الهيثمي: (( فيه مُحَمَّد بن أبي سلمة المكي ، وقد ضُعِّفَ بهذا الحديث )) ([1]) .
خلاصة القول : إن الحديث لم يصح متصلاً ولم تتوفر فيه شروط الصحة ؛ فهو حديث ضعيف لانقطاعه ؛ ولضعف طرقه الأخرى ([2]) .
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ( حكم من أفطر في صيام التطوع )
وما دمنا قَدْ تكلمنا بإسهاب عن حديث الزهري متصلاً ومنقطعاً ، وذكرنا طرقه وشواهده ، وبيّنا ما يكمن فيها من ضعف وخلل ، فسأتكلم عن أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ، فأقول : من شَرَعَ في صوم تطوع ، أو صلاة تطوع ولم يتم نفله ، هل يجب عليه القضاء أم لا ؟
اختلف الفقهاء في ذلك على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
ذهب بعض العلماء إلى أن النفل يجب على المكلف بالشروع فيه ، فإذا أبطل وجب عليه قضاؤه صوماً كان أم صلاةً أم غيرهما .
وهو مروي عن : ابن عباس ([3]) ، وإبراهيم النخعي ([4]) ، والحسن البصري ([5]) ، وأنس([6]) بن سيرين ([7]) ، وعطاء ([8]) ، ومجاهد ([9]) ، والثوري ([10]) ، وأبي ثور ([11]) .
وهو مذهب الحنفية ([12]) ، والمالكية ([13])، والظاهرية ([14]) .
والحجة لهذا المذهب :
قوله تَعَالَى : ] وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ [ ([15]) : قال الجصاص الحنفي : (( يحتج به في أن كل من دخل في قربة لا يجوز له الخروج منها قبل إتمامها ؛ لما فيه من إبطال عمله نحو الصلاة والصوم والحج وغيره )) ([16]) .
وللشافعي جواب عن هذا فقال : (( المراد بذلك إبطال ثواب العمل المفروض ، فنهي الرجل عن إحباط ثوابه . فأما ما كان نفلاً فلا ؛ لأنه ليس واجباً عليه ، فإن زعموا أن اللفظ عام فالعام يجوز تخصيصه ، ووجه تخصيصه أن النفل تطوع ، والتطوع يقتضي تخييراً )) ([17]) .
جعلوا عمدة قولهم حديث الزهري السابق ، وكأنهم رجحوا الاتصال على الانقطاع ، أو أخذوا بالحديث لما له من طرق ، وجعل ابن حزم الظاهري عمدة قوله حديث جرير بن حازم ، عن يحيى بن سعيد ، عن عمرة ، عن عائشة . ودافع عن زيادة جرير([18]) . وقد تقدم الكلام بأن جريراً مخطئٌ في حديثه ، وقد ذكرنا كلام ابن حزم وأجبنا عنه .
القول الثاني :
ذهب فريق من الفقهاء إلى استحباب الإتمام ولا قضاء عليه ، وهو مذهب أكثر أهل العلم، وهو مروي عن : علي ([19]) ، وعبد الله بن مسعود ([20]) ، وعبد الله بن عمر ([21]) ، وابن عباس ([22]) ، وجابر بن عبد الله ([23]) .
وإبراهيم النخعي ([24]) ، ومجاهد ([25]) ، والثوري ([26]) ، وإسحاق ([27]) .
وهو مذهب الشافعية ([28]) ، والحنابلة ([29]) .
والحجة لهم : وهو أن حديث الزهري لم يصح ، فهو ضعيف منقطع ، ولم يروا الآية دليلاً لذلك ، فقد احتجوا بجملة من الأحاديث ، منها :
حديث عائشة بنت طلحة ([30])، عن عائشة أم المؤمنين ، قالت : دخل عَلَيَّ النبيُّ r ذات يوم ، فقال : هل عندكم شيءٌ ؟ فقلنا : لا ، قال : فإني إذن صائم . ثم أتانا يوماً آخر ، فقلنا : يا رسول الله ، أهدي لنا حيس ([31]) ، فقال : أَرينيه ، فلقد أصبحت صائماً ، فأكل )) . رواه مسلم ([32]) .
عن أبي جحيفة ([33]) قال : (( آخى النبي r بين سلمان([34]) وأبي الدرداء ، فزار سلمان أبا الدرداء ، فرآى أم الدرداء([35]) متبذلة ([36])، فقال لها : ما شأنك ؟ قالت : أخوك أبو الدرداء لَيْسَ لَهُ حاجة في الدنيا . فجاء أبو الدرداء فصنع لَهُ طعاماً ، فَقَالَ : كُلْ ، قَالَ: فإني صائم ، قَالَ: ما أنا بآكل حَتَّى تأكل ، قَالَ: فأكل ، فَلَمَّا كَانَ الليل ذهب أبو الدرداء يقوم ، فَقَالَ : نَمْ ، فنام ، ثُمَّ ذهب يقوم ، فَقَالَ: نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ من آخر الليل ، قَالَ سلمان : قم الآن ، فصليا ، فَقَالَ لَهُ سلمان : إن لربك عليك حقاً ، ولنفسك عليك حقاً ، ولأهلك عليك حقاً ، فاعطِ كُلّ ذي حق حقه ، فأتى النَّبِيّ r فذكر لَهُ ، فَقَالَ النَّبِيّ r : (( صدق سلمان )) . أخرجه البُخَارِيّ ([37])، والترمذي ([38])، وابن خزيمة ([39]) ، والبيهقي ([40]) .
فهذه أحاديث صحيحة أجازت لصائم النفل الإفطار ، ولم تأمره بقضاء .
حديث أم هانئ عن النبي r قال : (( الصائم المتطوع أمين نفسه ، إن شاء صام وإن شاء أفطر )). أخرجه الإمام أحمد ([41])، والترمذي ([42])، والنسائي ([43])، والدارقطني ([44])، والبيهقي ([45]) . قال الترمذي : (( في إسناده مقال )) ([46]) .
القول الثالث :
التفصيل وهو مذهب المالكية ، قالوا : إن أفطر بعذر جاز ، وإن أفطر بغير عذر لزمه القضاء ([47]) .
النوع الرابع
أن يروي الحديث قوم – مثلاً – عن رجلٍ عن تابعي عن صحابي ، ويرويه غيرهم
عن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه .
هذا أحد الأنواع الرئيسة التي تعتري اختلاف الأسانيد ، وهو من الاختلافات التي تومئ بعدم ضبط راويها ، وتخرج الحديث عن كونه عن رجل إلى رجل آخر ، وهنا نقف أمام أمرين ، وهما : هل أن الراوي أخطأ بهذا الاختلاف فالصواب عن أحدهما والآخر غلط ؟ أم أن هذا الراوي سمع الحديث من كلا الرجلين فتارة يحدّث به عن هذا ، وتارة يحدّث به عن الآخر ، وكلا هذين الراويين قَدْ سمعاه من هذا الصحابي عينه .
مثال ذلك : ما أخرجه الدارقطني ([48]) ، من طريق سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير ([49])، عن أبي هريرة رواية ([50]) أنه قال : (( زكاة الفطر على الغني والفقير )).
فهذا الحديث مِمَّا اختلف فيه على الزهري .
فقد رواه سفيان بن حسين ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ([51]) .
والحديث أخرجه : عبد الرزاق ([52]) ، وأحمد ([53]) ، والبخاري ([54]) ، والطحاوي([55])، والدارقطني ([56]) ، والبيهقي ([57]) من طريق معمر ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، به . موقوفاً ثم قال : - يعني : معمراً - : وبلغني أن الزهري كان يرويه إلى النبي r .
والحديث اختلف فيه كثيراً على الزهري غير هذا الاختلاف سأفصل ذلك - إن شاء الله - في النوع السادس ، وأذكر أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء .
النوع الخامس : زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد
إن من الشروط الأساسية لصحة الحديث الضبط ، والزيادة والنقصان في سند من الأسانيد مع اتحاد المدار أمارة من أمارات عدم الضبط ، وعدم الضبط مخرج للحديث من حال الصحة إلى حال الضعف .
وعليه فإذا روي حديث بأسانيد متعددة ، وكان مدار الحديث على رجلٍ واحد ، وزيد في أحد الأسانيد رجلٌ ونقص من بقية الأسانيد ، ولم نستطع الترجيح بين الروايات؛ مما يدل على أن الخطأ من الذي دار عليه الإسناد ، فرواه مرة هكذا ، ومرة هكذا ، فتبين لنا أن هذا الراوي لم يضبط هذا الحديث ، فيحكم على الحديث بالاضطراب ، ويتوقف الاحتجاج به حتى نجد له ما يعضده من متابعات ، أو شواهد ترفعه من حال الضعف إلى حال القبول .
وأحياناً توجد زيادة رجلٍ في أحد الأسانيد ، إلا أنّ الزيادة لا تقدح عند الأئمة إذا كان المزيد ثقة ؛ لأن الإسناد كيفما دار دار على ثقة . وقد تختلف أنظار المحدّثين في نحو مثل هذا فبعضهم يعد الزيادة قادحة وبعضهم لا يعدها قادحة .
ومما وردت فيه زيادة واختلفت أنظار المحدّثين فيها ، والراجح عدم القدح :
ما رواه بكير بن عبد الله ([58])، عن سليمان بن يسار ([59])، عن عبد الرحمان بن جابر ابن عبد الله ([60]) ، عن أبي بردة([61]) t ، قال : كان النبي r يقول : (( لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حدٍ من حدود الله )) .
فهذا الحديث مداره على بكير بن عبد الله ([62])، وهو هكذا من غير زيادة في إسناده وقد صححه من هذا الوجه الإمام البخاري ([63]) ، والترمذي ([64]) .
ورواه الليث بن سعد ([65])، وهو ثقة ثبت ([66])، عن يزيد بن أبي حبيب، عن بكير بن عبد الله ، به . وتابعه سعيد بن أبي أيوب([67])، وهو ثقة ثبت([68])، فهذه متابعة تامة لليث بن سعد .
وتابعه عبد الله بن لهيعة([69]) متابعة نازلة فرواه عن بكير بن عبد الله ، به لكن قَدْ خولف الإمام الليث بن سعد .
خالفه زيد بن أبي أنيسة([70]) - وهو ثقة([71])- عن يزيد بن أبي حبيب ، عن بكير بن عبد الله ، عن سليمان بن يسار ، عن عبد الرحمان بن جابر، عن أبيه([72])، عن أبي بردة بن ينار … الْحَدِيْث ، فقد زاد زيد بن أبي أنيسة زيادة فأدخل جابر بن عبد الله بين عبد الرحمان وأبي بردة .
وقد توبع زيد بن أبي أنيسة على هذا متابعة نازلةً ، تابعه اثنان :
الأول : عمرو بن الحارث([73]) ، وهو ثقة فقيه حافظ([74]) .
الثاني : أسامة بن زيد([75])، وهو صدوق يهم ([76]).
فروياه عن بكير بن عبد الله، عن سليمان بن يسار، عن عبد الرحمان بن جابر ، عن أبيه ، عن أبي بردة . هكذا روياه بزيادة:(( أبيه )) بين عبد الرحمان و أبي بردة فتابعا زيد بن أبي أنيسة .
هكذا حصلت الزيادة في أحد أسانيد الحديث ، ومداره على راوٍ واحد. وقد اختلفت وجهات نظر المحدّثين :
فقد صحّح الرواية بدون الزيادة الترمذي – كما سبق - ، و الدارقطني في العلل([77])، و البخاري :
وصحح الرواية مع الزيادة البخاري – أيضاً – ومسلم وأبو حاتم([78])، والدارقطني في التتبع ([79]). وقد حكم باضطراب الحديث الأصيلي([80]) قال الحافظ:(( أدعى الأصيلي أن الحديث مضطرب ، فلا يحتج به لاضطرابه))([81]).
وَقَالَ الشوكاني:(( تكلم في إسناده ابن المنذر والأصيلي من جهة الاختلاف فيه))([82]).
ولم أجد النقل صريحاً عن ابن المنذر إلا أنه قال في الإشراف:(( لم نجد في عدد الضرب في التعزير خبراً عن رسولِ الله ثابتاً ))([83]).
أقول: ما ذكر من إعلال الحديث بالاضطراب هو أمرٌ غير صحيح ؛ إذ إنَّهُ اختلاف غَيْر قادح فَهُوَ كيفما دار فَهُوَ عن ثقة ، وَقَدْ دافع الحَافِظ ابن حجر عن هَذَا الْحَدِيْث دفاعاً مجيداً ، فَقَالَ:(( لَمْ يقدح هَذَا الاختلاف عن الشيخين في صحة الْحَدِيْث؛ فإنه كيفما دار يدور على ثقة، ويحتمل أن يكون عبد الرحمان وقع له فيه ما وقع لبكير بن الأشج ([84]) في تحديث عبد الرحمان بن جابر لسليمان بحضرة بكير ؛ ثم تحديث سليمان بكيراً به عن عبد الرحمان ، أو أن عبد الرحمان سمع أبا بردة لما حدّث به أباه ، وثبته فيه أبوه ، فحدّث به تارة بواسطة أبيه وتارة بغير واسطة … وقد اتفق الشيخان على تصحيحه ، وهما العمدة في التصحيح ))([85]).
وللحديث شواهد فقد أخرجه عبد الرزاق([86]) ، و البخاري([87])، و النسائي في الكبرى([88]) من طريق مسلم بن أبي مريم([89])، عن عبد الرحمان بن جابر([90])، عمن سمع النبي r …الحديث .
وقد أخرجه الحارث ([91]) بن أبي أسامة ([92]) ، من رواية عبد الله بن أبي بكر بن الحارث بن هشام ([93]) رفعه . وقوّى الحافظ ابن حجر سنده إلا أنه مرسل([94]) ، وله شاهد آخر من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه ([95])، إلا أنه لا يفرح به لتفرد عباد بن كثير الثقفي به ؛ وَهُوَ متروك ([96]).
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء ( مقدار التعزير )
وما دمنا قَدْ تكلمنا عن حديث أبي بردة بتفصيل ، وبينا الزيادة الواردة في بعض أسانيده ، وبينا أن هذه الزيادة لم تقدح عند الشيخين –وهما من هما في الحفظ والإتقان-؛ فسنذكر أثر هَذَا الْحَدِيْث في اختلاف الفقهاء .
فأقول أولاً: الْحَدِيْث أصلٌ في حد عقوبة التعزير المعينة بالجلد([97]).
والتعزير لغة: مصدر عَزَرَ من العَزْر ، وهو الرد و المنع ، ويقال : عزر أخاه بمعنى نصره ؛ لأنَّهُ منع عدوه من أن يؤذيه ، ويقال : عزرته بمعنى : وقرّته ، وبمعنى أدبته ، فَهُوَ من أسماء الأضداد . وسميت العقوبة تعزيراً ؛ لأن من شأنها أن تدفع الجاني وترده عن ارتكاب الجرائم ، أو العودة إليها ([98]) .
وفي الاصطلاح : هو عقوبة غير مقدرة شرعاً ، تجب حقاً لله ، أو لآدمي ، في كل معصية ليس فيها حدٌ ولا كفارة غالباً ([99]). وقد اختلف الفقهاء في أعلى المقدار الذي يعاقب به من استحق التعزير بالجلد على أقوالٍ :
القول الأول: أن لا يزاد على عشر جلدات . وهو قول كثير من أهل العلم ، وبه قال الليث ([100]) ، و أحمد في المشهور عَنْهُ ([101]) وإسحاق ([102]) ووجه عند الشافعية ([103]) وبه قال الظاهرية ([104]) .
وحجة أصحاب هذا القول هو حديث أبي بردة الذي سبق تفصيله وهو حديث صحيح ، ولم يقدح فيه إعلال الأصيلي وابن المنذر ([105])، وقد أجاب عن الحديث و أظهر صحته الرافعي ([106]) وابن حجر ([107]).
وقد زعم بعض الشافعية: بأن الحديث منسوخ بإجْماع الصحابة على خلاف الْحَدِيْث ([108]) . وقد أجاب عن ذلك ابن دقيق العيد ، فقال : (( وهذا ضعيف جداً ، لأنه يتعذر عليه إثبات إجماع الصحابة على العمل بِخلافه، وفعل بعضهم أو فتواه لا يدل على النسخ ))([109]).
القول الثاني : لا يبلغ به الحد .
وفي تحديد المقصود من " لا يبلغ به الحد " ، مذاهب :
المذهب الأول : أن لا يبلغ بالتعزير أدنى حد مشروع ، فعلى هذا لا ينبغي أن يزاد الحد على تسعة و ثلاثين سوطاً ؛ لأن حد العبد في الخمر و القذف أربعون سوطاً . وإلى هَذَا ذهب أبو حَنِيْفَةَ ([110]).
المذهب الثاني : يجب أن ينقص الجلد عن أقل حدود المعزَّر فلا يزاد العبد على تسعة عشر سوطاً ، و للحر أن لا يزاد على تسعة و ثلاثين سوطاً . وهذا هو المعتبر عند الشافعية ([111]) .
المذهب الثالث: أدنى حد مشروع بالنسبة للحرِّ هو ثمانون سوطاً ، فلا يبلغ بالتعزير هذا المقدار ، وله أن يبلغ به تسعة وسبعين سوطاً .
وبه قال القاضي أبو يوسف ([112]) في رواية النوادر عنه ، وزفر ([113]) ، وحجته : أن اعتبار الحرية عند الناس هو الأصل ، و أقل حد للحر ثمانون جلدة .
المذهب الرابع : أن لا يتجاوز التعزير خمسة وسبعين سوطاً ، وهو قول ابن أبي ([114]) ليلى ([115]) ، و أحد قولي أبي يوسف ([116])، ورواية عن الإمام مالك ([117]) .
القول الثالث : يجوز أن يزاد التعزير على الحد إذا رأى الإمام ذلك ، و إن بلغ التعزير ما بلغ ، وهو قول الإمام مالك ([118]) ، و أبي ثور ([119]) ، و إحدى الروايات عن أبي يوسف ([120])، وبه قال أبو جعفر الطحاوي ([121]) وهو اختيار ابن تيمية ([122])، وهو أن التعزير يكون بحسب كثرة الذنب في الناس و قلته و على حسب حال المذنب .
القول الرابع : أن لا يزاد في الجلد على عشرين سوطاً .
وهو المروي عن سيدنا عمر بن الخطاب في كتابه إلى أبي موسى الأشعري : (( أن لا يبلغ بنكالٍ فوق عشرين سوطاً )) ([123])، وعنه رواية أخرى : أن لا يتعدَّى التعزير ثلاثين سوطاً ([124]).
النموذج الثاني
حديث رِفاعة بن رافع الزُّرقي([125]) ، قال: جاء رجل ورسول الله r في المسجد ، فصلى قريباً منه ، ثم انصرف إليه ، فسلّم عليه ، فقال له رسول الله r:(( أعِدْ صلاتك، فإنك لم تصل )) قال : فرجع ، فصلى نحواً مما صلى ثم انصرف إلى رسول الله r ، فقال رسول الله r :(( أعد صلاتك فإنك لم تصلِّ )) . فقال: يا رسول الله، كيف أصنعُ ؟ فقال:(( إذا استقبلت القبلة ، فكبر ، ثم أقرأْ بأم القرآن ، ثم أقرأ بما شئت ، فإذا ركعت ، فاجعل راحتيك على ركبتيك ، وامدد ظهرك ، فإذا رفعت رأسك ، فأقم صلبك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها ، فإذا سجدت ، فمكن سجودك ، فإذا رفعت رأسك ، فاجلس على فخذك اليسرى ، ثم اصنع ذلك في كل ركعة )).
هذا الحديث أخرجه الشَّافِعِيّ ([126])، وعبد الرزاق ([127])، وأحمد ([128])، والدارمي ([129])، والبخاري ([130]) ، وأبو داود ([131]) ، وابن ماجه ([132]) ، و النسائي ([133]) ، وابن الجارود ([134])، والطحاوي ([135])، وابن حبان ([136])، والطبراني ([137])، والدارقطني ([138])، والحاكم ([139])، والبيهقي ([140]) ، وابن حزم ([141]) من طريق علي بن يحيى بن خلاد ، عن أبيه ، عن عمه رفاعة بن رافع ، فذكره .
وأخرجه الطيالسي ([142]) ، وأبو داود ([143]) ، والترمذي ([144]) ، والنسائي ([145]) ، وابن خزيمة ([146])، والطحاوي ([147])، والطبراني في " الكبير " ([148]) ، والبيهقي ([149])، والبغوي ([150]) من طريق يحيى بن علي بن يحيى بن خلاّد ([151]) ، عن أبيه ([152]) ، عن جده ([153]) ، عن رفاعة بن رافع ، فذكره . وأخرجه الطحاوي ([154]) من طريق يحيى بن علي بن يحيى بن خلاّد ، عن أبيه ، عن جده رفاعة بن رافع ، فذكره .
وأخرجه الشافعي ([155])، وأحمد ([156])، والبخاري ([157])، وأبو داود ([158]) ، والطحاوي ([159]) ، والطبراني ([160]) ، من طريق علي بن يحيى ، عن رفاعة بن رافع ، فذكره ([161]) .
هكذا اضطرب في هذا الحديث وزيد في إسناده ، وقد نوه على الاختلاف الطحاوي ([162]) إلا أن هذا الحديث لم يقدح بصحته أحد – فيما أعلم – لصحته من حديث أبي هريرة ([163]) ، على أن الإمام النووي صحح حديث رفاعة فقال : (( حديث رفاعة صحيح ، والطمأنينة واجبة في السجود عندنا وعند الجمهور )) ([164]) .
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء
( حكم الطمأنينة في الركوع والسجود ، وبين السجدتين ، والاعتدال من الركوع )
وما دمنا قَدْ تكلمنا عن تخريج حديث رفاعة بإسهاب ، فسأذكر ما له من أثر في اختلاف الفقهاء :
الطمأنينة في الركوع والسجود
اختلف الفقهاء رحمهم الله في هذه المسألة على قولين :
الأول :
الطمأنينة في الركوع والسجود فرض فَمَنْ تَرَكَها فصلاته باطلة . وهو قول الإمام سعيد بن المسيب ([165]) ، وإليه ذهب أحمد ([166]) ، والشافعي ([167]) ، وأبو يوسف ([168]) ، وهو وجه للمالكية ([169]).
ودليلهم حديث رفاعة ، وحديث أبي هريرة ولاسيما قوله r للمسيء في صلاته : (( ارجع ، فصلِّ ؛ فإنكَ لم تُصلِّ )) ثم قوله بعد ذلك : (( اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً )) ([170]) .
ووجه الدلالة : أن النبي r جعل الصلاة الخالية من الطمأنينة كلا صلاة ، ثم أمره بعد ذلك بالطمأنينة في الركوع والسجود ، والأمر للوجوب ([171]) .
الثاني :
إن الطمأنينة في الركوع والسجود واجبة وليست بفرض وهو قول أبي حنيفة ومحمد بن الحسن ([172]) وهو وجه للمالكية ([173]) . ودليلهم قوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا [ ([174]) ، وهو أمر لمطلق الركوع والسجود والركوع في اللغة هو الانحناء والميل والسجود هو التطأطؤ والخفض فإذا أتى بأصل الانحناء والوضع فقد امتثل لإتيانه بما ينطلق عَلَيْهِ الاسم فأما الطمأنينة فدوام على أصل الفعل والأمر بالفعل لا يقتضي الدوام ، وأما حديث الأعرابي – المسيء صلاته – فهو من الآحاد فلا يصلح ناسخاً للكتاب ، ولكن يصلح مكملاً فيحمل أمره بالاعتدال على الوجوب ونفيه الصلاة على نفي الكمال وتمكن النقصان الفاحش الذي يوجب عدمها من وجه، وأمره بالإعادة على الوجوب جبراً للنقصان أو على الزجر من المعاودة إلى مثله . كالأمر بكسر دنان الخمر عند نزول تحريمها تكميلاً للغرض والحديث حجة عليهم ، لأن النبي r مَكن الأعرابي من المضي في الصلاة في جميع المرات ولم يأمره بالقطع فلو لم تكن تلك الصلاة جائزة لكان الاشتغال بها عبثاً إذ الصلاة لا تمضي في فاسدها فينبغي أن لا يمكنه منه ([175]) .
ورد صاحب " المغني " على دليل هذا الفريق بقوله : (( الآية حجة لنا لأن النبي r فسّر الركوع بفعله وقوله فالمراد بالركوع ما بينه النبي r ))([176]).
أما تمكين النبي r للأعرابي من إكمال الصلاة فهذا لا يقتضي صحتها ؛ لأن النبي r قال له : (( إنك لم تصل )) .
أما كونه خبر آحاد فلا يصلح ناسخاً ، فهذا بعيد ؛ لأنه ليس نسخاً ، بل غاية ما فيه أنه مبين وشارح للآية الكريمة فلا تعارض بينه وبين الآية .
النوع السادس : الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان متردداً بين ثقة وضعيف
الاختلاف في الأسانيد ملحظ مهم للرجل الذي يحب الكشف عن العلل الكامنة
في الأسانيد ؛ لأن الاختلافات تومئ إِلَى عدم ضبط الروايات وتخرج الْحَدِيْث غالباً من حيّز القبول إِلَى درجات الرد. والاختلافات الَّتِي تقدح في صحة الإسناد هِيَ الَّتِي يَكُوْن مدارها واحداً ، ومصدر خروجها واحداً، فإذا حصل الاختلاف على من هذا شأنه فهو أمر يهتم به العلماء غاية الاهتمام ؛ إذ هو يدلل على خلل طارئ من الأصل الذي روى الحديث أو من الرواة عنه . فإذا توبع الرواة على اختلاف رواياتهم فالحمل إذن على من دارت عليه الأسانيد ، فهو بلا شك حدث الجميع على أوجهٍ مختلفة متباينة فهو إذن فاقد لضبط الحديث في هذا الحديث خاصة ، وإن كان من الثقات الأثبات ومن أنواع تلك الاختلافات الكثيرة : الاختلاف في اسم الراوي ونسبه .
ومما اختلف الرواة فيه اختلافاً كبيراً
ما رواه الطحاوي ([177]) من طريق عفان ومسدد ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله r : (( أدوا زكاة الفطر صاعاً من تمر ، أو صاعاً من شعير ، أو نصف صاع من بر – أو قال : قمح – عن كل إنسان صغير أو كبير ، ذكر أو أنثى ، حر أو مملوك، غني أو فقير )) .
أقول : هذا الحديث هو حديث شيخ الزهري ثعلبة بن أبي صعير – كما في الرواية الآنفة - ، وقد اختلف في اسمه ونسبه اختلافاً كثيراً حتى إن بعض أهل العلم ضعّف الحديث به .
قال ابن حزم : (( هذا الحديث راجع إلى رجل مجهول الحال ، مضطرب عنه ، مختلف في اسمه ، مرة : عبد الله بن ثعلبة ، ومرة : ثعلبة بن عبد الله ، ولا خلاف في أن الزهري لم يلق ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، وليس لعبد الله بن ثعلبة صحبة )) ([178]) .
وَقَالَ الزيلعي في " نصب الراية " : (( حاصل ما يعلل به هذا الحديث أمران : أحدهما : الاختلاف في اسم أبي صُعَيْر، فقد تقدم من جهة أبي داود عن مسدد: ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صُعَيْر ، وكذلك أيضاً عن أبي داود في رواية بكر ابن وائل المتقدمة: ثعلبة بن عبد الله، أو قال: عبد الله بن ثعلبة على الشك، وعنده أيضاً من رواية محمد بن يحيى، وفيه الجزم بعبد الله بن ثعلبة بن أبي صُعَيْر، وكذلك رواية ابن جريج،وعند الدارقطني من رواية مسدد عن ابن أبي صُعَيْر، عن أبيه لم يسمه … )) ([179]).
ولهذا الاختلاف الشديد مال الحافظ إلى التفريق وجعلهما اثنين فقال : (( هذا يقتضي أن يكون ثعلبة بن صُعَيْر غير ثعلبة بن أبي صُعَيْر ، والله أعلم )) ([180]) .
وقد حاولت جاهداً جمع طرق الحديث ، والتنقيب عن الاختلافات الواردة فيه ، وسأفصل ذلك ، فأقول :
الحديث سبق ذكره من رواية النعمان بن راشد ، وعنه حماد بن زيد وقد اختلف على هذا الطريق :
فقد أخرجه الإمام أحمد ([181]) من طريق عفان بن مسلم ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه البخاري ([182]) عن مسدد عن الزهري ، عن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه .
وأخرجه أبو داود ([183]) ، عن سليمان بن داود ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه الفسوي ([184])، عن أبي النعمان، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة ، عن أبيه .
وأخرجه ابن ([185]) قانع ([186])، قَالَ :حدثنا : الحسن بن المثنى ([187])، قَالَ:حدثنا : عفان ، قَالَ: حدثنا : أحمد بن بشر المرثدي ([188]) ، قَالَ :حدثنا : خالد بن خداش ([189]) جميعاً ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه.
وأخرجه الدارقطني ([190]) ، عن إسحاق بن أبي إسرائيل([191]) ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن صعير أو عبد الله بن ثعلبة بن صعير، عن أبيه .
وأخرجه أيضاً ([192])، عن يزيد بن هارون، عن حماد بن زيد، عن النعمان بن راشد، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أو عن ثعلبة عن أبيه .
وأخرجه أيضاً ([193])، عن سليمان بن حرب ([194])، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه أيضاً ([195]) ، عن مسدد ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه البيهقي ([196]) ، عن مسدد عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري ، عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه .
وأخرجه أيضاً ([197]) ، عن سليمان بن داود ومسدد ، عن حماد بن زيد ، عن النعمان بن راشد ، عن الزهري -وفي رواية سليمان بن داود-، عن عبد الله بن ثعلبة ، وثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه .
والحديث رواه غير النعمان بن راشد ، عن الزهري ، وحصل فيه الاختلاف عينه في اسم راويه .
فقد أخرجه البخاري ([198])، وأبو داود ([199])، وابن أبي([200]) عاصم ([201]) ، وابن خزيمة ([202]) ، والطحاوي ([203]) ، وابن قانع ([204]) ، والطبراني ([205]) ، والحاكم ([206]) ، وابن الأثير ([207]) ، من طريق بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، عن أبيه .
وأخرجه أبو نعيم ([208]) ، وابن حزم ([209]) من طريق بكر بن وائل ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة بن أبي صُعير ، عن أبيه .
وأخرجه أبو نعيم ([210]) من طريق بحر السقاء ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة ابن صعير ، عن أبيه .
ثم إن الحديث قَدْ اختلف فيه اختلافاً غير هذا ، واضطرب في إسناده فقد أخرجه الدارقطني ([211]) من طريق سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن ابن أبي صعير ، عن أبي هريرة ، به .
وأخرجه عبد الرزاق ([212])، وأحمد([213])، والبخاري([214])، والطحاوي في شرح المعاني ([215])، والدارقطني ([216]) ، والبيهقي ([217]) عن معمر ، عن الزهري ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، به موقوفاً ثم قال - يعني : معمراً - : وبلغني أن الزهري كان يرويه إلى النبي r .
وأخرجه الدارقطني ([218]) ، من طريق سليمان بن أرقم ([219]) ، عن الزهري ، عن قبيصة بن ذؤيب ([220]) ، عن زيد بن ثابت .
وأخرجه عبد الرزاق ([221]) ، والبخاري ([222]) ، والدارقطني ([223]) ، من طريق ابن جريج ، عن الزهري ، عن عبد الله بن ثعلبة ، عن النبي r ([224]) .
وأخرجه ابن أبي شيبة ([225]) ، من طريق سفيان بن حسين ، والبخاري ([226]) ، من طريق إبراهيم بن سعد الزهري ، والطحاوي ([227]) ، والبيهقي ([228]) كلاهما من طريق عبد الرحمان بن خالد وعقيل .
أربعتهم : ( سفيان وإبراهيم وعبد الرحمان وعقيل ) ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، به مرسلاً .
هذا ما استطعت جمعه من طرق الحديث ، وهذه الاختلافات الشديدة مضعفة للحديث للإشعار بعدم ضبط راويه .
والحديث لم يقتصر على الخلاف في سنده ، بل اختلف في متنه ، قال الدارقطني : (( واختلفوا أيضاً في متنه في حديث سفيان بن حسين عن الزهري صاعاً من القمح ، وكذلك قال النعمان بن راشد عن الزهري عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه صاع من قمح عن كل إنسان ، وفي حديث الآخرين نصف صاع قمح، وأصحهما عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب مرسلاً )) ([229]) .
قال ابن المنذر : (( لا نعلم في القمح خبراً ثابتاً عن النبي r يعتمد عليه ، ولم يكن البر بالمدينة ذلك الوقت إلا الشيء اليسير منه ، فلما كثر في زمن الصحابة رأوا أن نصف صاعٍ منه يقوم مقام صاع من شعير وهم الأئمة )) ([230]) .
وَقَالَ البيهقي : (( وقد وردت أخبار عن النبي r في صاع من بر ، ووردت أخبار في نصف صاع ، ولا يصح شيء من ذلك ، وقد بينت علة كل واحد منهما في الخلافيات )) ([231]) .
وَقَالَ ابن عبد البر: (( هذا نص في موضع الخلاف، إلا أنه لم يروه كبار أصحاب ابن شهاب ، ولا من يحتج بروايته منهم إذا انفرد )) ([232]) .
أثر هذا الحديث في اختلاف الفقهاء
لهذا الحديث أثر في الفقه الإسلامي ، إذ بنيت على هذا الحديث مسألتان فقهيتان ، وترتب في ضوء العمل بهذا الحديث ، وعدم العمل به خلاف فقهيٌّ بين أهل العلم . وسأسوق كل مسألة مفردة عن أختها .
المسألة الأولى : إجزاء نصف صاع من البر في صدقة الفطر
اختلف الفقهاء في إمكان إجزاء نصف صاع من البر في صدقة الفطر على قولين :
القول الأول : يجزئ نصف صاع من البر لصدقة الفطر
وهذا مرويٌّ عن : أبي بكر الصديق ([233]) ، وعمر بن الخطاب ([234]) ، وعثمان بن
عفان ([235]) ، وأسماء ([236]) بنت أبي بكر ([237])، وعبد الله بن مسعود ([238]) ، ومعاوية ([239]) بن أبي سفيان ([240])، والحكم ([241])، وحماد ([242])، وعبد الرحمان بن القاسم ([243])، وسعد بن إبراهيم ([244])، وعطاء ([245]) ، ومجاهد ([246]) ، وعروة بن الزبير ([247]) ، وسعيد بن جبير ([248]) ، وطاووس ([249])، وعمر بن عبد العزيز ([250])، وأبي سلمة بن عبد الرحمان ([251])، وعبد الله ([252]) ابن شداد ([253])، وسعيد بن المسيب ([254]) ، وغيرهم ([255]).
وهو إحدى الروايتين عن : علي بن أبي طالب ([256]) ، وعبد الله بن عباس ([257]) ، وعبدالله([258]) بن الزبير ([259]) ، والحسن البصري ([260]) . وذهب إلى ذلك أبو حنيفة ([261]) .
والحجة لهم الحديث السابق الذكر والتفصيل .
القول الثاني : وهو أنه لا يجزئ في صدقة الفطر إلا صاع سواء كان من البر أو غيره
وهو المروي عن : عائشة ([262]) ، وعبد الله بن عمر ([263]) .
ومسروق ([264]) ، ومحمد بن سيرين ([265]) ، وأبي العالية ([266]) ، وغيرهم ([267]) .
وهي الرواية الثانية عن: علي بن أبي طَالِب ([268])، وعبد الله بن عَبَّاسٍ ([269])، وعبد الله بن الزبير ([270]) ، والحسن البصري ([271]) . وذهب إلى هذا الإمام مالك ([272]) ، والشافعي ([273]) ، وأحمد بن حنبل ([274]) .
وهو أنهم لم يحتجوا بحديث ابن أبي صعير للاختلاف الكبير الذي حصل فيه ، واحتجوا لمذهبهم بما رواه زيد بن أسلم ، عن عياض بن عبد الله، عن أبي سعيد الخدري، قال : كُنّا نُخْرِجُ زَكَاة الفِطْرِ – إذْ كانَ فِينا رَسُولُ الله r- صَاعاً من طَعامٍ ، أو صَاعاً من شَعِيرٍ، أو صَاعاً من تَمْرٍ ، أو صاعاً من زَبيبٍ، أو صَاعاً من أقطٍ ، فلم نَزَلْ نُخْرِجهُ حتّى قَدِمَ معاويةُ المَدِينَةَ ، فَتَكَلّمَ ، فَكانَ فِيما كلَّمَ به النّاسَ: إنِي لأرَى مُدَّيْنِ من سَمْرَاءِ الشّامِ تَعْدلُ صَاعاً من تَمْرٍ . قال فأخذَ النَّاسُ بذلك. قال أبو سعيد : فلا أزالُ أخرجهُ كما كُنْتُ أخرجهُ ([275]) .
وخالف ذلك كله ابن حزم – رحمه الله – فذهب إلى أنه لا يجزئ في زكاة الفطر إلا صاعٌ من التمر أو الشعير ، ولا يجزئ غيره ([276]) .
وحجته تضعيفه لحديث ابن أبي صعير، واقتصاره على ما ورد في حديث ابن عمر: (( أن رسول الله r فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير ، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، من المسلمين )) ([277]) .
المسألة الثانية : إيجاب صدقة الفطر على الفقير والغني
اختلف الفقهاء في بيان ما إذا تجب زكاة الفطر على الفقير أم لا ؟
فقد ذهب أبو حنيفة إلى أن زكاة الفطر تفرض على المتمكن فقط ، ومعيار معرفة المتمكن لديه ، هو أن يملك مئتي درهمٍ ([278]).
وحجته : قوله r (( لا صدقة إلا عن ظهر غنىً )) ([279]) .
أما الإمام مالك فقد نقلت عنه عدة روايات منها : (( أن زكاة الفطر واجبة على الذي له معيشة خمسة عشر يوماً ونحوه أو شهراً ونحوه )) ، وفي رواية قال : (( إنما هي زكاة الأبدان )) ، وفي رواية أخرى : (( إنها لا تجب على من ليس عنده )) ، وفي رواية أخرى: (( إنها واجبة على المحتاج أيضاً )) ، وفي رواية: (( إن من له أخذ زكاة الفطر فهي لا تجب عليه )) ، وفي رواية مشهورة عنه : (( إن زكاة الفطر واجبة على الفقير الذي يفضل عن قوته ، وقوت من يمونه صاعٌ كوجوبها على الغني )) ([280]) .
وذهب الشافعي إلى أنه من كان عنده فضل عن قوته وقوت من يمونه، وما يوفي
به زكاته أداها عنه وعنهم، وإن لم يَكُنْ عنده إلا ما يؤدي عن بعضهم أداها عن
بعضهم، وإن لم يكن عنده سوى مؤونته ومؤونتهم في يومه فليس عليه ولا على من يمونه زكاة ([281]).
وذهب إلى ذلك علي ، وأبو هريرة ، وعطاء ، وابن سيرين ([282]) ، وأبو سليمان([283])، وهي إحدى الروايات عن مالك كما تقدم .
وذهب الإمام أحمد إلى أن زكاة الفطر واجبة على كل من تلزمه مؤونة نفسه إذا فضل عنده عن قوته ، وقوت عياله يوم العيد ، وليلته صاعاً من أي صنف تجوز الزكاة منه ، فإن لم يفضل عنده إلا أقل من صاع فيؤديه في إحدى الروايتين عنه ، وفي الرواية الأخرى لا تجب عليه زكاة الفطر ([284]) .
وذهب عبيد الله بن الحسن إلى أن من أصاب فضلاً عن غدائه وعشائه فعليه أن يأخذ ويعطي صدقة الفطر ([285]) .
وهنا يأتي دور حديث ابن أبي صعير السابق الذكر والتفصيل ؛ فَهُوَ حجة لِمَنْ أوجب الصدقة عَلَى الفقير ؛ قال ابن قدامة : (( ولنا ما روي عن ثعلبة بن أبي صعير ، عن أبيه ؛ أن رسول الله r قال : (( أدوا صدقة الفطر … )) ([286]) .
القسم الثاني
الاضطراب في المتن
( ثقة ) ، مات سنة ( 120 ه ) أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة . التقريب ( 760 ) .
انظر : تحفة الأشراف 8/304 ، وتهذيب الكمال 8/242 ، وإتحاف المهرة 14/23 ، والإحكام ، لابن دقيق 2/252 .
(( حدثني أبو مُحَمَّد الأصيلي ولم أر مثله )) . سير أعلام النبلاء 16/560 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق