1.سورة الاخلاص

............................................................................................................... *

  القرآن الكريم مكتوبا كاملا

110. ب مم.

·  تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث

Translate ***

15.موقع جادو

باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود  /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج  طبيعة 1. / /طلبعة 3.

الثلاثاء، 1 مايو 2018

11.المغازي للواقدي ورد من سرية محمد بن مسلمة


=
سَرِيّةُ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ إلَى ذِي الْقَصّةِ إلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ وَعُوَالٍ فِي رَبِيعٍ الْآخِر
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ فِي عَشَرَةٍ فَوَرَدَ عَلَيْهِمْ لَيْلًا ، فَكَمَنَ الْقَوْمُ حَتّى نَامَ وَنَامَ أَصْحَابُهُ فَأَحْدَقُوا بِهِ وَهُمْ مِائَةُ رَجُلٍ فَمَا شَعَرَ الْقَوْمُ إلّا بِالنّبْلِ قَدْ خَالَطَتْهُمْ . فَوَثَبَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَعَلَيْهِ الْقَوْسُ فَصَاحَ بِأَصْحَابِهِ السّلَاحَ فَوَثَبَ فَتَرَامَوْا سَاعَةً مِنْ اللّيْلِ ثُمّ حَمَلَتْ الْأَعْرَابُ بِالرّمَاحِ فَقَتَلُوا مِنْهُمْ ثَلَاثَةً ثُمّ انْحَازَ أَصْحَابُ مُحَمّدٍ إلَيْهِ فَقَتَلُوا مِنْ الْقَوْمِ رَجُلًا ، ثُمّ حَمَلَ الْقَوْمُ فَقَتَلُوا مَنْ بَقِيَ . وَوَقَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ جَرِيحًا ، فَضُرِبَ كَعْبُهُ فَلَا يَتَحَرّكُ وَجَرّدُوهُمْ مِنْ الثّيَابِ وَانْطَلَقُوا ، فَمَرّ رَجُلٌ عَلَى الْقَتْلَى فَاسْتَرْجَعَ فَلَمّا سَمِعَهُ مُحَمّدٌ تَحَرّكَ لَهُ فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَعَرَضَ عَلَى مُحَمّدٍ طَعَامًا وَشَرَابًا وَحَمَلَهُ حَتّى وَرَدَ بِهِ الْمَدِينَةَ .
فَبَعَثَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا إلَى مَصَارِعِهِمْ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا وَاسْتَاقَ نَعَمًا ثُمّ رَجَعَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ فَذَكَرْت هَذِهِ السّرِيّةَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ فَقَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنّ مُحَمّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ خَرَجَ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ أَبُو نَائِلَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ ، وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَنُعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ ، وَمُحَيّصَةُ بْنُ مَسْعُودٍ ، وَحُوَيّصَةُ وَأَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَرَجُلَانِ مِنْ مُزَيْنَةَ ، وَرَجُلٌ مِنْ غَطَفَانَ ، فَقُتِلَ الْمُزَنِيّانِ [ ص 552 ] وَالْغَطَفَانِيّ ، وَارْتُثّ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِنْ الْقَتْلَى . قَالَ مُحَمّدٌ فَلَمّا كَانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ نَظَرْت إلَى أَحَدِ النّفَرِ الّذِينَ كَانُوا وَلُوا ضَرْبِي يَوْمَ ذِي الْقَصّةِ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَسْلَمْت وَجْهِي لِلّهِ فَقُلْت : أَوْلَى
(1/552)
====
سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ إلَى ذِي الْقَصّةِ فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ سَنَةَ سِتّ لَيْلَةَ السّبْتِ وَغَابَ لَيْلَتَيْنِ .
حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ زِيَادٍ الْأَشْجَعِيّ ، عَنْ عِيسَى بْنِ عُمَيْلَةَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْفَضْلِ ، عَنْ أَبِيهِ زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَا : أَجْدَبَتْ بِلَادُ بَنِي ثَعْلَبَةَ وَأَنْمَارٍ ، وَوَقَعَتْ سَحَابَةٌ بِالْمَرَاضِ إلَى تَغْلَمَيْنِ ، فَصَارَتْ بَنُو مُحَارِبٍ وَثَعْلَبَةَ وَأَنْمَارٍ إلَى تِلْكَ السّحَابَةِ وَكَانُوا قَدْ أَجْمَعُوا أَنْ يُغِيرُوا عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، وَسَرْحُهُمْ يَوْمَئِذٍ يَرْعَى بِبَطْنِ هَيْقَا ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِي أَرْبَعِينَ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حِينَ صَلّوْا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَبَاتُوا لَيْلَتَهُمْ يَمْشُونَ حَتّى وَافَوْا ذِي الْقَصّةِ مَعَ عَمَايَةِ الصّبْحِ فَأَغَارَ عَلَيْهِمْ فَأَعْجَزَهُمْ هَرَبًا فِي الْجِبَالِ وَأَخَذَ رَجُلًا مِنْهُمْ وَوَجَدَ نَعَمًا مِنْ نَعَمِهِمْ فَاسْتَاقَهُ وَرِثّةً مِنْ مَتَاعٍ فَقَدِمَ بِهِ الْمَدِينَةَ ، فَأَسْلَمَ الرّجُلُ فَتَرَكَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا قَدِمَ عَلَيْهِ خَمّسَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَسّمَ مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ .
(1/552)
======
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الْعِيصِ فِي جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِي [ ص 553 ] مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ غَزْوَةِ الْغَابَةِ بَلَغَهُ أَنّ عِيرًا لِقُرَيْشٍ أَقْبَلَتْ مِنْ الشّامِ ، فَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ فِي سَبْعِينَ وَمِائَةِ رَاكِبٍ فَأَخَذُوهَا وَمَا فِيهَا . وَأَخَذُوا يَوْمَئِذٍ فِضّةً كَثِيرَةً لِصَفْوَانَ وَأَسَرُوا نَاسًا مِمّنْ كَانَ فِي الْعِيرِ مَعَهُمْ مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ ، وَالْمُغِيرَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ . فَأَمّا أَبُو الْعَاصِ فَلَمْ يَغْدُ أَنْ جَاءَ الْمَدِينَةَ ، ثُمّ دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَحَرًا ، وَهِيَ امْرَأَتُهُ فَاسْتَجَارَهَا فَأَجَارَتْهُ .
فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْفَجْرَ قَامَتْ زَيْنَبُ عَلَى بَابِهَا فَنَادَتْ بِأَعْلَى صَوْتِهَا فَقَالَتْ إنّي قَدْ أَجَرْت أَبَا الْعَاصِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيّهَا النّاسُ هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْت ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ فَوَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا عَلِمْت بِشَيْءٍ مِمّا كَانَ حَتّى سَمِعْت الّذِي سَمِعْتُمْ الْمُؤْمِنُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ وَقَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَارَتْ . فَلَمّا انْصَرَفَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْزِلِهِ دَخَلَتْ عَلَيْهِ زَيْنَبُ فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَرُدّ إلَى أَبِي الْعَاصِ مَا أَخَذَ مِنْهُ مِنْ الْمَالِ فَفَعَلَ وَأَمَرَهَا أَلّا يَقْرَبَهَا ، فَإِنّهَا لَا تَحِلّ لَهُ مَا دَامَ مُشْرِكًا . ثُمّ كَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ وَكَانَتْ مَعَهُ بَضَائِعُ لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَأَدّوْا إلَيْهِ كُلّ شَيْءٍ حَتّى إنّهُمْ لَيَرُدّونَ [ ص 554 ] الْإِدَاوَةَ وَالْحَبْلَ حَتّى لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ . وَرَجَعَ أَبُو الْعَاصِ إلَى مَكّةَ فَأَدّى إلَى كُلّ ذِي حَقّ حَقّهُ . قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدٍ مِنْكُمْ شَيْءٌ ؟ قَالُوا : لَا وَاَللّهِ . قَالَ فَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ لَقَدْ أَسْلَمْت بِالْمَدِينَةِ وَمَا مَنَعَنِي أَنْ أُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ إلّا أَنْ خَشِيت أَنْ تَظُنّوا أَنّي أَسْلَمْت لِأَنْ أَذْهَبَ بِاَلّذِي لَكُمْ . ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَدّ عَلَيْهِ زَيْنَبَ بِذَلِكَ النّكَاحِ . وَيُقَالُ إنّ هَذِهِ الْعِيرَ كَانَتْ أَخَذَتْ طَرِيقَ الْعِرَاقِ ، وَدَلِيلُهَا فُرَاتُ بْنُ حَيّانَ الْعِجْلِيّ .
(1/553)
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَأَمّا الْمُغِيرَةُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَأَفْلَتْ فَتَوَجّهَ تِلْقَاءَ مَكّةَ فَأَخَذَ الطّرِيقَ نَفْسَهَا ، فَلَقِيَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ قَافِلًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ وَكَانَ الّذِي أَسَرَ الْمُغِيرَةَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ ، فَأَقْبَلَ بِهِ حَتّى دَخَلُوا الْمَدِينَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَهُمْ مُبْرِدُونَ .
قَالَ مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فَأَخْبَرَنِي ذَكْوَانُ مَوْلَى عَائِشَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهَا : احْتَفِظِي بِهَذَا الْأَسِيرِ وَخَرَجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَهَوْت مَعَ امْرَأَةٍ أَتَحَدّثُ مَعَهَا ، فَخَرَجَ وَمَا شَعَرْت بِهِ فَدَخَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَرَهُ فَقَالَ أَيْنَ الْأَسِيرُ ؟ فَقُلْت : وَاَللّهِ مَا أَدْرِي ، غَفَلْت عَنْهُ وَكَانَ هَاهُنَا آنِفًا . فَقَالَ قَطَعَ اللّهُ يَدَك قَالَتْ ثُمّ خَرَجَ فَصَاحَ بِالنّاسِ فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ فَأَخَذُوهُ بِالصّوْرَيْنِ فَأُتِيَ بِهِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَدَخَلَ عَلَيّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أُقَلّبُ بِيَدِي ، فَقَالَ مَا لَكِ ؟ فَقُلْت : أَنْظُرُ كَيْفَ تُقْطَعُ يَدِي ; قَدْ دَعَوْت عَلَيّ بِدَعْوَتِكُمْ قَالَتْ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ وَآسَفُ [ ص 555 ] كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ . فَأَيّمَا مُؤْمِنٍ أَوْ مُؤْمِنَةٍ دَعَوْت عَلَيْهِ بِدَعْوَةٍ فَاجْعَلْهَا لَهُ رَحْمَةً .
(1/555)
======
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِي أَسَامّةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِيّ ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ مَنّاحٍ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى الطّرَفِ إلَى بَنِي ثَعْلَبَةَ فَخَرَجَ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا ، حَتّى إذَا كَانُوا بِالطّرَفِ أَصَابَ نَعَمًا وَشَاءً . وَهَرَبَتْ الْأَعْرَابُ وَخَافُوا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ سَارَ إلَيْهِمْ فَانْحَدَرَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتّى صَبّحَ الْمَدِينَةَ بِالنّعَمِ وَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ حَتّى أَعْجَزَهُمْ فَقَدِمَ بِعِشْرِينَ بَعِيرًا . وَلَمْ يَكُنْ قِتَالٌ فِيهَا ، وَإِنّمَا غَابَ أَرْبَعَ لَيَالٍ .
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَبِي رُشْدٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ مَنْ حَضَرَ السّرِيّةَ قَالَ أَصَابَهُمْ بَعِيرَانِ أَوْ حِسَابُهُمَا مِنْ الْغَنَمِ فَكَانَ كُلّ بَعِيرٍ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ وَكَانَ شِعَارُنَا : أَمِتْ أَمِتْ
(1/555)
====
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى حِسْمَى فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَقْبَلَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ مِنْ عِنْدِ قَيْصَرَ قَدْ أَجَازَ دِحْيَةَ بِمَالٍ وَكَسَاهُ كُسًى . فَأَقْبَلَ حَتّى كَانَ بِحِسْمَى ، فَلَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ جُذَامٍ فَقَطَعُوا عَلَيْهِ الطّرِيقَ وَأَصَابُوا كُلّ شَيْءٍ [ ص 556 ] مَعَهُ فَلَمْ يَصِلْ إلَى الْمَدِينَةِ إلّا بِسَمَلٍ فَلَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ حَتّى انْتَهَى إلَى بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَقّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ . قَالَ اُدْخُلْ . فَدَخَلَ فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمّا كَانَ مِنْ هِرَقْلَ حَتّى أَتَى عَلَى آخِرِ ذَلِكَ ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَقْبَلْت مِنْ عِنْدِهِ حَتّى كُنْت بِحِسْمَى فَأَغَارَ عَلَيّ قَوْمٌ مِنْ جُذَامٍ ، فَمَا تَرَكُوا مَعِي شَيْئًا حَتّى أَقْبَلْت بِسَمَلِي ، هَذَا الثّوْبَ .
فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ قَالَ سَمِعْت شَيْخًا مِنْ سَعْدِ هُذَيْمٍ كَانَ قَدِيمًا يُخْبِرُ عَنْ أَبِيهِ يَقُولُ إنّ دِحْيَةَ لَمّا أُصِيبَ - أَصَابَهُ الْهُنَيْدُ بْنُ عَارِضٍ وَابْنُهُ عَارِضُ بْنُ الْهُنَيْدِ : وَكَانَا وَاَللّهِ نَكِدَيْنِ مَشْئُومَيْنِ فَلَمْ يُبْقُوا مَعَهُ شَيْئًا ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي الضّبَيْبِ فَنَفَرُوا إلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ . فَكَانَ فِيمَنْ نَفَرَ مِنْهُمْ النّعْمَانُ بْنُ أَبِي جُعَالٍ فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ وَكَانَ نُعْمَانُ رَجُلَ الْوَادِي ذَا الْجَلَدِ وَالرّمَايَةِ . فَارْتَمَى النّعْمَانُ وَقُرّةُ بْنُ أَبِي أَصْفَرَ الصّلعِيّ ، فَرَمَاهُ قُرّةُ فَأَصَابَ كَعْبَهُ فَأَقْعَدَهُ إلَى الْأَرْضِ . ثُمّ انْتَهَضَ النّعْمَانُ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ عَرِيضِ السّرْوَةِ فَقَالَ خُذْهَا مِنْ الْفَتَى فَخَلّ السّهْمُ فِي رُكْبَتِهِ فَشَنّجَهُ وَقَعَدَ فَخَلّصُوا لِدِحْيَةَ مَتَاعَهُ فَرَجَعَ بِهِ سَالِمًا إلَى الْمَدِينَةِ .
(1/556)
قَالَ مُوسَى ، فَسَمِعْت شَيْخًا آخَرَ يَقُولُ إنّمَا خَلّصَ مَتَاعَ دِحْيَةَ رَجُلٌ كَانَ صَحِبَهُ مِنْ قُضَاعَةَ ، هُوَ الّذِي كَانَ اسْتَنْقَذَ لَهُ كُلّ شَيْءٍ أُخِذَ مِنْهُ [ ص 557 ] رَدّهُ عَلَى دِحْيَةَ . ثُمّ إنّ دِحْيَةَ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَسْعَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمَ الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ فَأَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَسِيرِ فَخَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مَعَهُ .
وَقَدْ كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ قَدِمَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَافِدًا ، فَأَجَازَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ ، ثُمّ سَأَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَكْتُبَ مَعَهُ كِتَابًا ، فَكَتَبَ مَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ لِرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ إلَى قَوْمِهِ عَامّةً وَمَنْ دَخَلَ مَعَهُمْ يَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ . فَمَنْ أَقْبَلَ مِنْهُمْ فَهُوَ مِنْ حِزْبِ اللّهِ وَحِزْبِ رَسُولِهِ وَمَنْ ارْتَدّ فَلَهُ أَمَانُ شَهْرَيْنِ . فَلَمّا قَدِمَ رِفَاعَةُ عَلَى قَوْمِهِ بِكِتَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرَأَهُ عَلَيْهِمْ فَأَجَابُوهُ وَأَسْرَعُوا ، وَنَفَذُوا إلَى مُصَابِ دِحْيَةَ الْكَلْبِيّ فَوَجَدُوا أَصْحَابَهُ قَدْ تَفَرّقُوا .
(1/557)
وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ خِلَافَهُمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ فَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي خَمْسِمِائَةِ رَجُلٍ وَرَدّ مَعَهُ دِحْيَةَ الْكَلْبِيّ . وَكَانَ زَيْدٌ يَسِيرُ اللّيْلَ وَيَكْمُنُ النّهَارَ وَمَعَهُ دَلِيلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ . وَقَدْ اجْتَمَعَتْ غَطَفَانُ كُلّهَا وَوَائِلٌ وَمَنْ كَانَ مِنْ سَلَامَات وَبَهْرَاءَ حِينَ جَاءَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ بِكِتَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى نَزَلُوا - الرّجَالُ وَرِفَاعَةُ - بِكُرَاعِ رُؤَيّةَ لَمْ يُعْلَمْ . وَأَقْبَلَ الدّلِيلُ الْعُذْرِيّ بِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ حَتّى هَجَمَ بِهِمْ فَأَغَارُوا مَعَ الصّبْحِ عَلَى الْهُنَيْدِ وَابْنِهِ وَمَنْ كَانَ فِي مَحَلّتِهِمْ فَأَصَابُوا مَا وَجَدُوا ، وَقَتَلُوا [ ص 558 ] فِيهِمْ فَأَوْجَعُوا ، وَقَتَلُوا الْهُنَيْدَ وَابْنَهُ وَأَغَارُوا عَلَى مَاشِيَتِهِمْ وَنَعَمِهِمْ وَنِسَائِهِمْ فَأَخَذُوا مِنْ النّعَمِ أَلْفَ بَعِيرٍ وَمِنْ الشّاءِ خَمْسَةَ آلَافِ شَاةٍ وَمِنْ السّبْيِ مِائَةً مِنْ النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ . وَكَانَ الدّلِيلُ إنّمَا جَاءَ بِهِمْ مِنْ قِبَلِ الْأَوْلَاجِ ، فَلَمّا سَمِعَتْ بِذَلِكَ الضّبَيْبُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رَكِبُوا ، فَكَانَ فِيمَنْ رَكِبَ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ وَابْنُهُ فَدَنَوْا مِنْ الْجَيْشِ وَتَوَاصَوْا لَا يَتَكَلّمُ أَحَدٌ إلّا حِبّانُ بْنُ مِلّةَ وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ عَلَامَةٌ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَضْرِبَ بِسَيْفِهِ قَالَ « قَوَدِي » فَلَمّا طَلَعُوا عَلَى الْعَسْكَرِ طَلَعُوا عَلَى الدّهْمِ مِنْ السّبْيِ وَالنّعَمِ وَالنّسَاءِ وَالْأُسَارَى أَقْبَلُوا جَمِيعًا ، وَاَلّذِي يَتَكَلّمُ حِبّانُ بْنُ مِلّةَ يَقُولُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ . وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَهُمْ رَجُلٌ عَلَى فَرَسٍ عَارِضٌ رُمْحَهُ فَأَقْبَلَ يَسُوقُهُمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ قَوَدِي فَقَالَ حِبّانُ مَهْلًا فَلَمّا وَقَفُوا عَلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَ لَهُ حِبّانُ إنّا قَوْمٌ مُسْلِمُونَ . قَالَ لَهُ زَيْدٌ اقْرَأْ أُمّ الْكِتَابِ وَكَانَ زَيْدٌ إنّمَا يَمْتَحِنُ أَحَدَهُمْ بِأُمّ الْكِتَابِ لَا يَزِيدُهُ . فَقَرَأَ حِبّانُ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ نَادُوا فِي الْجَيْشِ « إنّهُ قَدْ حَرُمَ عَلَيْنَا مَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ بِقِرَاءَةِ أُمّ الْكِتَابِ » .
(1/558)
فَرَجَعَ الْقَوْمُ وَنَهَاهُمْ زَيْدٌ أَنْ يَهْبِطُوا وَادِيَهُمْ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ فَأَمْسَوْا فِي أَهْلِيهِمْ وَهُمْ فِي رَصَدٍ لِزَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ فَاسْتَمَعُوا حَتّى نَامَ أَصْحَابُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، فَلَمّا هَدَءُوا وَنَامُوا رَكِبُوا إلَى رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَكَانَ فِي الرّكْبِ فِي تِلْكَ اللّيْلَةِ أَبُو زَيْدِ بْنُ عَمْرٍو ، وَأَبُو أَسَمَاءَ بْنُ عَمْرٍو ، وَسُوَيْدُ بْنُ زَيْدٍ وَأَخُوهُ وَبَرْذَعُ بْنُ زَيْدٍ وَثَعْلَبَةُ بْنُ عَدِيّ - حَتّى [ ص 559 ] صَبّحُوا رِفَاعَةَ بِكُرَاعِ رُؤَيّةَ بِحَرّةِ لَيْلَى ، فَقَالَ حِبّانُ إنّك لَجَالِسٌ تَحْلُبُ الْمِعْزَى [ وَنِسَاءُ جُذَامٍ أُسَارَى ] . فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ فَدَخَلَ مَعَهُمْ حَتّى قَدِمُوا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ - سَارُوا ثَلَاثًا - فَابْتَدَاهُمْ رِفَاعَةُ فَدَفَعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابَهُ الّذِي كَتَبَ مَعَهُ فَلَمّا قَرَأَ كِتَابَهُ اسْتَخْبَرَهُمْ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا صَنَعَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ . فَقَالَ كَيْفَ أَصْنَعُ بِالْقَتْلَى ؟ فَقَالَ رِفَاعَةُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْتَ أَعْلَمُ لَا تُحَرّمُ عَلَيْنَا حَلَالًا وَلَا تُحِلّ لَنَا حَرَامًا . قَالَ أَبُو زَيْدٍ : أَطْلِقْ لَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ كَانَ حَيّا ، وَمَنْ قُتِلَ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمَيّ هَاتَيْنِ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَ أَبُو زَيْدٍ قَالَ الْقَوْمُ فَابْعَثْ مَعَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ رَجُلًا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، يُخَلّي بَيْنَنَا وَبَيْنَ حَرَمِنَا وَأَمْوَالِنَا . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْطَلِقْ مَعَهُمْ يَا عَلِيّ فَقَالَ عَلِيّ : يَا رَسُولَ اللّهِ لَا يُطِيعُنِي زَيْدٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا سَيْفِي فَخُذْهُ . فَأَخَذَهُ فَقَالَ لَيْسَ مَعِي بَعِيرٌ أَرْكَبُهُ . فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ هَذَا بَعِيرٌ فَرَكِبَ بَعِيرَ أَحَدِهِمْ وَخَرَجَ مَعَهُمْ حَتّى لَقُوا رَافِعَ بْنَ مَكِيثٍ بَشِيرَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ عَلَى نَاقَةٍ مِنْ إبِلِ الْقَوْمِ فَرَدّهَا عَلِيّ عَلَى الْقَوْمِ . وَرَجَعَ رَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ مَعَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ رَدِيفًا حَتّى لَقُوا زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ بِالْفَحْلَتَيْنِ فَلَقِيَهُ عَلِيّ وَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُك أَنْ تَرُدّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ مَا كَانَ بِيَدِك مِنْ أَسِيرٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ مَالٍ .
فَقَالَ زَيْدٌ عَلَامَةً مِنْ رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ عَلِيّ : هَذَا سَيْفُهُ فَعَرَفَ زَيْدٌ السّيْفَ فَنَزَلَ فَصَاحَ [ ص 560 ] بِالنّاسِ فَاجْتَمَعُوا فَقَالَ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ سَبْيٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَرُدّهُ فَهَذَا رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ . فَرَدّ إلَى النّاسِ كُلّ مَا أُخِذَ مِنْهُمْ حَتّى إنْ كَانُوا لَيَأْخُذُونَ الْمَرْأَةَ مِنْ تَحْتِ فَخِذِ الرّجُلِ .
حَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ يُسْرِ بْنِ مِحْجَنٍ الدّيلِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت فِي تِلْكَ السّرِيّةِ فَصَارَ لِكُلّ رَجُلٍ سَبْعَةُ أَبْعِرَةٍ وَسَبْعُونَ شَاةً وَيَصِيرُ لَهُ مِنْ السّبْيِ الْمَرْأَةُ وَالْمَرْأَتَانِ فَوَطِئُوا بِالْمِلْكِ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ حَتّى رَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ كُلّهُ إلَى أَهْلِهِ وَكَانَ قَدْ فَرّقَ وَبَاعَ مِنْهُ .
(1/559)
==
سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنُ قَمّادِينَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَقَالَ وَتَجَهّزْ فَإِنّي بَاعِثُك فِي سَرِيّةٍ مِنْ يَوْمِك هَذَا ، أَوْ مِنْ غَدٍ إنْ شَاءَ اللّهُ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَسَمِعْت ذَلِكَ فَقُلْت : لَأَدْخُلَنّ فَلَأُصَلّيَنّ مَعَ النّبِيّ الْغَدَاةَ فَلَأَسْمَعَنّ وَصِيّتَهُ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ . قَالَ فَغَدَوْت فَصَلّيْت فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَنَاسٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ كَانَ أَمَرَهُ أَنْ يَسِيرَ مِنْ اللّيْلِ إلَى دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ فَيَدْعُوَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَبْدِ الرّحْمَنِ مَا خَلّفَك عَنْ أَصْحَابِك ؟ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَقَدْ مَضَى أَصْحَابُهُ فِي السّحَرِ فَهُمْ مُعَسْكِرُونَ بِالْجُرْفِ وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ فَقَالَ أَحْبَبْت يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ عَهْدِي بِك ، وَعَلَيّ ثِيَابُ سَفَرِي . قَالَ وَعَلَى عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عِمَامَةٌ قَدْ لَفّهَا عَلَى رَأْسِهِ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَدَعَاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقْعَدَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَقَضَ عِمَامَتَهُ بِيَدِهِ ثُمّ عَمّمَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ [ ص 561 ] فَأَرْخَى بَيْنَ كَتِفَيْهِ مِنْهَا ، ثُمّ قَالَ هَكَذَا فَاعْتَمّ يَا ابْنَ عَوْفٍ قَالَ وَعَلَى ابْنِ عَوْفٍ السّيْفُ مُتَوَشّحَهُ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُغْزُ بِاسْمِ اللّهِ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ فَقَاتِلْ مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ لَا تَغُلّ وَلَا تَغْدِرْ وَلَا تَقْتُلْ وَلِيدًا . قَالَ ابْنُ عُمَرَ ثُمّ بَسَطَ يَدَهُ فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ اتّقُوا خَمْسًا قَبْلَ أَنْ يَحِلّ بِكُمْ مَا نُقِضَ مِكْيَالُ قَوْمٍ إلّا أَخَذَهُمْ اللّهُ بِالسّنِينَ وَنَقْصٍ مِنْ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ وَمَا نَكَثَ قَوْمٌ عَهْدَهُمْ إلّا سَلّطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوّهُمْ وَمَا مَنَعَ قَوْمٌ الزّكَاةَ إلّا أَمْسَكَ اللّهُ عَلَيْهِمْ قَطْرَ السّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُسْقَوْا ، وَمَا ظَهَرَتْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ إلّا سَلّطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ الطّاعُونَ وَمَا حَكَمَ قَوْمٌ بِغَيْرِ آيِ الْقُرْآنِ إلّا أَلْبَسَهُمْ اللّهُ شِيَعًا ، وَأَذَاقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ .
(1/561)
قَالَ فَخَرَجَ عَبْدُ الرّحْمَنِ حَتّى لَحِقَ أَصْحَابَهُ فَسَارَ حَتّى قَدِمَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ ، فَلَمّا حَلّ بِهَا دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَمَكَثَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيّامٍ يَدْعُوهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ . وَقَدْ كَانُوا أَبَوْا أَوّلَ مَا قَدِمَ يُعْطُونَهُ إلّا السّيْفَ فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ الثّالِثُ أَسْلَمَ الْأَصْبَغُ بْنُ عَمْرٍو الْكَلْبِيّ ، وَكَانَ نَصْرَانِيّا وَكَانَ رَأْسَهُمْ . فَكَتَبَ عَبْدُ الرّحْمَنِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُخْبِرُهُ بِذَلِكَ وَبَعَثَ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ يُقَال [ لَهُ ] رَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ وَكَتَبَ يُخْبِرُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَدْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوّجَ فِيهِمْ فَكَتَبَ إلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَتَزَوّجَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ تُمَاضِرَ . فَتَزَوّجَهَا عَبْدُ الرّحْمَنِ وَبَنَى بِهَا ، ثُمّ أَقْبَلَ بِهَا ; وَهِيَ أُمّ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ .
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ ابْنِ أَبِي عَوْفٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ إلَى كَلْبٍ ، وَقَالَ إنْ اسْتَجَابُوا لَك فَتَزَوّجْ ابْنَةَ مَلِكِهِمْ أَوْ ابْنَةَ سَيّدِهِمْ . فَلَمّا قَدِمَ دَعَاهُمْ [ ص 562 ] إلَى الْإِسْلَامِ فَاسْتَجَابُوا وَأَقَامَ عَلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ . وَتَزَوّجَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ تُمَاضِرَ بِنْتَ الْأَصْبَغِ بْنِ عَمْرٍو مَلِكِهِمْ ثُمّ قَدِمَ بِهَا الْمَدِينَةَ ، وَهِيَ أُمّ أَبِي سَلَمَةَ .
(1/562)
=======
سَرِيّةُ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ إلَى بَنِي سَعْدٍ بِفَدَكٍ فِي شَعْبَانَ سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ ، قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلَامُ فِي مِائَةِ رَجُلٍ إلَى حَيّ سَعْدٍ بِفَدَكٍ ، وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ لَهُمْ جَمْعًا يُرِيدُونَ أَنْ يَمُدّوا يَهُودَ خَيْبَرَ ، فَسَارَ اللّيْلَ وَكَمَنَ النّهَارَ حَتّى انْتَهَى إلَى الْهَمَجِ فَأَصَابَ عَيْنًا فَقَالَ مَا أَنْتَ ؟ هَلْ لَك عِلْمٌ بِمَا وَرَاءَك مِنْ جَمْعِ بَنِي سَعْدٍ ؟ قَالَ لَا عِلْمَ لِي بِهِ . فَشَدّوا عَلَيْهِ فَأَقَرّ أَنّهُ عَيْنٌ لَهُمْ بَعَثُوهُ إلَى خَيْبَرَ ، يَعْرِضُ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَصْرَهُمْ عَلَى أَنْ يَجْعَلُوا لَهُمْ مِنْ تَمْرِهِمْ كَمَا جَعَلُوا لِغَيْرِهِمْ وَيَقْدَمُونَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ فَأَيْنَ الْقَوْمُ ؟ قَالَ تَرَكْتهمْ وَقَدْ تَجَمّعَ مِنْهُمْ مِائَتَا رَجُلٍ وَرَاسُهُمْ وَبَرُ بْنُ عُلَيْمٍ . قَالُوا : فَسِرْ بِنَا حَتّى تَدُلّنَا . قَالَ عَلَى أَنْ تُؤَمّنُونِي قَالُوا : إنْ دَلَلْتنَا عَلَيْهِمْ وَعَلَى سَرْحِهِمْ أَمّنّاك ، وَإِلّا فَلَا أَمَانَ لَك . قَالَ فَذَاكَ فَخَرَجَ بِهِمْ دَلِيلًا لَهُمْ حَتّى سَاءَ ظَنّهُمْ بِهِ وَأَوْفَى بِهِمْ عَلَى فَدَافِدَ وَآكَامٍ ثُمّ أَفْضَى بِهِمْ إلَى سُهُولَةٍ فَإِذَا نَعَمٌ كَثِيرٌ وَشَاءٌ فَقَالَ هَذَا نَعَمُهُمْ وَشَاؤُهُمْ . فَأَغَارُوا عَلَيْهِ فَضَمّوا النّعَمَ وَالشّاءَ . قَالَ أَرْسِلُونِي قَالُوا : لَا حَتّى نَأْمَنَ الطّلَبَ وَنَذَرَ بِهِمْ الرّاعِيَ رِعَاءَ الْغَنَمِ وَالشّاءِ فَهَرَبُوا إلَى جَمْعِهِمْ فَحَذّرُوهُمْ [ ص 563 ] فَتَفَرّقُوا وَهَرَبُوا ، فَقَالَ الدّلِيلُ عَلَامَ تَحْبِسُنِي ؟ قَدْ تَفَرّقَتْ الْأَعْرَابُ وَأَنْذَرَهُمْ الرّعَاءُ . قَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ نَبْلُغْ مُعَسْكَرَهُمْ . فَانْتَهَى بِهِمْ إلَيْهِ فَلَمْ يَرَ أَحَدًا ، فَأَرْسَلُوهُ وَسَاقُوا النّعَمَ وَالشّاءَ النّعَمُ خَمْسُمِائَةِ بَعِيرٍ وَأَلْفَا شَاةٍ .
(1/563)
حَدّثَنِي أُبَيْرُ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ عِيسَى بْنِ عَلِيلَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ إنّي لَبِوَادِي الْهَمَجِ إلَى بَدِيعٍ مَا شَعَرْت إلّا بِبَنِي سَعْدٍ يَحْمِلُونَ الظّعُنَ وَهُمْ هَارِبُونَ فَقُلْت : مَا دَهَاهُمْ الْيَوْمَ ؟ فَدَنَوْت إلَيْهِمْ فَلَقِيت رَأْسَهُمْ وَبَرَ بْنَ عُلَيْمٍ فَقُلْت : مَا هَذَا الْمَسِيرُ ؟ قَالَ الشّرّ ، سَارَتْ إلَيْنَا جُمُوعُ مُحَمّدٍ وَمَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ قَبْلَ أَنْ نَأْخُذَ لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا ; وَقَدْ أَخَذُوا رَسُولًا لَنَا بَعَثْنَاهُ إلَى خَيْبَرَ ، فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَنَا وَهُوَ صَنَعَ بِنَا مَا صَنَعَ . قُلْت : وَمَنْ هُوَ ؟ قَالَ ابْنُ أَخِي ، وَمَا كُنّا نَعُدّ فِي الْعَرَبِ فَتًى وَاحِدًا أَجْمَعَ قَلْبٍ مِنْهُ . فَقُلْت : إنّي أَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ أَمْرًا قَدْ أَمِنَ وَغَلُظَ أَوْقَعَ بِقُرَيْشٍ فَصَنَعَ بِهِمْ مَا صَنَعَ ثُمّ أَوْقَعَ بِأَهْلِ الْحُصُونِ بِيَثْرِبَ ، قَيْنُقَاعَ وَبَنِي النّضِيرِ وَقُرَيْظَةَ ، وَهُوَ سَائِرٌ إلَى هَؤُلَاءِ بِخَيْبَرَ . فَقَالَ لِي وَبَرٌ لَا تَخْشَ ذَلِكَ إنّ بِهَا رِجَالًا ، وَحُصُونًا مَنِيعَةً وَمَاءً وَاتِنًا ، لَا دَنَا مِنْهُمْ مُحَمّدٌ أَبَدًا ، وَمَا أَحْرَاهُمْ أَنْ يَغْزُوهُ فِي عُقْرِ دَارِهِ . قُلْت : وَتَرَى ذَلِكَ ؟ قَالَ هُوَ الرّأْيُ لَهُمْ . فَمَكَثَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ ثَلَاثًا ثُمّ قَسّمَ الْغَنَائِمَ وَعَزَلَ الْخُمُسَ وَصَفِيّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقُوحًا تُدْعَى الْحَفِدَةَ قَدِمَ بِهَا .
(1/563)
=====
سَرِيّةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ إلَى أُمّ قِرْفَةَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سِتّ
حَدّثَنِي [ ص 564 ] أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ خَرَجَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي تِجَارَةٍ إلَى الشّامِ ، وَمَعَهُ بَضَائِعُ لِأَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَ خُصْيَتَيْ تَيْسٍ فَدَبَغَهُمَا ثُمّ جَعَلَ بَضَائِعَهُمْ فِيهِمَا ، ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ دُونَ وَادِي الْقُرَى وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَقِيَهُ نَاسٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ مِنْ بَنِي بَدْرٍ ، فَضَرَبُوهُ وَضَرَبُوا أَصْحَابَهُ حَتّى ظَنّوا أَنْ قَدْ قُتِلُوا ، وَأَخَذُوا مَا كَانَ مَعَهُ ثُمّ اسْتُبِلّ زَيْدٌ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَعَثَهُ فِي سَرِيّةٍ فَقَالَ لَهُمْ اُكْمُنُوا النّهَارَ وَسِيرُوا اللّيْلَ . فَخَرَجَ بِهِمْ دَلِيلٌ لَهُمْ وَنَذَرَتْ بِهِمْ بَنُو بَدْرٍ فَكَانُوا يَجْعَلُونَ نَاطُورًا لَهُمْ حِينَ يُصْبِحُونَ فَيَنْظُرُ عَلَى جَبَلٍ لَهُمْ مُشْرِفٍ وَجْهَ الطّرِيقِ الّذِي يَرَوْنَ أَنّهُمْ يَأْتُونَ مِنْهُ فَيَنْظُرُ قَدْرَ مَسِيرَةِ يَوْمٍ فَيَقُولُ اسْرَحُوا فَلَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ هَذِهِ لَيْلَتَكُمْ فَلَمّا كَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَأَصْحَابُهُ عَلَى نَحْوِ مَسِيرَةِ لَيْلَةٍ أَخْطَأَ بِهِمْ دَلِيلُهُمْ الطّرِيقَ فَأَخَذَ بِهِمْ طَرِيقًا أُخْرَى حَتّى أَمْسَوْا وَهُمْ عَلَى خَطَأٍ فَعَرَفُوا خَطَأَهُمْ ثُمّ صَمَدُوا لَهُمْ فِي اللّيْلِ حَتّى صَبّحُوهُمْ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ نَهَاهُمْ حَيْثُ انْتَهَوْا عَنْ الطّلَبِ .
قَالَ ثُمّ وَعَزَ إلَيْهِمْ أَلّا يَفْتَرِقُوا . وَقَالَ [ ص 565 ] إذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا . وَأَحَاطُوا بِالْحَاضِرِ ثُمّ كَبّرَ وَكَبّرُوا ، فَخَرَجَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ فَطَلَبَ رَجُلًا مِنْهُمْ حَتّى قَتَلَهُ وَقَدْ أَمْعَنَ فِي طَلَبِهِ وَأَخَذَ جَارِيَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ وَجَدَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ وَأُمّهَا أُمّ قِرْفَةَ وَأُمّ قِرْفَةَ فَاطِمَةُ بِنْتُ رَبِيعَةَ بْنِ زَيْدٍ . فَغَنِمُوا ، وَأَقْبَلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَأَقْبَلَ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ بِالْجَارِيَةِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَذَكَرَ لَهُ جَمَالَهَا ، فَقَالَ يَا سَلَمَةُ مَا جَارِيَةٌ أَصَبْتهَا ؟ قَالَ جَارِيَةٌ يَا رَسُولَ اللّهِ رَجَوْت أَنْ أَفْتَدِيَ بِهَا امْرَأَةً مِنّا مِنْ بَنِي فَزَارَةَ . فَأَعَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا يَسْأَلُهُ مَا جَارِيَةٌ أَصَبْتهَا ؟ حَتّى عَرَفَ سَلَمَةُ أَنّهُ يُرِيدُهَا فَوَهَبَهَا لَهُ فَوَهَبَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِحَزْنِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ فَوَلَدَتْ لَهُ امْرَأَةً لَيْسَ لَهُ مِنْهَا وَلَدٌ غَيْرُهَا . فَحَدّثَنِي مُحَمّدٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ وَقَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ مِنْ وَجْهِهِ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي بَيْتِي ، فَأَتَى زَيْدٌ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَجُرّ ثَوْبَهُ عُرْيَانًا ، مَا رَأَيْته عُرْيَانًا
قَبْلَهَا ، حَتّى اعْتَنَقَهُ وَقَبّلَهُ ثُمّ سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا ظَفّرَهُ اللّهُ .
(1/564)
====
ذِكْرُ مَنْ قَتَلَ أُمّ قِرْفَةَ قَتَلَهَا قَيْسُ بْنُ الْمُحَسّرِ قَتْلًا عَنِيفًا ; رَبَطَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا حَبْلًا ثُمّ رَبَطَهَا بَيْنَ بَعِيرَيْنِ وَهِيَ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ . وَقَتَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ ، وَقَتَلَ قَيْسَ بْنَ النّعْمَانِ بْنِ مَسْعَدَةَ بْنِ حَكَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ بَدْرٍ .
(1/564)
====
سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ إلَى أُسَيْرِ بْن زَارِمَ فِي شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ
قَالَ [ ص 566 ] الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ قَالَ سَمِعْت عُرْوَةَ بْنَ الزّبَيْرِ قَالَ غَزَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ خَيْبَرَ مَرّتَيْنِ بَعَثَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْبَعْثَةَ الْأُولَى إلَى خَيْبَرَ فِي رَمَضَانَ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ يَنْظُرُ إلَى خَيْبَرَ ، وَحَالِ أَهْلِهَا وَمَا يُرِيدُونَ وَمَا يَتَكَلّمُونَ بِهِ فَأَقْبَلَ حَتّى أَتَى نَاحِيَةَ خَيْبَرَ فَجَعَلَ يَدْخُلُ الْحَوَائِطَ وَفَرّقَ أَصْحَابَهُ فِي النّطَاةِ ، وَالشّقّ ، وَالْكَتِيبَةِ ، وَوَعَوْا مَا سَمِعُوا مِنْ أُسَيْرٍ وَغَيْرِهِ . ثُمّ خَرَجُوا بَعْدَ إقَامَةِ ثَلَاثَةِ أَيّامٍ فَرَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَبّرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكُلّ مَا رَأَى وَسَمِعَ ثُمّ خَرَجَ إلَى أُسَيْرٍ فِي شَوّالٍ .
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ كَانَ أُسَيْرٌ رَجُلًا شُجَاعًا ، فَلَمّا قُتِلَ أَبُو رَافِعٍ أَمّرَتْ الْيَهُودُ أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ فَقَامَ فِي الْيَهُودِ فَقَالَ إنّهُ وَاَللّهِ مَا سَارَ مُحَمّدٌ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْيَهُودِ إلّا بَعَثَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَصَابَ مِنْهُمْ مَا أَرَادَ وَلَكِنّي أَصْنَعُ مَا لَا يَصْنَعُ أَصْحَابِي . فَقَالُوا : وَمَا عَسَيْت أَنْ تَصْنَعَ مَا لَمْ يَصْنَعْ أَصْحَابُك ؟ قَالَ أَسِيرُ فِي غَطَفَانَ فَأَجْمَعُهُمْ . فَسَارَ فِي غَطَفَانَ فَجَمَعَهَا ، ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، نَسِيرُ إلَى مُحَمّدٍ فِي عُقْرِ دَارِهِ فَإِنّهُ لَمْ يُغْزَ أَحَدٌ فِي دَارِهِ إلّا أَدْرَكَ مِنْهُ عَدُوّهُ بَعْضَ مَا يُرِيدُ . قَالُوا : نِعْمَ مَا رَأَيْت .
(1/566)
فَبَلَغَ ذَلِكَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ وَقَدِمَ عَلَيْهِ خَارِجَةُ بْنُ حُسَيْلٍ الْأَشْجَعِيّ ، فَاسْتَخْبَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا وَرَاءَهُ فَقَالَ تَرَكْت [ ص 567 ] أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ يَسِيرُ إلَيْك فِي كَتَائِبِ الْيَهُودِ .
قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَنَدَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ فَانْتُدِبَ لَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا . قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ : فَكُنْت فِيهِمْ فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ . قَالَ فَخَرَجْنَا حَتّى قَدِمْنَا خَيْبَرَ فَأَرْسَلْنَا إلَى أُسَيْرٍ إنّا آمِنُونَ حَتّى نَأْتِيَك فَنَعْرِضَ عَلَيْك مَا جِئْنَا لَهُ ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَلِي مِثْلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَقُلْنَا : إنّ رَسُولَ اللّهِ بَعَثَنَا إلَيْك أَنْ تَخْرُجَ إلَيْهِ فَيَسْتَعْمِلَك عَلَى خَيْبَرَ وَيُحْسِنَ إلَيْك . فَطَمِعَ فِي ذَلِكَ وَشَاوَرَ الْيَهُودَ فَخَالَفُوهُ فِي الْخُرُوجِ وَقَالُوا : مَا كَانَ مُحَمّدٌ يَسْتَعْمِلُ رَجُلًا مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ . فَقَالَ بَلَى ، قَدْ مَلِلْنَا الْحَرْبَ . قَالَ فَخَرَجَ مَعَهُ ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ مَعَ كُلّ رَجُلٍ رَدِيفٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . قَالَ فَسِرْنَا حَتّى إذَا كُنّا بِقَرْقَرَةِ ثِبَارٍ نَدِمَ أُسَيْرٌ حَتّى عَرَفْنَا النّدَامَةَ فِيهِ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ : وَأَهْوَى بِيَدِهِ إلَى سَيْفِي فَفَطِنْت لَهُ . قَالَ فَدَفَعْت بَعِيرِي فَقُلْت : غَدْرًا أَيْ عَدُوّ اللّهِ ثُمّ تَنَاوَمْت فَدَنَوْت مِنْهُ لِأَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ فَتَنَاوَلَ سَيْفِي ، فَغَمَزْت بَعِيرِي وَقُلْت : هَلْ مِنْ رَجُلٍ يَنْزِلُ فَيَسُوقُ بِنَا ؟ فَلَمْ يَنْزِلْ أَحَدٌ ، فَنَزَلْت عَنْ بَعِيرِي فَسُقْت بِالْقَوْمِ حَتّى انْفَرَدَ أُسَيْرٌ فَضَرَبْته بِالسّيْفِ فَقَطَعْت مُؤَخّرَةَ الرّجْلِ وَأَنْدَرْت عَامّةَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَسَقَطَ عَنْ بَعِيرِهِ وَفِي يَدِهِ مِخْرَشٌ مِنْ شَوْحَطٍ فَضَرَبَنِي فَشَجّنِي مَأْمُومَةً وَمِلْنَا عَلَى [ ص 568 ] أَصْحَابِهِ فَقَتَلْنَاهُمْ كُلّهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَعْجَزَنَا شَدّا ، وَلَمْ يُصَبْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ ، ثُمّ أَقْبَلْنَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَدّثُ أَصْحَابَهُ إذْ قَالَ لَهُمْ تَمَشّوْا بِنَا إلَى الثّنِيّةِ نَتَحَسّبُ مِنْ أَصْحَابِنَا خَبَرًا . فَخَرَجُوا مَعَهُ فَلَمّا أَشْرَفُوا عَلَى الثّنِيّةِ فَإِذَا هُمْ بِسَرَعَانِ أَصْحَابِنَا . قَالَ فَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ . قَالَ وَانْتَهَيْنَا إلَيْهِ فَحَدّثْنَاهُ الْحَدِيثَ فَقَالَ نَجّاكُمْ اللّهُ مِنْ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ
قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ : فَدَنَوْت إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَفَثَ فِي شَجّتِي ، فَلَمْ تَقِحْ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَمْ تُؤْذِنِي ، وَقَدْ كَانَ الْعَظْمُ فُلّ وَمَسَحَ عَلَى وَجْهِي وَدَعَا لِي ، وَقَطَعَ قِطْعَةً مِنْ عَصَاهُ فَقَالَ أَمْسِكْ هَذَا مَعَك عَلَامَةً بَيْنِي وَبَيْنَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْرِفُك بِهَا ، فَإِنّك تَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُتَخَصّرًا . فَلَمّا دُفِنَ جُعِلَتْ مَعَهُ تَلِي جَسَدَهُ دُونَ ثِيَابِهِ .
فَحَدّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَطِيّةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُنَيْسٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت أُصْلِحُ قَوْسِي . قَالَ فَجِئْت فَوَجَدْت أَصْحَابِي قَدْ وُجّهُوا إلَى أُسَيْرِ بْنِ زَارِمَ . قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أَرَى أُسَيْرَ بْنَ زَارِمَ أَيْ اُقْتُلْهُ .
(1/567)
=====
سَرِيّةٌ أَمِيرُهَا كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ لَمّا أُغِيرَ عَلَى لِقَاحِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذِي الْجَدْرِ فِي شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ وَهِيَ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ .
[ ص 569 ] حَدّثَنَا خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، قَالَ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُرَيْنَةَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمُوا ، فَاسْتَوْبَأُوا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَ بِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى لِقَاحِهِ وَكَانَ سَرْحُ الْمُسْلِمِينَ بِذِي الْجَدْرِ فَكَانُوا بِهَا حَتّى صَحّوا وَسَمِنُوا . وَكَانُوا اسْتَأْذَنُوهُ يَشْرَبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَغَدَوْا عَلَى اللّقَاحِ فَاسْتَاقُوهَا ، فَيُدْرِكُهُمْ مَوْلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ نَفَرٌ فَقَاتَلَهُمْ فَأَخَذُوهُ فَقَطَعُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَغَرَزُوا الشّوْكَ فِي لِسَانِهِ وَعَيْنَيْهِ حَتّى مَاتَ . وَانْطَلَقُوا بِالسّرْحِ فَأَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَلَى حِمَارٍ لَهَا حَتّى تَمُرّ بِيَسَارٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ فَلَمّا رَأَتْهُ وَمَا بِهِ - وَقَدْ مَاتَ - رَجَعَتْ إلَى قَوْمِهَا وَخَبّرَتْهُمْ الْخَبَرَ ، فَخَرَجُوا نَحْوَ يَسَارٍ حَتّى جَاءُوا بِهِ إلَى قُبَاءَ مَيّتًا . فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَثَرِهِمْ عِشْرِينَ فَارِسًا ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِمْ حَتّى أَدْرَكَهُمْ اللّيْلُ فَبَاتُوا بِالْحَرّةِ وَأَصْبَحُوا فَاغْتَدَوْا لَا يَدْرُونَ أَيْنَ يَسْلُكُونَ فَإِذَا هُمْ بِامْرَأَةٍ تَحْمِلُ كَتِفَ بَعِيرٍ فَأَخَذُوهَا فَقَالُوا : مَا هَذَا مَعَك ؟ قَالَتْ مَرَرْت بِقَوْمٍ قَدْ نَحَرُوا بَعِيرًا فَأَعْطَوْنِي . قَالُوا : أَيْنَ هُمْ ؟ قَالَتْ هُمْ بِتِلْكَ الْقِفَارِ مِنْ الْحَرّةِ ، إذَا وَافَيْتُمْ عَلَيْهَا رَأَيْتُمْ دُخَانَهُمْ . فَسَارُوا حَتّى أَتَوْهُمْ حِينَ فَرَغُوا مِنْ طَعَامِهِمْ فَأَحَاطُوا بِهِمْ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يَسْتَأْسِرُوا ، فَاسْتَأْسَرُوا بِأَجْمَعِهِمْ لَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إنْسَانٌ فَرَبَطُوهُمْ وَأَرْدَفُوهُمْ عَلَى الْخَيْلِ حَتّى قَدِمُوا بِهِمْ الْمَدِينَةَ ، فَوَجَدُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْغَابَةِ ، فَخَرَجُوا نَحْوَهُ .
(1/569)
قَالَ خَارِجَةُ فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ قَالَ حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ [ ص 570 ] قَالَ فَخَرَجْت أَسْعَى فِي آثَارِهِمْ مَعَ الْغِلْمَانِ حَتّى لَقِيَ بِهِمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالزّغَابَةِ بِمَجْمَعِ السّيُولِ ، فَأَمَرَ بِهِمْ فَقُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ وَصُلِبُوا هُنَاكَ . قَالَ أَنَسٌ إنّي لَوَاقِفٌ أَنْظُرُ إلَيْهِمْ .
قَالَ الْوَاقِدِيّ : فَحَدّثَنِي إسْحَاقُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التّوَمَه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمّا قَطَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْدِي أَصْحَابِ اللّقَاحِ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنّمَا جَزَاءُ الّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتّلُوا أَوْ يُصَلّبُوا أَوْ تُقَطّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ
الْآيَةَ . قَالَ فَلَمْ تُسْمَلْ بَعْدَ ذَلِكَ عَيْنٌ .
قَالَ فَحَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ مَا بَعَثَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بَعْثًا إلّا نَهَاهُمْ عَنْ الْمُثْلَةِ .
وَحَدّثَنِي ابْنُ بِلَالٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمّدٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ لَمْ يَقْطَعْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِسَانًا قَطّ ، وَلَمْ يَسْمُلْ عَيْنًا ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ وَالرّجْلِ .
وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ أَمِيرُ السّرِيّةِ ابْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ .
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى ، قَالَ لَمّا ظَفِرُوا بِاللّقَاحِ خَلّفُوا عَلَيْهَا سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ ، وَمَعَهُ أَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ ، وَكَانَتْ اللّقَاحُ خَمْسَ عَشْرَةَ لِقْحَةً غِزَارًا . فَلَمّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الزّغَابَةِ وَجَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ إذَا اللّقَاحُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَظَرَ إلَيْهَا فَتَفَقّدَ مِنْهَا لِقْحَةً [ ص 571 ] لَهُ يُقَالُ لَهَا الْحِنّاءُ فَقَالَ أَيْ سَلَمَةُ أَيْنَ الْحِنّاءُ ؟ قَالَ نَحَرَهَا الْقَوْمُ وَلَمْ يَنْحَرُوا غَيْرَهَا . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُنْظُرْ مَكَانًا تَرْعَاهَا فِيهِ . قَالَ مَا كَانَ أَمْثَلَ مِنْ حَيْثُ كَانَتْ بِذِي الْجَدْرِ . قَالَ فَرَدّهَا إلَى ذِي الْجَدْرِ . فَكَانَتْ هُنَاكَ وَكَانَ لَبَنُهَا يُرَاحُ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّ لَيْلَةٍ وَطْبٌ مِنْ لَبَنٍ .
قَالَ ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ فَحَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، أَنّهُ أَخْبَرَهُ أَنّ سَلَمَةَ بْنَ الْأَكْوَعِ أَخْبَرَهُ بِعِدّةِ الْعِشْرِينَ فَارِسًا فَقَالَ أَنَا ، وَأَبُو رُهْمٍ الْغِفَارِيّ ، وَأَبُو ذَرّ وَبُرَيْدَةُ بْنُ الْخُصَيْبِ وَرَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ وَجُنْدُبُ بْنُ مَكِيثٍ وَبِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُزَنِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيّ ، وَجُعَالُ بْنُ سُرَاقَةَ وَصَفْوَانُ بْنُ مُعَطّلٍ وَأَبُو رَوْعَةَ مَعْبَدُ بْنُ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ بَدْرٍ ، وَسُوَيْدُ بْنُ صَخْرٍ ، وَأَبُو ضُبَيْسٍ الْجُهَنِيّ .
(1/570)
======
غَزْوَةُ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ حَدّثَنَا رَبِيعَةُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْهَرَمِ وَقُدَامَةُ بْنُ مُوسَى ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيّ ، وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِيّ ، وَأَبُو مَعْشَرٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيُونُسُ بْنُ مُحَمّدٍ وَيَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ [ ص 572 ] أَبِي صَعْصَعَةَ وَمُجَمّعُ بْنُ يَعْقُوبَ ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدٍ الزّرَقِيّ ، وَعَابِدُ بْنُ يَحْيَى ، وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، وَمُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، وَمُعَاذِ بْنِ مُحَمّدٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، وَحِزَامِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ بِطَائِفَةٍ وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ الْمُسَمّيْنَ قَدْ حَدّثَنِي ، أَهْلُ الثّقَةِ وَكَتَبْت كُلّ مَا حَدّثُونِي ، قَالُوا : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ رَأَى فِي النّوْمِ أَنّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ وَحَلّقَ رَأْسَهُ وَأَخَذَ مِفْتَاحَ الْبَيْتِ وَعَرّفَ مَعَ الْمُعَرّفِينَ فَاسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ إلَى الْعُمْرَةِ فَأَسْرَعُوا وَتَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ . وَقَدِمَ عَلَيْهِ بُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْكَعْبِيّ فِي لَيَالٍ بَقِيَتْ مِنْ شَوّالٍ سَنَةَ سِتّ فَقَدِمَ مُسْلِمًا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَائِرًا لَهُ وَهُوَ عَلَى الرّجُوعِ إلَى أَهْلِهِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا بُسْرُ لَا تَبْرَحْ حَتّى تَخْرُجَ مَعَنَا فَإِنّا إنْ شَاءَ اللّهُ مُعْتَمِرُونَ . فَأَقَامَ بُسْرٌ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُسْرَ بْنَ سُفْيَانَ يَبْتَاعُ لَهُ بُدْنًا ، فَكَانَ بُسْرٌ يَبْتَاعُ الْبُدْنَ وَيَبْعَثُ بِهَا إلَى ذِي الْجَدْرِ حَتّى حَضَرَ خُرُوجُهُ فَأَمَرَ بِهَا فَجُلِبَتْ إلَى الْمَدِينَةِ ، ثُمّ أَمَرَ بِهَا نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ الْأَسْلَمِيّ أَنْ يُقَدّمَهَا إلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى هَدْيِهِ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ .
(1/572)
وَخَرَجَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ لَا يَشُكّونَ فِي الْفَتْحِ لِلرّؤْيَا الّتِي رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَخَرَجُوا بِغَيْرِ سِلَاحٍ إلّا السّيُوفَ فِي الْقُرُبِ وَسَاقَ قَوْمٌ مِنْ أَصْحَابِهِ الْهَدْيَ أَهْلُ قُوّةٍ - أَبُو بَكْرٍ [ ص 573 ] وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ - سَاقُوا هَدْيًا حَتّى وَقَفَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ، وَسَاقَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ بُدْنًا . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَتَخْشَى يَا رَسُولَ اللّهِ عَلَيْنَا مِنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْب ٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَمْ نَأْخُذْ لِلْحَرْبِ عُدّتَهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَدْرِي ، وَلَسْت أُحِبّ أَحْمِلُ السّلَاحَ مُعْتَمِرًا .
حَرْبٍ وَأَصْحَابِهِ وَلَمْ نَأْخُذْ لِلْحَرْبِ عُدّتَهَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَدْرِي ، وَلَسْت أُحِبّ أَحْمِلُ السّلَاحَ مُعْتَمِرًا .
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ حَمَلْنَا السّلَاحَ مَعَنَا ، فَإِنْ رَأَيْنَا مِنْ الْقَوْمِ رَيْبًا كُنّا مُعِدّينَ لَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَسْت أَحْمِلُ السّلَاحَ إنّمَا خَرَجْت مُعْتَمِرًا . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِهِلَالِ ذِي الْقَعْدَةِ فَاغْتَسَلَ فِي بَيْتِهِ وَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ مِنْ نَسْجِ صُحَارٍ ، وَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ الْقَصْوَاءَ مِنْ عِنْدِ بَابِهِ وَخَرَجَ الْمُسْلِمُونَ فَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمّ دَعَا بِالْبُدْنِ فَجُلّلَتْ ثُمّ أَشْعَرَ بِنَفْسِهِ مِنْهَا عِدّةً وَهُنّ مُوَجّهَاتٌ إلَى الْقِبْلَةِ فِي الشّقّ الْأَيْمَنِ . وَيُقَالُ دَعَا بِبَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَشْعَرَهَا فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ثُمّ أَمَرَ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ بِإِشْعَارِ مَا بَقِيَ وَقَلّدَهَا نَعْلًا نَعْلًا ، وَهِيَ سَبْعُونَ بَدَنَةً فِيهَا جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَنِمَهُ بِبَدْرٍ وَكَانَ يَكُونُ فِي لِقَاحِهِ بِذِي الْجَدْرِ .
(1/573)
وَأَشْعَرَ الْمُسْلِمُونَ بُدْنَهُمْ وَقَلّدُوا النّعَالَ فِي رِقَابِ الْبُدْنِ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُسْرَ بْنَ سُفْيَانَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَرْسَلَهُ عَيْنًا لَهُ وَقَالَ إنّ قُرَيْشًا قَدْ بَلَغَهَا أَنّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ فَخَبّرْ لِي خَبَرَهُمْ ثُمّ الْقَنِي بِمَا يَكُونُ مِنْهُمْ .
[ ص 574 ] فَتَقَدّمَ بُسْرٌ أَمَامَهُ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ فَقَدّمَهُ أَمَامَهُ طَلِيعَةً فِي خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ عِشْرِينَ فَارِسًا ، وَكَانَ فِيهَا رِجَالٌ مِنْ الْمُهَاجِرِين َ وَالْأَنْصَارِ - الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو وَكَانَ فَارِسًا ، وَكَانَ أَبُو عَيّاشٍ الزّرَقِيّ فَارِسًا ، وَكَانَ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَارِسًا ، وَكَانَ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ فَارِسًا ، وَكَانَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فَارِسًا ، وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ فَارِسًا ، وَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَارِسًا ، فِي عِدّةٍ مِنْهُمْ . وَيُقَالُ أَمِيرُهُمْ سَعْدُ بْنُ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ .
ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْجِدَ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ خَرَجَ وَدَعَا بِرَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ فَلَمّا انْبَعَثَتْ بِهِ مُسْتَقْبِلَةً الْقِبْلَةَ أَحْرَمَ وَلَبّى بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ لَبّيْكَ اللّهُمّ لَبّيْكَ لَبّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك ، لَبّيْكَ إنّ الْحَمْدَ وَالنّعْمَةَ لَك ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك وَأَحْرَمَ عَامّةُ الْمُسْلِمِينَ بِإِحْرَامِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُحْرِمْ إلّا مِنْ الْجُحْفَةِ .
وَسَلَكَ طَرِيقَ الْبَيْدَاءِ ، وَخَرَجَ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ سِتّ عَشْرَةَ مِائَةً وَيُقَالُ أَلْفٌ وَأَرْبَعُمِائَةٍ وَيُقَالُ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا ; خَرَجَ مَعَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِائَةُ رَجُلٍ وَيُقَال سَبْعُونَ رَجُلًا ; وَخَرَجَ مَعَهُ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأُمّ عُمَارَةَ ، وَأُمّ مَنِيعٍ ، وَأُمّ عَامِرٍ الْأَشْهَلِيّةُ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمُرّ بِالْأَعْرَابِ فِيمَا بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ فَيَسْتَنْفِرُهُمْ فَيَتَشَاغَلُونَ لَهُ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ - وَهُمْ بَنُو بَكْرٍ ، وَمُزَيْنَةُ ، وَجُهَيْنَةُ - فَيَقُولُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ أَيُرِيدُ مُحَمّدٌ يَغْزُو بِنَا إلَى قَوْمٍ مُعِدّينَ مُؤَيّدِينَ فِي الْكُرَاعِ وَالسّلَاحِ ؟ وَإِنّمَا مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَكَلَةُ جَزُورٍ لَنْ يَرْجِعَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ مِنْ سَفَرِهِمْ هَذَا أَبَدًا [ ص 575 ] قَوْمٌ لَا سِلَاحَ مَعَهُمْ وَلَا عُدَدٌ وَإِنّمَا يَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ حَدِيثٍ عَهْدُهُمْ بِمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ
(1/574)
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقَدّمُ الْخَيْلَ ثُمّ يُقَدّمُ نَاجِيَةَ بْنَ جُنْدُبٍ مَعَ الْهَدْيِ وَكَانَ مَعَهُ فَتَيَانِ مِنْ أَسْلَمَ ، وَقَدّمَ الْمُسْلِمُونَ هَدْيَهُمْ مَعَ صَاحِبِ هَدْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَاجِيَةِ بْنِ جُنْدُبٍ مَعَ الْهَدْيِ . وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَصْبَحَ يَوْمَ الثّلَاثَاءِ بِمَلَلٍ فَرَاحَ مِنْ مَلَلٍ وَتَعَشّى بِالسّيّالَةِ ثُمّ أَصْبَحَ بِالرّوْحَاءِ ، فَلَقِيَ بِهَا أَصْرَامًا مِنْ بَنِي نَهْدٍ ، مَعَهُمْ نَعَمٌ وَشَاءٌ فَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ وَانْقَطَعُوا مِنْ الْإِسْلَامِ فَأَرْسَلُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلَبَنٍ مَعَ رَجُلٍ مِنْهُمْ . فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ وَقَالَ لَا أَقْبَلُ هَدِيّةَ مُشْرِكٍ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُبْتَاعَ مِنْهُمْ فَابْتَاعُوهُ مِنْ الْأَعْرَابِ فَسُرّ الْقَوْمُ وَجَاءُوا بِثَلَاثَةِ أَضُبّ أَحْيَاءٍ يَعْرِضُونَهَا ، فَاشْتَرَاهَا قَوْمٌ أَحِلّةٌ مِنْ الْعَسْكَرِ فَأَكَلُوا وَعَرَضُوا عَلَى الْمُحْرِمِينَ فَأَبَوْا حَتّى سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ كُلُوا فَكُلّ صَيْدٍ لَيْسَ لَكُمْ حَلَالًا فِي الْإِحْرَامِ تَأْكُلُونَهُ إلّا مَا صِدْتُمْ أَوْ صِيدَ لَكُمْ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ فَوَاَللّهِ مَا صِدْنَا وَلَا صَادَتْهُ إلّا هَؤُلَاءِ الْأَعْرَابُ ، أَهْدَوْا لَنَا وَمَا يَدْرُونَ أَنْ يَلْقَوْنَا ، إنّمَا هُمْ قَوْمٌ سَيّارَةٌ يُصْبِحُونَ الْيَوْمَ بِأَرْضٍ وَهُمْ الْغَدَ بِأَرْضٍ أُخْرَى يَتْبَعُونَ الْغَيْثَ وَهُمْ يُرِيدُونَ سَحَابَةً وَقَعَتْ مِنْ الْخَرِيفِ بِفَرْشِ مَلَلٍ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ فَسَأَلَهُ أَيْنَ تُرِيدُونَ ؟ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ ذُكِرَتْ لَنَا سَحَابَةٌ وَقَعَتْ بِفَرْشِ مَلَلٍ مُنْذُ شَهْرٍ فَأَرْسَلْنَا رَجُلًا مِنّا يَرْتَادُ [ ص 576 ] الْبِلَادَ فَرَجَعَ إلَيْنَا فَخَبّرَنَا أَنّ الشّاةَ قَدْ شَبِعَتْ وَأَنّ الْبَعِيرَ يَمْشِي ثَقِيلًا مِمّا جَمَعَ مِنْ الْحَوْضِ وَأَنّ الْغُدُرَ كَثِيرَةٌ مَرْوِيّةٌ فَأَرَدْنَا أَنْ نَلْحَقَ بِهِ .
(1/576)
فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو ، عَنْ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ حَنْطَبٍ ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنّا الْمُحِلّ وَالْمُحْرِمُ حَتّى إذَا كُنّا بِالْأَبْوَاءِ ، وَأَنَا مُحِلّ ، رَأَيْت حِمَارًا وَحْشِيّا ، فَأَسْرَجْت فَرَسِي فَرَكِبْت فَقُلْت لِبَعْضِهِمْ نَاوِلْنِي سَوْطِي فَأَبَى أَنْ يُنَاوِلَنِي فَقُلْت : نَاوِلْنِي رُمْحِي فَأَبَى ، فَنَزَلْت فَأَخَذْت سَوْطِي وَرُمْحِي ثُمّ رَكِبْت فَرَسِي ، فَحَمَلْت عَلَى الْحِمَارِ فَقَتَلْته ، فَجِئْت بِهِ أَصْحَابِي الْمُحْرِمِينَ وَالْمُحِلّينَ فَشَكّ الْمُحْرِمُونَ فِي أَكْلِهِ حَتّى أَدْرَكْنَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ كَانَ تَقَدّمَنَا بِقَلِيلٍ فَأَدْرَكْنَاهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْهُ فَقَالَ أَمَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ ؟ قَالَ فَأَعْطَيْته الذّرَاعَ فَأَكَلَهَا حَتّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ . فَقِيلَ لِأَبِي قَتَادَةَ : وَمَا خَلّفَكُمْ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ؟ قَالَ طَبَخْنَا الْحِمَارَ فَلَمّا نَضِجَ لَحِقْنَاهُ وَأَدْرَكْنَاهُ .
وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ الصّعْبِ بْنِ جَثّامَةَ ، أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّهُ جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَبْوَاءِ يَوْمَئِذٍ بِحِمَارٍ وَحْشِيّ فَأَهْدَاهُ لَهُ فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ الصّعْبُ فَلَمّا رَآنِي وَمَا بِوَجْهِي مِنْ كَرَاهِيَةِ رَدّ هَدِيّتِي ، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّا لَمْ نَرُدّهُ إلّا أَنّا حُرُمٌ . قَالَ فَسَأَلْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا نُصَبّحُ الْعَدُوّ وَالْغَارَةَ فِي غَلَسِ الصّبْحِ فَنُصِيبُ الْوِلْدَانَ تَحْتَ بُطُونِ الْخَيْلِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُمْ مَعَ الْآبَاءِ . [ ص 577 ] وَقَالَ سَمِعْته يَوْمَئِذٍ يَقُولُ لَا حِمَى إلّا لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَيُقَالُ إنّ الْحِمَارَ يَوْمَئِذٍ كَانَ حَيّا .
(1/577)
وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ جَدّهِ عَنْ أَبِي رُهْمٍ الْغِفَارِيّ قَالَ لَمّا نَزَلُوا الْأَبْوَاءَ أَهْدَى إيمَاءُ بْنُ رَحْضَةَ جُزُرًا وَمِائَةَ شَاةٍ وَبَعَثَ بِهَا مَعَ ابْنِهِ خُفَافِ بْنِ إيمَاءَ وَبَعِيرَيْنِ يَحْمِلَانِ لَبَنًا ، فَانْتَهَى بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ إنّ أَبِي أَرْسَلَنِي بِهَذِهِ الْجُزُرِ وَاللّبَنِ إلَيْك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَتَى حَلَلْتُمْ هَاهُنَا ؟ قَالَ قَرِيبًا ، كَانَ مَاءٌ عِنْدَنَا قَدْ أَجْدَبَ فَسُقْنَا مَاشِيَتَنَا إلَى مَاءٍ هَاهُنَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَيْفَ الْبِلَادُ هَاهُنَا ؟ قَالَ يُتَغَذّى بَعِيرُهَا ، وَأَمّا الشّاةُ فَلَا تُذْكَرُ . فَقَبِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَدِيّتَهُ وَأَمَرَ بِالْغَنَمِ فَفُرّقَ فِي أَصْحَابِهِ وَشَرِبَ اللّبَنَ عُسّا عُسّا حَتّى ذَهَبَ اللّبَنُ وَقَالَ بَارَكَ اللّهُ فِيكُمْ
فَحَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ الْغِفَارِيّ ، عَنْ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ قَالَ أُهْدِيَ يَوْمَئِذٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ وَدّانَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ مُعِيشًا ، وَعِتْرًا ، وَضَغَابِيسَ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْكُلُ مِنْ الضّغَابِيسِ وَالْعِتْرِ وَأَعْجَبَهُ وَأَمَرَ بِهِ فَأُدْخِلَ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَتِهِ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعْجِبُهُ هَذِهِ الْهَدِيّةُ وَيُرِي صَاحِبَهَا أَنّهَا طَرِيفَةٌ .
(1/577)
وَحَدّثَنِي سَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى ، [ ص 578 ] عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، قَالَ لَمّا كُنّا بِالْأَبْوَاءِ وَقَفَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أَنْفُخُ تَحْتَ قِدْرٍ لِي وَرَأْسِي يَتَهَافَتُ قَمْلًا وَأَنَا مُحْرِمٌ فَقَالَ هَلْ يُؤْذِيك هَوَامّك يَا كَعْبُ ؟ قُلْت : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . قَالَ فَاحْلِقْ رَأْسَك . قَالَ وَنَزَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْآيَةُ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَذْبَحَ شَاةً أَوْ أَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ أَوْ أُطْعِمَ سِتّةَ مَسَاكِينَ كُلّ مِسْكِينٍ مُدّيْنِ أَيّ ذَلِكَ فَعَلْت أَجْزَأَك وَيُقَالُ إنّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَهْدَى بَقَرَةً قَلّدَهَا وَأَشْعَرَهَا .
وَقَالَ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ عَطِبَ لِي بَعِيرٌ مِنْ الْهَدْيِ حِينَ نَظَرْت إلَى الْأَبْوَاءِ ، فَجِئْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَبْوَاءِ فَأَخْبَرْته فَقَالَ انْحَرْهَا وَاصْبُغْ قَلَائِدَهَا فِي دَمِهَا ، وَلَا تَأْكُلْ أَنْتَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ رُفْقَتِك مِنْهَا شَيْئًا ، وَخَلّ بَيْنَ النّاسِ وَبَيْنَهَا .
فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْجُحْفَةَ لَمْ يَجِدْ بِهَا مَاءً فَبَعَثَ رَجُلًا فِي الرّوَايَا إلَى الْخَرّارِ ، فَخَرَجَ الرّجُلُ غَيْرَ بَعِيدٍ فَرَجَعَ بِالرّوَايَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَمْضِيَ قَدَمًا رُعْبًا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اجْلِسْ وَبَعَثَ رَجُلًا آخَرَ فَخَرَجَ بِالرّوَايَا ، حَتّى إذَا كَانَ بِالْمَكَانِ الّذِي أَصَابَ الْأَوّلَ الرّعْبُ فَرَجَعَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا لَك ؟ فَقَالَ لَا وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَمْضِيَ رُعْبًا قَالَ اجْلِسْ ثُمّ بَعَثَ رَجُلًا آخَرَ فَلَمّا جَاوَزَ الْمَكَانَ الّذِي رَجَعَ مِنْهُ الرّجُلَانِ قَلِيلًا وَجَدَ مِثْلَ ذَلِكَ الرّعْبِ فَرَجَعَ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ فَأَرْسَلَهُ بِالرّوَايَا وَخَرَجَ السّقّاءُ مَعَهُ وَهُمْ لَا يَشُكّونَ فِي الرّجُوعِ لِمَا رَأَوْا مِنْ رُجُوعِ النّفَرِ فَوَرَدُوا الْخَرّارَ فَاسْتَقَوْا ثُمّ أَقْبَلُوا بِالْمَاءِ ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 579 ] بِشَجَرَةٍ فَقُمّ مَا تَحْتَهَا ، فَخَطَبَ النّاسَ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّي كَائِنٌ لَكُمْ فَرَطًا ، وَقَدْ تَرَكْت فِيكُمْ مَا إنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَمْ تَضِلّوا ; كِتَابُ اللّهِ وَسُنّتُهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُقَالُ قَدْ تَرَكْت فِيكُمْ كِتَابَ اللّهِ وَسُنّةَ نَبِيّهِ .
(1/578)
وَلَمّا بَلَغَ الْمُشْرِكِينَ خُرُوجُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَكّةَ رَاعَهُمْ ذَلِكَ وَاجْتَمَعُوا لَهُ وَشَاوَرُوا فِيهِ ذَوِي رَأْيِهِمْ فَقَالُوا : يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْنَا فِي جُنُودِهِ مُعْتَمِرًا ، فَتَسْمَعَ بِهِ الْعَرَبُ ، وَقَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا عَنْوَةً وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهُ مِنْ الْحَرْبِ مَا بَيْنَنَا وَاَللّهِ لَا كَانَ هَذَا أَبَدًا وَمِنّا عَيْنٌ تَطْرِفُ فَارْتَئُوا رَأْيَكُمْ فَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَجَعَلُوهُ إلَى نَفَرٍ مِنْ ذَوِي رَأْيِهِمْ - صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ ، وَسَهْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ - فَقَالَ صَفْوَانُ مَا كُنّا لِنَقْطَعَ أَمْرًا حَتّى نُشَاوِرَكُمْ نَرَى أَنْ نُقَدّمَ مِائَتَيْ فَارِسٍ إلَى كُرَاعِ الْغَمِيمِ وَنَسْتَعْمِلَ عَلَيْهَا رَجُلًا جَلْدًا . فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : نِعْمَ مَا رَأَيْت فَقَدّمُوا عَلَى خَيْلِهِمْ عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ - وَيُقَالُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - وَاسْتَنْفَرَتْ قُرَيْشٌ مَنْ أَطَاعَهَا مِنْ الْأَحَابِيشِ ، وَأَجْلَبَتْ سَقِيفٌ مَعَهُمْ وَقَدّمُوا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي الْخَيْلِ وَوَضَعُوا الْعُيُونَ عَلَى الْجِبَالِ حَتّى انْتَهَوْا إلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ وَزَرٌ وَزَعٌ كَانَتْ عُيُونُهُمْ عَشَرَةَ رِجَالٍ قَامَ [ عَلَيْهِمْ ] الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ مَنَافٍ يُوحِي بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ الصّوْتَ الْخَفِيّ فَعَلَ مُحَمّدٌ كَذَا وَكَذَا حَتّى يَنْتَهِيَ ذَلِكَ إلَى قُرَيْشٍ بِبَلْدَحٍ . وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَلْدَحٍ فَضَرَبُوا بِهَا الْقِبَابَ وَالْأَبْنِيَةَ وَخَرَجُوا بِالنّسَاءِ وَالصّبْيَانِ فَعَسْكَرُوا هُنَاكَ وَدَخَلَ بُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ مَكّةَ فَسَمِعَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَرَأَى مِنْهُمْ مَا رَأَى ، ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 580 ] فَلَقِيَهُ بِغَدِيرِ ذَاتِ الْأَشْطَاطِ مِنْ وَرَاءِ عُسْفَانَ ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَا بُسْرُ مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ تَرَكْت قَوْمَك ، كَعْبَ بْنَ لُؤَيّ ، وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيّ ، قَدْ سَمِعُوا بِمَسِيرِك فَفَزِعُوا وَهَابُوا أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِمْ عَنْوَةً وَقَدْ اسْتَنْفَرُوا لَك الْأَحَابِيشَ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ قَدْ لَبِسُوا لَك جِلْدَ النّمُورِ لِيَصُدّوك عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَقَدْ خَرَجُوا إلَى بَلْدَحٍ وَضَرَبُوا بِهَا الْأَبْنِيَةَ وَتَرَكْت عُمّادَهُمْ يُطْعِمُونَ الْجُزُرَ أَحَابِيشَهُمْ وَمَنْ ضَوَى إلَيْهِمْ فِي دُورِهِمْ وَقَدّمُوا الْخَيْلَ عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، مِائَتَيْ فَرَسٍ وَهَذِهِ خَيْلُهُمْ بِالْغَمِيمِ وَقَدْ وَضَعُوا الْعُيُونَ عَلَى الْجِبَالِ وَوَضَعُوا الْأَرْصَادَ .
(1/580)
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلنّاسِ هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ بِالْغَمِيمِ . ثُمّ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمّ قَالَ أَمّا بَعْدُ فَكَيْفَ تَرَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ فِي هَؤُلَاءِ الّذِينَ اسْتَنْفَرُوا إلَيّ مَنْ أَطَاعَهُمْ لِيَصُدّونَا عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ؟ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمْضِيَ لِوَجْهِنَا إلَى الْبَيْتِ فَمَنْ صَدّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نُخَلّفَ هَؤُلَاءِ الّذِينَ اُسْتُنْفِرُوا لَنَا إلَى أَهْلِيهِمْ فَنُصِيبَهُمْ ؟ فَإِنْ اتّبَعُونَا اتّبَعْنَا مِنْهُمْ عُنُقٌ يَقْطَعُهَا اللّهُ وَإِنْ قَعَدُوا قَعَدُوا مَحْزُونِينَ مَوْتُورِينَ
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ نَرَى يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ نَمْضِيَ لِوَجْهِنَا فَمَنْ صَدّنَا عَنْ الْبَيْتِ قَاتَلْنَاهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّ خَيْلَ قُرَيْشٍ فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالْغَمِيمِ . فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : فَلَمْ أَرَ أَحَدًا كَانَ أَكْثَرَ مُشَاوَرَةً لِأَصْحَابِهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ مُشَاوَرَتُهُ أَصْحَابَهُ فِي الْحَرْبِ فَقَطْ . قَالَ فَقَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو [ ص 581 ] فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا نَقُولُ كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمْ مُقَاتِلُونَ . وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ سِرْت إلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَسِرْنَا مَعَك مَا بَقِيَ مِنّا رَجُلٌ .
وَتَكَلّمَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ نَرَى أَنْ نَصْمُدَ لِمَا خَرَجْنَا لَهُ فَمَنْ صَدّنَا قَاتَلْنَاهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّا لَمْ نَخْرُجْ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، إنّمَا خَرَجْنَا عُمّارًا . وَلَقِيَهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ لَقَدْ اغْتَرَرْت بِقِتَالِ قَوْمِك جَلَابِيبِ الْعَرَبِ ، وَاَللّهِ مَا أَرَى مَعَك أَحَدًا لَهُ وَجْهٌ مَعَ أَنّي أَرَاكُمْ قَوْمًا لَا سِلَاحَ مَعَكُمْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَضَضْتَ بَظْرَ اللّاتِ قَالَ بُدَيْلٌ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا يَدٌ لَك عِنْدِي لَأَجَبْتُك ، فَوَاَللّهِ مَا أُتّهَمُ أَنَا وَلَا قَوْمِي أَلّا أَكُونَ أُحِبّ أَنْ يَظْهَرَ مُحَمّدٌ إنّي رَأَيْت قُرَيْشًا مُقَاتِلَتَك عَنْ ذَرَارِيّهَا وَأَمْوَالِهَا ، قَدْ خَرَجُوا إلَى بَلْدَحٍ فَضَرَبُوا الْأَبْنِيَةَ مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ وَرَادَفُوا عَلَى الطّعَامِ يُطْعِمُونَ الْجُزُرَ مَنْ جَاءَهُمْ يَتَقَوّوْنَ بِهِمْ عَلَى حَرْبِكُمْ فَرَ رَأْيَك
حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قَمّادِينَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ كَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ تَوَافَدُوا وَجَمَعُوا الْأَمْوَالَ يُطْعِمُونَ بِهَا مَنْ ضَوَى إلَيْهِمْ مِنْ الْأَحَابِيشِ ، فَكَانَ يُطْعِمُ فِي أَرْبَعَةِ أَمْكِنَةٍ فِي دَارِ النّدْوَةِ لِجَمَاعَتِهِمْ [ ص 582 ] وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ يُطْعِمُ فِي دَارِهِ وَكَانَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يُطْعِمُ فِي دَارِهِ وَكَانَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ يُطْعِمُ فِي دَارِهِ وَكَانَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى يُطْعِمُ فِي دَارِهِ .
(1/582)
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ وَدَنَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي خَيْلِهِ حَتّى نَظَرَ إلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصَفّ خَيْلَهُ فِيمَا بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَهِيَ فِي مِائَتَيْ فَرَسٍ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ فَتَقَدّمَ فِي خَيْلِهِ فَقَامَ بِإِزَائِهِ فَصَفّ أَصْحَابَهُ .
قَالَ دَاوُدُ فَحَدّثَنِي عِكْرِمَةُ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ فَحَانَتْ صَلَاةُ الظّهْرِ فَأَذّنَ بِلَالٌ وَأَقَامَ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقِبْلَةَ وَصَفّ النّاسَ خَلْفَهُ يَرْكَعُ بِهِمْ وَيَسْجُدُ ثُمّ سَلّمَ فَقَامُوا عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ التّعْبِيَةِ . فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : قَدْ كَانُوا عَلَى غِرّةٍ ، لَوْ كُنّا حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ لَأَصَبْنَا مِنْهُمْ وَلَكِنْ تَأْتِي السّاعَةَ صَلَاةٌ هِيَ أَحَبّ إلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ قَالَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصّلَاةَ فَلْتَقُمْ
الْآيَةَ . قَالَ فَحَانَتْ الْعَصْرُ فَأَذّنَ بِلَالٌ وَأَقَامَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُوَاجِهًا الْقِبْلَةَ وَالْعَدُوّ أَمَامَهُ وَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَبّرَ الصّفّانِ جَمِيعًا . ثُمّ رَكَعَ وَرَكَعَ الصّفّانِ جَمِيعًا ، ثُمّ سَجَدَ فَسَجَدَ الصّفّ الّذِي يَلِيهِ وَقَامَ الْآخَرُونَ يَحْرُسُونَهُ . فَلَمّا قَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّجُودَ بِالصّفّ الْأَوّلِ وَقَامُوا مَعَهُ سَجَدَ الصّفّ الْمُؤَخّرُ السّجْدَتَيْنِ ثُمّ اسْتَأْخَرَ الصّفّ الّذِي يَلُونَهُ وَتَقَدّمَ الصّفّ الْمُؤَخّرُ فَكَانُوا يَلُونَ رَسُولَ [ ص 583 ] اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَامُوا جَمِيعًا ، ثُمّ رَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَكَعَ الصّفّانِ جَمِيعًا ، ثُمّ سَجَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ الصّفّ الّذِي يَلُونَهُ وَقَامَ الصّفّ الْمُؤَخّرُ يَحْرُسُونَهُ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوّ فَلَمّا رَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأْسَهُ مِنْ السّجْدَتَيْنِ سَجَدَ الصّفّ الْمُؤَخّرُ السّجْدَتَيْنِ اللّتَيْنِ بَقِيَتَا عَلَيْهِمْ وَاسْتَوَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسًا فَتَشَهّدَ ثُمّ سَلّمَ عَلَيْهِمْ . فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ هَذِهِ أَوّلُ صَلَاةٍ صَلّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخَوْفِ .
(1/583)
حَدّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ ، عَنْ ابْنِ عَيّاشٍ الزّرَقِيّ أَنّهُ كَانَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ فَذَكَرَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى هَكَذَا ، وَذَكَرَ أَبُو عَيّاشٍ أَنّهُ أَوّلُ مَا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ .
حَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ . ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوّلَ صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرّقَاعِ ، ثُمّ صَلّاهَا بَعْدُ بِعُسْفَانَ ، بَيْنَهُمَا أَرْبَعُ سِنِينَ وَهَذَا أَثْبَتُ عِنْدَنَا .
قَالُوا : فَلَمّا أَمْسَى قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَيَامَنُوا فِي هَذَا الْعَصَلِ فَإِنّ عُيُونَ قُرَيْشٍ بِمَرّ الظّهْرَانِ أَوْ بِضَجْنَانَ ، فَأَيّكُمْ يَعْرِفُ ثَنِيّةَ ذَاتِ الْحَنْظَلِ ؟ فَقَالَ بُرَيْدَةُ بْنُ الْحُصَيْبِ الْأَسْلَمِيّ : أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ عَالِمٌ بِهَا . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُسْلُكْ أَمَامَنَا . فَأَخَذَ بِهِ بُرَيْدَةُ فِي الْعَصَلِ قِبَلَ جِبَالِ سُرَاوِعَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَسَارَ قَلِيلًا تُنَكّبُهُ الْحِجَارَةُ [ ص 584 ] وَتُعَلّقُهُ الشّجَرُ وَحَارَ حَتّى كَأَنّهُ لَمْ يَعْرِفْهَا قَطّ . قَالَ فَوَاَللّهِ إنْ كُنْت لَأَسْلُكُهَا فِي الْجُمُعَةِ مِرَارًا . فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَتَوَجّهُ قَالَ ارْكَبْ فَرَكِبْت فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ رَجُلٌ يَدُلّنَا عَلَى طَرِيقِ ذَاتِ الْحَنْظَلِ ؟ فَنَزَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيّ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَدُلّك . فَسَارَ قَلِيلًا ثُمّ سَقَطَ فِي خَمَرِ الشّجَرِ فَلَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْكَبْ . ثُمّ قَالَ مَنْ رَجُلٌ يَدُلّنَا عَلَى طَرِيقِ ذَاتِ الْحَنْظَلِ ؟ فَنَزَلَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ نُهْمٍ الْأَسْلَمِيّ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَدُلّك . فَقَالَ انْطَلِقْ أَمَامَنَا . فَانْطَلَقَ عَمْرٌو أَمَامَهُمْ حَتّى نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الثّنِيّةِ فَقَالَ هَذِهِ ثَنِيّةُ ذَاتِ الْحَنْظَلِ ؟ فَقَالَ عَمْرٌو : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَلَمّا وَقَفَ عَلَى رَأْسِهَا تَحَدّرَ بِهِ . قَالَ عَمْرٌو : وَاَللّهِ إنْ كَانَ لَيَهُمّنِي نَفْسِي وَجَدّي ، إنّمَا كَانَتْ مِثْلَ الشّرَاكِ فَاتّسَعَتْ لِي حَتّى بَرَزَتْ وَكَانَتْ مَحَجّةً لَاحِبَةً . وَلَقَدْ كَانَ النّفَرُ يَسِيرُونَ تِلْكَ اللّيْلَةَ جَمِيعًا مُعْطِفِينَ مِنْ سَعَتِهَا يَتَحَدّثُونَ وَأَضَاءَتْ تِلْكَ اللّيْلَةُ حَتّى كَأَنّا فِي قَمَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِثْلُ هَذِهِ الثّنِيّةِ اللّيْلَةَ إلّا مِثْلُ الْبَابِ الّذِي قَالَ اللّهُ لِبَنِي إسْرَائِيلَ : وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدًا وَقُولُوا حِطّةٌ
(1/584)
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ الْأَعْرَجِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [ ص 585 ] قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَلِمَةُ الّتِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجّدًا قَالَ بَابُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، فَدَخَلُوا مِنْ قِبَلِ أَسْتَاهِهِمْ وَقَالُوا : « حَبّةٌ فِي شَعِيرَةٍ » .
وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَلِمَةُ الّتِي عُرِضَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنْ يَقُولُوا : نَسْتَغْفِرُ اللّهَ وَنَتُوبُ إلَيْهِ . فَكِلَا هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ قَدْ رُوِيَ .
قَالُوا : ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَجُوزُ هَذِهِ الثّنِيّةَ أَحَدٌ إلّا غَفَرَ اللّهُ لَهُ . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ : وَكَانَ أَخِي لِأُمّي قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ فِي آخِرِ النّاسِ قَالَ فَوَقَفْت عَلَى الثّنِيّةِ فَجَعَلْت أَقُولُ لِلنّاسِ إنّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ « لَا يَجُوزُ هَذِهِ الثّنِيّةَ أَحَدٌ إلّا غُفِرَ لَهُ » . فَجَعَلَ النّاسُ يُسْرِعُونَ حَتّى جَازَ أَخِي فِي آخِرِ النّاسِ وَفَرِقْت أَنْ يُصْبِحَ قَبْلَ أَنْ نَجُوزَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ نَزَلَ مَنْ كَانَ مَعَهُ ثَقَلٌ فَلْيَصْطَنِعْ . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ وَإِنّمَا مَعَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَقَلٌ - الثّقَلُ الدّقِيقُ - وَإِنّمَا كَانَ عَامّةُ زَادِنَا التّمْرَ . فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا نَخَافُ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ تَرَانَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهُمْ لَنْ يَرَوْكُمْ إنّ اللّهَ سَيُعِينُكُمْ عَلَيْهِمْ . فَأَوْقِدُوا النّيرَانَ وَاصْطَنَعَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصْطَنِعَ . فَلَقَدْ أَوْقَدُوا أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةِ نَارٍ . فَلَمّا أَصْبَحْنَا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّبْحَ ثُمّ قَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ غَفَرَ اللّهُ لِلرّكْبِ أَجْمَعِينَ إلّا رُوَيْكِبًا وَاحِدًا عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ الْتَقَتْ عَلَيْهِ رِجَالُ الْقَوْمِ لَيْسَ مِنْهُمْ . فَطُلِبَ فِي الْعَسْكَرِ وَهُوَ يُظَنّ أَنّهُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا بِهِ نَاحِيَةً إلَى ذَرَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ مِنْ [ ص 586 ] أَهْلِ سَيْفِ الْبَحْرِ ، فَقِيلَ لِسَعِيدٍ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ كَذَا وَكَذَا . قَالَ سَعِيدٌ وَيْحَك اذْهَبْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَغْفِرُ لَك قَالَ بَعِيرِي وَاَللّهِ أَهَمّ إلَيّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي - وَإِذَا هُوَ قَدْ أَضَلّ بَعِيرًا لَهُ يَتْبَعُ الْعَسْكَرَ يَتَوَصّلُ بِهِمْ وَيَطْلُبُ بَعِيرَهُ - وَإِنّهُ لَفِي عَسْكَرِكُمْ فَأَدّوا إلَيّ بَعِيرِي . فَقَالَ سَعِيدٌ تَحَوّلْ عَنّي لَا حَيّاك اللّهُ أَلَا لَا أَرَى قُرْبِي إلّا دَاهِيَةً وَمَا أَشْعُرُ بِهِ فَانْطَلَقَ الْأَعْرَابِيّ يَطْلُبُ بَعِيرَهُ بَعْدَ أَنْ اسْتَبْرَأَ الْعَسْكَرَ فَبَيْنَا هُوَ فِي جِبَالِ سُرَاوِعَ إذْ زَلِقَتْ نَعْلُهُ فَتَرَدّى فَمَاتَ فَمَا عُلِمَ بِهِ حَتّى أَكَلَتْهُ السّبَاعُ .
(1/585)
وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهُ سَيَأْتِي قَوْمٌ تَحْقِرُونَ أَعْمَالَكُمْ مَعَ أَعْمَالِهِمْ . فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ قُرَيْشٌ ؟ قَالَ لَا ، وَلَكِنْ أَهْلُ الْيَمَنِ ، فَإِنّهُمْ أَرَقّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللّهِ هُمْ خَيْرٌ مِنّا ؟ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا - وَيَصِفُ هِشَامٌ فِي الصّفَةِ كَأَنّهُ يَقُولُ سَوَاءً - أَلَا إنّ فَضْلَ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النّاسِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ يَوْمَئِذٍ أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ كَأَنّهُمْ قِطَعُ السّحَابِ هُمْ خَيْرُ مَنْ عَلَى الْأَرْضِ . قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : وَلَا نَحْنُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثًا ، ثُمّ الرّابِعَةَ قَالَ قَوْلًا ضَعِيفًا : إلّا أَنْتُمْ
(1/585)
حَدّثَنِي مَعْمَرٌ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ [ ص 587 ] عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ وَسَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا دَنَا مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَعَتْ يَدُ رَاحِلَتِهِ عَلَى ثَنِيّةٍ تُهْبِطُهُ عَلَى غَائِطِ الْقَوْمِ فَبَرَكَتْ رَاحِلَتُهُ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ حَلْ حَلْ فَأَبَتْ أَنْ تَنْبَعِثَ فَقَالُوا : خَلَأَتْ الْقَصْوَاءُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّهَا مَا خَلَأَتْ وَلَا هُوَ لَهَا بِعَادَةٍ وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الْفِيلِ . أَمَا وَاَللّهِ لَا يَسْأَلُونَنِي الْيَوْمَ خُطّةً فِي تَعْظِيمِ حُرْمَةِ اللّهِ إلّا أَعْطَيْتهمْ إيّاهَا . ثُمّ زَجَرْنَاهَا فَقَامَتْ فَوَلّى رَاجِعًا عَوْدَهُ عَلَى بَدْئِهِ حَتّى نَزَلَ بِالنّاسِ عَلَى ثَمَدٍ مِنْ ثِمَادِ الْحُدَيْبِيَةِ ظَنُونٍ قَلِيلِ الْمَاءِ يُتَبَرّضُ مَاؤُهُ تَبَرّضًا ، فَاشْتَكَى النّاسُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قِلّةَ الْمَاءِ فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَأَمَرَ بِهِ فَغُرِزَ فِي الثّمَدِ فَجَاشَتْ لَهُمْ بِالرّوَاءِ حَتّى صَدَرُوا عَنْهُ بِعَطَنٍ . قَالَ وَإِنّهُمْ لَيَغْرِفُونَ بِآنِيَتِهِمْ جُلُوسًا عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ . وَاَلّذِي نَزَلَ بِالسّهْمِ نَاجِيَةُ بْنُ الْأَعْجَمِ مِنْ أَسْلَمَ . وَقَدْ رُوِيَ أَنّ جَارِيَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَتْ لِنَاجِيَةَ بْنِ جُنْدُبٍ وَهُوَ فِي الْقَلِيبِ :
يَا أَيّهَا الْمَاتِحُ دَلْوِي دُونَكَا
إنّي رَأَيْت النّاسَ يَحْمَدُونَكَا
يُثْنُونَ خَيْرًا وَيُمَجّدُونَكَا
فَقَالَ نَاجِيَةُ وَهُوَ فِي الْقَلِيبِ : [ ص 588 ]
قَدْ عَلِمَتْ جَارِيَةٌ يَمَانِيَهْ
أَنّي أَنَا الْمَاتِحُ وَاسْمِي نَاجِيَهْ
وَطَعْنَةٍ مِنّي رَشَاشٍ وَاهِيَهْ
طَعَنْتهَا تَحْتَ صُدُورِ الْعَالِيَهْ
أَنْشَدَنِيهَا رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ نَاجِيَةَ بْنِ الْأَعْجَمِ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ وَهْبٍ الْأَسْلَمِيّ . فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدٍ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ الّذِي نَزَلَ بِالسّهْمِ نَاجِيَةُ بْنُ جُنْدُبٍ .
(1/587)
وَحَدّثَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ وَاقِدٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ نَاجِيَةَ بْنَ الْأَعْجَمِ - وَكَانَ نَاجِيَةُ بْنُ الْأَعْجَمِ يُحَدّثُ - يَقُولُ دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ شُكِيَ إلَيْهِ قِلّةُ الْمَاءِ فَأَخْرَجَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ وَدَفَعَهُ إلَيّ وَدَعَانِي بِدَلْوٍ مِنْ مَاءِ الْبِئْرِ فَجِئْته بِهِ فَتَوَضّأَ فَقَالَ مَضْمَضَ فَاهُ ثُمّ مَجّ فِي الدّلْوِ وَالنّاسُ فِي حَرّ شَدِيدٍ وَإِنّمَا هِيَ بِئْرٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ سَبَقَ الْمُشْرِكُونَ إلَى بَلْدَحٍ فَغَلَبُوا عَلَى مِيَاهِهِ فَقَالَ انْزِلْ بِالْمَاءِ فَصُبّهُ فِي الْبِئْرِ وَأَثِرْ مَاءَهَا بِالسّهْمِ . فَفَعَلْت ، فَوَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ مَا كُنْت أَخْرُجُ حَتّى كَادَ يَغْمُرُنِي ، وَفَارَتْ كَمَا تَفُورُ الْقِدْرُ حَتّى طَمّتْ وَاسْتَوَتْ بِشَفِيرِهَا يَغْتَرِفُونَ مَاءَ جَانِبِهَا حَتّى نَهِلُوا مِنْ آخِرِهِمْ . قَالَ وَعَلَى الْمَاءِ يَوْمَئِذٍ نَفَرٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ ، وَأَوْسٌ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ، وَهُمْ جُلُوسٌ يَنْظُرُونَ إلَى الْمَاءِ وَالْبِئْرُ تَجِيشُ بِالرّوَاءِ وَهُمْ جُلُوسٌ عَلَى شَفِيرِهَا . فَقَالَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ وَيْحَك يَا أَبَا الْحُبَابِ أَمَا آنَ لَك أَنْ تُبْصِرَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ ؟ أَبَعْدَ هَذَا شَيْءٌ ؟ وَرَدْنَا بِئْرًا يُتَبَرّضُ مَاؤُهَا - يُتَبَرّضُ يَخْرُجُ فِي الْقَعْبِ جَرْعَةُ مَاءٍ - فَتَوَضّأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الدّلْوِ وَمَضْمَضَ فَاهُ فِي الدّلْوِ [ ص 589 ] ثُمّ أَفْرَغَ الدّلْوَ فِيهَا وَنَزَلَ بِالسّهْمِ فَحَثْحَثَهَا فَجَاشَتْ بِالرّوَاءِ . قَالَ يَقُولُ ابْنُ أُبَيّ : قَدْ رَأَيْت مِثْلَ هَذَا . فَقَالَ أَوْسٌ قَبّحَك اللّهُ وَقَبّحَ رَأْيَك فَيُقْبِلُ ابْنُ أُبَيّ يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْ أَبَا الْحُبَابِ أَيْنَ رَأَيْت مِثْلَ مَا رَأَيْت الْيَوْمَ ؟ فَقَالَ مَا رَأَيْت مِثْلَهُ قَطّ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلِمَ قُلْت مَا قُلْت ؟ قَالَ ابْنُ أُبَيّ : أَسَتَغْفِرُ اللّهَ قَالَ ابْنُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ اسْتَغْفِرْ لَهُ فَاسْتَغْفَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ جَدّهِ عُبَيْدِ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ ، قَالَ سَمِعْت خَالِدَ بْنَ عَبّادٍ الْغِفَارِيّ يَقُولُ أَنَا نَزَلْت بِالسّهْمِ يَوْمَئِذٍ فِي الْبِئْرِ .
(1/589)
حَدّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الْهَمْدَانِيّ قَالَ سَمِعْت الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ أَنَا نَزَلْت بِالسّهْمِ .
قَالُوا : وَمُطِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ مِرَارًا فَكَثُرَتْ الْمِيَاهُ . حَدّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذّاءِ عَنْ أَبِي الْمُلَيْحِ الْهُذَلِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مُطِرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةِ مَطَرًا فَمَا ابْتَلّتْ مِنْهُ أَسْفَلُ نِعَالِنَا ، فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الصّلَاةَ فِي الرّحَالِ .
حَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيّ قَالَ صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّبْحَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ فِي إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللّيْلِ فَلَمّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبّكُمْ ؟ قَالُوا : اللّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ « أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ . فَأَمّا مَنْ قَالَ مُطِرْت بِفَضْلِ اللّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ وَأَمّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ .
[ ص 590 ] حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الْحَضْرَمِيّ قَالَ سَمِعْت أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ سَمِعْت ابْنَ أُبَيّ يَقُولُ - وَنَحْنُ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَمُطِرْنَا بِهَا - فَقَالَ ابْنُ أُبَيّ : هَذَا نَوْءُ الْخَرِيفِ مُطِرْنَا بِالشّعْرَى
(1/590)
وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ الْحِجَازِيّ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، قَالَ لَمّا نَزَلْنَا عَلَى الْحُدَيْبِيَةِ ، وَالْمَاءُ قَلِيلٌ سَمِعْت الْجَدّ بْنَ قَيْسٍ يَقُولُ مَا كَانَ خُرُوجُنَا إلَى هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِشَيْءٍ نَمُوتُ مِنْ الْعَطَشِ عَنْ آخِرِنَا فَقُلْت : لَا تَقُلْ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ فَلِمَ خَرَجْت ؟ قَالَ خَرَجْت مَعَ قَوْمِي . قُلْت : فَلَمْ تَخْرُجْ مُعْتَمِرًا ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ مَا أَحْرَمْت . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : وَلَا نَوَيْت الْعُمْرَةَ ؟ قَالَ لَا فَلَمّا دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّجُلَ فَنَزَلَ بِالسّهْمِ وَتَوَضّأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الدّلْوِ وَمَجّ فَاهُ فِيهِ ثُمّ رَدّهُ فِي الْبِئْرِ فَجَاشَتْ الْبِئْرُ بِالرّوَاءِ . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَرَأَيْت الْجَدّ مَادّا رِجْلَيْهِ عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ فِي الْمَاءِ فَقُلْت : أَبَا عَبْدِ اللّهِ أَيْنَ مَا قُلْت ؟ قَالَ إنّمَا كُنْت أَمْزَحُ مَعَك ، لَا تَذْكُرْ لِمُحَمّدٍ مِمّا قُلْت شَيْئًا . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : وَقَدْ كُنْت ذَكَرْته قَبْلَ ذَلِكَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فَغَضِبَ الْجَدّ وَقَالَ بَقِينَا مَعَ صِبْيَانٍ مِنْ قَوْمِنَا لَا يَعْرِفُونَ لَنَا شَرَفًا وَلَا سِنّا ، لَبَطْنُ الْأَرْضِ الْيَوْمَ خَيْرٌ مِنْ ظَهْرِهَا قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : [ ص 591 ] وَقَدْ كُنْت ذَكَرْت قَوْلَهُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ابْنُهُ خَيْرٌ مِنْهُ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَلَقِيَنِي نَفَرٌ مِنْ قَوْمِي فَجَعَلُوا يُؤَنّبُونَنِي وَيَلُومُونَنِي حِينَ رَفَعْت مَقَالَتَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت لَهُمْ بِئْسَ الْقَوْمُ أَنْتُمْ وَيْحَكُمْ عَنْ الْجَدّ بْنِ قَيْسٍ تَذُبّونَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ كَبِيرُنَا وَسَيّدُنَا . فَقُلْت : قَدْ وَاَللّهِ طَرَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُؤْدَدَهُ عَنْ بَنِي سَلِمَةَ ، وَسَوّدَ عَلَيْنَا بِشْرَ بْنَ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ ، وَهَدَمْنَا الْمَنَامَاتِ الّتِي كَانَتْ عَلَى بَابِ الْجَدّ وَبَنَيْنَاهَا عَلَى بَابِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ فَهُوَ سَيّدُنَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَلَمّا دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْبَيْعَةِ فَرّ الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ فَدَخَلَ تَحْتَ بَطْنِ الْبَعِيرِ فَخَرَجْت أَعْدُو وَأَخَذْت بِيَدِ رَجُلٍ كَانَ يُكَلّمُنِي فَأَخْرَجْنَاهُ مِنْ تَحْتِ بَطْنِ الْبَعِيرِ فَقُلْت : وَيْحَك مَا أَدْخَلَك هَاهُنَا ؟ أَفِرَارًا مِمّا نَزَلَ بِهِ رُوحُ الْقُدُسِ ؟ قَالَ لَا ، وَلَكِنّي رُعِبْت وَسَمِعْت الْهَيْعَةَ . قَالَ الرّجُلُ لَا نَضَحْت عَنْك أَبَدًا ، وَمَا فِيك خَيْرٌ . فَلَمّا مَرِضَ الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ وَنَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ لَزِمَ أَبُو قَتَادَةَ بَيْتَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتّى مَاتَ وَدُفِنَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا كُنْت لِأُصَلّيَ عَلَيْهِ وَقَدْ سَمِعْته يَقُولُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَذَا وَكَذَا ، وَقَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ كَذَا وَكَذَا ، وَاسْتَحْيَيْت مِنْ قَوْمِي يَرَوْنَنِي خَارِجًا وَلَا أَشْهَدُهُ . وَيُقَالُ خَرَجَ أَبُو قَتَادَةَ إلَى مَالِهِ بِالْوَادِيَيْنِ فَكَانَ فِيهِ حَتّى دُفِنَ وَمَاتَ الْجَدّ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ .
(1/591)
وَقَالُوا : لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُدَيْبِيَةَ أَهْدَى لَهُ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ وَبُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ الْخُزَاعِيّانِ غَنَمًا وَجَزُورًا [ ص 592 ] وَأَهْدَى عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ جُزُرًا ، وَكَانَ صَدِيقًا لَهُ فَجَاءَ سَعْدٌ بِالْغَنَمِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنّ عَمْرًا أَهْدَاهَا لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَمْرٌو قَدْ أَهْدَى لَنَا مَا تَرَى ، فَبَارَكَ اللّهُ فِي عَمْرٍو ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْجُزُرِ تُنْحَرُ وَتُقْسَمُ فِي أَصْحَابِهِ وَفَرّقَ الْغَنَمَ عَلَى أَصْحَابِهِ مِنْ آخِرِهَا .
قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ مَعَهُ فَدَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ لَحْمِ الْجُزُرِ كَنَحْوٍ مِمّا دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ ، وَشَرِكْنَا فِي شَاةٍ فَدَخَلَ عَلَيْنَا بَعْضُهَا . وَكَانَ الّذِي جَاءَنَا بِالْهَدِيّةِ غُلَامٌ مِنْهُمْ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالْغُلَامُ فِي بُرْدَةٍ لَهُ بَلِيّةٍ فَقَالَ يَا غُلَامُ أَيْنَ تَرَكْت أَهْلَك ؟ قَالَ تَرَكْتهمْ قَرِيبًا بِضَجْنَانَ وَمَا وَالَاهُ . فَقَالَ كَيْفَ تَرَكْت الْبِلَادَ ؟ فَقَالَ الْغُلَامُ تَرَكْتهَا وَقَدْ تَيَسّرَتْ قَدْ أَمْشَرَ عِضَاهُهَا ، وَأَعْذَقَ إذْخِرُهَا ، وَأَسْلَبَ ثُمَامُهَا ، وَأَبْقَلَ حَمْضُهَا ، وَانْبَلّتْ الْأَرْضُ فَتَشَبّعَتْ شَاتُهَا إلَى اللّيْلِ وَشَبِعَ بَعِيرُهَا إلَى اللّيْلِ مِمّا جَمَعَ مِنْ خَوْصٍ وَضَمْدِ الْأَرْضِ وَبَقْلٍ وَتَرَكْت مِيَاهَهُمْ كَثِيرَةً تَشْرَعُ فِيهَا الْمَاشِيَةُ وَحَاجَةُ الْمَاشِيَةِ إلَى الْمَاءِ قَلِيلٌ لِرُطُوبَةِ الْأَرْضِ . فَأَعْجَبَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ لِسَانُهُ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكُسْوَةٍ فَكُسِيَ الْغُلَامُ وَقَالَ الْغُلَامُ إنّي أُرِيدُ أَنْ أَمَسّ [ ص 593 ] يَدَك أَطْلُبُ بِذَلِكَ الْبَرَكَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُدْنُ فَدَنَا فَأَخَذَ يَدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَبّلَهَا ، وَمَسَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ بَارَكَ اللّهُ فِيك فَكَانَ قَدْ بَلَغَ سِنّا ، وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَحَالٌ فِي قَوْمِهِ حَتّى تُوُفّيَ زَمَنَ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ .
(1/592)
قَالُوا : فَلَمّا اطْمَأَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ جَاءَهُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ وَرَكْبٌ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَهُمْ عَيْبَةُ نُصْحِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتِهَامَةَ ، مِنْهُمْ الْمُسْلِمُ وَمِنْهُمْ الْمُوَادِعُ لَا يُخْفُونَ عَلَيْهِ بِتِهَامَةَ شَيْئًا ، فَأَنَاخُوا رَوَاحِلَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ جَاءُوا فَسَلّمُوا عَلَيْهِ فَقَالَ بُدَيْلٌ جِئْنَاك مِنْ عِنْدِ قَوْمِك ، كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ وَعَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، قَدْ اسْتَنْفَرُوا لَك الْأَحَابِيشَ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ - النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ - يُقْسِمُونَ بِاَللّهِ لَا يُخَلّونَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْبَيْتِ حَتّى تَبِيدَ خَضْرَاؤُهُمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، إنّمَا جِئْنَا لِنَطُوفَ بِهَذَا الْبَيْتِ فَمَنْ صَدّنَا عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ وَقُرَيْشٌ قَوْمٌ قَدْ أَضَرّتْ بِهِمْ الْحَرْبُ وَنَهَكَتْهُمْ فَإِنْ شَاءُوا مَادَدْتهمْ مُدّةً يَأْمَنُونَ فِيهَا ، وَيُخَلّونَ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النّاسِ وَالنّاسُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَإِنْ ظَهَرَ أَمْرِي عَلَى النّاسِ كَانُوا بَيْنَ أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النّاسُ أَوْ يُقَاتِلُوا وَقَدْ جَمَعُوا وَاَللّهِ لَأَجْهَدَنّ عَلَى أَمْرِي هَذَا حَتّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي أَوْ يُنْفِذَ اللّهُ أَمْرَهُ [ ص 594 ] فَوَعَى بُدَيْلٌ مَقَالَتَهُ وَرَكِبَ ثُمّ رَكِبُوا إلَى قُرَيْشٍ ، وَكَانَ فِي الرّكْبِ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ ، فَجَعَلَ يَقُولُ وَاَللّهِ لَا تُنْصَرُونَ عَلَى مَنْ يَعْرِضُ هَذَا أَبَدًا ، حَتّى هَبَطُوا عَلَى كُفّارِ قُرَيْشٍ . فَقَالَ نَاسٌ مِنْهُمْ هَذَا بُدَيْلٌ وَأَصْحَابُهُ إنّمَا جَاءُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَسْتَخْبِرُوكُمْ فَلَا تَسْأَلُوهُمْ عَنْ حَرْفٍ وَاحِدٍ فَلَمّا رَأَى بُدَيْلٌ وَأَصْحَابُهُ أَنّهُمْ لَا يَسْتَخْبِرُونَهُمْ قَالَ بُدَيْلٌ إنّا جِئْنَا مِنْ عِنْدِ مُحَمّدٍ ، أَتُحِبّونَ أَنْ نُخْبِرَكُمْ ؟ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَالْحَكَمُ بْنُ الْعَاصِ : لَا وَاَللّهِ مَا لَنَا حَاجَةٌ بِأَنْ تُخْبِرَنَا عَنْهُ وَلَكِنْ أَخْبِرُوهُ عَنّا أَنّهُ لَا يَدْخُلُهَا عَلَيْنَا عَامَهُ هَذَا أَبَدًا حَتّى لَا يَبْقَى مِنّا رَجُلٌ .
فَقَالَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ : وَاَللّهِ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ رَأْيًا أَعْجَبَ وَمَا تَكْرَهُونَ أَنْ تَسْمَعُوا مِنْ بُدَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ ؟ فَإِنْ أَعْجَبَكُمْ أَمْرٌ قَبِلْتُمُوهُ وَإِنْ كَرِهْتُمْ شَيْئًا تَرَكْتُمُوهُ لَا يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُوا هَذَا أَبَدًا وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ ذَوِي رَأْيِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ : أَخْبِرُونَا بِاَلّذِي رَأَيْتُمْ وَاَلّذِي سَمِعْتُمْ . فَأَخْبَرُوهُمْ بِمَقَالَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي قَالَ وَمَا عَرَضَ عَلَى قُرَيْشٍ مِنْ الْمُدّةِ فَقَالَ عُرْوَةُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْش ٍ تَتّهِمُونَنِي ؟ أَلَسْتُمْ الْوَالِدَ وَأَنَا الْوَلَدُ ؟ وَقَدْ اسْتَنْفَرْت أَهْلَ عُكَاظٍ لِنَصْرِكُمْ فَلَمّا بَلّحُوا عَلَيّ نَفَرْت إلَيْكُمْ بِنَفْسِي وَوَلَدِي وَمَنْ أَطَاعَنِي فَقَالُوا : قَدْ فَعَلْت فَقَالَ وَإِنّي نَاصِحٌ لَكُمْ شَفِيقٌ عَلَيْكُمْ لَا أَدّخِرُ عَنْكُمْ نُصْحًا ، وَإِنّ بُدَيْلًا قَدْ جَاءَكُمْ بِخُطّةِ رُشْدٍ لَا يَرُدّهَا أَحَدٌ أَبَدًا إلّا أَخَذَ شَرّا مِنْهَا ، فَاقْبَلُوهَا مِنْهُ وَابْعَثُونِي حَتّى آتِيَكُمْ بِمِصْدَاقِهَا مِنْ عِنْدِهِ وَأَنْظُرَ إلَى مَنْ مَعَهُ وَأَكُونَ لَكُمْ عَيْنًا آتِيكُمْ بِخَبَرِهِ . فَبَعَثَتْهُ قُرَيْشٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبَلَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ [ ص 595 ] عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ أَقْبَلَ حَتّى جَاءَهُ ثُمّ قَالَ يَا مُحَمّدُ إنّي تَرَكْت قَوْمَك ، كَعْبَ بْنَ لُؤَيّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَيّ عَلَى أَعْدَادِ مِيَاهِ الْحُدَيْبِيَةِ مَعَهُمْ الْعُوذُ الْمَطَافِيلُ قَدْ اسْتَنْفَرُوا لَك أَحَابِيشَهُمْ وَمَنْ أَطَاعَهُمْ وَهُمْ يُقْسِمُونَ بِاَللّهِ لَا يُخَلّونَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْبَيْتِ حَتّى تَجْتَاحَهُمْ . وَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ قِتَالِهِمْ بَيْنَ أَحَدِ أَمْرَيْنِ أَنْ تَجْتَاحَ قَوْمَك ، وَلَمْ نَسْمَعْ بِرَجُلٍ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَك ; أَوْ بَيْنَ أَنْ يَخْذُلَك مَنْ نَرَى مَعَك ، فَإِنّي لَا أَرَى مَعَك إلّا أَوْبَاشًا مِنْ النّاسِ لَا أَعْرِفُ وُجُوهَهُمْ وَلَا أَنْسَابَهُمْ .
(1/594)
فَغَضِبَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَالَ اُمْصُصْ بَظْرَ اللّاتِ أَنَحْنُ نَخْذُلُهُ ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا يَدٌ لَك عِنْدِي لَمْ أَجْزِك بِهَا بَعْدُ لَأَجَبْتُك وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ قَدْ اسْتَعَانَ فِي حَمْلِ دِيَةٍ فَأَعَانَهُ الرّجُلُ بِالْفَرِيضَتَيْنِ وَالثّلَاثِ وَأَعَانَهُ أَبُو بَكْرٍ بِعَشْرِ فَرَائِضَ فَكَانَتْ هَذِهِ يَدَ أَبِي بَكْرٍ عِنْدَ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ . فَطَفِقَ عُرْوَةُ وَهُوَ يُكَلّمُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَمَسّ لِحْيَتَهُ - وَالْمُغِيرَةُ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّيْفِ عَلَى وَجْهِهِ الْمِغْفَرُ - فَطَفِقَ الْمُغِيرَةُ كُلّمَا مَسّ لِحْيَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَرَعَ يَدَهُ وَيَقُولُ اُكْفُفْ يَدَك عَنْ مَسّ لِحْيَةِ رَسُولِ اللّهِ قَبْلَ أَلّا تَصِلَ إلَيْك فَلَمّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ غَضِبَ عُرْوَةُ فَقَالَ لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَنْتَ يَا مُحَمّدُ مَنْ هَذَا الّذِي أَرَى مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِك ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا ابْنُ أَخِيك الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ . قَالَ وَأَنْتَ بِذَلِكَ يَا غُدَرُ ؟ وَاَللّهِ مَا غَسَلْت عَنْك عَذِرَتَك إلّا بِعُلَابِطَ أَمْسِ لَقَدْ أَوْرَثْتنَا الْعَدَاوَةَ مِنْ ثَقِيفٍ [ ص 596 ] إلَى آخِرِ الدّهْرِ يَا مُحَمّدُ أَتَدْرِي كَيْفَ صَنَعَ هَذَا ؟ إنّهُ خَرَجَ فِي رَكْبٍ مِنْ قَوْمِهِ فَلَمّا كَانُوا بَيْنَنَا وَنَامُوا فَطَرَقَهُمْ فَقَتَلَهُمْ وَأَخَذَ حَرَائِبَهُمْ وَفَرّ مِنْهُمْ . وَكَانَ الْمُغِيرَةُ خَرَجَ مَعَ نَفَرٍ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حُطَيْطِ بْنِ جُشَمِ بْنِ قَسِيّ - وَالْمُغِيرَةُ أَحَدُ الْأَحْلَامِ - وَمَعَ الْمُغِيرَةِ حَلِيفَانِ لَهُ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا دَمّونُ - رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ - وَالْآخَرُ الشّرِيدُ وَإِنّمَا كَانَ اسْمَهُ عَمْرٌو ، فَلَمّا صَنَعَ الْمُغِيرَةُ بِأَصْحَابِهِ مَا صَنَعَ شَرّدَهُ فَسُمّيَ بِالشّرِيدِ .
وَخَرَجُوا إلَى الْمُقَوْقَسِ صَاحِبِ الْإِسْكَنْدَرِيّةِ ، فَجَاءَ بَنِي مَالِكٍ وَآثَرَهُمْ عَلَى الْمُغِيرَةِ فَأَقْبَلُوا رَاجِعِينَ حَتّى إذَا كَانُوا بِبَيْسَانَ شَرِبُوا خَمْرًا ، فَكَفّ الْمُغِيرَةُ عَنْ بَعْضِ الشّرَابِ وَأَمْسَكَ نَفْسَهُ وَشَرِبَتْ بَنُو مَالِكٍ حَتّى سَكِرُوا ، فَوَثَبَ عَلَيْهِمْ الْمُغِيرَةُ فَقَتَلَهُمْ وَكَانُوا ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا . فَلَمّا قَتَلَهُمْ وَنَظَرَ إلَيْهِمْ دَمّونُ تَغَيّبَ عَنْهُمْ وَظَنّ أَنّ الْمُغِيرَةَ إنّمَا حَمَلَهُ عَلَى قَتْلِهِمْ السّكْرُ فَجَعَلَ الْمُغِيرَةُ يَطْلُبُ دَمّونَ وَيَصِيحُ بِهِ فَلَمْ يَأْتِ وَيُقَلّبُ الْقَتْلَى فَلَا يَرَاهُ فَبَكَى ، فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ دَمّونُ خَرَجَ إلَيْهِ فَقَالَ الْمُغِيرَةُ مَا غَيّبَك ؟ قَالَ خَشِيت أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْت الْقَوْمَ .
(1/596)
قَالَ الْمُغِيرَةُ إنّمَا قَتَلْت بَنِي مَالِكٍ بِمَا صَنَعَ بِهِمْ الْمُقَوْقَسُ . قَالَ وَأَخَذَ الْمُغِيرَةُ أَمْتِعَتَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَلَحِقَ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أُخَمّسُهُ هَذَا غَدْرٌ وَذَلِكَ حِينَ أُخْبِرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَبَرَهُمْ .
وَأَسْلَمَ الْمُغِيرَةُ وَأَقْبَلَ الشّرِيدُ فَقَدِمَ مَكّةَ فَأَخْبَرَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ بِمَا صَنَعَ الْمُغِيرَةُ بِبَنِي مَالِكٍ فَبَعَثَ أَبُو سُفْيَانَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي [ ص 597 ] سُفْيَانَ إلَى عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ - وَهُوَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ بْنِ أَبِي عَامِرِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُعَتّبٍ - فَقَالَ مُعَاوِيَةُ خَرَجْت حَتّى إذَا كُنْت بِنَعْمَانَ قُلْت فِي نَفْسِي : أَيْنَ أَسْلُكُ ؟ [ إنْ سَلَكْت ] ذَا غِفَارٍ فَهِيَ أَبْعَدُ وَأَسْهَلُ وَإِنْ سَلَكْت ذَا الْعَلَقِ فَهِيَ أَغْلَظُ وَأَقْرَبُ .
فَسَلَكْت ذَا غِفَارٍ فَطَرَقْت عُرْوَةَ بْنَ مَسْعُودِ بْنِ عَمْرٍو الْمَالِكِيّ فَوَاَللّهِ مَا كَلّمْته مُنْذُ عَشْرِ سِنِينَ وَاللّيْلَةَ أُكَلّمُهُ . قَالَ فَخَرَجْنَا إلَى مَسْعُودٍ فَنَادَاهُ عُرْوَةُ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ . فَأَقْبَلَ مَسْعُودٌ إلَيْنَا وَهُوَ يَقُولُ أَطَرَقْت [ عَرَاهِيَةً ] أَمْ طَرَقْت بِدَاهِيَةٍ ؟ بَلْ طَرَقْت بِدَاهِيَةٍ أَقَتَلَ رَكْبُهُمْ رَكْبَنَا أَمْ قَتَلَ رَكْبُنَا رَكْبَهُمْ ؟ لَوْ قَتَلَ رَكْبُنَا رَكْبَهُمْ مَا طَرَقَنِي عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ عُرْوَةُ أَصَبْت ، قَتَلَ رَكْبِي رَكْبَك يَا مَسْعُودُ اُنْظُرْ مَا أَنْتَ فَاعِلٌ فَقَالَ مَسْعُودٌ إنّي عَالِمٌ بِحِدَةِ بَنِي مَالِكٍ وَسُرْعَتِهِمْ إلَى الْحَرْبِ فَهَبْنِي صَمْتًا . قَالَ فَانْصَرَفْنَا عَنْهُ فَلَمّا أَصْبَحَ غَدَا مَسْعُودٌ فَقَالَ بَنِي مَالِكٍ إنّهُ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنّهُ قَتَلَ إخْوَانَكُمْ بَنِي مَالِكٍ فَأَطِيعُونِي وَخُذُوا الدّيَةَ اقْبَلُوهَا مِنْ بَنِي عَمّكُمْ وَقَوْمِكُمْ . قَالُوا : لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَبَدًا ، وَاَللّهِ لَا تُقِرّك الْأَحْلَافُ أَبَدًا حِينَ تَقْبَلُهَا .
قَالَ أَطِيعُونِي وَاقْبَلُوا مَا قُلْت لَكُمْ فَوَاَللّهِ لَكَأَنّي بِكِنَانَةَ بْنِ عَبْدِ يَالَيْل قَدْ أَقْبَلَ تَضْرِبُ دِرْعُهُ رَوْحَتَيْ رِجْلَيْهِ لَا يُعَانِقُ رَجُلًا إلّا [ ص 598 ] صَرَعَهُ وَاَللّهِ لَكَأَنّي بِجُنْدُبِ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ أَقْبَلَ كَالسّيّدِ عَاضّا عَلَى سَهْمٍ مُفَوّقٍ بِآخَرَ لَا يَسِيرُ إلَى أَحَدٍ بِسَهْمِهِ إلّا وَضَعَهُ حَيْثُ يُرِيدُ فَلَمّا غَلَبُوهُ أَعَدّ لِلْقِتَالِ وَاصْطَفّوا ، أَقْبَلَ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالَيْل يَضْرِبُ دِرْعُهُ رَوْحَتَيْ رِجْلَيْهِ يَقُولُ مَنْ مُصَارِعٌ ؟ ثُمّ أَقْبَلَ جُنْدُبُ بْنُ عَمْرٍو عَاضّا سَهْمًا مُفَوّقًا بِآخَرَ . قَالَ مَسْعُودٌ يَا بَنِي مَالِكٍ أَطِيعُونِي قَالُوا : الْأَمْرُ إلَيْك قَالَ فَبَرَزَ مَسْعُودُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ يَا عُرْوَةُ بْنَ مَسْعُودٍ اُخْرُجْ إلَيّ فَخَرَجَ إلَيْهِ فَلَمّا الْتَقَيَا بَيْنَ الصّفّيْنِ قَالَ عَلَيْك ثَلَاثَ عَشْرَةَ دِيَةً فَإِنّ الْمُغِيرَةَ قَدْ قَتَلَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَاحْمِلْ بِدِيَاتِهِمْ . قَالَ عُرْوَةُ حَمَلْت بِهَا ، هِيَ عَلَيّ قَالَ فَاصْطَلَحَ النّاسُ . قَالَ الْأَعْشَى أَخُو بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ :
تَحَمّلَ عُرْوَةُ الْأَحْلَافِ لَمّا
رَأَى أَمْرًا تَضِيقُ بِهِ الصّدُورُ
ثَلَاثَ مِئِينَ عَادِيَةً وَأَلْفًا
كَذَلِكَ يَفْعَلُ الْجَلَدُ الصّبُورُ
قَالَ الْوَاقِدِيّ : فَلَمّا فَرَغَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ مِنْ كَلَامِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَدّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا قَالَ لِبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَأَصْحَابِهِ وَكَمَا عَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُدّةِ رَكِبَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتّى أَتَى قُرَيْشًا فَقَالَ يَا قَوْمِ إنّي قَدْ وَفَدْت عَلَى الْمُلُوكِ عَلَى كِسْرَى وَهِرَقْلَ وَالنّجَاشِيّ ، وَإِنّي وَاَللّهِ مَا رَأَيْت مَلِكًا قَطّ أَطْوَعَ فِيمَنْ هُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ مِنْ مُحَمّدٍ فِي أَصْحَابِهِ وَاَللّهِ مَا يُشِدّونَ إلَيْهِ النّظَرَ وَمَا يَرْفَعُونَ عِنْدَهُ الصّوْتَ وَمَا يَكْفِيهِ إلّا أَنْ يُشِيرَ إلَى أَمْرٍ فَيُفْعَلَ وَمَا يَتَنَخّمُ وَمَا يَبْصُقُ إلّا وَقَعَتْ فِي يَدَيْ رَجُلٍ مِنْهُمْ يَمْسَحُ بِهَا جِلْدَهُ وَمَا يَتَوَضّأُ إلّا ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ أَيّهُمْ يَظْفَرُ مِنْهُ بِشَيْءٍ وَقَدْ حَزَرْت الْقَوْمَ وَاعْلَمُوا أَنّكُمْ إنْ أَرَدْتُمْ السّيْفَ بَذَلُوهُ لَكُمْ وَقَدْ رَأَيْت قَوْمًا مَا يُبَالُونَ مَا يُصْنَعُ بِهِمْ إذَا مَنَعُوا صَاحِبَهُمْ وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت [ ص 599 ] نُسَيّاتٍ مَعَهُ إنْ كُنّ لَيُسْلِمُنّهُ أَبَدًا عَلَى حَالٍ فَرُوا رَأْيَكُمْ وَإِيّاكُمْ وَإِضْجَاعَ الرّأْيِ وَقَدْ عَرَضَ عَلَيْكُمْ خُطّةً فَمَادّوهُ يَا قَوْمِ اقْبَلُوا مَا عَرَضَ فَإِنّي لَكُمْ نَاصِحٌ مَعَ أَنّي أَخَافُ أَلّا تُنْصَرُوا عَلَيْهِ رَجُلٌ أَتَى هَذَا الْبَيْتَ مُعَظّمًا لَهُ مَعَهُ الْهَدْيُ يَنْحَرُهُ وَيَنْصَرِفُ فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : لَا تَكَلّمْ بِهَذَا يَا أَبَا يَعْفُورٍ لَوْ غَيْرُك تَكَلّمَ بِهَذَا لَلُمْنَاهُ وَلَكِنْ نَرُدّهُ عَنْ الْبَيْتِ فِي عَامِنَا هَذَا وَيَرْجِعُ إلَى قَابِلٍ .
(1/597)
قَالُوا : ثُمّ جَاءَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ فَلَمّا طَلَعَ وَرَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ إنّ هَذَا رَجُلٌ غَادِرٌ فَلَمّا انْتَهَى إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلّمَهُ بِنَحْوٍ مِمّا كَلّمَهُ أَصْحَابُهُ فَلَمّا انْتَهَى إلَى قُرَيْش ٍ أَخْبَرَهُمْ بِمَا رَدّ عَلَيْهِ . فَبَعَثُوا الْحُلَيْسَ بْنَ عَلْقَمَةَ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ الْأَحَابِيشِ - فَلَمّا طَلَعَ الْحُلَيْسُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا مِنْ قَوْمٍ يُعَظّمُونَ الْهَدْيَ وَيَتَأَلّهُونَ ابْعَثُوا الْهَدْيَ فِي وَجْهِهِ حَتّى يَرَاهُ . فَبَعَثُوا الْهَدْيَ فَلَمّا نَظَرَ إلَى الْهَدْيِ يَسِيلُ فِي الْوَادِي عَلَيْهِ الْقَلَائِدُ قَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ يُرَجّعُ الْحَنِينَ . وَاسْتَقْبَلَهُ الْقَوْمُ فِي وَجْهِهِ يُلَبّونَ قَدْ أَقَامُوا نِصْفَ شَهْرٍ قَدْ تَفِلُوا وَشَعِثُوا ، رَجَعَ وَلَمْ يَصِلْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إعْظَامًا لِمَا رَأَى ، حَتّى رَجَعَ إلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ إنّي قَدْ رَأَيْت مَا لَا يَحِلّ صَدّهُ رَأَيْت الْهَدْيَ فِي قَلَائِدِهِ قَدْ أَكَلَ أَوْبَارَهُ مَعْكُوفًا عَنْ مَحِلّهِ وَالرّجَالَ قَدْ تَفِلُوا وَقَمِلُوا أَنْ يَطُوفُوا بِهَذَا الْبَيْتِ أَمَا وَاَللّهِ مَا عَلَى هَذَا حَالَفْنَاكُمْ وَلَا عَاقَدْنَاكُمْ [ ص 600 ] عَلَى أَنْ تَصُدّوا عَنْ بَيْتِ اللّهِ مَنْ جَاءَ مُعَظّمًا لِحُرْمَتِهِ مُؤَدّيًا لِحَقّهِ وَسَاقَ الْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلّهُ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُخَلّنّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ بِهِ . أَوْ لَأَنْفِرَنّ بِالْأَحَابِيشِ نَفْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ قَالُوا : إنّمَا كُلّ مَا رَأَيْت مَكِيدَةٌ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَاكْفُفْ عَنّا حَتّى نَأْخُذَ لِأَنْفُسِنَا بَعْضَ مَا نَرْضَى بِهِ .
(1/600)
وَكَانَ أَوّلَ مَنْ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى قُرَيْشٍ خِرَاشُ بْنُ أُمَيّةَ الْكَعْبِيّ عَلَى جَمَلٍ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقَالُ لَهُ الثّعْلَبُ لِيُبَلّغَ أَشْرَافَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا جَاءَ لَهُ . وَيَقُولَ إنّمَا جِئْنَا مُعْتَمِرِينَ مَعَنَا الْهَدْيُ مَعْكُوفًا ، فَنَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَنُحِلّ وَنَنْصَرِفُ . فَعَقَرُوا جَمَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَلّذِي وَلِيَ عَقْرَهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَأَرَادَ قَتْلَهُ فَمَنَعَهُ مَنْ هُنَاكَ مِنْ قَوْمِهِ حَتّى خَلّوا سَبِيلَ خِرَاشٍ فَرَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَكَدْ فَأَخْبَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَا لَقِيَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ ابْعَثْ رَجُلًا أَمْنَعَ مِنّي فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ لِيَبْعَثَهُ إلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي ، قَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي لَهَا ، وَلَيْسَ بِهَا مِنْ بَنِي عَدِيّ مَنْ يَمْنَعُنِي ، وَإِنْ أَحْبَبْت يَا رَسُولَ اللّهِ دَخَلْت عَلَيْهِمْ . فَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْئًا . قَالَ عُمَرُ وَلَكِنْ أَدُلّك يَا رَسُولَ اللّهِ عَلَى رَجُلٍ أَعَزّ بِمَكّةَ مِنّي ، وَأَكْثَرَ عَشِيرَةً وَأَمْنَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى قُرَيْشٍ فَخَبّرْهُمْ أَنّا لَمْ نَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، وَإِنّمَا جِئْنَا زَوّارًا لِهَذَا الْبَيْتِ مُعَظّمِينَ لِحُرْمَتِهِ مَعَنَا الْهَدْيُ نَنْحَرُهُ وَنَنْصَرِفُ فَخَرَجَ عُثْمَانُ حَتّى أَتَى بَلْدَحَ ، فَيَجِدُ قُرَيْشًا هُنَالِكَ فَقَالُوا : أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللّهِ إلَيْكُمْ يَدْعُوكُمْ إلَى اللّهِ
(1/600)
وَإِلَى [ ص 601 ] الْإِسْلَامِ تَدْخُلُونَ فِي الدّينِ كَافّةً فَإِنّ اللّهَ مُظْهِرٌ دِينَهُ وَمُعِزّ نَبِيّهُ وَأُخْرَى تَكُفّونَ وَيَلِي هَذَا مِنْهُ غَيْرُكُمْ فَإِنْ ظَفَرُوا بِمُحَمّدٍ فَذَلِكَ مَا أَرَدْتُمْ وَإِنْ ظَفِرَ مُحَمّدٌ كُنْتُمْ بِالْخِيَارِ أَنْ تَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النّاسُ أَوْ تُقَاتِلُوا وَأَنْتُمْ وَافِرُونَ جَامّونَ إنّ الْحَرْبَ قَدْ نَهَكَتْكُمْ وَأَذْهَبَتْ بِالْأَمَاثِلِ مِنْكُمْ وَأُخْرَى ، إنّ رَسُولَ اللّهِ يُخْبِرُكُمْ أَنّهُ لَمْ يَأْتِ لِقِتَالِ أَحَدٍ ، إنّمَا جَاءَ كُلّ مُعْتَمِرًا ، مَعَهُ الْهَدْيُ عَلَيْهِ الْقَلَائِدُ يَنْحَرُهُ وَيَنْصَرِفُ . فَجَعَلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يُكَلّمُهُمْ فَيَأْتِيهِمْ بِمَا لَا يُرِيدُونَ وَيَقُولُونَ قَدْ سَمِعْنَا مَا تَقُولُ وَلَا كَانَ هَذَا أَبَدًا ، وَلَا دَخَلَهَا عَلَيْنَا عَنْوَةً فَارْجِعْ إلَى صَاحِبِك فَأَخْبِرْهُ أَنّهُ لَا يَصِلُ إلَيْنَا . فَقَامَ إلَيْهِ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، فَرَحّبَ بَهْ وَأَجَازَهُ وَقَالَ لَا تُقَصّرْ عَنْ حَاجَتِك ثُمّ نَزَلَ عَنْ فَرَسٍ كَانَ عَلَيْهِ فَحَمَلَ عُثْمَانَ عَلَى السّرْجِ وَرَدَفَهُ وَرَاءَهُ فَدَخَلَ عُثْمَانُ مَكّةَ ، فَأَتَى أَشْرَافَهُمْ رَجُلًا رَجُلًا ، أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ ، وَصَفْوَانَ بْنَ أُمَيّةَ وَغَيْرَهُمْ مِنْهُمْ مَنْ لَقِيَ بِبَلْدَحٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَقِيَ بِمَكّةَ ، فَجَعَلُوا يَرُدّونَ عَلَيْهِ إنّ مُحَمّدًا لَا يَدْخُلُهَا عَلَيْنَا أَبَدًا قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ ثُمّ كُنْت أَدْخُلُ عَلَى قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ مِنْ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ مُسْتَضْعَفِينَ فَأَقُولُ إنّ رَسُولَ اللّهِ يُبَشّرُكُمْ بِالْفَتْحِ وَيَقُولُ أُظِلّكُمْ حَتّى لَا يَسْتَخْفِي بِمَكّةَ الْإِيمَانُ فَقَدْ كُنْت أَرَى الرّجُلَ مِنْهُمْ وَالْمَرْأَةَ تَنْتَحِبُ حَتّى أَظُنّ أَنّهُ يَمُوتُ فَرَحًا بِمَا خَبّرْته ، فَيَسْأَلُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيُخْفِي الْمَسْأَلَةَ وَيَشْتَدّ ذَلِك [ عَلَى ] أَنْفُسِهِمْ وَيَقُولُونَ اقْرَأْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ مِنّا السّلَامَ إنّ الّذِي أَنَزَلَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ لَقَادِرٌ أَنْ يُدْخِلَهُ بَطْنَ مَكّةَ وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَصَلَ عُثْمَانُ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا أَظُنّ عُثْمَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَنَحْنُ مَحْصُورُونَ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ [ ص 602 ] وَمَا يَمْنَعُهُ وَقَدْ وَصَلَ إلَى الْبَيْتِ ؟ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ظَنّي بَهْ أَلّا يَطُوفَ حَتّى نَطُوفَ فَلَمّا رَجَعَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : اشْتَفَيْت مِنْ الْبَيْتِ يَا عَبْدَ اللّهِ قَالَ عُثْمَانُ بِئْسَ مَا ظَنَنْتُمْ بِي لَوْ كُنْت بِهَا سَنَةً وَالنّبِيّ مُقِيمٌ بِالْحُدَيْبِيَةِ مَا طُفْت ، وَلَقَدْ دَعَتْنِي قُرَيْشٌ إلَى أَنْ أَطُوفَ فَأَبَيْت ذَلِكَ عَلَيْهَا . فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِرَسُولِ اللّهِ كَانَ أَعْلَمَنَا بِاَللّهِ تَعَالَى وَأَحْسَنِنَا ظَنّا
(1/601)
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُ أَصْحَابَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ يَتَحَارَسُونَ اللّيْلَ وَكَانَ الرّجُلُ مِنْ أَصْحَابِهِ يَبِيتُ عَلَى الْحَرَسِ حَتّى يُصْبِحَ يُطِيفُ بِالْعَسْكَرِ فَكَانَ ثَلَاثَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَتَنَاوَبُونَ الْحِرَاسَةَ أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ . فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ عَلَى فَرَسِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْلَةً مِنْ تِلْكَ اللّيَالِي وَعُثْمَانُ بِمَكّةَ بَعْدُ وَقَدْ كَانَتْ قُرَيْشٌ بَعَثَتْ لَيْلًا خَمْسِينَ رَجُلًا ، عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ ، وَأَمَرُوهُمْ أَنْ يُطِيفُوا بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجَاءَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ أَحَدًا أَوْ يُصِيبُوا مِنْهُمْ غِرّةً ، فَأَخَذَهُمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَصْحَابُهُ فَجَاءَ بِهِمْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ عُثْمَانُ بِمَكّةَ قَدْ أَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا يَدْعُو قُرَيْشًا ، وَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ دَخَلُوا مَكّةَ بِإِذْنِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أَهْلِيهِمْ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ عُثْمَانَ وَأَصْحَابَهُ قَدْ قُتِلُوا ، فَذَلِكَ حِينَ دَعَا إلَى الْبَيْعَةِ . وَبَلَغَ قُرَيْشًا حَبْسُ أَصْحَابِهِمْ فَجَاءَ جَمْعٌ مِنْ قُرَيْشٍ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ حَتّى تَرَامَوْا بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ وَأَسَرُوا أَيْضًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ حِينَئِذٍ أَسْرَى ،
(1/601)
ثُمّ إنّ قُرَيْشًا بَعَثُوا سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ ، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يَؤُمّ مَنَازِلَ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ وَقَدْ نَزَلَتْ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ [ ص 603 ] الْحُدَيْبِيَةِ جَمِيعًا . قَالَتْ أُمّ عُمَارَةَ وَالرّسْلُ تَخْتَلِفُ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ ، فَمَرّ بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمًا فِي مَنْزِلِنَا . قَالَتْ فَظَنَنْت أَنّهُ يُرِيدُ حَاجَةً فَإِذَا هُوَ قَدْ بَلَغَهُ أَنّ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدْ قُتِلَ فَجَلَسَ فِي رِحَالِنَا ثُمّ قَالَ إنّ اللّهَ أَمَرَنِي بِالْبَيْعَةِ . قَالَتْ فَأَقْبَلَ النّاسُ يُبَايِعُونَهُ فِي رِحَالِنَا حَتّى تَدَارَكَ النّاسُ فَمَا بَقِيَ لَنَا مَتَاعٌ إلّا وَطِئَ وَزَوْجُهَا غَزِيّةُ بْنُ عَمْرٍو . وَقَالَتْ فَبَايَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ يَوْمئِذٍ . قَالَتْ فَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى الْمُسْلِمِينَ قَدْ تَلَبّسُوا السّلَاحَ وَهُوَ مَعَنَا قَلِيلٌ إنّمَا خَرَجْنَا عُمّارًا ، فَأَنَا أَنْظُرُ إلَى غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو وَقَدْ تَوَشّحَ بِالسّيْفِ فَقُمْت إلَى عَمُودٍ كُنّا نَسْتَظِلّ بَهْ فَأَخَذْته فِي يَدِي ، وَمَعِي سِكّينٌ قَدْ شَدَدْته فِي وَسَطِي ، فَقُلْت : إنْ دَنَا مِنّي أَحَدٌ رَجَوْت أَنْ أَقْتُلَهُ . فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ يُبَايِعُ النّاسَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ آخِذٌ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُمْ عَلَى أَلّا يَفِرّوا . وَقَالَ قَائِلٌ بَايَعَهُمْ عَلَى الْمَوْتِ . وَيُقَالُ أَوّلُ النّاسِ بَايَعَ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانِ بْنِ مِحْصَنٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أُبَايِعُك عَلَى مَا فِي نَفْسِك . فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَايِعُ النّاسَ عَلَى بَيْعَةِ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ الّذِينَ دَخَلُوا عَلَى أَهْلِيهِمْ عَشَرَةً مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَعَيّاشُ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَهِشَامُ بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ ، وَحَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وَأَبُو حَاطِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الشّمْسِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنِ حُذَافَةَ وَأَبُو الرّومِ بْنُ عُمَيْرٍ وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ وَهْبٍ حَلِيفُ سُهَيْلٍ فِي بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى .
(1/603)
فَلَمّا جَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَهْلٌ أَمَرَهُمْ [ ص 604 ] قَالَ مَنْ قَاتَلَك لَمْ يَكُنْ مِنْ رَأْيٍ ذَوِي رَأْيِنَا وَلَا ذَوِي الْأَحْلَامِ مِنّا ، بَلْ كُنّا لَهُ كَارِهِينَ حِينَ بَلَغَنَا وَلَمْ نَعْلَمْ بِهِ وَكَانَ مِنْ سُفَهَائِنَا فَابْعَثْ إلَيْنَا بِأَصْحَابِنَا الّذِينَ أَسَرْت أَوّلَ مَرّةٍ وَاَلّذِينَ أَسَرْت آخِرَ مَرّةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي غَيْرُ مُرْسِلِهِمْ حَتّى تُرْسِلَ أَصْحَابِي . قَالَ سُهَيْلٌ : أَنْصَفْتنَا فَبَعَثَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ إلَى قُرَيْشٍ الشّتِيمَ بْنَ عَبْدِ مَنَافٍ التّيْمِيّ : إنّكُمْ حَبَسْتُمْ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ أَرْحَامٌ لَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَقَدْ كُنّا لِذَلِكَ كَارِهِينَ وَقَدْ أَبَى مُحَمّدٌ أَنْ يُرْسِلَ مَنْ أُسِرَ مِنْ أَصْحَابِكُمْ حَتّى تُرْسِلُوا أَصْحَابَهُ وَقَدْ أَنْصَفَنَا ، وَقَدْ عَرَفْتُمْ أَنّ مُحَمّدًا يَطْلِقُ لَكُمْ أَصْحَابَكُمْ . فَبَعَثُوا إلَيْهِ بِمَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ وَكَانُوا أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا ، وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُمْ الّذِينَ أُسِرُوا أَوّلَ مَرّةٍ وَآخِرَ مَرّةٍ فَكَانَ فِيمَنْ أُسِرَ أَوّلَ مَرّةٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَايِعُ النّاسَ يَوْمئِذٍ تَحْتَ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ وَقَدْ كَانَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ لِلْمُسْلِمِينَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ مُنَادِيَهُ فَنَادَى : إنّ رُوحَ الْقُدُسِ قَدْ نَزَلَ عَلَى الرّسُولِ وَأَمَرَ بِالْبَيْعَةِ فَأَخْرِجُوا عَلَى اسْمِ اللّهِ فَبَايِعُوا . قَالَ ابْنُ عُمَرَ : فَخَرَجْت مَعَ أَبِي وَهُوَ يُنَادِي لِلْبَيْعَةِ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ النّدَاءِ أَرْسَلَنِي أَبِي إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُخْبِرَهُ أَنّي قَدْ أَذّنْت النّاسَ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ : فَأَرْجِعُ فَأَجِدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَايِعُ النّاسَ فَبَايَعْته الثّانِيَةَ . قَالَ عَبْدُ اللّه ِ لِعُمَرَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَذِنَ لَهُ فَرَجَعَ وَكَانَ يَمْسِكُ بِيَدِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُبَايِعُ . فَلَمّا نَظَرَتْ قُرَيْشٌ - سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو ، وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزّى وَمَنْ كَانَ مَعَهُ وَعُيُونُ قُرَيْشٍ - إلَى مَا رَأَتْ مِنْ سُرْعَةِ النّاسِ إلَى الْبَيْعَةِ وَتَشْمِيرِهِمْ إلَى الْحَرْبِ اشْتَدّ رُعْبُهُمْ وَخَوْفُهُمْ وَأَسْرَعُوا إلَى الْقَضِيّةِ . [ ص 605 ] فَلَمّا رَجَعَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الشّجَرَةِ فَبَايَعَهُ وَقَدْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ حِينَ بَايَعَ النّاسَ قَالَ إنّ عُثْمَانَ ذَهَبَ فِي حَاجَةِ اللّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ فَأَنَا أُبَايِعُ لَهُ فَضَرَبَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ .
قَالَ الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي جَابِرُ بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ فَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ أَرْسَلَتْ إلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ : إنْ أَحْبَبْت أَنْ تَدْخُلَ فَتَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَافْعَلْ . وَابْنُهُ جَالِسٌ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ يَا أَبَت ، أُذَكّرُك اللّهَ أَنْ تَفْضَحَنَا فِي كُلّ مَوْطِنٍ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَلَمْ يَطُفْ رَسُولُ اللّهِ ؟ فَأَبَى ابْنُ أُبَيّ وَقَالَ لَا أَطُوفُ حَتّى يَطُوفَ رَسُولُ اللّهِ . فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَلَامُهُ ذَلِكَ فَسُرّ بِهِ . وَرَجَعَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ إلَى قُرَيْشٍ ، فَأَخْبَرُوهُمْ بِمَا رَأَوْا مِنْ سُرْعَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْبَيْعَةِ وَمَا جَعَلُوا لَهُ فَقَالَ أَهْلُ الرّأْيِ مِنْهُمْ لَيْسَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ نُصَالِحَ مُحَمّدًا عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنّا عَامَهُ هَذَا وَيَرْجِعَ قَابِلًا ، فَيُقِيمُ ثَلَاثًا وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ وَيَنْصَرِفُ وَيُقِيمُ بِبَلَدِنَا وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا . فَأَجْمَعُوا [ عَلَى ] ذَلِكَ فَلَمّا أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الصّلْحِ وَالْمُوَادَعَةِ بَعَثُوا سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَمَعَهُ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَقَالُوا : ائْتِ مُحَمّدًا فَصَالِحْهُ وَلْيَكُنْ فِي صُلْحِك لَا يَدْخُلُ فِي عَامِهِ هَذَا ، فَوَاَللّهِ لَا يَتَحَدّثُ الْعَرَبُ أَنّك دَخَلْت عَلَيْنَا عَنْوَةً . فَأَتَى سُهَيْلٌ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَآهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ طَلَعَ قَالَ أَرَادَ الْقَوْمَ الصّلْحَ . فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَطَالَ الْكَلَامَ وَتَرَاجَعُوا ، وَتَرَافَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَانْخَفَضَتْ .
(1/604)
فَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ سَمِعْت أُمّ عُمَارَةَ تَقُولُ إنّي لِأَنْظُرَ إلَى [ ص 606 ] رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسًا يَوْمئِذٍ مُتَرَبّعًا ، وَإِنّ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ وَسَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ مُقَنّعَانِ بِالْحَدِيدِ قَائِمَانِ عَلَى رَأْسِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ رَفَعَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو صَوْتَهُ قَالَا : اخْفِضْ مِنْ صَوْتِك عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ وَسُهَيْلٌ بَارِكٌ عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعٌ صَوْتَهُ كَأَنّي أَنْظُرُ إلَى عَلَمٍ فِي شَفَتِهِ وَإِلَى أَنْيَابِهِ وَإِنّ الْمُسْلِمِينَ لَحَوْلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جُلُوسٌ .
(1/606)
قَالُوا : فَلَمّا اصْطَلَحُوا فَلَمْ يَبْقَ إلّا الْكِتَابُ وَثَبَ عُمَرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلَى قَالَ فَعَلَامَ نُعْطِي الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ وَلَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ وَلَنْ يُضَيّعَنِي فَذَهَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي بَكْر ٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْر ٍ ، أَلَسْنَا بِالْمُسْلِمِينَ ؟ فَقَالَ بَلَى فَقَالَ عُمَرُ : فَلِمَ نُعْطِي الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : الْزَمْ غَرْزَهُ فَإِنّي أَشْهَدُ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَأَنّ الْحَقّ مَا أَمَرَ بِهِ وَلَنْ نُخَالِفَ أَمْرَ اللّهِ وَلَنْ يُضَيّعَهُ اللّهُ وَلَقِيَ عُمَرُ مِنْ الْقَضِيّةِ أَمْرًا كَبِيرًا ، وَجَعَلَ يَرُدّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَلَامَ وَيَقُولُ عَلَامَ نُعْطِي الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ أَنَا رَسُولُ اللّهِ وَلَنْ يُضَيّعَنِي قَالَ فَجَعَلَ يَرُدّ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَلَامَ . قَالَ يَقُولُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ : أَلّا تَسْمَعَ يَا ابْنَ الْخَطّابِ رَسُولَ اللّهِ يَقُولُ مَا يَقُولُ ؟ تَعَوّذْ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ وَاتّهِمْ رَأْيَك قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَجَعَلْت أَتَعَوّذُ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ حِيَاءً فَمَا أَصَابَنِي [ ص 607 ] قَطّ شَيْءٌ مِثْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَا زِلْت أَصُومُ وَأَتَصَدّقُ مِنْ الّذِي صَنَعْت مَخَافَةَ كَلَامِي الّذِي تَكَلّمْت يَوْمئِذٍ . فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ قَالَ لِي عُمَرُ فِي خِلَافَتِهِ وَذَكَرَ الْقَضِيّةَ : ارْتَبْت ارْتِيَابًا لَمْ أَرْتَبْهُ مُنْذُ أَسْلَمْت إلّا يَوْمئِذٍ وَلَوْ وَجَدْت ذَلِكَ الْيَوْمَ شِيعَةً تَخْرُجُ عَنْهُمْ رَغْبَةً عَنْ الْقَضِيّةِ لَخَرَجْت . ثُمّ جَعَلَ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَاقِبَتَهَا خَيْرًا وَرُشْدًا ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْلَمَ .
(1/607)
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ : جَلَسْت عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَوْمًا ، فَذَكَرَ الْقَضِيّةَ فَقَالَ لَقَدْ دَخَلَنِي يَوْمئِذٍ مِنْ الشّكّ وَرَاجَعْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمئِذٍ مُرَاجَعَةً مَا رَاجَعْته مِثْلَهَا قَطّ ، وَلَقَدْ عَتَقْت فِيمَا دَخَلَنِي يَوْمئِذٍ رِقَابًا ، وَصُمْت دَهْرًا ، وَإِنّي لَأَذْكُرُ مَا صَنَعْت خَالِيًا فَيَكُونُ أَكْبَرَ هَمّي ، ثُمّ جَعَلَ اللّهُ عَاقِبَةَ الْقَضِيّةِ خَيْرًا ، فَيَنْبَغِي لِلْعِبَادِ أَنْ يَتّهِمُوا الرّأْيَ وَاَللّهِ لَقَدْ دَخَلَنِي يَوْمئِذٍ مِنْ الشّكّ حَتّى قُلْت فِي نَفْسِي : لَوْ كُنّا مِائَةَ رَجُلٍ عَلَى مِثْلِ رَأْيِي مَا دَخَلْنَا فِيهِ أَبَدًا فَلَمّا وَقَعَتْ الْقَضِيّةُ أَسْلَمَ فِي الْهُدْنَةِ أَكْثَرَ مِمّنْ كَانَ أَسْلَمَ مِنْ يَوْمِ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى يَوْمِ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَمَا كَانَ فِي الْإِسْلَامِ فَتْحٌ أَعْظَمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ .
وَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَكْرَهُونَ الصّلْحَ لِأَنّهُمْ خَرَجُوا لَا يَشُكّونَ فِي الْفَتْحِ لِرُؤْيَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ حَلَقَ رَأْسَهُ وَأَنّهُ دَخَلَ الْبَيْتَ ، فَأَخَذَ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ ، وَعَرَفَ مَعَ الْمُعْرِفِينَ فَلَمّا رَأَوْا الصّلْحَ دَخَلَ النّاسُ مِنْ ذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ حَتّى كَادُوا يَهْلِكُونَ [ ص 608 ] فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ قَدْ اصْطَلَحُوا وَالْكِتَابُ لَمْ يُكْتَبْ أَقْبَلَ أَبُو جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ ، قَدْ أَفْلَتْ يَرْسُفُ فِي الْقَيْدِ مُتَوَشّحَ السّيْفِ خَلَا لَهُ أَسْفَلُ مَكّةَ ; فَخَرَجَ مِنْ أَسْفَلِهَا حَتّى أَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُكَاتِبُ سُهَيْلًا ، فَرَفَعَ سُهَيْلٌ رَأْسَهُ فَإِذَا بِابْنِهِ أَبِي جَنْدَلٍ فَقَامَ إلَيْهِ سُهَيْلٌ فَضَرَبَ وَجْهَهُ بِغُصْنِ شَوْكٍ وَأَخَذَ بِلَبّتِهِ وَصَاحَ أَبُو جَنْدَلٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ أَرَدّ إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي ؟ فَزَادَ الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ شَرّا إلَى مَا بِهِمْ وَجَعَلُوا يَبْكُونَ لِكَلَامِ أَبِي جَنْدَلٍ . قَالَ يَقُولُ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى لِمُكَرّزِ بْنِ حَفْصٍ ما رَأَيْت قَوْمًا قَطّ أَشَدّ حُبّا لِمَنْ دَخَلَ مَعَهُمْ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ لِمُحَمّدٍ وَبَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ أَمّا إنّي أَقُولُ لَك لَا تَأْخُذْ مِنْ مُحَمّدٍ نَصَفًا أَبَدًا بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ حَتّى يَدْخُلَهَا عَنْوَةً فَقَالَ مِكْرَزُ أَنَا أَرَى ذَلِكَ . وَقَالَ سُهَيْلٌ : هَذَا أَوّلُ مَا قَاضَيْتُك عَلَيْهِ رَدّوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّا لَمْ نَقْضِ الْكِتَابَ بَعْدُ . فَقَالَ سُهَيْلٌ : وَاَللّهِ لَا أُكَاتِبُك عَلَى شَيْءٍ حَتّى تَرُدّهُ إلَيّ . فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَكَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُهَيْلًا أَنْ يَتْرُكَهُ فَأَبَى سُهَيْلٌ ، فَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ وَحُوَيْطِبٌ يَا مُحَمّدُ نَحْنُ نُجِيرُهُ لَك . فَأَدْخَلَاهُ فُسْطَاطًا فَأَجَارَاهُ وَكَفّ أَبُوهُ عَنْهُ . ثُمّ رَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَوْتَهُ فَقَالَ يَا أَبَا جَنْدَلٍ اصْبِرْ وَاحْتَسِبْ ، فَإِنّ اللّهَ جَاعِلُ لَك وَلِمَنْ مَعَك فَرَجًا وَمَخْرَجًا إنّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا ، وَأَعْطَيْنَاهُمْ وَأَعْطَوْنَا عَلَى ذَلِكَ عَهْدًا ، وَإِنّا لَا نَغْدِرُ وَعَادَ عُمَرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَسْت بِرَسُولِ اللّهِ ؟ قَالَ بَلَى . قَالَ أَلَسْنَا عَلَى الْحَقّ ؟ قَالَ بَلَى . قَالَ أَلَيْسَ عَدُوّنَا عَلَى الْبَاطِلِ ؟ قَالَ بَلَى . قَالَ فَلِمَ نُعْطِي الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ إنّي رَسُولُ اللّهِ وَلَنْ أَعْصِيَهُ وَلَنْ يُضَيّعَنِي . فَانْطَلَقَ عُمَرُ حَتّى جَاءَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : إنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَلَنْ يَعْصِيَهُ وَلَنْ يُضَيّعَهُ وَدَعْ عَنْك مَا تَرَى يَا عُمَرُ قَالَ عُمَرُ : فَوَثَبْت إلَى أَبِي جَنْدَلٍ أَمْشِي إلَى جَنْبِهِ . وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَدْفَعُهُ وَعُمَرُ يَقُولُ اصْبِرْ [ ص 609 ] يَا أَبَا جَنْدَلٍ فَإِنّمَا هُمْ الْمُشْرِكُونَ وَإِنّمَا دَمُ أَحَدِهِمْ دَمُ كَلْبٍ ، وَإِنّمَا هُوَ رَجُلٌ وَأَنْتَ رَجُلٌ وَمَعَك السّيْفُ فَرَجَوْت أَنْ يَأْخُذَ السّيْفَ وَيَضْرِبُ أَبَاهُ فَضَنّ الرّجُلُ بِأَبِيهِ . فَقَالَ عُمَرُ : يَا أَبَا جَنْدَلٍ إنّ الرّجُلَ يَقْتُلُ أَبَاهُ فِي اللّهِ وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا لَقَتَلْنَاهُمْ فِي اللّهِ فَرَجُلٌ بِرَجُلٍ قَالَ وَأَقْبَلَ أَبُو جَنْدَلٍ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ مَا لَك لَا تَقْتُلُهُ أَنْتَ ؟ قَالَ عُمَرُ : نَهَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِهِ وَقَتْلِ غَيْرِهِ . قَالَ أَبُو جَنْدَلٍ مَا أَنْتَ بِأَحَقّ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللّهِ مِنّي وَقَالَ عُمَرُ وَرِجَالٌ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَمْ تَكُنْ حَدّثْتنَا أَنّك سَتَدْخُلُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ ، وَتَأْخُذُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ وَتُعَرّفُ مَعَ الْمُعَرّفِينَ ؟ وَهَدْيُنَا لَمْ يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ وَلَا نَحْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُلْت لَكُمْ فِي سَفَرِكُمْ هَذَا ؟ قَالَ عُمَرُ لَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا إنّكُمْ سَتَدْخُلُونَهُ وَآخُذُ مِفْتَاحَ الْكَعْبَةِ ، وَأَحْلِقُ رَأْسِي وَرُءُوسَكُمْ بِبَطْنِ مَكّةَ وَأُعَرّفُ مَعَ الْمُعَرّفِينَ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى عُمَرَ فَقَالَ أَنَسِيتُمْ يَوْمَ أُحُدٍ إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ؟ أَنَسِيتُمْ يَوْمَ الْأَحْزَابِ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ؟ أَنَسِيتُمْ يَوْمَ كَذَا ؟ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُذَكّرُهُمْ أُمُورًا - أَنَسِيتُمْ يَوْمَ كَذَا ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ صَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ يَا نَبِيّ اللّهِ مَا فَكّرْنَا فِيمَا فَكّرْت فِيهِ لَأَنْتَ أَعْلَمُ بِاَللّهِ وَبِأَمْرِهِ مِنّا فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامَ الْقَضِيّةِ وَحَلَقَ رَأْسَهُ قَالَ هَذَا الّذِي وَعَدْتُكُمْ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ أَخَذَ الْمِفْتَاحَ فَقَالَ اُدْعُوا لِي عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَقَالَ هَذَا الّذِي قُلْت لَكُمْ . فَلَمّا كَانَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ بِعَرَفَةَ فَقَالَ أَيْ عُمَرُ هَذَا الّذِي قُلْت لَكُمْ قَالَ أَيْ رَسُولَ اللّهِ مَا كَانَ فَتْحٌ فِي الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ [ ص 610 ] مِنْ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَا كَانَ فَتْحٌ فِي الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ مِنْ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَلَكِنّ النّاسَ يَوْمئِذٍ قَصَرَ رَأْيُهُمْ عَمّا كَانَ بَيْنَ مُحَمّدٍ وَرَبّهِ وَالْعِبَادُ يَعْجَلُونَ وَاَللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يَعْجَلُ كَعَجَلَةِ الْعِبَادِ حَتّى تَبْلُغَ الْأُمُورُ مَا أَرَادَ اللّهُ . لَقَدْ نَظَرْت إلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو فِي حَجّهِ قَائِمًا عِنْدَ الْمَنْحَرِ يُقَرّبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُدْنَهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْحَرُهَا بِيَدِهِ وَدَعَا الْحَلّاقَ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَأَنْظُرُ إلَى سُهَيْلٍ يَلْقُطُ مِنْ شَعَرِهِ وَأَرَاهُ يَضَعُهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَأَذْكُرُ إبَاءَهُ أَنْ يُقِرّ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنْ يَكْتُبَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ وَيَأْبَى أَنْ يَكْتُبَ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ فَحَمِدْت اللّهَ الّذِي هَدَاهُ لِلْإِسْلَامِ وَصَلَوَاتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَى نَبِيّ الرّحْمَةِ الّذِي هَدَانَا بِهِ وَأَنْقَذَنَا بِهِ مِنْ الْهَلَكَةِ
فَلَمّا حُضِرَتْ الدّوَاةُ وَالصّحِيفَةُ بَعْدَ طُولِ الْكَلَامِ وَالْمُرَاجَعَةِ فِيمَا بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَلَمّا الْتَأَمَ الْأَمْرُ وَتَقَارَبَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا يَكْتُبُ الْكِتَابَ بَيْنَهُمْ وَدَعَا أَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ يَكْتُبُ فَقَالَ سُهَيْلٌ : لَا يَكْتُبُ إلّا أَحَدُ الرّجُلَيْنِ ابْنُ عَمّك عَلِيّ أَوْ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ فَأَمَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا يَكْتُبُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُكْتُبْ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . فَقَالَ سُهَيْلٌ : لَا أَعْرِفُ الرّحْمَنَ اُكْتُبْ كَمَا نَكْتُبُ بِاسْمِك اللّهُمّ . فَضَاقَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا : هُوَ الرّحْمَنُ . وَقَالُوا : لَا تَكْتُبْ إلّا الرّحْمَنَ . قَالَ سُهَيْلٌ : إذًا لَا أُقَاضِيهِ عَلَى شَيْءٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ . فَقَالَ سُهَيْلٌ : لَوْ أَعْلَمُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ مَا خَالَفْتُك ، وَاتّبَعْتُك ، أَفَتَرْغَبُ عَنْ اسْمِك وَاسْمِ أَبِيك مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ؟ فَضَجّ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا ضَجّةً هِيَ أَشَدّ مِنْ الْأُولَى حَتّى ارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ [ ص 611 ] وَقَامَ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُونَ لَا نَكْتُب إلّا مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ وَاقِدِ بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ حَدّثَنِي مَنْ نَظَرَ إلَى أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَخَذَا بِيَدِ الْكَاتِبِ فَأَمْسَكَاهَا وَقَالَا : لَا تَكْتُبْ إلّا مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ ، وَإِلّا فَالسّيْفُ بَيْنَنَا عَلَامَ نُعْطِي هَذِهِ الدّنِيّةَ فِي دِينِنَا ؟ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخْفِضُهُمْ وَيُومِئُ بِيَدِهِ إلَيْهِمْ اُسْكُتُوا وَجَعَلَ حُوَيْطِبُ يَتَعَجّبُ مِمّا يَصْنَعُونَ وَيُقْبِلُ عَلَى مِكْرَزِ بْنِ حَفْصٍ وَيَقُولُ مَا رَأَيْت قَوْمًا أَحْوَطَ لِدِينِهِمْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اُكْتُبْ بِاسْمِك اللّهُمّ . فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سُهَيْلٍ حِينَ أَبَى أَنْ يُقِرّ بِالرّحْمَنِ قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرّحْمَنَ أَيّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَاكْتُبْ فَكَتَبَ بِاسْمِك اللّهُمّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، اصْطَلَحَا عَلَى وَضْعِ الْحَرْبِ عَشْرَ سِنِينَ يَأْمَنُ فِيهَا النّاسُ وَيَكْفِ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ عَلَى أَنّهُ لَا إسْلَالَ وَلَا إغْلَالَ وَأَنّ بَيْننَا عَيْبَةً مَكْفُوفَةً وَأَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ مُحَمّدٍ وَعَقْدِهِ فَعَلَ وَأَنّهُ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ وَعَقْدِهَا فَعَلَ وَأَنّهُ مَنْ أَتَى مُحَمّدًا مِنْهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ رَدّهُ إلَيْهِ وَأَنّهُ مَنْ أَتَى قُرَيْشًا مِنْ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ لَمْ تَرُدّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا [ ص 612 ] يَرْجِعُ عَنّا عَامَهُ هَذَا بِأَصْحَابِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْنَا قَابِلٌ فِي أَصْحَابِهِ فَيُقِيمُ ثَلَاثًا ، لَا يَدْخُلُ عَلَيْنَا بِسِلَاحٍ إلّا سِلَاحَ الْمُسَافِرِ السّيُوفُ فِي الْقُرُبِ . شَهِدَ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ ، وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ وَكَتَبَ ذَلِكَ عَلَى صَدْرِ هَذَا الْكِتَابِ فَلَمّا كَتَبَ الْكِتَابَ قَالَ سُهَيْلٌ : يَكُونُ عِنْدِي وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ عِنْدِي فَاخْتَلَفَا فَكَتَبَ لَهُ نُسْخَةً فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكِتَابَ الْأَوّلَ وَأَخَذَ سُهَيْلٌ نُسْخَتَهُ وَكَانَ عِنْدَهُ . وَوَثَبَتْ مِنْ هُنَاكَ خُزَاعَةُ فَقَالُوا : نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَهْدِ مُحَمّدٍ وَعَقْدِهِ وَنَحْنُ عَلَى مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا . وَوَثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ فَقَالُوا : نَحْنُ نَدْخُلُ قُرَيْشٌ فِي عَهْدِهَا وَعَقْدِهَا ، وَنَحْنُ عَلَى مَنْ وَرَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا . فَقَالَ حُوَيْطِبُ لِسُهَيْلٍ بَادَأْنَا أَخْوَالَك بِالْعَدَاوَةِ وَقَدْ كَانُوا يَسْتَتِرُونَ مِنّا ، قَدْ دَخَلُوا فِي عَهْدِ مُحَمّدٍ وَعَقْدِهِ قَالَ سُهَيْلٌ : مَا هُمْ إلّا كَغَيْرِهِمْ هَؤُلَاءِ أَقَارِبُنَا وَلَحْمُنَا قَدْ دَخَلُوا مَعَ مُحَمّدٍ قَوْمٌ اخْتَارُوا لَأَنْفُسِهِمْ أَمْرًا فَمَا نَصْنَعُ بِهِمْ ؟ قَالَ حُوَيْطِبُ نَصْنَعُ بِهِمْ أَنْ نَنْصُرَ عَلَيْهِمْ حَلْفَاءَنَا بَنِي بَكْرٍ . قَالَ سُهَيْلٌ : إيّاكَ أَنْ تَسْمَعَ هَذَا مِنْك بَنُو بَكْرٍ فَإِنّهُمْ أَهْلُ شُؤْمٍ فَيَقَعُوا بِخُزَاعَةَ فَيَغْضَبُ مُحَمّدٌ لِحُلَفَائِهِ فَيَنْقُضُ الْعَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ . قَالَ حُوَيْطِبٌ حَظَوْت وَاَللّهِ أَخْوَالَك بِكُلّ وَجْهٍ فَقَالَ سُهَيْلٌ : تَرَى أَخْوَالِي أَعَزّ عَلَيّ مِنْ بَنِي بَكْرٍ ؟ وَلَكِنْ وَاَللّهِ لَا تَفْعَلُ قُرَيْشٌ شَيْئًا إلّا فَعَلْته ، فَإِذَا أَعَانَتْ بَنِي بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ فَإِنّمَا أَنَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَبَنُو بَكْرٍ أَقْرَبُ إلَيّ فِي قِدَمِ النّسَبِ وَإِنْ كَانَ لِهَؤُلَاءِ لَخَئُولَةٌ وَبَنُو بَكْرٍ مَنْ قَدْ عَرَفْت ، لَنَا مِنْهُمْ مَوَاطِنُ كُلّهَا لَيْسَتْ بِحَسَنَةٍ مِنْهَا يَوْمُ عُكَاظٍ .
[ ص 613 ] قَالَ فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْكِتَابِ وَانْطَلَقَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَأَصْحَابُهُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ قُومُوا فَانْحَرُوا وَاحْلِقُوا فَلَمْ يُجِبْهُ مِنْهُمْ رَجُلٌ إلَى ذَلِكَ فَقَالَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ كُلّ ذَلِكَ يَأْمُرُهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ ذَلِكَ . فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى دَخَلَ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَتِهِ مُغْضَبًا شَدِيدَ الْغَضَبِ وَكَانَتْ مَعَهُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ فَاضْطَجَعَ فَقَالَتْ مَا لَك يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ مِرَارًا لَا تُجِيبُنِي . ثُمّ قَالَ عَجَبًا يَا أُمّ سَلَمَةَ إنّي قُلْت لِلنّاسِ انْحَرُوا وَاحْلُقُوا وَحِلّوا مِرَارًا ، فَلَمْ يُجِبْنِي أَحَدٌ مِنْ النّاسِ إلَى ذَلِكَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامِي وَيَنْظُرُونَ فِي وَجْهِي فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ انْطَلِقْ أَنْتَ إلَى هَدْيِك فَانْحَرْهُ فَإِنّهُمْ سَيَقْتَدُونَ بِك . قَالَتْ فَاضْطَبَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِثَوْبِهِ ثُمّ خَرَجَ وَأَخَذَ الْحَرْبَةَ يَنْهِمُ هَدْيَهُ . قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ فَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَ يَهْوِي بِالْحَرْبَةِ إلَى الْبَدَنَةِ رَافِعًا صَوْتَهُ بِسْمِ اللّهِ وَاَللّهُ أَكْبَرُ قَالَتْ فَمَا هَذَا إلّا أَنْ رَأَوْهُ نَحْرَ فَتَوَاثَبُوا إلَى الْهَدْيِ فَازْدَحَمُوا عَلَيْهِ حَتّى خَشِيت أَنْ يَغُمّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أُمّ عُمَارَةَ قَالَتْ فَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُضْطَبِعًا بِثَوْبِهِ وَالْحَرْبَةُ فِي يَدَيْهِ يَنْحَرُ بِهَا .
(1/608)
حَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ وَأَشْرَكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ فِي الْهَدْيِ فَنَحَرَ الْبَدَنَةَ عَنْ [ ص 614 ] سَبْعَةٍ وَكَانَ الْهَدْيُ سَبْعِينَ بَدَنَةً . وَكَانَ جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ قَدْ غَنِمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَغْزُونَ عَلَيْهِ الْمَغَازِيَ وَكَانَ قَدْ ضُرِبَ فِي لِقَاحِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّتِي اسْتَاقَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَلِقَاحِهِ الّتِي كَانَتْ بِذِي الْجَدْرِ الّتِي كَانَ سَاقَهَا الْعُرَنِيّونَ ، وَكَانَ جَمَلُ أَبِي جَهْلٍ نَجِيبًا مَهْرِيّا كَانَ يُرْعَى مَعَ الْهَدْيِ فَشَرَدَ قَبْلَ الْقَضِيّةِ فَلَمْ يَقِفْ حَتّى انْتَهَى إلَى دَارِ أَبِي جَهْلٍ وَعَرَفُوهُ وَخَرَجَ فِي أَثَرِهِ عَمْرُو بْنُ عَنَمَةَ السّلَمِيّ فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ لَهُ سُفَهَاءُ مِنْ سُفَهَاءِ مَكّةَ ، فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو : ادْفَعُوهُ إلَيْهِ . فَأَعْطَوْا بِهِ مِائَةَ نَاقَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَوْلَا أَنّا سَمّيْنَاهُ فِي الْهَدْيِ فَعَلْنَا . فَنَحَرَ الْجَمَلَ عَنْ سَبْعَةٍ أَحَدُهُمْ أَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَكَانَ ابْنُ الْمُسَيّبِ يَقُولُ كَانَ الْهَدْيُ سَبْعِينَ وَكَانَ النّاسُ سَبْعَمِائَةِ وَكَانَ كُلّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةٍ . وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا أَنّهُ سِتّ عَشْرَةَ مِائَةً . قَالَ وَقَامَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ يَنْحَرُ بَدَنَاتٍ لَهُ سَاقَهَا مِنْ الْمَدِينَةِ ، وَعَبْدُ الرّحْمَنِ أَيْضًا ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُضْطَرِبًا فِي الْحِلّ وَكَانَ يُصَلّي فِي الْحَرَمِ . وَحَضَرَهُ يَوْمئِذٍ مَنْ يَسْأَلُ مِنْ لُحُومِ الْبُدْنِ مُعَتّرًا غَيْرَ كَبِيرٍ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُعْطِيهِمْ مِنْ لُحُومِ الْبُدْنِ وَجُلُودِهَا قَالَتْ أُمّ كُرْزٍ الْكَعْبِيّةُ : جِئْت أَسْأَلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ لُحُومِ [ ص 615 ] الْهَدْيِ حِينَ نَحَرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فَسَمِعْته يَقُولُ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَالْجَارِيَةُ شَاةٌ وَأَكَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ هَدْيِهِمْ الّذِي نَحَرُوا يَوْمئِذٍ وَأَطْعَمُوا الْمَسَاكِينَ مِمّنْ حَضَرَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ بَعَثَ بِعِشْرِينَ بَدَنَةً لِتُنْحَرَ عِنْدَ الْمَرْوَةِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ ، فَنَحَرَهَا عِنْدَ الْمَرْوَةِ وَقَسَمَ لَحْمَهَا .
وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ أُمّ عُمَارَةَ قَالَتْ فَأَنَا أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ فَرَغَ مِنْ نَحْرِ الْبُدْنِ فَدَخَلَ قُبّةً لَهُ مِنْ أَدَمٍ حَمْرَاءَ ، فِيهَا الْحَلّاقُ فَحَلَقَ رَأْسَهُ فَأَنْظُرُ إلَيْهِ قَدْ أَخَرَجَ رَأْسَهُ مِنْ قُبّتِهِ وَهُوَ يَقُولُ رَحِمَ اللّهُ الْمُحَلّقِينَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ وَالْمُقَصّرِينَ قَالَ رَحِمَ اللّهُ الْمُحَلّقِينَ - ثَلَاثًا . ثُمّ قَالَ وَالْمُقَصّرِينَ
فَحَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الزّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْهِ حِينَ حَلَقَ رَأْسَهُ وَرَمَى بِشَعَرِهِ عَلَى شَجَرَةٍ كَانَتْ إلَى جَنْبِهِ مِنْ سَمُرَةٍ خَضْرَاءَ . قَالَتْ أُمّ عُمَارَةَ فَجَعَلَ النّاسُ يَأْخُذُونَ الشّعَرَ مِنْ فَوْقِ الشّجَرَةِ فَيَتَحَاصّونَ فِيهِ وَجَعَلْت أُزَاحِمُ حَتّى أَخَذْت طَاقَاتٍ مِنْ شَعَرٍ . فَكَانَتْ عِنْدَهَا حَتّى مَاتَتْ تَغْسِلُ لِلْمَرِيضِ . قَالَ وَحَلَقَ يَوْمئِذٍ نَاسٌ وَقَصّرَ آخَرُونَ . قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَصّرْت يَوْمئِذٍ أَطْرَافَ شَعَرِي . وَكَانَتْ أُمّ عُمَارَةَ تَقُولُ قَصّرْت يَوْمئِذٍ - بِمِقَصّ مَعِي - الشّعَرَ وَمَا شَدّ .
[ ص 616 ] حَدّثَنِي خِرَاشُ بْنُ هُنَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ الّذِي حَلَقَهُ خِرَاشُ بْنُ أُمَيّةَ .
(1/614)
قَالُوا : قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ بَضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، وَيُقَالُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَلَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ نَزَلَ بِمَرّ الظّهْرَانِ ثُمّ نَزَلَ عُسْفَانَ ، فَأَرْمَلُوا مِنْ الزّادِ فَشَكَا النّاسُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُمْ قَدْ بَلَغُوا مِنْ الْجُوعِ - وَفِي النّاسِ ظَهْرٌ - [ وَقَالُوا ] : فَنَنْحَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ وَنَدْهُنُ مِنْ شُحُومِهِ وَنَتّخِذُ مِنْ جُلُودِهِ حِذَاءً فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا تَفْعَلْ فَإِنْ يَكُ فِي النّاسِ بَقِيّةُ ظَهْرٍ يَكُنْ أَمْثَلَ وَلَكِنْ اُدْعُهُمْ بِأَزْوَادِهِمْ ثُمّ اُدْعُ اللّهَ فِيهَا . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ ثُمّ نَادَى مُنَادِيهِ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ بَقِيّةٌ مِنْ زَادٍ فَلْيَنْثُرْهُ عَلَى الْأَنْطَاعِ .
قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ الْكَعْبِيّ : فَلَقَدْ رَأَيْت مَنْ يَأْتِي بِالتّمْرَةِ الْوَاحِدَةِ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَأْتِي بِشَيْءٍ وَيَأْتِي بِالْكَفّ مِنْ الدّقِيقِ وَالْكَفّ مِنْ السّوِيقِ ، وَذَلِكَ كُلّهُ قَلِيلٌ . فَلَمّا اجْتَمَعَتْ أَزْوَادُهُمْ وَانْقَطَعَتْ مَوَادّهُمْ مَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهَا فَدَعَا فِيهَا بِالْبَرَكَةِ ثُمّ قَالَ قُرّبُوا أَوْعِيَتَكُمْ فَجَاءُوا بِأَوْعِيَتِهِمْ . قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ فَأَنَا حَاضِرٌ فَيَأْتِي الرّجُلُ فَيَأْخُذُ مَا شَاءَ مِنْ الزّادِ حَتّى إنّ الرّجُلَ لَيَأْخُذَ مَا لَا يَجِدُ لَهُ مَحْمَلًا ، ثُمّ أَذِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالرّحِيلِ فَلَمّا ارْتَحَلُوا مُطِرُوا مَا شَاءُوا وَهُمْ صَائِفُونَ . فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَزَلُوا مَعَهُ فَشَرِبُوا مِنْ الْمَاءِ فَقَامَ رَسُولُ [ ص 617 ] اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَطَبَهُمْ فَجَاءَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَجَلَسَ اثْنَانِ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَذَهَبَ وَاحِدٌ مُعْرِضًا ، فَاسْتَحْيَا ، فَاسْتَحْيَا اللّهُ مِنْهُ وَأَمّا الْآخَرُ فَتَابَ فَتَابَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَمّا الثّالِثُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللّهُ عَنْهُ .
(1/617)
فَحَدّثَنِي مُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ قَالَ سَمِعْت شُعْبَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ سَمِعْت ابْنَ عَبّاسٍ يَقُولُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ كُنْت أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مُنْصَرَفِهِ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُجِبْنِي ، ثُمّ سَأَلْته فَلَمْ يُجِبْنِي ، ثُمّ سَأَلْته فَلَمْ يُجِبْنِي . قَالَ عُمَرُ فَقُلْت : ثَكِلَتْك أُمّك يَا عُمَرُ نَذَرْت رَسُولَ اللّهِ ثَلَاثًا ، كُلّ ذَلِكَ لَا يُجِيبنِي قَالَ فَحَرّكْت بَعِيرِي حَتّى تَقَدّمْت النّاسَ وَخَشِيت أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيّ قُرْآنٌ فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ وَلَمّا كُنْت رَاجَعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحُدَيْبِيَةِ وَكَرَاهَتِي الْقَضِيّةَ ، فَإِنّي لَأَسِيرُ مَهْمُومًا مُتَقَدّمًا لِلنّاسِ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي : يَا عُمَرُ بْنَ الْخَطّابِ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مَا اللّهُ بِهِ أَعْلَمُ ثُمّ أَقْبَلْت حَتّى انْتَهَيْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَلّمْت فَرَدّ عَلَيّ السّلَامَ وَهُوَ مَسْرُورٌ ثُمّ قَالَ أُنْزِلَتْ عَلَيّ سُورَةٌ هِيَ أَحَبّ إلَيّ مِمّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشّمْسُ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا فَبَشّرَهُ بِمَغْفِرَتِهِ وَإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ وَنَصْرِهِ وَطَاعَةِ مَنْ أَطَاعَ اللّهَ تَعَالَى ، وَنِفَاقِ مَنْ نَافَقَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ عَشْرَ آيَاتٍ .
وَحَدّثَنِي مُجَمّعُ بْنُ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُجَمّعِ بْنِ جَارِيَةَ ، قَالَ [ ص 618 ] لَمّا كُنّا بِضَجْنَانَ رَاجِعِينَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ رَأَيْت النّاسَ يُرْكَضُونَ فَإِذَا هُمْ يَقُولُونَ أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ قُرْآنٌ ] ، فَرَكَضْت مَعَ النّاسِ حَتّى تُوَافَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا هُوَ يَقْرَأُ إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا فَلَمّا نَزَلَ بِهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ يَهْنِيكَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَلَمّا هَنّأَهُ جِبْرِيلُ هَنّأَهُ الْمُسْلِمُونَ .
(1/618)
وَكَانَ مِمّا نَزَلَ فِي الْحُدَيْبِيَةِ: إِنّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا قَالَ قَضَيْنَا لَك قَضَاءً مُبِينًا ، فَالْفَتْحُ قُرَيْشٌ وَمُوَادَعَتُهُمْ فَهُوَ أَعْظَمُ الْفَتْحِ . لِيَغْفِرَ لَكَ اللّهُ مَا تَقَدّمَ مِنْ ذَنْبِكَ قَالَ مَا كَانَ قَبْلَ النّبُوّةِ وَمَا تَأَخّرَ . قَالَ مَا كَانَ قَبْلَ الْمَوْتِ إلَى أَنْ تُوُفّيَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَيُتِمّ نِعْمَتَهُ عَلَيْك بِصُلْحِ قُرَيْشٍ ، وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا قَالَ الْحَقّ ، وَيَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْرًا عَزِيزًا حَتّى تَظْهَرَ فَلَا يَكُونُ شِرْكٌ . هُوَ الّذِي أَنْزَلَ السّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الطّمَأْنِينَةُ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ قَالَ يَقِينًا وَتَصْدِيقًا ، وَلِلّهِ جُنُودُ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ . قَالَ عَزّ وَجَلّ لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفّرَ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ قَالَ مَا اجْتَرَحُوا ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللّهِ فَوْزًا عَظِيمًا يَقُولُ فَوْزًا لَهُمْ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظّانّينَ بِاللّهِ ظَنّ السّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السّوْءِ [ ص 619 ] يَعْنِي الّذِينَ مَرّ عَلَيْهِمْ بَيْنَ مَكّةَ وَالْمَدِينَةِ ، مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَبَنِي بَكْرٍ ، وَاسْتَنْفَرَهُمْ إلَى الْحُدَيْبِيَةِ فَاعْتَلَوْا وَتَشَاغَلُوا بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ . يَقُولُ عَلَيْهِمْ مَا تَمَنّوْا وَظَنّوا ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ قَالُوا : إنّمَا خَرَجَ مُحَمّدٌ فِي أَكَلَةِ رَأْسٍ يَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مَوْتُورِينَ فَأَبَوْا أَنْ يَنْفِرُوا مَعَهُ . إِنّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشّرًا قَالَ شَاهِدًا عَلَيْهِمْ وَمُبَشّرًا لَهُمْ بِالْجَنّةِ وَنَذِيرًا لَهُمْ مِنْ النّارِ . وَتُعَزّرُوهُ قَالَ تَنْصُرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُعَظّمُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا قَالَ تُصَلّوا لِلّهِ بُكْرَةً وَعَشِيّا . إِنّ الّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنّمَا يُبَايِعُونَ اللّهَ يَدُ اللّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ حِينَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْعَةِ الرّضْوَانِ تَحْتَ الشّجَرَةِ ، فَبَايَعُوهُ يَوْمئِذٍ عَلَى أَلّا يَفِرّوا ، وَيُقَالُ عَلَى الْمَوْتِ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ يَقُولُ مَنْ بَدّلَ أَوْ غَيّرَ مَا بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّمَا ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى فَإِنّ لَهُ الْجَنّةَ ، سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قَالَ هُمْ الّذِينَ مَرّ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَنْفَرَهُمْ وَاسْتَعَانَ بِهِمْ فِي بِدَايَتِهِ فَتَشَاغَلُوا بِأَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فَلَمّا سَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءَ إلَى الْمَدِينَةِ جَاءُوهُ يَقُولُونَ اسْتَغْفِرْ لَنَا إبَاءَنَا أَنْ نَسِيرَ مَعَك . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [ ص 620 ] يَقُولُ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ اسْتَغْفَرْت لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا إلَى قَوْله عَزّ وَجَلّ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا قَالَ قَوْلُهُمْ حِينَ مَرّ بِهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ « وَإِنّمَا مُحَمّدًا [ فِي ] أَكَلَةِ رَأْسٍ يَخْرُجُ إلَى قَوْمٍ مَوْتُورِينَ مُعِدّينَ وَمُحَمّدٌ لَا سِلَاحٌ مَعَهُ وَلَا عِدّةٌ » فَأَبَوْا أَنْ يَنْفِرُوا ، وَزُيّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ قَالَ كَانَ يَقِينًا فِي قُلُوبِهِمْ . وَقَوْلُهُ عَزّ وَجَلّ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا يَقُولُ هَلْكَى . وَقَوْلُهُ سَيَقُولُ الْمُخَلّفُونَ إذَا انْطَلَقْتُمْ إلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا . .. إلَى آخِرِ الْآيَةِ . قَالَ هُمْ الّذِينَ تَخَلّفُوا عَنْهُ وَأَبَوْا أَنْ يَنْفِرُوا مَعَهُ هَؤُلَاءِ الْعَرَبُ مِنْ مُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَبَكْرٍ ، لَمّا أَرَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ التّوَجّهَ إلَى خَيْبَرَ قَالُوا : نَحْنُ نَتْبَعُكُمْ . يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدّلُوا كَلَامَ اللّهِ قَالَ الّذِي قَضَى اللّهُ قَضَى أَلّا تَتْبَعُونَا ، وَهُوَ كَلَامُ اللّهِ يُقَال قَضَاءَهُ . يَقُولُ قُلْ لِلْمُخَلّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ يَعْنِي هَؤُلَاءِ الّذِينَ تَخَلّفُوا عَنْك فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ . سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ قَالَ هُمْ فَارِسُ وَالرّومُ ، وَيُقَالُ هَوَازِنُ ، وَيُقَالُ بَنِي حَنِيفَةَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ ، تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلّوْا كَمَا تَوَلّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا قَالَ إنْ أَبَيْتُمْ أَنْ تُقَاتِلُوا كَمَا أَبَيْتُمْ أَنْ تَخْرُجُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى غَزْوَةِ [ الْحُدَيْبِيَةِ ] .
[ ص 621 ] لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ قَالَ لَمّا نَزَلَتْ الْعَوْرَاتُ الثّلَاثُ . لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ أَخْرِجُوا الْعُمْيَانَ وَالْمَرْضَى وَالْعُرْجَانَ مِنْ بُيُوتِهِمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَيُقَالُ هَذَا فِي الْغَزْوِ .
وَحَدّثَنِي مُحَمّدٌ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ يَقُولُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا إذَا نَفَرُوا لِلْغَزْوِ وَضَعُوا مَفَاتِيحَ بُيُوتِهِمْ عِنْدَ الزّمْنَى مِنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ رُخْصَةً لَهُمْ بِالْإِذْنِ فِي كُلّ . لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشّجَرَةِ قَالَ وَهِيَ سَمُرَةٌ خَضْرَاءُ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ قَالَ صِدْقَ نِيّاتِهِمْ . فَأَنْزَلَ السّكِينَةَ عَلَيْهِمْ يَعْنِي الطّمَأْنِينَةَ وَهُوَ بَيْعَةُ الرّضْوَانِ فَتْحًا قَرِيبًا قَالَ صُلْحُ قُرَيْشٍ وَمَغَانِمُ كَثِيرَةٌ تَأْخُذُونَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَفِي قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ فَعَجّلَ لَكُمْ هَذِهِ قَالَ فَتْحَ خَيْبَرَ ، وَكَفّ أَيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ قَالَ الّذِينَ كَانُوا طَافُوا بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ رَجَاءَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ غِرّةً ، فَأَسَرَهُمْ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْرًا ، وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ قَالَ عِبْرَةً صُلْحُ قُرَيْشٍ وَحُكْمٌ [ لَمْ ] يَكُنْ فِيهِ سَيْفٌ وَكَانَ [ ص 622 ] فَتْحًا عَظِيمًا . وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَالَ فَارِس ُ وَالرّومُ ، وَيُقَالُ مَكّةُ . وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الّذِينَ كَفَرُوا لَوَلّوُا الْأَدْبَارَ ثُمّ لَا يَجِدُونَ وَلِيّا وَلَا نَصِيرًا يَقُولُ لَوْ قَاتَلَتْكُمْ قُرَيْشٌ انْهَزَمُوا ثُمّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ اللّهِ وَلِيّ ، يَعْنِي حَافِظًا ، وَلَا نَصِيرَ مِنْ الْعَرَبِ . سُنّةُ اللّهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللّهِ تَبْدِيلًا ، قَالَ قَضَاءُ اللّهِ الّذِي قَضَى وَلَا تَبْدِيلَ أَنّ رُسُلَهُ يَظْهَرُونَ وَيَغْلِبُونَ . وَهُوَ الّذِي كَفّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَسَرُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالْحُدَيْبِيَةِ أَسْرَى ، فَكَفّ اللّهُ أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ عَنْ قَتْلِهِمْ وَأَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ مَنْ كَانُوا حُبِسُوا بِمَكّةَ ، فَذَلِكَ الظّفَرُ . هُمُ الّذِينَ كَفَرُوا وَصَدّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلّهُ يَقُولُ حَيْثُ لَمْ يَصِلْ إلَى الْبَيْتِ وَحُبِسَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ; وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيّلُوا لَعَذّبْنَا الّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا يَقُولُ لَوْلَا رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مُسْتَضْعَفُونَ بِمَكّةَ أَنْ تَطَئُوهُمْ يَقُولُ [ أَنْ ] تَقْتُلُوهُمْ وَلَا تَعْرِفُوهُمْ فَيُصِيبُكُمْ مِنْ ذَلِكَ بَلَاءٌ عَظِيمٌ حَيْثُ قَتَلْتُمْ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ لَوْ تَزَيّلُوا يَقُولُ لَوْ خَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِمْ لَعَذّبْنَا الّذِينَ كَفَرُوا ، يَقُولُ سَلّطْنَاكُمْ عَلَيْهِمْ بِالسّيْفِ . [ ص 623 ] إِذْ جَعَلَ الّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيّةَ حَمِيّةَ الْجَاهِلِيّةِ حَيْثُ أَبَى سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنْ يَكْتُبَ « مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ » وَحَيْثُ أَبَى أَنْ يَكْتُبَ « بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ يَقُولُ بَيْنَهُمْ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التّقْوَى وَكَانُوا أَحَقّ بِهَا وَأَهْلَهَا يَقُولُ لَا إلَهِ إلّا اللّهُ هُمْ أَحَقّ بِهَا وَأَوْلَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ . لَقَدْ صَدَقَ اللّهُ رَسُولَهُ الرّؤْيَا بِالْحَقّ لَتَدْخُلُنّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إلَى قَوْلِهِ فَجَعَلَ مِنْ دُون ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا ، وَالْفَتْحُ الْقَرِيبُ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ . وَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيّةِ فَحَلَقَ وَحَلَقَ مَعَهُ قَوْمٌ وَقَصّرَ مَنْ قَصّرَ وَدَخَلَ فِي حَجّتِهِ وَمَعَهُ أَصْحَابُهُ آمَنِينَ لَا يَخَافُ إلّا اللّهَ عَزّ وَجَلّ . مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكّعًا سُجّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانًا قَالَ يَبْتَغُونَ بِذَلِكَ الرّكُوعِ وَالسّجُودِ الْفَضْلَ مِنْ اللّهِ وَالرّضْوَانَ . سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السّجُودِ قَالَ أَثَرُ الْخُشُوعِ وَالتّوَاضُعِ مَثَلُهُمْ فِي التّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزّرّاعَ فَهَذَا فِي الْإِنْجِيلِ ، يَعْنِي أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانُوا قَلِيلًا ، ثُمّ ازْدَادُوا ، ثُمّ كَثُرُوا ، ثُمّ اسْتَغْلَظُوا ، وَقَالَ وَالّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّدّيقُونَ قَالَ هِيَ مَفْصُولَةٌ بِأَنّهُمْ آمَنُوا بِاَللّهِ وَرُسُلِهِ يُصَدّقُونَهُمْ . قَالَ بَعْدُ وَالشّهَدَاءُ عِنْدَ رَبّهِمْ وَفِي قَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ وَلَا يَزَالُ الّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ
[ ص 624 ] يَعْنِي مَا كَانَ فُتِحَ فِي الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ مِنْ فَتْحِ الْحُدَيْبِيَةِ .
كَانَتْ الْحَرْبُ قَدْ حَجَزَتْ بَيْنَ النّاسِ وَانْقَطَعَ الْكَلَامُ وَإِنّمَا كَانَ الْقِتَالُ حَيْثُ الْتَقَوْا ، فَلَمّا كَانَتْ الْهُدْنَةُ وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا وَآمَنَ النّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ تَكَلّمَ بِالْإِسْلَامِ يَعْقِلُ شَيْئًا إلّا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ حَتّى دَخَلَ فِي تِلْكَ الْهُدْنَةِ صَنَادِيدُ الْمُشْرِكِينَ الّذِينَ يَقُومُونَ بِالشّرْكِ وَبِالْحَرْبِ - عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَأَشْبَاهٌ لَهُمْ وَإِنّمَا كَانَتْ الْهُدْنَةُ حَتّى نَقَضُوا الْعَهْدَ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ شَهْرًا ، دَخَلَ فِيهَا مِثْلُ مَا دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ وَفَشَا الْإِسْلَامُ فِي كُلّ نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْعَرَبِ .
(1/619)
وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ أَتَاهُ أَبُو بِصَيْرٍ - وَهُوَ عُتْبَةُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ جَارِيَةَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ - مُسْلِمًا ، قَدْ انْفَلَتَ مِنْ قَوْمِهِ فَسَارَ عَلَى قَدَمَيْهِ سَعْيًا ، فَكَتَبَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقٍ ، وَأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ الزّهْرِيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا ، وَبَعَثَا رَجُلًا مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، اسْتَأْجَرَاهُ بِبَكْرٍ ابْنِ لَبُونٍ - وَهُوَ خُنَيْسُ بْنُ جَابِرٍ - وَخَرَجَ مَعَ الْعَامِرِيّ مَوْلًى لَهُ يُقَالُ لَهُ كَوْثَرُ وَحَمَلَا خُنَيْسُ بْنُ جَابِرٍ عَلَى بَعِيرٍ وَكَتَبَا يَذْكُرَانِ الصّلْحَ بَيْنَهُمْ وَأَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ أَبَا بِصَيْرٍ فَلَمّا قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدِمَا بَعْدَ أَبِي بِصَيْرٍ بِثَلَاثَةِ أَيّامٍ فَقَالَ خُنَيْسٌ يَا مُحَمّدُ هَذَا كِتَابٌ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَإِذَا فِيهِ قَدْ عَرَفْت مَا شَارَطْنَاكَ عَلَيْهِ [ ص 625 ] وَأَشْهَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَك ، مِنْ رَدّ مَنْ قَدِمَ عَلَيْك مِنْ أَصْحَابِنَا ، فَابْعَثْ إلَيْنَا بِصَاحِبِنَا ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا بِصَيْرٍ أَنْ يَرْجِعَ مَعَهُمْ وَدَفَعَهُ إلَيْهِمَا ، فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ تَرُدّنِي إلَى الْمُشْرِكِينَ يَفْتِنُونَنِي فِي دِينِي ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا بِصَيْرٍ إنّا قَدْ أَعْطَيْنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ مَا قَدْ عَلِمْت ، وَلَا يَصْلُحُ لَنَا فِي دِينِنَا الْغَدْرُ وَإِنّ اللّهَ جَاعِلٌ لَك وَلِمَنْ مَعَك مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَجًا وَمَخْرَجًا قَالَ أَبُو بِصَيْرٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ تَرُدّنِي إلَى الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْطَلِقْ يَا أَبَا بِصَيْرٍ فَإِنّ اللّهَ سَيَجْعَلُ لَك مَخْرَجًا فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْعَامِرِيّ وَصَاحِبِهِ فَخَرَجَ مَعَهُمَا ; وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يُسِرّونَ إلَى أَبِي بِصَيْرٍ يَا أَبَا بِصَيْرٍ أَبْشِرْ فَإِنّ اللّهَ جَاعِلٌ لَك مَخْرَجًا ، وَالرّجُلُ يَكُونُ خَيْرًا مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ فَافْعَلْ وَافْعَلْ يَأْمُرُونَهُ بِاَلّذِينَ مَعَهُ . فَخَرَجُوا حَتّى كَانُوا بِذِي الْحُلَيْفَةِ - انْتَهَوْا إلَيْهَا عِنْدَ صَلَاةِ الظّهْرِ - فَدَخَلَ أَبُو بِصَيْرٍ مَسْجِدَ ذِي الْحُلَيْفَةِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ صَلَاةَ الْمُسَافِرِ وَمَعَهُ زَادٌ لَهُ يَحْمِلُهُ مِنْ تَمْرٍ فَمَالَ إلَى أَصْلِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَوَضَعَ زَادَهُ فَجَعَلَ يَتَغَدّى ، وَقَالَ لِصَاحِبَيْهِ اُدْنُوَا فَكُلَا فَقَالَا : لَا حَاجَةَ لَنَا فِي طَعَامِك . فَقَالَ وَلَكِنْ لَوْ دَعَوْتُمُونِي إلَى طَعَامِكُمْ لَأَجَبْتُكُمْ وَأَكَلْت مَعَكُمْ . فَاسْتَحْيِيَا فَدَنَوْا وَوَضَعَا أَيْدِيَهُمَا فِي التّمْرِ مَعَهُ وَقَدّمَا سُفْرَةً لَهُمَا فِيهَا كِسْرٌ فَأَكَلُوا جَمِيعًا ، وَآنَسَهُمْ وَعَلّقَ الْعَامِرِيّ بِسَيْفِهِ عَلَى حَجَرٍ فِي الْجِدَارِ فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ لِلْعَامِرِيّ يَا أَخَا بَنِي عَامِرٍ مَا اسْمُك ؟ فَقَالَ خُنَيْسٌ . قَالَ ابْنُ مَنْ ؟ قَالَ ابْنُ جَابِرٍ . فَقَالَ يَا أَبَا جَابِرٍ أَصَارِمٌ سَيْفَك هَذَا ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ نَاوِلْنِيهِ أَنْظُرْ إلَيْهِ إنْ شِئْت ، فَنَاوَلَهُ الْعَامِرِيّ وَكَانَ أَقْرَبَ إلَى السّيْفِ مِنْ أَبِي بِصَيْرٍ فَأَخَذَ أَبُو بِصَيْرٍ بِقَائِمِ السّيْفِ وَالْعَامِرِيّ مُمْسِكٌ بِالْجَفْنِ فَعَلَاهُ بِهِ حَتّى بَرَدَ وَخَرَجَ كَوْثَرُ هَارِبًا يَعْدُو نَحْوَ الْمَدِينَةِ ، وَخَرَجَ أَبُو بِصَيْرٍ فِي أَثْرِهِ فَأَعْجَزَهُ حَتّى سَبَقَهُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 626 ] يَقُولُ أَبُو بِصَيْرٍ : وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكْته لَأَسْلَكْته طَرِيقَ صَاحِبِهِ فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ إذْ طَلَعَ الْمَوْلَى يَعْدُو ، فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ هَذَا رَجُلٌ قَدْ رَأَى ذُعْرًا فَأَقْبَلَ حَتّى وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْحَك ، مَا لَك ؟ قَالَ قَتَلَ صَاحِبُكُمْ صَاحِبِي ، وَأَفْلَتْ مِنْهُ وَلَمْ أَكَدْ وَكَانَ الّذِي حَبَسَ أَبَا بِصَيْرٍ احْتِمَالُ سَلَبِهِمَا عَلَى بَعِيرِهِمَا ، فَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ قَائِمًا حَتّى طَلَعَ أَبُو بِصَيْرٍ ، فَأَنَاخَ الْبَعِيرَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ مُتَوَشّحًا بِالسّيْفِ - سَيْفِ الْعَامِرِيّ - فَوَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِرَسُولِ اللّهِ وَفَتْ ذِمّتُك وَأَدّى اللّهُ عَنْك ، وَقَدْ أَسَلّمْتنِي بِيَدِ الْعَدُوّ وَقَدْ امْتَنَعْت بِدِينِي مِنْ أَنْ أُفْتَنَ وَتَبَغّيْتَ بِي أَنْ أَكْذِبَ بِالْحَقّ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ مَعَهُ رِجَالٌ
وَجَاءَ أَبُو بِصَيْرٍ بِسَلَبِ الْعَامِرِيّ خُنَيْسِ بْنِ جَابِرٍ وَرَحْلِهِ وَسَيْفِهِ فَقَالَ خَمّسْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي إذَا خَمّسْته رَأَوْنِي لَمْ أُوَفّ لَهُمْ بِاَلّذِي عَاهَدْتهمْ عَلَيْهِ وَلَكِنْ شَأْنُك بِسَلَبِ صَاحِبِك وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِكَوْثَرَ تَرْجِعُ بِهِ إلَى أَصْحَابِك . فَقَالَ يَا مُحَمّدُ قَدْ أَهَمّنِي نَفْسِي ، مَا لِي بِهِ قُوّةٌ وَلَا يَدَانِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 627 ] لِأَبِي بِصَيْرٍ اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت فَخَرَجَ أَبُو بِصَيْرٍ حَتّى أَتَى الْعِيصَ ، فَنَزَلَ مِنْهُ نَاحِيَةً عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ إلَى الشّامِ . قَالَ أَبُو بِصَيْرٍ : فَخَرَجْت وَمَا مَعِي مِنْ الزّادِ إلّا كَفّ مِنْ تَمْرٍ فَأَكَلْتهَا ثَلَاثَةَ أَيّامٍ وَكُنْت آتِي السّاحِلَ فَأُصِيبُ حِيتَانًا قَدْ أَلْقَاهَا الْبَحْرُ فَآكُلُهَا . وَبَلَغَ الْمُسْلِمِينَ الّذِينَ قَدْ حُبِسُوا بِمَكّةَ ، وَأَرَادُوا أَنْ يَلْحَقُوا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي بِصَيْرٍ « وَيْلُ أُمّهِ مِحَشّ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَالٌ » ، فَجَعَلُوا يَتَسَلّلُونَ إلَى أَبِي بِصَيْرٍ . وَكَانَ الّذِي كَتَبَ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمُسْلِمِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابُ عُمَرَ فَأَخْبَرَهُمْ أَنّهُ بِالسّاحِلِ عَلَى طَرِيقِ عِيرِ قُرَيْشٍ ، فَلَمّا وَرَدَ عَلَيْهِمْ كِتَابُ عُمَرَ جَعَلُوا يُتَسَلّلُونَ رَجُلًا رَجُلًا حَتّى انْتَهَوْا إلَى أَبِي بِصَيْرٍ فَاجْتَمَعُوا عِنْدَهُ قَرِيبٌ مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا ، فَكَانُوا قَدْ ضَيّقُوا عَلَى قُرَيْشٍ ، لَا يَظْفَرُونَ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ إلّا قَتَلُوهُ وَلَا تَمُرّ عِيرٌ إلّا اقْتَطَعُوهَا ، حَتّى أَحْرَقُوا قُرَيْشًا ، لَقَدْ مَرّ رَكْبٌ يُرِيدُونَ الشّامَ مَعَهُمْ ثَلَاثُونَ بَعِيرًا ، وَكَانَ هَذَا آخِرُ مَا اقْتَطَعُوا ، لَقَدْ أَصَابَ كُلّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا قِيمَتُهُ ثَلَاثُونَ دِينَارًا . فَقَالَ بَعْضُهُمْ ابْعَثُوا بِالْخُمُسِ إلَى رَسُولِ اللّهِ . فَقَالَ أَبُو بِصَيْرٍ : لَا يَقْبَلُهُ رَسُولُ اللّهِ قَدْ جِئْت بِسَلَبِ الْعَامِرِيّ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهُ وَقَالَ إنّي إذَا فَعَلْت هَذَا لَمْ أَفِ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ
وَكَانُوا قَدْ أَمّرُوا عَلَيْهِمْ أَبَا بِصَيْرٍ فَكَانَ يُصَلّي بِهِمْ وَيُفَرّضُهُمْ وَيُجَمّعُهُمْ وَهُمْ سَامِعُونَ لَهُ مُطِيعُونَ . فَلَمّا بَلَغَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَتْلُ أَبِي بِصَيْرٍ لِلْعَامِرِيّ اشْتَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَقَالَ وَاَللّهِ مَا صَالَحْنَا مُحَمّدًا عَلَى هَذَا .
[ ص 628 ] قَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ بَرِئَ مُحَمّدٌ مِنْهُ قَدْ أَمْكَنَ صَاحِبُكُمْ فَقَتَلَهُ بِالطّرِيقِ فَمَا عَلَى مُحَمّدٍ فِي هَذَا ؟ فَقَالَ سُهَيْلٌ : قَدْ وَاَللّهِ عَرَفْت أَنّ مُحَمّدًا قَدْ أَوْفَى ، وَمَا أُوتِينَا إلّا مِنْ قِبَلِ الرّسُولَيْنِ . قَالَ فَأَسْنَدَ ظَهْرَهُ إلَى الْكَعْبَةِ وَقَالَ وَاَللّهِ لَا أُؤَخّرُ ظَهْرِي حَتّى يُودَى هَذَا الرّجُلُ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ إنّ هَذَا لَهُوَ السّفَهُ وَاَللّهِ لَا يُودَى ثَلَاثًا . وَأَنّى قُرَيْشٌ تَدِيهِ وَإِنّمَا بَعَثَتْهُ بَنُو زُهْرَةَ ؟ فَقَالَ سُهَيْلٌ : قَدْ وَاَللّهِ صَدَقْت ، مَا دِيَتُهُ إلّا عَلَى بَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ بَعَثُوهُ وَلَا يُخْرِجُ دِيَتَهُ غَيْرُهُمْ قَصْرَةً لِأَنّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ فَهُمْ أَوْلَى مِنْ عَقْلِهِ . فَقَالَ الْأَخْنَسُ وَاَللّهِ لَا نَدِيهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا أَمَرْنَا بِقَتْلِهِ قَتَلَهُ رَجُلٌ مُخَالِفٌ لِدِينِنَا مُتّبِعٌ لِمُحَمّدٍ فَأَرْسَلُوا إلَى مُحَمّدٍ يَدِيهِ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَا ، مَا عَلَى مُحَمّدٍ دِيَةٌ وَلَا غُرْمٌ قَدْ بَرِئَ مُحَمّدٌ مَا كَانَ عَلَى مُحَمّدٍ أَكْثَرُ مِمّا صَنَعَ لَقَدْ أَمْكَنَ الرّسُولَيْنِ مِنْهُ فَقَالَ الْأَخْنَسُ إنْ وَدَتْهُ قُرَيْشٌ كُلّهَا كَانَتْ زُهْرَةُ بَطْنًا مِنْ قُرَيْشٍ تَدِيهِ مَعَهُمْ وَإِنْ لَمْ تَدِهِ قُرَيْشٌ فَلَا نَدِيهِ أَبَدًا . فَلَمْ تَخْرُجْ لَهُ دِيَةٌ حَتّى قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَام الْفَتْحِ . فَقَالَ مَوْهَبُ بْنُ رِيَاحٍ ، فِيمَا قَالَ سُهَيْلٌ فِي بَنِي زُهْرَةَ ، وَمَا أَرَادَ أَنْ يُغَرّمَهُمْ مِنْ الدّيَةِ
أَتَانِي عَنْ سُهَيْلٍ ذَرْوُ قَوْلٍ
ليُوقظَني وَمَا بي منْ رُقَاد
فَإنْ كُنْتَ الْعتَابَ تُريدُ منّي
فَمَا بَيْني وَبَيْنَكَ منَ بعَاد
مَتَى تَغْمزْ قَنَاتي لاَ تَجدْني
ضَعيفَ الرّأْي في الْكُرَب الشّدَاد
يُسَامي الْأَكْرَمينَ بعزّ قَوْم
هُمُ الرّأْسُ الْمُقَدّمُ في الْعبَاد
أَنْشَدَنِيهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي عُبَيْدَةَ وَسَمِعْتهمْ يَثْبُتُونَهَا . [ ص 629 ] فَلَمّا بَلَغَ أَبُو بِصَيْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَا بَلَغَ مِنْ الْغَيْظِ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ رَجُلًا ، وَكَتَبَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كِتَابًا يَسْأَلُونَهُ بِأَرْحَامِهِمْ أَلّا تُدْخِلَ أَبَا بِصَيْرٍ وَأَصْحَابَهُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهِمْ ؟ وَكَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِي بِصَيْرٍ أَنْ يَقْدَمَ بِأَصْحَابِهِ مَعَهُ فَجَاءَهُ الْكِتَابُ وَهُوَ يَمُوتُ فَجَعَلَ يَقْرَأُ وَهُوَ يَمُوتُ فَمَاتَ وَهُوَ فِي يَدَيْهِ فَقَبَرَهُ أَصْحَابُهُ هُنَاكَ وَصَلّوْا عَلَيْهِ وَبَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا ، وَأَقْبَلَ أَصْحَابُهُ إلَى الْمَدِينَةِ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا ، فِيهِمْ الْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . فَلَمّا دَخَلَ الْحَرّةَ عَثَرَ فَانْقَطَعَتْ إصْبَعُهُ فَرَبَطَهَا وَهُوَ يَقُولُ
هَلْ أَنْتِ إلّا إصْبَعٌ دَمِيَتْ
وَفِي سَبِيلِ اللّهِ مَا لَقِيت
فَدَخَلَ الْمَدِينَةَ فَمَاتَ بِهَا . فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ ائْذَنْ لِي أَبْكِي عَلَى الْوَلِيدِ . قَالَ ابْكِي عَلَيْهِ قَالَ فَجَمَعَتْ النّسَاءَ وَصَنَعَتْ لَهُنّ طَعَامًا ، فَكَانَ مِمّا ظَهَرَ مِنْ بُكَائِهَا
يَا عَيْنُ فَابْكِي لِلْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِي
دِ بْنِ الْمُغِيرَهْ
مِثْلُ الْوَلِيدِ بْنِ الْوَلِي
دِ أَبِي الْوَلِيدِ كَفَى الْعَشِيرَهْ
فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي الزّنَادِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَرْدَادَ الْوَلِيدِ قَالَ مَا اتّخَذُوا الْوَلِيدَ إلّا حَنَانًا .
(1/625)
وَقَالُوا : لَا نَعْلَمُ قُرَشِيّةً خَرَجَتْ بَيْنَ أَبَوَيْهَا مُسْلِمَةً مُهَاجِرَةً إلَى اللّهِ إلّا أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، كَانَتْ تُحَدّثُ تَقُولُ كُنْت أَخْرُجُ إلَى بَادِيَةٍ لَنَا بِهَا أَهْلِي فَأُقِيمُ فِيهِمْ الثّلَاثَ وَالْأَرْبَعَ وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ التّنْعِيمِ - أَوْ قَالَتْ بِالْحِصْحَاصِ - ثُمّ أَرْجِعُ إلَى أَهْلِي فَلَا يُنْكِرُونَ ذَهَابِي ، حَتّى أَجْمَعْت [ ص 630 ] السّيْرَ فَخَرَجْت يَوْمًا مِنْ مَكّةَ كَأَنّي أُرِيدُ الْبَادِيَةَ الّتِي كُنْت فِيهَا ، فَلَمّا رَجَعَ مَنْ تَبِعَنِي خَرَجْت حَتّى انْتَهَيْت إلَى الطّرِيقِ فَإِذَا رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدِينَ ؟ فَقُلْت : حَاجَتِي ; فَمَا مَسْأَلَتُك وَمَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ . فَلَمّا ذَكَرَ خُزَاعَةَ اطْمَأْنَنْت إلَيْهِ لِدُخُولِ خُزَاعَةَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَقْدِهِ فَقُلْت : إنّي امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أُرِيدُ اللّحُوقَ بِرَسُولِ اللّهِ وَلَا عِلْمَ لِي بِالطّرِيقِ . فَقَالَ أَهْلُ اللّيْلِ وَالنّهَارِ أَنَا صَاحِبُك حَتّى أُورِدَك الْمَدِينَةَ . ثُمّ جَاءَنِي بِبَعِيرٍ فَرَكِبْته ، فَكَانَ يَقُودُ بِي الْبَعِيرَ لَا وَاَللّهِ مَا يُكَلّمُنِي كَلِمَةً حَتّى إذَا أَنَاخَ الْبَعِيرَ تَنَحّى عَنّي ، فَإِذَا نَزَلْت جَاءَ إلَى الْبَعِيرِ فَقَيّدَهُ فِي الشّجِرَةِ وَتَنَحّى عَنّي فِي الشّجَرَةِ ، حَتّى [ إذَا ] كَانَ الرّوَاحُ جَذَعَ الْبَعِيرُ فَقَرّبَهُ وَوَلّى عَنّي ، فَإِذَا رَكِبْته أَخَذَ بِرَأْسِهِ فَلَمْ يَلْتَفِتْ وَرَاءَهُ حَتّى نَنْزِلُ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ، فَجَزَاهُ اللّهُ خَيْرًا مِنْ صَاحِبٍ فَكَانَتْ تَقُولُ نِعْمَ الْحَيّ خُزَاعَةُ قَالَتْ فَدَخَلْت عَلَى أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا مُنْتَقِبَةٌ فَمَا عَرَفْتنِي حَتّى انْتَسَبْت ، وَكَشَفْت النّقَابَ فَالْتَزَمَتْنِي وَقَالَتْ هَاجَرْت إلَى اللّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ؟ فَقُلْت : نَعَمْ وَأَنَا أَخَافُ أَنْ يَرُدّنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمُشْرِكِينَ كَمَا رَدّ غَيْرِي مِنْ الرّجَالِ أَبَا جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلٍ ، وَأَبَا بِصَيْرٍ وَحَالُ الرّجَالِ يَا أُمّ سَلَمَةَ لَيْسَ كَحَالِ النّسَاءِ وَالْقَوْمُ مُصَبّحِي ، قَدْ طَالَتْ غِيبَتِي عَنْهُمْ الْيَوْمَ [ ص 631 ] ثَمَانِيّةَ أَيّامٍ مُنْذُ فَارَقْتهمْ فَهُمْ يَبْحَثُونَ قَدْرَ مَا كُنْت أَغِيبُ ثُمّ يَطْلُبُونَنِي . فَإِنْ لَمْ يَجِدُونِي رَحَلُوا إلَيّ فَسَارُوا ثَلَاثًا . فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أُمّ سَلَمَةَ خَبَرَ أُمّ كُلْثُومٍ ، فَرَحّبَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَتْ أُمّ كُلْثُومٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي فَرَرْت بِدِينِي إلَيْك فَامْنَعْنِي وَلَا تَرُدّنِي إلَيْهِمْ يَفْتِنُونِي وَيُعَذّبُونِي ، فَلَا صَبْرَ لِي عَلَى الْعَذَابِ إنّمَا أَنَا امْرَأَةٌ وَضَعْفُ النّسَاءِ إلَى مَا تَعْرِفُ وَقَدْ رَأَيْتُك رَدَدْت رَجُلَيْنِ إلَى الْمُشْرِكِينَ حَتّى امْتَنَعَ أَحَدُهُمَا ، وَأَنَا امْرَأَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ نَقَضَ الْعَهْدَ فِي النّسَاءِ . وَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِنّ « الْمُمْتَحِنَةَ » . وَحَكَمَ فِي ذَلِكَ بِحُكْمٍ رَضَوْهُ كُلّهُمْ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرُدّ مَنْ جَاءَ مِنْ الرّجَالِ وَلَا يَرُدّ مَنْ جَاءَهُ مِنْ النّسَاءِ . وَقَدِمَ أَخَوَاهَا مِنْ الْغَدِ الْوَلِيدُ وَعُمَارَةُ ابْنَا عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَقَالَا : يَا مُحَمّدُ فِ لَنَا بِشُرُوطِنَا وَمَا عَاهَدْتنَا عَلَيْهِ . فَقَالَ قَدْ نَقَضَ اللّهُ فَانْصَرَفَا .
فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ دَخَلْت عَلَى عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَهُوَ يَكْتُبُ إلَى هُنَيْدٍ صَاحِبِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وَكَانَ كَتَبَ يَسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنّ فَكَتَبَ إلَيْهِ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَالَحَ قُرَيْشًا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَنْ يَرُدّ إلَيْهِمْ مَنْ جَاءَ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيّهِ فَكَانَ يَرُدّ الرّجَالَ فَلَمّا هَاجَرَ النّسَاءُ أَبَى اللّهُ ذَلِكَ أَنْ يَرُدّهُنّ إذَا اُمْتُحِنّ بِمِحْنَةِ الْإِسْلَامِ فَزَعَمَتْ أَنّهَا جَاءَتْ رَاغِبَةً فِيهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرُدّ صَدُقَاتِهِنّ [ ص 632 ] إلَيْهِمْ إنْ احْتَبَسْنَ عَنْهُمْ وَأَنْ يَرُدّوا عَلَيْهِمْ مِثْلَ الّذِي يَرُدّونَ عَلَيْهِمْ إنْ فَعَلُوا ، فَقَالَ وَلْيَسْئَلُوا مَا أَنْفَقُوا وَصَبّحَهَا أَخَوَاهَا مِنْ الْغَدِ فَطَلَبَاهَا ، فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَرُدّهَا إلَيْهِمْ فَرَجَعَا إلَى مَكّةَ ، فَأَخْبَرَا قُرَيْشًا ، فَلَمْ يَبْعَثُوا فِي ذَلِكَ أَحَدًا ، وَرَضُوا بِأَنْ تُحْبَسَ النّسَاءُ مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآتُوا الّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا
قَالَ فَإِنْ فَاتَ أَحَدًا مِنْهُمْ أَهْلَهُ إلَى الْكُفّارِ فَإِنْ أَتَتْكُمْ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ فَأَصَبْتُمْ فَعَوّضُوهُمْ مِمّا أَصَبْتُمْ صَدَاقَ الْمَرْأَةِ الّتِي أَتَتْكُمْ فَأَمّا الْمُؤْمِنُونَ فَأَقَرّوا بِحُكْمِ اللّهِ وَأَبَى الْمُشْرِكُونَ أَنْ يُقِرّوا بِذَلِكَ وَأَنّ مَا ذَابَ لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ صَدَاقِ مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِ الْمُشْرِكِينَ . فَآتَوْا الّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِنْ مَالِ الْمُشْرِكِينَ فِي أَيْدِيكُمْ . وَلَسْنَا نَعْلَمُ امْرَأَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَاتَتْ زَوْجَهَا بِاللّحُوقِ بِالْمُشْرِكِينَ بَعْدَ إيمَانِهَا ، وَلَكِنّهُ حُكْمٌ حَكَمَ اللّهُ بِهِ لِأَمْرٍ كَانَ وَاَللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَطَلّقَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ فَتَزَوّجَهَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ ، وَطَلّقَ عُمَرُ [ ص 633 ] أَيْضًا بِنْتَ جَرْوَلٍ الْخُزَاعِيّةَ فَتَزَوّجَهَا أَبُو جَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ وَطَلّقَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ الْفِهْرِيّ أُمّ الْحَكَمِ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ يَوْمئِذٍ فَتَزَوّجَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ الثّقَفِيّ فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أُمّ الْحَكَمِ .
(1/630)
غَزْوَةُ خَيْبَرَ حَدّثَنَا أَبُو عُمَرَ مُحَمّدُ بْنُ الْعَبّاسِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ زَكَرِيّا بْنِ حَيّوَيْهِ لَفْظًا ، سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَهّابِ بْنُ عِيسَى بْنِ أَبِي حَيّةَ قَالَ حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثّلْجِيّ ، قَالَ حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ وَاقِدٍ الْوَاقِدِيّ ، قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التّيْمِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ وَعَائِذُ بْنُ يَحْيَى ، وَعَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللّيْثِيّ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَمُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ وَيُونُسُ وَيَعْقُوبُ ابْنَا مُحَمّدٍ الظّفَرِيّانِ وَيَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي زَيْدِ بْنِ الْمُعَلّى الزّرَقِيّ وَرَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ وَمُحَمّدُ بْنُ يَعْقُوبَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ ابْنَا مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي مِنْ حَدِيثِ خَيْبَرَ بِطَائِفَةٍ وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ الْمُسَمّينَ قَدْ حَدّثَنِي مِنْ حَدِيثِ خَيْبَرَ ، فَكَتَبْت مَا حَدّثُونِي .
[ ص 634 ] قَالُوا : قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْحَجّةِ تَمَامَ سَنَةَ سِتّ فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحَجّةِ وَالْمُحَرّمِ وَخَرَجَ فِي صَفَرٍ سَنَةَ سَبْعٍ - وَيُقَالُ خَرَجَ لِهِلَالِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ - إلَى خَيْبَرَ . وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ بِالتّهَيّؤِ لِلْغَزْوِ فَهُمْ مُجِدّونَ وَتَجَلّبَ مَنْ حَوْلَهُ يَغْزُونَ مَعَهُ وَجَاءَهُ الْمُخَلّفُونَ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ رَجَاءَ الْغَنِيمَةِ فَقَالُوا : نَخْرُجُ مَعَك وَقَدْ كَانُوا تَخَلّفُوا عَنْهُ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَأَرْجَفُوا بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبِالْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا : نَخْرُجُ مَعَك إلَى خَيْبَرَ ، إنّهَا رِيفُ الْحِجَازِ طَعَامًا وَوَدَكًا وَأَمْوَالًا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَخْرُجُوا مَعِي إلّا رَاغِبِينَ فِي الْجِهَادِ فَأَمّا الْغَنِيمَةُ فَلَا . وَبَعَثَ مُنَادِيًا فَنَادَى : لَا يَخْرُجَنّ مَعَنَا إلّا رَاغِبٌ فِي الْجِهَادِ فَأَمّا الْغَنِيمَةُ فَلَا فَلَمّا تَجَهّزَ النّاسُ إلَى خَيْبَرَ شَقّ ذَلِكَ عَلَى يَهُودِ الْمَدِينَةِالّذِينَ هُمْ مُوَادِعُونَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَرَفُوا أَنّهُمْ إذَا دَخَلُوا خَيْبَرَ أَهَلَكَ اللّهُ خَيْبَرَ كَمَا أَهَلَكَ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَالنّضِيرَ وَقُرَيْظَةَ . قَالَ فَلَمّا تَجَهّزْنَا لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِلَهُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَقّ إلّا لَزِمَهُ وَكَانَ لِأَبِي الشّحْمِ الْيَهُودِيّ عِنْدَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فِي شَعِيرٍ أَخَذَهُ لِأَهْلِهِ فَلَزِمَهُ فَقَالَ أَجّلْنِي فَإِنّي أَرْجُو أَنْ أَقْدَمَ عَلَيْك فَأَقْضِيَك حَقّك إنْ شَاءَ اللّهُ إنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَدْ وَعَدَ نَبِيّهُ خَيْبَرَ أَنْ يَغْنَمَهُ إيّاهَا . وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي حَدْرَدٍ مِمّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ ، فَقَالَ يَا أَبَا الشّحْمِ إنّا نَخْرُجُ إلَى رِيفِ الْحِجَازِ فِي الطّعَامِ وَالْأَمْوَالِ . فَقَالَ أَبُو الشّحْمِ حَسَدًا وَبَغْيًا : تَحْسِبُ أَنّ قِتَالَ خَيْبَرَ مِثْلُ مَا تَلْقَوْنَهُ مِنْ الْأَعْرَابِ ؟ فِيهَا وَالتّوْرَاةُ عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ
[ ص 635 ] قَالَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ أَيْ عَدُوّ اللّهِ تُخَوّفْنَا بِعَدُوّنَا وَأَنْتَ فِي ذِمّتِنَا وَجِوَارِنَا ؟ وَاَللّهِ لَأَرْفَعَنّكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَا تَسْمَعُ إلَى مَا يَقُولُ هَذَا الْيَهُودِيّ ؟ وَأَخْبَرْته بِمَا قَالَ أَبُو الشّحْمِ . فَأَسْكَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ شَيْئًا ، إلّا أَنّي رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِشَيْءٍ لَمْ أَسْمَعْهُ فَقَالَ الْيَهُودِيّ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ هَذَا قَدْ ظَلَمَنِي وَحَبَسَنِي بِحَقّي وَأَخَذَ طَعَامِي قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْطِهِ حَقّهُ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَخَرَجْت فَبِعْت أَحَدَ ثَوْبَيْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَطَلَبْت بَقِيّةَ حَقّهِ فَقَضَيْته ، وَلَبِسْت ثَوْبِي الْآخَرَ وَكَانَتْ عَلَيّ عِمَامَةٌ فَاسْتَدْفَأْت بِهَا . وَأَعْطَانِي سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ ثَوْبًا آخَرَ فَخَرَجْت فِي ثَوْبَيْنِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَنَفّلَنِي اللّهُ خَيْرًا ، وَغَنِمْت امْرَأَةً بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَبِي الشّحْمِ قَرَابَةٌ فَبِعْتهَا مِنْهُ بِمَالٍ .(1/634)
وَجَاءَ أَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عِنْدَنَا نَفَقَةٌ وَلَا زَادَ وَلَا ثَوْبَ أَخْرُجُ فِيهِ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَقِيقَة سُنْبُلَانِيّة ، فَبَاعَهَا بِثَمَانِيّةِ دَرَاهِمَ فَابْتَاعَ تَمْرًا بِدِرْهَمَيْنِ لَزَادَهُ وَتَرَكَ لِأَهْلِهِ نَفَقَةً دِرْهَمَيْنِ وَابْتَاعَ بُرْدَةً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَرِيقِ خَيْبَرَ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ إذْ أَبْصَرَ بِرَجُلٍ يَسِيرُ أَمَامَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَبْرُقُ فِي الْقَمَرِ كَأَنّهُ فِي الشّمْسِ وَعَلَيْهِ بَيْضَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ هَذَا ؟ فَقِيلَ أَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرٍ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 636 ] أَدْرَكُوهُ [ قَالَ ] : فَأَدْرَكُونِي فَحَبَسُونِي ، وَأَخَذَنِي مَا تَقَدّمَ وَمَا تَأَخّرَ وَظَنَنْت أَنّهُ قَدْ نَزَلَ فِيّ أَمْرٌ مِنْ السّمَاءِ فَجَعَلْت أَتَذَكّرُ مَا فَعَلْت حَتّى لَحِقَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا لَك تَقْدُمُ النّاسَ لَا تَسِيرُ مَعَهُمْ ؟ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ نَاقَتِي نَجِيبَةٌ . قَالَ فَأَيْنَ الشّقِيقَةُ الّتِي كَسَوْتُك ؟ فَقُلْت : بِعْتهَا بِثَمَانِيّةِ دَرَاهِمَ فَتَزَوّدَتْ بِدِرْهَمَيْنِ تَمْرًا ، وَتَرَكْت لِأَهْلِي نَفَقَةِ دِرْهَمَيْنِ وَاشْتَرَيْت بُرْدَةً بِأَرْبَعَةِ دَرَاهِمَ . فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَنْتَ وَاَللّهِ يَا أَبَا عَبْسٍ وَأَصْحَابُك مِنْ الْفُقَرَاءِ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَئِنْ سَلّمْتُمْ وَعِشْتُمْ قَلِيلًا لَيَكْثُرَنّ زَادَكُمْ وَلَيَكْثُرَنّ مَا تَتْرُكُونَ لِأَهْلِيكُمْ وَلَتَكْثُرَنّ دَرَاهِمُكُمْ وَعَبِيدُكُمْ وَمَا ذَاكَ بِخَيْرٍ لَكُمْ قَالَ أَبُو عَبْسٍ فَكَانَ وَاَللّهِ مَا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
(1/636)
وَاسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عُرْفُطَةَ الْغِفَارِيّ . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَنَحْنُ ثَمَانُونَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ ، فَقَالَ قَائِلٌ رَسُولُ اللّهِ بِخَيْبَرَ وَهُوَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ . فَقُلْت : لَا أَسْمَعُ بِهِ يَنْزِلُ مَكَانًا أَبَدًا إلّا جِئْته . فَتَحَمّلْنَا حَتّى جِئْنَاهُ بِخَيْبَرَ فَنَجِدُهُ قَدْ فَتَحَ النّطَاةَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ أَهْلَ الْكَتِيبَةِ ، فَأَقَمْنَا حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْنَا . وَكُنّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَصَلّيْنَا الصّبْحَ خَلْفَ سِبَاعِ بْنِ عُرْفُطَةَ بِالْمَدِينَةِ فَقَرَأَ فِي الرّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةَ مَرْيَمَ وَفِي الْآخِرَةِ وَيْلٌ لِلْمُطَفّفِينَ
فَلَمّا قَرَأَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النّاسِ يَسْتَوْفُونَ
قُلْت : تَرَكْت عَمّي بِالسّرَاةِ لَهُ مِكْيَالَانِ مِكْيَالٌ [ ص 637 ] يُطَفّفُ بِهِ وَمِكْيَالٌ يَتَبَخّسُ بِهِ . وَيُقَالُ اسْتَخْلَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا ذَرّ وَالثّبْتُ عِنْدَنَا سِبَاعُ بْنُ عُرْفُطَةَ .
(1/637)
الصفحة السابقة // الصفحة التالية
======


































ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق