الصحيح في اسم كتاب ابن الصلاح
الدكتور ماهر الفحل
قد بات شيئاً مهمّاً في قواعد علم تحقيق المخطوطات ونشرها ، أن يثبت المحقق الاسم الصحيح للكتاب الذي أسماه به مؤلفه ، إذ قد تتقاذف الكتاب أيادي الدهر وتتقادم عليه الأيام والسنون ، فيبلى بمرورها اسمه ويندثر رسمه ، ومن تلك المصنفات التي جرت عليها هذه الجواري كتاب " معرفة أنواع علم الحديث "لابن الصلاح ، فقد اشتهر بين الناس أن اسمه " مقدمة ابن الصلاح " أو " علوم الحديث " ، والحق أن واحداً من هذين الاسمين لَمْ يسمه به مؤلفه ، وقد حقق هذا تحقيقاً علمياً الدكتور موفق بن
عبد الله بن عبد القادر في فصل نفيس ضمَّنه كتابه القيم " توثيق النصوص وضبطها عن المحدِّثين " ([1]) ، رأيت أن أنقله بنصّه إذ لا مزيد عَلَى ما أتى به فقال – أيده الله – :
(( ومثاله أيضاً كتاب " معرفة أنواع علوم الحديث " للإمام الحافظ أبي عمرو عثمان ابن عبد الرحمان الشهرزوري المتوفَّى سنة (643 ه) . فإن هذا الكتاب عُرِف واشتُهِر بين طلاَّب العلم باسم "مقدِّمة ابن الصلاح" فَمِنْ أينَ جاءته هذه التسمية ؟
1. إن المصنِّف – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – لَمْ يسمِّ كتابه بـ " المقدمة " كما أن أحداً من أهل العلم ممَّن جاء بعد الصلاح لَمْ يسمِّ كتاب [ ابن ] ([2]) الصلاح بـ " المقدِّمة " .
2. إن ابن الصلاح قد سمَّى كتابه ونص عَلَى هذه التسمية في فاتحة كتابه فقال : (( … فحين كاد الباحث عن مشكلة لا يلقى له كاشفاً ، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفاً ، مَنَّ الله الكريم – تبارك وتعالى – ، وله الحمد أجمع بكتاب : " معرفة أنواع علم الحديث " ، هذا الذي باح بأسراره الخفية … )) ([3]).
3. إن نسخة إستانبول المحفوظة في المكتبة السليمانية برقم ( 351 ) ، والتي كان الفراغ من قراءتها عَلَى المصنِّف سنة (641 ه) أي: قبل وفاة ابن الصلاح بعام واحد ونيِّف ، والتي أثبت ابن الصلاح – رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى – خطّه عليها في عدّة مواضع جاء في صورة السماع : (( سَمِعَ جميع هذا الكتاب وهو كتاب " معرفة أنواع علم الحديث " على مصنِّفه … )) . وكتب ابن الصلاح – رَحِمَهُ اللهُ – في آخر طبق السماع :
(( صحَّ ذَلِكَ نفعه الله وبلَّغه … )) .
4. وجاء اسم الكتاب في سماع النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم : (155) مصطلح الحديث ، وهي نسخة قيمة وموثقة : (( سمعت جميع هذا الكتاب المترجم بكتاب " معرفة أنواع علم الحديث " … )) .
5. أطلق كثير من العلماء عَلَى الكتاب اسم " علوم الحديث " عَلَى اعتبار مضمونه ومادته العلمية .
6. ومن هؤلاء الإمام محيي الدين يحيى بن زكريا النووي المتوفَّى سنة (667 ه) في كتابه " التقريب " ([4]) ، وفي " إرشاد طلاب الحقائق " سمّاه "معرفة علوم الْحَدِيْث " ([5]) .
7. وقال تلميذ ابن الصلاح شمس الدين أحمد بن مُحَمَّد بن خلكان المتوفَّى سنة (681ه) في ترجمة ابن الصلاح : (( وصنّف في علوم الحديث كتاباً نافعاً … )) ([6]) .
8. واختصره الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر الدمشقي المعروف بـ: ابن كَثِيْر المتوفَّى سنة ( 774 ه) وسمّى هذا المختصر "اختصار علوم الحديث".
9. وكذا سمّاه " علوم الحديث " الإمام الحافظ أحمد بن محمد بن عثمان الذهبي المتوفَّى سنة ( 748 ه) في كتابه " سير أعلام النبلاء " ([7]) .
10. وكذا قال قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن مُحَمَّد بن إبراهيم بن جماعة المتوفَّى سنة (767ه) فألَّف كتاب "الجواهر الصحاح في شرح علوم الحديث لابن الصلاح" ، وله نسخة خطية في دار الكُتُب المصرية تحت رقم ( 873 ه) مصطلح الحديث .
11. وكذا سمَّاه الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفَّى سنة (806 ه) في كتابه " التقييد والإيضاح لما أُطلِق وأُغلِقَ من كتاب ابن الصلاح" ([8]) .
12. وكذا سمَّاه " علوم الحديث " مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الشهير بالملاَّ كاتب الجلبي والمعروف بحاجي خليفة المتوفَّى سنة ( 1067 ه) في كتابه : " كشف الظنون عن أسامي الكُتُب والفنون " ([9]) .
13. وكذا سمّاه " علوم الحديث " مُحَمَّد بن سليمان الروداني في " صلة الخلف بموصول السلف " ([10]) .
14. وكذا سمّاه "علوم الحديث"السيد مُحَمَّد بن جعفر الكتَّاني في كتابه " الرسالة المستطرفة " ([11]) .
15. وكذا عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني المتوفَّى سنة ( 1382 ه) في كتابه " فهرس الفهارس والأثبات " ([12]) .
16. وجاء اسم الكتاب على لوحة العنوان في النسخة الموصلية المحفوظة بخزانة دار الكتب المصرية تحت رقم (1) مصطلح الحديث " علوم الحديث " .
وجاءت في اللوحة الأخيرة : (( تمت أنواع علوم الحديث بمشيئة الله تعالى عَلَى يدي عليِّ بن يوسف الموصليِّ – عفا الله عنه – في مستهل جُمادَى الآخرة سنة إحدى وستين وست مئة … )) ، وهي نسخة قديمة وقَيِّمة ومنقولة من أصل عليه سماعات ((وعرضاً في مجالس آخرها يوم الأحد التاسع من جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وست مئة )) . وفي آخرها توقيع ابن الصلاح بخطه وجاء فيه : (( هذا صحيح نفعه الله وبلّغه وإياي ، وكتب مؤلفه – عفا الله عنه وعنهم – )) .
17. إن " المقدمة " في " علوم الحديث " هو اسم لـ" المقدمة " التي كتبها الإمام الحافظ مجد الدين أبو السعادات المبارك بن مُحَمَّد المعروف بـ: ابن الأثير الجزري المتوفَّى سنة ( 606 ه) في " مقدمة " كتابه الجليل " جامع الأصول في أحاديث الرسول " 1/35–178 .
فإنه قال في فاتحة كتابه " جامع الأصول " الباب الأول: في الباعث عَلَى عمل الكتاب، وفيه مقدمة ([13]) وأربعة فصول " المقدمة " ([14]) .
وقال في آخر " المقدمة " وهي مقَدمة في " علوم الحديث " : (( هذا آخر القول في الباب الثالث من هذه المقدمة ))
18. لذا لا يمكن التسليم من الناحية العلمية أن كتاب " معرفة أنواع علم الحديث " للإمام الحافظ ابن الصلاح أنّه (( شهير ، أو معروف بالمقدمة )) .
19. ويبقى السؤال قائماً : مَن الذي سمّى كتاب ابن الصلاح "معرفة أنواع علم الحديث" بـ " المقدمة " ؟
والجواب عَلَى ذَلِكَ :
أ. إنّ أول من طبع الكتاب عَلَى الحجر هم الهنود سنة (1304ه) بعناية الشَّيْخ عبد الحي اللكنوي باسم " مقدمة ابن الصلاح " .
ب. ثُمَّ طبع للمرة الثانية في مطبعة السعادة بالقاهرة سنة (1326ه) بتصحيح الشَّيْخ محمود السكري الحلبي ، بعنوان : " كتاب علوم الحديث المعروف بمقدمة ابن الصلاح" كما كتب اسم الكتاب بأعلى كل صفحة منها "مقدمة ابن الصلاح" .
ج. ثُمَّ نشر الكتاب في المطبعة العلمية بحلب سنة ( 1350 ه) بعناية السيد مُحَمَّد راغب الطباخ ومذيلاً بذيلين أحدهما كتاب " التقييد والإيضاح لما أُطلِق وأُغلِق من كتاب ابن الصلاح " للحافظ العراقي ، والثاني " المصباح عَلَى مقدمة ابن الصلاح " للشيخ مُحَمَّد راغب الطبَّاخ ، غير أن الشيخ مُحَمَّد راغب الطبَّاخ سمَّى كتاب " التقييد " بـ: " التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصَّلاَح " ، وأطلق عَلَى كتاب " مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث" لابن الصَّلاَح اسم " المقدمة " ([15]).
د. ثُمَّ جاءت المحقِّقة الفاضلة الدكتورة عائشة عبد الرحمان ( بنت الشاطئ ) فطبعت كتاب ابن الصلاح مذيلاً بكتاب " محاسن الاصطلاح " للحافظ سراج الدين البلقيني سنة (1393 ه- 1974 م) تحت عنوان " مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح " في حين أن اسم الكتاب عَلَى لوحة المخطوط هو " محاسن الاصطلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح " .
وهكذا اشتُهِر الكتاب باسم "المقدمة" تبعاً لطبعتي الهند (1304،1357ه) ، وطبعة القاهرة (1326 ه)، والطبعة الحلبية الأولى (1350 ه)، والحلبية الثانية (1386 ه).
ه. أمَّا ما جاء عن أرجوزة قاضي القضاة شهاب الدين أبي عبد الله مُحَمَّد بن أحمد بن أحمد بن خليل الخويِّي المتوفَّى سنة (693ه) ، والمسمَّاة بـ" أقصى الأمل والسول في أحاديث الرَّسُوْل " ، والموجود منها نسخة في دار الكُتُب المصرية تحت رقم (256) مصطلح حديث من القول : (( هي أرجوزة نظم فيها مقدمة ابن الصلاح )) ([16])، فهذا القول قاله مؤلفو كتاب " فهرست المخطوطات " لدار الكُتُب المصرية .
و. وكذا ما جاء في تسمية كتاب قاضي القضاة مُحَمَّد بن إبراهيم ابن جماعة المتوفَّى سنة (733ه) "مختصر تلخيص مقدمة ابن الصلاح في معرفة أنواع علوم الحديث" الموجودة في دار الكتب المصرية تحت رقم ( 352 ) مصطلح حديث فإن هذه التسمية هي تسمية النسَّاخ وصانعو فهرست دار الكتب المصرية ([17]). وأن اسم الكتاب هو "المنهل الروي في الحديث النبوي" كما جاء في النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ( 217 طلعت ) ([18]) وتحت هذا الاسم نشر الكتاب .
لذا فإن الصواب في اسم كتاب ابن الصلاح هو " معرفة أنواع علم الحديث " وأن تسميته بـ: " المقدمة " هُوَ اجتهاد من ناشري الكِتَاب في الطبعة الهندية الأولى
والثانية ، وكذا الطبعة المصرية … ثُمَّ سار الناس عَلَى هذه التسمية ، وهي تسمية حديثة لَمْ يقلها أحد من أهل العلم )) ([19]) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق