قُرِئَ
عَلَى ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ الثّلْجِيّ
قَالَ حَدّثَنَا الْوَاقِدِيّ ، قَالَ فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ
مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ
قَالَ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ ، وَسَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، وَعَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ ،
وَخَوّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ :
وَالْأَوّلُ أَثْبَتُ عِنْدَنَا . قَالُوا : وَنَجَمَ النّفَاقُ وَفَشِلَ النّاسُ وَعَظُمَ
الْبَلَاءُ وَاشْتَدّ الْخَوْفُ وَخِيفَ عَلَى الذّرَارِيّ وَالنّسَاءِ
وَكَانُوا كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ
وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ
وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُسْلِمُونَ وِجَاهَ
الْعَدُوّ لَا يَسْتَطِيعُونَ الزّوَالَ عَنْ مَكَانِهِمْ يَعْتَقِبُونَ
خَنْدَقَهُمْ وَيَحْرُسُونَهُ .
وَتَكَلّمَ قَوْمٌ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ فَقَالَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ : يَعِدُنَا مُحَمّدٌ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَأَحَدُنَا لَا [ ص 460 ] يَأْمَنُ أَنْ يَذْهَبَ إلَى حَاجَتِهِ وَمَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إلّا غُرُورًا فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي لَأَرْجُو أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ الْعَتِيق ِ وَآخُذَ الْمِفْتَاحَ وَلَيُهْلِكَن اللّهُ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَلَتُنْفَقَن أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ - يَقُولُ ذَلِكَ حِينَ رَأَى مَا بِالْمُسْلِمِينَ مِنْ الْكَرْبِ . فَسَمِعَهُ مُعَتّبٌ فَقَالَ مَا قَالَ . فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ الْفُضَيْلِ قَالَ هَمّتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَنْ يُغَيّرُوا عَلَى بَيْضَةِ الْمَدِينَةِ لَيْلًا ، فَأَرْسَلُوا حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ إلَى قُرَيْشٍ أَنْ يَأْتِيَهُمْ مِنْهُمْ أَلْفُ رَجُلٍ وَمِنْ غَطَفَانَ أَلْفٌ فَيُغِيرُوا بِهِمْ . فَجَاءَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ بِذَلِكَ فَعَظُمَ الْبَلَاءُ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَبْعَثُ سَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ الْأَشْهَلِيّ فِي مِائَتَيْ رَجُلٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ فِي ثَلَاثِمِائَةٍ يَحْرَسُونَ الْمَدِينَةَ وَيُظْهِرُونَ التّكْبِيرَ وَمَعَهُمْ خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا أَصْبَحُوا أَمّنُوا . فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ يَقُولُ لَقَدْ خِفْنَا عَلَى الذّرَارِيّ بِالْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ أَشَدّ [ مِنْ ] خَوْفِنَا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ ، وَلَقَدْ كُنْت أُوفِي عَلَى سَلْعٍ فَأَنْظُرُ إلَى بُيُوتِ الْمَدِينَةِ ، فَإِذَا رَأَيْتهمْ هَادِينَ حَمِدْت اللّهَ عَزّ وَجَلّ فَكَانَ مِمّا رَدّ اللّهُ بِهِ قُرَيْظَةَ عَمّا أَرَادُوا أَنّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ تُحْرَسُ . حَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ خَوّاتٍ عَنْ ابْنِ كَعْبٍ قَالَ قَالَ خَوّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ : دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ مُحَاصِرُو الْخَنْدَقِ ، فَقَالَ انْطَلِقْ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَانْظُرْ هَلْ تَرَى لَهُمْ غُرّةً أَوْ خَلَلًا مِنْ مَوْضِعٍ فَتُخْبِرُنِي . قَالَ فَخَرَجْت مِنْ عِنْدِهِ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ فَتَدَلّيْت مِنْ سَلْعٍ وَغَرَبَتْ [ ص 461 ] لِي الشّمْسُ فَصَلّيْت الْمَغْرِبَ ثُمّ خَرَجْت حَتّى أَخَذْت فِي رَاتِجٍ ، ثُمّ عَلَى عَبْدِ الْأَشْهَلِ ، ثُمّ فِي زُهْرَةَ ، ثُمّ عَلَى بُعَاثَ . فَلَمّا دَنَوْت مِنْ الْقَوْمِ قُلْت : أَكْمُنُ لَهُمْ . فَكَمَنْت وَرَمَقْت الْحُصُونَ سَاعَةً ثُمّ ذَهَبَ بِي النّوْمُ فَلَمْ أَشْعُرْ إلّا بِرَجُلٍ قَدْ احْتَمَلَنِي وَأَنَا نَائِمٌ فَوَضَعَنِي عَلَى عُنُقِهِ ثُمّ انْطَلَقَ يَمْشِي . قَالَ فَفَزِعْت وَرَجُلٌ يَمْشِي بِي عَلَى عَاتِقِهِ فَعَرَفْت أَنّهُ طَلِيعَةٌ مِنْ قُرَيْظَةَ وَاسْتَحْيَيْت تِلْكَ السّاعَةَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِيَاءً شَدِيدًا ، حَيْثُ ضَيّعْت ثَغْرًا أَمَرَنِي بِهِ ثُمّ ذَكَرْت غَلَبَةَ النّوْمِ . قَالَ وَالرّجُلُ يُرْقَلُ بِي إلَى حُصُونِهِمْ فَتَكَلّمَ بِالْيَهُودِيّةِ فَعَرَفْته ، قَالَ أَبْشِرْ بِجَزْرَةٍ سَمِينَةٍ قَالَ وَذَكَرْت وَجَعَلْت أَضْرِبُ بِيَدِي - وَعَهْدِي بِهِمْ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَبَدًا إلّا بِمِعْوَلٍ فِي وَسَطِهِ . قَالَ فَأَضَعُ يَدِي عَلَى الْمِعْوَلِ فَأَنْتَزِعُهُ وَشُغِلَ بِكَلَامِ رَجُلٍ مِنْ فَوْقِ الْحِصْنِ فَانْتَزَعْته فَوَجَأْت بِهِ كَبِدَهُ فَاسْتَرْخَى وَصَاحَ السّبُعُ فَأَوْقَدَتْ الْيَهُودُ النّارَ عَلَى آطَامِهَا بِشُعَلِ السّعَفِ . وَوَقَعَ مَيّتًا وَانْكَشَفَ فَكُنْت لَا أُدْرَكُ وَأَقْبَلَ مِنْ طَرِيقِي الّتِي جِئْت مِنْهَا . وَجَاءَ جِبْرِيلُ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ظَفِرْت يَا خَوّاتُ ثُمّ خَرَجَ فَأَخْبَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ كَانَ مِنْ أَمْرِ خَوّاتٍ كَذَا وَكَذَا . وَآتِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَتَحَدّثُونَ فَلَمّا رَآنِي قَالَ أَفْلَحَ وَجْهُك قُلْت : وَوَجْهُك يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ أَخْبِرْنِي خَبَرَك . فَأَخْبَرْته ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَكَذَا أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ . وَقَالَ الْقَوْمُ هَكَذَا حَدّثَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ خَوّاتٌ فَكَانَ لَيْلُنَا بِالْخَنْدَقِ نَهَارًا . قَالَ غَيْرُ صَالِحٍ قَالَ خَوّاتٌ رَأَيْتنِي [ ص 462 ] وَأَنَا أَتَذَكّرُ سُوءَ أَثَرِي عِنْدَهُمْ بَعْدَ مُمَالَحَةٍ وَخِلْصِيّةٍ مِنّي لَهُمْ فَقُلْت : هُمْ يُمَثّلُونَ بِي كُلّ الْمَثْلَ حَتّى ذَكَرْت الْمِعْوَلَ . حَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ خَرَجَ نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ لَيْلَةً مِنْ حِصْنِهِمْ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ ، وَمَعَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ مِنْ أَشِدّائِهِمْ وَهُمْ يَقُولُونَ عَسَى أَنْ نُصِيبَ مِنْهُمْ غُرّةً . فَانْتَهَوْا إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ ، فَيَجِدُونَ نَفَرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ فَنَاهَضُوهُمْ فَرَامُوهُمْ سَاعَةً بِالنّبْلِ ثُمّ انْكَشَفَ الْقُرَيْظِيّونَ مُوَلّينَ . وَبَلَغَ سَلَمَةَ بْنَ أَسْلَمَ وَهُمْ بِنَاحِيَةِ بَنِي حَارِثَةَ ، فَأَقْبَلَ فِي أَصْحَابِهِ حَتّى انْتَهَوْا إلَى حُصُونِهِمْ فَجَعَلُوا يُطِيفُونَ بِحُصُونِهِمْ حَتّى خَافَتْ الْيَهُودُ ، وَأَوْقَدُوا النّيرَانَ عَلَى آطَامِهِمْ وَقَالُوا : الْبَيَاتَ وَهَدَمُوا قَرْنَيْ بِئْرٍ لَهُمْ وَهَوّرُوهَا عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا يَطْلُعُوا مِنْ حِصْنِهِمْ وَخَافُوا خَوْفًا شَدِيدًا . (1/460) وَحَدّثَنِي شَيْخٌ مِنْ قُرَيْش ٍ ، قَالَ ابْنُ أَبِي الزّنَادِ وَابْنُ جَعْفَرٍ هَذَا أَثْبَتُ مِنْ الّذِي فِي أُحُدٍ ، قَالَ كَانَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ رَجُلًا جَبَانًا ، فَكَانَ قَدْ رُفِعَ مَعَ النّسَاءِ فِي الْآطَامِ فَكَانَتْ صَفِيّةُ فِي أُطُمِ فَارِعٍ ، وَمَعَهَا جَمَاعَةٌ وَحَسّانُ مَعَهُمْ . فَأَقْبَلَ عَشَرَةٌ مِنْ الْيَهُودِ وَرَأْسُهُمْ غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ نَهَارًا ، فَجَعَلُوا يَنْقَمِعُونَ وَيَرْمُونَ الْحِصْنَ فَقَالَتْ صَفِيّةُ لِحَسّانَ دُونَك يَا أَبَا الْوَلِيدِ قَالَ لَا وَاَللّهِ لَا أُعَرّضُ نَفْسِي لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ . وَدَنَا أَحَدُهُمْ إلَى بَابِ الْحِصْنِ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ فَاحْتَجَزَتْ صَفِيّةُ بِثَوْبِهَا ، ثُمّ [ ص 463 ] أَخَذَتْ خَشَبَةً فَنَزَلَتْ إلَيْهِ فَضَرَبَتْهُ ضَرْبَةً شَدَخَتْ رَأْسَهُ فَقَتَلَتْهُ فَهَرَبَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ . وَاجْتَمَعَتْ بَنُو حَارِثَةَ فَبَعَثَ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ; وَلَيْسَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ مِثْلَ دَارِنَا ، لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ غَطَفَانَ أَحَدٌ يَرُدّهُمْ عَنّا ، فَأْذَنْ لَنَا فَلْنَرْجِعْ إلَى دُورِنَا فَنَمْنَعْ ذَرَارِيّنَا وَنِسَاءَنَا . فَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجَعُوا بِذَلِكَ وَتَهَيّئُوا لِلِانْصِرَافِ . فَبَلَغَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ ، فَجَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا تَأْذَنْ لَهُمْ إنّا وَاَللّهِ مَا أَصَابَنَا وَإِيّاهُمْ شِدّةٌ قَطّ إلّا صَنَعُوا هَكَذَا . ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ لِبَنِي حَارِثَةَ هَذَا لَنَا مِنْكُمْ أَبَدًا ، مَا أَصَابَنَا وَإِيّاكُمْ شِدّةٌ إلّا صَنَعْتُمْ هَكَذَا . فَرَدّهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَقُولُ لَقَدْ رَأَيْت لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ لَيْلَةً وَنَحْنُ بِالْخَنْدَقِ لَا أَزَالُ أُحِبّهُ أَبَدًا . قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخْتَلِفُ إلَى ثُلْمَةٍ فِي الْخَنْدَقِ يَحْرُسُهَا ، حَتّى إذَا آذَاهُ الْبَرْدُ جَاءَنِي فَأَدْفَأْته فِي حِضْنِي ، فَإِذَا دَفِئَ خَرَجَ إلَى تِلْكَ الثّلْمَةِ يَحْرُسُهَا وَيَقُولُ مَا أَخْشَى أَنْ يُؤْتَى النّاسُ إلّا مِنْهَا . فَبَيْنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي حِضْنِي قَدْ دَفِئَ وَهُوَ يَقُولُ لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا يَحْرُسُنِي قَالَتْ إلَى أَنْ سَمِعْت صَوْتَ السّلَاحِ وَقَعْقَعَةَ الْحَدِيدِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . قَالَ عَلَيْك بِهَذِهِ الثّلْمَةِ فَاحْرُسْهَا . قَالَتْ وَنَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى سَمِعْت غَطِيطَهُ . قَالَ الْوَاقِدِيّ : حَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ [ ص 464 ] بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ كُنْت مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْخَنْدَقِ فَلَمْ أُفَارِقْهُ مَقَامَهُ كُلّهُ وَكَانَ يَحْرُسُ بِنَفْسِهِ فِي الْخَنْدَقِ ، وَكُنّا فِي قُرّ شَدِيدٍ فَإِنّي لَأَنْظُرُ إلَيْهِ قَامَ فَصَلّى مَا شَاءَ اللّهُ أَنْ يُصَلّيَ فِي قُبّتِهِ ثُمّ خَرَجَ فَنَظَرَ سَاعَةً فَأَسْمَعُهُ يَقُولُ هَذِهِ خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ تُطِيفُ بِالْخَنْدَقِ مَنْ لَهُمْ ؟ ثُمّ نَادَى : يَا عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ . فَقَالَ عَبّادٌ لَبّيْكَ قَالَ أَمَعَك أَحَدٌ ؟ قَالَ نَعَمْ أَنَا فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِي كُنّا حَوْلَ قُبّتِك . قَالَ فَانْطَلِقْ فِي أَصْحَابِك فَأَطِفْ بِالْخَنْدَقِ فَهَذِهِ خَيْلٌ مِنْ خَيْلِهِمْ تُطِيفُ بِكُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يُصِيبُوا مِنْكُمْ غُرّةً . اللّهُمّ ادْفَعْ عَنّا شَرّهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ وَاغْلِبْهُمْ لَا يَغْلِبُهُمْ غَيْرُك فَخَرَجَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فِي أَصْحَابِهِ فَإِذَا بِأَبِي سُفْيَانَ فِي خَيْلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يُطِيفُونَ بِمَضِيقِ الْخَنْدَقِ . وَقَدْ نَذَرَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَالنّبْلِ . فَوَقَفْنَا مَعَهُمْ فَرَمَيْنَاهُمْ حَتّى أَذْلَقْنَاهُمْ بِالرّمْيِ فَانْكَشَفُوا رَاجِعِينَ إلَى مَنْزِلِهِمْ . وَرَجَعْت إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَجِدُهُ يُصَلّي فَأَخْبَرْته . قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ فَنَامَ حَتّى سَمِعْت غَطِيطَهُ فَمَا تَحَرّكَ حَتّى سَمِعْت بِلَالًا يُؤَذّنُ بِالصّبْحِ وَبَيَاضِ الْفَجْرِ فَخَرَجَ فَصَلّى بِالْمُسْلِمِينَ . فَكَانَتْ تَقُولُ يَرْحَمُ اللّهُ عَبّادَ بْنَ بِشْرٍ فَإِنّهُ كَانَ أَلْزَمَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِقُبّةِ رَسُولِ اللّهِ يَحْرُسُهَا أَبَدًا . فَحَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ النّعْمَانِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ يَحْرُسُ الْخَنْدَقَ فِي أَصْحَابِهِ فَانْتَهَوْا إلَى مَكَانٍ مِنْ الْخَنْدَقِ تَطْفُرُهُ الْخَيْلُ [ ص 465 ] فَإِذَا طَلِيعَةٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِائَةُ فَارِسٍ أَوْ نَحْوُهَا ، عَلَيْهِمْ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُرِيدُونَ أَنْ يُغَيّرُوا إلَى الْمُسْلِمِينَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ عَلَيْهَا بِأَصْحَابِهِ فَرَمَوْهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَالنّبْلِ حَتّى أَجْهَضُوا عَنّا وَوَلّوْا . وَكَانَ فِي الْمُسْلِمِينَ تِلْكَ اللّيْلَةَ سَلْمَانُ الْفَارِسِيّ ، فَقَالَ لِأُسَيْدٍ إنّ هَذَا مَكَانٌ مِنْ الْخَنْدَقِ مُتَقَارِبٌ وَنَحْنُ نَخَافُ تَطْفُرَهُ خَيْلُهُمْ - وَكَانَ النّاسُ عَجِلُوا فِي حَفْرِهِ . وَبَادَرُوا فَبَاتُوا يُوَسّعُونَهُ حَتّى صَارَ كَهَيْئَةِ الْخَنْدَقِ وَأَمّنُوا أَنْ تَطْفُرَهُ خَيْلُهُمْ . وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَنَاوَبُونَ الْحِرَاسَةَ وَكَانُوا فِي قُرّ شَدِيدٍ وَجُوعٍ . فَحَدّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَتِيقٍ السّلَمِيّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتنِي أَحْرُسُ الْخَنْدَقَ ، وَخَيْلُ الْمُشْرِكِينَ تُطِيفُ بِالْخَنْدَقِ وَتَطْلُبُ غُرّةً وَمُضِيقًا مِنْ الْخَنْدَقِ فَتَقْتَحِمُ فِيهِ وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ هُمَا اللّذَانِ يَفْعَلَانِ ذَلِكَ يَطْلُبَانِ الْغَفْلَةَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . فَلَقِينَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فِي مِائَةِ فَارِسٍ ، قَدْ جَالَ بِخَيْلِهِ يُرِيدُ مَضِيقًا مِنْ الْخَنْدَقِ يُرِيدُ أَنْ يَعْبُرَ فُرْسَانُهُ فَنَضَحْنَاهُمْ بِالنّبْلِ حَتّى انْصَرَفَ . فَحَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَقْبَلَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ تِلْكَ اللّيْلَةَ فِي مِائَةِ فَارِسٍ ، فَأَقْبَلُوا مِنْ الْعَقِيقِ حَتّى وَقَفُوا بِالْمُذَادِ وِجَاهَ قُبّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَنَذِرْت بِالْقَوْمِ فَقُلْت لِعَبّادِ بْنِ بِشْرٍ وَكَانَ عَلَى حَرَسِ قُبّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ قَائِمًا يُصَلّي ، فَقُلْت : أَتَيْت فَرَكَعَ ثُمّ سَجَدَ وَأَقْبَلَ خَالِدٌ فِي ثَلَاثَةِ نَفَرٍ هُوَ رَابِعُهُمْ فَأَسْمَعُهُمْ يَقُولُونَ هَذِهِ قُبّةُ مُحَمّدٍ ارْمُوا فَرَمَوْا ، فَنَاهَضْنَاهُمْ حَتّى وَقَفْنَا عَلَى شَفِيرِ الْخَنْدَقِ ، وَهُمْ بِشَفِيرِ الْخَنْدَقِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ [ ص 466 ] فَتَرَامَيْنَا ، وَثَابَ إلَيْنَا أَصْحَابُنَا ، وَثَابَ إلَيْهِمْ أَصْحَابُهُمْ وَكَثُرَتْ الْجِرَاحَةُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ . ثُمّ اتّبَعُوا الْخَنْدَقَ عَلَى حَافّتَيْهِ وَتَبِعْنَاهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى مَحَارِسِهِمْ فَكُلّمَا نَمُرّ بِمَحْرِسٍ نَهَضَ مَعَنَا طَائِفَةٌ وَثَبَتَ طَائِفَةٌ حَتّى انْتَهَيْنَا إلَى رَاتِجٍ فَوَقَفُوا وَقْفَةً طَوِيلَةً وَهُمْ يَنْتَظِرُونَ قُرَيْظَةَ يُرِيدُونَ أَنْ يُغِيرُوا عَلَى بَيْضَةِ الْمَدِينَةِ ، فَمَا شَعَرْنَا إلّا بِخَيْلِ سَلَمَةَ بْنِ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ يَحْرُسُ فَيَأْتُونَ مِنْ خَلْفِ رَاتِجٍ ، فَلَاقَوْا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ فَاقْتَتَلُوا وَاخْتَلَطُوا ، فَمَا كَانَ إلّا حَلْبُ شَاةٍ حَتّى نَظَرْت إلَى خَيْلِ خَالِدٍ مُوَلّيَةً وَتَبِعَهُ سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ حَتّى رَدّهُ مِنْ حَيْثُ جَاءَ . فَأَصْبَحَ خَالِدٌ وَقُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ تَزِرِي عَلَيْهِ وَتَقُولُ مَا صَنَعْت شَيْئًا فِيمَنْ فِي الْخَنْدَقِ وَلَا فِيمَنْ أَصْحَرَ لَك . فَقَالَ خَالِدٌ أَنَا أَقْعُدُ اللّيْلَةَ وَابْعَثُوا خَيْلًا حَتّى أَنْظُرُ أَيّ شَيْءٍ تَصْنَعُ . (1/463) فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ أَبِي عَوْنٍ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ وَاَللّهِ إنّي لَفِي جَوْفِ اللّيْلِ فِي قُبّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ نَائِمٌ إلَى أَنْ سَمِعْت الْهَيْعَةَ وَقَائِلٌ يَقُولُ يَا خَيْلَ اللّهِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَعَلَ شِعَارَ الْمُهَاجِرِينَ « يَا خَيْلَ اللّهِ » فَفَزِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِصَوْتِهِ فَخَرَجَ مِنْ الْقُبّةِ فَإِذَا نَفَرٌ مِنْ الصّحَابَةِ عِنْدَ قُبّتِهِ يَحْرُسُونَهَا ، مِنْهُمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَ مَا بَالُ النّاسِ ؟ قَالَ عَبّادٌ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا صَوْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، اللّيْلَةَ نَوْبَتُهُ يُنَادِي : « يَا خَيْلَ اللّهِ » وَالنّاسُ يَثُوبُونَ إلَيْهِ وَهُوَ مِنْ نَاحِيَةِ حُسَيْكَةَ مَا بَيْنَ ذُبَابٍ وَمَسْجِدِ الْفَتْحِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 467 ] لِعَبّادِ بْنِ بِشْرٍ اذْهَبْ فَانْظُرْ ثُمّ ارْجِعْ إلَيّ إنْ شَاءَ اللّه فَأَخْبِرْنِي قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ فَقُمْت عَلَى بَابِ الْقُبّةِ أَسْمَعُ كُلّ مَا يَتَكَلّمَانِ بِهِ . قَالَتْ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمًا حَتّى جَاءَهُ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ فِي خَيْلِ الْمُشْرِكِينَ مَعَهُ مَسْعُودُ بْنُ رُخْيَةَ بْنِ نُوَيْرَةَ بْنِ طَرِيفِ بْنِ سُحْمَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ خَلَاوَةَ بْنِ أَشْجَعَ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، فِي خَيْلِ غَطَفَانَ ، وَالْمُسْلِمُونَ يُرَامُونَهُمْ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ . قَالَتْ فَدَخَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَمِغْفَرَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ وَخَرَجَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ حَتّى أَتَى تِلْكَ الثّغْرَةَ فَلَمْ يَلْبَث أَنْ رَجَعَ وَهُوَ مَسْرُورٌ فَقَالَ صَرَفَهُمْ اللّهُ وَقَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ الْجِرَاحَةُ . قَالَتْ فَنَامَ حَتّى سَمِعْت غَطِيطَهُ وَسَمِعْت هَائِعَةً أُخْرَى ، فَفَزِعَ فَوَثَبَ فَصَاحَ يَا عَبّادُ بْنَ بِشْرٍ قَالَ لَبّيْكَ قَالَ اُنْظُرْ مَا هَذَا . فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ هَذَا ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ فِي خَيْلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَعَهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ فِي خَيْلِ غَطَفَانَ عِنْدَ جَبَلِ بَنِي عُبَيْدٍ ، وَالْمُسْلِمُونَ يُرَامُونَهُمْ بِالْحِجَارَةِ وَالنّبْلِ . فَعَادَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَبِسَ دِرْعَهُ وَرَكِبَ فَرَسَهُ ثُمّ خَرَجَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ إلَى تِلْكَ الثّغْرَةِ فَلَمْ يَأْتِنَا حَتّى كَانَ السّحَرُ فَرَجَعَ وَهُوَ يَقُولُ رَجَعُوا مَفْلُولِينَ قَدْ كَثُرَتْ فِيهِمْ الْجِرَاحَةُ . ثُمّ صَلّى بِأَصْحَابِهِ الصّبْحَ وَجَلَسَ . فَكَانَتْ أُمّ سَلَمَةَ تَقُولُ قَدْ شَهِدْت مَعَهُ مَشَاهِدَ فِيهَا قِتَالٌ وَخَوْفٌ - الْمُرَيْسِيعَ ، وَخَيْبَر َ ، وَكُنّا بِالْحُدَيْبِيَةِ . وَفِي الْفَتْحِ ، وُحَنَيْنٍ - لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ أَتْعَبُ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا أَخْوَفُ عِنْدَنَا مِنْ الْخَنْدَقِ . وَذَلِكَ أَنّ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ وَأَنّ قُرَيْظَةَ لَا نَأْمَنُهَا عَلَى الذّرَارِيّ وَالْمَدِينَةُ تُحْرَسُ حَتّى الصّبَاحِ يُسْمَعُ تَكْبِيرُ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا حَتّى يُصْبِحُوا [ ص 468 ] خَوْفًا ، حَتّى رَدّهُمْ اللّهُ بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا [ وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ] . حَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ كُنّا حَوْلَ قُبّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْرُسُهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَائِمٌ نَسْمَعُ غَطِيطَهُ إذْ وَافَتْ أَفْرَاسٌ عَلَى سَلْعٍ ، فَبَصُرَ بِهِمْ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ فَأَخْبَرَنَا بِهِمْ قَالَ فَأَمْضَى إلَى الْخَيْلِ وَقَامَ عَبّادٌ عَلَى بَابِ قُبّةِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ آخِذًا بِقَائِمِ السّيْفِ يَنْظُرُنِي ، فَرَجَعْت فَقُلْت : خَيْلُ الْمُسْلِمِينَ أَشْرَفَتْ عَلَيْهَا سَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشٍ فَرَجَعْت إلَى مَوْضِعِنَا . ثُمّ يَقُولُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ كَانَ لَيْلُنَا بِالْخَنْدَقِ نَهَارًا حَتّى فَرّجَهُ اللّهُ . (1/467) حَدّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ جَابِرٍ وَحَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ كَانَ خَوْفُنَا عَلَى الذّرَارِيّ بِالْمَدِينَةِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ أَشَدّ مِنْ خَوْفِنَا مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى فَرّجَ اللّهُ ذَلِكَ . قَالُوا : فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَتَنَاوَبُونَ بَيْنَهُمْ فَيَغْدُو أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ فِي أَصْحَابِهِ يَوْمًا ، وَيَغْدُو هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ يَوْمًا ، وَيَغْدُو عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ يَوْمًا ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ يَوْمًا ، فَلَا يَزَالُونَ يُجِيلُونَ خَيْلَهُمْ مَا بَيْنَ الْمَذَادِ إلَى رَاتِجٍ ، وَهُمْ فِي نَشَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِمْ يَتَفَرّقُونَ مَرّةً وَيَجْتَمِعُونَ أُخْرَى ، حَتّى عَظُمَ الْبَلَاءُ وَخَافَ النّاسُ خَوْفًا شَدِيدًا . وَيُقَدّمُونَ رُمَاتَهُمْ - وَكَانَ مَعَهُمْ رُمَاةٌ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ وَأَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ [ ص 469 ] أَفْنَاءِ الْعَرَبِ - فَعَمَدُوا يَوْمًا مِنْ ذَلِكَ فَتَنَاوَشُوا بِالنّبْلِ سَاعَةً وَهُمْ جَمِيعًا فِي وَجْهٍ وَاحِدٍ وِجَاهَ قُبّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ عَلَيْهِ الدّرْعُ وَالْمِغْفَرُ وَيُقَالُ عَلَى فَرَسِهِ . فَيَرْمِي حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ بِسَهْمٍ فَأَصَابَ أَكْحَلَهُ فَقَالَ خُذْهَا وَأَنَا ابْنُ الْعَرِقَةِ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرّقَ اللّهُ وَجْهَك فِي النّارِ وَيُقَال أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ رَمَاهُ وَكَانَ دَارِعًا . فَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَقُولُ كُنّا فِي أُطُمِ بَنِي حَارِثَةَ قَبْلَ الْحِجَابِ وَمَعَنَا أُمّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فَمَرّ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهِ رَدْعٌ خَلُوقٌ مَا رَأَيْت أَحَدًا فِي الْخَلُوقِ مِثْلَهُ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ لَهُ مُشْمِرَةٌ عَنْ ذِرَاعَيْهِ وَاَللّهِ إنّي لَأَخَافُ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مِنْ تَشْمِيرَةِ دِرْعِهِ مَا أَصَابَهُ فَمَرّ يُرَفّلُ فِي يَدِهِ الْحَرْبَةِ وَهُوَ يَقُولُ لَبِثَ قَلِيلًا يُدْرِكُ الْهَيْجَا حَمَلْ مَا أَحَسَنَ الْمَوْتَ إذَا حَانَ الْأَجَلْ وَأُمّهُ تَقُولُ الْحَقْ بِرَسُولِ اللّهِ يَا بُنَيّ وَقَدْ وَاَللّهِ تَأَخّرْت ، فَقُلْت : وَاَللّهِ يَا أُمّ سَعْدٍ لَوَدِدْت أَنّ دِرْعَ سَعْدٍ أَسْبَغُ عَلَى بَنَانِهِ . قَالَتْ أُمّ سَعْدٍ يَقْضِي اللّهُ مَا هُوَ قَاضٍ فَقَضَى لَهُ أَنْ أُصِيبَ يَوْمَئِذٍ وَلَقَدْ جَاءَ الْخَبَرُ بِأَنّهُ قَدْ رُمِيَ تَقُولُ أُمّهُ وَا جَبَلَاهُ [ ص 470 ] ثُمّ إنّ رُؤَسَاءَهُمْ أَجَمَعُوا أَنْ يَغْدُوَا جَمِيعًا ، فَغَدَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ ، وَعِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِيّ ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَنَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الدّيلِيّ ، فِي عِدّةٍ فَجَعَلُوا يُطِيفُونَ بِالْخَنْدَقِ وَمَعَهُ رُؤَسَاءُ غَطَفَانَ - عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَمَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ وَالْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ ; وَمِنْ سُلَيْمٍ رُؤَسَاؤُهُمْ وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ . وَتَرَكُوا الرّجَالَ مِنْهُمْ خُلُوفًا ، يَطْلُبُونَ مُضِيقًا يُرِيدُونَ يَقْتَحِمُونَ خَيْلَهُمْ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابِهِ فَانْتَهَوْا إلَى مَكَانٍ قَدْ أَغْفَلَهُ الْمُسْلِمُونَ فَجَعَلُوا يُكْرِهُونَ خَيْلَهُمْ وَيَقُولُونَ هَذِهِ الْمَكِيدَةُ مَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَصْنَعُهَا وَلَا تَكِيدُهَا . قَالُوا : إنّ مَعَهُ رَجُلًا فَارِسِيّا ، فَهُوَ الّذِي أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا . قَالُوا : فَمَنْ هُنَاكَ إذًا ؟ فَعَبَرَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ وَضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَقَامَ سَائِرُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ وَرَاءِ الْخَنْدَقِ لَا يَعْبُرُونَ وَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ أَلَا تَعْبُرُ ؟ قَالَ قَدْ عَبَرْتُمْ فَإِنْ احْتَجْتُمْ إلَيْنَا عَبَرْنَا . فَجَعَلَ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ يَدْعُو إلَى الْبِرَازِ وَيَقُولُ وَلَقَدْ بُحِحْتُ مِنْ النّدَا ءِ لِجَمْعِكُمْ هَلْ مِنْ مُبَارِزْ وَعَمْرٌو يَوْمَئِذٍ ثَائِرٌ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا فَارْتُثّ جَرِيحًا فَلَمْ يَشْهَدْ أُحُدًا ، وَحَرّمَ الدّهْنَ حَتّى يَثْأَرَ مِنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ كَبِيرٌ - يُقَالُ بَلَغَ تِسْعِينَ سَنَةً . فَلَمّا دَعَا إلَى الْبِرَازِ قَالَ عَلِيّ - عَلَيْهِ السّلَامُ - أَنَا أُبَارِزُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ ثَلَاثَ مَرّاتٍ . وَإِنّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ كَأَنّ عَلَى رُءُوسِهِمْ الطّيْرُ لِمَكَانِ [ ص 471 ] عَمْرٍو وَشَجَاعَتِهِ . فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيْفَهُ . وَعَمّمَهُ وَقَالَ اللّهُمّ أَعِنْهُ عَلَيْهِ قَالَ وَأَقْبَلَ عَمْرٌو يَوْمَئِذٍ وَهُوَ فَارِسٌ وَعَلِيّ رَاجِلٌ فَقَالَ لَهُ عَلِيّ - عَلَيْهِ السّلَامُ - « إنّك كُنْت تَقُولُ فِي الْجَاهِلِيّةِ لَا يَدْعُونِي أَحَدٌ إلَى وَاحِدَةٍ مِنْ ثَلَاثٍ إلّا قَبِلْتهَا » قَالَ « أَجَلْ » قَالَ عَلِيّ : « فَإِنّي أَدْعُوك أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ وَأَنّ مُحَمّدًا رَسُولُ اللّهِ وَتُسْلِمَ لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ » . قَالَ يَا ابْنَ أَخِي ، أَخّرْ هَذَا عَنّي . قَالَ فَأُخْرَى ، تَرْجِعُ إلَى بِلَادِك ، فَإِنْ يَكُنْ مُحَمّدٌ صَادِقًا كُنْت أَسْعَدَ [ النّاسِ ] بِهِ وَإِنْ غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ الّذِي تُرِيدُ . قَالَ هَذَا مَا لَا تَتَحَدّثُ بِهِ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَبَدًا ، وَقَدْ نَذَرْت مَا نَذَرْت وَحَرّمْت الدّهْنَ . قَالَ فَالثّالِثَةُ ؟ قَالَ الْبِرَازُ . قَالَ فَضَحِكَ عَمْرٌو ثُمّ قَالَ إنّ هَذِهِ الْخَصْلَةُ مَا كُنْت أَظُنّ أَنّ أَحَدًا مِنْ الْعَرَبِ يُرَوّمُنِي عَلَيْهَا إنّي لَأَكْرَهُ أَنْ أَقْتُلَ مِثْلَك ، وَكَانَ أَبُوك لِي نَدِيمًا ، فَارْجِعْ فَأَنْتَ غُلَامٌ حَدَثٌ إنّمَا أَرَدْت شَيْخَيْ قُرَيْشٍ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ . قَالَ فَقَالَ عَلِيّ - عَلَيْهِ السّلَامُ - فَإِنّي أَدْعُوك إلَى الْمُبَارَزَةِ فَأَنَا أُحِبّ أَنْ أَقْتُلَك . فَأَسِفَ عَمْرٌو وَنَزَلَ وَعَقَلَ فَرَسَهُ . فَكَانَ جَابِرٌ يُحَدّثُ يَقُولُ فَدَنَا أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَثَارَتْ بَيْنَهُمَا غَبَرَةٌ فَمَا نَرَاهُمَا ، فَسَمِعْنَا التّكْبِيرَ تَحْتَهَا فَعَرَفْنَا أَنّ عَلِيّا قَتَلَهُ . فَانْكَشَفَ أَصْحَابُهُ الّذِينَ فِي الْخَنْدَقِ هَارِبِينَ وَطَفَرَتْ بِهِمْ خَيْلُهُمْ إلّا أَنّ نَوْفَلَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ وَقَعَ بِهِ فَرَسُهُ فِي الْخَنْدَقِ ، فَرُمِيَ بِالْحِجَارَةِ حَتّى قُتِلَ . وَرَجَعُوا هَارِبِينَ وَخَرَجَ فِي أَثَرِهِمْ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَنَاوَشُوهُمْ سَاعَةً . وَحَمَلَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بِالرّمْحِ حَتّى إذَا وَجَدَ عُمَرُ مَسّ الرّمْحِ رَفَعَهُ عَنْهُ وَقَالَ هَذِهِ نِعْمَةٌ مَشْكُورَةٌ فَاحْفَظْهَا يَا ابْنَ الْخَطّابِ إنّي قَدْ كُنْت حَلَفْت لَا تُمَكّنَنِي يَدَايَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَبَدًا . فَانْصَرَفَ ضِرَارٌ رَاجِعًا إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَهُمْ قِيَامٌ عِنْدَ جَبَلِ بَنِي عُبَيْدٍ . [ ص 472 ] وَيُقَالُ حَمَلَ الزّبَيْرُ عَلَى نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بِالسّيْفِ حَتّى شَقّهُ بِاثْنَيْنِ وَقُطِعَ أَنَدُوجُ سَرْجِهِ - وَالْأُنْدُوجُ اللّبْدُ الّذِي يَكُونُ تَحْتَ السّرْجِ - وَيُقَالُ إلَى كَاهِلِ الْفَرَسِ . فَقِيلَ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ مَا رَأَيْنَا سَيْفًا مِثْلَ سَيْفِك فَيَقُولُ وَاَللّهِ مَا هُوَ بِالسّيْفِ وَلَكِنّهَا السّاعِدُ . وَهَرَبَ عِكْرِمَةُ وَهُبَيْرَةُ فَلَحِقَا بِأَبِي سُفْيَانَ وَحَمَلَ الزّبَيْرُ عَلَى هُبَيْرَةَ فَضَرَبَ ثُفْرَ فَرَسِهِ فَقَطَعَ ثُفْرَ فَرَسِهِ وَسَقَطَتْ دِرْعٌ كَانَ مُحْقِبَهَا الْفَرَسَ ، فَأَخَذَ الزّبَيْرُ الدّرْعَ وَفَرّ عِكْرِمَةُ وَأَلْقَى رُمْحَهُ . فَلَمّا رَجَعُوا إلَى أَبِي سُفْيَانَ قَالَ هَذَا يَوْمٌ لَمْ يَكُنْ لَنَا فِيهِ شَيْءٌ ارْجِعُوا فَنَفَرَتْ قُرَيْشٌ فَرَجَعَتْ إلَى الْعَقِيقِ ، وَرَجَعَتْ غَطَفَانُ إلَى مَنَازِلِهَا ، وَاتّعَدُوا يَغْدُونَ جَمِيعًا وَلَا يَتَخَلّفُ مِنْهُمْ أَحَدٌ . فَبَاتَتْ قُرَيْشٌ يُعَبّئُونَ أَصْحَابَهُمْ وَبَاتَتْ غَطَفَانُ يُعَبّئُونَ أَصْحَابَهُمْ وَوَافَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْخَنْدَقِ قَبْلَ طُلُوعِ الشّمْسِ . وَعَبّأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ وَحَضّهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَوَعَدَهُمْ النّصْرَ إنْ صَبَرُوا ، وَالْمُشْرِكُونَ قَدْ جَعَلُوا الْمُسْلِمِينَ فِي مِثْلِ الْحِصْنِ مِنْ كَتَائِبِهِمْ فَأَخَذُوا بِكُلّ وَجْهٍ مِنْ الْخَنْدَقِ . فَحَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ قَاتَلُونَا يَوْمَهُمْ وَفَرّقُوا كَتَائِبَهُمْ وَنَحْوًا إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَتِيبَةً غَلِيظَةً فِيهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، فَقَاتَلَهُمْ يَوْمَهُ ذَلِكَ إلَى هَوِيّ مِنْ اللّيْلِ مَا يَقْدِرُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَزُولُوا مِنْ مَوَاضِعِهِمْ وَمَا يَقْدِرُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى صَلَاةِ الظّهْرِ [ ص 473 ] وَلَا الْعَصْرِ وَلَا الْمَغْرِبِ وَلَا الْعِشَاءِ فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَقُولُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا صَلّيْنَا فَيَقُولُ وَلَا أَنَا وَاَللّهِ مَا صَلّيْت حَتّى كَشَفَهُمْ اللّهُ تَعَالَى فَرَجَعُوا مُتَفَرّقِينَ . فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ إلَى مَنْزِلِهَا ، وَرَجَعَتْ غَطَفَانُ إلَى مَنْزِلِهَا ، وَانْصَرَفَ الْمُسْلِمُونَ إلَى قُبّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ عَلَى الْخَنْدَقِ فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ عَلَى شَفِيرِ الْخَنْدَقِ إذْ كَرّتْ خَيْلٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَطْلُبُونَ غُرّةً ، عَلَيْهِمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ; فَنَاوَشَهُمْ سَاعَةً وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ وَحْشِيّ ، فَزَرَقَ الطّفَيْلَ بْنَ النّعْمَانِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بِمِزْرَاقِهِ فَقَتَلَهُ فَكَانَ يَقُولُ أَكْرَمَ اللّهُ تَعَالَى حَمْزَةَ وَالطّفَيْلَ بِحَرْبَتِي وَلَمْ يُهِنّي بِأَيْدِيهِمَا . فَلَمّا صَارَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَوْضِعِ قُبّتِهِ أَمَرَ بِلَالًا فَأَذّنَ . وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَذّنَ وَأَقَامَ لِلظّهْرِ وَأَقَامَ بَعْدُ لِكُلّ صَلَاةٍ إقَامَةً إقَامَةً . (1/469) وَقَدْ حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ - وَهُوَ أَثْبَتُ الْحَدِيثَيْنِ عِنْدَنَا - قَالَ أَخْبَرَنِي الْمَقْبُرِيّ ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ جَلَسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتّى كَانَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ بِهَوِيّ مِنْ اللّيْلِ حَتّى كُفِينَا ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللّهِ - عَزّ وَجَلّ - وَكَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللّهُ قَوِيّا عَزِيزًا . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِلَالًا فَأَمَرَهُ فَأَقَامَ صَلَاةَ الظّهْرِ فَصَلّاهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِي وَقْتِهَا . ثُمّ أَقَامَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَصَلّاهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِي وَقْتِهَا ، ثُمّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلّاهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِي وَقْتِهَا ، ثُمّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلّاهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ يُصَلّيهَا فِي وَقْتِهَا . قَالَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ اللّهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا . [ ص 474 ] وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يُحَدّثُ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمَئِذٍ شَغَلَنَا الْمُشْرِكُونَ عَنْ صَلَاةِ الْوُسْطَى - يَعْنِي الْعَصْرَ - مَلَأَ اللّهُ أَجْوَافَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارً ا وَأَرْسَلَتْ بَنُو مَخْزُومٍ إلَى النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَطْلُبُونَ جِيفَةَ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ يَشْتَرُونَهَا بِالدّيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّمَا هِيَ جِيفَةُ حِمَارٍ وَكَرِهَ ثَمَنَهُ . فَلَمّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ تِلْكَ اللّيْلَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ قِتَالٌ جَمِيعًا حَتّى انْصَرَفُوا ، إلّا أَنّهُمْ لَا يَدْعُونَ يَبْعَثُونَ الطّلَائِعَ بِاللّيْلِ يَطْمَعُونَ فِي الْغَارَةِ . وَخَرَجَتْ بَعْدَ ذَلِكَ طَلِيعَتَانِ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَيْلًا ، فَالْتَقَيَا وَلَا يَشْعُرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ وَلَا يَظُنّونَ إلّا أَنّهُمْ الْعَدُوّ ، فَكَانَتْ بَيْنَهُمْ جِرَاحَةٌ وَقَتْلٌ وَلَسْنَا نَعْرِفُ مَنْ قَتَلَ وَلَمْ يُسَمّ لَنَا . ثُمّ نَادَوْا بِشَعَارِ الْإِسْلَامِ وَكَفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَكَانَ شَعَارُهُمْ حم لَا يُنْصَرُونَ فَجَاءُوا إلَى النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - جِرَاحُكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَنْ قُتِلَ مِنْكُمْ فَإِنّهُ شَهِيدٌ . فَكَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا دَنَا الْمُسْلِمُونَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ نَادَوْا بِشَعَارِهِمْ لِأَنْ يَكُفّ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ فَلَا يَرْمُونَ بِنَبْلٍ وَلَا بِحَجَرٍ . كَانُوا يُطِيفُونَ بِالْخَنْدَقِ بِاللّيْلِ حَتّى الصّبَاحِ يَتَنَاوَبُونَ وَكَذَلِكَ يَفْعَلُ الْمُشْرِكُونَ أَيْضًا ، يُطِيفُونَ بِالْخَنْدَقِ حَتّى يُصْبِحُوا . قَالَ فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعَوَالِي يَطْلُعُونَ إلَى أَهْلِيهِمْ فَيَقُولُ لَهُمْ رَسُولُ اللّه - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَنِي قُرَيْظَةَ . فَإِذَا أَلَحّوا فِي كَثْرَةِ مَا يَسْتَأْذِنُونَهُ يَقُولُ مَنْ ذَهَبَ مِنْكُمْ فَلْيَأْخُذْ سِلَاحَهُ فَإِنّي لَا آمَنُ بَنِي قُرَيْظَةَ هُمْ عَلَى طَرِيقِكُمْ . وَكَانَ كُلّ مَنْ يَذْهَبُ مِنْهُمْ إنّمَا يَسْلُكُونَ عَلَى سَلْعٍ حَتّى يَدْخُلُوا الْمَدِينَةَ ، ثُمّ يَذْهَبُونَ إلَى الْعَالِيَةِ . [ ص 475 ] فَحَدّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ صَيْفِيّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي السّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ فِي بَيْتِهِ فَوَجَدَهُ يُصَلّي ، قَالَ فَجَلَسْت أَنْتَظِرُهُ حَتّى يَقْضِيَ صَلَاتَهُ . قَالَ فَسَمِعْت تَحْرِيكًا تَحْتَ سَرِيرِهِ فِي بَيْتِهِ فَإِذَا حَيّةٌ فَقُمْت لِأَقْتُلَهَا فَأَشَارَ إلَيّ أَنْ اجْلِسْ . فَلَمّا جَلَسْت سَلّمَ وَأَشَارَ إلَى بَيْتٍ فِي الدّارِ فَقَالَ لِي : أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ ؟ فَقُلْت : نَعَمْ . فَقَالَ إنّهُ كَانَ فِيهِ فَتًى حَدِيثَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى الْخَنْدَقِ فَكَانَ يَسْتَأْذِنُهُ بِأَنْصَافِ النّهَارِ لِيَطّلِعَ إلَى أَهْلِهِ فَاسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - خُذْ سِلَاحَك فَإِنّي أَخْشَى عَلَيْك بَنِي قُرَيْظَة . قَالَ فَأَخَذَ الرّجُلُ سِلَاحَهُ وَذَهَبَ فَإِذَا امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ بَيْنَ الْبَابَيْنِ فَهَيّأَ لَهَا الرّمْحَ لِيَطْعَنَهَا ، وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ فَقَالَتْ اُكْفُفْ عَلَيْك رُمْحَك حَتّى تَرَى مَا فِي بَيْتِك فَكَفّ وَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بِحَيّةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى فِرَاشِهِ فَرَكَزَ فِيهَا رُمْحَهُ فانتظمها فيه ، ثم خرج به فَنَصَبَهُ فِي الدّارِ فَاضْطَرَبَتْ الْحَيّةُ فِي رَأْسِ الرّمْحِ وَخَرّ الْفَتَى مَيّتًا ، فَمَا نَدْرِي أَيّهمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا ، الْفَتَى أَوْ الْحَيّةُ . قَالَ أَبُو سَعِيدٍ فَجِئْنَا رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يُحْيِيَهُ . فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ . ثُمّ قَالَ إنّ بِالْمَدِينَةِ جِنّا قَدْ أَسْلَمُوا ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيّامٍ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ فَإِنّمَا هُوَ شَيْطَانٌ . فَحَدّثَنِي قُدَامَةُ بْنُ مُوسَى ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامَةَ عَنْ أَبِيهَا ، قَالَ بَعَثْنَا ابْنَ أُخْتِنَا ابْنَ عُمَرَ يَأْتِينَا بِطَعَامٍ وَلُحُفٍ وَقَدْ بَلَغْنَا مِنْ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ فَخَرَجَ ابْنُ عُمَرَ حَتّى إذَا هَبَطَ مِنْ سَلْعٍ - وَذَلِكَ لَيْلًا - غَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ حَتّى أَصْبَحَ . فَاهْتَمَمْنَا بِهِ فَخَرَجْت أَطْلُبُهُ فَأَجِدُهُ نَائِمًا ، وَالشّمْسُ قَدْ ضَحّتْهُ فَقُلْت : الصّلَاةُ أَصَلّيْت الْيَوْمَ ؟ قَالَ لَا . قُلْت : فَصَلّ . فَقَامَ سَرِيعًا - 476 - إلَى الْمَاءِ وَذَهَبَتْ إلَى مَنْزِلِنَا بِالْمَدِينَةِ فَجِئْت بِتَمْرٍ وَلِحَافٍ وَاحِدٍ فَكُنّا نَلْبَسُ ذَلِكَ اللّحَافَ جَمِيعًا - مَنْ قَامَ مِنّا فِي الْمَحْرَسِ ذَهَبَ مَقْرُورًا ثُمّ رَجَعَ حَتّى يَدْخُلَ فِي اللّحَافِ حَتّى فَرّجَ اللّهُ ذَلِكَ . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نُصِرْت بِالصّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدّبُورِ . وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - يَقُولُ جَاءَتْ الْجَنُوبُ إلَى الشّمَالِ فَقَالَتْ انْطَلِقِي بِنَصْرِ اللّهِ وَرَسُولِهِ . فَقَالَتْ الشّمَالُ إنّ الْحُرّةَ لَا تَسْرِي بِلَيْلٍ . فَبَعَثَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - الصّبَا ، فَأَطْفَأَتْ نِيرَانَهُمْ وَقَطَعَتْ أَطْنَابَ فَسَاطِيطَهُمْ . حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِيَاحٍ الْأَنْصَارِيّ ، عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ رَافِعٍ مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ فَكَانَ أَهْلُوهُمْ يَبْعَثُونَ إلَيْهِمْ بِمَا قَدَرُوا عَلَيْهِ فَأَرْسَلَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ ابْنَتَهَا بِجَفْنَةِ تَمْرٍ عَجْوَةٍ فِي ثَوْبِهَا ، فَقَالَتْ يَا بُنَيّةُ اذْهَبِي إلَى أَبِيك بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ وَخَالِك عَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ بِغَدَائِهِمَا . فَانْطَلَقَتْ الْجَارِيَةُ حَتّى تَأْتِيَ الْخَنْدَقَ ، فَتَجِدَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - جَالِسًا فِي أَصْحَابِهِ وَهِيَ تَلْتَمِسُهُمَا ، فَقَالَ تَعَالَيْ يَا بُنَيّةُ مَا هَذَا مَعَك ؟ قَالَتْ بَعَثَتْنِي أُمّي إلَى أَبِي وَخَالِي بِغَدَائِهِمَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - هَاتِيهِ قَالَتْ فَأَعْطَيْته فَأَخَذَهُ فِي كَفّيْهِ ثُمّ أَمَرَ بِثَوْبٍ فَبُسِطَ لَهُ وَجَاءَ بِالتّمْرِ فَنَثَرَهُ عَلَيْهِ فَوْقَ الثّوْبِ فَقَالَ لِجُعَالِ بْنِ سُرَاقَةَ نَادِ بِأَهْلِ الْخَنْدَقِ أَنْ هَلُمّ إلَى الْغَدَاءِ . فَاجْتَمَعَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ عَلَيْهِ يَأْكُلُونَ مِنْهُ حَتّى صَدَرَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ وَإِنّهُ لَيَفِيضُ مِنْ أَطْرَافِ الثّوْبِ وَحَدّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ عُبَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُعَتّبٍ قَالَ أَرْسَلَتْ [ ص 477 ] أُمّ عَامِرٍ الْأَشْهَلِيّةُ بِقَعْبَةٍ فِيهَا حَيْسٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ فِي قُبّتِهِ وَهُوَ عِنْدَ أُمّ سَلَمَةَ فَأَكَلَتْ أُمّ سَلَمَةَ حَاجَتَهَا ، ثُمّ خَرَجَ بِالْبَقِيّةِ فَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى عَشَائِهِ فَأَكَلَ أَهْلُ الْخَنْدَقِ حَتّى نَهِلُوا وَهِيَ كَمَا هِيَ . (1/474) حَدّثَنَا مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ حُصِرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَصْحَابُهُ بِضْعَ عَشْرَةَ حَتّى خَلُصَ إلَى كُلّ امْرِئٍ مِنْهُمْ الْكَرْبُ وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ إنّي أَنْشُدُك عَهْدَك وَوَعْدَك اللّهُمّ إنّك إنْ تَشَأْ لَا تُعْبَدُ فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْحَالِ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ وَإِلَى الْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ - وَلَمْ يَحْضُرْ الْخَنْدَقَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ وَلَا قَوْمُهُ وَيُقَالُ حَضَرَهَا الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَهُوَ أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا . وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَرْسَلَ إلَيْهِ وَإِلَى عُيَيْنَةَ أَرَأَيْت إنْ جَعَلْت لَكُمْ ثُلُثَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ تَرْجِعَانِ بِمَنْ مَعَكُمْ وَتُخَذّلَانِ بَيْنَ الْأَعْرَابِ ؟ قَالَا : تُعْطِينَا نِصْفَ تَمْرِ الْمَدِينَةِ . فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَزِيدَهُمَا عَلَى الثّلُثِ فَرَضِيَا بِذَلِكَ وَجَاءَا فِي عَشَرَةٍ مِنْ قَوْمِهِمَا حِينَ تَقَارَبَ الْأَمْرُ فَجَاءُوا وَقَدْ أَحَضَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ وَأَحْضَرَ الصّحِيفَةَ وَالدّوَاةَ وَأَحْضَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ فَأَعْطَاهُ الصّحِيفَةَ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكْتُبَ الصّلْحَ بَيْنَهُمْ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُقَنّعٌ فِي الْحَدِيدِ . فَأَقْبَلَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 478 ] وَلَا يَدْرِي بِمَا كَانَ مِنْ الْكَلَامِ فَلَمّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَاءَ عُيَيْنَةُ مَادّا رِجْلَيْهِ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِمَ مَا يُرِيدُونَ فَقَالَ يَا عَيْنَ الْهِجْرِسِ اقْبِضْ رِجْلَيْك أَتَمُدّ رِجْلَيْك بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ ؟ وَمَعَهُ الرّمْحُ . وَاَللّهِ لَوْلَا رَسُولُ اللّهِ لَأَنْفَذْتُ خُصْيَتَيْك بِالرّمْحِ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانَ أَمْرًا مِنْ السّمَاءِ فَامْضِ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَوَاَللّهِ لَا نُعْطِيهِمْ إلّا السّيْفَ مَتَى طَمِعُوا بِهَذَا مِنّا ؟ فَأُسْكِتَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَدَعَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَاسْتَشَارَهُمَا فِي ذَلِكَ وَهُوَ مُتّكِئٌ عَلَيْهِمَا ، وَالْقَوْمُ جُلُوسٌ فَتَكَلّمَ بِكَلَامٍ يُخْفِيهِ وَأَخْبَرَهُمَا بِمَا قَدْ أَرَادَ مِنْ الصّلْحِ . فَقَالَا : إنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ السّمَاءِ فَامْضِ لَهُ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا لَمْ تُؤْمَرْ فِيهِ وَلَك فِيهِ هَوًى فَامْضِ لِمَا كَانَ لَك فِيهِ هَوًى ، فَسَمْعًا وَطَاعَةً وَإِنْ كَانَ إنّمَا هُوَ الرّأْيُ فَمَا لَهُمْ عِنْدَنَا إلّا السّيْفُ . وَأَخَذَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْكِتَابَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّي رَأَيْت الْعَرَبَ رَمَتْكُمْ عَنْ قَوْسِ وَاحِدَةٍ فَقُلْت أُرْضِيهِمْ وَلَا أُقَاتِلُهُمْ . فَقَالَا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ كَانُوا لَيَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ الْجَهْدِ مَا طَمِعُوا بِهَذَا مِنّا قَطّ ، أَنْ يَأْخُذُوا تَمْرَةً إلّا بِشِرًى أو قِرًى فَحِينَ أَتَانَا اللّهُ تَعَالَى بِك ، وَأَكْرَمَنَا بِك ، وَهَدَانَا بِك نُعْطِي الدّنِيّةَ لَا نُعْطِيهِمْ أَبَدًا إلّا السّيْفَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - شُقّ الْكِتَابُ . فَتَفَلَ سَعْدٌ فِيهِ ثُمّ شَقّهُ وَقَالَ بَيْنَنَا السّيْفُ فَقَامَ عُيَيْنَةُ وَهُوَ يَقُولُ أَمَا وَاَللّهِ لَلّتِي تَرَكْتُمْ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ الْخُطّةِ الّتِي أَخَذْتُمْ [ ص 479 ] وَمَا لَكُمْ بِالْقَوْمِ طَاقَةٌ . فَقَالَ عَبّادُ بْنُ بِشْرٍ يَا عُيَيْنَةُ أَبِالسّيْفِ تُخَوّفُنَا ؟ سَتَعْلَمُ أَيّنَا أَجْزَعَ وَإِلّا فَوَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت أَنْتَ وَقَوْمَك تَأْكُلُونَ الْعِلْهِزَ وَالرّمّةَ مِنْ الْجَهْدِ فَتَأْتُونَ هَاهُنَا مَا تَطْمَعُونَ بِهَذَا مِنّا إلّا قِرًى أَوْ شِرًى ، وَنَحْنُ لَا نَعْبُدُ شَيْئًا ، فَلَمّا هَدَانَا اللّهُ وَأَيّدَنَا بِمُحَمّدٍ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سَأَلْتُمُونَا هَذِهِ الْخُطّةَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا مَكَانُ رَسُولِ اللّهِ مَا وَصَلْتُمْ إلَى قَوْمِكُمْ . فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ارْجِعُوا ، بَيْنَنَا السّيْفُ رَافِعًا صَوْتَهُ . فَرَجَعَ عُيَيْنَةُ وَالْحَارِثُ وَهُمَا يَقُولَانِ وَاَللّهِ مَا نَرَى أَنْ نُدْرِكَ مِنْهُمْ شَيْئًا ، وَلَقَدْ أُنْهِجَتْ لِلْقَوْمِ بَصَائِرُهُمْ وَاَللّهِ مَا حَضَرْت إلّا كُرْهًا لِقَوْمٍ غَلَبُونِي ، وَمَا مَقَامُنَا بِشَيْءٍ مَعَ أَنّ قُرَيْشًا إنْ عَلِمَتْ بِمَا عَرَضْنَا عَلَى مُحَمّدٍ عَرَفْت أَنّا قَدْ خَذَلْنَاهَا وَلَمْ نَنْصُرْهَا . قَالَ عُيَيْنَةُ هُوَ وَاَللّهِ ذَلِكَ قَالَ الْحَارِثُ أَمَا إنّا لَمْ نُصِبْ بِتَعَرّضِنَا لِنَصْرِ قُرَيْشٍ عَلَى مُحَمّدٍ وَاَللّهِ لَئِنْ ظَهَرَتْ قُرَيْشٌ عَلَى مُحَمّدٍ لَيَكُونَن الْأَمْرُ فِيهَا دُونَ سَائِرِ الْعَرَبِ ، مَعَ أَنّي أَرَى أَمْرَ مُحَمّدٍ أَمْرًا ظَاهِرًا . وَاَللّهِ لَقَدْ كَانَ أَحْبَارُ يَهُودِ خَيْبَرَ وَإِنّهُمْ يُحَدّثُونَ أَنّهُمْ يَجِدُونَ فِي كُتُبِهِمْ أَنّهُ يُبْعَثُ نَبِيّ مِنْ الْحَرَمِ عَلَى صِفَتِهِ . قَالَ عُيَيْنَةُ إنّا وَاَللّهِ مَا جِئْنَا نَنْصُرُ قُرَيْشًا ، وَلَوْ اسْتَنْصَرْنَا قُرَيْشًا مَا نَصَرَتْنَا وَلَا خَرَجْت مَعَنَا مِنْ حَرَمِهَا . وَلَكِنّي كُنْت أَطْمَعُ أَنْ نَأْخُذَ تَمْرَ الْمَدِينَةِ فَيَكُونُ لَنَا بِهِ ذِكْرٌ مَعَ مَا لَنَا فِيهِ مِنْ مَنْفَعَةِ الْغَنِيمَةِ مَعَ أَنّا نَنْصُرُ حُلَفَاءَنَا مِنْ الْيَهُودِ فَهُمْ جَلَبُونَا إلَى مَا هَاهُنَا . قَالَ الْحَارِثُ قَدْ وَاَللّهِ أَبَتْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ إلّا السّيْفَ وَاَللّهِ لَتُقَاتِلُنّ عَنْ هَذَا السّعَفِ مَا بَقِيَ مِنْهَا رَجُلٌ مُقِيمٌ وَقَدْ أَجْدَبَ [ ص 480 ] الْجَنَابُ وَهَلَكَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ . قَالَ عُيَيْنَةُ لَا شَيْءَ . فَلَمّا أَتَيَا مَنْزِلَهُمَا جَاءَتْهُمَا غَطَفَانُ فَقَالُوا : مَا وَرَاءَكُمْ ؟ قَالُوا : لَمْ يَتِمّ الْأَمْرُ رَأَيْنَا قَوْمًا عَلَى بَصِيرَةٍ وَبَذْلِ أَنْفُسِهِمْ دُونَ صَاحِبِهِمْ وَقَدْ هَلَكْنَا وَهَلَكَتْ قُرَيْشٌ ، وَقُرَيْشٌ تَنْصَرِفُ وَلَا تُكَلّمُ مُحَمّدًا وَإِنّمَا يَقَعُ حَرّ مُحَمّدٍ بِبَنِي قُرَيْظَةَ إذَا وَلّيْنَا جَثَمَ عَلَيْهِمْ فَحَصَرَهُمْ جُمُعَةً حَتّى يُعْطُوا بِأَيْدِيهِمْ . قَالَ الْحَارِثُ بُعْدًا وَسُحْقًا مُحَمّدٌ أَحَبّ إلَيْنَا مِنْ الْيَهُودِ . (1/478) ذِكْرُ نُعَيْمِ بْنِ مَسْعُودٍ حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَاصِمٍ الْأَشْجَعِيّ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ أَهْلَ شَرَفٍ وَأَمْوَالٍ وَكُنّا قَوْمًا عَرَبًا ، لَا نَخْلَ لَنَا وَلَا كَرْمَ وَإِنّمَا نَحْنُ أَهْلُ شَاةٍ وَبَعِيرٍ . فَكُنْت أَقْدَمُ عَلَى كَعْبِ بْنِ أَسَدٍ ، فَأُقِيمُ عِنْدَهُمْ الْأَيّامَ أَشْرَبُ مِنْ شَرَابِهِمْ وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِمْ ثُمّ يُحَمّلُونَنِي تَمْرًا عَلَى رِكَابِي مَا كَانَتْ فَأَرْجِعُ إلَى أَهْلِي . فَلَمّا سَارَتْ الْأَحْزَابُ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سِرْت مَعَ قَوْمِي ، وَأَنَا عَلَى دِينِي ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَارِفًا ، فَأَقَامَتْ الْأَحْزَابُ مَا أَقَامَتْ حَتّى أَجْدَبَ الْجَنَابُ وَهَلَكَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ وَقَذَفَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - فِي قَلْبِي الْإِسْلَامَ . وَكَتَمْت قَوْمِي إسْلَامِي ، فَأَخْرُجُ حَتّى آتِي رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَأَجِدُهُ يُصَلّي ، فَلَمّا رَآنِي جَلَسَ ثُمّ قَالَ مَا جَاءَ بِك يَا نُعَيْمُ ؟ قُلْت : إنّي جِئْت أُصَدّقُك وَأَشْهَدُ أَنّ مَا جِئْت بِهِ حَقّ ، فَمُرْنِي بِمَا شِئْت يَا رَسُولَ اللّهِ فَوَاَللّهِ لَا تَأْمُرُنِي بِأَمْرٍ إلّا مَضَيْت لَهُ قَوْمِي لَا يَعْلَمُونَ بِإِسْلَامِي وَلَا غَيْرُهُمْ . قَالَ مَا اسْتَطَعْت أَنْ تُخَذّلَ النّاسَ فَخَذّلْ قَالَ قُلْت : أَفْعَلُ وَلَكِنْ [ ص 481 ] يَا رَسُولَ اللّهِ أَقُولُ فَأَذِنَ لِي . قَالَ قُلْ مَا بَدَا لَك فَأَنْتَ فِي حِلّ . قَالَ فَذَهَبْت حَتّى جِئْت بَنِي قُرَيْظَةَ فَلَمّا رَأَوْنِي رَحّبُوا وَأَكْرَمُوا وَحَيّوْا وَعَرَضُوا عَلَيّ الطّعَامَ وَالشّرَابَ فَقُلْت : إنّي لَمْ آتِ لِشَيْءٍ مِنْ هَذَا ; إنّمَا جِئْتُكُمْ نَصَبًا بِأَمْرِكُمْ وَتَخَوّفًا عَلَيْكُمْ لِأُشِيرَ عَلَيْكُمْ بِرَأْيٍ وَقَدْ عَرَفْتُمْ وُدّي إيّاكُمْ وَخَاصّةَ مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ . فَقَالُوا : قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ وَأَنْتَ عِنْدَنَا عَلَى مَا تُحِبّ مِنْ الصّدْقِ وَالْبِرّ . قَالَ فَاكْتُمُوا عَنّي . قَالُوا : نَفْعَلُ . قَالَ إنّ أَمْرَ هَذَا الرّجُلُ بَلَاءٌ - يَعْنِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - صَنَعَ مَا قَدْ رَأَيْتُمْ بِبَنِي قَيْنُقَاعَ وَبَنِي النّضِيرِ وَأَجْلَاهُمْ عَنْ بِلَادِهِمْ بَعْدَ قَبْضِ الْأَمْوَالِ . وَكَانَ ابْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ قَدْ سَارَ فِينَا فَاجْتَمَعْنَا مَعَهُ لِنَصْرِكُمْ وَأَرَى الْأَمْرَ قَدْ تَطَاوَلَ كَمَا تَرَوْنَ وَإِنّكُمْ وَاَللّهِ مَا أَنْتُمْ وَقُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ مِنْ مُحَمّدٍ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ أَمّا قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ فَهُمْ قَوْمٌ جَاءُوا سَيّارَةً حَتّى نَزَلُوا حَيْثُ رَأَيْتُمْ فَإِنْ وَجَدُوا فُرْصَةً انْتَهَزُوهَا ، وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ أَوْ أَصَابَهُمْ مَا يَكْرَهُونَ انْشَمَرُوا إلَى بِلَادِهِمْ . وَأَنْتُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ الْبَلَدُ بَلَدُكُمْ فِيهِ أَمْوَالُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَنِسَاؤُكُمْ وَقَدْ غَلُظَ عَلَيْهِمْ جَانِبُ مُحَمّدٍ أَجَلَبُوا عَلَيْهِ أَمْسِ إلَى اللّيْلِ فَقَتَلَ رَأْسَهُمْ عَمْرُو بْنُ عَبْدٍ وَهَرَبُوا مِنْهُ مُجَرّحِينَ وَهُمْ لَا غَنَاءَ بِهِمْ عَنْكُمْ لِمَا تَعْرِفُونَ عِنْدَكُمْ . فَلَا تُقَاتِلُوا مَعَ قُرَيْشٍ وَلَا غَطَفَانَ حَتّى تَأْخُذُوا مِنْهُمْ رَهْنًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ تَسْتَوْثِقُونَ بِهِ مِنْهُمْ أَلّا يُنَاجِزُوا مُحَمّدًا . قَالُوا : أَشَرْت بِالرّأْيِ عَلَيْنَا وَالنّصْحِ . وَدَعَوْا لَهُ وَتَشَكّرُوا ، وَقَالُوا : نَحْنُ فَاعِلُونَ . قَالَ وَلَكِنْ اُكْتُمُوا عَنّي . قَالُوا : نَعَمْ نَفْعَلُ . ثُمّ خَرَجَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فِي رِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ يَا أَبَا سُفْيَانَ قَدْ جِئْتُك بِنَصِيحَةٍ فَاكْتُمْ عَنّي . قَالَ أَفْعَلُ . قَالَ تَعْلَمُ أَنّ قُرَيْظَةَ قَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ [ ص 482 ] وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَأَرَادُوا إصْلَاحَهُ وَمُرَاجَعَتَهُ . أَرْسَلُوا إلَيْهِ وَأَنَا عِنْدَهُمْ إنّا سَنَأْخُذُ مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ سَبْعِينَ رَجُلًا نُسَلّمُهُمْ إلَيْك تَضْرِبُ أَعْنَاقَهُمْ وَتَرُدّ جَنَاحَنَا الّذِي كَسَرْت إلَى دِيَارِهِمْ - يَعْنُونَ بَنِي النّضِيرِ - وَنَكُونُ مَعَك عَلَى قُرَيْشٍ حَتّى نَرُدّهُمْ عَنْك . فَإِنْ بَعَثُوا إلَيْكُمْ يَسْأَلُونَكُمْ رَهْنًا فَلَا تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ أَحَدًا وَاحْذَرُوهُمْ عَلَى أَشْرَافِكُمْ وَلَكِنْ اُكْتُمُوا عَنّي وَلَا تَذْكُرُوا مِنْ هَذَا حَرْفًا . قَالُوا : لَا نَذْكُرُهُ . ثُمّ خَرَجَ حَتّى أَتَى غَطَفَانَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ غَطَفَانَ ، إنّي رَجُلٌ مِنْكُمْ فَاكْتُمُوا عَنّي ، وَاعْلَمُوا أَنّ قُرَيْظَةَ بَعَثُوا إلَى مُحَمّدٍ - وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ لِقُرَيْشٍ - فَاحْذَرُوا أَنْ تَدْفَعُوا إلَيْهِمْ أَحَدًا مِنْ رِجَالِكُمْ . وَكَانَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَصَدّقُوهُ . وَأَرْسَلَتْ الْيَهُودُ غَزّالَ بْنَ سَمَوْأَلٍ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْب ٍ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ : إنّ ثَوَاءَكُمْ قَدْ طَالَ وَلَمْ تَصْنَعُوا شَيْئًا وَلَيْسَ الّذِي تَصْنَعُونَ بِرَأْيٍ إنّكُمْ لَوْ وَعَدْتُمُونَا يَوْمًا تَزْحَفُونَ فِيهِ إلَى مُحَمّدٍ فَتَأْتُونَ مِنْ وَجْهٍ وَتَأْتِي غَطَفَانُ مِنْ وَجْهٍ وَنَخْرُجُ نَحْنُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَمْ يُفْلِتْ مِنْ بَعْضِنَا . وَلَكِنْ لَا نَخْرُجُ مَعَكُمْ حَتّى تُرْسِلُوا إلَيْنَا بِرِهَانٍ مِنْ أَشْرَافِكُمْ يَكُونُونَ عِنْدَنَا ، فَإِنّا نَخَافُ إنْ مَسّتْكُمْ الْحَرْبُ وَأَصَابَكُمْ مَا تَكْرَهُونَ شَمّرْتُمْ وَتَرَكْتُمُونَا فِي عُقْرِ دَارِنَا وَقَدْ نَابَذْنَا مُحَمّدًا بِالْعَدَاوَةِ . فَانْصَرَفَ الرّسُولُ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ وَلَمْ يَرْجِعُوا إلَيْهِمْ شَيْئًا ، وَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ : هَذَا مَا قَالَ نُعَيْمٌ . فَخَرَجَ نُعَيْمٌ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنَا عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ حَتّى جَاءَ رَسُولُكُمْ إلَيْهِ يَطْلُبُ مِنْهُ الرّهَانَ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ شَيْئًا فَلَمّا وَلّى قَالَ لَوْ طَلَبُوا مِنّي عَنَاقًا مَا رَهَنْتهَا أَنَا أَرْهَنُهُمْ سَرَاةَ أَصْحَابِي يَدْفَعُونَهُمْ إلَى مُحَمّدٍ يَقْتُلُهُمْ فَارْتَأَوْا آرَاءَكُمْ حَتّى تَأْخُذُوا الرّهْنَ فَإِنّكُمْ إنْ لَمْ تُقَاتِلُوا مُحَمّدًا وَانْصَرَفَ أَبُو سُفْيَانَ تَكُونُوا عَلَى مُوَاعَدَتِكُمْ الْأُولَى . قَالُوا : [ ص 483 ] تَرْجُو ذَلِكَ يَا نُعَيْمُ ؟ قَالَ نَعَمْ . قَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ : فَإِنّا لَا نُقَاتِلُهُ . وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْت لِهَذَا كَارِهًا وَلَكِنْ حُيَيّ رَجُلٌ مَشْئُومٌ . قَالَ الزّبَيْرُ بْنُ بَاطَا : إنْ انْكَشَفَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ عَنْ مُحَمّدٍ لَمْ يُقْبَلْ مِنّا إلّا السّيْفُ . قَالَ نُعَيْمٌ لَا تَخْشَ ذَلِكَ يَا أَبَا عَبْدِ الرّحْمَنِ . قَالَ الزّبَيْرُ بَلَى وَالتّوْرَاةُ ، وَلَوْ أَصَابَتْ الْيَهُودُ رَأْيَهَا وَلَحَمَ الْأَمْرُ لَتَخْرُجَن إلَى مُحَمّدٍ وَلَا يَطْلُبُونَ مِنْ قُرَيْشٍ رَهْنًا ، فَإِنّ قُرَيْشًا لَا تُعْطِينَا رَهْنًا أَبَدًا ، وَعَلَى أَيّ وَجْهٍ تُعْطِينَا قُرَيْشٌ الرّهْنَ وَعَدَدُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ عَدَدِنَا ، وَمَعَهُمْ كُرَاعٌ وَلَا كُرَاعٌ مَعَنَا ، وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْهَرَبِ وَنَحْنُ لَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ ؟ وَهَذِهِ غَطَفَانُ تَطْلُبُ إلَى مُحَمّدٍ أَنْ يُعْطِيَهَا بَعْضَ تَمْرِ الْأَوْسِ وَتَنْصَرِفُ فَأَبَى مُحَمّدٌ إلّا السّيْفَ فَهُمْ يَنْصَرِفُونَ بِغَيْرِ شَيْءٍ . فَلَمّا كَانَ لَيْلَةُ السّبْتِ كَانَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ تَعَالَى لِنَبِيّهِ أَنْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ الْجَنَابَ قَدْ أَجْدَبَ وَهَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفّ ، وَغَدَرَتْ الْيَهُودُ وَكَذَبَتْ وَلَيْسَ هَذَا بِحَيْنِ مُقَامٍ فَانْصَرِفُوا قَالَتْ قُرَيْشٌ : فَاعْلَمْ عِلْمَ الْيَهُودِ وَاسْتَيْقِنْ خَبَرَهُمْ . فَبَعَثُوا عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ حَتّى جَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ عِنْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ مَسَاءَ لَيْلَةِ السّبْتِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ إنّهُ قَدْ طَالَ الْمُكْثُ وَجَهَدَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ ، وَإِنّا لَسْنَا بِدَارِ مُقَامَةٍ اُخْرُجُوا إلَى هَذَا الرّجُلِ حَتّى نُنَاجِزَهُ بِالْغَدَاةِ . قَالُوا : غَدًا السّبْتُ لَا نُقَاتِلُ وَلَا نَعْمَلُ فِيهِ عَمَلًا ، وَإِنّا مَعَ ذَلِكَ لَا نُقَاتِلُ مَعَكُمْ إذَا انْقَضَى سَبْتُنَا حَتّى تُعْطُونَا رِهَانًا مِنْ رِجَالِكُمْ يَكُونُونَ مَعَنَا لِئَلّا تَبْرَحُوا حَتّى نُنَاجِزَ مُحَمّدًا ، فَإِنّا نَخْشَى إنْ أَصَابَتْكُمْ الْحَرْبُ أَنْ تُشَمّرُوا إلَى بِلَادِكُمْ وَتَدْعُونَا وَإِيّاهُ فِي بِلَادِنَا وَلَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ مَعَنَا الذّرَارِيّ وَالنّسَاءُ وَالْأَمْوَالُ . فَرَجَعَ عِكْرِمَةُ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فَقَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ أَحْلِفُ بِاَللّهِ إنّ الْخَبَرَ الّذِي جَاءَ بِهِ نُعَيْمٌ حَقّ ، لَقَدْ غَدَرَ أَعْدَاءُ اللّهِ . وَأَرْسَلَتْ غَطَفَانُ إلَيْهِمْ [ ص 484 ] مَسْعُودَ بْنَ رُخَيْلَةَ فِي رِجَالٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ رِسَالَةِ أَبِي سُفْيَانَ فَأَجَابُوهُمْ بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِي سُفْيَانَ . وَقَالَتْ الْيَهُودُ حَيْثُ رَأَوْا مَا رَأَوْا مِنْهُمْ نَحْلِفُ بِاَللّهِ إنّ الْخَبَرَ الّذِي قَالَ نُعَيْمٌ لَحَقّ . وَعَرَفُوا أَنّ قُرَيْشًا لَا تُقِيمُ فَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ فَكّرَ أَبُو سُفْيَانَ إلَيْهِمْ وَقَالَ إنّا وَاَللّهِ لَا نَفْعَلُ إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ الْقِتَالَ فَاخْرُجُوا فَقَاتِلُوا . فَقَالَتْ الْيَهُودُ مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوّلِ وَجَعَلَتْ الْيَهُودُ تَقُولُ الْخَبَرُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ . وَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ تَقُولُ الْخَبَرُ مَا قَالَ نُعَيْمٌ . وَيَئِسَ هَؤُلَاءِ مِنْ نَصْرِ هَؤُلَاءِ وَيَئِسَ هَؤُلَاءِ مِنْ نَصْرِ هَؤُلَاءِ وَاخْتَلَفَ أَمْرُهُمْ فَكَانَ نُعَيْمٌ يَقُولُ أَنَا خَذّلْتُ بَيْنَ الْأَحْزَابِ حَتّى تَفَرّقُوا فِي كُلّ وَجْهٍ وَأَنَا أَمِينُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى سِرّهِ . فَكَانَ صَحِيحَ الْإِسْلَامِ بَعْدُ . فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا قَالَتْ قُرَيْظَةُ لِعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ مَا قَالَتْ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ لِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ أَيْنَ مَا وَعَدْتنَا مِنْ نَصْرِ قَوْمِك ؟ قَدْ خَلّوْنَا وَهُمْ يُرِيدُونَ الْغَدْرَ بِنَا قَالَ حُيَيّ : كَلّا وَالتّوْرَاةِ ، وَلَكِنّ السّبْتَ قَدْ حَضَرَ وَنَحْنُ لَا نَكْسِرُ السّبْتَ فَكَيْفَ نُنْصَرُ عَلَى مُحَمّدٍ إذَا كَسَرْنَا السّبْتَ ؟ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ اُغْدُوا عَلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ بِمِثْلِ حَرْقِ النّارِ . وَخَرَجَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ حَتّى أَتَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَقَالَ فِدَاءَكُمْ أَبِي وَأُمّي ، إنّ قُرَيْشًا قَدْ اتّهَمَتْكُمْ بِالْغَدْرِ وَاتّهَمُونِي مَعَكُمْ وَمَا السّبْتُ لَوْ كَسَرْتُمُوهُ لِمَا قَدْ حَضَرَ مِنْ أَمْرِ عَدُوّكُمْ ؟ قَالَ فَغَضِبَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، ثُمّ قَالَ لَوْ قَتَلَهُمْ مُحَمّدٌ حَتّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ مَا كَسَرْنَا سَبْتَنَا . فَرَجَعَ حُيَيّ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ أَلَمْ أُخْبِرْك يا يَهُودِيّ أَنّ قَوْمَك يُرِيدُونَ الْغَدْرَ ؟ قَالَ حُيَيّ : لَا وَاَللّهِ مَا يُرِيدُونَ الْغَدْرَ وَلَكِنّهُمْ يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْأَحَدِ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ [ ص 485 ] وَمَا السّبْتُ ؟ قَالَ يَوْمٌ مِنْ أَيّامِهِمْ يُعَظّمُونَ الْقِتَالَ فِيهِ وَذَلِكَ أَنّ سَبْطًا مِنّا أَكَلُوا الْحِيتَانَ يَوْمَ السّبْتِ فَمَسَخَهُمْ اللّهُ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَا أَرَانِي أَسْتَنْصِرُ بِإِخْوَةِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ قَدْ بَعَثْت عِكْرِمَةَ بْنَ أَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابَهُ إلَيْهِمْ فَقَالُوا : لَا نُقَاتِلُ حَتّى تَبْعَثُوا لَنَا بِالرّهَانِ مِنْ أَشْرَافِكُمْ . وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا جَاءَنَا غَزّالُ بْنُ سَمَوْأَلٍ بِرِسَالَتِهِمْ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ أَحْلِفُ بِاَللّاتِي إنْ هُوَ إلّا غَدْرُكُمْ وَإِنّي لَأَحْسَبُ أَنّك قَدْ دَخَلْت فِي غَدْرِ الْقَوْمِ قَالَ حُيَيّ : وَالتّوْرَاةِ الّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى يَوْمَ طُورِ سَيْنَاءَ مَا غَدَرْت وَلَقَدْ جِئْتُك مِنْ عِنْدِ قَوْمٍ هُمْ أَعْدَى النّاسِ لِمُحَمّدٍ وَأَحْرَصُهُمْ عَلَى قِتَالِهِ وَلَكِنْ مَا مُقَامُ يَوْمٍ وَاحِدٍ حَتّى يَخْرُجُوا مَعَك قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لَا وَاَللّهِ وَلَا سَاعَةً لَا أُقِيمُ بِالنّاسِ انْتِظَارَ غَدْرِكُمْ . حَتّى خَافَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ فَخَرَجَ مَعَهُمْ مِنْ الْخَوْفِ حَتّى بَلَغَ الرّوْحَاءَ ، فَمَا رَجَعَ إلّا مُتَسَرّقًا لِمَا أَعْطَى كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ مِنْ نَفْسِهِ لَيَرْجِعَن إلَيْهِ فَدَخَلَ مَعَ بَنِي قُرَيْظَةَ حِصْنَهُمْ لَيْلًا وَيَجِدُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ زَحَفَ إلَيْهِمْ سَاعَةَ وَلّتْ الْأَحْزَابُ . (1/481) فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي كَعْبٍ الْقُرَظِيّ قَالَ كَانَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ قَالَ لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ حِينَ جَاءَهُ وَجَعَلَ كَعْبٌ يَأْبَى فَقَالَ حُيَيّ : لَا تُقَاتِلْ حَتّى تَأْخُذَ سَبْعِينَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ وَغَطَفَانَ رِهَانًا عِنْدَكُمْ . وَذَلِكَ مِنْ حُيَيّ خَدِيعَةً لِكَعْبٍ حَتّى يَنْقُضَ الْعَهْدَ وَعَرَفَ أَنّهُ إذَا نَقَضَ الْعَهْدَ لَحَمَ الْأَمْرُ . وَلَمْ يُخْبِر حُيَيّ قُرَيْشًا بِاَلّذِي قَالَ لِبَنِي قُرَيْظَةَ فَلَمّا جَاءَهُمْ عِكْرِمَةُ يَطْلُبُ مِنْهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ السّبْتَ قَالُوا : لَا نَكْسِرُ السّبْتَ وَلَكِنْ يَوْمَ الْأَحَدِ وَلَا نَخْرُجُ حَتّى تُعْطُونَا الرّهَانَ . فَقَالَ عِكْرِمَةُ أَيّ [ ص 486 ] رِهَانٍ ؟ قَالَ كَعْبٌ الّذِي شَرَطْتُمْ لَنَا . قَالَ وَمَنْ شَرَطَهَا لَكُمْ ؟ قَالُوا : حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ . فَأَخْبَرَ أَبَا سُفْيَانَ ذَلِكَ فَقَالَ لِحُيَيّ يَا يَهُودِيّ ، نَحْنُ قُلْنَا لَك كَذَا وَكَذَا ؟ قَالَ لَا وَالتّوْرَاةِ ، مَا قُلْت ذَلِكَ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بَلْ هُوَ الْغَدْرُ مِنْ حُيَيّ . فَجَعَلَ حُيَيّ يَحْلِفُ بِالتّوْرَاةِ مَا قَالَ ذَلِكَ . حَدّثَنِي مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ عَنْ عَمّهِ قَالَ قَالَ كَعْبٌ يَا حُيَيّ ، لَا نَخْرُجُ حَتّى نَأْخُذَ مِنْ كُلّ أَصْحَابِك مِنْ كُلّ بَطْنٍ سَبْعِينَ رَجُلًا رَهْنًا فِي أَيْدِينَا . فَذَكَرَ ذَلِكَ حُيَيّ لِقُرَيْشٍ وَلِغَطَفَانَ وَقَيْسٍ ، فَفَعَلُوا وَعَقَدُوا بَيْنَهُمْ عَقْدًا بِذَلِكَ حَتّى شَقّ كَعْبٌ الْكِتَابَ . فَلَمّا أَرْسَلَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ تَسْتَنْصِرُهُ قَالَ الرّهْنُ فَأَنْكَرُوا ذَلِكَ وَاخْتَلَفُوا ، لِمَا أَرَادَ اللّهُ - عَزّ وَجَلّ - وَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ قَالَ سَمِعْته يَقُولُ أَرْسَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ أَنْ ائْتُوا فَإِنّا سَنُغِيرُ عَلَى بَيْضَةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ وَرَائِهِمْ . فَسَمِعَ ذَلِكَ نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ وَكَانَ مُوَادِعًا لِلنّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَ عِنْدَ عُيَيْنَةَ حِينَ أَرْسَلَتْ بِذَلِكَ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ فَأَقْبَلَ نُعَيْمٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَخْبَرَهُ خَبَرَهَا وَمَا أَرْسَلَتْ بِهِ قُرَيْظَةُ إلَى الْأَحْزَابِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَعَلّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ . فَقَامَ نُعَيْمٌ بِكَلِمَةِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - تِلْكَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ . قَالَ وَكَانَ نُعَيْمٌ رَجُلًا لَا يَكْتُمُ الْحَدِيثَ . فَلَمّا وَلّى مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ذَاهِبًا إلَى غَطَفَانَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - يَا رَسُولَ اللّهِ مَا هَذَا الّذِي قُلْت ؟ إنْ كَانَ أَمْرٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى فَامْضِهِ وَإِنْ كَانَ هَذَا رَأْيًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِك فَإِنّ شَأْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ هُوَ أَهْوَنُ مِنْ أَنْ تَقُولَ شَيْئًا يُؤْثَرُ عَنْك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَلْ هُوَ رَأْيٌ رَأَيْته ، الْحَرْبُ خُدْعَةٌ [ ص 487 ] . ثُمّ أَرْسَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي أَثَرِ نُعَيْمٍ فَدَعَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَرَأَيْت الّذِي سَمِعْتنِي قُلْت آنِفًا ؟ اُسْكُتْ عَنْهُ فَلَا تَذْكُرْهُ فَانْصَرَفَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى جَاءَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ غَطَفَانَ ، فَقَالَ لَهُمْ هَلْ عَلِمْتُمْ مُحَمّدًا قَالَ شَيْئًا قَطّ إلّا كَانَ حَقّا ؟ قَالُوا : لَا . قَالَ فَإِنّهُ قَالَ لِي فِيمَا أَرْسَلَتْ بِهِ إلَيْكُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ « فَلَعَلّنَا نَحْنُ أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ » ، ثُمّ نَهَانِي أَذْكُرَهُ لَكُمْ . فَانْطَلَقَ عُيَيْنَةُ حَتّى لَقِيَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ ، فَأَخْبَرَهُ خَبَرَ نُعَيْمٍ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ لَهُمْ إنّمَا أَنْتُمْ فِي مَكْرِ بَنِي قُرَيْظَةَ . فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ نُرْسِلُ إلَيْهِمْ الْآنَ فَنَسْأَلُهُمْ الرّهْنَ فَإِنْ دَفَعُوا الرّهْنَ إلَيْنَا فَقَدْ صَدَقُونَا ، وَإِنْ أَبَوْا ذَلِكَ فَنَحْنُ مِنْهُمْ فِي مَكْرٍ . فَجَاءَهُمْ رَسُولُ أَبِي سُفْيَانَ فَسَأَلَهُمْ الرّهْنَ لَيْلَةَ السّبْتِ فَقَالُوا : هَذِهِ لَيْلَةُ السّبْتِ وَلَسْنَا نَقْضِي فِيهَا وَلَا فِي يَوْمِهَا أَمْرًا ، فَأَمْهِلْ حَتّى يَذْهَبَ السّبْتُ . فَخَرَجَ الرّسُولُ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَرُءُوسُ الْأَحْزَابِ مَعَهُ هَذَا مَكْرٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَارْتَحِلُوا فَقَدْ طَالَتْ إقَامَتُكُمْ . فَآذَنُوا بِالرّحِيلِ وَبَعَثَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الرّيحَ حَتّى مَا يَكَادُ أَحَدُهُمْ يَهْتَدِي لِمَوْضِعِ رَحْلِهِ فَارْتَحَلُوا فَوَلّوْا مُنْهَزِمِينَ . وَيُقَالُ إنّ حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ أَنَا آخُذُ لَك مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ سَبْعِينَ رَجُلًا رَهْنًا عِنْدَك حَتّى يَخْرُجُوا فَيُقَاتِلُوا ، فَهُمْ أَعْرَفُ بِقِتَالِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ . فَكَانَ هَذَا الّذِي قَالَ إنّ أَبَا سُفْيَانَ طَلَبَ الرّهْنَ . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ وَأَثْبَتُ الْأَشْيَاءِ عِنْدَنَا قَوْلُ نُعَيْمٍ الْأَوّلِ . وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى يُحَدّثُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - دَعَا عَلَى الْأَحْزَابِ فَقَالَ اللّهُمّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ ، سَرِيعَ الْحِسَابِ اهْزِمْ الْأَحْزَابَ اللّهُمّ اهْزِمْهُمْ [ ص 488 ] فَحَدّثَنِي كُثَيّرُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ دَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى الْأَحْزَابِ فِي مَسْجِدِ الْأَحْزَابِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الثّلَاثَاءِ وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ فَاسْتُجِيبَ لَهُ بَيْنَ الظّهْرِ وَالْعَصْرِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ . قَالَ فَعَرَفْنَا السّرُورَ فِي وَجْهِهِ . قَالَ جَابِرٌ فَمَا نَزَلَ بِي أَمْرٌ غَائِظٌ مُهِمّ إلّا تَحَيّنْت تِلْكَ السّاعَةَ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَأَدْعُو اللّهَ فَأَعْرِفُ الْإِجَابَةَ . (1/486) وَكَانَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ يُحَدّثُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ قَامَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى الْجَبَلِ الّذِي عَلَيْهِ الْمَسْجِدُ فَدَعَا فِي إزَارٍ وَرَفَعَ يَدَيْهِ مَدّا ، ثُمّ جَاءَهُ مَرّةً أُخْرَى فَصَلّى وَدَعَا . وَكَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ يَقُولُ صَلّى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي الْخَرِيقِ الْقَابِلِ الصّابّ عَلَى أَرْضِ بَنِي النّضِيرِ وَهُوَ الْيَوْمَ مَوْضِعُ الْمَسْجِدِ الّذِي بِأَسْفَلَ الْجَبَلِ . وَيُقَالُ إنّهُ صَلّى فِي تِلْكَ الْمَسَاجِدِ كُلّهَا الّتِي حَوْلَ الْمَسْجِدِ الّذِي فَوْقَ الْجَبَلِ . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ وَهَذَا أَثْبَتُ الْأَحَادِيثِ . وَقَالُوا : لَمّا كَانَ لَيْلَةُ السّبْتِ بَعَثَ اللّهُ الرّيحَ فَقَلَعَتْ وَتَرَكَتْ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُصَلّي إلَى أَنْ ذَهَبَ ثُلُثُ اللّيْلِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ لَيْلَةَ قُتِلَ ابْنُ الْأَشْرَفِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إذَا حَزَبَهُ الْأَمْرُ أَكْثَرَ الصّلَاةَ . قَالُوا : وَكَانَ حِصَارُ الْخَنْدَقِ فِي قُرّ شَدِيدٍ وَجُوعٍ فَكَانَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ يَقُولُ لَقَدْ رَأَيْتنَا فِي الْخَنْدَقِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي لَيْلَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْنَا الْبَرْدُ وَالْجُوعُ وَالْخَوْفُ [ ص 489 ] فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَنْ رَجُلٌ يَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ جَعَلَهُ اللّهُ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ يَشْرِطُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْجَنّةَ وَالرّجُوعَ فَمَا قَامَ مِنّا رَجُلٌ ثُمّ عَادَ يَقُولُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرّاتٍ وَمَا قَامَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْ شِدّةِ الْجُوعِ وَالْقُرّ وَالْخَوْفِ . فَلَمّا رَأَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ذَلِكَ لَا يَقُومُ أَحَدٌ ، دَعَانِي فَقَالَ يَا حُذَيْفَةُ قَالَ فَلَمْ أَجِدْ بُدّا مِنْ الْقِيَامِ حِينَ فَوّهَ بِاسْمِي ، فَجِئْته وَلِقَلْبِي وَجَبَانٌ فِي صَدْرِي ، فَقَالَ تَسْمَعُ كَلَامِي مُنْذُ اللّيْلَةَ وَلَا تَقُومُ ؟ فَقُلْت : لَا ، وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ إنْ قَدَرْت عَلَى مَا بِي مِنْ الْجُوعِ وَالْبَرْدِ . فَقَالَ اذْهَبْ فَانْظُرْ مَا فَعَلَ الْقَوْمُ وَلَا تَرْمِينَ بِسَهْمٍ وَلَا بِحَجَرٍ وَلَا تَطْعَنُ بِرُمْحٍ وَلَا تَضْرِبَن بِسَيْفٍ حَتّى تَرْجِعَ إلَيّ . فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا بِي يَقْتُلُونِي وَلَكِنّي أَخَافُ أَنْ يُمَثّلُوا بِي . قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَيْسَ عَلَيْك بَأْسٌ فَعَرَفْت أَنّهُ لَا بَأْسَ عَلَيّ مَعَ كَلَامِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْأَوّلِ . ثُمّ قَالَ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَاذَا يَقُولُونَ . فَلَمّا وَلّى حُذَيْفَةُ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - اللّهُمّ احْفَظْهُ مِنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ وَمِنْ فَوْقِهِ وَمِنْ تَحْتِهِ فَدَخَلَ عَسْكَرَهُمْ فَإِذَا هُمْ يَصْطَلُونَ عَلَى نِيرَانِهِمْ وَإِنّ الرّيحَ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ لَا تُقِرّ لَهُمْ قَرَارًا وَلَا بِنَاءً . فَأَقْبَلْت فَجَلَسْت عَلَى نَارٍ مَعَ قَوْمٍ فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ احْذَرُوا الْجَوَاسِيسَ وَالْعُيُونَ ، وَلْيَنْظُرْ كُلّ رَجُلٍ جَلِيسَهُ . قَالَ فَالْتَفَتّ إلَى عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقُلْت : مَنْ أَنْتَ ؟ وَهُوَ عَنْ يَمِينِي . فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ . وَالْتَفَتّ إلَى مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ فَقُلْت : مَنْ أَنْتَ ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ . ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ [ ص 490 ] إنّكُمْ وَاَللّهِ لَسْتُمْ بِدَارِ مُقَامٍ لَقَدْ هَلَكَ الْخُفّ وَالْكُرَاعُ وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَبَلَغْنَا عَنْهُمْ الّذِي نَكْرَهُ وَقَدْ لَقِينَا مِنْ الرّيحِ مَا تَرَوْنَ وَاَللّهِ مَا يَثْبُتُ لَنَا بِنَاءٌ وَلَا تَطْمَئِنّ لَنَا قِدْرٌ فَارْتَحِلُوا فَإِنّي مُرْتَحِلٌ . وَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ وَجَلَسَ عَلَى بَعِيرِهِ وَهُوَ مَعْقُولٌ ثُمّ ضَرَبَهُ فَوَثَبَ عَلَى ثَلَاثِ قَوَائِمَ فَمَا أَطْلَقَ عِقَالَهُ إلّا بَعْدَ مَا قَامَ . وَلَوْلَا عَهْدُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَيّ « لَا تُحْدِثْ شَيْئًا حَتّى تَأْتِيَ » ثُمّ شِئْت ، لَقَتَلْته . فَنَادَاهُ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ إنّك رَأْسُ الْقَوْمِ وَقَائِدُهُمْ تَقْشَعُ وَتَتْرُكُ النّاسَ ؟ فَاسْتَحْيَى أَبُو سُفْيَانَ فَأَنَاخَ جَمَلَهُ وَنَزَلَ عَنْهُ وَأَخَذَ بِزِمَامِهِ وَهُوَ يَقُودُهُ وَقَالَ ارْحَلُوا قَالَ فَجَعَلَ النّاسُ يَرْتَحِلُونَ وَهُوَ قَائِمٌ حَتّى خَفّ الْعَسْكَرُ ثُمّ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ لَا بُدّ لِي وَلَك أَنْ نُقِيمَ فِي جَرِيدَةٍ مِنْ خَيْلٍ بِإِزَاءِ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَإِنّا لَا نَأْمَنُ أَنْ نُطْلَبَ حَتّى يَنْفُذَ الْعَسْكَرُ . فَقَالَ عَمْرٌو : أَنَا أُقِيمُ . وَقَالَ لِخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ مَا تَرَى يَا أَبَا سُلَيْمَانَ ؟ فَقَالَ أَنَا أَيْضًا أُقِيمُ . فَأَقَامَ عَمْرٌو وَخَالِدٌ فِي مِائَتَيْ فَارِسٍ ، وَسَارَ الْعَسْكَرُ إلّا هَذِهِ الْجَرِيدَةُ عَلَى مُتُونِ الْخَيْلِ . قَالُوا : وَذَهَبَ حُذَيْفَةُ إلَى غَطَفَانَ فَوَجَدَهُمْ قَدْ ارْتَحَلُوا ، فَرَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَخْبَرَهُ . وَأَقَامَتْ الْخَيْلُ حَتّى كَانَ السّحَرُ ثُمّ مَضَوْا فَلَحِقُوا الْأَثْقَالَ وَالْعَسْكَرَ مَعَ ارْتِفَاعِ النّهَارِ بِمَلَلَ فَغَدَوَا إلَى السّيّالَةِ . وَكَانَتْ غَطَفَانُ لَمّا ارْتَحَلَتْ وَقَفَ مَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ فِي خَيْلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَوَقَفَ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ فِي خَيْلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَوَقَفَ فُرْسَانٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فِي أَصْحَابِهِمْ ثُمّ تَحَمّلُوا جَمِيعًا فِي طَرِيقٍ وَاحِدَةٍ وَكَرِهُوا أَنْ يَتَفَرّقُوا حَتّى [ ص 491 ] أَتَوْا عَلَى الْمِرَاضِ ثُمّ تَفَرّقَتْ كُلّ قَبِيلَةٍ إلَى مَحَالّهَا . حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، عَنْ عُثْمَانَ - يَعْنِي ابْنَ مُحَمّدٍ الْأَخْنَسِيّ - قَالَ لَمّا انْصَرَفَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَالَ قَدْ عَلِمَ كُلّ ذِي عَقْلٍ أَنّ مُحَمّدًا لَمْ يَكْذِبْ . فَقَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ أَنْتَ أَحَقّ النّاسِ أَلّا يَقُولَ هَذَا . قَالَ عَمْرٌو : لِمَ ؟ قَالَ لِأَنّهُ نَزَلَ عَلَى شَرَفِ أَبِيك وَقَتَلَ سَيّدَ قَوْمِك . وَيُقَالُ الّذِي تَكَلّمَ بِهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، وَلَا نَدْرِي ، لَعَلّهُمَا قَدْ تَكَلّمَا بِذَلِكَ جَمِيعًا . قَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ قَدْ عَلِمَ كُلّ حَلِيمٍ أَنّ مُحَمّدًا لَمْ يَكْذِبْ قَطّ . قَالَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إنّ أَحَقّ النّاسِ أَلّا يَقُولَ هَذَا أَنْتَ . قَالَ وَلِمَ ؟ قَالَ نَزَلَ عَلَى شَرَفِ أَبِيك ، وَقَتَلَ سَيّدَ قَوْمِك أَبَا جَهْلٍ . حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ كَانَ مُحَاصَرَةُ الْمُشْرِكِينَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي الْخَنْدَقِ بِضْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا . وَحَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ مِقْسَمٍ ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ ، قَالَ عِشْرِينَ يَوْمًا . وَيُقَالُ خَمْسَةَ عَشَرِ يَوْمًا ، وَهَذَا أَثْبَتُ ذَلِكَ عِنْدَنَا . فَلَمّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْخَنْدَقِ أَصْبَحَ وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ مِنْ الْعَسَاكِرِ قَدْ هَرَبُوا وَذَهَبُوا . وَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الثّبَتُ أَنّهُمْ انْقَشَعُوا إلَى بِلَادِهِمْ وَلَمّا أَصْبَحُوا أَذِنَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِلْمُسْلِمِينَ فِي الِانْصِرَافِ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَخَرَجُوا مُبَادِرِينَ مَسْرُورِينَ بِذَلِكَ . وَكَرِهَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ تَعْلَمَ بَنُو قُرَيْظَةَ رَجْعَتَهُمْ إلَى مَنَازِلِهِمْ فَأَمَرَ بِرَدّهِمْ وَبَعَثَ مَنْ يُنَادِي فِي أَثَرِهِمْ فَمَا [ ص 492 ] رَجَعَ رَجُلٌ وَاحِدٌ . فَكَانَ مِمّنْ يَرُدّهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ ، أَمَرَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ عَبْدُ اللّهِ فَجَعَلْت أَصِيحُ فِي أَثَرِهِمْ فِي كُلّ نَاحِيَةٍ إنّ رَسُولَ اللّهِ أَمَرَكُمْ أَنْ تَرْجِعُوا ، فَمَا رَجَعَ رَجُلٌ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مِنْ الْقُرّ وَالْجُوعِ . فَكَانَ يَقُولُ كَرِهَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَرَى سُرْعَتَهُمْ وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ لِقُرَيْشٍ عُيُونٌ . قَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ أَرُدّهُمْ فَجَعَلْت أَصِيحُ بِهِمْ فَمَا يَرْجِعُ أَحَدٌ ، فَانْطَلَقْت فِي أَثَرِ بَنِي حَارِثَةَ فَوَاَللّهِ مَا أَدْرَكْتهمْ حَتّى دَخَلُوا بُيُوتَهُمْ وَلَقَدْ صِحْت فَمَا يَخْرُجُ إلَيّ أَحَدٌ مِنْ جَهْدِ الْجُوعِ وَالْقُرّ فَرَجَعَتْ إلَى النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَلْقَاهُ فِي بَنِي حَرَامٍ مُنْصَرِفًا ، فَأَخْبَرْته فَضَحِكَ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَدّثَنَا مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ قَالَ لَمّا مَلّتْ قُرَيْشٌ الْمُقَامَ وَأَجْدَبَ الْجَنَابُ ، وَضَاقُوا بِالْخَنْدَقِ وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ عَلَى طَمَعٍ أَنْ يُغِيرَ عَلَى بَيْضَةِ الْمَدِينَةِ ، كَتَبَ كِتَابًا فِيهِ بِاسْمِك اللّهُمّ فَإِنّي أَحْلِفُ بِاَللّاتِي وَالْعُزّى ، لَقَدْ سِرْت إلَيْك فِي جَمْعِنَا ، وَإِنّا نُرِيدُ أَلّا نَعُودَ إلَيْك أَبَدًا حَتّى نَسْتَأْصِلَك ، فَرَأَيْتُك قَدْ كَرِهْت لِقَاءَنَا ، وَجَعَلْت مَضَايِقَ وَخَنَادِقَ فَلَيْتَ شِعْرِي مَنْ عَلّمَك هَذَا ؟ فَإِنْ نَرْجِعْ عَنْكُمْ فَلَكُمْ مِنّا يَوْمٌ كَيَوْمِ أُحُدٍ ، تُبْقَرُ فِيهِ النّسَاءُ . وَبَعَثَ بِالْكِتَابِ مَعَ أَبِي أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ فَلَمّا أَتَى بِالْكِتَابِ دَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أُبَيّ بْنَ كَعْبٍ ، فَدَخَلَ مَعَهُ قُبّتَهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ كِتَابَ أَبِي سُفْيَانَ . وَكَتَبَ إلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ . .. أَمَا بَعْدُ فَقَدِيمًا غَرّك بِاَللّهِ الْغَرُورُ أَمّا مَا ذَكَرْت أَنّك سِرْت إلَيْنَا فِي جَمْعِكُمْ وَأَنّك لَا تُرِيدُ [ ص 493 ] أَنْ تَعُودَ حَتّى تَسْتَأْصِلَنَا ، فَذَلِكَ أَمْرٌ اللّهُ يَحُولُ بَيْنَك وَبَيْنَهُ وَيَجْعَلُ لَنَا الْعَاقِبَةَ حَتّى لَا تَذْكُرَ اللّاتِي وَالْعُزّى . وَأَمّا قَوْلُك : « مَنْ عَلّمَك الّذِي صَنَعْنَا مِنْ الْخَنْدَقِ » فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى أَلْهَمَنِي ذَلِكَ لِمَا أَرَادَ مِنْ غَيْظِك بِهِ وَغَيْظِ أَصْحَابِك ، وَلَيَأْتِيَن عَلَيْك يَوْمٌ تُدَافِعُنِي بِالرّاحِ وَلْيَأْتِيَن عَلَيْك يَوْمٌ أَكْسِرُ فِيهِ اللّاتِي ، وَالْعُزّى ، وَإِسَافَ وَنَائِلَةَ وَهُبَلَ حَتّى أُذَكّرُك ذَلِكَ . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنّ فِي الْكِتَابِ « وَلَقَدْ عَلِمْت أَنّي لَقِيت أَصْحَابَك بِأَحْيَاءَ وَأَنَا فِي عِيرٍ لِقُرَيْشٍ فَمَا حَصَرَ أَصْحَابُك مِنّا شَعْرَةً وَرَضُوا بِمُدَافَعَتِنَا بِالرّاحِ . ثُمّ أَقْبَلْت فِي عِيرِ قُرَيْشٍ حَتّى لَقِيت قَوْمِي ، فَلَمْ تَلْقَنَا ، فَأَوْقَعْت بِقَوْمِي وَلَمْ أَشْهَدْهَا مِنْ وَقْعَةٍ . ثُمّ غَزَوْتُكُمْ فِي عُقْرِ دَارِكُمْ فَقَتَلْت وَحَرَقْت - يَعْنِي غَزْوَةَ السّوِيقِ - ثُمّ غَزَوْتُك فِي جَمْعِنَا يَوْمَ أُحُدٍ ، فَكَانَتْ وَقْعَتُنَا فِيكُمْ مِثْلَ وَقْعَتِكُمْ بِنَا بِبَدْرٍ ثُمّ سِرْنَا إلَيْكُمْ فِي جَمْعِنَا وَمَنْ تَأَلّبَ إلَيْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، فَلَزِمْتُمْ الصّيَاصِيَ وَخَنْدَقْتُمْ الْخَنَادِقَ » . (1/489) بَابُ مَا أَنَزَلَ اللّهُ مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْخَنْدَقِ حَدّثَنِي [ ص 494 ] مُوسَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ وَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي شَأْنِ الْخَنْدَقِ يَذْكُرُ نِعْمَتَهُ وَكِفَايَتَهُ عَدُوّهُمْ بَعْدَ سُوءِ الظّنّ مِنْهُمْ وَمَقَالَةِ مَنْ تَكَلّمَ بِالنّفَاقِ فَقَالَ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا قَالَ وَكَانَتْ الْجُنُودُ الّتِي أَتَتْ الْمُؤْمِنِينَ قُرَيْشًا وَغَطَفَانَ وَأَسَدًا وَسُلَيْمًا ، وَكَانَتْ الْجُنُودُ الّتِي بَعَثَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الرّيحَ . وَذَكَرَ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنّونَ بِاللّهِ الظّنُونَ وَكَانَ الّذِينَ جَاءُوهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ بَنُو قُرَيْظَةَ ، وَاَلّذِينَ جَاءُوا مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ قُرَيْشٌ وَأَسَدٌ وَغَطَفَانُ وَسُلَيْمٌ . هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ إِلّا غُرُورًا قَوْلُ مُعَتّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ . وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النّبِيّ يَقُولُونَ إِنّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلّا فِرَارًا يَقُولُ أَوْسُ بْنُ قَيْظِيّ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى مِثْلِ رَأْيِهِ . وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا مِنْ نَوَاحِيهَا ثُمّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبّثُوا بِهَا إِلّا يَسِيرًا يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ . وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلّونَ الْأَدْبَارَ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى [ ص 495 ] وَإِذًا لَا تُمَتّعُونَ إِلّا قَلِيلًا كَانَ ثَعْلَبَةُ عَاهَدَ اللّهَ يَوْمَ أُحُدٍ لَا يُوَلّي دُبُرًا أَبَدًا بَعْدَ أُحُدٍ . ثُمّ ذَكَرَ أَهْلَ الْإِيمَانِ حِينَ أَتَاهُمْ الْأَحْزَابُ فَحَصَرُوهُمْ وَظَاهَرَتْهُمْ بَنُو قُرَيْظَةَ فِي الْخَنْدَقِ فَاشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْبَلَاءُ فَقَالُوا لَمّا رَأَوْا ذَلِكَ هَذَا مَا وَعَدَنَا اللّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْبَقَرَةِ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلَا إِنّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ وَفِي قَوْلِهِ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ يَقُولُ قُتِلَ أَوْ أُبْلِيَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ أَنْ يُقْتَلَ أَوْ يُبْلَى ، وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلًا مَا تَغَيّرَتْ نِيّاتُهُمْ . لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا . حَدّثَنِي إسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى ، عَنْ مُجَاهَدٍ ، قَالَ نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ فَقَالَ هَذَا مِمّنْ قَضَى نَحْبَهُ (1/494) ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، رَمَاهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرِقَةِ فَمَاتَ وَيُقَالُ رَمَاهُ أَبُو أُسَامَةَ الْجُشَمِيّ . وَأَنَسُ بْنُ أَوْسِ بْنِ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَمِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ قَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ ، رَمَاهُ بِسَهْمٍ . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ الْأَشْهَلِيّ ، رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عُوَيْفٍ فَقَتَلَهُ . [ ص 496 ] وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ الطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ قَتَلَهُ وَحْشِيّ ، وَكَانَ وَحْشِيّ يَقُولُ أَكْرَمَ اللّهُ بِحَرْبَتِي حَمْزَةَ وَالطّفَيْلَ وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَابِي ، قَتَلَهُ هُبَيْرَةُ بْنُ أَبِي وَهْبٍ الْمَخْزُومِيّ . وَمِنْ بَنِي دِينَارٍ كَعْبُ بْنُ زَيْدٍ وَكَانَ قَدْ اُرْتُثّ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ فَصَحّ حَتّى قُتِلَ فِي الْخَنْدَقِ ، قَتَلَهُ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ . فَجَمِيعُ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِتّةُ نَفَرٍ . (1/496) ذِكْرُ مَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السّلَامُ - وَنَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّ ، قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَيُقَالُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - عَلَيْهِ السّلَامُ - وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ عُثْمَانُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ مَاتَ بِمَكّةَ مِنْ رَمْيَةٍ رُمِيَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ ، وَهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . ذِكْرُ مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي الْخَنْدَقِ قَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ : هَكَذَا كَانَ . .. (1/496) بَابُ غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ سَارَ إلَيْهِمْ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِسَبْعٍ بَقِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، ثُمّ انْصَرَفَ يَوْمَ الْخَمِيسِ لِسَبْعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحَجّةِ سَنَةَ خَمْسٍ . وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ . قَالُوا : لَمّا انْصَرَفَ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْخَنْدَقِ ، وَخَافَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ خَوْفًا شَدِيدًا ، وَقَالُوا : مُحَمّدٌ يَزْحَفُ إلَيْنَا وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَمْ [ ص 497 ] يُؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ حَتّى جَاءَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - . وَكَانَتْ امْرَأَةُ نَبّاشِ بْنِ قَيْسٍ قَدْ رَأَتْ وَالْمُسْلِمُونَ فِي حِصَارِ الْخَنْدَقِ ، قَالَتْ أَرَى الْخَنْدَقَ لَيْسَ بِهِ أَحَدٌ ، وَأَرَى النّاسَ تَحَوّلُوا إلَيْنَا وَنَحْنُ فِي حُصُونِنَا قَدْ ذُبِحْنَا [ ذَبْحَ ] الْغَنَمِ . فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِزَوْجِهَا ، فَخَرَجَ زَوْجُهَا فَذَكَرَهَا لِلزّبَيْرِ بْنِ بَاطَا ، فَقَالَ الزّبَيْرُ مَا لَهَا لَا نَامَتْ عَيْنُهَا ، تُوَلّي قُرَيْشٌ وَيَحْصُرُنَا مُحَمّدٌ وَالتّوْرَاة ِ ، وَلَمَا بَعْدَ الْحِصَارِ أَشَدّ مِنْهُ قَالُوا : فَلَمّا رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ الْخَنْدَقِ دَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - فَغَسَلَ رَأْسَهُ وَاغْتَسَلَ وَدَعَا بِالْمِجْمَرَةِ لِيُجْمِرَ وَقَدْ صَلّى الظّهْرَ وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ وَعَلَيْهَا قَطِيفَةٌ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ فَوَقَفَ عِنْدَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ فَنَادَى : عَذِيرَك مِنْ مُحَارِبٍ قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَزِعًا فَقَالَ أَلَا أَرَاك وَضَعْت اللّأْمَةَ وَلَمْ تَضَعْهَا الْمَلَائِكَةُ بَعْدُ ؟ لَقَدْ طَرَدْنَاهُمْ إلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ ، إنّ اللّهَ يَأْمُرُك أَنْ تَسِيرَ إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ ، فَإِنّي عَامِدٌ إلَيْهِمْ فَمُزَلْزِلٌ بِهِمْ حُصُونَهُمْ . وَيُقَالُ جَاءَهُ عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ . فَدَعَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلِيّا - عَلَيْهِ السّلَامُ - فَدَفَعَ إلَيْهِ لِوَاءً وَكَانَ اللّوَاءُ عَلَى حَالِهِ لَمْ يُحَلّ مِنْ مَرْجِعِهِ مِنْ الْخَنْدَقِ ، وَبَعَثَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِلَالًا فَأَذّنَ فِي النّاسِ إنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَأْمُرُكُمْ أَلّا تُصَلّوا الْعَصْرَ إلّا بِبَنِي قُرَيْظَةَ وَلَبِسَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - السّلَاحَ وَالْمِغْفَرَ وَالدّرْعَ وَالْبَيْضَةَ وَأَخَذَ قَنَاةً بِيَدِهِ وَتَقَلّدَ التّرْسَ وَرَكِبَ فَرَسَهُ وَحَفّ بِهِ أَصْحَابُهُ وَتَلَبّسُوا السّلَاحَ وَرَكِبُوا الْخَيْلَ وَكَانَتْ سِتّةً وَثَلَاثِينَ فَرَسًا ، وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 498 ] قَدْ قَادَ فَرَسَيْنِ وَرَكِبَ وَاحِدًا . يُقَالُ لَهُ اللّحَيْفُ فَكَانَتْ ثَلَاثَةُ أَفْرَاسٍ مَعَهُ . وَعَلِيّ - عَلَيْهِ السّلَامُ - فَارِسٌ ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ . وَفِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ : عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - فَارِسٌ ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَارِسٌ ، وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، وَالزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ : عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ بَنِي تَيْمٍ : أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ : عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ . وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَخْرَمَةَ . وَمِنْ بَنِي فِهْرٍ : أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ . وَمِنْ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ، وَأُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَبُو نَائِلَةَ وَسَعْدُ بْنُ زَيْدٍ . وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ : قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ . وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيّ وَثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ . وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ : الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ . وَمِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ . وَفِي بَنِي زُرَيْقٍ رُقَادُ بْنُ لَبِيدٍ وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرٍو ، وَأَبُو عَيّاشٍ وَمُعَاذُ بْنُ رِفَاعَةَ . وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ : سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ . فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أَيّوبَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ قَالَ فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي أَصْحَابِهِ وَالْخَيْلُ وَالرّجّالَةُ حَوْلَهُ فَمَرّ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِنَفَرٍ مِنْ بَنِي النّجّارِ بِالصّورَيْنِ فِيهِمْ حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، قَدْ صَفّوا عَلَيْهِمْ السّلَاحَ فَقَالَ هَلْ مَرّ بِكُمْ أَحَدٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ دِحْيَةُ الْكَلْبِيّ مَرّ عَلَى بَغْلَةٍ عَلَيْهَا رِحَالَةٌ عَلَيْهَا قَطِيفَةٌ مِنْ - 499 - إسْتَبْرَقٍ فَأَمَرَنَا بِلُبْسِ السّلَاحِ فَأَخَذْنَا سِلَاحَنَا وَصَفَفْنَا ، وَقَالَ لَنَا : هَذَا رَسُولُ اللّهِ يَطّلِعُ عَلَيْكُمْ الْآنَ . قَالَ حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ : فَكُنّا صَفّيْنِ ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ذَلِكَ جِبْرِيلُ فَكَانَ حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ يَقُولُ رَأَيْت جِبْرِيلَ مِنْ الدّهْرِ مَرّتَيْنِ - يَوْمَ الصّورَيْنِ وَيَوْمَ مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ حِينَ رَجَعْنَا مِنْ حُنَيْنٍ . وَانْتَهَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَنَزَلَ عَلَى بِئْرٍ لَنَا أَسْفَلَ حَرّةِ بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَكَانَ عَلِيّ - عَلَيْهِ السّلَامُ - قَدْ سَبَقَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ فِيهِمْ أَبُو قَتَادَةَ . (1/497) فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ ، قَالَ انْتَهَيْنَا إلَيْهِمْ فَلَمّا رَأَوْنَا أَيْقَنُوا بِالشّرّ وَغَرَزَ عَلِيّ - عَلَيْهِ السّلَامُ - الرّايَةَ عِنْدَ أَصْلِ الْحِصْنِ فَاسْتَقْبَلُونَا فِي صَيَاصِيِهِمْ يَشْتُمُونَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَزْوَاجَهُ . قَالَ أَبُو قَتَادَةَ : وَسَكَتْنَا وَقُلْنَا : السّيْفُ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ وَطَلَعَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَمّا رَآهُ عَلِيّ - عَلَيْهِ السّلَامُ - رَجَعَ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَمَرَنِي أَنْ أَلْزَمَ اللّوَاءَ فَلَزِمْته ، وَكَرِهَ أَنْ يَسْمَعَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَذَاهُمْ وَشَتْمَهُمْ . فَسَارَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَيْهِمْ وَتَقَدّمَهُ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ يَا أَعْدَاءَ اللّهِ لَا نَبْرَحُ حِصْنَكُمْ حَتّى تَمُوتُوا جُوعًا . إنّمَا أَنْتُمْ بِمَنْزِلَةِ ثَعْلَبٍ فِي جُحْرٍ . قَالُوا : يَا ابْنَ الْحُضَيْرِ نَحْنُ مَوَالِيكُمْ دُونَ الْخَزْرَجِ وَخَارُوا ، وَقَالَ لَا عَهْدَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَلَا إلّ . وَدَنَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْهُمْ وَتَرّسْنَا عَنْهُ فَقَالَ [ ص 500 ] يَا إخْوَةَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَعَبَدَةَ الطّوَاغِيتِ أَتَشْتُمُونَنِي ؟ قَالَ فَجَعَلُوا يَحْلِفُونَ بِالتّوْرَاةِ الّتِي أُنْزِلَتْ عَلَى مُوسَى : مَا فَعَلْنَا وَيَقُولُونَ يَا أَبَا الْقَاسِمِ مَا كُنْت جَهُولًا ثُمّ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الرّمَاةَ مِنْ أَصْحَابِهِ . فَحَدّثَنِي فَرْوَةُ بْنُ زُبَيْدٍ ، عَنْ عَائِشَةَ بِنْتِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهَا ، قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَا سَعْدُ تَقَدّمَ فَارْمِهِمْ فَتَقَدّمْت حَيْثُ تَبْلُغُهُمْ نَبْلِي ، وَمَعِي نَيّفٌ عَلَى الْخَمْسِينَ فَرَمَيْنَاهُمْ سَاعَةً وَكَأَنّ نَبْلَنَا مِثْلُ جَرَادٍ فَانْجَحَرُوا فَلَمْ يَطْلُعْ مِنْهُمْ أَحَدٌ . وَأَشْفَقْنَا عَلَى نَبْلِنَا أَنْ يَذْهَبَ فَجَعَلْنَا نَرْمِي بَعْضَهَا وَنُمْسِكُ الْبَعْضَ . فَكَانَ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو الْمَازِنِيّ - وَكَانَ رَامِيًا - يَقُولُ رَمَيْت يَوْمَئِذٍ بِمَا فِي كِنَانَتِي ، حَتّى أَمْسَكْنَا عَنْهُمْ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللّيْلِ . قَالَ وَقَدْ رَمَوْنَا وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَاقِفٌ عَلَى فَرَسِهِ عَلَيْهِ السّلَاحُ وَأَصْحَابُ الْخَيْلِ حَوْلَهُ ثُمّ أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَانْصَرَفْنَا إلَى مَنْزِلِنَا وَعَسْكَرْنَا فَبِتْنَا ، وَكَانَ طَعَامُنَا تَمْرًا بَعَثَ بِهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، أَحْمَالَ تَمْرٍ فَبِتْنَا نَأْكُلُ مِنْهَا ، وَلَقَدْ رُئِيَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَأْكُلُونَ مِنْ ذَلِكَ التّمْرِ وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَقُولُ نِعْمَ الطّعَامُ التّمْرُ وَاجْتَمَعَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عِشَاءً فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُصَلّ حَتّى جَاءَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَدْ صَلّى ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَمَا عَابَ عَلَى أَحَدٍ صَلّى ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ لَمْ يُصَلّ حَتّى بَلَغَ بَنِي قُرَيْظَةَ . ثُمّ غَدَوْنَا (1/500) عَلَيْهِمْ [ ص 501 ] بِسُحْرَةٍ فَقَدّمَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الرّمَاةَ وَعَبّأَ أَصْحَابَهُ فَأَحَاطُوا بِحُصُونِهِمْ مِنْ كُلّ نَاحِيَةٍ فَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يُرَامُونَهُمْ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ وَجَعَلَ الْمُسْلِمُونَ يَعْتَقِبُونَ فَيُعْقِبُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، فَمَا بَرِحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُرَامِيهِمْ حَتّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ . فَحَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانُوا يُرَامُونَنَا مِنْ حُصُونِهِمْ بِالنّبْلِ وَالْحِجَارَةِ أَشَدّ الرّمْيِ وَكُنّا نَقُومُ حَيْثُ تَبْلُغُهُمْ نَبْلُنَا . فَحَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَالَ قَالَ مُحَمّد بْنُ مَسْلَمَةَ حَصَرْنَاهُمْ أَشَدّ الْحِصَارِ فَلَقَدْ رَأَيْتنَا يَوْمَ غَدَوْنَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْفَجْرِ فَجَعَلْنَا نَدْنُو مِنْ الْحِصْنِ وَنَرْمِيهِمْ مِنْ كَثَبٍ وَلَزِمْنَا حُصُونَهُمْ فَلَمْ نُفَارِقْهَا حَتّى أَمْسَيْنَا ، وَحَضّنَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى الْجِهَادِ وَالصّبْرِ . ثُمّ بِتْنَا عَلَى حُصُونِهِمْ مَا رَجَعْنَا إلَى مُعَسْكَرِنَا حَتّى تَرَكُوا قِتَالَنَا وَأَمْسَكُوا عَنْهُ وَقَالُوا : نُكَلّمُك . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَعَمْ . فَأَنْزَلُوا نَبّاشَ بْنَ قَيْسٍ ، فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سَاعَةً وَقَالَ يَا مُحَمّدُ نَنْزِلُ عَلَى مَا نَزَلَتْ عَلَيْهِ بَنُو النّضِيرِ ، لَك الْأَمْوَالُ وَالْحَلْقَةُ وَتَحْقِنُ دِمَاءَنَا ، وَنَخْرُجُ مِنْ بِلَادِكُمْ بِالنّسَاءِ وَالذّرَارِيّ وَلَنَا مَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ إلّا الْحَلْقَةَ . فَأَبَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالُوا : فَتَحْقِنُ دِمَاءَنَا وَتُسَلّمُ لَنَا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ وَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيمَا حَمَلَتْ الْإِبِلُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَا ، إلّا أَنْ تَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِي . فَرَجَعَ نَبّاشٌ إلَى أَصْحَابِهِ بِمَقَالَةِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ : يَا مَعْشَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّ مُحَمّدًا نَبِيّ اللّهِ وَمَا مَنَعَنَا مِنْ الدّخُولِ مَعَهُ إلّا الْحَسَدُ لِلْعَرَبِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ نَبِيّا مِنْ بَنِي [ ص 502 ] إسْرَائِيلَ فَهُوَ حَيْثُ جَعَلَهُ اللّهُ . وَلَقَدْ كُنْت كَارِهًا لِنَقْضِ الْعَهْدِ وَالْعَقْدِ وَلَكِنّ الْبَلَاءَ وَشُؤْمَ هَذَا الْجَالِسِ عَلَيْنَا وَعَلَى قَوْمِهِ وَقَوْمُهُ كَانُوا أَسْوَأَ مِنّا . (1/501) لَا يَسْتَبْقِي مُحَمّدٌ رَجُلًا وَاحِدًا إلّا مَنْ تَبِعَهُ . أَتَذْكُرُونَ مَا قَالَ لَكُمْ ابْنُ خِرَاشٍ حِين قَدِمَ عَلَيْكُمْ فَقَالَ تَرَكْت الْخَمْرَ وَالْخَمِيرَ وَالتّأْمِيرَ وَجِئْت إلَى السّقَاءِ وَالتّمْرِ وَالشّعِيرِ ؟ قَالُوا : وَمَا ذَلِكَ ؟ قَالَ يَخْرُج مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ نَبِيّ ، فَإِنْ خَرَجَ وَأَنَا حَيّ اتّبَعْته وَنَصَرْته ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْدِي فَإِيّاكُمْ أَنْ تُخْدَعُوا عَنْهُ فَاتّبِعُوهُ وَكُونُوا أَنْصَارَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ وَقَدْ آمَنْتُمْ بِالْكِتَابَيْنِ كِلَيْهِمَا الْأَوّلِ وَالْآخِرِ . قَالَ كَعْبٌ فَتَعَالَوْا فَلْنُتَابِعْهُ وَلْنُصَدّقْهُ وَلْنُؤْمِنْ بِهِ فَنَأْمَنُ عَلَى دِمَائِنَا وَأَبْنَائِنَا وَنِسَائِنَا وَأَمْوَالِنَا ، فَنَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَعَهُ . قَالُوا : لَا نَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِنَا ، نَحْنُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَالنّبُوّةِ وَنَكُونُ تَبَعًا لِغَيْرِنَا ؟ فَجَعَلَ كَعْبٌ يَرُدّ عَلَيْهِمْ الْكَلَامَ بِالنّصِيحَةِ لَهُمْ قَالُوا : لَا نُفَارِقُ التّوْرَاةَ وَلَا نَدَعُ مَا كُنّا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ مُوسَى . قَالَ فَهَلُمّ فَلْنَقْتُلْ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا ، ثُمّ نَخْرُجُ فِي أَيْدِينَا السّيُوفُ إلَى مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ . فَإِنْ قَتَلَنَا قُتِلْنَا وَمَا وَرَاءَنَا أَمْرٌ نَهْتَمّ بِهِ وَإِنْ ظَفِرْنَا فَلَعَمْرِي لَنَتَخِذَنّ النّسَاءَ وَالْأَبْنَاءَ . فَتَضَاحَكَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ثُمّ قَالَ مَا ذَنْبُ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ ؟ وَقَالَتْ رُؤَسَاءُ الْيَهُودِ ، الزّبِيرُ بْنُ بَاطَا وَذَوُوهُ مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدَ هَؤُلَاءِ . قَالَ فَوَاحِدَةٌ قَدْ بَقِيَتْ مِنْ الرّأْيِ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهَا ، فَإِنْ لَمْ تَقْبَلُوهَا فَأَنْتُمْ بَنُو إِسْتِهَا . قَالُوا : مَا هِيَ ؟ قَالَ اللّيْلَةُ السّبْتُ وَبِالْحَرِيّ أَنْ يَكُونَ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ آمِنِينَ لَنَا فِيهَا أَنْ نُقَاتِلَهُ فَنَخْرُجُ [ ص 503 ] فَلَعَلّنَا أَنْ نُصِيبَ مِنْهُ غِرّةً . قَالُوا : نُفْسِدُ سَبْتَنَا ، وَقَدْ عَرَفْت مَا أَصَابَنَا فِيهِ ؟ قَالَ حُيَيّ : قَدْ دَعَوْتُك إلَى هَذَا وَقُرَيْشٌ وَغَطَفَانُ حُضُورٌ فَأَبَيْت أَنْ نَكْسِرَ السّبْتَ فَإِنْ أَطَاعَتْنِي الْيَهُودُ فَعَلُوا . فَصَاحَتْ الْيَهُودُ : لَا نَكْسِرُ السّبْتَ . قَالَ نَبّاشُ بْنُ قَيْسٍ : وَكَيْفَ نُصِيبُ مِنْهُمْ غِرّةً وَأَنْتَ تَرَى أَنّ أَمْرَهُمْ كُلّ يَوْمٍ يَشْتَدّ . كَانُوا أَوّلَ مَا يُحَاصِرُونَنَا إنّمَا يُقَاتِلُونَ بِالنّهَارِ وَيَرْجِعُونَ اللّيْلَ فَكَانَ هَذَا لَك قَوْلًا « لَوْ بَيّتْنَاهُمْ » . فَهُمْ الْآنَ يُبَيّتُونَ اللّيْلَ وَيَظَلّونَ النّهَارَ فَأَيّ غِرّةً نُصِيبُ مِنْهُمْ ؟ هِيَ مَلْحَمَةٌ وَبَلَاءٌ كُتِبَ عَلَيْنَا . فَاخْتَلَفُوا وَسُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَنَدِمُوا عَلَى مَا صَنَعُوا ، وَرَقّوا عَلَى النّسَاءِ وَالصّبْيَانِ وَذَلِكَ أَنّ النّسَاءَ [ وَالصّبْيَانَ ] لَمّا رَأَوْا ضَعْفَ أَنْفُسِهِمْ هَلَكُوا ، فَبَكَى النّسَاءُ وَالصّبْيَانُ فَرَقّوا عَلَيْهِمْ . (1/503) فَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ قَالَ قَالَ ثَعْلَبَةُ وأُسَيْدُ ابْنَا سَعِيّةَ ، وَأَسَدُ بْنُ عُبَيْدٍ عَمّهُمْ يَا مَعْشَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ رَسُولُ اللّهِ وَأَنّ صِفَتَهُ عِنْدَنَا ، حَدّثَنَا بِهَا عُلَمَاؤُنَا وَعُلَمَاءُ بَنِي النّضِيرِ . هَذَا أَوّلُهُمْ - يَعْنِي حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ - مَعَ جُبَيْرِ بْنِ الْهَيّبَانِ أَصْدَقُ النّاسِ عِنْدَنَا ، هُوَ خَبّرَنَا بِصِفَتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ . قَالُوا : لَا نُفَارِقُ التّوْرَاةَ فَلَمّا رَأَى هَؤُلَاءِ النّفَرُ إبَاءَهُمْ نَزَلُوا فِي اللّيْلَةِ الّتِي فِي صُبْحِهَا نَزَلَتْ قُرَيْظَةُ فَأَسْلَمُوا فَأَمِنُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَهْلِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ . فَحَدّثَنِي الضّحّاكُ بْنُ عُثْمَانَ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ ، قَالَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْهُمْ يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ ، إنّكُمْ قَدْ حَالَفْتُمْ مُحَمّدًا عَلَى مَا حَالَفْتُمُوهُ عَلَيْهِ أَلّا تَنْصُرُوا عَلَيْهِ أَحَدًا مِنْ عَدُوّهِ وَأَنْ تَنْصُرُوهُ [ ص 504 ] مِمّنْ دَهَمَهُ فَنَقَضْتُمْ ذَلِكَ الْعَهْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ فَلَمْ أَدْخُلْ فِيهِ وَلَمْ أَشْرَكّمْ فِي غَدْرِكُمْ فَإِنْ أَبَيْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا مَعَهُ فَاثْبُتُوا [ عَلَى ] الْيَهُودِيّةِ وَأَعْطُوا الْجِزْيَةَ فَوَاَللّهِ مَا أَدْرِي يَقْبَلُهَا أَمْ لَا . قَالُوا : نَحْنُ لَا نُقِرّ لِلْعَرَبِ بِخَرْجٍ فِي رِقَابِنَا يَأْخُذُونَنَا بِهِ الْقَتْلُ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَإِنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ . وَخَرَجَ فِي تِلْكَ اللّيْلَةِ مَعَ بَنِي سَعِيّةَ فَمَرّ بِحَرَسِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعَلَيْهِمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى . فَقَالَ مُحَمّدٌ مُرّ اللّهُمّ لَا تَحْرِمْنِي إقَالَةَ عَثَرَاتِ الْكِرَامِ . فَخَلّى سَبِيلَهُ وَخَرَجَ حَتّى أَتَى مَسْجِدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَبَاتَ بِهِ حَتّى أَصْبَحَ فَلَمّا أَصْبَحَ غَدَا فَلَمْ يُدْرَ أَيْنَ هُوَ حَتّى السّاعَةِ فَسُئِلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنْهُ فَقَالَ ذَلِكَ رَجُلٌ نَجّاهُ اللّهُ بِوَفَائِهِ . وَيُقَالُ إنّهُ لَمْ يَطْلُعْ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَلَمْ يُبَادِرْ لِلْقِتَالِ فِي رِوَايَتِنَا . حَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ مَرّ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى عَلَى الْحَرَسِ فَنَادَاهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَنْ هَذَا ؟ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُعْدَى . قَالَ مُحَمّدٌ قَدْ عَرَفْنَاك . ثُمّ قَالَ مُحَمّدٌ اللّهُمّ لَا تَحْرِمْنِي إقَالَةَ عَثَرَاتِ الْكِرَامِ . (1/504) حَدّثَنِي الثّوْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيّ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، قَالَ لَمّا كَانَ يَوْمُ بَنِي قُرَيْظَةَ قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ : مَنْ يُبَارِزُ ؟ فَقَامَ إلَيْهِ الزّبَيْرُ فَبَارَزَهُ . فَقَالَتْ صَفِيّةُ وَاجَدّي فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَيّهُمَا عَلَا صَاحِبَهُ قَتَلَهُ . فَعَلَاهُ الزّبَيْرُ فَقَتَلَهُ فَنَفّلَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سَلَبَهُ . [ ص 505 ] قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : وَلَمْ يُسْمَعْ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي قِتَالِهِمْ وَأَرَاهُ وَهَلْ - هَذَا فِي خَيْبَرَ . حَدّثَنِي مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ ، قَالَ كَانَ أَوّلَ شَيْءٍ عَتَبَ فِيهِ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَنّهُ خَاصَمَ يَتِيمًا لَهُ فِي عَذْقٍ . فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْعِذْقِ لِأَبِي لُبَابَةَ فَصَيّحَ الْيَتِيمُ وَاشْتَكَى إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِأَبِي لُبَابَةَ هَبْ لِي الْعَذْقَ يَا أَبَا لُبَابَةَ - لِكَيْ يَرُدّهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى الْيَتِيمِ . فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ أَنْ يَهَبَهُ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ يَا أَبَا لُبَابَةَ أَعْطِهِ الْيَتِيمَ وَلَك مِثْلُهُ فِي الْجَنّةِ . فَأَبَى أَبُو لُبَابَةَ أَنْ يُعْطِيَهُ . (1/505) قَالَ الزّهْرِيّ : فَحَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ لَمّا أَبَى أَنْ يُعْطِيَهُ قَالَ ابْنُ الدّحْدَاحَةِ - وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ : أَرَأَيْت يَا رَسُولَ اللّهِ إنْ ابْتَعْت هَذَا الْعَذْقَ فَأَعْطَيْته هَذَا الْيَتِيمَ أَلِي مِثْلُهُ فِي الْجَنّةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَعَمْ . فَانْطَلَقَ ابْنُ الدّحْدَاحَةِ حَتّى لَقِيَ أَبَا لُبَابَةَ فَقَالَ أَبْتَاعُ مِنْك عَذْقَك بِحَدِيقَتِي - وَكَانَتْ لَهُ حَدِيقَةُ نَخْلٍ . قَالَ أَبُو لُبَابَةَ نَعَمْ . فَابْتَاعَ ابْنُ الدّحْدَاحَةِ الْعَذْقَ بِحَدِيقَةٍ مِنْ نَخْلٍ ، فَأَعْطَاهُ الْيَتِيمَ . فَلَمْ يَلْبَثْ ابْنُ الدّحْدَاحَةِ أَنْ جَاءَ كُفّارُ قُرَيْشٍ إلَى أُحُدٍ ، فَخَرَجَ ابْنُ الدّحْدَاحَةِ فَقُتِلَ شَهِيدًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رُبّ عَذْقٍ مُذَلّلٍ لِابْن الدّحْدَاحَةِ فِي الْجَنّةِ قَالُوا : فَلَمّا اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ أَرْسَلُوا إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَرْسِلْ إلَيْنَا أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ [ ص 506 ] فَحَدّثَنِي رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَقِيلٍ ، عَنْ السّائِبِ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَمّا أَرْسَلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَسْأَلُونَهُ أَنْ يُرْسِلَنِي إلَيْهِمْ دَعَانِي رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ اذْهَبْ إلَى حُلَفَائِك ، فَإِنّهُمْ أَرْسَلُوا إلَيْك مِنْ بَيْنِ الْأَوْسِ . قَالَ فَدَخَلْت عَلَيْهِمْ وَقَدْ اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ فَبَهَشُوا إلَيّ وَقَالُوا : يَا أَبَا لُبَابَةَ نَحْنُ مَوَالِيك دُونَ النّاسِ كُلّهِمْ . فَقَامَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ فَقَالَ أَبَا بَشِيرٍ قَدْ عَلِمْت مَا صَنَعْنَا فِي أَمْرِك وَأَمْرِ قَوْمِك يَوْمَ الْحَدَائِقِ وَبُعَاثٍ ، وَكُلّ حَرْبٍ كُنْتُمْ فِيهَا . وَقَدْ اشْتَدّ عَلَيْنَا الْحِصَارُ وَهَلَكْنَا ، وَمُحَمّدٌ يَأْبَى يُفَارِقُ حِصْنَنَا حَتّى نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِهِ . فَلَوْ زَالَ عَنّا لَحِقْنَا بِأَرْضِ الشّامِ أَوْ خَيْبَرَ ، وَلَمْ نَطَأْ لَهُ حُرّا أَبَدًا ، وَلَمْ نُكْثِرْ عَلَيْهِ جَمْعًا أَبَدًا . قَالَ أَبُو لُبَابَةَ أَمّا مَا كَانَ هَذَا مَعَكُمْ فَلَا يَدَعُ هَلَاكَكُمْ - وَأَشَرْت إلَى حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ . قَالَ كَعْبٌ هُوَ وَاَللّهِ أَوْرَدَنِي ثُمّ لَمْ يُصْدِرْنِي . فَقَالَ حُيَيّ : فَمَا أَصْنَعُ ؟ كُنْت أَطْمَعُ فِي أَمْرِهِ فَلَمّا أَخْطَأَنِي آسَيْتُك بِنَفْسِي ، يُصِيبُنِي مَا أَصَابَك . قَالَ كَعْبٌ وَمَا حَاجَتِي إلَى أَنْ أُقْتَلَ أَنَا وَأَنْتَ وَتُسْبَى ذَرَارِيّنَا ؟ قَالَ حُيَيّ : مَلْحَمَةٌ وَبَلَاءٌ كُتِبَ عَلَيْنَا . ثُمّ قَالَ كَعْبٌ مَا تَرَى ، فَإِنّا قَدْ اخْتَرْنَاك عَلَى غَيْرِك ؟ إنّ مُحَمّدًا قَدْ أَبَى إلّا أَنْ نَنْزِلَ عَلَى حُكْمِهِ أَفَنَنْزِلُ ؟ قَالَ نَعَمْ فَانْزِلُوا - وَأَوْمَأَ إلَى حَلْقِهِ هُوَ الذّبْحُ . قَالَ فَنَدِمْت فَاسْتَرْجَعْت ، فَقَالَ لِي كَعْبٌ مَا لَك يَا أَبَا لُبَابَةَ ؟ فَقُلْت : خُنْت اللّهَ وَرَسُولَهُ . فَنَزَلْت وَإِنّ لِحْيَتِي لَمُبْتَلّةٌ مِنْ الدّمُوعِ [ ص 507 ] وَالنّاسُ يَنْتَظِرُونَ رُجُوعِي إلَيْهِمْ حَتّى أَخَذْت مِنْ وَرَاءِ الْحِصْنِ طَرِيقًا آخَرَ حَتّى جِئْت إلَى الْمَسْجِدِ فَارْتَبَطْت ، فَكَانَ ارْتِبَاطِي إلَى الْأُسْطُوَانَةِ الْمُخَلّقَةِ الّتِي تُقَالُ أُسْطُوَانَةُ التّوْبَةِ - وَيُقَالُ لَيْسَ تِلْكَ إنّمَا ارْتَبَطَ إلَى أُسْطُوَانَةٍ كَانَتْ وِجَاهَ الْمِنْبَرِ عِنْدَ بَابِ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهَذَا أَثْبَتُ الْقَوْلَيْنِ - وَبَلَغَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَهَابِي وَمَا صَنَعْت فَقَالَ دَعُوهُ حَتّى يُحْدِثَ اللّهُ فِيهِ مَا يَشَاءُ . لَوْ كَانَ جَاءَنِي اسْتَغْفَرْت لَهُ فَأَمّا إذْ لَمْ يَأْتِنِي وَذَهَبَ فَدَعُوهُ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ فَكُنْت فِي أَمْرٍ عَظِيمٍ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً وَأَذْكُرُ رُؤْيَا رَأَيْتهَا . (1/506) فَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ أَيّوبَ بْنِ خَالِدٍ : قَالَ قَالَ أَبُو لُبَابَةَ رَأَيْت فِي النّوْمِ وَنَحْنُ مُحَاصِرُو بَنِي قُرَيْظَةَ كَأَنّي فِي حَمْأَةٍ آسِنَةٍ فَلَمْ أَخْرُجْ مِنْهَا حَتّى كِدْت أَمُوتَ مِنْ رِيحِهَا . ثُمّ أَرَى نَهَرًا جَارِيًا ، فَأَرَانِي اغْتَسَلْت مِنْهُ حَتّى اسْتَنْقَيْتُ وَأَرَانِي أَجِدُ رِيحًا طَيّبَةً . فَاسْتَعْبَرَهَا أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ لَتَدْخُلَنّ فِي أَمْرٍ تَغْتَمّ لَهُ ثُمّ يُفَرّجُ عَنْك . فَكُنْت أَذْكُرُ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - وَأَنَا مُرْتَبِطٌ فَأَرْجُو أَنْ تَنْزِلَ تَوْبَتِي . فَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ اسْتَعْمَلَ أَبَا لُبَابَةَ عَلَى قِتَالِهِمْ فَلَمّا أَحْدَثَ مَا أَحْدَثَ عَزَلَهُ وَاسْتَعْمَلَ أُسَيْدَ بْنَ حُضَيْرٍ . وَارْتَبَطَ أَبُو لُبَابَةَ سَبْعًا بَيْنَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الّتِي عِنْدَ بَابِ أُمّ سَلَمَةَ فِي حَرّ شَدِيدٍ لَا يَأْكُلُ فِيهِنّ وَلَا يَشْرَبُ وَقَالَ لَا أَزَالُ هَكَذَا حَتّى أُفَارِقَ الدّنْيَا أَوْ يَتُوبَ اللّهُ عَلَيّ . قَالَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّى مَا يَسْمَعُ الصّوْتَ مِنْ الْجَهْدِ وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَنْظُرُ إلَيْهِ بُكْرَةً [ ص 508 ] وَعَشِيّةً ثُمّ تَابَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَنُودِيَ إنّ اللّهَ قَدْ تَابَ عَلَيْك وَأَرْسَلَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَيْهِ لِيُطْلِقَ عَنْهُ رِبَاطَهُ فَأَبَى أَنْ يُطْلِقَهُ عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَاءَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِنَفْسِهِ فَأَطْلَقَهُ . قَالَ الزّهْرِيّ : فَحَدّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَتْ رَأَيْت رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَحِلّ عَنْهُ رِبَاطَهُ وَإِنّ رَسُولَ اللّهِ لَيَرْفَعُ صَوْتَهُ يُكَلّمُهُ وَيُخْبِرُهُ بِتَوْبَتِهِ وَمَا يَدْرِي كَثِيرًا مِمّا يَقُولُ مِنْ الْجَهْدِ وَالضّعْفِ . وَيُقَالُ مَكَثَ خَمْسَ عَشْرَةَ مَرْبُوطًا ، وَكَانَتْ ابْنَتُهُ تَأْتِيهِ بِتَمَرَاتٍ لِفِطْرِهِ فَيَلُوكُ مِنْهُنّ وَيَتْرُكُ وَيَقُولُ وَاَللّهِ مَا أَقْدِرُ عَلَى أَنْ أَسِيغَهَا فَرَقًا أَلّا تَنْزِلَ تَوْبَتِي . وَتُطْلِقُهُ عِنْدَ وَقْتِ كُلّ صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ تَوَضّأَ وَإِلّا أَعَادَتْ الرّبَاطَ . وَلَقَدْ كَانَ الرّبَاطُ حَزّ فِي ذِرَاعَيْهِ وَكَانَ مِنْ شَعَرٍ وَكَانَ يُدَاوِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا ، وَكَانَ ذَلِكَ يَبِينُ فِي ذِرَاعَيْهِ بَعْدَ مَا بَرِئَ . وَقَدْ سَمِعْنَا فِي تَوْبَتِهِ وَجْهًا آخَرَ . (1/508) حَدّثَنَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ ، عَنْ أُمّ سَلَمَةَ زَوْجِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَتْ إنّ تَوْبَةَ أَبِي لُبَابَةَ نَزَلَتْ فِي بَيْتِي . قَالَتْ أُمّ سَلَمَةَ فَسَمِعْت رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَضْحَكُ فِي السّحَرِ فَقُلْت : مِمّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَضْحَكَ اللّهُ سِنّك ؟ قَالَ تِيبَ عَلَى أَبِي لُبَابَةَ . قَالَتْ قُلْت : أُوذِنُهُ بِذَلِكَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ مَا شِئْت . قَالَتْ فَقُمْت عَلَى بَابِ الْحُجْرَةِ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ الْحِجَابُ فَقُلْت : يَا أَبَا لُبَابَةَ أَبْشِرْ فَقَدْ تَابَ اللّهُ عَلَيْك [ ص 509 ] فَثَارَ النّاسُ إلَيْهِ لِيُطْلِقُوهُ . فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ لَا ، حَتّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللّهِ فَيَكُونَ هُوَ الّذِي يُطْلِقُ عَنّي . فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى الصّبْحِ أَطْلَقَهُ وَنَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيّئًا عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ الْآيَةَ . وَيُقَال نَزَلَتْ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ الزّهْرِيّ ، قَالَ نَزَلَتْ فِيهِ يَا أَيّهَا الرّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ الْآيَةَ . وَأَثْبَتُ ذَلِكَ عِنْدَنَا قَوْلُهُ - عَزّ وَجَلّ - وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا (1/509) وَحَدّثَنِي مَعْمَرٌ عَنْ الزّهْرِيّ ، عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ جَاءَ أَبُو لُبَابَةَ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ أَنَا أَهْجُرُ دَارَ قَوْمِي الّتِي أَصَبْت فِيهَا هَذَا الذّنْبَ فَأُخْرِجُ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ . فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُجْزِئُ عَنْك الثّلُثُ . فَأَخْرَجَ الثّلُثَ وَهَجَرَ أَبُو لُبَابَةَ دَارَ قَوْمِهِ . ثُمّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبِنْ فِي الْإِسْلَامِ مِنْهُ إلّا خَيْرٌ حَتّى فَارَقَ الدّنْيَا قَالُوا : وَلَمّا جَهَدَهُمْ الْحِصَارُ وَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّم - أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ بِأَسْرَاهُمْ فَكُتّفُوا رِبَاطًا ، وَجُعِلَ عَلَى كِتَافِهِمْ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَنُحّوا نَاحِيَةً وَأَخْرَجُوا النّسَاءَ وَالذّرّيّةَ مِنْ الْحُصُونِ فَكَانُوا نَاحِيَةً . وَاسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلَامٍ ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 510 ] بِجَمْعِ أَمْتِعَتِهِمْ وَمَا وُجِدَ فِي حُصُونِهِمْ مِنْ الْحَلْقَةِ وَالْأَثَاثِ وَالثّيَابِ . فَحَدّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ وُجِدَ فِيهَا أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ سَيْفٍ وَثَلَاثُمِائَةِ دِرْعٍ وَأَلْفَا رُمْحٍ وَأَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةِ تُرْسٍ وَحَجَفَةٍ . وَأَخْرَجُوا أَثَاثًا كَثِيرًا . وَآنِيَةً كَثِيرَةً وَوَجَدُوا خَمْرًا وَجِرَارَ سَكَرٍ فَهُرِيقَ ذَلِكَ كُلّهُ وَلَمْ يُخَمّسْ . وَوَجَدُوا مِنْ الْجِمَالِ النّوَاضِحِ عِدّةً وَمِنْ الْمَاشِيَةِ فَجُمِعَ هَذَا كُلّهُ . حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ قَالَ أَنَا كُنْت مِمّنْ كَسَرَ جِرَارَ السّكَرِ يَوْمَئِذٍ . (1/510) حَدّثَنِي خَارِجَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ قَالَ وَتَنَحّى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَجَلَسَ وَدَنَتْ الْأَوْسُ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ حُلَفَاؤُنَا دُونَ الْخَزْرَجِ ، وَقَدْ رَأَيْت مَا صَنَعْت بِبَنِي قَيْنُقَاعَ بِالْأَمْسِ حُلَفَاءِ ابْنِ أُبَيّ ، وَهَبْت لَهُ ثَلَاثَمِائَةِ حَاسِرٍ وَأَرْبَعَمِائَةِ دَارِعٍ . وَقَدْ نَدِمَ حُلَفَاؤُنَا عَلَى مَا كَانَ مِنْ نَقْضِهِمْ الْعَهْدَ فَهَبْهُمْ لَنَا . وَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سَاكِتٌ لَا يَتَكَلّمُ حَتّى أَكْثَرُوا عَلَيْهِ وَأَلَحّوا وَنَطَقَتْ الْأَوْسُ كُلّهَا . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِيهِمْ إلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ فَذَلِكَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ . وَسَعْدٌ يَوْمَئِذٍ فِي الْمَسْجِدِ فِي خَيْمَةِ كُعَيْبَةَ بِنْتِ سَعْدِ بْنِ عُتْبَةَ وَكَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى ، وَتَلُمّ الشّعَثَ وَتَقُومُ عَلَى الضّائِعِ وَاَلّذِي لَا أَحَدَ لَهُ . وَكَانَ لَهَا خَيْمَةٌ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - جَعَلَ سَعْدًا فِيهَا . فَلَمّا جَعَلَ رَسُولُ اللّهِ [ ص 511 ] - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْحُكْمَ إلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ خَرَجَتْ الْأَوْسُ حَتّى جَاءُوهُ فَحَمَلُوهُ عَلَى حِمَارٍ بِشَنَذَةٍ مِنْ لِيفٍ وَعَلَى الْحِمَارِ قَطِيفَةٌ فَوْقَ الشّنَذَةِ وَخِطَامُهُ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ . فَخَرَجُوا حَوْلَهُ يَقُولُونَ يَا أَبَا عَمْرٍو ، إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ وَلّاك أَمْرَ مَوَالِيك لِتُحْسِنَ فِيهِمْ فَأَحْسِنْ فَقَدْ رَأَيْت ابْنَ أُبَيّ وَمَا صَنَعَ فِي حُلَفَائِهِ . وَالضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ يَقُولُ يَا أَبَا عَمْرٍو ، مَوَالِيَك ، مَوَالِيَك قَدْ مَنَعُوك فِي الْمَوَاطِنِ كُلّهَا ، وَاخْتَارُوك عَلَى مَنْ سِوَاك وَرَجَوْا عِيَاذَك ، وَلَهُمْ جِمَالٌ وَعِدَدٌ . وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشٍ يَا أَبَا عَمْرٍو ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيك وَحُلَفَائِك ; إنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُحِبّ الْبَقِيّةَ نَصَرُوك يَوْمَ الْبُعَاثِ وَالْحَدَائِقِ وَالْمَوَاطِنِ وَلَا تَكُنْ شَرّا مِنْ ابْنِ أُبَيّ . (1/511) قَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ وَجَعَلَ قَائِلُهُمْ يَقُولُ يَا أَبَا عَمْرٍو . وَإِنّا وَاَللّهِ قَاتَلْنَا بِهِمْ فَقَتَلْنَا ، وَعَازَزْنَا بِهِمْ فَعَزَزْنَا قَالُوا : وَسَعْدٌ لَا يَتَكَلّمُ حَتّى إذَا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ قَالَ سَعْدٌ قَدْ آنَ لِسَعْدٍ أَلّا تَأْخُذَهُ فِي اللّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ . فَقَالَ الضّحّاكُ بْنُ خَلِيفَةَ وَاقَوْمَاه ثُمّ رَجَعَ الضّحّاكُ إلَى الْأَوْسِ فَنَعَى لَهُمْ بَنِي قُرَيْظَةَ . وَقَالَ مُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ : وَاسُوءَ صَبَاحَاهُ وَقَالَ حَاطِبُ بْنُ أُمَيّةَ الظّفَرِيّ : ذَهَبَ قَوْمِي آخِرَ الدّهْرِ . وَأَقْبَلَ سَعْدٌ إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَالنّاسُ حَوْلَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - جُلُوسٌ فَلَمّا طَلَعَ سَعْدٌ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قُومُوا إلَى سَيّدِكُمْ . فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ يَقُولُونَ فَقُمْنَا لَهُ عَلَى أَرْجُلِنَا صَفّيْنِ ، يُحَيّيهِ كُلّ رَجُلٍ مِنّا ، حَتّى انْتَهَى إلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَائِلٌ يَقُولُ إنّمَا عَنَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِقَوْلِهِ قُومُوا إلَى سَيّدِكُم يَعْنِي بِهِ الْأَنْصَارَ دُونَ [ ص 512 ] قُرَيْشٍ . قَالَتْ الْأَوْسُ الّذِينَ بَقُوا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِسَعْدٍ يَا أَبَا عَمْرٍو إنّ رَسُولَ اللّهِ قَدْ وَلّاك الْحُكْمَ فَأَحْسِنْ فِيهِمْ وَاذْكُرْ بَلَاءَهُمْ عِنْدَك . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : أَتَرْضَوْنَ بِحُكْمِي لِبَنِي قُرَيْظَةَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَدْ رَضِينَا بِحُكْمِك وَأَنْتَ غَائِبٌ عَنّا ، اخْتِيَارًا مِنّا لَك وَرَجَاءَ أَنْ تَمُنّ عَلَيْنَا كَمَا فَعَلَهُ غَيْرُك فِي حُلَفَائِهِ مِنْ قَيْنُقَاعَ وَأَثَرُنَا عِنْدَك أَثَرُنَا ، وَأَحْوَجُ مَا كُنّا الْيَوْمَ إلَى مُجَازَاتِك . فَقَالَ سَعْدٌ لَا آلُوكُمْ جَهْدًا . فَقَالُوا : مَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ هَذَا ؟ ثُمّ قَالَ عَلَيْكُمْ عَهْدَ اللّهِ وَمِيثَاقَهُ أَنّ الْحُكْمَ فِيكُمْ مَا حَكَمْت ؟ قَالُوا : نَعَمْ . فَقَالَ سَعْدٌ لِلنّاحِيَةِ الْأُخْرَى الّتِي فِيهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهَا إجْلَالًا لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَعَلَى مَنْ هَاهُنَا مِثْلُ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمَنْ مَعَهُ نَعَمْ . قَالَ سَعْدٌ فَإِنّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ الْمُوسَى ، وَتُسْبَى النّسَاءُ وَالذّرّيّةُ وَتُقْسَمُ الْأَمْوَالُ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَقَدْ حَكَمْت بِحُكْمِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ . وَكَانَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي اللّيْلَةِ الّتِي فِي صُبْحِهَا نَزَلَتْ قُرَيْظَةُ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ دَعَا فَقَالَ اللّهُمّ إنْ كُنْت أَبْقَيْت مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ شَيْئًا فَأَبْقِنِي لَهَا ، فَإِنّهُ لَا قَوْمَ أَحَبّ إلَيّ أَنْ أُقَاتِلَ مِنْ قَوْمٍ كَذّبُوا رَسُولَ اللّهِ وَآذَوْهُ وَأَخْرَجُوهُ وَإِنْ كَانَتْ الْحَرْبُ قَدْ وَضَعَتْ أَوْزَارَهَا عَنّا وَعَنْهُمْ فَاجْعَلْهُ لِي شَهَادَةً وَلَا تُمِتْنِي حَتّى تُقِرّ عَيْنِي مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَأَقَرّ اللّهُ عَيْنَهُ مِنْهُمْ . فَأَمَرَ بِالسّبْيِ فَسِيقُوا إلَى دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ إلَى دَارِ ابْنَةِ الْحَارِثِ وَأَمَرَ رَسُولُ [ ص 513 ] اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِأَحْمَالِ التّمْرِ فَنُثِرَتْ عَلَيْهِمْ فَبَاتُوا يَكْدُمُونَهَا كَدْمَ الْحُمُرِ وَجَعَلُوا لَيْلَتَهُمْ يَدْرُسُونَ التّوْرَاةَ ، وَأَمَرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالثّبَاتِ عَلَى دِينِهِ وَلُزُومِ التّوْرَاةِ . (1/512) وَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالسّلَاحِ وَالْأَثَاثِ وَالْمَتَاعِ وَالثّيَابِ فَحُمِلَ إلَى دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ وَأَمَرَ بِالْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فَتُرِكَتْ هُنَاكَ تَرْعَى فِي الشّجَرِ . قَالُوا : ثُمّ غَدَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى السّوقِ فَأَمَرَ بِخُدُودٍ فَخُدّتْ فِي السّوقِ مَا بَيْنَ مَوْضِعِ دَارِ أَبِي جَهْمٍ الْعَدَوِيّ إلَى أَحْجَارِ الزّيْتِ بِالسّوقِ فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَحْفِرُونَ هُنَاكَ وَجَلَسَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمَعَهُ عِلْيَةُ أَصْحَابِهِ وَدَعَا بِرِجَالِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانُوا يَخْرُجُونَ رَسْلًا رَسْلًا ، تُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ . فَقَالُوا لِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ : مَا تَرَى مُحَمّدًا مَا يَصْنَعُ بِنَا ؟ قَالَ مَا يَسُوءُكُمْ وَمَا يَنُوءُكُمْ وَيْلَكُمْ عَلَى كُلّ حَالٍ لَا تَعْقِلُونَ أَلَا تَرَوْنَ أَنّ الدّاعِيَ لَا يَنْزِعُ وَأَنّهُ مَنْ ذَهَبَ مِنْكُمْ لَا يَرْجِعُ ؟ هُوَ وَاَللّهِ السّيْفُ قَدْ دَعَوْتُكُمْ إلَى غَيْرِ هَذَا فَأَبَيْتُمْ قَالُوا : لَيْسَ هَذَا بِحِينِ عِتَابٍ لَوْلَا أَنّا كَرِهْنَا أَنْ نُزْرِيَ بِرَأْيِك مَا دَخَلْنَا فِي نَقْضِ الْعَهْدِ الّذِي كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ . قَالَ حُيَيّ : اُتْرُكُوا مَا تَرَوْنَ مِنْ التّلَاوُمِ فَإِنّهُ لَا يَرُدّ عَنْكُمْ شَيْئًا ، وَاصْبِرُوا لِلسّيْفِ . فَلَمْ يَزَالُوا يُقْتَلُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَ الّذِينَ يَلُونَ قَتْلَهُمْ عَلِيّ وَالزّبَيْرُ . ثُمّ أُتِيَ بِحُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ مَجْمُوعَةٍ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ عَلَيْهِ حُلّةٌ شَقْحِيّةٌ قَدْ لَبِسَهَا لِلْقَتْلِ ثُمّ عَمَدَ إلَيْهَا فَشَقّهَا أُنْمُلَةً لِئَلّا يَسْلُبَهُ إيّاهَا أَحَدٌ ، وَقَدْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حِينَ طَلَعَ أَلَمْ يُمَكّنْ اللّهُ مِنْك يَا عَدُوّ اللّهِ ؟ قَالَ [ ص 514 ] بَلَى وَاَللّهِ مَا لُمْت نَفْسِي فِي عَدَاوَتِك ، وَلَقَدْ الْتَمَسْت الْعِزّ فِي مَكَانِهِ وَأَبَى اللّهُ إلّا أَنْ يُمَكّنَك مِنّي ، وَلَقَدْ قَلْقَلْت كُلّ مُقَلْقَلٍ وَلَكِنّهُ مَنْ يَخْذُلْ اللّهُ يُخْذَلْ . ثُمّ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ يَا أَيّهَا النّاسُ لَا بَأْسَ بِأَمْرِ اللّهِ قَدْرٌ وَكِتَابٌ مَلْحَمَةٌ كُتِبَتْ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ ثُمّ أُمِرَ بِهِ فَضُرِبَ عُنُقُهُ ثُمّ أُتِيَ بِغَزّالِ بْنِ سَمَوْأَلٍ فَقَالَ أَلَمْ يُمَكّنْ اللّهُ مِنْك ؟ قَالَ بَلَى يَا أَبَا الْقَاسِمِ . فَأَمَرَ بِهِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ . (1/514) ثُمّ أُتِيَ بِنَبّاشِ بْنِ قَيْسٍ ، وَقَدْ جَابَذَ الّذِي جَاءَ بِهِ حَتّى قَاتَلَهُ فَدَقّ الّذِي جَاءَ بِهِ أَنْفَهُ فَأَرْعَفَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِلّذِي جَاءَ بِهِ لِمَ صَنَعْت بِهِ هَذَا ؟ أَمَا كَانَ فِي السّيْفِ كِفَايَةٌ ؟ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ جَابَذَنِي لِأَنْ يَهْرُبَ . فَقَالَ كَذَبَ وَالتّوْرَاةِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَلَوْ خَلّانِي مَا تَأَخّرْت عَنْ مَوْطِنٍ قُتِلَ فِيهِ قَوْمِي حَتّى أَكُونَ كَأَحَدِهِمْ . قَالَ ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَحْسِنُوا إسَارَهُمْ وَقَيّلُوهُمْ وَأَسْقُوهُمْ حَتّى يُبْرِدُوا فَتَقْتُلُوا مَنْ بَقِيَ لَا تَجْمَعُوا عَلَيْهِمْ حَرّ الشّمْسِ وَحَرّ السّلَاحِ - وَكَانَ يَوْمًا صَائِفًا . فَقَيّلُوهُمْ وَأَسْقَوْهُمْ وَأَطْعِمُوهُمْ فَلَمّا أَبْرَدُوا رَاحَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَقْتُلُ مَنْ بَقِيَ . وَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلَى سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ ، وَكَانَتْ إحْدَى خَالَاتِهِ وَكَانَتْ قَدْ صَلّتْ الْقِبْلَتَيْنِ وَبَايَعَتْهُ وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ لَهُ انْقِطَاعٌ إلَيْهَا وَإِلَى أَخِيهَا سَلِيطِ بْنِ قَيْسٍ وَأَهْلِ الدّارِ وَكَانَ حِينَ حُبِسَ أَرْسَلَ إلَيْهَا أَنْ كَلّمِي مُحَمّدًا فِي تَرْكِي ، فَإِنّ لِي بِكُمْ حُرْمَةً وَأَنْتِ إحْدَى أُمّهَاتِهِ فَتَكُونَ لَكُمْ عِنْدِي يَدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 515 ] مَا لَك يَا أُمّ الْمُنْذِرِ ؟ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ رِفَاعَةُ بْنُ سَمَوْأَلٍ كَانَ يَغْشَانَا وَلَهُ بِنَا حُرْمَةٌ فَهَبْهُ لِي . وَقَدْ رَآهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَلُوذُ بِهَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَعَمْ هُوَ لَك . ثُمّ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّهُ سَيُصَلّي وَيَأْكُلُ لَحْمَ الْجَمَلِ . فَتَبَسّمَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ثُمّ قَالَ إنْ يُصَلّ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَإِنْ يَثْبُتْ عَلَى دِينِهِ فَهُوَ شَرّ لَهُ . قَالَتْ فَأَسْلَمَ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ مَوْلَى أُمّ الْمُنْذِرِ فَشَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَاجْتَنَبَ الدّارَ حَتّى بَلَغَ أُمّ الْمُنْذِرِ ذَلِكَ فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِ إنّي وَاَللّهِ مَا أَنَا لَك بِمَوْلَاةٍ وَلَكِنّي كَلّمْت رَسُولَ اللّهِ فَوَهَبَك لِي ، فَحَقَنْت دَمَك وَأَنْتَ عَلَى نَسَبِك . فَكَانَ بَعْدُ يَغْشَاهَا ، وَعَادَ إلَى الدّارِ . (1/515) وَجَاءَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ فَقَالَا : يَا رَسُولِ اللّهِ إنّ الْأَوْسَ كَرِهَتْ قَتْلَ بَنِي قُرَيْظَةَ لِمَكَانِ حِلْفِهِمْ . فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا كَرِهَهُ مِنْ الْأَوْسِ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ فَمَنْ كَرِهَهُ مِنْ الْأَوْسِ لَا أَرْضَاهُ اللّهُ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَا تُبْقِيَنّ دَارًا مِنْ دُورِ الْأَوْسِ إلّا فَرّقْتهمْ فِيهَا ، فَمَنْ سَخِطَ ذَلِكَ فَلَا يُرْغِمُ اللّهُ إلّا أَنْفَهُ فَابْعَثْ إلَى دَارِي أَوّلَ دُورِهِمْ . فَبَعَثَ إلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بِاثْنَيْنِ فَضَرَبَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ رَقَبَةَ أَحَدِهِمَا ، وَضَرَبَ أَبُو نَائِلَةَ الْآخَرَ . وَبَعَثَ إلَى بَنِي حَارِثَةَ بِاثْنَيْنِ فَضَرَبَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ النّيَارِ رَقَبَةَ أَحَدِهِمَا ، وَذَفّفَ عَلَيْهِ مُحَيّصَةُ وَضَرَبَ الْآخَرُ أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ ذَفّفَ عَلَيْهِ ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ . وَبَعَثَ إلَى بَنِي ظَفَرٍ بِأَسِيرَيْنِ . فَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمّدٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، قَالَ [ ص 516 ] قَتَلَ أَحَدَهُمَا قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ ، وَقَتَلَ الْآخَرَ نَضْرُ بْنُ الْحَارِثِ . قَالَ عَاصِمٌ وَحَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ بَشِيرٍ الْمُعَاوِيّ قَالَ أَرْسَلَ إلَيْنَا - بَنِي مُعَاوِيَةَ - بِأَسِيرَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا جَبْرُ بْنُ عَتِيكٍ وَقَتَلَ الْآخَرَ نُعْمَانُ بْنُ عَصْرٍ ; حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . قَالَ وَأَرْسَلَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بِأَسِيرَيْنِ عُقْبَةَ بْنِ زَيْدٍ وَأَخِيهِ وَهْبِ بْنِ زَيْدٍ ، فَقَتَلَ أَحَدَهُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَالْآخَرَ سَالِمُ بْنُ عُمَيْرٍ . وَأَرْسَلَ إلَى بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ . وَأُتِيَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِكَعْبِ بْنِ أَسَدٍ مَجْمُوعَةٍ يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ وَكَانَ حَسَنَ الْوَجْهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ؟ قَالَ كَعْبٌ نَعَمْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ . قَالَ وَمَا انْتَفَعْتُمْ بِنُصْحِ ابْنِ خِرَاشٍ وَكَانَ مُصَدّقًا بِي ، أَمَا أَمَرَكُمْ بِاتّبَاعِي وَإِنْ رَأَيْتُمُونِي تُقْرِئُونِي مِنْهُ السّلَامَ ؟ قَالَ بَلَى وَالتّوْرَاةِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ وَلَوْلَا أَنْ تُعَيّرَنِي الْيَهُودُ بِالْجَزَعِ مِنْ السّيْفِ لَاتّبَعْتُك ، وَلَكِنّي عَلَى دِينِ الْيَهُودِ . قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدّمْهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ . فَقَدّمَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ . (1/516) فَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ جَبِيرَةَ عَنْ الْحُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، قَالَ لَمّا قَتَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حُيَيّ بْنَ أَخْطَبَ ، وَنَبّاشَ بْنَ قَيْسٍ ، وَغَزّالَ بْنَ سَمَوْأَلٍ ، وَكَعْبَ بْنَ أَسَدٍ وَقَامَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ عَلَيْك بِمَنْ بَقِيَ . فَكَانَ سَعْدٌ يُخْرِجُهُمْ رَسْلًا رَسْلًا يَقْتُلُهُمْ . قَالُوا : وَكَانَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي النّضِيرِ يُقَالُ لَهَا نُبَاتَةُ وَكَانَتْ تَحْتَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ فَكَانَ يُحِبّهَا وَتُحِبّهُ فَلَمّا اشْتَدّ عَلَيْهِمْ الْحِصَارُ بَكَتْ إلَيْهِ وَقَالَتْ إنّك لَمُفَارِقِي . فَقَالَ هُوَ وَالتّوْرَاةِ مَا تَرَيْنَ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ فَدَلّي عَلَيْهِمْ هَذِهِ الرّحَى ، فَإِنّا لَمْ نَقْتُلْ مِنْهُمْ أَحَدًا بَعْدُ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ وَإِنْ [ ص 517 ] يَظْهَرْ مُحَمّدٌ عَلَيْنَا لَا يَقْتُلْ النّسَاءَ . وَإِنّمَا كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُسْبَى ، فَأَحَبّ أَنْ تُقْتَلَ بِجُرْمِهَا . وَكَانَتْ فِي حِصْنِ الزّبِيرِ بْنِ بَاطَا ، فَدَلّتْ رَحًى فَوْق الْحِصْنِ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ رُبّمَا جَلَسُوا تَحْتَ الْحِصْنِ يَسْتَظِلّونَ فِي فَيْنِهِ فَأَطْلَعَتْ الرّحَى ، فَلَمّا رَآهَا الْقَوْمُ انْفَضّوا ، وَتُدْرِكُ خَلّادَ بْنَ سُوَيْدٍ فَتَشْدَخُ رَأْسَهُ فَحَذِرَ الْمُسْلِمُونَ أَهْلَ الْحِصْنِ . فَلَمّا كَانَ الْيَوْمُ الّذِي أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ يُقْتَلُوا ، دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ فَجَعَلَتْ تَضْحَكُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ وَهِيَ تَقُولُ سَرَاةُ بَنِي قُرَيْظَةَ يُقْتَلُونَ إذْ سَمِعَتْ صَوْتَ قَائِلٍ يَقُولُ يَا نُبَاتَةُ . قَالَتْ أَنَا وَاَللّهِ الّتِي أُدْعَى . قَالَتْ عَائِشَةُ وَلِمَ ؟ قَالَتْ قَتَلَنِي زَوْجِي - وَكَانَتْ جَارِيَةً حُلْوَةَ الْكَلَامِ . فَقَالَتْ عَائِشَةُ وَكَيْفَ قَتَلَك زَوْجُك ؟ قَالَتْ كُنْت فِي حِصْنِ الزّبِيرِ بْنِ بَاطَا ، فَأَمَرَنِي فَدَلّيْت رَحًى عَلَى أَصْحَابِ مُحَمّدٍ فَشَدَخَتْ رَأْسَ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَمَاتَ وَأَنَا أُقْتَلُ بِهِ . فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِهَا فَقُتِلَتْ بِخَلّادِ بْنِ سُوَيْدٍ . قَالَتْ عَائِشَةُ لَا أَنْسَى طَيّبَ نَفْسِ نُبَاتَةَ وَكَثْرَةَ ضَحِكِهَا ، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنّهَا تُقْتَلُ . فَكَانَتْ عَائِشَةُ تَقُولُ قُتِلَتْ بَنُو قُرَيْظَةَ يَوْمَهُمْ حَتّى قُتِلُوا بِاللّيْلِ عَلَى شُعَلِ السّعَفِ . حَدّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ ثُمَامَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قَالَ قُتِلُوا إلَى أَنْ غَابَ الشّفَقُ ثُمّ رُدّ عَلَيْهِمْ التّرَابُ فِي الْخَنْدَقِ . وَكَانَ مَنْ شُكّ فِيهِ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَلَغَ نُظِرَ إلَى مُؤْتَزَرِهِ إنْ كَانَ أَنْبَتَ قُتِلَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُنْبِتْ طُرِحَ فِي السّبْيِ . (1/517) فَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ قَالَ كَانُوا سِتّمِائَةٍ إلّا عَمْرَو بْنَ السّعْدَى وُجِدَتْ رِمّتُهُ وَنَجَا . قَالَ ابْنُ وَاقِدٍ : خُرُوجُهُ مِنْ الْحِصْنِ أَثْبَتُ . [ ص 518 ] وَحَدّثَنِي مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ ، قَالَ كَانُوا مَا بَيْنَ سِتّمِائَةٍ إلَى سَبْعِمِائَةٍ . وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَحِمَهُ اللّهُ - يَقُولُ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ . قَالُوا : وَكَانَ نِسَاءُ بَنِي قُرَيْظَةَ حِينَ تَحَوّلُوا فِي دَارِ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ وَفِي دَارِ أُسَامَةَ يَقُلْنَ عَسَى مُحَمّدٌ أَنْ يَمُنّ عَلَى رِجَالِنَا أَوْ يَقْبَلَ مِنْهُمْ فِدْيَةً . فَلَمّا أَصْبَحْنَ وَعَلِمْنَ بِقَتْلِ رِجَالِهِنّ صِحْنَ وَشَقَقْنَ الْجُيُوبَ وَنَشَرْنَ الشّعُورَ وَضَرَبْنَ الْخُدُودَ عَلَى رِجَالِهِنّ فَمَلَأْنَ الْمَدِينَةَ . قَالَ يَقُولُ الزّبِيرُ بْن بَاطَا : اُسْكُتْنَ فَأَنْتُنّ أَوّلُ مَنْ سُبِيَ مِنْ نِسَاءِ بَنِي إسْرَائِيلَ مُنْذُ كَانَتْ الدّنْيَا ؟ وَلَا يُرْفَعُ السّبْيُ عَنْهُمْ حَتّى نَلْتَقِيَ نَحْنُ وَأَنْتُنّ وَإِنْ كَانَ فِي رِجَالِكُنّ خَيْرٌ فَدُوكُنّ فَالْزَمْنَ دِينَ الْيَهُودِ فَعَلَيْهِ نَمُوتُ وَعَلَيْهِ نَحْيَى . (1/518) الصفحة السابقة // الصفحة التالية |
1.سورة الاخلاص
110. ب مم.
· تشقق السماوات وتكور الشموس /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثانيالتجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة / /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث❷ /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانويالهندسة بأفرعها / لغة انجليزية2ث.ت1. / مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق/❷عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا ت /قْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِفيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في /مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث /ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن /كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة /والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني /ثانوي.ت1./ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث
Translate ***
15.موقع جادو
باب في اليقين والتوكل تطريز رياض الصالحين /ج1.الكامل في اللغة/الجزء الأول /ج2.الكامل في اللغة/الجزء الثاني /ج3.الكامل في اللغة/الجزء الثالث /الكامل في اللغة/الجزء الرابع /الكامل في اللغة/الجزء الخامس /الكامل في اللغة/الجزء السادس /الكامل في /اللغة/الجزء السابع /الجزء 8. الكامل في اللغة /علل التثنية لابن جني /الفية ابن مالك /ابن هشام الأنصاري، من أئمة اللغة العربية /ج1.الكتاب (سيبويه)/المقدمة وج1 وج2. /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا مشمولة /فقه السنة تحقيق الشيالالباني /رياض الصالحين /فهرس رواة مسند الإمام أحمد /غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام /المصطلحات الأربعة في القرآن /إغاثة اللهفان في مصائد الشيطان* /البرهان في رد البهتان والعدوان - أحاديث المزارعة/تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر /الحديث النبوي مصطلحه ، بلاغته ، كتبه /كتاب العلم للنسائي /قاموس الصناعات الشامية /تأسيس الأحكام /صيد الخاطر /صحيح الجامع الصغير وزيادته (الفتح الكبير) وضعيفه {... /صحيح سنن ابن ماجة {3--اجزاء} + ج4. ضعيف سنن ابن ماجهسنن أبي داود /{3 اجزاء الصحيح } و{الجزء4.ضعيفه} /صحيح الأدب المفرد.البخاري وج2.{وضعيفه} /صحيح الترغيب /والترهيب{ج1 و2 و3.} +ضعيفه /تحقيق إرواء الغليل للالباني8ج طبيعة 1. / /طلبعة 3.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق