الاختلاف
في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف
الاختلاف
في الأسانيد ملحظ مهم للرجل الذي يحب الكشف عن العلل الكامنة
في الأسانيد ؛ لأن الاختلافات تومئ إِلَى عدم ضبط الروايات وتخرج الْحَدِيْث
غالباً من حيّز القبول إِلَى درجات الرد. والاختلافات الَّتِي تقدح في صحة الإسناد
هِيَ الَّتِي يَكُوْن مدارها واحداً ، ومصدر خروجها واحداً، فإذا حصل الاختلاف على
من هذا شأنه فهو أمر يهتم به العلماء غاية الاهتمام ؛ إذ هو يدلل على خلل طارئ من
الأصل الذي روى الحديث أو من الرواة عنه . فإذا توبع الرواة على اختلاف رواياتهم
فالحمل إذن على من دارت عليه الأسانيد ، فهو بلا شك حدث الجميع على أوجهٍ مختلفة
متباينة فهو إذن فاقد لضبط الحديث في هذا الحديث خاصة ، وإن كان من الثقات الأثبات
ومن أنواع تلك الاختلافات الكثيرة : الاختلاف في اسم الراوي ونسبه .
ومما
اختلف الرواة فيه اختلافاً كبيراً
ما
رواه الطحاوي ([1]) من طريق عفان ومسدد ، عن حماد بن زيد ،
عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، عن أبيه ، قال : قال
رسول الله r
: (( أدوا زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، أو نصف صاع من بر – أو
قال : قمح – عن كل إنسان صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو مملوك، غني أو فقير ))
.
أقول
: هذا الحديث هو حديث شيخ الزهري ثعلبة بن أبي صعير – كما في الرواية الآنفة - ،
وقد اختلف في اسمه ونسبه اختلافاً كثيراً حتى إن بعض أهل العلم ضعّف الحديث به .
قال
ابن حزم : (( هذا الحديث راجع إلى رجل مجهول الحال ، مضطرب عنه ، مختلف في اسمه ،
مرة : عبد الله بن ثعلبة ، ومرة : ثعلبة بن عبد الله ، ولا خلاف في أن الزهري لم
يلق ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة )) ([2]) .
وَقَالَ
الزيلعي في " نصب الراية " : (( حاصل ما يعلل به هذا الحديث أمران :
أحدهما : الاختلاف في اسم أبي صُعَيْر، فقد تقدم من جهة أبي داود عن مسدد: ثعلبة
بن أبي صُعَيْر ، أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صُعَيْر ، وكذلك أيضاً عن أبي داود
في رواية بكر ابن وائل المتقدمة: ثعلبة بن عبد الله، أو قال: عبد الله بن ثعلبة
على الشك، وعنده أيضاً من رواية محمد بن يحيى، وفيه الجزم بعبد الله بن ثعلبة بن
أبي صُعَيْر، وكذلك رواية ابن جريج،وعند الدارقطني من رواية مسدد عن ابن أبي
صُعَيْر، عن أبيه لم يسمه … )) ([3]).
ولهذا
الاختلاف الشديد مال الحافظ إلى التفريق وجعلهما اثنين فقال : (( هذا يقتضي أن
يكون ثعلبة بن صُعَيْر غير ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، والله أعلم )) ([4]) .
وقد
حاولت جاهداً جمع طرق الحديث ، والتنقيب عن الاختلافات الواردة فيه ، وسأفصل ذلك ،
فأقول :
الحديث
سبق ذكره من رواية النعمان بن راشد ، وعنه حماد بن زيد وقد اختلف على هذا الطريق :
فقد
أخرجه الإمام أحمد ([5]) من طريق عفان بن مسلم ، عن حماد بن زيد ،
عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه
البخاري ([6]) عن مسدد عن الزهري ، عن ثعلبة بن صعير ،
عن أبيه .
وأخرجه
أبو داود ([7]) ، عن سليمان بن داود ، عن حماد بن زيد ،
عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه
الفسوي ([8])، عن أبي النعمان، عن حماد بن زيد، عن
النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة ، عن أبيه .
وأخرجه
ابن ([9]) قانع ([10])،
قَالَ :حدثنا : الحسن بن المثنى ([11])، قَالَ:حدثنا : عفان ، قَالَ: حدثنا :
أحمد بن بشر المرثدي ، قَالَ :حدثنا : خالد بن خداش ([12])
جميعاً ، عن حماد ابن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي
صعير ، عن أبيه.
وأخرجه
الدارقطني ([13]) ، عن إسحاق بن أبي إسرائيل([14]) ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد
، عن الزهري ، عن ثعلبة بن صعير أو عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن أبيه .
وأخرجه
أيضاً ([15])، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن زيد، عن
النعمان بن راشد، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أو عن ثعلبة عن أبيه .
وأخرجه
أيضاً ([16])، عن سليمان بن حرب ([17])، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ،
عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه
أيضاً ([18]) ، عن مسدد ، عن حماد بن زيد ، عن
النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه
البيهقي ([19]) ، عن مسدد عن حماد بن زيد ، عن النعمان
بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه
أيضاً ([20]) ، عن سليمان بن داود ومسدد ، عن حماد بن
زيد ، عن
النعمان بن راشد ، عن الزهري -وفي رواية سليمان بن داود-، عن عبد الله بن ثعلبة ،
وثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه .
والحديث
رواه غير النعمان بن راشد ، عن الزهري ، وحصل فيه الاختلاف عينه في اسم راويه .
فقد
أخرجه البخاري ([21])، وأبو داود ([22])،
وابن أبي([23]) عاصم ([24])
، وابن خزيمة ([25]) ، والطحاوي ([26])
، وابن قانع ([27]) ، والطبراني ([28])
، والحاكم ([29]) ، وابن الأثير ([30])
، من طريق بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه .
وأخرجه
أبو نعيم ([31]) ، وابن حزم ([32])
من طريق بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صُعير ، عن أبيه .
وأخرجه
أبو نعيم ([33]) من طريق بحر السقاء ، عن الزهري ، عن
عبد الله بن ثعلبة ابن صعير ، عن أبيه .
ثم
إن الحديث قَدْ اختلف فيه اختلافاً غير هذا ، واضطرب في إسناده فقد أخرجه
الدارقطني([34])من طريق سفيان بن عيينة،عن الزهري،عن ابن
أبي صعير ، عن أبي هريرة،به .
وأخرجه
عبد الرزاق ([35])، وأحمد([36])،
والبخاري([37])، والطحاوي في شرح المعاني ([38])، والدارقطني ([39])
، والبيهقي ([40]) عن معمر ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن
أبي هريرة ، به موقوفاً ثم قال - يعني : معمراً - : وبلغني أن الزهري كان يرويه
إلى النبي r
.
وأخرجه
الدارقطني ([41]) ، من طريق سليمان بن أرقم ([42]) ، عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ([43]) ، عن زيد بن ثابت .
وأخرجه
عبد الرزاق ([44]) ، والبخاري ([45])
، والدارقطني ([46]) ، من طريق ابن
جريج ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة ، عن النبي r
([47]) .
وأخرجه
ابن أبي شيبة ([48]) ، من طريق سفيان بن حسين ، والبخاري ([49]) ، من طريق إبراهيم بن سعد الزهري ،
والطحاوي ([50]) ، والبيهقي ([51])
كلاهما من طريق
عبد الرحمان بن خالد وعقيل .
أربعتهم
: ( سفيان وإبراهيم وعبد الرحمان وعقيل ) ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، به
مرسلاً .
هذا
ما استطعت جمعه من طرق الحديث ، وهذه الاختلافات الشديدة مضعفة للحديث للإشعار
بعدم ضبط راويه .
والحديث
لم يقتصر على الخلاف في سنده ، بل اختلف في متنه ، قال الدارقطني : (( واختلفوا
أيضاً في متنه في حديث سفيان بن حسين عن الزهري صاعاً من القمح ، وكذلك قال
النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه صاع من قمح عن كل إنسان
، وفي حديث الآخرين نصف صاع قمح، وأصحهما عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب مرسلاً ))
([52]) .
قال
ابن المنذر : (( لا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي r
يعتمد عليه ، ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه ، فلما كثر في
زمن الصحابة رأوا أن نصف صاعٍ منه يقوم مقام صاع من شعير وهم الأئمة )) ([53]) .
وَقَالَ
البيهقي : (( وقد وردت أخبار عن النبي r
في صاع من بر ، ووردت أخبار في نصف صاع ، ولا يصح شيء من ذلك ، وقد بينت علة كل
واحد منهما في الخلافيات )) ([54]) .
وَقَالَ
ابن عبد البر: (( هذا نص في موضع الخلاف، إلا أنه لم يروه كبار أصحاب ابن شهاب ،
ولا من يحتج بروايته منهم إذا انفرد )) ([55])
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق