اختلاف الضعيف مع
الثقات د ماهر الفحل
إذا خولف الثقة في حَدِيْث من الأحاديث فهنا مسألة
يأخذها النقاد بنظر الاعتبار فيوازنون ويقارنون بَيْنَ المختلفين فإذا خولف الثقة
من قِبَلِ ثقة آخر فيحكم حينئذٍ لرواية من الروايات بحكم يليق بِهَا وكذا تأخذ
المقابلة الحكم بالضد أما إذا خولف الثقة برواية ضعيف من الضعفاء ، فلا يضر حينئذٍ
الاختلاف لرواية الثقة ؛ إذ إن رِوَايَة الثقات لا تعل برواية الضعفاء ([1]) ؛
فرواية الثقة معروفة ورواية الضعيف منكرة فعلى هَذَا المنكر من الْحَدِيْث هُوَ : المنفرد المخالف
لما رَوَاهُ الثقات ([2]) قَالَ الإمام مُسْلِم : (( وعلامة المنكر في حَدِيْث المحدّث
إذا ما عرضت روايته للحديث عَلَى رِوَايَة غيره من أهل الحفظ والرضا خالفت روايته
روايتهم أو لَمْ تكد توافقها )) ([3])
.
وعليه فإن رِوَايَة الضعيف شبه لا شيء أمام رِوَايَة
الثقات الأثبات ولا تعل الرِّوَايَة الصحيحة بالرواية الضعيفة ، وَقَدْ وجدنا خلال
البحث والسبر أن بعض العلماء قَدْ عملوا بأحاديث بعض الضعفاء وَهِيَ مخالفة لرواية
الثقات ، ومثل هَذَا يحمل عَلَى حسن ظنهم برواية الضعيف وعلى عدم اطلاعهم عَلَى
رِوَايَة الثقات .
مثال ذَلِكَ
:
ما رَوَاهُ أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي ([4])،
قَالَ: حَدَّثَنِي ابن وهب ([5])، قَالَ: أخبرني
يحيى بن أيوب([6])، عن يحيى بن سعيد، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري([7])، عن
أبيه ([8]) (( أن الصعب بن جَثامة ([9]) أهدى للنبي صلي الله عليه وسلم{ عجز حمار وحش ، وَهُوَ بالجُحْفَة
([10]) فأكل مِنْهُ وأكل القوم ))
([11]) .
فهذا الْحَدِيْث مخالف لرواية الثقات ، وفيه راويان
فيهما مقال :
الأول : يحيى بن أيوب الغافقي :
فهو وإن حسّن الرأي فِيْهِ جَمَاعَة من الْمُحَدِّثِيْنَ
فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيْهِ آخرون ، فَقَدْ ضعّفه أبو زرعة ([12])، والعقيلي ([13])،
وَقَالَ أحمد : كَانَ سيء الحفظ ([14])، وَقَالَ أبو حاتم :
(( محله الصدق يكتب حديثه ولا يحتج بِهِ )) ([15])،
وَقَالَ النسائي: (( ليس بذاك القوي ))
([16])،
وَقَالَ ابن سعد : (( منكر الْحَدِيْث )) ([17])، وَقَالَ الذهبي: (( حديثه فِيْهِ
مناكير ))([18])، وَقَالَ ابن القطان : (( هُوَ ممن قَدْ علمت حاله ، وأنه لا يحتج
بِهِ لسوء حفظه )) ([19]) ، وَقَالَ
:
(( يحيى بن أيوب يضعف )) ([20]) ، وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ : (( في بعض حديثه اضطراب )) ([21]) ، وَقَدْ ضعفه ابن حزم ([22]) .
الثاني : يحيى بن سليمان الجعفي :
قَالَ عَنْهُ أبو حاتم : (( شيخ )) ([23]) ، وَقَالَ
النسائي : (( ليس بثقة )) ([24])
.
وذكره ابن حبان في " الثقات " وَقَالَ : ((
ربما أغرب )) ([25]).
ومع تفرد هذين الراويين بهذا الْحَدِيْث فَقَدْ خالفا
الثقات في روايته قَالَ ابن القيم عن هَذِهِ الرِّوَايَة : (( غلط بلا شك ، فإن
الواقعة واحدة ، وَقَد اتفق الرُّوَاة أنه لَمْ يأكل مِنْهُ، إلا هَذِهِ
الرِّوَايَة الشاذة المنكرة )) ([26])
.
والرواية المعروفة الصَّحِيْحة هِيَ ما وردت برواية الجم
الغفير عن ابن شهاب الزهري، عن عبيد الله بن عَبْد الله بن عتبة بن مسعود ، عن
عَبْد الله بن عَبَّاسٍ ، عن الصعب بن جثامة الليثي ، أنه أهدى لرسول الله صلي
الله عليه وسلم حماراً وحشياً وَهُوَ بالأبواء ([27]) ، أو بودان ([28])، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه قَالَ: (( إنا لَمْ
نرده عليك إلا أنا حرم )) ([29]).
الدكتور ماهر ياسين الفحل العراق / الأنبار / الرمادي ص ب 735 al-rahman@uruklink.net
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق