غَزْوَةُ مُؤْتَةَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي رَبِيعَةُ
بْنُ عُثْمَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرٍ الْأَزْدِيّ ثُمّ أَحَدَ ب َنِي
لَهَبٍ ، إلَى مَلِكِ بُصْرَى بِكِتَابٍ فَلَمّا نَزَلَ مُؤْتَةَ عَرَضَ لَهُ
شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْغَسّانِيّ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ ؟ قَالَ الشّامَ
. قَالَ لَعَلّك مِنْ رُسُلِ مُحَمّدٍ ؟ قَالَ نَعَمْ أَنَا رَسُولُ رَسُولِ
اللّهِ . فَأَمَرَ بِهِ فَأُوثِقَ رِبَاطًا ، ثُمّ قَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ
صَبْرًا .
وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ [ ص 756 ] رَسُولٌ غَيْرَهُ فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ فَاشْتَدّ عَلَيْهِ وَنَدَبَ النّاسَ
وَأَخْبَرَهُمْ بِمَقْتَلِ الْحَارِثِ وَمَنْ قَتَلَهُ فَأَسْرَعَ النّاسُ
وَخَرَجُوا فَعَسْكَرُوا بِالْجَرْفِ ، وَلَمْ يُبَيّنْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَمْرَ فَلَمّا صَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ جَلَسَ وَجَلَسَ أَصْحَابُهُ وَجَاءَ النّعْمَانُ
بْنُ فُنْحُصٍ الْيَهُودِيّ ، فَوَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَعَ النّاسِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَمِيرُ النّاسِ فَإِنْ قُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ
فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ فَإِنْ أُصِيبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلْيَرْتَضِ
الْمُسْلِمُونَ بَيْنَهُمْ رَجُلًا فَلْيَجْعَلُوهُ عَلَيْهِمْ . فَقَالَ
النّعْمَانُ بْنُ فُنْحُصٍ أَبَا الْقَاسِمِ إنْ كُنْت نَبِيّا فَسَمّيْت مِنْ
سَمّيْت قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا أُصِيبُوا جَمِيعًا ، إنّ الْأَنْبِيَاءَ فِي
بَنِي إسْرَائِيلَ إذَا اسْتَعْمَلُوا الرّجُلَ عَلَى الْقَوْمِ ثُمّ قَالُوا
إنْ أُصِيبَ فُلَانٌ فَلَوْ سَمّى مِائَةً أُصِيبُوا جَمِيعًا . ثُمّ جَعَلَ الْيَهُودِيّ
يَقُولُ لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ اعْهَدْ فَلَا تَرْجِعْ إلَى مُحَمّدٍ أَبَدًا
إنْ كَانَ نَبِيّا فَقَالَ زَيْدٌ فَأَشْهَدُ أَنّهُ نَبِيّ صَادِقٌ بَارّ
فَلَمّا أَجَمَعُوا الْمَسِيرَ وَقَدْ عَقَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمْ اللّوَاءَ وَدَفَعَهُ إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ -
لِوَاءٌ أَبْيَضُ - مَشَى النّاسُ إلَى أُمَرَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُوَدّعُونَهُمْ وَيَدْعُونَ لَهُمْ وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ
يُوَدّعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، وَالْمُسْلِمُونَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ فَلَمّا
سَارُوا مِنْ مُعَسْكَرِهِمْ نَادَى الْمُسْلِمُونَ دَفَعَ اللّهُ عَنْكُمْ
وَرَدّكُمْ صَالِحِينَ غَانِمِينَ . قَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ عِنْدَ ذَلِكَ [ ص
757 ]
لَكِنّنِي أَسْأَلُ الرّحْمَنَ مَغْفِرَةً
وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْعٍ تَقْذِفُ الزّبَدَا
وَهِيَ أَبْيَاتٌ أَنْشَدَنِيهَا شُعَيْبُ بْنُ عُبَادَةَ .
(1/756)
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، عَنْ رَافِعِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَرَقْمَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أُوصِيكُمْ
بِتَقْوَى اللّهِ وَبِمَنْ مَعَكُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا أَوْ قَالَ اُغْزُوا
بِسْمِ اللّهِ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَقَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاَللّهِ لَا
تَغْدِرُوا وَلَا تَغْلُوا وَلَا تَقْتُلُوا وَلَيَدًا ، وَإِذَا لَقِيت عَدُوّك
مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَادْعُهُمْ إلَى إحْدَى ثَلَاثٍ فَأَيّتُهُنّ مَا أَجَابُوك
إلَيْهَا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَاكْفُفْ عَنْهُمْ اُدْعُهُمْ إلَى الدّخُولِ فِي
الْإِسْلَامِ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ وَاكْفُفْ عَنْهُمْ ثُمّ
اُدْعُهُمْ إلَى التّحَوّلِ مِنْ دَارِهِمْ إلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ فَإِنْ
فَعَلُوا فَأَخْبِرْهُمْ أَنّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا
عَلَى الْمُهَاجِرِينَ وَإِنْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَاخْتَارُوا دَارَهُمْ
فَأَخْبِرْهُمْ أَنّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ يَجْرِي
عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللّهِ وَلَا يَكُونُ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَلَا فِي
الْقِسْمَةِ شَيْءٌ إلّا أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَبَوْا
فَادْعُهُمْ إلَى إعْطَاءِ الْجِزْيَةِ فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ مِنْهُمْ
وَاكْفُفْ عَنْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا فَاسْتَعِنْ بِاَللّهِ وَقَاتِلْهُمْ وَإِنْ أَنْتَ
حَاصَرْت أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَأَرَادُوك أَنْ تَسْتَنْزِلَهُمْ عَلَى
حُكْمِ اللّهِ فَلَا تَسْتَنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللّهِ وَلَكِنْ
أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِك ، فَإِنّك لَا تَدْرِي أَتُصِيبُ حُكْمَ اللّهِ
فِيهِمْ أَمْ لَا . وَإِنْ حَاصَرَتْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ فَأَرَادُوك
عَلَى أَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ ذِمّةَ اللّهِ وَذِمّةَ رَسُولِهِ فَلَا تَجْعَلْ
لَهُمْ ذِمّةَ اللّهِ وَلَا ذِمّةَ رَسُولِهِ وَلَكِنْ اجْعَلْ لَهُمْ ذِمّتَك
وَذِمّةَ أَبِيك وَذِمّةَ [ ص 758 ] أَصْحَابِك ، فَإِنّكُمْ إنْ تَخْفِرُوا
ذِمّتَكُمْ وَذِمَمَ آبَائِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَخْفِرُوا ذِمّةَ
اللّهِ وَذِمّةَ رَسُولِهِ
(1/758)
حَدّثَنِي أَبُو صَفْوَانَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ
خَرَجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُشَيّعًا لِأَهْلِ
مُؤْتَةَحَتّى بَلَغَ ثَنِيّةَ الْوَدَاعِ ، فَوَقَفَ وَوَقَفُوا حَوْلَهُ
فَقَالَ اُغْزُوا بِسْمِ اللّهِ . فَقَاتِلُوا عَدُوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ
بِالشّامِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا رِجَالًا فِي الصّوَامِعِ مُعْتَزِلِينَ
لِلنّاسِ فَلَا تَعْرِضُوا لَهُمْ وَسَتَجِدُونَ آخَرِينَ لِلشّيْطَانِ فِي رُءُوسِهِمْ
مَفَاحِصَ فَاقْلَعُوهَا بِالسّيُوفِ وَلَا تَقْتُلْنَ امْرَأَةً وَلَا صَغِيرًا
مُرْضِعًا وَلَا كَبِيرًا فَانِيًا ، لَا تُغْرِقُنّ نَخْلًا وَلَا تَقْطَعْنَ
شَجَرًا ، وَلَا تَهْدِمُوا بَيْتًا
(1/758)
حَدّثَنِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ لَمّا وَدّعَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ قَالَ
ابْنُ رَوَاحَةَ يَا رَسُولَ اللّهِ مُرْنِي بِشَيْءٍ أَحْفَظْهُ عَنْك قَالَ
إنّك قَادِمٌ غَدًا بَلَدًا ، السّجُودُ بِهِ قَلِيلٌ فَأَكْثِرْ السّجُودَ .
قَالَ عَبْدُ اللّهِ زِدْنِي يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ اُذْكُرْ اللّهَ فَإِنّهُ
عَوْنٌ لَك عَلَى مَا تَطْلُبُ . فَقَامَ مِنْ عِنْدِهِ حَتّى إذَا مَضَى ذَاهِبًا
رَجَعَ إلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ اللّهَ وِتْرٌ يُحِبّ الْوِتْرَ
قَالَ يَا ابْنَ رَوَاحَةَ مَا عَجَزْت فَلَا تَعْجِزَنّ إنْ أَسَأْت عَشْرًا
أَنْ تُحْسِنَ وَاحِدَةً . فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ لَا أَسْأَلُك عَنْ شَيْءٍ
بَعْدَهَا
قَالَ [ ص 759 ] أَبُو عَبْدِ اللّهِ وَكَانَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ
يَقُولُ كُنْت فِي حِجْرِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَلَمْ أَرَ وَالِيَ يَتِيمٍ
كَانَ خَيْرًا مِنْهُ خَرَجْت مَعَهُ فِي وَجْهِهِ إلَى مُؤْتَةَ ، وَصَبّ بِي
وَصَبَبْت بِهِ فَكَانَ يُرْدِفُنِي خَلْفَ رَحْلِهِ فَقَالَ ذَاتَ لَيْلَةٍ
وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرّحْلِ وَهُوَ يَتَمَثّلُ
أَبْيَاتَ شِعْرٍ
إذَا بَلّغْتِنِي وَحَمَلْت رَحْلِي
مَسَافَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحِسَاءِ
فَزَادُك أَنْعُمٌ وَخَلَاك ذَمّ
وَلَا أَرْجِعْ إلَى أَهْلِي وَرَائِي
وَآبَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي
بِأَرْضِ الشّامِ مُشْتَهَى الثّوَاءِ
هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ نَخْلٍ
وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا رِوَاءِ
فَلَمّا سَمِعْت هَذِهِ الْأَبْيَاتَ بَكَيْت ، فَخَفَقَنِي
بِيَدِهِ وَقَالَ مَا يَضُرّك يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللّهُ الشّهَادَةَ
فَأَسْتَرِيحَ مِنْ الدّنْيَا وَنَصَبِهَا وَهُمُومِهَا وَأَحْزَانِهَا
وَأَحْدَاثِهَا . وَيَرْجِعُ بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرّحْلِ ثُمّ نَزَلَ نَزْلَةً
مِنْ اللّيْلِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ وَعَاقَبَهُمَا دُعَاءً طَوِيلًا ثُمّ قَالَ
لِي : يَا غُلَامُ فَقُلْت : لَبّيْكَ
قَالَ هِيَ إنْ شَاءَ اللّهُ الشّهَادَةُ .
(1/759)
وَمَضَى الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْمَدِينَةِ ، فَسَمِعَ
الْعَدُوّ بِمَسِيرِهِمْ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ [ ص 760 ] يَنْتَهُوا إلَى
مَقْتَلِ الْحَارِثِ بْن عُمَيْرٍ فَلَمّا فَصَلَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ
الْمَدِينَةِ سَمِعَ الْعَدُوّ بِمَسِيرِهِمْ فَجَمَعُوا الْجَمُوعَ . وَقَامَ
فِيهِمْ رَجُلٌ مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ شُرَحْبِيلُ بِالنّاسِ وَقَدّمَ
الطّلَائِعَ أَمَامَهُ وَقَدْ نَزَلَ الْمُسْلِمُونَ وَادِيَ الْقُرَى
وَأَقَامُوا أَيّامًا ، وَبَعَثَ أَخَاهُ سَدُوسَ وَقُتِلَ سَدُوسُ وَخَافَ
شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو فَتَحَصّنَ وَبَعَثَ أَخًا لَهُ يُقَالُ لَهُ وَبْرُ
بْنُ عَمْرٍو . فَسَارَ الْمُسْلِمُونَ حَتّى نَزَلُوا أَرْضَ مَعَانٍ مِنْ أَرْضِ
الشّامِ ، فَبَلَغَ النّاسُ أَنّ هِرَقْلَ قَدْ نَزَلَ مَآبَ مِنْ أَرْضِ
الْبَلْقَاءِ فِي بَهْرَاءَ وَوَائِلٍ وَبَكْرٍ وَلَخْمٍ وَجُذَامَ فِي مِائَةِ
أَلْفٍ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ بَلِيّ يُقَالُ لَهُ مَالِكٌ . فَلَمّا
بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ أَقَامُوا لَيْلَتَيْنِ لِيَنْظُرُوا فِي
أَمْرِهِمْ وَقَالُوا : نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَنُخْبِرُهُ الْخَبَرَ ، فَإِمّا يَرُدّنَا وَإِمّا يَزِيدُنَا
رِجَالًا . فَبَيْنَا النّاسُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ جَاءَهُمْ ابْنُ
رَوَاحَةَ فَشَجّعَهُمْ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ مَا كُنّا نُقَاتِلُ النّاسَ
بِكَثْرَةِ عَدَدٍ وَلَا بِكَثْرَةِ سِلَاحٍ ، وَلَا بِكَثْرَةِ خُيُولٍ إلّا
بِهَذَا الدّينِ الّذِي أَكْرَمْنَا اللّهُ بِهِ . انْطَلِقُوا وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ بَدْرٍمَا مَعَنَا إلّا
فَرَسَانِ وَيَوْمَ أُحُدٍفَرَسٌ وَاحِدٌ وَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ
إمّا ظُهُورٌ عَلَيْهِمْ فَذَلِكَ مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَوَعَدَنَا نَبِيّنَا ،
وَلَيْسَ لِوَعْدِهِ خُلْفٌ وَإِمّا الشّهَادَةُ فَنَلْحَقُ بِالْإِخْوَانِ
نُرَافِقُهُمْ فِي الْجِنَانِ فَشَجّعَ النّاسَ عَلَى مِثْلِ قَوْلِ ابْنِ
رَوَاحَةَ .
(1/760)
فَحَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ الْمَقْبُرِيّ ،
عَنْ أَبِي هَرِيرَةَ قَالَ شَهِدْت مُؤْتَةَ، فَلَمّا رَأَيْنَا الْمُشْرِكِينَ
رَأَيْنَا مَا لَا قِبَلَ لَنَا بِهِ مِنْ الْعَدَدِ وَالسّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَالدّيبَاجِ
وَالْحَرِيرِ وَالذّهَبِ فَبَرِقَ بَصَرِي ، فَقَالَ لِي ثَابِتُ بْنُ أَرْقَمَ
يَا أَبَا هَرِيرَةَ مَا لَك ؟ كَأَنّك تَرَى جَمُوعًا كَثِيرَةً . قُلْت :
نَعَمْ قَالَ تَشْهَدُنَا بِبَدْرٍ ؟ إنّا لَمْ نُنْصَرْ بِالْكَثْرَةِ [ ص 761
] حَدّثَنِي بُكَيْر بْنُ مِسْمَارٍ عَنْ ابْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ وَابْنِ
أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ أَحَدُهُمَا يَزِيدُ عَلَى
الْآخَرِ فِي الْحَدِيثِ قَالَ لَمّا الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ
وَكَانَ الْأُمَرَاءُ يَوْمئِذٍ يُقَاتِلُونَ عَلَى أَرْجُلِهِمْ أَخَذَ
اللّوَاءَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، فَقَاتَلَ النّاسَ مَعَهُ وَالْمُسْلِمُونَ
عَلَى صُفُوفِهِمْ فَقُتِلَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ . قَالَ ابْنُ كَعْبٍ
الْقُرَظِيّ أَخْبَرَنِي مَنْ حَضَرَ يَوْمئِذٍ قَالَ لَا ، مَا قُتِلَ إلّا
طَعْنًا بِالرّمْحِ . ثُمّ أَخَذَهُ جَعْفَرٌ فَنَزَلَ عَنْ فَرَسٍ لَهُ
شَقْرَاءَ فَعَرْقَبَهَا ، ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُتِلَ . وَحَدّثَنِي عَبْدُ
اللّهِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ الرّومِ
فَقَطَعَهُ نِصْفَيْنِ فَوَقَعَ أَحَدُ نِصْفَيْهِ فِي كَرْمٍ فَوُجِدَ فِي
نِصْفِهِ ثَلَاثُونَ أَوْ بِضْعٌ وَثَلَاثُونَ جُرْحًا .
(1/761)
حَدّثَنِي أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ وُجِدَ مِمّا قُتِلَ مِنْ بَدَنِ جَعْفَرٍ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ
اثْنَانِ وَسَبْعُونَ ضَرْبَةً بِسَيْفٍ أَوْ طَعْنَةً بِرُمْحٍ . حَدّثَنِي
يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
أَبِي بَكْرِ بْنِ صَالِحٍ ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ، قَالَ وُجِدَ فِي
بَدَنِ جَعْفَرٍ أَكْثَرَ مِنْ سِتّينَ جُرْحًا ، وَوُجِدَ بِهِ طَعْنَةٌ قَدْ
أَنْفَذَتْهُ . حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ
بْنِ قَتَادَةَ ، وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْجَبّارِ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، زَادَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ فِي الْحَدِيثِ قَالَا :
[ ص 762 ] لَمّا الْتَقَى النّاسُ بِمُؤْتَةَ جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَكَشَفَ لَهُ مَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الشّامِ ، فَهُوَ يَنْظُرُ إلَى مُعْتَرَكِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَذَ الرّايَةَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، فَجَاءَهُ
الشّيْطَانُ فَحَبّبَ إلَيْهِ الْحَيَاةَ وَكَرّهَ إلَيْهِ الْمَوْتَ وَحَبّبَ
إلَيْهِ الدّنْيَا فَقَالَ الْآنَ حِينَ اُسْتُحْكِمَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ
تُحَبّبُ إلَيّ الدّنْيَا فَمَضَى قِدْمًا حَتّى اُسْتُشْهِدَ فَصَلّى عَلَيْهِ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لَهُ
فَقَدْ دَخَلَ الْجَنّةَ وَهُوَ يَسْعَى ثُمّ أَخَذَ الرّايَةَ جَعْفَرُ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ ، فَجَاءَهُ الشّيْطَانُ فَمَنّاهُ الْحَيَاةَ وَكَرّهَ إلَيْهِ
الْمَوْتَ وَمَنّاهُ الدّنْيَا فَقَالَ الْآنَ حِينَ اُسْتُحْكِمَ الْإِيمَانُ
فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ تُمَنّينِي الدّنْيَا ثُمّ مَضَى قِدْمًا حَتّى اُسْتُشْهِدَ
فَصَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَا لَهُ
ثُمّ قَالَ اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ فَإِنّهُ شَهِيدٌ دَخَلَ الْجَنّةَ فَهُوَ
يَطِيرُ فِي الْجَنّةِ بِجَنَاحَيْنِ مِنْ يَاقُوتٍ حَيْثُ يُشَاءُ مِنْ
الْجَنّةِ . ثُمّ أَخَذَ الرّايَةَ بَعْدَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ،
فَاسْتُشْهِدَ وَدَخَلَ الْجَنّةَ مُعْتَرِضًا . فَشَقّ ذَلِكَ عَلَى
الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَصَابَهُ الْجِرَاحُ . قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا اعْتِرَاضُهُ ؟ قَالَ
لَمّا أَصَابَتْهُ الْجِرَاحُ نَكَلَ فَعَاتَبَ نَفْسَهُ فَشَجُعَ فَاسْتُشْهِدَ
فَدَخَلَ الْجَنّةَ . فَسُرّيَ عَنْ قَوْمِهِ
(1/762)
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
عَلِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
رَأَيْت جَعْفَرًا مَلِكًا يَطِيرُ فِي الْجَنّةِ تَدْمَى قَادِمَتَاهُ
وَرَأَيْت زَيْدًا دُونَ ذَلِكَ فَقُلْت : مَا كُنْت أَظُنّ أَنّ زَيْدًا دُونَ
جَعْفَرٍ . فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقَالَ إنّ زَيْدًا
لَيْسَ بِدُونِ جَعْفَرٍ وَلَكِنّا فَضّلْنَا جَعْفَرًا لِقَرَابَتِهِ مِنْك
حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ
الْمَقْبُرِيّ ، عَنْ أَبِي هَرِيرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرُ الْفَرَسَانِ أَبُو قَتَادَةَ ، وَخَيْرُ الرّجّالَةِ سَلَمَةُ
بْنُ الْأَكْوَعِ [ ص 763 ]
حَدّثَنِي نَافِعُ بْنُ ثَابِتٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبّادٍ
عَنْ أَبِيهِ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَنِي مُرّةَ كَانَ فِي الْجَيْشِ قِيلَ لَهُ
إنّ النّاسَ يَقُولُونَ إنّ خَالِدًا انْهَزَمَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ . فَقَالَ
لَا وَاَللّهِ مَا كَانَ ذَلِكَ لَمّا قُتِلَ ابْنُ رَوَاحَةَ نَظَرْت إلَى اللّوَاءِ
قَدْ سَقَطَ وَاخْتَلَطَ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَنَظَرْت إلَى
اللّوَاءِ فِي يَدِ خَالِدٍ مُنْهَزِمًا ، وَاتّبَعْنَاهُ فَكَانَتْ
الْهَزِيمَةُ .
(1/763)
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْعَرَبِ
، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا قُتِلَ ابْنُ رَوَاحَةَ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ
أَسْوَأَ هَزِيمَةٍ رَأَيْتهَا قَطّ فِي كُلّ وَجْهٍ . ثُمّ إنّ الْمُسْلِمِينَ
تَرَاجَعُوا ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ ثَابِتُ بْنُ
أَرْقَمَ فَأَخَذَ اللّوَاءَ وَجَعَلَ يَصِيحُ بِالْأَنْصَارِ فَجَعَلَ النّاسُ يَثُوبُونَ
إلَيْهِ مِنْ كُلّ وَجْهٍ وَهُمْ قَلِيلٌ وَهُوَ يَقُولُ إلَيّ أَيّهَا النّاسُ
فَاجْتَمَعُوا إلَيْهِ . قَالَ فَنَظَرَ ثَابِتٌ إلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ
فَقَالَ خُذْ اللّوَاءَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ فَقَالَ لَا آخُذُهُ أَنْتَ
أَحَقّ بِهِ أَنْتَ رَجُلٌ لَك سِنّ ، وَقَدْ شَهِدْت بَدْرًا . قَالَ ثَابِتٌ
خُذْهُ أَيّهَا الرّجُلُ فَوَاَللّهِ مَا أَخَذْته إلّا لَك فَأَخَذَهُ خَالِدٌ
فَحَمَلَهُ سَاعَةً وَجَعَلَ الْمُشْرِكُونَ يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ فَثَبَتَ
حَتّى تَكَرْكَرَ الْمُشْرِكُونَ وَحَمَلَ بِأَصْحَابِهِ فَفَضّ جَمْعًا مِنْ
جَمْعِهِمْ ثُمّ دَهَمَهُ مِنْهُمْ بَشَرٌ كَثِيرٌ ، فَانْحَاشَ الْمُسْلِمُونَ فَانْكَشَفُوا
رَاجِعِينَ .
(1/763)
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ حَدّثَنِي نَفَرٌ مِنْ قَوْمِي
حَضَرُوا يَوْمئِذٍ قَالُوا : لَمّا أَخَذَ اللّوَاءَ انْكَشَفَ بِالنّاسِ
فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ وَقُتِلَ الْمُسْلِمُونَ وَاتّبَعَهُمْ الْمُشْرِكُونَ فَجَعَلَ
قُطْبَةُ بْنُ عَامِرٍ يَصِيحُ يَا قَوْمِ يُقْتَلُ الرّجُلُ مُقْبِلًا أَحْسَنُ
أَنْ يُقْتَلَ مُدْبِرًا يَصِيحُ بِأَصْحَابِهِ فَمَا يَثُوبُ إلَيْهِ أَحَدٌ ،
هِيَ الْهَزِيمَةُ وَيَتْبَعُونَ صَاحِبَ الرّايَةِ مُنْهَزِمًا . [ ص 764 ]
حَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ مَصْعَبٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ زَيْدٍ
قَالَ لَمّا أَخَذَ اللّوَاءُ ثَابِتُ بْنُ أَرْقَمَ فَاصْطَلَحَ النّاسُ عَلَى خَالِدِ
بْنِ الْوَلِيدِ ، قَالَ ثَابِتٌ اصْطَلَحْتُمْ عَلَى خَالِدٍ ؟ قَالُوا :
نَعَمْ . فَأَخَذَهُ خَالِدٌ فَانْكَشَفَ بِالنّاسِ . حَدّثَنِي
عَطّافُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ لَمّا قُتِلَ ابْنُ رَوَاحَةَ مَسَاءً بَاتَ خَالِدُ
بْنُ الْوَلِيدِ ، فَلَمّا أَصْبَحَ غَدَا ، وَقَدْ جَعَلَ مُقَدّمَتَهُ سَاقَتَهُ
وَسَاقَتَهُ مُقَدّمَتَهُ وَمَيْمَنَتَهُ مَيْسَرَتَهُ وَمَيْسَرَتَهُ
مَيْمَنَتَهُ فَأَنْكَرُوا مَا كَانُوا يَعْرِفُونَ مِنْ رَايَاتِهِمْ
وَهَيّأَتْهُمْ وَقَالُوا : قَدْ جَاءَهُمْ مَدَدٌ فَرُعِبُوا فَانْكَشَفُوا مُنْهَزِمِينَ
فَقُتِلُوا مَقْتَلَةً لَمْ يُقْتَلْهَا قَوْمٌ .(1/764)
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْفُضَيْلِ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ لَمّا أَخَذَ خَالِدٌ الرّايَةَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ
وَالْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا ; أَنّ خَالِدًا انْهَزَمَ بِالنّاسِ . قَالَ
ابْنُ أَبِي الزّنَادِ بَلَغَتْ الدّمَاءُ بَيْنَ الْخَيْلِ مَوْضِعَ
الْأَشَاعِرِ مِنْ الْحَافِرِ . وَالْوَطِيسُ أَيْضًا ذَاكَ وَإِذَا حَمِيَ
ذَلِكَ الْمَوْضِعُ مِنْ الدّابّةِ كَانَ أَشَدّ لِعَدُوّهَا .
حَدّثَنِي دَاوُد بْنُ سِنَانٍ قَالَ سَمِعْت ثَعْلَبَةَ
بْنَ أَبِي مَالِكٍ يَقُولُ انْكَشَفَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَوْمئِذٍ حَتّى
عُيّرُوا بِالْفِرَارِ وَتَشَاءَمَ النّاسُ بِهِ .
(1/764)
حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي
حَسّانَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ قَالَ
أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بِالنّاسِ [ ص 765 ] مُنْهَزِمًا ، فَلَمّا
سَمِعَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِجَيْشِ مُؤْتَةَ قَادِمِينَ تَلْقَوْهُمْ
بِالْجَرْفِ فَجَعَلَ النّاسُ يَحْثُونَ فِي وُجُوهِهِمْ التّرَابَ وَيَقُولُونَ
يَا فُرّارُ أَفَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ؟ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَيْسُوا بِفُرّارٍ وَلَكِنّهُمْ كُرّارٌ إنْ شَاءَ اللّهُ
حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عُتْبَةَ يَقُولُ مَا لَقِيَ جَيْشٌ بُعِثُوا مَعَنَا مَا لَقِيَ أَصْحَابُ
مُؤْتَةَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ; لَقِيَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِالشّرّ
حَتّى إنّ الرّجُلَ لَيَنْصَرِفَ إلَى بَيْتِهِ وَأَهْلِهِ فَيَدُقّ عَلَيْهِمْ
الْبَابَ فَيَأْبَوْنَ أَنْ يَفْتَحُوا لَهُ يَقُولُونَ أَلَا تَقَدّمْت مَعَ
أَصْحَابِك ؟ فَأَمّا مَنْ كَانَ كَبِيرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ فِي بَيْتِهِ اسْتِحْيَاءً حَتّى جَعَلَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرْسِلُ إلَيْهِمْ رَجُلًا رَجُلًا ،
يَقُولُ أَنْتُمْ الْكُرّارُ فِي سَبِيلِ اللّهِ
(1/765)
حَدّثَنِي مُصْعِبُ بْنُ ثَابِتٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْبَعْثِ سَلَمَةُ بْنُ
هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ فَدَخَلَتْ امْرَأَتُهُ عَلَى أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ مَا لِي لَا
أَرَى سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ ؟ آشْتَكَى شَيْئًا ؟ قَالَتْ امْرَأَتُهُ لَا وَاَللّهِ
وَلَكِنّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ إذَا خَرَجَ صَاحُوا بِهِ وَبِأَصْحَابِهِ
« يَا فُرّارُ أَفَرَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ؟ » . حَتّى قَعَدَ فِي الْبَيْتِ .
فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمّ سَلَمَةَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ هُمْ
الْكُرّارُ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَلْيَخْرُجْ فَخَرَج
(1/765)
حَدّثَنِي خَالِدُ بْنُ إلْيَاسَ عَنْ الْأَعْرَجِ ، عَنْ
أَبِي هَرِيرَةَ قَالَ كُنّا نَخْرُجُ وَنَسْمَعُ مَا نَكْرَهُ مِنْ النّاسِ
لَقَدْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ عَمّ لِي كَلَامٌ فَقَالَ إلّا فِرَارَك
يَوْمَ مُؤْتَةَ فَمَا دُرِيت أَيّ شَيْءٍ أَقُولُ لَهُ . [ ص 766 ]
حَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَبِي الرّجّالِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْم ٍ عَنْ أُمّ عِيسَى بْنِ الْحَزّارِ عَنْ أُمّ
جَعْفَرٍ بِنْتِ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ جَدّتِهَا أَسَمَاءَ بِنْتِ
عُمَيْسٍ ، قَالَتْ أَصْبَحْت فِي الْيَوْمِ الّذِي أُصِيبَ فِيهِ جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ
فَأَتَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَقَدْ هَيّأْت
أَرْبَعِينَ مِنّا مِنْ أُدْمٍ وَعَجَنْت عَجِينِي ، وَأَخَذْت بَنِيّ فَغَسَلْت
وُجُوهَهُمْ وَدَهَنْتهمْ ؟ فَدَخَلَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا أَسَمَاءُ أَيْنَ بَنُو جَعْفَرٍ ؟ فَجِئْت
بِهِمْ إلَيْهِ فَضَمّهُمْ وَشَمّهُمْ ثُمّ ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ فَبَكَى ،
فَقُلْت : أَيْ رَسُولَ اللّهِ لَعَلّك بَلَغَك عَنْ جَعْفَرٍ شَيْءٌ ؟ فَقَالَ
نَعَمْ قُتِلَ الْيَوْمَ . قَالَتْ فَقُمْت أَصِيحُ وَاجْتَمَعَ إلَيّ النّسَاءُ
. قَالَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ يَا
أَسَمَاءُ لَا تَقُولِي هُجْرًا وَلَا تَضْرِبِي صَدْرًا قَالَتْ فَخَرَجَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى دَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ
فَاطِمَةَ وَهِيَ تَقُولُ وَاعَمّاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى مِثْلِ جَعْفَرٍ فَلْتَبْكِ الْبَاكِيَةُ ثُمّ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ
طَعَامًا ، فَقَدْ شُغِلُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ الْيَوْمَ
(1/766)
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي
يَعْلَى ، قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَعْفَرٍ يَقُولُ أَنَا أَحْفَظُ
حِينَ [ ص 767 ] دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى
أُمّي فَنَعَى لَهَا أَبِي ، فَأَنْظُرُ إلَيْهِ وَهُوَ يَمْسَحُ عَلَى رَأْسِي
وَرَأْسِ أَخِي ، وَعَيْنَاهُ تُهَرَاقَانِ الدّمُوعَ حَتّى تَقْطُرَ لِحْيَتُهُ
. ثُمّ قَالَ اللّهُمّ إنّ جَعْفَرًا قَدْ قَدِمَ إلَى
أَحْسَنِ الثّوَابِ فَاخْلُفْهُ فِي ذُرّيّتِهِ بِأَحْسَنِ مَا خَلَفْت أَحَدًا
مِنْ عِبَادِك فِي ذُرّيّتِهِ ثُمّ قَالَ يَا أَسَمَاءُ أَلَا أُبَشّرُك ؟
قَالَتْ بَلَى ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي قَالَ فَإِنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ جَعَلَ
لِجَعْفَرٍ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنّةِ قَالَتْ بِأَبِي وَأُمّي
يَا رَسُولَ اللّهِ فَأَعْلَمَ النّاسَ ذَلِكَ فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخَذَ بِيَدِي ، يَمْسَحُ بِيَدِهِ رَأْسِي حَتّى
رَقِيَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَجْلَسَنِي أَمَامَهُ عَلَى الدّرَجَةِ السّفْلَى ،
وَالْحُزْنُ يُعْرَفُ عَلَيْهِ فَتَكَلّمَ فَقَالَ إنّ الْمَرْءَ كَثِيرٌ
بِأَخِيهِ وَابْنُ عَمّهِ أَلَا إنّ جَعْفَرًا قَدْ اُسْتُشْهِدَ وَقَدْ جَعَلَ
اللّهُ لَهُ جَنَاحَيْنِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الْجَنّةِ . ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَأَدْخَلَنِي ،
وَأَمَرَ بِطَعَامٍ فَصُنِعَ لِأَهْلِي ، وَأَرْسَلَ إلَى أَخِي فَتَغَدّيْنَا
عِنْدَهُ وَاَللّهِ غَدَاءٌ طَيّبًا مُبَارَكًا . عَمِدَتْ سَلْمَى خَادِمَتُهُ
إلَى شَعِيرٍ فَطَحَنَتْهُ ثُمّ نَسَفَتْهُ ثُمّ أَنْضَجَتْهُ وَأَدْمَتْهُ بِزَيْتٍ
وَجَعَلَتْ عَلَيْهِ فُلْفُلًا . فَتَغَدّيْت أَنَا وَأَخِي مَعَهُ فَأَقَمْنَا
ثَلَاثَةَ أَيّامٍ فِي بَيْتِهِ نَدُورُ مَعَهُ كُلّمَا صَارَ فِي إحْدَى
بُيُوتِ نِسَائِهِ ثُمّ رَجَعْنَا إلَى بَيْتِنَا ، فَأَتَى رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا أُسَاوِمُ بِشَاةِ أَخٍ لِي ، فَقَالَ
اللّهُمّ بَارِكْ فِي صَفْقَتِهِ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَمَا بِعْت شَيْئًا
وَلَا اشْتَرَيْت شَيْئًا إلّا بُورِكَ فِيهِ . حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي
عَاتِكَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ لَمّا قَدِمَ نَعْيُ جَعْفَرٍ
عَرَفْنَا فِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحُزْنَ .
قَالَتْ قَدِيمًا مَا ضَرّ النّاسَ التّكَلّفُ . فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّ النّسَاءَ قَدْ عَنَيْنَنَا بِمَا يَبْكِينَ . قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَارْجِعْ إلَيْهِنّ فَأَسْكِتْهُنّ
فَإِنْ أَبَيْنَ فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنّ التّرَابَ فَقُلْت فِي نَفْسِي :
أَبْعَدَك اللّهُ مَا تَرَكْت نَفْسَك ، وَمَا أَنْتَ بِمُطِيعِ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 768 ]
(1/767)
حَدّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَنَا أَطّلِعُ مِنْ صَيْرِ
الْبَاب فَأَسْمَعُ هَذَا . حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ أُصِيبَ بِهَا نَاسٌ مِنْ
الْمُسْلِمِينَ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ بَعْضَ أَمْتِعَةِ الْمُشْرِكِينَ
فَكَانَ مِمّا غَنِمُوا خَاتَمًا جَاءَ بِهِ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ قَتَلْت صَاحِبَهُ يَوْمئِذٍ فَنَفّلَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُ . وَقَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ
الْأَشْجَعِيّ : لَقِينَاهُمْ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ قُضَاعَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ
نَصَارَى الْعَرَبِ ، فَصَافّونَا فَجَعَلَ رَجُلٌ مِنْ الرّومِ يَسُلّ عَلَى
الْمُسْلِمِينَ وَيُغْرِي بِهِمْ عَلَى فَرَسٍ أَشْقَرَ عَلَيْهِ سِلَاحٌ
مُذَهّبٌ وَلِجَامٌ مُذَهّبٌ فَجَعَلْت أَقُولُ فِي نَفْسِي : مِنْ هَذَا ؟
وَقَدْ رَافَقَنِي رَجُلٌ مِنْ أَمْدَادِ حِمْيَرَ ، فَكَانَ مَعَنَا فِي
مَسِيرِنَا ذَلِكَ لَيْسَ مَعَهُ سَيْفٌ إذْ نَحَرَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ
جَزُورًا فَسَأَلَهُ الْمَدَدِيّ طَائِفَةً مِنْ جِلْدِهِ وَهَبَهُ لَهُ
فَبَسَطَهُ فِي الشّمْسِ وَأَوْتَدَ عَلَى أَطْرَافِهِ أَوْتَادًا ، فَلَمّا
جَفّ اتّخَذَ مِنْهُ مَقْبِضًا وَجَعَلَهُ دَرَقَةً . فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ
الْمَدَدِيّ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الرّومِيّ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَنْ لَهُ خَلْفَ
صَخْرَةٍ فَلَمّا مَرّ بِهِ خَرَجَ عَلَيْهِ فَعَرْقَبَ فَرَسُهُ فَقَعَدَ
الْفَرَسُ عَلَى رِجْلَيْهِ وَخَرّ عَنْهُ الْعِلْجُ وَشَدّ عَلَيْهِ فَعَلَاهُ
بِسَيْفِهِ فَقَتَلَهُ . [ ص 769 ] حَدّثَنِي بُكَيْر بْنُ مِسْمَارٍ عَنْ عُمَارَةَ
بْنِ غَزِيّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَضَرْت مُؤْتَةَ ، فَبَارَزْت رَجُلًا يَوْمئِذٍ
فَأَصَبْته ، وَعَلَيْهِ يَوْمئِذٍ بَيْضَةٌ لَهُ فِيهَا يَاقُوتَةٌ فَلَمْ
يَكُنْ هَمّي إلّا الْيَاقُوتَةُ فَأَخَذْتهَا ، فَلَمّا انْكَشَفْنَا
وَانْهَزَمْنَا رَجَعْت بِهَا الْمَدِينَةَ ، فَأَتَيْت بِهَا رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَفّلَنِيهَا فَبِعْتهَا زَمَنَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَاشْتَرَيْت بِهَا
حَدِيقَةَ نَخْلٍ بِبَنِي خَطْمَةَ .
(1/769)
====
ذِكْرُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِمُؤْتَةَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
وَغَيْرِهِمْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ،
وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْب ٍ : مَسْعُودُ بْنُ الْأَسْوَدِ
بْنِ حَارِثَةَ بْنِ نَضْلَةَ .
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَي ّ ، ثُمّ مِنْ بَنِي
مَالِكِ بْنِ حُسَيْلٍ : وَهْبُ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ . وَقُتِلَ مِنْ
الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي النّجّار ِ مِنْ بَنِي مَازِنٍ سُرَاقَةُ بْنُ
عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ . وَمِنْ بَنِي النّجّارِ : الْحَارِثُ
بْنُ النّعْمَانِ بْنِ يِسَافِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ غَنْمِ
بْنِ مَالِكٍ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَج ِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ
رَوَاحَةَ ، وَعُبَادَةُ بْنُ قِيسٍ . ثُمّ رَجَعُوا إلَى الْمَدِينَةِ
.
(1/769)
غَزْوَةُ ذَاتِ السّلَاسِلِ حَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ
عُثْمَانَ عَنْ ابْنِ رُومَانَ وَحَدّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رُقَيْشٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ
وَحَدّثَنِي [ ص 770 ] عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي
مِنْهُ طَائِفَةٌ وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لِلْحَدِيثِ مِنْ بَعْضٍ فَجَمَعْت مَا حَدّثُونِي
، وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ الْمُسَمّيْنَ قَدْ حَدّثَنِي أَيْضًا ، قَالُوا : بَلَغَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ جَمْعًا مِنْ بَلِيّ
وَقُضَاعَةَ قَدْ تَجَمّعُوا يُرِيدُونَ أَنْ يَدْنُوَا إلَى أَطْرَافِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً أَبْيَضَ
وَجَعَلَ مَعَهُ رَايَةً سَوْدَاءَ وَبَعَثَهُ فِي سَرَاةِ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ - فِي ثَلَاثِمِائَةِ - عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَصُهَيْبُ
بْنُ سِنَانٍ ، وَأَبُو الْأَعْوَرِ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ : أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ
وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَسَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ .
وَأَمَرَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِمِنْ مَرّ بِهِ مِنْ الْعَرَبِ ، وَهِيَ بِلَادُ
بَلِيّ وَعُذْرَةَ وَبَلْقَيْن ، وَذَلِكَ أَنّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ ذَا
رَحِمٍ بِهِمْ . كَانَتْ أُمّ الْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ بَلَوِيّةً فَأَرَادَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَأَلّفُهُمْ بِعَمْرٍو .
فَسَارَ وَكَانَ يَكْمُنُ النّهَارَ وَيَسِيرُ اللّيْلَ وَكَانَتْ مَعَهُ
ثَلَاثُونَ فَرَسًا ، فَلَمّا دَنَا مِنْ الْقَوْمِ بَلَغَهُ أَنّ لَهُمْ
جَمْعًا كَثِيرًا ، فَنَزَلَ قَرِيبًا مِنْهُمْ عِشَاءً وَهُمْ شَاتُونَ
فَجَمَعَ أَصْحَابُهُ الْحَطْبَ يُرِيدُونَ أَنْ يَصْطَلُوا - وَهِيَ أَرْضٌ
بَارِدَةٌ - فَمَنَعَهُمْ فَشَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَتّى كَلّمَهُ فِي ذَلِكَ
بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ فَغَالَظَهُ فَقَالَ عَمْرٌو : أُمِرْت أَنْ تَسْمَعَ
لِي وَتُطِيعَ قَالَ فَافْعَلْ وَبَعَثَ رَافِعُ بْنُ مَكِيثٍ الْجُهَنِيّ إلَى رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُخْبِرُهُ أَنّ لَهُمْ جَمْعًا كَثِيرًا
وَيَسْتَمِدّهُ بِالرّجَالِ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ وَعَقَدَ
لَهُ لِوَاءً وَبَعَثَ مَعَهُ سَرَاةَ الْمُهَاجِرِينَ - أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا - وَالْأَنْصَارَ
، وَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَلْحَقَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ . فَخَرَجَ أَبُو عُبَيْدَةَ فِي مِائَتَيْنِ وَأَمَرَهُ
أَنْ يَكُونَا جَمِيعًا وَلَا يَخْتَلِفَا . فَسَارُوا حَتّى لَحِقُوا [ ص 771 ] بِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَأَرَادَ أَبُو
عُبَيْدَةَ أَنْ يَؤُمّ النّاسَ وَيَتَقَدّمَ عَمْرًا ، فَقَالَ لَهُ عَمْرٌو :
إنّمَا قَدِمْت عَلَيّ مَدَدًا لِي ، وَلَيْسَ لَك أَنْ تَؤُمّنِي ، وَأَنَا
الْأَمِيرُ وَإِنّمَا أَرْسَلَك النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيّ
مَدَدًا .
(1/770)
فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ : كَلّا ، بَلْ أَنْتَ أَمِيرُ
أَصْحَابِك وَهُوَ أَمِيرُ أَصْحَابِهِ فَقَالَ عَمْرٌو : لَا ، بَلْ أَنْتُمْ
مَدَدٌ لَنَا فَلَمّا رَأَى أَبُو عُبَيْدَةَ الِاخْتِلَافَ - وَكَانَ حَسَنَ
الْخُلُقِ لَيّنَ الشّيمَةِ - قَالَ لِتَطْمَئِنّ يَا عَمْرُو ، وَتَعْلَمَنّ
أَنّ آخِرَ مَا عَهِدَ إلَيّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَنْ قَالَ إذَا قَدِمْت عَلَى صَاحِبِك فَتَطَاوَعَا وَلَا تَخْتَلِفَا وَإِنّك
وَاَللّهِ إنْ عَصَيْتنِي لَأُطِيعَنّكَ فَأَطَاعَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَكَانَ
عَمْرٌو يُصَلّي بِالنّاسِ . فَآبَ إلَى عَمْرٍو جَمَعَ - فَصَارُوا
خَمْسَمِائَةِ - فَسَارَ اللّيْلُ وَالنّهَارُ حَتّى وَطِئَ بِلَادَ بَلِيّ
وَدَوّخَهَا ، وَكُلّمَا انْتَهَى إلَى مَوْضِعٍ بَلَغَهُ أَنّهُ كَانَ بِهَذَا
الْمَوْضِعِ جَمَعَ فَلَمّا سَمِعُوا بِهِ تَفَرّقُوا ، حَتّى انْتَهَى إلَى
أَقْصَى بِلَادِ بَلِيّ وَعُذْرَةَ وَبَلْقَيْن ، وَلَقِيَ فِي آخِرِ ذَلِكَ
جَمْعًا لَيْسَ بِالْكَثِيرِ فَقَاتَلُوا سَاعَةً وَتَرَامَوْا بِالنّبْلِ
وَرُمِيَ يَوْمئِذٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْمٍ فَأُصِيبَ ذِرَاعُهُ .
وَحَمَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَهَرَبُوا ، وَأَعْجَزُوا هَرَبًا فِي
الْبِلَادِ وَتَفَرّقُوا ، وَدَوّخَ عَمْرٌو مَا هُنَاكَ وَأَقَامَ أَيّامًا لَا
يَسْمَعُ لَهُمْ بِجَمْعٍ وَلَا بِمَكَانٍ صَارُوا فِيهِ وَكَانَ يَبْعَثُ
أَصْحَابَ الْخَيْلِ فَيَأْتُونَ بِالشّاءِ وَالنّعَمِ وَكَانُوا يَنْحَرُونَ وَيَذْبَحُونَ
لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ تَكُنْ غَنَائِمُ تُقْسَمُ
إلّا مَا ذُكِرَ لَهُ . وَكَانَ رَافِعُ بْنُ أَبِي رَافِعٍ الطّائِيّ يَقُولُ
كُنْت فِيمَنْ نَفَرَ مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَكُنْت رَجُلًا
أُغِيرُ فِي الْجَاهِلِيّةِ عَلَى أَمْوَالِ النّاسِ فَكُنْت [ ص 772 ] أَجْمَعُ
الْمَاءَ فِي الْبَيْضِ - بَيْضِ
النّعَامِ - فَأَجْعَلُهُ فِي أَمَاكِنَ أَعْرِفُهَا ، فَإِذَا مَرَرْت بِهَا
وَقَدْ ظَمِئْت اسْتَخْرَجْتهَا فَشَرِبْت مِنْهَا . فَلَمّا نَفَرْت فِي ذَلِكَ
الْبَعْثِ قُلْت : وَاَللّهِ لَأَخْتَارَنّ لِنَفْسِي صَاحِبًا يَنْفَعُنِي
اللّهُ بِهِ . فَاخْتَرْت أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ فَصَحِبْته ، وَكَانَتْ لَهُ
عَبَاءَةٌ فَدَكِيّةٌ فَإِذَا رَكِبَ خَلّهَا عَلَيْهِ بِخِلَالٍ وَإِذَا
نَزَلْنَا بَسَطَهَا . فَلَمّا قَفَلْنَا قُلْت : يَا أَبَا بَكْرٍ ، رَحِمَك اللّهُ عَلّمْنِي شَيْئًا يَنْفَعُنِي اللّهُ
بِهِ . قَالَ قَدْ كُنْت فَاعِلًا وَلَوْ لَمْ تَسْأَلْنِي ، لَا تُشْرِكْ
بِاَللّهِ وَأَقِمْ الصّلَاةَ وَآتِ الزّكَاةَ وَصُمْ رَمَضَانَ وَحُجّ
الْبَيْتَ وَاعْتَمِرْ وَلَا تَتَأَمّرْ عَلَى اثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
قَالَ قُلْت : أَمّا مَا أَمَرْتنِي بِهِ مِنْ الصّلَاةِ وَالصّوْمِ وَالْحَجّ
فَأَنَا فَاعِلُهُ وَأَمّا الْإِمَارَةُ فَإِنّي رَأَيْت النّاسَ لَا يُصِيبُونَ
هَذَا الشّرَفَ وَهَذَا الْغِنَى وَهَذِهِ الْمَنْزِلَةَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعِنْدَ النّاسِ إلّا بِهَا . قَالَ إنّك
اسْتَنْصَحْتنِي فَجَهَدْت لَك نَفْسِي ; إنّ النّاسَ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ
طَوْعًا وَكَرْهًا فَأَجَارَهُمْ اللّهُ مِنْ الظّلْمِ وَهُمْ عُوّادُ اللّهِ
وَجِيرَانُ اللّهِ وَفِي أَمَانَتِهِ فَمَنْ أَخْفَرَ فَإِنّمَا يُخْفِرُ اللّهُ
فِي جِيرَانِهِ وَإِنّ شَاةَ أَحَدِكُمْ أَوْ بَعِيرَهُ لِيَذْهَبَ فَيَظِلّ نَاتِئًا
عَضَلَهُ غَضَبًا لِجَارِهِ وَاَللّهُ مِنْ وَرَاءِ جَارِهِ
. قَالَ فَلَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَخْلَفَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ جِئْته
فَقُلْت : يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَلَمْ تَنْهَنِي أَنْ أَتَأَمّرَ عَلَى اثْنَيْنِ
؟ قَالَ بَلَى ، وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ فَمَا لَك تَأَمّرْت عَلَى أُمّةِ مُحَمّدٍ
؟ قَالَ اخْتَلَفَ النّاسُ وَخَشِيت [ ص 773 ] عَلَيْهِمْ الْهَلَاكَ وَدَعَوْا
إلَيّ فَلَمْ أَجِدْ لِذَلِكَ بُدّا .
(1/772)
قَالَ وَكَانَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ رَفِيقًا
لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا مَعَهُمَا فِي رَحْلِهِمَا ،
فَخَرَجَ عَوْفٌ يَوْمًا فِي الْعَسْكَرِ فَمَرّ بِقَوْمٍ بِأَيْدِيهِمْ جَزُورٌ
قَدْ عَجَزُوا عَنْ عَمَلِهَا ، فَكَانَ عَوْفٌ عَالِمًا بِالْجُزُرِ فَقَالَ
أَتُعْطُونَنِي عَلَيْهَا وَأَقْسِمُهَا بَيْنَكُمْ ؟ قَالُوا : نَعَمْ
نُعْطِيك عَشِيرًا مِنْهَا . فَنَحَرَهَا ثُمّ جَزّأَهَا بَيْنَهُمْ وَأَعْطَوْهُ
مِنْهَا جُزْءًا فَأَخَذَهُ فَأَتَى بِهِ أَصْحَابَهُ فَطَبَخُوهُ وَأَكَلُوا
مِنْهُ . فَلَمّا فَرَغُوا قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا
: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا اللّحْمُ ؟ فَأَخْبَرَهُمَا فَقَالَا : وَاَللّهِ مَا
أَحْسَنْت حِينَ أَطْعَمْتنَا هَذَا . ثُمّ قَامَا يَتَقَيّآنِ فَلَمّا فَعَلَ
ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَعَلَ ذَلِكَ الْجَيْشُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا لِعَوْفٍ تَعَجّلْت أَجْرَك ثُمّ أَتَى أَبَا
عُبَيْدَةَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ . وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حِينَ قَفَلْنَا
احْتَلَمَ فِي لَيْلَة بَارِدَةٍ كَأَشَدّ مَا يَكُونُ مِنْ الْبَرْدِ فَقَالَ
لِأَصْحَابِهِ مَا تَرَوْنَ ؟ قَدْ وَاَللّهِ احْتَلَمْت ، وَإِنْ اغْتَسَلْت
مُتّ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضّأَ وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَتَيَمّمَ ثُمّ قَامَ
فَصَلّى بِهِمْ فَكَانَ أَوّلَ مَنْ بَعَثَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ بَرِيدًا .
قَالَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ فَقَدِمْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي السّحَرِ وَهُوَ يُصَلّي فِي بَيْتِهِ فَسَلّمْت عَلَيْهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ ؟
قُلْت : عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ صَاحِبُ الْجَزُورِ ؟
قُلْت : نَعَمْ . وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا شَيْئًا
، ثُمّ قَالَ أَخْبِرْنِي فَأَخْبَرْته بِمَا كَانَ فِي مَسِيرِنَا وَمَا كَانَ
بَيْنَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرّاحِ وَبَيْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
وَمُطَاوَعَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَرْحَمُ اللّهُ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ ثُمّ أَخْبَرْته
أَنّ عَمْرًا صَلّى بِنَا وَهُوَ جُنُبٌ وَمَعَهُ مَاءٌ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ
غَسَلَ فَرْجَهُ بِمَاءٍ وَتَيَمّمَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . فَلَمّا قَدِمَ عَمْرٌو عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ سَأَلَهُ عَنْ صَلَاتِهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك
بِالْحَقّ لَوْ اغْتَسَلْت لَمُتّ لَمْ أَجِد قَطّ بَرْدًا مِثْلَهُ وَقَدْ
قَالَ اللّهُ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
فَضَحِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنّهُ
قَالَ شَيْئًا [ ص 774 ]
(1/774)
=====
سَرِيّةُ الْخَبَطِ أَمِيرُهَا أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ
الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي دَاوُد بْنُ قَيْسٍ ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ،
وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمّدٍ الْأَنْصَارِيّ مِنْ وَلَدِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ
بْنِ شَمّاسٍ ، وَخَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَبَعْضُهُمْ قَدْ زَادَ فِي
الْحَدِيثِ قَالُوا : بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فِي سَرِيّةٍ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ
، وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةِ رَجُلٍ إلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ إلَى حَيّ مِنْ
جُهَيْنَةَ ; فَأَصَابَهُمْ جَوْعٌ شَدِيدٌ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالزّادِ
فَجَمَعَ حَتّى إذَا كَانُوا لَيَقْتَسِمُونَ التّمْرَةَ فَقِيلَ لِجَابِرٍ
فَمَا يُغْنِي ثُلُثُ تَمْرَةٍ ؟ قَالَ لَقَدْ وَجَدُوا فَقْدَهَا . قَالَ وَلَمْ
تَكُنْ مَعَهُمْ حَمُولَةٌ إنّمَا كَانُوا عَلَى أَقْدَامِهِمْ وَأَبَاعِرَ
يَحْمِلُونَ عَلَيْهَا زَادَهُمْ . فَأَكَلُوا الْخَبَطَ وَهُوَ يَوْمئِذٍ ذُو
مَشْرَةٍ حَتّى إنّ شِدْقَ أَحَدِهِمْ بِمَنْزِلَةِ مِشْفَر الْبَعِيرِ الْعَضّة
، فَمَكَثْنَا عَلَى ذَلِكَ حَتّى قَالَ [ ص 775 ] قَائِلُهُمْ لَوْ لَقِينَا عَدُوّا
مَا كَانَ بِنَا حَرَكَةٌ إلَيْهِ لِمَا بِالنّاسِ مِنْ الْجَهْدِ . فَقَالَ قَيْسُ
بْنُ سَعْدٍ : مَنْ يَشْتَرِي مِنّي تَمْرًا بِجُزُرٍ يُوَفّينِي الْجُزُرَ
هَاهُنَا وَأُوَفّيهِ التّمْرَ بِالْمَدِينَةِ ؟ فَجَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ
وَاعَجَبَاهُ لِهَذَا الْغُلَامِ لَا مَالَ لَهُ يُدَانُ فِي مَالِ غَيْرِهِ
فَوَجَدَ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ : بِعْنِي
جُزُرًا وَأُوَفّيك سِقَةً مِنْ تَمْرِ بِالْمَدِينَةِ . قَالَ الْجُهَنِيّ
وَاَللّهِ مَا أَعْرِفُك ، وَمَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا قَيْسُ بْنُ سَعْدِ بْنِ
عُبَادَةَ بْنِ دُلَيْمٍ . قَالَ
الْجُهَنِيّ مَا أَعَرَفْتنِي بِنَسَبِك أَمّا إنّ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدٍ
خُلّةً سَيّدُ أَهْلِ يَثْرِبَ . فَابْتَاعَ مِنْهُمْ خَمْسَ جُزُرٍ كُلّ
جَزُورٍ بِوَسْقَيْنِ مِنْ تَمْرٍ يَشْرِطُ عَلَيْهِ الْبَدَوِيّ ، تَمْرٍ
ذَخِيرَةٍ مُصَلّبَةٍ مِنْ تَمْرِ آلِ دُلَيْمٍ . قَالَ يَقُولُ قَيْسٌ : نَعَمْ
. فَقَالَ الْجُهَنِيّ فَأَشْهِدْ لِي .(1/775)فَأَشْهَدَ لَهُ نَفَرًا مِنْ
الْأَنْصَارِ وَمَعَهُمْ نَفَرٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . قَالَ قَيْسٌ : أَشْهِدْ مَنْ تُحِبّ . فَكَانَ فِيمَنْ أَشْهَدَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ عُمَرُ لَا أَشْهَدُ هَذَا يُدَانُ
وَلَا مَالَ لَهُ إنّمَا الْمَالُ لِأَبِيهِ . قَالَ الْجُهَنِيّ وَاَللّهِ مَا
كَانَ سَعْدٌ لِيَخُنّي بِابْنِهِ فِي سِقَةٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَرَى وَجْهًا
حَسَنًا وَفَعَالًا شَرِيفًا . فَكَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَبَيْنَ قَيْسٍ كَلَامٌ
حَتّى أَغْلَظَ لَهُ قَيْسٌ الْكَلَامَ وَأَخَذَ قَيْسٌ الْجُزُرَ فَنَحَرَهَا
لَهُمْ فِي مَوَاطِنَ ثَلَاثَةٍ كُلّ يَوْمِ جَزُورًا ، فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ
الرّابِعُ نَهَاهُ أَمِيرُهُ وَقَالَ تُرِيدُ أَنْ تُخْفِرَ ذِمّتَك وَلَا مَالَ
لَك ؟
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ ، قَالَ أَقْبَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ
وَمَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ فَقَالَ [ ص 776 ]
عَزَمْت عَلَيْك أَلّا تَنْحَرَ . أَتُرِيدُ أَنْ تُخْفِرَ ذِمّتَك وَلَا مَالَ
لَك ؟ فَقَالَ قَيْسٌ : يَا أَبَا عُبَيْدَةَ أَتَرَى أَبَا ثَابِتٍ وَهُوَ يَقْضِي
دَيْنَ النّاسِ وَيَحْمِلُ الْكُلّ وَيُطْعِمُ فِي الْمَجَاعَةِ لَا يَقْضِي
سِقَةَ تَمْرٍ لِقَوْمٍ مُجَاهَدِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَكَادَ أَبُو
عُبَيْدَةَ أَنْ يَلِينَ لَهُ وَيَتْرُكُهُ حَتّى جَعَلَ عُمَرُ يَقُولُ اعْزِمْ
عَلَيْهِ فَعَزَمَ عَلَيْهِ فَأَبَى عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ . فَبَقِيت
جَزُورَانِ مَعَهُ حَتّى وَجَدَ الْقَوْمُ الْحُوتَ فَقَدِمَ بِهِمَا قَيْسٌ
الْمَدِينَةَ ظُهْرًا يَتَعَاقَبُونَ عَلَيْهَا ، وَبَلَغَ سَعْدٌ مَا كَانَ
أَصَابَ الْقَوْمُ مِنْ الْمَجَاعَةِ فَقَالَ إنْ يَكُنْ قَيْسٌ كَمَا
أَعْرِفُهُ فَسَوْفَ يَنْحَرُ لِلْقَوْمِ . فَلَمّا قَدِمَ قَيْسٌ لَقِيَهُ
سَعْدٌ فَقَالَ مَا صَنَعْت فِي مَجَاعَةِ الْقَوْمِ حَيْثُ أَصَابَهُمْ ؟ قَالَ
نَحَرْت . قَالَ أَصَبْت ، انْحَرْ قَالَ ثُمّ مَاذَا ؟ قَالَ نَحَرْت . قَالَ
أَصَبْت قَالَ ثُمّ مَاذَا ؟ قَالَ ثُمّ نَحَرْت . قَالَ أَصَبْت ، انْحَرْ
قَالَ ثُمّ مَاذَا قَالَ نَهَيْت . قَالَ وَمَنْ نَهَاك ؟ قَالَ أَبُو
عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ أَمِيرِي . قَالَ وَلِمَ ؟ قَالَ زَعَمَ أَنّهُ لَا
مَالَ لِي وَإِنّمَا الْمَالُ لِأَبِيك ، فَقُلْت : أَبِي يَقْضِي عَنْ
الْأَبَاعِدِ وَيَحْمِلُ الْكُلّ وَيُطْعِمُ فِي الْمَجَاعَةِ وَلَا يَصْنَعُ
هَذَا بِي قَالَ فَلَك أَرْبَعُ حَوَائِطَ . قَالَ وَكَتَبَ لَهُ بِذَلِكَ
كِتَابًا . قَالَ وَأَتَى بِالْكِتَابِ إلَى أَبِي عُبَيْدَةَ فَشَهِدَ فِيهِ
وَأَتَى عُمَرُ فَأَبَى أَنْ يَشْهَدَ فِيهِ - وَأَدْنَى حَائِطٍ مِنْهَا يَجُذّ
خَمْسِينَ وَسْقًا . وَقَدِمَ الْبَدَوِيّ مَعَ قَيْسٍ فَأَوْفَاهُ سِقَتَهُ
وَحَمّلَهُ وَكَسَاهُ فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِعْلُ
قَيْسٍ فَقَالَ إنّهُ فِي بَيْتِ جُودٍ
(1/776)
حَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، [ ص 777 ] فَأَلْقَى لَنَا الْبَحْرُ حُوتًا
مِثْلَ الظّرِبِ فَأَكَلَ الْجَيْشُ مِنْهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمّ أَمَرَ
أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعٍ مِنْ أَضْلَاعِهِ فَنُصِبَ ثُمّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ
فَرَحَلَتْ ثُمّ مَرّ تَحْتَهَا فَلَمْ يُصِبْهَا .
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ إنْ كَانَ الرّجُلُ لَيَجْلِسُ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ
وَإِنْ كَانَ الرّاكِبُ لَيَمُرّ بَيْنَ ضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلَاعِهِ عَلَى
رَاحِلَتِهِ . حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحِجَازِيّ عَنْ عُمَرَ بْنِ
عُثْمَانَ بْنِ شُجَاعٍ قَالَ لَمّا قَدِمَ الْأَعْرَابِيّ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ
قَالَ يَا أَبَا ثَابِتٍ وَاَللّهِ مَا مِثْلُ ابْنِك صَنَعْت وَلَا تَرَكْت
بِغَيْرِ مَالٍ فَابْنُك سَيّدٌ مِنْ سَادَةِ قَوْمِهِ نَهَانِي الْأَمِيرُ أَنْ
أَبِيعَهُ . قُلْت : لِمَ ؟ قَالَ لَا مَالَ لَهُ فَلَمّا انْتَسَبَ إلَيْك
عَرَفْته فَتَقَدّمْت لِمَا عَرَفْت أَنّك تَسْمُو عَلَى مَعَالِي الْأَخْلَاقِ
وَجَسِيمِهَا ، وَأَنّك غَيْرُ مُذِمّ بِمَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ لَدَيْك .
قَالَ فَأَعْطَى ابْنَهُ يَوْمئِذٍ أَمْوَالًا عِظَامًا .
(1/777)
===
سَرِيّةُ خَضِرَةَ أَمِيرُهَا أَبُو قَتَادَةَ فِي شَعْبَانَ
سَنَةَ ثَمَانٍ
حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ
سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي
حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ تَزَوّجْت ابْنَةَ سُرَاقَةَ بْنِ حَارِثَةَ النّجّارِيّ
وَكَانَ قُتِلَ بِبَدْرٍ فَلَمْ أُصِبْ شَيْئًا مِنْ الدّنْيَا كَانَ أَحَبّ
إلَيّ مِنْ مَكَانِهَا ، فَأَصْدَقْتهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَمْ أَجِدْ
شَيْئًا أَسُوقُهُ إلَيْهَا فَقُلْت : [ ص 778 ] عَلَى اللّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ
الْمِعْوَلُ . فَجِئْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرْته ،
فَقَالَ كَمْ سُقْت إلَيْهَا قُلْت : مِائَتَيْ دِرْهَمٍ . فَقَالَ لَوْ
كُنْتُمْ تَغْتَرِفُونَهُ مِنْ نَاحِيَةَ بَطِحَانَ مَا زِدْتُمْ . فَقُلْت :
يَا رَسُولَ اللّهِ أَعْنِي فِي صَدَاقِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا وَافَقَتْ عِنْدَنَا شَيْئًا أُعِينُك بِهِ
وَلَكِنّي قَدْ أَجَمَعْت أَنْ أَبَعَثَ أَبَا قَتَادَةَ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ
رَجُلًا [ فِي سَرِيّةٍ ] ، فَهَلْ لَك أَنْ تَخْرُجَ فِيهَا ؟ فَإِنّي أَرْجُو
أَنْ يُغْنِمَك اللّهُ مَهْرَ امْرَأَتِك . فَقُلْت : نَعَمْ فَخَرَجْنَا
فَكُنّا سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا بِأَبِي قَتَادَةَ وَهُوَ أَمِيرُنَا ،
وَبَعَثَنَا إلَى غَطَفَان نَحْوَ نَجْدٍ فَقَالَ سِيرُوا اللّيْلَ وَاكْمُنُوا
النّهَارَ وَشُنّوا الْغَارَةَ وَلَا تَقْتُلُوا النّسَاءَ وَالصّبْيَانَ .
فَخَرَجْنَا حَتّى جِئْنَا نَاحِيَةَ غَطَفَان ، فَهَجَمْنَا عَلَى حَاضِرٍ
مِنْهُمْ عَظِيمٍ . قَالَ
وَخَطَبَنَا أَبُو قَتَادَةَ وَأَوْصَانَا بِتَقْوَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ
وَأَلّفَ بَيْنَ كُلّ رَجُلَيْنِ وَقَالَ لَا يُفَارِقُ كُلّ رَجُلٍ زَمِيلَهُ
حَتّى يُقْتَلَ أَوْ يَرْجِعَ إلَيّ فَيُخْبِرُنِي خَبَرَهُ وَلَا يَأْتِنِي
رَجُلٌ فَأَسْأَلُ عَنْ صَاحِبِهِ فَيَقُولُ لَا عِلْمَ لِي بِهِ وَإِذَا
كَبّرْت فَكَبّرُوا ، وَإِذَا حَمَلْت فَاحْمِلُوا ، وَلَا تُمْعِنُوا فِي
الطّلَبِ . فَأَحَطْنَا بِالْحَاضِرِ فَسَمِعْت رَجُلًا يَصْرُخُ يَا خَضِرَةَ
فَتَفَاءَلَتْ وَقُلْت : لَأُصِيبَنّ خَيْرًا وَلَأَجْمَعَنّ إلَيّ امْرَأَتِي
وَقَدْ أَتَيْنَاهُمْ لَيْلًا . قَالَ
فَجَرّدَ أَبُو قَتَادَةَ سَيْفَهُ وَجَرّدْنَا سُيُوفَنَا ، وَكَبّرَ
وَكَبّرْنَا مَعَهُ فَشَدَدْنَا عَلَى الْحَاضِرِ فَقَاتَلَ رِجَالٌ وَإِذَا
بِرَجُلٍ طَوِيلٍ قَدْ جَرّدَ سَيْفَهُ صَلْتًا ، وَهُوَ يَمْشِي الْقَهْقَرَى
وَيَقُولُ يَا مُسْلِمُ هَلُمّ إلَى الْجَنّةِ فَاتّبَعْته ثُمّ قَالَ إنّ
صَاحِبَكُمْ لَذُو مَكِيدَةٍ وَإِنّ أَمْرَهُ هُوَ الْأَمْرُ . وَهُوَ يَقُولُ
الْجَنّةَ الْجَنّةَ يَتَهَكّمُ بِنَا . فَعَرَفْت أَنّهُ مُسْتَقْبِلٌ فَخَرَجْت فِي أَثْرِهِ وَهُوَ يَقُولُ صَاحِبِي
: لَا تَبْعُدْ فَقَدْ نَهَانَا أَمِيرُنَا أَنْ نُمْعِنَ فِي الطّلَبِ
فَأَدْرَكْته فَرَمَيْته عَلَى [ ص 779 ] جُرَيْدَاءِ مَتْنِهِ ثُمّ قَالَ
اُدْنُ يَا مُسْلِمُ إلَى الْجَنّةِ فَرَمَيْته حَتّى قَتَلْته بِنَبْلِي ، ثُمّ
وَقَعَ مَيّتًا فَأَخَذْت سَيْفَهُ . وَجَعَلَ زَمِيلِي يُنَادِي : أَيْنَ
تَذْهَبُ ؟ إنّي وَاَللّهِ إنْ ذَهَبْت إلَى أَبِي قَتَادَةَ فَسَأَلَنِي عَنْك
أَخْبَرْته . قَالَ فَلَقِيته قَبْلَ أَبِي قَتَادَةَ فَقُلْت : أَسَأَلَ
أَمِيرِي عَنّي ؟ فَقَالَ نَعَمْ وَقَدْ تَغَيّظَ عَلَيّ وَعَلَيْك
.
(1/778)
وَأَخْبَرَنِي أَنّهُمْ جَمَعُوا الْغَنَائِمَ - وَقَتَلُوا
مَنْ أَشْرَفَ لَهُمْ - فَجِئْت أَبَا قَتَادَةَ فَلَامَنِي فَقُلْت : قَتَلْت
رَجُلًا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَكَذَا ، فَأَخْبَرْته بِقَوْلِهِ كُلّهِ .
ثُمّ اسْتَقْنَا النّعَمَ وَحَمَلْنَا النّسَاءَ وَجُفُونُ السّيُوفِ مُعَلّقَةٌ
بِالْأَقْتَابِ . فَأَصْبَحْت - وَبَعِيرِي مَقْطُورٌ - بِامْرَأَةٍ كَأَنّهَا
ظَبْيٌ فَجَعَلَتْ تُكْثِرُ الِالْتِفَاتَ خَلْفَهَا وَتَبْكِي ، قُلْت : إلَى
أَيّ شَيْءٍ تَنْظُرِينَ ؟ قَالَتْ أَنْظُرُ وَاَللّهِ إلَى رَجُلٍ لَئِنْ كَانَ
حَيّا لِيَسْتَنْقِذَنَا مِنْكُمْ . فَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنّهُ الّذِي
قَتَلْته فَقُلْت : قَدْ وَاَللّهِ قَتَلْته ، وَهَذَا سَيْفُهُ مُعَلّقٌ
بِالْقَتَبِ إلَى غِمْدِهِ . فَقَالَتْ هَذَا وَاَللّهِ غِمْدُ سَيْفِهِ
فَشِمْهُ إنْ كَانَ صَادِقًا . قَالَ فَشِمْته فَطَبَقَ . قَالَ فَبَكَتْ
وَيَئِسَتْ . قَالَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ فَقَدِمْنَا عَلَى النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالنّعَمِ وَالشّاءِ . فَحَدّثَنِي أَبُو مَوْدُودٍ
عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ لَمّا رَجَعْت مِنْ غَزْوَةِ خَضِرَةَ وَقَدْ أَصَبْنَا فَيْئًا ، سَهْمَ
كُلّ رَجُلٍ [ ص 780 ] اثْنَا عَشَرَ
بَعِيرًا ، دَخَلْت بِزَوْجَتِي فَرَزَقَنِي اللّهُ خَيْرًا .
وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ جَعْفَرِ
بْنِ عَمْرٍو ، قَالَ غَابُوا خَمْسَ عَشَرَةَ لَيْلَةً وَجَاءُوا بِمِائَتِي
بَعِيرٍ وَأَلْفِ شَاةٍ وَسَبَوْا سَبْيًا كَثِيرًا . وَكَانَ الْخُمُسُ
مَعْزُولًا ، وَكَانَ سُهْمَانُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا ، يَعْدِلُ الْبَعِيرَ
بِعَشْرٍ مِنْ الْغَنَمِ .
(1/780)
حَدّثَنِي ابْن أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللّهِ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ أَصَبْنَا فِي وَجْهِنَا أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِيهِنّ فَتَاةٌ
كَأَنّهَا ظَبْيٌ مِنْ الْحَدَاثَةِ وَالْحَلَاوَةِ شَيْءٌ عَجَبٌ وَأَطْفَالٌ
مِنْ غِلْمَانٍ وَجِوَارٍ فَاقْتَسَمُوا السّبْيَ وَصَارَتْ تِلْكَ الْجَارِيَةُ
الْوَضِيئَةُ لِأَبِي قَتَادَةَ . فَجَاءَ مَحْمِيَةُ بْنُ جَزْءٍ الزّبَيْدِيّ
فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أَبَا قَتَادَةَ قَدْ أَصَابَ فِي وَجْهِهِ
هَذَا جَارِيَةً وَضِيئَةً وَقَدْ كُنْت وَعَدْتنِي جَارِيَةً مِنْ أَوّلِ
فَيْءٍ يَفِيءُ اللّهُ عَلَيْك . قَالَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِي قَتَادَةَ فَقَالَ مَا جَارِيَةٌ صَارَتْ فِي
سَهْمِك ؟ قَالَ جَارِيَةٌ مِنْ السّبْيِ هِيَ أَوْضَأُ ذَلِكَ السّبْيِ
أَخَذْتهَا لِنَفْسِي بَعْدَ أَنْ أَخْرَجْنَا الْخُمُسَ مِنْ الْمَغْنَمِ .
قَالَ هَبْهَا لِي . فَقَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَأَخَذَهَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَفَعَهَا إلَى مَحْمِيَةَ بْنِ جَزْءٍ
الزّبَيْدِيّ
(1/780)
====
شَأْنُ غَزْوَةِ الْفَتْحِ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ
اللّهِ وَمُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ
بْنُ يَزِيدَ ، وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ وَعَبْدُ
الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيُونُسُ
بْنُ مُحَمّدٍ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ [ ص 781 ] وَابْنُ أَبِي حَثْمَةَ
وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ دِينَارٍ ، وَنَجِيحٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
وَحِزَامُ بْنُ هِشَامٍ وَمُعَاذُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنِي
مِنْ حَدِيثِ الْفَتْحِ بِطَائِفَةٍ وَبَعْضُهُمْ أَوَعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ
وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ قَدْ حَدّثَنِي أَيْضًا ، فَكَتَبْت كُلّ مَا سَمِعْت
مِنْهُمْ قَالُوا : كَانَتْ خُزَاعَةُ فِي الْجَاهِلِيّةِ قَدْ أَصَابُوا
رَجُلًا مِنْ بَنِي بَكْرٍ أَخَذُوا مَالَهُ . فَمَرّ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ
عَلَى بَنِي الدّيلِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَتَلُوهُ فَوَقَعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ
فَمَرّ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنُ رِزْنٍ - ذُؤَيْبٌ ، وَسَلْمَى ، وَكُلْثُومٌ
- عَلَى خُزَاعَةَ فَقَتَلُوهُمْ بِعَرَفَة عِنْدَ أَنْصَابِ الْحَرَمِ .
وَكَانَ قَوْمُ الْأَسْوَدِ يُؤَدّونَ فِي الْجَاهِلِيّةِ دِيَتَيْنِ
بِفَضْلِهِمْ فِي بَنِي بَكْرٍ ، فَتَجَاوَزُوا وَكَفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ
مِنْ أَجْلِ الْإِسْلَامِ وَهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي
أَنْفُسِهِمْ إلّا أَنّهُ قَدْ دَخَلَ الْإِسْلَامُ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا
فَأَمْسَكُوا ، فَلَمّا كَانَ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ دَخَلَتْ خُزَاعَةُ فِي
عَقْدِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَهْدِهِ وَكَانَتْ خُزَاعَةُ
حُلَفَاءَ لِعَبْدِ الْمُطّلِبِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَارِفًا ، وَلَقَدْ جَاءَتْهُ يَوْمئِذٍ خُزَاعَةُ بِكِتَابٍ عَبْدَ
الْمُطّلِبِ فَقَرَأَهُ . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَهُوَ « بِاسْمِك اللّهُمّ هَذَا حِلْفُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ
هَاشِمٍ لِخُزَاعَةَ إذْ قَدِمَ عَلَيْهِ سَرَاتُهُمْ وَأَهْلُ الرّأْيِ غَائِبُهُمْ
مُقِرّ بِمَا قَضَى عَلَيْهِ شَاهِدُهُمْ . إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ عُهُودَ
اللّهِ وَعُقُودَهُ مَا لَا يَنْسَى أَبَدًا ، وَلَا يَأْتِي بِلَدّ الْيَدُ
وَاحِدَةٌ وَالنّصْرُ وَاحِدٌ مَا أَشَرْق ثَبِيرٌ ، وَثَبَتَ حِرَاءٌ ، وَمَا
بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً لَا يَزْدَادُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إلّا [ ص 782
] تَجَدّدًا أَبَدًا أَبَدًا ، الدّهْرَ سَرْمَدًا » . فَقَرَأَهُ عَلَيْهِ
أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ مَا أَعْرِفُنِي بِحِلْفِكُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى مَا
أَسْلَمْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْحِلْفِ فَكُلّ حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيّةِ
فَلَا يَزِيدُهُ الْإِسْلَامُ إلّا شِدّةً وَلَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ .
وَجَاءَتْهُ أَسْلَمُ وَهُوَ بِغَدِيرِ الْأَشْطَاطِ جَاءَ بِهِمْ بُرَيْدَة
بْنُ الْحُصَيْبِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذِهِ أَسْلَمُ وَهَذِهِ مَحَالّهَا
، وَقَدْ هَاجَرَ إلَيْك مَنْ هَاجَرَ مِنْهَا وَبَقِيَ قَوْمٌ مِنْهُمْ فِي
مَوَاشِيهِمْ وَمَعَاشِهِمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَنْتُمْ مُهَاجِرُونَ حَيْثُ كُنْتُمْ . وَدَعَا الْعَلَاءُ بْنُ
الْحَضْرَمِيّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ كِتَابًا ، فَكَتَبَ « هَذَا
كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لِأَسْلَمَ لِمَنْ آمِنْ مِنْهُمْ
بِاَللّهِ وَشَهِدَ أَنّهُ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ
وَرَسُولُهُ فَإِنّهُ آمَنَ بِأَمَانِ اللّهِ وَلَهُ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ
رَسُولِهِ . وَإِنّ أَمَرْنَا وَأَمْرَكُمْ وَاحِدٌ عَلَى مَنْ دَهَمَنَا مِنْ
النّاسِ بِظُلْمٍ الْيَدُ وَاحِدَةٌ وَالنّصْرُ وَاحِدٌ وَلِأَهْلِ
بَادِيَتِهِمْ مِثْلُ مَا لِأَهْلِ قَرَارِهِمْ وَهُمْ مُهَاجِرُونَ حَيْثُ
كَانُوا . وَكَتَبَ الْعَلَاءُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ
اللّهِ نِعْمَ الرّجُلُ بُرَيْدَة بْنُ الْحُصَيْبِ لِقَوْمِهِ عَظِيمُ الْبَرَكَةِ
عَلَيْهِمْ مَرَرْنَا بِهِ لَيْلَةً مَرَرْنَا وَنَحْنُ مُهَاجِرُونَ إلَى
الْمَدِينَةِ ، فَأَسْلَمَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ مَنْ أَسْلَمَ . فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الرّجُلُ بُرَيْدَة لِقَوْمِهِ
وَغَيْرِ قَوْمِهِ يَا أَبَا بَكْرٍ ، إنّ خَيْرَ الْقَوْمِ مَنْ كَانَ
مُدَافِعًا عَنْ قَوْمِهِ مَا لَمْ يَأْثَمْ فَإِنّ الْإِثْمَ لَا خَيْرَ فِيهِ
.
(1/781)
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ
مِحْجَنِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ كَانَ آخِرُ مَا كَانَ بَيْنَ خُزَاعَةَ وَبَيْنَ
كِنَانَةَ أَنّ أَنَسَ بْنَ زُنَيْمٍ الدّيلِيّ هَجَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَمِعَهُ غُلَامٌ مِنْ خُزَاعَةَ فَوَقَعَ بِهِ فَشَجّهُ
فَخَرَجَ [ ص 783 ] إلَى قَوْمِهِ فَأَرَاهُمْ شَجّتَهُ فَثَارَ الشّرّ مَعَ مَا
كَانَ بَيْنَهُمْ وَمَا تَطْلُبُ بَنُو بَكْرٍ مِنْ خُزَاعَةَ مِنْ دِمَائِهَا .
فَلَمّا دَخَلَ شَعْبَانُ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ
صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ تَكَلّمَتْ بَنُو نُفَاثَةَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ أَشْرَافُ
قُرَيْشٍ - وَاعْتَزَلَتْ بَنُو مُدْلِجٍ فَلَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ - أَنْ
يُعِينُوا بِالرّجَالِ وَالسّلَاحِ عَلَى عَدُوّهِمْ مِنْ خُزَاعَةَ ;
وَذَكَرُوهُمْ الْقَتْلَى الّذِينَ أَصَابَتْ خُزَاعَةَ لَهُمْ وَضَرَبَهُمْ
بِأَرْحَامِهِمْ وَأَخْبَرُوهُمْ بِدُخُولِهِمْ مَعَهُمْ فِي عَقْدِهِمْ
وَعَهْدِهِمْ وَذَهَابِ خُزَاعَةَ إلَى مُحَمّدٍ فِي عَقْدِهِ وَعَهْدِهِ
فَوَجَدُوا الْقَوْمَ إلَى ذَلِكَ سِرَاعًا إلّا أَبَا سُفْيَانَ لَمْ يُشَاوِرْ
فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ وَيُقَالُ إنّهُمْ ذَاكِرُوهُ فَأَبَى عَلَيْهِمْ . وَجَعَلَتْ
بَنُو نُفَاثَةَ وَبَكْرٌ يَقُولُونَ إنّمَا نَحْنُ فَأَعَانُوهُمْ بِالسّلَاحِ
وَالْكُرَاعِ وَالرّجَالِ وَدَسّوا ذَلِكَ سِرّا لِئَلّا تَحْذَرُ خُزَاعَةُ ، [
فَهُمْ ] آمِنُونَ غَارّونَ بِحَالِ الْمُوَادَعَةِ وَمَا حَجَزَ الْإِسْلَامُ
بَيْنَهُمْ . ثُمّ اتّعَدَتْ قُرَيْشٌ الْوَتِيرَ مَوْضِعًا بِمَنْ مَعَهَا ،
فَوَافَوْا لِلْمِيعَادِ فِيهِمْ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ كِبَارِهِمْ
مُتَنَكّرُونَ مُنْتَقِبُونَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، وَمِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ
بْنِ الْأَخْيَفِ وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، وَأَجْلَبُوا مَعَهُمْ أَرِقّاءَهُمْ
وَرَأْسَ بَنِي بَكْرٍ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الدّؤَلِيّ فَبَيّتُوا
خُزَاعَةُ لَيْلًا وَهُمْ غَارّونَ آمِنُونَ مِنْ عَدُوّهِمْ وَلَوْ كَانُوا
يَخَافُونَ هَذَا لَكَانُوا عَلَى حَذَرٍ وَعُدّةٍ فَلَمْ يَزَالُوا
يَقْتُلُونَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا بِهِمْ إلَى أَنْصَابِ الْحَرَمِ ، فَقَالُوا
: يَا نَوْفَلُ إلَهَك ، إلَهَك قَدْ دَخَلْت الْحَرَمَ قَالَ لَا إلَهَ لِي
الْيَوْمَ يَا بَنِي بَكْرٍ قَدْ كُنْتُمْ تَسْرِقُونَ الْحَاجّ أَفَلَا
تُدْرِكُونَ ثَأْرَكُمْ مِنْ عَدُوّكُمْ ؟ لَا يُرِيدُ أَحَدُكُمْ يَأْتِي
امْرَأَتَهُ حَتّى يَسْتَأْذِنّي ، لَا يُؤَخّرُ أَحَدٌ مِنْكُمْ الْيَوْمَ
بَعْدَ يَوْمِهِ هَذَا مِنْ ثَأْرِهِ .
(1/783)
فَلَمّا انْتَهَتْ خُزَاعَةُ إلَى الْحَرَمِ ، دَخَلَتْ
دَارَ بُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ وَدَارَ رَافِعٍ الْخُزاعِيّيْنِ وَانْتَهَوْا
بِهِمْ فِي عَمَايَةَ الصّبْحَ وَدَخَلَتْ رُؤَسَاءُ قُرَيْشٍ فِي مَنَازِلِهِمْ
وَهُمْ [ ص 784 ] يَظُنّونَ أَلَا يَعْرِفُوا ، وَأَلّا يَبْلُغَ هَذَا مُحَمّدًا
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ الْأَسْلَمِيّ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ قَالَ قَتَلُوا مِنْهُمْ عِشْرِينَ رَجُلًا ،
وَحَضَرُوا خُزَاعَةَ فِي دَارِ رَافِعٍ وَبُدَيْلٍ ، وَأَصْبَحَتْ خُزَاعَة ُ مُقَتّلِينَ
عَلَى بَابِ بُدَيْلٍ - وَرَافِعٌ مَوْلًى لِخُزَاعَةَ . وَتَنَحّتْ قُرَيْشٌ وَنَدِمُوا
عَلَى مَا صَنَعُوا ، وَعَرَفُوا أَنّ هَذَا الّذِي صَنَعُوا نَقْضٌ لِلْمُدّةِ
وَالْعَهْدِ الّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ .
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ ، قَالَ
وَجَاءَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَابْنُ أَبِي رَبِيعَةَ إلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ
، وَإِلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ ،
فَلَامُوهُمْ فِيمَا صَنَعُوا مِنْ عَوْنِهِمْ بَنِي بَكْرٍ ، وَأَنّ بَيْنَكُمْ
وَبَيْنَ مُحَمّدٍ مُدّةً وَهَذَا نَقْضٌ لَهَا . وَانْصَرَفَ ذَلِكَ الْقَوْمُ
وَدَسّوا إلَى نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ وَكَانَ الّذِي وَلّى كَلَامَهُ سُهَيْلُ
بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالَ قَدْ رَأَيْت الّذِي صَنَعْنَا بِك وَأَصْحَابِك وَمَا
قَتَلْت مِنْ الْقَوْمِ ، وَأَنْتَ قَدْ حَضَرْتهمْ تُرِيدُ قَتْلَ مَنْ بَقِيَ
مِنْهُمْ وَهَذَا مَا لَا نُطَاوِعُك عَلَيْهِ فَاتْرُكْهُمْ لَنَا . قَالَ
نَعَمْ . فَتَرَكَهُمْ فَخَرَجُوا . فَقَالَ
ابْنُ قَيْسٍ الرّقَيّات يَذْكُرُ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو :
خَالَطَ أَخْوَالَهُ خُزَاعَةَ لَمّا
كَثَرَتْهُمْ بِمَكّةَ الْأَحْيَاءُ
وَقَالَ فِي ذَلِكَ ابْنُ لُعْطٍ الدّيلِيّ [ ص 785 ]
أَلَا هَلْ أَتَى قُصْوَى الْعَشِيرَةِ أَنّنَا
رَدَدْنَا بَنِي كَعْبٍ بِأَفْوَقَ نَاصِلِ
حَبَسْنَاهُمْ فِي دَارَة الْعَبْدِ رَافِعٍ
وَعِنْدَ بُدَيْلٍ مَحْبِسًا غَيْرَ طَائِلِ
حَبَسْنَاهُمْ حَتّى إذَا طَالَ يَوْمُهُمْ
نَفَخْنَا لَهُمْ مِنْ كُلّ شِعْبٍ بِوَابِلِ
ذَبَحْنَاهُمْ ذَبَحَ التّيُوسِ كَأَنّنَا
أُسُودٌ تَبَارَى فِيهِمْ بِالْقَوَاصِلِ
قَالَ وَمَشَى الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ
أَبِي رَبِيعَةَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَا : هَذَا أَمْرٌ لَا بُدّ لَهُ
مِنْ أَنْ يُصْلَحَ وَاَللّهِ لَئِنْ لَمْ يُصْلَحْ هَذَا الْأَمْرُ لَا
يَرُوعُكُمْ إلّا مُحَمّدٌ فِي أَصْحَابِهِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ قَدْ رَأَتْ
هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ رُؤْيَا كَرِهَتْهَا وَأَفْظَعَتْهَا وَخِفْت مِنْ
شَرّهَا . فَقَالَ الْقَوْمُ مَا هِيَ ؟ قَالَ رَأَتْ دَمًا أَقْبَلَ
مِنْ الْحَجُونِ يَسِيلُ حَتّى وَقَفَ بِالْخَنْدَمَةِ مَلِيّا ، ثُمّ كَانَ ذَلِكَ
الدّمُ لَمْ يَكُنْ . فَكَرِهَ الْقَوْمُ هَذَا ، وَقَالُوا : هَذَا شَرّ
.
(1/784)
فَحَدّثَنِي مُجَمّعُ بْنُ يَعْقُوبَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ
لَمَا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ مَا رَأَى مِنْ الشّرّ قَالَ هَذَا وَاَللّهِ
أَمْرٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ أَغِبْ عَنْهُ لَا حُمِلَ هَذَا إلّا عَلَيّ
وَلَا وَاَللّهِ مَا شُووِرْت وَلَا هُوِيت حَيْثُ بَلَغَنِي وَاَللّهِ لَيَغْزُونَا
مُحَمّدٌ إنْ صَدَقَنِي ظَنّي وَهُوَ صَادِقِي ، وَمَا لِي بُدّ أَنْ آتِيَ
مُحَمّدًا فَأُكَلّمَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الْهُدْنَةِ وَيُجَدّدُ الْعَهْدَ
قَبْل أَنْ يَبْلُغَهُ هَذَا الْأَمْرُ . فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ وَاَللّهِ
أَصَبْت الرّأْيَ وَنَدِمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى مَا صَنَعَتْ مِنْ عَوْنِ بَنِي
بَكْرٍ عَلَى خُزَاعَةَ ، وَعَرَفُوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لَنْ يَدْعُهُمْ حَتّى يَغْزُوَهُمْ . فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ
وَخَرَجَ مَعَهُ مَوْلًى لَهُ عَلَى رَاحِلَتَيْنِ فَأَسْرَعَ السّيْرَ وَهُوَ
يَرَى أَنّهُ أَوّلُ [ ص 786 ] مَنْ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ وَقَدْ سَمِعْنَا وَجْهًا مِنْ أَمْرِ
خُزَاعَةَ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ النّاسَ قَبْلَنَا وَلَا يَعْرِفُونَهُ وَقَدْ
رَوَاهُ ثِقَةٌ وَمُخْرِجُهُ الّذِي رُدّ إلَيْهِ ثِقَةٌ مُقْنِعٌ فَلَمْ أَرَ
أَحَدًا يُعْرَفُ لَهُ وَجْهًا إلّا أَنّ النّاسَ قَبْلَنَا يَنْفُونَهُ
وَيَقُولُونَ لَمْ يَكُنْ وَذَكَرْته لَابْنِ جَعْفَرٍ وَمُحَمّدِ بْنِ صَالِحٍ
وَلِأَبِي مَعْشَرٍ وَغَيْرِهِمْ مِمّنْ لَهُ عِلْمَ بِالسّرِيّةِ فَكُلّهُمْ
يُنْكِرُهُ وَلَا يَأْتِي لَهُ بِوَجْهٍ .
(1/786)
وَكَانَ أَوّلَ الْحَدِيثِ أَنّهُ حَدّثَنِي الثّقَةُ
عِنْدِي ، أَنّهُ سَمِعَ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ ، يُخْبِرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
أَنّهُ لَمّا قَدِمَ رَكِبَ خُزَاعَةُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ بِمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَنْ تُهْمَتُكُمْ وَظِنّتُكُمْ ؟ قَالُوا :
بَنُو بَكْرٍ . قَالَ كُلّهَا ؟ قَالُوا : لَا ، وَلَكِنْ تُهْمَتُنَا بَنُو نُفَاثَةَ
قَصْرَةً وَرَأْسُ الْقَوْمِ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ النّفَاثِيّ . قَالَ
هَذَا بَطْنٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ وَأَنَا بَاعِثٌ إلَى أَهْلِ مَكّةَ
فَسَائِلُهُمْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَمُخَيّرُهُمْ فِي خِصَالٍ . فَبَعَثَ
إلَيْهِمْ ضَمْرَةَ يُخَيّرُهُمْ بَيْنَ إحْدَى ثَلَاثِ خِلَالٍ بَيْنَ أَنْ
يَدُوا خُزَاعَةَ أَوْ يَبْرَءُوا [ مِنْ ] حَلِفِ نُفَاثَةَ أَوْ يَنْبِذُ
إلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ . فَأَتَاهُمْ ضَمْرَةُ رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَبّرَهُمْ بِاَلّذِي أَرْسَلَهُ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُخَيّرُهُمْ بَيْنَ [ أَنْ ] يَدُوا قَتْلَى
خُزَاعَةَ ، أَوْ يَبْرَءُوا [ مِنْ ] حِلْفِ نُفَاثَةَ أَوْ يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ عَلَى
سَوَاءٍ . فَقَالَ قُرَطَةُ بْنُ عَبْدِ
عَمْرٍو الْأَعْجَمِيّ : أَمّا أَنْ نَدِيَ قَتْلَى خُزَاعَةَ ; فَإِنّ
نُفَاثَةَ قَوْمٌ فِيهِمْ عُرَامٌ فَلَا نَدِيهِمْ حَتّى لَا يَبْقَى لَنَا
سَبَدٌ وَلَا لَبَدٌ وَأَمّا أَنْ نَبْرَأَ مِنْ حِلْفِ نُفَاثَةَ فَإِنّهُ
لَيْسَ قَبِيلَةً فِي الْعَرَبِ تَحُجّ [ ص 787 ] هَذَا الْبَيْتَ أَشَدّ
تَعْظِيمًا لِهَذَا الْبَيْتِ مِنْ نُفَاثَةَ وَهُمْ حَلْفَاؤُنَا فَلَا
نَبْرَأُ مِنْ حِلْفِهِمْ مَا بَقِيَ لَنَا سَبَدٌ وَلَا لَبَدٌ وَلَكِنّا
نَنْبِذُ إلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ . فَرَجَعَ ضَمْرَةُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ فَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ أَبَا
سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ تَسْأَلُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
أَنْ يُجَدّدَ الْعَهْدَ وَنَدِمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى رَدّ الرّسُولِ بِمَا رَدّوهُ
.
(1/787)
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ فَكُلّ أَصْحَابِنَا أَنْكَرُوا
هَذَا الْحَدِيثَ . وَقَالَ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِالْأَنْقَابِ وَعَمّى عَلَيْهِمْ الْأَخْبَارَ حَتّى دَخَلَهَا
فُجَاءَةً - حَتّى ذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ
لِحِزَامِ بْنِ هِشَامٍ الْكَعْبِيّ فَقَالَ لَمْ يُضَيّعْ الّذِي حَدّثَك
شَيْئًا ، وَلَكِنّ الْأَمْرُ عَلَى مَا أَقُولُ لَك - نَدِمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى
عَوْنِ نُفَاثَةَ وَقَالُوا : مُحَمّدٌ
غَازِينَا قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ
- وَهُوَ عِنْدَهُمْ يَوْمئِذٍ كَافِرٌ مُرْتَدّ - إنّ
عِنْدِي رَأْيًا ; أَنّ
مُحَمّدًا لَيْسَ يَغْزُوكُمْ حَتّى يُعْذِرُ إلَيْكُمْ وَيُخَيّرُكُمْ فِي
خِصَالٍ كُلّهَا أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ مِنْ غَزْوِهِ . قَالُوا : مَا هِيَ ؟ قَالَ يُرْسِلُ أَنْ ادُوا قَتْلَى خُزَاعَة َ
وَهُمْ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ قَتِيلًا ، أَوْ تَبْرَءُوا مِنْ حِلْفِ مَنْ نَقَضَ
الْعَهْدَ بَيْنَنَا - بَنُو نُفَاثَةَ - أَوْ نَنْبِذُ إلَيْكُمْ الْحَرْبَ
فَمَا عِنْدَكُمْ فِي هَذِهِ الْخِصَالِ ؟ قَالَ الْقَوْمُ آخِرُ مَا قَالَ
ابْنُ أَبِي السّرْحِ وَقَدْ كَانَ بِهِ عَالِمًا . فَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ
عَمْرٍو : مَا خُصْلَةٌ أَيْسَرَ عَلَيْنَا مِنْ التّبَرّؤِ مِنْ حِلْفِ بَنِي
نُفَاثَةَ . قَالَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ الْعَبْدَرِيّ حَفِظَتْ أَخْوَالُك
وَغَضِبَتْ لَهُمْ قَالَ سُهَيْلٌ : وَأَبُو
قُرَيْشٍ لَمْ تَلِدْهُ خُزَاعَةُ . قَالَ شَيْبَةُ لَا ، وَلَكِنّا نَدِي
قَتْلَى خُزَاعَةَ ، فَهُوَ أَهْوَنُ [ ص 788 ] عَلَيْنَا . فَقَالَ قُرَطَةُ بْنُ عَبْدِ عَمْرٍو : لَا وَاَللّهِ لَا يُودُونَ
وَلَا نَبْرَأُ مِنْ حِلْفِ نُفَاثَةَ ابْنُ الْغَوْثِ بِنَا وَأَعْمِدَةٌ لِشِدّتِنَا
، وَلَكِنْ نَنْبِذُ إلَيْهِ عَلَى سَوَاءٍ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ مَا هَذَا
بِشَيْءٍ وَمَا الرّأْيُ لَنَا إلّا جَحْدُ هَذَا الْأَمْرِ أَنْ تَكُونَ
قُرَيْشٌ دَخَلَتْ فِي نَقْضِ عَهْدٍ وَقَطْعِ مُدّةٍ فَإِنْ قَطَعَهُ قَوْمٌ
بِغَيْرِ هَوًى مِنّا وَلَا مَشُورَةٍ فَمَا عَلَيْنَا . قَالُوا : هَذَا
الرّأْيُ لَا رَأْيَ غَيْرُهُ الْجَحْدُ لِكُلّ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ [ قَالَ ]
: وَإِنّي لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ أَوَامِرِ فِيهِ وَأَنَا فِي ذَلِكَ صَادِقٌ
لَقَدْ كَرِهْت مَا صَنَعْتُمْ وَعَرَفْت أَنْ سَيَكُونُ لَهُ يَوْمُ عَمَاسٍ .
قَالَتْ قُرَيْشٌ لِأَبِي سُفْيَانَ وَاخْرُجْ أَنْتَ بِذَلِكَ حَتّى خَرَجَ
إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ
فَذَكَرْت حَدِيثَ حِزَامٍ لَابْنِ جَعْفَرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا
فَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَقَالُوا : هَذَا وَجْهُهُ وَكَتَبَهُ مِنّي عَبْدُ اللّهِ
بْنُ جَعْفَرٍ . حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ
عَامِرٍ الْأَسْلَمِيّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَائِشَةَ قَدْ حِرْت فِي أَمْرِ
خُزَاعَةَ . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا :
يَا رَسُولَ اللّهِ أَتَرَى قُرَيْشًا تَجْتَرِئُ عَلَى نَقْضِ الْعَهْدِ
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ وَقَدْ أَفْنَاهُمْ السّيْفُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ لِأَمْرٍ يُرِيدُهُ
اللّهُ تَعَالَى بِهِمْ . قَالَتْ عَائِشَةُ خَيْرٌ أَوْ شَرّ يَا رَسُولَ
اللّهِ ؟ قَالَ خَيْر
(1/788)
فَحَدّثَنِي حِزَامُ بْنُ هِشَامِ بْنِ خَالِدٍ الْكَعْبِيّ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ [ ص 789 ] وَخَرَجَ عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ الْخُزَاعِيّ فِي أَرْبَعِينَ
رَاكِبًا مِنْ خُزَاعَة َ يَسْتَنْصِرُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَيُخْبِرُونَهُ بِاَلّذِي أَصَابَهُمْ وَمَا ظَاهَرَتْ عَلَيْهِ
قُرَيْشٌ - فَأَعَانُوهُمْ بِالرّجَالِ وَالسّلَاحِ وَالْكُرَاعِ وَحَضَرَ
ذَلِكَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِمْ مُتَنَكّرِينَ
فَقَتَلُوا بِأَيْدِيهِمْ - وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي أَصْحَابِهِ وَرَأْسُ خُزَاعَةَ عَمْرُو بْنُ
سَالِمٍ وَقَامَ يُنْشِدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاسْتَمَعَ
مِنْهُ فَقَالَ
اللّهُمّ إنّي نَاشِدٌ مُحَمّدًا
حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيك الْأَتْلَدَا
قَدْ كُنْتُمْ وُلْدًا وَكُنّا وَالِدَا
ثُمّتْ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعْ يَدَا
إنّ قُرَيْشًا أَخْلَفُوك الْمَوْعِدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَك الْمُؤَكّدَا
فَانْصُرْ هَدَاك اللّهُ نَصْرًا أَعْتَدَا
وَادْعُ عِبَادَ اللّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ قَدْ تَجَرّدَا
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا
قُرْمٌ لَقُرْمٌ مِنْ قُرُومٍ أَصْيَدَا
هُمْ بَيّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجّدَا
نَتْلُو الْقُرْآنَ رُكّعًا وَسُجّدَا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْت أَدْعُو أَحَدَا
وَهُمْ أَذَلّ وَأَقَلّ عَدَدَا
فَلَمّا فَرَغَ الرّكْبُ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ
أَنَسَ بْنَ زُنَيْمٍ الدّيلِيّ قَدْ هَجَاك . فَهَدَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمَهُ فَبَلَغَ أَنَسَ بْنَ زُنَيْمٍ فَقَدِمَ [ ص 790
] عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُعْتَذِرًا مِمّا
بَلَغَهُ فَقَالَ
أَأَنْت الّذِي تُهْدَى معد بأمره29358"id="الشعر"
> أَأَنْت الّذِي تُهْدَى مَعَدّ بِأَمْرِهِ
بَلْ اللّهُ يَهْدِيهِمْ وَقَالَ لَك اشْهَدْ
فَمَا حَمَلْت مِنْ نَاقَةٍ فَوْقَ رَحْلِهَا
أَبَرّ وَأَوْفَى ذِمّةً مِنْ مُحَمّدٍ
أَحَثّ عَلَى خَيْرٍ وَأَوْسَعَ نَائِلًا
إذَا رَاحَ يَهْتَزّ اهْتِزَازَ الْمُهَنّدِ
وَأَكْسَى لِبُرْدِ الْخَالِ قَبْلَ اجْتِذَابِهِ
وَأَعْطَى بِرَأْسِ السّابِقِ الْمُتَجَرّدِ
تَعَلّمْ رَسُولَ اللّهِ أَنّك مُدْرِكِي
وَأَنّ وَعِيدًا مِنْك كَالْأَخَذِ بِالْيَدِ
تَعَلّمْ رَسُولَ اللّهِ أَنّك قَادِرٌ
عَلَى كُلّ سَكْنٍ مِنْ تِهَامٍ وَمُنْجِدِ
وَنُبّي رَسُولَ اللّهِ أَنّي هَجَوْته
فَلَا رَفَعَتْ سَوْطِي إلَيّ إذْن يَدِي
سِوَى أَنّنِي قَدْ قُلْت يَا وَيْحَ فِتْيَةٍ
أُصِيبُوا بِنَحِسِ يَوْمَ طَلْقٍ وَأَسْعَدِ
أَصَابَهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لِدِمَائِهِمْ
كِفَاءً فَعَزّتْ عَبْرَتِي وَتَبَلّدِي
ذُؤَيْبٌ وَكُلْثُومٌ وَسَلْمَى تَتَابَعُوا
جَمِيعًا فَإِلّا تَدْمَعْ الْعَيْنُ أَكْمَدِ
عَلَى أَنّ سَلْمَى لَيْسَ فِيهِمْ كَمِثْلِهِ
وَإِخْوَتِهِ أَوْ هَلْ مُلُوكٌ كَأَعْبُدِ
وَإِنّي لاَ عِرْضًا خَرَقْتُ وَلاَ دَمًا
هَرَقْتُ فَفَكّرْ عَالِمَ الْحَقّ وَاقْصِدِ
أَنْشَدَنِيهَا حِزَامٌ . وَبَلَغَتْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَصِيدَتُهُ وَاعْتِذَارُهُ وَكَلّمَهُ نَوْفَلُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْتَ أَوْلَى النّاسِ
بِالْعَفْوِ وَمَنْ مِنّا لَمْ يُعَادِك وَيُؤْذِك ، وَنَحْنُ فِي جَاهِلِيّةٍ
لَا نَدْرِي [ ص 791 ] مَا نَأْخُذُ وَمَا نَدْعُ حَتّى هَدَانَا اللّهُ بِك مِنْ
الْهَلَكَةِ وَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ الرّكْبُ وَكَثُرُوا عِنْدَك . فَقَالَ دَعْ
الرّكْبَ فَإِنّا لَمْ نَجِدْ بِتِهَامَةَ أَحَدًا مِنْ ذِي رَحِمٍ وَلَا
بِعِيدِ الرّحِمِ كَانَ أَبَرّ بِنَا مِنْ خُزَاعَةَ . فَأَسْكَتَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَلَمّا سَكَتَ قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ عَفَوْت عَنْهُ . قَالَ نَوْفَلٌ فِدَاك
أَبِي وَأُمّي
(1/789)
وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ عِمْرَانَ
بْنِ أَبِي أَنَسٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يَجُرّ طَرَفَ رِدَائِهِ وَهُوَ
يَقُولُ لَا نَصَرْت إنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِي كَعْبٍ مِمّا أَنْصُرُ مِنْهُ
نَفْسِي
(1/789)
وَحَدّثَنِي حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَكَأَنّكُمْ بِأَبِي سُفْيَانَ
قَدْ جَاءَ يَقُولُ « جَدّدْ الْعَهْدَ وَزِدْ فِي الْهُدْنَةَ » وَهُوَ رَاجِعٌ
بِسَخَطِهِ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَمْرِو
بْنِ سَالِمٍ وَأَصْحَابِهِ ارْجِعُوا وَتَفَرّقُوا فِي الْأَوْدِيَةِ وَقَامَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ وَهُوَ
مُغْضَبٌ فَدَعَا بِمَاءٍ فَدَخَلَ يَغْتَسِلُ . قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَسْمَعَهُ
يَقُولُ وَهُوَ يَصُبّ الْمَاءَ عَلَيْهِ لَا نَصَرَتْ إنْ لَمْ أَنْصُرْ بَنِي
كَعْبٍ وَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ مَكّةَ وَهُوَ مُتَخَوّفٌ الّذِي صَنَعَ
عَمْرُو بْنُ سَالِمٍ وَأَصْحَابُهُ أَنْ يَكُونُوا جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَكَانَ الْقَوْمُ لَمّا أَتَوْا الْأَبْوَاءَ
رَاجِعِينَ تَفَرّقُوا ، وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى السّاحِلِ تُعَارِضُ الطّرِيقَ
وَلَزِمَ بُدَيْلُ بْنُ أُمّ أَصْرَمَ فِي نَفِيرٍ مَعَهُ الطّرِيقَ فَلَقِيَهُ
أَبُو سُفْيَانَ فَأَشْفَقَ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ يَكُونَ بُدَيْلٌ جَاءَ
مُحَمّدًا ، بَلْ كَانَ الْيَقِينُ عِنْدَهُ فَقَالَ لِلْقَوْمِ أَخْبِرُونِي
عَنْ يَثْرِبَ ، مُنْذُ كَمْ [ ص 792 ] عَهْدُكُمْ بِهَا ؟ فَقَالُوا : لَا
عِلْمَ لَنَا بِهَا . فَعَرَفَ أَنّهُمْ كَتَمُوهُ فَقَالَ أَمَا مَعَكُمْ مِنْ
تَمْرِ يَثْرِبَ شَيْءٌ تُطْعِمُونَاهُ ؟ فَإِنّ لِتَمْرِ يَثْرِبَ فَضْلًا
عَلَى تَمْرِ تِهَامَةَ . قَالُوا : لَا
. قَالَ ثُمّ أَبَتْ نَفْسُهُ أَنْ تُقِرّهُ حَتّى قَالَ يَا بُدَيْلُ هَلْ
جِئْت مُحَمّدًا ؟ قَالَ لَا مَا فَعَلْت ، وَلَكِنّي سِرْت فِي بِلَادِ كَعْبٍ
وَخُزَاعَة َ مِنْ هَذَا السّاحِلِ فِي قَتِيلٍ كَانَ بَيْنَهُمْ فَأَصْلَحْت
بَيْنَهُمْ . قَالَ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ إنّك وَاَللّهِ - مَا عَلِمْت -
بَرّ وَاصِلٌ . ثُمّ قَايَلَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى رَاحَ بُدَيْلٌ
وَأَصْحَابُهُ ثُمّ جَاءَ مَنْزِلَهُمْ فَفَتّ أَبْعَارَ أَبَاعِرِهِمْ فَوَجَدَ
فِيهَا نَوًى ، وَوَجَدَ فِي مَنْزِلِهِمْ نَوًى مِنْ تَمْرِ عَجْوَةٍ كَأَنّهَا
أَلْسِنَةُ الطّيْرِ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَ
الْقَوْمُ مُحَمّدًا وَكَانَ الْقَوْمُ لَمّا كَانَتْ الْوَقْعَةُ خَرَجُوا مِنْ
صُبْحِ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَسَارُوا إلَى حَيْثُ لَقِيَهُمْ أَبُو سُفْيَانَ ثَلَاثًا
.
(1/792)
|
1.سورة الاخلاص
110. ب مم.
· تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث❷ /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/❷عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث
Translate ***
15.موقع جادو
باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج طبيعة 1. / /طلبعة 3.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق