وَكَانَتْ بَنُو بَكْرٍ قَدْ حَبَسَتْ
خُزَاعَةَ فِي دَارِ بُدَيْلٍ وَرَافِعٍ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ لَمْ يُكَلّمُوا
فِيهِمْ وَائْتَمَرَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَخْرُجَ أَبُو سُفْيَانَ ، فَأَقَامَ
يَوْمَيْنِ ثُمّ خَرَجَ فَهَذَا خَمْسٌ بَعْدَ مَقْتَلِ خُزَاعَةَ . وَأَقْبَلَ
أَبُو سُفْيَانَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَدَخَلَ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ إنّي كُنْت غَائِبًا فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ
، فَاشْدُدْ الْعَهْدَ وَزِدْنَا فِي الْمُدّةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَدَثٌ ؟ قَالَ مَعَاذَ اللّهِ
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَنَحْنُ عَلَى
مُدّتِنَا وَصُلْحِنَا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ، لَا نُغِيرُ وَلَا نُبَدّلُ .
ثُمّ قَامَ مِنْ عِنْدِهِ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ أُمّ حَبِيبَة َ فَلَمّا
ذَهَبَ لِيَجْلِسَ عَلَى فِرَاشِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
طَوَتْهُ دُونَهُ فَقَالَ أَرَغِبْت بِهَذَا الْفِرَاشِ عَنّي أَوْ بِي عَنْهُ ؟
قَالَتْ [ ص 793
] بَلْ هُوَ فِرَاشُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنْتَ امْرُؤٌ نَجَسٌ مُشْرِكٌ قَالَ يَا بُنَيّةُ لَقَدْ
أَصَابَك بِعِلْمِك شَرّ قَالَتْ هَدَانِي اللّهُ لِلْإِسْلَامِ وَأَنْتَ يَا
أَبَت سَيّدُ قُرَيْشٍ وَكَبِيرُهَا ، كَيْفَ يَسْقُطُ عَنْك الدّخُولُ فِي الْإِسْلَامِ
وَأَنْتَ تَعْبُدُ حَجَرًا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ ؟ قَالَ يَا عَجَبَاه ،
وَهَذَا مِنْك أَيْضًا ؟ أَأَتْرُكُ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَائِي وَأَتّبِعُ
دِينَ مُحَمّدٍ ؟ ثُمّ قَامَ مِنْ عِنْدِهَا فَلَقِيَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَكَلّمَهُ وَقَالَ تُكَلّمُ مُحَمّدًا وَتُجِيرُ أَنْتَ
بَيْنَ النّاسِ ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ جِوَارِي فِي
جِوَارِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . ثُمّ لَقِيَ عُمَر َ
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَكَلّمَهُ بِمِثْلِ مَا كَلّمَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ ،
فَقَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ لَوْ وَجَدْت الذّرّ تُقَاتِلُكُمْ لَأَعَنْتهَا
عَلَيْكُمْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ جُزِيَتْ مِنْ ذِي رَحِمٍ شَرّا . ثُمّ دَخَلَ
عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ إنّهُ لَيْسَ فِي الْقَوْمِ
أَحَدٌ أَقْرَبُ بِي رَحِمًا مِنْك ، فَزِدْ فِي الْهُدْنَةِ وَجَدّدْ الْعَهْدَ
فَإِنّ صَاحِبَك لَنْ يَرُدّهُ عَلَيْك أَبَدًا ; وَاَللّهِ مَا رَأَيْت رَجُلًا قَطّ أَكْثَرَ إكْرَامًا لِصَاحِبٍ مِنْ مُحَمّدٍ
لِأَصْحَابِهِ قَالَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ جِوَارِي فِي جِوَارِ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
(1/793)
وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ دَخَلَ عَلَى فَاطِمَة َ بِنْتِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَكَلّمَهَا فَقَالَ أَجِيرِي بَيْنَ النّاسِ فَقَالَتْ إنّمَا أَنَا
امْرَأَةٌ . قَالَ إنّ جِوَارَك جَائِزٌ قَدْ أَجَارَتْ أُخْتُك أَبَا الْعَاصِ
بْنَ الرّبِيعِ ، فَأَجَازَ ذَلِكَ مُحَمّدٌ . قَالَتْ فَاطِمَةُ ذَلِكَ إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ .
فَقَالَ مُرِي أَحَدَ بَنِيك يُجِيرُ بَيْنَ النّاسِ [ ص 794 ] قَالَتْ إنّهُمَا
صَبِيَانِ وَلَيْسَ مِثْلُهُمَا يُجِيرُ . فَلَمّا أَبَت عَلَيْهِ أَتَى عَلِيّا
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَقَالَ يَا أَبَا الْحَسَنِ أَجِرْ بَيْنَ النّاسِ
وَكَلّمْ مُحَمّدًا يُزِيدُ فِي الْمُدّةِ قَالَ علي : وَيْحَك يَا أَبَا
سُفْيَانَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ عَزَمَ أَلَا
يَفْعَلَ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَيْءٍ يَكْرَهُهُ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَمَا
الرّأْيُ ؟ يَسّرْ لِي أَمْرِي ، فَإِنّهُ قَدْ ضَاقَ عَلَيّ فَمَرّ لِي
بِأَمْرٍ تَرَى أَنّهُ نَافِعِي فَقَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا أَجِدُ
لَك شَيْئًا [ أَمْثَلَ ] مِنْ أَنْ تَقُومَ فَتُجِيرُ بَيْنَ النّاسِ فَإِنّك
سَيّدُ كِنَانَةَ . قَالَ تَرَى ذَلِكَ مُغْنِيًا عَنّي شَيْئًا ؟ قَالَ عَلِيّ
عَلَيْهِ السّلَامُ لَا أَظُنّ ذَلِكَ وَاَللّهِ وَلَكِنّي لَا أَجِدُ لَك
غَيْرَهُ . فَقَامَ بَيْنَ ظَهْرَيْ النّاسِ فَصَاحَ أَلَا أَنّي قَدْ أَجَرْت
بَيْنَ النّاسِ وَلَا أَظُنّ مُحَمّدًا يَخْفِرُنِي ثُمّ دَخَلَ عَلَى النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ مَا أَظُنّ أَنْ تَرُدّ
جِوَارِي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتَ تَقُولُ
ذَلِكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ .
(1/794)
حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ وَاقِدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ قَالَ جَاءَ أَبُو سُفْيَانَ إلَى سَعْدِ
بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ يَا أَبَا ثَابِتٍ . قَدْ عَرَفْت الّذِي كَانَ بَيْنِي
وَبَيْنَك ، وَأَنّي قَدْ كُنْت لَك فِي حَرَمِنَا جَارًا ، وَكُنْت لِي
بِيَثْرِبَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَنْتَ سَيّدُ هَذِهِ الْبَحْرَةِ فَأَجِرْ بَيْنَ
النّاسِ وَزِدْ فِي الْمُدّةِ . فَقَالَ سَعْدٌ يَا أَبَا سُفْيَانَ جِوَارِي
فِي جِوَارِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا يُجِيرُ أَحَدٌ عَلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَيُقَالُ خَرَجَ أَبُو
سُفْيَانَ عَلَى أَنّهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ [ ص 795 ] يُقَالُ لَمّا صَاحَ لَمْ يَقْرَبْ النّبِيّ صَلّى اللّهَ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ وَانْطَلَقَ إلَى مَكّةَ ، وَكَانَ قَدْ حُبِسَ وَطَالَتْ
غَيْبَتُهُ وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اتّهَمَتْهُ حِينَ أَبْطَأَ أَشَدّ
التّهْمَةِ وَقَالُوا : وَاَللّهِ إنّا نَرَاهُ قَدْ صَبَأَ وَاتّبَعَ مُحَمّدًا
سِرّا وَكَتَمَ إسْلَامَهُ فَلَمّا دَخَلَ عَلَى هِنْدٍ لَيْلًا قَالَتْ لَقَدْ
حُبِسْت حَتّى اتّهَمَك قَوْمُك ، فَإِنْ كُنْت مَعَ طُولِ الْإِقَامَةِ
جِئْتهمْ بِنُجْحٍ فَأَنْتَ الرّجُلُ ثُمّ دَنَا مِنْهَا فَجَلَسَ مَجْلِسَ
الرّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَجَعَلَتْ تَقُولُ مَا صَنَعْت ؟ فَأَخْبَرَهَا
الْخَبَرَ وَقَالَ لَمْ أَجِدْ إلّا مَا قَالَ لِي عَلِيّ . فَضَرَبَتْ
بِرِجْلَيْهَا فِي صَدْرِهِ وَقَالَتْ قُبّحْت مِنْ رَسُولِ قَوْمٍ
(1/795)
حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ
أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ فَلَمّا أَصْبَحَ حَلَقَ رَأْسَهُ عِنْدَ
الصّنَمَيْنِ إِسَافَ وَنَائِلَةَ وَذَبَحَ لَهُمَا ، وَجَعَلَ يَمْسَحُ
بِالدّمِ رُءُوسَهُمَا ، وَيَقُولُ لَا أُفَارِقُ عِبَادَتَكُمَا حَتّى أَمُوتَ
عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَبِي أَبْرَأُ لِقُرَيْشٍ مِمّا اتّهَمُوهُ .
وَحَدّثَنِي حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ وَقَالَتْ لَه قُرَيْشٌ : مَا وَرَاءَك ؟ هَلْ جِئْتنَا بِكِتَابٍ مِنْ
مُحَمّدٍ أَوْ زِيَادَةٍ فِي مُدّةٍ ؟ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَغْزُونَا فَقَالَ
وَاَللّهِ لَقَدْ أَبَى عَلَيّ وَلَقَدْ كَلّمْت عِلْيَةَ أَصْحَابِهِ فَمَا
قَدَرْت عَلَى شَيْءٍ مِنْهُمْ إلّا أَنّهُمْ يَرْمُونَنِي بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ
إلّا أَنّ عَلِيّا قَدْ قَالَ لَمّا ضَاقَتْ بِي الْأُمُورُ أَنْتَ سَيّدُ
كِنَانَةَ ، فَأَجِرْ بَيْنَ النّاسِ فَنَادَيْت بِالْجِوَارِ ثُمّ دَخَلْت
عَلَى مُحَمّدٍ فَقُلْت : إنّي قَدْ أَجَرْت بَيْنَ النّاسِ وَمَا أَظُنّ أَنْ تَرُدّ
جِوَارِي . فَقَالَ مُحَمّدٌ أَنْتَ تَقُولُ ذَلِكَ يَا أَبَا سُفْيَانَ لَمْ
يَزِدْنِي عَلَى ذَلِكَ . قَالُوا : مَا زَادَ عَلَى أَنْ تَلْعَبَ بِك
تَلَعّبًا قَالَ وَاَللّهِ مَا وَجَدْت غَيْرَ ذَلِكَ .
(1/795)
حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ
الزّهْرِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ [ ص 796 ] مُطْعِمٍ قَالَ لَمّا
وَلّى أَبُو سُفْيَانَ رَاجِعًا قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لِعَائِشَةَ جَهّزِينَا وَأَخْفِي أَمْرَك وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ خُذْ عَلَى قُرَيْشٍ الْأَخْبَارَ
وَالْعُيُونَ حَتّى نَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَيُقَالُ قَالَ اللّهُمّ خُذْ عَلَى قُرَيْشٍ
أَبْصَارَهُمْ فَلَا يَرَوْنِي إلّا بَغْتَةً وَلَا يَسْمَعُونَ بِي إلّا
فَجْأَة قَالُوا : وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالْأَنْقَابِ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَطُوفُ
عَلَى الْأَنْقَابِ قَيّمًا بِهِمْ فَيَقُولُ لَا تَدْعُوا أَحَدًا يَمُرّ
بِكُمْ تُنْكِرُونَهُ إلّا رَدَدْتُمُوهُ - وَكَانَتْ الْأَنْقَابُ مُسْلِمَةً -
إلّا مَنْ سَلَكَ إلَى مَكّةَ فَإِنّهُ يَتَحَفّظُ بِهِ وَيَسْأَلُ عَنْهُ أَوْ
نَاحِيَةِ مَكّةَ . قَالُوا : فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ تُجَهّزُ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَعْمَلُ قَمْحًا سَوِيقًا
وَدَقِيقًا وَتَمْرًا ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْر ٍ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ
أَهَمّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِغَزْوٍ ؟ قَالَتْ مَا
أَدْرِي . قَالَ إنْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ هَمّ بِسَفَرٍ فَآذِنِينَا نَتَهَيّأْ
لَهُ . قَالَتْ مَا أَدْرِي ، لَعَلّهُ يُرِيدُ بَنِي سُلَيْمٍ لَعَلّهُ يُرِيدُ
ثَقِيفًا ، لَعَلّهُ يُرِيدُ هَوَازِنَ فَاسْتَعْجَمَتْ عَلَيْهِ حَتّى دَخَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ : يَا
رَسُولَ اللّهِ أَرَدْت سَفَرًا ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ نَعَمْ . قَالَ أَفَأَتَجَهّزُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ أَبُو بَكْرٍ :
وَأَيْنَ تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ قُرَيْشًا ، وَأَخْفِ ذَلِكَ يَا
أَبَا بَكْرٍ وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ [ بِالْجَهَازِ ] ، قَالَ أَوَلَيْسَ
بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مُدّةٌ ؟ قَالَ إنّهُمْ غَدَرُوا وَنَقَضُوا الْعَهْدَ فَأَنَا
غَازِيهِمْ . وَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ : اطْوِ مَا ذَكَرْت لَك فَظَانّ يَظُنّ
أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُرِيدُ الشّامَ وَظَانّ
يَظُنّ ثَقِيفًا ، وَظَانّ يَظُنّ هَوَازِنَ . وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا
قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيّ فِي ثَمَانِيّةِ نَفَرٍ إلَى بَطْنِ إِضَمَ لِيَظُنّ
ظَانّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ [ ص 797 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَوَجّهَ إلَى
تِلْكَ النّاحِيَةِ وَلِأَنْ تَذْهَبَ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ
. حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ بَعَثَنَا رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَطْنِ إِضَمَ أَمِيرُنَا أَبُو
قَتَادَةَ فِي تِلْكَ السّرِيّةِ وَفِيهَا مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ اللّيْثِيّ وَأَنَا
فِيهِمْ فَبَيْنَا نَحْنُ بِبَعْضِ وَادِي إِضَمَ إذْ مَرّ بِنَا عَامِرُ بْنُ
الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيّ فَسَلّمَ عَلَيْنَا بِتَحِيّةِ الْإِسْلَامِ
فَأَمْسَكْنَا عَنْهُ وَحَمَلَ عَلَيْهِ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ فَقَتَلَهُ
وَسَلَبَهُ بَعِيرًا لَهُ وَمَتَاعًا وَوَطْبًا مِنْ لَبَنٍ كَانَ مَعَهُ
فَلَمّا لَحِقَنَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَزَلَ فِينَا
الْقُرْآنُ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ
فَتَبَيّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السّلَامَ لَسْتَ
مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدّنْيَا الْآيَةَ . فَانْصَرَفَ
الْقَوْمُ وَلَمْ يَلْقَوْا جَمْعًا حَتّى انْتَهَوْا إلَى ذِي خُشُبٍ
فَبَلَغَهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ تَوَجّهَ
إلَى مَكّةَ ، فَأَخَذُوا عَلَى بِين حَتّى لَحِقُوا النّبِيّ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّقْيَا .
(1/796)
حَدّثَنِي الْمُنْذِرُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، قَالَ لَمّا أَجَمَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسِيرَ إلَى قُرَيْشٍ ، وَعَلِمَ بِذَلِكَ النّاسُ كَتَبَ
حَاطِبُ بْنُ أَبِي بلتعة إلَى قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ بِاَلّذِي أَجَمَعَ
عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَعْطَى الْكِتَابَ
امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ ، وَجَعَلَ لَهَا جُعْلًا عَلَى أَنْ تُوَصّلَهُ
قُرَيْشًا ، فَجَعَلَتْهُ فِي رَأْسِهَا ثُمّ فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونَهَا ، فَخَرَجَتْ
. وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ
السّمَاءِ بِمَا صَنَعَ حَاطِبٌ فَبَعَثَ عَلِيّا وَالزّبَيْرَ [ ص 798 ]
فَقَالَ أَدْرِكَا امْرَأَةً مِنْ مُزَيْنَةَ ، قَدْ كَتَبَ مَعَهَا حَاطِبٌ
كِتَابًا يُحَذّرُ قُرَيْشًا فَخَرَجَا فَأَدْرَكَاهَا بِالْخُلَيْفَةِ
فَاسْتَنْزَلَاهَا فَالْتَمَسَاهُ فِي رَحْلِهَا فَلَمْ يَجِدَا شَيْئًا ،
فَقَالَا لَهَا : إنّا نَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا كَذَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا كَذَبْنَا وَلَتُخْرِجِنّ هَذَا الْكِتَابَ أَوْ
لَنَكْشِفَنّكِ فَلَمّا رَأَتْ مِنْهُمَا الْجِدّ قَالَتْ أَعْرِضَا عَنّي
فَأَعْرَضَا عَنْهَا ، فَحَلّتْ قُرُونَ رَأْسِهَا فَاسْتَخْرَجَتْ الْكِتَابَ
فَدَفَعَتْهُ إلَيْهِمَا ، فَجَاءَا بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَاطِبًا
فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي لَمُؤْمِنٌ بِاَللّهِ
وَرَسُولِهِ مَا غَيّرْت وَلَا بَدّلْت وَلَكِنّي كُنْت امْرَأً لَيْسَ لِي فِي
الْقَوْمِ أَصْلٌ وَلَا عَشِيرَةٌ ، وَكَانَ لِي بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ أَهْلٌ
وَوَلَدٌ فَصَانَعَتْهُمْ . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ
عَنْهُ قَاتَلَك اللّهُ تَرَى رَسُولَ اللّهِ يَأْخُذُ بِالْأَنْقَابِ
وَتَكْتُبُ الْكُتُبَ إلَى قُرَيْشٍ تُحَذّرُهُمْ ؟ دَعْنِي يَا رَسُولَ اللّهِ
أَضْرِبْ عُنُقَهُ فَإِنّهُ قَدْ نَافَقَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا يُدْرِيك يَا عُمَرُ ؟ لَعَلّ اللّهَ قَدْ اطّلَعَ
يَوْمَ بَدْرٍعَلَى أَهْلِ بَدْرٍ. فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ ،
فَقَدْ غَفَرْت لَكُمْ وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي حَاطِبٍ يَا أَيّهَا
الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا عَدُوّي وَعَدُوّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ
إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدّةِ
إلَى آخِرِ الْآيَةِ .
(1/798)
وَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ
إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَتَبَ حَاطِبٌ إلَى ثَلَاثَةِ نَفَرٍ صَفْوَانَ
بْنِ أُمَيّةَ ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ : «
إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ أَذّنَ فِي النّاسِ بِالْغَزْوِ وَلَا أَرَاهُ يُرِيدُ
غَيْرَكُمْ وَقَدْ أَحْبَبْت أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَكُمْ يَدٌ بِكِتَابِي
إلَيْكُمْ » . وَدَفَعَ الْكِتَابَ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ مُزَيْنَةَ مِنْ أَهْلِ
الْعَرْجِيُقَالُ لَهَا كَنُودٌ وَجَعَلَ لَهَا دِينَارًا عَلَى أَنْ تُبَلّغَ
الْكِتَابَ وَقَالَ [ ص 799 ] أَخْفِيهِ مَا اسْتَطَعْت ، وَلَا تَمُرّي عَلَى الطّرِيقِ
فَإِنّ عَلَيْهَا حَرَسًا . فَسَلَكَتْ عَلَى غَيْرِ نَقْبٍ عَنْ يَسَارِ
الْمَحَجّةِ فِي الْفُلُوقِ حَتّى لَقِيَتْ الطّرِيقَ بِالْعَقِيقِ . حَدّثَنِي
عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرَةَ
بْنِ سَعْدٍ قَالَ هِيَ سَارَةُ . جَعَلَ لَهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ . قَالُوا :
فَلَمّا أَبَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْغَزْوَ
أَرْسَلَ إلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَإِلَى مَنْ حَوْلَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
يَقُولُ لَهُمْ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيَحْضُرْ رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ وَبَعَثَ رَسُولًا فِي كُلّ نَاحِيَةٍ
حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَسْلَمَ
، وَغِفَارَ ، وَمُزَيْنَةَ ، وَجُهَيْنَةَ ، وَأَشْجَعَ . وَبَعَثَ إلَى بَنِي
سُلَيْمٍ فَأَمّا بَنُو سُلَيْمٍ فَلَقِيَتْهُ بِقُدَيْدٍ وَأَمّا سَائِرُ
الْعَرَبِ فَخَرَجُوا مِنْ الْمَدِينَةِ .
(1/799)
قَالَ وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ
أَبِي مَرْوَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسَمَاءَ بْنَ حَارِثَةَ وَهِنْدَ بْنَ حَارِثَةَ
إلَى أَسْلَمَ يَقُولَانِ لَهُمْ إنّ رَسُولَ اللّهِ يَأْمُرُكُمْ أَنْ
تَحْضُرُوا رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ . وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ جُنْدُبًا وَرَافِعًا ابْنَيْ مَكِيثٍ إلَى جُهَيْنَةَ يَأْمُرُهُمْ
أَنْ يَحْضُرُوا رَمَضَانَ بِالْمَدِينَةِ وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيمَاءَ بْنَ رَحْضَةَ وَأَبَا رُهْمٍ كُلْثُومَ بْنَ
الْحُصَيْنِ إلَى بَنِي الْحُصَيْنِ إلَى بَنِي غِفَارٍ وَضَمْرَةَ وَبَعَثَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَشْجَعَ مَعْقِلَ بْنَ
سِنَانٍ وَنُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ وَبَعَثَ إلَى مُزَيْنَةَ بِلَالَ بْنَ
الْحَارِثِ ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو الْمُزَنِيّ ; وَبَعَثَ إلَى بَنِي
سُلَيْمٍ الْحَجّاجَ بْنَ عِلَاطٍ السّلَمِيّ ، ثُمّ الْبَهْزِيّ [ ص 800 ]
وَعِرْبَاضَ بْنَ سَارِيَةَ وَبَعَثَ إلَى بَنِي كَعْبٍ بَنِي عَمْرَةَ بِشْرَ
بْنَ سُفْيَانَ وَبُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَلَقِيَهُ بَنُو كَعْبٍ بِقُدَيْدٍ وَخَرَجَ
مَعَهُ مِنْ بَنِي كَعْب ٍ مَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ . وَعَسْكَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِبِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَعَقَدَ الْأَلْوِيَةَ
وَالرّايَاتِ فَكَانَ فِي الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثُ رَايَاتٍ - رَايَةٌ مَعَ
الزّبَيْرِ وَرَايَةٌ مَعَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرَايَةٌ مَعَ سَعْدِ
بْنِ أَبِي وَقّاصٍ . وَكَانَ فِي الْأَوْسِ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَايَةٌ
مَعَ أَبِي نَائِلَةَ وَفِي بَنِي ظَفَرَ رَايَةٌ مَعَ قَتَادَةَ بْنِ
النّعْمَانِ ، وَفِي بَنِي حَارِثَةَ رَايَةٌ مَعَ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ نِيَارٍ
وَفِي بَنِي مُعَاوِيَةَ رَايَةٌ مَعَ جَبْرِ بْنِ عَتِيكٍ وَفِي بَنِي خَطْمَةَ
رَايَةٌ مَعَ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَفِي بَنِي أُمَيّةَ
رَايَةٌ مَعَ مُبَيّضٍ - قَالَ ابْنُ حَيّوَيْهِ « نُبَيْضٌ » فِي كِتَابِ أَبِي
حَيّةَ فَتَرَكْته أَنَا عَلَى مَا هُنَاكَ « مُبَيّضٌ » . وَفِي بَنِي سَاعِدَةَ رَايَةٌ مَعَ أَبِي أَسِيدٍ
السّاعِدِيّ وَفِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ رَايَةٌ مَعَ عَبْدِ
اللّهِ بْنِ زَيْدٍ ، وَفِي بَنِي سَلَمَةَ رَايَةٌ مَعَ قُطْبَةَ بْنِ عَامِرِ
بْنِ حَدِيدَةَ وَفِي بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ رَايَةٌ مَعَ عُمَارَةَ بْنِ
حَزْمٍ ، وَفِي بَنِي مَازِنٍ رَايَةٌ مَعَ سَلِيطِ بْنِ قَيْسٍ ، وَفِي بَنِي دِينَارٍ
رَايَةٌ يَحْمِلُهَا [ ] . وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ سَبْعَمِائَةِ وَمَعَهُمْ
مِنْ الْخَيْلِ ثَلَاثُمِائَةِ فَرَسٍ وَكَانَتْ الْأَنْصَارُ أَرْبَعَةَ آلَافٍ
مَعَهُمْ مِنْ الْخَيْلِ خَمْسَمِائَةِ وَكَانَتْ مُزَيْنَةُ أَلْفًا ، فِيهَا
مِنْ الْخَيْلِ مِائَةُ فَرَسٍ وَمِائَةُ دِرْعٍ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَلْوِيَةٍ
لِوَاءٌ مَعَ النّعْمَانِ بْنِ مُقَرّنٍ ، وَلِوَاءٌ مَعَ بِلَالِ بْنِ
الْحَارِثِ ، وَلِوَاءٌ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو . وَكَانَتْ أَسْلَمُ
أَرْبَعَمِائَةِ فِيهَا ثَلَاثُونَ فَرَسًا ، وَلِوَاءَانِ يَحْمِلُ أَحَدَهُمَا
بُرَيْدَة بْنُ الْحُصَيْبِ وَالْآخَرُ نَاجِيَةُ بْنُ الْأَعْجَمِ . وَكَانَتْ
جُهَيْنَةُ ثَمَانَمِائَةِ مَعَهَا مِنْ الْخَيْلِ خَمْسُونَ فَرَسًا ، فِيهَا أَرْبَعَةُ
أَلْوِيَةٍ لِوَاءٌ مَعَ سُوَيْدِ بْنِ صَخْرٍ وَلِوَاءٌ مَعَ ابْنِ مَكِيثٍ
وَلِوَاءٌ مَعَ أَبِي زُرْعَةَ وَلِوَاءٌ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بَدْرٍ .
وَكَانَتْ بَنُو كَعْبٍ ابْنِ عَمْرٍو [ ص 801 ] خَمْسَمِائَةٍ فِيهِمْ ثَلَاثَةُ أَلْوِيَةٍ لِوَاءٌ مَعَ بِشْرِ بْنِ سُفْيَانَ
، وَلِوَاءٌ مَعَ ابْنِ شُرَيْحٍ وَلِوَاءٌ مَعَ عَمْرِو بْنِ سَالِمٍ وَلَمْ
يَكُنْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ ، لَقِيَهُ قَوْمُهُ بِقُدَيْدٍ
.
(1/800)
قَالَ حَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ عَنْ
الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ لَمْ يَعْقِدْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأَلْوِيَةَ وَالرّايَاتِ حَتّى انْتَهَى إلَى
قُدَيْدٍ ، ثُمّ جَعَلَ رَايَاتِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ عَلَى مَا
ذَكَرْنَا . وَقَالَ كَانَتْ رَايَةُ أَشْجَعَ مَعَ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ
.
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ
الْعَصْرِ فَمَا حَلّ عُقْدَةً حَتّى انْتَهَى إلَى الصّلْصُلِ . وَخَرَجَ
الْمُسْلِمُونَ وَقَادُوا الْخَيْلَ وَامْتَطَوْا الْإِبِلَ وَكَانُوا عَشَرَةَ
آلَافٍ . وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَامَهُ
الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَمّا
كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْبَيْدَاءِ - قَالَ
فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ خَالِدِ بْنِ دِينَارٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ
عُمَيْرٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ وَحَدّثَنِي دَاوُد بْنُ خَالِدٍ عَنْ الْمَقْبُرِيّ
، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا - قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إنّي لَأَرَى السّحَابَ تَسْتَهِلّ بِنَصْرِ بَنِي كَعْبٍ
وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مِنْ الْمَدِينَةِ فَنَادَى مُنَادِيهِ مَنْ أَحَبّ أَنْ يَصُومَ
فَلْيَصُمْ وَمَنْ أَحَبّ أَنْ يُفْطِرَ فَلْيُفْطِرْ وَصَامَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
قَالَ وَحَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ
سُمَيّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ
الْحَارِثِ عَنْ رَجُلٍ رَأَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
بِالْعَرْجِ يَصُبّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ مِنْ الْعَطَشِ . [ ص
802 ]
قَالَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ جَابِرِ
بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ لَمّا كُنّا بِالْكَدِيدِ بَيْنَ الظّهْرِ
وَالْعَصْرِ أَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنَاءً مِنْ
مَاءٍ فِي يَدِهِ حَتّى رَآهُ الْمُسْلِمُونَ ثُمّ أَفْطَرَ تِلْكَ السّاعَةَ .
وَبَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ قَوْمًا صَامُوا
فَقَالَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ : قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّكُمْ مُصَبّحُو عَدُوّكُمْ وَالْفِطْرُ
أَقْوَى لَكُمْ قَالَ ذَلِك بِمَرّ الظّهْرَانِ .
فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَرْجَ ، وَالنّاسُ لَا يَدْرُونَ أَيْنَ تَوَجّهَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى قُرَيْشٍ ، أَوْ إلَى هَوَازِنَ ،
أَوْ إلَى ثَقِيفٍ فَهُمْ يُحِبّونَ أَنْ يَعْلَمُوا ، فَجَلَسَ فِي أَصْحَابِهِ
بِالْعَرْجِ وَهُوَ يَتَحَدّثُ فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : آتِي رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْلَمُ لَكُمْ عِلْمَ وَجْهِهِ . فَجَاءَ كَعْبُ فَبَرَكَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمّ قَالَ
قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلّ رَيْبٍ
وَخَيْبَرَ ثُمّ أَجْمَمْنَا السّيُوفَا
نُسَائِلُهَا وَلَوْ نَطَقَتْ لَقَالَتْ
قَوَاطِعُهُنّ دَوْسًا أَوْ ثَقِيفَا
فَلَسْت لِحَاضِرِ إنْ لَمْ تَرَوْهَا
بِسَاحَةِ دَارِكُمْ مِنْهَا أُلُوفَا
فَنَنْتَزِعُ الْخِيَامَ بِبَطْنِ وَجّ
وَنَتْرُك دُورَهُمْ مِنْهُمْ خُلُوفَا
أَنْشَدَنِيهَا أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ عَنْ
أَبِيهِ . قَالَ . فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ . فَجَعَلَ النّاسُ يَقُولُونَ وَاَللّهِ مَا بَيّنَ لَك
رَسُولُ اللّهِ شَيْئًا ، مَا نَدْرِي بِمَنْ يُبْدَى ; بِقُرَيْشٍ أَوْ ثَقِيفٍ
أَوْ هَوَازِنَ .
[ ص 803 ] قَالَ حَدّثَنَا هِشَامُ بْنُ
سَعْدٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ، قَالَ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقُدَيْدٍ قِيلَ هَلْ لَك فِي بِيضِ النّسَاءِ
وَأَدَمِ الْإِبِلِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
إنّ اللّهَ تَعَالَى حَرّمَهَا عَلَيّ بِصِلَةِ الرّحِمِ وَوَكَزَهُمْ فِي
لَبّاتِ الْإِبِلِ
قَالَ حَدّثَنِي الزّبَيْرُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ
أَبِي الْحُوَيْرِثِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ
إنّ اللّهَ حَرّمَهُمْ عَلَيّ بِبِرّ الْوَالِدِ وَوَكَزَهُمْ فِي لَبّاتِ
الْإِبِلِ .
(1/802)
قَالَ وَحَدّثَنِي قُرّانُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ
عِيسَى بْنِ عُمَيْلَةَ الْفَزَارِيّ قَالَ كَانَ عُيَيْنَةُ فِي أَهْلِهِ
بِنَجْدٍ فَأَتَاهُ الْخَبَرُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يُرِيدُ وَجْهًا ، وَقَدْ تَجَمّعَتْ الْعَرَبُ إلَيْهِ فَخَرَجَ فِي
نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، فَيَجِدُ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ خَرَجَ قَبْلَهُ بِيَوْمَيْنِ فَسَلَكَ
عَنْ رُكُوبِهِ فَسَبَقَ إلَى الْعَرْجِ ، فَوَجَدَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْعَرْجِ فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَرْجَ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ بَلَغَنِي
خُرُوجُك وَمَنْ يَجْتَمِعُ إلَيْك فَأَقْبَلْت سَرِيعًا وَلَمْ أَشْعُرْ
فَأَجْمَعُ قَوْمِي فَيَكُونُ لَنَا جَلَبَةٌ كَثِيرَةٌ وَلَسْت أَرَى هَيْئَةَ
حَرْبٍ ، لَا أَرَى أَلْوِيَةً وَلَا رَايَاتٍ فَالْعُمْرَةَ تُرِيدُ ؟ فَلَا
أَرَى هَيْئَةَ الْإِحْرَامِ فَأَيْنَ وَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ
حَيْثُ يَشَاءُ اللّهُ . وَذَهَبَ وَسَارَ مَعَهُ وَوَجَدَ الْأَقْرَعَ بْنَ
حَابِسٍ بِالسّقْيَا ، [ ص 804 ] قَدْ وَافَاهَا فِي عَشَرَةِ نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ فَسَارُوا
مَعَهُ فَلَمّا نَزَلَ قُدَيْدًا عَقَدَ الْأَلْوِيَةَ وَجَعَلَ الرّايَاتِ
. فَلَمّا رَأَى عُيَيْنَةُ الْقَبَائِلَ تَأْخُذُ
الرّايَاتِ وَالْأَلْوِيَةَ عَضّ عَلَى أَنَامِلِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ :
عَلَامَ تَنْدَمُ ؟ قَالَ عَلَى قَوْمِي أَلّا يَكُونُوا نَفَرُوا مَعَ مُحَمّدٍ
فَأَيْنَ يُرِيدُ مُحَمّدٌ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ قَالَ حَيْثُ يَشَاءُ اللّهُ .
فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ مَكّةَ بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ . قَالَ حَدّثَنِي
عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ
قَالَ لَمّا سَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ
الْعَرْجِ ، فَكَانَ فِيمَا بَيْنَ الْعَرْجِ وَالطّلُوبِ نَظَرَ إلَى كَلْبَةٍ
تَهِرّ عَلَى أَوْلَادِهَا وَهُمْ حَوْلَهَا يَرْضَعُونَهَا ، فَأَمَرَ رَجُلًا
مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ جُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ أَنْ يَقُومَ حِذَاءَهَا
، لَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ مِنْ الْجَيْشِ وَلِأَوْلَادِهَا . قَالَ حَدّثَنِي
مُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ لَمّا رَاحَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْعَرْجِ تَقَدّمَتْ
أَمَامَهُ جَرِيدَةٌ مِنْ خَيْلٍ طَلِيعَةٍ تَكُونُ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ
فَلَمّا كَانَتْ بَيْنَ الْعَرْجِ وَالطّلُوبِ أَتَوْا بِعَيْنٍ مِنْ هَوَازِنَ
إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ
اللّهِ رَأَيْنَاهُ حِينَ طَلَعْنَا عَلَيْهِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ
فَتَغَيّبَ عَنّا فِي وَهْدَةٍ ثُمّ جَاءَ فَأَوْفَى عَلَى نَشَزٍ فَقَعَدَ
عَلَيْهِ فَرَكَضْنَا إلَيْهِ فَأَرَادَ يَهْرُبَ مِنّا ، وَإِذَا بَعِيرُهُ
قَدْ عَقَلَهُ أَسْفَلَ مِنْ النّشَزِ وَهُوَ يُغَيّبُهُ فَقُلْنَا : مِمّنْ أَنْتَ
؟ قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ . فَقُلْنَا : هُمْ أَهْلُ هَذَا الْبَلَدِ .
فَقُلْنَا : مِنْ أَيّ بَنِي غِفَارٍ أَنْتَ ؟ فَعَيِيَ وَلَمْ [ ص 805 ]
يُنْفِذْ لَنَا نَسَبًا ، فَازْدَدْنَا بِهِ رِيبَةً وَأَسَأْنَا بَهْ الظّنّ
فَقُلْنَا : فَأَيْنَ أَهْلُك ؟ قَالَ قَرِيبًا وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إلَى
نَاحِيَةٍ . قُلْنَا : عَلَى أَيّ مَاءٍ . وَمَنْ مَعَك هُنَالِكَ ؟ فَلَمْ
يُنْفِذْ لَنَا شَيْئًا ، فَلَمّا رَأَيْنَا مَا خَلَطَ قُلْنَا : لَتُصْدِقَنّا
أَوْ لَنَضْرِبَنّ عُنُقَك قَالَ فَإِنْ صَدَقْتُكُمْ يَنْفَعُنِي ذَلِكَ
عِنْدَكُمْ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ . قَالَ فَإِنّي رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ مِنْ
بَنِي نَضْرٍ بَعَثَتْنِي هَوَازِنُ عَيْنًا . وَقَالُوا : ائْتِ الْمَدِينَةَ
حَتّى تَلْقَى مُحَمّدًا فَتَسْتَخْبِرَ لَنَا مَا يُرِيدُ فِي أَمْرِ
حُلَفَائِهِ أَيَبْعَثُ إلَى قُرَيْشٍ بَعْثًا أَوْ يَغْزُوهُمْ بِنَفْسِهِ
وَلَا نَرَاهُ إلّا يَسْتَغْوِرَهُمْ فَإِنْ خَرَجَ سَائِرًا أَوْ بَعَثَ
بَعْثًا فَسِرْ مَعَهُ حَتّى تَنْتَهِيَ إلَى بَطْنِ سَرِفَ ، فَإِنْ كَانَ
يُرِيدُنَا أَوّلًا فَيَسْلُكُ فِي بَطْنِ سَرِفَ حَتّى يَخْرُجَ إلَيْنَا ،
وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ قُرَيْشًا فَسَيَلْزَمُ الطّرِيقَ . فَقَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَيْنَ هَوَازِنُ ؟ قَالَ تَرَكْتهمْ بِبَقْعَاءَ
وَقَدْ جَمَعُوا الْجُمُوعَ وَأَجْلَبُوا فِي الْعَرَبِ ، وَبَعَثُوا إلَى
ثَقِيفٍ فَأَجَابَتْهُمْ فَتَرَكَتْ ثَقِيفًا عَلَى سَاقٍ قَدْ جَمَعُوا
الْجُمُوعَ وَبَعَثُوا إلَى الْجُرَشِ فِي عَمَلِ الدّبّابَاتِ وَالْمَنْجَنِيقِ
وَهُمْ سَائِرُونَ إلَى جَمْعِ هَوَازِنَ فَيَكُونُونَ جَمْعًا . قَالَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى مَنْ جَعَلُوا أَمْرَهُمْ ؟
قَالَ إلَى فَتَاهُمْ مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكُلّ هَوَازِنَ قَدْ أَجَابَ إلَى مَا دَعَا إلَيْهِ
مَالِكٌ ؟ قَالَ قَدْ أَبْطَأَ مِنْ بَنِي عَامِرٍ أَهْلُ الْجِدّ وَالْجَلْدِ .
قَالَ مَنْ ؟ قَالَ كَعْبٌ وَكِلَابٌ . قَالَ مَا فَعَلَتْ هِلَالٌ ؟ قَالَ مَا أَقَلّ
مِنْ ضَوَى إلَيْهِ مِنْهُمْ وَقَدْ مَرَرْت بِقَوْمِك أَمْسِ بِمَكّةَ وَقَدْ
قَدِمَ عَلَيْهِمْ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فَرَأَيْتهمْ سَاخِطِينَ لِمَا
جَاءَ بِهِ وَهُمْ خَائِفُونَ وَجِلُونَ . [ ص 806 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ، مَا أَرَاهُ إلّا صَدَقَنِي
قَالَ الرّجُلُ فَلَيَنْفَعَنّي ذَلِكَ ؟ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَحْبِسَهُ وَخَافُوا
أَنْ يَتَقَدّمَ وَيُحَذّرَ النّاسَ فَلَمّا نَزَلَ الْعَسْكَرُ مَرّ الظّهْرَانِ
أَفْلَتَ الرّجُلُ فَطَلَبَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَأَخَذَهُ عِنْدَ
الْأَرَاكِ ، وَقَالَ لَوْلَا وُلّيت عَهْدًا لَك لَضَرَبْت عُنُقَك ،
وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمَرَ بَهْ
يُحْبَسُ حَتّى يَدْخُلَ مَكّةَ ، فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ وَفَتَحَهَا أُتِيَ بِهِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَعَاهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمَ ثُمّ خَرَجَ
مَعَ الْمُسْلِمِينَ إلَى هَوَازِنَ فَقُتِلَ بَأَوْطَاسٍ .
(1/804)
قَالَ حَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ
قَمَادِينَ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ . وَغَيْرِهِ قَالَ كَانَ أَبُو
سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَخَا رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ أَرْضَعَتْهُ حَلِيمَةُ أَيّامًا ،
وَكَانَ يَأْلَفُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَكَانَ لَهُ
تِرْبًا ، فَلَمّا بُعِثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَادَاهُ
عَدَاوَةً لَمْ يُعَادِ أَحَدٌ قَطّ ، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ الشّعْبَ ، وَهَجَا
رَسُولَ اللّهِ وَهَجَا أَصْحَابَهُ وَهَجَا حَسّانَ فَقَالَ
أَلَا مُبَلّغٌ حَسّانَ عَنّي رِسَالَةً
فَخِلْتُك مِنْ شَرّ الرّجَالِ الصّعَالِكِ
أَبُوك أَبُو سُوءٍ وَخَالُك مِثْلُهُ
فَلَسْت بِخَيْرٍ مِنْ أَبِيك وَخَالِك
فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ لِحَسّانَ : اُهْجُهُ
قَالَ لَا أَفْعَلُ حَتّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . فَسَأَلَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
كَيْفَ آذَنُ لَك فِي ابْنِ عَمّي أَخِي أَبِي ؟ قَالَ أَسُلّك مِنْهُ كَمَا
تُسَلّ الشّعْرَةُ مِنْ الْعَجِينِ . [ ص 807 ] فَقَالَ حَسّانُ شِعْرًا ، وَأَمَرَهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُذَاكِرَ أَبَا بَكْرٍ
الصّدّيقَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ بَعْضَ ذَلِكَ فَذَاكَرَهُ قَالَ فَمَكَثَ أَبُو
سُفْيَانَ عِشْرِينَ سَنَةً عَدُوّا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَهْجُو الْمُسْلِمِينَ وَيَهْجُونَهُ وَلَا يَتَخَلّفُ عَنْ مَوْضِعٍ
تَسِيرُ فِيهِ قُرَيْشٌ لِقِتَالِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ثُمّ إنّ اللّهَ أَلْقَى فِي قَلْبِهِ الْإِسْلَامَ . قَالَ أَبُو
سُفْيَانَ فَقُلْت : مَنْ أَصْحَبُ وَمَعَ مَنْ أَكُونُ ؟ قَدْ ضَرَبَ الْإِسْلَامُ
بِجِرَانِهِ فَجِئْت زَوْجَتِي وَوَلَدِي ، فَقُلْت : تَهَيّئُوا لِلْخُرُوجِ
فَقَدْ أَظَلّ قُدُومُ مُحَمّدٍ عَلَيْكُمْ . قَالُوا : قَدْ آنَ لَك تُبْصِرَ
أَنّ الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ قَدْ تَبِعَتْ مُحَمّدًا وَأَنْتَ مُوضِعٌ فِي عَدَاوَتِهِ
وَكُنْت أَوْلَى النّاسِ بِنَصْرِهِ فَقُلْت لِغُلَامِي مَذْكُورٍ عَجّلْ
بِأَبْعِرَةٍ وَفَرَسٍ .
قَالَ ثُمّ سِرْنَا حَتّى نَزَلْنَا
الْأَبْوَاءَ ، وَقَدْ نَزَلَتْ مُقَدّمَتُهُ الْأَبْوَاءَ ، فَتَنَكّرْت
وَخِفْت أَنْ أُقْتَلَ وَكَانَ قَدْ هَدَرَ دَمِي ; فَخَرَجْت ، وَأَجِدُ ابْنِي
جَعْفَرًا عَلَى قَدَمِي نَحْوًا مِنْ مِيلٍ فِي الْغَدَاةِ الّتِي صَبّحَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا الْأَبْوَاءَ ،
فَأَقْبَلَ النّاسُ رَسَلًا رَسَلًا ، فَتَنَحّيْت فَرَقًا مِنْ أَصْحَابِهِ
فَلَمّا طَلَعَ مَرْكَبُهُ تَصَدّيْت لَهُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ فَلَمّا مَلَأَ
عَيْنَيْهِ مِنّي أَعْرَضَ عَنّي بِوَجْهِهِ إلَى النّاحِيَةِ الْأُخْرَى ، فَتَحَوّلْت
إلَى نَاحِيَةِ وَجْهِهِ الْأُخْرَى ، وَأَعْرَضَ عَنّي مِرَارًا ، فَأَخَذَنِي
مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ وَقُلْت : أَنَا مَقْتُولٌ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إلَيْهِ
. وَأَتَذَكّرُ بِرّهُ وَرَحْمَتَهُ وَقَرَابَتِي فَيُمْسِكُ ذَلِكَ مِنّي ،
وَقَدْ كُنْت لَا أَشُكّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
وَأَصْحَابَهُ سَيَفْرَحُونَ بِإِسْلَامِي فَرَحًا شَدِيدًا ; لِقَرَابَتِي مِنْ
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا رَأَى الْمُسْلِمُونَ إعْرَاضَ
رَسُولِ اللّهِ عَنّي [ ص 808 ] أَعْرَضُوا عَنّي جَمِيعًا ، فَلَقِيَنِي ابْنُ
أَبِي قُحَافَةَ مُعْرِضًا ، وَنَظَرْت إلَى عُمَرَ وَيُغْرِي بِي رَجُلٌ مِنْ
الْأَنْصَارِ فَأَلَزّ بِي رَجُلٌ يَقُولُ يَا عَدُوّ اللّهِ أَنْتَ الّذِي
كُنْت تُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَتُؤْذِي
أَصْحَابَهُ قَدْ بَلَغْت مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فِي عَدَاوَتِهِ
فَرَدَدْت بَعْضَ الرّدّ عَنْ نَفْسِي ، فَاسْتَطَالَ عَلِيّ ، وَرَفَعَ
صَوْتَهُ حَتّى جَعَلَنِي فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ مِنْ النّاسِ يُسَرّونَ بِمَا
يَفْعَلُ بِي .
قَالَ فَدَخَلْت عَلَى عَمّي الْعَبّاسِ
فَقُلْت : يَا عَبّاسُ ، قَدْ كُنْت أَرْجُو أَنْ سَيَفْرَحُ رَسُولُ اللّهِ
بِإِسْلَامِي لِقَرَابَتِي وَشَرَفِي ، وَقَدْ كَانَ مِنْهُ مَا كَانَ رَأَيْت ،
فَكَلّمَهُ لِيَرْضَى عَنّي قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُكَلّمُهُ كَلِمَةً فِيك
أَبَدًا بَعْدَ الّذِي رَأَيْت مِنْهُ إلّا أَنْ أَرَى وَجْهًا ، إنّي أُجِلّ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَهَابُهُ . فَقُلْت : يَا
عَمّي إلَى مَنْ تَكِلُنِي ؟ قَالَ هُوَ ذَاكَ . قَالَ فَلَقِيت عَلِيّا
رَحْمَةُ اللّهِ عَلَيْهِ فَكَلّمْته فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ فَرَجَعْت إلَى الْعَبّاسِ
فَقُلْت : يَا عَمّ فَكُفّ عَنّي الرّجُلَ الّذِي يَشْتُمُنِي . قَالَ صِفْهُ لِي . فَقُلْت : هُوَ رَجُلٌ آدَمُ شَدِيدُ الْأُدْمَةِ قَصِيرٌ
دَحْدَاحٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ شَجّةٌ . قَالَ ذَاكَ نُعْمَانُ بْنُ الْحَارِثِ
النّجّارِيّ . فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَقَالَ يَا نُعْمَانُ ، إنّ أَبَا سُفْيَانَ
ابْنُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَابْنُ أَخِي ،
وَإِنْ يَكُنْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَاخِطًا
فَسَيَرْضَى ، فَكُفّ عَنْهُ فَبَعْدَ لَأْيٍ مَا كَفّ . وَقَالَ لَا أَعْرِضُ عَنْهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَخَرَجْت فَجَلَسْت
عَلَى بَابِ مَنْزِلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى خَرَجَ
إلَى الْجُحْفَةِ ، وَهُوَ لَا يُكَلّمُنِي وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
.
[ ص 809 ] وَجَعَلْت لَا يَنْزِلُ
مَنْزِلًا إلّا أَنَا عَلَى بَابِهِ وَمَعِي ابْنِي جَعْفَرٌ قَائِمٌ فَلَا
يَرَانِي إلّا أَعْرَضَ عَنّي ، فَخَرَجْت عَلَى هَذِهِ الْحَالِ حَتّى شَهِدْت
مَعَهُ فَتْحَ مَكّةَ وَأَنَا عَلَى حِيلَةٍ تُلَازِمُهُ حَتّى هَبَطَ مِنْ
أَذَاخِرَ حَتّى نَزَلَ الْأَبْطَحَ ، فَدَنَوْت مِنْ بَابِ قُبّتِهِ فَنَظَرَ
إلَيّ نَظَرًا هُوَ أَلْيَنُ مِنْ ذَلِكَ النّظَرِ الْأَوّلِ قَدْ رَجَوْت أَنْ يَتَبَسّمَ
وَدَخَلَ عَلَيْهِ نِسَاءُ بَنِي الْمُطّلِبِ وَدَخَلَتْ مَعَهُنّ زَوْجَتِي
فَرَقّقَتْهُ عَلَيّ . وَخَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْهِ لَا
أُفَارِقُهُ عَلَى حَالٍ حَتّى خَرَجَ إلَى هَوَازِنَ ، فَخَرَجْت مَعَهُ وَقَدْ
جَمَعَتْ الْعَرَبُ جَمْعًا لَمْ يُجْمَعْ مِثْلُهُ قَطّ ، وَخَرَجُوا
بِالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ وَالْمَاشِيَةِ فَلَمّا لَقِيتهمْ قُلْت : الْيَوْمَ
يُرَى أَثَرِي إنْ شَاءَ اللّهُ وَلَمّا لَقِيتهمْ حَمَلُوا الْحَمَلَةَ الّتِي
ذَكَرَ اللّهُ ثُمّ وَلّيْتُمْ مُدْبِرِينَ .
وَثَبَتَ رَسُولُ اللّهِ عَلَى بَغْلَتِهِ
الشّهْبَاءِ وَجَرّدَ سَيْفَهُ فَأَقْتَحِمُ عَنْ فَرَسِي وَبِيَدِي السّيْفُ
صَلْتًا ، قَدْ كُسِرَتْ جَفْنُهُ وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَنّي أُرِيدُ الْمَوْتَ
دُونَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيّ فَأَخَذَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
بِلِجَامِ الْبَغْلَةِ فَأَخَذْت بِالْجَانِبِ الْآخَرِ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ فَذَهَبْت
أَكْشِفُ الْمِغْفَرَ فَقَالَ الْعَبّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَخُوك وَابْنُ
عَمّك أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ فَارْضَ عَنْهُ أَيْ رَسُولَ اللّهِ
قَالَ قَدْ فَعَلْت ، فَغَفَرَ اللّهُ كُلّ عَدَاوَةٍ عَادَانِيهَا فَأُقَبّلُ
رِجْلَهُ فِي الرّكَابِ ثُمّ الْتَفَتَ إلَيّ فَقَالَ أَخِي لَعَمْرِي ثُمّ
أَمَرَ الْعَبّاسَ فَقَالَ نَادِ يَا أَصْحَابَ الْبَقَرَةِ يَا أَصْحَابَ
السّمُرَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ يَا لَلْمُهَاجِرِينَ يَا لَلْأَنْصَارِ [ ص
810 ] يَا لَلْخَزْرَجِ فَأَجَابُوا : لَبّيْكَ دَاعِيَ اللّهِ وَكَرّوا كَرّةَ
رَجُلٍ وَاحِدٍ قَدْ حَطّمُوا الْجُفُونَ وَشَرَعُوا الرّمَاحَ وَخَفَضُوا
عَوَالِيَ الْأَسِنّةِ وَأَرْقَلُوا إرْقَالَ الْفُحُولِ فَرَأَيْتنِي وَإِنّي لَأَخَافُ
عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شُرُوعَ رِمَاحِهِمْ حَتّى
أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لِي
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَقَدّمْ فَضَارِبْ الْقَوْمَ
فَحَمَلْت حَمَلَةً أَزَلْتهمْ عَنْ مَوْضِعِهِمْ وَتَبِعَنِي رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُدُمًا فِي نُحُورِ الْقَوْمِ مَا نَالُوا مَا
تَقَدّمَ فَمَا قَامَتْ لَهُمْ قَائِمَةٌ حَتّى طَرَدْتهمْ قَدْرَ فَرْسَخٍ
وَتَفَرّقُوا فِي كُلّ وَجْهٍ وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِهِ عَلَى الطّلَبِ فَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ
الْوَلِيدِ عَلَى وَجْهٍ وَبَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فِي وَجْهٍ وَبَعَثَ
أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ إلَى عَسْكَرٍ بَأَوْطَاسٍ فَقُتِلَ وَقَتَلَ أَبُو
مُوسَى قَاتِلَهُ .
(1/807)
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ وَقَدْ سَمِعْت فِي
إسْلَامِ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَجْهًا آخَرَ قَالَ لَقِيت رَسُولَ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنَا وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي
أُمَيّةَ بِنِيقِ الْعُقَابِ فَطَلَبْنَا الدّخُولَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَبَى يُدْخِلَهُمَا عَلَيْهِ فَكَلّمَتْهُ أُمّ سَلَمَةَ
زَوْجَتُهُ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ صِهْرُك وَابْنُ عَمّتِك وَابْنُ عَمّك
وَأَخُوك مِنْ الرّضَاعَةِ وَقَدْ جَاءَ اللّهُ بِهِمَا مُسْلِمَيْنِ لَا
يَكُونَانِ أَشْقَى النّاسِ بِك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ لَا حَاجَةَ لِي بِهِمَا ; أَمّا أَخِي فَالْقَائِلُ لِي بِمَكّةَ مَا
قَالَ لَنْ يُؤْمِنَ لِي حَتّى أَرْقَى فِي السّمَاءَ وَذَلِك قَوْلُ اللّهِ
عَزّ وَجَلّ أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السّمَاءِ
وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيّكَ حَتّى تُنَزّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ
إلَى آخِرِ الْآيَةِ . فَقَالَتْ [ ص 811 ] يَا
رَسُولَ اللّهِ إنّمَا هُوَ مِنْ قَوْمِك مَا هُوَ وَقَدْ تَكَلّمَ وَكُلّ
قُرَيْشٍ قَدْ تَكَلّمَ وَنَزَلَ الْقُرْآنُ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَقَدْ عَفَوْت
عَمّنْ هُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْهُ وَابْنُ عَمّك وَقَرَابَتُهُ بِك .
وَأَنْتَ أَحَقّ النّاسِ عَفْوًا عَنْ جُرْمِهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ الّذِي هَتَكَ عِرْضِي ، فَلَا حَاجَةَ لِي
بِهِمَا فَلَمّا خَرَجَ إلَيْهِمَا الْخَبَرُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ
وَمَعَهُ ابْنُهُ وَاَللّهِ لَيَقْبَلَنّي أَوْ لَأَخَذْت بِيَدِ ابْنِي هَذَا
فَلَأَذْهَبَن فِي الْأَرْضِ حَتّى أَهْلَكَ عَطَشًا وَجُوعًا ، وَأَنْتَ
أَحْلَمُ النّاسِ وَأَكْرَمُ النّاسِ مَعَ رَحِمِي بِك . فَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَقَالَتُهُ فَرّقَ
لَهُ . وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُمَيّةَ إنّمَا جِئْت لِأُصَدّقَك ، وَلِي
مِنْ الْقَرَابَةِ مَا لِي وَالصّهْرِ بِك . وَجَعَلَتْ أُمّ سَلَمَةَ تُكَلّمُهُ فِيهِمَا ، فَرّقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَهُمَا فَأَذِنَ لَهُمَا وَدَخَلَا ، فَأَسْلَمَا
وَكَانَا جَمِيعًا حَسَنَى الْإِسْلَامِ قُتِلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي
أُمَيّةَ بِالطّائِفِ وَمَاتَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بِالْمَدِينَةِ
فِي خِلَافَةِ عُمَرَ لَمْ يُغْمَصْ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ وَكَانَ أَهْدَرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَمَهُ قَبْلَ أَنْ يَلْقَاهُ .
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ
الْحَارِثِ يَوْمَ نِيقِ الْعُقَابِ : أَنْتَ الّذِي
تَقُولُ « طَرَدْتنِي كُلّ مُطْرَدٍ ؟ » بَلْ اللّهُ طَرَدَك كُلّ مُطْرَدٍ . قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا قَوْلٌ قُلْته بِجَهَالَةٍ وَأَنْتَ
أَوْلَى النّاسِ بِالْعَفْوِ وَالْحِلْمِ وَأَمّا قَوْلُهُ « وَأَدّعِي وَإِنْ
لَمْ أَنْتَسِبْ مِنْ مُحَمّدٍ » فَإِنّهُ
هَرَبَ وَقَدِمَ عَلَى قَيْصَرَ مَلِكِ الرّومِ ، فَقَالَ مِمّنْ أَنْتَ ؟
فَانْتَسَبَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ ابْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .
قَالَ قَيْصَرُ أَنْتَ ابْنُ عَمّ مُحَمّدٍ إنْ كُنْت صَادِقًا ، مُحَمّدِ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ أَنَا ابْنُ [ ص
812 ] عَمّهِ . فَقُلْت : لَا أَرَانِي عِنْدَ مَلِكِ الرّومِ وَقَدْ هَرَبْت
مِنْ الْإِسْلَامِ لَا أَعْرِفُ إلّا بِمُحَمّدٍ فَدَخَلَنِي الْإِسْلَامُ
وَعَرَفْت أَنّ مَا كُنْت فِيهِ بَاطِلٌ مِنْ الشّرْكِ وَلَكِنّا كُنّا مَعَ
قَوْمٍ أَهْلِ عُقُولٍ بَاسِقَةٍ وَأَرَى فَاضِلَ النّاسِ يَعِيشُ فِي
عُقُولِهِمْ وَرَأْيِهِمْ فَسَلَكُوا فَجّا فَسَلَكْنَاهُ . وَلَمّا جَعَلَ
أَهْلُ الشّرَفِ وَالسّنّ يَقْتَحِمُونَ عَنْ مُحَمّدٍ وَيَنْصُرُونَ
آلِهَتَهُمْ وَيَغْضَبُونَ لِآبَائِهِمْ فَاتّبَعْنَاهُمْ . وَلَقِيَهُ
الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ بِالسّقْيَا ،
فَدَخَلَ عَلَيْهِ الْعَبّاسُ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتّى رَاحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يَنْزِلُ مَعَهُ فِي كُلّ مَنْزِلٍ حَتّى
دَخَلَ مَكّةَ .
وَلَمّا كَانَتْ اللّيْلَةُ الّتِي نَزَلَ
فِيهَا بِالْجُحْفَةِ رَأَى أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنّ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ لَمّا دَنَوْا مِنْ
مَكّةَ ، خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ كَلْبَةٌ تَهِرّ ، فَلَمّا دَنَوْا مِنْهَا
اسْتَلْقَتْ عَلَى ظَهْرِهَا ، وَإِذَا أَطْبَاؤُهَا تَشْخَبُ لَبَنًا .
فَذَكَرَهَا أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ ذَهَبَ كَلْبُهُمْ وَأَقْبَلَ دَرّهُمْ سَائِلُوكُمْ بِأَرْحَامِكُمْ
وَأَنْتُمْ لَاقُونَ بَعْضَهُمْ فَإِنْ لَقِيتُمْ أَبَا سُفْيَانَ فَلَا تَقْتُلُوهُ
وَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُدَيْدًا لَقِيَتْهُ سُلَيْمٌ وَذَلِكَ أَنّهُمْ نَفَرُوا
مِنْ بِلَادِهِمْ فَلَقَوْهُ وَهُمْ تِسْعُمِائَةٍ عَلَى الْخُيُولِ جَمِيعًا ،
مَعَ كُلّ رَجُلٍ رُمْحُهُ وَسِلَاحُهُ وَقَدِمَ مَعَهُمْ الرّسُولَانِ
اللّذَانِ كَانَ أَرْسَلَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [
ص 813
] إلَيْهِمْ فَذَكَرَا أَنّهُمْ أَسْرَعُوا إلَى
رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَيْثُ نَزَلَا عَلَيْهِمْ
وَحَشَدُوا - وَيُقَالُ إنّهُمْ أَلْفٌ -
فَقَالَتْ سُلَيْمٌ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّك تُقْصِينَا وَتَسْتَغِشّنَا
وَنَحْنُ أَخْوَالُك - أُمّ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ
مُرّةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ فَالِحِ بْنِ ذَكْوَانَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ -
فَقَدِمْنَا يَا رَسُولَ اللّهِ حَتّى تَنْظُرَ كَيْفَ بَلَاؤُنَا ، فَإِنّا
صُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ صُدُقٌ عِنْدَ اللّقَاءِ . فُرْسَانٌ عَلَى مُتُونِ
الْخَيْلِ . قَالَ وَمَعَهُمْ لِوَاءَانِ وَخَمْسُ رَايَاتٍ وَالرّايَاتُ سُودٌ
. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سِيرُوا فَجَعَلَهُمْ
مُقَدّمَتَهُ وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى مُقَدّمَةِ النّبِيّ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ لَقِيَتْهُ بَنُو سُلَيْمٍ بِقُدَيْدٍ حَتّى نَزَلُوا
مَرّ الظّهْرَانِ وَبَنُو سُلَيْمٍ مَعَهُ .
(1/811)
قَالَ حَدّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ طَلْحَةَ بْنِ
عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ
خَرَجَتْ بَنُو سُلَيْمٍ تِسْعَمِائَةٍ عَلَى الْخُيُولِ . وَالْقَنَا
وَالدّرُوعِ الظّاهِرَةِ قَدْ طَوَوْا أَلْوِيَتَهُمْ وَرَايَاتِهِمْ وَلَيْسَ
مَعَهُمْ لِوَاءٌ وَلَا رَايَةٌ مَعْقُودَةٌ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ اعْقِدْ
لَنَا وَضَعْ رَايَتَنَا حَيْثُ رَأَيْت . فَقَالَ يَحْمِلُ رَايَتَكُمْ
الْيَوْمَ مَنْ كَانَ يَحْمِلُهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ مَا فَعَلَ فَتًى كَانَ
قَدِمَ مَعَ وَفْدِكُمْ عَلَيّ حَسَنُ الْوَجْهِ ، جَيّدُ اللّسَانِ ؟ قَالُوا :
تُوُفّيَ حَدِيثًا . قَالَ حَدّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ فَرّوخٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ
بْنِ جَاهِمَةَ بْنِ عَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ قَالَ قَالَ عَبّاسٌ
لَقِيته وَهُوَ يَسِيرُ حَتّى هَبَطَ مِنْ الْمُشَلّلِ فِي آلَةِ الْحَرْبِ
وَالْحَدِيدُ ظَاهِرٌ عَلَيْنَا ، وَالْخَيْلُ تُنَازِعُنَا الْأَعِنّةَ
فَصَفَفْنَا لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى جَنْبِهِ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَنَادَى عُيَيْنَةُ مَنْ خَلْفَهُ فَقَالَ أَنَا
عُيَيْنَةُ هَذِهِ بَنُو سُلَيْمٍ ، قَدْ حَضَرَتْ بِمَا تَرَى مِنْ الْعُدّةِ [
ص 814 ] وَالْعَدَدِ وَالسّلَاحِ وَإِنّهُمْ لَأَحْلَاسُ الْخَيْلِ
وَرِجَالُ الْحَرْبِ وَرُعَاةُ الْحَدَقِ . فَقَالَ الْعَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ
: أَقْصِرْ أَيّهَا الرّجُلُ وَاَللّهِ إنّك
لَتَعْلَمُ لَنَحْنُ أَفْرَسُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ وَأَطْعَنُ بِالْقَنَا ،
وَأَضْرَبُ بِالْمَشْرَفِيّةِ مِنْك وَمِنْ قَوْمِك . فَقَالَ عُيَيْنَةُ
كَذَبْت وَلَؤُمْت لَنَحْنُ أَوْلَى بِمَا ذَكَرْت مِنْك ، قَدْ عَرَفَتْهُ
لَنَا الْعَرَبُ قَاطِبَةً . فَأَوْمَأَ إلَيْهِمَا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ بِيَدِهِ حَتّى سَكَتَا . وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ بِمَرّ
الظّهْرَانِ ، وَلَمْ يَبْلُغْ قُرَيْشًا حَرْفٌ وَاحِدٌ مِنْ مَسِيرِ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَيْهِمْ فَقَدْ اغْتَمّوا وَهُمْ
يَخَافُونَ يَغْزُوَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
فَلَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ الظّهْرَانِ
عِشَاءً أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يُوقِدُوا النّيرَانَ فَأَوْقَدُوا عَشَرَةَ
آلَافِ نَارٍ فَأَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ بَعْثَةَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ
يَتَحَسّبُ الْأَخْبَارَ وَقَالُوا : إنْ لَقِيت
مُحَمّدًا فَخُذْ لَنَا مِنْهُ جِوَارًا إلّا أَنْ تَرَى رِقّةً مِنْ
أَصْحَابِهِ فَآذِنْهُ بِالْحَرْبِ . فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ وَحَكِيمُ بْنُ
حِزَامٍ ، فَلَقِيَا بُدَيْلَ بْنَ وَرْقَاءَ فَاسْتَتْبَعَاهُ فَخَرَجَ
مَعَهُمَا ، فَلَمّا بَلَغُوا الْأَرَاكَ مِنْ مَرّ الظّهْرَانِ رَأَوْا
الْأَبْنِيَةَ وَالْعَسْكَرَ وَالنّيرَانَ وَسَمِعُوا صَهِيلَ الْخَيْلِ
وَرُغَاءَ الْإِبِلِ فَأَفْزَعَهُمْ ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا وَقَالُوا :
هَؤُلَاءِ بَنُو كَعْبٍ حَاشَتْهَا الْحَرْبُ فَقَالَ بُدَيْلٌ هَؤُلَاءِ
أَكْثَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ قَالُوا : فَتَنَجّعَتْ
هَوَازِنُ عَلَى أَرْضِنَا وَاَللّهِ مَا نَعْرِفُ هَذَا إنّ هَذَا الْعَسْكَرَ
مِثْلُ حَاجّ النّاسِ [ ص 815 ] قَالُوا : وَقَدْ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحَرَسِ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ .
وَقَدْ رَكِبَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بَغْلَةَ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الدّلْدُلَ عَسَى أَنْ يُصِيبَ رَسُولًا إلَى
قُرَيْشٍ يُخْبِرُهُمْ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
دَاخِلٌ عَلَيْهِمْ مَعَ عَشَرَةِ آلَافٍ فَسَمِعَ صَوْتَ أَبِي سُفْيَانَ
فَقَالَ أَبَا حَنْظَلَةَ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا لَبّيْكَ . أَبُو الْفَضْلِ
قَالَ الْعَبّاسُ نَعَمْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَمَا وَرَاءَك ؟ قَالَ
الْعَبّاسُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ
فَأَسْلِمْ ثَكِلَتْك أُمّك وَعَشِيرَتُك ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى حَكِيمِ بْنِ
حِزَامٍ وَبُدَيْلِ بْنِ وَرْقَاءَ فَقَالَ أَسْلِمَا ، فَإِنّي لَكُمَا جَارٌ حَتّى
تَنْتَهُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ فَإِنّي أَخْشَى أَنْ تَقْتَطِعُوا دُونَ
النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالُوا : فَنَحْنُ مَعَك
. قَالَ فَخَرَجَ بِهِمْ الْعَبّاسُ حَتّى أَتَى
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا
رَسُولَ اللّهِ أَبُو سُفْيَانَ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَبُدَيْلُ بْنُ
وَرْقَاءَ قَدْ أَجَرْتهمْ وَهُمْ يَدْخُلُونَ عَلَيْك . قَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَدْخِلْهُمْ . فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَمَكَثُوا عِنْدَهُ
عَامّةَ اللّيْلِ يَسْتَخْبِرُهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَدَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَقَالَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إلَهَ
إلّا اللّهُ وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ فَأَمّا حَكِيمٌ وَبُدَيْلٌ فَشَهِدَا ،
وَأَمّا أَبُو سُفْيَانَ فَشَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ فَلَمّا قَالَ «
وَأَنّي رَسُولُ اللّهِ » قَالَ وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ إنّ فِي النّفْسِ مِنْ
هَذَا لَشَيْئًا يَسِيرًا بَعْدُ فَأَرْجِئْهَا . ثُمّ قَالَ لِلْعَبّاسِ قَدْ أَجَرْنَاهُمْ اذْهَبْ بِهِمْ إلَى
مَنْزِلِك . فَلَمّا أَذّنَ الصّبْحُ أَذّنَ
الْعَسْكَرُ كُلّهُمْ فَفَزِعَ أَبُو سُفْيَانَ مِنْ أَذَانِهِمْ وَقَالَ مَا
يَصْنَعُونَ ؟ قَالَ الْعَبّاسُ فَقُلْت . الصّلَاةُ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ
كَمْ يُصَلّونَ فِي الْيَوْمِ وَاللّيْلَةِ ؟ قَالَ الْعَبّاسُ يُصَلّونَ خَمْسَ
صَلَوَاتٍ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ كَثِيرٌ وَاَللّهِ قَالَ ثُمّ [ ص 816 ]
رَآهُمْ يَبْتَدِرُونَ وُضُوءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ
مَا رَأَيْت يَا أَبَا الْفَضْلِ مُلْكًا هَكَذَا قَطّ ، لَا مُلْكَ كِسْرَى ،
وَلَا مُلْكَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَقَالَ الْعَبّاسُ وَيْحَك ، آمِنْ قَالَ
أَدْخِلْنِي عَلَيْهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ فَأَدْخَلَهُ الْعَبّاسُ عَلَيْهِ
وَقَالَ يَا مُحَمّدُ اسْتَنْصَرْت إلَهِي وَاسْتَنْصَرْت إلَهَك ، فَلَا
وَاَللّهِ مَا لَقِيتُك مِنْ مَرّةٍ إلّا ظَفِرْت عَلَيّ فَلَوْ كَانَ إلَهِي
مُحِقّا وَإِلَهُك مُبْطِلًا غَلَبْتُك فَتَشَهّدَ أَبُو سُفْيَانَ أَنّ
مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ . ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مُحَمّدُ جِئْت
بِأَوْبَاشِ النّاسِ مَنْ يَعْرِفُ وَمَنْ لَا يَعْرِفُ إلَى عَشِيرَتِك
وَأَصْلِك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتَ
أَظْلَمُ وَأَفْجَرُ غَدَرْتُمْ بِعَهْدِ الْحُدَيْبِيَةِ وَظَاهَرْتُمْ عَلَى
بَنِي كَعْبٍ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فِي حَرَمِ اللّهِ وَأَمْنِهِ فَقَالَ
أَبُو سُفْيَانَ وَحَيّكُمْ يَا رَسُولَ اللّهِ لَوْ كُنْت جَعَلْت حِدّتَك
وَمَكِيدَتَك بِهَوَازِنَ فَهُمْ أَبْعَدُ رَحِمًا وَأَشَدّ لَك عَدَاوَةً
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي لَأَرْجُو مِنْ
رَبّي أَنْ يَجْمَعَ ذَلِكَ لِي كُلّهُ بِفَتْحِ مَكّةَ ، وَإِعْزَازِ الْإِسْلَامِ
بِهَا ، وَهَزِيمَةِ هَوَازِنَ وَأَنْ يُغْنِمَنِي اللّهُ أَمْوَالَهُمْ
وَذَرَارِيّهُمْ فَإِنّي رَاغِبٌ إلَى اللّهِ تَعَالَى فِي ذَلِكَ
(1/814)
قَالَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ
، قَالَ سَمِعْت يَعْقُوبَ بْنَ عُتْبَةَ يُخْبِرُ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ
عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ لَمّا نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ بِمَرّ
الظّهْرَان ِ ، قَالَ الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ : وَاصَبَاحَ قُرَيْشٍ
وَاَللّهِ لَئِنْ دَخَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
عَنْوَةً إنّهُ لَهَلَاكُ قُرَيْشٍ آخِرَ الدّهْرِ . قَالَ فَأَخَذْت بَغْلَةَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الشّهْبَاءَ فَرَكِبْتهَا ، وَقُلْت :
أَلْتَمِسُ إنْسَانًا أَبْعَثُهُ إلَى قُرَيْشٍ ; فَيَلْقَوْنَ رَسُولَ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَيْهِمْ عَنْوَةً .
قَالَ فَوَاَللّهِ إنّي لَفِي الْأَرَاكِ أَبْتَغِي [ ص 817 ] إنْسَانًا إذْ سَمِعْت
كَلَامًا يَقُولُ وَاَللّهِ إنْ رَأَيْت كَاللّيْلَةِ مِنْ النّيرَانِ . قَالَ
يَقُولُ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ هَذِهِ وَاَللّهِ خُزَاعَةُ حَاشَتْهَا
الْحَرْبُ قَالَ أَبُو سُفْيَان َ خُزَاعَةُ أَقَلّ وَأَذَلّ مِنْ أَنْ تَكُونَ
هَذِهِ نِيرَانُهُمْ وَعَسْكَرُهُمْ . قَالَ وَإِذَا بِأَبِي سُفْيَانَ فَقُلْت
: أَبَا حَنْظَلَةَ فَقَالَ يَا لَبّيْكَ أَبَا الْفَضْلِ - وَعَرَفَ صَوْتِي -
مَا لَك ، فِدَاك أَبِي وَأُمّي ؟ فَقُلْت : وَيْلَك ، هَذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى
اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ . فَقَالَ بِأَبِي وَأُمّي مَا
تَأْمُرُنِي ، هَلْ مِنْ حِيلَةٍ ؟ قُلْت : نَعَمْ تَرْكَبُ عَجُزَ هَذِهِ
الْبَغْلَةِ فَأَذْهَبُ بِك إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَإِنّهُ وَاَللّهِ إنْ ظُفِرَ بِك دُونَ رَسُولِ اللّهِ لَتُقْتَلَن
.
قَالَ أَبُو سُفْيَان َ وَأَنَا وَاَللّهِ
أَرَى ذَلِكَ . قَالَ وَرَجَعَ بُدَيْلٌ وَحَكِيمٌ ثُمّ رَكِبَ خَلْفِي ، ثُمّ
وَجّهْت بِهِ كُلّمَا مَرَرْت بِنَارِ مِنْ نِيرَانِ الْمُسْلِمِينَ قَالُوا :
مَنْ هَذَا ؟ فَإِذَا رَأَوْنِي قَالُوا : عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتّى مَرَرْت بِنَارِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَلَمّا رَآنِي قَامَ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟
فَقُلْت : الْعَبّاسُ . قَالَ فَذَهَبَ يَنْظُرُ فَرَأَى أَبَا
سُفْيَان َ خَلْفِي فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ ، عَدُوّ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ
الّذِي أَمْكَنَ مِنْك بِلَا عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ ثُمّ خَرَجَ نَحْوَ رَسُولِ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَشْتَدّ ، وَرَكَضَتْ الْبَغْلَةُ حَتّى
اجْتَمَعْنَا جَمِيعًا عَلَى بَابِ قُبّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
. قَالَ فَدَخَلْت عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَخَلَ
عُمَرُ عَلَى إثْرِي ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا أَبُو
سُفْيَانَ عَدُوّ اللّهِ قَدْ أَمْكَنَ اللّهُ مِنْهُ بِلَا عَهْدٍ وَلَا عَقْدٍ
فَدَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَهُ . قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي قَدْ
أَجَرْته قَالَ ثُمّ الْتَزَمْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
فَقُلْت : وَاَللّهِ لَا يُنَاجِيهِ اللّيْلَةَ أَحَدٌ غَيْرِي - أَوْ دُونِي
.
فَلَمّا أَكْثَرَ عُمَرُ فِيهِ قُلْت : مَهْلًا
يَا عُمَرُ فَإِنّهُ لَوْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ مَا قُلْت
هَذَا ، وَلَكِنّهُ أَحَدُ بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ . فَقَالَ عُمَرُ مَهْلًا ، يَا
أَبَا الْفَضْلِ فَوَاَللّهِ لَإِسْلَامُكَ كَانَ [ ص 818 ] أَحَبّ إلَيّ مِنْ
إسْلَامِ رَجُلٍ مِنْ آلِ الْخَطّابِ لَوْ أَسْلَمَ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اذْهَبْ بِهِ فَقَدْ أَجَرْته لَك فَلِيَبِتْ عِنْدَك
حَتّى تَغْدُو بِهِ عَلَيْنَا إذَا أَصْبَحْت .
فَلَمّا أَصْبَحْت غَدَوْت بِهِ فَلَمّا رَآهُ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ وَيْحَك ، يَا أَبَا
سُفْيَانَ أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ تَعْلَمَ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ قَالَ
بِأَبِي أَنْتَ مَا أَحْلَمَكَ وَأَكْرَمَك وَأَعْظَمَ عَفْوَك قَدْ كَانَ
يَقَعُ فِي نَفْسِي أَنّهُ لَوْ كَانَ مَعَ اللّهِ إلَهٌ لَقَدْ أَغْنَى عَنّي
شَيْئًا بَعْدُ . قَالَ يَا أَبَا سُفْيَانَ ، أَلَمْ يَأْنِ لَك أَنْ
تَعْلَمَ أَنّي رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي ، مَا أَحْلَمَكَ
وَأَكْرَمَك وَأَعْظَمَ عَفْوَك أَمّا هَذِهِ فَوَاَللّهِ إنّ فِي النّفْسِ مِنْهَا
لَشَيْئًا بَعْدُ . فَقَالَ الْعَبّاسُ فَقُلْت : وَيْحَك ، اشْهَدْ أَنْ لَا
إلَهَ إلّا اللّهُ وَاشْهَدْ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ قَبْلُ -
وَاَللّهِ - أَنْ تُقْتَلَ فَقَالَ فَشَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ فَقَالَ أَشْهَدُ
أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
فَقَالَ الْعَبّاسُ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّك عَرَفْت أَبَا سُفْيَانَ وَحُبّهُ الشّرَفَ
وَالْفَخْرَ اجْعَلْ لَهُ شَيْئًا قَالَ نَعَمْ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي
سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ ، وَمَنْ أَغْلَقَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ . ثُمّ قَالَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِلْعَبّاسِ بَعْدَ مَا خَرَجَ احْبِسْهُ
بِمَضِيقِ الْوَادِي إلَى خَطْمِ الْجَبَلِ حَتّى تَمُرّ بِهِ جُنُودُ اللّهِ
فَيَرَاهَا . قَالَ الْعَبّاسُ فَعَدَلْت بِهِ فِي مَضِيقِ الْوَادِي إلَى
خَطْمِ الْجَبَلِ فَلَمّا حَبَسْت أَبَا سُفْيَان َ قَالَ غَدْرًا بَنِي هَاشِمٍ
؟ فَقَالَ الْعَبّاسُ إنّ أَهْلَ النّبُوّةِ لَا يَغْدِرُونَ وَلَكِنْ لِي
إلَيْك حَاجَةٌ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : فَهَلّا بَدَأْت بِهَا أَوّلًا فَقُلْت : إنّ لِي إلَيْك حَاجَةً
فَكَانَ أَفْرَخَ لِرَوْعِي . قَالَ الْعَبّاسُ لَمْ أَكُنْ أَرَاك تَذْهَبُ
هَذَا الْمَذْهَبَ . وَعَبّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ
وَمَرّتْ الْقَبَائِلُ عَلَى قَادَتِهَا وَالْكَتَائِبُ عَلَى رَايَاتِهَا ،
فَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص
819 ] خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي بَنِي سُلَيْمٍ وَهُمْ أَلْفٌ فِيهِمْ لِوَاءٌ
يَحْمِلُهُ عَبّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ السّلَمِيّ ، وَلِوَاءٌ يَحْمِلُهُ خُفَافُ
بْنُ نُدْبَةَ وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا [ الْحَجّاجُ بْنُ عِلَاطٍ ] . قَال َ
أَبُو سُفْيَانَ : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ الْعَبّاسُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ .
قَالَ الْغُلَامُ ؟ قَالَ نَعَمْ . فَلَمّا حَاذَى خَالِدٌ الْعَبّاسَ وَإِلَى
جَنْبِهِ أَبُو سُفْيَانَ ، كَبّرَ ثَلَاثًا ، ثُمّ مَضَوْا . ثُمّ مَرّ عَلَى
إثْرِهِ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ فِي خَمْسِمِائَةٍ - مِنْهُمْ مُهَاجِرُونَ وَأَفْنَاءُ
الْعَرَبِ - وَمَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فَلَمّا حَاذَى أَبَا سُفْيَانَ كَبّرَ
ثَلَاثًا وَكَبّرَ أَصْحَابُهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ
الْعَوّامِ . قَالَ ابْنُ أُخْتِك ؟ قَالَ نَعَمْ . وَمَرّ بَنُوغِفَارٍ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ يَحْمِلُ رَايَتَهُمْ أَبُو
ذَرّ الْغِفَارِيّ - وَيُقَالُ إيمَاءُ بْنُ رَحْضَةَ - فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا
ثَلَاثًا . قَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ بَنُو غِفَارٍ .
قَالَ مَالِي وَلِبَنِي غِفَارٍ ثُمّ مَضَتْ أَسْلَمُ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ
فِيهَا لِوَاءَانِ أَنْ يَحْمِلَ أَحَدَهُمَا بُرَيْدَةُ بْنُ الْحَصِيبِ
وَالْآخَرُ نَاجِيَةُ بْنُ الْأَعْجَمِ فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا ثَلَاثًا .
قَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ أَسْلَمُ . قَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ مَالِي
وَلِأَسْلَمَ مَا كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهَا مَرّةٌ قَطّ . قَالَ الْعَبّاسُ
هُمْ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ . ثُمّ مَرّتْ بَنُو عَمْرِو
بْنُ كَعْبٍ فِي خَمْسِمِائَةٍ يَحْمِلُ رَايَتَهُمْ بُسْرُ بْنُ سُفْيَانَ .
قَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ بَنُو كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو . قَالَ نَعَمْ
هَؤُلَاءِ حُلَفَاءُ مُحَمّدٍ فَلَمّا حَاذَوْهُ [ ص 820 ] كَبّرُوا ثَلَاثًا .
ثُمّ مَرّتْ مُزَيْنَةُ فِي أَلْفٍ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَلْوِيَةٍ وَفِيهَا
مِائَةُ فَرَسٍ يَحْمِلُ أَلْوِيَتَهَا النّعْمَانُ بْنُ مُقَرّنٍ ، وَبِلَالُ
بْنُ الْحَارِثِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرٍو ; فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا ،
فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ مُزَيْنَةُ . قَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ مَالِي
وَلِمُزَيْنَةَ قَدْ جَاءَتْنِي تُقَعْقِعُ مِنْ شَوَاهِقِهَا
. ثُمّ مَرّتْ جُهَيْنَةُ فِي ثَمَانِمِائَةٍ مَعَ
قَادَتِهَا ، فِيهَا أَرْبَعَةُ أَلْوِيَةٍ لِوَاءٌ مَعَ أَبِي رَوْعَةَ
مَعْبَدَ بْنِ خَالِدٍ وَلِوَاءٌ مَعَ سُوَيْدِ بْنِ صَخْرٍ وَلِوَاءٌ مَعَ
رَافِعِ بْنِ مَكِيثٍ وَلِوَاءٌ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ بَدْرٍ . قَالَ فَلَمّا
حَاذَوْهُ كَبّرُوا ثَلَاثًا . ثُمّ مَرّتْ كِنَانَةُ ، بَنُو لَيْثٍ ،
وَضَمْرَةُ وَسَعْدُ بْنُ بَكْرٍ فِي مِائَتَيْنِ يَحْمِلُ لِوَاءَهُمْ أَبُو
وَاقِدٍ اللّيْثِيّ ، فَلَمّا حَاذَوْهُ كَبّرُوا ثَلَاثًا ، فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ
؟ قَالَ بَنُو بَكْرٍ . قَالَ نَعَمْ أَهْلُ شُؤْمٍ وَاَللّهِ الّذِينَ غَزَانَا
مُحَمّدٌ بِسَبَبِهِمْ أَمَا وَاَللّهِ مَا شُووِرْت فِيهِ وَلَا عَلِمْته ،
وَلَقَدْ كُنْت لَهُ كَارِهًا حَيْثُ بَلَغَنِي ، وَلَكِنّهُ أَمْر ٌ حُمّ قَالَ
الْعَبّاسُ قَدْ خَارَ اللّهُ لَك فِي غَزْوِ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ وَدَخَلْتُمْ فِي الْإِسْلَامِ كَافّةً
(1/817)
قَالَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ
عَنْ أَبِي عَمْرَةَ بْنِ حَمَاسٍ قَالَ مَرّتْ بَنُو لَيْثٍ وَحْدَهَا ، وَهُمْ
مِائَتَانِ وَخَمْسُونَ يَحْمِلُ لِوَاءَهَا الصّعْبُ بْنُ جَثّامَةَ ، فَلَمّا
مَرّ كَبّرُوا ثَلَاثًا فَقَالَ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ بَنُو لَيْثٍ . ثُمّ
مَرّتْ أَشْجَعُ - وَهُمْ آخِرُ مَنْ مَرّ وَهُمْ ثَلَثُمِائَةٍ مَعَهُمْ لِوَاءَانِ
لِوَاءٌ يَحْمِلُهُ مَعْقِلُ بْنُ سِنَانٍ وَلِوَاءٌ مَعَ نُعَيْمِ بْنِ
مَسْعُودٍ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ هَؤُلَاءِ كَانُوا أَشَدّ الْعَرَبِ عَلَى
مُحَمّدٍ . فَقَالَ الْعَبّاسُ أَدْخَلَ اللّهُ الْإِسْلَامَ فِي قُلُوبِهِمْ
فَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ فَسَكَتَ ثُمّ قَالَ مَا مَضَى بَعْدُ
مُحَمّدٌ قَالَ الْعَبّاسُ لَمْ يَمْضِ [ ص 821 ] بَعْدُ لَوْ رَأَيْت
الْكَتِيبَةَ الّتِي فِيهَا مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأَيْت
الْحَدِيدَ وَالْخَيْلَ وَالرّجَالَ وَمَا لَيْسَ لِأَحَدِ بِهِ طَاقَةٌ قَالَ
أَظُنّ وَاَللّهِ يَا أَبَا الْفَضْلِ وَمَنْ لَهُ بِهَؤُلَاءِ طَاقَةٌ ؟
فَلَمّا طَلَعَتْ كَتِيبَةُ رَسُولِ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَضْرَاءُ طَلَعَ سَوَادٌ وَغَبَرَةٌ مِنْ
سَنَابِكِ الْخَيْلِ وَجَعَلَ النّاسُ يَمُرّونَ كُلّ ذَلِكَ يَقُولُ مَا مَرّ
مُحَمّدٌ فَيَقُولُ الْعَبّاسُ لَا . حَتّى مَرّ يَسِيرُ عَلَى نَاقَتِهِ
الْقَصْوَاءِ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَأُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَهُوَ يُحَدّثُهُمَا
، قَالَ الْعَبّاسُ هَذَا رَسُولُ اللّهِ فِي كَتِيبَتِهِ الْخَضْرَاءِ فِيهَا الْمُهَاجِرُونَ
وَالْأَنْصَارُ ، فِيهَا الرّايَاتُ وَالْأَلْوِيَةُ مَعَ كُلّ بَطْنٍ مِنْ
الْأَنْصَارِ رَايَةٌ وَلِوَاءٌ فِي الْحَدِيدِ لَا يُرَى مِنْهُمْ إلّا الْحَدَقُ
وَلِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِيهَا زَجَلٌ - وَعَلَيْهِ
الْحَدِيدُ - بِصَوْتِ عَالٍ وَهُوَ يُزْعِجُهَا ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا
أَبَا الْفَضْلِ مَنْ هَذَا الْمُتَكَلّمُ ؟ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ .
قَالَ لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ بَنِي عَدِيّ بَعْدُ - وَاَللّهِ - قِلّةٍ وَذِلّةٍ
فَقَالَ الْعَبّاسُ يَا أَبَا سُفْيَانَ إنّ اللّهَ يَرْفَعُ مَنْ يَشَاءُ بِمَا
يَشَاءُ وَإِنّ عُمَرَ مِمّنْ رَفَعَهُ الْإِسْلَامُ . وَيُقَالُ كَانَ فِي الْكَتِيبَةِ
أَلْفُ دَارِعٍ . وَأَعْطَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
رَايَتَهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ وَهُوَ أَمَامَ الْكَتِيبَةِ ، فَلَمّا مَرّ
سَعْدٌ بِرَايَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَادَى : يَا أَبَا
سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ الْيَوْمَ
أَذَلّ اللّهُ قُرَيْشًا فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ حَتّى إذَا حَاذَى أَبَا سُفْيَانَ نَادَاهُ يَا رَسُولَ اللّهِ
أُمِرْت بِقَتْلِ قَوْمِك ؟ زَعَمَ سَعْدٌ وَمَنْ مَعَهُ حِينَ مَرّ بِنَا قَالَ « يَا أَبَا سُفْيَانَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ
تُسْتَحَلّ الْحُرْمَةُ الْيَوْمَ أَذَلّ اللّهُ قُرَيْشًا » وَإِنّي أَنْشُدُك
اللّهَ فِي قَوْمِك ، فَأَنْتَ أَبَرّ النّاسِ وَأَرْحَمُ النّاسِ وَأَوْصَلُ النّاسِ
.
قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ [ ص 822 ]
وَعُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا نَأْمَنُ سَعْدًا أَنْ
يَكُونَ مِنْهُ فِي قُرَيْشٍ صَوْلَةٌ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْيَوْمَ يَوْمُ الْمَرْحَمَةِ الْيَوْمَ أَعَزّ اللّهُ
فِيهِ قُرَيْشًا قَالَ وَأَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ إلَى سَعْدٍ فَعَزَلَهُ وَجَعَلَ اللّوَاءَ إلَى قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ ،
وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ اللّوَاءَ لَمْ يَخْرُجْ
مِنْ سَعْدٍ حِينَ صَارَ لِابْنِهِ . فَأَبَى سَعْدٌ أَنْ يُسَلّمَ اللّوَاءَ
إلّا بِأَمَارَةِ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَرْسَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِعِمَامَتِهِ فَعَرَفَهَا
سَعْدٌ فَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى ابْنِهِ قَيْسٍ . قَالَ فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي
سَبْرَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ أَهْلِهِ قَالُوا :
دَخَلَ وَاَللّهِ سَعْدٌ بِلِوَائِهِ حَتّى غَرَزَهُ بِالْحَجُونِ
.
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ :
وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ عَلِيّا
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَأَخَذَ اللّوَاءَ فَذَهَبَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ
بِهَا حَتّى دَخَلَ بِهَا مَكّةَ فَغَرَزَهَا عِنْدَ الرّكْنِ . وَقَالَ أَبُو
سُفْيَانَ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَذِهِ الْكَتِيبَةِ قَطّ ، وَلَا خَبّرَنِيهِ
مُخَبّرٌ سُبْحَانَ اللّهِ مَا لِأَحَدِ بِهَذِهِ طَاقَةٌ وَلَا يَدَانِ ثُمّ
قَالَ لَقَدْ أَصْبَحَ مُلْكُ ابْنِ أَخِيك الْغَدَاةَ عَظِيمًا قَالَ قُلْت : وَيْحَك يَا أَبَا سُفْيَانَ لَيْسَ بِمُلْكِ وَلَكِنّهَا نُبُوّةٌ .
قَالَ نَعَمْ قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ
بْنِ سَاعِدَةَ قَالَ قَالَ لَهُ الْعَبّاسُ فَانْجُ وَيْحَك فَأَدْرِكْ قَوْمَك
قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ . قَالَ فَخَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فَتَقَدّمَ
النّاسُ كُلّهُمْ حَتّى دَخَلَ مِنْ كَدَاءٍ وَهُوَ يَقُولُ مَنْ أَغْلَقَ
بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ حَتّى انْتَهَى إلَى هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ ، فَأَخَذَتْ
بِرَأْسِهِ فَقَالَتْ مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ هَذَا مُحَمّدٌ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ
عَلَيْهِمْ الْحَدِيدُ وَقَدْ [ ص 823 ] جَعَلَ لِي
: مَنْ دَخَلَ دَارِي فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ .
وَمَنْ طَرَحَ السّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ . قَالَتْ قَبّحَك اللّهُ رَسُولَ قَوْمٍ
قَالَ وَجَعَلَ يَصْرُخُ بِمَكّةَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، وَيْحَكُمْ إنّهُ
قَدْ جَاءَ مَا لَا قِبَلَ لَكُمْ بِهِ هَذَا مُحَمّدٌ فِي عَشَرَةِ آلَافٍ
عَلَيْهِمْ الْحَدِيدُ فَأَسْلِمُوا قَالُوا : قَبّحَك اللّهُ وَافِدَ قَوْمٍ
وَجَعَلَتْ هِنْدُ تَقُولُ اُقْتُلُوا وَافِدَكُمْ هَذَا ، قَبّحَك اللّهُ
وَافِدَ قَوْمٍ . قَالَ يَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ
وَيْلَكُمْ لَا تَغُرّنكُمْ هَذِهِ مِنْ أَنْفُسِكُمْ رَأَيْت مَا لَمْ تَرَوْا
رَأَيْت الرّجَالَ وَالْكُرَاعَ وَالسّلَاحَ فَلَا لِأَحَدِ بِهَذَا طَاقَةٌ
قَالُوا : وَانْتَهَى الْمُسْلِمُونَ إلَى ذِي طُوًى . فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ
إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى تَلَاحَقَ النّاسُ
.
وَقَدْ كَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ،
وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو قَدْ دَعَوْا إلَى
قِتَالِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَضَوَى إلَيْهِمْ نَاسٌ
مِنْ قُرَيْشٍ وَنَاسٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ وَهُذَيْلٍ ، وَتَلَبّسُوا السّلَاحَ
وَيُقْسِمُونَ بِاَللّهِ لَا يَدْخُلُهَا مُحَمّدٌ عَنْوَةً أَبَدًا . فَكَانَ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي الدّيلِ يُقَالُ لَهُ حِمَاسُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدٍ الدّيلِيّ
، لَمّا سَمِعَ بِرَسُولِ اللّهِ جَلَسَ يُصْلِحُ سِلَاحَهُ فَقَالَتْ لَهُ
امْرَأَتُهُ لِمَنْ تُعِدّ هَذَا ؟ قَالَ لِمُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ - فَإِنّي
أَرْجُو أَنْ أَخْدُمَك مِنْهُمْ خَادِمًا فَإِنّك إلَيْهِ مُحْتَاجَةٌ .
قَالَتْ وَيْحَك ، لَا تَفْعَلْ وَلَا تُقَاتِلْ مُحَمّدًا وَاَللّهِ لَيَضِلّن
هَذَا عَنْك لَوْ رَأَيْت مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ . قَالَ سَتَرَيْنَ . قَالَ
وَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي كَتِيبَتِهِ
الْخَضْرَاءِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ مُعْتَجِرًا بِشُقّةِ بُرْدٍ
حِبَرَةٍ . قَالَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ عَبّادِ بْنِ
أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ [ ص 824 ] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ دَخَلَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ
سَوْدَاءُ وَرَايَتُهُ سَوْدَاءُ وَلِوَاؤُهُ أَسْوَدُ حَتّى وَقَفَ بِذِي طُوًى
وَتَوَسّطَ النّاسَ وَإِنّ عُثْنُونَهُ لَيَمَسّ وَاسِطَةَ الرّحْلِ أَوْ
يَقْرُبُ مِنْهُ تَوَاضُعًا لِلّهِ تَعَالَى حِينَ رَأَى مَا رَأَى مِنْ فَتْحِ
اللّهِ وَكَثْرَةِ الْمُسْلِمِينَ . ثُمّ قَالَ الْعَيْشُ عَيْشُ الْآخِرَةُ
قَالَ وَجَعَلَتْ الْخَيْلُ تَمْعَجُ بِذِي طُوًى فِي كُلّ وَجْهٍ ثُمّ ثَابَتْ
وَسَكَنَتْ حَيْثُ تَوَسّطَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
(1/821)
قَالَ حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ يَحْيَى بْنِ
عَبّادٍ عَنْ عِيسَى بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ
أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَتْ وَصَعِدَ أَبُو قُحَافَةَ يَوْمَئِذٍ
بِصُغْرَى بَنَاتِهِ قُرَيْبَةَ بِنْتِ أَبِي قُحَافَةَ تَقُودُهُ حَتّى
ظَهَرَتْ بِهِ إلَى أَبِي قُبَيْسٍ - وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ - فَلَمّا
أَشْرَفَتْ بِهِ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ قَالَ يَا بُنَيّةُ مَاذَا تَرَيْنَ ؟
قَالَتْ أَرَى رَجُلًا يَسْعَى بَيْنَ ذَلِكَ السّوَادِ مُقْبِلًا وَمُدْبِرًا .
قَالَ ذَلِكَ الْوَازِعُ يَا بُنَيّةُ اُنْظُرِي مَا تَرَيْنَ قَالَتْ تَفَرّقَ السّوَادُ
. قَالَ قَدْ تَفَرّقَتْ الْجُيُوشُ الْبَيْتَ الْبَيْتَ قَالَتْ فَنَزَلْت بِهِ
. قَالَ فَجَعَلَتْ الْجَارِيَةُ تَرْعَبُ لِمَا تَرَى ، فَيَقُولُ يَا بُنَيّةُ
لَا تَخَافِي فَوَاَللّهِ إنّ أَخَاك عَتِيقًا لَآثُرُ أَصْحَابِ مُحَمّدٍ
عِنْدَ مُحَمّدٍ . قَالَ وَعَلَيْهَا طَوْقٌ مِنْ فِضّةٍ فَاخْتَلَسَهُ بَعْضُ
مَنْ دَخَلَ . قَالُوا : فَلَمّا دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ يَقُولُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنْشُدُ بِاَللّهِ طَوْقَ
أُخْتِي ثَلَاثَ مَرّاتٍ . ثُمّ قَالَ يَا أُخَيّةُ احْتَسِبِي طَوْقَك ، فَإِنّ
الْأَمَانَةَ فِي النّاسِ قَلِيلٌ . [ ص 825 ] قَالُوا : ثُمّ الْتَفَتَ رَسُولُ
اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ إلَى جَنْبِهِ
فَقَالَ كَيْفَ قَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ ؟ فَقَالَ
عَدِمْنَا خَيْلَنَا إنْ لَمْ تَرَوْهَا
تُثِيرُ النّقْعَ مِنْ كَتِفَيْ كَدَاءِ
ثُمّ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ الزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كُدًى ،
وَأَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ اللّيطِ ، وَأَمَرَ سَعْدَ
بْنَ عُبَادَةَ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ كَدَاءٍ ، وَالرّايَةُ مَعَ ابْنِهِ قَيْسٍ ،
وَمَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ مِنْ أَذَاخِرَ .
وَنَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ عَنْ الْقِتَالِ وَأَمَرَ بِقَتْلِ سِتّةِ نَفَرٍ وَأَرْبَعِ نِسْوَةٍ
عِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ ، وَهَبّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ . وَعَبْدِ اللّهِ
بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، وَمِقْيَسِ بْنِ صُبَابَةَ اللّيْثِيّ
وَالْحُوَيْرِثِ بْنِ نُقَيْذٍ وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَطَلٍ
الْأَدْرَمِيّ وَهِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَسَارَةَ مَوْلَاةَ
عَمْرِو بْنِ هَاشِمٍ وَقَيْنَتَيْنِ لِأَبِي خَطَلٍ قُرَيْنَا وَقُرَيْبَةَ
وَيُقَالُ فَرْتَنَا وَأَرْنَبَةَ . فَكُلّ الْجُنُودِ دَخَلَ فَلَمْ يَلْقَ
جَمْعًا ، فَلَمّا دَخَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَجَدَ جَمْعًا مِنْ قُرَيْشٍ
وَأَحَابِيشِهَا قَدْ جَمَعُوا لَهُ . فِيهِمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، وَعِكْرِمَةُ
بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، فَمَنَعُوهُ الدّخُولَ
وَشَهَرُوا السّلَاحَ وَرَمَوْا بِالنّبْلِ وَقَالُوا : لَا تَدْخُلُهَا
عَنْوَةً أَبَدًا فَصَاحَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي أَصْحَابِهِ
وَقَاتَلَهُمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ
، وَأَرْبَعَةً مِنْ [ ص 826 ] هُذَيْلٍ ، وَانْهَزَمُوا أَقْبَحَ الِانْهِزَامِ
حَتّى قُتِلُوا بِالْحَزْوَرَةِ وَهُمْ مُوَلّونَ فِي كُلّ وَجْهٍ .
وَانْطَلَقَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ فَوْقَ رُءُوسِ الْجِبَالِ وَاتّبَعَهُمْ
الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ
يَصِيحَانِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، عَلَامَ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ ؟ مَنْ
دَخَلَ دَارَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ وَضَعَ السّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ . فَجَعَلَ
النّاسُ يَقْتَحِمُونَ الدّورَ وَيُغَلّقُونَ عَلَيْهِمْ وَيَطْرَحُونَ
السّلَاحَ فِي الطّرُقِ حَتّى يَأْخُذَهَا الْمُسْلِمُونَ . وَلَمّا ظَهَرَ
رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى ثَنِيّةِ أَذَاخِرَ نَظَرَ
إلَى الْبَارِقَةِ فَقَالَ مَا هَذِهِ الْبَارِقَةُ . أَلَمْ أَنْهَ عَنْ الْقِتَالِ
؟ قِيلَ يَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدُ بْنُ
الْوَلِيدِ قُوتِلَ وَلَوْ لَمْ يُقَاتَلْ مَا قَاتَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَضَى اللّهُ خَيْرًا قَالَ وَجَعَلَ يَتَمَثّلُ
بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ . وَهُوَ يُقَاتِلُ خَارِجَةَ بْنَ خُوَيْلِدٍ
الْكَعْبِيّ أَنْشَدَنِيهَا عَنْ أَبِيهِ
إذَا مَا رَسُولُ اللّهِ فِينَا رَأَيْتنَا
كَلُجّةِ بَحْرٍ نَالَ فِيهَا سَرِيرُهَا
إذَا مَا ارْتَدَيْنَا الْفَارِسِيّةَ
فَوْقَهَا
رُدَيْنِيّةٌ يَهْدِي الْأَصَمّ خَرِيرُهَا
وَإِنّ مُحَمّدًا لَهَا نَاصِرٌ
عَزّتْ وَعَزّ نَصِيرُهَا
وَأَقْبَلَ ابْنُ خَطَلٍ جَائِيًا مِنْ مَكّةَ
، مُدَجّجًا فِي الْحَدِيدِ عَلَى فَرَسٍ ذَنُوبٍ بِيَدِهِ قَنَاةٌ . وَبَنَاتُ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ قَدْ ذُكِرَ لَهُنّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ
عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 827 ] قَدْ دَخَلَ فَخَرَجْنَ قَدْ نَشَرْنَ رُءُوسَهُنّ
يَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ وُجُوهَ الْخَيْلِ فَضَرَبَهُنّ ابْنُ خَطَلٍ جَائِيًا
مِنْ أَعْلَى مَكّةَ فَقَالَ لَهُنّ أَمَا وَاَللّهِ لَا يَدْخُلُهَا حَتّى تَرَيْنَ
ضَرْبًا كَأَفْوَاهِ الْمَزَادِ ثُمّ خَرَجَ حَتّى انْتَهَى إلَى الْخَنْدَمَةِ
فَرَأَى خَيْلَ الْمُسْلِمِينَ وَرَأَى الْقِتَالَ وَدَخَلَهُ الرّعْبُ حَتّى
مَا يَسْتَمْسِكُ مِنْ الرّعْدَةِ حَتّى انْتَهَى إلَى الْكَعْبَةِ فَنَزَلَ
عَنْ فَرَسِهِ وَطَرَحَ سِلَاحَهُ فَأَتَى الْبَيْتَ فَدَخَلَ بَيْنَ
أَسْتَارِهِ . قَالَ وَحَدّثَنِي حِزَامُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ
أَخَذَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي كَعْبٍ دِرْعَهُ وَصَفَفَهُ وَمِغْفَرَهُ وَبَيْضَتَهُ
وَسَيْفَهُ وَأَدْرَكَ فَرَسَهُ غَائِرًا فَأَدْرَكَهُ فَاسْتَوَى عَلَيْهِ
وَلَحِقَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْحَجُونِ . قَالُوا :
وَأَقْبَلَ حِمَاسُ بْنُ خَالِدٍ مُنْهَزِمًا حَتّى أَتَى بَيْتَهُ فَدَقّهُ فَفَتَحَتْ
لَهُ امْرَأَتُهُ فَدَخَلَ وَقَدْ ذَهَبَتْ رُوحُهُ فَقَالَتْ أَيْنَ الْخَادِمُ
الّذِي وَعَدْتنِي ؟ مَا زِلْت مُنْتَظِرَتُك مُنْذُ الْيَوْمِ تُسَخّرُ بِهِ
قَالَ دَعِي عَنْك ، أَغْلِقِي بَابِي فَإِنّهُ مَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ
آمِنٌ قَالَتْ وَيْحَك أَلَمْ أَنْهَك عَنْ قِتَالِ مُحَمّدٍ ؟ وَقُلْت لَك : «
مَا رَأَيْته يُقَاتِلُكُمْ مِنْ مَرّةٍ إلّا ظَهَرَ عَلَيْكُمْ » ، وَمَا
بَابُنَا ؟ قَالَ إنّهُ لَا يُفْتَحُ عَلَى أَحَدٍ بَابُهُ . ثُمّ قَالَ -
أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ أَبِي الزّنَادِ [ ص 828 ]
وَأَنْتَ لَوْ شَهِدْتنَا بِالْخَنْدَمَهْ
إذْ فَرّ صَفْوَانُ وَفَرّ عِكْرَمَهْ
وَأَبُو يَزِيدَ كَالْعَجُوزِ الْمُؤْتِمَهْ
لَمْ تَنْطِقِي فِي اللّوْمِ أَدْنَى كَلِمَهْ
وَضَرَبَتْنَا بِالسّيُوفِ الْمِسْلِمَهْ
لَهُمْ زَئِيرٌ خَلْفَنَا وَغَمْغَمَهْ
قَالَ وَأَقْبَلَ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ
بِمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَتّى انْتَهَى بِهِمْ إلَى الْحَجُونِ ،
فَغَرّزَ الرّايَةَ عِنْدَ مَنْزِلِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ . وَلَمْ يُقْتَلْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحَدٌ إلّا رَجُلَانِ مِنْ
أَصْحَابِهِ أَخْطَآ طَرِيقَهُ فَسَلَكَا غَيْرَهَا فَقُتِلَا ; كُرْزُ بْنُ
جَابِرٍ الْفِهْرِيّ ، فَقَامَ عَلَيْهِ خَالِدٌ الْأَشْقَرُ وَهُوَ جَدّ
حِزَامِ بْنِ خَالِدٍ حَتّى قُتِلَ وَكَانَ الّذِي قَتَلَ خَالِدًا ابْنُ أَبِي الْجِذْعِ
الْجُمَحِيّ . قَالَ فَحَدّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ بَشِيرٍ مَوْلَى
الْمَازِنِيّينَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ كُنْت مِمّنْ لَزِمَ
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلْت مَعَهُ يَوْمَ
الْفَتْحِ مِنْ أَذَاخِرَ ، فَلَمّا أَشْرَفَ عَلَى أَذَاخِرَ نَظَرَ إلَى
بُيُوتِ مَكّةَ ، وَوَقَفَ عَلَيْهَا فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
وَنَظَرَ إلَى مَوْضِعِ قُبّتِهِ فَقَالَ هَذَا مَنْزِلُنَا يَا جَابِرُ حَيْثُ
تَقَاسَمَتْ عَلَيْنَا قُرَيْشٌ فِي كُفْرِهَا . قَالَ جَابِرٌ فَذَكَرْت
حَدِيثًا كُنْت أَسْمَعُهُ مِنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْلَ ذَلِكَ
بِالْمَدِينَةِ مَنْزِلُنَا غَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ إذَا فَتَحَ اللّهُ
عَلَيْنَا مَكّةَ فِي الْخَيْفِ حِينَ تَقَاسَمُوا عَلَيّ الْكُفْر وَكُنّا بِالْأَبْطَحِ وِجَاهَ شِعْبِ أَبِي
طَالِبٍ حَيْثُ حُصِرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَنُو
هَاشِمٍ ثَلَاثَ سِنِينَ .(1/825)
|
1.سورة الاخلاص
110. ب مم.
· تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث❷ /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/❷عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث
Translate ***
15.موقع جادو
باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج طبيعة 1. / /طلبعة 3.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق