنّهُ لَمْ يَكُنْ فِي قُرَيْشٍ وَلَا فِي حُلَفَائِهَا أَحَدٌ أَعْدَى لِلّهِ وَلَا لِرَسُولِهِ مِنْهُ وَمَا أَعْتَذِرُ مِنْ شَيْءٍ صَنَعْته بِهِ . فَأُسْكِتَ أَبُو سَلَمَةَ فَسُمِعَ أَبُو سَلَمَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يَسْتَغْفِرُ مِنْ كَلَامِهِ فِي أَبِي جَهْلٍ . وَفَرِحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِ أَبِي جَهْلٍ ، وَقَالَ اللّهُمّ قَدْ أَنْجَزْت مَا وَعَدْتنِي : فَتَمّمْ عَلَيّ نِعْمَتَك وَقَالَ فَآلُ ابْنِ مَسْعُود ٍ يَقُولُونَ سَيْفُ أَبِي جَهْلٍ عِنْدَنَا ، مُحَلّى بِفِضّةٍ غَنِمَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَئِذٍ . فَاجْتَمَعَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا أَنّ مُعَاذَ بْنَ عَمْرٍو وَابْنَيْ عَفْرَاء َ أَثْبَتُوهُ وَضَرَبَ ابْنُ مَسْعُود ٍ عُنُقَهُ فِي آخِرِ رَمَقٍ فَكُلّ قَدْ شَرِكَ فِي قَتْلِهِ .قَالُوا : وَوَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مَصْرَعِ ابْنَيْ عَفْرَاءَ فَقَالَ يَرْحَمُ اللّهُ ابْنَيْ عَفْرَاءَ ، فَإِنّهُمَا قَدْ شَرِكَا فِي قَتْلِ فِرْعَوْنَ هَذِهِ الْأُمّةِ وَرَأْسِ أَئِمّةِ الْكُفْرِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَمَنْ قَتَلَهُ مَعَهُمَا ؟ قَالَ الْمَلَائِكَةَ وَذَافّهُ ابْنُ مَسْعُودٍ . فَكُلّ قَدْ شَرِكَ فِي قَتْلِهِ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ [ ص 92 ] قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اكْفِنِي نَوْفَلَ بْنَ خُوَيْلِدٍ وَأَقْبَلَ نَوْفَلٌ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ مَرْعُوبٌ قَدْ رَأَى قَتْلَ أَصْحَابِهِ وَكَانَ فِي أَوّلِ مَا الْتَقَوْا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ يَصِيحُ بِصَوْتٍ لَهُ زَجَلٌ رَافِعًا صَوْتَهُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمُ الْعَلَاءِ وَالرّفْعَةِ فَلَمّا رَأَى قُرَيْشًا قَدْ انْكَسَرَتْ جَعَلَ يَصِيحُ بِالْأَنْصَارِ : مَا حَاجَتُكُمْ إلَى دِمَائِنَا ؟ أَمَا تَرَوْنَ مَا تَقْتُلُونَ ؟ أَمَا لَكُمْ فِي اللّبَنِ مِنْ حَاجَةٍ ؟ فَأَسَرَهُ جَبّارُ بْنُ صَخْرٍ فَهُوَ يَسُوقُهُ أَمَامَهُ فَجَعَلَ نَوْفَلٌ يَقُولُ لِجَبّارٍ - وَرَأَى عَلِيّا مُقْبِلًا نَحْوَهُ - قَالَ يَا أَخَا الْأَنْصَارِ ، مَنْ هَذَا ؟ وَاَللّاتِي وَالْعُزّى ، إنّي لَأَرَى رَجُلًا ، إنّهُ لَيُرِيدُنِي قَالَ هَذَا عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَسْرَعَ فِي قَوْمِهِ [ مِنْهُ . فَيَصْمُدُ لَهُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ ] فَيَضْرِبُهُ فَنَشِبَ سَيْفُ عَلِيّ فِي حَجَفَتِهِ سَاعَةً ثُمّ نَزَعَهُ فَيَضْرِبُ سَاقَيْهِ وَدِرْعُهُ مُشَمّرَةٌ فَقَطَعَهُمَا ; ثُمّ أَجْهَزَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ لَهُ عِلْمٌ بِنَوْفَلِ بْنِ خُوَيْلِدٍ ؟ فَقَالَ عَلِيّ : أَنَا قَتَلْته . قَالَ فَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَجَابَ دَعْوَتِي فِيهِ وَأَقْبَلَ الْعَاصُ بْنُ سَعِيدٍ يُحِثّ لِلْقِتَالِ فَالْتَقَى هُوَ وَعَلِيّ ، فَقَتَلَهُ عَلِيّ . فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ لِابْنِهِ سَعِيدِ [ بْنِ الْعَاصِ ] : إنّي لَأَرَاك مُعْرِضًا ، تَظُنّ أَنّي قَتَلْت أَبَاك ؟ [ فِي أَصْلِ ابْنِ أَبِي حَيّةَ وَاَللّهِ مَا قَتَلْت أَبَاك ] وَلَا أَعْتَذِرُ مِنْ قَتْلِ مُشْرِكٍ وَلَقَدْ قَتَلْت خَالِي بِيَدَيّ الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . فَقَالَ سَعِيدٌ لَوْ قَتَلْته لَكَانَ عَلَى الْبَاطِلِ وَأَنْتَ عَلَى الْحَقّ . قَالَ قُرَيْشٌ أَعْظَمُ النّاسِ أَحْلَامًا ، وَأَعْظَمُهَا أَمَانَةً لَا يَبْغِيهِمْ أَحَدٌ الْغَوَائِلَ إلّا كَبّهُ اللّهُ لِفِيهِ . وَكَانَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ يَقُولُ إنّي يَوْمَئِذٍ بَعْدَ مَا ارْتَفَعَ النّهَارُ وَنَحْنُ وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ اخْتَلَطَتْ صُفُوفُنَا وَصُفُوفُهُمْ خَرَجْت فِي إثْرِ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى كَثِيبِ رَمْلٍ وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ ، وَهُمَا [ ص 93 ] يَقْتَتِلَانِ حَتّى قَتَلَ الْمُشْرِكُ سَعْدَ بْنَ خَيْثَمَةَ . وَالْمُشْرِكُ مُقَنّعٌ فِي الْحَدِيدِ وَكَانَ فَارِسًا ، فَاقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَرَفَنِي وَهُوَ مُعْلِمٌ وَلَا أَعْرِفُهُ فَنَادَانِي : هَلُمّ ابْنَ أَبِي طَالِبٍ لِلْبِرَازِ قَالَ فَعَطَفْت عَلَيْهِ فَانْحَطّ إلَيّ مُقْبِلًا ، وَكُنْت رَجُلًا قَصِيرًا ، فَانْحَطَطْت رَاجِعًا لِكَيْ يَنْزِلَ إلَيّ فَكَرِهْت أَنْ يَعْلُوَنِي بِالسّيْفِ . فَقَالَ يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ ، فَرَرْت ؟ فَقُلْت : قَرِيبًا مَفَرّ ، ابْنَ الشّتْرَاءِ قَالَ فَلَمّا اسْتَقَرّتْ قَدَمَايَ وَثَبُتّ أَقْبَلَ فَلَمّا دَنَا مِنّي ضَرَبَنِي ، فَاتّقَيْت بِالدّرَقَةِ فَوَقَعَ سَيْفُهُ فَلَحِجَ - يَعْنِي لَزِمَ - فَأَضْرِبُهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَهُوَ دَارِعٌ فَارْتَعَشَ وَلَقَدْ فَضّ سَيْفِي دِرْعَهُ فَظَنَنْت أَنّ سَيْفِي سَيَقْتُلُهُ فَإِذَا بَرِيقُ سَيْفٍ مِنْ وَرَائِي ، فَطَأْطَأْت رَأْسِي وَيَقَعُ السّيْفُ فَأَطَنّ قِحْفَ رَأْسِهِ بِالْبَيْضَةِ وَهُوَ يَقُولُ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَالْتَفَتّ مِنْ وَرَائِي فَإِذَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمّتِهِ قَالَتْ قَالَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ انْقَطَعَ سَيْفِي فِي يَوْمِ بَدْرٍ ، فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُودًا ، فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَقَاتَلْت بِهِ حَتّى هَزَمَ اللّهُ الْمُشْرِكِينَ - فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتّى هَلَكَ حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ أَخْبَرَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ : عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَل ِ عِدّةٍ قَالُوا : [ ص 94 ] انْكَسَرَ سَيْفُ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَبَقِيَ أَعْزَلَ لَا سِلَاحَ مَعَهُ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَضِيبًا كَانَ فِي يَدِهِ مِنْ عَرَاجِينِ ابْنِ طَابٍ فَقَالَ اضْرِبْ بِهِ فَإِذَا هُوَ سَيْفٌ جَيّدٌ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ جِسْرِ أَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَ بَيْنَا حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَارِعٌ فِي الْحَوْضِ إذْ أَتَاهُ سَهْمٌ غَرْبٌ فَوَقَعَ فِي نَحْرِهِ فَلَقَدْ شَرِبَ الْقَوْمُ آخِرَ النّهَارِ مِنْ دَمِهِ . فَبَلَغَ أُمّهُ وَأُخْتَه وَهُمَا بِالْمَدِينَةِ مَقْتَلَهُ فَقَالَتْ أُمّهُ وَاَللّهِ لَا أَبْكِي عَلَيْهِ حَتّى يَقْدَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْأَلُهُ فَإِنْ كَانَ ابْنِي فِي الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ ابْنِي فِي النّارِ بَكَيْته لَعَمْرِ اللّهِ فَأَعْوَلْتُهُ فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ جَاءَتْ أُمّهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ عَرَفْت مَوْقِعَ حَارِثَةَ مِنْ قَلْبِي ، فَأَرَدْت أَنْ أَبْكِيَ عَلَيْهِ فَقُلْت : لَا أَفْعَلُ حَتّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللّهِ ؟ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَنّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي النّارِ بَكَيْته فَأَعْوَلْتُهُ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَبِلْت ، أَجَنّةٌ وَاحِدَةٌ ؟ إنّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنّهُ لَفِي الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى . قَالَتْ فَلَا أَبْكِي عَلَيْهِ أَبَدًا وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَغَمَسَ يَدَهُ فِيهِ وَمَضْمَضَ فَاهُ ثُمّ نَاوَلَ أُمّ حَارِثَةَ فَشَرِبَتْ ثُمّ نَاوَلَتْ ابْنَتَهَا فَشَرِبَتْ ثُمّ أَمَرَهُمَا فَنَضَحَتَا فِي جُيُوبِهِمَا ، فَفَعَلَتَا فَرَجَعَتَا مِنْ عِنْدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا بِالْمَدِينَةِ امْرَأَتَانِ أَقَرّ أَعْيُنًا مِنْهُمَا وَلَا أَسَرّ قَالُوا : وَكَانَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ لَمّا رَأَى الْهَزِيمَةَ انْخَزَلَ ظَهْرُهُ فَعَقِرَ [ ص 95 ] فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُومَ فَأَتَاهُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ حَلِيفُهُ فَفَتَقَ دِرْعَهُ عَنْهُ وَاحْتَمَلَهُ . وَيُقَالُ ضَرَبَهُ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيّ بِالسّيْفِ فَقَطّ دِرْعَهُ . وَوَقَعَ لِوَجْهِهِ وَأَخْلَدَ إلَى الْأَرْضِ وَجَاوَزَهُ أَبُو دَاوُدَ ، وَبَصُرَ بِهِ ابْنَا زُهَيْرٍ الْجُشَمِيّانِ أَبُو أُسَامَةَ وَمَالِكٌ وَهُمَا حَلِيفَاهُ فَذَبّا عَنْهُ حَتّى نَجَوْا بِهِ وَاحْتَمَلَهُ أَبُو أُسَامَةَ فَنَجَا بِهِ وَجَعَلَ مَالِكٌ يَذُبّ عَنْهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمَاهُ كَلْبَاهُ الْحَلِيفُ مِثْلُ أَبِي أُسَامَةَ كَأَنّهُ رَقْلٌ - الرّقْلُ النّخْلَةُ الطّوِيلَةُ وَيُقَالُ إنّ الّذِي ضَرَبَهُ مُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ .حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَمّهِ قَالَ سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بْنَ سَلْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ سَمِعْت مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ يَسْأَلُ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ ، فَجَعَلَ الشّيْخُ يَكْرَهُ ذَلِكَ حَتّى أَلَحّ عَلَيْهِ فَقَالَ حَكِيمٌ : الْتَقَيْنَا فَاقْتَتَلْنَا ، فَسَمِعْت صَوْتًا وَقَعَ مِنْ السّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ مِثْلَ وَقْعِ الْحَصَاةِ فِي الطّسْتِ وَقَبَضَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَبْضَةَ فَرَمَى بِهَا فَانْهَزَمْنَا حَدّثَنَا مُحَمّدٌ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو إسْحَاقَ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْر ٍ قَالَ سَمِعْت نَوْفَلَ بْنَ مُعَاوِيَةِ الدّيلِيّ يَقُولُ انْهَزَمْنَا يَوْمَ بَدْرٍ وَنَحْنُ نَسْمَعُ كَوَقْعِ الْحَصَى فِي الطّسَاسِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا ، فَكَانَ ذَلِكَ أَشَدّ الرّعْبِ عَلَيْنَا . وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ يَقُولُ انْهَزَمْنَا يَوْمَ بَدْرٍ فَجَعَلْت أَسْعَى وَأَقُولُ قَاتَلَ اللّهُ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ يَزْعُمُ أَنّ النّهَارَ قَدْ ذَهَبَ وَاَللّهِ إنّ النّهَارَ لَكَمَا هُوَ قَالَ حَكِيمٌ وَمَا ذَاكَ بِي إلّا حُبّا أَنْ يَأْتِيَ اللّيْلُ فَيَقْصُرُ عَنّا طَلَبُ الْقَوْمِ . فَيُدْرِكُ حَكِيمًا عُبَيْدُ اللّهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنَا الْعَوّامِ عَلَى جَمَلٍ لَهُمَا ، فَقَالَ [ ص 96 ] عَبْدُ الرّحْمَنِ لِأَخِيهِ انْزِلْ فَاحْمِلْ أَبَا خَالِدٍ . وَكَانَ عُبَيْدُ اللّهِ رَجُلًا أَعْرَجَ لَا رُجْلَةَ بِهِ فَقَالَ عُبَيْدُ اللّهِ إنّهُ لَا رُجْلَةَ بِي كَمَا تَرَى . قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَاَللّهِ إنّ مِنْهُ بُدّ ; أَلَا نَحْمِلُ رَجُلًا إنْ مُتْنَا كَفَانَا مَا خَلْفَنَا مِنْ عِيَالِنَا ، وَإِنْ عِشْنَا حَمَلَ كَلّنَا فَنَزَلَ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَأَخُوهُ وَهُوَ أَعْرَجُ فَحَمَلَاهُ فَكَانُوا يَتَعَاقَبُونَ الْجَمَلَ فَلَمّا دَنَا مِنْ مَكّةَ فَكَانَ بِمَرّ الظّهْرَانِ ، قَالَ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت هَا هُنَا أَمْرًا مَا كَانَ يَخْرُجُ عَلَى مِثْلِهِ أَحَدٌ لَهُ رَأْيٌ وَلَكِنّهُ شُؤْمُ ابْنِ الْحَنْظَلِيّةِ إنّ جَزُورًا نُحِرَتْ هَا هُنَا فَلَمْ يَبْقَ خِبَاءٌ إلّا أَصَابَهُ مِنْ دَمِهَا . فَقَالَا : قَدْ رَأَيْنَا ذَلِكَ وَلَكِنْ رَأَيْنَاك وَقَوْمَنَا مَضَيْتُمْ فَمَضَيْنَا مَعَكُمْ فَلَمْ يَكُنْ لَنَا أَمْرٌ مَعَكُمْ . بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ قُرِئَ عَلَى أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي حَيّةَ قَالَ حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ مَخْلَدِ بْنِ خِفَافٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَتْ الدّرُوعُ فِي قُرَيْشٍ كَثِيرَةً فَلَمّا انْهَزَمُوا جَعَلُوا يُلْقُونَهَا ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَتْبَعُونَهُمْ وَيَلْقُطُونَ مَا طَرَحُوا ، وَلَقَدْ رَأَيْتنِي يَوْمَئِذٍ أَلْتَقِطُ ثَلَاثَةَ أَدْرُعٍ جِئْت بِهَا أَهْلِي ، كَانَتْ عِنْدَنَا بَعْدُ فَزَعَمَ لِي رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ - وَرَأَى دِرْعًا مِنْهَا عِنْدَنَا فَعَرَفَهَا - فَقَالَ هَذِهِ دِرْعُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ . قَالَ الْوَاقِدِيّ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ قَالَ سَمِعْت أَبِي عَمْرَو بْنَ أُمَيّةَ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ انْكَشَفَ يَوْمَئِذٍ مُنْهَزِمًا ، وَإِنّهُ لَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرّ مِنْهُ إلّا النّسَاءُ [ ص 97 ] قَالُوا : وَكَانَ قُبَاثُ بْنُ أَشْيَمَ الْكِنَانِيّ يَقُولُ شَهِدْت مَعَ الْمُشْرِكِينَ بَدْرًا ، وَإِنّي لَأَنْظُرُ إلَى قِلّةِ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ فِي عَيْنِي وَكَثْرَةِ مَا مَعَنَا مِنْ الْخَيْلِ وَالرّجَالِ فَانْهَزَمْت فِيمَنْ انْهَزَمَ فَلَقَدْ رَأَيْتنِي وَإِنّي لَأَنْظُرُ إلَى الْمُشْرِكِينَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَإِنّي لَأَقُولُ فِي نَفْسِي : مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرّ مِنْهُ إلّا النّسَاءُ وَصَاحَبَنِي رَجُلٌ فَبَيْنَا هُوَ يَسِيرُ مَعِي إذْ لَحِقَنَا مَنْ خَلْفَنَا ، فَقُلْت لِصَاحِبِي : أَبِك نُهُوضٌ ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِي . قَالَ وَعَقِرَ وَتَرَفّعْت ، فَلَقَدْ صَبّحْت غَيْقَةَ - عَنْ يَسَارِ السّقْيَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْفَرَعِ لَيْلَةٌ وَالْمَدِينَةُ ثَمَانِيَةُ بُرُدٍ - قَبْلَ الشّمْسِ كُنْت هَادِيًا بِالطّرِيقِ وَلَمْ أَسْلُكْ الْمَحَاجّ وَخِفْت مِنْ الطّلَبِ فَتَنَكّبْت عَنْهَا ، فَلَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي بِغَيْقَةَ فَقَالَ مَا وَرَاءَك ؟ قُلْت : لَا شَيْءَ قُتِلْنَا وَأُسِرْنَا وَانْهَزَمْنَا ، فَهَلْ عِنْدَك مِنْ حُمْلَانٍ ؟ فَقَالَ فَحَمَلَنِي عَلَى بَعِيرٍ وَزَوّدَنِي زَادًا حَتّى لَقِيت الطّرِيقَ بِالْجُحْفَةِ ، ثُمّ مَشَيْت حَتّى دَخَلْت مَكّةَ ، وَإِنّي لَأَنْظُرُ إلَى الْحَيْسُمَانِ بْنِ حَابِسٍ الْخُزَاعِيّ بِالْغَمِيمِ ، فَعَرَفْت أَنّهُ يَقْدَمُ يَنْعَى قُرَيْشًا بِمَكّةَ ، فَلَوْ أَرَدْت أَنْ أَسْبِقَهُ لَسَبَقْته ، فَتَنَكّبْت عَنْهُ حَتّى سَبَقَنِي بِبَعْضِ النّهَارِ فَقَدِمْت وَقَدْ انْتَهَى إلَى مَكّةَ خَبَرُ قَتْلَاهُمْ وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْخُزَاعِيّ وَيَقُولُونَ مَا جَاءَنَا بِخَيْرٍ فَمَكَثْت بِمَكّةَ ، فَلَمّا كَانَ بَعْدَ الْخَنْدَقِ قُلْت : لَوْ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فَنَظَرْت مَا يَقُولُ مُحَمّدٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي قَلْبِي الْإِسْلَامُ . فَقَدِمْت الْمَدِينَةَ فَسَأَلْت عَنْ رَسُولِ اللّهِ [ ص 98 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : هُوَ ذَاكَ فِي ظِلّ الْمَسْجِدِ مَعَ مَلَإٍ مِنْ أَصْحَابِهِ . فَأَتَيْته ، وَأَنَا لَا أَعْرِفُهُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَسَلّمْت فَقَالَ يَا قُبَاثَ بْنَ أَشْيَمَ أَنْتَ الْقَائِلُ يَوْمَ بَدْرٍ « مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذَا الْأَمْرِ فَرّ مِنْهُ إلّا النّسَاءُ » ؟ قُلْت : أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَأَنّ هَذَا الْأَمْرَ مَا خَرَجَ مِنّي إلَى أَحَدٍ قَطّ ، وَمَا تَرَمْرَمْت بِهِ إلّا شَيْئًا حَدّثْت بِهِ نَفْسِي ، فَلَوْلَا أَنّك نَبِيّ مَا أَطْلَعَك اللّهُ عَلَيْهِ هَلُمّ حَتّى أُبَايِعَك . فَعَرَضَ عَلَيّ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمْت قَالُوا : فَلَمّا تَصَافّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا ، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَلَهُ كَذَا وَكَذَا . فَلَمّا انْهَزَمُوا كَانَ النّاسُ ثَلَاثَ فِرَقٍ فِرْقَةٌ قَامَتْ عِنْدَ خَيْمَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ مَعَهُ فِي الْخَيْمَةِ - وَفِرْقَةٌ أَغَارَتْ عَلَى النّهْبِ وَفِرْقَةٌ طَلَبَتْ الْعَدُوّ فَأَسَرُوا وَغَنِمُوا . فَتَكَلّمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَكَانَ مِمّنْ أَقَامَ عَلَى خَيْمَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا مَنَعَنَا أَنْ نَطْلُبَ الْعَدُوّ زَهَادَةٌ فِي الْأَجْرِ وَلَا جُبْنٌ عَنْ الْعَدُوّ . وَلَكِنّا خِفْنَا أَنْ يُعْرَى مَوْضِعُك فَتَمِيلُ عَلَيْك خَيْلٌ مِنْ خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ وَرِجَالٌ مِنْ رِجَالِهِمْ وَقَدْ أَقَامَ عِنْدَ خَيْمَتِك وُجُوهُ النّاسِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ، وَلَمْ يَشِذّ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَالنّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ كَثِيرٌ ، وَمَتَى تُعْطِ هَؤُلَاءِ لَا يَبْقَ لِأَصْحَابِك شَيْءٌ وَالْأَسْرَى وَالْقَتْلَى كَثِيرٌ وَالْغَنِيمَةُ قَلِيلَةٌ . فَاخْتَلَفُوا ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فَرَجَعَ النّاسُ وَلَيْسَ لَهُمْ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ . ثُمّ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَهُمْ [ ص 99 ] فَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُجَاهِدٍ أَبُو حَزْرَةَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، قَالَ سَلّمْنَا الْأَنْفَالَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَمْ يُخَمّسْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَدْرًا ، وَنَزَلَتْ بَعْدُ وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمُسْلِمِينَ الْخُمُسَ فِيمَا كَانَ مِنْ أَوّلِ غَنِيمَةٍ بَعْدَ بَدْرٍ . فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ مِثْلَهُ . وَحَدّثْنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ اخْتَلَفَ النّاسُ فِي الْغَنَائِمِ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْغَنَائِمِ أَنْ تُرَدّ فِي الْمَقْسَمِ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ إلّا رُدّ . فَظَنّ أَهْلُ الشّجَاعَةِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخُصّهُمْ بِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الضّعْفِ . ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ تُقْسَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى سَوَاءٍ فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ أَيُعْطَى فَارِسُ الْقَوْمِ الّذِي يَحْمِيهِمْ مِثْلَ مَا يُعْطَى الضّعِيفُ ؟ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَكِلَتْك أُمّك ، وَهَلْ تُنْصَرُونَ إلّا بِضُعَفَائِكُمْ ؟ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ سَأَلْت مُوسَى بْنَ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : كَيْفَ فَعَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فِي الْأَسْرَى ، وَالْأَسْلَابِ وَالْأَنْفَالِ ؟ فَقَالَ نَادَى مُنَادِيهِ يَوْمَئِذٍ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ ، وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا فَهُوَ لَهُ فَكَانَ يُعْطِي مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا سَلَبَهُ . وَأَمَرَ بِمَا وُجِدَ فِي الْعَسْكَرِ وَمَا أَخَذُوا بِغَيْرِ قِتَالٍ فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَنْ فَوَاق فَقُلْت لِعَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ فَمَنْ أُعْطِيَ سَلَبُ أَبِي جَهْلٍ ؟ قَالَ اُخْتُلِفَ [ ص 100 ] فِيهِ عِنْدَنَا ; فَقَالَ قَائِلٌ أَخَذَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَقَالَ قَائِلٌ أَعْطَاهُ ابْنَ مَسْعُودٍ . فَقُلْت لِعَبْدِ الْحَمِيدِ مَنْ أَخْبَرَك ؟ قَالَ أَمّا الّذِي قَالَ دَفَعَهُ إلَى مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو فَأَخْبَرَنِيهِ خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ وَأَمّا الّذِي قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَإِنّهُ حَدّثَنِيهِ سَعِيدُ بْنُ خَالِدٍ الْقَارِظِيّ . قَالُوا : وَقَدْ أَخَذَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ دِرْعَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ وَأَخَذَ حَمْزَةُ سِلَاحَ عُتْبَةَ وَأَخَذَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ دِرْعَ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ حَتّى وَقَعَتْ إلَى وَرَثَتِهِ .فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ عَنْ عَمّهِ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُرَدّ الْأَسْرَى وَالْأَسْلَابُ وَمَا أَخَذُوا فِي الْمَغْنَمِ ثُمّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِي الْأَسْرَى ، وَقَسَمَ الْأَسْلَابَ الّتِي نَفّلَ الرّجُلُ نَفْسَهُ فِي الْمُبَارَزَةِ وَمَا أَخَذَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ عَنْ فُوَاقٍ وَالثّبْتُ عِنْدَنَا مِنْ هَذَا أَنّ كُلّ مَا جَعَلَهُ لَهُمْ فَإِنّهُ قَدْ سَلّمَهُ لَهُمْ وَمَا لَمْ يَجْعَلْ فَقَدْ قَسَمَهُ بَيْنَهُمْ . فَقَدْ جُمِعَتْ الْغَنَائِمُ وَاسْتَعْمَلَ [ عَلَيْهَا ] رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ عُمَرَ الْمَازِنِيّ حَدّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَسَمَهَا بِسَيَرٍ - سَيَرٌ شِعْبٌ بِمَضِيقِ الصّفْرَاءِ . وَقَدْ قِيلَ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا خَبّابَ بْنَ الْأَرَتّ . فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُكْنِفٍ الْحَارِثِيّ - مِنْ حَارِثَةِ الْأَنْصَارِ - قَالَ لَمّا جُمِعَتْ الْغَنَائِمُ كَانَ فِيهَا إبِلٌ وَمَتَاعٌ وَأَنْطَاعٌ وَثِيَابٌ فَقَسَمَهَا الْوَالِي فَجَعَلَ يُصِيبُ الرّجُلَ الْبَعِيرُ وَرِثّةٌ مَعَهُ وَآخَرَ بَعِيرَانِ وَآخَرَ أَنْطَاعٌ . وَكَانَتْ السّهْمَانُ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ [ ص 101 ] وَسَبْعَةَ عَشَرَ سَهْمًا ، وَالرّجَالُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ وَالْخَيْلُ فَرَسَانِ لَهُمَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ . وَثَمَانِيَةُ نَفَرٍ لَمْ يَحْضُرُوا وَضَرَبَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسِهَامِهِمْ وَأُجُورِهِمْ فَكُلّهُمْ مُسْتَحِقّ فِي بَدْرٍ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَا اخْتِلَافَ فِيهِمْ عِنْدَنَا : عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ ; خَلّفَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ابْنَتِهِ رُقَيّةَ ، وَمَاتَتْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ ، بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَحَسّسَانِ الْعِيرَ بَلَغَا الْحَوْرَاءَ - الْحَوْرَاءُ وَرَاءَ ذِي الْمَرْوَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَهَا لَيْلَتَانِ عَلَى السّاحِلِ وَبَيْنَ ذِي الْمَرْوَةِ وَالْمَدِينَةِ ثَمَانِيَةُ بُرُدٍ أَوْ أَكْثَرُ قَلِيلًا . وَمِنْ الْأَنْصَارِ : أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ، خَلّفَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ ، وَعَاصِمُ بْنُ عَدِيّ ، خَلّفَهُ عَلَى قُبَاءٍ وَأَهْلِ الْعَالِيَةِ ; وَالْحَارِثُ بْنُ حَاطِبٍ ، أَمَرَهُ بِأَمْرِهِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ; وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، كُسِرَ بِالرّوْحَاءِ ; وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ كُسِرَ بِالرّوْحَاءِ - فَهَؤُلَاءِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِمْ عِنْدَنَا .وَقَدْ رُوِيَ أَنّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ وَقَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْ الْقِتَالِ بِبَدْرٍ : لَئِنْ لَمْ يَكُنْ شَهِدَهَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، لَقَدْ كَانَ فِيهَا رَاغِبًا وَذَلِكَ أَنّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ لَمّا أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْجِهَادِ كَانَ يَأْتِي دُورَ الْأَنْصَارِ يَحُضّهُمْ عَلَى الْخُرُوجِ فَنُهِشَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَمَاكِنِ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ مِنْ الْخُرُوجِ فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ . وَضَرَبَ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ السّاعِدِيّ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ وَكَانَ تَجَهّزَ إلَى بَدْرٍ فَمَرِضَ بِالْمَدِينَةِ فَمَاتَ خِلَافَهُ وَأَوْصَى إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَضَرَبَ لِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَضَرَبَ لِرَجُلٍ آخَرَ وَهَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ لَيْسَ بِمُجْتَمَعٍ عَلَيْهِمْ كَاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الثّمَانِيَةِ . [ ص 102 ] حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ضَرَبَ لِقَتْلَى بَدْرٍ ، أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا قُتِلُوا بِبَدْرٍ . قَالَ زَيْدُ بْنُ طَلْحَةَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ قَالَ أَخَذْنَا سَهْمَ أَبِي الّذِي ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَسَمَ الْغَنَائِمَ وَحَمَلَهُ إلَيْنَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ .حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُكْنِفٍ ، قَالَ سَمِعْت السّائِبَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ يُخْبِرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْهَمَ لِمُبَشّرِ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ ، وَقَدِمَ بِسَهْمِهِ عَلَيْنَا مَعْنُ بْنُ عَدِيّ وَكَانَتْ الْإِبِلُ الّتِي أَصَابُوا يَوْمَئِذٍ مِائَةَ بَعِيرٍ وَخَمْسِينَ بَعِيرًا ، وَكَانَ مَعَهُمْ أَدَمٌ كَثِيرٌ حَمَلُوهُ لِلتّجَارَةِ فَغَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ . وَكَانَتْ يَوْمَئِذٍ فِيمَا أَصَابُوا قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا لَنَا لَا نَرَى الْقَطِيفَةَ ؟ مَا نَرَى رَسُولَ اللّهِ إلّا أَخَذَهَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ وَمَا كَانَ لِنَبِيّ أَنْ يَغُلّ إلَى آخِرِ الْآيَةِ وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ فُلَانًا غَلّ قَطِيفَةً . فَسَأَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّجُلَ فَقَالَ لَمْ أَفْعَلْ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ الدّالّ : يَا رَسُولَ اللّهِ احْفِرُوا هَاهُنَا . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَفَرُوا هُنَاكَ فَاسْتُخْرِجَتْ الْقَطِيفَةُ . فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللّه ، اسْتَغْفِرْ لِفُلَانٍ مَرّتَيْنِ أَوْ مِرَارًا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَعُونَا مِنْ آتِي جُرْمٍ وَكَانَتْ الْخَيْلُ فَرَسَيْنِ فَرَسٌ لِلْمِقْدَادِ يُقَالُ لَهَا سَبْحَةُ وَفَرَسٌ لِلزّبَيْرِ وَيُقَالُ لِمَرْثَدٍ . فَكَانَ الْمِقْدَادُ يَقُولُ ضَرَبَ لِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ بِسَهْمٍ وَلِفَرَسِي بِسَهْمٍ وَقَائِلٌ [ ص 103 ] يَقُولُ ضَرَبَ رَسُولُ اللّهِ يَوْمَئِذٍ لِلْفَرَسِ بِسَهْمَيْنِ وَلِصَاحِبِهِ بِسَهْمٍ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ أَبِي عَبْسٍ عَنْ أَبِي عُفَيْرٍ مُحَمّدِ بْنِ سَهْلٍ قَالَ رَجَعَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ بِفَرَسٍ قَدْ غَنِمَهُ يَوْمَ بَدْرٍ ، وَكَانَ لِزَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ ، صَارَ فِي سَهْمِهِ . وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ خُيُولِهِمْ عَشَرَةَ أَفْرَاسٍ وَأَصَابُوا لَهُمْ سِلَاحًا وَظَهْرًا . وَكَانَ جَمَلُ أَبِي جَهْل ٍ يَوْمَئِذٍ فِيهَا ، فَغَنِمَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَضْرِبُ عَلَيْهِ فِي إبِلِهِ وَيَغْزُو عَلَيْهِ حَتّى سَاقَهُ فِي هَدْيِ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَسَأَلَهُ الْمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ الْجَمَلَ بِمِائَةِ بَعِيرٍ فَقَالَ لَوْلَا أَنَا سَمّيْنَاهُ فِي الْهَدْيِ لَفَعَلْنَا وَكَانَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَفِيّ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ أَنْ يُقْسَمَ مِنْهَا شَيْءٌ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ذَكْوَانَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَمُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَا : تَنَفّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيْفَهُ ذَا الْفَقَارِ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ لِمُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ غَزَا إلَى بَدْرٍ بِسَيْفٍ وَهَبَهُ لَهُ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يُقَالُ لَهُ الْعَضْبُ وَدِرْعِهِ ذَاتِ الْفُضُولِ فَسَمِعْت ابْنَ أَبِي سَبْرَةَ يَقُولُ سَمِعْت صَالِحَ بْنَ كَيْسَانَ يَقُولُ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ وَمَا مَعَهُ سَيْفٌ . وَكَانَ أَوّلُ سَيْفٍ تَقَلّدَهُ سَيْفَ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ . غَنِمَهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ يُحَدّثُ فِيمَا حَدّثَنِي بِهِ عَبْدُ الْمُهَيْمِنِ بْنُ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ وَكَانَ إذَا ذُكِرَ أَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ [ ص 104 ] قَالَ مَا يَوْمِي مِنْهُ بِوَاحِدٍ فَيُقَالُ مَا هُوَ ؟ فَقَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَرُدّوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِمّا أَخَذُوا مِنْ الْأَنْفَالِ . قَالَ فَرَدَدْت سَيْفَ ابْنِ عَائِذٍ الْمَخْزُومِيّ وَاسْمُ السّيْفِ الْمَرْزُبَانُ وَكَانَ لَهُ قِيمَةٌ وَقَدْرٌ . وَأَنَا أَطْمَعُ أَنْ يَرُدّهُ إلَيّ . فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ [ فِيهِ ] ، وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا يُسْأَلُهُ فَأَعْطَاهُ السّيْفَ وَخَرَجَ بُنَيّ لِي يَفَعَةٌ فَاحْتَمَلَتْهُ الْغُولُ فَذَهَبَتْ بِهِ مُتَوَرّكَةً ظَهْرًا . فَقِيلَ لِأَبِي أُسَيْدٍ وَكَانَتْ الْغِيلَانُ ذَلِكَ الزّمَانَ ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنّهَا قَدْ هَلَكَتْ فَلَقِيَ ابْنِي ابْنَ الْأَرْقَمِ فَبَهَشَ إلَيْهِ ابْنِي وَبَكَى مُسْتَجِيرًا بِهِ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَتْ الْغُولُ أَنَا حَاضِنَتُهُ . فَلَهَا عَنْهُ وَالصّبِيّ يُكَذّبُهَا ، فَلَمْ يُعَرّجْ عَلَيْهِ . وَخَرَجَ مِنْ دَارِي فَرَسٌ لِي فَقَطَعَ رَسَنَهُ فَلَقِيَهُ بِالْغَابَةِ فَرَكِبَهُ حَتّى إذَا دَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ أَفْلَتْ مِنْهُ فَتَعَذّرَ إلَيّ أَنّهُ أَفْلَتْ مِنّي ، فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ حَتّى السّاعَةِ .حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ [ بْنُ مُحَمّدٍ ] ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَأَلْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيْفَ الْعَاصِ بْنِ مُنَبّهٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْطَانِيهِ وَنَزَلَتْ فِيّ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قَالَ [ ص 105 ] وَأَحْذَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَمَالِيكَ حَضَرُوا بَدْرًا وَلَمْ يُسْهِمْ لَهُمْ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ غُلَامٌ لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وَغُلَامٌ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْف ٍ وَغُلَامٌ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ . وَاسْتُعْمِلَ شُقْرَانُ غُلَامُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْأَسْرَى ; فَأَحْذَوْهُ مِنْ كُلّ أَسِيرٍ مَا لَوْ كَانَ حُرّا مَا أَصَابَهُ فِي الْمَقْسَمِ . فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ رَمَيْت يَوْمَ بَدْرٍ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَقَطَعْت نَسَاهُ فَأَتْبَعْت أَثَرَ الدّمِ حَتّى وَجَدْته قَدْ أَخَذَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ ، وَهُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ . فَقُلْت : أَسِيرِي ، رَمَيْته فَقَالَ مَالِكٌ أَسِيرِي ، أَخَذْته فَأَتَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا . فَأَفْلَتْ سُهَيْلٌ بِالرّوْحَاءِ مِنْ مَالِكِ بْن الدّخْشُمِ . فَصَاحَ فِي النّاسِ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ فَوَجَدَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَقْتُلْهُ فَحَدّثَنِي عِيسَى بْنُ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَصَابَ أَبُو بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ أَسِيرًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُقَالُ لَهُ مَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ ، مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ . فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَحُضّ عَلَى قَتْلِ الْأَسْرَى ، لَا يَرَى أَحَدًا فِي يَدَيْهِ أَسِيرًا إلّا أَمَرَ بِقَتْلِهِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرّقَ النّاسُ . فَلَقِيَهُ مَعْبَدٌ وَهُوَ أَسِيرٌ مَعَ أَبِي بُرْدَةَ فَقَالَ أَتَرَوْنَ يَا عُمَرُ أَنّكُمْ قَدْ غَلَبْتُمْ ؟ كَلّا وَاللّاتِ وَالْعُزّى فَقَالَ عُمَرُ عِبَادَ اللّهِ الْمُسْلِمِينَ أَتَكَلّمُ وَأَنْتَ أَسِيرٌ فِي أَيْدِينَا ؟ ثُمّ أَخَذَهُ مِنْ أَبِي بُرْدَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَيُقَالُ إنّ أَبَا بُرْدَةَ قَتَلَهُ . فَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، قَالَ [ ص 106 ] قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تُخْبِرُوا سَعْدًا بِقَتْلِ أَخِيهِ فَيَقْتُلَ كُلّ أَسِيرٍ فِي أَيْدِيكُمْ فَحَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ الْهَيْثَمِ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَتَعَاطَى أَحَدُكُمْ أَسِيرَ أَخِيهِ فَيَقْتُلَهُ وَلَمّا أُتِيَ بِالْأَسْرَى كَرِهَ ذَلِكَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا عَمْرٍو ، كَأَنّهُ شَقّ عَلَيْك الْأَسْرَى أَنْ يُؤْسَرُوا . قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ الْتَقَيْنَا فِيهَا وَالْمُشْرِكُونَ فَأَحْبَبْت أَنْ يُذِلّهُمْ اللّهُ وَأَنْ يُثْخَنَ فِيهِمْ الْقَتْلُ وَكَانَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ أَسَرَهُ الْمِقْدَادُ يَوْمَئِذٍ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ - وَكَانَ بِالْأُثَيْلِ - عَرَضَ عَلَيْهِ الْأَسْرَى ، فَنَظَرَ إلَى النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ فَأَبَدّهُ الْبَصَرَ فَقَالَ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ مُحَمّدٌ وَاَللّهِ قَاتِلِي ، لَقَدْ نَظَرَ إلَيّ بِعَيْنَيْنِ فِيهِمَا الْمَوْتُ فَقَالَ الّذِي إلَى جَنْبِهِ وَاَللّهِ مَا هَذَا مِنْك إلّا رُعْبٌ . فَقَالَ النّضْرُ لِمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ : يَا مُصْعَبُ أَنْتَ أَقْرَبُ مَنْ هَا هُنَا بِي رَحِمًا . كَلّمْ صَاحِبَك أَنْ يَجْعَلَنِي كَرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِي ، هُوَ وَاَللّهِ قَاتِلِي إنْ لَمْ تَفْعَلْ . قَالَ مُصْعَبٌ : إنّك كُنْت تَقُولُ فِي كِتَابِ اللّهِ كَذَا وَكَذَا ، [ وَتَقُولُ فِي نَبِيّهِ كَذَا وَكَذَا ] . قَالَ يَا مُصْعَبُ فَلْيَجْعَلْنِي كَأَحَدِ أَصْحَابِي ، إنْ قُتِلُوا قُتِلْت ، وَإِنْ مَنّ عَلَيْهِمْ مَنّ عَلَيّ قَالَ مُصْعَبٌ : إنّك كُنْت تُعَذّبُ أَصْحَابَهُ . قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَسَرَتْك قُرَيْشٌ مَا قُتِلْتَ أَبَدًا وَأَنَا حَيّ . قَالَ مُصْعَبٌ وَاَللّهِ إنّي لَأَرَاك صَادِقًا ، وَلَكِنْ [ ص 107 ] [ لَسْت ] مِثْلَك - قَطَعَ الْإِسْلَامُ الْعُهُودَ فَقَالَ الْمِقْدَادُ : أَسِيرِي قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اضْرِبْ عُنُقَهُ اللّهُمّ أَغْنِ الْمِقْدَادَ مِنْ فَضْلِك فَقَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ صَبْرًا بِالسّيْفِ بِالْأُثَيْلِ . وَلَمّا أُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ انْزِعْ ثَنِيّتَيْهِ يُدْلَعُ لِسَانُهُ فَلَا يَقُومُ عَلَيْك خَطِيبًا أَبَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أُمَثّلُ بِهِ فَيُمَثّلَ اللّهُ بِي وَإِنْ كُنْت نَبِيّا ، وَلَعَلّهُ يَقُومُ مَقَامًا لَا تَكْرَهُهُ . فَقَامَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو حِينَ جَاءَهُ وَفَاةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخُطْبَةِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِمَكّةَ - كَأَنّهُ كَانَ يَسْمَعُهَا . قَالَ عُمَرُ حِينَ بَلَغَهُ كَلَامُ سُهَيْلٍ : أَشْهَدُ إنّك لَرَسُولُ اللّهِ يُرِيدُ حَيْثُ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَعَلّهُ يَقُومُ مَقَامًا لَا تَكْرَهُهُ وَكَانَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ يُحَدّثُ يَقُولُ أَتَى جِبْرِيلُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ فَخَيّرَهُ فِي الْأَسْرَى أَنْ يَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِي قَابِلٍ عِدّتُهُمْ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ هَذَا جِبْرِيلُ يُخَيّرُكُمْ فِي الْأَسْرَى بَيْنَ أَنْ نَضْرِبَ رِقَابَهُمْ أَوْ نَأْخُذَ مِنْهُمْ الْفِدْيَةَ وَيُسْتَشْهَدَ مِنْكُمْ فِي قَابِلٍ عِدّتُهُمْ . قَالُوا : بَلْ نَأْخُذُ الْفِدْيَةَ وَنَسْتَعِينُ بِهَا ، وَيُسْتَشْهَدُ مِنّا فَنَدْخُلُ الْجَنّةَ . فَقَبِلَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ وَقُتِلَ مِنْهُمْ فِي قَابِلٍ عِدّتُهُمْ بِأُحُدٍ .قَالُوا : وَلَمّا حُبِسَ الْأَسْرَى بِبَدْرٍ - اُسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانُ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ اقْتَرَعُوا عَلَيْهِمْ - طَمِعُوا فِي الْحَيَا فَقَالُوا : لَوْ بَعَثْنَا إلَى أَبِي بَكْرٍ فَإِنّهُ أَوْصَلُ قُرَيْشٍ لِأَرْحَامِنَا ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا آثَرُ عِنْدَ مُحَمّدٍ مِنْهُ فَبَعَثُوا إلَى أَبِي بَكْرٍ [ ص 108 ] فَأَتَاهُمْ فَقَالُوا : يَا أَبَا بَكْرٍ ، إنّ فِينَا الْآبَاءَ وَالْأَبْنَاءَ وَالْإِخْوَانَ وَالْعُمُومَةَ وَبَنِي الْعَمّ وَأَبْعَدُنَا قَرِيبٌ . كَلّمْ صَاحِبَك فَلْيَمُنّ عَلَيْنَا أَنْ يُفَادِنَا . فَقَالَ نَعَمْ إنْ شَاءَ اللّهُ لَا آلُوكُمْ خَيْرًا ثُمّ انْصَرَفَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .قَالُوا : وَابْعَثُوا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ فَإِنّهُ مَنْ قَدْ عَلِمْتُمْ فَلَا نَأْمَنُ أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْكُمْ لَعَلّهُ يَكُفّ عَنْكُمْ . فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ فَجَاءَهُمْ فَقَالُوا لَهُ مِثْلَ مَا قَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ لَنْ آلُوكُمْ شَرّا ثُمّ انْصَرَفَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَجَدَ أَبَا بَكْرٍ وَالنّاسَ حَوْلَهُ وَأَبُو بَكْرٍ يُلَيّنُهُ وَيَفْثَؤُهُ وَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي قَوْمُك فِيهِمْ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالْإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ مَنّ اللّهُ عَلَيْك ، أَوْ فَادِهِمْ يَسْتَنْقِذْهُمْ اللّهُ بِك مِنْ النّارِ فَتَأْخُذَ مِنْهُمْ مَا أَخَذْت قُوّةً لِلْمُسْلِمِينَ فَلَعَلّ اللّهَ يُقْبِلُ بِقُلُوبِهِمْ إلَيْك ثُمّ قَامَ فَتَنَحّى نَاحِيَةً وَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ . ثُمّ جَاءَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَ أَبِي بَكْرٍ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هُمْ أَعْدَاءُ اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك اضْرِبْ رِقَابَهُمْ هُمْ رُءُوسُ الْكُفْرِ وَأَئِمّةُ الضّلَالَةِ يُوَطّئُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِهِمْ الْإِسْلَامَ وَيُذِلّ بِهِمْ أَهْلَ الشّرْكِ فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ إلَى مَقْعَدِهِ الْأَوّلِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي قَوْمُك فِيهِمْ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ وَالْعُمُومَةُ وَالْإِخْوَانُ وَبَنُو الْعَمّ وَأَبْعَدُهُمْ مِنْك قَرِيبٌ فَامْنُنْ عَلَيْهِمْ أَوْ فَادِهِمْ هُمْ عِتْرَتُك وَقَوْمُك ، لَا تَكُنْ أَوّلَ مَنْ يَسْتَأْصِلُهُمْ يَهْدِيهِمْ اللّهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تُهْلِكَهُمْ . فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا .وَتَنَحّى نَاحِيَةً فَقَامَ عُمَرُ فَجَلَسَ مَجْلِسَهُ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تَنْتَظِرُ بِهِمْ ؟اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ يُوَطّئُ اللّهُ بِهِمْ الْإِسْلَامَ وَيُذِلّ أَهْلَ الشّرْكِ هُمْ أَعْدَاءُ [ ص 109 ] اللّهِ كَذّبُوك وَقَاتَلُوك وَأَخْرَجُوك يَا رَسُولَ اللّهِ اشْفِ صُدُورَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ قَدَرُوا عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنّا مَا أَقَالُونَاهَا أَبَدًا فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَامَ نَاحِيَةً فَجَلَسَ وَعَادَ أَبُو بَكْرٍ فَكَلّمَهُ مِثْلَ كَلَامِهِ الّذِي كَلّمَهُ بِهِ فَلَمْ يُجِبْهُ فَتَنَحّى نَاحِيَةً ثُمّ قَامَ عُمَرُ فَكَلّمَهُ كَلَامَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ . ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ قُبّتَهُ فَمَكَثَ فِيهَا سَاعَةً ثُمّ خَرَجَ وَالنّاسُ يَخُوضُونَ فِي شَأْنِهِمْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ الْقَوْلُ مَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَآخَرُونَ يَقُولُونَ الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَا تَقُولُونَ فِي صَاحِبَيْكُمْ هَذَيْنِ ؟ دَعُوهُمَا فَإِنّ لَهُمَا مَثَلًا ; مَثَلُ أَبِي بَكْرٍ كَمَثَلِ مِيكَائِيلَ يَنْزِلُ بِرِضَاءِ اللّهِ وَعَفْوِهِ عَنْ عِبَادِهِ وَمَثَلُهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ إبْرَاهِيمَ كَانَ أَلْيَنَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْعَسَلِ أَوْقَدَ لَهُ قَوْمُهُ النّارَ وَطَرَحُوهُ فِيهَا ، فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ أُفّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ وَقَالَ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنّك غَفُورٌ رَحِيمٌ وَمَثَلُهُ مَثَلُ عِيسَى إذْ يَقُولُ إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَمَثَلُ عُمَرَ فِي الْمَلَائِكَةِ كَمَثَلِ جِبْرِيلَ يَنْزِلُ بِالسّخْطَةِ مِنْ اللّهِ وَالنّقْمَةِ عَلَى أَعْدَاءِ اللّهِ وَمَثَلُهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ كَمَثَلِ نُوحٍ كَانَ أَشَدّ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ إذْ يَقُولُ رَبّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيّارًا فَدَعَا عَلَيْهِمْ دَعْوَةً أَغْرَقَ اللّهُ الْأَرْضَ جَمِيعَهَا ، وَمَثَلِ مُوسَى إذْ يَقُولُ رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوْا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ وَإِنّ بِكُمْ عَيْلَةً فَلَا يَفُوتَنّكُمْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلَاءِ إلّا بِفِدَاءٍ أَوْ [ ص 110 ] ضَرْبَةِ عُنُقٍ . فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ إلّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ . [ - قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : هَذَا وَهْمٌ سُهَيْلُ بْنُ بَيْضَاءَ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ ، مَا شَهِدَ بَدْرًا ، إنّمَا هُوَ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ سَهْلٌ - ] فَإِنّي رَأَيْته يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ بِمَكّةَ . فَسَكَتَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَمَا مَرّتْ عَلَيّ سَاعَةٌ قَطّ كَانَتْ أَشَدّ عَلَيّ مِنْ تِلْكَ السّاعَةِ فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَى السّمَاءِ أَتَخَوّفُ أَنْ تَسْقُطَ عَلَيّ الْحِجَارَةُ لِتَقَدّمِي بَيْنَ يَدَيْ اللّهِ وَرَسُولِهِ بِالْكَلَامِ . فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأْسَهُ فَقَالَ إلّا سُهَيْلَ بْنَ بَيْضَاءَ قَالَ فَمَا مَرّتْ عَلَيّ سَاعَةٌ أَقَرّ لَعَيْنَيّ مِنْهَا ، إذْ قَالَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ لَيُشَدّدُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَشَدّ مِنْ الْحِجَارَةِ وَإِنّهُ لَيُلَيّنُ الْقَلْبَ فِيهِ حَتّى يَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ الزّبْدِ .وَقَبِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ الْفِدَاءَ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ يَوْمَ بَدْرٍ مَا نَجَا مِنْهُ إلّا عُمَرُ كَانَ يَقُولُ اُقْتُلْ وَلَا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَقُولُ اُقْتُلْ وَلَا تَأْخُذْ الْفِدَاءَ . فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ : لَو كَانَ مُطْعِمُ بْنُ عَدِيّ حَيّا لَوَهَبْت لَهُ هَؤُلَاءِ النّتْنَى وَكَانَتْ لِمُطْعِمِ بْنِ عَدِيّ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إجَارَةٌ حِينَ رَجَعَ مِنْ الطّائِفِ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ أَمّنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْأَسْرَى يَوْمَ بَدْرٍ أَبَا عَزّةَ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرٍ الْجُمَحِيّ ، وَكَانَ شَاعِرًا ، فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 111 ] وَقَالَ لِي خَمْسُ بَنَاتٍ لَيْسَ لَهُنّ شَيْءٌ فَتَصَدّقْ بِي عَلَيْهِنّ يَا مُحَمّدُ . فَفَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ أَبُو عَزّةَ أُعْطِيك مَوْثِقًا لَا أُقَاتِلُك وَلَا أُكْثِرُ عَلَيْك أَبَدًا . فَأَرْسَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا خَرَجَتْ قُرَيْشٌ إلَى أُحُدٍ جَاءَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فَقَالَ اُخْرُجْ مَعَنَا فَقَالَ إنّي قَدْ أَعْطَيْت مُحَمّدًا مَوْثِقًا أَلّا أُقَاتِلَهُ وَلَا أُكْثِرَ عَلَيْهِ أَبَدًا ، وَقَدْ مَنّ عَلَيّ وَلَمْ يَمُنّ عَلَى غَيْرِي حَتّى قَتَلَهُ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ الْفِدَاءَ . فَضَمِنَ صَفْوَانُ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتَه مَعَ بَنَاتِهِ إنْ قُتِلَ وَإِنْ عَاشَ أَعْطَاهُ مَالًا كَثِيرًا لَا يَأْكُلُهُ عِيَالُهُ .فَخَرَجَ أَبُو عَزّةَ يَدْعُو الْعَرَبَ وَيَحْشُرُهَا ، ثُمّ خَرَجَ مَعَ قُرَيْشٍ يَوْمَ أُحُدٍ، فَأُسِرَ وَلَمْ يُوسَرْ غَيْرُهُ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنّمَا خَرَجْت مُكْرَهًا ، وَلِي بَنَاتٌ فَامْنُنْ عَلَيّ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْنَ مَا أَعْطَيْتنِي مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ ؟ لَا وَاَللّهِ لَا تَمْسَحْ عَارِضَيْك بِمَكّةَ تَقُولُ سَخِرْت بِمُحَمّدٍ مَرّتَيْنِ حَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إِنّ الْمُؤْمِنَ لَا يُلْدَغُ مِنْ جُحْرٍ مَرّتَيْنِ يَا عَاصِمُ بْنَ ثَابِتٍ قَدّمْهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَدّمَهُ عَاصِمٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ .قَالُوا : وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ بِالْقُلُبِ أَنْ تُغَوّرَ ثُمّ أَمَرَ بِالْقَتْلَى فَطُرِحَ فِيهَا كُلّهُمْ إلّا أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ ، فَإِنّهُ كَانَ مُسَمّنًا انْتَفَخَ مِنْ يَوْمِهِ فَلَمّا أَرَادُوا أَنْ يُلْقُوهُ تَزَايَلَ لَحْمُهُ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُتْرُكُوهُ وَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عُتْبَةَ يُجَرّ إلَى الْقَلِيبِ ، وَكَانَ رَجُلًا جَسِيمًا ، فِي وَجْهِهِ أَثَرُ الْجُدَرِيّ فَتَغَيّرَ وَجْهُ ابْنِهِ [ ص 112 ] أَبِي حُذَيْفَةَ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا حُذَيْفَةَ كَأَنّك سَاءَك مَا أَصَابَ أَبَاك . قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ وَلَكِنّي رَأَيْت لِأَبِي عَقْلًا وَشَرَفًا ; كُنْت أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ اللّهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا أَخْطَأَهُ ذَلِكَ وَرَأَيْت مَا أَصَابَهُ غَاظَنِي . قَالَ أَبُو بَكْرٍ : كَانَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ أَبْقَى فِي الْعَشِيرَةِ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ كَانَ كَارِهًا لِوَجْهِهِ وَلَكِنْ الْحَيْنُ وَمَصَارِعُ السّوءِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي جَعَلَ [ خَدّ ] أَبِي جَهْلٍ الْأَسْفَلَ وَصَرَعَهُ وَشَفَانَا مِنْهُ فَلَمّا تَوَافَوْا فِي الْقَلِيبِ ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ مُصَرّعُونَ وَأَبُو بَكْر ٍ يُخْبِرُهُ بِهِمْ رَجُلًا رَجُلًا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَحْمَدُ اللّهَ وَيَشْكُرُهُ وَيَقُولُ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَنْجَزَ مَا وَعَدَنِي ، فَقَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ .قَالَ ثُمّ وَقَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَهْلِ الْقَلِيبِ ، فَنَادَاهُمْ رَجُلًا رَجُلًا : يَا عُتْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ، يَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَيَا أُمَيّةُ بْنَ خَلَفٍ ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ فَإِنّي قَدْ وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا . بِئْسَ الْقَوْمُ كُنْتُمْ لِنَبِيّكُمْ كَذّبْتُمُونِي وَصَدّقَنِي النّاسُ وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النّاسُ وَقَاتَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النّاسُ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ تُنَادِي قَوْمًا قَدْ مَاتُوا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ عَلِمُوا أَنّ مَا وَعَدَهُمْ رَبّهُمْ حَقّ قَالُوا : وَكَانَ انْهِزَامُ الْقَوْمِ وَتَوَلّيهِمْ حِينَ زَالَتْ الشّمْسُ فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبَدْرٍ وَأَمَرَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ كَعْبٍ بِقَبْضِ الْغَنَائِمِ وَحَمْلِهَا ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَنْ يُعِينُوهُ [ ص 113 ] فَصَلّى الْعَصْرَ بِبَدْرٍ ثُمّ رَاحَ فَمَرّ بِالْأُثَيْلِ [ - الْأُثَيْلُ : وَادٍ طُولُهُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ بَدْرٍ مِيلَانِ فَكَأَنّهُ بَاتَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ بَدْرٍ - ] قَبْلَ غُرُوبِ الشّمْسِ فَنَزَلَ بِهِ وَبَاتَ بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ جِرَاحٌ وَلَيْسَتْ بِالْكَثِيرَةِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ مَنْ رَجُلٌ اللّيْلَةَ يَحْفَظُنَا ؟ فَأَسْكَتَ الْقَوْمُ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ . قَالَ اجْلِسْ . ثُمّ عَادَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ قَيْسٍ . قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اجْلِسْ . ثُمّ مَكَثَ سَاعَةً ثُمّ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ . فَقَالَ أَبُو سَبُعٍ . ثُمّ مَكَثَ سَاعَةً وَقَالَ قُومُوا ثَلَاثَتُكُمْ . فَقَامَ ذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْس ٍ وَحْدَهُ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَيْنَ صَاحِبَاك ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا الّذِي أَجَبْتُك اللّيْلَةَ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَفِظَك اللّهُ فَكَانَ يَحْرُسُ الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللّيْلَةَ حَتّى كَانَ آخِرَ اللّيْلِ فَارْتَحَلَ . قَالَ وَيُقَالُ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَصْرَ بِالْأُثَيْلِ فَلَمّا صَلّى رَكْعَةً تَبَسّمَ فَلَمّا سَلّمَ سُئِلَ عَنْ تَبَسّمِهِ فَقَالَ مَرّ بِي مِيكَائِيلُ وَعَلَى جَنَاحِهِ النّقْعُ فَتَبَسّمَ إلَيّ وَقَالَ « إنّي كُنْت فِي طَلَبِ الْقَوْمِ » . وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ قِتَالِ أَهْلِ بَدْرٍ ، عَلَى فَرَسٍ أُنْثَى مَعْقُودِ النّاصِيَةِ قَدْ عَصَمَ ثَنِيّتَهُ الْغُبَارُ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنّ رَبّي بَعَثَنِي إلَيْك وَأَمَرَنِي أَلّا أُفَارِقَك حَتّى تَرْضَى ; هَلْ رَضِيت ؟ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ .وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَسْرَى ، حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ [ ص 114 ] أَمَرَ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَكَانَ أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ ، فَجَعَلَ عُقْبَةُ يَقُولُ يَا وَيْلِي ، عَلَامَ أُقْتَلُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مِنْ بَيْنِ مَنْ هَاهُنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَدَاوَتِك لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ . قَالَ يَا مُحَمّدُ ، مَنّك أَفْضَلُ فَاجْعَلْنِي كَرَجُلٍ مِنْ قَوْمِي . إنْ قَتَلْتهمْ قَتَلْتنِي وَإِنْ مَنَنْت عَلَيْهِمْ مَنَنْت عَلَيّ وَإِنْ أَخَذْت مِنْهُمْ الْفِدَاءَ كُنْت كَأَحَدِهِمْ يَا مُحَمّدُ ، مَنْ لِلصّبْيَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّارُ قَدّمْهُ يَا عَاصِمُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَدّمَهُ عَاصِمٌ فَضَرَبَ عُنُقَهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِئْسَ الرّجُلُ كُنْت وَاَللّهِ مَا عَلِمْت ، كَافِرًا بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَبِكِتَابِهِ مُؤْذِيًا لِنَبِيّهِ فَأَحْمَدُ اللّهَ الّذِي هُوَ قَتَلَك وَأَقَرّ عَيْنِي مِنْك وَلَمّا نَزَلُوا سَيّرَ - شِعْبٌ بِالصّفْرَاءِ - قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغَنَائِمَ بِهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ . حَدّثَنِي بِذَلِكَ مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ .وَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ مِنْ الْأُثَيْلِ . فَجَاءُوا يَوْمَ الْأَحَدِ شَدّ الضّحَى ، وَفَارَقَ عَبْدُ اللّهِ زَيْدًا بِالْعَقِيقِ فَجَعَلَ عَبْدُ اللّهِ يُنَادِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أَبْشِرُوا بِسَلَامَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْرِهِمْ قُتِلَ ابْنَا رَبِيعَةَ ، وَابْنَا الْحَجّاجِ وَأَبُو جَهْلٍ وَقُتِلَ زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ذُو الْأَنْيَابِ فِي أَسْرَى كَثِيرَةٍ . قَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ : فَقُمْت إلَيْهِ فَنَحَوْته فَقُلْت : أَحَقّا مَا تَقُولُ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ ؟ قَالَ إي وَاَللّهِ وَغَدًا يَقْدَمُ رَسُولُ اللّهِ إنْ شَاءَ اللّهُ وَمَعَهُ الْأَسْرَى مُقَرّنِينَ . ثُمّ اتّبَعَ دُورَ الْأَنْصَارِ [ ص 115 ] بِالْعَالِيَةِ - الْعَالِيَةُ بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَخَطْمَةَ وَوَائِلٍ مَنَازِلُهُمْ بِهَا - فَبَشّرَهُمْ دَارًا دَارًا ، وَالصّبْيَانُ يَشْتَدّونَ مَعَهُ وَيَقُولُونَ قُتِلَ أَبُو جَهْلٍ الْفَاسِقُ حَتّى انْتَهَوْا إلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ . وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَصْوَاءِ يُبَشّرُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ، فَلَمّا جَاءَ الْمُصَلّى صَاحَ عَلَى رَاحِلَتِهِ قُتِلَ عُتْبَةُ وَشَيْبَةُ ابْنَا رَبِيعَةَ . وَابْنَا الْحَجّاجِ وَأَبُو جَهْلٍ وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ . وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ . وَأُسِرَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ذُو الْأَنْيَابِ فِي أَسْرَى كَثِيرَةٍ . فَجَعَلَ النّاسُ لَا يُصَدّقُونَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، وَيَقُولُونَ مَا جَاءَ زَيْدٌ إلّا فَلّا حَتّى غَاظَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ وَخَافُوا . وَقَدِمَ زَيْدٌ حِينَ سَوّوْا عَلَى رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ التّرَابَ بِالْبَقِيعِ .فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قُتِلَ صَاحِبُكُمْ وَمَنْ مَعَهُ . وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ لِأَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ قَدْ تَفَرّقَ أَصْحَابُكُمْ تَفَرّقًا لَا يَجْتَمِعُونَ مِنْهُ أَبَدًا ، وَقَدْ قُتِلَ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ وَقُتِلَ مُحَمّدٌ ; هَذِهِ نَاقَتُهُ نَعْرِفُهَا ، وَهَذَا زَيْدٌ لَا يَدْرِي مَا يَقُولُ مِنْ الرّعْبِ وَجَاءَ فَلّا . قَالَ أَبُو لُبَابَةَ يُكَذّبُ اللّهُ قَوْلَك وَقَالَتْ يَهُودُ مَا جَاءَ زَيْدٌ إلّا فَلّا قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ فَجِئْت حَتّى خَلَوْت بِأَبِي . فَقُلْت : يَا أَبَهْ . أَحَقّ مَا تَقُولُ ؟ قَالَ إي وَاَللّهِ حَقّا يَا بُنَيّ فَقَوِيَتْ فِي نَفْسِي ، فَرَجَعْت إلَى ذَلِكَ الْمُنَافِقِ فَقُلْت : أَنْتَ الْمُرْجِفُ بِرَسُولِ اللّهِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لَيُقَدّمَنّكَ رَسُولُ اللّهِ إذَا قَدِمَ فَلَيَضْرِبَنّ عُنُقَك فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمّدٍ إنّمَا هُوَ شَيْءٌ سَمِعْت النّاسَ يَقُولُونَهُ . فَقَدِمَ بِالْأَسْرَى وَعَلَيْهِمْ شُقْرَانُ وَهُمْ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا الّذِينَ أُحْصُوا [ ص 116 ] وَهُمْ سَبْعُونَ فِي الْأَصْلِ مُجْتَمَعٌ عَلَيْهِ لَا شَكّ فِيهِ .وَاسْتُعْمِلَ عَلَيْهِمْ شُقْرَانُ غُلَامُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَلَمْ يُعْتِقْهُ يَوْمَئِذٍ وَلَقِيَهُ النّاسُ يُهَنّئُونَهُ بِالرّوْحَاءِ بِفَتْحِ اللّهِ . فَلَقِيَهُ وُجُوهُ الْخَزْرَجِ ، فَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ مَا الّذِي تُهَنّئُونَنَا بِهِ ؟ فَوَاَللّهِ مَا قَتَلْنَا إلّا عَجَائِزَ صُلْعًا . فَتَبَسّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي ، أُولَئِكَ الْمَلَأُ لَوْ رَأَيْتهمْ لَهِبْتهمْ وَلَوْ أَمَرُوك لَأَطَعْتهمْ وَلَوْ رَأَيْت فِعَالَك مَعَ فِعَالِهِمْ لَاحْتَقَرْته ; وَبِئْسَ الْقَوْمُ كَانُوا عَلَى ذَلِكَ لِنَبِيّهِمْ فَقَالَ سَلَمَةُ أَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ غَضَبِهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ إنّك يَا رَسُولَ اللّهِ لَمْ تَزَلْ عَنّي مُعْرِضًا مُنْذُ كُنّا بِالرّوْحَاءِ فِي بَدْأَتِنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا مَا قُلْت لِلْأَعْرَابِيّ « وَقَعْت عَلَى نَاقَتِك فَهِيَ حُبْلَى مِنْك » ، فَفَحّشْت وَقُلْت مَا لَا عِلْمَ لَك بِهِ وَأَمّا مَا قُلْت فِي الْقَوْمِ فَإِنّك عَمَدْت إلَى نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللّهِ تُزَهّدُهَا . فَاعْتَذَرَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَبِلَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعْذِرَتَهُ فَكَانَ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ وَلَقِيَهُ أَبُو هِنْدٍ الْبَيَاضِيّ مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو ، وَمَعَهُ حَمِيتٌ مَمْلُوءٌ حَيْسًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا أَبُو هِنْدٍ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَنْكِحُوهُ وَأَنْكِحُوا إلَيْه وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ [ ص 117 ] وَلَقِيَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي ظَفّرَك وَأَقَرّ عَيْنَك وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كَانَ تَخَلّفِي عَنْ بَدْرٍ وَأَنَا أَظُنّ أَنّك تَلْقَى عَدُوّا ، وَلَكِنّي ظَنَنْت أَنّهَا الْعِيرُ وَلَوْ ظَنَنْت أَنّهُ عَدُوّ مَا تَخَلّفْت . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقْت وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ نُوحٍ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ لَقِيَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِتُرْبَانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى سَلَامَتِك وَمَا ظَفّرَك كُنْت يَا رَسُولَ اللّهِ لَيَالِيَ خَرَجْت مَوْرُودًا ، فَلَمْ يُفَارِقْنِي حَتّى كَانَ بِالْأَمْسِ فَأَقْبَلْت إلَيْك . فَقَالَ آجَرَك اللّه وَكَانَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو لَمّا كَانَ بِشَنُوكَةَ [ - شَنُوكَةُ فِيمَا بَيْنَ السّقْيَا وَمَلَل - ] كَانَ مَعَ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ [ الّذِي أَسَرَهُ ] فَقَالَ خَلّ سَبِيلِي لِلْغَائِطِ . فَقَامَ بِهِ فَقَالَ سُهَيْلٌ : إنّي أَحْتَشِمُ فَاسْتَأْخِرْ عَنّي فَاسْتَأْخَرَ عَنْهُ وَمَضَى سُهَيْلٌ عَلَى وَجْهِهِ انْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ الْقِرَانِ وَمَضَى ، فَلَمّا أَبْطَأَ سُهَيْلٌ عَلَى مَالِكٍ أَقْبَلَ فَصَاحَ فِي النّاسِ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ . وَخَرَجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِ فَقَالَ مَنْ وَجَدَهُ فَلْيَقْتُلْهُ فَوَجَدَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ دَفَنَ نَفْسَهُ بَيْن سَمُرَاتٍ فَأَمَرَ بِهِ فَرُبِطَتْ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ ثُمّ قَرَنَهُ إلَى رَاحِلَتِهِ فَلَمْ يَرْكَبْ خُطْوَةً حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ . فَحَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ [ ص 118 ] عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ لَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَسُولُ اللّهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُهَيْلٌ مَجْنُوبٌ وَيَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فَلَمّا نَظَرَ أُسَامَةُ إلَى سُهَيْلٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَبُو يَزِيدَ قَالَ نَعَمْ هَذَا الّذِي كَانَ يُطْعِمُ بِمَكّةَ الْخُبْزَ .وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَقَدِمَ بِالْأَسْرَى حِينَ قَدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ فِي مَنَاحِتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ . قَالَتْ سَوْدَةُ فَأَتَيْنَا فَقِيلَ لَنَا : هَؤُلَاءِ الْأَسْرَى قَدْ أُتِيَ بِهِمْ . فَخَرَجْت إلَى بَيْتِي وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ فَوَاَللّهِ إنْ مَلَكْت حِينَ رَأَيْته مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت : أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ أَلَا مُتّمْ كِرَامًا ؟ فَوَاَللّهِ مَا رَاغَنِي إلّا قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَيْتِ يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ ؟ فَقُلْت : يَا نَبِيّ اللّهِ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ نَبِيّا مَا مَلَكْت نَفْسِي حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت مَا قُلْت .فَحَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ قَالَ حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ قَالَ [ ص 119 ] دَخَلَ خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ فِي مَنْزِلِ أُمّ سَلَمَةَ ، وَأُمّ سَلَمَةَ فِي مَنَاحَةِ آلِ عَفْرَاءَ . فَقِيلَ لَهَا : أُتِيَ بِالْأَسْرَى . فَخَرَجَتْ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِمْ فَلَمْ تُكَلّمْهُمْ حَتّى رَجَعَتْ فَتَجِدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ ، فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بَنِي عَمّي طَلَبُوا أَنْ يُدْخَلَ بِهِمْ عَلَيّ فَأُضِيفَهُمْ وَأَدْهُنَ رُءُوسَهُمْ وَأَلُمّ مِنْ شَعَثِهِمْ وَلَمْ أُحِبّ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ حَتّى أَسْتَأْمِرَك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَسْت أَكْرَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْعَلِي مِنْ ذَلِكَ مَا بَدَا لَكِ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اسْتَوْصُوا بِالْأَسْرَى خَيْرًا فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ : كُنْت مَعَ رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ جَزَاهُمْ اللّهُ خَيْرًا ، كُنّا إذَا تَعَشّيْنَا أَوْ تَغَدّيْنَا آثَرُونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ وَالْخُبْزُ مَعَهُمْ قَلِيلٌ وَالتّمْرُ زَادُهُمْ حَتّى إنّ الرّجُلَ لَتَقَعُ فِي يَدِهِ الْكِسْرَةُ فَيَدْفَعُهَا إلَيّ . وَكَانَ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ وَيَزِيدُ وَكَانُوا يَحْمِلُونَنَا وَيَمْشُونَ . فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ قَدِمَ بِالْأَسْرَى قَبْلَ مَقْدَمِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَوْمٍ . وَيُقَالُ قَدِمُوا فِي آخِرِ النّهَارِ مِنْ الْيَوْمِ الّذِي قَدِمَ فِيهِ . قَالُوا : وَلَمّا تَوَجّهَ الْمُشْرِكُونَ إلَى بَدْرٍ كَانَ فِتْيَانٌ مِمّنْ تَخَلّفَ عَنْهُمْ سُمّارًا ، يَسْمُرُونَ بِذِي طُوًى فِي الْقَمَرِ حَتّى يَذْهَبَ اللّيْلُ يَتَنَاشَدُونَ الْأَشْعَارَ وَيَتَحَدّثُونَ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ لَيْلَةً إلَى أَنْ سَمِعُوا صَوْتًا قَرِيبًا مِنْهُمْ وَلَا يَرَوْنَ الْقَائِلَ رَافِعًا صَوْتَهُ يَتَغَنّى [ ص 120 ] أَزَارَ الْحَنِيفِيّونَ بَدْرًا مُصِيبَةً سَيَنْقَضّ مِنْهَا رُكْنُ كِسْرَى وَقَيْصَرَا أَرَنّتْ لَهَا صُمّ الْجِبَالِ وَأَفْزَعَتْ قَبَائِلَ مَا بَيْنَ الْوَتِيرِ وَخَيْبَرَا أَجَازَتْ جِبَالَ الْأَخْشَبَيْنِ وَجُرّدَتْ حَرَائِرُ يَضْرِبْنَ التّرَائِبَ حُسّرَا أ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ . فَاسْتَمَعُوا لِلصّوْتِ فَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ فَلَا يَرَوْنَ أَحَدًا ، فَخَرَجُوا فَزِعِينَ حَتّى جَازُوا الْحِجْرَ فَوَجَدُوا مَشْيَخَةً مِنْهُمْ جِلّةً سُمّارًا ، فَأَخْبَرُوهُمْ الْخَبَرَ فَقَالُوا لَهُمْ إنْ كَانَ مَا تَقُولُونَ حَقّا ، إنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ يُسَمّوْنَ الْحَنِيفِيّةَ - وَمَا يَعْرِفُونَ اسْمَ الْحَنِيفِيّةِ يَوْمَئِذٍ . فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْفِتْيَانِ الّذِينَ كَانُوا بِذِي طُوًى إلّا وُعِكَ فَمَا مَكَثُوا إلّا لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا حَتّى قَدِمَ الْحَيْسُمَانُ بْنُ حَابِسٍ الْخُزَاعِيّ بِخَبَرِ ٍ أَهْلِ بَدْر وَمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ فَهُوَ يُخْبِرُهُمْ قَتْلَ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ ، وَابْنَيْ الْحَجّاجِ وَأَبِي الْبَخْتَرِيّ وَزَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ . قَالَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ جَالِسٌ يَقُول : لَا يَعْقِلُ هَذَا شَيْئًا مِمّا يَتَكَلّمُ بِهِ سَلُوهُ عَنّي فَقَالُوا : صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، لَك بِهِ عِلْمٌ ؟ قَالَ نَعَمْ ذَاكَ فِي الْحِجْرِ ، وَقَدْ رَأَيْت أَبَاهُ وَأَخَاهُ مَقْتُولَيْنِ . قَالَ وَرَأَيْت سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو أُسِرَ وَالنّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ . قَالُوا : وَمَا يُدْرِيك ؟ قَالَ رَأَيْتهمَا مَقْرُونَيْنِ فِي الْحِبَالِ . قَالُوا : بَلَغَ النّجَاشِيّ مَقْتَلُ قُرَيْشٍ بِمَكّةَ وَمَا ظَفّرَ اللّهُ بِهِ نَبِيّهُ فَخَرَجَ فِي ثَوْبَيْنِ أَبْيَضَيْنِ ثُمّ جَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمّ دَعَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ فَقَالَ أَيّكُمْ يَعْرِفُ بَدْرًا ؟ فَأَخْبَرُوهُ . فَقَالَ النّجَاشِيّ : أَنَا عَارِفٌ بِهَا ، قَدْ رَعَيْت الْغَنَمَ فِي جَوَانِبِهَا ، [ ص 121 ] هِيَ مِنْ السّاحِلِ عَلَى بَعْضِ نَهَارٍ وَلَكِنّي أَرَدْت أَنْ أَتَثَبّتَ مِنْكُمْ قَدْ نَصَرَ اللّهُ رَسُولَهُ بِبَدْرٍ فَأَحْمَدُ اللّهَ عَلَى ذَلِكَ . قَالَ بَطَارِقَتُهُ أَصْلَحَ اللّهُ الْمَلِكَ إنّ هَذَا لَشَيْءٌ لَمْ تَكُنْ تَصْنَعُهُ تَلْبَسُ ثَوْبَيْنِ وَتَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَقَالَ إنّي مِنْ قَوْمٍ إذَا أَحْدَثَ اللّهُ لَهُمْ نِعْمَةً ازْدَادُوا بِهَا تَوَاضُعًا . وَيُقَالُ إنّهُ قَالَ إنّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ إذَا حَدَثَتْ لَهُ نِعْمَةٌ ازْدَادَ بِهَا تَوَاضُعًا .وَلَمّا رَجَعَتْ قُرَيْشٌ إلَى مَكّةَ قَامَ فِيهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، لَا تَبْكُوا عَلَى قَتْلَاكُمْ وَلَا تَنُحْ عَلَيْهِمْ نَائِحَةٌ وَلَا يَبْكِهِمْ شَاعِرٌ وَأَظْهِرُوا الْجَلَدَ وَالْعَزَاءَ فَإِنّكُمْ إذَا نُحْتُمْ عَلَيْهِمْ وَبَكَيْتُمُوهُمْ بِالشّعْرِ أَذْهَبَ ذَلِكَ غَيْظَكُمْ فَأَكَلَكُمْ ذَلِكَ عَنْ عَدَاوَةِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ مَعَ أَنّهُ إنْ بَلَغَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ شَمِتُوا بِكُمْ فَيَكُونُ أَعْظَمُ الْمُصِيبَتَيْنِ شَمَاتَتَهُمْ وَلَعَلّكُمْ تُدْرِكُونَ ثَأْرَكُمْ وَالدّهْنُ وَالنّسَاءُ عَلَيّ حَرَامٌ حَتّى أَغْزُوَ مُحَمّدًا . فَمَكَثَتْ قُرَيْشٌ شَهْرًا لَا يَبْكِيهِمْ شَاعِرٌ وَلَا تَنُوحُ عَلَيْهِمْ نَائِحَةٌ . فَلَمّا قَدِمَ بِالْأَسْرَى أَذَلّ اللّهُ بِذَلِكَ رِقَابَ الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ ، وَلَمْ يَبْقَ بِالْمَدِينَة ِ يَهُودِيّ وَلَا مُنَافِقٌ إلّا خَضَدَ عُنُقَهُ لِوَقْعَةِ بَدْرٍ . فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَبْتَلٍ : لَيْتَ أَنّا كُنّا خَرَجْنَا مَعَهُ حَتّى نُصِيبَ مَعَهُ غَنِيمَةً وَفَرّقَ اللّهُ فِي صُبْحِهَا بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ وَقَالَتْ الْيَهُودُ فِيمَا بَيْنَهَا : هُوَ الّذِي نَجِدُهُ مَنْعُوتًا ، وَاَللّهِ لَا تُرْفَعُ لَهُ رَايَةٌ بَعْدَ الْيَوْمِ إلّا ظَهَرَتْ . وَقَالَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ بَطْنُ الْأَرْضِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا ، هَؤُلَاءِ أَشْرَافُ النّاسِ وَسَادَاتُهُمْ وَمُلُوكُ الْعَرَبِ ، وَأَهْلُ الْحَرَمِ وَالْأَمْنِ قَدْ أُصِيبُوا . فَخَرَجَ إلَى مَكّةَ فَنَزَلَ عَلَى أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ فَجَعَلَ [ ص 122 ] يُرْسِلُ هِجَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَرِثَاءَ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَرْسَلَ أَبْيَاتَهُ هَذِهِ يَقُولُ طَحَنَتْ رَحَى بَدْرٍ لِمَهْلِك أَهْلِهِ وَلِمِثْلِ بَدْرٍ تَسْتَهِلّ وَتَدْمَعُ قُتِلَتْ سَرَاةُ النّاسِ حَوْلَ حِيَاضِهِ لَا تَبْعَدُوا إنّ الْمُلُوكَ تُصَرّعُ وَيَقُولُ أَقْوَامٌ أَذَلّ بِسُخْطِهِمْ إنّ ابْنَ أَشْرَفَ ظَلّ كَعْبًا يَجْزَعُ صَدَقُوا فَلَيْتَ الْأَرْضَ سَاعَةَ قُتّلُوا ظَلّتْ تَسِيخُ بِأَهْلِهَا وَتُصَدّعُ نُبّئْت أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامِهِمْ فِي النّاسِ يَبْنِي الصّالِحَاتِ وَيَجْمَعُ لِيَزُورَ يَثْرِبَ بِالْجُمُوعِ وَإِنّمَا يَسْعَى عَلَى الْحَسَبِ الْقَدِيمُ الْأَرْوَعُ قَالَ الْوَاقِدِيّ : أَمْلَاهَا عَلَيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي الزّنَادِ قَالُوا : فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَسّانَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ فَأَخْبَرَهُ بِمَنْزِلِهِ عِنْدَ أَبِي وَدَاعَةَ فَجَعَلَ يَهْجُو مَنْ نَزَلَ عِنْدَهُ حَتّى رَجَعَ كَعْبٌ إلَى الْمَدِينَةِ . فَلَمّا أَرْسَلَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ أَخَذَهَا النّاسُ مِنْهُ وَأَظْهَرُوا الْمَرَاثِيَ وَجَعَلَ مَنْ لَقِيَ مِنْ الصّبْيَانِ وَالْجَوَارِي يُنْشِدُونَ هَذِهِ الْأَبْيَاتَ بِمَكّةَ ثُمّ إنّهُمْ رَثَوْا بِهَا ، فَنَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا شَهْرًا ، وَلَمْ تَبْقَ دَارٌ بِمَكّةَ إلّا فِيهَا نَوْحٌ وَجَزّ النّسَاءُ شَعْرَ الرّءُوسِ وَكَانَ يُؤْتَى بِرَاحِلَةِ الرّجُلِ مِنْهُمْ أَوْ بِفَرَسِهِ فَتُوقَفُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَيَنُوحُونَ حَوْلَهَا ، وَخَرَجْنَ إلَى السّكَكِ فَسَتَرْنَ السّتُورَ فِي الْأَزِقّةِ وَقَطَعْنَ الطّرُقَ فَخَرَجْنَ يَنُحْنَ وَصَدّقُوا رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَجُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ . (1/122) الصفحة السابقة // الصفحة التالية -- |
1.سورة الاخلاص
110. ب مم.
· تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث❷ /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/❷عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث
Translate ***
15.موقع جادو
باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج طبيعة 1. / /طلبعة 3.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق