حدث في السنة الثالثة من الهجرة (3)
10- وفي اليوم التالي لغزوة أُحُد: خرج المسلمون لغزوة حمراء الأسد. الشرح: بعد عودة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة أراد أن يطارد المشركين حتى لا يفكروا في العودة ومداهمة المدينة، فأرسل مناديًا ينادي في الناس بطلب العدو وأن لا يخرجن أحدٌ إلا أَحَد حضر أُحُد، وكان ذلك في اليوم التالي لغزوة أُحُد فخرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - كل من شهد أحدًا، سوى جابر بن عبدالله خرج وهو لم يشهد أُحدًا، حيث تخلف عن أحُد لأن أباه خلفه على أخواته. فسار جيش المسلمين حتى بلغ حمراء الأسد وهي على بعد حوالي عشرين كيلو جنوب المدينة المنورة، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم، فلم يلق أحدًا من المشركين، ووجدهم قد رجعوا إلى مكة، فأقام بها الاثنين، والثلاثاء والأربعاء ثم رجع إلى المدينة[1]. عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قالت: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 172] قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ أَبَوَاكَ مِنْهُمْ الزُّبَيْرُ، وَأبو بَكْرٍ لَمَّا أَصَابَ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ عَنْهُ الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا قَالَ: "مَنْ يَذْهَبُ فِي إِثْرِهِمْ؟" فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا، قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أبو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ[2]. 11- وفي هذه السنة: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بزينب بنت جحش - رضى الله عنها - بأمر الله تبارك وتعالى. الشرح: هي زينب بنت جحش بن رئاب بن يَعْمَر بن صبرة بن مُرَّة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة، الأسدية، أم المؤمنين. وهي بنت أميمة بنت عبد المطلب، عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[3]. وكانت عند زيد بن حارثة - رضي الله تعالى - قبل أن يتزوجها النبي - صلى الله عليه وسلم -. وزيد بن حارثة بن شراحيل - رضي الله تعالى - كان مولى للنبي - صلى الله عليه وسلم - أهدته إليه خديجة بنت خويلد أم المؤمنين - رضى الله عنها -. وكان يدعى زَيْدَ بن مُحَمَّدٍ، حيث كان قد تبناه النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان ينسب إليه، حَتَّى نَزَلَت: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 5][4]. فبنزول هذه الآية تم تحريم التبني، وأصبح كلٌ يُنسبُ إلى أبيه الذي هو من صلبه، فأصبح يقال زيد بن حارثة. ولكن قاعدة التبني كانت متأصلة في نفوس العرب، ليس من السهل محوها، فكأن الله - عز وجل - أراد حدوث شيء عملي يمحو هذا تمامًا من نفوسهم، فكان تزويج النبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش التي كانت زوجة لرعيِّه زيد بن حارثة - رضي الله تعالى -. وقد ذكر الله - عز وجل - ذلك في كتابه العزيز فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا ﴾ [الأحزاب: 37] يقول الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ﴾ وهو زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإسلام، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنعم النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه بالعتق من الرق. ﴿ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ ﴾ زينب - رضى الله عنها -، حيث جَاءَ زَيْدُ بن حَارِثَةَ يَشْكُو للنَّبِيِ - صلى الله عليه وسلم - زينب - رضى الله عنها -، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "اتَّقِ الله وَأَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ"[5]. وكان الله - عز وجل - قد أعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنها ستكون زوجته، ولذلك قال الله تعالى له: ﴿ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ ﴾ [الأحزاب: 37] أي: لا تخفي ما أطلعك الله عليه من أنها ستكون زوجتك، من أن يقولوا: طلق محمد زوجة ابنه ليتزوجها، ﴿ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ﴾ [الأحزاب: 37]. ثم يقول الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا ﴾ الوطر: الحاجة، أي: فلما فرغ زيدٌ منها وفارقها ﴿ زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ فكان زواجها - رضى الله عنها - من النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر من الله - عز وجل -، ولذلك كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى زوجات النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - وتَقُولُ لهن: زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ وَزَوَّجَنِي الله تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ[6]. عَنِ أَنَس بن مالك - رضي الله تعالى - قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لِزَيْدٍ: "اذْهَبْ فَاذْكُرْهَا عَلَيَّ"، قَالَ: فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَاهَا قَالَ وَهِيَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قال: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا؛ أَنَّ رَسُولَ الله ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي، وَنكَصْتُ عَلَى عَقِبَيَّ فَقُلْتُ: يَا زَيْنَبُ أَرْسَلَنِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَذْكُرُكِ، قَالَتْ: مَا أَنَا بِصَانِعَةٍ شَيْئًا حَتَّى أُؤَامِرَ رَبِّي، فَقَامَتْ إِلَى مَسْجِدِهَا، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ وَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إِذْنٍ[7]. وليمة عُرس زينب - رضى الله عنها -: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أَوْلَمَ عَلَى امرأة - أو على شَيْءٍ مِنْ نِسَائِهِ - مَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ فإنه ذبح شَاةً[8]. وفي لفظ لمسلم: مَا أَوْلَمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهِ أكثر أو أفضل ممَا أَوْلَمَ عَلَى زَيْنَبَ، أطعمهم خبزًا ولحمًا حتى تركوه. وعَنْ أَنَسِ أيضًا قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَدَخَلَ بِأَهْلِهِ - زينب - رضى الله عنها - قَالَ: فَصَنَعَتْ أُمِّي أُمُّ سُلَيْمٍ حَيْسًا[9]، فَجَعَلَتْهُ فِي تَوْرٍ[10] فَقَالَتْ: يَاأَنَسُ اذْهَبْ بِهَذَا إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فَقُلْ بَعَثَتْ بِهَذَا إِلَيْكَ أُمِّي، وَهِيَ تُقْرِئُكَ السَّلَامَ، وَتَقُولُ: إِنَّ هَذَا لَكَ مِنَّا قَلِيلٌ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: "ضَعْهُ"، ثُمَّ قَالَ: "اذْهَبْ فَادْعُ لِي فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا وَمَنْ لَقِيتَ" وَسَمَّى رِجَالًا، قَالَ: فَدَعَوْتُ مَنْ سَمَّى وَمَنْ لَقِيتُ. وقيل لِأَنَسٍ: عَدَدَكَمْ كَانُوا؟ قَالَ: زُهَاءَ ثَلَاثِمِائَةٍ. وَقَالَ لِي رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "يَا أَنَسُ هَاتِ التَّوْرَ"، قَالَ: فَدَخَلُوا حَتَّى امْتَلَأَتْ الصُّفَّةُ وَالْحُجْرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لِيَتَحَلَّقْ عَشَرَةٌ عَشَرَةٌ وَلْيَأْكُلْ كُلُّ إِنْسَانٍ مِمَّا يَلِيهِ"، قَالَ: فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، قَالَ: فَخَرَجَتْ طَائِفَةٌ وَدَخَلَتْ طَائِفَةٌ، حَتَّى أَكَلُوا كُلُّهُمْ، فَقَالَ لِي: "يَا أَنَسُ ارْفَعْ"، قَالَ: فَرَفَعْتُ فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ[11]. واختلف أهل التاريخ والسير في تاريخ زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب - رضى الله عنها - وقد رجح فضيلة الشيخ وحيد بن بالي - حفظه الله - زواجه منها في العام الثالث من الهجرة، حيث قال: وهو قول خليفة بن خياط، وأبي عبيدة معمر بن المثنى، وابن منده، وهو أقوى من قول من قال بأنه في العام الخامس من الهجرة[12]. 12- وفي صبيحة عُرْس زينب - رضى الله عنها - نزلت آية الحجاب. الشرح: قَالَ أنس - رضي الله تعالى -: فَرَفَعْتُ - أي: الطعام- فَمَا أَدْرِي حِينَ وَضَعْتُ كَانَ أَكْثَرَ أَمْ حِينَ رَفَعْتُ، قَالَ: وَجَلَسَ طَوَائِفُ مِنْهُمْ يَتَحَدَّثُونَ فِي بَيْتِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَرَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - جَالِسٌ وَزَوْجَتُهُ مُوَلِّيَةٌ وَجْهَهَا إِلَى الْحَائِطِ فَثَقُلُوا عَلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فَسَلَّمَ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ رَجَعَ فَلَمَّا رَأَوْا رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَدْ رَجَعَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ ثَقُلُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَابْتَدَرُوا الْبَابَ فَخَرَجُوا كُلُّهُمْ، وَجَاءَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَتَّى أَرْخَى السِّتْرَ وَدَخَلَ وَأَنَا جَالِسٌ فِي الْحُجْرَةِ فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى خَرَجَ عَلَيَّ، وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾ إِلَى قَوْلِهِ ﴿ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ ﴾ [الأحزاب: 53] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ[13]. 13- وفي هذه السنة: نزل تحريم الخمر. الشرح: كان شرب الخمر عادة أساسية عند رجالات العرب في الجاهلية، وكان يصعب على الواحد منهم ترك ذلك الأمر. فلما جاء الإسلام، وجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتشريع من عند العِليم الخبير، لم يُحرم الخمر مرة واحدة بل كان ذلك تدريجيًا، تيسيرًا من الله تعالى على هؤلاء الذين تأصلت فيهم هذه العادة. فأنزل الله تعالى أولاً: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ [البقرة: 219]. فشربه بعض الناس وتركه البعض، فقال عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى -: اللهم بيِّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، فنزلت: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ﴾ [النساء: 43] فكان المنادي إذا أقام الصلاة قال: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى، فقَالَ عُمَرُ: اللهمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانًا شَافِيًا فَنَزَلَتْ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [المائدة: 90] إلى قوله: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91] فقَالَ عُمَرُ - رضي الله تعالى -: انْتَهَيْنَا، انْتَهَيْنَا[14]. وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى - قَالَ: أَتَيْتُ عَلَى نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ، فَقَالُوا: تَعَالَ نُطْعِمْكَ وَنَسْقِكَ خَمْرًا، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُحَرَّمَ الْخَمْرُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُمْ فِي حَشٍّ - وَالْحَشُّ: الْبُسْتَانُ - فَإِذَا رَأْسُ جَزُورٍ مَشْوِيٌّ عِنْدَهُمْ، وَزِقٌّ مِنْ خَمْرٍ[15]، قَالَ: فَأَكَلْتُ وَشَرِبْتُ مَعَهُمْ، قَالَ: فَذَكَرْتُ الْأَنْصَارَ وَالْمُهَاجِرِينَ عِنْدَهُمْ، فَقُلْتُ: الْمُهَاجِرُونَ خَيْرٌ مِنْ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحْيَيْ الرَّأْسِ[16] فَضَرَبَنِي بِهِ فَجَرَحَ بِأَنْفِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - فَأَخْبَرْتُهُ، فَأَنْزَلَ الله - عز وجل - فِيَّ شَأْنَ الْخَمْرِ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [17]. وعَنْ أَنَس بن مالك - رضي الله تعالى - قَالَ: كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ فِي مَنْزِلِ أبي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى، فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ مَا هَذَا الصَّوْتُ، قَالَ: فَخَرَجْتُ، فَقُلْتُ: هَذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ، فَقَالَ لِي: اذْهَبْ فَأَهْرِقْهَا، قَالَ: فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ، قَالَ: وَكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَوْمَئِذٍ الْفَضِيخَ[18]، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: قُتِلَ قَوْمٌ وَهْيَ فِي بُطُونِهِمْ، قَالَ: فَأَنْزَلَ الله: ﴿ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا ﴾[المائدة: 93][19]. وكان تحريم الخمر سنة ثلاث بعد وقعة أُحُد[20]. الأغصان الندية شرح الخلاصة البهية في ترتيب أحداث السيرة النبوية [1] انظر تلك الغزوة في "سيرة ابن هشام" 3/29، 30. [2] صحيح: أخرجه البخاري (4077)، كتاب: المغازي، باب: ﴿ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾. هكذا جاء في حديث عائشة أن الذين خرجوا في هذه الغزوة سبعون صحابيًا فقط، والمشهور عند أهل السير أنه خرج كل من شارك بأُحُد فالله أعلم. وقد يكون هؤلاء السبعون أول من خرجوا ثم تبعهم الباقون، كما وجه ذلك بعض العلماء والله أعلم. [3] "البداية والنهاية" 4/163. [4] متفق عليه: أخرجه البخاري (4782)، كتاب: التفسير، باب: ﴿ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ﴾، مسلم (2425)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد. [5] صحيح: أخرجه البخاري (7420)، كتاب: التوحيد، باب: ﴿ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء ﴾ [هود: 7]، ﴿ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ ﴾ [التوبة: 129]. [6] صحيح: انظر التخريج السابق. [7] صحيح: أخرجه مسلم (1428)، كتاب: النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش. [8] متفق عليه: أخرجه البخاري (5168)، كتاب: النكاح، باب: الوليمة ولو شاة، ومسلم (1428)، كتاب: النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب وإثبات وليمة العُرس. [9] الحيس: هو التمر والسمن والأقط يخلط ويُعجن، والأقط: الجبن الجاف. [10] التور: إناء من نحاس. [11] متفق عليه: أخرجه البخاري (5163)، كتاب: النكاح، باب: الهدية للعروس، ومسلم (1428)، كتاب: النكاح، باب: زواج زينب بنت جحش، ونزول الحجاب، وإثبات وليمة العُرس. [12] "الخلاصة البهية" (38) هامش. [13] متفق عليه: انظر التخريج السابق. [14] صحيح: أخرجه النسائي (5540)، كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر، وصححه الألباني. [15] الزقُّ: وعاء من جلد. [16] أي رأس الجزور الذي كانوا يأكلونه، واللَّحْىٰ: الفك. [17] صحيح: أخرجه مسلم (1748)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: في فضل سعد بن أبي وقاص - رضي الله تعالى -. [18] الفضيخ: خمر يصنع من ثمر النخل. [19] متفق عليه: أخرجه البخاري (4620)، كتاب: تفسير القرآن، باب: ﴿ ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إلى قوله والله يحب المحسنين ﴾، ومسلم (1980)، كتاب: الأشربة، باب: تحريم الخمر. [20] انظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي 6/214. ------------------- |
---
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق