1.سورة الاخلاص

............................................................................................................... *

  القرآن الكريم مكتوبا كاملا

110. ب مم.

·  تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث

Translate ***

15.موقع جادو

باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود  /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج  طبيعة 1. / /طلبعة 3.

الثلاثاء، 1 مايو 2018

16 المغازي للواقدي ورد


قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ كَانَ أَبُو رَافِعٍ [ ص 829 ] قَدْ ضَرَبَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُبّةً بِالْحَجُونِ مِنْ أَدَمٍ فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَهَى إلَى الْقُبّةِ وَمَعَهُ أُمّ سَلَمَة َمَيْمُونَةُ .
قَالَ حَدّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ قِيلَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا تَنْزِلُ مَنْزِلَك مِنْ الشّعْبِ ؟ قَالَ فَهَلْ تَرَكَ لَنَا عُقَيْلٌ مَنْزِلًا ؟ َكَانَ عُقَيْلٌ قَدْ بَاعَ مَنْزِلَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْزِلَ إخْوَتِهِ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ بِمَكّةَ . فَقِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَانْزِلْ فِي بَعْضِ بُيُوتِ مَكّةَ فِي غَيْرِ مَنَازِلِك فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَا أَدْخُلُ الْبُيُوتَ . فَلَمْ يَزَلْ مُضْطَرِبًا بِالْحَجُونِ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتًا ، وَكَانَ يَأْتِي إلَى الْمَسْجِدِ مِنْ الْحَجُونِ .
قَالَ وَحَدّثَنَا ابْنُ خَدِيجٍ عَنْ عَطَاءٍ ، قَالَ لَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَدْخُلْ بُيُوتَ مَكّةَ ، فَاضْطَرَبَ بِالْأَبْطَحِ فِي عُمْرَةِ الْقَضِيّةِ ، وَعَامَ الْفَتْحِ وَفِي حَجّتِهِ .
قَالَ وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُضْطَرِبًا بِالْحَجُونِ فِي الْفَتْحِ وَيَأْتِي لِكُلّ صَلَاةٍ [ ص 830 ]
قَالُوا : وَكَانَتْ أُمّ هَانِئٍ بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ تَحْتَ هُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّ ، فَلَمّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ دَخَلَ عَلَيْهَا حَمَوَانِ لَهَا - عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ - فَاسْتَجَارَا بِهَا وَقَالَا : نَحْنُ فِي جِوَارِك فَقَالَتْ نَعَمْ أَنْتُمَا فِي جِوَارِي . قَالَتْ أُمّ هَانِئٍ فَهُمَا عِنْدِي إذْ دَخَلَ عَلِيّ فَارِسًا ، مُدَجّجًا فِي الْحَدِيدِ وَلَا أَعْرِفُهُ فَقُلْت لَهُ أَنَا بِنْتُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ فَكَفّ عَنّي وَأَسْفَرَ عَنْ وَجْهِهِ فَإِذَا عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَقُلْت : أَخِي فَاعْتَنَقْته وَسَلّمْت عَلَيْهِ وَنَظَرَ إلَيْهِمَا فَشَهَرَ السّيْفَ عَلَيْهِمَا . قُلْت : أَخِي مِنْ بَيْنِ النّاسِ يَصْنَعُ بِي هَذَا قَالَتْ وَأَلْقَيْت عَلَيْهِمَا ثَوْبًا ، وَقَالَ تُجِيرِينَ الْمُشْرِكِينَ ؟ وَحُلْت دُونَهُمَا فَقُلْت : وَاَللّهِ لَتَبْدَأَن بِي قَبْلَهُمَا قَالَتْ فَخَرَجَ وَلَمْ يَكَدْ فَأَغْلَقْت عَلَيْهِمَا بَيْتًا ، وَقُلْت : لَا تَخَافَا قَالَ فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ الْمَقْبُرِيّ ، عَنْ أَبِي مُرّةَ مَوْلَى عَقِيلٍ عَنْ أُمّ هَانِئٍ قَالَتْ فَذَهَبْت إلَى خِبَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْبَطْحَاءِ فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْت فِيهِ فَاطِمَةَ فَقُلْت : مَاذَا لَقِيت مِنْ ابْنِ أُمّي عَلِيّ ؟ أَجَرْت حَمَوَيْنِ لِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَتَفَلّتَ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا قَالَتْ فَكَانَتْ أَشَدّ عَلَيّ مِنْ زَوْجِهَا وَقَالَتْ تُجِيرِينَ الْمُشْرِكِينَ ؟ قَالَتْ إلَى أَنْ طَلَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَيْهِ رَهْجَةُ الْغُبَارِ فَقَالَ مَرْحَبًا بِفَاخِتَةَ أُمّ هَانِئٍ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَقُلْت : مَاذَا لَقِيت مِنْ ابْنِ أُمّي عَلِيّ ؟ مَا كِدْت أَنْفَلِتُ مِنْهُ أَجَرْت حَمْوَيْنِ لِي مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَتَفَلّتَ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا كَانَ ذَاكَ قَدْ أَمّنّا مَنْ أَمّنْت ، وَأَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت ثُمّ أَمَرَ فَاطِمَةَ فَسَكَبَتْ لَهُ غُسْلًا فَاغْتَسَلَ ثُمّ صَلّى ثَمَانَ رَكَعَاتٍ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَذَلِكَ ضُحًى فِي فَتْحِ مَكّةَ .
قَالُوا : قَالَتْ فَرَجَعْت إلَيْهِمَا فَأَخْبَرْتهمَا وَقُلْت لَهُمَا : إنْ شِئْتُمَا فَأَقِيمَا وَإِنْ شِئْتُمَا فَارْجِعَا إلَى مَنَازِلِكُمَا . قَالَتْ فَأَقَامَا عِنْدِي يَوْمَيْنِ فِي مَنْزِلِي ، ثُمّ انْصَرَفَا إلَى مَنَازِلِهِمَا . قَالَتْ فَكُنْت أَكُونُ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي خِبَائِهِ بِالْأَبْطَحِ حَتّى خَرَجَ إلَى حُنَيْنٍ . قَالَتْ فَأَتَى آتٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ [ ص 831 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ جَالِسَانِ فِي نَادِيهِمَا مُتَفَضّلَانِ فِي الْمُلَاءِ الْمُزَعْفَرِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا سَبِيلَ إلَيْهِمَا ، قَدْ أَمّنّاهُمَا قَالَ وَمَكَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَنْزِلِهِ سَاعَةً مِنْ النّهَارِ وَاطْمَأَنّ وَاغْتَسَلَ ثُمّ دَعَا بِرَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَأُدْنِيَتْ إلَى بَابِ قُبّتِهِ وَدَعَا لِلُبْسِ السّلَاحِ وَالْمِغْفَرُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَدْ صَفّ لَهُ النّاسُ فَرَكِبَ بِرَاحِلَتِهِ وَالْخَيْلُ تَمْعَجُ بَيْنَ الْخَنْدَمَةِ إلَى الْحَجُونِ : وَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو بَكْرٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى جَنْبِهِ يَسِيرُ يُحَادِثُهُ فَمَرّ بِبَنَاتِ أَبِي أُحَيْحَةَ بِالْبَطْحَاءِ حِذَاءَ مَنْزِلِ أَبِي أُحَيْحَةَ وَقَدْ نَشَرْنَ رُءُوسَهُنّ يَلْطِمْنَ وُجُوهَ الْخَيْلِ بِالْخُمُرِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَتَبَسّمَ وَذَكَرَ بَيْتَ حَسّانَ بْنِ ثَابِتٍ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
تَظِلّ جِيَادُنَا مُتَمَطّرَاتٍ
يُلَطّمُهُنّ بِالْخُمُرِ النّسَاءُ
وَلَمّا انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْكَعْبَةِ فَرَآهَا ، وَمَعَهُ الْمُسْلِمُونَ تَقَدّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَاسْتَلَمَ الرّكْنَ بِمِحْجَنِهِ وَكَبّرَ فَكَبّرَ الْمُسْلِمُونَ لِتَكْبِيرِهِ فَرَجَعُوا التّكْبِيرَ حَتّى ارْتَجّتْ مَكّةُ تَكْبِيرًا حَتّى جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُشِيرُ إلَيْهِمْ اُسْكُتُوا وَالْمُشْرِكُونَ فَوْقَ الْجِبَالِ يَنْظُرُونَ [ ص 832 ] ثُمّ طَافَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْبَيْتِ عَلَى رَاحِلَتِهِ آخِذٌ بِزِمَامِهَا مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُمِائَةِ صَنَمٍ وَسِتّونَ صَنَمًا مُرَصّصَةٌ بِالرّصَاصِ وَكَانَ هُبَلُ أَعْظَمُهَا ، وَهُوَ وِجَاهَ الْكَعْبَةِ عَلَى بَابِهَا ، وَإِسَافُ وَنَائِلَةُ حَيْثُ يَنْحَرُونَ وَيَذْبَحُونَ الذّبَائِحَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّمَا مَرّ بِصَنَمِ مِنْهَا يُشِيرُ بِقَضِيبِ فِي يَدِهِ [ وَيَقُولُ ] : جَاءَ الْحَقّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا فَيَقَعُ الصّنَمُ لِوَجْهِهِ
(1/829)
قَالَ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ مَا يَزِيدُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُشِيرَ بِالْقَضِيبِ إلَى الصّنَمِ فَيَقَعُ لِوَجْهِهِ فَطَافَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . سَبْعًا عَلَى رَاحِلَتِهِ يَسْتَلِمُ الرّكْنَ الْأَسْوَدَ بِمِحْجَنِهِ فِي كُلّ طَوَافٍ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ سَبْعِهِ نَزَلَ عَنْ رَاحِلَتِهِ وَجَاءَ مَعْمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ فَأَخْرَجَ رَاحِلَتَهُ ثُمّ انْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَقَامِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ لَاصِقٌ بِالْكَعْبَةِ وَالدّرْعُ عَلَيْهِ وَالْمِغْفَرُ وَعِمَامَتُهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ انْصَرَفَ إلَى زَمْزَمَ فَاطّلَعَ فِيهَا ، وَقَالَ لَوْلَا أَنْ يَغْلِبَ بَنُو عَبْدِ الْمُطّلِبِ لَنَزَعْت مِنْهَا دَلْوًا . فَنَزَعَ لَهُ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ . وَيُقَالُ الّذِي نَزَعَ الدّلْوَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . وَأَمَرَ بِهُبَلَ فَكُسِرَ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ . فَقَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ : يَا أَبَا سُفْيَانَ قَدْ كُسِرَ هُبَلُ أَمَا إنّك قَدْ كُنْت مِنْهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي غُرُورٍ حِينَ تَزْعُمُ أَنّهُ قَدْ أَنْعَمَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ دَعْ هَذَا عَنْك يَا ابْنَ الْعَوّامِ فَقَدْ أَرَى لَوْ كَانَ مَعَ إلَهِ مُحَمّدٍ غَيْرُهُ لَكَانَ غَيْرَ مَا كَانَ
قَالُوا : ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَلَسَ نَاحِيَةً مِنْ [ ص 833 ] الْمَسْجِدِ وَالنّاسُ حَوْلَهُ ثُمّ أَرْسَل بِلَالًا إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ يَأْتِيه بِمِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ ، فَجَاءَ بِلَالٌ إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَأْمُرُك أَنْ تَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ . قَالَ عُثْمَانُ نَعَمْ . فَخَرَجَ عُثْمَانُ إلَى أُمّهِ وَهِيَ بِنْتُ شَيْبَةَ وَرَجَعَ بِلَالٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنّهُ قَالَ نَعَمْ ثُمّ جَلَسَ بِلَالٌ مَعَ النّاسِ . فَقَالَ عُثْمَانُ لِأُمّهِ وَالْمِفْتَاحُ يَوْمَئِذٍ عِنْدَهَا : يَا أُمّهُ أَعْطِنِي الْمِفْتَاحَ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَرْسَلَ إلَيّ وَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ بِهِ إلَيْهِ . فَقَالَتْ أُمّهُ أُعِيذُك بِاَللّهِ أَنْ تَكُونَ الّذِي تَذْهَبُ مَأْثُرَةُ قَوْمِهِ عَلَى يَدَيْهِ . قَالَ فَوَاَللّهِ لَتَدْفَعَنهُ إلَيّ أَوْ لَيَأْتِيَنك غَيْرِي فَيَأْخُذُهُ مِنْك . فَأَدْخَلَتْهُ فِي حُجْزَتِهَا وَقَالَتْ أَيّ رَجُلٍ يُدْخِلُ يَدَهُ هَاهُنَا ؟ فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ يُكَلّمُهَا إذْ سَمِعَتْ صَوْتَ أَبِي بَكْر ٍ وَعُمَرَ فِي الدّارِ وَعُمَرُ رَافِعٌ صَوْتَهُ حِينَ رَأَى إبْطَاءَ عُثْمَانَ يَا عُثْمَانُ اُخْرُجْ إلَيّ فَقَالَتْ أُمّهُ يَا بُنَيّ خُذْ الْمِفْتَاحَ فَأَنْ تَأْخُذَهُ أَنْتَ أَحَبّ [ إلَيّ ] مِنْ [ أَنْ ] يَأْخُذَهُ تَيْمٌ وَعَدِيّ . قَالَ فَأَخَذَهُ عُثْمَانُ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَاوَلَهُ إيّاهُ فَلَمّا نَاوَلَهُ بَسَطَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَدَهُ فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ وَالسّقَايَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُعْطِيكُمْ مَا تَرْزَءُونَ فِيهِ وَلَا أُعْطِيكُمْ مَا تَرْزَءُونَ مِنْهُ . وَقَدْ سَمِعْت أَيْضًا فِي قَبْضِ الْمِفْتَاحِ بِوَجْهِ آخَرَ .
بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الدّارِ وَعُمَرُ رَافِعٌ صَوْتَهُ حِينَ رَأَى إبْطَاءَ عُثْمَانَ يَا عُثْمَانُ اُخْرُجْ إلَيّ فَقَالَتْ أُمّهُ يَا بُنَيّ خُذْ الْمِفْتَاحَ فَأَنْ تَأْخُذَهُ أَنْتَ أَحَبّ [ إلَيّ ] مِنْ [ أَنْ ] يَأْخُذَهُ تَيْمٌ وَعَدِيّ . قَالَ فَأَخَذَهُ عُثْمَانُ فَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَاوَلَهُ إيّاهُ فَلَمّا نَاوَلَهُ بَسَطَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَدَهُ فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ بِأَبِي أَنْتَ اجْمَعْ لَنَا الْحِجَابَةَ وَالسّقَايَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُعْطِيكُمْ مَا تَرْزَءُونَ فِيهِ وَلَا أُعْطِيكُمْ مَا تَرْزَءُونَ مِنْهُ . وَقَدْ سَمِعْت أَيْضًا فِي قَبْضِ الْمِفْتَاحِ بِوَجْهِ آخَرَ .
قَالَ حَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، [ ص 834 ] قَالَ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَلَى بَعِيرٍ لِأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، وَأُسَامَةُ رَدِيفُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ بِلَالٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ، فَلَمّا بَلَغَ رَأْسَ الثّنِيّةِ أَرْسَلَ عُثْمَانَ فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ فَاسْتَقْبَلَهُ بِهِ . قَالُوا : وَكَانَ عُثْمَانُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مُسْلِمًا قَبْلَ الْفَتْحِ فَخَرَجَ مَعَنَا مِنْ الْمَدِينَةِ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ وَهَذَا أَثْبَتُ الْوُجُوهِ .
وَقَالُوا : إنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَطْحَاءِ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَقَدّمَ فَيَفْتَحَ الْبَيْتَ فَلَا يَدَعُ فِيهِ صُورَةً إلّا مَحَاهَا ، وَلَا تِمْثَالًا ، إلّا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ . فَلَمّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ رَأَى صُورَةَ إبْرَاهِيمَ شَيْخًا كَبِيرًا يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ . وَيُقَالُ . أَمَرَهُ أَلّا يَدَعَ صُورَةً إلّا مَحَاهَا ، فَتَرَك عُمَرُ صُورَةَ إبْرَاهِيمَ فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأَى صُورَةَ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السّلَامُ ، فَقَالَ يَا عُمَرُ أَلَمْ آمُرْك أَلّا تَدَعَ فِيهَا صُورَةً إلّا مَحَوْتهَا ؟ فَقَالَ عُمَرُ كَانَتْ صُورَةُ إبْرَاهِيمَ . قَالَ فَامْحُهَا
فَكَانَ الزّهْرِيّ يَقُولُ لَمّا دَخَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَأَى فِيهَا صُورَةَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهَا ، وَرَأَى صُورَةَ إبْرَاهِيمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ قَاتَلَهُمْ اللّهُ جَعَلُوهُ شَيْخًا يَسْتَقْسِمُ بِالْأَزْلَامِ ثُمّ رَأَى صُورَةَ مَرْيَمَ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا ثُمّ قَالَ امْسَحُوا مَا فِيهَا مِنْ الصّوَرِ إلّا صُورَةَ إبْرَاهِيمَ .
قَالَ وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ مِهْرَانَ ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ دَخَلْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْكَعْبَةَ فَرَأَى فِيهَا صُوَرًا ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ فِي الدّلْوِ بِمَاءِ فَيَبُلّ الثّوْبَ وَيَضْرِبَ بِهِ الصّوَرَ وَيَقُولُ قَاتَلَ اللّهُ قَوْمًا يُصَوّرُونَ مَا لَا يَخْلُقُونَ [ ص 835 ] قَالُوا : وَأَمَرَ رَسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْكَعْبَةِ فَغُلّقَتْ عَلَيْهِ . وَمَعَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ . وَبِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ ، وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ . فَمَكَثَ فِيهَا مَا شَاءَ اللّهُ وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتّةِ أَعْمِدَةٍ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَسَأَلْت بِلَالًا كَيْفَ صَنَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ دَخَلَ الْبَيْتَ ؟ قَالَ جَعَلَ عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَثَلَاثَةً وَرَاءَهُ . ثُمّ صَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمِفْتَاحُ فِي يَدِهِ وَوَقَفَ عَلَى الْبَابِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَذُبّ النّاسَ عَنْ الْبَابِ حَتّى خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
(1/833)
قَالَ فَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ . عَنْ مَنْصُورٍ الْحَجَبِيّ عَنْ أُمّهِ صَفِيّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ . عَنْ بَرّةَ بِنْتِ أَبِي تِجْرَاةَ قَالَتْ أَنَا أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عليه وسلم حِينَ خَرَجَ مِنْ الْبَيْتِ فَوَقَفَ عَلَى الْبَابِ وَأَخَذَ بِعِضَادَتَيْ الْبَابِ فَأَشْرَفَ عَلَى النّاسِ وَبِيَدِهِ الْمِفْتَاحُ ثُمّ جَعَلَهُ فِي كُمّهِ .
قَالُوا : فَلَمّا أَشْرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّاسِ وَقَدْ لِيطَ بِهِمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَهُمْ جُلُوسٌ . قَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ مَاذَا تَقُولُونَ وَمَاذَا تَظُنّونَ ؟ قَالُوا : نَقُولُ خَيْرًا وَنَظُنّ خَيْرًا ، أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ وَقَدْ قَدَرْت فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنّي أَقُولُ كَمَا قَالَ أَخِي يُوسُفُ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ أَلَا إنّ كُلّ رِبًا فِي الْجَاهِلِيّةِ أَوْ دَمٍ [ ص 836 ] أَوْ مَالٍ أَوْ مَأْثُرَةٍ فَهُوَ تَحْتَ قَدَمِي هَاتَيْنِ إلّا سِدَانَةَ الْبَيْتِ وَسِقَايَةَ الْحَاجّ أَلَا وَفِي قَتِيلِ الْعَصَا وَالسّوْطِ الْخَطَأِ شِبْهُ الْعَمْدِ الدّيَةُ مُغَلّظَةٌ مِائَةُ نَاقَةٍ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا . إنّ اللّهَ قَدْ أَذْهَبَ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيّةِ وَتَكَبّرَهَا بِآبَائِهَا ، كُلّكُمْ مِنْ آدَمَ وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ وَأَكْرَمُكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقَاكُمْ . أَلَا إنّ اللّهَ حَرّمَ مَكّةَ يَوْمَ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فَهِيَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللّهِ لَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلِي ، وَلَا تَحِلّ لِأَحَدٍ كَائِنٍ بَعْدِي ، وَلَمْ تَحِلّ لِي إلّا سَاعَةً مِنْ النّهَارِ - يُقَصّرُهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِيَدِهِ هَكَذَا - لَا يُنَفّرُ صَيْدُهَا وَلَا يُعْضَدُ عِضَاهُهَا ، وَلَا تَحِلّ لُقَطَتُهَا إلّا لِمُنْشِدٍ وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا . فَقَالَ الْعَبّاسُ وَكَانَ شَيْخًا مُجَرّبًا : إلّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّهُ لَا بُدّ مِنْهُ إنّهُ لِلْقَبْرِ وَطَهُورُ الْبُيُوتِ . قَالَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَاعَةً ثُمّ قَالَ إلّا الْإِذْخِرَ فَإِنّهُ حَلَالٌ . وَلَا وَصِيّةَ لِوَارِثٍ وَإِنّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ ، وَلَا يَحِلّ لِامْرَأَةٍ تُعْطِي مِنْ مَالِهَا إلّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا ، وَالْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمُونَ إخْوَةٌ وَالْمُسْلِمُونَ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ وَيَعْقِدُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ وَمُشِدّهُمْ عَلَى مُضْعِفِهِمْ وَمَيْسَرَتُهُمْ عَلَى قَاعِدِهِمْ وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ . وَلَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلّتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ وَلَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ وَلَا تُؤْخَذُ صَدَقَاتُ [ ص 837 ] الْمُسْلِمِينَ إلّا فِي بُيُوتِهِمْ وَبِأَفْنِيَتِهِمْ وَلَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمّتِهَا وَخَالَتِهَا ، وَالْبَيّنَةُ عَلَى مَنْ ادّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ وَلَا تُسَافِرُ امْرَأَةٌ مَسِيرَةَ ثَلَاثٍ إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الصّبْحِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْفِطْرِ وَعَنْ لُبْسَتَيْنِ لَا يَحْتَبِ أَحَدُكُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِعَوْرَتِهِ إلَى السّمَاءِ وَلَا يَشْتَمِلُ الصّمّاءَ وَلَا إخَالُكُمْ إلّا وَقَدْ عَرَفْتُمُوهَا
قَالَ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَعَهُ الْمِفْتَاحُ فَتَنَحّى نَاحِيَةَ الْمَسْجِدِ فَجَلَسَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَبَضَ السّقَايَةَ مِنْ الْعَبّاسِ وَقَبَضَ الْمِفْتَاحَ مِنْ عُثْمَانَ فَلَمّا جَلَسَ قَالَ اُدْعُوا إلَيّ عُثْمَانَ فَدُعِيَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعُثْمَانَ يَوْمًا ، وَهُوَ يَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَمَعَ عُثْمَانَ الْمِفْتَاحُ فَقَالَ لَعَلّك سَتَرَى هَذَا الْمِفْتَاحَ بِيَدِي أَضَعُهُ حَيْثُ شِئْت فَقَالَ عُثْمَانُ لَقَدْ هَلَكَتْ إذًا قُرَيْشٌ وَذَلّتْ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلْ عَمُرَتْ [ ص 838 ] وَعَزّتْ يَوْمَئِذٍ . فَلَمّا دَعَانِي بَعْدَ أَخْذِهِ الْمِفْتَاحَ ذَكَرْت قَوْلَةَ مَا كَانَ قَالَ . فَأَقْبَلْت فَاسْتَقْبَلْته بِبِشْرٍ وَاسْتَقْبَلَنِي بِبِشْرٍ . ثُمّ قَالَ خُذُوهَا يَا بَنِي أَبِي طَلْحَةَ تَالِدَةً خَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا إلّا ظَالِمٌ يَا عُثْمَانُ إنّ اللّهَ اسْتَأْمَنَكُمْ عَلَى بَيْتِهِ . فَكُلُوا بِالْمَعْرُوفِ . قَالَ عُثْمَانُ فَلَمّا وُلِيَتْ نَادَانِي فَرَجَعَتْ إلَيْهِ . فَقَالَ أَلَمْ يَكُنْ الّذِي قُلْت لَك ؟ قَالَ فَذَكَرْت قَوْلَهُ لِي بِمَكّةَ فَقُلْت : بَلَى ، أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ فَأَعْطَاهُ الْمِفْتَاحَ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُضْطَجِعٌ بِثَوْبِهِ وَقَالَ أَعِينُوهُ وَقَالَ قُمْ عَلَى الْبَابِ وَكُلْ بِالْمَعْرُوفِ . وَدَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّقَايَةَ إلَى الْعَبّاسِ فَكَانَ الْعَبّاسُ يَلِيهَا دُونَ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَوَلَدُهُ بَعْدَهُمْ . فَكَانَ مُحَمّدُ بْنُ الْحَنَفِيّةِ كَلّمَ فِيهَا ابْنَ عَبّاسٍ ، فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : مَا لَك وَلَهَا ؟ نَحْنُ أَوْلَى بِهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَقَدْ كَانَ أَبُوك كَلّمَ فِيهَا فَأَقَمْت الْبَيّنَةَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ وَعَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَأَزْهَرَ بْنَ عَوْفٍ وَمَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ أَنّ الْعَبّاسَ كَانَ يَلِيهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَأَبُوك فِي نَادِيَتِهِ بِعُرَنَةَ فِي إبِلِهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَعْطَاهَا الْعَبّاسَ يَوْمَ الْفَتْحِ . فَعَرَفَ ذَلِكَ مَنْ حَضَرَ فَكَانَتْ بِيَدِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ بَعْدَ أَبِيهِ لَا يُنَازِعُهُمْ فِيهَا مُنَازِعٌ وَلَا يَتَكَلّمُ فِيهَا مُتَكَلّمٌ . وَكَانَ لِلْعَبّاسِ مَالٌ بِالطّائِفِ ، كَرْمٌ كَانَ يَحْمِلُ زَبِيبَهُ إلَيْهَا فَيُنْبَذُ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَالْإِسْلَامِ ثُمّ كَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّاسٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ ثُمّ كَانَ عَلِيّ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ إلَى الْيَوْمِ .
قَالَ وَجَاءَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ [ ص 839 ] لِمَ قَاتَلْت وَقَدْ نَهَيْت عَنْ الْقِتَالِ ؟ فَقَالَ هُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ بَدَءُونَا بِالْقِتَالِ وَرَشَقُونَا بِالنّبْلِ وَوَضَعُوا فِينَا السّلَاحَ وَقَدْ كَفَفْت مَا اسْتَطَعْت ، وَدَعَوْتهمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَأَنْ يَدْخُلُوا فِيمَا دَخَلَ فِيهِ النّاسُ فَأَبَوْا ، حَتّى إذَا لَمْ أَجِدْ بُدّا قَاتَلْتهمْ فَظَفّرَنَا اللّهُ عَلَيْهِمْ وَهَرَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ يَا رَسُولَ اللّهِ . ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَضَى اللّهُ خَيْرًا ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ كُفّوا السّلَاحَ إلّا خُزَاعَةَ عَنْ بَنِي بَكْرٍ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ . فَخَبّطُوهُمْ سَاعَةً وَهِيَ السّاعَةُ الّتِي أُحِلّتْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمْ تَحِلّ لِأَحَدٍ قَبْلَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَهَى أَنْ يُقْتَلَ مِنْ خُزَاعَةَ أَحَدٌ . قَالَ أَبُو الْيَسَر : فَدَخَلْنَا مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مِنْ اللّيطِ . فَكَانُوا هُمْ الّذِينَ بَدَءُونَا بِالْقِتَالِ وَأَبَوْا أَنْ يَدْعُونَا نَدْخُلَ وَكَلّمَهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَأَعْذَرَ إلَيْهِمْ فَأَبَوْا . قَالَ خَالِدٌ احْمِلُوا عَلَيْهِمْ فَحَمَلْنَا فَمَا قَامُوا لَنَا فُوَاقَ نَاقَةٍ حَتّى هَرَبُوا ، وَنَهَانَا عَنْ الطّلَبِ . قَالَ أَبُو الْيَسَرِ فَجَعَلْت أَحْذِمُ بِسَيْفِي ، وَهَوَيْت إلَى رَجُلٍ فَضَرَبْته فَاعْتَزَلَ إلَى خُزَاعَةَ ، فَسَقَطَ فِي يَدِي فَجَعَلْت أَسْأَلُ عَنْهُ فَقِيلَ لِي : إنّهُ مِنْ الْحَيَا - أَخُو خُزَاعَةَ . فَحَمِدْت اللّهَ أَلّا أَقْتُلَ أَحَدًا مِنْ خُزَاعَةَ .
قَالُوا : وَأَقَامَ أَبُو أَحَمْدَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ عَلَى [ ص 840 ] جَمَلٍ لَهُ حِينَ فَرَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خُطْبَتِهِ وَهُوَ يَصِيحُ أَنْشُدُ بِاَللّهِ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ حِلْفِي ، وَأَنْشُدُ بِاَللّهِ يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ دَارِي قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ ، فَسَارَ عُثْمَانُ بِشَيْءِ فَذَهَبَ عُثْمَانُ إلَى أَبِي أَحْمَدَ فَسَارَهُ فَنَزَلَ أَبُو أَحْمَدَ عَنْ بَعِيرِهِ وَجَلَسَ مَعَ الْقَوْمِ فَمَا سَمِعَ أَبُو أَحْمَدَ ذَاكَرَهَا حَتّى لَقِيَ اللّهُ فَقِيلَ لِعُثْمَانِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَاذَا قَالَ لَك رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَنْ تَقُولَهُ لِأَبِي أَحْمَدَ ؟ فَقَالَ لَمْ أَذْكُرْهُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَأَذْكُرُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ ؟ وَكَانَ أَبُو أَحْمَدَ قَدْ حَالَفَ إلَى حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ ، وَكَانَ الْمُطّلِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَدْ دَعَاهُ إلَى أَنْ يُحَالِفَهُ وَقَالَ دَمِي دُونَ دَمِك وَمَالِي دُونَ مَالِك وَحَالَفَ حَرْبَ بْنِ أُمَيّةَ فَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ
أَبَنِي أُمَيّةَ كَيْفَ أَخْذُلُ فِيكُمْ
وَأَنَا ابْنُكُمْ وَحَلِيفُكُمْ فِي الْعَشْرِ
وَلَقَدْ دَعَانِي غَيْرُكُمْ فَأَبَيْته
وَخَبّأْتُكُمْ لِنَوَائِبِ الدّهْرِ
وَكَانُوا يَتَحَالَفُونَ فِي الْعَشْرِ مِنْ ذِي الْحَجّةِ قِيَامًا ، يَتَمَاسَحُونَ كَمَا يَتَمَاسَحُ الْبَيّعَانِ وَكَانُوا يَتَوَاعَدُونَ قَبْلَ الْعَشْرِ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ قَدْ بَاعَ دَارَهُ مِنْ ابْنِ عَلْقَمَةَ الْعَامِرِيّ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِينَارٍ ، فَجَعَلَ لَهُ مِائَةَ دِينَارٍ ، وَنَجّمَ عَلَيْهِ مَا فَضَلَ .
(1/836)
[ ص 841 ] قَالَ فَحَدّثَنِي أَهْلُ أَبِي أَحْمَدَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ قَالَ لَك بِهَا دَارٌ فِي الْجَنّةِ . وَقَالَ أَبُو أَحْمَدَ فِي بَيْعِ دَارِهِ لِأَبِي سُفْيَانَ أَنْشَدَنِيهَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْجَحْشِيّ :
أَقَطَعْت عَقْدَك بَيْنَنَا
وَالْحَادِثَاتُ إلَى نَدَامَهْ
أَلَا ذَكَرْت لَيَالِيَ الْ
عَشْرِ الّتِي فِيهَا الْقِيَامَهْ
عَقْدِي وَعَقْدُك قَائِمٌ
لَا عَوْقَ فِيهِ وَلَا أَثَامَهْ
دَارُ ابْنِ عَمّك بِعْتهَا
تَشْرِي بِك عَنْك الْغَرَامَهْ
اذْهَبْ بِهَا اذْهَبْ بِهَا
طُوّقْتَهَا طَوْقَ الْحَمَامَهْ
وَلَقَدْ جَرَيْت إلَى الْعُقُو
قِ وَأَسْوَأُ الْخُلُقِ الرّغَامَهْ
قَدْ كُنْت آوِي فِي ذُرَى
فِيهِ الْمَقَامَةُ وَالسّلَامَهْ
مَا كَانَ عَقْدُك مِثْلَ عَقْدِ
ابْنِ عَمْرِو لِابْنِ مَامَهْ
قَالُوا : وَكَانَ إسَافُ وَنَائِلَةُ رَجُلًا وَامْرَأَةً الرّجُلُ إسَافُ بْنُ عَمْرٍو وَالْمَرْأَةُ نَائِلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ مِنْ جُرْهُمٍ ، فَزَنَيَا فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ فَمُسِخَا حَجَرَيْنِ فَاِتّخَذَتْهُمَا قُرَيْش ٌ يَعْبُدُونَهُمَا ، وَكَانُوا يَذْبَحُونَ عِنْدَهُمَا وَيَحْلِقُونَ رُءُوسَهُمْ إذَا نَسَكُوا ، فَخَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا امْرَأَةٌ شَمْطَاءُ سَوْدَاءُ تَخْمُشُ وَجْهَهَا ، عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةُ الشّعْرِ تَدْعُو بِالْوَيْلِ . فَقِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تِلْكَ نَائِلَةُ يَئِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ فِي بِلَادِكُمْ أَبَدًا .
وَيُقَالُ إنّ إبْلِيسَ رَنّ ثَلَاثَ رَنّاتٍ رَنّةً حِينَ [ ص 842 ] لُعِنَ فَتَغَيّرَتْ صُورَتُهُ عَنْ صُورَةِ الْمَلَائِكَةِ وَرَنّةً حِينَ رَأَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي قَائِمًا بِمَكّةَ وَرَنّةً حِينَ افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ . فَاجْتَمَعَتْ ذُرّيّتُهُ فَقَالَ إبْلِيسُ ايئَسُوا أَنْ تَرُدّوا أُمّةَ مُحَمّدٍ عَلَى الشّرْكِ بَعْدَ يَوْمِهِمْ هَذَا ، وَلَكِنْ اُفْشُوَا فِيهِمْ النّوْحَ وَالشّعْرَ .
وَكَانَ أَوّلَ مَنْ نَصَبَ أَنْصَابَ الْحَرَمِ إبْرَاهِيمُ ، وَجِبْرِيلُ يُرِيهِ ثُمّ لَمْ تُحَرّكْ حَتّى كَانَ إسْمَاعِيلُ فَجَدّدَهَا ، ثُمّ لَمْ تُحَرّكْ حَتّى كَانَ قُصَيّ فَجَدّدَهَا ، ثُمّ لَمْ تُحَرّكْ حَتّى كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَمِيمَ بْنَ أَسَدٍ الْخُزَاعِيّ فَجَدّدَ أَنْصَابَ الْحَرَمِ ، ثُمّ لَمْ تُحَرّكْ حَتّى كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَبَعَثَ أَرْبَعَةً مِنْ قُرَيْشٍ كَانُوا يَبْدُونَ فِي بِوَادِيهَا ; مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَأَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ عَوْفٍ وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، وَأَبُو هُودٍ سَعِيدُ بْنُ يَرْبُوعٍ الْمَخْزُومِيّ . ثُمّ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ فَبَعَثَ هَؤُلَاءِ النّفَرَ ثُمّ كَانَ مُعَاوِيَةُ عَامَ حَجّ فَبَعَثَ هَؤُلَاءِ النّفَرَ .
قَالَ فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ لَمّا حَجّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَرْسَلَ إلَى أَكْبَرِ شَيْخٍ يَعْلَمُهُ يَوْمَئِذٍ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَشَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَشَيْخٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ ، ثُمّ أَمَرَهُمْ بِتَجْدِيدِهِ وَكُلّ وَادٍ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ يَسِيلُ فِي الْحِلّ وَلَا يَسِيلُ وَادٍ مِنْ الْحِلّ فِي الْحَرَمِ إلّا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ عِنْدَ التّنْعِيمِ . وَكَانَ يُقَالُ وَلَا يُنَفّرُ صَيْدُهَا . قَالَ لَا يَخْرُج مِنْ الظّلّ إلَى الشّمْسِ وَيُقَال : لَا يُذْعَرُ .
قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ ابْنُ [ ص 843 ] عُمَرَ يَغْشَاهُ الْحَمَامُ عَلَى رَحْلِهِ وَثِيَابِهِ وَطَعَامِهِ مَا يُطْرَدُ وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يُرَخّصُ أَنْ يُكَشْكَشَ . وَقَوْلُهُ لَا تَحِلّ لُقَطَةٌ ضَالّتَهَا إلّا لِمُنْشِدِ يَقُولُ لَا يَأْكُلُهَا كَمَا يَأْكُلُ اللّقَطَةَ فِي غَيْرِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ .
قَالُوا : خَرَجَ غَزِيّ مِنْ هُذَيْلٍ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَفِيهِمْ جُنَيْدِبُ بْنُ الْأَدْلَعِ يُرِيدُونَ حَيّ أَحْمَرَ بَأْسًا ، وَكَانَ أَحْمَرَ بَأْسًا رَجُلًا مِنْ أَسْلَمَ شُجَاعًا لَا يُرَامُ وَكَانَ لَا يَنَامُ فِي حَيّهِ إنّمَا يَنَامُ خَارِجًا مِنْ حَاضِرِهِ وَكَانَ إذَا نَامَ غَطّ غَطِيطًا مُنْكَرًا لَا يَخْفَى مَكَانُهُ وَكَانَ الْحَاضِرُ إذَا أَتَاهُمْ فَزِعَ صَرَخُوا بِأَحْمَرَ بَأْسًا فَيَثُوبُ مِثْلَ الْأَسَدِ . فَلَمّا جَاءَهُمْ ذَلِكَ الْغُزّيّ مِنْ هُذَيْلٍ قَالَ لَهُمْ جُنَيْدِبُ بْنُ الْأَدْلَعِ إنْ كَانَ أَحْمَرُ بَأْسًا فِي الْحَاضِرِ فَلَيْسَ إلَيْهِمْ سَبِيلٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ غَطِيطٌ لَا يَخْفَى ، فَدَعُونِي أَتَسَمّعُ . فَتَسَمّعَ الْحِسّ فَسَمِعَهُ فَأَمّهُ حَتّى وَجَدَهُ نَائِمًا فَقَتَلَهُ وَوَضَعَ السّيْفَ فِي صَدْرِهِ ثُمّ اتّكَأَ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمّ حَمَلُوا عَلَى الْحَيّ فَصَاحَ الْحَيّ : يَا أَحْمَرُ بَأْسًا فَلَا شَيْءَ لَا أَحْمَرُ بَأْسًا قَدْ قُتِلَ . فَنَالُوا مِنْ الْحَاضِرِ حَاجَتَهُمْ ثُمّ انْصَرَفُوا ، فَتَشَاغَلَ النّاسُ بِالْإِسْلَامِ فَلَمّا كَانَ بَعْدَ الْفَتْحِ بِيَوْمِ دَخَلَ جُنَيْدِبُ بْنُ الْأَدْلَعِ مَعَهُ يَرْتَادُ وَيَنْظُرُ - وَالنّاسُ آمِنُونَ - فَرَآهُ جُنْدُبُ بْنُ الْأَعْجَمِ الْأَسْلَمِيّ ، فَقَالَ . جُنَيْدِبُ بْنُ الْأَدْلَعِ قَاتَلَ أَحْمَرُ بَأْسًا : فَقَالَ نَعَمْ . فَخَرَجَ جُنْدُبُ يَسْتَجِيشُ عَلَيْهِ وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَ خِرَاشَ بْنِ أُمَيّةَ الْكَعْبِيّ ، فَأَخْبَرَهُ فَاشْتَمَلَ خِرَاشٌ عَلَى السّيْفِ ثُمّ أَقْبَلَ إلَيْهِ وَالنّاسُ حَوْلَهُ وَهُوَ يُحَدّثُهُمْ عَنْ قَتْلِ أَحْمَرَ بَأْسًا ، فَبَيْنَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ [ ص 844 ] إذْ أَقْبَلَ خِرَاشُ بْنُ أُمَيّةَ مُشْتَمِلًا عَلَى السّيْفِ فَقَالَ هَكَذَا عَنْ الرّجُلِ فَوَاَللّهِ مَا ظَنّ النّاسُ إلّا أَنّهُ يُفَرّجُ عَنْهُ النّاسُ لِيَنْصَرِفُوا عَنْهُ فَانْفَرَجُوا عَنْهُ فَلَمّا انْفَرَجَ النّاسُ عَنْهُ حَمَلَ عَلَيْهِ خِرَاشُ بْنُ أُمَيّةَ بِالسّيْفِ فَطَعَنَهُ بِهِ فِي بَطْنِهِ وَابْنُ الْأَدْلَعِ مُسْتَنِدٌ إلَى جِدَارٍ مِنْ جُدُرِ مَكّةَ ، فَجَعَلَتْ حِشْوَتُهُ تَسَايَلَ مِنْ بَطْنِهِ وَإِنّ عَيْنَيْهِ لَتَبْرُقَانِ فِي رَأْسِهِ وَهُوَ يَقُولُ قَدْ فَعَلْتُمُوهَا يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ فَوَقَعَ الرّجُلُ فَمَاتَ فَسَمِعَ رَسُولُ اللّهِ بِقَتْلِهِ فَقَامَ خَطِيبًا - وَهَذِهِ الْخُطْبَةُ الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ بَعْدَ الظّهْرِ - فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ إنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ مَكّةَ يَوْمَ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَيَوْمَ خَلَقَ الشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَوَضَعَ هَذَيْنِ الْجَبَلَيْنِ فَهِيَ حَرَامٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . لَا يَحِلّ لِمُؤْمِنِ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا ، وَلَا يَعْضِدَ فِيهَا شَجَرًا ; لَمْ تَحِلّ لِأَحَدِ كَانَ قَبْلِي ، وَلَا تَحِلّ لِأَحَدِ بَعْدِي ، وَلَمْ تَحِلّ لِي إلّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمّ رَجَعْت كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ فَلْيُبَلّغْ شَاهِدُكُمْ غَائِبَكُمْ . فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ قَدْ قَاتَلَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُولُوا : إنّ اللّهَ قَدْ أَحَلّهَا لِرَسُولِهِ وَلَمْ يُحِلّهَا لَكُمْ يَا مَعْشَرَ خُزَاعَةَ ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ عَنْ الْقَتْلِ فَقَدْ وَاَللّهِ كَثُرَ [ الْقَتْلُ ] إنْ نَفَعَ وَقَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ وَاَللّهِ لَأَدِيَنه فَمَنْ قُتِلَ بَعْدَ مَقَامِي هَذَا فَأَهْلُهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا فَدَمُ قَتِيلِهِمْ وَإِنْ شَاءُوا فَعَقْلُهُ
[ ص 845 ] فَدَخَلَ أَبُو شُرَيْحٍ [ عَلَى ] ، عَمْرِو بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهُوَ يُرِيدُ قَتْلَ ابْنِ الزّبَيْرِ فَحَدّثَهُ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَنَا أَنْ يُبَلّغَ الشّاهِدُ الْغَائِبَ وَكُنْت شَاهِدًا وَكُنْت غَائِبًا ، وَقَدْ أَدّيْت إلَيْك مَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِهِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ : انْصَرِفْ أَيّهَا الشّيْخُ فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِحُرْمَتِهَا مِنْك ، إنّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ ظَالِمٍ وَلَا خَالِعِ طَاعَةٍ وَلَا سَافِكِ دَمٍ . فَقَالَ أَبُو شُرَيْحٍ قَدْ أَدّيْت إلَيْك مَا كَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِهِ فَأَنْتَ وَشَأْنُك
(1/841)
قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ أَنّهُ أَخْبَرَ ابْنَ عُمَرَ مَا قَالَ أَبُو شُرَيْحٍ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ : رَحِمَ اللّهُ أَبَا شُرَيْحٍ قَدْ قَضَى الّذِي عَلَيْهِ قَدْ عَلِمْت أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَكَلّمَ يَوْمَئِذٍ فِي خُزَاعَةَ حِينَ قَتَلُوا الْهُذَلِيّ بِأَمْرِ لَا أَحْفَظُهُ إلّا أَنّي سَمِعْت الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ « فَأَدّيهِ .
قَالَ حَدّثَنِي عَمْرُو بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ قَالَ قَتَلَهُ خِرَاشٌ بَعْدَمَا نَهَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْقَتْلِ فَقَالَ لَوْ كُنْت قَاتِلًا مُؤْمِنًا بِكَافِرِ لَقَتَلْت خِرَاشًا بِالْهُذَلِيّ . ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُزَاعَةَ يُخْرِجُونَ دِيَتَهُ فَكَانَتْ خُزَاعَةُ أَخْرَجَتْ دِيَتَهُ . قَالَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى غَنَمٍ عُفْرٍ جَاءَتْ بِهَا بَنُو مُدْلِجٍ فِي الْعَقْلِ وَكَانَ يُعَاقِلُونَهَا فِي [ ص 846 ] الْجَاهِلِيّةِ ثُمّ شَدّهُ الْإِسْلَامُ وَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ وَدَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ .
قَالَ وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي الزّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَنِي كَعْبٍ فَأَعْطَوْا الْقَتِيلَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ . قَالُوا : وَجَاءَتْ الظّهْرُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلَالًا أَنْ يُؤَذّنَ بِالظّهْرِ فَوْقَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ يَوْمَئِذٍ وَقُرَيْشٌ فَوْقَ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَقَدْ فَرّ وُجُوهُهُمْ وَتَغَيّبُوا خَوْفًا أَنْ يُقَتّلُوا ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الْأَمَانَ . وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ أُومِنَ . فَلَمّا أَذّنَ بِلَالٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ كَأَشَدّ مَا يَكُونُ فَلَمّا بَلَغَ » أَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ « ، تَقُولُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ أَبِي جَهْلٍ قَدْ لَعَمْرِي رَفَعَ لَك ذِكْرَك أَمّا الصّلَاةُ فَسَنُصَلّي ، وَاَللّهِ لَا نُحِبّ مَنْ قَتَلَ الْأَحِبّةَ أَبَدًا ; وَلَقَدْ كَانَ جَاءَ أَبِي الّذِي جَاءَ مُحَمّدًا مِنْ النّبُوّةِ فَرَدّهَا وَلَمْ يُرِدْ خِلَافَ قَوْمِهِ . وَقَالَ خَالِدُ بْنُ أُسَيْدٍ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَكْرَمَ أَبِي فَلَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْيَوْمَ وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ : وَاثُكْلَاه لَيْتَنِي مُتّ قَبْلَ هَذَا الْيَوْمِ أَسْمَعُ بِلَالًا يَنْهَقُ فَوْقَ الْكَعْبَةِ وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ هَذَا وَاَللّهِ الْحَدَثُ الْعَظِيمُ أَنْ يَصِيحَ عَبْدُ بَنِي جُمَحَ عَلَى بَنِيّةِ أَبِي طَلْحَةَ . قَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو : إنْ كَانَ هَذَا سَخَطَ اللّهِ فَسَيُغَيّرُهُ وَإِنْ كَانَ رِضَاءَ اللّهِ فَسَيُقِرّهُ . وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَمّا أَنَا فَلَا أَقُولُ شَيْئًا ، لَوْ قُلْت شَيْئًا لَأَخْبَرَتْهُ هَذِهِ الْحَصْبَاءُ فَأَتَى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهُمْ .
قَالَ فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو : وَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ وَظَهَرَ انْقَحَمْت بَيْتِي [ ص 847 ] وَأَغْلَقْت عَلَيّ بَابِي ، وَأَرْسَلْت إلَى ابْنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ سُهَيْلٍ أَنْ اُطْلُبْ لِي جِوَارًا مِنْ مُحَمّدٍ وَإِنّي لَا آمَنُ أَنْ أُقْتَلَ . وَجَعَلْت أَتَذّكّرُ أَثَرِي عِنْدَ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ أَسْوَأَ أَثَرًا مِنّي ، وَإِنّي لَقِيت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بِمَا لَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ : وَكُنْت الّذِي كَاتَبْته ، مَعَ حُضُورِي بَدْرًا وَأُحُدًا ، وَكُلّمَا تَحَرّكَتْ قُرَيْشٌ كُنْت فِيهَا . فَذَهَبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ تُؤَمّنُهُ ؟ فَقَالَ نَعَمْ هُوَ آمِنٌ بِأَمَانِ اللّهِ فَلْيَظْهَرْ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمَنْ حَوْلَهُ مَنْ لَقِيَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو فَلَا يَشُدّ النّظَرَ إلَيْهِ فَلْيَخْرُجْ فَلَعَمْرِي إنّ سُهَيْلًا لَهُ عَقْلٌ وَشَرَفٌ وَمَا مِثْلُ سُهَيْلٍ جَهِلَ الْإِسْلَامَ وَلَقَدْ رَأَى مَا كَانَ يُوضَعُ فِيهِ أَنّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِنَافِعِ فَخَرَجَ عَبْدُ اللّهِ إلَى أَبِيهِ فَأَخْبَرَهُ بِمَقَالَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ سُهَيْلٌ : كَانَ وَاَللّهِ بَرّا ; صَغِيرًا وَكَبِيرًا فَكَانَ سُهَيْلٌ يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ وَخَرَجَ إلَى حُنَيْنٍ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ حَتّى أَسْلَمَ بِالْجِعِرّانَةِ .
وَهَرَبَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ زَوْجُ أُمّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ - هُوَ وَابْنُ الزّبَعْرَى جَمِيعًا حَتّى انْتَهَى إلَى نَجْرَانَ ، فَلَمْ يَأْمَنّا مِنْ الْخَوْفِ حَتّى دَخَلَا حِصْنَ نَجْرَانَ ، فَقِيلَ لَهُمَا : مَا وَرَاءَكُمَا ؟ قَالَا : أَمّا قُرَيْشٌ فَقَدْ قُتِلَتْ وَدَخَلَ مُحَمّدٌ مَكّةَ ، وَنَحْنُ وَاَللّهِ نَرَى أَنّ مُحَمّدًا سَائِرٌ إلَى حِصْنِكُمْ هَذَا فَجَعَلَتْ بَلْحَارِثٍ وَكَعْبٌ يُصْلِحُونَ مَا رَثّ مِنْ حِصْنِهِمْ وَجَمَعُوا مَاشِيَتَهُمْ فَأَرْسَلَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَبْيَاتًا يُرِيدُ بِهَا ابْنَ الزّبَعْرَى ، أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِي الزّنَادِ [ ص 848 ]
لَا تَعْدَمْنَ رَجُلًا أَحَلّك بُغْضُهُ
نَجْرَانَ فِي عَيْشٍ أَحَذّ لَئِيمِ
بَلِيَتْ قَنَاتُك فِي الْحُرُوبِ فَأُلْقِيَتْ
خَمّانَةً خَوْفَاءَ ذَاتَ وُصُومِ
غَضِبَ الْإِلَهُ عَلَى الزّبَعْرَى وَابْنِهِ
وَعَذَابُ سُوءٍ فِي الْحَيَاةِ مُقِيمِ
فَلَمّا جَاءَ ابْنَ الزّبَعْرَى شِعْرُ حَسّانَ تَهَيّأَ لِلْخُرُوجِ فَقَالَ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ : أَيْنَ تُرِيدُ يَا ابْنَ عَمّ ؟ قَالَ أَرَدْت وَاَللّهِ مُحَمّدًا . قَالَ أَتُرِيدُ أَنْ تَتْبَعَهُ ؟ قَالَ إيِ وَاَللّهِ قَالَ يَقُولُ هُبَيْرَةُ يَا لَيْتَ أَنّي رَافَقْت غَيْرَك وَاَللّهِ مَا ظَنَنْت أَنّك تَتْبَعُ مُحَمّدًا أَبَدًا قَالَ ابْنُ الزّبَعْرَى : هُوَ ذَاكَ فَعَلَى أَيّ شَيْءٍ نُقِيمُ مَعَ ابْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَأَتْرُكُ ابْنَ عَمّي وَخَيْرَ النّاسِ وَأَبَرّهُمْ وَمَعَ قَوْمِي وَدَارِي . فَانْحَدَرَ ابْنُ الزّبَعْرَى حَتّى جَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ فَلَمّا نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِ قَالَ هَذَا ابْنُ الزّبَعْرَى ، وَمَعَهُ وَجْهٌ فِيهِ نُورُ الْإِسْلَامِ . فَلَمّا وَقَفَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيْ رَسُولِ اللّهِ شَهِدْت أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّك عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ لَقَدْ عَادَيْتُك وَأَجْلَبْت عَلَيْك ، وَرَكِبْت الْفَرَسَ وَالْبَعِيرَ وَمَشَيْت عَلَى قَدَمِي فِي عَدَاوَتِك ، ثُمّ هَرَبْت مِنْك إلَى نَجْرَانَ ، وَأَنَا أُرِيدُ أَلّا أَقْرَبَ الْإِسْلَامَ أَبَدًا ، ثُمّ أَرَادَ بِي اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْهُ بِخَيْرِ فَأَلْقَاهُ فِي قَلْبِي وَحَبّبَهُ إلَيّ وَذَكَرْت مَا كُنْت فِيهِ مِنْ الضّلَالَةِ وَاتّبَاعِ مَا لَا يَنْفَعُ ذَا عَقْلٍ مِنْ حَجَرٍ يُعْبَدُ وَيُذْبَحُ لَهُ لَا يَدْرِي مَنْ عَبَدَهُ وَمَنْ لَا يَعْبُدُهُ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَاك لِلْإِسْلَامِ إنّ الْإِسْلَامَ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَأَقَامَ هُبَيْرَةُ بِنَجْرَانَ وَأَسْلَمَتْ أُمّ هَانِئٍ فَقَالَ هُبَيْرَةُ حِينَ بَلَغَهُ إسْلَامُهَا يَوْمَ الْفَتْحِ [ ص 849 ]
أَشَاقَتْك هِنْدٌ أَمْ نَآك سُؤَالُهَا
كَذَاك النّوَى أَسْبَابُهَا وَانْفِتَالُهَا
وَقَدْ أَرّقَتْ فِي رَأْسِ حِصْنٍ مُمَنّعٍ
بِنَجْرَانَ يَسْرِي بَعْدَ لَيْلٍ خَيَالُهَا
وَإِنّي مِنْ قَوْمٍ إذَا جَدّ جِدّهُمْ
عَلَى أَيّ حَالٍ أَصْبَحَ الْيَوْمَ حَالُهَا
وَإِنّي لَحَامٍ مِنْ وَرَاءِ عَشِيرَتِي
إذَا كَرِهَتْ نَحْوَ الْعَوَالِي فَحَالُهَا
وَإِنّ كَلَامَ الْمَرْءِ فِي غَيْرِ كُنْهِهِ
لَكَالنّبْلِ تَهْوِي لَيْسَ فِيهَا نِصَالُهَا
وَإِنْ كُنْت قَدْ تَابَعْت دِينَ مُحَمّدٍ
وَقَطّعَتْ الْأَرْحَامَ مِنْك حِبَالُهَا
فَكُونِي عَلَى أَعْلَى سَحِيقٍ بِهَضْبَةِ
مُلَمْلَمَةٍ حَمْرَاءَ يَبِسَ تِلَالُهَا
أَقَامَ بِنَجْرَانَ حَتّى مَاتَ مُشْرِكًا .
(1/846)
قَالَ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ جَهْمٍ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكّة هَرَبَ حُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى حَتّى انْتَهَى إلَى حَائِطِ عَوْفٍ فَدَخَلَ هُنَاكَ وَخَرَجَ أَبُو ذَرّ لِحَاجَتِهِ وَكَانَ دَاخِلَهُ فَلَمّا رَآهُ هَرَبَ حُوَيْطِبٌ فَنَادَاهُ أَبُو ذَرّ تَعَالَ أَنْتَ آمِنٌ فَرَجَعَ إلَيْهِ فَسَلّمَ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَنْتَ آمِنٌ فَإِنْ شِئْت أَدْخَلْتُك عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنْ شِئْت فَاذْهَبْ إلَى مَنْزِلِك . قَالَ وَهَلْ لِي سَبِيلٌ إلَى مَنْزِلِي ؟ أُلْقَى فَأُقْتَلُ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إلَى مَنْزِلِي ، أَوْ يَدْخُلَ عَلَيّ مَنْزِلِي فَأُقْتَلَ . قَالَ فَأَنَا أَبْلُغُ مَعَك [ ص 850 ] مَنْزِلَك . فَبَلَغَ مَعَهُ مَنْزِلَهُ ثُمّ جَعَلَ يُنَادِي عَلَى بَابِهِ إنّ حُوَيْطِبًا آمِنٌ فَلَا يُهْجَمُ عَلَيْهِ ثُمّ انْصَرَفَ أَبُو ذَرّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ أَوَ لَيْسَ قَدْ أَمّنّا كُلّ النّاسِ إلّا مَنْ أَمَرْت بِقَتْلِهِ ؟
قَالَ فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ . عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ مَوْلَى الزّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ أَسْلَمَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، وَأَسْلَمَتْ أُمّ حَكِيمٍ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ امْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ ، وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ ؟ الْبَغُومُ بِنْتُ الْمُعَذّلِ مِنْ كِنَانَةَ ، وَأَسْلَمَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَأَسْلَمَتْ هِنْدُ بِنْتُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، وَهِيَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فِي عَشْرِ نِسْوَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ . فَأَتَيْنَ رَسُولَ اللّهِ بِالْأَبْطَحِ فَبَايَعْنَهُ فَدَخَلْنَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُ زَوْجَتُهُ وَابْنَتُهُ فَاطِمَةُ وَنِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَتَكَلّمَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَظْهَرَ الدّينَ [ الّذِي ] ، اخْتَارَهُ لِنَفْسِهِ لِتَمَسّنِي رَحْمَتُك يَا مُحَمّدُ إنّي امْرَأَةٌ مُؤْمِنَةٌ بِاَللّهِ مُصَدّقَةٌ . ثُمّ كَشَفَتْ عَنْ نِقَابِهَا فَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرْحَبًا بِك . فَقَالَتْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبّ إلَيّ أَنْ يَذِلّوا مِنْ [ أَهْلِ ] خِبَائِك ، وَلَقَدْ أَصْبَحْت وَمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ أَهْلِ خِبَاءٍ أَحَبّ إلَيّ أَنْ يَعِزّوا مِنْ [ أَهْلِ ] خِبَائِك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ وَزِيَادَةً أَيْضًا ثُمّ قَرَأَ رَسُولُ اللّهِ عَلَيْهِنّ الْقُرْآنَ وَبَايَعَهُنّ فَقَالَتْ هِنْدٌ مِنْ بَيْنِهِنّ يَا رَسُولَ اللّهِ نُمَاسِحُك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي لَا أُصَافِحُ [ ص 851 ] النّسَاءَ إنّ قَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ مِثْلُ قَوْلِي لِامْرَأَةِ وَاحِدَة وَيُقَالُ وَضَعَ عَلَى يَدِهِ ثَوْبًا ثُمّ مَسَحْنَ عَلَى يَدِهِ يَوْمَئِذٍ . وَيُقَالُ كَانَ يُؤْتَى بِقَدَحِ مِنْ مَاءٍ فَيُدْخِلُ يَدَهُ فِيهِ ثُمّ يَدْفَعُهُ إلَيْهِنّ فَيُدْخِلْنَ أَيْدِيَهُنّ فِيهِ . وَالْقَوْلُ الْأَوّلُ أَثْبَتُهَا عِنْدَنَا : « إنّي لَا أُصَافِحُ النّسَاءَ » . ثُمّ قَالَتْ أُمّ حَكِيمٍ امْرَأَةُ عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ هَرَبَ عِكْرِمَةُ مِنْك إلَى الْيَمَنِ ، وَخَافَ أَنْ تَقْتُلَهُ فَأَمّنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ آمِنٌ . فَخَرَجَتْ أُمّ حَكِيمٍ فِي طَلَبِهِ وَمَعَهَا غُلَامٌ لَهَا رُومِيّ ، فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا ، فَجَعَلَتْ تُمَنّيهِ حَتّى قَدِمَتْ عَلَى حَيّ مِنْ عَكّ فَاسْتَغَاثَتْهُمْ عَلَيْهِ فَأَوْثَقُوهُ رِبَاطًا ، وَأَدْرَكَتْ عِكْرِمَةَ وَقَدْ انْتَهَى إلَى سَاحِلٍ مِنْ سَوَاحِلِ تِهَامَةَ فَرَكِبَ الْبَحْرَ فَجَعَلَ نُوَتِي السّفِينَةَ يَقُولُ لَهُ أَخْلِصْ فَقَالَ أَيّ شَيْءٍ أَقُولُ ؟ قَالَ قُلْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ . قَالَ عِكْرِمَةُ : مَا هَرَبْت إلّا مِنْ هَذَا . فَجَاءَتْ أُمّ حَكِيمٍ عَلَى هَذَا الْكَلَامِ فَجَعَلَتْ تُلِحّ إلَيْهِ وَتَقُولُ يَا ابْنَ عَمّ جِئْتُك مِنْ عِنْدِ أَوْصَلِ النّاسِ وَأَبَرّ النّاسِ وَخَيْرِ النّاسِ لَا تُهْلِكْ نَفْسَك . فَوَقَفَ لَهَا حَتّى أَدْرَكَتْهُ فَقَالَتْ إنّي قَدْ اسْتَأْمَنْت لَك مُحَمّدًا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ أَنْتِ فَعَلْت ؟ قَالَتْ نَعَمْ أَنَا كَلّمْته فَأَمّنَك . فَرَجَعَ مَعَهَا وَقَالَ مَا لَقِيت مِنْ غُلَامِك الرّومِيّ ؟ فَخَبّرَتْهُ خَبَرَهُ فَقَتَلَهُ عِكْرِمَةُ ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ لَمْ يُسْلِمْ . فَلَمّا دَنَا مِنْ مَكّةَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَصْحَابِهِ يَأْتِيكُمْ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ مُؤْمِنًا مُهَاجِرًا ، فَلَا تَسُبّوا أَبَاهُ فَإِنّ سَبّ الْمَيّتِ يُؤْذِي الْحَيّ وَلَا يَبْلُغُ الْمَيّت قَالَ وَجَعَلَ عِكْرِمَةُ يَطْلُبُ امْرَأَتَهُ يُجَامِعَهَا ، فَتَأْبَى عَلَيْهِ وَتَقُولُ إنّك كَافِرٌ وَأَنَا مُسْلِمَةٌ . فَيَقُولُ إنّ أَمْرًا مَنَعَك مِنّي لَأَمْرٌ كَبِيرٌ . فَلَمّا رَأَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 852 ] عِكْرِمَةَ وَثَبَ إلَيْهِ - وَمَا عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رِدَاءٌ - فَرَحًا بِعِكْرِمَةَ ثُمّ جَلَسَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَزَوْجَتُهُ مُنْتَقِبَةٌ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنّ هَذِهِ أَخْبَرَتْنِي أَنّك أَمّنْتنِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَتْ فَأَنْتَ آمِنٌ فَقَالَ عِكْرِمَةُ : فَإِلَى مَا تَدْعُو يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ أَدْعُوك إلَى أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ وَأَنْ تُقِيمَ الصّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزّكَاةَ - وَتَفْعَلَ وَتَفْعَلَ حَتّى عَدّ خِصَالَ الْإِسْلَامِ . فَقَالَ عِكْرِمَةُ : وَاَللّهِ مَا دَعَوْت إلّا إلَى الْحَقّ وَأَمْرٍ حَسَنٍ جَمِيلٍ ; قَدْ كُنْت وَاَللّهِ فِينَا قَبْلَ أَنْ تَدْعُوَ إلَى مَا دَعَوْت إلَيْهِ وَأَنْتَ أَصْدَقُنَا حَدِيثًا وَأَبَرّنَا بِرّا . ثُمّ قَالَ عِكْرِمَةُ : فَإِنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . فَسُرّ بِذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ عَلّمْنِي خَيْرَ شَيْءٍ أَقُولُهُ . قَالَ تَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ . قَالَ عِكْرِمَةُ : ثُمّ مَاذَا ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَقُولُ أُشْهِدُ اللّهَ وَأُشْهِدُ مَنْ حَضَرَ أَنّي مُسْلِمٌ مُهَاجِرٌ مُجَاهِدٌ . فَقَالَ عِكْرِمَةُ ذَلِكَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَسْأَلُنِي الْيَوْمَ شَيْئًا أُعْطِيهِ أَحَدًا إلّا أَعْطَيْتُكَهُ . فَقَالَ عِكْرِمَةُ : فَإِنّي أَسْأَلُك أَنْ تَسْتَغْفِرَ لِي كُلّ عَدَاوَةٍ عَادَيْتُكَهَا ، أَوْ مَسِيرٍ وَضَعْت فِيهِ أَوْ مَقَامٍ لَقِيتُك فِيهِ أَوْ كَلَامٍ قُلْته فِي وَجْهِك أَوْ وَأَنْتَ غَائِبٌ عَنْهُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اغْفِرْ لَهُ كُلّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا ، وَكُلّ مَسِيرٍ سَارَ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَسِيرِ إطْفَاءَ نُورِك ، فَاغْفِرْ لَهُ مَا نَالَ مِنّي مِنْ عِرْضٍ فِي وَجْهِي أَوْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهُ فَقَالَ عِكْرِمَةُ : رَضِيت يَا رَسُولَ اللّهِ . ثُمّ قَالَ عِكْرِمَةُ : أَمَا وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا أَدَعُ نَفَقَةً كُنْت أُنْفِقُهَا فِي صَدّ [ عَنْ ] سَبِيلِ اللّهِ إلّا أَنْفَقْت ضِعْفَهَا فِي سَبِيلِ [ ص 853 ] اللّهِ وَلَا قِتَالًا كُنْت أُقَاتِلُ فِي صَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إلّا أَبْلَيْت ضِعْفَهُ فِي سَبِيلِ اللّهِ . ثُمّ اجْتَهَدَ فِي الْقِتَالِ حَتّى قُتِلَ شَهِيدًا فَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ امْرَأَتَهُ بِذَلِكَ النّكَاحِ الْأَوّلِ .
وَأَمّا صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، فَهَرَبَ حَتّى أَتَى الشّعَيْبَةَ . وَجَعَلَ يَقُولُ لِغُلَامِهِ يَسَارٍ وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ وَيْحَك ، اُنْظُرْ مَنْ تَرَى قَالَ هَذَا عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ . قَالَ صَفْوَانُ مَا أَصْنَعُ بِعُمَيْرِ ؟ وَاَللّهِ مَا جَاءَ إلّا يُرِيدُ قَتْلِي ، قَدْ ظَاهَرَ مُحَمّدًا عَلَيّ . فَلَحِقَهُ فَقَالَ يَا عُمَيْرُ مَا كَفَاك مَا صَنَعْت بِي ؟ حَمّلْتنِي دَيْنَك وَعِيَالَك . ثُمّ جِئْت تُرِيدُ قَتْلِي قَالَ أَبَا وَهْبٍ جُعِلْت فِدَاك جِئْتُك مِنْ عِنْدِ أَبَرّ النّاسِ وَأَوْصَلِ النّاسِ . وَقَدْ كَانَ عُمَيْرٌ قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ سَيّدُ قَوْمِي خَرَجَ هَارِبًا لِيَقْذِفَ نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ وَخَافَ أَلّا تُؤَمّنَهُ . فَأَمّنْهُ فِدَاك أَبِي وَأُمّي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمّنْته . فَخَرَجَ فِي أَثَرِهِ فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَمّنَك . فَقَالَ صَفْوَانُ لَا وَاَللّهِ لَا أَرْجِعُ مَعَك حَتّى تَأْتِيَنِي بِعَلَامَةِ أَعْرِفُهَا . فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْت صَفْوَانَ هَارِبًا يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ فَأَخْبَرْته بِمَا أَمّنْته : فَقَالَ لَا أَرْجِعُ حَتّى تَأْتِيَ بِعَلَامَةِ أَعْرِفُهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُذْ عِمَامَتِي . قَالَ . فَرَجَعَ عُمَيْرٌ إلَيْهِ بِهَا ، وَهُوَ الْبُرْدُ الّذِي دَخَلَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ مُعْتَجِرًا بِهِ بُرْدَ حِبَرَةٍ . فَخَرَجَ عُمَيْرٌ فِي طَلَبِهِ الثّانِيَةِ [ ص 854 ] حَتّى جَاءَ بِالْبُرْدِ فَقَالَ أَبَا وَهْبٍ جِئْتُك مِنْ عِنْدِ خَيْرِ النّاسِ وَأَوْصَلِ النّاسِ وَأَبَرّ النّاسِ وَأَحْلَمِ النّاسِ مَجْدُهُ مَجْدُك - وَعِزّهُ عِزّك ، وَمُلْكُهُ مُلْكُك ، ابْنُ أُمّك وَأَبِيك ، أُذَكّرُك اللّهَ فِي نَفْسِك . قَالَ لَهُ أَخَافُ أَنْ أُقْتَلَ . قَالَ قَدْ دَعَاك إلَى أَنْ تَدْخُلَ فِي الْإِسْلَامِ فَإِذَا رَضِيت وَإِلّا سَيّرَك شَهْرَيْنِ فَهُوَ أَوْفَى النّاسِ وَأَبَرّهُمْ وَقَدْ بَعَثَ إلَيْك بِبُرْدِهِ الّذِي دَخَلَ بِهِ مُعْتَجِرًا ، تَعْرِفُهُ ؟ قَالَ نَعَمْ . فَأَخْرَجَهُ فَقَالَ نَعَمْ هُوَ هُوَ فَرَجَعَ صَفْوَانُ حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُصَلّي بِالْمُسْلِمِينَ الْعَصْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَوَقَفَا ، فَقَالَ صَفْوَانُ كَمْ تُصَلّونَ فِي الْيَوْمِ وَاللّيْلَةِ ؟ قَالَ خَمْسَ صَلَوَاتٍ . قَالَ يُصَلّي بِهِمْ مُحَمّدٌ ؟ قَالَ نَعَمْ . فَلَمّا سَلّمَ صَاحَ صَفْوَانُ يَا مُحَمّدُ إنّ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ جَاءَنِي بِبُرْدِك ، وَزَعَمَ أَنّك دَعَوْتنِي إلَى الْقُدُومِ عَلَيْك . فَإِنْ رَضِيت أَمْرًا وَإِلّا سَيّرْتنِي شَهْرَيْنِ . قَالَ انْزِلْ أَبَا وَهْبٍ . قَالَ لَا وَاَللّهِ حَتّى تُبَيّنَ لِي . قَالَ بَلْ تَسِيرُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ . فَنَزَلَ صَفْوَانُ وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قِبَلَ هَوَازِنَ ، وَخَرَجَ مَعَهُ صَفْوَانُ وَهُوَ كَافِرٌ وَأَرْسَلَ إلَيْهِ يَسْتَعِيرُهُ سِلَاحَهُ فَأَعَارَهُ سِلَاحَهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِأَدَاتِهَا ، فَقَالَ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَارِيَةً مُؤَدّاةً . فَأَعَارَهُ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمَلَهَا إلَى حُنَيْنٍ ، فَشَهِدَ حُنَيْنًا وَالطّائِفَ ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْجِعِرّانَةِ ، فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسِيرُ فِي الْغَنَائِمِ يَنْظُرُ إلَيْهَا ، وَمَعَهُ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، جَعَلَ صَفْوَانُ يَنْظُرُ إلَى شِعْبٍ مُلِئَ نَعَمًا وَشَاءً وَرِعَاءً فَأَدَامَ إلَيْهِ النّظَرَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْمُقُهُ فَقَالَ أَبَا وَهْبٍ يُعْجِبُك هَذَا الشّعْبُ ؟ [ ص 855 ] قَالَ نَعَمْ . قَالَ هُوَ لَك وَمَا فِيهِ . فَقَالَ صَفْوَانُ عِنْدَ ذَلِكَ مَا طَابَتْ نَفْسُ أَحَدٍ بِمِثْلِ هَذَا إلّا نَفْسُ نَبِيّ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَسْلَمَ مَكَانَهُ .
(1/850)
قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ أَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ قَبْلَ نِسَائِهِمْ ثُمّ قَدِمُوا عَلَى نِسَائِهِمْ فِي الْعِدّةِ فَرَدّهُنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ النّكَاحِ . وَأَسْلَمَتْ امْرَأَةُ صَفْوَانَ وَامْرَأَةُ عِكْرِمَةَ قَبْلَ أَزْوَاجِهِمَا ، ثُمّ أَسْلَمَا فَرَدّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِسَاءَهُمْ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنّ إسْلَامَهُمْ كَانَ فِي عِدّتِهِمْ .
قَالُوا : وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْوَحْيَ فَرُبّمَا أَمْلَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ فَيُكْتَبُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فَيَقْرَأُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَقُولُ كَذَلِكَ اللّهُ وَيُقِرّهُ . وَافْتُتِنَ وَقَالَ مَا يَدْرِي مُحَمّدٌ مَا يَقُولُ إنّي لَأَكْتُبُ لَهُ مَا شِئْت ، هَذَا الّذِي كَتَبْت يُوحَى إلَيّ كَمَا يُوحَى إلَى مُحَمّدٍ . وَخَرَجَ هَارِبًا مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ مُرْتَدّا ، فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمَهُ يَوْمَ الْفَتْحِ فَلَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ جَاءَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَكَانَ أَخَاهُ مِنْ الرّضَاعَةِ فَقَالَ يَا أَخِي ، إنّي وَاَللّهِ اخْتَرْتُك فَاحْتَبِسْنِي هَاهُنَا ، وَاذْهَبْ إلَى مُحَمّدٍ فَكَلّمْهُ فِي ، فَإِنّ مُحَمّدًا إنْ رَآنِي ضَرَبَ الّذِي فِيهِ عَيْنَايَ إنّ جُرْمِي أَعْظَمُ الْجُرْمِ وَقَدْ جِئْت تَائِبًا . فَقَالَ بَلْ اذْهَبْ مَعِي . قَالَ عَبْدُ اللّهِ وَاَللّهِ لَئِنْ رَآنِي لَيَضْرِبَن عُنُقِي وَلَا يُنَاظِرُنِي ، قَدْ أَهْدَرَ دَمِي ، وَأَصْحَابُهُ يُطْلِبُونَنِي فِي كُلّ مَوْضِعٍ . فَقَالَ عُثْمَانُ انْطَلِقْ مَعِي ، [ ص 856 ] فَلَا يَقْتُلُك إنْ شَاءَ اللّهُ فَلَمْ يُرَعْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِعُثْمَانَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ وَاقِفَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ أُمّهُ كَانَتْ تَحْمِلُنِي وَتُمْشِيهِ وَتُرْضِعُنِي وَتَقْطَعُهُ وَكَانَتْ تُلْطِفُنِي وَتَتْرُكُهُ فَهَبْهُ لِي . فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَعَلَ عُثْمَانُ كُلّمَا أَعْرَضَ عَنْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِوَجْهِهِ اسْتَقْبَلَهُ فَيُعِيدُ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامَ فَإِنّمَا أَعْرَضَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ إرَادَةَ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ فَيَضْرِبَ عُنُقَهُ لِأَنّهُ لَمْ يُؤَمّنْهُ فَلَمّا رَأَى أَلّا يُقْدَمَ أَحَدٌ ، وَعُثْمَانُ قَدْ أَكَبّ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُقَبّلُ رَأْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ تُبَايِعُهُ فِدَاك أَبِي وَأُمّي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ . ثُمّ الْتَفَتَ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ مَا مَنَعَكُمْ أَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مِنْكُمْ إلَى هَذَا الْكَلْبِ فَيَقْتُلَهُ ؟ أَوْ قَالَ « الْفَاسِقِ » . فَقَالَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ أَلَا أَوْمَأْت إلَيّ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنّي لَأَتّبِعُ طَرَفَك مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ رَجَاءَ أَنْ تُشِيرَ إلَيّ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ . وَيُقَالُ قَالَ هَذَا أَبُو الْيُسْرِ وَيُقَالُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي لَا أَقْتُلُ بِالْإِشَارَةِ وَقَائِلٌ يَقُولُ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَئِذٍ إنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَكُونُ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ فَبَايَعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَجَعَلَ يَفِرّ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّمَا رَآهُ فَقَالَ عُثْمَانُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي [ أَنْتَ ] وَأُمّي ، لَوْ تَرَى ابْنَ أُمّ عَبْدِ اللّهِ يَفِرّ مِنْك كُلّمَا رَآك فَتَبَسّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَوَ لَمْ أُبَايِعْهُ وَأُؤَمّنْهُ ؟ قَالَ بَلَى أَيْ رَسُولَ اللّهِ وَلَكِنّهُ يَتَذَكّرُ عَظِيمَ جُرْمِهِ [ ص 857 ] فِي الْإِسْلَامِ . فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْإِسْلَامُ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ فَرَجَعَ عُثْمَانُ إلَى ابْنِ أَبِي سَرْحٍ فَأَخْبَرَهُ فَكَانَ يَأْتِي فَيُسَلّمُ عَلَى النّبِيّ مَعَ النّاسِ .
وَأَمّا الْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ مِنْ وَلَدِ قُصَيّ ، فَإِنّهُ كَانَ يُؤْذِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَهْدَرَ دَمَهُ فَبَيْنَا هُوَ فِي مَنْزِلِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ قَدْ أَغْلَقَ بَابَهُ عَلَيْهِ وَأَقْبَلَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ يَسْأَلُ عَنْهُ ؟ فَقِيلَ هُوَ فِي الْبَادِيَةِ . فَأُخْبِرَ الْحُوَيْرِثُ أَنّهُ يُطْلَبُ وَتَنَحّى عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ عَنْ بَابِهِ فَخَرَجَ الْحُوَيْرِثُ يُرِيدُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ آخَرَ فَتَلَقّاهُ عَلِيّ فَضَرَبَ عُنُقَهُ . وَأَمّا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ كُلّمَا بَعَثَ سَرِيّةً أَمَرَهَا بِهَبّارِ إنْ أُخِذَ أَنْ يُحْرَقَ بِالنّارِ . ثُمّ قَالَ إنّمَا يُعَذّبُ بِالنّارِ رَبّ النّارِ اقْطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ إنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْهِ ثُمّ اُقْتُلُوهُ . فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكَانَ جُرْمُهُ أَنّهُ عَسّ بِابْنَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ وَضَرَبَ ظَهْرَهَا بِالرّمْحِ - وَكَانَتْ حُبْلَى - حَتّى سَقَطَتْ فَأَهْدَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمَهُ . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ بِالْمَدِينَةِ فِي أَصْحَابِهِ إذْ طَلَعَ هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَكَانَ لَسِنًا ، فَقَالَ يَا مُحَمّدُ سُبّ مَنْ سَبّك ; إنّي قَدْ جِئْت مُقِرّا بِالْإِسْلَامِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَقَبِلَ مِنْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَتْ سَلْمَى مَوْلَاةُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ لَا أَنْعَمَ اللّهُ بِك عَيْنًا أَنْتَ الّذِي فَعَلْت وَفَعَلْت . فَقَالَ إنّ الْإِسْلَامَ مَحَا ذَلِكَ . وَنَهَى [ ص 858 ] رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ سَبّهِ وَالتّعْرِيضِ لَهُ . قَالَ حَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عِمَارَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ كُنْت جَالِسًا مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَصْحَابِهِ فِي مَسْجِدِهِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ الْجِعِرّانَةِ ، فَطَلَعَ هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ مِنْ بَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا نَظَرَ الْقَوْمُ إلَيْهِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ رَأَيْته . فَأَرَادَ بَعْضُ الْقَوْمِ الْقِيَامَ إلَيْهِ فَأَشَارَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ اجْلِسْ وَوَقَفَ عَلَيْهِ هَبّارٌ فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْك يَا رَسُولَ اللّهِ ، إنّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّك رَسُولُ اللّهِ وَلَقَدْ هَرَبْت مِنْك فِي الْبِلَادِ وَأَرَدْت اللّحُوقَ بِالْأَعَاجِمِ ثُمّ ذَكَرْت عَائِدَتَك وَفَضْلَك وَبِرّك وَصَفْحَك عَمّنْ جَهِلَ عَلَيْك ; وَكُنّا يَا رَسُولَ اللّهِ أَهْلَ شِرْكٍ فَهَدَانَا اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِك ، وَأَنْقَذَنَا بِك مِنْ الْهَلَكَةِ فَاصْفَحْ عَنْ جَهْلِي وَعَمّا كَانَ يَبْلُغُك عَنّي ، فَإِنّي مُقِرّ بِسُوءِ فِعْلِي ، مُعْتَرِفٌ بِذَنْبِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ عَفَوْت عَنْك ، وَقَدْ أَحْسَنَ اللّهُ بِك حَيْثُ هَدَاك لِلْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ
(1/856)
قَالَ حَدّثَنِي وَاقِدُ بْنُ أَبِي يَاسِرٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، قَالَ قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ : مَا رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَكَرَ هَبّارًا قَطّ إلّا تَغَيّظَ عَلَيْهِ وَلَا رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ سَرِيّةً قَطّ إلّا قَالَ إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبّارٍ فَاقْطَعُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمّ اضْرِبُوا عُنُقَهُ . وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت أَطْلُبُهُ وَأَسْأَلُ عَنْهُ وَاَللّهُ يَعْلَمُ لَوْ ظَفِرْت بِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَتَلْته . ثُمّ طَلَعَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ جَالِسٌ فَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَقُولُ سُبّ [ ص 859 ] يَا مُحَمّدُ مَنْ سَبّك وَأُوذِيَ مَنْ آذَاكَ فَقَدْ كُنْت مُوضِعًا فِي سَبّك وَأَذَاك ، وَكُنْت مَخْذُولًا ، وَقَدْ نَصَرَنِي اللّهُ وَهَدَانِي لِلْإِسْلَامِ . قَالَ الزّبَيْرُ فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِنّهُ لَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ اسْتِحْيَاءً مِمّا يَعْتَذِرُ هَبّارٌ وَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ قَدْ عَفَوْت عَنْك ، الْإِسْلَامُ يَجُبّ مَا كَانَ قَبْلَهُ . وَكَانَ لَسِنًا ، وَكَانَ يَسُبّ حَتّى يَبْلُغَ مِنْهُ فَلَا يَنْتَصِفُ مِنْ أَحَدٍ . فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِلْمُهُ وَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَذَى ، فَقَالَ هَبّارٌ سُبّ مَنْ سَبّك
قَالُوا : وَأَمّا ابْنُ خَطَلٍ ، فَإِنّهُ خَرَجَ حَتّى دَخَلَ بَيْنَ أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ .
فَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى . قَالَ سَمِعْت أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيّ يَقُولُ فِي نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلّ بِهَذَا الْبَلَدِ أَخْرَجْت عَبْدَ اللّهِ بْنَ خَطَلٍ وَهُوَ مُعَلّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ ، فَضَرَبْت عُنُقَهُ بَيْنَ الرّكْنِ وَالْمَقَامِ . وَيُقَالُ قَتَلَهُ سَعِيدُ بْنُ حُرَيْثٍ الْمَخْزُومِيّ ; وَيُقَالُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَيُقَالُ شَرِيكُ بْنُ عَبَدَةَ الْعَجْلَانِيّ ، وَأَثْبَتَهُ عِنْدَنَا أَبُو بَرْزَةَ . وَكَانَ جُرْمُهُ أَنّهُ أَسْلَمَ وَهَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَاعِيًا ، وَبَعَثَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ خُزَاعَةَ ، فَكَانَ يَصْنَعُ طَعَامَهُ وَيَخْدُمُهُ فَنَزَلَا فِي مَجْمَعٍ فَأَمَرَهُ يَصْنَعُ لَهُ طَعَامًا ، وَنَامَ نِصْفَ النّهَارِ فَاسْتَيْقَظَ وَالْخُزَاعِيّ نَائِمٌ وَلَمْ يَصْنَعْ لَهُ شَيْئًا ، فَاغْتَاظَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ فَلَمْ يُقْلِعْ عَنْهُ حَتّى قَتَلَهُ فَلَمّا قَتَلَهُ قَالَ وَاَللّهِ لَيَقْتُلَنّي مُحَمّدٌ بِهِ إنْ جِئْته . فَارْتَدّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَسَاقَ مَا أَخَذَ مِنْ الصّدَقَةِ وَهَرَبَ إلَى مَكّةَ ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ مَكّةَ : مَا رَدّك إلَيْنَا ؟ قَالَ لَمْ [ ص 860 ] أَجِدْ دِينًا خَيْرًا مِنْ دِينِكُمْ . فَأَقَامَ عَلَى شِرْكِهِ وَكَانَتْ لَهُ قَيْنَتَانِ إحْدَاهُمَا فَرْتَنَا ، وَالْأُخْرَى أَرْنَبُ وَكَانَتَا فَاسِقَتَيْنِ وَكَانَ يَقُولُ الشّعْرَ يَهْجُو رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَأْمُرُهُمَا تُغَنّيَانِ بِهِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ وَعَلَى قَيْنَتَيْهِ الْمُشْرِكُونَ فَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَتُغَنّي الْقَيْنَتَانِ بِذَلِكَ الْهِجَاءِ . وَكَانَتْ سَارَةُ مَوْلَاةُ عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ مُغَنّيَةً نَوّاحَةً بِمَكّةَ فَيُلْقَى عَلَيْهَا هِجَاءُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتُغَنّي بِهِ وَكَانَتْ قَدْ قَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَطْلُبُ أَنْ يَصِلَهَا وَشَكَتْ الْحَاجَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا كَانَ لَك فِي غِنَائِك وَنِيَاحِك مَا يُغْنِيك فَقَالَتْ يَا مُحَمّدُ إنّ قُرَيْشًا مُنْذُ قُتِلَ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بِبَدْرٍ تَرَكُوا سَمَاعَ الْغِنَاءِ . فَوَصَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَوْقَرَ لَهَا بَعِيرًا طَعَامًا ، فَرَجَعَتْ إلَى قُرَيْشٍ وَهِيَ عَلَى دِينِهَا . فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَنْ تُقْتَلَ فَقُتِلَتْ يَوْمَئِذٍ . وَأَمّا الْقَيْنَتَانِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِمَا ، فَقُتِلَتْ إحْدَاهُمَا ; أَرْنَبُ أَوْ فَرْتَنَا ، وَأَمّا فَرْتَنَا فَاسْتُؤْمِنَ لَهَا حَتّى آمَنَتْ وَعَاشَتْ حَتّى كُسِرَ ضِلَعٌ مِنْ أَضْلَاعِهَا زَمَنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَمَاتَتْ مِنْهُ فَقَضَى فِيهَا عُثْمَانُ ثَمَانِيَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ سِتّةَ آلَافٍ دِيَتُهَا ، وَأَلْفَيْنِ تَغْلِيظًا لِلْجُرْمِ .
قَالُوا : وَأَمّا مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ فَإِنّهُ كَانَ مَعَ أَخْوَالِهِ بَنِي سَهْمٍ - كَانَتْ أُمّهُ سَهْمِيّةً - فَاصْطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ الْفَتْحِ فِي نَدَامَى لَهُ فَأَتَى نُمَيْلَةَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ اللّيْثِيّ ، وَعَلِمَ بِمَكَانِهِ فَدَعَاهُ فَخَرَجَ إلَيْهِ وَهُوَ ثَمِلٌ يَتَمَثّلُ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ جَعْفَرٍ وَغَيْرُهُ [ ص 861 ]
دَعِينِي أَصْطَبِحْ يَا بَكْرُ إنّي
رَأَيْت الْمَوْتَ نَقّبَ عَنْ هِشَامِ
وَنَقّبَ عَنْ أَبِيك أَبِي يَزِيدٍ
أَخِي الْقَيْنَاتِ وَالشّرْبِ الْكِرَامِ
بِهِمْ أَرْسَتْ رَوَاسٍ مِنْ ثَبِيرٍ
وَمِنْ ثَوْرٍ وَلَمْ تَصْمَمْ صَمَامِ
تُغَنّينِي الْحَمَامُ كَأَنّ رَهْطِي
خُزَاعَةُ أَوْ أُنَاسٌ مِنْ جُذَامِ
فَضَرَبَهُ بِالسّيْفِ حَتّى بَرّدَهُ . وَيُقَالُ خَرَجَ وَهُوَ ثَمِلٌ فِيمَا بَيْن الصّفَا وَالْمَرْوَةِ ، فَرَآهُ الْمُسْلِمُونَ فَهَبّتُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ حَتّى قَتَلُوهُ وَقَالَ شَاعِرُهُمْ
لَعَمْرِي لَقَدْ أَخْزَى نُمَيْلَةَ رَهْطُهُ
وَفُجّعَ إخْوَانُ السّنَاءِ بِمِقْيَسِ
فَلِلّهِ عَيْنَا مَنْ رَأَى مِثْلَ مِقْيَسٍ
إذَا النّفَسَاءُ أَصْبَحَتْ لَمْ تُخَرّسْ
وَكَانَ جُرْمُهُ أَنّ أَخَاهُ هَاشِمُ بْنُ صُبَابَةَ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْمُرَيْسِيعَمَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ خَطَأً وَلَا يَدْرِي ، فَظَنّ أَنّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَدِمَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ ، فَقَضَى لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالدّيَةِ عَلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَأَخَذَهَا وَأَسْلَمَ ثُمّ عَدَا عَلَى قَاتِلِ أَخِيهِ الْعُمَرِيّ فَقَتَلَهُ وَهَرَبَ مُرْتَدّا كَافِرًا يَقُولُ شِعْرًا . وَيُقَالُ قَتَلَهُ أَوْسُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهِ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ فِي رَهْجِ الْعَدُوّ فَخَرَجَ يَطْلُبُهُمْ فَرَجَعَ وَلَقِيَهُ أَوْسٌ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَقَتَلَهُ فَقَضَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِدِيَتِهِ عَلَى رَهْطِ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ - وَهَذَا أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ - فَقَالَ [ ص 862 ]
شَفَى النّفْسَ أَنْ قَدْ بَاتَ بِالْقَاعِ مُسْنَدًا
تُضَرّجُ ثَوْبَيْهِ دِمَاءُ الْأَخَادِعِ
ثَأَرْت بِهِ فِهْرًا وَحَمّلْت عَقْلَهُ
سَرَاةَ بَنِي النّجّارِ أَرْبَابَ فَارِعِ
حَمَلْت بِهِ وِتْرِي وَأَدْرَكْت ثُؤْرَتِي
وَكُنْت إلَى الْأَوْثَانِ أَوّلَ رَاجِعٍ
فَأَهْدَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمَهُ .
(1/859)
قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ إسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ أُبَيّ [ بْنِ ] كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ لَمّا رَجَعَ مِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ إلَى قُرَيْشٍ إلَى مَكّةَ قَالُوا : مَا رَدّك إلَيْنَا وَقَدْ اتّبَعْت مُحَمّدًا ؟ قَالَ فَانْطَلَقَ إلَى الصّنَمَيْنِ فَحَلَقَ رَأْسَهُ وَقَالَ لَمْ أَجِدْ دِينًا خَيْرًا مِنْ دِينِكُمْ وَلَا أَقْدَمَ . ثُمّ أَخْبَرَهُمْ كَيْفَ صَنَعَ وَكَيْفَ قَتَلَ قَاتِلَ أَخِيهِ .
قَالَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ الْهُذَلِيّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ الْهُذَلِيّ قَالَ لَمّا قُتِلَ النّفَرُ الّذِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِمْ سَمِعَ النّوْحَ عَلَيْهِمْ بِمَكّةَ وَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ فَقَالَ فِدَاك أَبِي وَأُمّي ، الْبَقِيّةُ فِي قَوْمِك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تُقْتَلُ قُرَيْشٌ صَبْرًا بَعْدَ الْيَوْمِ يَعْنِي عَلَى الْكُفْرِ .
قَالَ وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ فِرَاسٍ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْبَرْصَاءِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَا تُغْزَى قُرَيْشٌ بَعْدَ الْيَوْمِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَعْنِي عَلَى الْكُفْرِ .
قَالَ وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِ وَحْشِيّ [ ص 863 ] مَعَ النّفَرِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَحَدٍ أَحْرَصَ مِنْهُمْ عَلَى وَحْشِيّ . وَهَرَبَ وَحْشِيّ إلَى الطّائِفِ ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ مُقِيمًا حَتّى قَدِمَ فِي وَفْدِ الطّائِفِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ . فَقَالَ وَحْشِيّ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ اجْلِسْ حَدّثْنِي كَيْفَ قَتَلْت حَمْزَةَ . فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَيّبْ عَنّي وَجْهَك قَالَ فَكُنْت إذَا رَأَيْته تَوَارَيْت عَنْهُ . ثُمّ خَرَجَ النّاسُ إلَى مُسَيْلِمَةَ فَدَفَعْت إلَى مُسَيْلِمَةَ فَزَرَقْته بِالْحَرْبَةِ وَضَرَبَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَرَبّك أَعْلَمُ أَيّنَا قَتَلَهُ .
قَالَ وَحَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَامَ الْفَتْحِ فَاسْتَسْلَفَ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْطَاهُ فَلَمّا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِمْ هَوَازِنَ وَغَنّمَهُ أَمْوَالَهَا رَدّهَا وَقَالَ إنّمَا جَزَاءُ السّلَفِ الْحَمْدُ وَالْأَدَاءُ . وَقَالَ بَارَكَ اللّهُ لَك فِي مَالِك وَوَلَدِك
قَالَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ الْهُذَلِيّ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ الْهُذَلِيّ قَالَ اسْتَقْرَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ : مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ خَمْسِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقْرَضَهُ وَاسْتَقْرَضَ مِنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَرْبَعِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَاسْتَقْرَضَ مِنْ حُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَكَانَتْ ثَلَاثِينَ وَمِائَةَ أَلْفٍ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ مِنْ أَهْلِ الضّعْفِ .
قَالَ فَأَخْبَرَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْفَتْحِ أَنّهُ قَسَمَ فِيهِمْ دَرَاهِمَ فَيُصِيبُ الرّجُلُ خَمْسِينَ دِرْهَمًا [ ص 864 ] أَوْ أَقَلّ أَوْ أَكْثَرَ وَمِنْ ذَلِكَ الْمَالِ بَعَثَ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ .
قَالَ وَحَدّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ الْكَلْبِيّ عَنْ صَالِحٍ عَنْ الْمُطّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ ، قَالَ طَافَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْبَيْتِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَعَطِشَ فَاسْتَسْقَى . فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللّهِ . عِنْدَنَا شَرَابٌ مِنْ هَذَا الزّبِيبِ أَفَلَا أَسْقِيك مِنْهُ ؟ قَالَ بَلَى . قَالَ فَبَعَثَ الرّجُلُ إلَى بَيْتِهِ فَأَتَى بِقَدَحٍ عَظِيمٍ فَأَدْنَاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ فِيهِ . فَوَجَدَ لَهُ رِيحًا شَدِيدَةً فَكَرِهَهُ فَرَدّهُ . قَالَ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَاءِ ثُمّ دَعَا بِهِ . قَالَ وَأُتِيَ بِمَاءِ مِنْ زَمْزَمَ فَصَبّهُ عَلَيْهِ حَتّى رَأَيْت الْمَاءَ يَفِيضُ مِنْ جَانِبِهِ وَشَرِبَ مِنْهُ حَاجَتَهُ ثُمّ نَاوَلَهُ الّذِي عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ مَنْ أَرَابَهُ مِنْ شَرَابِهِ رَيْبٌ فَلْيَكْسِرْهُ بِالْمَاءِ . قَالَ حَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَسْلَمَ ، وَهِشَامِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، عَنْ أَبِي وَعْلَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَهْدَى صَدِيقٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ثَقِيفٍ رَاوِيَةَ خَمْرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا عَلِمْت أَنّ اللّهَ تَعَالَى حَرّمَهَا ؟ فَسَارّ الرّجُلُ غُلَامَهُ اذْهَبْ بِهَا إلَى الْحَزْوَرَةِ فَبِعْهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَ أَمَرْته ؟ قَالَ بِبَيْعِهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ الّذِي حَرّمَ شُرْبَهَا حَرّمَ بَيْعَهَا فَبَلَغَنِي أَنّهَا فُرّغَتْ فِي الْبَطْحَاءِ .
قَالَ وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ . عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ عَنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ وَثَمَنِ الْخِنْزِيرِ وَثَمَنِ الْمَيْتَةِ وَثَمَنِ الْأَصْنَامِ وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ .
قَالَ وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ عَنْ [ ص 865 ] عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ قِيلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ مَا تَرَى فِي شُحُومِ الْمَيْتَةِ يُدْهَنُ بِهَا السّقَاءُ ؟ فَقَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَاتَلَ اللّهُ الْيَهُودَ حَرّمَ عَلَيْهِمْ الشّحُومَ فَبَاعُوهَا فَأَكَلُوا ثَمَنَهَا
قَالَ وَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ عَنْ ثَمَنِ الْخَمْرِ فَقَالَ قَاتَلَ اللّهُ الْيَهُودَ حَرّمَ عَلَيْهِمْ الشّحْمَ فَبَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَه
قَالَ وَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ الرّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ حَرّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُتْعَةَ النّسَاءِ يَوْمَئِذٍ
قَالَ وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، وَمَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو بْنِ عَدِيّ بْنِ الْحَمْرَاءِ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِالْحَزْوَرَةِ وَاَللّهِ إنّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللّهِ وَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إلَيّ وَلَوْلَا أَنّي أُخْرِجْت مِنْك مَا خَرَجْت
(1/863)
قَالَ حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ ، عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِثْلُ ذَلِكَ وَقَالَ لَوْلَا أَنّ أَهْلَك أَخَرَجُونِي مَا خَرَجْت
قَالَ وَحَدّثَنِي شَيْخٌ مِنْ خُزَاعَةَ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ كَانَ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ غُلَامٌ يُقَالُ لَهُ جَبْرٌ وَكَانَ يَهُودِيّا ، فَسَمِعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ يَقْرَأُ سُورَةَ يُوسُفَ فَعَرَفَ الّذِي ذُكِرَ فِي ذَلِكَ فَاطْمَأَنّ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَسْلَمَ فَلَمّا ارْتَدّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ عَنْ إسْلَامِهِ رَجَعَ إلَى مَكّةَ فَأَخْبَرَ أَهْلَهُ بِإِسْلَامِهِ وَكَانَ الْعَبْدُ يَكْتُمُ [ ص 866 ] إسْلَامَهُ مِنْ أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَعَذّبُوهُ أَشَدّ الْعَذَابِ حَتّى قَالَ لَهُمْ الّذِي يُرِيدُونَ فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ جَاءَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَشَكَا إلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ مَا لَقِيَ فِي سَبَبِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدٍ . قَالَ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَمَنَهُ فَاشْتَرَى نَفْسَهُ فَعَتَقَ وَاسْتَغْنَى وَنَكَحَ امْرَأَةً لَهَا شَرَفٌ .
قَالَ حَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ إنّي نَذَرْت أَنْ أُصَلّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ إنْ فَتَحَ اللّهُ عَلَيْك مَكّةَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَاهُنَا أَفْضَلُ . فَرَدّ ذَلِكَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَصَلَاةٌ هَاهُنَا أَفَضْلُ مِنْ أَلْفٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْبُلْدَانِ
وَقَالَتْ مَيْمُونَةُ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي جَعَلْت عَلَى نَفْسِي ، إنْ فَتَحَ اللّهُ عَلَيْك مَكّةَ ، أَنْ أُصَلّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ . فقال رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَقْدِرِينَ عَلَى ذَلِكَ يَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَهُ الرّومُ . فَقَالَتْ آتِي بِخَفِيرٍ يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ . فَقَالَ لَا تَقْدِرِينَ عَلَى ذَلِكَ وَلَكِنْ ابْعَثِي بِزَيْتٍ يُسْتَصْبَحُ لَك بِهِ فِيهِ فَكَأَنّك أَتَيْته فَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تَبْعَثُ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ كُلّ سَنَةٍ بِمَالٍ يُشْتَرَى بِهِ زَيْتٌ يُسْتَصْبَحُ بِهِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، حَتّى مَاتَتْ فَأَوْصَتْ بِذَلِكَ .
قَالَ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ ، عَنْ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحْرِزٍ قَالَا : لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ جَلَسَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي مَجْلِسٍ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ [ ص 867 ] عُبَادَةَ ، فَمَرّ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ : قَدْ كَانَ يُذْكَرُ لَنَا مِنْ نِسَاءِ قُرَيْشٍ حُسْنٌ وَجَمَالٌ مَا رَأَيْنَا هُنّ كَذَلِكَ قَالَ فَغَضِبَ عَبْدُ الرّحْمَنِ حَتّى كَادَ أَنْ يَقَعَ بِسَعْدٍ وَأَغْلَظَ عَلَيْهِ فَفَرّ مِنْهُ سَعْدٌ حَتّى أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَاذَا لَقِيت مِنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا لَهُ ؟ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ . قَالَ فَغَضِبَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى كَانَ وَجْهُهُ لَيُتَوَقّدُ ثُمّ قَالَ رَأَيْتهنّ وَقَدْ أُصِبْنَ بِآبَائِهِنّ وَأَبْنَائِهِنّ وَإِخْوَانِهِنّ وَأَزْوَاجِهِنّ خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ وَأَبْذَلُهُ لِزَوْجٍ بِمَا مَلَكَتْ يَدٌ
وَكَانَ أَبُو الطّفَيْلِ عَامِرُ بْنُ وَاثِلَةَ يَقُولُ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ ، فَمَا أَنْسَى شِدّةَ بَيَاضِهِ وَسَوَادَ شَعْرِهِ وَإِنّ مِنْ الرّجَالِ لَمَنْ هُوَ أَطْوَلُ مِنْهُ وَمِنْهُمْ مَنْ [ هُوَ ] أَقْصَرُ مِنْهُ يَمْشِي وَيَمْشُونَ حَوْلَهُ . قَالَ فَقُلْت لِأُمّي : مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَتْ رَسُولُ اللّهِ . قِيلَ لَهُ مَا ثِيَابُهُ ؟ قَالَ لَا أَدْرِي
قَالَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبّادٍ قَالَ دَخَلْنَا بَعْدَ فَتْحِهَا بِأَيّامٍ نَنْظُرُ وَنَرْتَادُ وَأَنَا مَعَ أَبِي ، فَنَظَرْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَاعَةَ رَأَيْته عَرَفْته وَذَكَرْت رُؤْيَتِي إيّاهُ بِذِي الْمَجَازِ وَأَبُو لَهَبٍ يَتْبَعُ أَثَرَهُ يَوْمَئِذٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَنْ [ ص 868 ] يَزِيدَ حِلْفَ الْجَاهِلِيّةِ الْإِسْلَامُ إلّا شِدّةً . وَكَانَتْ أُمّ هَانِئٍ تُحَدّثُ تَقُولُ مَا رَأَيْت أَحَدًا كَانَ أَحْسَنَ ثَغْرًا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا رَأَيْت بَطْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا ذَكَرْت الْقَرَاطِيسَ الْمُثْنِيَةَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ - تَعْنِي عُكَنَهُ - وَقَدْ رَأَيْته دَخَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ قَدْ ضَفّرَ رَأْسَهُ بِضَفَائِرَ أَرْبَعٍ .
(1/866)
قَالَ وَحَدّثَنِي عَلِيّ بْنُ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمّتِهِ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ ضَفّرْت رَأْسَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَرْبَعَ ضَفَائِرَ فَلَمْ يُحِلّهُ حَتّى فَتَحَ مَكّةَ وَمُقَامُهُ بِمَكّةَ حَتّى حِينَ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى حُنَيْنٍ حَلّهُ وَغَسَلْت رَأْسَهُ بِسِدْر
قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ الْهُذَلِيّ قَالَ لَمّا أَسْلَمَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ أَرْسَلَتْ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِهَدِيّةٍ - وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ - مَعَ مَوْلَاةٍ لَهَا ، بِجَدْيَيْنِ مَرْضُوفَيْنِ وَقَدّ . فَانْتَهَتْ الْجَارِيَةُ إلَى خَيْمَةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَلّمَتْ وَاسْتَأْذَنَتْ فَأَذِنَ لَهَا فَدَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ بَيْنَ نِسَائِهِ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجَتِهِ وَمَيْمُونَةَ ، وَنِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَقَالَتْ إنّ مَوْلَاتِي أَرْسَلَتْ إلَيْك بِهَذِهِ الْهَدِيّةِ وَهِيَ مُعْتَذِرَةٌ إلَيْك وَتَقُولُ إنّ غَنَمَنَا الْيَوْمَ قَلِيلَةُ الْوَالِدَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَارَكَ اللّهُ لَكُمْ فِي غَنَمِكُمْ وَأَكْثَرَ [ ص 869 ] وَالِدَتَهَا فَرَجَعَتْ الْمَوْلَاةُ إلَى هِنْدٍ فَأَخْبَرَتْهَا بِدُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسُرّتْ بِذَلِكَ فَكَانَتْ الْمَوْلَاةُ تَقُولُ لَقَدْ رَأَيْنَا مِنْ كَثْرَةِ غَنَمِنَا وَوَالِدَتِنَا مَا لَمْ نَكُنْ نَرَى قَبْلُ وَلَا قَرِيبًا ، فَتَقُولُ هِنْدٌ : هَذَا دُعَاءُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَرَكَتُهُ فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ ثُمّ تَقُولُ لَقَدْ كُنْت أَرَى فِي النّوْمِ أَنّي فِي الشّمْسِ أَبَدًا قَائِمَةً وَالظّلّ مِنّي قَرِيبٌ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ فَلَمّا دَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنّا رَأَيْت كَأَنّي دَخَلْت الظّلّ
قَالَ أَبُو حُصَيْنٍ وَقَدِمَتْ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إحْدَى نِسَاءِ بَنِي سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ - إمّا خَالَةٌ أَوْ عَمّةٌ - بِنَحْيٍ مَمْلُوءٍ سَمْنًا وَجِرَابٍ أَقِطٍ فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْأَبْطَحِ ، فَلَمّا دَخَلَتْ انْتَسَبَتْ لَهُ فَعَرَفَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَاهَا إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَتْ وَصَدّقَتْ ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَبُولِ هَدِيّتِهَا ، وَجَعَلَ يُسَائِلُهَا عَنْ حَلِيمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنّهَا تُوُفّيَتْ فِي الزّمَانِ . قَالَ فَذَرَفَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ سَأَلَهَا : مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ؟ فَقَالَتْ أَخَوَاك وَأُخْتَاك ، وَهُمْ وَاَللّهِ مُحْتَاجُونَ إلَى بِرّك وَصِلَتِك ، وَلَقَدْ كَانَ لَهُمْ مَوْئِلٌ فَذَهَبَ .
وَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْنَ أَهْلُك ؟ فَقَالَتْ بِذَنَبِ أَوْطَاسٍ . فَأَمَرَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكِسْوَةٍ وَأَعْطَاهَا جَمَلًا ظَعِينَةً وَأَعْطَاهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ . وَانْصَرَفَتْ وَهِيَ تَقُولُ نِعْمَ وَاَللّهِ الْمَكْفُولُ كُنْت صَغِيرًا ، وَنِعْمَ الْمَرْءُ كُنْت كَبِيرًا ، عَظِيمَ الْبَرَكَةِ .
قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْهُذَلِيّ قَالَ [ ص 870 ] لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ بَثّ السّرَايَا ، فَبَعَثَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إلَى الْعُزّى ، وَبَعَثَ إلَى ذِي الْكَفّيْنِ - صَنَمِ عَمْرِو بْنِ حُمَمَةَ - الطّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدّوْسِيّ ، فَجَعَلَ يُحَرّقُهُ بِالنّارِ وَيَقُولُ
يَا ذَا الْكَفّيْنِ لَسْت مِنْ عِبَادِكَا
مِيلَادُنَا أَقْدَمُ مِنْ مِيلَادِكَا
أَنَا حَشَشْت النّارَ فِي فُؤَادِكَا
وَبَعَثَ سَعْدَ بْنَ زَيْدٍ الْأَشْهَلِيّ إلَى مَنَاةَ بِالْمُشَلّلِ فَهَدَمَهُ وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ إلَى صَنَمِ هُذَيْلٍ - سُوَاعٍ - فَهَدَمَهُ فَكَانَ عَمْرٌو يَقُولُ انْتَهَيْت إلَيْهِ وَعِنْدَهُ السّادِنُ فَقَالَ مَا تُرِيدُ ؟ فَقُلْت : هَدْمُ سُوَاعٍ . فَقَالَ مَا لَك وَلَهُ ؟ فَقُلْت : أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَا تَقْدِرُ عَلَى هَدْمِهِ . قُلْت : لِمَ ؟ قَالَ يَمْتَنِعُ . قَالَ عَمْرٌو : حَتّى الْآنَ أَنْتَ فِي الْبَاطِلِ وَيْحَك هَلْ يَسْمَعُ أَوْ يُبْصِرُ ؟ قَالَ عَمْرٌو : فَدَنَوْت إلَيْهِ فَكَسَرْته ، وَأَمَرْت أَصْحَابِي فَهَدَمُوا بَيْتَ خِزَانَتِهِ وَلَمْ يَجِدُوا فِيهَا شَيْئًا ، ثُمّ قَالَ لِلسّادِنِ كَيْفَ رَأَيْت ؟ قَالَ أَسْلَمْت لِلّهِ . ثُمّ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَبِرَسُولِهِ فَلَا يَدَعَن فِي بَيْتِهِ صَنَمًا إلّا كَسَرَهُ . قَالَ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَكْسِرُونَ تِلْكَ الْأَصْنَامَ وَكَانَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ حِينَ أَسْلَمَ لَا يَسْمَعُ بِصَنَمٍ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ قُرَيْشٍ إلّا مَشَى إلَيْهِ حَتّى يَكْسِرَهُ وَكَانَ أَبُو تِجْرَاةَ يَعْمَلُهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ وَيَبِيعُهَا . قَالَ سَعْدُ بْنُ عَمْرٍو : أَخْبَرَنِي أَنّهُ كَانَ يَرَاهُ يَعْمَلُهَا وَيَبِيعُهَا . وَلَمْ يَكُنْ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ بِمَكّةَ إلّا وَفِي بَيْتِهِ صَنَمٌ .
قَالَ وَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُحَيْمٍ عَنْ بَعْضِ آلِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ نَادَى [ ص 871 ] مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ فَلَا يَتْرُكَن فِي بَيْتِهِ صَنَمًا إلّا كَسَرَهُ أَوْ حَرَقَهُ وَثَمَنُهُ حَرَامٌ قَالَ جُبَيْرٌ وَقَدْ كُنْت أَرَى قَبْلَ ذَلِكَ الْأَصْنَامَ يُطَافُ بِهَا مَكّةَ ، فَيَشْتَرِيهَا أَهْلُ الْبَدْوِ فَيَخْرُجُونَ بِهَا إلَى بُيُوتِهِمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا وَفِي بَيْتِهِ صَنَمٌ إذَا دَخَلَ مَسَحَهُ وَإِذَا خَرَجَ مَسَحَهُ تَبَرّكًا بِهِ .
قَالَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزّنَادِ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ ، قَالَ لَمّا أَسْلَمَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ جَعَلَتْ تَضْرِبُ صَنَمًا فِي بَيْتِهَا بِالْقَدُومِ فِلْذَةً فِلْذَةً وَهِيَ تَقُولُ كُنّا مِنْك فِي غُرُورٍ قَالَ وَحَدّثَنِي مُحَمّدٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ
قَالَ حَدّثَنِي مَخْرَمَةُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ [ ص 872 ]
(1/869)
====
شَأْنُ هَدْمِ الْعُزّى [ ص 873 ] قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو الْهُذَلِيّ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ فَبَثّ السّرَايَا فِي كُلّ وَجْهٍ أَمَرَهُمْ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْإِسْلَامِ . فَخَرَجَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ فِي مِائَتَيْنِ قَبْلَ يَلَمْلَمَ ، وَخَرَجَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فِي ثَلَثِمِائَةٍ قَبْلَ عُرَنَةَ . وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى الْعُزّى يَهْدِمُهَا ، فَخَرَجَ خَالِدٌ فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا مِنْ أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَى إلَيْهَا وَهَدَمَهَا . ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هَدَمْت ؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ رَأَيْت شَيْئًا مَا ؟ قَالَ لَا . قَالَ فَإِنّك لَمْ تَهْدِمْهَا ، فَارْجِعْ إلَيْهَا فَاهْدِمْهَا . فَرَجَعَ خَالِدٌ وَهُوَ مُتَغَيّظٌ فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهَا جَرّدَ سَيْفَهُ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عُرْيَانَةٌ نَاشِرَةُ الرّأْسِ فَجَعَلَ السّادِنُ يَصِيحُ بِهَا . قَالَ خَالِدٌ وَأَخَذَنِي اقْشِعْرَارٌ فِي ظَهْرِي ، فَجَعَلَ يَصِيحُ
أَيَا عُزّ شُدّي شَدّةً لَا تُكَذّبِي
عَلَى خَالِدٍ أَلْقِي الْقِنَاعَ وَشَمّرِي
أَيَا عُزّ إنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَرْءَ خَالِدًا
فَبُوئِي بِذَنْبٍ عَاجِلٍ أَوْ تَنَصّرِي
[ ص 874 ] قَالَ وَأَقْبَلَ خَالِدٌ بِالسّيْفِ إلَيْهَا وَهُوَ يَقُولُ
يَا عُزّ كُفْرَانَك لَا سُبْحَانَك
إنّي وَجَدْت اللّهَ قَدْ أَهَانَك
قَالَ فَضَرَبَهَا بِالسّيْفِ فَجَزّلَهَا بِاثْنَيْنِ ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ نَعَمْ تِلْكَ الْعُزّى وَقَدْ يَئِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبِلَادِكُمْ أَبَدًا . ثُمّ قَالَ خَالِدٌ أَيْ رَسُولَ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَكْرَمَنَا وَأَنْقَذَنَا مِنْ الْهَلَكَةِ إنّي كُنْت أَرَى أَبِي يَأْتِي إلَى الْعُزّى بِحِتْرِهِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَيَذْبَحُهَا لِلْعُزّى ، وَيُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمّ يَنْصَرِفُ إلَيْنَا مَسْرُورًا ، فَنَظَرْت إلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَبِي ، وَذَلِكَ الرّأْيُ الّذِي كَانَ يُعَاشُ فِي فَضْلِهِ كَيْفَ خُدِعَ حَتّى صَارَ يَذْبَحُ لِحَجَرٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَعُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَذَا الْأَمْرَ إلَى اللّهِ فَمَنْ يَسّرَهُ لِلْهُدَى تَيَسّرَ وَمَنْ يَسّرَهُ لِلضّلَالَةِ كَانَ فِيهَا . وَكَانَ هَدْمُهَا لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ . وَكَانَ سَادِنُهَا أَفْلَحَ بْنَ نَضْرٍ الشّيْبَانِيّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ حَزِينٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ مَا لِي أَرَاك حَزِينًا ؟ قَالَ أَخَافُ أَنْ تَضِيعَ الْعُزّى مِنْ بَعْدِي . قَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ فَلَا تَحْزَنْ فَأَنَا أَقُومُ عَلَيْهَا بَعْدَك . فَجَعَلَ كُلّ مَنْ لَقِيَ قَالَ إنْ تَظْهَرَ الْعُزّى كُنْت قَدْ اتّخَذْت يَدًا عِنْدَهَا بِقِيَامِي عَلَيْهَا ، وَإِنْ يَظْهَرَ مُحَمّدٌ عَلَى الْعُزّى - وَلَا أَرَاهُ يَظْهَرُ - فَابْنُ أَخِي فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ
وَيُقَالُ إنّهُ قَالَ هَذَا فِي اللّاتِي . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ . . ..
(1/873)
الصفحة السابقة // الصفحة التالية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق