شَأْنُ
هَدْمِ الْعُزّى [ ص 873 ] قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ عَمْرٍو الْهُذَلِيّ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ
وَسَلّمَ مَكّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ
فَبَثّ السّرَايَا فِي كُلّ وَجْهٍ أَمَرَهُمْ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى مَنْ لَمْ
يَكُنْ عَلَى الْإِسْلَامِ . فَخَرَجَ هِشَامُ بْنُ الْعَاصِ فِي مِائَتَيْنِ
قَبْلَ يَلَمْلَمَ ، وَخَرَجَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فِي
ثَلَثِمِائَةٍ قَبْلَ عُرَنَةَ . وَبَعَثَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إلَى
الْعُزّى يَهْدِمُهَا ، فَخَرَجَ خَالِدٌ فِي ثَلَاثِينَ فَارِسًا مِنْ
أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَى إلَيْهَا وَهَدَمَهَا . ثُمّ رَجَعَ إلَى النّبِيّ
صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ هَدَمْت ؟ قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ
اللّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ رَأَيْت
شَيْئًا مَا ؟ قَالَ لَا . قَالَ فَإِنّك لَمْ تَهْدِمْهَا ، فَارْجِعْ إلَيْهَا
فَاهْدِمْهَا . فَرَجَعَ خَالِدٌ وَهُوَ مُتَغَيّظٌ فَلَمّا انْتَهَى
إلَيْهَا جَرّدَ سَيْفَهُ فَخَرَجَتْ إلَيْهِ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ عُرْيَانَةٌ
نَاشِرَةُ الرّأْسِ فَجَعَلَ السّادِنُ يَصِيحُ بِهَا . قَالَ خَالِدٌ
وَأَخَذَنِي اقْشِعْرَارٌ فِي ظَهْرِي ، فَجَعَلَ يَصِيحُ
أَيَا عُزّ شُدّي شَدّةً لَا تُكَذّبِي عَلَى خَالِدٍ أَلْقِي الْقِنَاعَ وَشَمّرِي أَيَا عُزّ إنْ لَمْ تَقْتُلِي الْمَرْءَ خَالِدًا فَبُوئِي بِذَنْبٍ عَاجِلٍ أَوْ تَنَصّرِي [ ص 874 ] قَالَ وَأَقْبَلَ خَالِدٌ بِالسّيْفِ إلَيْهَا وَهُوَ يَقُولُ يَا عُزّ كُفْرَانَك لَا سُبْحَانَك إنّي وَجَدْت اللّهَ قَدْ أَهَانَك قَالَ فَضَرَبَهَا بِالسّيْفِ فَجَزّلَهَا بِاثْنَيْنِ ثُمّ رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ نَعَمْ تِلْكَ الْعُزّى وَقَدْ يَئِسَتْ أَنْ تُعْبَدَ بِبِلَادِكُمْ أَبَدًا . ثُمّ قَالَ خَالِدٌ أَيْ رَسُولَ اللّهِ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَكْرَمَنَا وَأَنْقَذَنَا مِنْ الْهَلَكَةِ إنّي كُنْت أَرَى أَبِي يَأْتِي إلَى الْعُزّى بِحِتْرِهِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَيَذْبَحُهَا لِلْعُزّى ، وَيُقِيمُ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمّ يَنْصَرِفُ إلَيْنَا مَسْرُورًا ، فَنَظَرْت إلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ أَبِي ، وَذَلِكَ الرّأْيُ الّذِي كَانَ يُعَاشُ فِي فَضْلِهِ كَيْفَ خُدِعَ حَتّى صَارَ يَذْبَحُ لِحَجَرٍ لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يَضُرّ وَلَا يَنْفَعُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَذَا الْأَمْرَ إلَى اللّهِ فَمَنْ يَسّرَهُ لِلْهُدَى تَيَسّرَ وَمَنْ يَسّرَهُ لِلضّلَالَةِ كَانَ فِيهَا . وَكَانَ هَدْمُهَا لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ . وَكَانَ سَادِنُهَا أَفْلَحَ بْنَ نَضْرٍ الشّيْبَانِيّ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَلَمّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ وَهُوَ حَزِينٌ فَقَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ مَا لِي أَرَاك حَزِينًا ؟ قَالَ أَخَافُ أَنْ تَضِيعَ الْعُزّى مِنْ بَعْدِي . قَالَ لَهُ أَبُو لَهَبٍ فَلَا تَحْزَنْ فَأَنَا أَقُومُ عَلَيْهَا بَعْدَك . فَجَعَلَ كُلّ مَنْ لَقِيَ قَالَ إنْ تَظْهَرَ الْعُزّى كُنْت قَدْ اتّخَذْت يَدًا عِنْدَهَا بِقِيَامِي عَلَيْهَا ، وَإِنْ يَظْهَرَ مُحَمّدٌ عَلَى الْعُزّى - وَلَا أَرَاهُ يَظْهَرُ - فَابْنُ أَخِي فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَيُقَالُ إنّهُ قَالَ هَذَا فِي اللّاتِي . وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ . . ..استكمال↧↧↧ ======================== بَابُ ذِكْرِ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْفَتْحِ [ ص 875 ] رَجُلَانِ أَخْطَآ الطّرِيقَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ ، وَخَالِدٌ الْأَشْعَرُ مِنْ بَنِي كَعْبٍ . وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ صَبْرًا بِالسّيْفِ ابْنُ خَطَلٍ ، قَتَلَهُ أَبُو بَرْزَةَ وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ نُقَيْذٍ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ وَمِقْيَسُ بْنُ صُبَابَةَ ، قَتَلَهُ نُمَيْلَةُ . وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بِالْخَنْدَمَةِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قَتِيلًا . (1/875 غَزْوَةُ بَنِي جَذِيمَةَ قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ لَمّا رَجَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ هَدْمِ الْعُزّى إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكّةَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ وَبَعَثَهُ دَاعِيًا لَهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَبْعَثْهُ مُقَاتِلًا . فَخَرَجَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَبَنِي سُلَيْمٍ ; فَكَانُوا ثَلَثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا ، فَانْتَهَى إلَيْهِمْ بِأَسْفَلَ مَكّةَ ، فَقِيلَ لِبَنِي جَذِيمَةَ هَذَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ . قَالُوا : وَنَحْنُ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ قَدْ صَلّيْنَا وَصَدّقْنَا بِمُحَمّدٍ وَبَنَيْنَا الْمَسَاجِدَ وَأَذّنّا فِيهَا . فَانْتَهَى إلَيْهِمْ خَالِدٌ فَقَالَ الْإِسْلَامُ قَالُوا : نَحْنُ مُسْلِمُونَ قَالَ فَمَا بَالُ السّلَاحِ عَلَيْكُمْ ؟ قَالُوا : إنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ مِنْ الْعَرَبِ عَدَاوَةً فَخِفْنَا أَنْ تَكُونُوا هُمْ فَأَخَذْنَا السّلَاحَ لِأَنْ نَدْفَعَ عَنْ أَنْفُسِنَا مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ . قَالَ فَضَعُوا السّلَاحَ فَقَالَ لَهُمْ رَجُلٌ [ ص 876 ] مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ جَحْدَمُ يَا بَنِي جَذِيمَةَ إنّهُ وَاَللّهِ خَالِدٌ وَمَا يَطْلُبُ مُحَمّدٌ مِنْ أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُقِرّ بِالْإِسْلَامِ وَنَحْنُ مُقِرّونَ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ خَالِدٌ لَا يُرِيدُ بِنَا مَا يُرَادُ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِنّهُ مَا يَقْدِرُ مَعَ السّلَاحِ إلّا الْإِسَارَ ثُمّ بَعْدَ الْإِسَارِ السّيْفُ قَالُوا : نُذَكّرُك اللّهَ تَسُومَنَا . فَأَبَى يُلْقِي سَيْفَهُ حَتّى كَلّمُوهُ جَمِيعًا فَأَلْقَى سَيْفَهُ وَقَالُوا : إنّا مُسْلِمُونَ وَالنّاسُ قَدْ أَسْلَمُوا ، وَفَتَحَ مُحَمّدٌ مَكّةَ ، فَمَا نَخَافُ مِنْ خَالِدٍ ؟ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَيَأْخُذَنكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ مِنْ الْأَحْقَادِ الْقَدِيمَةِ . فَوَضَعَ الْقَوْمُ السّلَاحَ ثُمّ قَالَ لَهُمْ خَالِدٌ . اسْتَأْسِرُوا فَقَالَ جَحْدَمٌ يَا قَوْمُ مَا يُرِيدُ مِنْ قَوْمٍ مُسْلِمِينَ يَسْتَأْسِرُونَ إنّمَا يُرِيدُ مَا يُرِيدُ فَقَدْ خَالَفْتُمُونِي وَعَصَيْتُمْ أَمْرِي ، وَهُوَ وَاَللّهِ السّيْفُ . فَاسْتَأْسَرَ الْقَوْمُ فَأُمِرَ بَعْضُهُمْ يَكْتِفُ بَعْضًا ، فَلَمّا كُتِفُوا دَفَعَ إلَى كُلّ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الرّجُلَ وَالرّجُلَيْنِ وَبَاتُوا فِي وَثَاقٍ فَكَانُوا إذَا جَاءَ وَقْتُ الصّلَاةِ يُكَلّمُونَ الْمُسْلِمِينَ فَيُصَلّونَ ثُمّ يَرْبِطُونَ . فَلَمّا كَانَ فِي السّحَرِ وَالْمُسْلِمُونَ قَدْ اخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ فَقَائِلٌ يَقُولُ مَا نُرِيدُ بِأَسْرِهِمْ نَذْهَبُ بِهِمْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَقَائِلٌ يَقُولُ نَنْظُرُ هَلْ يَسْمَعُونَ أَوْ يُطِيعُونَ وَنَبْلُوهُمْ وَنُخْبِرُهُمْ . وَالنّاسُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَلَمّا كَانَ فِي السّحَرِ نَادَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ : مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْيُذَافّهِ - وَالْمُذَافّةُ الْإِجْهَازُ عَلَيْهِ بِالسّيْفِ . فَأَمّا بَنُو سُلَيْمٍ فَقَتَلُوا كُلّ مَنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ . وَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَأَرْسَلُوا أُسَارَاهُمْ .قَالَ فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ . عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كُنْت مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَكَانَ فِي يَدِي أَسِيرٌ فَأَرْسَلْته وَقُلْت : اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت وَكَانَ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ أُسَارَى فَأَرْسَلُوهُمْ . [ ص 877 ] قَالَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ نَافِعٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَأَرْسَلْت أَسِيرِي ، وَمَا أُحِبّ أَنّي قَتَلْته وَأَنّ لِي مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ شَمْسٌ أَوْ غَرَبَتْ وَأَرْسَلَ قَوْمِي مَعِي مِنْ الْأَنْصَارِ أَسْرَاهُمْ . قَالَ حَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ لَمّا نَادَى خَالِدٌ « مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْيُذَافّهِ » أَرْسَلْت أَسِيرِي . قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ ضَمْرَةَ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْت أَبَا بَشِيرٍ الْمَازِنِيّ يَقُولُ كَانَ مَعِي أَسِيرٌ مِنْهُمْ . قَالَ فَلَمّا نَادَى خَالِدٌ « مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْيُذَافّهِ » أَخْرَجْت سَيْفِي لِأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ لِي الْأَسِيرُ يَا أَخَا الْأَنْصَارِ ، إنّ هَذَا لَا يَفُوتُك ، اُنْظُرْ إلَى قَوْمِك قَالَ فَنَظَرْت فَإِذَا الْأَنْصَارُ طُرّا قَدْ أَرْسَلُوا أُسَارَاهُمْ . قَالَ قُلْت : انْطَلِقْ حَيْثُ شِئْت فَقَالَ بَارَكَ اللّهُ عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ مَنْ كَانَ أَقْرَبَ رَحِمًا مِنْكُمْ قَدْ قَتَلُونَا بَنُو سُلَيْمٍ . قَالَ فَحَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ لَمّا نَادَى خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فِي الْأَسْرَى يُذَافّونَ وَثَبَتَ بَنُو سُلَيْمٍ عَلَى أَسْرَاهُمْ فَذَافّوهُمْ - وَأَمّا الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَأَرْسَلُوا أَسْرَاهُمْ - غَضِبَ خَالِدٌ عَلَى مَنْ أَرْسَلَ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَكَلّمَهُ يَوْمَئِذٍ أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ وَقَالَ اتّقِ اللّهَ يَا خَالِدُ وَاَللّهِ مَا كُنّا لِنَقْتُلَ قَوْمًا مُسْلِمِينَ قَالَ وَمَا يُدْرِيك ؟ قَالَ نَسْمَعُ إقْرَارَهُمْ بِالْإِسْلَامِ وَهَذِهِ الْمَسَاجِدُ بِسَاحَتِهِمْ . قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ إنّا فِي الْجَيْشِ وَقَدْ كُتّفَتْ بَنُو جَذِيمَةَ ، أُمِرَ بَعْضُهُمْ فَكَتَفَ بَعْضًا . فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَسْرَى : يَا فَتًى [ ص 878 ] فَقُلْت : مَا تُرِيدُ ؟ قَالَ هَلْ أَنْتَ آخِذٌ بِرُمّتِي هَذِهِ فَمُقَدّمِي إلَى النّسَيّاتِ ثُمّ رَادّي فَفَاعِلٍ بِي مَا فُعِلَ بِأَصْحَابِي ؟ قَالَ قَدْ سَأَلْت يَسِيرًا . قَالَ وَأَخَذْت بِرُمّتِهِ فَانْتَهَيْت بِهِ إلَى النّسْوَةِ . فَلَمّا انْتَهَى إلَيْهِنّ كَلّمَ امْرَأَةً مِنْهُنّ بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ . قَالَ ثُمّ رَجَعْت بِهِ حَتّى رَدَدْته فِي الْأَسْرَى ، فَقَامَ بَعْضُهُمْ فَضَرَبَ عُنُقَهُ . وَيُقَالُ إنّ فَتًى مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ أَدْرَكَهُ الْجَيْشُ عَشِيّةً فَنَادَى فِي الْقَوْمِ فَكَفّ عَنْهُ وَكَانَ الّذِينَ يَطْلُبُونَهُ بَنُو سُلَيْمٍ ، وَكَانُوا عَلَيْهِ مُتَغَيّظِينَ فِي حُرُوبٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ بِبَرْزَةَ وَغَيْرِهَا ، وَكَانَتْ بَنُو جَذِيمَةَ قَدْ أَصَابُوهُمْ بِبَرْزَةَ وَهُمْ مَوْتُورُونَ يُرِيدُونَ الْقَوَدَ مِنْهُمْ فَشَجُعُوا عَلَيْهِ فَلَمّا لَمْ يَرَ إلّا أَنّهُمْ يَقْتُلُونَهُ شَدّ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ مِنْهُمْ رَجُلًا ، ثُمّ شَدّ عَلَيْهِمْ ثَانِيَةً فَقَتَلَ مِنْهُمْ آخَرُ ثُمّ جَاءَ الظّلَامُ فَحَالَ بَيْنَهُمْ وَوَجَدَ الْفَتَى فُرْجَةً حَتّى إذَا كَانَ الْغَدَاةُ جَاءَ وَقَدْ قَتَلَ مِنْ الْقَوْمِ رَجُلَيْنِ وَالنّسَاءُ وَالذّرّيّةُ فِي يَدِ خَالِدٍ فَاسْتَأْمَنَ فَعَرَضَ فَرَسَهُ فَلَمّا نَظَرُوا إلَيْهِ قَالُوا : هَذَا الّذِي صَنَعَ بِالْأَمْسِ مَا صَنَعَ فَنَاوَشُوهُ عَامّةَ النّهَارِ ثُمّ أَعْجَزَهُمْ وَكَرّ عَلَيْهِمْ فَقَالَ هَلْ لَكُمْ أَنْ أَنْزِلَ عَلَى أَنْ تُعْطُونِي عَهْدًا وَمِيثَاقًا لِتَصْنَعُنّ لِي مَا تَصْنَعُونَ بِالظّعُنِ إنْ استحييتموهن اسْتَحْيَيْت وَإِنْ قَتَلْتُمُوهُنّ قَتَلْت ؟ قَالُوا : لَك ذَلِكَ . فَنَزَلَ بِعَهْدِ اللّهِ وَمِيثَاقِهِ فَلَمّا نَزَلَ قَالَتْ بَنُو سُلَيْمٍ : هَذَا صَاحِبُنَا الّذِي فَعَلَ بِالْأَمْسِ مَا فَعَلَ . قَالُوا : انْطَلِقُوا بِهِ إلَى الْأَسْرَى مِنْ الرّجَالِ فَإِنْ قَتَلَهُ خَالِدٌ فَهُوَ إمَامٌ وَنَحْنُ لَهُ تَبَعٌ ، وَإِنْ عَفَا عَنْهُ كَانَ كَأَحَدِهِمْ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ إنّمَا جَعَلْنَا لَهُ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ أَنْ يَكُونَ مَعَ الظّعُنِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ ص 879 ] أَنّ خَالِدًا لَا يَقْتُلُ الظّعُنَ إمّا يَقْسِمُهُنّ وَإِمّا يَعْفُو عَنْهُنّ . قَالَ الْفَتَى : فَإِذَا فَعَلْتُمْ بِي مَا فَعَلْتُمْ فَانْطَلِقُوا بِي إلَى نُسَيّاتٍ هُنَاكَ ثُمّ اصْنَعُوا بِي مَا بَدَا لَكُمْ . قَالَ فَفَعَلُوا ، وَهُوَ مَكْتُوفٌ بِرُمّةٍ حَتّى وَقَفَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْهُنّ فَأَخْلَدَ إلَى الْأَرْضِ وَقَالَ أَسْلِمِي حُبَيْشٌ عَلَى نَفَدِ الْعَيْشِ لَا ذَنْبَ لِي قَدْ قُلْت شِعْرًا : أَثِيبِي بِوُدّ قَبْلَ أَنْ تَشْحَطَ النّوَى وَيَنْأَى الْأَمِيرُ بِالْحَبِيبِ الْمُفَارِقِ أَلَمْ يَكُ حَقّا أَنْ يُنَوّلَ عَاشِقٌ تَكَلّفَ إدْلَاجَ السّرَى وَالْوَدَائِقِ أَلَمْ أَكُ قَدْ طَالَبْتُكُمْ فَلَقِيتُكُمْ بِحَلْيَةَ أَوْ أَدْرَكْتُكُمْ بِالْخَوَانِقِ فَإِنّي لَا ضَيّعْت سِرّ أَمَانَةٍ وَلَا رَاقٍ عَيْنِي بَعْدَك الْيَوْمَ رَائِقُ سِوَى أَنّ مَا نَالَ الْعَشِيرَةَ شَاغِلٌ لَنَا عَنْك إلّا أَنْ يَكُونَ التّوَاثُقُ أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ قُسَيْطٍ وَابْنُ أَبِي الزّنَادِ . (1/876) قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي حُرّةَ عَنْ الْوَلِيدِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ عَلِيّ قَالَ أَقْبَلَتْ امْرَأَةٌ يَوْمَئِذٍ بَعْدَ أَنْ ضَرَبْت عُنُقَهُ . يَقُولُ [ ص 880 ] ثُمّ وَضَعَتْ فَاهَا عَلَى فِيهِ فَالْتَقَمَتْهُ فَلَمْ تَزَلْ تُقَبّلُهُ حَتّى مَاتَتْ . قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ إيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا قَدِمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَابَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلَى خَالِدٍ مَا صَنَعَ قَالَ يَا خَالِدُ أَخَذْت بِأَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ قَتَلْتهمْ بِعَمّك الْفَاكِهِ قَاتَلَك اللّهُ قَالَ وَأَعَانَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ عَلَى خَالِدٍ فَقَالَ خَالِدٌ أَخَذْتهمْ بِقَتْلِ أَبِيك فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ كَذَبْت وَاَللّهِ لَقَدْ قَتَلْت قَاتِلَ أَبِي بِيَدِي وَأَشْهَدْت عَلَى قَتْلِهِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ . ثُمّ الْتَفَتَ إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ أَنْشُدُك اللّهَ هَلْ عَلِمْت أَنّي قَتَلْت قَاتِلَ أَبِي ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ اللّهُمّ نَعَمْ . ثُمّ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَيْحَك يَا خَالِدُ وَلَوْ لَمْ أَقْتُلْ قَاتِلَ أَبِي كُنْت تَقْتُلُ قَوْمًا مُسْلِمِينَ بِأَبِي فِي الْجَاهِلِيّةِ ؟ قَالَ خَالِدٌ وَمَنْ أَخْبَرَك أَنّهُمْ أَسْلَمُوا ؟ فَقَالَ أَهْلُ السّرِيّةِ كُلّهُمْ يُخْبِرُونَنَا أَنّك وَجَدْتهمْ قَدْ بَنَوْا الْمَسَاجِدَ وَأَقَرّوا بِالْإِسْلَامِ ثُمّ حَمَلْتهمْ عَلَى السّيْفِ . قَالَ جَاءَنِي رَسُولُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أُغِيرَ عَلَيْهِمْ فَأَغَرْت بِأَمْرِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ كَذَبْت عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَغَالَظَ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَأَعْرَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ خَالِدٍ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَبَلَغَهُ مَا صَنَعَ بِعَبْدِ الرّحْمَنِ فَقَالَ يَا خَالِدُ ذَرُوا لِي أَصْحَابِي مَتَى يُنْكَ أَنْفُ الْمَرْءِ يُنْكَ لَوْ كَانَ أُحُدٌ ذَهَبًا تُنْفِقُهُ قِيرَاطًا قِيرَاطًا فِي سَبِيلِ اللّهِ لَمْ تُدْرِكْ غَدْوَةً أَوْ رَوْحَةً مِنْ غَدَوَاتِ أَوْ رَوْحَاتِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ عُمَرُ لِخَالِدٍ وَيْحَك يَا خَالِدُ أَخَذْت بَنِي جَذِيمَةَ بِاَلّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ أَوَ لَيْسَ الْإِسْلَامُ قَدْ مَحَا مَا كَانَ قَبْلَهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ ؟ فَقَالَ يَا أَبَا حَفْصٍ وَاَللّهِ مَا أَخَذْتهمْ إلّا بِالْحَقّ أَغَرْت عَلَى قَوْمٍ مُشْرِكِينَ [ ص 881 ] وَامْتَنَعُوا ، فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدّ - إذْ امْتَنَعُوا - مِنْ قِتَالِهِمْ فَأَسَرْتهمْ ثُمّ حَمَلْتهمْ عَلَى السّيْفِ . فَقَالَ عُمَرُ أَيّ رَجُلٍ تَعْلَمُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عُمَرَ ؟ قَالَ أَعْلَمُهُ وَاَللّهِ رَجُلًا صَالِحًا . قَالَ فَهُوَ أَخْبَرَنِي غَيْرَ الّذِي أَخْبَرْتنِي ، وَكَانَ مَعَك فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ . قَالَ خَالِدٌ فَإِنّي أَسَتَغْفِرُ اللّهَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ . قَالَ فَانْكَسَرَ عَنْهُ عُمَرُ وَقَالَ وَيْحَك ، ايتِ رَسُولَ اللّهِ يَسْتَغْفِرْ لَك قَالَ حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْن أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَهْلِهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ قَالَ لَمّا نَادَى خَالِدٌ فِي السّحَرِ مَنْ كَانَ مَعَهُ أَسِيرٌ فَلْيُذَافّهِ أَرْسَلْت أَسِيرِي وَقُلْت لِخَالِدٍ اتّقِ اللّهَ فَإِنّك مَيّتٌ وَإِنّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُسْلِمُونَ قَالَ يَا أَبَا قَتَادَةَ ، إنّهُ لَا عِلْمَ لَك بِهَؤُلَاءِ . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَإِنّمَا يُكَلّمُنِي خَالِدٌ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ التّرَةِ عَلَيْهِمْ . قَالُوا : فَلَمّا بَلَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا صَنَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتّى رُئِيَ بَيَاضُ إبْطَيْهِ وَيَقُولُ اللّهُمّ إنّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمّا صَنَعَ خَالِد وَقَدِمَ خَالِدٌ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَاتِبٌ . قَالَ حَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ بَيْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَخَالِدٍ كَلَامٌ فَأَعْرَضَ عَنْهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَمَشَى خَالِدٌ بِعُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ إلَى عَبْدِ الرّحْمَنِ فَاعْتَذَرَ إلَيْهِ حَتّى رَضِيَ عَنْهُ فَقَالَ اسْتَغْفِرْ لِي يَا أَبَا مُحَمّدٍ قَالُوا : وَدَخَلَ عَمّارٌ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ حَمَشَ قَوْمًا قَدْ صَلّوْا وَأَسْلَمُوا . ثُمّ وَقَعَ بِخَالِدٍ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَالِدٌ جَالِسٌ لَا يَتَكَلّمُ فَلَمّا قَامَ عَمّارٌ وَقَعَ بِهِ خَالِدٌ فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَهْ يَا خَالِدُ لَا تَقَعْ بِأَبِي الْيَقْظَانِ فَإِنّهُ [ ص 882 ] مَنْ يُعَادِهِ يُعَادِهِ اللّهُ وَمَنْ يُبْغِضْهُ يُبْغِضْهُ اللّهُ وَمَنْ يُسَفّهْهُ يُسَفّهْهُ اللّهُ قَالُوا : فَلَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ اسْتَقْرَضَ مَالًا بِمَكّةَ وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلِيّا عَلَيْهِ السّلَامُ فَأَعْطَاهُ مَالًا ، فَقَالَ انْطَلِقْ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ وَاجْعَلْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ تَحْتَ قَدَمَيْك ، فَدِ لَهُمْ مَا أَصَابَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ . فَخَرَجَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بِذَلِكَ الْمَالِ حَتّى جَاءَهُمْ فَوَدَى لَهُمْ مَا أَصَابَ خَالِدٌ وَدَفَعَ إلَيْهِمْ مَالَهُمْ وَبَقِيَ لَهُمْ بَقِيّةُ الْمَالِ فَبَعَثَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ أَبَا رَافِعٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِيَسْتَزِيدَهُ فَزَادَهُ مَالًا ، فَوَدَى لَهُمْ كُلّ مَا أَصَابَ حَتّى إنّهُ لَيَدِي لَهُمْ مِيلَغَةَ الْكَلْبِ حَتّى إذَا لَمْ يَبْقَ لَهُمْ شَيْءٌ يَطْلُبُونَهُ بَقِيَ مَعَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ بَقِيّةٌ مِنْ الْمَالِ . فَقَالَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ هَذِهِ الْبَقِيّةُ مِنْ هَذَا الْمَالِ لَكُمْ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا أَصَابَ خَالِدٌ مِمّا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا تَعْلَمُونَهُ . فَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ الْمَالَ ثُمّ انْصَرَفَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَهُ . وَيُقَالُ إنّمَا الْمَالُ الّذِي بَعَثَ بِهِ مَعَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ اسْتَقْرَضَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ابْنِ أَبِي رَبِيعَةَ ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ ، وَحُوَيْطِبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، فَبَعَثَ مَعَ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ فَلَمّا رَجَعَ عَلِيّ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا صَنَعْت يَا عَلِيّ ؟ فَأَخْبَرَهُ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدِمْنَا عَلَى قَوْمٍ مُسْلِمِينَ قَدْ بَنَوْا الْمَسَاجِدَ بِسَاحَتِهِمْ فَوَدَيْت لَهُمْ كُلّ مَنْ قَتَلَ خَالِدٌ حَتّى مِيلَغَةَ الْكِلَابِ ثُمّ بَقِيَ مَعِي بَقِيّةٌ مِنْ الْمَالِ فَقُلْت : هَذَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا لَا يَعْلَمُهُ وَلَا تَعْلَمُونَهُ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصَبْت مَا أَمَرْت خَالِدًا بِالْقَتْلِ . إنّمَا أَمَرْته بِالدّعَاءِ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 883 ] لَا يُقْبِلُ عَلَى خَالِدٍ وَيَعْرِضُ عَنْهُ وَخَالِدٌ يَتَعَرّضُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَحْلِفُ مَا قَتَلَهُمْ عَلَى تِرَةٍ وَلَا عَدَاوَةٍ . فَلَمّا قَدِمَ عَلِيّ وَوَدَاهُمْ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى خَالِدٍ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ مِنْ عِلْيَةِ أَصْحَابِهِ حَتّى تُوُفّيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . (1/880) قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمّدٍ الْأَخْنَسِيّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا تَسُبّوا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَإِنّمَا هُوَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ سَلّهُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ نِعْمَ عَبْدُ اللّهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَأَخُو الْعَشِيرَةِ وَسَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ سَلّهُ عَلَى الْكُفّارِ وَالْمُنَافِقِين قَالَ وَحَدّثَنِي يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمّدٍ الْأَخْنَسِيّ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يُغِيرَ عَلَى بَنِي كِنَانَةَ ، إلّا أَنْ يَسْمَعَ أَذَانًا أَوْ يَعْلَمَ إسْلَامًا ، فَخَرَجَ حَتّى انْتَهَى إلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَامْتَنَعُوا أَشَدّ الِامْتِنَاعِ وَقَاتَلُوا وَتَلَبّسُوا السّلَاحَ فَانْتَظَرَ بِهِمْ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَا يَسْمَعُ أَذَانًا ، ثُمّ حَمَلَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَ مَنْ قَتَلَ وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ فَادّعَوْا بَعْدُ الْإِسْلَامَ . قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَمَا عَتَبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي ذَلِكَ [ عَلَى خَالِدٍ ] وَلَقَدْ كَانَ الْمُقَدّمَ حَتّى مَاتَ . وَلَقَدْ خَرَجَ مَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى حُنَيْنٍ عَلَى مُقَدّمَتِهِ . وَإِلَى تَبُوكَ ، وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أُكَيْدِرٍ وَدَوْمَةِ الْجَنْدَلِ . فَسَبَى مَنْ سَبَى ثُمّ صَالَحَهُمْ وَلَقَدْ بَعَثَهُ رَسُولُ اللّهِ إلَى بَلْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ إلَى نَجْرَانَ أَمِيرًا [ ص 884 ] وَدَاعِيًا إلَى اللّهِ وَلَقَدْ خَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ ، فَلَمّا حَلَقَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَأْسَهُ أَعْطَاهُ نَاصِيَتَهُ فَكَانَتْ فِي مُقَدّمِ قَلَنْسُوَتِهِ فَكَانَ لَا يَلْقَى أَحَدًا إلّا هَزَمَهُ اللّهُ تَعَالَى ; وَلَقَدْ قَاتَلَ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ فَوَقَعَتْ قَلَنْسُوَتُهُ . فَجَعَلَ يَقُولُ الْقَلَنْسُوَةُ الْقَلَنْسُوَةُ فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَا أَبَا سُلَيْمَانَ عَجَبًا لِطَلَبِك الْقَلَنْسُوَةَ وَأَنْتَ فِي حَوْمَةِ الْقِتَالِ فَقَالَ إنّ فِيهَا نَاصِيَةَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَمْ أَلْقَ بِهَا أَحَدًا إلّا وَلّى . وَلَقَدْ تُوُفّيَ خَالِدٌ يَوْمَ تُوُفّيَ وَهُوَ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَبْرُهُ بِحِمْصٍ ; فَأَخْبَرَنِي مَنْ غَسّلَهُ وَحَضَرَ مَوْتَهُ وَنَظَرَ إلَى مَا تَحْتَ ثِيَابِهِ مَا فِيهِ مَصَحّ ; مَا بَيْنَ ضَرْبَةِ سَيْفٍ أَوْ طَعْنَةٍ بِرُمْحٍ أَوْ رَمْيَةٍ بِسَهْمٍ . وَلَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ الّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لَيْسَ بِذَلِكَ ثُمّ يَذْكُرُهُ بَعْدُ فَيَتَرَحّمُ عَلَيْهِ وَيَتَنَدّمُ عَلَى مَا كَانَ صَنَعَ فِي أَمْرِهِ وَيَقُولُ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللّهِ تَعَالَى وَلَقَدْ نَزَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ هَبَطَ مِنْ لَفْتٍ فِي حَجّتِهِ . وَمَعَهُ رَجُلٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ الرّجُلُ فُلَانٌ . قَالَ بِئْسَ عَبْدُ اللّهِ فُلَانٌ ثُمّ طَلَعَ آخَرُ فَقَالَ مَنْ الرّجُلُ ؟ فَقَالَ فُلَانٌ . فَقَالَ بِئْسَ عَبْدُ اللّهِ فُلَانٌ ثُمّ طَلَعَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَقَالَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ . قَالَ نِعْمَ عَبْدُ اللّهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ مُبَيّضٌ قَالَ سَمِعْت خَالِدَ بْنَ إلْيَاسَ يَقُولُ بَلَغْنَا أَنّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثِينَ رَجُلًا . (1/884) غَزْوَةُ حُنَيْنٍ [ ص 885 ] حَدّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللّهِ مُحَمّدُ بْنُ شُجَاعٍ الثّلْجِيّ قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، وَابْنُ أَبِي سَبْرَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو مَعْشَرٍ وَابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ وَمُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَهْلٍ ، وَعَبْدُ الصّمَدِ بْنُ مُحَمّدٍ السّعْدِيّ ، وَمُعَاذُ بْنُ مُحَمّدٍ وَبُكَيْرُ بْنُ مِسْمَارٍ وَيَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ; فَكُلّ قَدْ حَدّثَنَا بِطَائِفَةٍ وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ حَدّثَنَا مِمّنْ لَمْ أُسَمّ أَهْلُ ثِقَةٍ فَكُلّ قَدْ حَدّثَنَا بِطَائِفَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ جَمَعْت كُلّ مَا قَدْ حَدّثُونِي بِهِ . قَالُوا : لَمّا فَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ مَشَتْ أَشْرَافُ هَوَازِنَ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَثَقِيفٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَحَشَدُوا وَبَغَوْا وَأَظْهَرُوا أَنْ قَالُوا : وَاَللّهِ مَا لَاقَى مُحَمّدٌ قَوْمًا يُحْسِنُونَ الْقِتَالَ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ فَسِيرُوا إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسِيرَ إلَيْكُمْ . فَأَجْمَعَتْ هَوَازِنُ أَمْرَهَا وَجَمَعَهَا مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثِينَ سَنَةً - وَكَانَ سَيّدًا فِيهَا ، وَكَانَ مُسَبّلًا ، يَفْعَلُ فِي مَالِهِ وَيُحْمَدُ . فَاجْتَمَعَتْ هَوَازِنُ كُلّهَا ، وَكَانَ فِي ثَقِيفٍ سَيّدَانِ لَهَا يَوْمَئِذٍ قَارِبُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي الْأَحْلَافِ ، هُوَ [ الّذِي ] قَادَهَا ; وَفِي بَنِي مَالِكٍ ذُو الْخِمَارِ سُبَيْعُ بْنُ الْحَارِثِ - وَيُقَالُ الْأَحْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ - وَهُوَ الّذِي قَادَهَا مُوَالِيًا ثَقِيفًا ; فَأَوْعَبَتْ كُلّهَا مَعَ هَوَازِنَ ، وَقَدْ أَجْمَعُوا الْمَسِيرَ إلَى مُحَمّدٍ فَوَجَدَ ثَقِيفًا إلَى ذَلِكَ سِرَاعًا ، فَقَالُوا : قَدْ كُنّا نَهُمّ بِالْمَسِيرِ إلَيْهِ وَنَكْرَهُ أَنْ [ ص 886 ] يَسِيرَ إلَيْنَا . وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ سَارَ إلَيْنَا لَوَجَدَ حِصْنًا حَصِينًا نُقَاتِلُ دُونَهُ وَطَعَامًا كَثِيرًا ، حَتّى نُصِيبَهُ أَوْ يَنْصَرِفَ . وَلَكِنّا لَا نُرِيدُ ذَلِكَ وَنَسِيرُ مَعَكُمْ وَنَكُونُ يَدًا وَاحِدَةً . فَخَرَجُوا مَعَهُمْ . قَالَ غَيْلَانُ بْنُ سَلَمَةَ الثّقَفِيّ لَبَنِيهِ وَهُمْ عَشَرَةٌ إنّي أُرِيدُ أَمْرًا كَائِنَةً لَهُ أُمُورٌ لَا يَشْهَدُهَا رَجُلٌ مِنْكُمْ إلّا عَلَى فَرَسِهِ . فَشَهِدَهَا عَشَرَةٌ مِنْ وَلَدِهِ عَلَى عَشَرَةِ أَفْرَاسٍ فَلَمّا انْهَزَمُوا بَأَوْطَاسٍ هَرَبُوا ، فَدَخَلُوا حِصْنَ الطّائِفِ فَغَلّقُوهُ . وَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل : يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ ، إنّكُمْ تَخْرُجُونَ مِنْ حِصْنِكُمْ وَتَسِيرُونَ إلَى رَجُلٍ لَا تَدْرُونَ أَيَكُونُ لَكُمْ أَمْ عَلَيْكُمْ فَمُرُوا بِحِصْنِكُمْ أَنْ يُرَمّ مَا رَثّ مِنْهُ . فَإِنّكُمْ لَا تَدْرُونَ لَعَلّكُمْ تَحْتَاجُونَ إلَيْهِ . فَأَمَرُوا بِهِ أَنْ يُصْلَحَ . وَخَلّفُوا عَلَى مَرَمّتِهِ رَجُلًا وَسَارُوا . وَشَهِدَهَا نَاسٌ مِنْ بَنِي هِلَالٍ لَيْسُوا بِكَثِيرٍ مَا يَبْلُغُونَ مِائَةً وَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْ هَوَازِنَ كَعْبٌ وَلَا كِلَابٌ . وَلَقَدْ كَانَتْ كِلَابٌ قَرِيبَةً فَقِيلَ لِبَعْضِهِمْ لِمَ تَرَكَتْهَا كِلَابٌ فَلَمْ تَحْضُرْهَا ؟ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ إنْ كَانَتْ لَقَرِيبَةٌ وَلَكِنّ ابْنَ أَبِي الْبَرَاءِ مَشَى فَنَهَاهَا عَنْ الْحُضُورِ فَأَطَاعَتْهُ وَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ نَأَوْا مُحَمّدًا مِنْ بَيْنِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَظَهَرَ عَلَيْهِ . وَنَصَرَهَا دُرَيْدُ بْنُ الصّمّةِ فِي بَنِي جُشَمٍ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ سِتّينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ . شَيْخٌ كَبِيرٌ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ إلّا التّيَمّنُ بِهِ وَمَعْرِفَتُهُ بِالْحَرْبِ وَكَانَ شَيْخًا مُجَرّبًا ، وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ يَوْمَئِذٍ . وَجِمَاعُ النّاسِ . ثَقِيفٌ وَغَيْرُهَا مِنْ هَوَازِنَ ، إلَى مَالِكِ بْنِ عَوْفٍ النّصْرِيّ ، فَلَمّا أَجْمَعَ مَالِكٌ الْمَسِيرَ بِالنّاسِ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ النّاسَ فَجَاءُوا مَعَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ حَتّى نَزَلُوا بَأَوْطَاسٍ . وَاجْتَمَعَ النّاسُ بِهِ فَعَسْكَرُوا وَأَقَامُوا بِهِ وَجُعِلَتْ الْأَمْدَادُ [ ص 887 ] تَأْتِيهِمْ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ . وَدُرَيْدُ بْنُ الصّمّةِ يَوْمَئِذٍ فِي شِجَارٍ يُقَادُ بِهِ عَلَى بَعِيرٍ فَمَكَثَ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَمّا نَزَلَ الشّيْخُ لَمَسّ الْأَرْضَ بِيَدِهِ . فَقَالَ بِأَيّ وَادٍ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : بَأَوْطَاسٍ . قَالَ نِعْمَ مَجَالُ الْخَيْلِ لَا حَزْنٌ ضَرِسٌ وَلَا سَهْلٌ دَهْسٌ مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ وَثُغَاءَ الشّاءِ وَخُوَارَ الْبَقَرِ . وَبُكَاءَ الصّغِيرِ ؟ قَالُوا : سَاقَ مَالِكٌ مِنْ النّاسِ أَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ . قَالَ يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ ، أَمَعَكُمْ مِنْ بَنِي كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ أَحَدٌ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ فَمَعَكُمْ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ رَبِيعَةَ أَحَدًا ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ بَنِي هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ أَحَدٌ ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ دُرَيْدٌ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقْتُمُوهُمْ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ شَرَفًا مَا تَخَلّفُوا عَنْهُ فَأَطِيعُونِي يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ ، وَارْجِعُوا وَافْعَلُوا مَا فَعَلَ هَؤُلَاءِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ . قَالَ فَمَنْ شَهِدَهَا مِنْكُمْ ؟ قَالُوا : عَمْرُو بْنُ عَامِرٍ ، وَعَوْفُ بْنُ عَامِرٍ . قَالَ ذَانِكَ الْجَذَعَانِ مِنْ عَامِرٍ لَا يَضُرّانِ وَلَا يَنْفَعَانِ ثُمّ قَالَ أَيْنَ مَالِكٌ ؟ قَالُوا : هَذَا مَالِكٌ . فَدَعَا لَهُ فَقَالَ يَا مَالِكٌ . إنّك تُقَاتِلُ رَجُلًا كَرِيمًا ; وَقَدْ أَصْبَحْت رَئِيسَ قَوْمِك ، وَإِنّ هَذَا كَائِنٌ الْيَوْمَ لِمَا بَعْدَهُ مِنْ الْأَيّامِ يَا مَالِكُ مَا لِي أَسْمَعُ رُغَاءَ الْبَعِيرِ وَنُهَاقَ الْحَمِيرِ وَخُوَارَ الْبَقَرِ وَبُكَاءَ الصّغِيرِ وَثُغَاءَ الشّاءِ ؟ قَالَ مَالِكٌ سُقْت مَعَ النّاسِ أَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ . قَالَ دُرَيْدٌ وَلِمَ ؟ قَالَ مَالِكٌ أَرَدْت أَنْ أَجْعَلَ خَلْفَ كُلّ رَجُلٍ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَوَلَدَهُ وَنِسَاءَهُ حَتّى [ ص 888 ] يُقَاتِلَ عَنْهُمْ . قَالَ فَأَنْقَضَ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ رَاعِي ضَأْنٍ مَا لَهُ وَلِلْحَرْبِ ؟ وَهَلْ يَرُدّ الْمُنْهَزِمَ شَيْءٌ ؟ إنّهَا إنْ كَانَتْ لَكُمْ لَمْ يَنْفَعْك إلّا رَجُلٌ بِسَيْفِهِ وَرُمْحِهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْك فُضِحْت فِي أَهْلِك وَمَالِك ثُمّ قَالَ مَا فَعَلَتْ كَعْبٌ وَكِلَابٌ ؟ قَالُوا : لَمْ يَشْهَدْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ . قَالَ غَابَ الْجَدّ وَالْحَدّ ، وَلَوْ كَانَ يَوْمُ رِفْعَةٍ وَعَلَاءٍ لَمْ تَغِبْ عَنْهُ كَعْبٌ وَلَا كِلَابٌ . يَا مَالِكُ إنّك لَمْ تَصْنَعْ بِتَقْدِيمِ بَيْضَةِ هَوَازِنَ إلَى نُحُورِ الْخَيْلِ شَيْئًا : فَإِذَا صَنَعْت مَا صَنَعْت فَلَا تَعْصِنِي فِي هَذِهِ الْخُطّةِ ارْفَعْهُمْ إلَى مُمْتَنِعِ بِلَادِهِمْ وَعُلْيَا قَوْمِهِمْ وَعِزّهِمْ ثُمّ الْقَ الْقَوْمَ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ فَإِنْ كَانَتْ لَك لَحِقَ بِك مِنْ وَرَاءَك ; وَكَانَ أَهْلُك لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ . وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْك أَلْفَاك ذَلِكَ وَقَدْ أَحْرَزْت أَهْلَك وَمَالَك . فَغَضِبَ مَالِكٌ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ وَاَللّهِ لَا أَفْعَلُ . وَلَا أُغَيّرُ أَمْرًا صَنَعْته ، إنّك قَدْ كَبِرْت وَكَبُرَ عِلْمُك . وَحَدَثَ بَعْدَك مَنْ هُوَ أَبْصَرُ بِالْحَرْبِ مِنْك قَالَ دُرَيْدٌ يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ ، وَاَللّهِ مَا هَذَا لَكُمْ بِرَأْيٍ هَذَا فَاضِحُكُمْ فِي عَوْرَتِكُمْ وَمُمَكّنٌ مِنْكُمْ عَدُوّكُمْ . وَلَاحِقٌ بِحِصْنِ ثَقِيفٍ وَتَارِكُكُمْ فَانْصَرِفُوا وَاتْرُكُوهُ فَسَلّ مَالِكٌ سَيْفَهُ ثُمّ نَكّسَهُ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ هَوَازِنَ ، وَاَللّهِ لَتُطِيعُنّنِي أَوْ لَأَتّكِئَن عَلَى السّيْفِ حَتّى يَخْرُجَ مِنْ ظَهْرِي وَكَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَكُونَ لِدُرَيْدٍ فِيهَا ذِكْرٌ وَرَأْيٌ فَمَشَى بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَئِنْ عَصَيْنَا مَالِكًا ، وَهُوَ شَابّ ، لَيَقْتُلَن نَفْسَهُ وَنَبْقَى [ ص 889 ] مَعَ دُرَيْدٍ . شَيْخٌ كَبِيرٌ لَا قِتَالَ فِيهِ . ابْنُ سِتّينَ وَمِائَةِ سَنَةً . وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ مَعَ مَالِكٍ . فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ دُرَيْدٌ وَأَنّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ . قَالَ هَذَا يَوْمٌ لَمْ أَشْهَدْهُ وَلَمْ أَغِبْ عَنْهُ يَا لَيْتَنِي فِيهَا جَذَعْ أَخُبّ فِيهَا وَأَضَعْ وَكَانَ دُرَيْدٌ قَدْ ذُكِرَ بِالْفُرُوسِيّةِ وَالشّجَاعَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِشْرُونَ سَنَةً وَكَانَ سَيّدَ بَنِي جُشَمٍ وَأَوْسَطَهُمْ نَسَبًا . وَلَكِنّ السّنّ أَدْرَكَتْهُ حَتّى فَنِيَ فَنَاءً - وَهُوَ دُرَيْدُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ . (1/885) قَالَ حَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ . وَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى : إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللّهِ وَالْفَتْحُ قَالُوا : وَكَانَ فَتْحُ مَكّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ . فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ خَمْسَ عَشْرَةَ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ . ثُمّ غَدَا يَوْمَ السّبْتِ لِسِتّ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوّالٍ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَى مَكّةَ عَتّابَ بْنِ أُسَيْدٍ يُصَلّي بِهِمْ وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ يُعَلّمُهُمْ السّنَنَ وَالْفِقْهَ . قَالُوا : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةِ آلَافٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ - وَأَلْفَيْنِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ . فَلَمّا فَصَلَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ لَوْ لَقِينَا بَنِي شَيْبَانَ مَا بَالَيْنَا ، وَلَا يَغْلِبُنَا الْيَوْمَ أَحَدٌ مِنْ قِلّةٍ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ الْآيَةَ . [ ص 890 ] قَالَ حَدّثَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ ، عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَا رَسُولَ اللّهِ . لَا نَغْلِبُ الْيَوْمَ مِنْ قِلّةٍ . فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ الْآيَةَ . قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ . قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرُ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السّرَايَا أَرْبَعُمِائَةٍ . وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلَا تُغْلَبُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلّةٍ - كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةٌ قَالُوا : وَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَاسٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَثِيرٌ . مِنْهُمْ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَعَارَ مِنْهُ مِائَةَ دِرْعٍ بِأَدّاتِهَا كَامِلَةً . فَقَالَ يَا مُحَمّدُ . طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَارِيَةً مُؤَدّاةً وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِصَفْوَانَ اكْفِنَا حَمْلَهَا . فَحَمَلَهَا صَفْوَانُ عَلَى إبِلِهِ حَتّى انْتَهَوْا إلَى أَوْطَاسٍ ، فَدَفَعَهَا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَدّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ الدّيلِيّ عَنْ أَبِي وَاقِدٍ اللّيْثِيّ - وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ - قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حُنَيْنٍ . وَكَانَتْ لِكُفّارِ قُرَيْشٍ وَمَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْعَرَبِ شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ خَضْرَاءُ يُقَالُ لَهَا ذَاتُ أَنْوَاطٍ ، يَأْتُونَهَا كُلّ سَنَةٍ يُعَلّقُونَ عَلَيْهَا أَسْلِحَتَهُمْ وَيَذْبَحُونَ عِنْدَهَا ، يَعْكُفُونَ عَلَيْهَا يَوْمًا . قَالَ فَرَأَيْنَا يَوْمًا ، وَنَحْنُ نَسِيرُ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَجَرَةً عَظِيمَةً خَضْرَاءَ فَسَتَرَتْنَا [ ص 891 ] مِنْ جَانِبِ الطّرِيقِ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ أَكْبَرُ اللّهُ أَكْبَرُ قُلْتُمْ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا قَالَ قَوْمُ مُوسَى : اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إنّهَا لِلسّنَنِ . سَنَنِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي حَبِيبَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَتْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ شَجَرَةً عَظِيمَةً . أَهْلُ الْجَاهِلِيّةِ يَذْبَحُونَ بِهَا وَيَعْكُفُونَ عَلَيْهَا يَوْمًا ، وَكَانَ مَنْ حَجّ مِنْهُمْ وَضَعَ رِدَاءَهُ عِنْدَهَا . وَيَدْخُلُ بِغَيْرِ رِدَاءٍ تَعْظِيمًا لَهَا ، فَلَمّا مَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حُنَيْنٍ قَالَ لَهُ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فِيهِمْ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ يَا رَسُولَ اللّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ كَمَا لَهُمْ ذَاتُ أَنْوَاطٍ . فَكَبّرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثًا وَقَالَ وَكَذَا فَعَلَ قَوْمُ مُوسَى بِمُوسَى . قَالَ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ . لَمّا كُنّا دُونَ أَوْطَاسٍ نَزَلْنَا تَحْتَ شَجَرَةٍ وَنَظَرْنَا إلَى شَجَرَةٍ عَظِيمَةٍ فَنَزَلَ رَسُولُ اللّهِ تَحْتَهَا ، وَعَلّقَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيْفَهُ وَقَوْسَهُ . قَالَ وَكُنْت مِنْ أَقْرَبِ أَصْحَابِهِ إلَيْهِ . قَالَ فَمَا أَفْزَعَنِي إلّا صَوْتُهُ يَا أَبَا بُرْدَةَ فَقُلْت : لَبّيْكَ فَأَقْبَلَتْ سَرِيعًا ، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ جَالِسٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ هَذَا الرّجُلَ جَاءَ وَأَنَا نَائِمٌ فَسَلّ سَيْفِي ثُمّ قَامَ بِهِ عَلَى رَأْسِي فَفَزِعْت بِهِ وَهُوَ يَقُولُ يَا مُحَمّدُ مَنْ يُؤَمّنُك مِنّي الْيَوْمَ ؟ قُلْت : اللّهُ قَالَ أَبُو بُرْدَةَ فَوَثَبْت إلَى سَيْفِي فَسَلَلْته ، فَقَالَ [ ص 892 ] رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِمْ سَيْفَك قَالَ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ عَدُوّ اللّهِ فَإِنّ هَذَا مِنْ عُيُونِ الْمُشْرِكِينَ . قَالَ فَقَالَ لِي : اُسْكُتْ يَا أَبَا بُرْدَةَ . قَالَ فَمَا قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شَيْئًا وَلَا عَاقَبَهُ . قَالَ فَجَعَلْت أَصِيحُ بِهِ فِي الْعَسْكَرِ لِيَشْهَدَهُ النّاسُ فَيَقْتُلُهُ قَاتِلٌ بِغَيْرِ أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَمّا أَنَا فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ كَفّنِي عَنْ قَتْلِهِ . فَجَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ . اُلْهُ عَنْ الرّجُلِ يَا أَبَا بُرْدَةَ قَالَ فَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا أَبَا بُرْدَةَ إنّ اللّهَ مَانِعِي وَحَافِظِي حَتّى يُظْهِرَ دِينَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ (1/890) قَالُوا : وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حُنَيْنٍ مَسَاءَ لَيْلَةِ الثّلَاثَاءِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَوّالٍ . وَبَعَثَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ رِجَالًا مِنْ هَوَازِنَ يَنْظُرُونَ إلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ - ثَلَاثَةَ نَفَرٍ - وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرّقُوا فِي الْعَسْكَرِ فَرَجَعُوا إلَيْهِ وَقَدْ تَفَرّقَتْ أَوْصَالُهُمْ . فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ وَيْلَكُمْ ؟ قَالُوا : رَأَيْنَا رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ فَوَاَللّهِ مَا تَمَاسَكْنَا أَنْ أَصَابَنَا مَا تَرَى وَقَالُوا لَهُ مَا نُقَاتِلُ أَهْلَ الْأَرْضِ إنْ نُقَاتِلْ [ إلّا ] أَهْلَ السّمَوَاتِ - وَإِنّ أَفْئِدَةَ عُيُونِهِ تَخْفُقُ - وَإِنْ أَطَعْتنَا رَجَعْت بِقَوْمِك ، فَإِنّ النّاسَ إنْ رَأَوْا مِثْلَ مَا رَأَيْنَا أَصَابَهُمْ مِثْلَ الّذِي أَصَابَنَا . قَالَ أُفّ لَكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ أَجْبَنُ أَهْلِ الْعَسْكَرِ . فَحَبَسَهُمْ عِنْدَهُ فَرَقًا أَنْ يَشِيعَ ذَلِكَ الرّعْبُ فِي الْعَسْكَرِ . وَقَالَ دِلّونِي عَلَى رَجُلٍ شُجَاعٍ . فَأَجْمِعُوا لَهُ عَلَى رَجُلٍ فَخَرَجَ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِ وَقَدْ أَصَابَهُ نَحْوَ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُ مِنْهُمْ فَقَالَ مَا رَأَيْت ؟ قَالَ رَأَيْت رِجَالًا بِيضًا عَلَى [ ص 893 ] خَيْلٍ بُلْقٍ . مَا يُطَاقُ النّظَرُ إلَيْهِمْ فَوَاَللّهِ مَا تَمَاسَكْت أَنْ أَصَابَنِي مَا تَرَى فَلَمْ يُثْنِهِ ذَلِكَ عَنْ وَجْهِهِ . قَالُوا : وَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيّ فَقَالَ انْطَلِقْ فَادْخُلْ فِي النّاسِ حَتّى تَأْتِيَ بِخَبَرِ مِنْهُمْ وَمَا يَقُولُ مَالِكٌ . فَخَرَجَ عَبْدُ اللّهِ فَطَافَ فِي عَسْكَرِهِمْ ثُمّ انْتَهَى إلَى ابْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُ عِنْدَهُ رُؤَسَاءُ هَوَازِنَ ، فَسَمِعَهُ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ إنّ مُحَمّدًا لَمْ يُقَاتِلْ قَطّ قَبْلَ هَذِهِ الْمَرّةِ ، وَإِنّمَا كَانَ يَلْقَى أَغْمَارًا لَا عِلْمَ لَهُمْ بِالْحَرْبِ فَيُنْصَرُ عَلَيْهِمْ فَإِذَا كَانَ فِي السّحَرِ فَصَفّوا مَوَاشِيَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ مِنْ وَرَائِكُمْ ثُمّ صُفّوا صُفُوفَكُمْ . ثُمّ تَكُونُ الْحَمَلَةُ مِنْكُمْ وَاكْسِرُوا جُفُونَ سُيُوفِكُمْ فَتَلْقَوْنَهُ بِعِشْرِينَ أَلْفِ سَيْفٍ مَكْسُورِ الْجَفْنِ وَاحْمِلُوا حَمْلَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ . وَاعْلَمُوا أَنّ الْغَلَبَةَ لِمَنْ حَمَلَ أَوّلًا فَلَمّا وَعَى ذَلِكَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي حَدْرَدٍ رَجَعَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَ بِكُلّ مَا سَمِعَ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ فَقَالَ كَذَبَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ . فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ لَئِنْ كَذّبْتنِي لَرُبّمَا كَذّبَتْ بِالْحَقّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اسْمَعْ مَا يَقُولُ ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ قَالَ صَدَقَ كُنْت ضَالّا فَهَدَاك اللّهُ قَالَ وَكَانَ سَهْلُ بْنُ الْحَنْظَلِيّةِ الْأَنْصَارِيّ يَقُولُ سِرْنَا مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي غَزْوَةِ هَوَازِنَ ، فَأَسْرَعَ السّيْرَ حَتّى أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ [ ص 894 ] يَا رَسُولَ اللّهِ . قَدْ تَقَطّعُوا مِنْ وَرَائِك فَنَزَلَ فَصَلّى الْعَصْرَ وَأَوَى إلَيْهِ النّاسَ فَأَمَرَهُمْ فَنَزَلُوا ، وَجَاءَهُ فَارِسٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي انْطَلَقْت [ مِنْ ] بَيْنِ أَيْدِيكُمْ عَلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا ، فَإِذَا بِهَوَازِنَ عَلَى بَكْرَةِ أَبِيهَا بِظُعُنِهَا وَنِسَائِهَا وَنَعَمِهَا فِي وَادِي حُنَيْنٍ . فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ تِلْكَ غَنِيمَةُ الْمُسْلِمِينَ غَدًا إنْ شَاءَ اللّهُ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَلَا فَارِسٌ يَحْرُسُنَا اللّيْلَةَ ؟ إذْ أَقْبَلَ أُنَيْسُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ عَلَى فَرَسِهِ فَقَالَ أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللّهِ . فَقَالَ انْطَلِقْ حَتّى تَقِفَ عَلَى جَبَلِ كَذَا وَكَذَا ، فَلَا تَنْزِلَن إلّا مُصَلّيًا أَوْ قَاضِي حَاجَةٍ وَلَا تَغُرّن مَنْ خَلْفَك قَالَ وَبِتْنَا حَتّى أَضَاءَ الْفَجْرُ وَحَضَرْنَا الصّلَاةَ فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ أَأَحْسَسْتُمْ فَارِسَكُمْ اللّيْلَةَ ؟ قُلْنَا : لَا وَاَللّهِ فَأُقِيمَتْ الصّلَاةُ فَصَلّى بِنَا ، فَلَمّا سَلّمَ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْظُرُ خِلَالَ الشّجَرِ فَقَالَ أَبْشِرُوا ، قَدْ جَاءَ فَارِسُكُمْ وَجَاءَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي وَقَفْت عَلَى الْجَبَلِ كَمَا أَمَرْتنِي ، فَلَمْ أَنْزِلْ عَنْ فَرَسِي إلّا مُصَلّيًا أَوْ قَاضِيَ حَاجَةٍ حَتّى أَصْبَحْت ، فَلَمْ أُحِسّ أَحَدًا . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْطَلِقْ فَانْزِلْ عَنْ فَرَسِك ، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا . فَقَالَ مَا عَلَى هَذَا أَلّا يَعْمَلَ بَعْدَ هَذَا عَمَلًا ؟ قَالُوا : وَخَرَجَ رِجَالٌ مِنْ مَكّةَ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا - عَلَى غَيْرِ دِينٍ - رُكْبَانًا وَمُشَاةً يَنْظُرُونَ لِمَنْ تَكُونُ [ ص 895 ] الدّائِرَةُ فَيُصِيبُونَ مِنْ الْغَنَائِمِ وَلَا يَكْرَهُونَ أَنْ تَكُونَ الصّدْمَةُ لِمُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ . وَخَرَج أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي أَثَرِ الْعَسْكَرِ كُلّمَا مَرّ بِتُرْسٍ سَاقِطٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ مَتَاعٍ مِنْ مَتَاعِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَمَلَهُ وَالْأَزْلَامُ فِي كِنَانَتِهِ . حَتّى أَوْقَرَ جَمَلَهُ . وَخَرَجَ صَفْوَانُ وَلَمْ يُسْلِمْ وَهُوَ فِي الْمُدّةِ الّتِي جَعَلَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاضْطَرَبَ خَلْفَ النّاسِ وَمَعَهُ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ ، يَنْظُرُونَ لِمَنْ تَكُونُ الدّائِرَةُ وَاضْطَرَبُوا خَلْفَ النّاسِ وَالنّاسُ يَقْتَتِلُونَ فَمَرّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ أَبْشِرْ أَبَا وَهْبٍ هُزِمَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ لَهُ صَفْوَانُ إنّ رَبّا مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ رَبّ مِنْ هَوَازِنَ إنْ كُنْت مَرْبُوبًا . قَالَ وَلَمّا كَانَ مِنْ اللّيْلِ عَمَدَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ إلَى أَصْحَابِهِ فَعَبّأَهُمْ فِي وَادِي حُنَيْنٍ - وَهُوَ وَادٍ أَجْوَفَ ذُو شِعَابٍ وَمَضَايِقَ - وَفَرّقَ النّاسُ فِيهِ وَأَوْعَزَ إلَى النّاسِ أَنْ يَحْمِلُوا عَلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ حَمْلَةً وَاحِدَةً . وَعَبَأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ وَصَفّهُمْ صُفُوفًا فِي السّحَرِ وَوَضَعَ الْأَلْوِيَةَ وَالرّايَاتِ فِي أَهْلِهَا ; مَعَ الْمُهَاجِرِينَ لِوَاءٌ يَحْمِلُهُ عَلِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَفِي الْأَنْصَارِ رَايَاتٌ مَعَ الْخَزْرَجِ لِوَاءٌ يَحْمِلُهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ - وَيُقَالُ لِوَاءُ الْخَزْرَجِ الْأَكْبَرُ مَعَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ - وَلِوَاءُ الْأَوْسِ مَعَ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ وَفِي كُلّ بَطْنٍ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ لِوَاءٌ أَوْ رَايَةٌ . وَفِي بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ رَايَةٌ يَحْمِلُهَا [ ص 896 ] أَبُو نَائِلَةَ وَفِي بَنِي حَارِثَةَ رَايَةٌ يَحْمِلُهَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَفِي ظَفَرٍ رَايَةٌ يَحْمِلُهَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ . وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا جَبْرُ بْنُ عَتِيكٍ فِي بَنِي مُعَاوِيَةَ وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا هِلَالُ بْنُ أُمَيّةَ فِي بَنِي وَاقِفٍ وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا أَبُو لُبَابَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَرَايَةُ يَحْمِلُهَا أَبُو أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ فِي بَنِي سَاعِدَةَ وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ فِي بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا أَبُو سَلِيطٍ فِي بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا سَلِيطُ بْنُ قَيْسٍ فِي بَنِي مَازِنٍ . وَكَانَتْ رَايَاتُ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فِي الْجَاهِلِيّةِ خُضْرٌ وَحُمْرٌ فَلَمّا كَانَ الْإِسْلَامُ أَقَرّوهَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَكَانَتْ رَايَاتُ الْمُهَاجِرِينَ سُودٌ وَالْأَلْوِيَةُ بِيضٌ . وَكَانَ فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ فِي أَسْلَمَ رَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مَعَ بُرَيْدَةَ بْنِ الْحُصَيْبِ ، وَالْأُخْرَى مَعَ جُنْدُبِ بْنِ الْأَعْجَمِ . وَكَانَ فِي بَنِي غِفَارٍ رَايَةٌ يَحْمِلُهَا أَبُو ذَرّ وَمَعَ بَنِي ضَمْرَةَ وَلَيْثٍ وَسَعْدِ بْنِ لَيْثٍ رَايَةٌ يَحْمِلُهَا أَبُو وَاقِدٍ اللّيْثِيّ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ . وَكَانَ مَعَ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو رَايَتَانِ يَحْمِلُ إحْدَاهُمَا بِشْرُ بْنُ سُفْيَانَ ، وَالْأُخْرَى أَبُو شُرَيْحٍ . وَكَانَ فِي بَنِي مُزَيْنَةَ ثَلَاثُ رَايَاتٍ رَايَةٌ يَحْمِلُهَا بِلَالُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا النّعْمَانُ بْنُ مُقْرِنٍ ، وَرَايَةٌ يَحْمِلُهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . وَكَانَ فِي جُهَيْنَةَ أَرْبَعُ رَايَاتٍ رَايَةٌ مَعَ رَافِعِ بْنِ مَكِيثٍ . وَرَايَةٌ مَعَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَزِيدَ ، وَرَايَةٌ مَعَ أَبِي زُرْعَةَ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ وَرَايَةٌ مَعَ سُوَيْدِ بْنِ صَخْرٍ . وَكَانَتْ فِي بَنِي أَشْجَعَ رَايَتَانِ وَاحِدَةٌ مَعَ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ . وَالْأُخْرَى مَعَ مَعْقِلِ بْنِ سِنَانٍ . وَكَانَتْ فِي بَنِي سُلَيْمٍ ثَلَاثُ رَايَاتٍ رَايَةٌ مَعَ الْعَبّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ ، وَرَايَةٌ مَعَ خِفَافِ بْنِ نُدْبَةَ وَرَايَةٌ مَعَ الْحَجّاجِ بْنِ عِلَاطٍ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 897 ] قَدْ قَدِمَ سُلَيْمًا مِنْ يَوْمِ خَرَجَ مِنْ مَكّةَ فَجَعَلَهُمْ مُقَدّمَةَ الْخَيْلِ وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، فَلَمْ يَزَلْ عَلَى مُقَدّمَتِهِ حَتّى وَرَدَ الْجِعِرّانَةِ . قَالُوا : وَانْحَدَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَصْحَابِهِ وَقَدْ مَضَتْ مُقَدّمَتُهُ وَهُوَ عَلَى تَعْبِئَةٍ فِي وَادِي حُنَيْنٍ ، فَانْحَدَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْحِدَارًا - وَهُوَ وَادٍ حُدُورٌ - وَرَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ دُلْدُلَ وَلَبِسَ دِرْعَيْنِ الْمِغْفَرَ وَالْبَيْضَةَ وَاسْتَقْبَلَ الصّفُوفَ وَطَافَ عَلَيْهَا بَعْضَهَا خَلْفَ بَعْضٍ يَنْحَدِرُونَ فِي الْوَادِي ، فَحَضّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَبَشّرَهُمْ بِالْفَتْحِ إنْ صَدَقُوا وَصَبَرُوا ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ يَنْحَدِرُونَ فِي غَلَسِ الصّبْحِ . فَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يُحَدّثُ يَقُولُ لَمّا انْتَهَيْنَا إلَى وَادِي حُنَيْنٍ - وَهُوَ وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ تِهَامَةَ لَهُ مَضَايِقُ وَشِعَابٌ - فَاسْتَقْبَلْنَا مِنْ هَوَازِنَ شَيْءٌ لَا وَاَللّهِ مَا رَأَيْت مِثْلَهُ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ قَطّ مِنْ السّوَادِ وَالْكَثْرَةِ قَدْ سَاقُوا نِسَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَذَرَارِيّهُمْ ثُمّ صَفّوا صُفُوفًا . فَجَعَلُوا النّسَاءَ فَوْقَ الْإِبِلِ وَرَاءَ صُفُوفِ الرّجَالِ ثُمّ جَاءُوا بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَجَعَلُوهَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِئَلّا يَفِرّوا بِزَعْمِهِمْ . فَلَمّا رَأَيْنَا ذَلِكَ السّوَادَ حَسِبْنَاهُ رِجَالًا كُلّهُمْ فَلَمّا تَحَدّرْنَا فِي الْوَادِي ، فَبَيْنَا نَحْنُ فِيهِ غَلَسَ الصّبْحُ إنْ شَعَرْنَا إلّا بِالْكَتَائِبِ قَدْ خَرَجَتْ عَلَيْنَا مِنْ مَضِيقِ الْوَادِي وَشِعْبِهِ فَحَمَلُوا حَمَلَةً وَاحِدَةً . فَانْكَشَفَ أَوّلُ الْخَيْلِ - خَيْلِ سُلَيْمٍ - مُوَلّيَةً فَوَلّوْا ، وَتَبِعَهُمْ أَهْلُ مَكّةَ وَتَبِعَهُمْ النّاسُ مُنْهَزِمِينَ مَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ . قَالَ أَنَسٌ فَسَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَالنّاسُ مُنْهَزِمُونَ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَنْصَارَ اللّهِ وَأَنْصَارَ [ ص 898 ] رَسُولِهِ أَنَا عَبْدُ اللّهِ وَرَسُولُهُ صَابِرٌ قَالَ ثُمّ تَقَدّمَ بِحَرْبَتِهِ أَمَامَ النّاسِ فَوَاَلّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقّ مَا ضَرَبْنَا بِسَيْفٍ وَلَا طَعَنّا بِرُمْحٍ حَتّى هَزَمَهُمْ اللّهُ ثُمّ رَجَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْعَسْكَرِ يَأْمُرُ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَجَعَلَتْ هَوَازِنُ تُوَلّي وَثَابَ مَنْ انْهَزَمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . (1/893) قَالَ حَدّثَنِي مَعْمَرٌ وَمُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ الْتَقَى الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ فَوَلّى الْمُسْلِمُونَ يَوْمَئِذٍ فَلَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا مَعَهُ إلّا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ آخِذًا بِثَفَرِ بَغْلَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَأْلُو مَا أَسْرَعَ نَحْوَ الْمُشْرِكِينَ . قَالَ فَأَتَيْته حَتّى أَخَذْت بِحَكَمَةِ بَغْلَتِهِ وَهُوَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ شَهْبَاءُ فَشَجَرْتهَا بِالْحَكَمَةِ . وَكُنْت رَجُلًا صَيّتًا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ رَأَى مِنْ النّاسِ مَا رَأَى ; لَا يَلْوُونَ عَلَى شَيْءٍ قَالَ يَا عَبّاسُ اُصْرُخْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ السّمُرَةِ فَنَادَيْت : يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ يَا أَصْحَابَ السّمُرَةِ قَالَ فَأَقْبَلُوا كَأَنّهُمْ الْإِبِلُ إذَا حَنَتْ إلَى أَوْلَادِهَا ، يَقُولُونَ يَا لَبّيْكَ يَا لَبّيْكَ فَيَذْهَبُ الرّجُلُ [ ص 899 ] مِنْهُمْ فَيُثْنِي بَعِيرَهُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَيَأْخُذُ دِرْعَهُ فَيُقَدّمُهَا فِي عُنُقِهِ وَيَأْخُذُ تُرْسَهُ وَسَيْفَهُ ثُمّ يَقْتَحِمُ عَنْ بَعِيرِهِ فَيُخَلّي سَبِيلَهُ فِي النّاسِ وَيَؤُمّ الصّوْتَ حَتّى يَنْتَهِيَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا ثَابَ إلَيْهِ النّاسُ اجْتَمَعُوا . فَكَانَتْ الدّعْوَةُ أَوّلًا : يَا لَلْأَنْصَارِ ثُمّ قُصِرَتْ الدّعْوَةُ فَنَادَوْا : يَا لَلْخَزْرَجِ قَالَ وَكَانُوا صُبُرًا عِنْدَ اللّقَاءِ صُدُقًا عِنْدَ الْحَرْبِ . قَالَ فَأَشْرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَالْمُتَطَاوَلِ فِي رَكَائِبِهِ فَنَظَرَ إلَى قِتَالِهِمْ فَقَالَ الْآنَ حَمِيَ الْوَطِيسُ ثُمّ أَخَذَ بِيَدِهِ مِنْ الْحَصَى فَرَمَاهُمْ ثُمّ قَالَ انْهَزِمُوا . وَرَبّ الْكَعْبَةِ فَوَاَللّهِ مَا زِلْت أَرَى أَمْرَهُمْ مُدْبِرًا ، وَحَدّهُمْ كَلِيلًا حَتّى هَزَمَهُمْ اللّهُ وَكَأَنّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْكُضُ خَلْفَهُمْ عَلَى بَغْلَتِهِ . وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِلْعَبّاسِ نَادِ « يَا أَصْحَابَ السّمُرَةِ » فَرَجَعَتْ الْأَنْصَارُ وَهُمْ يَقُولُونَ الْكَرّةُ بَعْدَ الْفَرّةِ . قَالَ فَعَطَفُوا عَطْفَةَ الْبَقَرِ عَلَى أَوْلَادِهَا ، قَدْ شَرَعُوا الرّمَاحَ حَتّى إنّي لَأَخَافُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رِمَاحَهُمْ أَشَدّ مِنْ خَوْفِي رِمَاحَ الْمُشْرِكِينَ يَؤُمّونَ الصّفُوفَ وَيَقُولُونَ يَا لَبّيْكَ يَا لَبّيْكَ فَلَمّا اخْتَلَطُوا وَاجْتَلَدُوا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ عَلَى بَغْلَتِهِ فِي رَكَائِبِهِ يَقُولُ اللّهُمّ إنّي أَسَلُكَ وَعْدَك ، لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَظْهَرُوا . ثُمّ قَالَ لِلْعَبّاسِ نَاوِلْنِي حَصَيَاتٍ فَنَاوَلَهُ حَصَيَاتٍ مِنْ الْأَرْضِ ثُمّ قَالَ شَاهَتْ الْوُجُوهُ وَرَمَى بِهَا وُجُوهَ الْمُشْرِكِينَ وَقَالَ انْهَزِمُوا . وَرَبّ الْكَعْبَةِ قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ [ ص 900 ] قَتَادَةَ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا انْكَشَفَ النّاسُ وَاَللّهِ مَا رَجَعَتْ رَاجِعَةُ هَزِيمَتِهِمْ حَتّى وُجِدَ الْأَسْرَى عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُكَتّفِينَ . قَالَ وَالْتَفَتَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَهُوَ مُقَنّعٌ فِي الْحَدِيدِ وَكَانَ مِمّنْ صَبَرَ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ آخِذٌ بِثَفَرِ بَغْلَةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ ابْنُ أُمّك يَا رَسُولَ اللّهِ . وَيُقَالُ إنّهُ قَالَ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَخُوك - فِدَاك أَبِي وَأُمّي - أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ أَخِي ، نَاوِلْنِي حَصًى مِنْ الْأَرْضِ فَنَاوَلْته فَرَمَى بِهَا فِي أَعْيُنِهِمْ كُلّهِمْ . وَانْهَزَمُوا . قَالُوا : فَلَمّا انْكَشَفَ النّاسُ انْحَازَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَاتَ الْيَمِينِ وَهُوَ وَاقِفٌ عَلَى دَابّتِهِ لَمْ يَنْزِلْ . إلّا أَنّهُ قَدْ جَرّدَ سَيْفَهُ وَطَرَحَ غِمْدَهُ وَبَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الْعَبّاسُ وَعَلِيّ ، وَالْفَضْلُ بْنُ عَبّاسٍ ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ ، وَرَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ الْخَزْرَجِيّ ، وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ ، وَأَبُو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ عَلَيْهِمْ السّلَامُ . وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا انْكَشَفَ النّاسُ قَالَ لِحَارِثَةَ بْنِ النّعْمَانِ يَا حَارِثَةُ كَمْ تَرَى الّذِينَ ثَبَتُوا ؟ قَالَ فَلَمّا الْتَفَتَ وَرَائِي تَحَرّجًا ، فَنَظَرْت عَنْ يَمِينِي وَشِمَالِي ، فَحَزَرْتُهُمْ مِائَةً فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ هُمْ مِائَةٌ حَتّى كَانَ يَوْمٌ مَرَرْت عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُنَاجِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَال [ ص 901 ] جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ : مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ . فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ : هَذَا أَحَدُ الْمِائَةِ الصّابِرَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَوْ سَلّمَ لَرَدَدْت عَلَيْهِ السّلَامَ . فَأَخْبَرَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا كُنْت أَظُنّهُ إلّا دِحْيَةَ الْكَلْبِيّ وَاقِفٌ مَعَك . (1/899) وَكَانَ دُعَاءُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ حِينَ انْكَشَفَ النّاسُ عَنْهُ وَلَمْ يَبْقَ إلّا الْمِائَةُ الصّابِرَةُ اللّهُمّ لَك الْحَمْدُ وَإِلَيْك الْمُشْتَكَى ، وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ لَقَدْ لُقّنْت الْكَلِمَاتِ الّتِي لَقّنَ اللّهُ مُوسَى يَوْمَ فَلَقَ الْبَحْرَ أَمَامَهُ وَفِرْعَوْنُ خَلْفَهُ . (1/899) قَالَ حَدّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ . عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ إنّ حَارِثَةَ بْنَ النّعْمَانِ مَرّ بِالنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ يُنَاجِي جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السّلَامُ وَهُمَا قَائِمَانِ فَسَلّمَ عَلَيْهِمَا حَارِثَةُ . فَلَمّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ رَأَيْت الرّجُلَ ؟ قَالَ حَارِثَةُ نَعَمْ وَلَا أَدْرِي مَنْ هُوَ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ ، وَقَدْ رَدّ عَلَيْك السّلَامَ . وَيُقَالُ إنّ الْمِائَةَ الصّابِرَةَ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَسَبْعَةٌ وَسِتّونَ مِنْ الْأَنْصَارِ وَالْعَبّاسُ وَأَبُو سُفْيَانَ الْعَبّاسُ آخِذٌ بِلِجَامِ بَغْلَتِهِ . وَأَبُو سُفْيَانَ عَنْ يَمِينِهِ وَحَفّ بِهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ . وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يُحَدّثُ قَالَ مَرّ جِبْرِيلُ وَحَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاقِفٌ فَقَالَ مَنْ هَذَا يَا مُحَمّدُ ؟ فَقَالَ حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ . فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ : هَذَا أَحَدُ الثّمَانِينَ الصّابِرَةِ وَقَدْ تَكَفّلَ اللّهُ لَهُمْ بِأَرْزَاقِهِمْ وَأَرْزَاقِ عِيَالِهِمْ فِي الْجَنّةِ . وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ [ ص 902 ] يَقُولُ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ الّذِينَ تَكَفّلَ اللّهُ بِأَرْزَاقِهِمْ وَأَرْزَاقِ عِيَالِهِمْ فِي الْجَنّةِ . (1/902) قَالُوا : وَكَانَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَقُول : وَاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ مَا وَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنّهُ وَقَفَ وَاسْتَنْصَرَ ثُمّ نَزَلَ وَهُوَ يَقُولُ أَنَا النّبِي ّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ نَصْرَهُ وَكُبِتَ عَدُوّهُ وَأَفْلَحَ حُجّتُهُ . قَالُوا : وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فِي رَأْسِ رُمْحٍ لَهُ طَوِيلٍ أَمَامَ النّاسِ . إذَا أَدْرَكَ طَعَنَ . قَدْ أَكْثَرَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْقَتْلَ فَيَصْمُدُ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَعَرْقَبَ جَمَلَهُ . فَسَمِعَ خَرْخَرَةَ جَمَلِهِ وَاكْتَسَعَ الْجَمَلُ وَيَشُدّ عَلِيّ وَأَبُو دُجَانَةَ عَلَيْهِ . فَيَقْطَعُ عَلِيّ يَدَهُ الْيُمْنَى ، وَيَقْطَعُ أَبُو دُجَانَةَ يَدَهُ الْأُخْرَى - وَأَقْبَلَا يَضْرِبَانِهِ بِسَيْفَيْهِمَا جَمِيعًا حَتّى تَثَلّمَ سَيْفَاهُمَا ، فَكَفّ أَحَدُهُمَا وَأَجْهَزَ الْآخَرُ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ امْضِ لَا تُعَرّجْ عَلَى سَلَبِهِ فَمَضَيَا يَضْرِبَانِ أَمَامَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَعْتَرِضُ لَهُمَا فَارِسٌ مِنْ هَوَازِنَ بِيَدِهِ رَايَةٌ حَمْرَاءُ فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا يَدَ الْفَرَسِ وَوَقَعَ لِوَجْهِهِ ثُمّ ضَرَبَاهُ بِأَسْيَافِهِمَا فَمَضَيَا عَلَى سَلَبِهِ . وَيَمُرّ أَبُو طَلْحَة فَسَلَبَ الْأَوّلَ وَمَرّ بِالْآخَرِ فَسَلَبَهُ . وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ وَعَلِيّ ، وَأَبُو دُجَانَةَ وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ يُقَاتِلُونَ بَيْن يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبْ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْهِ نَصْرَهُ وَكُبِتَ عَدُوّهُ وَأَفْلَحَ حُجّتُهُ . قَالُوا : وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ بِيَدِهِ رَايَةٌ سَوْدَاءُ فِي رَأْسِ رُمْحٍ لَهُ طَوِيلٍ أَمَامَ النّاسِ . إذَا أَدْرَكَ طَعَنَ . قَدْ أَكْثَرَ فِي الْمُسْلِمِينَ الْقَتْلَ فَيَصْمُدُ لَهُ أَبُو دُجَانَةَ فَعَرْقَبَ جَمَلَهُ . فَسَمِعَ خَرْخَرَةَ جَمَلِهِ وَاكْتَسَعَ الْجَمَلُ وَيَشُدّ عَلِيّ وَأَبُو دُجَانَةَ عَلَيْهِ . فَيَقْطَعُ عَلِيّ يَدَهُ الْيُمْنَى ، وَيَقْطَعُ أَبُو دُجَانَةَ يَدَهُ الْأُخْرَى - وَأَقْبَلَا يَضْرِبَانِهِ بِسَيْفَيْهِمَا جَمِيعًا حَتّى تَثَلّمَ سَيْفَاهُمَا ، فَكَفّ أَحَدُهُمَا وَأَجْهَزَ الْآخَرُ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ امْضِ لَا تُعَرّجْ عَلَى سَلَبِهِ فَمَضَيَا يَضْرِبَانِ أَمَامَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَعْتَرِضُ لَهُمَا فَارِسٌ مِنْ هَوَازِنَ بِيَدِهِ رَايَةٌ حَمْرَاءُ ، فَضَرَبَ أَحَدُهُمَا يَدَ الْفَرَسِ وَوَقَعَ لِوَجْهِهِ ثُمّ ضَرَبَاهُ بِأَسْيَافِهِمَا فَمَضَيَا عَلَى سَلَبِهِ . وَيَمُرّ أَبُو طَلْحَة فَسَلَبَ الْأَوّلَ وَمَرّ بِالْآخَرِ فَسَلَبَهُ . وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ ، وَعَلِيّ ، وَأَبُو دُجَانَةَ ، وَأَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ يُقَاتِلُونَ بَيْن يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ حَدّثَنِي سُلَيْمَان بْنُ بِلَالٍ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ قَالَ قَالَتْ أُمّ عُمَارَةَ لَمّا كَانَ يَوْمَئِذٍ وَالنّاسُ مُنْهَزِمُونَ فِي كُلّ وَجْهٍ وَأَنَا وَأَرْبَعُ نِسْوَةٍ فِي يَدِي سَيْفٌ لِي صَارِمٌ وَأُمّ سُلَيْمٍ مَعَهَا خَنْجَرٌ قَدْ حَزَمَتْهُ عَلَى وَسَطِهَا - وَهِيَ يَوْمَئِذٍ حَامِلٌ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ - وَأُمّ سَلِيطٍ وَأُمّ الْحَارِثِ . قَالُوا : [ ص 903 ] فَجَعَلَتْ تُسِلّهُ وَتَصِيحُ بِالْأَنْصَارِ أَيّةُ عَادَةٍ هَذِهِ مَا لَكُمْ وَلِلْفِرَارِ قَالَتْ وَأَنْظُرُ إلَى رَجُلٍ مِنْ هَوَازِنَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقَ مَعَهُ لِوَاءٌ يُوضِعُ جَمَلَهُ فِي أَثَرِ الْمُسْلِمِينَ فَأَعْتَرِضُ لَهُ فَأَضْرِبُ عُرْقُوبَ الْجَمَلِ . وَكَانَ جَمَلًا مُشْرِفًا ، فَوَقَعَ عَلَى عَجُزِهِ وَأَشُدّ عَلَيْهِ . فَلَمْ أَزَلْ أَضْرِبُهُ حَتّى أَثْبَتّه . وَأَخَذْت سَيْفًا لَهُ وَتَرَكْت الْجَمَلَ يُخَرْخِرُ يَتَصَفّقُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ مُصْلِتٌ السّيْفَ بِيَدِهِ قَدْ طَرَحَ غِمْدَهُ يُنَادِي : يَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَالَ وَكَرّ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا يَقُولُونَ يَا بَنِي عَبْدِ الرّحْمَنِ يَا بَنِي عُبَيْدِ اللّهِ يَا خَيْلَ اللّهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ سَمّى خَيْلَهُ خَيْلَ اللّهِ وَجَعَلَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ بَنِي عَبْدِ الرّحْمَنِ وَجَعَلَ شِعَارَ الْأَوْسِ بَنِي عُبَيْدِ اللّهِ . فَكَرّتْ الْأَنْصَارُ . وَوَقَفَتْ هَوَازِنُ حَلْبَ نَاقَةٍ فَتُوحٍ ثُمّ كَانَتْ إيّاهَا ، فَوَاَللّهِ مَا رَأَيْت هَزِيمَةً كَانَتْ مِثْلَهَا ، ذَهَبُوا فِي كُلّ وَجْهٍ فَرَجَعَ ابْنَايَ إلَيّ - حَبِيبٌ وَعَبْدُ اللّهِ ابْنَا زَيْدٍ - بِأُسَارَى مُكَتّفِينَ فَأَقُومُ إلَيْهِمْ مِنْ الْغَيْظِ . فَأَضْرِبُ عُنُقَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَجَعَلَ النّاسُ يَأْتُونَ بِالْأُسَارَى ، فَرَأَيْت فِي بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ثَلَاثِينَ أَسِيرًا . وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ بَلَغَ أَقْصَى هَزِيمَتِهِمْ مَكّةَ ، ثُمّ كَرّوا بَعْدُ وَتَرَاجَعُوا ، فَأَسْهَمَ لَهُمْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَمِيعًا . فَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ إنّ أُمّ سُلَيْمٍ ، أُمّي ابْنَةَ مِلْحَانَ جَعَلَتْ تَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت هَؤُلَاءِ الّذِينَ أَسْلَمُوك وَفَرّوا عَنْك وَخَذَلُوك لَا تَعْفُ [ ص 904 ] عَنْهُمْ إذَا أَمْكَنَك اللّهُ مِنْهُمْ - فَاقْتُلْهُمْ كَمَا تَقْتُلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ يَا أُمّ سُلَيْمٍ . قَدْ كَفَى اللّهُ عَافِيَةُ اللّهِ أَوْسَعُ وَمَعَهَا يَوْمَئِذٍ جَمَلُ أَبِي طَلْحَةَ قَدْ خَشِيَتْ أَنْ يَغْلِبَهَا ، فَأَدْنَتْ رَأْسَهُ مِنْهَا فَأَدْخَلَتْ يَدَهَا فِي خِزَامَتِهِ مَعَ الْخِطَامِ وَهِيَ شَادّةٌ وَسَطَهَا بِبُرْدٍ لَهَا ، وَمَعَهَا خَنْجَرٌ فِي يَدِهَا ، فَقَالَ لَهَا أَبُو طَلْحَةَ مَا هَذَا مَعَك يَا أُمّ سُلَيْمٍ ؟ قَالَتْ خَنْجَرٌ أَخَذْته مَعِي ، إنْ دَنَا مِنّي أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ بَعَجْته بِهِ . قَالَ أَبُو طَلْحَةَ مَا تَسْمَعُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تَقُولُ أُمّ سُلَيْمٍ ؟(903) وَكَانَتْ أُمّ الْحَارِثِ الْأَنْصَارِيّةُ أَخَذَتْ بِخِطَامِ جَمَلِ أَبِي الْحَارِثِ زَوْجِهَا ، وَكَانَ جَمَلُهُ يُسَمّى الْمِجْسَارَ فَقَالَتْ يَا حَارِ تَتْرُكُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخَذَتْ بِخِطَامِ الْجَمَلِ . وَالْجَمَلُ يُرِيدُ أَنْ يَلْحَقَ بِأُلّافِهِ وَالنّاسُ يُوَلّونَ مُنْهَزِمِينَ . وَهِيَ لَا تُفَارِقُهُ . فَقَالَتْ أُمّ الْحَارِثِ فَمَرّ بِي عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . فَقَالَتْ أُمّ الْحَارِثِ يَا عُمَرُ مَا هَذَا ؟ فَقَالَ عُمَرُ أَمْرُ اللّهِ . وَجَعَلَتْ أُمّ الْحَارِثِ تَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ مَنْ جَاوَزَ بَعِيرِي فَأَقْتُلُهُ وَاَللّهِ إنْ رَأَيْت كَالْيَوْمِ مَا صَنَعَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ بِنَا تَعْنِي بَنِي سُلَيْمٍ وَأَهْلَ مَكّةَ الّذِينَ انْهَزَمُوا بِالنّاسِ . حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ أَنّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ يَصِيحُ يَوْمَئِذٍ بِالْخَزْرَجِ يَا لَلْخَزْرَجِ يَا لَلْخَزْرَجِ وأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَا لَلْأَوْسِ ثَلَاثًا . فَثَابُوا وَاَللّهِ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ كَأَنّهُمْ النّحْلُ تَأْوِي إلَى يَعْسُوبِهَا . قَالَ فَحَنِقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلُوهُمْ حَتّى [ ص 905 ] أَسْرَعَ الْمُسْلِمُونَ فِي قَتْلِ الذّرّيّةِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا بَالُ أَقْوَامٍ ذَهَبَ بِهِمْ الْقَتْلُ حَتّى بَلَغَ الذّرّيّةَ أَلَا لَا تُقْتَلُ الذّرّيّةُ ثَلَاثًا . قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ أَلَيْسَ إنّمَا هُمْ أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَوَلَيْسَ خِيَارُكُمْ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ ؟ كُلّ نَسَمَةٍ تُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ حَتّى يُعْرِبَ عَنْهَا لِسَانُهَا . فَأَبَوَاهَا يُهَوّدَانِهَا أَوْ يُنَصّرَانِهَا قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَلِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ قَالَ لَمّا تَرَاءَيْنَا نَحْنُ وَالْقَوْمُ رَأَيْنَا سَوَادًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ قَطّ كَثْرَةً وَإِنّمَا ذَلِكَ السّوَادُ نَعَمٌ فَحَمَلُوا النّسَاءَ عَلَيْهِ . قَالَ فَأَقْبَلَ مِثْلَ الظّلّةِ السّوْدَاءِ مِنْ السّمَاءِ حَتّى أَظَلّتْ عَلَيْنَا وَعَلَيْهِمْ وَسَدّتْ الْأُفُقَ فَنَظَرْت فَإِذَا وَادِي حُنَيْنٍ يَسِيلُ بِالنّمْلِ نَمْلٍ أَسْوَدَ مَبْثُوثٍ لَمْ أَشُكّ أَنّهُ نَصْرٌ أَيّدَنَا اللّهُ بِهِ فَهَزَمَهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ . قَالَ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ . عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ شُيُوخٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالُوا : رَأَيْنَا يَوْمَئِذٍ كَالْبُجُدِ السّودِ هَوَتْ مِنْ السّمَاءِ رُكَامًا ، فَنَظَرْنَا فَإِذَا نَمْلٌ مَبْثُوثٌ . فَإِنْ كُنّا لَنَنْفُضُهُ عَنْ ثِيَابِنَا . فَكَانَ نَصْرٌ أَيّدَنَا اللّهُ بِهِ . (1/905) وَكَانَ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ حُمْرًا قَدْ أَرْخَوْهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ وَكَانَ الرّعْبُ الّذِي قَذَفَ اللّهُ فِي قُلُوبِ الْمُشْرِكِين يَوْمَ حُنَيْنٍ [ كَوَقْعِ الْحَصَى [ ص 906 ] فِي الطّسْتِ ] . فَكَانَ سُوَيْدُ بْنُ عَامِرٍ السّوَائِيّ يُحَدّثُ وَكَانَ قَدْ حَضَرَ يَوْمَئِذٍ فَسُئِلَ عَنْ الرّعْبِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْحَصَاةَ فَيَرْمِي بِهَا فِي الطّسْتِ فَيَطِنّ ، فَقَالَ إنْ كُنّا نَجِدُ فِي أَجْوَافِنَا مِثْلَ هَذَا . وَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ يَقُولُ حَدّثَنِي عِدّةٌ مِنْ قَوْمِي شَهِدُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ يَقُولُونَ لَقَدْ رَمَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِتِلْكَ الْكَفّ مِنْ الْحَصَيَاتِ فَمَا مِنّا أَحَدٌ إلّا يَشْكُو الْقَذَى فِي عَيْنَيْهِ وَلَقَدْ كُنّا نَجِدُ فِي صُدُورِنَا خَفَقَانًا كَوَقْعِ الْحَصَى فِي الطّسَاسِ مَا يَهْدَأُ ذَلِكَ الْخَفَقَانُ عَنّا ; وَلَقَدْ رَأَيْنَا يَوْمَئِذٍ رِجَالًا بِيضًا عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ عَلَيْهِمْ عَمَائِمُ حُمْرٌ قَدْ أَرْخَوْهَا بَيْنَ أَكْتَافِهِمْ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ كَتَائِبَ كَتَائِبَ مَا يُلِيقُونَ شَيْئًا ، وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُقَاتِلَهُمْ مِنْ الرّعْبِ مِنْهُمْ . قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ زُهَيْرٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ الْعَبْسِيّ عَمّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ رَبِيعَةَ ، قَالَ حَدّثَنِي نَفَرٌ مِنْ قَوْمِنَا حَضَرُوا يَوْمَئِذٍ قَالُوا : كَمَنّا لَهُمْ فِي الْمَضَايِقِ وَالشّعَابِ ثُمّ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ حَمَلَةً رَكِبْنَا أَكْتَافَهُمْ حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى صَاحِبِ بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ وَحَوْلَهُ رِجَالٌ بِيضٌ حِسَانُ الْوُجُوهِ فَقَالَ شَاهَتْ الْوُجُوهُ ، ارْجِعُوا فَانْهَزَمْنَا ، وَرَكِبَ الْمُسْلِمُونَ أَكْتَافَنَا وَكَانَتْ إيّاهَا ، وَجَعَلْنَا نَلْتَفِتُ وَرَاءَنَا نَنْظُرُ إلَيْهِمْ يَكِدُونَنَا ، فَتَفَرّقَتْ [ ص 907 ] جَمَاعَتُنَا فِي كُلّ وَجْهٍ وَجَعَلَتْ الرّعْدَةُ تَسْحَقُنَا حَتّى لَحِقْنَا بِعَلْيَاءِ بِلَادِنَا ، فَإِنْ كَانَ لَيُحْكَى عَنّا الْكَلَامُ مَا كُنّا نَدْرِي بِهِ مِمّا كَانَ بِنَا مِنْ الرّعْبِ فَقَذَفَ اللّهُ الْإِسْلَامَ فِي قُلُوبِنَا . (1/906) وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَحْلَافِ مِنْ ثَقِيفٍ مَعَ قَارِبِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ ، فَلَمّا انْهَزَمَ النّاسُ أَسْنَدَ رَايَتَهُ إلَى شَجَرَةٍ وَهَرَبَ هُوَ وَبَنُو عَمّهِ مِنْ الْأَحْلَافِ ، فَلَمْ يُقْتَلْ مِنْهُمْ إلّا رَجُلَانِ مِنْ بَنِي غِيَرَةَ وَهْبٌ وَاللّجْلَاجُ . وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ اللّجْلَاجِ قُتِلَ الْيَوْمَ سَيّدُ شُبّانِ ثَقِيفٍ ، إلّا مَا كَانَ مِنْ ابْنِ هُنَيْدَةَ . وَكَانَتْ رَايَةُ بَنِي مَالِكٍ مَعَ ذِي الْخِمَارِ فَلَمّا انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ تَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَيُسْتَحْصَى الْقَتْلَى مِنْ ثَقِيفٍ بِبَنِي مَالِكٍ فَقُتِلَ مِنْهُمْ قَرِيبٌ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ تَحْتَ رَايَتِهِمْ فِيهِمْ عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، فَقَاتَلَ بِهَا مَلِيّا ، وَجَعَلَ يَحُثّ ثَقِيفًا وَهَوَازِنَ عَلَى الْقِتَالِ حَتّى قُتِلَ وَكَانَ اللّجْلَاجُ رَجُلًا مِنْ بَنِي كُنّةَ . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَخِي بَنِي كُنّةَ هَذَا سَيّدُ شُبّانِ كُنّةَ إلّا ابْنَ هُنَيْدَةَ - الْحَارِثَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ يَعْمَرَ بْنِ إيَاسِ بْنِ أَوْسِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَضْحَكُ . وَكَانَتْ كُنّةُ امْرَأَةً مِنْ غَامِدٍ يَمَانِيّةً قَدْ وُلِدَتْ فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَكَانَتْ أَمَةً فَأَعْتَقَ الْحَارِثُ كُلّ مَمْلُوكٍ مِنْ بَنِي كُنّةَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ أَيَسُرّك أَنّ أَهْلَ بَيْتِ عَامِرِ بْنِ الطّفَيْلِ وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ مَكَانَ كُنّةَ ؟ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوَدِدْت أَنّ ذَلِكَ [ ص 908 ] كَذَلِكَ . فَقَالَ عُمَرُ لَيْتَ أُمّي كُنّةُ وَأَنّ اللّهَ يَرْزُقُنِي مِنْ بِرّهَا مَا رَزَقَك . وَكَانَ أَبَرّ النّاسِ بِأُمّهِ مَا كَانَتْ تَأْكُلُ طَعَامًا إلّا مِنْ يَدِهِ وَلَا يَغْسِلُ رَأْسَهَا إلّا هُوَ وَلَا يُسَرّحُ رَأْسَهَا إلّا هُوَ . (1/908) قَالُوا : وَهَرَبَتْ ثَقِيفٌ ، فَقَالَ شُيُوخٌ مِنْهُمْ - أَسْلَمُوا بَعْدُ كَانُوا قَدْ حَضَرُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ - قَالُوا : مَا زَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِنَا فِيمَا نَرَى ، وَنَحْنُ مُوَلّونَ حَتّى إنّ الرّجُلَ مِنّا لَيَدْخُلُ حِصْنَ الطّائِفِ وَإِنّهُ لَيَظُنّ أَنّهُ عَلَى أَثَرِهِ مِنْ رُعْبِ الْهَزِيمَةِ . وَكَانَ أَبُو قَتَادَةَ يُحَدّثُ قَالَ . لَمّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ . فَرَأَيْت رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ مُسْلِمًا وَمُشْرِكًا . قَدْ عَلَاهُ الْمُشْرِكُ . فَاسْتَدَرْت لَهُ حَتّى أَتَيْته مِنْ وَرَائِهِ فَضَرَبْته عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ وَأَقْبَلَ عَلَيّ فَضَمّنِي ضَمّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ . وَكَادَ أَنْ يَقْتُلَنِي لَوْلَا أَنّ الدّمَ نَزَفَهُ فَسَقَطَ . وَذَفّفْتُ عَلَيْهِ وَمَضَيْت وَتَرَكْت عَلَيْهِ سَلَبَهُ فَلَحِقْت عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ فَقُلْت : مَا بَالُ النّاسِ ؟ قَالَ أَمْرُ اللّهِ . ثُمّ إنّ النّاسَ رَجَعُوا ، وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ . قَالَ فَقُمْت فَقُلْت : مَنْ يَشْهَدُ لِي ؟ ثُمّ جَلَسْت ، ثُمّ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ . فَقُمْت فَقُلْت : مَنْ يَشْهَدُ لِي ؟ ثُمّ جَلَسْت ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ . فَقَامَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ فَشَهِدَ لِي ، ثُمّ لَقِيت الْأَسْوَدَ بْنَ الْخُزَاعِيّ فَشَهِدَ لِي ، وَإِذَا صَاحِبِي الّذِي أَخَذَ السّلَبَ لَا يُنْكِرُ أَنّي قَتَلْته - وَقَدْ قَصَصْت عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقِصّةَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ سَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنّي . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَاهَا اللّهِ إذًا . [ ص 909 ] لَا تَعْمِدْ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللّهِ وَعَنْ رَسُولِهِ يُعْطِيك سَلَبَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيّاهُ . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : فَأَعْطَانِيهِ فَقَالَ لِي حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ : يَا أَبَا قَتَادَةَ ، أَتَبِيعُ السّلَاحَ ؟ فَبِعْته مِنْهُ بِسَبْعِ أَوَاقٍ فَأَتَيْت الْمَدِينَةَ فَاشْتَرَيْت بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ يُقَالُ لَهُ الرّدَيْنِيّ ، فَإِنّهُ لَأَوّلُ مَالٍ لِي نِلْته فِي الْإِسْلَامِ . فَلَمْ نَزَلْ نَعِيشُ مِنْهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا . (1/909) وَكَانَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ قَدْ تَعَاهَدَ هُوَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ حِينَ وُجّهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى حُنَيْنٍ - وَكَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ قُتِلَ يَوْمَ بَدْر ٍ ، وَكَانَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ - فَكَانَا تَعَاهَدَا إنْ رَأَيَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ دَائِرَةً أَنْ يَكُونَا عَلَيْهِ وَهُمَا خَلْفَهُ . قَالَ شَيْبَةُ فَأَدْخَلَ اللّهُ الْإِيمَانَ قُلُوبَنَا . قَالَ شَيْبَةُ لَقَدْ هَمَمْت بِقَتْلِهِ . فَأَقْبَلَ شَيْءٌ حَتّى تَغَشّى فُؤَادِي فَلَمْ أُطِقْ ذَلِكَ وَعَلِمْت أَنّهُ قَدْ مُنِعَ مِنّي . وَيُقَالُ قَالَ غَشِيَتْنِي ظُلْمَةٌ حَتّى لَا أُبْصِرُ فَعَرَفْت أَنّهُ مُمْتَنِعٌ مِنّي وَأَيْقَنْت بِالْإِسْلَامِ . وَقَدْ سَمِعْت فِي قِصّةِ شَيْبَةَ وَجْهًا آخَرَ كَانَ شَيْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ يَقُولُ لَمّا رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَزَا مَكّةَ فَظَفِرَ بِهَا وَخَرَجَ إلَى هَوَازِنَ ، قُلْت : أَخْرُجُ لَعَلّي أُدْرِكُ ثَأْرِي وَذَكَرْت قَتْلَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ . قَتَلَهُ حَمْزَةُ ، وَعَمّي قَتَلَهُ عَلِيّ . قَالَ فَلَمّا انْهَزَمَ أَصْحَابُهُ جِئْته عَنْ يَمِينِهِ . فَإِذَا الْعَبّاسُ قَائِمٌ عَلَيْهِ دِرْعٌ بَيْضَاءُ كَالْفِضّةِ يَنْكَشِفُ عَنْهَا الْعَجَاجُ فَقُلْت : عَمّهُ لَنْ يَخْذُلَهُ قَالَ ثُمّ جِئْته عَنْ يَسَارِهِ فَإِذَا بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ عَمّهِ فَقُلْت : [ ص 910 ] ابْنُ عَمّهِ لَنْ يَخْذُلَهُ فَجِئْته مِنْ خَلْفِهِ فَلَمْ يَبْقَ إلّا أُسَوّرُهُ بِالسّيْفِ إذْ رُفِعَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ كَأَنّهُ بَرْقٌ وَخِفْت أَنْ يَمْحَشَنِي وَوَضَعْت يَدَيّ عَلَى بَصَرِي وَمَشَيْت الْقَهْقَرَى ، وَالْتَفَتَ إلَيّ فَقَالَ يَا شَيْبَ اُدْنُ مِنّي فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي وَقَالَ اللّهُمّ أَذْهِبْ عَنْهُ الشّيْطَانَ قَالَ فَرَفَعْت إلَيْهِ رَأْسِي وَهُوَ أَحَبّ إلَيّ مِنْ سَمْعِي وَبَصَرِي وَقَلْبِي ، ثُمّ قَالَ يَا شَيْبَ ، قَاتِلْ الْكُفّارَ فَقَالَ فَتَقَدّمْت بَيْنَ يَدَيْهِ أُحِبّ وَاَللّهِ أَقِيهِ بِنَفْسِي وَبِكُلّ شَيْءٍ فَلَمّا انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ وَدَخَلْت عَلَيْهِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَرَادَ بِك خَيْرًا مِمّا أَرَدْت . ثُمّ حَدّثَنِي بِمَا هَمَمْت بِهِ . فَلَمّا كَانَتْ الْهَزِيمَةُ حَيْثُ كَانَتْ وَالدّائِرَةُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَتَكَلّمُوا بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ الْكُفْرِ وَالضّغْنِ وَالْغِشّ قَال َ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ : لَا تَنْتَهِي هَزِيمَتُهُمْ دُونَ الْبَحْرِ قَالَ يَقُولُ رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَقِيتٍ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا أَنّي سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْهَى عَنْ قَتْلِك لَقَتَلْتُك وَقَالَ صَرَخَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ وَهُوَ كَلَدَةُ بْنُ الْحَنْبَلِ أَخُو صَفْوَانَ لِأُمّهِ أَسْوَدُ مِنْ سُودَانِ مَكّةَ : أَلَا بَطَلَ السّحْرُ الْيَوْمَ فَقَالَ صَفْوَانُ اُسْكُتْ فَضّ اللّهُ فَاك لَأَنْ يَرُبّنِي رَبّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ يَرُبّنِي رَبّ مِنْ هَوَازِنَ . قَالَ وَقَالَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو : لَا يَجْتَبِرُهَا مُحَمّدٌ [ ص 911 ] وَأَصْحَابُهُ قَالَ يَقُولُ لَهُ عِكْرِمَةُ : هَذَا لَيْسَ بِقَوْلٍ وَإِنّمَا الْأَمْرُ بِيَدِ اللّهِ وَلَيْسَ إلَى مُحَمّدٍ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ إنْ أُدِيلَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ فَإِنّ لَهُ الْعَاقِبَةَ غَدًا . قَالَ يَقُول سُهَيْلٌ : إنّ عَهْدَك بِخِلَافِهِ لَحَدِيثٌ قَالَ يَا أَبَا يَزِيدَ إنّا كُنّا وَاَللّهِ نُوضِعُ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَعُقُولُنَا عُقُولُنَا . نَعْبُدُ الْحَجَرَ لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرّ (1/910) قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ ، قَالَ حَضَرَهَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بِأَفْرَاسٍ وَعَبِيدٍ وَمَوَالٍ فَقُتِلُوا يَوْمَئِذٍ مَعَهُ وَقُتِلَ مَعَهُ غُلَامٌ لَهُ نَصْرَانِيّ أَغْرَلُ فَبَيْنَا طَلْحَةُ يَسْلُبُ الْقَتْلَى مِنْ ثَقِيفٍ إذْ مَرّ بِهِ فَوَجَدَهُ أَغْرَلَ فَصَاحَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ ، أَحْلِفُ بِاَللّهِ أَنّ ثَقِيفًا غُرْلٌ مَا تَخْتَتِنُ قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ : وَسَمِعْتهَا وَخَشِيت أَنْ يَذْهَبَ عَلَيْنَا مِنْ الْعَرَبِ ، فَقُلْت : لَا تَفْعَلْ فِدَاك أَبِي وَأُمّي ، إنّمَا هُوَ غُلَامٌ لَنَا نَصْرَانِيّ ثُمّ جَعَلْت أَكْشِفُ لَهُ عَنْ قَتْلَى ثَقِيفٍ ، فَأَقُولُ أَلَا تَرَاهُمْ مُخْتَتَنِينَ ؟ وَيُقَالُ إنّ الْعَبْدَ كَانَ لِذِي الْخِمَارِ وَكَانَ نَصْرَانِيّا أَزْرَقَ فَقُتِلَ مَعَ سَيّدِهِ يَوْمَئِذٍ . وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ يَسْلُبُ الْقَتْلَى ، فَجَرّدَهُ فَإِذَا هُوَ أَغْرَلُ فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ لِلْأَنْصَارِ فَأَقْبَلُوا إلَيْهِ فَقَالَ أَحْلِفُ بِاَللّهِ مَا تَخْتَتِنُ ثَقِيفٌ وَسَمِعَهَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَوَجَدَ فِي نَفْسِهِ . قَالَ فَقَالَ أُرِيك يَا أَبَا طَلْحَةَ فَجَرّدَ لَهُ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَبِيعَةَ ، فَقَالَ هَذَا سَيّدُ ثَقِيفٍ ثُمّ أَتَى إلَى ذِي الْخِمَارِ سَيّدِ الْعَبْدِ فَإِذَا هُوَ مَخْتُونٌ . قَالَ الْمُغِيرَةُ وَجَاءَنِي أَمْرٌ قَطَعَنِي ، وَخَشِيت أَنْ تَسِيرَ عَلَيْنَا فِي الْعَرَبِ ، حَتّى أَبْصَرَ الْقَوْمُ وَعَرَفُوا أَنّهُ عَبْدٌ لَهُمْ نَصْرَانِيّ . وَكَانَ الّذِي قَتَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ ، فَبَلَغَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ [ ص 912 ] يَرْحَمُ اللّهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ أَبِي أُمَيّةَ وَأَبْعَدَ اللّهُ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَبِيعَةَ ، فَإِنّهُ كَانَ يُبْغِضُ قُرَيْشًا قَالَ وَكَانَ دُعَاءُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَبْدِ اللّهِ بِرَحْمَةِ اللّهِ فَبَلَغَهُ فَقَالَ إنّي لَأَرْجُو أَنْ يَرْزُقَنِي اللّهُ الشّهَادَةَ فِي وَجْهِي هَذَا فَقُتِلَ فِي حِصَارِ الطّائِفِ . (1/912) وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ : لَوْلَا ابْنُ جَثّامَةَ الْأَصْغَرُ لَفُضِحَتْ الْخَيْلُ الْيَوْمَ . وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ خُزَاعَةَ يَوْمَ حُنَيْنٍ : إنّ مَاءَ حُنَيْنٍ لَنَا فَخَلّوهْ إنْ تَشْرَبُوا مِنْهُ فَلَنْ تَعْلُوهْ هَذَا رَسُولُ اللّهِ لَنْ يَعْلُوهْ أَنْشَدَنِيهَا ابْنُ جَعْفَرٍ . [ وَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . .. ] غَلَبَتْ خَيْلُ اللّهِ خَيْلَ اللّاتِ وَاَللّهُ أَحَقّ بِالثّبَاتِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ قَدّمَ سُلَيْمًا فِي مُقَدّمَتِهِ عَلَيْهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَمَرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِامْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ وَالنّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهَا ، فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : امْرَأَةٌ قَتَلَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلًا يُدْرِكُ خَالِدًا فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَنْهَاك أَنْ تَقْتُلَ امْرَأَةً أَوْ عَسِيفًا . وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ امْرَأَةً أُخْرَى فَسَأَلَ عَنْهَا فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا قَتَلْتهَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَرْدَفْتهَا وَرَائِي فَأَرَادَتْ قَتْلِي فَقَتَلْتهَا . فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدُفِنَتْ . (1/912) قَالُوا : لَمّا هَزَمَ اللّهُ تَعَالَى هَوَازِن َ اتّبَعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ يَقْتُلُونَهُمْ . فَنَادَتْ بَنُو سُلَيْمٍ بَيْنَهَا : ارْفَعُوا عَنْ بَنِي أُمّكُمْ الْقَتْلَ فَرَفَعُوا الرّمَاحَ وَكَفّوا عَنْ الْقَتْلِ - وَأُمّ سُلَيْمٍ ; بُكْمَةُ ابْنَةُ مُرّةَ أُخْتُ تَمِيمِ بْنِ مُرّةَ - فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ [ ص 913 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي صَنَعُوا قَالَ اللّهُمّ عَلَيْك بِبَنِي بُكْمَةَ - وَلَا يَشْعُرُونَ أَنّ لَهُمْ أُمّا اسْمُهَا بُكْمَةُ - أَمّا فِي قَوْمِي فَوَضَعُوا السّلَاحَ وَضْعًا ، وَأَمّا عَنْ قَوْمِهِمْ فَرَفَعُوا رَفْعًا وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِطَلَبِ الْقَوْمِ ثُمّ قَالَ لِخَيْلِهِ إنْ قَدَرْتُمْ عَلَى بِجَادٍ فَلَا يُفْلِتَنّ مِنْكُمْ وَقَدْ كَانَ أَحْدَثَ حَدَثًا عَظِيمًا ، وَكَانَ مِنْ بَنِي سَعْدٍ وَكَانَ قَدْ أَتَاهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ فَأَخَذَهُ بِجَادٌ فَقَطّعَهُ عُضْوًا عُضْوًا ثُمّ حَرّقَهُ بِالنّارِ فَكَانَ قَدْ عُرِفَ جُرْمُهُ فَهَرَبَ . فَأَخَذَتْهُ الْخَيْلُ فَضَمّوهُ إلَى الشّيْمَاءِ بِنْتِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى أُخْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الرّضَاعَةِ فَعَنّفُوا عَلَيْهَا فِي السّيَاقِ فَجَعَلَتْ الشّيْمَاءُ بِنْتُ الْحَارِثِ تَقُولُ إنّي وَاَللّهِ أُخْتُ صَاحِبِكُمْ وَلَا يُصَدّقُوهَا ، وَأَخَذَهَا طَائِفَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، وَكَانُوا أَشَدّ النّاسِ عَلَى هَوَازِنَ ، حَتّى أَتَوْا بِهَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَتْ يَا مُحَمّدُ إنّي أُخْتُك قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَا عَلَامَةُ ذَلِكَ ؟ فَأَرَتْهُ عَضّةً [ وَقَالَتْ ] : عَضَضْتَنِيهَا وَأَنَا مُتَوَرّكَتُك بِوَادِي السّرَرِ وَنَحْنُ يَوْمَئِذٍ بِرِعَائِهِمْ أَبُوك أَبِي وَأُمّك أُمّي ، قَدْ نَازَعْتُك الثّدْيَ وَتَذَكّرْ يَا رَسُولَ اللّهِ . .. فَعَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعَلَامَةَ فَوَثَبَ قَائِمًا فَبَسَطَ رِدَاءَهُ ثُمّ قَالَ اجْلِسِي عَلَيْهِ وَرَحّبَ بِهَا ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ وَسَأَلَهَا عَنْ أُمّهِ وَأَبِيهِ مِنْ الرّضَاعَةِ فَأَخْبَرَتْهُ بِمَوْتِهِمَا فِي الزّمَانِ . ثُمّ قَالَ إنْ أَحْبَبْت فَأَقِيمِي عِنْدَنَا مُحَبّةً مُكَرّمَةً وَإِنْ أَحْبَبْت أَنْ تَرْجِعِي [ ص 914 ] إلَى قَوْمِك وَصِلَتِك رَجَعْت إلَى قَوْمِك . قَالَتْ أَرْجِعُ إلَى قَوْمِي . وَأَسْلَمَتْ فَأَعْطَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ وَجَارِيَةً أَحَدُهُمْ يُقَالُ لَهُ مَكْحُولٌ ، فَزَوّجُوهُ الْجَارِيَةَ . قَالَ عَبْدُ الصّمَدِ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنّهُ أَدْرَكَ نَسْلَهَا فِي بَنِي سَعْدٍ وَرَجَعَتْ الشّيْمَاءُ إلَى مَنْزِلِهَا وَكَلّمَهَا النّسْوَةُ فِي بِجَادٍ - فَرَجَعَتْ إلَيْهِ فَكَلّمَتْهُ أَنّهُ يَهَبُهُ لَهَا وَيَعْفُو عَنْهُ . فَفَعَلَ ثُمّ أَمَرَ لَهَا بِبَعِيرٍ أَوْ بَعِيرَيْنِ وَسَأَلَهَا : مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ ؟ فَأَخْبَرَتْهُ بِأُخْتِهَا وَأَخِيهَا وَبِعَمّهَا أَبِي بُرْقَانَ وَأَخْبَرَتْهُ بِقَوْمٍ سَأَلَهَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ارْجِعِي إلَى الْجِعِرّانَةِ تَكُونِينَ مَعَ قَوْمِك ، فَإِنّي أَمْضِي إلَى الطّائِفِ . فَرَجَعَتْ إلَى الْجِعِرّانَةِ ، وَأَتَاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْجِعِرّانَةِ فَأَعْطَاهَا نَعَمًا وَشَاءً لَهَا ، وَلِمَنْ بَقِيَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهَا . (1/913) قَالُوا : وَلَمّا انْهَزَمَ النّاسُ أَتَوْا الطّائِفَ ، وَعَسْكَرَ عَسْكَرٌ بِأَوْطَاسٍ ; وَتَوَجّهَ بَعْضُهُمْ نَحْوَ نَخْلَةَ وَلَمْ يَكُنْ فِيمَنْ تَوَجّهَ [ إلَى ] نَخْلَةَ إلّا بَنُو عَنَزَةَ مِنْ ثَقِيفٍ . فَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْلًا تَتْبَعُ مَنْ سَلَكَ نَخْلَةَ ، وَلَمْ تَتْبَعْ مَنْ سَلَكَ الثّنَايَا . وَيُدْرِكُ رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعِ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ سَمّالِ بْنِ عَوْفِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ دُرَيْدَ بْنَ الصّمّةِ ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ جَمَلِهِ وَهُوَ يَظُنّ أَنّهُ امْرَأَةٌ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ فِي شِجَارٍ لَهُ [ ص 915 ] فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ فَأَنَاخَ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ ابْنُ سِتّينَ وَمِائَةِ سَنَةٍ فَإِذَا هُوَ دُرَيْدٌ وَلَا يَعْرِفُهُ الْغُلَامُ . قَالَ الْفَتَى : مَا أُرِيدُ إلَى غَيْرِهِ مِمّنْ هُوَ عَلَى مِثْلِ دِينِهِ . قَالَ لَهُ دُرَيْدٌ مَنْ أَنْتَ ؟ قَالَ أَنَا رَبِيعَةُ بْنُ رُفَيْعٍ السّلَمِيّ . قَالَ فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ فَلَمْ يُغْنِ شَيْئًا . قَالَ دُرَيْدٌ بِئْسَ مَا سَلّحَتْك أُمّك خُذْ سَيْفِي مِنْ وَرَاءِ الرّحْلِ فِي الشّجَارِ فَاضْرِبْ بِهِ وَارْفَعْ عَنْ الطّعَامِ وَاخْفِضْ عَنْ الدّمَاغِ فَإِنّي كُنْت كَذَلِكَ أَقْتُلُ الرّجَالَ ثُمّ إذَا أَتَيْت أُمّك فَأَخْبِرْهَا أَنّك قَتَلْت دُرَيْدَ بْنَ الصّمّةِ ، فَرَبّ يَوْمٍ قَدْ مَنَعْت فِيهِ نِسَاءَك زَعَمَتْ بَنُو سُلَيْمٍ أَنّ رَبِيعَةَ لَمّا ضَرَبَهُ تَكَشّفَ لِلْمَوْتِ عِجَانُهُ وَبُطُونُ فَخِذَيْهِ مِثْلَ الْقَرَاطِيسِ مِنْ رُكُوبِ الْخَيْلِ . فَلَمّا رَجَعَ رَبِيعَةُ إلَى أُمّهِ أَخْبَرَهَا بِقَتْلِهِ إيّاهُ فَقَالَتْ وَاَللّهِ لَقَدْ أَعْتَقَ أُمّهَاتٍ لَك ثَلَاثًا فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ وَجَزّ نَاصِيَةَ أَبِيك . قَالَ الْفَتَى : لَمْ أَشْعُرْ . (1/915) قَالُوا : وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ فِي آثَارِ مَنْ تَوَجّهَ إلَى أَوْطَاسٍ ، وَعَقَدَ لَهُ لِوَاءً فَكَانَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْبَعْثِ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ ، فَكَانَ يُحَدّثُ يَقُولُ لَمّا انْهَزَمَتْ هَوَازِنُ عَسْكَرُوا بِأَوْطَاسٍ عَسْكَرًا عَظِيمًا ، تَفَرّقَ مِنْهُمْ مَنْ تَفَرّقَ وَقُتِلَ مَنْ قُتِلَ وَأُسِرَ مَنْ أُسِرَ فَانْتَهَيْنَا إلَى عَسْكَرِهِمْ فَإِذَا هُمْ مُمْتَنِعُونَ فَبَرَزَ رَجُلٌ فَقَالَ مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَبَرَزَ لَهُ أَبُو عَامِرٍ فَقَالَ اللّهُمّ اشْهَدْ فَقَتَلَهُ أَبُو عَامِرٍ حَتّى قَتَلَ تِسْعَةً كَذَلِكَ فَلَمّا كَانَ التّاسِعُ بَرَزَ لَهُ رَجُلٌ مُعْلِمٌ يَنْحُبُ لِلْقِتَالِ وَبَرَزَ لَهُ أَبُو عَامِرٍ فَقَتَلَهُ فَلَمّا كَانَ الْعَاشِرُ بَرَزَ رَجُلٌ مُعْلِمٌ بِعِمَامَةٍ صَفْرَاءَ فَقَالَ أَبُو عَامِرٍ اللّهُمّ [ ص 916 ] اشْهَدْ قَالَ يَقُولُ الرّجُلُ اللّهُمّ لَا تَشْهَدْ فَضَرَبَ أَبَا عَامِرٍ فَأَثْبَتَهُ فَاحْتَمَلْنَاهُ وَبِهِ رَمَقٌ وَاسْتَخْلَفَ أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ ، وَأَخْبَرَ أَبُو عَامِرٍ أَبَا مُوسَى أَنّ قَاتِلَهُ صَاحِبُ الْعِمَامَةِ الصّفْرَاءِ . قَالُوا : وَأَوْصَى أَبُو عَامِرٍ إلَى أَبِي مُوسَى ، وَدَفَعَ إلَيْهِ الرّايَةَ وَقَالَ ادْفَعْ فَرَسِي وَسِلَاحِي لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَاتَلَهُمْ أَبُو مُوسَى حَتّى فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ وَقَتَلَ قَاتِلَ أَبِي عَامِرٍ وَجَاءَ بِسِلَاحِهِ وَتَرِكَتِهِ وَفَرَسِهِ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ إنّ أَبَا عَامِرٍ أَمَرَنِي بِذَلِكَ وَقَالَ قُلْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَغْفِرُ لِي . فَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَصَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ قَالَ اللّهُمّ اغْفِرْ لِأَبِي عَامِرٍ وَاجْعَلْهُ مِنْ أَعْلَى أُمّتِي فِي الْجَنّةِ وَأَمَرَ بِتَرِكَةِ أَبِي عَامِرٍ فَدُفِعَتْ إلَى ابْنِهِ . قَالَ فَقَالَ أَبُو مُوسَى : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي أَعْلَمُ أَنّ اللّهَ قَدْ غَفَرَ لِأَبِي عَامِرٍ قُتِلَ شَهِيدًا ، فَادْعُ اللّهَ لِي . فَقَالَ اللّهُمّ اغْفِرْ لِأَبِي مُوسَى ، وَاجْعَلْهُ فِي أَعْلَى أُمّتِي فَيَرَوْنَ أَنّ ذَلِكَ وَقَعَ يَوْمَ الْحَكَمَيْنِ . (1/916) قَالُوا : وَاسْتَحَرّ الْقَتْلُ فِي بَنِي نَصْرٍ ثُمّ فِي بَنِي رِبَابٍ فَجَعَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسٍ - وَكَانَ مُسْلِمًا - يَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ هَلَكَتْ بَنُو رِبَابٍ . قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ اُجْبُرْ مُصِيبَتَهُم وَوَقَفَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ عَلَى ثَنِيّةٍ مِنْ الثّنَايَا مَعَهُ فُرْسَانٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ . قِفُوا حَتّى يَمْضِيَ ضُعَفَاؤُكُمْ تَلْتَمّ أُخْرَاكُمْ . وَقَالَ اُنْظُرُوا مَاذَا تَرَوْنَ . قَالُوا : نَرَى قَوْمًا عَلَى خُيُولِهِمْ وَاضِعِينَ رِمَاحَهُمْ عَلَى آذَانِ خُيُولِهِمْ . قَالَ أُولَئِكَ إخْوَانُكُمْ بَنُو سُلَيْمٍ ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ بَأْسٌ . اُنْظُرُوا مَاذَا تَرَوْنَ . قَالُوا : [ ص 917 ] نَرَى رِجَالًا أَكْفَالًا ، قَدْ وَضَعُوا رِمَاحَهُمْ عَلَى أَكْفَالِ خُيُولِهِمْ . قَالَ تِلْكَ الْخَزْرَجُ ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ بَأْسٌ وَهُمْ سَالِكُونَ طَرِيقَ إخْوَانِهِمْ . قَالَ اُنْظُرُوا مَاذَا تَرَوْنَ . قَالُوا : نَرَى أَقْوَامًا كَأَنّهُمْ الْأَصْنَامُ عَلَى الْخَيْلِ . قَالَ تِلْكَ كَعْبُ بْنُ لُؤَيّ ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكُمْ فَلَمّا غَشِيَتْهُ الْخَيْلُ نَزَلَ عَنْ فَرَسٍ مَخَافَةَ أَنْ يُؤْسَرَ ثُمّ طَفِقَ يَلُوذُ بِالشّجَرِ حَتّى سَلَكَ فِي يَسُومَ . جَبَلٌ بِأَعْلَى نَخْلَةَ ، فَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا . وَيُقَالُ قَالَ مَا تَرَوْنَ ؟ قَالُوا : نَرَى رَجُلًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ مُعْلِمًا بِعِصَابَةٍ صَفْرَاءَ يَخْبِطُ بِرِجْلَيْهِ فِي الْأَرْضِ وَاضِعًا رُمْحَهُ عَلَى عَاتِقِهِ . قَالَ ذَلِكَ ابْنُ صَفِيّةَ الزّبَيْر ، وَاَيْمُ اللّهِ لَيُزِيلَنّكُمْ عَنْ مَكَانِكُمْ فَلَمّا بَصُرَ بِهِمْ الزّبَيْرُ حَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتّى أَهْبَطَهُمْ مِنْ الثّنِيّةِ ، وَهَرَبَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ فَتَحَصّنَ فِي قَصْرٍ بِلِيّةَ . وَيُقَالُ دَخَلَ حِصْنَ ثَقِيفٍ . (1/917) وَذُكِرَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّ رَجُلًا كَانَ بِحُنَيْنٍ قَاتَلَ قِتَالًا شَدِيدًا حَتّى اشْتَدّ بِهِ الْجِرَاحُ . فَذُكِرَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مِنْ أَهْلِ النّارِ فَارْتَابَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ ذَلِكَ وَوَقَعَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا اللّهُ بِهِ عَلِيمٌ فَلَمّا اشْتَدّ بِهِ الْجِرَاحُ أَخَذَ مِشْقَصًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَانْتَحَرَ بِهِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ أَلَا لَا دَخَلَ الْجَنّةَ إلّا مُؤْمِنٌ وَأَنّ اللّهَ يُؤَيّدُ الدّينَ بِالرّجُلِ الْفَاجِر قَالُوا : وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْغَنَائِمِ تُجْمَعُ وَنَادَى مُنَادِيهِ [ ص 918 ] مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، فَلَا يَغُلّ وَجَعَلَ النّاسُ غَنَائِمَهُمْ فِي مَوْضِعٍ حَتّى اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهَا . وَكَانَ عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ دَخَلَ عَلَى زَوْجَتِهِ وَسَيْفُهُ مُتَلَطّخٌ دَمًا : فَقَالَتْ إنّي قَدْ عَلِمْت أَنّك قَدْ قَاتَلْت الْمُشْرِكِينَ فَمَاذَا أَصَبْت مِنْ غَنَائِمِهِمْ قَالَ هَذِهِ الْإِبْرَةَ تَخِيطِينَ بِهَا ثِيَابَك ، فَدَفَعَهَا إلَيْهَا . وَهِيَ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ . فَسَمِعَ مُنَادِيَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ الْمَغْنَمِ فَلْيَرُدّهُ . فَرَجَعَ عَقِيلٌ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا أَرَى إبْرَتَك إلّا قَدْ ذَهَبَتْ . فَأَلْقَاهَا فِي الْغَنَائِمِ . قَالَ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ أَنّ عَبْدَ اللّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيّ أَخَذَ يَوْمَئِذٍ قَوْسًا فَرَمَى عَلَيْهَا الْمُشْرِكِينَ ثُمّ رَدّهَا فِي الْمَغْنَمِ . (1/918) وَجَاءَ رَجُلٌ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِكُبّةِ شَعْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اضْرِبْ بِهَذِهِ أَيْ دَعْهَا لِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمّا مَا كَانَ لِي وَلِبَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَهُوَ لَك . وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا الْحَبْلُ وَجَدْته حَيْثُ انْهَزَمَ الْعَدُوّ فَأَشُدّ بِهِ عَلَى رَحْلِي ؟ قَالَ نَصِيبِي مِنْهُ لَك ، وَكَيْفَ تَصْنَعُ بِأَنْصِبَاءِ الْمُسْلِمِينَ ؟ قَالَ فَحَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ . عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ . أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَتَى النّاسَ عَامَ حُنَيْنٍ فِي قَبَائِلِهِمْ يَدْعُو لَهُمْ وَأَنّهُ نَزَلَ قَبِيلَةً مِنْ الْقَبَائِلِ وَجَدُوا فِي بَرْذَعَةِ رَجُلٍ مِنْهُمْ عِقْدًا مِنْ جَزَعٍ غُلُولًا ، فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 919 ] فَكَبّرَ عَلَيْهِمْ كَمَا يُكَبّرُ عَلَى الْمَيّتِ . (1/919) قَالَ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيّةَ . أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَدَ فِي رَحْلِ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ غُلُولًا فَبَكّتَهُ وَلَامَهُ . وَلَمْ يُعَاقِبْهُ وَلَمْ يَخْرِقْ رَحْلَهُ . قَالُوا : وَأَصَابَ الْمُسْلِمُونَ سَبَايَا يَوْمَئِذٍ فَكَانُوا يَكْرَهُونَ يَقَعُوا عَلَيْهِنّ وَلَهُنّ أَزْوَاجٌ فَسَأَلُوا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللّهُ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النّسَاءِ إِلّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ لَا تُوطَأُ حَامِلٌ مِنْ السّبْيِ حَتّى تَضَعَ حَمْلَهَا ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتّى تَحِيضَ حَيْضَةً وَسَأَلُوا النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ عَنْ الْعَزْلِ . فَقَالَ لَيْسَ مِنْ كُلّ الْمَاءِ يَكُونُ إلَى الْوَلَدِ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَخْلُقَ شَيْئًا لَمْ يَمْنَعْهُ شَيْءٌ . (1/919) قَالُوا : وَصَلّى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ يَوْمًا بِحُنَيْنٍ . ثُمّ تَنَحّى إلَى شَجَرَةٍ فَجَلَسَ إلَيْهَا ، فَقَامَ إلَيْهِ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ يَطْلُبُ بِدَمِ عَامِرِ بْنِ الْأَضْبَطِ الْأَشْجَعِيّ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيّدُ قُرَيْشٍ - وَمَعَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ . يَدْفَعُ عَنْ مُحَلّمِ بْنِ جَثّامَةَ لِمَكَانِهِ مِنْ خِنْدِفَ ، فَاخْتَصَمَا بَيْنَ يَدَيْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعُيَيْنَةُ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا وَاَللّهِ لَا أَدَعُهُ حَتّى أُدْخِلَ عَلَى نِسَائِهِ مِنْ الْحَرْبِ وَالْحَزَنِ مَا أَدْخَلَ عَلَى نِسَائِي . قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَأْخُذُ الدّيَةَ ؟ وَيَأْبَى عُيَيْنَةُ . فَارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ وَكَثُرَ اللّغَطُ إلَى أَنْ قَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ مُكَيْتَلٌ قَصِيرٌ مُجْتَمِعٌ عَلَيْهِ شِكّةٌ كَامِلَةٌ . وَدَرَقَةٌ فِي يَدِهِ - فَقَالَ يَا رَسُولَ [ ص 920 ] اللّهِ إنّي لَمْ أَجِدْ لِمَا فَعَلَ هَذَا شَبَهًا فِي غُرّةِ الْإِسْلَامِ إلّا غَنَمًا وَرَدَتْ فَرُمِيَتْ أُولَاهَا فَنَفَرَتْ أُخْرَاهَا ، فَاسْنُنْ الْيَوْمَ وَغَيّرْ غَدًا . فَرَفَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدَهُ فَقَالَ تَقْبَلُونَ الدّيَةَ خَمْسِينَ فِي فَوْرِنَا هَذَا وَخَمْسِينَ إذَا رَجَعْنَا الْمَدِينَةَ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقَوْمِ حَتّى قَبِلُوهَا . وَمُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ الْقَاتِلُ فِي طَرَفِ النّاسِ فَلَمْ يَزَالُوا يَرَوْنَهُ وَيَقُولُونَ ايتِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَغْفِرُ لَك . فَقَامَ مُحَلّمٌ فَقَامَ رَجُلٌ طَوِيلٌ آدَمُ مُحْمَرّ بِالْحِنّاءِ . عَلَيْهِ حُلّةٌ قَدْ كَانَ تَهَيّأَ فِيهَا لِلْقَتْلِ لِلْقِصَاصِ حَتّى جَلَسَ بَيْنَ يَدَيْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَيْنَاهُ تَدْمَعَانِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ كَانَ مِنْ الْأَمْرِ الّذِي بَلَغَكُمْ فَإِنّي أَتُوبُ إلَى اللّهِ تَعَالَى فَاسْتَغْفِرْ لِي . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا اسْمُك ؟ قَالَ أَنَا مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ . قَالَ قَتَلْته بِسِلَاحِك فِي غُرّةِ الْإِسْلَامِ اللّهُمّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلّمٍ بِصَوْتٍ عَالٍ يَتَفَقّدُ بِهِ النّاسَ . قَالَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ كَانَ الّذِي بَلَغَك وَإِنّي أَتُوبُ إلَى اللّهِ تَعَالَى فَاسْتَغْفِرْ لِي . فَعَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَوْتٍ عَالٍ يَتَفَقّدُ بِهِ النّاسَ اللّهُمّ لَا تَغْفِرْ لِمُحَلّمٍ حَتّى كَانَتْ الثّالِثَةُ . قَالَ فَعَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِمَقَالَتِهِ . ثُمّ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ فَقَامَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَهُوَ يَتَلَقّى دَمْعَهُ بِفَضْلِ رِدَائِهِ وَكَانَ ضَمْرَةُ [ ص 921 ] السّلَمِيّ يُحَدّثُ وَكَانَ قَدْ حَضَرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ قَالَ كُنّا نَتَحَدّثُ فِيمَا بَيْنَنَا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِاسْتِغْفَارٍ لَهُ وَلَكِنّهُ أَرَادَ أَنْ يُعْلِمَ قَدْرَ الدّمِ عِنْدَ اللّهِ . (1/920) قَالَ حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ ، قَالَ لَمّا مَاتَ مُحَلّمُ بْنُ جَثّامَةَ دَفَنَهُ قَوْمُهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ ثُمّ دَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ ثُمّ دَفَنُوهُ فَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَطَرَحُوهُ بَيْنَ صَخْرَتَيْنِ فَأَكَلَتْهُ السّبَاعُ . قَالَ حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ حَرْبٍ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ لُقْمَانَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ جَبَلَةَ ، قَالَ لَمّا حَضَرَ مُحَلّمَ بْنَ جَثّامَةَ الْمَوْتُ أَتَاهُ عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ ، فَقَالَ يَا مُحَلّمُ إنْ اسْتَطَعْت أَنْ تَرْجِعَ إلَيْنَا فَتُخْبِرَنَا بِمَا رَأَيْتُمْ وَلَقِيتُمْ . قَالَ فَأَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَامٍ أَوْ مَا شَاءَ اللّهُ فَقَالَ لَهُ كَيْفَ أَنْتُمْ يَا مُحَلّمُ ؟ قَالَ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَجَدْنَا رَبّا رَحِيمًا غَفَرَ لَنَا . قَالَ عَوْفٌ أَكُلّكُمْ ؟ قَالَ كُلّنَا غَيْرَ الْأَحْرَاضِ . قَالَ وَمَا الْأَحْرَاضُ ؟ قَالَ الّذِينَ يُشَارُ إلَيْهِمْ بِالْأَصَابِعِ . وَاَللّهِ مَا مِنْ شَيْءٍ اسْتَنْفَقَهُ اللّهُ لِي إلّا وَقَدْ وُفّيت أَجْرَهُ حَتّى إنّ قِطّةً لِأَهْلِي هَلَكَتْ فَلَقَدْ أُعْطِيت أَجْرَهَا . قَالَ عَوْفٌ فَقُلْت : وَاَللّهِ إنّ تَصْدِيقَ رُؤْيَايَ أَنْ أَنْطَلِقَ إلَى أَهْلِ مُحَلّمٍ فَأَسْأَلَهُمْ عَنْ هَذِهِ الْقِطّةِ . فَأَتَاهُمْ فَقَالَ عَوْفٌ يَسْتَأْذِنُ فَأَذِنُوا ، فَلَمّا دَخَلَ قَالُوا : وَاَللّهِ مَا كُنْت لَنَا بِزَوّارٍ قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ ؟ قَالُوا : نَحْنُ بِخَيْرٍ وَهَذِهِ بِنْتُ أَخِيك أَمْسَتْ وَلَيْسَ بِهَا بَأْسٌ وَهِيَ هَذِهِ لِمَا بِهَا ، وَلَقَدْ فَارَقَنَا أَبُوهَا اللّيْلَةَ قَالَ قُلْت : هَلْ هَلَكَتْ لَكُمْ قِطّةٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . [ قَالَ ] فَهَلْ حَسَسْتُمُوهَا [ ص 922 ] يَا عَوْفُ ؟ قَالَ أُنْبِئْت نَبَأَهَا فَاحْتَسِبُوهَا . قَالَ حَدّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ قَالَ رَأَيْت النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِحُنَيْنٍ يَتَخَلّلُ الرّجَالَ يَسْأَلُ عَنْ مَنْزِلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، وَأَنَا مَعَهُ فَأُتِيَ يَوْمَئِذٍ بِشَابّ فَأَمَرَ مَنْ عِنْدَهُ فَضَرَبُوهُ بِمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ وَحَثَا عَلَيْهِ التّرَابَ . (1/922) ==== تَسْمِيَةُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ بِحُنَيْنٍ أَيْمَنُ بْنُ عُبَيْدٍ وَهُوَ ابْنُ أُمّ أَيْمَنَ وَهُوَ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ . وَمَوَالِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَمِنْ الْأَنْصَارِ سُرَاقَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَرُقَيْمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ لُوذَانَ وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيّ أُصِيبَ بِأَوْطَاسٍ ; فَجَمِيعُ مَنْ قُتِلَ أَرْبَعَةٌ . (1/922) ↧↧ ====== |
1.سورة الاخلاص
110. ب مم.
· تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث❷ /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/❷عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث
Translate ***
15.موقع جادو
باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج طبيعة 1. / /طلبعة 3.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق